الكتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ) الناشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر الطبعة: الأولى، 1356 عدد الأجزاء: 6 مع الكتاب: تعليقات يسيرة لماجد الحموي   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- فيض القدير المناوي الكتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ) الناشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر الطبعة: الأولى، 1356 عدد الأجزاء: 6 مع الكتاب: تعليقات يسيرة لماجد الحموي   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [ مقدمة المؤلف ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 بسم الله الرحمن الرحيم [ص: 2] الحمد لله الذي جعل الإنسان هو الجامع الصغير فطوى فيه ما تضمنه العالم الأكبر الذي هو الجامع الكبير وشرف من شاء من نوعه في القديم والحديث بالهداية إلى خدمة علم الحديث. وأوتد له من مشكاة السنة لاقتباس أنوارها مصباحا وضاحا ومنحه من مقاليد الأثر مفتاحا فتاحا. والصلاة والسلام على أهل العالمين منصبا وأنفسهم نفسا وحسا المبعوث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا حتى أشرق الوجود برسالته ضياءا وابتهاجا ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ثم على من التزم العمل بقضية هديه العظيم المقدار من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم إلى يوم القرار الذين تناقلوا الخبر والأخبار ونوروا مناهج الأقطار بأنوار المآثر والآثار صلاة وسلاما دائمين ما ظهرت بوازغ شموس الأخبار ساطعة من آفاق عبارات من أوتي جوامع الكلم والاختصار (وبعد) فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم بل وكل مدرس ومعلم من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير الإمام الجلال الشهير بنشر جواهره ويبرز ضمائره ويفصح عن لغاته ويفصح القناع عن إشاراته ويميط عن وجود خرائده اللثام (1) ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام ويبين بدائع ما فيه من سحر الكلام ويدل على ما حواه من درر مجمعة على أحسن نظام ويخدمه بفوائد تقر بها العين وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذها من أين وتحقيقات تنزاح بها شبه الضالين وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين وتحرق نيرانها أفئدة الحاسدين لا يعقلها إلا العالمون ولا يجحدها إلا الظالمون ولا يغص منها إلا كل مريض الفؤاد من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فما له من هاد ومع ذلك فلم آل جهدا في الاختصار والتجافي عن منهج الإكثار فالمؤلفات تتفاضل بالزهر والثمر لا بالهذر وبالملح لا بالكبر وبجموم اللطائف لا بتكثير الصحائف وبفخامة الأسرار لا بضخامة الأسفار وبرقة الحواشي لا بكثرة الغواشي ومؤلف الإنسان على فضله أو نقصه عنوان وهو بأصغريه اللفظ اللطيف والمعنى الشريف لا بأكبريه اللفظ الكثير والمعنى الكثيف. وهنالك يعرف الفرض من النافلة وتعرض الإبل فرب مئة لا تجد فيها راحلة. ثم إني بعون أرحم الراحمين لم أدخل بتأليفه في زمرة الناسخين ولم أسكن بتصنيفه في سوق الغث والسمين بل أتيت بحمد الله بشوارد فرائد باشرت اقتناصها وعجائب غرائب استخرجت من قاموس الفكر وعباب القريحة مغاصها فمن استلحق بعض أبكاره الحسان لم ترده عن المطالبة بالبرهان. ولم أعرب من ألفاظه إلا ما كان خفيا فقد قال الصدر القونوي: غالب ممن يتكلم على الأحاديث إنما يتكلم عليها من حيث إعرابها والمفهوم من ظاهرها بما لا يخفى على من له أدنى مسكة في العربية وليس في ذلك كبير فضيلة ولا مزيد فائدة إنما الشأن في معرفة مقصوده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمنه كلامه من الحكم والأسرار بيانا تعضده أصول الشريعة وتشهد بصحته العقول السليمة. وما سوى ذلك ليس من الشرح في شيء. قال ابن السكيت خذ من النحو ما تقيم به الكلام فقط ودع الغوامض. ولم أكثر من نقل الأقاويل والاختلافات لما أن ذلك على الطالب من أعظم الآفات إذ هو كما قال حجة الإسلام يدهش عقله ويحير ذهنه. قال: وليحذر من أستاذ عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فإن إضلاله أكثر من إرشاده كيقما كان ولا يصلح الأعمى لقود العميان. ومن كان دأبه ليس إلا إعادة ما ذكره الماضون وجمع ما دونه السابقون فهو منحاز عن مراتب التحقيق معرج عن ذلك الطريق بل هو كحاطب ليل وغريق في سيل إنما الحبر من عول على سليقته القويمة وقريحته السليمة مشيرا إلى ما يستند الكلام [ص: 3] إليه من المعقول والمنقول رامزا إلى ذلك رمز المفروغ منه المقرر في العقول. قال حجة الإسلام في الإحياء: ينبغي أن يكون اعتماد العلماء في العلوم على بصيرتهم وإدراكهم وبصفاء قلوبهم لا على الصحف والكتب ولا على ما سمعوه من غيرهم فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم لا عالما اه. فياأيها الناظر اعمل فيه بشرط الواقف من استيفاء النظر بعين العناية وكمال الدراية لا يحملك احتقار مؤلفه على التعسف ولا الحظ النفساني على أن يكون لك عن الحق تخلف فإن عثرت منه على هفوة أو هفوات أو صدرت فيه عن كبوة أو كبوات فما أنا بالمتحاشي عن الخلل ولا بالمعصوم عن الزلل ولا هو بأول قارورة كسرت ولا شبهة مدفوعة زبرت ومن تفرد في سلوك السبيل لا يأمن من أن يناله أمر وبيل ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار. وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك ومدفوع إلى منهج مع خطر الخطأ مسلوك. ولا يسلم من الخطأ إلا من جعل التوفيق دليله في مفترقات السبل وهم الأنبياء والرسل على أني علقته باستعجال في مدة الحمل والفصال والخواطر كسيرة وعين الفؤاد غير قريرة والقرائح قريحة. والجوارح جريحة من جنايات الأيام والأنام تأديبا من الله عن الركون إلى من سواه واللياذ بمن لا تؤمن غلسة هواه فرحم الله امرءا قهر هواه وأطاع الإنصاف وقواه ولم يعتمد العنت ولا قصد قصد من إذا رأى حسنا ستره وعيبا أظهره ونشره. وليتأمله بعين الإنصاف لا بعين الحسد والانحراف. فمن طلب عيبا وجد وجد ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا والإنصاف فقد فقد والكمال محال لغير ذي الجلال ولما من الله تعالى بإتمام هذا التقريب وجاء بحمد الله آخذا من كل مطلب بنصيب نافذا في الغرض بسهمه المصيب كامدا قلوب الحاسدين بمفهومه ومنطوقه راغما أنوف المتصلفين لما استوى على سوقه سميته: فيض القدير بشرح الجامع الصغير. ويحسن أن يترجم بمصابيح التنوير على الجامع الصغير ويليق أن يدعى: بالبدر المنير في شرح الجامع الصغير ويناسب أن يترجم: بالروض النضير في شرح الجامع الصغير. هذا: وحيث أقول القاضي فالمراد البيضاوي. أو العراقي فجدنا من قبل الأمهات الحافظ الكبير زين الدين العراقي أو جدي فقاضي القضاة يحيى المناوي أو ابن حجر فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني رحمهم الله تعالى سبحانه. وأنا أحقر الورى خويدم الفقهاء: محمد المدعو عبد الرؤوف المناوي حفه الله بلطف سماوي وكفاه شر المعادي والمناوي ونور قبره حين إليه يأوي وعلى الله الإتكال وإليه المرجع والمآل لا ملجأ إلا لإياه ولا قوة إلا بالله وها أنا أفيض في المقصود مستفيضا من ولي الطول والجود: قال المصنف (بسم الله) أي بكل اسم للذات الأقدس لا بغيره ملتبسا للتبرك أؤلف فالباء للملابسة كما هو مختار الزمخشري. وهو أحسن وأفصح من جعلها للاستعانة الذي هو مقتضى صنيع القاضي ترجيحه لأن الملابسة أبلغ في التعظيم وأدخل في التأدب بخلاف جعل اسم الله آلة غير مقصودة لذاتها ولأنها أدل منها على ملابسة جميع أجزاء الفعل ولأن التبرك باسمه ظاهر لكل أحد وتأويل الأولية بأن المراد أن الفعل لا يتم شرعا ما لم يصدر باسمه لايدرك إلا بدقة النظر ولأن ابتداء المشركين كان بأسماء آلهتهم للتبرك بها ولأن كون اسم الله تعالى آلة الفعل [ص: 4] ليس إلا باعتبار أنه يتوسل إليه ببركته فعاد للتبرك ذكره الشريف وغيره وتعقب المولى حسن الرومي الأول بأن تلك الجهة غير ملحوظة بل الملحوظ جهة كون الفعل غير معتبر شرعا ما لم يصدر به. كما تقرر وهو يعارض التبرك بل أرجح والثاني يمنع الآلية المذكورة فهيهات إثباتها وبفرضه فباء الاستعانة في جميع أجزاء الفعل فيها الدلالة على تلك الملابسة مع زيادة لا تقاومها الآلية والثالث بأن العبرة بالخواص فالعوام كالهوام والدقة من أسباب الترجيح لا الرد والرابع بأن جعله آلة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل ويشتمل على جعل الموجود لفوات كماله بمنزلة المعدوم وذا يعد من المحسنات انتهى ونوزع بما فيه طول لايسعه المقام. وحذف متعلق الباء لئلا يقع في الابتداء غير اسم الله تعالى وهو لابد منه في إظهار المبدئية ليشاكل اللفظ المعنى ومن ثم التزم حذفه في كلام الحكيم تقدس أما ما لابد منه لإظهاره كتقديم الباء ولفظ اسم فلا يفوت البداءة بذكر الله تعالى كما بينه الشريف إذ المطلوب المبدئية على وجه يدل عليها وعلى الاختصاص والباء وسيلة لذلك والابتداء لا يتعين كونه باسم خاص من أسمائه بل يحصل بأي لفظ دل على اسمه فاستبان أن الابتداء بلفظ الاسم ابتداء بالاسم حقيقة والباء وسيلة لذكره وأن التبرك يحصل بجميع أسمائه والتعريف الإضافي قد يحمل على معاني التعريف باللام فيراد جنس الأسماء أو جميع أفرادها. وقدر متعلق الباء فعلا لأصالته في العمل وقلة الإضمار ومؤخرا ليفيد الحصر والاهتمام. وقول أبي حيان: تقديم الظرف لا يوجب الاختصاص أطنب المحقق أبو زرعة في رده في حاشية الكشاف ولا يرد {اقرأ باسم ربك} لأن الأهم فعل القراءة لكونها أهم منزل. وخامسا لأنه أنسب بالمقام وأوفى بتأدية المرام وأتم فائدة وأعم عائدة وتقدير أبتدئ مخل بالغرض من شمول البركة للكل وقول المولى الخسرولي: هو أولى امتثالا للفظ الخبر منعه الإمام حسن الرومي بأن مناط الامتثال البدء بالتسمية لا تقدير فعله إذ لم يقل فيه كل أمر ذي بال لم يقل فيه أو لم يضمر فيه ابتدئ أو افتتح مفوت للمعنى المناسب لفعل الشروع إذ القصد تلبس جميع أجزاء الفعل بالتبرك فلما تعذر تحقيقا ولا حرج في الدين جعل طريقه كون الشروع فيه ملتبسا بها كما في النية حيث اعتبرت في ابتداء العبادات تحقيقا وفي كلها تقديرا. وحذف الألف من بسم الله لكثرة الاستعمال وطولت الباء للدلالة عليه وإشارة إلى أنها وإن كانت في الأصل حرفا منخفضا لكن لما اتصلت باسم الله ارتفعت وسمت ويجعل مناط الحذف كثرة الاستعمال عرف وجه إثباتها عند اتصالها بلفظ آخر نحو: لذكر اسم الله حلاوة أو مضاف إلى اسم آخر نحو: باسم ربك. والباء للجر فكسرت لتشابه حركتها عملها ثم إن كون المتعلق به مقدما على الرحمن الرحيم هو ما درج عليه المحققون لكن قال البلقيني: قضية البداءة بالاسم وإفادة الاختصاص التي علي ادعاها الزمخشري كون المقدر مؤخرا عن البسملة بكمالها لئلا يقع الفصل بين الموصوف والصفة بما لم يتعين تقديره في هذا الموضع والاسم ما يجمع اشتقاقين من السمة أو السمو وهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من الذات سمو قاله الحراني. والله اسم عربي لا سرياني معرب وهو علم مختص بمبدع العالم لم يطلق على غيره فيما بين المسلمين وغيرهم ولا عنادا وغلوا في العتو مطلقا وعلاقة الاشتقاق فيما بينه وبين غيره إنما تنافي علميته لو ثبت أصالة ذلك الغير ولم تثبت واستظهار القاضي أنه وصف غلب عليه بحيث لم يستعمل في غيره فصار كالعلم لا علما لأن ذاته غير معقول لنا فلا يمكن الدلالة عليه بلفظ ولأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوص لما أفاد وهو الله في السماوات معنى صحيحا تصدى جمع من أرباب الحواشي لدفعه أما الأول فلأن علم الواضع عند الوضع بكنه حقيقة الموضوع له وملاحظة لشخصه لا ضرورة للزومه بل يكفي ملاحظة انحصار ذلك الوجود في الخارج فيه بدليل أن الأب يضع علما لولده قبل رؤيته ولو سلم فلا مانع من كون الواضع هو الله تعالى ثم عرفنا إياه وأما الثاني فلأن الاسمية لا تقتضي الدلالة على مجرد الذات فإن أسماء الزمان والمكان والآلة مثلا أسماء باتفاق مع دلالتها على معنى زائد على الذات ولو سلم فليكن تعلقه به باعتبار ملاحظة المعنى الوضعي الخارج عن الاسم كذا حققه المولى حسن بعد ما رد على جميع ما لهم هنا من الأقاويل المتعسفة. والإله أصله أله فلما دخلت أل حذفت الهمزة تخفيفا وعوض عنها حرف التعربف وإنما كانا عوضا عنها مع أن [ص: 5] دخولهما قبل حذفها لأن دخولهما قبل الحذف لا بطريق اللزوم وبعده يكونان لازمين فيها فباعتبار اللزوم يكونان عوضا وهو اسم جنس لكل معبود حق أو باطل ثم غلب منكرا على المعبود بحق ثم خص بذاته بعد التعريف مشتق من أله كعبد وزنا ومعنى أو من أله بمعنى فزع وسكن أو من وله أي تحير ودهش أو طرب أو من لاه احتجب أو ارتفع أو استتار أو غير. والحاصل أن إلها بمعنى مألوه أي معبود أو مألوه فيه أي متحير فيه وقس الباقي. فمجموع الأقاويل هو المعبود للخواص والعوام المفروغ إليه في الأمور العظام المرتفع عن الأوهام المحتجب عن الأفهام الظاهر بصفاته العظام الذي سكنت إلى عبادته الأجسام وولعت به نفوس الأنام وطربت إليه قلوب الكرام. ثم تفخم لامه إذا انفتح ما قبلها أوصم طريقة مطردة لغة أو مطلقا وحذف ألفه لحن يبطل الصلاة لانتفاء بعض لفظ الموضوع ولا ينعقد به اليمين مطلقا لابتنائه على وجود الاسم ولم يوجد والبلة إنما هي الرطوبة وما أفهمه كلام القاضي من كونه كناية وجه صحيح محرر ومذهب النووي خلافه. ثم أعقب اسم الذات اسمين بصفتي المبالغة في الرحمة رمزا إلى سبقها وغلبتها على الأضداد وعدم انقطاعها فقال (الرحمن الرحيم) أي الموصوف بكمال الإحسان بجميع النعم أصولها وفروعها عظائمها ودقائقها أو بإرادة ذلك فمرجعهما صفة فعل أو صفة ذات قال في البحر: وهو أقرب إلى الحقيقة إذ الإرادة متقدمة على الفعل وأصلهما واحد لكونهما من الرحمة والرحمن عربي ونفور العرب منه لتوهمهم التعدد وأتم مبالغة من الرحيم كما وكيفا لأن فعيلا لمن وجد منه الفعل وفعلان لمن كثر منه وحق الأبلغ التأخير قضاء لحق الترقي لكنه قدم لمناسبة اسم الذات في اختصاصه به إذ لم يطلقا على غيره مطلقا إلا أن الله اسم وهو قسم من العلم كما تقرر. والرحمن وصف أريد به الثناء فأجري مجري الأعلام وليس بعلم حقيقة ومجيئه غير تابع للعلم بحذف موصوفه. ووصفه تعالى بالرحمة التي هي العطف من إطلاق السبب على المسبب وهو الإنعام والإحسان إذ الملك إذا عطف رق فأحسن إطلاقه عليه مجاز مرسل أو استعارة تمثيلية بل حول بعض المحققين جعله حقيقة شرعية وعرفية لكثرة الإطلاق بدون قرينة أو قصد تشبيه وتعقيبه بالرحيم من قبل التتميم فإنه لما دل على جلائل النعم أولى الرحيم دفعا لتوهم عدم التعميم وخطور أن الدقائق مما لا يلتفت إليه فلا يتطفل فيها عليه ووفاقا لترتيب الوجود لإيجاد النعم العامة قبل الخاصة وكلاهما صفة مشبهة. أو الرحيم اسم فاعل فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ حيث لم يستعمل في غيره تقدس ولم يوصف به أحد سواه بين جميع الملل والنحل إلا تعنتا وغلوا في الكفر كرحمن اليمامة والرحيم بالعكس وآثرهما من بين سائر الصفات لتضمنهما الدلالة على سائر الأسماء الحسنى إذ من عمت رحمته وتمت نعمته انتفت عنه شوائب النقص وطويت النقمة في أفهام اختصاص الثاني رمزا إلى أن من شروط كمال حسن الترغيب الإشارة منه إلى مقام الترهيب كما هو الاسلوب في كتب علام الغيوب ليكون باعث الرجاء والخوف في قرن. قال بعض الحكماء: والأحسن بيانية إضافة البسملة. قال صاحب القاموس: وإنما حذفت الألف من لفظ رحمن تخفيفا ولم تحذف الياء من الرحيم خوفا من اللبس ولما افتتح كتابه بالبسملة التي الافتتاح بها أجل افتتاح باسم الحق تقدس وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها باسم الحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال من القول الدال على أنه سبحانه مالك لجميع المحامد بالاستقلال فأعقبها به في جملة أوقعها مقول القول فانتصب به تاركا للعطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية في أصل الابتداء فقال (الحمد لله) أي الوصف بالجميل مملوك أو مستحق لله تعالى فلا فرد منه لغيره بالحقيقة ولم يكتف بالتسمية لما تقرر أن المقام مقام تعظيم فاللائق به التصريح بالحمد وقصره عليه ولأنها وإن تضمنت جهة الحمد لكن من اقتصر عليها لا يسمى حامدا عرفا ومن ثم وقع التدافع ظاهرا بين حديثي الابتداء واحتيج للتوفيق بأن البداءة إما حقيقية وهي ذكر الشيء أولا على الإطلاق أو إضافية وهي ذكره أولا بالإضافة إلى شيء دون شيء وهذه صادقة بذكر الحمد قبل المقصود بالذات وخص الحقيقي بالبسملة لأنها ذكر الذات والحمد ذكر االوصف فوجب تقديمها بقدر ما تندفع به ضرورة امتناع الجمع في المبدأ كذا قرره جمع. وقد انتهبه البعض فعزاه لنفسه بعد ما أتى بترديدات بعيدة واحتمالات [ص: 6] غير سديدة أو أن المراد في كل رواية الابتداء بأحدهما أو بما يقوم مقامه ولو ذكرا آخر بقرينة تعبيره تارة بالبسملة وأخرى بالحمدلة وطورا بغيرهما فاللازم في دفع الاجذمية الابتداء بأحد الأمور لا بها كلها أو بأن رواية البسملة والحمدلة تعارضتا فسقط قيداهما كما في غسلات الكلب ورجع للمعنى الأعم وهو إطلاق الذكر والحمد يطلق على أعم من خصوصه. ألا ترى أن غالب الأعمال الشرعية لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه كالصلاة والأذان والحج فدل على أنه ليس المراد إلا إظهار صفة الكمال وهو حاصل في نحو الصلاة بالتكبير وفي الحج بالذكر المطلوب عند الإحرام فلايتوجه ما قيل عموم الأخذ منه مشكل بظاهر الصلاة والأذان. هذا محصول ما هنا من الأجوبة المرضية للعظماء وثم أجوبة شهيرة وتوجيهات كثيرة كلها مدخولة وقد بينت ما عليها من نقل ورد في شرح البهجة بما لم يجمعه قبله كتاب   (1) [أي: ويزيح عن وجوه المتسترات النقاب. ماجد الحموي] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 ثم الحمد النعت بالجميل على الجميل أي الفعل الحسن الصادر من المحمود باختياره حقيقة أو حكما على وجه يشعر بتوجيهه إلى المنعوت للتعظيم ظاهرا وباطنا بأن يقصد به إنشاء التعظيم على وجه التعميم فلابد لتحقق ماهيته في الوجود من أمور خمسة: محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على إنصاف المحمود بصفة فالأول صفة تظهر اتصاف شيء بها على وجه مخصوص ويجب كونه صفة كمال يدرك العاقل السليم القابل لدرك الحقائق حسنها ولو بدقة نظر أو تعلم. والمراد بالجميل أعم مما في الواقع أو عند الحامد أو المحمود بزعم الحامد فشمل النعت بنحو ظلم ادعى أحدهما حسنه إذ المناط التعظيم وقد وجد ولا فرق بين كون المحمود ثبوتيا أو سليبا كما صرح به الإمام الرازي ولا بين كونه من الكمالات المتعدية كإنعام وتعليم وتسمى فواضل وغيرها كعلم وقدرة وحسن وتسمى فضائل ولا بين كونه صدر عن المحمود باختياره أولا فالوصف بكمال نحو حسن أو ذات حمد كما قرره النحرير الدواني والعلامة صدر الأفاضل في حواشي التجريد والمطالع وقال المولى حسن الرومي إنه الأشهر وظاهره نقل ذلك عن قدماء القوم وشهرته بينهم وجزم به المحقق خسرو الرومي حيث قال: الحمد يقتضي محمودا به أعم من كونه اختيارا أولا وبه يمتاز عن الأشهر ومحمودا عليه اختياريا وبه يمتاز عن المدح أعم من كونه إنعاما أو غيره وبه يمتاز عن الشكر انتهى لكن نقل الدواني في شرح التهذيب عن البعض وجوب كون المحمود به اختياريا ثم اختاره موجها بأن الجميل صفة الفعل وهو بالاختيار كما ذكره التفتازاني وأيد بأنه لم يثبت لغة عموم المحمود به اختيارا حتى يصرف ذلك للمحمود عليه فالأصل كون المحمود به اختياريا مثله وكما لم يسمع الحمد على صباحة الخد ورشاقة القد لم يسمع الحمد بهما فما لا اختيار فيه لا يحمد به ولا عليه وعدم حمد اللؤلؤ كما يمكن كونه من جهة اشتراط أن المحمود عليه يجب كونه اختياريا فكذا من جهة اشتراط المحمود به فعلا فجعله دليلا على أحدهما فقط تحكم والثاني ما يقع الوصف الجميل بإزائه ومقابله بمعنى أن المنعوت لما اتصف به ذكر جميله وأظهر كماله فهو لأجل حصوله له ولولاه لم يتحقق ذلك الوصف فهو كالعلة الباعثة للواصف على الوصف أو هو علته وقد يكون الشيء الواحد محمودا به وعليه معا كأن رأى من ينعم أو يصلي فأظهر اتصافه بذلك فتلك الصفة من حيث بعثها على إظهار اتصافه بها محمود عليها ومن حيث اتصافه وإظهار كونها من صفاته محمود بها ويجب في المحمود عليه كمالا فغيره لا يصلح سببا لإظهار الكمال والمراد أعم مما في ظن الحامد أو المحمود على قياس ما سبق في المحمود به وظاهر كلام الجمهور أن المحمود عليه أعم من كونه فعلا صادرا من المحمود أو كيفية قائمة به لكن في شرح الكشاف للسعد تبعا للرازي أن المراد فعل جميل فلا يكفي أن يكون للمحمود دخل في صدوره عن غيره لا على وجه الفاعلية لانتفاء الفعل المشترط إذ التعظيم حينئذ من حيث تعلق الصفة به لا من حيث كونه فعلا فمعنى قول الشريف يختص الحمد بالفاعل المختار أنه فاعل للمحمود عليه ثم المشهور بين الجمهور أن المحمود عليه يشترط حصوله من المحمود باختياره حقيقة أو حكما فالثناء على صفاء اللؤلؤ ورشاقة القد وصباحة الخد مدح لا حمد ولا يشكل بقوله سبحانه {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} لأنه من وصف الشيء بوصف صاحبه أو أن الحمد فيه مجاز عن المدح ولا بقول الشاعر: أرى الصبر محمودا عواقبه. . . وقوله: والصبر يحمد في المواطن كلها لأنه كما قال خسرو بمعنى الرضا لمجيئه في اللغة لذلك أيضا وبتعميم الاختيار وقع الإشكال بثنائه سبحانه على صفاته الذاتية لأنها غير مسبوقة بالاختيار وإلا لزم حدوثها كما قرر في محله وما ذاك إلا لأن الذات لما كانت مستقلة في تحققها [ص: 7] من غير مدخلية شيء من الأغيار بمعنى إذا شاء ترك نزل منزلة الاختياري لتكون في حكمه أو أنها لما ترتبت عليها أمور اختيارية جعلت في حكمه فالمراد ماكان اختياريا نفسه أو أثره وها هنا تنبيه وهو أن ما تقرر من اشتراط الاختيار إنما هو بالنظر إلى الحقيقة أما المجاز فلا كما يصرح به كلام الزمخشري حيث قال: ومن المجاز حمدت الأرض رضيت سكناها والرعاة يتحامدون الكلأ وجاورته فما حمدت جواره وأفعاله حميدة وهذا طعام ليست عنده محمدة أي لا يحمده آكله والثالث وهو من يتحقق منه الحمد وشرطه أن يكون معظما بذاته للمحمود في سائر أقواله وجميع أفعاله ظاهرا وباطنا بأن يقصد به إظهار التعظيم على جهة التعميم فلو اقترن بما دل عليه الوصف بالكمال من التعظيم والعظمة من جميع الوجوه إلا جهة واحدة فاقترن منها بتحقير أو استهزاء أو تهكم كما لو صدر بفعل أكبر الجوارح مع مخالفته جارحة واحدة لم يكن حمدا لأن التعظيم الظاهري والباطني إنما يتحقق تفاوتهما باعتبار قيد زائد هو اعتبار العموم في الأفراد وإذا كان بعض أفراده صارفا عن التعظيم كذا حققه صدر الأفاضل وأيد بأن التعظيم والتحقير من شخص واحد في آن واحد لا يجتمعان فإن فرض اجتماعهما لم يتبادر منه إلا التحقير فكأنه نص في التحقير فحمل المحتمل عليه والتحقير في القبيح والذم أتم وأشد من التعظيم في الحسن والكمال ألا ترى أن أدنى ما يوهم الاستهزاء أو التهكم يوجب الذم والعقوبة وقل ما يترتب على صريح التعظيم ما يناسبه إذا قل لكن لا يلزم اعتقاد اتصاف المحمود بالجميل المذكور عند المحققين بل الشرط عدم اقترانه يشوب تحقير فدخل الوصف بما قطع بانتفائه كما مر. قال الدواني: ولا يناقضه توجيه الشريف لاشتراط التعظيمين بأنه إذا عرى عن مطابقة الاعتقاد لم يكن حمدا بل سخرية لأنه أراد بالاعتقاد لازمه وهو إنشاء التعظيم لا معناه الحقيقي فإن الحمد قد يكون إنشائيا ولا معنى لمطابقة الاعتقاد فيه لأن ما لا يتعلق به الاعتقاد لا يوصف حقيقة بمطابقة الاعتقاد إذ المتبادر من مطابقة الاعتقاد الاتحاد في الإيجاب والسلب أو ما يستلزمه أو يؤول إليه وهذا لا يوجد إلا في القضايا ولذلك لا تسمع من أحد من أهل الاصطلاح أن التصوير يطابق الاعتقاد بل لو قال أحد إن تصور مفهوم نحو اضرب يطابق الاعتقاد نسبه أهل العرف الخاص لما يكره وحمل المطابقة على هذا المعنى أقرب من التزام اتصاف التصورات بالمطابقة وإلا مطابقة إذ ليس في هذا المعنى إلا ذكر الملزوم وإرادة اللازم مع أن أهل العرف العام قد يطلقون الاعتقاد بهذا المعنى يقال فلان له اعتقاد في فلان ويراد مثل ذلك ولا بعد فيه لأنهم يعدون الوصف بالجميل المعلوم الانتفاء إذا كان كذلك مدحا وحمدا كالقصائد المشتملة على وصف الممدوح بما هو محقق الانتفاء إلى هنا كلام الدواني. قال: وأما الجواب بأن الواصف يعتقد اتصاف الممدوح بما ذكر وأنهم أرادوا معاني مجازية واعتقدوا اتصاف المنعوت بها فيرده أن الأول خلاف البديهة والثاني خلاف الواقع اه. واعترضه صدر الأفاضل بأن الأول لو كان خلاف البديهة لم يقصد العقلاء إفادته ولم يكن اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي والثاني لو كان خلاف الواقع لما كان الكلام مستعملا في معناه المجازي فيلزم أن لا يكون الكلام المذكور حقيقة ولا مجازا انتهى. وأجابه الدواني بما نصه: هذا السيد الفاضل لم يتذكر أنه لا يلزم من عدم اعتقاد مدلول الكلام أن لا يكون الكلام مستعملا فيه فإن الأخبار التي مضمونها خلاف اعتقاد المتكلم كقول السني المخفي عن حاله عن المعتزلي: العبد خالق لأفعال نفسه الاختيارية مستعملا في معناه الحقيقي مع أنه لا يعتقده بل جميع الأكاذيب التي يتعمدها أهلها كذلك. ثم إنه حمل قوله والأول خلاف البديهة على أن مضمون تلك الأخبار خلاف البديهة وفرع عليه أنه يلزم أن لا يقصد العقلاء إفادته ويرد عليه منع الملازمة فإن الأكاذيب التي يعتمدها المتكلم العاقل قد تخالف البديهة مع قصد المتكلم إفادتها لغرض من الأغراض كتغليط المخاطب أو تبكيته أو امتحانه أو للتخييل فلا يلزم أن لا يكون ذلك الكلام حقيقة ولا مجازا كما توهمه والأخبار قد يقصد بها إفادة التصديق بمضمونها إما جزما أو ظنا وقد يقصد بها إفادة التخييل كما في القضايا الشعرية انتهى. الرابع المحمود وقد سبق اشتراط كونه فاعلا مختارا أو في حكمه ثم إن المحققين التفتازاني والجرجاني والمفسرين الأفضلين الزمخشري والقاضي صرحوا في عدة مواضع بأن الحد مختص به تعالى منحصر فيه وعليه إشكال قضوا له بالصعوبة لأن أفعال العباد كما ترجع إلى الله من [ص: 8] جهة الخلق والاقتدار وتهيئة الأسباب والتوفيق ترجع إلى العبد من جهة المباشرة بعد الإرادة وهذه الجهة وإن رجعت إلى الله لأنه المحصل للأسباب الدافع للمواقع ترجع للعبد قطعا لخلق الجميل فيه وتمكنه من مباشرته فيحمد باعتبارها فرجوعه إلى الله لا يقتضي الحصر والناس فيه فريقان فريق تجرأوا على أولئك المحققين وحكموا على كلامهم بالتوهين ومنهم المولى ابن الكمال فرماهم بالوهم في هذا المجال حيث قال: لا اختصاص بالحمد بالله كما يفصح عنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها نحمد الله لا نحمدك وقول علي رضي الله تعالى عنه:. . . لاتحمدن امرءا حتى تجربه. . . بل اختصاصه بذي علم وشعور كما يرشد إليه قولهم في المثل السائر: عند الصباح يحمد القوم السري. قال: ومن هنا تبين أن المحمود عليه لا يلزم كونه فعلا لمن حمد به فضلا عن كونه مختارا فيه كما توهم وأن من وهم قيام الفرق بين الحمد والمدح لصحة تعلق الثاني بالجماد دون الأول فقد وهم واتضح به أنه لا مدخل لمسألة خلق العباد لأفعالهم هنا لأن الكلام في الحمد اللغوي ومرجعه إلى من وثق بعربيتهم بالنقل الصحيح والاستعمال الصريح وقد صح عنهم عدم الاختصاص وأما حمل التعريف على الجنس دون الاستغراق فمنشؤه أمر وراء ذلك وهو أن مقتضى مقام الخطاب تخصيص حقيقة الحمد به تعالى تنزيلا لأفراد الحمد الثابتة لغيره منزلة العدم والقصد إلى هذا المعنى ظاهر عند كون التعريف للجنس لا للاستغراق إذ قد يكون جزئيا كجمع الأمير الصاغة فلا يوجب استيعاب جميع الأفراد. إلى هنا كلامه. وفريق سلكوا سبيل الأدب مع أولئك العظماء وسيد هذا الفريق سيد المحققين الدواني فنزل الحصر على الحقيقة لأن الحمد يختص بالفعل الاختياري ولا اختيار لغيره تقدس على قاعدة أهل الحق والعبد مضطر في صورة مختار انتهى. والحاصل أنهم نزلوا حمد غير الله منزلة العدم أو منزلة حمده الله تعالى لأنه مبدأ كل جميل فحمد غيره كالعارية لأن الكل منه وإليه خلقا وتمكينا وتيسيرا وليس لغيره غير مجرد مظهرية لما بين يديه وكل جمال وكمال مضمحل في جماله وكماله وراجع إليه وكل اختيار لغيره يعود إلى اضطرار. الخامس وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان والمراد منه أن يكون مجارحة النطق فلما كان الواقع كون آلة التكلم هي تلك الجارحة خص بها فلو فقد لسان إنسان فأثنى بحروفه الشفوية على جميل أو خلق النطق في بعض جوارحه كما ذكر بعض الثقات أنه شاهده فأثنى به فهو حمد وقضية التقييد به أيضا أن لا يكون الصادر عن المنزه عن الجارحة حمدا وقد قال تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} فذهب الأكثر إلى أنه إخبار باستحقاق الحمد أو أمر بالحمد أو منقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية المطلوبة من الحمد وميل السيد إلى الأخير لكن النحرير الدواني قال: كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام قال: فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي في مقابلة الجنان والأركان والمراد الفعل الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد أغلى يسوغ الاستعمال فيه. وتوضيحه أن اللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لأمر عام اشتهر في بعض أفراده بخصوصه بحيث يصير حقيقة عرفية في ذلك الفرد وسبب الاشتهار إما كثرة تداول ذلك اللفظ كما في لفظ الدابة فإنه موضوع في الأصل لما يدب على الأرض ثم اشتهر به في العرف العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية فيه وإما عدم الاطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ذلك ولم يطلعوا على إطلاقه على فرد آخر ظنوا أنه موضوع لخصوصه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن ثم من لم يطلع على تلك الآلة إلا على ما له لسان وعمود ربما يجزم بأنه موضوع لهذا حتى أن من لم ير موازين المياه وغيرها من موازين الحكمة ربما يظن أنها ليست ميزانا وكما أن من لم يشاهد من الخبز إلا ما هو من الحنطة لا ينساق ذهنه عند سماع لفظ الخبز إلا إليه وربما لم يصدق بأن غير من أفراد الخبز حقيقة ومثل ذلك يجري في كثير من الألفاظ ثم الأمر في المشتقات لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة لظهوره بالرجوع إلى قاعدة الاشتقاق أما في غيره فربما يشتبه على الجماهير وبذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب والسنة فإن أكثرهما وارد على أصل اللغة إذا تمهد ذلك فقس عليه الحمد فإن حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال ولما كان الإظهار القولي أظهر أفرادا وأشهرها عند العامة شاع استعمال لفظ الحمد فيه حتى صار كأنه حقيقة فيه مجاز في غيره مع أنه بحسب [ص: 9] أصل الواقع أعم بل الإظهار الفعلي أقوى وأتم فهو بهذا الاسم أليق وأولى كما هو شأن القول بالتشكيك انتهى. وشمل التعريف حمد الملائكة لنطق النصوص بنطقهم باللسان وتشكلهم كالإنسان وأخرج حمد الطير والبهيمة والنائم لفقد القصد المعتبر. ثم إنه قد عرف بما قد سلف أن الحمد لله وأحمد الله حمد لدلالته على الاتصاف بالكمال وبه جزم الشريف وأورد الدواني أنا لا نسلم دلالة نصفك على الانصاف لصدقه مع كذب الاتصاف فلا يكون وصفا بالجميل بخلاف أنت نتصف ثم أجاب بأن التعظيم الباطني المشترك يدل على اعتقاد كمال ما بدأ به وهو يدل عرفا على معنى أنت متصف إذ الإنسان لا يكذب نفسه وبأن العبارة تطلق عرفا بمعنى أنت متصف وبأن نحمد دال على صدور القول والقول دال على الإتصاف فهو دال على الانصاف انتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 قال الصفوي: وما ذكره من أن الشخص لا يكذب نفسه إنما يجيء في نحو حمدت وأحمد لا أنت محمود أو لك الحمد ونحوه مما لم يتضمن دعوى اعتقاد المتكلم. ثم إن الإشكال من أصله إنما يتجه إذا لم يلاحظ معنى اللامين فإن لوحظ اختصاص الجنس أو الأفراد أو الفرد الكامل أو الأكمل فدلالته على الكمال التام في كمال التمام. وقد أتينا على بيان أركان الحمد الخمسة على جهة الاقتصار والاختصار ولم يبق إلا التتميم بإيراد ما اشتهر من أن الجملة خبرية أو إنشائية وجوزهما الشريف فقال: إخبار كما هو أصله إو إنشاء وذلك لأن الخبر بثبوت الحمد يستلزم الوصف بالجميل فإذا تحقق باقي الأركان فهو حمد وكلامه مشير إلى ترجيح مطلق الخبرية بالأصالة وجرى عليه جمع منهم المولى حسن الرومي حيث قال ما محصوله: وإنما ترجح الإخبار بالأصالة مع أن قصد القائل إحداث الحمد لأن الإخبار بثبوت جميع المحامد لله هو عين الحمد كما أن قولك الله واحد عين التوحيد انتهى. وقد ألف العلامة البخاري في الانتصار لكونها خبرية مطلقا مؤلفا حافلا. ووهم من زعم أنها إنشائية فقال: الحق الذي لا محيد عنه أنها خبرية مطلقا وما يسبق إلى بعض الأوهام من أنها إنشائية فعلى نقيض ما تقتضيه صناعة العربية وخلاف ما عليه أساطين الفنون الأدبية واستظهر على ذلك بأمور يطول ذكرها. ورده الكمال ابن الهمام فقال: بالغ بعضهم في انكار كون الحمد لله إنشاء لما يلزم عليه من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود قال: ويبطل من قضيتين إحداهما أن الحمد ثابت قطعا قبل الحامد والأخرى أنه لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلق إخباره اسم قطعا فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يكن القائل الحمد لله حامدا فهما باطلان فبطل ملزومهما واللازم من المقارنة أي مقارنة معنى الإنشاء لفظه انتفاء وصف الواصف المعين لا الاتصاف وهذا لأن الحمد إظهار الصفات لا ثبوتها. نعم يتراءى لزوم كون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحامد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه ابتداء التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان إلى هنا كلامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والقول بأن جملة الحمد من صيغ الإنشاء شرعا أو مشتركة بين الإخبار والإنشاء كصيغ العقود زيفه المولى حسن بأن تلك إخبارات لغوية نقلها الشرع إلى الإنشاء لمصلحة الأحكام وإثبات النقل في مثل ما نحن فيه بلا ضرورة ممنوع فقول البعض هو غير بعيد ناشئ عن عدم الإهتمام بتحرير المقام وبذلك نجز الكلام على الحمد. وكأني بك تقول قد أبهمت في مقام التعيين وأجملت في محل التبيين حيث عرفت الحمد بأنه " النعت بالجميل " إلى آخره ولم تبين أن ذلك هو تعريفه اللغوي ولم تتعرض لما تطابقوا عليه من تعريفه عرفا بأنه " فعل ينبئ عن تعظيم المنعم " فأقول لم أغفله من ذهول بل لأن جعلهم ذلك لغويا وذا عرفيا قد تعقبه العلامة البخاري بالرد وأطنب بما منه أن هذا إنما هو اصطلاح لبعض المتكلمين وأن أهل اللغة والشرع قد تطابقوا على أن حقيقة الحمد الوصف بالجميل قال: فليس الحمد لغة أعم منه شرعا على أن إطباق المفسرين على تفسير الحمد الواقع في القرآن بما فسره به أئمة اللغة دليل على تطابق الشرع واللغة وإلا لما صح تفسير الحمد الواقع في كلام الشارع به لما أن الألفاظ الواقعة في كلامه إذا كان لها معنى شرعي مغاير للمعنى اللغوي يجب حملها على المعنى الشرعي ولا يجوز حملها على المعنى اللغوي انتهى. ثم لما كان الحمد من المصادر التي تنصب بأفعال مضرة والأحداث المتعلقة بالمحل المقتضية لانتسابها إليه والفعل أصل في بيان النسب كان حقه أن يلاحظ معه الفعل لكنه عدل إلى اختيار الإسمية إفادة الإنسان هو الجامع الصغير. . . [ص: 10] للدوام والثبوت إجابة لمناسبة المقام كذا قرره التفتازاني قيل وهو على حسنه لا يخلو كدر بالنسبة لخصوص المقام إذ لا تخفى حسن المناسبة بين القول المتجدد والحادث والفعل الدال على التجدد والحدوث فالتعبير بالفعلية أنسب وآثر المصنف الحمد على الشكر تحسينا للبيان ببديع الاقتباس ولكونه أشبع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في أعمال الجوارح من الاحتمال ومن ثم كان رأس الشكر ولفظ الجلالة على سائر الأسماء لتكون المحامد كلها مقرونة بمعانيها المستدعية لها فإنه اسم ينبئ عن جميع صفات الكمال لما أخبر بأنه تعالى حقيق بالحمد اعتبار ذاته المستجمع لجميع صفات الكمال وعامة نعوت الجلال حمد أم لم يحمد ونبه على استحقاقه له باعتبار أفعاله العظام وآثاره الجسام من ربوبيته للكل وشمول رحمته الظاهرة للجميع وخصوص رحمته الباطنة للمؤمنين وذلك لأن ترتب الحكم على الوصف كما يشعر بالعلية فكذا يشعر بها تعقيب الحكم بالوصف فكأنه قال حقيقة الحمد مخصوصة بذاته الواجبة الكاملة الشاملة. وقدم الحمد لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهم ذكره التفتازاني واعترض ورد وإنما قدم فلله الحمد له الحمد لأنه ليس المقام مقام حمد. ولما كان صدور هذا الجامع البديع الوضع المتكاثر الجمع الغريب الترتيب العجيب التبويب لا يحصله إلا من ارتقى إلى منازل الشرف وحل من طبقات الإجتهاد بأعلى الغرف افتتح غرة ذلك الكتاب الشريف وأومأ في طرة مطلعه المنيف إلى أنه هو ذاك القرم المبعوث على رأس القرن فقال (الذي) لكثرة جوده على هذه الأمة وإغزار إفضاله عليهم (بعث) أي أرسل يقال بعثت رسولا أي أرسلته وبعثت العسكر وجهتهم للقتال قال الراغب: أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه يقال بعثته فانبعث ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به. فإن قلت: كان الأولى أن يقول: الباعث ليكون آتيا بلفظ اسم من الأسماء الحسنى صريحا وما صح وصفه تعالى به لا يحتاج معه إلى الإتيان بالذي وإنما يتوصل به إلى إجراء وصف لم يرد به توقيف قلت اعتذر البعض عن نحوه بأن ذكر الموصول أدخل في التعظيم وأبلغ في الثناء على الله لدلالة جملة الصلة على الاستقرار في النفوس وإذعانها له (على رأس) أي أول ورأس الشيء أعلاه ورأس الشهر أوله قال في المصباح وهو مهموز في أكثر لغاتهم إلا بني تميم (كل مئة سنة) يحتمل من المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية الثاني لم يبعد لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث وأصل سنة سنو لقولهم سنوات وقيل سنهة كجبهة لقولهم سانهته وفرق بعضهم بين السنة والعام بأن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابلة ذكره ابن الخباز في شرح اللمع. قال الراغب: والمئة هي المرتبة الثالثة من أصول الأعداد لأن أصولها أربعة آحاد وعشرات ومئات وألوف (من) أي مجتهدا واحدا أو متعددا قائما بالحجة ناصرا للسنة له ملكة رد المتشابهات إلى المحكمات وقوة استنباط الحقائق والدقائق النظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته واقتضاآته من قلب حاضر وفؤاد يقظان قال الحراني: ومن اسم مبهم يشمل الذوات العاقلة آحادا وجموعا واستغراقا (يجدد لهذه الأمة) أي الجماعة المحمدية وأصل الأمة الجماعة مفرد لفظا جمع معنى وقد يختص بالجماعة الذين بعث فيهم نبي وهم باعتبار البعثة فيهم ودعائهم إلا الله يسمون أمة الدعوة فإن آمنوا كلا أو بعضا سمى المؤمنون أمة إجابة وهم المراد هنا بدليل إضافة الدين إليهم في قوله (أمر دينها) أي ما اندرس من أحكام الشريعة وما ذهب من معالم السنن وخفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة حسبما نطق به الخبر الآتي وهو: " إن الله يبعث " إلى آخره وذلك لأنه سبحانه لما جعل المصطفى خاتمة الأنبياء والرسل وكانت حوادث الأيام خارجة عن التعداد ومعرفة أحكام الدين لازمة إلى يوم التناد ولم تف ظواهر النصوص ببيانها بل لا بد من طريق واف بشأنها اقتضت حكمة الملك العلام ظهور قرم من الأعلام في غرة كل قرن ليقوم بأعباء الحوادث إجراء لهذه الأمة مع علمائهم مجرى بني إسرائيل مع أنبيائهم فكان في المئة الأولى عمر بن عبد العزيز. والثانية الشافعي. والثالثة الأشعري أو ابن شريح. والرابعة الاسفراييني أو الصعلوكي أو الباقلاني. والخامسة حجة الإسلام الغزالي. والسادسة الإمام الرازي أو الرافعي. والسابعة ابن دقيق العيد ذكره السبكي وجعل الزين العراقي في الثامنة الأسنوي بعد نقله عن بعضهم أنه [ص: 11] جعل في الرابعة أبا إسحاق الشيرازي. والخامسة السلفي. والسادسة النووي انتهى. وجعل غيره في الثامنة البلقيني. ولا مانع من الجمع فقد يكون المجدد أكثر من واحد. قال الذهبي: من هنا للجمع لا للمفرد فنقول مثلا على رأس الثلاث مئة ابن شريح في الفقه والأشعري في الأصول والنسائي في الحديث وعلى الست مئة مثلا الفخر الرازي في الكلام والحافظ عبد الغني في الحديث وهكذا. وقال في جامع الأصول: قد تكلموا في تأويل هذا الحديث وكل \ أشار إلى القائم الذي هو من مذهبه وحملوا الحديث عليه. والأولى العموم فإن من تقع على الواحد والجمع ولا يختص أيضا بالفقهاء فإن انتفاع الأمة يكون أيضا بأولي الأمر وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ لكن المبعوث ينبغي كونه مشارا إليه في كل هذه الفنون ففي رأس الأولى من أولي الأمر عمر بن عبد العزيز. ومن الفقهاء محمد الباقر والقاسم ابن محمد وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين وغيرهم من طبقتهم. ومن القراء ابن كثير ومن المحدثين الزهري. وفي رأس الثانية من أولي الأمر المأمون. ومن الفقهاء الشافعي واللؤلؤي من أصحاب أبي حنيفة وأشهب من أصحاب مالك. ومن الإمامية علي بن موسى الرضي ومن القراء الحضرمي ومن المحدثين ابن معين ومن الزهاد الكرخي. وفي الثالثة من أولي الأمر المقتدر ومن المحدثين النسائي. وفي الرابعة من أولي الأمر القادر. ومن الفقهاء الاسفراييني الشافعي والخوارزمي الحنفي وعبد الوهاب المالكي والحسين الحنبلي ومن المتكلمين الباقلاني وابن فورك ومن المحدثين الحاكم ومن الزهاد الثوري وهكذا يقال في بقية القرون. وقال في الفتح: نبه بعض الأئمة على أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل قرن واحد فقط بل الأمر فيه كما ذكره النووي في حديث: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " من أنه يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم اجتماعهم ببلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وتفرقهم في الأقطار ويجوز تفرقهم في بلد وأن يكونوا في بعض دون بعض ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا أتى أمر الله قال الحافظ ابن حجر: وهذ متجه فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا تنحصر في نوع من الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد إلا أن يدعى ذلك في ابن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المئة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ومن ثم ذكر أحمد أنهم كانوا يحملون عنه الحديث وأما من بعده فالشافعي وإن اتصف بالصفات الجميلة والفضائل الجمة لكنه لم يكن القائم بشأن الجهاد والحكم بالعدل فعلى هذا كل من اتصف بشيء من ذلك عند رأس المئة هو المراد تعدد أم لا. انتهى. وأؤما المصنف هنا وصرح في عدة تآليفه بأن المجدد على رأس المئة التاسعة. قال في بعضها: " قد أقامنا الله في منصب الاجتهاد لنبين للناس ما أدى إليه اجتهادنا تجديدا للدين " هذه عبارة. وقال في موضع آخر: " ما جاء بعد السبكي مثلي وفي آخر الناس يدعون اجتهادا واحدا وأنا أدعي ثلاثا " إلى غير ذلك وقد قامت عليه في ومنه بذلك القيامة ولم تسلم له في عصره هامة وطلبوا أن يناظروه فامتنع وقال: لا أناظر إلا من هو مجتهد مثلي وليس في العصر مجتهد إلا أنا كما حكاه هو عن نفسه وكتبوا له حيث تدعى الاجتهاد فعليك الإثبات ليكون الجواب على قدر الدعوى فتكون صاحب مذهب خامس فلم يجبهم. قال العلامة الشهاب بن حجر الهيتمي: لما ادعى الجلال ذلك قام عليه معاصروه ورموه عن قوس واحد وكتبوا له سؤالا فيه مسائل أطلق الأصحاب فيها وجهين وطلبوا منه إن كان عنده أدنى مراتب الاجتهاد وهو اجتهاد الفتوى فليتكلم على الراجح من تلك الأوجه بدليل على قواعد المجتهدين فرد السؤال من غير كتابة عليه واعتذر بأن له اشتغالا يمنعه في النظر في ذلك. قال الشهاب الرملي: فتأمل صعوبة هذه المرتبة أعني اجتهاد الفتوى الذي هو أدنى مراتب الاجتهاد يظهر لك أن مدعيها فضلا عن مدعي الاجتهاد المطلق في حيرة من أمره فساد في فكره وأنه ممن ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء. قال: من تصور مرتبة الاجتهاد المطلق استحيا من الله تعالى أن ينسبها لأحد من أهل هذه الأزمنة بل قال ابن الصلاح ومن تبعه إنها انقطعت من نحو ثلثمئة [ص: 12] سنة ولابن الصلاح نحو ثلثمئة سنة فتكون قد انقطعت من نحو ست مئة سنة بل نقل ابن الصلاح عن بعض الأصوليين أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل. إلى هنا كلام الشهاب. ثم قال: وإذا كان بين الأئمة نزاع طويل في أن إمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي وناهيك بهما هل هما من أصحاب الوجوه أم لا كما هو الأصح عند جماعة فما ظنك بغيرهما بل قال الأئمة في الروياني صاحب البحر أنه لم يكن من أصحاب الوجوه هذا مع قوله " لو ضاعت نصوص الشافعي لأمليتها من صدري " فإذا لم يتأهل هؤلاء الأكابر لمرتبة الاجتهاد المذهبي فكيف يسوغ لمن لم يفهم أكثر عباراتهم على وجهها أن يدعى ما هو أعلى من ذلك وهو الاجتهاد المطلق؟ سبحانك هذا بهتان عظيم انتهى إلى هنا كلام الشهاب. وفي الأنوار عن الإمام الرافعي: " الناس اليوم كالمجمعين على أنه لا مجتهد اليوم " وقال عالم الأقطار الشامية ابن أبي الدم بعد سرده شروط الاجتهاد المطلق: " هذه الشرائط يعز وجودها في زماننا في شخص من العلماء بل لا يوجد في البسيطة اليوم مجتهد مطلق " هذا مع تدوين العلماء كتب التفسير والسنن والأصول والفروع حتى ملأوا الأرض من المؤلفات صنفوها ومع هذا فلا يوجد في صقع من الأصقاع مجتهد مطلق بل ولا مجتهد في مذهب إمام تعبر أقواله وجوها مخرجة على مذهب إمامه ما ذاك إلا أن الله تعالى أعجز الخلائق عن هذا إعلاما لعباده بتصرم الزمان وقرب الساعة وأن ذلك من أشراطها وقد قا شيخ الأصحاب القفار: مجتهد الفتوى قسمان أحدهما من جمع شرائط الاجتهاد وهذا لا يوجد والثاني من ينتحل مذهبا واحدا من الأئمة كالشافعي وعرف مذهبه وصار حاذقا فيه بحيث لا يشذ عنه شيء من أصوله فإذا سئل في حادثة فإن عرف لصاحبه نصا أجاب عليه وإلا يجتهد فيها على مذهبه ويخرجها على أصوله وهذا أعز من الكبريت الأحمر فإذا كان هذا القفار مع جلالة قدره وكون تلامذته وغلمانه أصحاب وجوه كل مذهب فكيف بعلماء عصرنا؟ ومن جملة غلمانه القاضي حسين والفوراني والد إمام الحرمين والصدلاني والسنجي وغيرهم وبموتهم وموت أصحاب أبي حامد انقطع الاجتهاد وتخريج الوجوه من مذهب الشافعي وإنما هم نقلة وحفظة فأما في هذا الزمان فقد خلت الدنيا منهم وشغر الزمان عنهم. إلى هنا كلام ابن أبي الدم. وقال فقيه العصر شيخ الإفتاء والتدريس في القرن العاشر شيخنا الشمس الرملي عن والده شيخ الإسلام أبي العباس الرملي أنه وقف على ثمانية عشر سؤالا فقهية سأل عنها الجلال من مسائل الخلاف المنقولة فأجاب عن نحو شطرها من كلام قوم من المتأخرين كالزركشي واعتذر عن الباقي بأن الترجيح لا يقدم عليه إلا جاهل أو فاسق قال الشمس فتأملت فإذا أكثرها من المنقول المفروغ منه فقلت سبحان الله رجل ادعى الاجتهاد وخفى عليه ذلك؟ فأجبت عن ثلاثة عشر منها في مجلس واحد بكلام متين من كلام المتقدمين وبت على عزم إكمالها فضعفت تلك الليلة فعددت ذلك كرامة للمؤلف وليس حكايتي لذلك من قبل الغض منه ولا الطعن عليه بل حذرا أن يقلده بعض الأغبياء فيما اختاره وجعله مذهبه سيما ماخالف فيه الأئمة الأربعة اغترارا بدعواه هذا مع اعتقادي مزيد جلالته وفرض سعة إطلاعه ورسوخ قدمه وتمكنه من العلوم الشرعية وآلاتها وأما الاجتهاد فدونه خرط القتاد وقد صرح حجة الإسلام بخلو عصره عن مجتهد حيث قال في الإحياء في تقسيمه للمناظرات ما نصه: " أما من ليس له رتبة الاجتهاد وهو حكم كل العصر فإنما يفتي فيه ناقلا عن مذهب صاحبه فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يتركه " انتهى وقال في الوسيط: هذه الشروط يعني شروط الاجتهاد المعتبرة في القاضي قد تعذرت في عصرنا. وهنا تنبيه ينبغي التفطن له وهو أن كل من تكلم على حديث " إن الله يبعث " إلخ إنما يقرره بناء على أن المبعوث على رأس القرن يكون موته على رأسه وأنت خبير بأن المتبادر من الحديث إنما هو أن البعث وهو الارسال يكون على رأس القرن أي أوله ومعنى إرسال العالم تأهله للتصدي لنفع الأنام وانتصابه لنشر الأحكام وموته على رأس القرن أخذ لا بعث فتدبر بانصاف. ثم رأيت الطيبي قال: المراد بالبعث من انقضت المئة وهو حي عالم مشهور مشار إليه. والكرماني قال: قد كان قبيل كل مئة أيضا من يصحح ويقوم بأمر الدين وإنما المراد من انقضت المئة وهو حي عالم مشار إليه. ولما كان ربما يتوهم من تخصيص البعث برأس القرن أن القائم بالحجة لا يوجد إلا عنده أردف ذلك بما يبين أنه قد يكون في أثناء المئة من هو كذلك بل قد يكون أفضل من المبعوث على الرأس وأن تخصيص الرأس إنما هو لكونه مظنة انخرام علمائه غالباوظهور البدع ونجوم [ص: 13] الدجالين فقال (وأقام) أي نصب وسخر. قال الراغب: القيام على أضرب: قيام بالشخص إما بتسخير أو باختيار وقيام هو المراعاة للدين والحفظ له وقيام هو العزم على الشيء ومنه: {كونوا قوامين لله} {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} أي حافظ وقوله {إلا ما دمت عليه قائما} أي على طلبه (في كل عصر) بفتح أو ضم فسكون وبضمتين أي زمن والعصر الدهر كما في الصحاح والوقت كما في الأساس يقال: ما فعلته عصرا أو بعصر أي في وقت (من يحوط) بضم الحاء الحيطة وهو المراعاة والصيانة والحفظ (هذه الملة) أي يصون ويحفظ هذه الطريقة المحمدية والسنن الإسلامية ويهتم بالذب عنها ويبالغ في الاحتياط غير مقصر ولا متوان. ففي الصحاح حاطه كلأه ورعاه وفي الأساس تعاهد واهتم بأمره. ومن المجاز أحاط به علما أتى على أقصى معرفته كقولك علمه علم إحاطة إذا علمه من جميع وجوهه ولم يفته شيء منه ومنه فلان يحوط بيضة الإسلام وبيضة قومه. وفي المفردات الإحاطة تستعمل في الأجسام نحو أحطت بمكان كذا وفي الحفظ نحو: {إلا إنه بكل شيء محيط} أي حافظ لجميع جهاته. والملة قال الزمخشري: الطريقة المسلوكة ومنه ملة إبراهيم خير الملل وامتل فلان ملة الإسلام. وقال القاضي هي ما شرع الله لعباده على لسان أنبياءه من أمللت الكتاب إذا مليته وقال الحراني: ما يدعو إليه العقل المبلغ عن الله توحيده من ذوات الحنفيين والدين الإسلام والإسلام إلقاء ما باليد ظاهرا وباطنا وذلك إنما يكون عن بادئ عين التوحيد اه. وقال الراغب: الدين والملة اسمان بمعنى يتفقان من وجه ويختلفان من وجه فاتفاقهما أنهما اسم لاعتقادات وأقوال وأفعال تأثرها أمم من الأمم عن نبيهم يرفعها إلى الله واختلافهما من وجهين أحدهما أن الدين إذا اعتبر بمبدئه فهو الطاعة والانقياد نحو {في دين المللك} وإذا اعتبر بمغزاه ومنتهاه فهو الجزاء كخبر: " كما تدين تدان " والدين تارة يضاف إلى الله تعالى وأخرى إلى العبد والملة من أمللت الكتاب أي أمليته وتضاف إلى الإمام الذي تسند إليه نحو ملة إبراهيم ولا تكاد توجد مضافة إلى الله ولا إلى آحاد أمة النبي لا يقال ملة الله ولا ملتي ولا ملة زيد كما يقال دين الله وديني ودين زيد الثاني أن الدين يقال لكا من الاعتقاد والقول والفعل أنه دين الله ولا يقال ملة إلا باجتماع ذلك كله وأما الشريعة فالطريقة المتوصل بها إلى صلاح الدارين تشبيها بشريعة المار بالطريق الشارع انتهى. وبه يعلم أن من فسر الملة هنا بالدين أو الشريعة لم يصب " بتشييد أركانها " أي بإعلاء أعلامها ورفع منارها وإحكام أحكامها وتشييد الرفع والتأييد أو الإحكام والاتقان. قال الزمخشري: شاد القصر وأشاده شيده ورفعه وقصر مشيد وقيل مشيد المعمول بالشيد وهو الجص بكسر الجيم ومن المجاز أشاد بذكره رفعه بالثناء عليه وأشاد عليه أثنى عليه مكروها وأركان الشيء جوانبه التي عليها مبناه وبتركها بطلانه ذكره الراغب. فإثبات الأركان للملة مجاز قال الزمخشري: ومن المجاز فلان يأوي من عز قومه إلى ركن شديد (تأييد سننها) تقويتها من الأيد وهو القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد والسنن جمع سنة وهو لغة الطريقة وقال الزمخشري: سن سنة حسنة طرق طريقة حسنة واستسن سنة وفلان مستسن عامل بالسنة وعرفا قول المصطفى وفعله وتقريره قال ابن الكمال المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلا كان أو قولا بخلاف الحديث فإنه مخصوص بالأول (وتبيينها) أي توضيحها للناس من أبان الشيء أوضحه ومنه بان أي اتضح واستبان ظهر واستبينته عرفته. قال الحراني: والتبيين اقتطاع الشيء بما يلابسه ويداخله والمراد المبالغة في البيان بما تفهمه صيغة التفعيل. وقال الراغب: البيان الكشف عن الشيء وهو أعم من النطق وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود. وقال المولى خسرو: التبين أعم من أن ينص بالمقصود أو يرشد لما يدل عليه كالقياس ودليل الفعل ولما أقام البراهين على استحقاقه تعالى وتقدس لمجامع المحامد وصفات الكمال شهد له باستقاق الألوهية وإثباتها ونفيها عما سواه إشارة إلى أن تلك الشهادة الشريفة داخلة فما أقيمت البراهين على استحقاقه تعالى إياه بل استحقاق الألوهية أجل ظهورا ومن ثم عطفه على الحمد فصرح بما علم التزاما من سياق التنزيه قبله فقال (وأشهد) إلخ ومن مرسومه أنه التصريح بدلالة مفهوم المنطوق لدفع احتمال توهم غيره أو لحديث أبي داود كل خطبة [ص: 14] ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء بذال معجمة. وأصل الشهادة لغة مأخوذة من المشاهدة والمعاينة ثم نقلت شرعا إلى الإخبار بحق الغير عن عيان ثم نقلت إلى العلم بكثرة كما هنا وكذا حيث أطلقت في سائر الكتب فتلك ثلاث انتقالات إذ معناها هنا أعلم ذلك بقلبي وأبينه بلساني قاصدا به الإنشاء حال تلفظه وكذا سائر الأذكار والتنزيهات (أن لا إله) أي لا معبود بحق (إلا الله) جمع في الشهادتين بين النفي والإثبات مع تنزيه الإله الحق المثبت له ذلك عما لا يليق بكمال جلال وحدانيته (وحده) نصب على الحال بمعنى منفردا وكذا حيث وقع إلا ما استنثى منه كقولهم في المدح للعلامة نسيح وحده بكسر الحاء وفي الذم لضعف الرأي عبير وحده وجيحش وحده ووجيه وحده محتمل للمدح والذم (لا شريك) أي لا مشارك (له) إذ الشريك من المشاركة وهي المعاونة والمساعدة في الشيء أو عليه وذلك ينافي الألوهية وهو تأكيد لتوحيد الذات والمتوحد ذو الوحدانية وزاد مقام الخطاب بالثناء توضيحا وتقريرا بقوله ضرورة احتياجه إلى الغير فانتفائه ضروري قطعا وهو توكيد لتوحيد الأفعال ردا على المعتزلة ثم قيد الشهادة بما يفيد إثبات جزمه وقوة قطعه وعدم تزلزله فقال (شهادة يزيح ظلام الشكوك صبح يقينها) أي أشهد به شهادة ثابتة جازمة يزيل نورا اعتقادها ظلمة كل شك فهو استعارة بالكناية لكونه نطقه بالشهادة نشأ عن جزم قلبه وعقد لبه عليها لأن نور اليقين لما كان واقعا لظلمات تشكيكات العدو اللعين شبه بضوء الصبح المنتشر المرتفع عند تنحيته لظلام الليل بجامع أن كلا منهما مزيل للظلمات ومحصوله الإخبار عن قوة إيقانه وغلبة سلطان إيمانه على جنانه بحيث بلغ من مقامات القوة مبلغا عظيما إلى اليقين وإن كان اعتقادا جازما مطابقا للواقع لا يزول بالتشكيكات لكنه متفاوت قوة وضعفا عند المحققين بشهادة الوجدان إذ الجزم بطلوع الشمس عند الرؤية أقوى من الجزم بالعاديات. ثم عطف الشهادة الثانية على الأولى فقال (وأشهد) إلى آخره إذ الإتيان بالشهادتين على الترتيب شرط كما هو مذكور في شروط الإسلام الخمسة وهي العقل والتكليف والإتيان بالشهادتين وكونهما مرتبتين وكون ذلك بالاختيار في حق غير الحربي والكلام على هذه الشهادة كالذي قبلها وكانتا بالعطف دونه في الأذان لأنهما فيه تأكيد هنا تعبد (أن سيدنا) معشر الآدميين أي أشرفنا وأكرمنا على ربه والسيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة ويضاف 'لى ذلك فيقال سيد القوم ولا يقال سيد النوب وسيد الفرس ويقال ساد القوم يسودهم. ولما كان من شرط المتولي للجماعة الكثيرة كونه مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلا في نفسه وإطلاق السيد على النبي صلى الله عليه وسلم موافق لحديث " أنا سيد ولد آدم " ولكن هذا مقام الإخبار بنفسه عن مرتبته ليعتقد أنه كذلك وأما في ذكره والصلاة عليه فقد علمهم الصلاة عليه لما سألوه عن كيفيتها بقوله " قولوا اللهم صل على محمد " فلم يذكر لفظ السيد وقد تردد ابن عبد السلام في أن الأفضل ذكر السيد رعاية للأدب أو عدم ذكره رعاية للوارد (محمدا) عطف بيان لا صفة لتصريحهم بأن العلم ينعت ولا ينعت به ذكره بعض علماء الروم قال وما ذكره الكشاف في {ذلكم الله ربكم} أنه يجوز إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان وربكم خبر إنما يصح بناء على تأويله والمعرف باللام وإلا فتجويز نعت اسم الإشارة بما ليس معرفا بها وما ليس بموصول مجمع على بطلانه ولا بدل لأن البدلية وإن جوزت في {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} لكن القصد الأصلي هنا إيضاح الصفة السابقة وتقرير النسبة تبع والبدلية تستدعي العكس وهو اسم مفعول من التحميد وهو المبالغة في الحمد يقال حمدت فلانا أحمده إذا أثنيت على جميل خصاله ويقال فلان محمود فإذا بلغ النهاية وتكاملت فيه المحاسن فهو محمد لكن ذكر بعض المحققين أنه إنما هو من صيغ المبالغة باعتبار ما قيل فيه من معنى الكثرة وبخصوصه لا من جهة الصفة إذ لا يلزم من زيد مفضل على عمرو المبالغة في تفضيله عليه إذ معناه له جهة تفضيل عليه وبفرض كونه للتكثير لا يلزم منه المبالغة لأنها تجاوز حد الكثرة ولحصرهم صيغ المبالغة في عدد مخصوص وكونه أجل من حمد وأفضل من حمد لا يستلزم وضع الاسم للمبالغة لأن ذلك ثابت له لذاته وإن لم يسم به نعم المناسبة قائمة به مع ما مر من دلالة البناء عرفا على بلوغ النهاية في ذلك الوصف (عبده) قدمه لكون العبودية مفتاحا لكل باب كمال ففي ذكره من استحقاق الرحمة واستجلاب الرفعة [ص: 15] وترتب الشفقة ما ليس من غيره ولما فيه من الإيماء إلى أن مرتبة النبوة وهبية لا كسبية ولأن العبودية في الرسول لكونها انصرافا من الخلق إلى الحق أجل من رسالته لكونها بالعكس ولأن الكمال المستفاد من العبودية بما تستنزل به الكمالات وتستمطر به البركات بحكم " من تواضع لله رفعه الله " ولأن العبد يتكفل مولانا بإصلاح شأنه والرسول يتكفل بمولاه بإصلاح شأن الأمة وكم بينهما وإضافته إليه تعالى تشريفا للمضاف أي تشريف وتنبيها على أن لهذا اللفظ الخاص كمال الاختصاص والعبد لغة الإنسان حرا أو قنا وعرفا المكلف يعني من هو جنس المكلفين ولو صبيا أو جنينا (ورسوله) إلى كافة الثقلين والملائكة أو إلى الأولين خاصة؟ وعليه الحليمي والبيهقي بل حكى الرازي والنسفي الإجماع عليه لكن انتصر محققون منهم السبكي بالتعميم بآية {ليكون للعالمين نذيرا} أو خبر " أرسلت إلى الخلق كافة " ونازعوا فيما حكى بأن البيهقي نقله عن الحليمي وتبرأ منه والحليمي وإن كان سنيا لكن وافق المعتزلة في تفضيل الملك على البشر فظاهر حاله بناؤه عليه وبأن الاعتماد على تفسيرهما في حكاية الإجماع انفرادها لحكايته لا ينهض حجة عند أئمة النقل لأن مدارك نقل الإجماع إنما تتلقى من كلام حفاظ الأمة وأصحاب المذهب المتبوعة ومن يلحق بهم في سعة دائرة الإطلاع والحفظ والإتقان والشهرة عند علماء النقل والرسول والنبي طال فيما بينهما من النسبة الكلام والمحققون كما قال ابن الهمام كالزمخشري والعضد والتفتازاني والشريف الجرجاني على تراد فهما وأنه لا فارق إلا الكتاب قال الزمخشري: الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شرع من قبله انتهى وقال في المقاصد: النبي إنسان بعثه اللهلتبليغ ما أوحى إليه قال وكذا الرسول. قال الكمال ابن أبي شريف: هذا ينبئ عن اختياره للقول بترادفهما. وفي شرح العقائد بعد ما ذكر أنه لا يقتصر على عدد في تسمية الأنبياء ما نصه: وكلهم كانوا مبلغين عن الله تعالى لأن هذا معنى النبوة والرسالة قال الكمال ابن أبي شريف هذا مبني على أن الرسول والنبي واحد وقال الإمام الرازي في تفسيره ولا معنى للنبوة والرسالة إلا أن يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم. وفي المواقف وشرحه في السمعيات: النبي من قال له الله تعالى أرسلتك إلى قوم كذا أو إلى الناس جميعا أو بلغهم عني أو نحوه ولا يشترط في الإرسال شرط وفيه في شرح الديباجة: الرسول نبي معه كتاب والنبي غير الرسول من لا كتاب معه بل أمر بمتابعة شرع من فبله كيوشع. قال المولى خسرو تبع - يعني الشريف - صاحب الكشاف في تفسير الرسول واعتراضه بأنه لا يوافق المنقول في عدد الرسل والكتب إذ الكتب نحو مئة والرسل أكثر من ثلاث مئة مدفوع بأن مراده بمن معه كتاب أن يكون مأمورا بالدعوة إلى شريعة كتاب سواء أنزل على نفسه أو على نبي آخر. قال: والأقرب أن الرسول من أنزل عليه كتاب أو أمر بحكم لم يكن قبله وإن لم ينزل كتاب والنبي أعم لما في ذلك من النقص عما أورد على الأول من أنه يلزم عليه أن يكون من بعث بدون كتاب ولا متابعة من قبله خارجا عن النبي والرسول معا اللهم إلا أن يقال إنه لا وجود لمثله انتهى. وقال الشيباني في شرح اللفه الأكبر: الرسول من بعث بشرع مجدد والنبي يعمه ومن بعث بتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين بين موسى وعيسى ومن ثم شبه النبي صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم. قال: فإن قيل كيف يصح هذا وقد قال تعالى {ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل} وقد بين ذلك في الكشاف بالأنبياء بين موسى وعيسى. قلت: لعل المراد بالرسل في الآية المعنى اللغوي. وقال ابن عطاء الله من الناس من ظن أن النبي الذي هو نبي في نفسه والرسول هو الذي أرسل لغيره وليس كما ظن ولو كان كذلك فلماذا خص الأنبياء بالذكر دون الرسل في قوله " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ومما يدل على بطلان هذا المذهب قوله تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} الآية فدل على أن حكم الإرسال يعمهما وإنما الفرق أن النبي لا يأتي بشريعة جديدة وإنما يجيء مقررا لشرع من قبله ولهذا قال المصطفى " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " (الحديث متكلم فيه والصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم " العلماء أمناء الرسل " الحديث " والعلماء أمناء الله على خلقه ") أي يأتون مقررين ومؤكدين وآمرين بما جئت به لا بشرع جديد. وقال الصفوي: اختار بعض المحققين أن الرسول نبي أتاه الملك - وقيل جبريل - بوحي لا نوم ولا إلهام والنبي أعم [ص: 16] واعترض بعدم شموله لما لم يكن بواسطة كما هو ظاهر المنقول في موسى قبل نزول الملك عليه ورفعه بأنه يصدق عليه أنه أتاه في وقت لا ينجع إذ يلزم أن يكون النبي قبل البعثة رسولا حقيقة ولا قائل به. وقد أفاد ما قرره المحققان التفتازاني والجرجاني أن مجرد الإيحاء لا يقتضي نبوة إنما المقتضي لها إيحاء بشرع وتكليف خاص فخرج من بعث لتكميل نفسه كزيد بن نفيل ومن ثم قيل ونعم ما قيل يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحي وهو باطل وإلا لزم نبوة نحو مريم وآسية والتزامه شاذ. وما أورد على التقتازاني من أن قوله: النبي من بعث لتبليغ ما أوحي إليه أو أن شرع غيره المشير إليه فيما أوحي إليه في الجملة. ومن هذه النقول اللامعة والمباحث الجامعة عرف صحة عزو العلامة ابن الهمام القول بالترادف إلى المحققين وأن الإمام الشهاب ابن حجر قد انحرف هنا عن صوب الصواب حيث حكم على من زعم الاتحاد بالغلط. ونسب الكمال ابن الهمام إلى الاسترواح في نقله والسقط ثم قال: إن الذي في كلام أئمة الأصوليين خلاف الاتحاد قال رأي المحققين خلاف هؤلاء فإن أراد أن محققي أئمة الأصوليين خلاف العضد والتفتازاني والجرجاني وأن هؤلاء ليسوا بمحققين فهذا شيء لا يقوله محصل وإن أرادهم فهذه نصوصهم قد تليت عليك ولسنا ننازعه في أن المشهور بين الفقهاء ما ذكره الحليمي من التغاير وأن الفارق الأمر بالتبليغ إنما الملام في إقدامه على تغليط ذلك المحقق ونسبته 'لى الغفول عن كلام المحققين من رأس القلم (تتمة) قال بعض الأكابر لم يشتغل الأكثر بتعريف النبوة والرسالة بل بالنبي والرسول وقد عرفهما الأسد بن الأسد إمام الحرمين في قوله النبوة لا تكون عن قوة في النفس كما قاله الحكماء ولا عن رياضة يحصل بها الصفاء فيحصل التجلي في النفس كما قاله بعض الصوفية ولا عن قربان الهياكل السبعة كما قاله المنجمون ولا هي بالإرث كما قاله بعض أهل البيت ولا هي علم المرء بربه لأنه عام ولا علم النبي بكونه نبيا لتأخره بالذات عنها بل هي صفة كلامية هي قول الله تعالى هو رسولي وتصديقه بالأمر الخارق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 إلى هنا كلامه. وقال الراغب: النبوة قيل سفارة العبد بين الله وبين خلقه وقيل إزاحة علل ذوي العقول فيما تقصر عنه عقولهم من مصالح المعاش والمعاد. وجمع بعض المحققين بينهما فقال: سفارة بين الله وبين ذوي الألباب لإزاحة عللهم فيما يحتاجون من مصالح الدارين وهذا حد كامل جامع بين المبدأ في المقصود بالنبوة وهي الخصوصية وبين منتهاها وهي إزاحة عللهم انتهى <تنبيه> إن قلت: لم عدل المؤلف عن النبي إلى الرسول؟ قلت: لما كان المقام مقام بيان الأحكام وتبليغ الأوامر والنواهي كان حقه أن يذكر فيه وصف الرسالة. ثم عقب ذلك بالرسالة. ثم عقب ذلك بالإشارة إلى ما يفيد مقصود البعثة ويتفرع على النبوة وهو غايتها فقال (المبعوث لرفع) أي لأجل إعلاء (كلمة الإسلام) أي تنفيذ أحكامها من الكلم وهو التأثير سمي بها اللفظ لأنه يورث في النفس فرحا وانبساطا إن كان طيبا وهما إن لم يكن والمراد بالكلمة الكلام التام أعني كلمة الشهادة أو القرآن كله على ما عليه المتقدمون من عدم الفرق بين الكلمة والكلام نقله القناوي عن شرح اللب قال: وإعلاء كلمته تنفيد أحكامه (وتشييدها) أي إحكامها ورفع منارها وتوثيق عراها. والرفع الإعلاء. قال الزمخشري: رفعه فارتفع ورفع فهو رفيع ومن المجاز رفعه على صاحبه في الجنس ويقال للداخل ارتفع أي تقدم ورفعت الرجل سميته والسند ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم اه قال الراغب: الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها وتارة في البناء إذا طولته وتارة في المنزلة إذا شرفتها أمثلتها كل ما في النصوص والإسلام الخضوع والإنقياد الظاهر لما أخبر به الرسول. قال في الكشاف: كلما يكون من الإقرار باللسان من غير مؤاطأة القلب فهو إسلام وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ومنه أخذ الدواني قوله: الإسلام الكامل الصحيح لا يكون إلا مع الإيمان والإتيان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وقد ينفك الإسلام الظاهر عن الإيمان {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ويصح أن يكون الشخص مسلما في ظاهر الشرع ولا يكون مؤمنا حقيقة [ص: 17] والإسلام الحقيقي المقبول عند الله لا ينفك عن الإيمان الحقيقي بخلاف العكس انتهى (وخفض) أي ولأجل إهانة وإذلال (كلمة الكفر) من دعوى الند والشريك لله أو الصاحبة أو الولد أو غير ذلك من صنوف الكفر وضروب الضلال (وتوهينها) أي إضعافها وتحقيرها والكفر لغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أي الستر ومنه سمي الزارع كافرا لستره البذر وقيل الليل كافر لذلك ومنه الكفارة لأنها تكفر الذنب أو تستره ومنه في ليلة كفر النجوم غمامها ومنه المتكفر بسلاحه أي المغطي به بدنه ثم نقل شرعا إلى عدم الإذعان لما علم مجيء الرسول به ضرورة قولا أو فعلا لما فيه من ستر نور الفطرة الأصلية الذي هو بدر الكمال ومحاولته الإبداع بذكر الخفض والرفع لا يحسن هنا إذ لا يليق إلا بكتب النحو والمناسب هنا ذكر المسند والمرسل والصحيح والضعيف والحسن ونحو ذلك من أنواع علوم الحديث. ثم لما نعته بعلو الشأن وظهور السطان ووصفه بما هو منشأ كل سعادة وكمال تحرك قلبه إلى إنشاء الصلاة والسلام عليه فقال (صلى الله وسلم عليه) من الصلاة وهي من الله الرحمة ومنا الدعاء ومن الملك استغفار كذا أثر عن الخبر قال المحقق الدواني: ومنها من زعم أنها ثنائية المعنى بالحقيقة نظرا إلى أن الأخيرين يجمعهما طلب الرحمة فإنها لم توضع للقدر المشترك بل تارة لهذا الفرد وتارة لذاك وابن عباس أعرف منا بوضع اللغة ولو صح ذاك أمكن إرجاعه إلى معنى واحد مشترك بين الأمور الثلاثة كالإمداد بالرحمة فلم يكن مشتركا لفظيا بل معنويا وكذا جميع الألفاظ المشتركة يمكن جكع معانيها المتعددة في أمر واحد فيبقى المشترك رأسا وهو باطل قطعا ثم تعلق لفظ على بهما للتضمن معنى النزول وقد أحسن من عبر عن معناه باستنزال الرحمة إلى هنا كلامه والسلام التسليم من الآفات المنافية لغاية الكمال وجمع بينهما لكراهة إفراد أحدهما أي لفظا لا خطأ أو مطلقا والجملة لإنشاء طلب الرحمة والسلام وإن كانت بصورة الخبر وجعلها خبرا معنى لإنشاء الدعاء قياسا على الحمد أبطل بأن الأخبار بثبوت الحمد يستلزم حمدا والأخبار بثبوت الدعاء لا يستلزم الدعاء. ولما كان لآله وصحبه نوع مشاركة في التوسط لمعاونتهم في التبليغ أشركهم معه فقال (وعلى آله) أصله عند سيبويه والبصريين وعليه اقتصر الكشاف وإليه مال الشاطبي إهل بدليل أهيل إذ التصغير يرد الأشياء إلى أصولها قلبت هاؤها همزة وهي ألفا وعند الكسائي أول بدليل أويل وأيده الجوهري ونصره أبو شامة زاعما أن الأول مجرد دعوى وأن لغة العرب تأباه وصححه في الإرتشاف فإن قلت في الكشاف: الهاء أبدلت ألفا وظاهره أنه مذهب ثالث؟ قلت: كلا إذ مراده كما قال بعض العظماء أبدلت الهاء همزة وهي ألفا وبدل البدل بدل فرجع إلى الأول وخص استعماله بعد القلب أو مطلقا بمن له شرف ورفعة من ذوي العقول أي ما نزل منزلتهم للإهتمام بشأنه فلا يرد النقض بنحو: وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك دينا كآل النبي أو دينا كآل فرعون أشار إليه المحققون منهم البيضاوي وبه عرف أن قول البعض إنما قيل آل فرعون لتصورهم بصورة الأشراف أو لشرفه في قومه تكلف مستفنى عنه نعم هو في التنزيل وارد على منهج التهكم كما بينه صاحب القاموس في شرح خطبة الكشاف على حد: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} على أن الاختصاص المذكور غالبي فقد سمع استعماله في غير ذي عقل لشرفه في جنسه كقوله في فرس ليس في العرب أفحل منه ولا أكثر نسلا. . . صوت حصانا كان من آل أعوجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 واختصاصه للإضافة لذي الشرف لا ينافي التصغير لأن التصغير يرد للتعظيم وبفرض سواه فالتصغير في اللغة مع أن مراتب الحظر متفاوتة فيقبل التصغير وآل النبي من حرمت عليهم الزكاة وهو بنو هاشم عند الحنفية والمطلب أيضا عند الشافعية قال البعض: والمؤمنون وبنو تغلب فيشمل إناثهم لكن استدلالهم بخبر " إن لكم في خمس الخمس " يقتضي خلافه وقيل بنو غالب وقيل ذريته أو أزواجه وقيل أتباعه وقيل أتقياء أمته واختاره النووي كجمع في مقام الدعاء وجرى عليه الدواني فقال إذا أطلق في المتعارف شمل الصحب والتابعين لهم بإحسان. فإن قلت: هل لإتيانه بلفظ على هنا من فائدة؟ قلت: نعم وهي الإشارة 'لى مخالفة الرافضة والشيعة فإنهم مطبقون على كراهة الفصل بين [ص: 18] النبي وآله بلفظ على وينقلون في ذلك حديثا كما بينه المحقق الدواني وصدر الأفاضل الشيرازي وغيرهما (وصحبه) اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي وهو لغة من صحب غيره بما ينطلق عليه اسم الصحبة واصطلاحا من لقي المصطفى يقظة بعد النبوة وقبل وفاته مسلما وإن لم يره لعارض كعمى وإن لم يره المصطفى ولو بلا مكالمة ولا مجالسة ككونه مارا ولو بغير جهته ولو لم يشعر كل بالآخر أو تباعدوا أو كان أحدهما بشاهق والآخر بوهدة أو بئر أو حال بينهما مانع مرور كنهر يحوج إلى سباحة أو ستر رقيق لا يمنع الرؤية أو ماء صاف كذلك إن عده العرف لقاء في الكل على الأقرب من تردد وإسهاب فيه وكذا لو تلاقيا نائمين أو كان غير النبي مجنونا محكوما بإسلامه على ما بحث وقيل لا وقيل إلا زمن إفاقته وذلك لشرف منزلة النبي فيظهر أثر نوره في قلب ملاقيه وعلى جوارحه فشمل التعريف غير المميز وهو ما جرى عليه جمع منهم البرماوي لكن اختير اشتراط التمييز وعلى عدمه دخل من حنكه النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن الحارثأو مسح وجهه كعبد الله بن ثعلبة أو رآه في مهده كمحمد بن أبي بكر والجن كوفد نصيبين واستشكال ابن الأثير بأنه لا تعبد لنا بالرواية عنهم رده الحافظ ابن حجر والأنبياء الذين اجتمعوا به ليلة الإسراء والملائكة الذين اجتمعوا به فيها أو غيرها وبه جزم بعضهم لكن جزم البلقيني بخروج النبي والملك ككل من رآه تلك الليلة ممن لم يبرز لعالم الدنيا وتبعه الكمال المقدسي موجها بأن المراد الاجتماع المتعارف لا ما وقع خرقا للعادة وأيده بعض المحققين بأنه المتبادر عرفا من لفظ اجتمع أو لقي ومن هذا البيان انكشف ضعف جزم الذهبي باستثناء عيسى وإدخاله في التعريف وما احتج به من اختصاصه عن بقية الأنبياء برفعه حيا ونزوله الأرض وحكمه بشرعه لا ينهض حجة له عند التأمل وعدم الاعتداد بالرؤية الواقعة خرقا للعادة يفيد أنه رأى بدنه الشريف فقط كرامة له بفرض وقوعه غير صحابي وإثبات ابن عبد البر الصحبة لمن أسلم في حياته ولم يره شاذ ودخل من رآه بعد البعثة وقبل الأمر بالدعوة كورقة بخلاف من رآه قبل البعثة وإن آمن بأنه سيبعث كما في شرح العباب وغيره ومن لقيه مؤمنا بغيره من أهل الكتاب كما صرح به الحافظ ابن حجر في الإصابة تبعا لما نقله ابن الأثير وغيره عن الإمام البخاري وغيره وعبارته في " أسد الغابة " قال البخاري من صحب رسول الله أو رآه من المؤمنين فهو من أصحابه ووقع لبعضهم في هذا المقام من الخيالات والأوهام ما كنا أومأنا أولا إلى شيء مما يدفعه فغضب لذلك بعض من تمكن من قلبه داء الحسد والحمية وبلية المعصية للعصبية وانتصب لدفع الإيراد بما هو قادح في أصل مطلوبه ورام ترميمه وتتميمه بما عسى الفطرة السليمة المبرأة عن العصبية تكفي مؤونة رده لكنا مع ذلك تعرضنا لكشف حاله وتزييف مقاله في مؤلف مستقل. ثم إن المؤلف أورد من صفاتهم ما يدل على حيازتهم قصب السبق في مضمار المآثر وتبرزهم على من سواهم في اقتناء المناقب والمفاخر فقال (ليوث الغابة) استعارة لفرط شجاعتهم يعني أنهم أدحضوا الباطل بالبأس الساحق والسيف الماحق فكانوا كالأسود الضارية التي ما أتت على شيء إلا جعلته كالرميم. قال ابن عبد البر في خطبة الاستيعاب: روى ابن القاسم عن مالك أن الصحب لما دخلوا الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال: ما كان أصحاب عيسى ابن مريم الذين قطعوا بالسيوف والمناشير وصلبوا على الجذوع بأشد اجتهادا من هؤلاء ومع ذلك كان عندهم للسلم والعفو موضع فلم يكن الواحد منهم ضرارا قهارا دائما بل كانوا كمتبوعهم حسبما يقتضيه المقام في مكان القهر على العفو وفي وقت السلم محض اللطف أشداء على الكفار رحماء بينهم يعفون عمن ظلمهم ويصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعينون على نوائب الدهر بطلاقة وجه وسماحة نفس وكف أذى وبذل ندى فهم كما قيل فيهم: جبال الحجى أسد الوغا غصص العدا شموس العلا سحب الندا بالمواهب والليوث جمع ليث وهو الأسد وخصه لأنه بمنزلة ملك الوحش وأشده شكيمة وأقواه نفسا وعزيمة وأعظمه شجاعة وبطشا. والغابة الأجمة من نحو قصب أو شجر ملتف تأوي إليه الأسود سميت غابة لأنها تغيب ما فيها يقال إنه ليث غابة وهو من ليوث الغابة قال الزمخشري: ومن المجاز أننا في غابة أي رماح كثيرة كالشجر وزاد قوله (وأسد عرينها) دفعا لتوهم عدم احتمال إرادة الحيوان المفترس بلفظ الليث إذ الليث أيضا نوع من العنكبوت والأسد بضمتين [ص: 19] أو بضم فسكون جمع أسد بفتحهما. قال الزمخشري: ومن المجاز استأسد عليه أي صار كالأسد في جراءته والعرين والعرينة مأواه الذي يألفه يقال ليث غابة وليث عرينة. ومن كلامهم: أشم العرين كالأسد في عرينه لا كالجمل الأنف الأنف في عرانه وهو العود الذي يجعل في برة أنف البختي ذكره الزمخشري. وعلم مما تقرر أن تشبيهم بالأسد استعارة بالكناية وإثبات الغابة لهم استعارة تخييلية رشحها بذكر العرين (هذا) أي المؤلف الحاضر في العقل استحضر المعاني التي جمعها فيه على وجه الإجمال وأورد اسم الإشارة لبيانها وأسماء الإشارة قد تستعمل في الأمور المعقولة وإن كان وضعها للأمور المحسوسة المبصرة الحاضرة في مرأى المخاطب لكن لا بد من نكتة وهي هنا الإشارة إلى إتقانه هذه المعاني حتى صارت لكمال علمه بها كأنها مبصرة عنده ويقدر على الإشارة إليها ذكره العصام تلخيصا من كلام الدواني وغيره (كتاب) أي مكتوب وتنوينه للتعظيم وهو في الأصل مصدر سمي به المكتوب على التوسع ثم غلب في العرف على حمع من الكلمات المستقلة بالتعيين المفردة بالتدوين. وقال الحراني: الكتاب من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفيفة من أصله كالخرز في الجلد يقد منه والخياطة في الثوب بشيء من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله للأول فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام (أودعت) أي صنت وحفظت (فيه) أي جعلته ظرفا لصون الحديث وحفظه من أودعته مالا دفعته إليه ليكون وديعة محفوظة عنده من الدعة وهي الراحة كأن به تحصل الراحة لطالب الفن بجمع ما هو مشتت في الأقطار متفرق في الكتب الكبار. قال الزمخشري: ومن المجاز أودعته سرا وأودع الوعاء مناعه وأودع كتابه كذا وأودع كلامه معنى حسنا قال: استودع العلم قرطاسا فضيعه. . . فبئس مستودع العلم القراطيس (من الكلم) بفتح فكسر جمع كلمة كذلك من الكلم بفتح فسكون وهو التأثير المدرك بإحدى الحاستين السمع والبصر سمي به اللفظ لما مر. قال الحراني: والكلام إظهار ما في الباطن على الظاهر لمن يشهد ذلك الظاهر بكل نحو من أنحاء الإظهار انتهى. وآثر الكلم على الكلمات لأنها جمع قلة والموضع موضع التكثير لا التقليل وعلى الكلام لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير وعرف بعض أهل الأصول الكلام بأنه المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة وقال السيد وقد يزاد قيدان آخران فيقال المتواضع عليها إذا صدرت من قادر واحد (النبوية) أي المنسوبة إلى النبي (ألوفا) بضم أوله جمع ألف وهو العدد المخصوص المعروف. قال الراغب: سمي به لكون الأعداد فيه مؤلفة فإن الأعداد آحاد وعشرات ومئات وألوف فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت وما بعده يكون مكررا قبل وعدته عشرة آلاف وتسع مئة وأربعة وثلاثون والمراد بالكلم الأحاديث المعروفة بالنبي المنسوبة إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ومن الحكم) جمع حكمة وهي اسم لكل علم وعمل صالح وفي الكشاف هي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة وفي المفردات اسم لكل علم حسن وعمل صالح وهي بالعلم العملي أخص منها بالعلم النظري والحكمة من الله إظهار الفضائل المعقولة والمحسوسة ومن العباد معرفة ذلك بقدر طاقة البشر وعرفت أيضا أنها العلم المشتمل على معرفته تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك ولا يبلغ الحكمة إلا أحد رجلين مهذب في فهمه موفق في نظمه ساعده معلم ناصح وكفاية وعمر. وأما الذي يصطفيه الله ففتح عليه أبواب الحكمة بفيض إلهي ويلقي إليه مقاليد جوده فيبلغه ذروة السعادة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (المصطفوية) نسبة إلى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي المختار والإصطفاء افتعال من الصفوة وهي ما خلص اللطيف عن كثيفه ومكدره ذكره الحراني (صنوفا) أي أنواعا من الأحاديث فإنها متنوعة إلى أنواع كثيرة فمنها مواعظ وآداب ورقائق وأحكام وترغيب وترهيب وغير ذلك وفي الكتاب من كل منها لكنه لم يكثر من أحاديث الأحكام إكتفاء بكون معظم تأليف القوم فيها وتعبيره بالمصطفوية بالواو إنما يتخرج على خلاف ما عليه الجمهور فإن عندهم أن ألف [ص: 20] المقصور إذا كان خامسة فصاعدا تحذف مطلقا ولا تقلب سواء كانت أصلية نحو مصطفى أو للتأنيث نحو حباري أو لغير ذلك (اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة) أي القصيرة فلم أتجاوزها إلى إيراد الطويلة أي غالبا. قال في الصحاح: قصر الشيء على الشيء لم يتجاوزه لغيره والإقتصار على الشيء الاكتفاء به. وفي الأساس: اقتصر على الشيء كف عنه وهو يقدر عليه وقصر عنه قصورا عجز عنه يقال أقصر عن الصبا وأقصر عن الباطل. والأحاديث قال في الكشاف: يكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون جمعا للأحدوثة التي هي مثل الأضحوكة هي ما يتحدث به الناس تلهيا والمراد هنا الأول قال: سميت أحاديث لأنه محدث بها عن الله ورسوله فيقال قال رسول الله كذا انتهى. قال الكرماني: والمراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى النبي وكأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن لأنه قديم وهذا حديث انتهى وفي شرح الألفية الحديث ويرادفه الخبر على الصحيح ما أضيف إلى النبي أو إلى الصحابي أو إلى دونه قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة. ويعبر عن هذا بعلم الحديث رواية. ويحد بأنه علم يشتمل على نقل ذلك وموضوعه ذات النبي صلى الله عليه وسلم من حيث كونه نبيا وغايته الفوز بسعادة الدارين وأما علم الحديث دراية وهو المراد عند الإطلاق كما في الألفية فهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد اه. والمراد هنا ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولا مجال لإرادة غيره والوجيز القليل اللفظ الكثير المعنى ووجز اللفظ وجازة فهو وجيز وموجز أي قصير (ولخصت فيه) من التلخيص وهو تهذيب الشيء وتصفيته مما يمازجه في خلقته مما هو دونه وفي الصحاح هو التبين والشرح وفي النهاية هو التقريب والاقتصار يقال لخصت القول أي اقتصرت فيه واختصرت منه ما يحتاج إليه (من معادن) جمع معدن بفتح فسكون فكسر اسم مكان ويراد به الحال فيه أيضا (الأثر) بالتحريك أي المأثور أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال أثرت الحديث أثرا أي نقلته والأثر بفتحين اسم منه وحديث مأثور أي نقله خلف عن سلف وسنن النبي آثاره كذا في مختار الصحاح. وقال الزمخشري: يقال وجدت ذلك في الأثر أي في السنة وفلان من جملة الآثار وحديث مأثور يأثره أي يرويه قرن عن قرن ومنه التليد المأثور للقديم المتوارث كابرا عن كابر وفي شرح الألفية: الأثر بفتح الهمزة والمثلثة هو الأحاديث مرفوعة أو موقوفة. وقصره بعض الفقهاء على الموقوف (إبريزه) أي خالصه وأحسنه والإبريز كما في التهذيب بكسر الهمزة والراء وسكون الموحدة التحتية بينهما: الذهب الخالص يقال ذهب إبريز وإبريزي بكسرهما خالص شبه أصول الحديث بالمعادن وما أخذه منها بالذهب الخالص وجمعه لها بالتلخيص فهو كناية عن كونه غاص على الأحاديث العزيزة البليغة المعدودة من جوامع الكلم واستخرجها من أماكنها ومكامنها وهذبها ورتبها بكلفة ومشقة كما يقاسيه من يستخرج الذهب من معدنه الذي خلق فيه فشبه ما لخصه مما انتزعه من بطون الدفاتر الحديثية المتشعبة المنتشرة بالذهب المعدني المستخرج من البقاع التي خلق فيها بجامع أن كلا منهما قد ارتقى في النفاسة إلى الغابة التي لا ترتقي وبرز تبريزا فاق أصحابه عقلا وشجاعة. كذا في القاموس وفي الأساس: ذهب إبريز خالص وتقول ميز الخبيث من الإبريز والناكصين من أولى التبريز (وبالغت) أي تناهيت في الإجتهاد. قال الزمخشري: تبالغ فيه المرض والهم إذا تناهى (في تحرير التخريج) أي تهذيب المروي وتخليصه. قال الزمخشري: ومن المجاز حرر الكتاب حسنه وخلصه بإقامة حروفه وإصلاح سقطه والتخريج من خرج العمل تخريجا واخترجه بمعنى استخرجه. قال الزمخشري: ومن المجاز خرج فلان في العلم والصناعة خروجا إذا نبغ وخرجه واخترجه بمعنى استخرجه وخرج الغلام لوجه ترك بعضه غير مكتوب وإذا كتبت الكتاب فتركت مواضع الفصول والأبواب فهو كتاب مخرج وخرج الكتاب جعله ضروبا مختلفة والإخراج والاستخراج الاستنباط بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين. قال ابن الكمال: كتب التفسير [ص: 21] مشحونة بالأحاديث الموضوعة وكأكابر الفقهاء في الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج وتمييز الصحيح من غيره فوقعوا في الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبي وفرعوا عليها كثيرا من الأحكام مع ضعفها بل ربما دخل عليهم الموضوع وممن عدت عليه في هذا الباب هفوات وحفظت عليه غلطات الأسد بن الأسد الكرار الفرار الذي أجمع على على جلالته الموافق والمخالف وطار صيته في المشرقين والمغربين الأستاذ الأعظم إمام الحرمين وتبعه عليها معمار القواعد دهقان المعاقل والمعاقد الذي اعترف بإمته العام والخاص مولانا حجة الإسلام في كثير من عظماء المذاهب الأربعة وهذا لا يقدح في جلالتهم بل ولا في اجتهاد المجتهدين إذ ليس من شرط المجتهد الإحاطة بحال كل حديث في الدنيا. قال الحافظ الزين العراقي في خطبة تخريجه الكبير للإحياء: عادة المتقدمين السكوت عما أوردوا من الأحاديث في تصانيفهم وعدم بيان من خرجه وبيان الصحيح من الضعيف إلا نادرا وإن كانوا من أئمة الحديث حتى جاء النووي فبين. وقصد الأولين أن لا يغفل الناس النظر في كل علم في مظنته ولهذا مشى الرافعي على طريقة الفقهاء مع كونه أعلم بالحديث من النووي. إلى هنا كلامه (فتركت القشر) بكسر القاف (وأخذت اللباب) أي تجنبت الأخبار التي حكم عليها النقاد بالوضع أو ما قاربه بما اشتدت نكارته وقويت الريبة فيه المكنى عنه بالقشر وأتيت بالصحيح والحسن لذاته أو لغيره وما لم يشتد ضعفه المكنى عنه باللباب. والترك: أن لا يتعرض للأمر حسا أو معنى والقشر واحد القشور والقشرة أخص منه ومنه قشر العود وغيره نزعه عنه قشره والأخذ حوز الشي وتحصيله. قال الزمخشري: ومن المجاز جاء بالجواب المقشر. واللباب بالضم الخالص ولب كل شيء خالصه وأخذ لبابه خالصه ورأيته بلب اللوز بكسره ويستخرج لبه (وصنته) أي هذا الجامع يعني حفظته يقال صان الرجل عرضه من الدنس فهو صين والتصاون خلاف الابتذال وفلان يصون عرضه صون الربط وحب مصون وصنت الثوب من الدنس والثوب في صوانة والترس في صوانها ومصوانها ومصانيها وهذا ثوب صينة لا ثوب بذلة وهو يتصون من العجائب ومن المجاز فرس ذو صون وابتذال وهو يصون خبزه إذا ادخر منه ذخيرة. ذكره الزمخشري (عما) أي عن إيراد حديث (تفرد به) أي بروايته راو (وضاع) للحدبث على النبي صلى الله عليه وسلم (أو كذاب) وإن لم يثبت عنه خصوص الوضع أي اتهمه جهابذة الأثر بوضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم أو الكذب وصيغة المبالغة هنا غير مرادة إذ غرضه صونه حتى عمن لم يعهد عليه سوى وضع حديث واحد أو كذب ولو في لفظة واحدة أما إذا لم ينفرد بأن شاركه في روايته غيره فلا يتحاشى المؤلف عن إيراده لاعتضاده. ثم إن ما ذكره من صونه عن ذلك غالبي أو ادعائي وإلا فكثيرا ما وقع له أنهلم يصرف إلى النقد الإهتمام فسقط فما التزم الصون عنه في هذا المقام كما ستراه موضحا في مواضعه لكن العصمة لغير الأنبياء متعذرة والغفلة على البشر شاملة منتشرة وقد أعطى الحفظ حقه وأدى من تأدية الفرض مستحقه فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. والكتاب مع ذلك من أشرف الكتب مرتبة وأسماها منقبة والذنب الواحد إو المتعدد مع القلة لايهجر لأجله الحبيب والروض النضير لا يترك بمحل قبر. قال الراغب وغيره: ليس يجب أن نحكم بفساد كتاب لخطأ ما وقع فيه من صاحبه كصنع العامي إذا وجدوا من أخطأ في مسألة حكموا على صنعته بالفساد ودأبهم أن يعتبروا الصناعة بالصانع خلاف ما قال علي كرم الله وجهه: " الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله " وليس يدرون أن الصناعة على شيء روحاني والمتعاطي لها يباشرها بمجسم وطبع لا يفارقهما العجز فهو خليق بوقوع الخطأ منه اه. قال المؤلف كغيره: والموضوع ليس في الحقيقة بحديث اصطلاحا بل بزعم واضعه وسبب الوضع نسيان الراوي لما رواه فيذكر غيره ظانا أنه المروي أو غلطة بأن سبق لسانه إلى غير ما رواه أو يضع مكانه مما يظن أنه يؤدي معناه أو افتراء كوضع الزنادقة أحاديث تخالف المعقول تنفيرا للعقلاء عن شريعته المطهرة أو للترغيب في أعمال البر جهلا كبعض الصوفية أو غير ذلك ممن هو مبين في علوم الحدث (ففاق بذلك) أي بسبب صونه عما ذكر مع تحرير [ص: 22] تخريجه (الكتب المؤلفة في هذا النوع) أي علاهم في الحسن لتميزه علها بجودة التهذيب والرصانة وكمال التنقيح والصيانة قال الزمخشري: يقال فاق قومه فضلهم ورجحهم. وقال الراغب: يقال فاق فلان غيره يفوقه علاه وهو من لفظ فوق المستعملة للفضيلة فإنه يقال باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو {ورفعن بعضهم فوق بعض درجات} والأخروية نحو {والذين اتقوا فوقهم} ويقال باعتبار القهر والغلبة قال السيد: " والتأليف جمع أشياء متناسبة كما يرشد إليه اشتقاقه من الألف وأصله قول الراغب: المؤلف ما جمع من أجزاء مختلفة وترتب ترتيبا قدم فيه ما حقه أن يقدم وأخر ما حقه أن يؤخر والألفة اجتماع مع الئتام اه " والنوع من الشيء الصنف وتنوع صار أنواعا ونوعه تنويعا جعله أنواعا متنوعة والكتب المؤلفة في هذا النوع (كالفائق) كما يأتي ذكره (والشهاب) بكسر أوله للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المصري قال السلفي كان من الثقات الأثبات شافعي المذهب والاعتقاد والظاهر أن مراده بالفائق كتاب: " الفائق في اللفظ الرائق تأليف ابن غنام " جمع فيه أحاديث من الرقائق على هذا النحو. وأما ما يتبادر إلى بعض إلى بعض الأذهان من إرادة فاق الزمخشري فلا يستقيم إذ المشار إليه بهذا النوع هو إيراد متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد مرتبة على الحروف وفائق الزمخشري ليس إلا في شرح الألفاظ اللغوية والكلمات العربية الواقعة في الحديث ولسان الصدر الأول من الصحب والتابعين الموثوق بعربيتهم المحتج باستعمالهم وبينه وبين هذا الكتاب بون (وحوى) أي جمع وضم يقال حويت الشيء أجوبة جمعته وضممته وتحوي الشيء تجمع قال الزمخشري: ومن المجاز احتوى على الشيء استولى عليه (من نفائس الصناعة الحديثية) أي المنسوبة للمحدثين (ما لم يودع) بالبناء للمفعول (قبله) أي قبل تأليفه (في كتاب) فإن ذينك وإن كانا أوردا المتون كما ذكر لكنهما لم يعقبا بالرموز للمخرجين ولا رتبا على الحروف وها من قبيل المبالغة في المدحة على من الترغيبات في التأليفات فإن الديلمي رتب الفردوس على حروف المعجم كهذا الترتيب ويأتي بمتن الحديث أولا مجرداثم يضع عليه علامة مخرجه بجانبه بالحروف على نحو من اصطلاح المصنف رحمه الله تعالى في رموزه من كون خ للبخاري وم لمسلم وهكذا لكن بينهما تخالف في البعض فالحروف التي رمز بها الديلمي عشرون والمؤلف ثلاثون وهو إنما رسم كتابه على ذلك فخفت المؤنة عليه في تأليفه هذا الكتاب فانتهب منه ما اختار واغترف اغتراف الظمان من اليم الزخار وأعانه على ذلك أيضا سديد القوس للحافظ ابن حجر والنفائس جمع نفيسة لا نفيس لأن فعائل إنما يكون جمعا لفعيلة والصناعة في عرف الخاصة علم يتعلق بكيفية العمل ويكون المقصود منه ذلك العمل سواء حصل بمزوالة عمل أم لا وفي عرف العامة يخص بما لم يحصل إلا بمزاولة والوجه في التسمية على التعريفين أن حقيقة الصناعة صفة نفسانية راسخة يقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على وجه البصيرة بحسب الإمكان والظاهر أن المراد بالصناعة هنا متعارف العامة وأن ذكر الصناعات لمشابهتها العلوم في أن تفاضل أصحابها بحسب الدقائق دون الأصول ذكره كله الشريف الجرجاني قال وقد يقال كل علم مارسه رجل وصار حرفة له سمي صناعة له تعلق بعمل أم لا انتهى. قال في الكشاف: كل عامل لا يسمى صانعا ولا كل عمل صناعة حتى يتكرر من ويتدرب وينسب إليه وقال الأكمل الحق أن كل علم مارسه الإنسان سواء كان استدلاليا أو غيره حتى صار كالحرفة له يسمى صنعة ووصفها بالنفاسة إيذانا بخطر قدرها وعلو شأنها وههنا نكتة سرية وهو أنه مدح الجامع أولا بتهذيب تخريجه وصونه عن الأخبار الموضوعة. ثم وصفه ثانيا بتفرده بحسن الصنعة ونفاسة الأسلوب في بابه إشعارا بأنه قد أحاط به الشرف من كل جهة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء والقبل كل ما يتقدم الإنسان بالذات أو الزمان (ورتبته) أي الكتاب من الترتيب. قال الشريف: وهو جعل الأشياء بحيث يطلق عليها اسم الواحد ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر في الرتبة العقلية فهو أخص من التأليف: إذ هو ضم الأشياء مؤتلفة سواء كانت مترتبة الوضع أم لا (على حروف المعجم) أي حروف الخط المعجم كمسجد الجامع وهي الحروف المقطعة التي يختص أكثرها بالنقط سميت [ص: 23] معجمة لأنها أعجمية لا بيان لها أو لأنها أعجمت على الناظر في معناها ذكره ابن عربي. وقال غيره: المعجم إما اسم مفعول صفة لمحذوف: أي حروف الخط الذي وقع عليه الإعجام وهو النقط أو مصدر ميمي كالإعجام وعليهما فإطلاق حروف المعجم على الكل من قبيل التغليب وجوز التفتازاني أن يكون معنى الإعجام إزالة العجمة بالنقط واعترضه الدماميني بأنه إنما يتم إذا كان جعل الهمزة للسلب مقيسا أو مسموعا في هذه الكلمة وقيل معناه حروف الإعجام أي إزالة العجمة وذلك أن ينقط أكثرها والحرف يذكر ويؤنث وأصله طرف الشيء الذي لا يوجد منفردا وطرف القول الذي لا يفهم وحده. وأحق ما يسمى حروفاإذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم ولم فهم لها دلالة فتضاف إلى مثلها جزءا من كلمة مفهومة فتسمى عند ذلك حروفا وعند النطق بها كهذا ألف لام ميم يقال فيها أسماء وإن كانت غير معلومة الدلالة كحروف اب ت ث فإنها كلها أسماء على ما فهمه الخليل وأنها إنما تسمى حروفا عندما تكون أجزاء كلمة محركة للإبتداء أو مسكنة للوقف والانتهاء ذكره الحراني <فائدة> قال العارف ابن عربي الحروف أمة من الأمم مخاطبون مكلفون وفيهم رسل من جنسهم قال ولا يعرف ذلك إلا أهل الكشف (مراعيا) أي ملاحظا في الترتيب (أول الحديث فما بعده) أي محافظا على الابتداء بالحرف الأول والثاني من كل كلمة أولى من الحديث واتباعهما بالحرف الثالث منهما وهكذا فيما بعده على سياق الحروف كما لو اشترك حديثان في الحرف الأول واختلفا في الثاني من الكلمة نحو أبى وأتى فيوضع على هذا الترتيب فإن اشتركا في حرفين روعي الثالث وهكذا وإن اشتركا في الثالث روعي كذلك كقوله: " آخر قرية " و " آخر من يحشر " وهكذا إن اشتركا في كلمات كقوله: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة " وقوله: " من رآني في المنام فقد رآني " هذا هو قضية التزامه الدال عليه كلامه هنا. فإن قلت هو لم يف بما التزمه بل خالفه من أول وهلة فقال: " آخر من يدخل " ثم قال: " آخر قرية " وحق الترتيب عكسه؟ قلت: إنما يخالف الترتيب أحيانا لنكتة ككون الحديث شاهدا لما قبله أو فيه تتمة له أو مرتبط المعنى به أو نحو ذلك من المقاصد الصناعية المقتضية لتعقيبه به. وإنما رتبه على هذا النحو (تسهيلا على الطلاب) لعلم الحديث أي تيسيرا عليهم عند إرادة الكشف عن حديث يراد مراجعته للعلم أو للعمل به فإن الكتاب إذا كان جنسا واحدا غير مبوب عسر التتبع منه وإذا جعلت له تقاسيم وأنواع واشتملت أقسامه على أصناف كان أسهل على الكاشف وأنشط للقارئ سيما إذا تلاحقت الأشكال بغرابة الانتظام وتجاذبت النظائر بحسن الالئتام وتعانقت الأمثال بالتشابه في تمام الأحكام وكمال الإحكام والتسهيل التيسير. قال الزمخشري: ومن المجاز كلام فيه سهولة وهو سهل المأخذ (وسميته الجامع الصغير) قال النحرير الدواني: يعني سميته بمجموع الموصوف والصفة وما أضيف إليهما (من حديث البشير النذير) أي البالغ في كل من الوصفين غاية الكمال فهو بشير للمؤمنين بالجنة ونذير للكافرين من النار وفيه من أنواع البديع الطباق وهو إيراد المتضادين وهما البشارة والنذارة وقدم الوصف بالبشارة على الوصف بالنذارة إما رعاية للسجع أو إشارة إلى سبق الرحمة وغلبة وصف الكرم وكثرة المسامحة وإجزال المواهب ولا مانع من كون الوصف في الأصل يصير علما بالشخص أو بالغلبة أو بهما. قال الحراني: والجامع من الجمع وهو ضم ما شأنه الافتراق والتنافر لطفا أو قهرا. ثم بين وجه مناسبة تسميته بخصوص ذلك الاسم بقوله (لأنه مقتضب) أي مقتطع من اقتضب الشيء اقتطعه ومنه الغصن المقطوع قضيب فعيل بمعنى مفعول قال الزمخشري ومن المجاز اقتضب الكلام ارتجله واقتضب الناقة ركبه قبل أن تراض ورجل قضابة قطاع للأمور مقتدر عليها (من الكتاب الكبير) حجما وعلما (الذي) صفته في الحديث و (سميته بجمع الجوامع) لجمعه كل مؤلف جامع فتسميته بذلك إيماء إلى ما ذكر ومن ثم قال (وقصدت) أي طلبت يقال قصدت الشيء وله وإليه قصدا طلبته بعينه (فيه) أي في الكتاب الكبير (جمع الأحاديث النبوية بأسرها) أي بجميعها والأسر القد الذي يشد به الأسير فإذا ذهب الأسير بأسره فقد ذهب بجميعه [ص: 24] فقال هذا لك بأسره أي بقده يعني بجميعه كما يقال برمته ذكره في الصحاح وهذا بحسب ما اطلع عليه المؤلف لا باعتبار ما في نفس الأمر لتعذر الإحاطة بها وإنافتها على ما جمعه الجامع المذكور لو تم وقد اخترمته المنية قبل إتمامه. وفي تاريخ ابن عساكر عن أحمد: صح من الحديث سبع مئة ألف وكسر. وقال أبو زرعة: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث. وقال البخاري: احفظ مئة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال مسلم صنفت الصحيح من ثلاث مئة ألف حديث إلى غير ذلك: ثم شرع في بيان رموز اصطلح عليها فقال (وهذه رموزه) أي إشاراته الدالة على من خرج الحديث من أهل الأثر جمع رمز وهو الإشارة بعين أو حاجب أو غيرهما قال في الكشاف وأصله التحرك ومنه الراموز للبحر وفي الأساس رمز إليه وكلمه رمزا بشفتيه وحاجبه ويقال جارة غمازة بيدها همازة بعينها لمازة بفمها رمازة بحاجبها ودخلت عليهم فتغامزوا وتغامزوا انتهى. وقال الحراني الرمز تلطف في الإفهام بإشارة تحرك طرف كيد ولحظ والغمز أشد منه. وقال الراغب يعبر عن كل كلام كإشارة بالرمز كما عبر عن السعاية بالغمز انتهى. ثم توسع فيه المصنف فاستعمله في الإشارة بالحروف التي اصطلع عليها في العزو إلى المخرجين (خ للبخاري) زين الأمة وافتخار الأئمة صاحب أصح الكتب بعد القرآن ساحب ذيل الفضل على مر الزمان الذي قال فيه إمام الأئمة ابن خزيمة " ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه " وقال بعضهم إنه من آيات الله التي يمشي على وجه الأرض. وقال الذهبي: " كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة " هذه عبارته في الكاشف ومع ذلك غلب عليه الغض من أهل السنة فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين: " ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ تركه لأجلها الراويان " هذه عبارته وأستغفر الله نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان. قال التاج السبكي: " شيخنا الذهبي عنده على أهل السنة تحامل مفرط وإذا واقع بأشعري لا يبقى ولا يذر فلا يجوز اعتماد عليه في ذم أشعري ولا شكر حنبلي " تفقه البخاري على الحميدي وغيره من أصحاب الشافعي وكتب عن أحمد زهاء ألف حديث وكتب عنه المحدثون وما في وجهه شعرة وكان يحضر مجلسه زهاء عشرين ألفا وسمع منه الصحيح نحو تسعين ألفا. وقال إنه ألفه من زهاء ست مئة ألف وأنه ما وضع فيه حديثا إلا اغتسل بماء زمزم وصلى خلف المقام ركعتين وصنفه في ستة عشر سنة. وروى عنه مسلم خارج الصحيح. وكان يقول له: دعني أقبل رجلك يا طيب الحديث يا أستاذ الأستاذين. ولد بعد الجمعة ثالث عشر شوال سنة أربع وتسعين ومئة ومات عشاء ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين. وما أحسن قول ابن الكمال ابن أبي شريف ولد في صدق ومات في نور ومناقبه مفردة بالتأليف فلا نطيل فيها منها. إن كتابه لم يقرأ في كرب إلا فرج ولا ركب به في مركب فغرق وإنما رمز له المؤلف بحرف من حروف بلده دون اسمه لأن نسبته إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته ورمز إليه بالخاء دون غيرها من حروف بلده لأنها أشهر حروفه وليس في حروف بقية الأسماء خاء. (م لمسلم) أبو الحسين ابن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب الصحيح المشهود له بالترجيح صنفه من ثلاث مئة ألف حديث كما في تاريخ ابن عساكر أخذ عن أحمد وخلق وعنه خلق روى له الترمذي حديثا واحدا. وسبب موته أنه ذمر له حديث فلم يعرفه فأوقد السراج وقال لمن في الدار: لا يدخل أحد علي فقالوا أهديت لنا سلة تمر وقدموها فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة فأصبح وقد فنى التمر ووجد الحديث فمات سنة واحد وستين ومائتين. وإنما رمز له بالميم لأن اسمه أشهر من نسبته وكنيته عكس البخاري والميم أول حروف اسمه. (ق لهما) في الصحيحين واتفقت الأمة على أنهما أصح الكتب وقول الإمام الشافهي رضي الله عنه: " الأصح الموطأ " كان قبل وجودهما والجمهور على أن ما في البخاري دون التعاليق والتراجم وأقوال الصحب والتابعين أصح مما في مسلم وعكسه أطيل في رده وجميع ما أسند في الصحيحين محتوم بصحته قطعا أو ظنا على الخلاف المعروف سوى مائتين وعشرة أحاديث انتقدها عليهم الدارقطني وأجابوا عنها. (د لأبي داود) سليمان بن الأشعث السجستاني الشافعي أخذ عن أحمد وخلق عنه الترمذي [ص: 25] ومن لا يحصى. ولد سنة ثنتين ومائتين ومات سنة خمس وسبعين ومائتين قالوا: " ألين له الحديث كما ألين لداود الحديد وقال بعض الأعلام: سننه أم الأحكام. ولما صنفه صار لأهل الحديث كالمصحف. قال: " كتبت خمس مئة ألف حديث انتخبت منها السنن أربعة آلاف وثمان مئة ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما فيه لين شديد بينته ". قال الذهبي: قد وفى فإنه بين الضعيف الظاهر وسكت عن المحتمل فما سكت عنه لا يكون حسنا عنده ولا بد كما زعمه ابن الصلاح وغيره بل قد يكون فيه ضعف وهذا قد سبقه إليه ابن منبه حيث قال كان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجده في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال. قال ابن عبد الهادي هذا رد علي من يقول إن ما سكت عليه أبو داود يحتج به ومحكوم عليه بأنه حسن عنده والذي يظهر أن ما سكت عنه وليس في الصحيحين ينقسم إلى صحيح محتج به وضعيف غير محتج به بمفرده ومتوسط بينهما فما في سننه ستة أقسام أو ثمانية صحيح لذاته صيحي لغيره بلا وهن فيهما ما به وهن شديد ما به وهن غير شديد وهذان قسمان: ماله جابر وما لا جابر له وما قبلهما قسمان: ما بين وهنه وما لم يبينه ورمز له المؤلف بالدال لأن كنيته أشهر من اسمه ونسبه والدال أشهر حروف كنيته وأبعدها عن الاشتباه ببقية العلائم انتهى. (ت للترمذي) بكسر الفوقية والميم أو بضمهما وبفتح فكسر كلها مع إعجام الذال نسبة لبلدة قديمة بطرف جيحون وهو الإمام أبو الحسن محمد بن عيسى بن سورة من أوعية العلم وكبار الأعلام ولد سنة تسع ومائتين ومات سنة تسع وسبعين ومائتين. وقول الخليلي: بعد الثمانين ردوه وصنيع المؤلف قاض بأن جامع الترمذي بين أبي داود والنسائي في الرتبة لكن قال الذهبي انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما. وقال في الميزان في ترجمة يحيى بن اليمان لا تغتر بتحسين الترمذي فعند المحاققة غالبا ضعاف ورمز له بالتاء لأن شهرته بنسبته لبلده أكثر منها باسمه وكنيته. (ن للنسائي) الأمام أحمد بن شعيب الخراساني الشافعي ولد سنة أربع أو خمسة عشر ومائتين واجتهد ورحل إلى أن انفرد فقها وحديثا وحفظا وإتقانا. قال الزنجاني له شرط في الرجال أشد من الشيخين. وقال التاج السبكي عن أبيه والذهبي: النسائي أحفظ من مسلم. وقال أبو جعفر ابن الزبير لأبي داود في استعياب أحاديث الأحكام ما ليس لغيره وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه فيه غيره. وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها وكان شهما منبسطا في المأكل كثير الجماع للنساء مع كثرة التعبد دخل دمشق فذكر فضائل علي رضي الله عنه فقيل له فمعاوية فقال ما كفاه أن يذهب رأسا برأس حتى نذكر له فضائل فدفع في خصيتيه حتى أشرف على الموت فأخرج فمات بالرملة أو فلسطين سنة ثلاث وثلاث مئة وحمل للمقدس أو مكة فدفن بين الصفا والمروة ورمز له بالنون لأن نسبته أشهر من اسمه وكنيته ولم يرمز له بالسين لئلا يتصحف بابن أبي شيبة. (هـ لابن ماجه) الحافظ الكبير محمد بن يزيد الربعي مولاهم القزويني وماجه لقب لأبيه كان من أكابر الحفاظ مجمع على توثيقه. ولما عرض سننه على أبي زرعة قال: أطن أن هذا الكتاب إن وقع بأيدي الناس تعطلت الجوامع أو أكثرها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين. قال المزني: كل ما انفرد به ابن ماجه عن الخمسة ضعيف واعترض ثم حمل تارة على الأحكام وطورا على الرجال ورمز له بالهاء لأن اشتهاره بلقب أبيه أكثر منه باسمه وبلده. (4 لهؤلاء الأربعة) أي أصحاب السنن الأربعة أبي داود ومن بعده. (3 لهم إلا ابن ماجه) وهذه السنن الأربعة فيها الصحيح والحسن والضعيف فليس كل ما فيها حسنا ولهذا عابوا على محي السنة في تقسيمه المصابيح إلى الصحاح والحسان جانجا إلى أن الحسن ما رواه أصحاب السنن والصحاح ما في الصحيحين أو أحدهما. وقول لسلفي اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في الكتب الخمسة زلل فاحش. (حم لأحمد في مسنده) بفتح النون يقال لكتاب جمع فيه ما أسنده الصحابة أي روره وللإسناد كمسند الشهاب ومسند الفردوس أي إسناد حديثهما ولم يكتف في الرمز إليه بحرف واحد كما فعل في أولئك لئلا يتصحف بعلامة البخاري والإمام أحمد هو ابن محمد حنبل الناصر للسنة الصابر على المحنة [ص: 26] الذي قال فيه الشافعي ما ببغداد أفقه ولا أزهد منه. وقال إمام الحرمين: غسل وجه السنة من غبار البدعة وكشف الغمة عن عقيدة الأمة. ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومئة وروى عن الشافعي وابن مهدي وخلق وعنه الشيخان وغيرهما ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين وارتجت الدنيا لموته. قال ابن المديني: مسنده وهو نحو أربعين ألفا أصل من أصول الإسلام. وقال ابن الصلاح مسند أحمد ونحوه من المسانيد كأبي يعلى والبزار والدارمي وابن راهويه وعبد بن حميد لا يلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها أي كسنن ابن ماجه في الاحتجاج بها والركون إليها. وقال العراقي: وجود الضعيف في مسند أحمد محقق. بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء وتعقبه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنه ليس فيه حديث ولا أصل له إلا أربعة منها خبر ابن عوف أنه يدخل الجنة زحفا قال أعني ابن حجر في تجريد زوائد البزار وإذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره من المسانيد. (عم لابنه) عبد الله روى عن أبيه وابن معين وخلق وعنه النسائي والطبراني وغيرهما روى علما كثيرا. قال الخطابي: ثقة ثبت ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين ومات سنة تسعين ومائتين. (في زوائده) أي زوائد مسند أبيه جمع فيه نحو عشرة آلاف حديث. (ك للحاكم) محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي الشافعي الإمام الرحال المعروف بابن البيع. قال أبو حاتم وغيره: قام الإجماع على ثقته ونسب إلى التشيع وقال الذهبي: ثقة ثبت لكنه يتشيع ويحط على معاوية والله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي كما زعمه ابن طاهر أما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فمجمع عليه. وقال السبكي: اتفق العلماء على أنه من أعظم الأئمة الذين حفظ الله بهم الدين. ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمئة وأكثر الرحلة والسماع حتى سمع من نيسابور من نحو ألف شيخ ومن غيرها أكثر ولا تعجب من ذلك فإن ابن النجار ذكر أن أبا سعيد السمعاني له سبعة آلاف شيخ واستملي على ابن حبان وتفقه على ابن أبي هريرة وغيره روى عنه الأئمة: الدارقطني والقفال الشاشي وهما من شيوخه والبيهقي وأكثر عنه وبكتبه تقفه الأستاذ أبو القاسم القشيري ورحل الناس إليه من الآفاق وحدثوا عنه في حياته وأفرد المديني ترجمته وذكر أنه دخل الحمام فاغتسل وقال: آه فخرجت روحه وهو مستور لم يلبس القميص (فإن كان في مستدركه) على الصحيحين ما فاتهما الذي قصد فيه ضبط الزائد عليهما مما على شرطهما أو شرط أحدهما أو هو صحيح (أطلقت) العزواليه عاريا عن التقييد بأن أذكر صورة حرف " ك " يقال أطلقت القول أرسلته من غير قيد ولا شرط وأطلقت البينة شهدت من غير تقييد بتاريخ ذكره الزمخشري (وإلا) بأن كان في تاريخه أو المدخل أو الإكليل أو غيرها من كتبه التي بلغت كما قال السبكي وغيره نحو خمس مئة بل قال عبد الغافر والفارسي: ألفا بل قيل أكثر (بينته) قالوا وقد تساهل الحاكم فيما استدركه على الشيخين لموته قبل تنقيحه أو لكونه ألفه آخر عمره وقد تغير حاله أو لغير ذلك ومن ثم تعقب الذهبي كثيرا منه بالضعف والنكارة وقال: ما أدري هل خفيت عليه فما هو ممن يجهل وإن علم فهذه خيانة عظيمة وجملة ما فيه مما على شرطهما أو أحدهما نحو نصفه وما صح بسنده نحو ربعه وأما قول الماليني: لم أر فيه حديثا واحدا علي شرطهما فأبطله الذهبي بأنه غلو وإسراف قال وما انفرد بنصحيحه ولم يكن مردودا بعلة فهو دائر بين الصحة والحسن وظاهر تصرف الحاكم أنه ممن يرى اندراج الحسن في الصحيح. قال ابن أبي شريف بنحو الاعتراض بتساهله في الصحيح. (خد للبخاري في الأدب) أي في كتاب الأدب المفرد وهو مشهور. (تخ له في التاريخ) أي الكبير فال فيه للعهد إذ هو المعهود المشهور فيما بين القوم وأطلقه لغلبة اشتهاره وتبادر الأذهان إليه ويحتمل أن المراد واحد من الكتب التي صنفها في التاريخ وهي ثلاثة وهي: كبير وأوسط وصغير. والكبير صنفه وعمره ثمانية عشر سنة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن منده: لو كتب الرجل ثلاثين ألفا ما استغنى عن تاريخ البخاري. وقال السبكي تاريخه لم يسبق إليه ومن ألف بعده في التاريخ أو الأسماء أو الكنى عيال عليه فمنهم مننسبه لنفسه كمسلم وأبي زرعة وأبي حاتم ومنهم من حكاه عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 (حب لابن [ص: 27] حبان) بكسر الحاء وتشديد الموحدة. وهو محمد بن حبان أبو حاتم التميمي الفقيه الشافعي البستي أحد الحفاظ الكبار. روى عن النسائي وأبي يعلى وابن خزيمة وخلق وعنه الحاكم وغيره وصنف كتبا نفيسة منها تاريخ الثقات وتاريخ الضعفاء. ولي قضاء سمرقند وكان رأسا في الحديث عالما بالفقه والكلام والطب والفلسفة والنجوم ولهذا امتحن ونسب للزندقة وأمر بقتله ثم مات بسمرقند سنة أربع وخمسين وثلثمئة في عشر الثمانين (في صحيحه) المسمى بالتقاسيم والأنواع المقدم عندهم على مستدرك الحاكم. قال الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم أشد تساهلا منه غايته أن ابن حبان يسمى الحسن صحيحا اه وما اقتضاه كلام التقريب كأصله مما يخالف ذلك رده الزين العراقي بأن ابن حبان شرط تخريج مراويه ثقة غير مدلس سمع من شيخه وسمع منه الأخذ عنه ووفى بالتزامه ولم يعرف للحاكم. قال وصحيح ابن خزيمة أعلى رتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه فأصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة فابن حبان فالحاكم. قال ابن حجر. وذكر ابن حبان في كتابه أنه إنما لم يرتبه ليحفظ لأنه لو رتبه ترتيبا سهلا لاتكل على كل من يكون عنده على سهولة الكشف فلا يحفظه. وإذا توعر طريق الكشف كان أدعى لحفظه ليكون على ذكر من جمعه. (طب للطبراني) سليمان اللخمي أبو القاسم أحدالحفاظ المكثرين الجوالين صاحب التصانيف الكثيرة أخذ عن أكثر من ألف شيخ منهم أبو زرعة وطبقته وعنه أبو نعيم وغيره قال الذهبي: ثقة صدوق واسع الحفظ بصير بالعلل والرجال والأبواب كثير التصانيف إليه المنتهى في كثرة الحديث وعلومه تكلم ابن مردويه في أخيه فأوهم أنه فيه وليس به بل هو حافظ ثبت مات بأصبهان سنة ستين وثلاث مئة عن مئة سنة وعشرة أشهر (في الكبير) أي معجمه الكبير المصنف في أسماء الصحابة قيل أورد فيه ستين ألف حديث (طس له في الأوسط) أي معجمه الأوسط الذي ألفه في غرائب شيوخه يقال ضمنه نحو ثلاثين ألفا وفي تاريخ ابن عساكر أن الطبراني كان يقول: هذا الكتاب روحي. (طص له في الصغير) أي أصغر معاجيمه فيه نحو عشرين ألفا ومما يستغرب أني وقفت على تذكرة المقريزي بخطه فوجدته ذكر في ترجمة الحافظ ابن حجر أنه كان سريع الكتابة سريع القراءة بحيث قرأ المعجم الصغير للطبراني في مجلس واحد بصالحية دمشق. قال في اللسان وقد عاب عليه أبو الفضل جمعه الأحاديث الأفراد مع ما فيها من النكارة والشذوذ والموضوعات وفي بعضها القدح في كثير من قدماء الصحابة وغيرهم. وهذا أمر لا يختص به الطبراني فلا معنى لإفراده باللوم بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته انتهى (ص لسعيد بن منصور في سننه) هو أبو عثمان الخراساني ويقال الطالقاني ثقة ثبت صاحب السنن روى عن مالك والليث وعنه أحمد وأبو داود وغيرهم. مات بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين في عشر التسعين وسننه قال المصنف في شرح التقريب ومن مظان المعضل والمنقطع والمرسل سنن سعيد بن منصور السنن جمع سنة. قال الحافظ العراقي والتعبير بها أدنى من التعبير بالحديث لأنه لا يختص عندهم وصفه بالمرفوع بل يشمل الموقوف بخلاف السنة قال الزين زكريا وبما قاله علم أن بينهما عموما مطلقا قال والحديث الضعيف لا يسمى سنة هكذا جزم به في شرح الألفية. (ش لابن أبي شيبة) الحافظ الثبت العديم النظير عبد الله محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي صاحب المسند والأحكام والتفسير وغيرها سمع من ابن المبارك وابن عيينة وتلك الطبقة وعنه الشيخان وأبو داود وابن ماجه وخلق. قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. (عب لعبد الرزاق في الجامع) هو ابن همام بن نافع أبو بكر أحد الأعلام روى عن ابن جريج ومعمر وعنه أحمد وإسحاق مات عن خمس وثمانين ببغداد سنة إحدى عشرة ومائتين وكان يتشيع. (ع لأبي يعلى في مسنده) الحافظ الثبت محدث الجزيرة أحمد بن علي بن المثنى التميمي سمع ابن معين وطبقته وعنه ابن حبان والإسماعيلي وغيرهما أهل صدق وأمانة وعلم وحلم وثقه ابن حبان والحاكم ولد [ص: 28] سنة عشر ومائتين ومات سنة سبع وثلاث مئة. (قط للدارقطني) نسبة إلى الدار والقطن ركب الأسمان وجعلا واحدا ونسب إليه كما نبه عليه في المصباح (فإن كانت في السنن أطلقت) العزو إليه عاريا عن التقييد (وإلا) بأن كان في غيرها من تصانيفه كالععل في (بينته) أي عينت الكتاب الذي فيه وهو جهبذ العلل الحافظ الجبل على ابن عمر البغدادي الشافعي إمام زمانه وسيد أهل عصره تفقه على الإصطخري وروى عن البغوي وابن صاعد والمحاملي وعنه القاضي أبو الطيب والبرقاني والصابوني وغيرهم. قيل للحاكم: هل رأيت مثله؟ قال هو ما رأى مثل نفسه فكيف أنا وله مصنفات يطول سردها قال أبو الطيب: هو أمير المؤمنين في الحديث ومن تأمل سننه عرف قدر علمه بمذاهب العلماء. قال الخطيب: رفيع دهره وإمام وقته صحيح الاعتقاد عارف بمذاهب الفقهاء واسع الاطلاع لكن رأيت في كلام الذهبي ما يشير إلى أنه كان يتساها في الرجال فإنه قال مرة: الدارقطني مجمع الحشرات وقال أخرى لما نقل عن ابن الجوزي في حديث أعله الدارقطني: إنه لا يقبل تصنيفه حتى يبين سببه ما نصه: هذا يدل على هوى ابن الجوزي وقلة علمه بالدارقطني فإنه لا يضعف إلا من من لاطب فيه انتهى ولد سنة ست وثلاث مئة ومات سنة خمس وثمانين عن نحو ثمانين سنة وصلى عليه الشيخ أبو حامد ودفن بقرب معروف الكرخي. (فر للديلمي في مسند الفردوس) المسمى: " بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب " والفردوس للإمام عماد الإسلام أبي شجاع الديلمي ألفه محذوف الأسانيد مرتبا على الحروف ليسهل حفظه وأعلم بإزائها بالحروف للمخرجين كما مر ومسنده لولده سيد الحفاظ أبي منصور ابن شبرويه خرج سند كل حديث تحته وسماه إبانة الشبه في معرفة كيفية الوقوف على ما في كتاب الفردوس من علامات الحروف. (حل لأبي نعيم) أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني الصوفي الفقيه الشافعي الحافظ المكثر أخذ عن الطبراني وغيره وعنه الخطيب وغيره هو من أخص تلامذته وعجب عدم ذكره له في كتاب تاريخ بغداد مع كونه دخلها. قال الذهبي: صندوق تكلم فيه بلا حجة لكنه عقوبة من الله لكلامه في ابن منده بهوى وكلام ابن منده فيه فظيع لا أحب حكاياته ولا أقبل قول كل منهما في الآخر بل هما مقبولان ولا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عليها وكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به وما علمت عصرا سلم من ذلك أهله سوى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. مات بأصبهان سنة ثلاثين وأربع مئة عن أربع وتسعين سنة. هذا كلام الذهبي (في الحلية) أي كتاب: " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " قالوا: لما صنفه بيع في حياته بأربع مئة دينار واشتهرت بركته وعلت في الخافقين درجته وناهيك بقول الإمام أبي عثمان الصابوني كما نقله عنه في الوضوء وغيره كل بيت فيه جلية الأولياء لأبي نعيم لا يدخله الشيطان. (هب للبيهقي) نسبة إلى بيهق قرى مجتمعة بنواحي نيسابور وهو الإمام الجليل الحافظ الكبير أحد أئمة الشافعية الموصوف بالفصاحة والبراعة سمع من الحاكم وغيره وبلغت تصانيفه نحو الألف قال السبكي: ولم يتفق ذلك لأحد قال الذهبي ودائرته في الحديث ليست كبيرة بل بورك في مروياته وحسن تصرفه فيها لحذقه وخبرته بالأبواب والرجال واعتنى بجمع نصوص الشافعي وتخريج أحاديثها حتى قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة إلا البيهقي فله عليه المنة (في شعب الإيمان) بكسر أوله كتاب نفسي غزير الفوائد في ستة أسفار كبار (هق له في السنن) الكبرى الذي قال لاسبكي: لم يصنف أحد مثله تهذيبا وترتيبا وجودة ولد سنة أربع وثمانين وثلاث مئة ومات سنة ثمان وخمسين وأربع مئة بنيسابور وحمل لبيهق فدفن بها. (عد لابن عدي) الحافظ عبد الله بن عدي بن القطان أبو أحمد عبد الله الجرجاني أحد الحفاظ الأعيان وأحد الجهابذة الذين طافوا البلاد وهجروا الوساد وواصلوا السهاد وقطعوا المعتاد طالبين للعلم لا يعترى هممهم قصور ولا يثني عزمهم عظائم الأمور وقواطع الدهور روى عن الجمحي وغيره وعنه أبو حامد الاسفرايني وأبو سعيد الماليني قال البيهقي حافظ متقن لم يكن في زمنه مثله. وقال ابن عساكر: ثقة على لحن فيه مات سنة خمس وستين وثلاث مئة عن ثمان وثمانين سنة (في) كتاب (الكامل) أي في كتابه المسمى بالكامل الذي ألفه في معرفة [ص: 29] الضعفاء وهو أصل من الأصول المعول عليها والمرجوع إليها طابق اسمه معناه ووافق لفظه فحواه من عينه انتجع المنتجعون وبشهادته حكم الحاكمون وإلى ما قاله رجع المتقدمون والمتأخرون. (عق للعقيلي) في كتابه الذي صنفه (في الضعفاء) أي في بيان حال رجال الحديث الضعفاء جمع ضعيف والضعيف بفتح الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة. (خط للخطيب) الحافظ أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر البغدادي الفقيه الشافعي أحد الأعلام الحفاظ ومهرة الحديث له نحو خمسين مؤلفا ولد سنة ثنتين وتسعين وثلائمئة وسمع خلائق لا يحصون وأخذ الفقه عن المحاملي وأبي الطيب. وقال ابن السمعاني: كان مهابا موقرا ثقة حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ له ثروة ظاهرة وصدقات طائلة مات سنة ثلاث وستين وأربع مئة ببغداد وحمل جنازته صاحب المهذب ودفن بجانب بشر الحافي. وكان شرب ماء زمزم لذلك وأن يحدث بتاريخه بجامع بغداد وأن يملي بجامع المنصور فاستجيب له وكان سريع القراءة جدا قرأ البخاري على كريمة المروزية في خمسة أيام وسمع علي إسماعيل الضرير البخاري في ثلاث مجالس وله نظم حسن منه: الشمس تشبهه والبدر يحكيه. . . والدر يضحك والمرجان من فيه ومن سرى وظلام الليل معتكر. . . فوجهه عن ضياء البدر يغنيه (فإن كان) الحديث الذي أعزوه إليه (في التاريخ) بغداد المشهور (أطلقت) العزو إليه (وإلا) بأن كان في غيره من تآليفه المشتهرة المنتشرة (بينته) بأن أعين الكتاب الذي هو فيه وقال الحضرمي وغيره: ولعمري إن تاريخه من المصنفات التي سارت ألقابها بخلاف مضمونها سماه: " تاريخ بغداد " وهو تاريخ العالم كالأغاني للأصبهاني سماه: " الأغاني " وفيه من كل شيء و (أسأل الله) لا غيره كما يؤذن به تقديم المعمول كما في: " إياك نعبد " (أن يمن) أي ينعم علي (بقبوله) مني بأن يثيبني عليه في الآخرة إذ لامعول إلا علي نفعها (وأن يجعلنا) أتى بنون العظمة مع أن المقام مقام تعجيز وإظهار افتقار إظهارا لملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله تعالى له بتأهليه للعلم امتثالا لقوله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " أولا للتواضع والإشارة إلى أن ذلك الجعل لا يكون له وحده بل مع إخوانه من الأفاضل أشار إليه التفتازاني ونازعه الشريف (عنده) عندية إعظام وإكرام لا عندية مكان تعالى الله عن ذلك (من حزبه) بكسر الحاء أي من خاصته وجنده يقال حزب قومه فتحزبوا أي صاروا طرائف وفلانا يحازب فلانا ينصره ويعاضده ذكره الزمخشري (المفلحين) أي الكاملين في الفلاح الفائزين بكل خير المدركين لما طلبوا الناجين عما رهبوا. الفلاح درك البغية أو الفوز والنجاة (وحزب رسوله) أي اتباع الله واتباع رسوله المقربين لديه وكان ينبغي تأخير المفلحين عنه لكنه قدموا رعاية للفاضلة والتسجيع. وحزب الله هم المفلحون الغالبون " ألا إن حزب الله هم المفلحون " فإن حزب الله هم الغالبون. قال القاضي: وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبهم. وقال الراغب: جماعة فيها غلط إلى هنا تمام الكلام على شرح الخطبة وقد ختمها المؤلف كأكابر المحدثين بحديث النية وصيره جزءا منها ولأمر ما بديع تطابقوا على هذا الصنيع وهو أن الخلفاء الأربعة خطبوا به. فلما صلح للخطبة على المنابر صلح أن يجعل في خطب الدفاتر فكأنه قال: قصدت بجمع هذا الجامع جمع حديث المصطفى القائل: " إنما الأعمال بالنيات " فإن كنت قصدت وجه الله فسيجزيني عليه وينفع به أو عرضا دنيويا فسيكافئني بنيتي ولما صح فيه النية وأخلص الطوية نشره الله في الإسلام ونفع به الخاص والعام. قال النووي في بستانه وغيره: استحب العلماء أن تفتتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به البخاري في صحيحه ثم روى أعني النووي بإسناد عن ابن مهدي: من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ به ورواه عنه أيضا العراقي في أماليه. قال ابن الكمال: ولما كان عالم الملك تحت قهر الملكوت وتسخيره لزم أن [ص: 30] يكون لنيات النفوس وهيئتها تأثير فيما تباشره أبدانها من الأعمال فكل عمل بنية صادقة رحمنية عن هيئة نورانية صحبته بركة ويمن وجمعية وصفاء وكل عمل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة غاسقة ظلمانية صحبة محق وشؤم وتفرقة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 1 - (إنما الأعمال بالنيات) أي إنما هي مرتبطة بها ارتباط الأشياء العلوية الملكية بالأسرار المكنونية. قال النووي في بستانه: قال العلماء من أهل اللغة والفقه والأصول: " إنما " لفظة موضوعة للحصر تفيد إثبات المذكور وتنفي ما سواه. وقال الكرماني والبرماوي وأبو زرعة: التركيب مفيد للحصر باتفاق المحققين وإنما اختلف في وجه الحصر فقيل دلالة إنما عليه بالمنطوق أو المفهوم على الخلاف المعروف. وقيل عموم المبتدأ باللام وخصوص خبره أي كل الأعمال بالنيات فلو صح عمل بغير نية لم تصدق هذه الكلية. " والأعمال " جمع عمل وهو حركة البدن فيشمل القول ويتجوز به عن حركة النفس والمراد هنا عمل الجوارح وإلا لشمل النية إذ هي عمل القلب فتفتقر لنية فيتسلسل. وأل للعهد الذهني أي غير العادية إذ لا تتوقف صحتها على نية وجعلها جمع متقدمون للاستغراق وعليه فلا يرد العادي أيضا فإنه وإن كان القصد وجود صورته لكن بالنسبة لمزيد الثواب يحتاجها. " والنيات " بشد المثناة تحت: جمع نية. قال النووي: وهي القصد وهي عزيمة القلب ورده الكرماني بأنه ليس عزيمة للقلب لقول المتكلمين: القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد والعزم قد يتقدم عليه ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسيره به. وقال القاضي البيضاوي: هي انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصها بالإرادة والتوجه نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لحكمه. والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه إلى من كانت هجرته إلى كذا وكذا فإنه تفصيل لما أجمله واستنباط للمقصود عما أصله. قال: وهذا اللفظ متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية إذ تقدير إنما الأعمال بالنيات لا عمل إلا بنية. والغرض أن ذات العمل الخالي عن النية موجود فالمراد نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء بنفسه ولأن اللفظ يدل بالصريح على نفي الذوات وبالتبع على نفي جميع الصفات انتهى. قال ابن حجر: وهو في غاية الجودة والتحقيق ولا شك أن الصحة أكثر لزوما للحقيقة فلا يصح عمل بلا نية كالوضوء عند الثلاثة خلافا للحنفية ولا نسلم أن الماء يطهر بطبعه والتيمم خلافا للأوزاعي إلا بنية قال بعض الحنفية: الحق أن الدليل قائم على اعتبار النية في جميع العبادات لقوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} والإخلاص هو النية وهو جعله بنفسه متلبسا بحال من أحوال العابدين والأحوال شروط انتهى. على أن تقديرهم الكمال لا يخلو من مقال لأنهم يشترطون النية في المقاصد ومحل عدم اعتبارها عندهم إنما هو في الوسائل فحسب وإنما لم تشترط النية في إزالة الخبث لأنه من قبيل التروك كالزنا فتارك الزنا من حيث إسقاط العقاب لا يحتاجها ومن حيث تحصيل الثواب على الترك يحتاجها وكذا إزالة النجس لا يحتاج فيه إليها من حيث التطهير ويحتاجها من حيث الثواب على امتثال أمر الشرع وأعمال الكفار خارجة عن الحكم لإرادة العبادة وهي لا تصح منهم مع خطابهم بها وعقابهم بتركها وصحة نحو عتق وصدقة ووقف بدليل خاص. وتقييد بعض شراح البخاري بالمكلفين هلهل بالمرة كيف وعبادة الصبي المميز كذلك فلا تصح صلاته إلا بنية معتبرة اتفاقا. والباء للاستعانة أو للمصاحبة أو للسببية لأنها مقوية للعمل فكأنها سبب في إيجاده ثم التقدير الأعمال بنياتها فيدل على اعتبار نية العمل من الصلاة وغيرها الفرضية والنفلية والتعيين من ظهر أو عصر مقصورة أو غير ذلك وإنما لم يجب تعيين العدد لأن تعيين العبادة لا ينفك عنه وشرعت تمييزا للعبادة عن العادة ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض (وإنما لكل امرئ) أي إنسان قال في القاموس: المرء الإنسان أو الرجل وفيه لغتان امرء كزبرج ومرء كفلس ولا جمع له من لفظه وهو من الغرائب لأن عين فعله تابعة للام في الحركات الثلاث دائما. وفي مؤنثه أيضا لغتان امرأة ومرأة وفي الحديث استعمل اللغة الأولى منهما في كل من النوعين [ص: 31] إذ قال لكل امرئ امرأة ذكره الكرماني. والمراد أن ليس من عمله الاختياري القصدي إلا (ما) أي جزاء الذي (نوى) من خير وشر نفيا وإثباتا فالإثبات له ما نواه والنفي لا يحصل له غير ما نواه فحظ العامل من عمله ما نواه لا صورته فهذه الجملة أيضا مفيدة للحصر وهي تذييل. قال القاضي: وهاتان قاعدتان عظيمتان فالجملة الأولى تضمنت أن العمل الاختياري لا يحصل بغير نية بل لا بد للعامل من نية الفعل والتعيين فيما يتلبس به والثانية تضمنت أنه يعود عليه من نفع عمله وضرره بحسب المنوي ومنع الاستنابة في النية إلا في مسائل لمدرك يخصها وقيل الثانية تدل على أن من نوى شيئا يحصل له وإن لم يعمل لمانع شرعي كمريض تخلف عن الجماعة وما لم ينوه لم يحصل له أي ما لم ينوه مطلقا لا خصوصا ولا عموما إذ لو لم ينو مخصوصا وله نية عامة كفاه أحيانا كداخل مسجد أحرم بالفرض أو غيره تحصل التحية وإن لم ينو وعدم حصول غسل الجمعة بجنابة لمدرك يخصه. ثم كشفه عما في تينك القاعدتين لما فيهما من نوع إجمال قد يخفى روما للإيضاح ونصا على صورة السبب الباعث على الحديث وهو كما في معجم الطبراني وغيره وذهل عنه ابن رجب فأنكره بإسناده. قال الحافظ العراقي في موضع جيد وفي آخر رجاله ثقات أن رجلا خطب امرأة تسمى أم قيس. قال ابن دحية واسمها قيله فأبت حتى يهاجر فهاجر لأجلها فعرض به تنفيرا من مثل قصده فقال: (فمن كانت هجرته) إلى آخر ما يأتي فتأمل ارتباط هذه الجمل الثلاث وتقرير كل جملة منها بالتي بعدها وإيقاعها كالشرح لها تجده بديعا وتعلم اختصاص المصطفى صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم التي لا يهتدي إليها إلا الفحول. الهجر الترك قال الكرماني: وهنا أراد ترك الوطن ومفارقة الأهل ويسمى الذين تركوا الوطن وتحولوا إلى المدينة بالمهاجرين لذلك والمعنى من كانت هجرته (إلى الله ورسوله) قصدا ونية وعزما (فهجرته) ببدنه وجوارحه (إلى الله ورسوله) ثوابا وأجرا وتقديره فمن كانت نيته في الهجرة التقرب إلى الله فهجرته إلى الله ورسوله أي مقبولة إذ الشرط والجزاء وكذا المبتدأ والخبر إذا اتحدا صورة يعلم منه تعظيم كما في هذه الجملة أو تحقير كما في التي بعدها فالجزاء هنا كناية عن قبول هجرته. وقال بعضهم: الجزاء محذوف وتقديره فله ثواب الهجرة عند الله والمذكور مستلزم له دال عليه أي فهجرته عظيمة شريفة أو مقبولة صحيحة. والتصريح باسم الله تعالى ورسوله للتبرك والتلذذ وبما تقرر من التقدير اتضح أنه ليس الجزاء عين الشرط حقيقة على أنه قد يقصد بجواب الشرط بيان الشهرة وعدم التنفير فيتحد بالجزاء لفظا نحو من قصدني فقد قصدني هذا محصول ما دفعوا به توهم الاتحاد الذي شهد العقل الصحيح والنقل الصريح بأنه غير صحيح. قال الصفوي: وبالحقيقة الإشكال مدفوع من أصله لأن الهجرة هي الانتقال وهو أمر يقتضي ما ينتقل إليه ويسمى مهاجرا إليه وما يبعث على الانتقال هو المهاجر له. والفقرتان لبيان أن العبرة بالباعث وذلك إنما يظهر إذا كانت " إلى " في جملتي الشرط بمعنى اللام فإذا تركت في الجزاء على معناها الوضعي الحقيقي فلا اتحاد. والمعنى من هاجر لله ولرسوله أي لاتباع أمرهما وابتغاء مرضاتهما فقد هاجر إليهما حقيقة وإن كان ظاهرا منتقلا إلى الدنيا ونعيمها ومن هاجر لغيرهما فالمهاجر إليه ذلك وإن انتقل إلى النبي ظاهرا. ثم أصل الهجرة الانتقال من محل إلى محل كما تقرر لكن كثيرا ما تستعمل في الأشخاص والأعيان والمعاني وذلك في حقه تعالى إما على التشبيه البليغ أي كأنه هاجر إليه أو الاستعارة المكنية أو هو على حذف مضاف أي محل رضاه وثوابه وأمره ورحمته أو يقال الانتقال إلى الشيء عبارة عن الانتقال إلى محل يجده فيه ووجدان كل أحد ونيله على ما يليق به وكذا محل النيل أعم من المحال المعنوية والمراتب العلية والأمكنة الصورية ولهذا تراهم ينتقلون من مرتبة إلى مرتبة ومن مقام إلى مقام فالمراد الانتقال إلى محل قربه المعنوي وما يليق به ألا ترى ما اشتهر على ألسنة القوم من السير إلى الله تعالى ونحو ذلك أو يقال: إن ذكر الله للتعظيم والتبرك ومثله غير عزيز أرأيت ما ذكروه في {أن لله خمسه وللرسول} أو الإيماء إلى الاتحاد على ما قرروه في {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} إن المعاملة مع حبيب الله كالمعاملة مع الله فيده يده وبيعته بيعته والهجرة إليه هجرة إليه وأمثال هذه المسامحات في كلام الشارع كثيرة: {وأينما [ص: 32] تولوا فثم وجه الله} والحاصل أنه أريد بالهجرة هنا مطلق الانتقال والتجاوز من شيء إلى شيء صوريا أو معنويا فالحديث من جوامع الكلم التي لا يخرج عنها عمل أصلا فإن كل عمل فيه انتقال من حال إلى حال (ومن كانت هجرته إلى دنيا) بضم أوله وحكي كسره وبقصره بلا تنوين إذ هو غير منصرف للزوم ألف التأنيث فيه وحكي تنوينه من الدنو لسبقها الآخرة أو لدنوها إلى الزوال أو من الدناءة أي الخسة وموصوفها محذوف أي الحياة الدنيا وحقيقتها جميع المخلوقات الموجودة قيل الآخرة أو الأرض والجو والهواء والأول كما قاله ابن حجر أرجح لكن المراد هنا كما قال الخلخالي متاع من متاعها (يصيبها) أي يحصلها شبه تحصيلها عند امتداد الأطماع نحوها بإصابة السهم الغرض بجامع سرعة الوصول وحصول المراد (أو امرأة) في رواية أو إلى امرأة (ينكحها) أي يتزوجها خصص بعد ما عمم تنبيها على زيادة التحذير من النساء إيذانا بأنهن أعظم زينة الدنيا خطرا وأشدها تبعة وضررا ومن ثم جعلت في التنزيل عين الشهوات {زين للناس حب الشهوات من النساء} وقول بعضهم لفظ: (دنيا) نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها منع بأنها تعم في سياق الشرط نعم يعكر عليه قول ابن مالك في شرح العمدة إن عطف الخاص على العام يختص بالواو ولذلك ذهب بعضهم إلى أن الأجود جعل أو للتقسيم وجعلها قسما مقابلا للدنيا إيذانا بشدة فتنتها (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة وإن كانت صورتها صورة الهجرة لله ولرسوله. وأورد الظاهر في الجملة الأولى تبركا والتذاذا بذكر الحق جل وعز ورسوله عليه السلام تعظيما لهما بالتكرار وتركه هنا حثا على الإعراض عن الدنيا والنساء وعدم الاحتفال بشأنهما وتنبيها على أن العدول عن ذكرهما أبلغ في الزجر عن قصدهما. فكأنه قال إلى ما هاجر إليه وهو حقير لا يجدي ولأن ذكرهما يحلو عند العامة فلو كرر ربما علق بقلب بعضهم فرضي به وظنه العيش الكامل فضرب عنهما صفحا لذلك وذم قاصد أحدهما وإن قصد مباحا لكونه خرج لطلب فضيلة الهجرة ظاهرا وأبطن غيره فالمراد بقرينة السياق ذم من هاجر لطلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فمن طلب الدنيا أو التزوج مع الهجرة بدون ذلك التمويه أو طلبهما لا على صورة الهجرة فلا يذم بل قد يمدح إذا كان قصده نحو إعفاف وقد نبه بالدنيا والمرأة على ذم الوقوف مع حظ النفس والعمل عليه فمعنى " هجرته إلى الله ورسوله " الارتحال من الأكوان إلى المكون ومعنى: " هجرته إلى ما هاجر إليه " البقاء مع الأكوان والشغل بها ففيه تلويح بأنه ينبغي للسالك كونه عالي الهمة والنية فلا يلتفت إلى غير المكون كما أفصح عنه في الحكم حيث قال: العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه ويطلب ما لا بقاء له معه فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل عنه ولكن ارحل من الأكوان (قال بعض المحققين: الأكوان كلها متساوية في كونها أغيار وإن كان بعضها أنوار وتمثيله بحمار الرحى مبالغة في تقبيح حال العاملين على رؤية الأغيار اه) إلى المكون كما أفصح عنه قوله تعالى {وأن إلى ربك المنتهى} . وانظر إلى قوله " فمن كانت هجرته " إلى آخره. وهذا الحديث أصل في الإخلاص ومن جوامع الكلم التي لا يخرج عنها عمل أصلا ولهذا تواتر النقل عن الأعلام بعموم نفعه وعظم وقعه. قال أبو عبيد: ليس في الأحاديث أجمع ولا أغنى ولا أنفع ولا أكثر فائدة منه واتفق الشافعي وأحمد وابن المديني وابن مهدي وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم ومنهم من قال ربعه. ووجه البيهقي كونه ثلثه بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها محتاج إليها ومن ثم يأتي في حديث: " نية المؤمن خير من عمله " وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث يرد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال: أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث " الأعمال بالنية ". و " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ". و " الحلال بين والحرام بين ". وقال أبو داود: مدار السنة على أربعة أحاديث حديث " الأعمال بالنية ". وحديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وحديث " الحلال بين والحرام بين ". وحديث " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ". وفي رواية عنه يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث فذكرها وذكر بدل الأخير حديث: " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ". وقال الشافعي: " حديث النية يدخل في سبعين بابا من الفقه وما ترك لمبطل ولا مضار ولا محتال حجة إلى لقاء الله ". وحمل بعضهم قوله " سبعين بابا " على إرادة التكثير أو نظرا للجمل لا للجزئيات. وهو كلام من لم يمارس الفقه أدنى ممارسة بل يدخل في زيادة عليها حقيقة [ص: 33] فمما يدخل فيه الوضوء والغسل ومسح الخفين في مسألة الجرموق والتيمم وإزالة النجس على رأي وغسل الميت على وجه وفي مسألة الضبة بقصد الزينة ودونه والصلاة بأنواعها والقصر والجمع والإمامة والإقتداء وسجود التلاوة والشكر وخطبة الجمعة على وجه والأذان على رأي وأداء الزكاة واستعمال الحلي أو كنزه والتجارة والقبية والخلطة على قول وبيع المال الزكوي وصدقة النفل والصوم والاعتكاف والحج والطواف وتحلل المحصر والتمتع على رأى ومجاوزة الميقات والسعي والوقوف على رأى والفداء والهدايا والضحايا والنذر والكفارة والجهاد والعتق والتدبير والكتابة والوصية والنكاح والوقف وجميع القرب بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها وكذا نشر العلم تعليما وإفتاء وتأليفا والحكم بين الناس وإقامة الحدود وتحمل الشهادة وأداؤها وكنايات البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة والوكالة وتفويض القضاء والإقرار والإجارة والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء والظهار واللعان والأيمان والقذف والأمان ويدخل في غير الكنايات في مسائل كقصد لفظ الصريح لمعناه ونية المعقود عليه في البيع والثمن وعوض الخلع والمنكوحة وفي النكاح إذا نوى ما لو صرح به بطل وفي القصاص في مسائل شتى منها تمييز العمد وشبهه من الخطأ ومنها إذا قتل الوكيل في القود إن قصد قتله عن الموكل أو قتله لشهوة نفسه وفي الردة والسرقة فيما لو أخذ آلة اللهو بقصد كسرها أو سرقتها وفيما لو أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء أو السرقة فيقطع في الثاني دون الأول وفي أداء الدين فيما لو كان عليه دينان لرجل بأحدهما رهن وفي اللقيطة بقصد الحفظ أو التملك وفيما لو أسلم على أكثر من أربع فقال فسخت نكاح هذه فإن نوى به الطلاق كان تعيينا لاختيار المنكوحة أو الفراق أو أطلق حمل على اختيار الفراق وفيما لو وطئ أمة بشبهة يظنها زوجته الحرة فإن الولد ينعقد حرا وفيما لو تعاطى فعل شيء له وهو يعتقد حرمته كوطئه من يعتقد أنها أجنبية فإذا هي حليلته أو قتل من ظنه معصوما فبان مستحق دمه أو أتلف مالا يظنه لغيره فبان ملكه وعكسه من وطئ أجنبية يظنها حليلته لا يترتب عليه عقوبة الزاني اعتبارا بنيته وتدخل النية أيضا في عصير العنب بقصد الخلية أو الخمرية وفي الهجر فوق ثلاث فإنه حرام إن قصده وإلا فلا ونظيره ترك التطيب والزينة فوق ثلاث لموت غير الزوج فإنه إن كان يقصد الإحداد حرم وإلا فلا ويدخل في نية قطع السفر وقطع القراءة في الصلاة وقراءة الجنب بقصده أو بقصد الذكر وفي الصلاة بقصد الإفهام وفي الجعالة إذا التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته فله كل الجعل وإن قصد العمل للمالك فله قسطه ولا شيء للمشارك وفي الذبائح كذا قرر هذه الأحكام بعض أئمتنا إجمالا وقد فصل شيخ الإسلام الولي العراقي كثيرا منها فقال في الحديث فوائد منها أن النية تجب في الوضوء وفي الغسل وهو قول الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية والتيمم خلافا للأوزاعي وأن الكافر إذا أجنب فاغتسل ثم أسلم لا تلزمه إعادة الغسل وهو قول أبي حنيفة وخالفه الشافعي وأنه يلزم الزوج النية إذا غسل حليلته المجنونة أو الممتنعة وهو الأصح عند الشافعية وأن النية لسجود التلاوة واجبة وهو قول الجمهور وأنه لا يصح وضوء المرتد ولا غسله ولا تيممه لأنه غير أهل للنية وأن النية على الغاسل في غسل الميت واجبة وهو وجه عند الشافعية وأن المتوضئ إذا لم ينو إلا عند غسل وجهه لا يحصل له ثواب ما قبله من السنن وأنه كما يتشرط وجود النية أول العبادة يشترط استمرارها حكما إلى آخرها وأنه إذا نوى الجمعة فخرج وقتها لا يتمها ظهرا وهو قول أبي حنيفة وخالف الشافعي وأن المسبوق إذا أدرك الإمام في الجمعة بعد ركوع الثانية ينوي الظهر لا الجمعة والأصح عند الشافعية خلافه وأن المتطوع بالصوم إذا نوى نهارا قبل الزوال لا يحسب له الصوم إلا من حين النية وهو وجه والأصح عند الشافعية خلافه وأنه لا يكفي نية واحدة في أول رمضان لجميع الشهر خلافا لمالك وأنه لو أحرم بالحج في غير أشهره لا ينعقد وعليه الثلاثة وخالف الشافعي وأن الضرورة يصح حجه عن غيره وخالف الشافعي وأنه تشترط النية في الكناية التي ينعقد بها البيع ويصح بها الطلاق وأن اللفظ يخصص بالنية زمانا ومكانا وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضيه فمن حلف لا يدخل دار فلان وأراد في يوم كذا ألا يكلمه وأراد بمصر مثلا دون غيرها فله ما نواه وأنه لو طلق بصريح ونوى عددا وقع ما نواه وبه قال الشافعي وأن الطلاق يقع بمجرد الكلام النفسي وإن لم يتلفظ به وبه قال بعض أصحاب مالك وأنه لو أقر بمجمل [ص: 34] رجع إلى نيته وقبل تفسيره بأقل متمول وأنه لا يؤاخذ ناس ومخطئ في نحو طلاق وعتق وأن من تلفظ بمكفر وادعى سبق لسانه دين وعليه الجمهور خلافا لبعض المالكية وأن الحيل باطلة كمن باع ماله قبل الحول فرارا من الزكاة وعليه مالك وخالف الجمهور وأنه لا تصح عبادة المجنون لأنه غير أهل للنية ولا عقوده وطلاقه ولا قود عليه ولا حد وأنه لا يجب القود في شبه العمد عند الثلاثة وأنكره مالك. وبذلك ظهر فساد قول من زعم أن مراد الشافعي بالسبعين المبالغة وإذا عدت مسائل هذه الأبواب التي للنية فيها مدخل لم تقصر عن أن تكون ثلث الفقه. بل قال بعضهم: إن الحديث يجري في العربية أيضا فأول ما اعتبروا ذلك في الكلام فقال سيبويه باشتراط القصد فيه فلا يسمى ما نطق به النائم والساهي وما يحكيه الحيوان المعلم كالببغاء كلاما ومن ذلك المنادى النكرة إذا نوى نداء واحد بعينه تعرف ووجب بناؤه على الضم وإن لم يقصد لم يتعرف وأعرب بالنصب ومن ذلك المنادى المنون للضرورة يجوز تنوينه بالنصب والضم فإن نون بالضم جاز نصب نعته وضمه أو بالنصب تعين نصبه لأنه تابع لمنصوب لفظا ومحلا فإن نون مقصورا نحو يا فتى بنى النعت على ما نوى في المضاف فإن نوى فيه الضم جاز الأمران أو النصب تعين ذكره أبو حيان ومن ذلك قالوا ما جاز بيانا جاز إعرابه بدلا واعترض بأن البدل في نية سقوط الأول والبيان بخلافه فكيف تجتمع نية سقوطه وتركها في تركيب واحد وأجاب الرضي بأن المراد أنه مبني على قصد المتكلم فإن قصد سقوطه وإحلال التابع محله أعرب بدلا وإن لم يقصده أعرب بيانا <فائدة> قال الطيبي: قال بعض أهل الحقيقة: العمل سعي الأركان إلى الله تعالى والنية سعي القلوب إليه والقلب ملك والأركان جنوده ولا يحارب الملك إلا بالجنود ولا الجنود إلا بالملك. وقال بعضهم: النية جمع الهمة ليتعبد العامل للمعمول له وأن لا يبيح بالسر ذكر غيره. وقال بعضهم: نية العوام في طلب الأغراض مع نسيان الفضل ونية الجهال التحصن عن سوء القضاء ونزول البلاء ونية أهل النفاق التزين عند الله وعند الناس ونية العلماء إقامة الطاعة لحرمة ناصبها لا لحرمتها ونية أهل التصوف ترك الاعتماد على ما يظهر منهم من الطاعات (تتمة) قال في الإحياء: النية إنما مبدؤها من الإيمان فالمؤمنون يبدأ لهم من إيمانهم ذكر الطاعة فتنهض قلوبهم إلى الله من مستقر النفس فإن قلوبهم مع نفوسهم وذلك النهوض هو النية وأهل اليقين جاوزوا هذه المنزلة وصارت قلوبهم مع الله مزايلة لنفوسهم بالكلية ففرغوا من أمر النية إذ هي النهوض فنهوض القلب من معدن الشهوات والعادات إلى الله تعالى بأن بعمل طاعة وهو بنية والذي صار قلبه في الحضرة الأحدية مستغرقا محال أن يقال نهض إلى الله في كذا وهو ناهض بجملته مستغرق في جزيل عظمته قد رفض ذلك الوطن الذي كان موطئه وارتحل إلى الله فالمخاطبون بالنية يحتاجون أن يخلصوا إرادتهم عن أهوائهم ويميزوا عادتهم من عاداتهم (ق 4) البخاري في سبعة مواضع من صحيحه لكنه أسقط أحد وجهي التقسيم وهو قوله " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " في رواية الحميدي قال ابن العربي: ولا عذر له في إسقاطها لكن أبدى له ابن حجر اعتذارا ومسلم والترمذي في الجهاد وأبو داود في الطلاق والنسائي في الأيمان وابن ماجه في الزهد: قال ابن حجر: لم يبق من أصول أصحاب الكتب المعتبرة من لم يخرجه إلا الموطأ كلهم (عن) أمير المؤمنين الحاكم العادل أبي حفص (عمر بن الخطاب) العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة وزير المصطفى ثاني الخلفاء أسلم بعد أربعين رجلا وكان عز الإسلام بدعوة المصطفى ولي الخلافة بعد الصديق فأقام عشر سنين ونصفا ثم قتل سنة ثلاث وعشرين عن ثلاث وستين سنة على الأصح. (حل قط) وكذا ابن عساكر (في) كتاب (غرائب) الإمام المشهور صدر الصدور حجة الله على خلقه (مالك) بن أنس الأصبحي ولد سنة ثلاث وتسعين وحملت به أمه ثلاث سنين ومات سنة تسع وسبعين ومئة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري من علماء الصحابة وأصحاب الشجرة مات سنة أربع وسبعين ورواه عنه أيضا الخطابي في المعالم (وابن عساكر) حافظ الشام أبو القاسم علي بن الحسن هبة الله الدمشقي الشافعي صاحب تاريخ دمشق ولد [ص: 35] سنة تسع وتسعين وأربع مئة ورحل إلى بغداد وغيرها وسمع من نحو ألف وثلاث مئة شيخ وثمانين امرأة وروى عنه من لا يحصى وأثنى عليه الأئمة بما يطول ذكره. مات سنة إحدى وسبعين وخمس مئة (في أماليه) الحديثية من رواية يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم (عن) أبي حمزة (أنس) بن مالك الأنصاري خادم المصطفى عشر سنين دعا له بالبركة في المال والولد وطول العمر فدفن من صلبه نحو مئة وصارت نخله تحمل في العام مرتين وعاش حتى سئم الحياة مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وتسعين. ثم قال ابن عساكر: حديث غريب جدا والمحفوظ حديث عمر (الرشيد) ابن (العطار) أي الحافظ رشيد الدين أبو الحسن يحيى بن علي الأموي المصري المالكي المنعوت بالرشيد العطار ولد بمصر سنة أربع وثمانين وخمس مئة ومات بها سنة اثنتين وستين وست مئة ودرس بالكاملية من القاهرة (في جزء من تخريجه) ولعله معجمه فإني لم أر في كلام من ترجمه إلا أنه خرج لنفسه معجما ولم يذكروا غيره (عن أبي هريرة) الدوسي عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا حمل هرة في كمه فسمي به فلزمه. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه هو أحفظ من روى الحديث في الدنيا مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين بالمدينة أو بالعقيق قال الزين العراقي: وهذه الرواية وهم انتهى. لا يقال سياق المؤلف لحديث عمر والثلاثة بعده أنه أراد به أن الكل في مرتبة واحدة فممنوع لقول الزين العراقي لم يصح إلا من حديث عمر وقول ولده الولي هو منحصر في رواية عمر وما عداه ضعيف أو في مطلق النية وإن أراد استيعاب الطرق فلم يستوعب فقد رواه ثلاث وثلاثون صحابيا كما بينه العراقي لأنا نقول: الحديث بهذا اللفظ لم يرد إلا من حديث هؤلاء الأربعة فقط وما عداهم فأخبارهم في مطلق النية. قال ابن حجر والنووي والعراقي: حديث فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار. قال الثلاثة: وهو من أفراد الصحيح لم يصح عن النبي إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية التيمي ولا عن التيمي إلا من رواية يحيى بن سعيد ومداره عليه. وأما من بعد يحيى فقد رواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة. بل ذكر ابن المديني وعبد الغني المقدسي أنه رواه عن يحيى سبع مئة رجل فمن أطلق عليه التواتر أو الشهرة فمراده في آخر السند من عند يحيى. قال النووي: وفي إسناده شيء يستحسن ويستغرب وهو أنه اجتمع فيه ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض: يحيى بن سعيد والتيمي وعلقمة وهذا وإن كان مستظرفا لكنه وقع في نيف وثلاثين حديثا. قال: وهو حديث مجمع على عظمته وجلالته وهو أحد قواعد الدين وأول دعائمه وأشد أركانه وهو أعظم الأحاديث التي عليها مدار الإسلام انتهى الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 حرف الهمزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 أي هذا باب الأحاديث المبدوءة بحرف الهمزة وابتدأه بحرف الهمزة مع الألف وجعل مطلعه حديث إتيان باب الجنة إشارة إلى أن الغاية المطلوبة من تأليفه هذا الكتاب التقرب إلى الله الموصل إلى الفوز بإتيان باب الجنة تفاؤلا بكون أول ما يقرع الأسماع منه ذكر الجنة وإتيانها ولأن جميع ما يأتي بعده في أحكام العبادة ومتعلقاتها ودخول الجنة أفضل من جميع العبادات كما أفتى به السبكي أي أشرف وأرفع. ووجهه الولي العراقي بأن ثواب الله تعالى أشرف من أفعالنا فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 2 - (آتي) بالمد (باب الجنة) أي أجيء بعد الانصراف من الحشر للحساب إلى أعظم المنافذ التي يتوصل منها إلى دار الثواب وهو باب الرحمة أو هو باب التوبة كما في النوادر: فإن قلت هل لتعبيره بالإتيان دون المجيء من [ص: 36] نكتة؟ قلت: نعم وهي الإشارة إلى أن مجيئه يكون بصفة من ألبس خلع الرضوان فجاء على تمهل وأمان من غير نصب في الإتيان إذ الإتيان كما قال الراغب مجيء بسهولة. قال: والمجيء أعم ففي إيثاره عليه مزية زهية. وفي الكشاف وغيره: إن أهل الجنة لا يذهب بهم إليها إلا راكبين فإذا كان هذا في آحاد المؤمنين فما بالك بإمام المرسلين؟ قال الراغب: والباب يقال لمدخل الشيء وأصله مداخل الأمكنة كباب الدار والمدينة ومنه يقال في العلم باب كذا وهذا العلم باب إلى كذا أي منه يتوصل إليه ومنه خبر: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " أي به يتوصل وقد يقال أبواب الجنة وأبواب جهنم للأسباب الموصلة إليها انتهى. والجنة في الأصل المرة من الجن مصدر جنه ستره ومدار التركيب على ذلك سمي به الشجر المظلل لالتفاف أغصانه وسترها ما تحته ثم البستان لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظللة ثم دار الثواب لما فيها من الجنان مع أن فيها ما لا يوصف من القصور لأنها مناط نعيمها ومعظم ملاذها. وقال الزمخشري: الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاق العاملين لكل طبقة منهم جنة منها قال ابن القيم: ولها سبعة عشر اسما وكثرة الأسماء آية شرف المسمى أولها هذا اللفظ العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم والبهجة والسرور وقرة العين ثم دار السلام: أي السلامة من كل بلية ودار الله ودار الخلد ودار الإقامة وجنة المأوى وجنة عدن والفردوس وهو يطلق تارة على جميع الجنان وأخرى على أعلاها وجنة النعيم والمقام الأمين ومقعد صدق وقدم صدق وغير ذلك مما ورد به القرآن (يوم القيامة) فعالة تقحم فيها التاء للمبالغة والغلبة وهي قيام مستعظم والقيام هو الاستقلال بأعباء ثقيلة ذكره الحراني (فأستفتح) السين للطلب وآثر التعبير بها إيماء إلى القطع بوقوع مدخولها وتحققه أي أطلب انفراجه وإزالة غلقه يعني بالقرع لا بالصوت كما يرشد إليه خبر أحمد: " آخذ بحلقة الباب فأقرع " وخبر البخاري عن أنس: " أنا أول من يقرع باب الجنة " والفاء سببية أي يتسبب عن الإتيان الاستفتاح ويحتمل جعلها للتعقيب بل هو القريب. فإن قلت ما وجهه؟ قلت: الإشارة إلى أنه قد أذن له من ربه بغير واسطة أحد لا خازن ولا غيره وذلك أن من ورد باب كبير فالعادة أن يقف حتى ينتهي خبره إليه ويستأمر فإن أذن في إدخاله فتح له. فالتعقيب إشارة إلى أنه قد صانه ربه عن ذل الوقوف وأذن له في الدخول قبل الوصول بحيث صار الخازن مأموره منتظرا لقدومه (فيقول الخازن) أي الحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي استحفظه والخزن حفظ الشيء في الخزانة ثم عبر به عن كل حفظ ذكره الراغب سمي الموكل بحفظ الجنة خازنا لأنها خزانة الله تعالى أعدها لعباده وأل فيه عهدية والمعهود رضوان وظاهره أن الخازن واحد وهو غير مراد بدليل خبر أبي هريرة: " من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب هلم " فهو صريح في تعدد الخزنة إلا أن رضوان أعظمهم ومقدمهم وعظيم الرسل إنما يتلقاه عظيم الحفظة (من أنت) أجاب بالاستفهام وأكده بالخطاب تلذذا بمناجاته وإلا فأبواب الجنة شفافة وهو العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس وقد رآه رضوان قبل ذلك وعرفه ومن ثم اكتفى بقوله (فأقول محمد) وإن كان المسمى به كثيرا. فإن قلت ينافي كون أبواب الجنة شفافة خبر أبي يعلى عن أنس " أقرع باب الجنة فيفتح لي باب من ذهب وحلقه من فضة " قلت: ما في الجنة لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم كما في خبر يأتي فلا مانع من كون ذهب الجنة شفافا فتدبر. ثم إنه لم يقل أنا لإيهامه مع ما فيه من الإشعار بتعظيم المرء نفسه وهو سيد المتواضعين وهذه الكلمة جارية على ألسنة الطغاة المتجبرين إذا ذكروا مفاخرهم وزهوا بأنفسهم قال في المطامح: وعادة العارفين المتقين أن يذكر أحدهم اسمه بدل قوله: " أنا " إلا في نحو إقرار بحق فالضمير أولى وقال ابن الجوزي: أنا لا يخلو عن نوع تكبر كأنه يقول أنا لا أحتاج إلى ذكر اسمي ولا نسبي لسمو مقامي. وقال بعض المحققين: ذهب طائفة من العلماء وفرقة من الصوفية إلى كراهة إخبار الرجل عن نفسه بقوله أنا تمسكا بظاهر الحديث حتى قالوا كلمة أنا لم تزل مشئومة على أصحابها وأرادوا أن إبليس اللعين إنما لعن [ص: 37] بقولها وليس كما أطلقوا بل المنهي عنه ما صحبه النظر إلى نفسه بالخيرية كما نقرر. ولا ننكر إصابة الصوفية في دقائق علومهم وإشاراتهم في التبرئ من الدعاوى الوجودية لكنا نقول إن الذي أشاروا إليه بهذا راجع إلى معان تتعلق بأحوالهم دون ما فيه التعلق بالقول كيف وقد ناقض قولهم نصوص كثيرة وهم أشد الناس فرارا عن مخالفتها كقوله تعالى حكاية عنه عليه الصلاة والسلام: " إنما أنا بشر مثلكم " " وأنا أول المسلمين " " وما أنا من المتكلفين " وخبر " أنا سيد ولد آدم ": قال بعض العارفين والحاصل أن ذلك يتفاوت بتفاوت المقامات والأحوال فالمتردد في الأحوال المتجول في الفناء والتكوين ينافي حاله أن يقول أنا ومن رقى إلى مقام البقاء بالله وتصاعد إلى درجات التمكين فلا يضره. انتهى. وأما من ليس من هذه الطائفة فقد قال النووي: لا بأس بقوله أنا الشيخ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا به وخلا عن الخيلاء والكبر والزهو والقول عبارة عن جملة ما يتكلم به المتكلم على وجه الحكاية. ذكره جمع. وقال القاضي: هو التلفظ بما يفيد ويقال للمعنى المتصور في النفس المعبر عنه باللفظ ويقال للمذهب والرأي مجازا وأصله قول الزمخشري من المجاز هذا قول فلان أي ورأيه ومذهبه (فيقول بك) قيل الباء متعلقة بالفعل بعدها ثم هي سببية قدمت للتخصيص أي بسببك (أمرت) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله (أن لا أفتح) كذا في نسخة المؤلف بخطه وهكذا ذكره في جامعه الكبير والذي وقفت عليه في نسخ مسلم الصحيحة المقروءة " لا أفتح " بإسقاط أن (لأحد) من الخلائق (قبلك) لا بسبب آخر وقبل الباء صلة للفعل: " وأن لا أفتح " بدل من الضمير المجرور أي أمرت بفتح الباب لك قبل غيرك من الأنبياء وفي رواية: " ولا أقوم لأحد بعدك " وذلك لآن قيامه إليه خاصة إظهارا لمرتبته ومزيته ولا يقوم في خدمة أحد غيره بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمته صلى الله عليه وسلم حتى مشى إليه وفتح له " وأحد " يستعمل في النفي فيكون لاستغراق جنس الناطقين وتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق. وعلم من السياق أن طلب الفتح إنما هو من الخازن وإلا لما كان هو المجيب. فإن قلت ورد عن الحسن وقتادة وغيرهما أن أبواب الجنة يرى ظاهرها من باطنها وعكسه وتتكلم وتعقل ما يقال لها انفتحي انغلقي كما نقله ابن القيم وغيره فلم طلب الفتح من الخازن ولم يطلبه منها بلا واسطة؟ قلت: الظاهر أنها مأمورة بعدم الاستقلال بالفتح والغلق وأنها لا تستطيع ذلك إلا بأمر عريفها المالك لأمرها بإذن ربها وإنما يطالب بما يراد من القوم عرفاؤهم. فإن قلت: ما فائدة جعل الخازن للجنات مع أن الخزن إنما يكون في المتعارف حفظا لما يخاف ضياعه أو تلفه أو تطرق النقص إليه فيفوت كله أو بعضه على صاحبه والجنة لا يمكن فيها ذلك؟ قلت: إن خزن ملائكة الجنة نعيمها إنما يكون لأهلها فكل منهم يجعل إليه مراعاة قسط معلوم من تلك النعم لمن أعد له حتى إذا وافى الجنة كان الخازن هو الممكن له منه فخزنه إياه قبل التسليم هو مقامه على ملاحظة ما جعل سبيله وانتظار من أهل له وإيصاله إليه فهذا هو المراد لا حفظها من أحد يخاف منه عليها ذكره الحليمي فإن قلت: ما ذكر من أن رضوان هو متولي الفتح يعارضه خبر أبي نعيم والديلمي: " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فيفتحها الله عز وجل لي " قلت: لا معارضة فإن الله تعالى هو الفاتح الحقيقي وتولي رضوان ذلك إنما هو بإقداره وتمكينه. ثم إن ظاهر الحديث استشكل بأن الزمخشري والقاضي ذكرا أن أبواب الجنة تفتح لأهلها قبل مجيئهم بدليل: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} ووجهه الإمام الرازي بأنه يوجب السرور والفرح حيث نظروا الأبواب مفتحة من بعد وبأنه يوجب الخلاص من ذل الوقوف للاستفتاح. وأجيب أولا بخروج المصطفى ومن تبعه عن سياق الآية. واعترض بأنه خلاف الظاهر بلا ضرورة وثانيا بأن الجملة الحالية قيد لمجيء المجموع فيكون مقتضاها تحقق الفتح قبل مجيء الكل فلا ينافي تأخره عن مجيء إنسان واحد أو زمرة واحدة. ونوزع بأن فعل الجمع إذا قيد بزمن فالمفهوم المتبادر منه أنه زمن لصدور الفعل عنهم فإنا إذا قلنا زيد وعمرو وبكر ضربوا بعد الطلوع لم يفهم منه إلا صدور الضرب عنهم في ذلك الزمن حتى لو ضرب واحد منهم قبله رمى بالكذب وثالثا بأن المراد بالأبواب في الآية أبواب المنازل التي في الجنة لا أبواب الجنة المحيطة بالكل والمراد في الحديث باب نفس الجنة المحيطة ونوقش بأن الجنة والنار حيث وقعا في القرآن معا مفردين أو متقابلين فالمراد منهما أصلهما ورابعا بأنا لا نسلم دلالة الآية على تقدم الفتح إذ لو فتح عند إتيانهم صح. إذ [ص: 38] الجنان مفتحة لهم أبوابها غايته أن المدح في الأول أبلغ وبأن اسم المفعول العامل إذ كان بمعنى الاستقبال فعدم الدلالة ظاهر إذ المعنى ستفتح لهم وكذا إن كان هو بمعنى الحال مريدا به حال الدخول وإن أريد به حال التكلم ففيه بعد. وخامسا قال بعض المحققين وهو أحسنها إن أبوابها تفتح أولا بعد الاستفتاح من جمع ويكون مقدما بالنسبة إلى البعض كما يقتضيه خبر: " إن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمس مئة عام " والظاهر أنها بعد الفتح للفقراء لا تغلق وسادسا بأن الجنة لكونها دار الله ومحل كرامته ومعدن خواصه إذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى مالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم فكلهم يحجم حتى تقع الدلالة على أفضلهم فيأتي إلى العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في الرفع وأن يسأل حاجته فيشفع في فتحها فيشفعه تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلته عنده ودفعا لتوهم الغبي أنها كالجنان التي يدخلها من شاء ولا يعارضه: " مفتحة لهم الأبواب " لدلالة السياق على أن المعنى أنهم إذا دخلوها لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم ودخول الملائكة عليهم من كل باب بالتحف والألطاف من ربهم وإلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا في الدنيا فلا تدافع بين الآية والخبر ثم إن الأولية في الحديث لا تشكل بإدريس حيث أدخل الجنة بعد موته وهو فيها كما ورد لآن المراد الدخول التام يوم القيامة وإدريس يحضر الموقف للسؤال عن التبليغ ولا بأن السبعين ألفا الداخلين بغير حساب يدخلون قبله لأن دخولهم بشفاعته فينسب إليه واعترض بأن التعبير بسبعين ألفا فيه قصور لثبوت الزيادة هو القصور لأن العرب تريد به المبالغة في التكثير ومثله غير كثير ألا ترى إلى ما ذكره المفسرون: {في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا} ولا بخبر أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: " بم سبقتني فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي " لأنها رؤية منام ولا يقدح فيه أن رؤيا الأنبياء حق إذ معناه أنها ليست من الشيطان وبلال مثل له ماشيا أمامه إشارة إلى أنه استوجب الدخول لسبقه للإسلام وتعذيبه في الله وأن ذلك صار أمرا محققا وقد أشار إلى ذلك السمهودي فقال في حديث بلال إنه يدخل الجنة قبل المصطفى وإنما رآه أمامه في منامه والمراد منه سريان الروح في حالة النوم في تلك الحالة تنبيها على فضيلة عمله وأما الجواب بأن دخوله كالحاجب به إظهارا لشرفه فلا يلائم السياق إذ لو كان كذلك لما قال له " بم سبقتني " وليت شعري ما يصنع من أجاب به بخبر أبي يعلى وغيره: " أول من يفتح له باب الجنة أنا إلا أن امرأة تبادرني فأقول مالك أو من أنت؟ فتقول أنا امرأة قعدت على يتامى " وخبر البيهقي " أول من يقرع باب الجنة عبد أدى حق الله وحق مواليه " وأقول هذه أجوبة كلها لا ظهور لها ولا حاجة إليها إذ ليس في هذا الخبر إلا أنه أول من يفتح له الباب وليس فيه أنه أول داخل بل يحتمل أنه يستفتح لهم ويقدم من شاء من أمته في الدخول كما هو المتعارف في الدنيا فإن أبيت إلا جوابا على فرض أنه أول داخل وهو ما ورد في أحاديث أخرى فدونك جوابا يثلج الفؤاد بعون الرؤوف الجواد وهو أنه قد ثبت في خبر مسدد أن دخول المصطفى يتعدد فالدخول الأول لا يتقدم ولا يشاركه فيه أحد ويتخلل بينه وبين ما بعده دخول غيره فقد روى الحافظ ابن منده بسنده عن أنس رفعه: " أنا أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر وأعطى لواء الحمد ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر أجيء باب الجنة فآخذ بحلقتها فيقولون من؟ فأقول أنا محمد فيفتحون لي فأجد الجبار مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: أمتي أمتي فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخله الجنة فإذا الجبار مستقبلي فأسجد له " الحديث وكرر فيه الدخول أربعا وفي البخاري نحوه وبه تندفع الاشكالات ويستغنى عن تلك التكلفات وفي أبي داود أن أبا بكر أول من يدخل من هذه الأمة ولعله أول داخل من الرجال بعده وإلا فقد جزم المؤلف وغيره بأن أول من يدخل بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنته فاطمة لخبر أبي نعيم: " أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر وأول من يدخل علي الجنة ابنتي فاطمة " وقد انبسط الكلام في هذا الخبر وما كان لنا باختيار لكن تضمن أسرارا جرنا حبها إلى إبداء بعضها وبعد ففي الزوايا خبايا (حم م) في كتاب الإيمان (عن أنس) بن مالك الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 [ص: 39] 3 - (آخر من يدخل الجنة) أي من الموحدين لأن الكفار مخلدون لا يخرجون من النار أبدا ولم يصب من قال من أمة محمد إذ الموحدون الذين يعذبون ثم يدخلونها لا ينحصرون في أمة محمد. وفي عدة أخبار إن هذه الأمة يخفف عن عصاتها ويخرجون قبل عصاة غيرها كخبر الدارقطني: " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي " قال ابن القيم فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من الأرض وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش وأسبقهم إلى فصل القضاء وأسبقهم إلى الجواز على الصراط وأسبقهم إلى دخول الجنة. ووقع في النوادر للحكيم من حديث أبي هريرة " إن أطول أهل النار فيها مكثا من يمكث سبعة آلاف سنة " قال ابن حجر وسنده واه (رجل) يختص بالذكر من الناس ويقال الرجلة للمرأة إذا كانت متشبهة به في بعض الأحوال ذكره الراغب (يقال له) أي يدعى (جهينة) بالتصغير: اسم قبيلة سمي به الرجل (فيقول أهل الجنة) أي يقول بعضهم لبعض والمراد بأهلها سكانها من البشر والملائكة والحور العين وغيرهم لكن في السياق إيماء إلى أن القائل من البشر (عند) بتثليث العين (جهينة) بجيم ثم هاء ووقع في التذكرة الحمدونية أنه روى أيضا حنيفة بالفاء ولم أقف على هذه الرواية (الخبر اليقين) أي الجازم الثابت المطابق للواقع من أنه هل بقي أحد في النار يعذب أو لا. وهذه الآخرية لا يعارضها حديث مسلم: " آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك " الحديث لإمكان الجمع بأن جهينة آخر من يدخل الجنة ممن دخل النار وعذب فيها مدة ثم أخرج وهذا آخر من يدخل الجنة ممن ينصرف فيمر على الصراط في ذهابه إلى الجنة ولم يقض بدخوله النار أصلا ولا ينافيه قوله وتسفعه النار مرة لأن المراد أنه يصل إليه لهبها وهو خارج عن حدودها. ثم رأيت ابن أبي جمرة جمع بنحوه فقال: هذا آخر من يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وذاك آخر من يدخل ممن يمر على الصراط فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشاركه فيه بعض من دخلها. وما ذكر من أن اسمه جهينة هو ما وقع في هذا الخبر. قال القرطبي والسهيلي: وجاء أن اسمه هناد وجمع بأن أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر. ومن الأمثال عند العرب قبل الإسلام: عند جهينة الخبر اليقين. قال ابن حمدون: ولذلك خبر مشهور متداول وهو رجل كان اسمه جهينة عنده خبر من قتيل قد خفي أمره فذكروا ذلك فصار مثلا مستعملا بينهم قال الراغب وآخر: يقابل الأول وآخر يقابل به الواحد والتأخير يقابل التقديم والدخول ضد الخروج ويستعمل في الزمان والمكان والأعمال والاستخبار والسؤال عن الخبر <تنبيه> ما ذكرته آنفا من أن عذاب الكفار في جهنم دائم أبدا هو ما دلت عليه الآيات والأحاديث وأطبق عليه جمهور الأئمة سلفا وخلفا. ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها. فمنها ما ذهب إليه الشيخ محي الدين بن العربي أنهم يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم فإن الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} لم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح: فلم يبق إلا صادق الوعد وحده. . . وما لوعيد الحق عين تعاين. . . وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم على لذة فيها نعيم مباين. . . نعيم جنان الخلد والأمر واحد. . . وبينهما عند التجلي تباين يسمى عذابا من عذوبة طعمه. . . وذاك له كالقشر والقشر صاين وقال في موضع آخر: إن أهل النار إذا دخلوها لا يزالون خائفين مترقبين أن يخرجوا منها فإذا أغلقت عليهم أبوابها اطمأنوا لأنها خلقت على وفق طباعهم. قال ابن القيم: وهذا في طرف والمعتزلة القائلون بأنه يجب على الله تعذيب [ص: 40] من توعده بالعذاب في طرف فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أصلا وهذا عنده لا يعذب بها أصلا والقولان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاء به وأخبر به عن الله انتهى. وما ذكره من أن ابن العربي يقول إنه لا يعذب بها أصلا ممنوع فإن حاصل كلامه ومتابعيه أن لأهل النار الخالدين فيها حالات ثلاث الأولى أنهم إذا دخلوها سلط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب أو أن يقضى عليهم أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا والثانية أنهم إذا لم يجابوا وطنوا أنفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة. والثالثة أنهم بعد مضي الأحقاب ألفوا العذاب واعتادوه ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وإن عظم إلى أن آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هبت عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وعذبوا به كالجعل وتأذيه برائحة الورد: عافانا الله من ذلك. ومنها قول جمع إن النار تفنى فإن الله تعالى جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم يزول عذابها لقوله تعالى {خالدين فيها إلا ما شاء ربك} {خالدين فيها مادامت السماوات والأرض} {لابثين فيها أحقابا} قال هؤلاء: وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها إنما الذي فيه أن الكفار خالدون فيها وأنهم غير خارجين منها وأنهم لا يفتر عنهم العذاب وأنهم لا يموتون فيها وأن عذابهم فيها مقيم وأنه غرام لازم. وهذا لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة. وقد نقل ابن تيمية القول بفنائها عن ابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وأنس والحسن البصري وحماد بن سلمة وغيرهم روى عبد بن حميد بإسناد رجاله ثقات عن عمر: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. وروى أحمد عن ابن عمرو بن العاص: " ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد " وحكاه البغوي وغيره عن أبي هريرة وغيره. وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه. وقد أول ذلك كله الجمهور وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجها وعما نقل عن أولئك الصحب بأن معناه ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون منها أبدا كما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة. وقد قال الإمام الرازي: قال قوم إن عذاب الله منقطع وله نهاية واستدلوا بآية: {لابثين فيها أحقابا} وبأن معصية الظلم متناهية فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم والجواب أن قوله " أحقابا " لا يقتضي أن له نهاية لأن العرب يعبرون به وبنحوه عن الدوام. ولا ظلم في ذلك لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا فعوقب دائما فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا (حط في) كتاب (رواه مالك) أي في كتاب أسماه من روى عن مالك من وجهين من حديث عبد الله بن الحكم عن مالك عن نافع (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب ومن حديث جامع ابن سوار عن زهير بن عباد عن أحمد بن الحسين اللهبي عن عبد الملك ابن الحكم ورواه الدارقطني من هذين الوجهين في غرائب مالك. ثم قال: هذا حديث باطل وجامع ضعيف وكذا عبد الملك انتهى. وأقره عليه في اللسان. وقال في الفتح فيه عبد الملك وهو واه ورواه العقيلي من طريق ضعيف عن أنس. وما جرى عليه المؤلف من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقفت عليه من خطه من نسخ هذا الكتاب. والثابت في رواية الخطيب خلافه ولفظه: آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين سلوه هل بقي أحد من الخلائق يعذب؟ فيقول لا. انتهى. ومثله الدارقطني وهكذا أورده عنه المصنف في جامعه الكبير. ثم قال: قال الدارقطني باطل وأقره عليه. وقد أكثر المؤلف في هذا الجامع من الأحاديث الضعيفة. قال ابن مهدي. لا ينبغي الاشتغال بكتابة أحاديث الضعفاء فإن أقل ما يفوته أن يفوته بقدر ما كتب من حديث أهل الضعف من حديث الثقات. وقال ابن المبارك: لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه اه. على أنه كان ينبغي له - أي المؤلف - أن يعقب كل حديث بالإشارة بحاله بلفظ [ص: 41] صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث فلو فعل ذلك كان أنفع وأصنع ولم يزد الكتاب به إلا وريقات لا يطول بها. وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى الصحيح والحسن والضعيف بصورة رأس صاد وحاء وضاد فلا ينبغي الوثوق به لغلبة تحريف النساخ على أنه وقع له ذلك في بعض دون بعض كما رأيته بخطه فكان المتعين ذكر كتابه صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث قال الحافظ العلائي على من ذكر حديثا اشتمل سنده على من فيه ضعف أن يوضح حاله خروجا عن عهدته وبراءة من ضعفه انتهى وابن عمر هو العلم الفرد أحد العبادلة الأربعة. قال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا هو وذكر الخلافة يوم موت أبيه فقال بشرط أن لا يجري فيها محجم دم مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين رضي الله عنه الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 4 - (آخر قرية) بفتح القاف وكسرها كما في تاريخ السمهودي من القرى وهو الجمع سميت به لاجتماع الناس فيها (من قرى الإسلام خرابا: المدينة) النبوية علم لها بالغلبة فلا يستعمل معرفا إلا فيها والنكرة اسم لكل مدينة من مدن بالمكان أقام به أو من دان إذا أطاع إذ يطاع السلطان فيها وهي أبيات كثيرة تجاوز حد القرى ولم تبلغ حد الأمصار ونسبوا للكل مديني وللمدينة النبوية مدني للفرق كذا قرره جمع. فإن قلت: ما ذكروه من أنها تجاوز حد القرى بينه وبين هذا الحديث تعارض حيث جعلها من القرى؟ قلت: كلا فإنها كانت في صدر الإسلام قبل الهجرة لا تجاوز حد القرى وكان إذ ذاك الإسلام إنما في في القرى ولم ينتشر في المدن والأمصار فلما هاجر المسلمون إليها واتسع الإسلام تجاوزت حد القرى فغلب عليها حينئذ اسم المدينة والخراب ذهاب العمارة والعمارة إحياء المحل وشغله بما وضع له ذكره الحراني. وفي الكشاف التخريب والإخراب الإفساد بالنقص والهدم قيل وفيه أن بلاده لا تزال عامرة إلى آخر وقت وأنت تعلم أنه لا دلالة في هذا الخبر إذ لا تعرض فيه بكون ديار الكفر تخرب قبل خراب قرى الإسلام التي آخرها خرابا المدينة نعم يؤخذ منه ذلك بضميمة الخبر الآتي بعده ومن ثم حسن تعقيبه به وبه يعلم أن ذكر الإسلام لا مفهوم له على أن عيسى بعد نزوله يرفع الجزية ويقتل الكفرة فتصير الكل دار إسلام (ت) في أواخر جامعة (عن أبي هريرة) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جنادة بن مسلم وقد رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فإن الترمذي ذكر في العلل أنه سأل عنه البخاري فلم يعرفه وجعل يتعجب منه. وقال: كنت أرى أن جنادة هذا مقارب الحديث انتهى. وقد جزم بضعف جنادة المذكور جمع منهم المزني وغيره. قال السبكي كغيره: وإذا ضعف الرجل في السند ضعف الحديث من أجله ولم يكن فيه دلالة على بطلانه من أصله ثم قد يصح من طريق أخرى وقد يكون هذا الضعيف صادقا ثبتا في تلك الرواية فلا يدل مجرد تضعيفه والحمل عليه على بطلان ما جاء في نفس الأمر انتهى. قالوا: وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثا " مع كثرة طرقه لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 5 - (آخر من يحشر) بالبناء للمجهول أي يموت. قال عكرمة في قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} حشرها موتها أو المراد آخر من يساق إلى المدينة كما في لفظ رواية مسلم والحشر. كما قال القاضي: السوق من جهات مختلفة إلى مكان واحد وأصله الجمع والضم المتفرق. وقال الزمخشري: الحشر سوق الناس إلى المحشر. وقال الحراني: الجمع وغيره. وقال الراغب: إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم (راعيان) تثنية راع وهو حافظ الماشية. قال الراغب: والرعي في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه يقال رعيته أي حفظته فسمي كل سائس لنفسه أو لغيره [ص: 42] (راعيا من مزينة) بالتصغير قبيلة من مضر معروفة وفي رواية " رجل من جهينة وآخر من مزينة " وفي رواية أنهما كانا ينزلان بجبل ورقان (يريدان) أي يقصدان (المدينة) الشريفة أي المدينة الكاملة التي تستحق أن يقال لها مدينة على الإطلاق كالبيت للكعبة ولها نحو مئة اسم منهما طابة وطيبة مشددة ومخففة وطايب ككاتب ودار الأخيار ودار الأبرار ودار الإيمان ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح ودار الهجرة. وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى. قال النووي: لا يعرف في البلاد أكثر أسماء منها ومن مكة (ينعقان) بفتح المثناة تحت وسكون النون وكسر العين المهملة. قال الكشاف: النعيق التصويت يقال نعق المؤذن ونعق الراعي صوت (بغنمهما) يزجرانها بأصواتهما ويسوقانها يطلبان الكلأ وفيه إشارة إلى طول أملهما وأن ما وقع من أشراط الساعة لم يشغلهما عن الشغل بالمعاش والاهتمام بالأمور الدنيوية ويحتمل أنهما قصداها بماشيتهما للإقامة بها مع أهل الإيمان للحماية من أهل الطغيان ولعل الغنم مشتركة فلذلك لم يثنها (فيجدانها) أي الغنم والفاء تعقيبية (وحوشا) بضم أوله بأن ينقلب ذواتها أو بأن تتوحش فتنفر من صياحهما أو الضمير للمدينة والواو مفتوحة روايتان أي يجدان المدينة خالية ليس فيها أحد. والوحش الخلاء أو سكنها الوحش لانقراض سكانها. قال النووي: وهو الصحيح والأول غلط وتعقبه ابن حجر بأن قوله (حتى إذا بلغا) أي الراعيان (ثنية الوداع) أي انتهيا إليها يؤيد الأول لأن وقوع ذلك قبل دخول المدينة. وأقول: هذا غير دافع لترجيح النووي إذ إحاطهما بخلو المدينة من سكانها ومصيرها مسكن الوحوش لا يتوقف على دخولها بل يحصل العلم به بالقرب منها والإشراف على حريمها وهذا أمر كالمحسوس وإنكاره مكابرة والبلاغ والإبلاغ الانتهاء إلى المقصد. وثنية الوداع بمثلثة وفتح الواو: ومحل عقبة عند حرم المدينة سمي به لأن المودعين يمشون مع المسافر من المدينة إليها وهو اسم قديم جاهلي كذا ذكره القاضي تبعا لعياض وغيره. وفي تاريخ السمهودي: هي معروفة بباب المدينة خلف سوقها القديم بين مسجد الراية ومسجد النفس الزكية قرب سلع ووهم من قال هي من جهة مكة سميت به لتوديع النساء اللاتي استمتعوا بهن فيها عند رجوعهم من خيبر أو خروجهم إلى تبوك وفي رواية " ما كان أحد يدخل المدينة إلا منها " فإن لم يعبر منها مات قبل أن يخرج لوبائها كما زعمت اليهود فإذا وقف عليها قيل قد ودع فسميت به وقيل لوداع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين بالمدينة في بعض خرجاته وقيل ودع فيها بعض سراياه وقيل غير ذلك (خرا على وجوههما) ميتين أي أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى وهذا ظاهر في أن ذلك يكون لإدراكهما الساعة ففيه رد لقول البعض أنه وقع في بعض الفتن حين خلت المدينة وبقيت ثمارها للعوافي وذلك في وقعة الحرة حين وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة في جيش إلى المدينة فقتل من فيها من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبع مئة ومن الأخلاط عشرة آلاف. قال السمهودي: قال القرطبي وجالت الخيل في المسجد النبوي وبالت وراثت بين القبر والمنبر وخلت المدينة من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي انتهى. وذكر نحوه ابن حزم والخر السقوط يقال خر سقط سقوطا يسمع منه خرير ذكره الراغب وغيره. فإن قلت: هل لإيثاره " خر " على سقط من فائدة؟ قلت: أجل وهي التنبيه على اجتماع أمرين السقوط وحصول الصوت منه إشارة إلى أن فراق روحيهما لبدنيهما بعنف وشدة وسرعة خطفة من أثر تلك الصعقة التي لم تأت على مخلوق إلا جعلته كالرميم ونظيره قوله تعالى: {يخرون للأذقان سجدا} والوجه مجتمع حواس الحيوان وأحسن ما في الإنسان وموقع الفتنة من الشيء الفتان وهو أول ما يحاول ابتداؤه من الأشياء ذكره الحراني. فإن قلت: المناسب لقوله " خرا " وما قبله تثنية الوجه فما وجه جمعه؟ قلت: لعله أراد بالوجوه مقدم الأعضاء المقدمة فكل عضو له وجه وظهر فالسقوط يكون على كل مقدم من الأعضاء والوجه كما يراد به ما هو المتبادر يطلق ويراد به أشرف ما ظهر من الإنسان أو غيره كما تقرر (ك) في الفتن (عن أبي هريرة) وقال: على شرطهما وأقره الذهبي لكن رمز المؤلف لحسنه [ص: 43] فقط وهو قطعة من حديث رواه الشيخان لفظ برواية البخاري: " ستكون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي وآخر من يحشر " إلى آخر ما هنا بنصه وقال القسطلاني وغيره: وقوله " وآخر " إلى آخره يحتمل كونه حديثا غير الأول لا تعلق له به وكونه من بقيته انتهى وسواء كان كلا أو بعضا فهو في الصحيح فاستدراك الحاكم له غير قويم كرمز المؤلف لحسنه فقط الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 6 - (آخر ما أدرك الناس) من النوس وهو التحرك أو الأنس لأن بعضهم يأنس ببعض. قال ابن الكمال: والإدراك إحاطة الشيء بكماله " والناس " بالرفع في جميع الطرق كما في الفتح قال ويجوز نصبه أي مما بلغ الناس (من كلام النبوة الأولى) أي مما اتفق عليه الأنبياء لأنه جاء في زمن النبوة الأولى وهي عهد آدم واستمر إلى شرعنا إلى آخر ما وجدوا مأمورا به في زمن النبوة الأولى إلى أن أدركناه في شرعنا ولم ينسخ في ملة من الملل بل ما من نبي إلا وقد ندب إليه وحث عليه ولم يبدل فيما بدل من شرائعهم ففائدة إضافة الكلام إلى النبوة الأولى الإشعار بأن ذلك من نتائج الوحي ثم تطابقت عليه العقول وتلقته جميع الأمم بالقبول. ذكره جمع. وقال القاضي: معناه أن مما بقي فأدركوه من كلام الأنبياء المتقدمين أن الحياء هو المانع من اقتراف القبائح والاشتغال بمنهيات الشرع ومستهجنات العقل وذلك أمر قد علم صوابه وظهر فضله واتفقت الشرائع والعقول على حسنه وما هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل وقيد النبوة الأولى إيذانا باتفاق كلمة الأنبياء على استحسانه من أولهم إلى آخرهم (إذا لم تستح) أيها الإنسان وهو بمثناة تحتية واحدة آخره (فاصنع ما شئت) أمر بمعنى الخبر أي إذا لم تخش من العار عملت ما شئت لم يردعك عن مواقعة المحرمات رادع وسيكافئك الله على فعلك ويجازيك على عدم مبالاتك بما حرمه عليك. وهذا توبيخ شديد فإن من لم يعظم ربه ليس من الإيمان في شيء أو هو للتهديد من قبيل: " اعملوا ما شئتم " أي اصنع ما شئت فسوف ترى غيه كأنه يقول إذ قد أبيت لزوم الحياء فأنت أهل لأن يقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ويتبين لك فساد حالك أو هو على حقيقته ومعناه إذا كنت في أمورك آمنا من الحياء في فعلها لكونها على القانون الشرعي الذي لا يستحي منه أهله فاصنع ما شئت ولا عليك من متكبر يلومك ولا من متصلف يستعيبك فإن ما أباحه الشرع لا حياء في فعله. وعلى هذا الحديث مدار الإسلام من حيث إن الفعل إما أن يستحيا منه وهو الحرام والمكروه وخلاف الأولى واجتنابها مشروع أولا وهو الواجب والمندوب والمباح وفعلها مشروع وكيفما كان أفاد أن الحياء كان مندوبا إليه في الأولين كما أنه محثوث عليه في الآخرين وقد ثبت أنه شعبة من الإيمان أي من حيث كونه باعثا على امتثال المأمور وتجنب المنهي لا من حيث كونه خلقا فإنه غريزة طبيعية لا يحتاج في كونها شعبة منه إلى قصد. قال الطبراني: وقد ذكر النووي أن قانون الشرع في معنى الحياء لا يحتاج إلى اكتساب ونية فينبغي حمل الحديث على هذا المعنى والقانون فيه أنك إذا أردت أمرا أو اكتساب فعل وأنت بين الإقدام والإحجام فيه فانظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيا منه من الله ولا من أنبيائه قديما وحديثا فافعله ولا تبالي من الخلق وإن استحيت منهم وإلا فدعه. فدخل الحديث إذا في جوامع الكلم التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد عده العسكري وغيره من الأمثال وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال: إذا لم تخش عاقبة الليالي. . . ولم تستحي فاصنع ما تشاء والحياء انقباض يجده الإنسان في نفسه يحمله على عدم ملابسة ما يعاب به ويستقبح منه ونقيضه التصلف في الأمور وعدم المبالاة بما يستقبح ويعاب وكلاهما جبلي ومكتسب لكن الناس ينقسمون في القدر الحاصل منهما على أقسام فمنهم من جبل على الكثير من الحياء ومنهم من جبل على القليل ومنهم من جبل على الكثير من التصلف ومنهم من جبل على القليل ثم إن أهل الكثير من النوعين على مراتب وأهل القليل كذلك فقد يكثر أهل النوعين حتى يصير نقيضه كالمعدوم ثم هذا الجبلي سبب في تحصيل المكتسب فمن أخذ نفسه بالحياء واستعمله فاز بالحظ الأوفر ومن تركه فعل ما شاء وحرم [ص: 44] خيري الدنيا والآخرة (ابن عساكر في تاريخه) تاريخ الشام (عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة (البدري) الأنصاري قال البخاري وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري لكن يشهد له ما رواه البيهقي في الشعب عن أبي مسعود المذكور بلفظ إن آخر ما بقي من النبوة الأولى والباقي سواء بل رواه البخاري عن ابن مسعود بلفظ إن مما أدرك الناس إلى آخر ما هنا الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 7 - (آخر ما تكلم به إبراهيم) أعجمي معرب أصله إبراهام على ما نقل عن سيبويه لكن في القاموس إبراهيم وإبراهام وإبراهوم مثله الهاء وإبرهم بفتح الهاء بلا ألف اسم أعجمي. قال ابن الكمال: وعليه لا يكون إبراهيم معربا. وقال المحقق في شرح المختصر: إجماع أهل العربية على منع صرف إبراهيم ونحوه للعلمية والعجمة يوضح ما ذكرناه من وقوع المعرب فيه يعني القرآن (حين ألقي) بالبناء للمفعول أي ألقاه نمروذ (في النار) التي أعدها له ليحترق وكان عمره ستة عشر سنة على ما في الكشاف وتاريخ ابن عساكر. والإلقاء كما قال الراغب طرح الشيء حيث يلقاه ثم صار في التعارف اسما لكل طرح والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا والنور ضوءها وضوء كل نير والإضاءة الإنارة ذكره الزمخشري (حسبي الله) مبتدأ وخبر أي كافيني وكافلني هو الله من أحسبه الشيء كفاه (ونعم) كلمة مبالغة تجمع المدح كله ذكره الحراني. وقال الراغب: كلمة تستعمل في المدح بإزاء بئس (الوكيل) أي نعم الموكول إليه الله تعالى وذلك لأن الخليل لعلو منصبه وسمو مقامه وشموخ همته لم يشخص أمله لشيء سوى ربه ولم يرض بإسعاف أحد غيره بل قصر نظره عليه وأعرض عن الأسباب والعدد ضاربا عنها صفحا واغتنى بمسببها كافيا وحسيبا فإنه تعالى جعل لكل شيء عدة يدفع بها فللبغي التحرز والتحفظ وللمكر الحزم والتيقظ وللحسد التواضع للحاسد ومداراته وللكائد سد الأبواب التي يجد منها السبيل إليه فرأى هذا النبي الجليل السيد الخليل أن الله أكبر من تلك العدد والأسباب فاغتنى به كافيا وحسيبا فكان له حافظا ورقيبا فشمله بالإسعاد والإسعاف فلم يحترق منه إلا موضع الكتاف وفيه ندب إلى اعتقاد العجز واستشعار الافتقار والاعتصام بحول الله وقوته وأن الحازم لا يكل أمره إذا ابتلي ببلاء إلا إلى ربه ولا يعتضد إلا به وفي الخبر أنه إنما نجي بذلك <فائدة> من كرامة هذه الأمة على ربها أنه أوجد فيها من وقع له كما وقع للخليل من عدم تأثير النار فيه. روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب الخولاني - وكان أسلم في عهد المصطفى - فألقاه في النار فلم تضره النار فذكر المصطفى ذلك لأصحابه فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل. ووقع عند ابن الكلبي أنه ذؤيب بن وهب. وقال في سياقه طرحه في النار فوجده حيا (خط) في ترجمة محمد بن يزداد (عن أبي هريرة) الدوسي (وقال) أي الخطيب حديث (غريب) أي تفرد به حافظ ولم يذكره غيره ورواه عنه أيضا الديلمي هكذا (والمحفوظ) عند المحدثين (عن) أبي العباس عبد الله (ابن عباس) ترجمان القرآن الذي قال فيه علي كرم الله وجهه كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق وأخرج ابن عساكر أنه كان يسمى حكيم المعضلات ولم يرو عن أحد من الصحابة في الفتوى أكثر منه وعمي آخر عمره كأبيه وجده (موقوف) عليه غير مرفوع لكن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكمه وهذا الموقوف صحيح فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه بلفظ: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل. وفي رواية له عنه أيضا: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 [ص: 45] 8 - (آخر أربعاء) بالمد وكسر الموحدة على الأشهر. قال في المصباح: ولا نظير له في المفردات وإنما يأتي وزنه في الجموع وبعض بني أسد يفتح الباء والضم لغة قليلة انتهى. وبه عرف أن من تعقب النووي والرضي في قولهما أنه مثلث الباء فقد وهم. وسمي أربعاء لأن الرابع واحد من أربعة وهو رابع الأيام من الأحد الذي هو أول الأسبوع على الأرجح أشار إليه الراغب قال: ويسمى في الجاهلية دبار لتشاؤمهم به والدبار الهلاك. قال والألف فيه وفي الثلاثاء بدل من الهاء نحو حسن وحسنة وحسناء فخص اللفظ باليوم (في الشهر) لفظ رواية الخطيب من الشهر والشهر من الشهرة يقال أشهر الشهر إذا طلع هلاله وأشهرنا دخلنا في الشهر سمي به لشهرته وظهوره. قال الراغب الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة وقال الإمام الرازي كالحكماء هو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص به إلى أن يعود إلى تلك النقطة بعينها (يوم نحس) بالإضافة على الأجود أي شؤم وبلاء (مستمر) مطرد شؤمه أو دائم الشؤم أو مستحكمه وروي " يوم نحس " بالرفع والتنوين فيهما ومستمر نعت لنحس أو ليوم أو عطف بيان أو بدل. واليوم لغة عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمن وشرعا ما بين طلوع الفجر الثاني والغروب قال محقق: وفاؤه ياء وعينه واو. وقال في البحر: وليس قوله " نحس " على جهة الطيرة وكيف يريد ذلك والأيام كلها لله. وقد جاء في تفضيل بعض الأيام على بعض أخبار كثيرة وهو من الفأل الذي كان يحبه. وأما الطيرة فيكرهها وليست من الدين بل من فعل الجاهلية وقول الكهان والمنجمين فانهم يقولون يوم الأربعاء يوم عطارد وعطارد نحس مع النحوس سعد مع السعود وقولهم خارج عن الدين ويجوز كون ذكر الأربعاء نحس على طريق التخويف والتحذير أي احذروا ذلك اليوم لما نزل فيه من العذاب وكان فيه من الهلاك وجددوا لله توبة خوفا أن يلحقكم فيه بؤس كما وقع لمن قبلكم وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة فزع إلى الصلاة حتى إذا نزل المطر سري عنه ويقول ما يؤمنني أن يكون فيها عذاب كما وقع لبعض الأمم السابقة فكان يحذر أمته من مثل ما قال أولئك: {هذا عارض ممطرنا} فأتاهم بخلاف ما ظنوا قال تعالى: {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} وكما قال حين أتى الحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين " وكما رغب في يوم عاشوراء لما جعل الله فيه من نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون حذر من يوم الأربعاء لما كان فيه انتهى. وقال السهيلي نحوسته على من تشاءم وتطير بأن كان عادته التطير وترك الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تركه وتلك صفة من قل توكله فذلك الذي تضره نحوسته في تصرفه فيه. وقال بعضهم: التطير مكروه كراهة شرعية إلا أن الشرع أباح لمن أصابه في آخر أربعاء شيء من نحو جائحة أن يدع التصرف فيه لا على جهة الطيرة واعتقاد أنه يضره أو يصيبه فيه فقر أو بؤس بل على جهة اعتقاد إباحة الإمساك فيه لما كرهته النفس لا ابتغاء التطير ولكن إثباتا للرخصة في التوقي فيه لمن شاء مع وجوب اعتقاد أن شيئا لا يضر شيئا. وقال الحليمي: علمنا ببيان الشريعة أن من الأيام نحسا والذي يقابل النحس السعد فإذا ثبت أن بعض الأيام نحس ثبت أن بعضها سعد والأيام في هذا كالأشخاص منها مسعودة ومنها منحوسة ومن الناس شقي وسعيد فإذا أضاف أحد إلى الأيام أو الكواكب أنها تسعد باختيارها أوقاتا أو أشخاصا أو تنحسها فذلك باطل وإن قال: إن الكواكب طبائع وأمزجة مختلفة وتلك تتغير منها باتصال بعضها ببعض وانفصال بعضها عن بعض فطرة فطرها الله تعالى عليها تتأدى بتوسط النيرين إلى الأرض وما فيها فأي شيء منها كان هو المتأدى إلى الأجسام الأرضية كانت الآثار التي تحدث فيها عنه بحسبها فقد يكون منها ما هو سبب للاغتنام ما هو سبب للصحة والسلامة وما هو سبب لحسن الخلق وبذل المعروف والإنصاف والرغبة في الخير وما هو سبب للقبائح والظلم والإقدام على [ص: 46] الشر فهذا يكون لكنه بفعل الله وحده انتهى وأخرج الخطيب في التاريخ في ترجمة ابن مجاشع المدائني أن عليا كرم الله وجهه كره أن يتزوج الرجل أو يسافر في المحاق أو إذا نزل القمر العقرب. قال: والمحاق إذا بقي من الشهر يوم أو يومان وفي الفردوس عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا: " لولا أن تكره أمتي لأمرتها أن لا يسافروا يوم الأربعاء وأحب الأيام إلي الشخوص فيها يوم الخميس ". وبيض ولده لسنده. وأما حمل الحديث على الأربعاء الذي أرسل فيه الريح على عاد بخصوصه فمناف للسياق مع أنه لا يلزم من تعذيب قوم فيه كونه نحسا على غيرهم وحمله على أنه نحس على المفسدين لا المصلحين هلهل بالمرة إذ لا اختصاص للأربعاء به وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن عدي وتمام في فوائده عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعا: " يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء ويوم الخميس يوم طلب الحوائج والدخول على السلاطين ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح ". قال السخاوي: وسنده ضعيف وذكر الزمخشري أن يزيدا قال لأخيه: اخرج معي في حاجة فقال: هو الأربعاء. قال: فيه ولد يونس. قال: لا جرم قد بانت به بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته حتى خلصه الله. قال: وفيه ولد يوسف. قال: فما أحسن ما فعل به إخوته حتى طال حبسه وغربته. قال: وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب. قال: أجل ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر. وفي بعض الآثار النهي عن قص الأظافر يوم الأربعاء وأنه يورث البرص قال في المطامح: وأخبر ثقة من أصحابنا عن ابن الحاج وكان من العلماء المتقين أنه هم بقص أظافره يوم الأربعاء فتذاكر الحديث الوارد في كراهته فتركه ثم رأى أنها سنة حاضرة فقصها فلحقه برص فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه فقال له: ألم تسمع نهيي عن ذلك: فقال: يا رسول الله لم يصح عندي الحديث عنك. قال: يكفيك أن تسمع ثم مسح بيده على بدنه فزال البرص جميعا. قال ابن الحاج: فجددت مع الله سبحانه وتعالى توبة أن لا أخالف ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا. والحاصل أن توقي يوم الأربعاء على جهة الطيرة وطن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم إذ الأيام كلها لله تعالى لا تضر ولا تنفع بذاتها وبدون ذلك لا ضير ولا محذور ومن تطير حاقت به نحوسته ومن أيقن بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله لم يؤثر فيه شيء من ذلك قال: تعلم أنه لا طير إلا. . . على متطير وهو الشرور وفي حديث رواه ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا وخرجه الحاكم من طريقين آخرين: " لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء " وكره بعضهم العيادة يوم الأربعاء. وعليه - قيل: لم يؤت في الأربعاء مريض إلا دفناه في الخميس. وفي منهاج الحليمي وشعب البيهقي أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعد الزوال. وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أن ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم فلذلك كان جمع من الشيوخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه وذلك لأن العلم نور فبدايته يوم خلق النور فيه تناسب معنى على التمام واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان والديلمي عن جابر مرفوعا: " من غرس يوم الأربعاء فقال: سبحان الباعث الوارث أتته بأكلها " قالوا: ولما أرسل ملك الروم كتابه إلى المعتصم يتهدده كتب على ظهر الجواب ما تراه لا ما تسمعه وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار وقام فخرج من فوره في وقته يوم الأربعاء ولم يدخل بيته فمنعه المنجمون وقالوا: الطالع نحس فقال: عليهم لا علينا وسار فيه فأسر ستين ألفا وقتل ستين ألفا وكانت وقعة أعز الله فيها الإسلام وأهله: قال الحافظ ابن حجر: غضب السلطان على الكمال البارزي كاتم السر ثم رضي عنه وخلع عليه يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمان مئة وركب في موكب لم ير مثله فاجتمع فيه خمس أربعات والثمان مئة تشتمل على أربعمائتين انتهى. واعلم أنهم كما كانوا ينفرون من يوم الأربعاء كانوا ينفرون من يوم الأحد. قال الزمخشري: صبح ثمود العذاب يوم الأحد. قال: وفي الأثر نعوذ بالله من يوم الأحد فإن له حدا كحد السيف. وكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يوجه عبد الله بن حازم إلى خراسان لمعونة مسلم بن زياد فقال عبيد الله أخرجوه يوم الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع للأبد فأحس ابن حازم فتعلل حتى لم يخرج إلا حتى زاغت الشمس. وقال: قولوا له ذهب حد الأحد وكما ورد في يوم الأربعاء النحوسة [ص: 47] ورد في الثلاثاء أنه مكروه ففي الفردوس من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: " خلق الله الأمراض يوم الثلاثاء. وفيه أنزل إبليس إلى الأرض وفيه خلق الله جهنم وفيه سلط الله ملك الموت على أرواح بني آدم وفيه قتل قابيل هابيل وفيه توفي موسى وهارون وفيه ابتلي أيوب " الحديث بطوله وفي ترجمة العلم للبلقيني عن بعضهم أن من المجرب الذي لم يخطئ قط أنه متى كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري يوم الأحد وفعل فيه شيء لم يتم وكذا للسفر وغيره وأن ذلك وقع للناصر فرج وغيره. وقد أخر بعضهم السفر في أول السنة وقال إن سافرت في المحرم فجدير أن أحرم أو في صفر خشيت على يدي أن تصفر فأخره إلى ربيع فسافر فمرض ولم يظفر بطائل فقال ظننته ربيع الرياض فإذا هو ربيع الأمراض وفي المثل السائر: " لا تعادي الأيام فتعاديك " قال: ومن غالب الأيام فاعلم بأنه. . . سينكص عنها لاهيا غير غالب <فائدة> وقفت على أبيات بخط الحافظ الدمياطي وقال إنها تعزى لعلي رضي الله تعالى عنه وهي: فنعم اليوم السبت حقا. . . لصيد إن أردت بلا امتراء. . . وفي الأحد البناء لأن فيه تبدى الله في خلق السماء. . . وفي الاثنين إن سافرت فيه. . . سترجع بالنجاح وبالثراء وإن ترد الحجامة في الثلاثا. . . ففي ساعاته هرق الدماء. . . وإن شرب امرئ يوما دواء فنعم اليوم يوم الأربعاء. . . وفي يوم الخميس قضاء حاج. . . فإن الله يأذن بالقضاء وفي الجمعات تزويج وعرس. . . ولذات الرجال مع النساء. . . وهذا العلم لا يدريه إلا. . . نبي أو وصي الأنبياء (وكيع) أي القاضي أبو بكر محمد بن الخلف المعروف بوكيع بفتح الواو وكسر الكاف وعين مهملة (في الغرر) أي في كتاب الغرر من الأخبار (وابن مردويه) أبو بكر أحمد بن موسى (في التفسير) المسند من عدة طرق عن ابن عباس وعن عائشة وعن علي وعن أنس وغيرهم. (خط) في ترجمة ابن الوزير صاحب ديوان المهدي (عن ابن عباس) وفيه سلمة بن الصلت قال أبو حاتم متروك وجزم ابن الجوزي بوضعه وحكاه في الكبير ولم يتعقبه وقال ابن رجب: حديث لا يصح ورواه الطبراني من طريق آخر عن ابن عباس موقوفا. قال السخاوي: وطرقه كلها واهية. وروى الطبراني بسند ضعيف: " يوم الأربعاء يوم نحس مستمر " والحديث المشروح يفيده الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 9 - (آدم) أبو البشر من أديم الأرض أي ظاهر وجهها سمي به لخلقه منه أو من الأدمة وهي السمرة ولا يشكل ببراعة جماله وأن حسن يوسف ثلث حسنه لأن سمرته بين البياض والحمرة قيل اشتقاقه يؤيد أنه عربي ومنع بأن توافق اللغتين غير ممتنع وبأنه لا دلالة على أن الاشتقاق من خواص كلام العرب ورد بأن الأصل عدم التوافق واطراد الاشتقاق وهو وإن صح تكلمه بكل لسان لكن الغالب بالسرياني كما تدل عليه أسامي أولاده (في السماء الدنيا) أي القريبة بروحه وزعم أنه بجسمه يأتي رده والسماء اسم جنس يطلق على الواحد والمتعدد ويشمل سائر الأجسام العلوية والمراد هنا هذه المظلة وهي كما قال الحراني وجمع: أشرف من الأرض (قال صاحب الكشف: الأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لأن الأنبياء خلقوا منها وعبدوا الله فيها اه) من جهة العلو الذي لا يرام والجوهر البالغ في الأحكام والزينة البديعة النظام المنبثة عن المصالح الجسام وكثرة المنافع والأعلام (تعرض عليه أعمال) جمع عمل. قال الحراني: " هو فعل بني على علم أو زعم (ذريته) أي نسله فعيلة من الذر بمعنى التفريق أو فعولة أو فعيلة من الذرء بمعنى الخلق ولا مانع من عرض المعاني وإن كانت أعراضا لأنها في عالم الملكوت متشكلة بأشكال تخصها بحيث ترى وتنطق وإنما تمتنع رؤيتها في هذا العالم فلا ضرورة لتأويل الأعمال بصحفها ومعنى العرض أنه يراهم بمواضعهم لكنه يرى السعداء من الجانب الأيمن وغيرهم من الجانب الأيسر فالتقييد للنظر لا للمنظور فلا يلزم من رؤيته لأرواح [ص: 48] الكفار وهو في السماء أن تفتح لهم أبوابها ولا لأرواح المؤمنين وفيهم الأحياء أن تنزع من أجسادها وتصعد ثم تعاد للأبدان. ومن فوائد العرض الشفاعة فيمن أذن له ولكونه أول الأنبياء كان في أول السماوات وفي رواية: " إذا نظر إلى جهة يمينه ضحك وإذا نظر إلى جهة شماله بكى " (ويوسف في السماء الثانية) قال في الكشاف: اسم عبراني. وقيل: عربي وليس بصحيح لأنه لو كان عربيا لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف انتهى. قال ابن الكمال: ومن اللطائف الاتفاقية أن الأسف لغة الحزن والأسيف العبد وقد اتفق اجتماعهما في يوسف (وابنا الخالة يحيى) اسم أعجمي على الأظهر في الكشاف أو عربي ومنع صرفه للعلمية والوزن قال الحراني: سمي بصفة الدوام مع أنه قتل إشعارا بوفاء حقيقة الروحانية الحياتية دائما لا يطرقه طارق موت الظاهر حيث قتل شهيدا (وعيسى) اسم معرب أصله بالعبرية يسوع وهو غير مشتق وزعم أنه من العيس وهو بياض يخالطه صفرة منع بأن الاشتقاق العربي لا يدخل المعجم عند الأكثر وفيه ما مر. قال ابن السكيت: ويقال ابنا خالة لا ابنا عمة وابنا عم لا ابنا خال لأن ابني الخالة أم كل منهما خالة الآخر لزوما بخلاف ابنا العمة. واعلم أنه قد يشكل جعل عيسى ويحيى ابني خالة بأن امرأة عمران وهي حنة جدة عيسى إنما هي أخت إيشاع أم يحيى. وأجيب بأن الأخت كثيرا ما تطلق على بنت الأخت فبهذا الاعتبار جعلهما ابني خالة وقيل كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولا أم حنة فولدت له أيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائب في شرعهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب لأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من أمها (في السماء الثالثة وإدريس في السماء الرابعة) اسم أعجمي غير مشتق ولا منصرف وزعم أنه سمي به لكثرة دراسته أبطله في الكشاف بأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا فمنع صرفه دليل العجمة واسمه خنوخ أو اخنوخ كما في القاموس وغيره (وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة) غير منصرف للعجمة والعلمية وموسى بالعبري ماء وشجر سمي به لأنه وجد بين ماء وشجر لما ألقته أمه فيه فهو اسم اقتضاه حاله وقيل هو من ماس إذا تبختر في مشيته ولا منافاة بين هذا وبين خبر أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره فقد يكون رآه في مسيره قائما ثم عرج به كالمصطفى فرآه ثم وسرعة الانتقال لهؤلاء كلمح البصر بل هو أقرب وسيجيء لهذا مزيد تنبيه. ولا بينه وبين خبر الشيخين أنه رأى يحيى وعيسى في الثانية لاحتمال الانتقال وأما الجواب بالتعدد فرد بتوقفه على توقيف (وإبراهيم في السماء السابعة) زاد في رواية: مسندا ظهره إلى البيت المعمور. وذكر في رواية أنه رآهم كذلك في السماء وفي أخرى أنه لقيهم فيها كذلك. وخص هؤلاء الأنبياء بالذكر واللقاء لما ذكروه أن من رأى نبيا في النوم فإن رؤياه تؤذن بما يشبه حال النبي المرئي من شدة أو رخاء أو غيرهما فأول من لقي آدم الذي أخرجه عدوه إبليس من الجنة وذلك شبيه بأول أحوال المصطفى حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجواره والجامع المشقة وكراهة فراق الوطن ثم رجوعه لما منه خرج ثم يوسف في الثانية المؤذن بحالة ثانية تشبه حالة يوسف لأن يوسف ظفر بإخوته لعد ما أخرجوه فصفح عنهم والمصطفى ظفر يوم بدر بأقاربه كالعباس وعقيل فعفا عنهم ثم يحيى وعيسى في الثالثة وهما الممتحنان باليهود فصار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى حالة ثالثة كحالهما في الامتحان باليهود فكذبوه وآذوه وظاهروا عليه بعد سكنه بالمدينة ثم سموه بالشاه فلم تزل تلك الأكلة تعاوده حتى قطعت أبهره ثم إدريس في الرابعة وهو المكان الذي سماه الله عليا وهو أول من خط بالعلم فكان مؤذنا بحالة رابعة لنبينا من علو الشأن ورفعة المكان حتى كتب بالقلم إلى الملوك بما أخافهم وأزعجهم فهذا مقام علي وخط بالقلم كنحو ما أوتي إدريس وهارون في الخامسة وهو المحبب في قومه فآذن بحب قريش وقاطبة [ص: 49] العرب له بعد بغضهم وموسى في السادسة لأن حاله يشبه حاله حين أمر بغزو الشام فظهر على الجبابرة التي فيها وإبراهيم في السابعة إشارة إلى دخوله مكة في السابعة من الهجرة وأن آخر أحوال نبينا حجه إلى البيت وإبراهيم هو الداعي إلى الحج والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة ذكره السهيلي وغيره وقال ابن أبي جمرة: حكمة رؤية آدم في السماء الدنيا أنه أول الأنبياء وأول الآباء فكان الأول في الأولى لتأنيس البنوة بالأبوة ويوسف في الثانية لأن هذه الأمة تدخل الجنة على صورته ويحيى وعيسى في الثالثة لأنهما أقرب الأنبياء عهدا به وإدريس في الرابعة لقوله تعالى: {ورفعناه مكانا عليا} والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه وموسى أرفع منه لكونه الكليم وإبراهيم في السابعة لأن منزلة الخليل أرفع المنازل. وقال القونوي: العالم السفلي مرآة للآثار والقوى والخواص المودعة في العالم العلوي وكذا العالم العلوي على اختلاف طبقاته مرآة تتعين في كل طبقة منه نتائج القوى والآثار السلفية التي تركبت منه وانعجنت في نشأة أهل هذا العالم ثم انفصلت وعادت إليه بصورة غير صورتها الأولى سيما نتائج الصفات والأفعال والتوجهات الصادرة من الإنسان الذي هو نسخة الكل ومرآة تنطبع فيها قوى كل عالم وآثار كل فلك وتوجه كل ملك وتتفاوت نسبته إلى كل فلك وعالم بحسب غلبة ما نعجن من القوى والخواص فيه من ذلك الفلك في أول تكوينه في أثناء توجهه وترقياته بعلمه وعمله وأخلاقه واستعداداته المستفادة بواسطة نشأته وبحسب حظه من الاعتدال الخصيص بالكمل وإلى ذلك أشار المصطفى بقوله: " آدم في السماء الدنيا " الذي هو ملك القمر ويوسف في الثانية إلى آخره فهو إخبار عن صور مناسباتهم بذلك الفلك وتعريف مراتب مظاهرهم الناتجة من أعمالهم وأخلاقهم وصفاتهم المكتسبة مما انعجن فيهم من قوى الأفلاك وتوجهات الأملاك وحصلت الغلبة لبعض تلك القوى والآثار على بعض في كل منهم حال اجتماعهما فيه وحيازة نشأته لها وإلا فمن البين أن الأرواح غير متحيزة فكيف يوصف سكانها في السماوات (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر واسمه خدرة الأنصاري (الخدري) بضم الخاء المعجمة نسبة إلى خدرة المذكور. وزعم بعضهم أن خدرة أم الأبجر استصغر يوم أحد وغزا مع المصطفى غزوة بايعه على أن لا تأخذه في الله لومة لائم وإسناده ضعيف لكن المتن صحيح فإنه قطعة من حديث الإسراء الذي خرجه الشيخان عن أنس لكن فيه خلف في الترتيب الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 10 - (آفة الظرف الصلف) أي عاهة براعة اللسان وذكاء الجنان التيه والتكبر على الأقران والتمدح بما ليس في الإنسان إذ الآفة بالمد العاهة أو عرض يفسد ما يصيبه أو نقص أو خلل يلحق الشيء فيفسده والكل متقارب والظرف كفلس الكيس والبراعة والذكاء. قال الزمخشري: ومنه قول عمر إذا كان اللص ظريفا لم يقطع أي كيسا يدرأ الحد باحتجاجه. قال بعضهم: والمراد هنا الاتصاف بالحسن والأدب والفصاحة والفهم. وقال الراغب: الظرف بالفتح اسم لحالة نجمع عامة الفضائل النفسية والبدنية والخارجية تشبيها بالظرف الذي هو الوعاء ولكونه واقعا على ذلك قيل لمن حصل له علم وشجاعة ظريف ولمن حسن لباسه ورياشه وأثاثه ظريف فالظرف أعم من الحرية والكرم انتهى. والصلف محركا مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا ذكره الخليل وتفسير ابن العربي الظرف هنا بالفعل لا يلائم السياق (وآفة الشجاعة) بشين معجمة (البغي) أي وعاهة شدة القلب عند البأس تجاوز الحد وطلب الإنسان ما ليس له. والشجاعة: قوة القلب والاستهانة بالحرب. وقال الراغب: إن اعتبرت في النفس فصرامة القلب على الأهوال وربط الجأش وإن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة وهي فضيلة بين التهور والجبن ومن ثم عرفت بأنها ملكة متوسطة بين الجبن والتهور ويتفرع عنها علو الهمة والصبر والنجدة والبغي: طلب التطاول بالظلم والإفساد من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد ذكره الزمخشري: وقال الراغب: البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه وإلا فتارة تعتبر في القدر الذي هو الكمية وتارة في الوصف الذي هو الكيفية ويكون [ص: 50] محمودا وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع ومذموما وهو تجاوز الحق إلى الباطل وهو أكثر استعمالاته ومنه هنا (وآفة السماحة) بفتح السين المهملة وخفة الميم (المن) أي وعاهة الجود والكرم تعديد النعمة على المنعم عليه والسماحة المساهلة والجود والاتساع فيه يقال عليك بالحق فإن في الحق مسمحا أي متسعا ومندوحة عن الباطل ذكره الزمخشري. والمن الإنعام أو تزيين الفعل وإظهار المعروف وهو منا مذموم ومن الله محمود لأن غيره لا يملك المعطى والعطاء وليس في عطائه شرف بل إهانة والله مالك للكل وعطاؤه تشريف فمنه تشريف وهداية للشكر الجالب للمزيد ومن غيره تكدير وتعيير تنكسر منه الخواطر وتحبط العطايا وإن كانت خواطر. قال بعضهم: والتحقيق أنها لما لم تمش من غيره تعالى واعتادت أنفس الكرام النفرة عنها لا يفعلها وإن حسنت منه للتحرز عن المنفر انتهى. ويرده أنه تعالى من صريحا في مواضع من كتابه فإنكاره مكابرة. قال ابن عربي: والمن هنا من أمراض النفس التي يجب التداوي منها ودواؤه أنه لا يرى أنه أوصل إليه إلا ما هو له في علم الله وأنه أمانة عنده كانت بيده لم يعرف صاحبها فلما أخرجها بالعطاء لمن عين له عرفا فشكر الله على أدائها فمن استحضر ذلك عند الإعطاء نفعه انتهى. وأما من المصطفى على الأنصار في قصة الحديبية فليس من ذلك فإنه من بالهداية إلى الإسلام فهو راجع إلى الله والمصطفى مبلغ وواسطة بدليل قوله لهم في المنة ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟ (وآفة الجمال الخيلاء) أي وعاهة حسن الصور أو المعاني العجب والكبر ومن ثم كره نكاح ذات الجمال البارع لما ينشأ عنه من شدة التيه والإدلال والعجب والتحكم في المقال وقد قيل من بسطه الإدلال قبضه الإذلال. قال الراغب: والجمال الحسن الكثير واعتبر فيه معنى الكثرة ولا بد والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تتراءى للمرء في نفسه. وقال الراغب: أن يظن بنفسه ما ليس فيها من قولهم خلت الشيء ظننته ولقصور هذا المعنى قال حكيم: إعجاب المرء بنفسه أن يظن بها ما ليس فيها مع ضعف قوة فيظهر فرحه بها والزهو الاستخفاف من الفرح بنفسه (وآفة العبادة الفترة) بفتح فسكون أي وعاهة الطاعة التواني والتكاسل بعد كمال النشاط والاجتهاد فيها. والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ومنه طريق معبد أي مذلل بالأقدام وثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة ولذلك لا يستعمل إلا في الخضوع لله فمن وفق لألف العبادة ولزومها فليحذر من فترة الإخلال بها فان طرقته فترة فليفزع إلى ربه في دفعها (وآفة الحديث) أي ما يتحدث به وينقل. قال الراغب: كل كلام الإنسان يقال له حديث. والفترة كما قال الزمخشري: السكون بعد الحدة واللين بعد الشدة ومن المجاز فتر البرد وكان الماء حارا ففترته وفتر العامل من عمله قصر فيه وفتر السحاب إذا تحير لا يسير (الكذب) أي الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه فمن أدخل حديثه الكذب عرضه للإعراض عنه وعطل النفع به وهو حرام لتعليقه تعالى استحقاق العذاب به حيث رتب عليه في قوله تعالى {لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} لكن قد يعرض ما يصيره مباحا بل واجبا إن ترتب على عدمه لحوق ضرر بمحترم. فقول القاضي كالزمخشري: هو حرام كله أي أصله ذلك وخروجه عن الحرمة إنما هو العارض كقول الفقهاء العارية سنة مع أنها قد تجب لدفع مؤذ أو ستر وقول النبي: " إنما البيع عن تراض " مع أنه قد يجب لنحو مضطر وكم له من نظير وبه يعرف سقوط اعتراض المؤلف عليهما (وآفة العلم النسيان) أي وعاهة العلم أن يهمله العالم حتى يذهب عن ذهنه ومن ثم قال الحكماء: لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيما ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيما وأعظم آفات العلم النسيان الحادث عن غفلة التقصير وأعمال التواني فعلى من ابتلى به أن يستدرك تقصيره بكثرة الدرس ويوقظ غفلته بإدامة النظر فقد قالوا لن يدرك العلم من لا يطيل درسه ويكد نفسه وكثرة الدرس كدود لا يصبر عليه إلا من يرى العلم مغنما والجهالة مغرما فيحتمل تعب الدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وعلى قدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وربما استثقل المتعلم الدرس والحفظ اعتمادا واتكل بعد فهم المعاني على الرجوع إلى الكتب ومطالعتها عند الحاجة [ص: 51] فما هو إلا كمن أطلق ما صاده ثقة بالقدرة عليه بعد الامتناع منه فلا تعقبه الثقة إلا خجلا والتفريط إلا ندما وكان الزهري يسمع على مشايخه إلى الليل ثم يأتي جاريته فيوقظها فيقول لها حدثني فلان بكذا وفلان بكذا فتقول: ومالي ولهذا؟ فيقول: إنك لا تنتفعي لكني سمعت الآن فأردت أن أستذكره. وكان ابن رجاء يأتي صبيان الكتاب فيجمع الغلمان فيحدثهم لئلا ينسى. قال النخعي: من سره أن يحفظ العلم فليحدث حتى يسمعه ولو ممن لا يشتهيه فإذا فعل كان كالكتاب في صدره ولا ينافي ذلك الحديث الآتي إن إضاعة العلم أن تحدث به غير أهله لأن محله إذا كان لغير مصلحة كالتذكر هنا. والنسيان ذهول ينتهي إلى زوال المدرك من القوة المدركة والحافظة وحيث يحتاج في حصوله إلى سبب جديد والسهو ذهول عن المدركة بحيث لا ينتهي إلى زواله منها بل ينتبه له بأدنى تنبيه. والتذكر استعادة ما أثبته القلب مما تنحى عنه بنسيان أو غفلة (وآفة الحلم) بكسر المهملة فسكون اللام (السفه) بالتحريك أي وعاهة الأناة والتثبت وعدم العجلة الخفة والطيش والحلم ملكة ورزانة في البدن توجب الصبر على الأذى يورثها وفور العقل. والسفه خفة في البدن أو في المعاني يقتضيها نقصان العقل. وقال الحراني: هو خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والرزانة. وقال الراغب: التسرع إلى القول القبيح والفعل القبيح (وآفة الحسب) بفتح المهملتين (الفخر) بفتح فسكون وتحرك أي وعاهة الشرف بالآباء إدعاء العظم والتمدح بالخصال. قيل لبعض الحكماء: ما الذي لا يحسن وإن كان حقا؟ قال: مدح الرجل نفسه وإن كان محقا. قال الزمخشري: الحسب ما يعده الشخص من مآثره ومآثر آبائه ومنه قولهم من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه. والفخر كما في المصباح: المباهاة بالمكارم والمناقب. وقال الراغب: المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان وذلك نهاية الحمق فمن نظر بعين عقله وانحسر عنه قناع جهله عرف أن أعراض الدنيا عارية مستردة لا يأمن في كل ساعة أن يسترجع. قال بعض الحكماء لمفتخر: إن افتخرت بفرسك فالحسن له دونك أو بثيابك ومتاعك فالجمال لهما دونك أو بآبائك فالفخر فيهم لا فيك ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت هذه محاسننا فأين محاسنك (وآفة الجود) بضم الجيم (السرف) بالتحريك أي وعاهة السخاء التبذير والإنفاق في غير طاعة وتجاوز المقاصد الشرعية. والجود إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة. والسرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي. ذكره جمع. وقال الماوردي: الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق. والتبذير تجاوز في موضع الحق فهو جهل بمواقعها وكلاهما مذموم والثاني أدخل في الذم إذ المسرف مخطئ بالزيادة والمبذر مخطئ بالكل ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها بماله وأخطأها فهو كمن جهلها بفعاله. وقال الراغب: التبذير التفريق أصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع ماله فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. ثم القصد بهذه الجملة الحث على تجنب هذه الأخلاق والتنفير عنها والتحذير منها وأنه ما من خلق كريم إلا وله آفة تنشأ من طمع لئيم فنبه على أن الإنسان يكون بالمرصاد لدفع ما يرد عليه من هذه الآفات " تنبيه " قد ذكر الحكماء آفات من هذا الجنس فقالوا: آفة العلم الملل وآفة العمل رؤية النفس وآفة العقل الحذر وآفة العارف الظهور من غير وارد من جهة الحق وآفة المحبة الشهوة وآفة التواضع الذلة وآفة الصبر الشكوى وآفة التسليم التفريط في جنب الله وآفة الغنى الطمع وآفة العز البطر وآفة البطالة فقد الدنيا والآخرة وآفة الكشف التكليم به وآفة الصحبة المنازعة وآفة الجهل الجدل وآفة الطالب التسلل دون الإقدام على المكاره وآفة الفتح الالتفات للعمل وآفة الفقير الكشف وآفة السالك الوهم وآفة الدنيا الطلب وآفة الآخرة الإعراض وطلب الأعواض وآفة الكرامات الميل إليها وآفة العدل الانتقام وآفة التعبد الوسوسة وآفة الاطلاق الخروج عن المراسم وآفة الوجود رؤية الكمال. وذكروا آفات أخر وفي هذا الكفاية (هب) وكذا ابن لال في المكارم وزاد: " وآفة الدين الهوى " (وضعفه) قال السخاوي: وفيه مع ضعفه انقطاع (عن) باب مدينة العلم ربان سفينة الفهم سيد الحنفاء زين الخلفاء ذي القلب العقول [ص: 52] واللسان والسؤال بشهادة الرسول أمير المؤمنين (علي) بن أبي طالب القائل فيه المصطفى: " من كنت مولاه فعلي مولاه " والقائل هو لو شئت لأوقرت لكم من تفسير سورة الفاتحة سبعين وقرا. والقائل: أنا عبد الله وأخو رسوله والصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب. قتل بالكوفة شهيدا وعمر كالنبي وصاحبيه. ثم إن اقتصار المؤلف على عزو تضعيفه للبيهقي يؤذن بأنه غير موضوع وقد رواه الطبراني بتقديم وتأخير عازيا لعلي أيضا وتعقبه الهيتمي بأن فيه أبا رجاء الحبطي وهو كذاب وبما تقرر عرف خطأ من زعم كبعض شراح الشهاب أنه حسن الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 11 - (آفة) أهل (الدين) أو المرا الدين نفسه لأن شؤم كل منهم يعود على الشريعة بالوهن (ثلاثة) من الرجال أحدهم (فقيه) أي عالم (فاجر) أي مائل عن الحق هاتك ستر الديانة. والفجور هو الانبعاث في المعاصي. وفي المغرب: الفجر الشق ومنه الفجور والفسوق والعصيان لأن الفاجر ينفتح له طريق المعصية ويتسع فيها. وفي غيره أصل الفجر الشق ومنه: {وفجرنا خلالهما نهرا} والفجور شق ستر الديانة (و) الثاني (إمام) أي سلطان سمي به لأنه يتقدم على غيره والمراد هنا حاكم (جائر) أي ظالم والإمام من يؤتم أي يقتدى به والجمع إمام أيضا. قال المولى حسن الرومي: فعلم أن ما ذكره القاضي كالزمخشري في: {واجعلنا للمتقين إماما} تمحل لا ضرورة إليه وكثيرا ما يجتمع على أئمة (و) الثالث (مجتهد) أي عابد مجد في العبادة (جاهل) بأحكام الدين. قال الحراني: والجهل التقدم في الأمور المبهمة بغير علم والمراد هنا عدم العلم بالواجب عليه من الشرائع الظاهرة والتنكير للتحقير. وخص هؤلاء لعظم الضرر بهم إذ بهم تزل الأقدام فالعالم يقتدى به والإمام تعتقد العامة وجوب طاعته حتى في غير طاعة والمتعبد يعظم الاعتقاد فيه. وقدم الفقيه لأن ضرره أعظم إذ بتساهله وتهوره تنقلب الأحكام وتضل الأنام ويعود الوهن على الإسلام. قال علي كرم الله وجهه كفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه. وقال بعضهم: خير المواهب العقل وشر المصائب الجهل (فر) من حديث نهشل عن الضحاك (عن) عبد الله (ابن عباس) ورواه عنه أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي ونهشل. قال الذهبي في الضعفاء. قال ابن راهويه كان كاذبا والضحاك لم يلق ابن عباس ومن ثم قال المؤلف في درر البحار سنده واه اه الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 12 - (آفة العلم النسيان) قال التوربشتي: النسيان ترك ضبط ما استودع إما لضعف قلبه أو عن غفلة أو قصد. قال الماوردي: النسيان نوعان أحدهما ينشأ عن ضعف القوة المتخيلة عن حفظ ما يغفل عنه الذهن ومن هذا حاله قل على الأضداد احتجاجه وكثر إلى الكتب احتياجه وليس لمن بلي به إلا الصبر أو الإقلال لأنه على القليل أقدر وبالصبر أحرى وأن ينال ويظفر. وقال الحكماء: اتعب قدميك فكم تعب قدمك. وقالوا: إذا اشتد الكلف هانت الكلف والثاني يحدث عن غفلة التقصير وإعمال التواني فينبغي لمن ابتلي به استدراك تقصيره بكثرة الدرس وإيقاظ غفلته بإدامة النظر ومن ثم قيل أكمل الراحة ما كان عن كد التعب وأعز العلم ما كان عن ذل الطلب (وإضاعته) أي إهماله وإتلافه وإهلاكه (أن تحدث به غير أهله) ممن لا يفهمه أو لا يعمل به فتحديثك له به إهمال له أي جعلته بحيث صار مهملا أو إتلاف وإهلاك لعدم معرفته بما تحدثه به أو لعدم الانتفاع به وكذا من هو لاه أو متغافل أو مستخف به وهذا على الثاني استعارة بالكناية. وأخرج البيهقي عن وهب أن ذا القرنين لما بلغ مطلع الشمس قال له ملكها صف لي الناس قال: محادثتك من لا يعقل كلامك بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور وكمن يطبخ الحديد يلتمس أدمة. قال لقمان نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم. وأخرج البيهقي عن كثير الحضرمي لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك ولا بالباطل عند الحكماء فيمقتوك ولا تمنع العلم أهله فيأثم ولا تحدث به غير أهله فيحمقك إن عليك في علمك حقا كما أن عليك في مالك حقا (ش) وكذا ابن عبد البر في كتاب العلم (عن) أبي محمد سليمان بن مهران [ص: 53] (الأعمش) الكوفي الكاهلي تابعي ثقة جليل رأى بعض الصحابة ولم يثبت له منهم سماع وكان أكثر أهل عصره حديثا وأعلمهم بالفرائض وكان يسمى بالمصحف لصدقه (مرفوعا) إلى النبي (معضلا) وهو ما سقط من إسناده اثنان على التوالي وهو بفتح الضاد من أعضله أعياه فهو معضل فكأن المحدث الذي حدث به أعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه (وأخرج) ابن أبي شيبة (صدره فقط) وهو: " آفة العلم النسيان " (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (ابن مسعود موقوفا) أي مقصورا عليه فلم يتجاوز به إلى النبي وظاهر اقتصار المؤلف على عزوه لابن أبي شيبة من طريقه أنه لا يعرف لغيره وإلا لذكره تقوية له لكونه معلولا والأمر بخلافه فقد رواه بتمامه من هذا الوجه الدارمي في مسنده والعسكري في الأمثال عن الأعمش معضلا ورواه عنه ابن عدي من عدة طرق بلفظ: " آفة العلم النسيان وإضاعته أن تحدث به من ليس له بأهل " ورواه من طريق عن قيس بن الربيع بلفظ: " وإضاعته أن تضعه عند غير أهله " وروى صدره عن ابن مسعود أيضا موقوفا البيهقي في المدخل قال الحافظ العراقي ورواه بطين في مسنده من حديث علي بلفظ: " آفة العلم النسيان وآفة الجمال الخيلاء ورواه ابن عدي عن علي مرفوعا بلفظ: " آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان " فكان ينبغي للمؤلف الإكثار من مخرجيه إشارة إلى تقويته الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 13 - (آكل) بكسر الكاف اسم فاعل وزعم أنه بسكونها وهم (الربا) أي متناوله بأي وجه كان وعبر عنه بالأكل مجازا. قال الزمخشري: من المجاز فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه أي أطعمه الناس وأكلت أطفالي الحجارة انتهى. وبه يستغنى عن قولهم عبر بالأكل لأنه يأخذه ليأكله أو لأنه المقصد الأعظم من المال وهو بكسر الراء والقصر وألفه بدل من واو ويكتب بها وبياء وينسب إليه فيقال ربوي بالكسر. قال المطرزي: وفتح الراء خطأ. وهو لغة الزيادة وشرعا عقد على عوض معلوم مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما. وفي شرح المصابيح للقاضي: الربا في الأصل الزيادة ثم نقل إلى ما يؤخذ زائدا علي ما بذل في المعاملات وإلى العقد المشتمل عليه والمراد به ههنا القدر الزائد أي الذي تحقق وجوده من العقد المشتمل عليه وبهذا التأويل يردان معا ولكونه منهيا عنه لما فيه من أكل المال بالباطل على وجه مخصوص مع العلم والتعمد بعد ما أنزل الله فيه جازي آكله بلغته تنفيرا عنه وعليه يحمل خبر " لعن الله الربا وآكله " إذ اللعنة وإن كانت فيه واقعة على العقد باعتبار اشتماله على الزيادة لكن المراد العاقد لتحقق وقوع اللعنة على من تلبس بمحرم بتلبسه به إذ الربا معنى والمعاني لا تلعن حقيقة وإن عبر بها عن فاعل ذلك مجازا لكونها سببا انتهى. وهو كبيرة إجماعا ولم يحل في شريعة قط ولم يؤذن الله عاصيا بالحرب غير آكله. قال الحراني: يقع الإيثار فيه قهرا وذلك الجور الذي يقابله العدل الذي غايته الفضل فأجور الجور في الأموال الربا كالذي يقتل بقتيل قتيلين وبهذا اشتد الجور بين العبيد الذين حظهم التساوي في أمر بلغة الدنيا انتهى. وبه استبان أن تحريمه معقول المعنى خلافا لبعض الأعاجم لا تعبدي محض وزعم أن ما ذكر إنما يصلح حكمة لا علة ممنوع ولما كان تحريمه فيما بين العبد والرب كان فيه الوعيد بالإيذان بالحرب من الله ورسوله ولذلك حمى جميع ذرائعه أشد الحماية وأشدهم في ذلك عالم المدينة حتى إنه حمى من صورته مع الثقة بسلامة الباطن منه وعمل بضد ذلك في محرمات ما بين العبد ونفسه وكل من طفف في ميزان فتطفيفه ربا بوجه ما فلذلك تعددت أبوابه وتكثرت أسبابه (وموكله) مطعمه قال الخطيب: سوى بينهما في الوعيد لاشتراكهما في الفعل وتعاونهما عليه وإن كان أحدهما مغتبطا والآخر مهتضما ولله سبحانه وتعالى حدود فلا تتجاور عند الوجود والعدم والعسر واليسر فضرورة الموكل لا تبيح له أن يوكله الربا لإمكان إزالتها بوجه من وجوه المعاملة والمبايعة فإن فرض تعذره فعليه أن يتجوز عن صريح الربا بضرب من ضروب الحيل المعروفة انتهى. وحينئذ يظهر أنه لا كراهة فيها عند القائل [ص: 54] بأنها تنزيهية كالشافعية ولا حرمة عند غيرهم لأن الضرورات تبيح المحظورات (وكاتبه) الذي يكتب الوثيقة بين المترابين (وشاهداه) أي اللذان يتحملان الشهادة عليهما وإن لم يؤديا كما قاله بعض شراح مسلم وفي معناهما من حضر وأقره. قال: وإنما سوى بينهم في اللعن لأن العقد لا يتم إلا بالمجموع ولم يذكر في نسخ: " وشاهداه " وهي رواية النسائي وعليها فالمراد بالكاتب ما يشمل الشاهد لأنه شاهد وزيادة (إذا علموا ذلك) أي علم كل منهم أنه ربا وأن الربا حرام وهذا الشرط معتبر فيمن بعد هؤلاء أيضا. وإنما لم يؤخره لأنه إذا اشترط العلم في الربا مع اشتهار ذمة وإطباق الملل على تحريمه ففي غيره أولى ولو أخره ربما توهم عود الشرط لما وليه فقط وأطنب بتعدد المذكورين وتفصيلهم ليستوعب مزاولته مزاولة ما بأي وجه كان. ذكره الطيبي. قال: وهذا تصريح بتحريم الكتابة للمترابين والشهادة عليهما وتحريم الإعانة على الباطل (والواشمة) التي تغرز الجلد بنحو إبرة وتذر عليه نحو نيلة ليخضر أو يزرق وتأنيثه على إرادة التسمية فيشمل الرجل أو خص الأنثى لأنها الفاعلة لذلك غالبا لا لإخراج غيرها (والموشومة) المفعول بها ذلك (للحسن) أي لأجل التحسين ولو لحليل ولا مفهوم له لأن الوشم قبيح شرعا مطلقا لأنه تغيير لخلق الله وتجب إزالته حيث لم يخف مبيح تيمم (ولاوى) بكسر الواو (الصدقة) أي المماطل بدفع الزكاة بعد التمكن وحضور المستحق أو الذي لا يدفعها إلا بإكراه يقال لوى مدينه مطله ورجل لوى عسر يلتوي على خصمه (والمرتد) حال كونه (أعرابيا) بفتح وبياء النسبة إلى الجمع (بعد الهجرة) أي والعائد إلى البادية ليقيم مع الأعراب بعد ما هاجر مسلما والمراد أنه هاجر إذا وقع سهمه في الفيء ولزمه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع بعد هجرته أعرابيا كما كان وكان من رجع بعد هجرته بلا عذر يعد كالمرتد لوجوب الإقامة مع النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته وورد في خبر أنه كبيرة قال القاضي والحكمة في الهجرة أن يتمكن المؤمن من الطاعة بلا مانع ولا وازع ويتبرأ عن صحبة الأشرار المؤثرة بدوامها في اكتساب الأخلاق الذميمة والأفعال الشنيعة فهي في الحقيقة التحرز عن ذلك والمهاجر الحقيقي من يتحاشى عنها والأعرابي ساكن البادية والأعراب أهل البدو والأصح نسبتهم إلى عربة بفتحتين وهي من تهامة لأن أباهم إسماعيل نشأ بها كذا في المغرب. وفي المصباح: واحد الأعراب أعرابي بالفتح وهو من يكون ذو نجعة وارتياد للكلأ. زاد الأزهري هبه من الأعراب أو مواليهم (ملعونون) مطرودون عن مواطن الأبرار لما اجترحوه من ارتكاب هذا الفعل الشنيع الذي هو من كبار الآصار لأن اللعن إبعاد في المعنى والمكانة والمكان إلى أن يصير الملعون بمنزلة السفل في أسفل القامة يلاقى به ضرر الوطء ذكره الحراني. وأصل اللعن من الله تعالى إبعاد العبد من رحمته بسخطه ومن الآدمي الدعاء عليه بالسخط واللعن بالوصف جائز حتى لطائفة من عصاة المؤمنين كما هنا لكن ليس المراد به في حقهم الطرد عن رحمة الله بالكلية بل الإهانة والخذلان. ولهذا قال النووي: اتفق العلماء على تحريم اللعن فإن معناه الإبعاد عن الرحمة ولا يجوز أن يبعد منها من لا تعرف خاتمة أمره معرفة قطعية مسلما أو كافرا إلا من علم بنص أنه مات أو يموت كافرا كأبي جهل وإبليس. قال: وأما اللعن بالوصف كآكل الربا وموكله والفاسقين وغيرهم مما جاءت النصوص بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان فجائز. وفي شرح الهداية: اللعن نوعان: أحدهما الطرد عن رحمة الله وهذا ليس إلا للكافرين والثاني الإبعاد عن درجات الأبرار ومقام الأخيار وهو المراد في هذه الأخبار. والحاصل أن الطرد والإبعاد على مراتب في حق العباد وأن اللعن بالشخص بمعنى اليأس من الرحمة لا يجوز حتى لكافر إلا من علم بالنص أنه مات أو يموت كافرا ولا حجة للمجوز في خبر: " إذا دعى الرجل زوجته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة " لأنه كما قيل يحتمل كونه من خصائص المعصوم لأن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال بل لأن ذلك ليس من لعن المعين إذ التعيين إنما يحصل باسم أو إشارة ولعن الملائكة ليس من ذلك بل من اللعن بالوصف كأن يقول: اللهم العن من باتت هاجرة فراش زوجها (على لسان محمد) صلى الله عليه وسلم أي لعنا واردا على لسانه مما أوحى الله إليه أو بقوله (يوم [ص: 55] القيامة) أي يقول في الموقف إن الله أمرنا بإبعاد من اتصف بهذه الكبائر ومات مصرا عليها عن مواطن الأبرار ودرجات الأخيار ثم بعد ذلك قد يدركهم العفو بشفاعة أو دونها وقد يعذبون ومصير من مات مسلما إلى الجنة وإن فعل ما فعل وزاد في رواية (صلى الله عليه وسلم) وهي من الراوي لا من لفظ الرسول: وفيه أن هذه المذكورات من الكبائر ومن صرح بأن التعرب بعد الهجرة من الكبائر العلائي. وليوم القيامة أسماء كثيرة جمعها الغزالي ثم القرطبي فبلغت نحو ثمانين وهذا الترتيب مقصود فأعظم هؤلاء السبعة إثما آكل الربا لأنه مغتبط ثم مطعمه لأنه مضطر لذلك غالبا ثم كاتبه لأن إثمه إنما هو لإعانته على باطل ثم الشهود إقرارهما عليه (ن) في السير وغيرها وكذا أحمد والبيهقي (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (ابن مسعود) وفيه الحارث الأعور. قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد ولأبي يعلى والطبراني. وفيه الحارث الأعور ضعيف وقد وثق وعزاه المنذري لابن خزيمة وابن حبان وأحمد. ثم قال: رووه كلهم عن الحارث الأعور عن ابن مسعود إلا ابن خزيمة فعن مسروق عن ابن مسعود وإسناد ابن خزيمة صحيح انتهى. فأهمل المصنف الطريق الصحيح وذكر الضعيف ورمز لصحته فانعكس عليه. والحاصل أنه روي بإستادين أحدهما صحيح والآخر ضعيف فالمتن صحيح الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 14 - (آكل) بالمد وضم الكاف قال الزمخشري وحقيقة الأكل تناول الطعام. وقال الكرماني: بلع الطعام بعد مضغه (كما يأكل العبد) أي في القعود له وهيئة التناول والرضا بما حضر تواضعا لله تعالى وأدبا معه فلا أتمكن عند جلوسي له ولا أتكئ كما يفعله أهل الرفاهية ولا أنبسط فيه فالمراد بالعبد هنا الإنسان المتذلل المتواضع لربه (وأجلس) في حالة الأكل وغيرها (كما يجلس العبد) لا كما يجلس الملك فإن التخلق بأخلاق العبودية أشرف الأوصاف البشرية. وقد شارك نبينا في ذلك التشريف بعض الأنبياء واختصاصه إنما هو بالعبد المطلق فإنه لم يسم غيره إلا بالعبد المقيد باسمه: {واذكر عبدنا داود} وعبدنا أيوب فكمال العبودية لم يتهيأ لأحد من العالمين سواه وكمالها في الحرية عما سوى الله بالكلية. وقال الحراني: ومقصود الحديث الاغتباط بالرق والعياذ من العتق فذلك هو أول الاختصاص ومبدأ الاصطفاء والتحقق بالعبودية ثمرة ما قبله وأساس ما بعده وهذا أورده على منهج التربية لأمته فانه المربي الأكبر فإخباره عن نفسه بذلك في ضمن الإرشاد إلى مثل ذلك الفعل وأما في حد ذاته فيخالف الناس في العبادة والعادة تمكن للأكل أم لا أما في عبادته فلأنه يعبد ربه على مرأى منه ومسمع وأما في عادته فإنه سالك مسلك المراقبة فلو وقع لغيره في العبادات ما يقع له في العادات كان ذلك الإنسان سالكا مقام الإحسان وفيه أنه يكره الجلوس للأكل متكئا (ابن سعد) في الطبقات (ع حب) وكذا الحاكم في تاريخه (عن) أم المؤمنين (عائشة) بالهمز قال الزركشي: وعوام المحدثين يقرؤنه بياء صريحة وهو لحن وهي الصديقة بنت الصديق المبرأة من كل عيب الفقيهة العالمة العاملة حبيبة المصطفى قالت: قال لي يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب أتاني ملك إلى حجرة الكعبة. فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت كنت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا فأشار إلى جبريل: أن ضع نفسك فقلت: نبيا عبدا فكان بعد لا يأكل متكئا ويقول: " آكل كما يأكل العبد " إلى آخره. ورواه البيهقي عن يحيى بن أبي كثير مرسلا وزاد " فإنما أنا عبد " ورواه هناد عن عمرو بن مرة وزاد: " فوا الذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا كأسا " ولتعدد هذه الطرق رمز المؤلف لحسنه الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 15 - (آل محمد كل تقي) أي من قرابته كما بينه الحليمي لقيام الأدلة على أن آله من حرمت عليهم الصدقة أو المراد آله بالنسبة لمقام نحو الدعاء ورجحه النووي رحمه الله في شرح مسلم فالإضافة للإختصاص أي هم مختصون به اختصاص أهل الرجل به وعليه فيدخل أهل البيت دخولا أوليا كذا حرره بعض المتأخرين أخذا من قول الراغب: آل النبي صلى الله عليه وسلم أقاربه وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب مختص بالعلم [ص: 56] المتقن والعمل النافع المحكم فيقال لهم آل النبي وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمة محمد ولا يقال آله وكل آل النبي أمته ولا عكس. وقيل لجعفر الصادق: الناس يقولون: المسلمون كلهم آل النبي. قال: صدقوا وكذبوا. قيل: كيف؟ قال كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله والمتقي من يقي نفسه عما يضره في العقبى أو من سلك سبيل المصطفى ونبذ الدنيا وراء القفا وكلف نفسه الإخلاص والوفا واجتنب الحرام والجفا ولو لم يكن له فضل إلا قوله تقدس: {هدى للمتقين} لكفى لأنه تعالى بين في غير موضع أن القرآن هدى للناس وقال {هدى للمتقين} فكأنه قال: المتقون هم الناس وغير المتقي ليس من الناس. وقال الحراني: المتقي المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير غني بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته. والتقوى تجنب القبيح خوفا من الله وهي أصل كل عبادة ووصية الله لأهل الكتب بأسرها (طس) وكذا في الصغير وكذا ابن لال وتمام والعقيلي والحاكم في تاريخه والبيهقي (عن أنس) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آل محمد؟ فذكره. قال الهيتمي: وفيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف جدا. وقال البيهقي: هو حديث لا يحل الاحتجاج به. وقال ابن حجر: رواه الطبراني عن أنس وسنده واه جدا وأخرجه البيهقي عن جابر من قوله وإسناده واه ضعيف. وقال السخاوي: أسانيده كلها ضعيفة الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 16 - (آل القرآن) أي حفظته العاملون به (آل الله) أي أولياؤه. وأضيفوا إلى القرآن لشدة اعتنائهم به وأضيفوا إلى الله تشريفا. قال ابن عربي آل القرآن هم الذين يقرؤن حروفه من عجم وعرب ويعلمون معانيه وليس الخصوصية من حيث القرآن بل من حيث العلم بمعانيه فإن انضاف إلى حفظه والعلم بمعانيه العمل به فنور على نور. قال في الفائق: وأصل آل أهل ويختص على الأشهر بالإشراف كما هنا فلا يقال آل الخياط. وقال الراغب الآل مقلوب أهل وتصغيره أهيل لكنه خص بالإضافة إلى إعلام الناطقين دون النكرات والأزمنة والأمكنة (خط في) كتاب (رواه) الإمام (مالك) بن أنس من رواية محمد بن بزيع عن مالك عن الزهري (عن أنس) ابن مالك ثم قال مخرجه الخطيب وبزيع مجهول وفي الميزان خبر باطل وأقره عليه المؤلف في الأصل وقال غيره موضوع الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 17 - (آمروا) بالمد وميم مخففة مكسورة هكذا الرواية فمن شدد الميم لم يصب وإن صح معناه (النساء) اسم لجماعة إناث الأناسي الواحدة امرأة من غير لفظ الجمع (في بناتهن) أي شاوروهن في تزويجهن لأنه أدعى للألفة وأطيب للنفس. إذ البنات للأمهات أميل وقد يكون عند أمها رأي صدر عن علم بباطن حالها أو بالزوج. قال البيهقي: قال الشافعي: لم يختلف الناس أنه ليس للأمهات أمر لكنه على معنى استطابة النفس. وقال ابن العربي: هذا غير لازم إجماعا وإنما هو مستحب والمراد هنا الأم والجدات من جهة الأب ومن جهة الأم فإنها وإن استؤذنت قد تأذن حياء. قال في الكشاف: والائتمار والتشاور يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كلا منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر. وقال الراغب: الائتمار قبول الأمر ويقال للتشاور ائتمارا لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به والأمر طلب الفعل من الدون وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور تسمية المفعول به بالمصدر قال الزمخشري وهذا وما قبله خطاب مشافهة وهو كما قال القاضي وغيره شامل للموجودين وقت الخطاب ومن سيوجد إلى قيام الساعة إلا ما خص بدليل (د) في النكاح (هق) فيه كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وفي رواية إسماعيل بن أمية عن [ص: 57] الثقة عن ابن عمر في شأنهن بدل بناتهن ورمز المؤلف لحسنه الحديث: 17 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 18 - (آمروا) بضبط ما قبله (النساء) أي البالغات (في أنفسهن) جمع نفس من النفاسة ونفس الشيء ذاته وحقيقته ويقال للروح لأن أنفس الحي به وللقلب لأنه محل الروح أو متعلقه وللدم لأن به قوامها وللماء لشدة حاجتها له وللرأي في قولهم فلان يؤامر نفسه ذكره الزمخشري والمراد هنا الأول يعني شاوروهن في تزويجهن (فإن الثيب) فعيل من ثاب رجع لمعاودتها التزوج غالبا أو لأن الخطاب يثاوبونها أي يراسلونها ويعاودونها. قال الزمخشري: ويقال للرجل والمرأة ثيب وفي الصحاح رجل ثيب وامرأة ثيب. قال ابن السكيت: وهو الذي دخل بامرأته وهي التي دخل بها (تعرب) تبين وتوضح (عن نفسها) من أعربت عنه وعربته بالتنقيل بينته وأوضحته. قال في المصباح: يروى في المهموز ومن المثقل. وقال الزمخشري: أعربت عن حاجته تكلم بها واحتج لها (وإذن البكر) أي العذراء. قال في الصحاح: الذكر والأنثى فيه سواء. وفي المصباح: البكر خلاف الثيب رجلا أو إمرأة. قال القاضي: وتركيب البكر للأولية ومنه البكرة والباكورة. وقال الراغب: البكرة أول النهار وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار فقيل لكل متعجل بكر وسمى التي تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء (صمتها) أي سكوتها والأصل وصماتها كإذنها فشبه الصمات بالإذن شرعا ثم جعل إذنا مجازا ثم قدم مبالغة والمعنى هو كاف في الإذن وهذا كقوله " ذكاة الجنين ذكاة أمه " إذ أصله ذكاة أم الجنين ذكاة. وإنما قلنا أصله صماتها كإذنها لأنه لا يخبر عن الشيء إلا بما يصح كونه وصفا له حقيقة أو مجازا فلا يصح أن يكون إذنها مبتدأ لعدم صحة وصف الإذن بالسكوت لأنه يكون نفيا له فيصير المعنى إذنها مثل سكوتها وقبل الشرع كان سكوتها غير كاف فكذا إذنها فينعكس المعنى ذكره في المصباح وأفاد الخبر أن الولي لا يزوج موليته إلا بإذنها لكن الثيب يشترط نطقها والبكر يكفي سكوتها لما قام بها من شدة الحياء. وهذا عند الشافعي في غير المجبر أما هو فيزوج البكر بغير إذن مطلقا. وقال الأئمة الثلاثة: عقد الولي بغير إذن موقوف على إجازتها. والثيب عند الشافعي من وطئت في قبلها مطلقا وغيرها بكر فالثيب بغير وطء بكر عنده وعند أبي حنيفة وكذا بزنا ظاهر عندهما وطرده الشافعي في الخفي وجعل سبب الإجبار البكارة لا الصغر وعكس أبو حنيفة ومحل التفصيل كتب الفروع (طب هق) وكذا الحاكم في تاريخه (عن العرس) بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها مهملة (ابن عميرة) بفتح العين بضبط المؤلف كغيره الكندي روى عن ابن أخيه عدي وزهدم قيل مات في فتنة ابن الزبير ورمز المؤلف لحسنه وقضيته أنه لا يبلغ درجة الصحة وليس كذلك فقد قال الحافظ الهيتمي بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات هكذا جزم به الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 19 - (آمن) بالمد وفتح الميم (شعر أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت تصغير أمة عبد الله (بن أبي الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام ومثناة فوق وهو ربيعة بن وهب بن عوف ثقفي من شعراء الجاهلية مبرهن غواص على المعاني معتن بالحقائق متعبد في الجاهلية يلبس المسوح ويطمع في النبوة ويؤمن بالبعث وهو أول من كتب باسمك اللهم. وزعم الكلاباذي أنه كان يهوديا ويقال إنه دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد وأحوال القيامة والزهد والرقائق والحكم والمواعظ والأمثال. قال الزمخشري: كان داهية من دواهي ثقيف وثقيف دهاة العرب ومن دهائه ما هم به من ادعاء النبوة وكان جلابة للعلوم جوالا في البلاد (وكفر قلبه) أي اعتقد ما ينافي شعره المشحون بالإيمان والحكمة والتذكير بآلاء الله وأيامه فلم ينفعه ما تلفظ به مع جحود قلبه. روى مسلم عن عمرو بن الشريد قال: " ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل معك من شعر أمية؟ قلت: نعم فأنشدته مئة بيت فقال: لقد كاد أن يسلم في شعره " وروى ابن مردويه بإسناد قال ابن حجر قوي عن ابن عمر وفي قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} قال: نزلت في أمية بن أبي الصلت. وقال غيره في بلعام وعاش أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثا من قتل بها من الكفار ومات أيام حصار الطائف كافرا ومن نظمه: [ص: 58] مليك على عرش السماء مهيمن. . . لعزته تعثو الوجوه وتسجد ومنه قصيدة أخرى كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور ومنه أيضا مجدوا الله فهو للمجد أهل. . . ربنا في السماء أمسى كبيرا ومنه من أخرى يا رب لا تجعلني كافرا أبدا. . . واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا قال ابن حجر: فلذلك قال: آمن شعره. ومن نظمه أيضا يمدح ابن جدعان يطلب نائلة: أأذكر حاجتي أم قد كفاني؟ . . . حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما. . . كفاه من تعرضك الثناء كريم لا يغيره صباح. . . عن الخلق الجميل ولا مساء يباري الريح مكرمة وجودا. . . إذا ما الضب أجحره الشتاء وأخرج ابن عساكر وأبو حذيفة في المبتدأ عن أبي إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها وكانت ذات لب وكمال: هل تحفظين من شعر أخيك شيئا؟ قالت: نعم وأعجب ما رأيته كان أخي في سفر فلما انصرف دخل علي فرقد على السرير وأنا أحلق أديما في يدي إذ أقبل طائران أو كالطائرين فوقع على الكوة أحدهما ودخل الأخر فوقع عليه فشق ما بين ناصيته إلى عانته ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه فقال له الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى ثم رده مكانه فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين ثم ذهب فنبهته فقال: مالي أراك مرتاعة؟ فأخبرته فقال: خير ثم أنشأ يقول: باتت همومي تسري طوارقها. . . أكفكف عيني والدمع سابقها. . . مما أتاني من اليقين ولم أوت برأة يقص ناطقها. . . أو من تلظى عليه واقدة االنا. . . ر محيط بهم سرادقها أم أسكن الجنة التي وعد الأب. . . رار مصفوفة نمارقها. . . لا يستوي المنزلان ثم ولا ال أعمال لا تستوي طرائقها. . . هما فريقان فرقة تدخل الجن. . . ة حفت بهم حدائقها وفرقة منهم قد أدخلت النا. . . ر فساءت بهم مرافقها. . . تعاهدت هذه القلوب إذا همت بخير عاقت عوائقها. . . إن لم تمت غبطة تمت هرما. . . للموت كأس والمرء ذائقها وصدها الشقاء عن طلب الجن. . . ة دنيا الله ما حقها. . . عبد دعا نفسه فعاتبها يعلم أن المصير رامقها. . . ما رغبة النفس في الحياة وإن. . . تحيا قليلا فالموت لاحقها يوشك من فر من منيته. . . يوما على غرة يوافقها قالت: ثم انصرف إلى رحله فلم يلبث إلا قليلا حتى طعن في خاصرته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها. وأخرج الدينوري في المجالسة عن محمد بن إسماعيل بن طريح الثقفي عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعت ابن أبي الصلت عند وفاته وأغمي عليه قليلا ثم أفاق فرفع رأسه إلى سقف البيت فقال: لبيكما لبيكما. . . ها أنا ذا لديكما. . . لا عشيرتي تحميني ولا مالي يفديني ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال: كل عيش وإن تطاول دهرا. . . صائرا أمره إلى أن يزولا ليتني كنت قبل ما قد بدا لي. . . في رؤس الجبال أرعى الوعولا ثم فاضت نفسه. وأخرج ابن عساكر عن الزهري قال: قال أمية: ألا رسول لنا منا يخبرنا. . . ما بعد غايتنا من رأس مجرانا ثم خرج إلى البحرين فأقام مدة ثم قدم الطائف فقال: ما محمد؟ قالوا يزعم أنه نبي. فقدم عليه فقال: يا ابن عبد المطلب [ص: 59] أريد أن أكلمك فموعدك غدا فأتاه في نفر من أصحابه وأمية في جماعة من قريش فجلسوا في ظل البيت فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر ثم قال: أجبني فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم} حتى إذا فرغ منها وثب أمية فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية قال: أشهد أنه على الحق. قالوا: فهل نتبعه؟ قال: حتى أنظر. ثم خرج إلى الشام وقدم رسول الله المدينة فلما قتل أهل بدر أقبل أمية حتى نزل بدرا ثم ترحل يريد رسول الله فقيل له: ما تريد قال: محمدا قيل: وما تصنع به؟ قال: أومن به وألقي إليه مقاليد هذا الأمر قال: تدري من في القليب؟ قال: لا قال: فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خلف فجدع أذني ناقته وقطع ذنبها فرجع إلى مكة وترك الإسلام فقدم الطائف على أخته فنام عندها فإذا طائران فذكر نحو قصة أخته عنه وأنه مات عقب ذلك <تنبيه> هذا الحديث قد يعارضه الحديث الآتي: " عند الله علم أمية بن أبي الصلت " وقد يقال قال ذلك أولا ثم أوحي إليه بعد ذلك بأنه مات كافرا. وأراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد سمي قلبا للتقلب والتقليب وللطيف معناه في ذلك كان أكثر قسم النبي بمقلب القلوب. قال الغزالي: وحيث ورد في القرآن أو السنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن لكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب. والشعر النظم الموزون وحده ما تركب تركيبا متقاصدا وكان مقفى موزونا مقصودا به ذلك فما خلا من هذه القيود أو بعضها لا يسماه ولا يسمى قائله شاعرا لأخذه من شعرت إذا فطنت وعلمت وسمي شاعرا لفطنته وعلمه فإذا لم يقصده فكأنه لم يشعر به ذكره في المصباح (أبو بكر) محمد بن القاسم (بن) محمد بن بشار (الأنباري) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة نسبة إلى بلدة قديمة على الفرات على عشرة فراسخ من بغداد وكان علامة في النحو واللغة والأدب قال (في) كتاب (المصاحف) حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن حمزة البلخي حدثنا محمد بن عمرو الشيباني عن أبي عمرو الشيباني عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة قلت لابن عباس: أرأيت ما جاء عن النبي في أمية بن أبي الصلت؟ آمن شعره وكفر قلبه؟ فقال هو حق فما أنكرتم منه ذلك قلت قوله في الشمس: إلا معذبة وإلا تجلد من قوله: والشمس تطلع كل آخر ليلة. . . حمراء يصبح لونها يتورد تأنى فما تطلع لنا في رسلها. . . إلا معذبة وإلا تجلد فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك فتشعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها (خط وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) بإسناد ضعيف. ورواه عنه أيضا الفاكهي وابن منده وسببه أن الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعر أمية فذكره الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 20 - (آمين) صوت سمي به الفعل الذي هو استجب مبني على الفتح كأين لالتقاء الساكنين يمد ويقصر وأصله القصر ومد ليرتفع الصوت بالدعاء ذكره ابن خالويه وزعم ابن داستويه أن القصر غير معروف وإنما قصر الشاعر في قوله: تباعد عنا فطحل إذ سألته. . . أمين فزاد الله ما بيننا بعد للضرورة. قال ابن الكمال: وهو وهم إذ لا ضرورة فإنه لو قدم الفاء وقيل:. . . فآمين زاد الله ما بيننا بعدا. . . اندفعت الضرورة وتشديد ميمه لحن وربما فعله العامة وأما {ولا آمين البيت الحرام} فمعناه قاصدين (خاتم) بفتح التاء وكسرها وفيه عشر لغات ذكر منها خمسة ابن مالك في بيت واحد (رب العالمين) أي هو خاتم دعاء رب العالمين بمعنى أنه يمنع الدعاء من فساد الخيبة والرد كما أن الطابع على الكتاب يمنع فساد ظهور ما فيه على الغير ذكره التفتازاني. وفي خبر أبي داود أن المصطفى [ص: 60] صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو فقال: " أوجب إن ختم بآمين " والرب مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وصف به الفاعل مبالغة وصف بالعدل وقيل صفة مشبهة سمي به المالك لكونه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كرب الدار. ثم إن ربوبيته تعالى بمعنى الخالقية والمالكية والمعبودية عامة وبمعنى التربية والإصلاح خاصة تتفاوت بسبب أنواع الموجودات فهو مربي الأجساد بأنواع نعته ومربي الأرواح بأصناف كرمه ومربي نفوس العابدين بأحكام الشريعة ومربي قلوب العارفين بآداب الطريقة ومربي أسرار الأبرار بأنواع الحقيقة. والعالمين جمع عالم وهو من كلام أهل اللسان اسم لنوع من المخلوقين فيه علامة يمتاز بها عن خلافه من الأنواع كملك وإنس وجن وهو جمع لا واحد له من لفظه. قال الشريف: ويطلق على كل جنس لا فرد فهو للقدر المشترك بين الأجناس (على لسان عباده المؤمنين) أي هو طابع الله على نطق ألسنة عباده لأن العاهات والبلايا تندفع به إذ الختم الطبع أي الأثر الحاصل عن نفس ويتجوز به عن الاستيثاق من الشيء والمنع منه نظرا إلى ما يحصل بالختم على الكتب والأبواب من المنع فالختم جار مجرى الكتابة عن حفظه وإضافة المؤمنين إليه للتشريف. وذكر ابن المنير عن الضحاك أن آمين أربعة أحرف مقتطعة من أسماء الله تعالى وهو خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة وأهل النار وهي الجائزة التي تجيز أهل الجنة والنار وخرج بالمؤمنين الكافرون فختمهم إياه بآمين لا يمنعه من الخيبة والحرمان بل ذهب جمع إلى عدم استجابته تمسكا بظاهر قوله تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} لكن الجمهور على خلافه (عد طب في) كتاب (الدعاء) وكذا الديلمي وابن مردويه (عن أبي هريرة) وفيه مؤمل الثقفي أورده الذهبي في الضعفاء عن أبي أمية ابن يعلى الثقفي لا شيء. ومن ثم قال المؤلف في حاشية الشفاء: إسناده ضعيف ولم يرمز له هنا بشيء الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 21 - (آية الكرسي) أي الآية التي ذكر فيها الكرسي فلذكره فيها سميت به وضم كافه أشهر من كسرها (ربع القرآن) لاشتماله على التوحيد والنبوات وأحكام الدارين وآية الكرسي ذكر فيها التوحيد فهي ربعه بهذا الاعتبار والقول بأن المراد أن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ربعه بغير تضعيف أو به متعقب بالرد ويأتي في حديث أنها سيدة آي القرآن أي باعتبار آخر والآية في الأصل العلامة الظاهرة قال: توهمت آيات لها فعرفتها. . . لستة أعوام وذا العام سابع وتقال للمصنوعات من حيث دلالتها على الصانع تعالى وعلمه وقدرته ولكل طائفة من كلمات القرآن المميزة عن غيرها بفصل. سميت به لأنها علامة اقتطاع كلام عن كلام وتستعمل في المحسوس كعلامة الطريق والمعقول كالحكم الواضح ويقال لكل جملة دلت على حكم من الأحكام آية ولكل كلام منفصل بفصل لفظي آية وللمعجزة آية لدلالتها على صدق من ظهرت بسببه والقرآن لغة الجمع نقل إلى المجموع المتواتر المفتتح بالفاتحة المختتم بالمعوذتين ويطلق على القدر المشترك بينه وبين بعض أجزائه وعلى الكلام النفسي القائم بأنه الأقدس المدلول عليه بالألفاظ (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان بمهملة فمثناة تحتية مشددة وكذا الطبراني (في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال والديلمي (عن أنس) وفيه ابن أبي فديك عن سلمة ابن وردان وسلمة أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقد حسنه المؤلف ولعله لاعتضاده الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 22 - (آية ما بيننا) لفظ رواية الحاكم بإسقاط ما وتنوين آية أي علامة التمييز بيننا أيها المؤمنون (وبين المنافقين) الذين أمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم والمنافق أصله من يظهر ما يبطن خلافه لكنه غلب على من يظهر الإسلام ويبطن الكفر (أنهم لا يتضلعون) لا يكثرون (من) شرب (ماء) بئر (زمزم) حتى تتمدد جنوبهم وضلوعهم [ص: 61] كراهة له بعد ما علموا ندب الشارع إلى شربه والإكثار منه. والرغبة في الاستكثار منه عنوان الغرام وكمال الشوق فإن الطباع تحن إلى مناهل الأحبة ومواطن أهل المودة وزمزم منهل المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومحل تنزل الرحمات وفيض البركات فالمتعطش إليها والممتلئ منها قد أقام شعار المحبة وأحسن العهد إلى الأحبة فلذلك جعل التضلع منها علامة فارقة بين النفاق والإيمان. ولله در القائل: وما شغفي بالماء إلا تذكرا. . . لماء به أهل الحبيب نزول ثم إن ما أوهمه ظاهر اللفظ من أن من لم يشرب منها مع تمكنه يكون منافقا وإن صدق بقلبه غير مراد بل خرج ذلك مخرج الترغيب فيه والزجر والتنفير عن الزهادة فيه على أن العلامة تطرد ولا تنعكس فلا يلزم من عدم العلامة عدم ما هي له والبين البعد. وقال الحراني: حد فاصل في حس أو معنى. والنفاق اسم إسلامي لا تعرفه العرب بالمعنى المقرر. والتضلع الإكثار والامتلاء شبعا وريا وزمزم معروفة سميت به لكثرة مائها أو لضم هاجر لمائها حين انفجرت أو لزمزمة جبريل أي تكلمه عند فجره لها أو لأنها زمت بالتراب لئلا تأخذ يمينا أو شمالا أو لغير ذلك ولها أسماء كثيرة وماؤها أشرف مياه الدنيا والكوثر أشرف مياه الآخرة (تخ هـ ك) من حديث إسماعيل بن زكريا عن عثمان ابن الأسود عن ابن (عباس) قال عثمان: جاء رجل إلى ابن عباس. قال: من أين جئت؟ قال: من مكة. قال: شربت من ماء زمزم؟ قال: شربت. قال: شربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف؟ قال: إذا أردت أن تشرب منها فاستقبل البيت واذكر اسم الله واشرب وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره. ثم قال الحاكم إن كان عثمان سمع من ابن عباس فهو على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال: والله ما لحقه. مات عام خمسين ومئة وأكبر مشيخته ابن جبير. وقال ابن حجر حديث حسن انتهى. ورواه الطبراني عن الحبر باللفظ المزبور. قال الهيتمي بإسنادين رجال أحدهما ثقات انتهى. والحاصل أن بعض أسانيده رجاله ثقات لكن فيه انقطاع الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 23 - (آية العز) أي القوة والشدة والصلابة فمنة {فعززنا بثالث} أو الأنفة ومنه {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة} أو الغلبة والمنعة ومنه {بل الذين كفروا في عزة} أي ممانعة {أيبتغون عندهم العزة} أي المنعة والمراد هنا من العلامات الدالة على قوة إيمان الإنسان وشدته في دين الله ملازمته لتلاوة هذه الآية مع الإذعان لمدلولها وأنه بذلك يصير قويا شديدا وقيل المراد أن هذه الآية تسمى أية العز لتضمن قوله فيها {ولم يكن له ولي من الذل} لذلك أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر لأنه العزيز المعز {وقل الحمد لله} أي الوصف بالجميل لله (الآية) كما ذكره في هذا الكتاب والظاهر أنه من تصرفه فأتى بلفظ الآية اختصارا أو اتكالا على حفظ الناس لها فإن الآية بكمالها ثابتة في الحديث كما يحيط به من سبر الروايات ووقف على الأصول ويشهد لكونه إنما حمله على حذفها رعاية الإيجاز أنه أتى بها في جامعه الكبير ولم يذكر لفظ الآية. " فقال وآية العز وقل الحمد لله " (الذي) قال الحراني اسم مبهم مدلوله ذات موصوفة بوصف يعقب به وهي الصلة اللازمة (لم يتخذ ولدا) أي لم يسم أحد له ولدا وأما التولد فمما لا يتصوره عقل ومعنى الحمد لله لعدم الولد احمدوه حيث برئ من الأولاد فتكون منافعه كلها للعباد (ولم يكن له شريك) أي مشارك (في الملك) أي الألوهية وهذا كالرد على اليهود والمشركين (ولم يكن له ولي) ناصر يواليه (من) أجل (الذل) أي المذلة ليدفعها بمناصرته ومعاونته فلم يحالف أحدا ولا ابتغى نصرة أحد لأن من احتاج إلى نصرة غيره فقد ذل له وهو الغالب القاهر فوق عباده وهذا رد على النصارى والمجوس القائلين لولا أولياء الله لذل فنفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا أو اضطرارا أو ما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك ولهذا عطف عليه قوله (وكبره) أي عظمه عن كل ما لا يليق به (تكبيرا) تعظيما تاما عارفا أو اعرف وصفه بأنه أكبر من أن يكون له ولد أو شريك أو ولي من الذل. وفيه تنبيه على أن [ص: 62] العبد وإن بالغ في التزيه والتحميد واجتهد في العبادة والتمجيد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه تعالى في ذلك ولعظمة هذه الآية ختمت بها التوراة كما رواه ابن جرير وغيره عن كعب قال المؤلف وتسن قراءتها عند النوم وتعليمها للأهل والعيال لأثر فيه (حم طب عن معاذ) بضم الميم وفتح المهملة فمعجمة (ابن أنس) الجهني صحابي سكن مصر روى عنه ابنه سهل أحاديث كثيرة. قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف: وقال الهيتمي: رواه أحمد والطبراني من طريقين في أحدهما رشدين بن سعد وهو ضعيف وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه وقد رمز المؤلف لحسنه الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 24 - (آية) وفي رواية الطبراني في الأوسط من حديث أبي بكر " آيات " وهي مبينة لكون المراد الجنس (الإيمان) كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره (حب) بضم المهملة (الأنصار) أي علامات كمال إيمان الإنسان أو نفس إيمانه حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه من إيواء نبيه ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم ولا يلزم منه ترجيحهم على المهاجرين الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم وحرموا أموالهم حبا له وروما لرضاه كما يعرف مما يجيء وقوله " آية " بهمزة ممدودة ومثناة تحتية مفتوحة وتاء تأنيث " والإيمان " مجرور بالإضافة. قال ابن حجر: هذا هو المعتمد في جميع الروايات وقول الكعبري بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء والإيمان بالرفع تصحيف فاحش والمحبة لغة ميل القلب إلى الشيء لتصور كماله فيه لكن ليس المراد بالميل هنا ما يستلذه بحواسه كحسن الصورة بل الميل لما يستلذه بعقله إما لإحسانه كجلب نفع ودفع ضر أو لذاته كمحبة الفضل والكمال. ومن ثم قال القاضي المراد بالحب هنا العقلي وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الداء بطبعه فينفر عنه ويميل له بعقله واللام للعهد أي أنصار الرسول سماهم أنصارا أخذا من قوله تعالى {والذين آووا ونصروا} فصار علما بالغلبة وهم وإن كانوا ألوفا لكن استعمل فيهم جمع القلة لأن اللام للعموم والتفرقة إنما هي في النكرات (وآية النفاق) بالمعنى الخاص (بغض الأنصار) صرح به مع فهمه مما قبله لاقتضاء المقام التأكيد ولم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده لأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان وباطنه الكفر فميزه عن ذوي الإيمان الحقيقي فلم يقل آية الكفر لكونه غير كافرا ظاهرا وخص الأنصار بهذه المنقبة العظمى لما امتازوا به من الفضائل المارة فكان اختصاصهم بها مظنة الحسد الموجب للبغض فوجب التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم وأبرز ذلك في هذين التركيبين للحصر لأن المبتدأ والخبر فيهما معرفتان فجعل ذلك آية الإيمان والنفاق على منهج القصر الادعائي حتى كأنه لا علامة للإيمان إلا حبهم وليس حبهم إلا علامته ولا علامة للنفاق إلا بغضهم وليس بغضهم إلا علامته تنويها بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم وإن كان من شاركهم في المعنى مشاركا لهم في الفضل كل بقسطه ثم إنه لا دلالة في الخبر على أن من لم يحبهم غير مؤمن إذ العلامة - ويعبر عنها بالخاصة - تطرد ولا تنعكس فلا يلزم من عدم العلامة عدم من هي له أو المراد الإيمان الكامل أو يحمل البغض على التقييد بالجهة فبغضهم من جهة كونهم أنصار المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يجامعه التصديق فيكون من أبغضهم منافقا حقيقيا أو اللفظ خرج مخرج الزجر والتحذير كما يشهد له ما مر من مقابلة الإيمان بالنفاق دون ضده إرشادا إلى أن المخاطب بالترغيب والترهيب مظهر الإيمان لا الكفر لارتكابه أقبح من ذلك. وقول ابن المنير المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لأن ذلك إنما يكون للدين وأما من أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البعض له فغير داخل في ذلك تعقبه المؤلف <تنبيه> قال الذهبي: أبناء الأنصار ليسوا من الأنصار كما أن أبناء المهاجرين ليسوا من المهاجرين ولا أولاد الأنبياء بأنبياء ويوضحه حديث " اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء الأنصار " قال: وبغض الأنصار من الكبائر (حم ق) في الإيمان (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 [ص: 63] 25 - (آية المنافق) أي علامته (ثلاث) من الخصال أخبر عن آية بثلاث باعتبار إرادة الجنس أي كل واحد منها أو لأن مجموع الثلاث هو الآية. قال ابن حجر: ويرجح الأول رواية أبي عوانة بلفظ علامات المنافق ثلاث الأولى (إذا حدث كذب) أي أخبر بخلاف الواقع (و) الثانية (إذا وعد) أحدا بخير في المستقبل (أخلف) أي جعل الوعد خلافا بأن لا يفي به لكن لو كان عازما على الوفاء فعرض مانع فلا إثم عليه كما يجيء في خبر أما الشر فيندب إخلافه بل قد يجب ما لم يترتب على ترك إخلافه مفسدة (و) الثالثة (إذا ائتمن) بصيغة المجهول أي جعل أمينا وفي رواية بتشديد التاء بقلب الهمزة الثانية واوا وإبدال تاء والإدغام (خان) في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقص ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو وصح عطف الوعد على ما قبله لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث فتغايرا أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث على وجه الادعاء لزيادة قبحه كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء بأنه نوع آخر لزيادة شرفه قال: فإن تفق الأنام وأنت منهم. . . فإن المسك بعض دم الغزال وخص هذه الثلاث لاشتمالها على المخالفة في القول والفعل والنية التي هي أصول الديانات فنبه على فساد القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة وفساد النية بالخلف وليس يتجه عليه أن يقال هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه أو الإنذار والتخويف أو الاعتياد والاضطرار ومصيره ديدنا وخلقا كما يؤذن به حذف المفعول من حدث لدلالته على العموم فكأنه قال إذا حدث في كل شيء كذب فيه وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي صلى الله عليه وسلم عموما حدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في المال فخانوا أو منافق خاص وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره بل يستر فيقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا " ونحو ذلك أو يقال النفاق ضربان شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان وعرفي وهو أن يكون سره خلاف علانيته وهو المراد هنا. قال الكرماني وتبعه ابن حجر. وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي (حكى) أن رجلا من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال: سمعت الحسن يقول: من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق. فقال له عطاء: إذا رجعت إليه فقل له: عطاء يقرئك السلام ويقول لك: ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين؟ ففعل فسر الحسن وقال: جزاه الله خيرا. وقال لأصحابه: إذا سمعتم مني حديثا فاصنعوا كما صنع أخوكم. حدثوا به العلماء فما كان صوابا فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه علي. ثم إنه لا منافاة بين قوله: " ثلاث " وقوله في خبر يجيء: " أربع " بزيادة: " إذا عاهد غدر " فرب شيء واحد له علامات كل منها تحصل بها صفته شيئا وقد تكون العلامة واحدا وقد تكون أشياء أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة بإدخال " إذا عاهد غدر " في " إذا ائتمن خان " (ق) وكذا أحمد (ت ن) كلهم في باب الإيمان (عن أبي هريرة) زاد مسلم في روايته عنه عقب ثلاث: " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم " أي وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 26 - (آية) بالتنوين (بيننا وبين المنافقين) نفاقا عمليا وأطلق عليهم اسم النفاق مبالغة في التهديد على ترك حضور الجماعة (شهود) أي حضور أي ترك حضور جماعة (العشاء) بكسر العين والمد لغة أول الظلام سميت به الصلاة لفعلها حينئذ (والصبح) بضم الصاد لغة أول النهار سميت به الصلاة [ص: 64] لمثل ما ذكر ثم وجه ذلك بقوله (لا يستطيعونهما) أي فإنما نحن نستطيع فعلهما بنشاط وانبساط فلا كلفة علينا في حضور المسجد لصلاتهما جماعة وأما هم فثقيلتان عليهم فلا يستطيعون فعلهما بخفة ونشاط كما يوضحه حديث الشيخين: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والصبح " وذلك لأن العشاء وقت استراحة والصبح وقت لذة النوم صيفا وشدة البرد شتاء وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات لنيل الدرجات لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق وتستلذ بسببه المتاعب لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم والخلاص من العذاب الأليم ومن ثم كانت قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل شدته بل تصير لذته ولم يبال بما يلقى من مؤنته. ومن أحب شيئا حق محبته أحب احتمال محنته حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروبا من اللذة. ألا ترى جاني العسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل؟ والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي؟ والفلاح لا يتكدر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة المشاق والكد طول السنة لما يتذكر من أوان الغلة فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها وأنواع نعيمها هان عليه ما يتحمله من مشقة هاتين الصلاتين وحرص عليهما بخلاف المنافق. وأفاد قوله في حديث الشيخين: " أثقل " أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين قال تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} وأن بعضها أثقل من بعض. واعلم أن المنافق يصلي: لكن من حيث العادة لا القيام بالعبادة فهو لما أضمره في نفسه من كراهة الصلاة لا يرائي بها بل يصليها في بيته <تنبيه> قال بعض العارفين لزوم الصبح في جماعة يسهل أسباب الدنيا الصعبة والعصر والعشاء فيها يورث الزهد ويقمع النفس عن الشهوات ويصحح الاعتقاد مع ما فيه من سلوك الأدب مع الله حال قسمته أرزاق العباد فإنهم تقسم أرزاقهم المحسوسة بعد الصبح والمعنوية بعد العصر والعشاء (ص) وكذا البيهقي في الشعب (عن) أبي محمد (سعيد بن المسيب مرسلا) بفتح المثناة تحت ويجوز كسرها كما في الديباج والأول أشهر وهو رأس التابعين ورئيسهم وعالمهم وفردهم وفقيههم. قال مكحول: طفت الأرض فما لقيت أعلم منه وقد أفردت مناقبه بالتأليف وهذا الحديث إسناده صحيح الحديث: 26 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 27 - (آيتان) تثنية آية وهو مبتدأ والخبر قوله (هما قرآن) أي من القرآن (وهما يشفيان) المؤمن من الأمراض الجسمانية والنفسانية بمعنى أن قراءتهما على المريض بإخلاص وهمة صادقة وقوة يقين تزيل مرضه أو تخففه. قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء} (وهما مما يحبهما الله) القياس وهما مما يحبه الله ولعل التثنية من بعض الرواة وهما (الآيتان) فهو خبر مبتدأ محذوف ويجوز جعله بدلا مما قبله (من آخر) سورة (البقرة) ومن بيانية أو للتأكيد ولجلالتهما ومحبته لهما أنزلهما من كنز تحت العرش. وروى ابن الضريس وغيره عن ابن المنكدر مرفوعا أنهما " قرآن ودعاء ويدخلن الجنة ويرضين الرحمن " وسميت البقرة لأن مقصودها إقامة الدليل على أن الكتاب هدى وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب ويجمعه الأيمان بالآخرة ومداره على الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصة البقرة فسميت بها وكانت بذلك أحرى من قصة إبراهيم لأنها في نوع البشر وما تقدمها في قصة بني إسرائيل من الإحياء بعد الإماتة بالصعق لأن الإحياء في قصة البقرة عن سبب ضعيف في الظاهر وقد ورد في فضل الآيتين نصوص كثيرة وفيه رد على من كره أن يقال البقرة أو سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة. وقول ابن الكمال لا حجة فيه لأن ما يكره من الأمة قد لا يكره من النبي صلى الله عليه وسلم غير سديد لأنا مأمورون بالإقتداء به في أقواله وأفعاله حتى يقوم دليل التخصيص (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني فإن كان البردى فصدوق أو الكيال فوضاع كما في الميزان الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 [ص: 65] 28 - (ائت) يا إنسان فهو خطاب عام من باب قوله: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته. . . وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فهذا وأمثاله خطاب لجميع الأمة بحيث لا يختص به أحد دون أحد وقس عليه نظائره (المعروف) أي افعله (واجتنب المنكر) لا تقربه. قال القاضي: والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه عنده. قال الراغب: والإتيان يقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير وفي الخير وفي الشر وفي الأعيان والأعراض ومنه: {إنه كان وعده مأتيا} وقولهم ائت المروءة من بابها (وانظر) أي تأمل يا إنسان (ما يعجب أذنك) أي الشيء الذي يسرك سماعه ويعظم في قلبك وقعه من أعجب بكذا إذا سره. فإن قلت هلا اقتصر على قوله " يعجبك " وما فائدة ذكر الأذن والنفس هي المعجبة لا الأذن؟ قلت: لما كان الاستحسان مقترنا بالسماع أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الخارجة التي يعمل بها أبلغ. ألا تراك تقول: إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي. قال الراغب: والأذن الجارحة المعروفة وتستعار لمن أكثر استماعه وقبوله لمن يسمع نحو: {ويقولون هو أذن} (أن يقول لك القوم) أي فيك وعبر عنه بذلك نظرا إلى أنه إذا بلغه فكأنه خوطب به وهذا بيان لما أو بدل منه (إذا أقمت من عندهم) أي فارقتهم أو فارقوك يعني انظر إلى ما يسرك أن يقال عنك وفيك من ثناء حسن وفعل جميل ذكروك به حال غيبتك (فأته) أي افعله والزمه. قال في الكشاف: والقوم مؤنثة وتصغيرها قويمة (وانظر الذي) أي وتأمل الشيء الذي (تكره أن يقول لك القوم) أي فيك (إذا قمت من عندهم) من وصف ذميم كظلم وشح وسوء خلق (فاجتنبه) لقبحه ونبه بذلك على ما يستلزمه من كف الأذى والمكروه عن الناس وأنه كما يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته ينبغي له إذا كانت لأخيه عنده مظلمة أن يبادر لانتصافه من نفسه وإن كانت عليه فيها صعوبة ومن ثم قيل للأحنف: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من نفسي كنت إذا كرهت شيئا من غيري لا أفعل مثله بأحد ومصداقه في كلام الله القديم ففي الإنجيل: كلما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوه أنتم بهم هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى. وأخرج البيهقي عن الحسن أن موسى سأل ربه جماعا من الخير فقال: اصحب الناس بما تحب أن تصحب به. وأخرج عن ابن مسعود من أحب أن ينصف الناس من نفسه فليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه. وقال الأحنف: من أسرع الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. وقال الحكماء: من قل توقيه كثرت مساويه. والحاصل أن المنهج القويم الموصل إلى الصراط المستقيم والثناء العظيم أن يستعمل الإنسان فكره وقريحته فيما تنتج عنه الأخلاق المحمودة منه ومن غيره ويأخذ نفسه بما حسن منها واستملح ويصرفها عمن استهجن واستقبح فقد قيل كفاك تهذيبا وتأديبا لنفسك وترك ما كرهه الناس منك ومن غيرك. قيل لروح الله عيسى: من أدبك. قال: ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فتجنبته. وقال الشاعر: إذا أعجبتك خلال امرئ. . . فكنه تكن مثل من يعجبك وليس على المجد والمكرما. . . ت إذا جئتها حاجب يحجبك وقالوا: من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق حقا وقال الشاعر: لا تلم المرء على فعله. . . وأنت منسوب إلى مثله من ذم شيئا وأتى مثله. . . فإنما دل على جهله (خد وابن سعيد) في طبقاته (و) أبو القاسم (البغوي) نسبة إلى قصبة بن مرو وهراة يقال لها بغ وبعثور (في معجمه) أي معجم الصحابة (و) أبو منصور (الباوردي) بفتح الموحدة وآخره دال مهملة نسبة إلى بلد بنواحي خراسان يقال لها أيبورد وخرج منها جماعة من الفضلاء والمحدثين منهم هذا (في المعرفة) أي كتاب معرفة الصحابة (هب عن حرملة) بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الميم (ابن عبد الله بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وربما نسب إلى جده [ص: 66] فظن أنه غيره وليس كذلك كما نبه ابن حجر كغيره وهو التميمي العنبري الصحابي كان من أهل الصفة ونزل البصرة. قال: " قلت يا رسول الله ما تأمرني به أعمل؟ فقال: ائت " إلى آخره وكرر ذلك فكرر وكان من العباد قال البغوي كان له مقام قد غاصت فيه قدماه لطول المقام (وماله) أي لحرملة (غيره) أي لم يرو غير هذا الحديث يعني لا تعرف له رواية غيره ولو عبر بذلك كان أولى على أن ظاهر كلام ابن حجر خلاف ذلك وفيه عبد الله بن رجاء أورده الذهبي في ذيل الضعفاء. وقال: قال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة. وقال أبو حاتم ثقة انتهى لكن كلام الحافظ ابن حجر مصرح بحسن الحديث فإنه قال: حديثه يعني حرملة في الأدب المفرد للبخاري ومسند الطيالسي وغيرهما بإسناد حسن وما جرى عليه المؤلف من أن اسم جده أوس ومن تبع فيه ابن منده وأبا نعيم لكن قال ابن عبد البر وغيره إنما هو إياس وقضية كلام ابن حجر ترجيحه فإنه جزم به ابن إياس أولا ثم قال وقيل ابن أوس الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 29 - (ائت حرثك) أي محل الحرث من حليلتك وهو قبلها إذ هو لك بمنزلة أرض تزرع قال الزمخشري: شبهن بالمحارث لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل وقوله {فأتوا حرثكم} معناه ائتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون حرثها؟ قال: ومن المجاز كيف حرثك؟ أي امرأتك قال: إذا أكل الجراد حروث قوم. . . فحرثي همه أكل الجراد (أنى شئت) أي كيف ومتى وحيث شئت ومن أي جهة شئت لا يخطر عليك جهة دون جهة عمم جميع الكيفيات الموصلة إليه إيماء إلى تحريم مجاورة ما سوى محل البذر لما فيه من العبث بعدم المنفعة فوسع الأمر إزاحة للعلة في إتيان المحل المنهي عنه. وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات البديعة قال الطيبي: وذلك أنه يبيح لهم أن يأتوهن من أي جهة شاؤا كالأراضي المملوكة وبذلك عرف سر تعبيره بأنى المفيدة لتعميم الأحوال والأمكنة والأزمنة. وما ذكر من أن الدبر حرام هو ما استقر عليه الحال وعليه الإجماع الآن في الجملة. وذهب شرذمة من السلف إلى حله تمسكا بأن هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث باب ورد على سبب وهو كما في معجم الطبراني عن ابن عمر أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر ذلك الناس فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية. قال الهيثمي: فيه يعقوب بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ثم هذا عام مخصوص بغير حال نحو حيض وصوم وإحرام (وأطعمها) بفتح الهمزة أي الزوجة المعلومة من مرجع الضمير المعبر عنه بالحرث (إذا طعمت) بتاء الخطاب وكذا قوله (واكسها) بوصل الهمزة وسكون الكاف وضم المهملة وكسرها (إذا اكتسيت) قال القاضي وبتاء التأنيث فيهما غلط. والكسوة بالكسر اللباس والضم لغة يقال كسوته إذا ألبسته ثوبا. قال الحراني الكسوة رياش الآدمي الذي يستر ما ينبغي ستره من ذكر وأنثى وعبر " بإذا طعمت " إشارة إلى أنه يبدأ بنفسه للخبر الآتي: " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " وفيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وهو إجماع والواجب في النفقة عند الشافعي مدان على الموسر ومد ونصف على المتوسط ومد على المعسر حبا سليما من غالب قوت بلدها مع الأدم من غالب أدم البلد وفي الكسوة قميص وسروال وإزار وخمار ونعل ويزاد في الشتاء جبة أو أكثر بحسب الحاجة ومحل بسطه كتب الفقه وفيه ندب مؤاكلة الزوجة خلافا لما يفعله الأعاجم ترفعا وتكبرا وإنه إن أكل بحضرتها بعد دفع الواجب لها ينبغي أن يطعمها مما يأكل جبرا وإيناسا (ولا تقبح) بفوقية مضمومة وقاف مفتوحة وموحدة مشددة (الوجه) أي لا تقل إنه قبيح. ذكره الزمخشري: وقال القاضي: عبر بالوجه عن الذات فالنهي عن الأقوال والأفعال القبيحة في الوجه وغيره من ذاتها وصفاتها فشمل نحو لعن وشتم وهجر وسوء عشرة وغير ذلك (ولا تضرب) ضربا مبرحا مطلقا ولا غير مبرح لغير نشوز. وقال الحراني: وفيه إشارة بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا تصل إليها أحكام حكام الأنام مما لا يقع الفصل فيه إلا يوم القيام من حيث إن ما يجري بين الزوجين سر لا يفشى وفي إشعاره إبقاء للمروءة في الوصية بالزوجة بحيث لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا وفيه تهديد على ما يقع في البواطن من المضارة والمضاجرة بين الزوجين في أمور لا تأخذها الأحكام ولا يصل [ص: 67] إلى علمها الحكام وفيه أنه يحرم ضرب الزوجة إلا النشوز فإذا تحققه فله ضربها ضربا غير مبرح ولا مدم فإن لم تنزجر به حرم المبرح وغيره وترك الضرب مطلقا أولى. وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص ولا كذلك بل لفظه: " قال - أي معاوية بن حيدة - نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: هي حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها " أي جاز وفيه حسن الأدب في السؤال والتعظيم بالكناية عما يستحيا من ذكره صريحا والسعي فيما يديم العشرة ويطيب النفس (د عن) أبي عبد الملك (بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وزاي معجمة (ابن حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف ابن معاوية (عن أبيه عن جده) معاوية بن حيدة الصحابي القشيري من أهل البصرة: " قال قلنا يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ فذكره وبهمز أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق فيه لين وفي اللسان ضعيف وحكيم قال في التقريب صدوق وسئل ابن معين عن بهز عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة ولذلك رمز المصنف لحسنه الحديث: 29 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 30 - (ائتوا) أمر من الإتيان وزعم ابن الأثير أنه " ابنوا " من البناء ومعناه ابنوا المساجد مكشوفة الجدر - وهم. قال المؤلف: ولعله تصحيف عليه (المساجد) جمع مسجد قال في المصباح وهو بيت الصلاة حال كونكم (حسرا) بمهملات بوزن سكر جمع حاسر أي كاشف يعني بغير عمائم. قال الراغب: والحسر كشف البدن مما عليه. وقال الزمخشري: حسر عمامته عن رأسه كشف وحسر كمه عن ذراعيه وكل شيء كشف فقد حسر وامرأة حسنة المحاسر ورجل حاسر مكشوف الرأس (ومعصبين) أي ساترين رؤسكم بالعصابة أي بالعمامة وهو بضم الميم وفتح العين وكسر الصاد مشددة. قال الزمخشري: المعصب المتوج ويقال للتاج والعمامة عصابة: يعني ائتوا المساجد كيف أمكن بنحو قلنسوة فقط أو بتعمم وتقنع ولا تتخلفوا عن الجمعة التي هي فرض عين ولا الجماعة التي هي فرض كفاية والتعمم عند الإمكان أفضل (فإن العمائم) جمع عمامة بكسر العين سميت به لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية (تيجان المسلمين) مجاز على التشبيه أي كتيجان الملوك وفي رواية: " من سيما المسلمين " أي علامتهم كما أن التاج سيما الملوك. وما اقتضاه الحديث من كون فقد العمامة غير عذر في ترك الجمعة والجماعة محله فيمن يليق به ذلك أما لو كان خروجه إلى المسجد بدون العمامة لا يليق به فلا يؤمر بالإتيان حاسرا عند فقدها. " والتاج " الإكليل تجعله ملوك العجم على رؤسها مرصعا بجوهر كالعمامة للعرب. قال الزمخشري: تقول ملك متوج وتوجوه فتتوج وفي صفة العرب العمائم تيجانها والسيوف سيجانها (عد) من رواية ميسرة بن عبيد عن الحكم بن عيينة عن ابن أبي يعلى (عن علي) أمير المؤمنين قال جدنا الأعلى من قبل الأم الزين العراقي في شرح الترمذي وميسرة بن عبيد متروك ومن ثم رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما رواه ابن عساكر بلفظ: " ائتوا المساجد حسرا ومقنعين فإن ذلك من سيما المسلمين " الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 31 - (ائتوا) وجوبا (الدعوة) بالفتح وتضم على ما في القاموس لكن نوزع بتغليطهم لقطرب وتغلب في دعواهما جوازه كما حكاه النووي وغيره. قال: ودعوة النسب بكسر الدال وعكس بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام انتهى. وما نسبه لتيم الرباب نسبه صاحب الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب والمراد بها هنا وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم عند الإطلاق (إذا دعيتم إليها) وتوفرت شروط الإجابة وهي عند الشافعية نحو عشرين وخص الإتيان بالأمر ليفيد عدم وجوب الأكل أما وليمة غير العرس من الولائم العشرة المشهورة فإتيانها عند الدعاء إليها [ص: 68] مندوب حيث لا عذر. قال بعض حكماء الإسلام: وإنما شرعت الإجابة لأن أصل الدعوة ابتغاء الألفة والمودة ففي النفس هنات وفي الصدر منها سخائم والآدمي مركب على طبائع شتى والنفوس جبلت على حب من أكرمها لحبها للشهوات وأعظمها حب التعظيم وقضاء المنى ففي بر النفوس تقويمها وذلك عون لها على دينها فحث النبي الإجابة لتتأكد الألفة وتصفوا المودة وينتفي وغر الصدر. وفي ترك الإجابة مفاسد لا تكاد تحصى (م عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 32 - (ائتدموا بالزيت) إرشادا وندبا أي كلوا الخبز (بالزيت) المعتصر من الزيتون والباء للإلصاق أو الاستعانة أو المصاحبة والإدام بالكسر والأدم بضم فسكون ما يؤتدم به قال الزمخشري: أدم الطعام إصلاحه بالأدم وجعله موافقا للطاعم. وقال المطرزي: مدار التركيب على الموافقة والملائمة وهو يعم المائع وغيره (وادهنوا به) أي اطلوا به بدنكم بشرا وشعرا. قال في الصحاح وغيره: ادهن على وزن افتعل تطلي بالدهن (فإنه يخرج) أي يتفصل ويظهر والخروج في الأصل الانفصال من المحيط إلى الخارج ويلزمه الظهور والمراد هنا أنه يعصر (من شجرة) أي من ثمرة شجرة (مباركة) لكثرة ما فيها من القوى النافعة أو لأنها لا تكاد تنبت إلا في شريف البقاع التي بورك فيها ويلزم من بركتها بركة ما يخرج منها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس ولا يدرك قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة هو مبارك وفيه بركة. ذكره الراغب قال الغزالي: والزيت يختص من سائر الادهان بخاصية زيادة الإشراق مع قلة الدخان. واعلم أن المخصوص المخاطب بهذا الحديث أهل قطر مخصوص وهو الحجاز ونحوه. قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة الحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما بالبلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس به فيه خطر بالبصر. وأنفع الأدهان البسيطة الزيت فالسمن فالشيريج. قال: والزيت رطب حار في الأولى وغلط من قال يابس انتهى. وكلا الإطلاقين غلط وإنما هو بحسب زيتونه فالمعتصر من نضيج أسود حار رطب باعتدال وهو أعدله وأجدوه ومن فج خام بارد يابس ومن زيتون أحمر متوسط والزيت ينفع من السم ويطلق البطن وعتيقه أشد إسخانا وتحليلا والمستخرج بالماء أبلغ نقعا وهذا أنموذج من منافعه التي لا تكاد تحصى والشجر لغة ما بقي أصله بالأرض ويخلف إذا قطع وعرفا ماله ساق (هـ ك) وقال على شرطهما وأقره الذهبي (هب) وكذا الدارقطني في الأفراد وأبو يعلى وعبد بن حميد كلهم من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب ورواه الترمذي باللفظ المذكور عن عمر في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: هو حديث مرسل. قال: قلت له رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن عمر؟ قال: لا أعلمه الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 33 - (ائتدموا) أي أصلحوا الخبز بالإدام فإن أكل الخبز بدون إدام وعكسه قد يورث أمراضا يعسر استخراجها فينبغي الائتدام (ولو) كنتم إنما تأتدمون (بالماء) القراح بأن تثردوا الخبز فكأنه خشي توهم خروج الماء عما يؤتدم به فأكد دخوله فيه بلو المدخلة لما بعدها فيما قبلها وذلك لأنه مادة الحياة وسيد الشراب وأحد أركان العالم بل ركنه الأصلي فإن السماوات السبع خلقت من بخاره والأرض من زبده وظاهر الحديث أن الماء يتغذى به البدن وهو ما عليه جمع من الأطباء بناء على ما يشاهد من النمو والزيادة والقوة في البدن سيما عند شدة الحاجة له وأنكر قوم منهم حصول التغذية واحتجوا بأمور يرجع حاصلها إلى عدم الاكتفاء به وأنه لا يزيد في نمو الأعضاء ولا يخلف عليها ما حللته الحرارة وغير ذلك. وعليه فالمراد بالغاية المبالغة " والماء " جوهر سيال يضاد النار برطويته وبرده وعرفه إشارة إلى حصول المقصود بأي نوع كان منه. هبه نزل من السماء أو حدث في الأرض بطريق الانقلاب من الهواء أو غيره وهو شفاف لا لون له على القول المنصور لا يقال: نحن نراه أو نشاهده فلا يكون شفافا لأنا نقول ذاك لتركبه من أجزاء [ص: 69] أرضية ومن ثم لو بولغ في تصفيته وتقطيره في أواني صلبة ضيقة صار لا يكاد يرى. ذكره الشريف في حواشي التجريد وغيرها وعرفه بعضهم أيضا بأنه جسم لطيف يبرد غلة العطش به حياة كل نار. قال الحراني: وهو أول ظاهر للعين من أشباح الخلق. قال الزمخشري: وعينه واو ولامه هاء ولذلك صغر وكسر بمويهة وقد جاء أمواه. قال: ومن المجاز ما أحسن موهة وجهه أي ماءه ورونقه ورجل ماه القلب كثير ماء القلب أحمق (طس) وكذا أبو نعيم والخطيب وتمام (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الهيتمي: وفيه عريك ين سنان لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه مجهول وآخر ضعيف الحديث: 33 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 34 - (ائتدموا من) عصارة (هذه الشجرة) شجرة الزيتونة لما تقرر من عموم منافعها وقوله (يعني الزيت) مدرج من بعض رواته بيانا لما وقعت الإشارة عليه. قال ابن العربي وللشجر قسمان طيب ومبارك فالطيب النخلة والمبارك الزيتون ومن بركة شجر الزيتون إنارتها بدهنها وهي تكشف به الأسرار للأبصار وتقلب البواطن ظواهر ولذلك ضربه الله مثلا (ومن عرض عليه) أن أظهر وقدم إليه يقال عرضته أي أظهرته وبرزته لع ليأخذه وعرضت المتاع للبيع أظهرته لذوي الرغبة ليشتروه (طيب) بكسر فسكون أي شيء من طيب كمسك وعنبر وغالية أي قدم إليه في نحو ضيافة أو وليمة أو هدية فلا يرده كما يأتي في خبر وإذا قبله (فليصب) أي فليتطيب يقال أصاب بغيته نالها وصاب السهم نحو الرمية وأصاب من امرأته كناية عن استمتاعه بها (منه) ندبا فإن المنة فيه قليلة وهو غذاء الروح التي هي مطية القوى والقوى تتضاعف وتزيد به كما تزيد بالغذاء والسرور ومعاشرة الأحبة وحدوث الأمور المحبوبة وغيبة من تسر غيبته ويثقل على الروح مشهده ولهذا كان من أحب الأشياء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وله تأثير كبير في حفظ الصحة ودفع كثير من الأسقام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة. وقد تتبع بعضهم ما ينبغي قبوله لخفة المنة فيه فبلغ سبعة ونظمها في قوله: عن المصطفى سبع يسن قبولها. . . إذا ما بها قد أنحف المرء خلان دهان وحلوى ثم در وسادة. . . وآلة تنظيف وطيب وريحان (طس عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيتمي: فيه النضر بن طاهر وهو ضعيف. وبه يعرف ما في قول المؤلف في الكبير حسن الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 35 - (ائتزروا) أي البسوا الإزار كخمار يذكر ويؤنث من الأزر وهو الشدة لأن المؤتزر يشد به وسطه وأصله إئتزر افتعل بهمزتين الأولى للوصل والثانية فاء افتعل. قال في الفائق: واتزر عامي حرفه بعض الرواة وتأزير الحائط أن تصلح أسفله فتجعل له ذلك كالإزار (كما رأيت) أي أبصرت وشاهدت (الملائكة) ليلة الإسراء أو غيرها فرأى بصرية ولا يتعين جعلها علمية (تأتزر عند) مثلث العين (ربها) أي عند عرشه قالوا يا رسول الله كيف رأيتها تأتزر؟ قال: (إلى أنصاف) جمع نصف (سوقها) بضم فسكون جمع ساق. قال في المصباح: والساق من الأعضاء أنثى وهو ما بين الركبة والقدم. فإن قلت: ما سر اقتصاره على بيان محل انتهاء الإزار من أسفل وعدم تعرضه لمبدئه من أعلى؟ قلت: من المعروف أن معقد الإزار هو الوسط بإزاء السرة. والغرض المسوق له الحديث بيان أن إسبال الإزار منهي عنه وأنه ليس من شأن الملأ الأعلى وأن المطلوب المحبوب تقصيره معتدلا بحيث يكون سابغا سبوغا لا إسبال فيه وذلك بأن يكون إلى نصف الساق والملائكة جمع ملك تخفيف ملاك والتاء لتأنيث الجمع من الألوكة بمعنى الرسالة. وقول الراغب: الملائكة يقع على الواحد والجمع فيه تأمل غلبت على الجواهر العلوية النورانية المبرأة عن الكدورات البشرية الجسمانية التي هي وسائط بين الله تعالى والبشر فإن قلت: إذا كانت الملائكة نورانية فكيف وصفها بأن لها سوقا؟ قلت: لا مانع من تشكل النور كالإنسان في بعض [ص: 70] الأحيان فهذا الشكل المخصوص مثال تمثل به الملك له وإن كانت له صورة حقيقية مشتملة على أجنحة وغيرها والملائكة والجن ترى بصور مختلفة كما بينه الغزالي قال: والملائكة تنكشف لأرباب القلوب تارة بطريق التمثل والمحاكاة وتارة بطريق الحقيقة والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى هو مثال المعنى لا عين المعنى إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم ولا تدرك حقيقة صورة الملك بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة انتهى. وبه يعلم أن تمثلهم له بهيئة الائتزار إرشاد له إلى الدوام عليه وأمر أمته به وإلا فالملك لا عورة له يطلب سترها بالإزار. قال التفتاراني: والملائكة لا ذكور ولا إناث وقال بعض شراح الشفاء: إطلاق الأنوثة عليهم كفر بخلاف الذكورة وفي تذكرة ابن عبد الهادي عن يحيى بن أبي كثير أنهم صمد لا أجواف لهم. ومقصود الحديث النهي عن إرسال الإزار (فر) من حديث عمران القطان عن المثنى بن صباح (عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله ابن عمرو السهمي قال يحيى القطان: إذا روى عن عمرو ثقة فهو حجة. وقال أحمد: ربما احتججنا به مات سنة ثمان عشر ومئة بالطائف (عن أبيه) شعيب قال الذهبي: سماعه عن أبيه متيقن (عن جده) عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة أسلم قبل أبيه وكان من علماء الصحابة العباد مات بالطائف أو بمصر سنة خمس وستين ثم إن عمران القطان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه يحيى والنسائي والمثنى ضعفه ابن معين وقال النسائي: متروك وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه المثنى بن الصباح ضعيف عند الجمهور وقال ابن حجر في زهر الفردوس المثنى ضعيف وكرره والحديث رواه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن صحابيه المزبور قال الهيتمي عقبه وفيه المثنى بن الصباح ويحيى بن يشكر ضعيفان وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى الحديث: 35 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 36 - (إئذنوا) بكسر الهمزة الأولى وسكون الثانية من الأذن وهو لغة الإعلام وشرعا فك الحجر وإطلاق التصرف في شيء لمن كان ممنوعا منه شرعا (للنساء) اللاتي لا يخاف عليهن ولا منهن فتنة أو ريبة (أن يصلين بالليل في المسجد) لامه للجنس والأمر للندب إذ لو كان للوجوب لكان الخطاب لهن كما في نحو: " وأقمن الصلاة " ولانتفى معنى الاستئذان ولما قال في الرواية الأخرى " وبيوتهن خير لهن " قال ابن جرير: وإذا شرع الآذن لها فيما يندب شهوده كجماعة ففيما هو فرض كأداة شهادة وتعلم ديني أو مندوب مؤكد كشهود جنازة أحد أبويها أولى قال الراغب والآذن يعبر به عن العلم لأنه مبدأ كثير من العلم فتناول الآذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه لكن بين الآذن والعلم فرق فإن الآذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشتبه ضامه أمر أم لا (الطيالسي) أبو داود وهو بفتح الطاء ومثناه تحت وكسر اللام نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم كذا قاله السمعاني واسمه سليمان بن داود ابن الجارود أصله من فارس وسكن بالبصرة ثقة حافظ غلط في أحاديث (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وفيه إبراهيم بن مهاجر فإن كان البجلي الكوفي فقد أورده الذهبي في الضعفاء أو المدني فقد ضعفه النسائي أو الأزدي الكوفي فقد تركه الدارقطني الحديث: 36 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 37 - (إئذنوا للنساء) أن يذهبن (بالليل إلى المساجد) عام في كلهن وعلم منه ومما قبله بمفهوم الموافقة على أنهم يأذنون لهن نهارا أيضا لأنه أذن لهن ليلا مع أن الليل مظنة الفتنة فالنهار أولى فلذلك قدم مفهوم الموافقة مفهوم المخالفة إذ شرط اعتباره أن لا يعارضه مفهوم الموافقة على أن مفهوم الموافقة إذا كان للقب لا لنحو صفة لا اعتبار به أصلا كما قاله الكرماني كغيره ولهذا قال بعض أكابر الشافعية الليل هنا لقب لا مفهوم له وعكس بعض الحنفية فوقف مع التقييد بالليل محتجا بأن الفساق فيه في شغل بنومهم أو فسقهم وينتشرون نهارا ورده ابن حجر بأن مظنة الريبة في الليل أشد وليس لكلهم فيه ما يشغلهم وأما النهار فيفضحهم غالبا ويصدهم عن التعرض لهن ظاهرا لكثرة [ص: 71] انتشار الناس وخوف إنكارهم عليهم ثم هذا الأمر الندبي إنما هو باعتبار ما كان في الصدر الأول من عدم المفسدة ببركة وجود حضرة النبوة ومنصب الرسالة كما يفيده وخبر الشيخين عن عائشة: " لو أدرك النبي ما أحدث النساء بعده لمنعنهن الخروج إلى المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل " أما الآن فالإذن لهن مشروط بأمن الفتنة بهن أو عليهن أن تكون عجوزا غير متطيبة في ثياب بذلة وفيه منع خروج المرأة إلا بإذن حليل لتوجه الأمر إلى الزوج بالإذن ذكره النووي ونازعه ابن دقيق العيد بأنه إذا أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف لكن يقويه أن منع الرجال نساءهم أمر مقرر معروف (حم م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن هذا مما انفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه. وقد قال العراقي في المعنى: متفق عليه من حديث ابن عمر باللفظ المذكور الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 38 - (أبى الله) أي لم يرد. قال في الكشاف في قوله تعالى {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل: {يريدون أن يطفئوا} بقوله {ويأبى الله} وأوقعه موقع لم يرد. وقال الراغب: الإباء شدة الامتناع فكل إباء امتناع ولا عكس والأول هو المناسب هنا (أن يجعل) قال الحراني من الجعل وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير. وقال الراغب: جعل لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها (لقاتل المؤمن) بغير حق (توبة) إن استحل وإلا فهو زجر وتخويف أما كافر غير ذمي فيحل بل يجب قتله ومذهب أهل السنة أنه لا يموت أحد إلا بأجله وأن القانل لا يكفر ولا يخلد في النار وإن مات مصرا وأن له توبة. والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية ومن أطلق بقاءها أراد بقاء حق الله إذ لا يسقط إلا بتوبة صحيحة والتمكين من القود لا يؤثر إلا إن صحبه ندم من حيث الفعل وعزم أن لا يعود (طب والضياء) الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (في) كتاب الأحاديث (المختارة) مما ليس في الصحيحين (عن أنس) قال في الفردوس صحيح ورواه جمع عن عقبة بن مالك الليثي وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال: إني مسلم فقتله فنهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قولا شديدا ثم ذكره الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 39 - (أبى الله أن يرزق عبده المؤمن) المتقي المتوكل على ربه كما تؤذن به إضافته إليه وهو من انقطع إلى الله ومحص قصده للالتجاء إليه فلم يلتفت للأسباب وثوقا بالمسبب بدليل خبر الطبراني. " من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ". والحديث يفسر بعضه بعضا ولهذا قال بعضهم هذا لا يكون إلا لخواص عباده لأنه تعالى يغار عليهم أن يعتمدوا أو يلتفتوا لأحد سواه فيصير رزقهم في الدنيا كحالهم في الجنة ليس لأحد من الخلق فيه منة (إلا) قال الحراني مركبة من أن ولا مدلولها نفي حقيقة ذات عن حكم ما قبلها (من حيث لا يحتسب) أي من جهة لا تخطر بباله ولا تختلج بآماله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} والرزق إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أهنأ وأمرأ كما أن الخبر السار إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسر والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم وأشر فالتقوى تصير رزقه من غير محتسبه فبسقوط المحتسبية عن قلبه يعلم أنه متق. قال سفيان الثوري: اتق الله فما رأيت تقيا محتاجا. والمحسبة مظان الرزق ومصادره وأسبابه. قال الحراني: وفيه إشعار بأنه عطاء متصل لا يتجدد ولا يتعدد لأن كل محسوب في الابتداء محاسب عليه في الإعادة فكان في الرزق بغير محسبة بشرى برفع الحساب عنه فالمؤمن الكامل يشهد الرزق بيد الرازق يخرج من خزائن الغيب فيجريه بالأسباب فإذا شهد ذلك كان قلبه مراقبا لما يصنع مولاه وعينه ناظرة لمختاره له معرضة عن النظر للأسباب فالساقط عن قلبه محسبة الرزق من أين وكيف ومتى بحيث لا يتهم ربه في قضائه يؤتى رزقه صفوا عفوا وتقواه معه وعلى رزقه طابع الإيمان والمتعلق بالأسباب قلبه جوال فإن لم يدركه لطف فهو كالهمج في [ص: 72] المزابل يطير من مزبلة إلى مزبلة حتى يجمع أوساخ الدنيا ثم يتركها وراء ظهره وينزع ملك الموت مخالبه التي اقتنص بها الحطام ويلقى الله بإيمان سقيم دنس وينادى عليه يوم القيامة هذا جزاء من أعرض عن الله وإحسانه واتهم مولاه فلم يرض بضمانه. فتح الله لنا طريق الهداية إليه ويسر لنا منهج التوكل عليه <تنبيه> الحصر المذكور في هذا الحديث غير مراد بل المراد أن هذا هو الغالب فلا ينافي احتراف بعض الأصفياء وقد كان زكريا نجارا وإدريس خياطا وداود زرديا وفي حديث سيجئ: " وجعل رزقي تحت ظل رمحي " وكان أبو بكر تاجرا قال بعض الصوفية المراد بالرزق هنا ما يشمل المعنوي كالعلوم والمعارف (فر عن أبي هريرة) لكنه قال من حيث لا يعلم وفيه عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة. قال الذهبي: قال ابن عدي: مجهول منكر الحديث وابن حرملة ضعفه القطان وغيره (هب) وكذا الحاكم في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين وقضية صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسلمه ولا كذلك بل تعقبه بقوله لا أحفظه إلا بهذا الإسناد وهو ضعيف بمرة انتهى. وقد رواه العسكري بلفظ: " أبى الله أن لا يجعل أرزاق عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون " وسنده واه. وقال الحافظ العراقي: رواه عن علي أيضا ابن حبان في الضعفاء وإسناده واه جدا انتهى. وفي الميزان: متنه منكر بل قال ابن الجوزي: موضوع لكن نوزع الحديث: 39 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 40 - (أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة) بكسر الموحدة التحتية وسكون الدال أي مذمومة قبيحة وهي الأهواء والضلالة كما يأتي بمعنى أنه لا يثنيه على ما عمله ما دام متلبسا بها (حتى) أي إلى أن (يدع) أي يترك (بدعته) بأن يتوب منها ويرجع إلى اعتقاد ما عليه أهل الحق ونفي القبول قد يؤذن بانتفاء الصحة كما في خبر: " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " ويفسر القبول حينئذ بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء وقد لا - كما هنا - ونحوه الآبق والناشزة وشارب الخمر ويفسر بأنه الثواب ومنه خبر أحمد الآتي " من صلى في ثوب قيمته عشرة دراهم فيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه " ويميز بين الاستعمالين بالأدلة الخارجية. وأما القبول من حيث ذاته فلا يلزم من نفيه نفي الصحة وإن لزم من إثباته إثباتها وكما أن عمل المبتدع غير مقبول فذنبه غير مغفور. قال حجة الإسلام: الجاني على الدين بابتداع ما خالف السنة بالنسبة لمن يذنب كمن عصى الملك في قلب دولته بالنسبة لمن خالف أمره في خدمة معينة وذلك قد يغفر فأما قلب الدولة فلا فلا فلا انتهى. ولم أر من تعرض للعمل المنفي قبوله في هذا الحديث ما المراد به العمل المشوب بالبدعة فقط أو حتى الموافق للسنة فظاهر الخبر التعميم أما المشوب بها فظاهر لأنه إذا عمل عملا على قانون بدعته عدة سنة وهو لا يشعر ولا ثواب فيما خالف السنة وأما غيره فلأنه إذا عمل السنة فهو حال عمله يعتقد كونه بدعة فهو بمعزل عن قصد التقرب والامتثال. وقد قال ابن القاسم: لا نجد مبتدعا إلا وهو منتقص للرسول وإن زعم أنه يعظمه بتلك البدعة فإنه يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلا مقلدا وإن كان مستبصرا فيها فهو مشاق لله ولرسوله انتهى. وقد ذم الله قوما رأوا الخير شرا وعكسه ولم يعذرهم فقال {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} ثم هذه الجملة توطئة وتأسيس إلى ما هو المقصود من السياق وهو الحث على سلامة العقيدة والتنفير من ملازمة البدعة ومجالسة أهلها. والبدعة كما قال في القاموس: الحديث في الدين بعد الإكمال وما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء. وقال غيره: اسم من ابتدع الشيء اخترعه وأحدثه ثم غلبت على ما لم يشهد الشرع لحسنه وعلى ما خالف أصول أهل السنة والجماعة في العقائد وذلك هو المراد بالحديث لإيراده في حيز التحذير منها والذم لها والتوبيخ عليها وأما ما يحمده العقل ولا تأباه أصول الشريعة فحسن والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته أما من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيات وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك (هـ وابن أبي عاصم في) كتاب محاسن (السنة) وكذا الديلمي والخطيب والسجزي في الابانة وابن النجار (عن ابن عباس) وهو عند ابن ماجه من حديث عبد الله بن سعيد عن بشر بن منصور الحافظ عن أبي زيد عن المغيرة عن ابن [ص: 73] عباس قال في الميزان: وأبو زيد وأبو المغيرة لا يدرى من هما نعم يقويه ما رواه ابن ماجه أيضا عن حذيفة مرفوعا " لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الدين كما تخرج الشعرة من العجين " الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 41 - (أبى الله أن يجعل للبلا) بالكسر والقصر ويجوز فتحها الألم والسقم. قال الراغب: سمي به لأنه يبلي الجسم (سلطانا) سلاطة وشدة ضنك (على بدن عبده) الإضافة للتشريف (المؤمن) أي على الدوام فلا ينافي وقوعه أحيانا لتطهيره وتمحيص ذنوبه. فلا يعارضه الخبر الآتي " إذا أحب الله عبدا ابتلاه " أو المراد هناك المؤمن الكامل بدليل خبر " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " أو يقال المؤمن إذا ابتلي فإنه محمول عنه بحسب طاعته وإخلاصه ووجود حقائق الإيمان في قلبه حتى يحمل عنه من البلاء ما لو جعل شيء منه على غيره عجز عن حمله أو أن شدة محبته لربه الذي ابتلاه تدفع سلطان البلاء عنه حتى يصير عنده البلاء مستعذبا غير مسخوط بل يعده من أجل النعم أو المراد بالبلاء الذنوب وهو شؤم عواقبها فأهل البلاء هم أهل المعاصي وإن صحت أبدانهم وأهل العافية أهل السلامة وإن مرضوا. ثم هذا كله سوق الكلام على ما هو المتبادر للأفهام ببادئ النظر من أن المقصود عدم الجعل حال الحياة وذهب بعضهم إلى تنزيله على ما بعد الموت وعليه فالمراد أن الأرض لا تأكل بدنه ولا ينافيه خبر " كل ابن آدم يأكله التراب " لأنه خص منه عشرة أصناف كما يأتي وأراد هنا واحدا منها. قال الراغب: والبدن الجسد لكن البدن يقال اعتبارا بعظم الجثة والجسد اعتبارا باللون ومنه قيل امرأة بادن وبدين عظيمة الجسم (فر عن أنس) وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي كذاب لا يطاق قال في اللسان له عجائب من الأباطيل الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 42 - (إبتدروا) بكسر الهمزة والدال (الأذان) أي سابقوا إلى التأذين للصلاة وسارعوا إليه ندبا والبدار المسارعة (ولا تبتدروا الإمامة) بالكسر ككتابة أي لا تسابقوا إليها ولا تزاحموا عليها لأن المؤذن أمين والإمام ضمين كما في خبر والإمامة أعلى من الضمان ولدعائه له في خبر بالمغفرة والامام بالإرشاد والمفغرة أعلى ومن ثم ذهب النووي إلى تفضيله عليها وإنما لم يواظب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه عليه لاحتياج رعاية المواقيت إلى فراغ وهو مشغولون بشأن الأمة ولهذا قال عمر لولا الخلافة لأذنت وهذا وأشباهه خطاب للصحب الحاضرين وحكمه عام في أمة الإجابة لأن حكم الشارع على الواحد حكمه على الجماعة إلا لدليل (ش عن يحيى بن أبي كثير) أبي منصور اليمامي أحد الأعلام من العلماء العباد (مرسلا) بفتح السين وتكسر كما في الديباج أرسل عن أنس وغيره وله شواهد الحديث: 42 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 43 - (ابتغوا) بكسر الهمزة اطلبوا بجد واجتهاد. قال الراغب الابتغاء مخصوص بالاجتهاد في الطلب. وقال الحراني الابتغاء افتعال تكلف البغي وهو أشد الطلب (الرفعة) بكسر الراء الشرف وعلو المنزلة (عند الله) أي في دار كرامته. قال الراغب: عند لفظ موضوع للقرب يستعمل تارة في المكان وتارة في الاعتقاد وتارة في الزلفى والمنزلة نحو {أحياء عند ربهم يرزقون} وعليه قوله: {هو الحق من عندك} قال بعض الصحب وما هي يا رسول الله أي وما يحصلها قال (تحلم) بضم اللام (عمن جهل) أي سفه (عليك) أي تضبط نفسك عن هيجان الغضب من سفهه. قال الزمخشري: فلان يجهل على قومه يتسافه عليهم قيل ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلينا وقال الراغب: الحلم ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب (وتعطي من حرمك) منعك ما هو لك أو معروفه ورفده لأن مقام الإحسان إلى المسيء ومقابلة إساءته بالصلة من كمال الإيمان الموجب للرفعة وفيه من الفوائد والمصالح ما ينبئ عنه نطاق الحصر فإذا بلغ العبد ذروة هاتين الخصلتين فقد فاز بالقدح المعلى وحل في مقام الرفعة عند [ص: 74] المولى وقد اتفقت الملل والنحل على أن الحلم والسخاء يرفعان العبد وإن كان وضيعا وأنهما أصل الخصال الموصلة إلى السعادة العظمى وما سواهما فرع عنهما (عد عن) أبي عبد الرحمن (بن عمر) بن الخطاب وفيه كما في الأصل الوازع بن نافع متروك وقال الحاكم وغيره يروي أحاديث موضوعة وأطال في اللسان القدح فيه. توهين ما يرويه الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 44 - (ابتغوا الخير) كلمة جامعة تعم كل طاعة ومباح دنيوي وأخروي والمراد هنا الحاجة الأخروية أو الدنيوية كما يفسره رواية أبي يعلى والبيهقي والخرائطي " اطلبوا الحوائج " ورواية ابن عدي " اطلبوا الحاجات " (عند حسان) جمع حسن محركا والحسن بالضم الجمال. وقال الراغب الحسن عبارة عن كل بهيج مرغوب فيه وهو ثلاثة أضرب مستحسن من جهة العقل ومستحسن من جهة الهوى ومستحسن من جهة الحسن. والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر وفي القرآن للمستحسن من جهة البصيرة (الوجوه) لأن حسن الوجه وصباحته يدل على الحياء والجود والمروءة غالبا لكن قد يتخلف كما يشير إليه تعبيره في بعض الروايات " برب " أو المعنى اطلبوا حوائجكم من وجوه الناس أي أكابرهم ويؤيده خبر " إن سألت فاسأل الصالحين " قال بعضهم: الرؤساء والأكابر يحتقرون ما أعطوه والصلحاء لا يشهدون لهم ملكا مع الله أو المراد بحسن الوجه بشاشته عند السؤال وبذل المسؤل عند الوجدان وحسن الاعتذار عند الفقد والعدم (قط في) كتاب (الأفراد) عن علي بن عبد الله بن ميسرة عن محمد بن جعفر بن عبد الله الغفاري عن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن عمران بن إياس (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي موضوع الغفاري يضع انتهى. وتعقبه المؤلف في مختصر الموضوعات بأن ابن أبي الدنيا خرجه عن مجاهد بن موسى عن سفيان عن يزيد بن عبد الملك به فزالت تهمة الغفاري فكان ينبغي له أعني المؤلف أن يعزوه لابن أبي الدنيا الذي ذكر أن طريقه قد خلت عن الوضاع وأن لا يعزوه للدارقطني لأنه سلم أن في طريقه رضاعا. وقد ذكر السخاوي الحديث من عدة طرق عن نحو عشرة من الصحب. ثم قال طرقه كلها ضعيفة لكن المتن غير موضوع انتهى وسبقه لنحوه ابن حجر فقال: طرقه كلها ضعيفة وبعضها أشد ضعفا من بعض الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 45 - (أبد) بفتح الهمزة وكسر الدال فعل أمر (المودة لمن وادك) أي أظهر ندبا المحبة الشديدة لمن أخلص حبه لك (فإنها) أي هذه الخصلة وفي رواية " فإنه " أي هذا الفعل (أثبت) أي أدوم وأرسخ والود خالص الحب وهو منه بمنزلة الرأفة من الرحمة والمعنى إذا أحببت إنسانا لغير منهي عنه شرعا فاظهر له ذلك أي أعلمه بأنك تحبه ويأتي تعليله في خبر بأنه يجد لك مثل ما تجد له. قال القاضي: وبذلك يتأكد الحب وتدوم الألفة والألفة إحدى فرائض الإسلام وأركان الشريعة ونظام شمل الدين. ومما يجلب المودة المحافظة على الابتداء بالسلام مراعاة لأخوة الإسلام وتعظيما لشعار الشريعة. قال: والود محبة الشيء مع تمنيه ولذلك يستعمل في كل منهما. وقال الحراني: الود صحة نزوع النفس للشيء المستحق نزوعها له. وقال الزمخشري: تقول ووددته ودا ومودة ووددت لو كان كذا وبودي لو كان كذا. وقال الراغب: الود محبة الشيء وتمني كونه قاله والثبات فيه ضد الزوال (الحارث) بن محمد (بن أبي أسامة) التميمي صاحب المسند المشهور كان حافظا عارفا بالحديث تكلم فيه بلا حجة (طب) وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب كلهم (عن أبي حميد) بالتصغير (الساعدي) عبد الرحمن وقيل المنذر بن سعيد شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى خلافة يزيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفهم انتهى. وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه عليل الحديث: 45 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 46 - (ابدأ) بالهمزة وبدونه فيه وفيما بعده كما ذكره الزركشي (بنفسك) أي بما تحتاجه من مؤنة وغيرها. والنفس ما به ينفس المرء على غيره [ص: 75] استبدادا منه واكتفاء بوجود نفاسته على من سواه ذكره الحراني والمراد هنا الذات أي قدم ذاتك فيما تحتاج إليه من نحو نفقة وكسوة (فتصدق عليها) لأنك المخصوص بالنعمة المنعم عليك بها فتلقاها بالقبول وقدم مهجتك وحاجتك على من تعول وسمى الانفاق عليها صدقة لأنه قربة إذا كان من حلال وكفافا وقد ينتهي إلى الوجوب وذلك عند الاضطرار (فإن) وفي رواية: " ثم إن " (فضل) بفتح الضاد ومضارعه بضمها وبكسر الضاد فمضارعه بفتحها وفضل بالكسر يفضل بالضم شاذ (شيء فلأهلك) أي زوجتك. قال الراغب: يعبر عن امرأة الرجل بأهله وذلك لأن نفقتها معاوضة وما بعدها مواساة (فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك) لأنهم في الحقيقة منك فيحصل بذلك الجبر التام بالمواساة وصلة الأرحام ثم إن حمل على التطوع شمل كل قريب أو الواجب اختص بمن تجب نفقته من أصل وفرع عند الشافعي وغيرهما أيضا عند غيره وله تفاريع في الفروع. قال الزين العراقي: وسكت عن القن ولعله لأن أكثر الناس لا أرقاء لهم أو لأن المخاطب لا قن له وزعم دخوله في الأهل للمناقشة فيه مجال وقدم الحنابلة القن على القريب عند التزاحم وسكت عنه الشافعية. قال الولي العراقي: وكأنه لأن له جهة ينفق منها وهي كسبه فإن تعذر بيع أو جزء منه لنفقته (فإن فضل عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) أي بين يديك وعن يمينك وشمالك كما فسره به في رواية مسلم والنسائي وكنى به عن تكثير الصدقة وتنويع جهاتها وليس المراد حقيقة هذه الجهات المخصوصة. وفيه الابتداء بالنفقة على الترتيب المذكور. قال المحقق أبو زرعة: ومحل تقديم النفس فيمن لا يصبر على الإضافة فمن صبر عليها فايثاره محبوب محمود في القرآن وفعله أكابر الأعيان. وفيه أن الإنسان إذا وجد بعض الصيعان في الفطرة قدم نفسه وإن وجدها كلها لأن في تأخيرها غرر لاحتمال أن المال يتلف قبل إخراجها. وفيه أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الآكد وأن الأفضل في صدقة النفل تنويعها في وجوه البر بالمصلحة ولا يحصرها في جهة ونظر الإمام في مصلحة رعيته وأمرهم بما فيه مراشدهم والعمل بالإشارة وأنها قائمة مقام النطق إذا فهم المراد بها إلا أن الشافعية لم يكتفوا بإشارة الناطق إلا في الأمور الخفية لا كالعقود والفسوخ (ن عن جابر) بن عبد الله الأنصاري قال: " أعتق رجل عبدا له عن دبر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألك مال غيره؟ قال: لا فقال: فمن يشتريه مني فاشتراه نعيم العدوي بثمان مئة درهم فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم ذكره وإسناده صحيح الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 47 - (إبدأ) بكسرة الهمزة وفتح المهملة (بمن تعول) أي تمون يعني بمن تلزمك مؤنته من نفسك وزوجك وقريبك وذي روح ملكته فإن اجتمعوا وله ما ينفق على الكل لزمه وإلا قدم نفسه فزوجته فولده الصغير أو المجنون فأمه فأباه فولده المكلف فجده فأبا جده وإن علا ذكره الشافعي. قال السمهودي: والحديث وإن ورد في الإنفاق فالمحققون يستعملونه في أمور الآخرة كالعالم يبدأ بعياله في التعليم ويؤيده قوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} الآية. وأخذ بعض الصوفية منه أنه يقصد بتعلم العلم نفسه أولا ثم المسلمين ثانيا: الأقرب فالأقرب. فلا يقصد نفع غيره إلا تبعا ليحوز أجر النية والعمل (وطب) والقضاعي (عن حكيم بن حزام) بفتح الحاء والزاي كذا ضبطه ابن رسلان ومن خطه نقلت لكن ضبطه ابن حجر كالكرماني بكسر أوله وهو الظاهر وهو ابن خويلد الأسدي من المؤلفة الأشراف الذين حسن إسلامهم عاش مئة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل فذكره رمز المؤلف لصحته وليس كما قال فقد قال الهيتمي: فيه أبو صالح مولى حكيم ولم أجد من ترجمه الحديث: 47 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 48 - (إبدؤا) بكسر الهمزة أيها الأمة في أعمالكم القولية والفعلية (بما) أي بالشيء الذي (بدأ الله به) في التزيل فيجب عليكم [ص: 76] الابتداء في السعي بالصفا لابتدائه به في قوله تعالى: {إن الصفا والمروة} وفيه وجوب السعي. قال الكمال ابن الهمام: ورد بصيغتي الخبر والأمر وهو يفيد الوجوب خصوصا مع ضم خبر: " خذوا عني مناسككم " انتهى. فهو عند الحنفية واجب وعند الشافعي ركن وهذا وإن ورد على سبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ثم سعى فبدأ بالصفا وقرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} . ثم ذكره فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد كان الرسول يحافظ على تقديم كل مقدم فقدم غسل الوجه في الوضوء ثم فثم وزكاة الفطر على صلاة العيد تقديما للمقدم في آية: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} وبذلك اتضح استدلال الشافعية به على وجوب ترتيب الوضوء. وأخرج الحاكم عن ابن عباس وصححه: " أنه أتاه رجل فقال أأبدأ بالمروة قبل الصفا أو بالصفا؟ وأصلي قبل أن أطوف أو أطوف قبل؟ وأحلق قبل أن أذبح أو أذبح قبل؟ فقال خذه من كتاب الله فإنه أجدر أن يحفظ قال تعالى {إن الصفا والمروة} الآية فالصفا قبل وقال: {وطهر بيتي للطائفين} الآية فالطواف قبل وقال: {لا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله} فالذبح قبل ". انتهى. وما ذكره في غير الصفا محمول على الأكمل لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما سئل يوم النحر عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج (قط) من عدة طرق (عن) أبي عبد الله (جابر) بن عبد الله الخزرجي المدني ورواه عنه أيضا النسائي بإسناد صحيح باللفظ المزبور في حديث طويل وكذا البيهقي وصححه ابن حزم فاقتفاه المؤلف فرمز لتصحيحه ورواه مسلم بلفظ: " ابدؤا " بصيغة المضارع للمتكلم وأحمد ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا بلفظ: " نبدأ " بالنون. وقال ابن دقيق العيد مخرج الحديث عندهم واحد وقد أجمع مالك وسفيان والقطان على رواية: " نبدأ " بنون الجمع. قال ابن حجر: وهو أحفظ من الباقين وهو يؤيد ضبط مسلم الحديث: 48 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 49 - (أبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء (بالظهر) وفي رواية للبخاري: " بالصلاة " أي بصلاة الظهر كما بينته هذه الرواية أي أدخلوها في البرد بأن تؤخروها ندبا عن أول وقتها إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة من محل بعيد بشرط عدم وجود ظل يمشي فيه وأن لا يجاوز به نصف الوقت وأن يكون بقطر حار كما يشير إليه قوله (فإن شدة الحر) أي قوته (من) بعض أو ابتداء (فيح) بفتح الفاء وسكون المثناة تحت (جهنم) أي هيجانها وغليانها وانتشار لهبها فعلم أن من تبعيضية أو ابتدائية وقال بعضهم جنسية بناء على ما قيل من أن كون شدة الحر من فيح جهنم تشبيه لا حقيقة وحكمته دفع المشقة لسلب الخشوع أو كماله كما في من حضره طعام يتوق إليه أو يدافعه الخبث والأخبار الآمرة بالتعجيل عامة أو مطلقة والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم وزعم أن التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل منع بأن الأفضلية لا تنحصر في الأشق فقد يكون غير الشاق أفضل كالقصر في الصلاة. وأما خبر مسلم عن خباب بن الأرت " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا " أي لم يزل شكوانا فمنسوخ بالنسبة إلى الإبراد أو محمول على أنهم طلبوا تأخير زائدا على قدر الإبراد وظاهر الخبر وجوب الإبراد لكن لما قام الإجماع على عدمه حمل على الندب وإنما لم نؤمر بالتأخير لشدة البرد مع أنه أيضا من جهنم لأنه إنما يكون وقت الصبح ولا يزول إلا بطلوع الشمس فيخرج الوقت وخرج بالظهر غيرها حتى الجمعة للأمر بالتبكير إليها وإبراد النبي بها لبيان الجواز والأذان وأمره بالإبراد حمل على الإقامة بدليل التصريح بها في رواية الترمذي وجهنم اسم لنار الآخرة عربي لا معرب من الجهامة وهي كراهة المنظر غير منصرف للتعريف والتأنيث (خ هـ) وكذا أحمد (عن أبي سعيد) الخدري (حم ك) وقال صحيح وكذا الطبراني وابن قانع والضياء (عن صفوان بن مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء والميم الزهري وهو أخو المسور (ن عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس أمير زبيد وعدن للنبي صلى الله عليه وسلم وأمير البصرة والكوفة لعمر. قال الواقدي: كان حليفا لسعيد بن العاص وأسلم بمكة وهاجر الحبشة (طب عن) أبي [ص: 77] عبد الرحمن (ابن مسعود) عبدا (عد عن جابر) بن عبد الله (هـ) وكذا البيهقي والطبراني (عن المغيرة) بضم الميم على المشهور وتكسر (ابن شعبة) أحد دهاة العرب أسلم عام الخندق ومات سنة خمسين وأحصن في الإسلام ثلاث مئة امرأة وقيل ألفا. قال المؤلف: حديث متواتر رواه بضعة عشر صحابيا الحديث: 49 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 50 - (أبردوا) ندبا (بالطعام) أي أخروا أكله إلى أن يبرد فتناولوه باردا يقال أبرد إذا دخل في البرد وأظهر إذا دخل في الظهيرة وباؤه للتعدية أو زائدة ثم علل الأمر بالتأخير بقوله (فإن الحار لا بركة فيه) أي الطعام الحار أو مطلقا فيفيد الأمر بالابراد بالشراب في الشرب وفي الطهارة وفي رواية بدله " فإن الطعام الحار غير ذي بركة " وفي رواية: " فإنه أعظم للبركة " والمراد هنا نفي ثبوت الخير الإلهي فيكره استعمال الحار لخلوه عن البركة ومخالفته للسنة بل إن غلب على ظنه ضرره حرم (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه إسحاق بن كعب. قال الذهبي: ضعف عن عبد الصمد بن سليمان قال الدارقطني: متروك عن قزعة ابن سويد. قال أحمد: مضطرب الحديث وأبو حاتم لا يحتج به عن عبد الله بن دينار غير قوي (ك عن جابر) بن عبد الله لكن بلفظ: " فإن الطعام الحار غير ذي بركة " (وعن أسماء) بفتح الهمزة وبالمد بنت الصديق أخت عائشة وأم أمير المؤمنين ابن الزبير من المهاجرات عمرت نحو مئة وعاشت بعد صلب ابنها عشر ليال (مسدد) في مسنده المشهور وهو أين مسرهد الأسدي البصري الحافظ من شيوخ البخاري (عن أبي يحيى) جد أبي هريرة الكوفي واسمه شيبان صحابي له هذا الحديث الواحد (طس عن أبي هريرة) . قال الهيتمي: وفيه عبد الله بن يزيد البكري ضعفه أبو حاتم (حل عن أنس) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة تفور فرفع يده منها وقال. إن الله لم يطعمنا نارا ثم ذكره الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 51 - (أبشروا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (وبشروا) أي أخبركم بما يسركم وأخبروا (من وراءكم) بفتح الميم في رواية وكسرها في أخرى يعني أخبروا من قدامكم ممن سيوجد في المستقبل أو يقدم عليكم في الآتي كذا قرره شارحون وهو وإن كان صحيحا في نفسه لا يلائم قوله الآتي: " فخرجنا من عنده نبشر " والمناسب له أخبروا من لقيتم وهو وراء كلمة تكون خلفا وتكون قداما وأكثر ما تكون في المواقيت من الأيام والليالي لأن الوقت يأتي بعد مضي الإنسان فيكون وراءه وإن أدركه الإنسان كان قدامه ويجوز أن يكون المعني أخبروا من سواكم فإن وراء أيضا تأتي يمعنى سوى كقوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك} أي سواه والمراد أخبروهم بما يسرهم وهو (أنه) أي بأنه (من شهد أن) أي أنه (لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا الله) الواجب الوجود لذاته (صادقا) نصب على الحال (بها) أي الشهادة أي مخلصا في إتيانه بها بأن يصدق قلبه لسانه (دخل الجنة) إن مات على ذلك ولو بعد دخوله النار فمآله إلى الجنة ولا بد فالميت فاسقا تحت المشيئة إن شاء عذبه كما يريد ثم مصيره إلى أن يعفى عنه فيخرج من النار وقد اسود فينغمس في نهر الحياة ثم يعود له أمر عظيم من الحال والنضارة ثم يدخل الجنة ويعطى ما أعد له بسابق إيمانه وما قدمه من العمل الصالح وإن شاء عفا عنه ابتداء فسامحه وأرضى عنه خصماءه ثم يدخله الجنة مع الناجين. وقول الخوارج: مرتكب الكبيرة كافر وقول المعتزلة مخلد في النار حتما ولا يجوز العفو عنه كما لا يجوز عقاب المطيع - من تقولهم وافترائهم على الله تعالى الله عما يقول الظالمون. والبشارة الخبر السار الذي يظهر بأوله أثر السرور على البشرة ذكره القاضي. وقال الراغب: الخبر بما يسر فتنبسط بشرة الوجه وذلك أن النفس إذ سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجر. والصدق: الإخبار المطابق وقيل مع اعتقاد المخبر أنه كذلك عن دلالة أو أمارة واقتصر على أحد الركنين لأنهم كانوا عبدة أوثان فقصد به نفي ألوهية ما سواه تعالى مع اشتهاره عندهم بأنه رسول الله واستبانته منهم الإيمان بشهادة قدوم كبرائهم عليه مؤمنين [ص: 78] (حم طب عن أبي موسى) الأشعري قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال أبشروا " إلى آخره: " فخرجنا من عنده نبشر الناس فاستقبلنا عمر فرجع بنا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إذن يتكلوا فسكت " قال الهيتمي رجاله ثقات وله طرق كثيرة انتهى ولذلك رمز المؤلف لصحته هنا وقال في الأصل صحيح الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 52 - (أبعد الناس من الله) أي من كرامته ومزيد رحمته من البعد. قال الحراني: وهو انقطاع الوصلة في حس أو معنى (يوم القيامة القاص) بالتشديد أي الذي يأتي بالقصة من قص أثره اتبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال تلى القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ آية بعد آية كما في الكشاف. وقال الحراني: القص تتبع أثر الوقائع والأخبار يبينها شيئا بعد شيء على ترتيبها في معنى قص الأثر وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي أثر (الذي يخالف إلى غير ما أمر به) ببناء أمر للفاعل أي الذي يخالف قوله فعله ويعدل إلى غير ما أمر به الناس من التقوى والاستقامة ويمكن بناؤه للمفعول والفاعل الله أي الذي يخالف ما أمر الله به من مطابقة فعله لقوله وذلك لجرأته على الله بتكذيب فعله لقوله كبني إسرائيل لما قصوا أهلكوا أي تكلموا على القول وتركوا العمل فأهلكوا والمراد هنا من يعلم الناس العلم ولا يعمل به ومن خصه بالواعظ فقد وهم ومن هو كذلك لا ينتفع بعلمه غالبا ولا بوعظه إذ مثل المرشد من المسترشد كمل العود من الظل فمتى يستوي الظل والعود أعوج؟ لا تنه عن خلق وتأتي مثله. . . عار عليك إذا فعلت عظيم {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم: عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني. وقال مالك بن دينار. إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا: يا واعظ الناس قد أصبحت متهما. . . إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها وقال عمر لمن سأله عن القص: " اخش أن تقص فترتفع في نفسك ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة " رواه أحمد بسند رجاله موثقون. فحق الواعظ أن يتعظ بما يعظ ويبصر ثم يبصر ويهتدي ثم يهدي ولا يكون دفترا يفيد ولا يستفيد ومسنا يشحذ ولا يقطع بل يكون كالشمس التي تفيد القمر الضوء ولها أفضل مما تفيده وكالنار التي تحمي الحديد ولها من الحمى أكثر ويجب أن لا يجرح مقاله بفعله ولا يكذب لسانه بحاله فيكون ممن وصفه الله تعالى بقوله: {ومن الناس من يعجبك قوله} الآية. فالواعظ ما لم يكن مع مقاله فعال لم ينتفع به إذ عمله مدرك بالبصر وعلمه مدرك بالبصيرة وأكثر الناس أهل أبصار لا بصائر فيجب كون عنايته بإظهار ما يدركه جماعتهم أكثر ومنزلة الواعظ من الموعوظ كالمداوي من المداوى فكما أن الطبيب إذا قال للناس لا تأكلوا كذا فإنه سم ثم رأوه يأكله عد سخرية وهزوا كذا الواعظ إذا أمر بما لم يعمله ومن ثم قيل يا طبيب طبب نفسك فالواعظ من الموعوظ يجري مجرى الطابع من المطبوع فكما يستحيل انطباع الطين من الطابع بما ليس منتقشا فيه فمحال أن يحصل في نفس الموعوظ ما ليس في نفس الواعظ. وقيل من وعظ بقوله ضاع كلامه ومن وعظ بفعله نفذت سهامه. وقيل: عمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل. قال ابن قتيبة والحديث ورد سدا لباب الفساد من الزنادقة احتيالا على الطعن في الدين فإن القاص يروي مناكير وغرائب يميل بها وجوه الناس إليه وشأن العامة القعود عند من كان حديثه عجيبا انتهى. وبذلك عرف أن القص منه ما هو مذموم وهو ما اشتمل على محذور مما ذكر وما هو محمود وهو التذكير بآلاء الله وآياته وأفعاله مع العمل بقضية ذلك. قال الغزالي أخرج علي رضي الله تعالى عنه القصاص من مسجد البصرة إلا الحسن لكونه سمعه يتكلم بالتذكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الإهمال وخواطر الشيطان ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف بحقارة الدنيا [ص: 79] وعيوبها وتصرمها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا القص محمود إجماعا وهذا القاص محله عند الله عظيم. روي أن يزيد ابن هارون مات وكان واعظا زاهدا فقيل له ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأول ما قال لي منكر ونكير من ربك قلت لهما أما تستحيان من شيخ دعى إلى الله كذا وكذا سنة قالوا وأول من قص تميم الداري في زمن عمر بإذنه وهذه الأولية بالنسبة إلى الأمة المحمدية. روي أن موسى قص في بني إسرائيل فمزق بعضهم ثوبه فأوحى الله إليه قل له مزق قلبك ولا تمزق ثوبك. وإنما قال في الحديث " أبعد الناس " لم يقل الخلق لظهور معنى النوس على أفعاله لاضطرابه في مخالفة قوله فعله والنوس حركة الشيء الخفيف المعلق في الهواء <تنبيه> أخذ جمع من هذا الحديث وما في معناه أنه ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والجمهور على أنه له بل عليه ذلك لأنه مأمور بأمرين ترك المعصية والمنع للغير من فعلها والإخلال بأحد التكليفين لا يقتضي الإخلال بالآخر ولذلك أدلة من الكتاب والسنة (فر عن أبي هريرة) رمز المؤلف لضعفه وسببه أن فيه عمر بن بكر السكسكي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي له مناكير واتهمه ابن حبان بالوضع الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 53 - (أبغض) أفعل تفضيل بمعنى المفعول من البغض وهو شاذ ومثله أعدم من العدم إذا افتقر (الحلال) أي الشيء الجائز الفعل (إلى الله الطلاق) من حيث إنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة المؤدي لقلة التناسل الذي به تكثر الأمة لا من حيث حقيقته في نفسه فإنه ليس بحرام ولا مكروه أصالة وإنما يحرم أو يكره لعارض وقد صح أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آلى وطلق وهو لا يفعل مكروها ذكره في المطامح وغيرها. وهذا كما ترى أولى من تنزيل الذهبي تبعا للبيهقي البغض على إيقاعه في كل وقت من غير رعاية لوقته المسنون واستظهر عليه بخبر: " ما بال أقوام يلعبون بحدود الله طلقتك راجعتك طلقتك راجعتك " وخبر " لم يقول أحدكم لامرأته قد طلقتك قد راجعتك؟ ليس هذا بطلاق المسلمين طلقوا المرأة في طهرها ". وقال الطيبي: فيه أن بغض بعض الحلال مشروع وهو عند الله مبغوض كصلاة الفرد في البيت بلا عذر والصلاة في مغصوب. وقال العراقي: فيه أن بغض الله للشيء لا يدل على تحريمه لكونه وصفه بالحل على إثبات بغضه له فدل على جواز اجتماع الأمرين بغضه تعالى للشيء وكونه حلالا وأنه لا تنافي بينهما وأحب الأشياء إلى الشيطان التفريق بين الزوجين كما يأتي في خبر والمراد بالبغض هنا غايته لا مبدؤه فإنه من صفات المخلوقين والبارئ منزه عنها والقانون في أمثاله أن جميع الأعراض النفسانية كغضب ورحمة وفرح وسرور وحياء وتكبر واستهزاء لها أوائل ونهايات وهي في حقه تعالى محمولة على الغايات لا على المبادئ التي هي من خواص الأجسام فليكن على ذكر منك أي استحضار له بقلبك فإنه ينفع فيما سيلقاك كثيرا (د هـ ك) في كتاب الطلاق وكذا الطبراني وابن عدي (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب ورواه البيهقي مرسلا بدون ابن عمر وقال الفضل غير محفوظ. قال ابن حجر: ورجح أبو حاتم والدارقطني المرسل وأورده ابن الجوزي في العلل بسند أبي داود وابن ماجه وضعفه بعبد الله الرصافي. وقال: قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك الحديث وبه عرف أن رمز المؤلف لصحته غير صواب الحديث: 53 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 54 - (أبغض الخلق) أي الخلائق يقال هم خليقة الله وهم خلق الله. قال الزمخشري ومن المجاز خلق الله الخلق أوجده على تقدير أوجبته الحكمة وهو رب الخليقة والخلائق (إلى الله من) أي مكلف ولفظ رواية تمام لمن باللام (آمن) أي صدق وأذعن وانقاد لأحكامه (ثم كفر) أي ارتد خصه من بين أصناف الكفار بهذه المبالغة والتشديد وأبرز ذمه في هذا النظم العجيب حيث أبهمه غاية الإبهام نعيا عليه وتعجبا من شأنه حيث فعل ما فعل يعني انظروا إلى هذا الخبيث اللعين وقبيح ما ارتكبه حيث فعل ما لم يرض العاقل أن ينسب [ص: 80] إليه وهو أنه اشترى الضلالة بالهدى فهو جدير بكونه أبغض الكفرة إلى ربه وأمقتهم عنده لاستعداده للاهتداء وقبوله له ثم نكوصه على عقبيه. والقصد بذلك التوبيخ والتعيير فعسى أن يرتدع بالتشنيع عليه وتفظيع شأنه وتهجين سيرته وتقبيح سريرته ويظهر أن من قتل نبيا مثله أو أبغض وكذا من شهد المصطفى فيه بأنه أشقى الناس وعليه فالمراد أنه من أبغض (تمام) في فوائده من حديث أحمد البرقي عن عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن نصر ابن علقمة عن ابن عائذ عن عمرو بن الأسود (عن معاذ) بضم الميم وفتح المهملة وبمعجمة (ابن جبل) ضد السهل ابن عمرو بن أوس الأنصاري من نجباء الصحابة. قال أنس: جمع معاذ القرآن في حياة الرسول وكان أمة قانتا. وقضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور من هذا الوجه. قال الهيتمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وضعفه أحمد وبقية رجاله ثقات وبه يتجه رمز المؤلف لحسنه الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 55 - (أبغض الرجال) المخاصمين وكذا الخنائي والنساء وإنما خص الرجال لأن اللدد فيهم أغلب ولأن غيرهم لهم تبع في جميع المواطن. ألا ترى إلى قول الزمخشري: اكتفى الله بذكر توبة آدم دون حواء لأنها كانت تبعا له كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك (إلى الله الألد) بفتح الهمزة واللام وشد الدال أي الشديد الخصومة بالباطل الآخذ في كل لدد أي في كل شيء من المراء والجدال لفرط لجاجه كذا قرره الزمخشري. قال الزركشي: ومنه {لتنذر به قوما لدا} (الخصم) بفتح المعجمة وكسر المهملة أي المولع بها الماهر فيها الحريص عليها المتمادي في الخصام بالباطل لا ينقطع جداله وهو يظهر أنه على الحسن الجميل ويوجه لكل شيء من خصامه وجها ليصرفه عن إرادته من القباحة إلى الملاحة ويزين بشقشقته الباطل بصورة الحق وعكسه بحيث صار ذلك عادته وديدنه فالأول ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة وسمي ألد لاستعماله لدديه أي جانبي فمه وعتقه وذهب بعضهم إلى أن أل في: " الرجال " للجنس وفي: " الألد " للعهد والمراد به الخصم الذي خصامه ومجادلته مع الله. والذم وصف للمخاصم والصفة وهو كونه منشأ من موات وهو المني: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} وقصة أبي بن خلف في قوله لأصيرن إلى محمد ولأخصمنه مشهورة وذلك لأن الخصومة في ذلك كفر والكافر أبغض الخلق إلى الله قال ولو جعلت أل فيه جنسية لاستلزم كون الألد المؤمن أبغض إلى الله من حيث جنس الرجال وفيهم الكافر ورجح ابن حجر ما تقرر أولا من تنزيل الرجال على المخاصمين أو أن المراد الألد في الباطل المستحل له أو أن ذلك ورد على منهج الزجر لمن هذه صفته وتنبيها على قبح حاله وتفضيحه بتهجين عادته وتفظيع طريقته فعسى أن ينجع فيه هذا التشنيع فيلين قلبه وتنقاد نفسه وتضمحل رذائله فيرجع عما هو عليه من الشرور فيحصل له السرور بدخوله في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا} (تتمة) قال الغزالي: إذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وعجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة بيدك ولا الالتفات إلى من وراءك ولكن اجث على ركبتيك وإذا هدأ غضبك فتكلم وإن قربك الشيطان فكن منه على حذر. فهذه آداب المخاصمة (ق حم ت عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أيضا عنها أحمد الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 56 - (أبغض العباد) بكسر العين والتخفيف جمع عبد ويحتمل ضمها والتشديد جمع عابد ويشبه أنه أولى لما في إجراء أفعل التفضيل على حقيقته من العموم والصعوبة المحوجة إلى التأويل (إلى الله من) أي إنسان (كان ثوباه) أي إزاره ورداؤه وأصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها أو إلى حالته المقدرة المقصودة بالفكرة فمن الثاني الثوب سمي به لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدر لها. ذكره الراغب (خيرا من عمله) يعني من تزيا بزي الأبرار وعمله كعمل الفجار كما فسره بقوله (أن تكون ثيابه ثياب الأنبياء) أي كثيابهم الدالة على التنسك [ص: 81] والتزهد (وعمله عمل الجبارين) أي كعملهم في البطش بالخلائق ونسيان نقمة الخالق وعدم التخلق بالرحمة والتهافت على جمع الحطام. والجبار المتكبر المتمرد العاني. وقال القاضي: فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره وهو من يجبر الناس على ما يريده. وقال الزمخشري: الجبار الذي يفعل ما يريد من ضرب وقتل فيظلم لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن وقيل المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله تعالى انتهى. وذلك لأن أحب الخلق إلى الله تعالى الأنبياء والصديقون فأبغض الخلق إليه من يتشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مرائي كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب. وفيه أن من ظهر من جهال الطريق وبرز بالعدول عن التحقيق وتقشف تقشف أهل التجريد وتمزق حتى أوقع عقول العامة في الحرج الشديد فهو من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم قي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (عق) وقال في الأصل إنه منكر وأقره عليه (فر) كلاهما من حديث يحيى ابن عثمان عن أبي صالح كاتب الليث عن سليم بن عيسى عن النوري عن جعفر بن برقان عن ميمون (عن عائشة) ويحيى جرحه ابن حبان وكاتب الليث فيه مقال وسليم متروك مجهول وابن برقان لا يحتج به. ولهذا قال ابن الجوزي: موضوع وأقره عليه في الأصل. وقال العقيلي: منكر وفي الميزان باطل. وبه علم أن عزو المؤلف الحديث للعقيلي وسكونه عما عقبه به من الرد غير صواب وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 57 - (أبغض الناس إلى الله) أي أبغض عصاة المؤمنين إليه كما أفاده القاضي: المراد بالناس المقول عليهم جميع عصاة الأمة وأن الكافر أبغض من هؤلاء المعدودين وقول الطيبي: أراد بالناس المسلمين بدليل قوله " ومبتغ في الإسلام " (ثلاثة) أحدهم إنسان (ملحد) بالضم أي مائل عن الاستقامة (في) حق (الحرم) المكي بأن هتك حرمته بفعل محرم فيه من الإلحاد وهو الميل عن الصواب أو من اللحد وهو الحفرة المائلة عن الوسط ومصداقه {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} ذكره القاضي. قال الزمخشري: ومن المجاز لحد السهم عن الهدف ولحد عن القصد عدل عند والحد في دين الله والحد في الحرم ولحد إليه مال إليه انتهى. وقال الراغب: ألحد بلسانه إلى كذا مال ومنه {الذين يلحدون في آياتنا} واحد مال عن الحق والإلحاد ضربان إلحاد إلى الشرك بالله وإلحاد إلى الشرك بالأسباب فالأول ينافي الإيمان ويبطله والثاني يوهن عراه ولا يبطله وذلك لهتك حرمته مع مخالفته أمر ربه فهو عاص من وجهين فهو بالبغض جدير. واستشكل بأن ظاهره أن فعل الصغيرة في الحرم المكي أشد به من فعل الكبيرة في غيره واجيب بأن الإلحاد عرفا يستعمل في الخارج عن الدين فإذا وصف به من ارتكب محرما كان إشارة إلى عظمه ويدل عليه آية {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} الآية فإن الإتيان بالجملة الاسمية يفيد ثبوت الإلحاد ودوامه والتنوين للتعظيم فهو إشارة إلى عظم الذنب. قالوا وهذا من خصائص الحرم فإنه يعاقب الناوي للشر فيه إذا عزم عليه ولم يفعله. وذهب بعض الصحابة إلى أن السيئات تتضاعف فيه كالحسنات (و) ثاني الثلاثة (مبتغ) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح الفوقية وعين معجمة طالب (في الإسلام) أي في دينه (سنة الجاهلية) أي إحياء طريقة أهل زمن الفترة سمي به لكثرة الجهالة فيه كقتل البنات والطيرة والكهانة والنياحة والميسر والنيروز ومنع القود عن مستحقه وطلب الحق ممن ليس عليه كأصله وفرعه فإطلاق السنة على فعل الجاهلية ورد على أصل اللغة أو للتهكم (و) الثالث (مطلب) بالضم وشد الطاء وكسر اللام مفتعل من الطلب أي متطلب فأبدلت التاء طاء وأدغم أي التكلف للطلب المبالغ فيه (دم) أي إراقة دم (امرئ) مثلث الراء أي رجل وهو للذكر وخص بالذكر هنا وفي نظائره لشرفه وأصالته وغلبة دوران الأحكام عليه كما مر في الخنثى والأنثى مثله في الحكم وما ذكر من أن المرء يختص بالذكر هو ما عليه كثير لكن قال الحراني: المرء اسم سن من سنان الضبع يشارك [ص: 82] الرجل فيه المرأة ويكون له فيه فضل ما " والدم " رزق البدن والأقرب إليه المحيط به ولم يقيد هنا بالمسلم اكتقاء بقوله (بغير الحق) وقيده به في رواية زيادة للبيان فخرج نحو حربي ومرتد وقاطع طريق ومهدر بأي سبب كان والقود (ليهريق) بضم أوله وهاء مفتوحة قد تسكن أي يصب (دمه) أي يقتله بنحو ذبح أو ضرب عنق بنحو سيف فيسيل دمه وخص هذه الكيفية المشتملة على إسالة الدم لكونها أغلب طرق القتل والمراد إزهاق روحه بمحدد أو مثقل أو غيرهما كنحو سم ولما كان المنع من إراقة الدم أعظم المقاصد أو هو أعظمها أعاده صريحا ولم يكتف بيهريقه وإن كفى والمراد الطلب المترتب عليه المطلوب أو ذكر الطلب ليلزم في الإهراق بالأولى ففيه مبالغة ذكره الكرماني. وإنما كان هؤلاء الثلاثة أبغض المؤمنين إليه لأنهم جمعوا بين الذنب وما يزيد به قبحا من الإلحاد وكونه في الحرم وإحداث البدعة في الإسلام وكونها من أمر الجاهلية وقتل نفس لا لغرض بل بمجرد كونه قتلا ويزيد القبح في الأول باعتبار المحل وفي الثاني باعتبار الفاعل وفي الثالث باعتبار الفعل. قال القاضي: القاتل بغير حق يقصد ما كرهه الله من وجهين من حيث كونه ظلما والظلم على الإطلاق مكروه مبغوض ومن حيث كونه يتضمن موت العبد ومساءته والله يكره مساءته فلذلك استحق مزيد المقت وفي كل من لفظتي المبتغى والمطلب مبالغة أخرى وذلك لأن هذا الوعيد إذا ترتب على الطالب والمتمني فكيف بالمباشر (خ) في الديات وكذا في البيهقي والطبراني (عن ابن عباس) ولم يخرجه مسلم الحديث: 57 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 58 - (ابغوني) بالوصل من الثلاثي فهو مكسور الهمز أي اطلبوا لي طلبا حثيثا يقال ابغني مطالبي اطلبها لي وفي رواية بالقطع من الرباعي فهو مفتوح الهمزة أي أعينوني على الطلب يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه قال رؤية:. . . فاذكر بخير وابغني ما ينبغي. . . أي اصنع بي ما ينبغي أن يصنع. ذكره الزمخشري. قال ابن حجر: والأول أليق بالقياس وأوفق في المذاق وقال الزركشي الأول هو المراد بالحديث قال تعالى {يبغونكم الفتنة} أي يطلبونها لكم (الضعفاء) من يستضعفهم الناس لفقرهم ورثاثتهم. قال القاضي: أي اطلبوا لي وتقربوا إلي بالتقرب إليهم وتفقد حالهم وحفظ حقوقهم والإحسان إليهم قولا وفعلا واستنصارا بهم. قال الراغب: والضعف يكون في البدن وفي النفس وفي الحال وهو المراد هنا (فإنما ترزقون) تمكنون من الانتفاع بما أخرجنا لكم (وتنصرون) تعانون على عدوكم ويدفع عنكم البلاء والأذى. قال القاضي: والنصرة أخص من المعونة لاختصاصها بدفع الضر. قال الحراني والنصر لا يكون إلا لمحق وإنما لغير المحق الظفر والانتقام (بضعفائكم) بسبب كونهم بين أظهركم أو بسبب رعايتكم ذمامهم أو ببركة دعائهم والضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص واستعان بالله فكانت له الغلبة وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته فتعجبه نفسه غالبا وذلك سبب للخذلان كما أخبر الله تعالى عن بعض من شهد وقعة حنين وفي رواية (في ضعفائكم) وفي أخرى (في الضعفاء) بزيادة في. قال الزين العراقي: والذي وقع في أصول سماعنا من كتاب الترمذي: (أبغوني في ضعفائكم) وهو عند أبي داود والنسائي بإسقاط حرف الجر: ابغوني الضعفاء وفي مسند أحمد (ابغوني ضعفاءكم) وكذا رواه الطبراني قال وهو أصح من الرواية المتقدمة والمعنى اطلبوا لي ضعفاءكم انتهى. وفي طيه إعلام بإسقاط كلمة النصر بالأسباب والعدة والعدد والآلات المتعبة الشاقة والاستغناء بتعلق القلوب بالله تعالى فنصرة هذه الأمة إنما هي بضعفائها لا بمدافعة الأجسام فلذلك افتتح المصطفى المدينة بالقرآن ويفتح خاتمة هذه الأمة القسطنطينية بالتسبيح والتكبير. قال بعض العارفين: ومن حكمته تعالى أنه أمر بالعدة للعدو وأخذه بالقوة وأخبر أن النصر بعد ذلك يكون بالضعفاء ليعلم الخلق فيما أمروا به من الاستعداد وأخذ الحذر أن يرجعوا للحقيقة ويعلموا أن النصر من عند الله يلقيه على يد الأضعف فالاستعداد [ص: 83] للعادة والعلم بجهة النصر في الضعيف للتوحيد وأن الأمر كله لله عادة وحقيقة يدبره كيف شاء. قال الطيبي: وفيه نهي عن مخالطة الأغنياء وتحذير من التكبر على الفقراء والمحافظة على جبر خواطرهم ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرن أحدا لخلقان ثيابه فإن ربك وربه واحد. وقال ابن معاذ: حبك الفقراء من أخلاق المرسلين وإيثارك مجالستهم من علامات الصالحين وفرارك منهم من علامات المنافقين. وفي بعض الكتب الإلهية أوحى الله إلى بعض أنبيائه احذر أن أمقتك فتسقط من عيني فأصب عليك الدنيا صبا قالوا: خرج موسى يستسقي لبني إسرائيل في سبعين ألفا بعد أن أقحطوا سبع سنين فأوحى الله إليه كيف أستجيب لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم سرائرهم ارجع إلى عبد من عبادي يقال له برخ وقل له يخرج حتى أستجيب له فسأل عنه موسى فلم يعرفه فبينا هو ذات يوم يمشي إذا بعبد أسود يمشي بين عينيه أثر السجود في شملة عقدها على عنقه فعرفه بنور الله فسلم عليه وقال: إنك طلبتنا منذ حين استسق لنا فخرج فقال في كلامه: ما هذا فعالك وما هذا من حلمك وما الذي بدا لك أنقصت غيوثك أم عاندت الرياح طاعتك أم نفد ما عندك أم اشتد غضبك على المذنبين ألست كنت غفارا قبل خلق الخاطئين خلقت الرحمة وأمرت بالعطف ترينا أنك ممتنع أو تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة فما برح حتى أخصبت بنو إسرائيل بالقطر وأنبت الله العشب في نصف يوم قال حجة الإسلام فهذا عبد غلب عليه الأنس فلم ينغصه خوف التغير والحجاب فأثمر نوعا من الانبساط وذلك محتمل في مقام الأنس ومن لم يكن في مقامه وتشبه به هلك فالله الله في نفسك <تنبيه> هذا الحديث وما على منواله: " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم " قد وقع التعارض ظاهرا بينه وبين خبر مسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " وعند التأمل لا تدافع إذ المراد بمدح القوة القوة في ذات الله وشدة العزيمة وبمدح الضعف لين الجانب ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار أو المراد بذم القوة التجبر والاستكبار وبذم الضعف ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار على أنه لم يقل هنا أنهم ينصرون بقوة الضعفاء وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم أو نحو ذلك مما مر (حم م حب ك) كلهم في الجهاد وكذا ابن حبان والطبراني والبيهقي (عن) حكيم هذه الأمة بنص المصطفى (أبي الدرداء) بفتح المهملتين وسكون الراء واسمه عويمر مصغر عامر بن مالك أو ابن عامر أو ابن ثعلبة أو غير ذلك قال الترمذي والحاكم صحيح وأقره الذهبي. وفي الرياض إسناده جيد الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 59 - (أبلغوا) أوصلوا. قال القاضي البلوغ الوصول إلى الشيء ويقال للدنو منه على الاتساع ومنه قوله تعالى {فبلغن أجلهن} (حاجة من لا يستطيع) أي يطيق (إبلاغ حاجته) بنفسه لي أو إلى ذي سلطان وهذا أمر ظاهره الوجوب والترغيب فيه بالوعد بالثواب لا يصلح صارفا للندب. قال جمع: ولا شك في الوجوب في زمنه لأن عدم ضجره وكثرة صبره محقق وأما بعده فشرطه سلامة العاقبة. قال الراغب والحاجة إلى الشيء الفقر إليه مع محبته قال الزمخشري: ما يحتاج إليه ويطلب (فمن أبلغ سلطانا) أي إنسانا ذا قوة واقتدار على إنفاذ ما يبلغه ولو غير ملك وأمير (حاجة من لا يستطيع إبلاغها) دينية أو دنيوية (ثبت الله) دعاء أو خبر (قدميه) أقرهما وقواهما (على الصراط) الجسر المضروب على متن جهنم (يوم القيامة) لأنه لما حركهما في إبلاغ حاجة هذا العاجز جوزي بمثلها وهي ثباتهما على الصراط يوم تزل الأقدام وبه يخرج الجواب عما قيل الجزاء من جنس العمل وفعل المبلغ التبليغ فالمناسب أن يقال بلغت عنه وأصل الصراط الطريق الخطر السلوك وهو كالطريق في التذكير والتأنيث وبينهما في المعنى فرق لطيف هو أن الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان أو لا والسبيل من الطريق ما اعتيد سلوكه والصراط من السبيل ما لا التواء فيه ولا اعوجاج فهو أخص الثلاثة والمراد به هنا ما ينصب بين ظهراني جهنم يوم الجزاء وتحفه خطاطيف وكلاليب [ص: 84] تجري أحوال الناس معها في يوم القرار على حسب مجراهم مع حقائقها ابتداء في هذه الدار ثم المراد بالأفعال الواقعة في هذا الخبر وما قبله وبعده إيجاد حقائقها على الدوام (طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن أبي الدرداء) وفيه إدريس بن يوسف الحراني. قال في اللسان عن ذيل الميزان: لا يعرف حاله. ثم إن المؤلف تبع في عزوه للطبراني الديلمي. قال السخاوي: وهو وهم والذي فيه عنه بلفظ " رفعه الله في الدرجات العلى في الجنة " وأما لفظ الترجمة فرواه البيهقي في الدلائل عن علي وفيه من لم يسم انتهى. فكان الصواب عزوه للبيهقي عن علي الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 60 - (ابنوا المساجد) ندبا (واتخذوها) أي اجعلوها قال الحراني من الاتخاذ افتعال مما منه المؤاخذة كأنه الوخذ وهو تصير في المعنى نحو الأخذ في الحس (جما) بضم الجيم وشد الميم أي اجعلوها ندبا بلا شرف جمع أجم وهو ثور أو كبش بلا قرن فأطلق القرون على الشرف مجازا. قال الزمخشري: من المجاز حصن أجم لا شرف له وقرية جماء وابنوا المساجد جما فيكره اتخاذ الشرف لأنه من الزينة المنهي عنها ومن المحدث: قال المقريزي في تذكرته: مات عثمان والمسجد بلا شرافات وأول من أحدثها عمر بن عبد العزيز. قال الشافعية: وتكره الصلاة في مسجد بشرف لما في سنن البيهقي عن ابن عمر نهانا أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى لما فيه من شغل قلب المصلي ويحرم نقشه واتخاذ شرافات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه (ش هق) من حديث زهدم عن ليث بن أبي سليم عن أيوب (عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه هنا وصرح به في أصله فقال حسن وليس كما ذكر فقد جزم الذهبي وغيره بأن فيه ضعفا وانقطاعا فإنه لما ساقه البيهقي من سنن أبي داود بسنده استدرك عليه فقال قلت هذا منقطع وتقدمه لذلك ابن القطان فقال ليث ضعيف وفيه انقطاع وأطال في بيانه وأقره مغلطاي الحديث: 60 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 61 - (ابنوا مساجدكم) أيها المسلمون (جما) أي مجممة بلا شرف ولا يستقيم جعل المعنى غير مرتفعة نظرا إلى أن المشرف يطلق أيضا على المطول لأنه إن أريد بالطول الامتداد في الجهات الأربع فلا يقول به عاقل لأنه يرجع إلى السعة وتوسيع المسجد مطلوب لا ينهى عنه وإن أريد الارتفاع فهو مأذون فيه بنص الخبر الآتي " ارفع البنيان إلى السماء وسل الله السعة " وأما ما قارنه قصد مباهاة فلا فرق في منعه بين طويل وقصير (وابنوا مدائنكم) بالهمز وتركه قال الكرماني والهمز أفصح جمع مدينة من مدن أقام وهي المصر الجامع وقيل مفعلة من مدنت أي ملكت قال الجوهري سألت أبا علي الفسوى عن همز مدائن فقال من جعله فعيلة همز ومن جعله مفعلة لم يهمز (مشرفة) كمعظمة أي اجعلوها لمساكنها شرافات أو اجعلوا لسورها ذلك أو اجعلوها مرتفعة ارتفاعا حسنا مقتصدا محكما تحصينا لها من العدو وذلك لأن الزينة إنما تليق بالمدن دون المساجد التي هي بيوت الله (ش عن ابن عباس) رمز لحسنه الحديث: 61 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 62 - (ابنوا المساجد) التي هي بيوت الله قال الراغب: المسجد الموضع المعد للصلاة. وقال غيره: لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق منه اسم المكان فقيل مسجد ولم يقل مركع ثم إن العرف خصه بالمكان المهيأ للصلوات الخمس فخرج نحو مصلي العيد ومدرسة ورباط فلا يعطى حكمه لاعدادها لغير ذلك (وأخرجوا القمامة منها) بضم القاف الكناسة. قال الزمخشري تقول بيت مقموم وقممته بالمقمة أي المكنسة وينادى بمكة على المكانس المقام (فمن بنى لله تعالى) أي لأجله ابتغاء لوجهه (بيتا) مكانا يصلى فيه وتقييد البعض بالجماعة غير معتبر (بنى الله له بيتا في الجنة) سعته كسعة المسجد عشر مرات فأكثر كما يفيده التنكير الدال على التعظيم: {من جاء بالحسنة [ص: 85] فله عشر أمثالها} وإسناد البناء إليه سبحانه مجاز. قال الحافظ العراقي: ولا بد لحصول هذا الثواب من اسم البناء فلا يكفي جعل الأرض مسجدا بدونه ولا نحو تحويطه بطين أو تراب ولا يتوقف حصوله على بنائه بنفسه بل أمره كاف والأوجه عدم دخول الباني لغيره بأجرة وقضية إناطة الحكم بالبناء عدم حصوله لمن اشترى بناء ووقفه مسجدا والظاهر خلافه اعتبارا بالمعنى انتهى. وتبعه تلميذه ابن حجر. قال الراغب: والبناء اسم لما يبنى. وقال الزمخشري: مصدر سمى به المبني بيتا أو قبة أو خباء ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا والبيت مأوى الإنسان بالليل ثم قيل من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر أخص ويقع على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر ويعبر عن مكان الشيء بأنه بيته. ولما قال المصطفى ذلك قالوا: يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ قال: " نعم " هكذا هو ثابت في رواية من عزى المؤلف له الحديث ثم لما ذكر جزاء البناء عقبه بذكر جزاء إخراج القمامة على طريق اللف والنشر فقال (وإخراج القمامة) أي الزبالة (منها مهور الحور العين) أي نساء الجنة النجل العيون السود الحدق سمين به لأنهن يشبهن الظباء يعني له بكل مرة من كنسها حوراء في الجنة فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له وهل يدخل الكناس بأجرة أو بمعلوم قياس ما تكرر فيما قبله عدم دخوله والظاهر أنه يشترط لحصول ذلك قصد الامتثال. " والحور " جمع حوراء قال الزمخشري الحور البياض " والعين " جمع عيناء وهي النجلاء العين في حسن وسعة وفيه ندب بناء المساجد. قال النووي: ويدخل فيه من عمره إذا استهدم فيتأكد بناءه وعمارته وإصلاح ما تشعب منه ويسن بناؤه في الدور والمراد بها كما قال ابن دقيق العيد القبائل. وفيه ندب كنسه وتنظيفه وتحريم تقذيره حتى بطاهر لأنه استهانة به <فائدة> أخرج أبو الشيخ [ابن حبان] من مسند عبيدة بن مرزوق كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها المصطفى فمر على قبرها فقال: ما هذا؟ قالوا أم محجن. قال: التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: نعم فصف الناس فصلى عليها ثم قال: أي العمل وجدت أفضل؟ قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ فقال: ما أنتم بأسمع منها. ثم ذكر أنها أجابته: قم المسجد (طب) وكذا ابن النجار (والضياء) المقدسي (في) كتاب الأحاديث (المختارة) مما ليس في الصحيحين (عن أبي قرصافة) بكسر القاف وفاء مخففة الكناني واسمه جندرة بن خيشنة نزل عسقلان روت عنه ابنته. رمز المؤلف لصحته. وإن تعجب فعجب رمزه مع حكم الحافظ المنذري بضعفه وإعلال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي له بأن في إسناده جهالة وقول الحافظ الهيتمي وغيره في إسناده لكن المؤلف اغتر بتصحيح الضياء الحديث: 62 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 63 - (أبن) بفتح فكسر أمر من الإبانة أي أبعد (القدح) بالتحريك الإناء الذي تشرب منه (عن فيك) عند الشرب ندبا ولا تشرب كشرب البعير فإنه يتنفس عند الشرب فيه (ثم تنفس) فإنه أحفظ للحرمة وأبعد عن تغير الماء وأصون عن سقوط الريق فيه وأنفى عن التشبه بالبهائم في كرعها فالتشبه بها مكروه شرعا وطبا لكن هنا شيء ينبغي التفطن له وهو أن الأمر بالإبانة إنما هو فيمن لم يرو من نفس واحد بغير عب ذكره في المطلب والمفهم (هـ سموية) بفتح المهملة وشد الميم مضمومة ومثناة تحت مفتوحة وهو أبو بشر العبدي الفقيه الأصبهاني. قال ابن أبي حاتم ثقة مأمون وأبو نعيم من الحفاظ الفقهاء (في فوائده) الحديثية (هب) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري. رمز المؤلف لحسنه وفيه أمران: الأول أنه يوهم أنه لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل لعزوه لسمويه لما مر عنه ولقول مغلطاي كغيره لا يجوز لحديثي أن يعدل عن الستة ويعزو حديثا لغيرها مع وجوده في شيء منها إلا إن كان فيه زيادة أو نحو ذلك مع أن هذا الحديث رواه مالك في الموطأ والترمذي في الأشربة عن أبي سعيد المذكور وصححه ولفظهما: " نهى عن [ص: 86] النفخ في الشراب فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: أهرقها قال: فإني لا أروى في نفس واحد؟ قال: أبن القدح عن فيك ثم تنفس " انتهى. ورواه أيضا كذلك البيهقي في الشعب. الثاني أن رمزه لحسنه يوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح بل صحيح كيف هو من أحاديث الموطأ الذي ليس بعد الصحيحين أصح منه. وقال الترمذي: حسن صحيح وأقره عليه النووي وغيره من الحفاظ الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 64 - (ابن آدم) منادى محذوف الأداة والابن من البناء لأنه مبني من أبيه ولذلك ينسب المصنوع لصانعه فيقال ابن حرب وبنت فكر وآدم أبو البشر قال القاضي والمراد من ابن آدم آدم وأولاده فكأنه صار اسما للنوع كالإنسان والبشر وصدر به تنبيها للمنادى ليقبل بكليته على ما يلقى إليه (أطع ربك) مالكك الذي رباك بأنواع نعمه وصنوف كرمه ففي ذكره دون غيره تقريع للمكلف وتذكير بآلاء الله عليه (تسمى) أي تستحق أن تسمى (عاقلا) كامل العقل (ولا تعصه فتسمى جاهلا) لأن ارتكاب المعاصي مما يدعو إليه السفه والجهل لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل ومن ركب متن العصيان هو الجاهل السفيه عند أهل الإيمان. العاقل من أطاع الله وإن كان دميم المنظر رث الهيئة. والجاهل من عصاه وإن كان جميل المنظر شريف المنزلة حسن الزي فصوحا نطوقا. روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا. قلت: من لي بالعقل؟ قال: اجتنب مساخط الله وأد فرائضه تكن عاقلا. ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلا ومن ربك قربا وغلبة وعزا " قال الحكيم: وإنما سمي العقل عقلا لأن الجهل ظلمة وعمله على القلب فإذا غلب نوره العقل وبصره في تلك الظلمة وأبصر صار عقالا للجهل. قال الغزالي فالقردة والخنازير أعظم عند الله ممن عصاه. فلا تغتر بتعظيم أهل الدنيا إياهم فإنهم من الخاسرين. وقال الزمخشري: من تضرر من مشقة صرف ساعة للطاعة فوقع بسبب ذلك التضرر في مشقة الأبد كان من أجهل الجاهلين فإن العاقل من قاده عقله إلى طاعة مولاه ولم يتابع نفسه وهواه: ما تبلغ الأعداء من جاهل. . . ما يبلغ الجاهل من نفسه وقال ابن القيم: مخالفة الرب تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفئه وإذا طفئ نوره ضعف ونقص. ولهذا قال حكيم: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله إذ لو حضره عقله حجزه عن العصيان وهو في قبضة الرب وتحت قهره وهو مطلع عليه وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان بالموت والنار ينهاه فهل يقدم على الاستخفاف بذلك والاستهانة به ذو عقل؟ وأخذ أقضى القضاة الماوردي من الخبر أن من صرف فضل عقله إلى المكر والدهاء والشر كزياد وأضرابه من دهاة العرب أن الداهية منهم لا يسمى عاقلا لأن الخير والدين من موجبات العقل وإنما هذا يسمى صاحب رواية ومكر ومن ثم لما عزله عمر قيل له أعن موجدة أو جناية؟ قال: لا عن واحدة منهما إنما خفت أن أحمل الناس على فضل عقله. أرأيت أن الشجاع إذا زاد على حد الشجاعة نسب إلى التهور؟ والسخي إذا زاد على حد السخاء نسب إلى التبذير؟ والعقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم وقيل قوة يتميز بها الحسن عن القبيح وقيل العلم بالمدركات الضرورية وقيل غيرها ومحله القلب أو الدماغ (حل) من حديث علي بن زياد المتوتى عن عبد العزيز بن أبي رجاء عن سهل عن أبيه (عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري. ثم قال: غريب انتهى. وعبد العزيز قال في الميزان عن الدارقطني متروك له مصنف موضوع. ثم ساق له منه هذا قال عقبة في الميزان: هذا باطل وقد اقتصر المؤلف على الرمز لتضعيفه وكان الأولى حذفه الحديث: 64 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 65 - (ابن آدم عندك ما يكفيك) أي يسد حاجتك (وأنت تطلب) أي تحاول أخذ (ما يطغيك) أي يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} فإذا كان عندك ما يكفيك حالا فاشكر نعمة ربك ولا تطلب [ص: 87] زيادة تطغيك (ابن آدم لا بقليل تقنع) أي ترضى لفقر نفسك إلى الزيادة. " والقناعة " الرضا بما قسم وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة وهو معنى قولهم القناعة الرضا باليسير. ولعل المراد هنا بقوله: " تقنع " لا بقيد القلة وإلا لكفى أن يقول لا تقنع ونكتة قصر القناعة على الرضا والنص على لفظ القلة معه رعاية الطباق بين القلة والكثرة المذكورة بقوله (ولا من كثير تشبع) وهو من أنواع البديع المستحسنة والباء في " بقليل " للمصاحبة ومن في " من كثير " بمعنى الباء ثم لما نعى عليه حاله وذم إليه خصاله حثه على الزهادة وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن محصل للغرض وزيادة فقال: (ابن آدم إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (معافى) أي سالما من الأسقام والآثام ومن قصره على الأول فقد قصر. والعافية السلامة ودفع البلاء والمكروه (في جسدك) بدنك. قال الراغب: والجسد كالجسم لكنه أخص فلا يقال الجسد لغير الإنسان أو الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء (آمنا) بالمد وكسر الميم (في شربك) بكسر فسكون نفسك أو بفتح فسكون مذهبك ومسلكك أو بفتحتين بيتك (عندك قوت يومك) ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك وخص اليوم لأنه يستتبعها أو لأن الليل غير محل للاقتيات. قال في الصحاح: القوت ما يقوم به البدن وفي المفردات ما يمسك الرمق (فعلى الدنيا العفا) بفتح المهملة والفاء كسماء الهلاك والدروس وذهاب الأثر. قال الزمخشري: ومنه قولهم عليه العفاء إذا دعا عليه لعفو أثره. والمعنى إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا فدع عنك ما عداه واشتغل بما يقربك إلى الله. قال الغزالي: مهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث مع أنه وبال عليهم ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومر سليمان عليه السلام على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه. فقال: أتدرون ما يقول. قالوا: الله ونبيه أعلم. قال: يقول: أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاخية فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا. وقال صالح بن جناح لابنه: إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك فأكثر الشكر لله. فكم من مسلوب دينه ومنزوع ملكه ومهتوك ستره ذلك اليوم وأنت في عافية ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد وانكفوا بالورع عن الكد وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد وميز القريب من البعيد والشقي من السعيد والسادة من العبيد وهذا هو المهيع الذي قبض بسطة وجوه القلوب فلم يبق للعاقل حظ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته وسترة تواري عورته وما زاد متجر إن أنفقه ربحه وإن ادخره خسره. وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها جزيل نفعها بل هي أجل النعم على الإطلاق وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له أن لا يغفل عن وعظ الناس إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده وترهيب يرده ومواعظ ترققه وأعمال تصدقه وإخلاص يحققه لترتفع أستار الغفلة عن عيون القلوب وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه وبداعة ربطه وبراعة تلاحمه: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} (عد هب) وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار (عن ابن عمر) بن الخطاب ونقله عن ابن عدي وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه والأمر بخلافه. بل قال أبو بكر الداهري أحد رجاله كذاب متروك. وقال الذهبي: متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي وذكر نحوه الحافظ ابن حجر فكان ينبغي حذفه الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 66 - (ابن أخت القوم منهم) لأنه ينسب إلى بعضهم وهي أمه فهو متصل بأقربائه في كل ما يجب أن يتصل به [ص: 88] كنصرة ومشورة ومودة وإفشاء سر ومعونة وبر وشفقة وإكرام ونحو ذلك. قال الطيبي: فمن اتصالية. ومن هذا التقرير تبين أنه لا حجة فيه لمن قال بتوريث ذوي الأرحام. قال ابن أبي جمرة: وحكمة ذكر ذلك إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم الالتفات إلى أولاد البنات فضلا عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا. . . بنوهن أبناء الرجال الأباعد فقصد بالحديث التحريض على الألفة بين الأقارب. قال بعض الأعاظم: ومما يدل على أن الحديث ليس على عمومه أنه لو كان عاما جاز أن ينسب إلى خاله مثلا وكان معارضا للحديث الصحيح: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " إلى غير ذلك من الأحاديث المصححة المصرحة بالوعيد الشديد على ذلك فعلم أنه خاص وأن المراد به أنه منهم في الصلة والمعونة والمدافعة عنه. والابن من البناء لأنه مبنى أبيه كما مر. والأخت تأنيث الأخ وجعل التاء فيها كالعوض من المحذوف منه وهو الواو إذ أصله أخو (حم ق ت ن عن أنس) بن مالك (د) وكذا أحمد والطبراني (عن أبي موسى) الأشعري (طب) وكذا الضياء في المختارة (عن جبير) بضم الجيم مصغرا (ابن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين وبكسر الميم وكسر المهملة الثانية حكاه الكرماني وهو ابن عدي ابن نوفل القرشي من سادات قريش وأعاظمها. أسلم يوم حنين أو يوم الفتح وحسن إسلامه وكان حليما وقورا سيدا سندا (وعن ابن عباس) ترجمان القرآن (وعن أبي مالك) كعب بن عاصم أو عبيد أو عمرو أو الحارث (الأشعري) صحابي مشهور يعد في الشاميين ورواه أيضا أبو يعلى والحاكم وزاد بيان السبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: " اجمع لي من هنا من قريش فجمعهم ثم قال: أتخرج إليهم أم يدخلون؟ قال: أخرج فخرج فقال: يا معشر قريش هل فيكم من غيركم قالوا: لا إلا ابن أختنا فذكره. ثم قال: يا معشر قريش إن أولى الناس بي المتقون فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي " قال أبو البقاء: في من وجهان أحدهما زائدة والتقدير هل فيكم غيركم. الثاني صفة لموصوف محذوف أي أحد من غيركم كقوله تعالى: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق} أي قوم مردوا على كل فالكلام تام وقولهم في الجواب إلا ابن أختنا يجوز رفعه على البدل ونصبه على الاستثناء الحديث: 66 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 67 - (ابن السبيل) أي المسافر والسبيل الطريق. قال في الكشاف: يذكران ويؤنثان سمي به للزومه له (أول شارب) من الشرب. قال الراغب: هو تناول كل مائع أو غيره قال مخرجه الطبراني وتبعه المؤلف (يعني) هو مقدم على المقيم من شربه (من) ماء بئر (زمزم) أي عند الازدحام لمقاساة المشاق وضعفه بالاغتراب واحتياجه إلى إبراد حر فراق الأحباب وظاهر قوله " من زمزم " أن هذه الأولية من خصائصها ولا كذلك ففي خبر البيهقي " ابن السبيل أحق بالماء والظل من الباني عليه " قال ابن الأثير: أراد أن ابن السبيل إذا مر بركية عليها قوم مقيمون فهو أحق بالماء منهم لأنه مجتاز وهم مقيمون. وأخرج البيهقي عن الحسن أن رجلا أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشا فأغرمهم عمر ديته (طس عن أبي هريرة) قال الهيتمي: رجاله ثقات وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته الحديث: 67 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 68 - (أبو بكر) عبد الله أمير الشاكرين أفضل من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء وفاقا من أهل السنة وإلزاما للشيعة بما في الصحيح عن علي كرم الله وجهه أنه خير الناس. أسلم وأبوه وابنه وحفدته ولم يسجد لصنم قط ولا شرب خمرا [ص: 89] وحديث أنه شربها قبل تحريمها وقعد ينوح على قتلى بدر فنزلت آية التحريم باطل ولهذا كانت عائشة تدعو على من ينسبه إليه: تحيا بالسلامة أم بكر. . . فهل لي بعد قومي من سلام وتقول: والله ما قاله. ومن ثم قال الأشعري: لم يزل بعين الرضا وإنما ذكره بكنيته لأن اشتهاره بها أكثر (وعمر) الفاروق ذو المقام الثابت المأنوق الذي أعز الله به دعوة الصادق المصدوق وفرق به بين الفصل والهزل وأظهر نواميس الفضل والعدل وأيد بما قواه به من لوامع الطول المديد شواهق التوحيد فظهرت الدعوة ورسخت الكلمة بما منحه الله من الصولة حتى شيدت الدولة (سيدا كهول أهل الجنة) يعني الكهول عند الموت لأنه ليس في الجنة كهل إذ هو من ناهز الأربعين وخطه الشيب وأهل الجنة في سن ثلاث وثلاثين فاعتبر ما كانا عليه عند فراق الدنيا ودخول الآخرة كذا قرره القرطبي وغيره وهو غير قويم إذ لو اعتبر ما كانا عليه عند الموت لما قال كهول بل شيوخ لأنهما ماتا شيخين لا كهلين فالأولى ما صار إليه بعضهم من أن المراد بالكهل هنا الحليم الرئيس العاقل المعتمد عليه يقال فلان كهل بني فلان وكاهلهم أي عمدتهم في المهمات وسيدهم في الملمات على أن ما صار إليه أولئك من أن الكهل من ناهز الأربعين غير متفق عليه ففي النهاية الكهل من زاد عن ثلاثين إلى أربعين وقيل من ثلاث وثلاثين إلى خمسين وفي الصحاح من جاوز الثلاثين وخطه الشيب نعم ذكر الحراني أن الكهولة من نيف وأربعين إلى نيف وستين وعليه يصح اعتبار ما كانا عليه قبل الموت (من الأولين والآخرين) أي الناس أجمعين. وهذا إطناب أتي به لقصد التعميم ودخول الكافة تحت حيطته إلا ما أخرجه بقوله (إلا) وفي رواية لكثيرين ما خلا (النبيين والمرسلين) زاد في رواية " يا علي لا يخبرهما " أي قبلي ليكون إخباري لهما أسر لهما لا أن ذلك لخوف الفتنة عليهما فقد أخبرهما بما هو أعظم ولم يفتتنا (حم ق) في المناقب (هـ عن علي) قال الصدر المناوي سنده سند البخاري (هـ عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة وسكون المثناة تحت وبالفاء السوائي بضم المهملة وخفة الواو وبالمد واسمه وهب بن عبد الله أو وهب بن وهب بن سواء بن عامر بن صعصعة ويقال له وهب الخير كان علي يحبه وولاه بيت المال (ع والضياء) المقدسي (في المختارة عن أنس) بن مالك (طس) وكذا الحاكم في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله. قال الهيتمي رواه عن شيخه المقدام بن داود وقد ضعفه النسائي وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن أبي سعيد) الخدري. قال الهيتمي: فيه علي بن عابس وهو ضعيف. فرمز المؤلف لصحته ينزل على الطريق الأول أو مراده المتن الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 69 - (أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس) أي هما مني في العزة كذلك أو هما من المسلمين بمنزلة السمع والبصر من البدن أو منزلتهما في الدين بمنزلتهما في البدن ويرجح الأخير بل تعينه رواية أبي نعيم: " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس " قال القاضي: وإنما وصفهما بذلك لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعهما وشدة حرصهما على النظر في الآيات في الأنفس والآفاق والتأمل فيها والاعتبار بها انتهى. وذلك منه إشارة إلى وجه حكمة تخصيص السمع والبصر دون غيرهما من الحواس والجوارح وقد عمل أبو بكر في الردة ما لم يلحقه فيه أحد ولم يكن بعده ردة مثلها إلى الآن فبعلمه رد الله الإسلام إلى الأمة فيا لها من فعلة توازي عمل الأمة. ومن ثم وزن بهم فرجحهم أما علمت أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ثم لم يجد مهلة حتى يمهد الإسلام ويجلى غريبه ويوضع المعالم ويمصر الأمصار ففعل ذلك عمر حتى ضرب الناس بعطن وأوسع منهل الدين وذلك ليس لأحد إلى مثله من سبيل. وعثمان وإن كان أحيى الأمة وعلي وإن كان أقضى الصحابة والأقضى كما قال السمهودي وغيره أعلم لكنهما وجدا الأمر مفروغا منه فلم يبق إلا التمسك به فبذلك اتضح قول الخبر هما مني بمنزلة السمع والبصر. " والبصر " إدراك العين ويطلق على القوة الباصرة وعلى العضو وكذا السمع (ع) وكذا الحاكم في تاريخه (عن [ص: 90] المطلب) بفتح الطاء المشددة (ابن عبد المطلب بن حنطب) بفتح المهملة وسكون النون وطاء مهملة مفتوحة المخزومي روى عن أبيه وأبي هريرة. وعنه ابناه. قال أبو زرعة: ثقة. وفي التقريب: صدوق كثير التدليس (عن أبيه) عبد الله قال الذهبي: قيل له صحبة ونفاها الترمذي. وقال في التقريب: مختلف في صحبته وله حديث مختلف في إسناده وهو هذا (عن جده) حنطب بن الحارث بن عبيد المخزومي أسلم يوم الفتح (قال) الحافظ أبو عمرو (بن عبد البر) النمري في الاستيعاب: (وماله) حديث (غيره) . قال في الإصابة: واختلف في إسناده اختلافا كثيرا انتهى. وفي أسد الغابة حنطب هذا له حديث واحد إسناده ضعيف وهو هذا (حل) وكذا ابن النجار (عن ابن عباس) وفيه الوليد بن الفضل عن عبد الله بن إدريس. قال الذهبي في الضعفاء: مجهول واه (خط عن جابر) ابن عبد الله لكن بلفظ " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس " ورواه الطبراني أيضا قال الهيتمي ورجاله ثقات انتهى. فكان ينبغي للمؤلف عزوه إليه الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 70 - (أبو بكر خير الناس) لفظ رواية من عزاه له المؤلف: " أبو بكر خير الناس بعدي " وهكذا حكاه عنهم في الكبير فسقط من قلم المؤلف لفظ بعدي وفي رواية: " خير أهل الأرض " (إلا أن يكون) أي يوجد (نبي) فلا يكون خير الناس يعني هو أفضل الناس إلا نبي والمراد الجنس. ويكون هنا تامة ونبي مرفوع بها وجواب أن محذوف كما تقرر وهذه البعدية رتبية ويمكن جعلها زمانية والاستثناء لإخراج عيسى وكذا الخضر إن قلنا بما عليه الجمهور أنه نبي (طب عد) وكذا الديلمي والخطيب عن عكرمة بن عمار بن إياس بن سلمة (عن سلمة) بفتح المهملة واللام بن عمرو (بن الأكوع) بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو ومهملة واسم الأكوع سنان أحد من بايع تحت الشجرة كان راميا مجيدا يسبق الفرس. ثم قال مخرجه ابن عدي: هذا الحديث أحد ما أنكر على عكرمة. وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني: فيه إسماعيل بن زياد الأبلي ضعيف انتهى. وفي الميزان: تفرد به إسماعيل هذا فإن لم يكن هو وضعه فالآفة ممن دونه الحديث: 70 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 71 - (أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار) أي الكهف الذي بجبل ثور حين الهجرة كما قال الله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} قالوا: من أنكر صحبة الصديق كفر لإنكاره النص الجلي. وفيه وما قبله جواز التكني بأبي فلان وإن لم يكن اسم ابنه إذ لم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر ولا يشترط للجواز كونه ذا ولد فقد كنيت عائشة بأم عبد الله ولم تلد وكنى المصطفى صلى الله عليه وسلم الصغير فقال يا أبا عمير ما فعل النغير. قال النووي في تهذيبه: ويستحب أن يكنى أهل الفضل من العلماء وغيرهم والتكنية نوع تفخيم للمكنى وإكرام له ومن ثم اختلف في حل كنية الكافر على أقوال ثالثها يجوز للذمي لا الحربي. قال: ويحرم تكنية الإنسان بما يكرهه سواء كان صفة له أو لأحد أصوله أو غير ذلك إلا إن تعين للتعريف وهل الأفضل الاسم أو الكنية قولان في المطامح عن مالك. قال الراغب: والصاحب الملازم إنسانا أو غيره زلا فرق بين كون مصاحبته بالبدن وهو الأصل أو بالعناية والهمة ولا يقال عرفا إلا لمن كثرت ملازمته <تنبيه> قضية تصرف المؤلف أن سياق الحديث هكذا فحسب والأمر بخلافه بل سقط من قلمه بعضه ولفظه عند مخرجه الذي عزاه إليه: " أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا ذلك كله فلو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا " ثم قال: (سدوا كل خوخة) باب صغير (في المسجد) النبوي صيانة له عن التطرق. وقال الزمخشري: الخوخة مخترق بيتين ينصب عليهما باب. وقال مرة [ص: 91] أخرى: الباب الصغير على الباب الكبير. وقال ابن حجر: الخوخة طاقة في الجدار تفتح للضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى محل مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا أطلق عليها باب في بعض الروايات (غير) وفي رواية البخاري " إلا " (خوخة أبي بكر) فلا تسد تكريما له وإظهارا لتميزه بين الملأ. ثم هذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فذلك لأن أهل المنازل الملاصقة للمسجد قد جعلوا لبيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون منها إليه فأمر بسدها وترك خوخة أبي بكر إعظاما له ثم رمز للناس في ضمن ذلك إلى شأن الخلافة وإن أريد بها المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب القالة دون التطرق إليها والتطلع نحوها. قال بعضهم: والمجاز أقوى إذ لم يصح أن أبا بكر كان منزله بلصق المسجد بل بعوالي المدينة فالقصد بالأمر بالسد سد طرق منازعته في الخلافة على طريق الاستعارة. وتعقبه المحب الطبري بأنه كان له أيضا دار بلصق المسجد كما رواه عمر بن شيبة في تاريخ المدينة ثم إن ما ذكر عورض بما في عدة أخبار. قال ابن حجر في موضع بأسانيد قوية وفي آخر برجال ثقات من الأمر بسد كل باب في المسجد إلا باب علي وفي بعضها للطبراني: " قالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها " ولأحمد والنسائي والحاكم: " سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته " قال ابن حجر: ورجال الكل ثقات وللطبراني عن ابن سمرة " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب: وللنسائي من طريق العلاء بن عرار قلت لابن عمر أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه: " وأما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه " قال ابن حجر: ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء. وقد وثقه ابن معين وغيره قال: فهذه أحاديث كل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها. وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضتها لحديث أبي بكر مع أنه قد جمع منهم البزار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى باب علي لأن بابه كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته غيره فلما أمروا بسدها سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول للمسجد منها فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر (عم) وكذا الديلمي وابن مردويه (عن ابن عباس) . قال في الفتح: رجاله ثقات الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 72 - (أبو بكر مني وأنا منه) أي هو متصل بي وأنا متصل به فهو كبعضي في المحبة والشفقة والطريقة أو هو عندي بمكان جليل أو هو بمكان مني في المودة وأنا منه بمكان فيها (وأبو بكر أخي) أي هو في القرب مني واللصوق بي كالأخ من النسب وزاد قوله (في الدنيا والآخرة) إشارة إلى كمال الارتباط وعدم الافتراق إلى الأبد وأصل الأخ المشارك في الولادة والرضاع ويستعار لكل مشارك لغيره في فضيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غير ذلك من المناسبات ذكره الراغب. " والدنيا " تأنيث الأدنى " والآخرة " تأنيث الآخر غلبتا على الدارين فجريا مجرى الأسماء (فر عن عائشة) رمز لضعفه وليس يكفي منه ذلك بل كان ينبغي حذفه إذ فيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة. قال الذهبي في الضعفاء: كذبوه. وفي الميزان عن أبي حاتم: كان يكذب وعن الدارقطني: يضع الحديث. ثم رأيت المؤلف نفسه تعقبه بذلك في الأصل فقال فيه عبد الرحمن بن جبلة كذبوه الحديث: 72 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 73 - (أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان) بن عفان (في الجنة) أمير المؤمنين وأمه بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغر من النبي بست سنين. قال ابن سيرين: كثر المال في زمنه حتى يبعث جارية بوزنها وفرس بمئة ألف ونحلة بألف درهم ذبح صبرا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وله نيف وثمانون سنة وفضائله كثيرة (وعلي) بن أبي طالب (في الجنة [ص: 92] وطلحة) بن عبد الله التيمي (في الجنة) قتل يوم الجمل ومناقبه ستجيء (والزبير) بن العوام حواري رسول الله وابن عمته (في الجنة) كيف لا وهو أول من سل سيفا في سبيل الله قبل بوم الجمل (وعبد الرحمن بن عوف) ابن عبد عوف بن عبد الحارث (في الجنة) بدري ذو هجرتين صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك. قال الزهري: تصدق بأربعين ألف دينار وحمل على خمس مئة فرس في سبيل الله وكان عامة ماله من المتجر ومرض عثمان فعهد له بالخلافة فمات قبله عن خمس وسبعين سنة ونسبه ومن بعده إلى الأب دون من قبله لأن لأولئك من كمال الشهرة ومزيد الرفعة ما يزيد على غيرهم ولهذا كان أفضل العشرة الأربعة ثم طلحة والزبير ثم بقية العشرة (وسعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب بن عيد مناف بن زهرة (في الجنة) كيف لا وهو فارس الإسلام أسلم سابع سبعة مات سنة خمس وسبعين (وسعيد بن زيد في الجنة) هو العدوي من السابقين الأولين أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل عمر مات سنة إحدى وخمسين (وأبو عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح في الجنة) وهو أمين هذه الأمة قتل أباه كافرا غضبا لله ولرسوله وقد سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم مسلك الإطناب حيث لم يقتصر على ذكر الجنة آخرا " قصدا " للكشف بعد الكشف والإيضاح غب الإيضاح ردا على الفرق الزائغة الطاغية الطاعنة في بعضهم. وكما يجب علي التبليغ في مكان الإجمال والإيجاز أن يحمل ويوجز فكذا الواجب في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع يرمون بالخطب الطوال وتارة. . . وحي الملاحظ خفية الرقباء قال بعض المحققين: والتبشير بالجنة لا يلزم منه الأمن من البعد عن كمال القرب وإنما اللازم الأمن من النار على أن الوعد لا يمنع الدهشة والحيرة والخوف عند الصدمة الأولى ومن ثم كانوا باكين خاشعين خائفين من سوء العاقبة سائلين العافية لاحتمالات باقية. فإن قلت: ينافي هذا الحديث ما في مسلم في الفضائل عن سعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي أنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام؟ قلت: لا منافاة لاحتمال أن حديثنا مما لم يسمعه سعد وسمعه غيره. قال ابن جرير: وفيه جواز الشهادة بالجنة لغير نبي وفساد قول من أنكر جوازها لأحد بعد النبي وما ورد في آثار من النهي عنه إنما هو في غير من شهد الله ورسوله له بها. قال: وقد ورد نص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبشارة والشهادة بالجنة لغير العشرة أيضا كالحسنين وأمهما وجدتهما وجمع من الصحب أكثر من أن يحصوا انتهى. فتبين أنه لا تدافع بين هذا وبين تبشير العشرة لأن العدد لا ينفي الزائد ولأن العشرة خصوا بأنهم بشروا بها دفعة واحدة وغيرهم وقع مفرقا وقد شهد الله لأهل بيعة الرضوان بأنه رضي عنهم وهو بشارة بالجنة (حم والضياء) المقدسي في المختارة وأبو نعيم وابن أبي شيبة وغيرهم (عن سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل (ت) وكذا أحمد ولعله أغفله سهوا وأبو نعيم في المعرفة كلهم من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه (عن) جده (عبد الرحمن بن عوف) الزهري وعبد الرحمن هذا تابعي ثقة إمام وأبوه حميد أحد سادات التابعين ومشاهيرهم خرج لهما الجماعة. قال ابن حجر: يكفي من مناقبه هذا الحديث الحسن وحده فكيف مع كثرتها؟ ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده 74 - (أبو سفيان) بتثليث السين واسمه المغيرة (بن الحارث) ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة وأكبر ولد عبد المطلب كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فلما بعث عاداه وهجاه وصار من أشد الناس عليه ثم أسلم عام الفتح وحسن إسلامه (سيد فتيان أهل [ص: 93] الجنة) أي شبابها الأسخياء الكرماء وهذا عام مخصوص بغير الحسنين ونحوهما لأدلة أخرى توفي بالمدينة سنة عشرين وحفر قبره قبل موته بثلاث سنين بنفسه (ابن سعد) في طبقاته (ك) في المناقب (عن عروة) بضم أوله ابن الزبير ابن العوام تابعي كبير فقيه مجمع على جلالته وإمامته وهو أحد الفقهاء السبعة صام الدهر ومات وهو صائم سنة ثلاث أو أربع وتسعين (مرسلا) رواه ابن سعد باللفظ المذكور بلفظ: " سيد فتيان أهل الجنة " فلعل عروة سمعه مرتين ورواه الحاكم والطبراني موصولا بلفظ: " أبو سفيان بن الحارث خير أهل الجنة " قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 73 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 75 - (أتاكم) جاءكم أيها الصحابة وفي رواية لمسلم " جاء " (أهل اليمن) أي طائفة منهم وهو وفد الأشعريين ثم وفد حمير قدموا عليه بتبوك واليمن اسم لما عن يمين القبلة من بلاد الغور (هم أضعف قلوبا) أعطفها وأشفقها وفي رواية للشافعي: " ألين قلوبا " جمع قلب وهو القوة المدركة أو العقل أو العضو يعني اللحم الصنوبري النابت بالجنب الأيسر بناء على مذهب المتكلمين من أنه محل العلم والقوة المدركة قائمة به لا بالدماغ (وأرق أفئدة) ألينها وأسرعها قبولا للحق واستجابة للداعي لأنهم أجابوا إلى الإسلام بدون محاربة للين قلوبهم بخلاف أهل المشرق فهو وصف لهم بسلامة الفطرة إذ القلب القاسي لا يقبل الحق وإن كثرت دلائله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ولا يقبل الآيات إلا من لان قلبه فهو إلى نظر ما في الغيوب أقرب فهما في تفتيق خلال الحجب عن معرفة المراد " والفؤاد " وسط القلب أو غشاؤه أو عينه وصفه بوصفين إشارة إلى أن بناء الإيمان على الشفقة والرأفة على الخلق فمن كان في هذه الصفة أصفى قلبا كان للحكمة أهلا والمراد باللين خفض الجناح والاحتمال وترك الترفع إذ لا يظهر هذا الجلال إلا فيمن لان قلبه وقد قال صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " فنتج أن أهل اليمن أكمل الناس إيمانا وأن الحكمة من أوصاف من كمل إيمانه. قال بعض العارفين: وهذا مدح رفيع اختص به أهل اليمن وإنما يلين القلب لرطوبة الرحمة لأن المعرفة لا ينالها عبد إلا برحمة الله فإذا لان القلب برطوبة الرحمة ورق الفؤاد بحرارة النور ضعف القلب وذبلت النفس فمن لان قلبه أجاب داعي الإيمان بنور الرحمة الذي ناله ومن لم ينله قسا قلبه وعسر انقياده كغصن شجرة يابسة إذا مددته تكسر انتهى. وهذه صفة خواصهم دون عوامهم الذين أجابوا الأسود العنسي وطليحة الأسدي لما ادعيا النبوة على أن أراد به في خصوص هذه الرواية قوما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم إلى بلدهم كما ذكره ابن حجر. قال: وأبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد به واحد هو أويس القرني. ولما وصفهم بالعطف والشفقة والرقة المقتضية لكمال الإيمان أشار إلى أن ثمرة ذلك الفهم والحكمة بقوله (الفقه) أي الفهم في الدين أو أعم. قال الراغب: " الفقه " التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم: {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} (يمان) أي يمني فالألف فيه عوض عن ياء النسبة (والحكمة) قال القاضي: هي اشتغال النفس الإنسانية باقتباس النظريات وكسب الملكة التامة والمداومة على الأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية ولما لم يشمل تعريفه حكمة الله. قال بعض المحققين: الحكمة العلم بالأشياء كما هي والعمل بها كما ينبغي. قال ابن حجر أخذا من كلام النووي: والمراد بها هنا العلم المشتمل على المعرفة بالله. وقال في موضع آخر: أصح ما قيل فيها أنها وضع الشيء في محله (يمانية) بتخفيف الياء وتشدد كما قيل في الاقتضاب وحكاه المبرد وغيره لغة نادرة فلما كانت قلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة وكانت الخلتان منتهى هممهم نسب الإيمان والحكمة إلى معادن نفوسهم ومساقط رؤسهم كنسبة الشيء إلى مقره ومن اتصف بشيء نسب إليه إشعارا بكماله فيه وإن شاركه غيره في ذلك الكمال. وقال ابن حجر: يحتمل أن المراد أن الإيمان يتأخر باليمن بعد فقده من جميع الأرض [ص: 94] حتى تقبض الريح الطيبة أرواح المؤمنين وزعم أن المراد هنا الأنصار لأنهم يمانية أصالة فنسب الإيمان والحكمة إليهم رد بأن المخاطب بقوله: " أتاكم الصحب " كما تقرر وجمهورهم أهل الحرمين وما حولهما فعلم أن المبشر بهم غير المخاطبين (ق ت عن أبي هريرة) وروياه عنه أيضا من وجه آخر بلفظ: " هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم " الحديث: 75 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 76 - (أتاني جبريل) كفعيل بالكسر وفيه نحو عشرين وجها وهو سرياني معناه عبد الرحمن أو عبد العزيز كما صح عن الحبر وإيل اسم الله عند الأكثر. قال البيهقي: واسمه وإن كان أعجميا لكنه موافق لمعناه العربي إذ الجبر إصلاح ما وهي وهو موكل بالوحي المصلح لما وهي من الدين (بالحمى) باؤه للتعدية وهي حرارة بين الجلد واللحم والعظم أنواعها متكثرة (والطاعون) بثرة مع لهب واسوداد من مادة سمية من وخز الجن. قال الزمخشري: هو من الطعن لأنهم يسمون الطواعين رماح الجن (فأمسكت) حبست (الحمى بالمدينة) النبوية لكونها لا تقتل غالبا بل قد تنفع كما بينه ابن القيم. وهذا كان أولا ثم لما رأى ما أصاب أصحابه حين هاجروا إليها من حماها من البلاء والسقم دعى الله فنقلها إلى الجحفة حتى صارت لا يمر بها طائر إلا حم وسقط كما يجيء لكن بقيت منها البقية للتكفير كما يدل له خبر ابن ذبالة مرفوعا فإنه يؤذن كما قال السمهودي ببقاء شيء منها بها كما هو الآن فالذي نقل سلطانا أو أعيد الخفيف منها للتكفير (وأرسلت الطاعون إلا الشأم) كالرأس همزا وتخفيفا وأنكر ابن الأثير المد يذكر ويؤنث إقليم معروف عن شمال القبلة يشتمل على بلاد قاعدتها دمشق سميت به لأن بأرضها شامات ملونة أو لكونها عن شمال القبلة وزعم أنها سميت بسام بن نوح لكونه أول من اختطها رده ابن جماعة بتصريح جمع بأنه لم يدخلها والله قادر على تصوير المعاني المعقولة بهيئة الأجسام المشخصة وخص الشام بإرساله لأنه كان بها في قصة الجبابرة مع موسى ولأنها أخصب الأرض والخصب مظنة الآشر والنظر فجعل بها ليزجرهم عن المنهيات ويقودهم للمأمورات وهذا لم يزل به سلطانها ومن ثم قالوا لا طواعين كطواعين الشام (فالطاعون شهادة) أخروية (لأمتي) أمة الإجابة (ورحمة لهم) أي مغفرة لذنوبهم ورفع لدرجاتهم بشروط تأتي (ورجز) وفي رواية " رجس " أي عذاب نشأ عن غضب. قال الزمخشري: من ارتجز اضطرب لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب (على الكافرين) وفي رواية " الكافر " والمراد به الجنس ولكون هذا كالتتمة والرديف لما قبله لم يراع تمام المقابلة بقوله " ونقمة لهم " قال ابن حجر: هذا يدل على أنه اختارها على الطاعون وأقرها بالمدينة ثم دعا الله فنقلها بالجحفة كما في الصحيحين وبقي منها بقية ولا يعارضه الدعاء برفع الوباء عنها لندرة وقوعه فيها بخلاف الطاعون لم ينقل قط أنه دخلها انتهى. وخص الجحفة بنقلها إليها لأنها كانت مساجد اليهود واستشكل نقل الحمى إليها مع جعلها ميقاتا للحج وأجيب بأنه لما علم من قواعد الشرع أنه لا يأمر بما فيه ضرر وجب حمل ذلك على أنها انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها (حم وابن سعد) في الطبقات والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي والماوردي وأبو نعيم وابن عساكر (عن أبي عسيب) بمهملتين كعظيم ويقال عصيب بصاد مهملة مولى المصطفى له صحبة وسماع ورواية واسمه أحمد. قال الهيتمي: رجال أحمد ثقات ولذلك رمز المؤلف لصحته الحديث: 76 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 77 - (أتاني جبريل) لم يقل قال لي جبريل إيذانا بأنه أمر يهتم به بحيث أتاه تلك المرة خصوص ذلك القول اهتماما بشأنه فلم يكن ذكره له بطريق العرض في أثناء حديث فاوضه فيه وفي رواية للبخاري: " عرض لي في جانب [ص: 95] الحرة (فقال: بشر أمتك) أمة الإجابة بقرينة ذكره البشارة ولو قال قل لأمتك لصلح لإرادة العموم (أنه) أي الشأن (من مات لا يشرك بالله شيئا) أي غير مشرك به شيئا فهو نصب على الحال من ضمير مات واقتصر على نفي الشرك لظهوره في ذلك الزمن والمراد مصدقا لما جاء به الشرع من كل ما يجب الإيمان به إجمالا في الإجمالي وتفصيلا في التفصيلي وجواب الشرط (دخل الجنة) أي عاقبة أمره دخولها وإن مات مصرا على الكبائر ودخل النار (قلت يا جبريل) ناداه ليقبل على استماع سؤاله فيجيبه ويتلذذ بذكر اسم الجبيب (وإن سرق وإن زنى) أي أيدخل الجنة وإن سرق وإن زنى؟ ففيه استفهام مقدر ووجه الاستفهام ما تقرر عنده قبل ذلك من الآيات الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار فلما سمع أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة أستفهم عن ذلك بقوله " وإن " إلى آخره (قال نعم) يدخلها وإن فعل ذلك وإنما بشره جبريل بذلك بأمر تلقاه عن ربه فكأنه تعالى قال له بشر محمدا أن من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن وقع منه ذلك ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث. باب كلام الرب مع جبريل ثم أورده (قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم) كرر الاستفهام استثباتا واشتياقا واستعظاما لشأن الدخول مع مباشرة الكبائر أو تعجبا منه واقتصر من الكبائر على ذينك لأن الحق إما لله أو للعباد فأشار بالزنا إلى الأول وبالسرقة إلى الثاني وبين أن دخول الجنة لا يتوقف على تجنبهما. قال السكي: وآثر ذكر السرقة على القتل مع كونه أقبح لكثرة وقوعها وقلة وقوع القتل فآثر ما يكثر وقوعه لشدة الحاجة للسؤال عنه على ما يندر. قال: والأحاديث الدالة على دخول من مات غير مشرك الجنة يبلغ القدر المشترك منها مبلغ التواتر وهي قاصمة لظهور المعتزلة الزاعمين خلود أرباب الكبائر في النار ثم أكد جبريل ما ذكره تتميما للمبالغة بقوله: (وإن شرب الخمر) فإن شربها لا يمنعه من دخولها ونص عليه إشارة إلى نحوسة هذه الكبيرة وفظاعتها لأنها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الإنسان على غيره من الحيوان وبوقوع الخلل فيه يزول التوقي الحاجز عن ارتكاب بقية الكبائر فأعظم به من مفسدة ومع ذلك يدخل شاربه الجنة وفيه إشعار بأن مجيء جبريل وإخباره بذلك كان بعد تحريمها (حم ت) وقال صحيح (ن جب عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة أو يزيد بن عبد الله أو زيد بن جنادة أو جندب بن عبد الله أو جندب بن يشكر أو غير ذلك والأصح الأول من أكابر الصحابة وأفاضلهم وقدمائهم الحديث: 77 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 78 - (أتاني جبريل) وفي رواية عرض لي الظهر (فبشرني) أخبرني بما يسرني بأن قال لي (من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا) أي وشهد بأنك رسوله ولم يذكره اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر لما مر (دخل الجنة) وإن لم يتب ولم يعف عنه (فقلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق) وارتكب كل كبيرة واقتحم كل فجور فلا بد من دخوله إياها إما ابتداء إن عفي عنه أو بعد دخوله النار حسبما نطقت به الأخبار الدالة على أنه لا يبقى في النار موحد فالكبائر لا تسلب الإيمان ولا تحبط الطاعة إذ لو كانت محبطة موازنة أو غيرها لزم أن لا تبقى لبعض الزناة أو السراق طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخول الجنة وبما تقرر آنفا علم أن جواب أن محذوف لدلالة الواو عليه لأنها ترد الكلام على أوله ولو سقطت الواو لكان الزنا والسرقة شرطا في دخول الجنة فالمعنى وإن زنى وإن سرق لم يمنعه ذلك من دخولها ثم إن في اختلاف هذا الحديث وما قبله زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا مع اتحاد الصحابي إما لأنه سمعه من المصطفى مرتين كذلك [ص: 96] أو حكاه بلفظه مرة وبمعناه أخرى وسكت عن الخمر في إحدى الروايتين سهوا أو لعروض شاغل (تتمة) سئل شيخ الطائفة الجنيد: هل يسرق العارف؟ قال: لا قيل: فهل يزني؟ فأطرق مليا ثم قال: {وكان أمر الله قدرا مقدورا} . <تنبيه> قال بعض المحققين: قد تتخذ البطلة أمثال هذه الأخبار ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظنا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية لا أثر له فتفضي إلى الانخلاع من الدين وانفكاك قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى هملا وذلك مفض إلى خراب الدنيا والآخرة مع أن قوله في بعض طرق الحديث " أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا " يتضمن اشترط العمل فيجب ضم بعض الأحاديث إلى بعض فإنها كالحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها انتهى. وهذه قعقعة لا حاجة إليها مع ما قررناه أنفا أن كل من مات مؤمنا دخل الجنة فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخلها وحرم على النار وإلا فيقطع بدخوله الجنة آخرا وحاله قبل ذلك في خطر المشيئة إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه كما قال النووي أنه مذهب أهل السنة قال الطيبي: وهو قانون عظيم في الدين وعليه مبني قواعد الجماعة أن الحسن والقبح شرعيان وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (ق عن أبي ذر) قال: واللفظ للبخاري. سببه " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة فاستقبلنا أحدا فقال: يا أبا ذر ما يسرني أن عندي مثل هذا ذهبا يمضي علي ثلاث وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وشماله وخلفه ثم قال: مكانك لا تبرح حتى آتيك ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عرض له فأردت أن أتبعه فذكرت قوله لا تبرح فلم أبرح حتى أتاني فقلت: سمعت صوتا تخوفت منه قال: وهل سمعته قلت: نعم قال: ذاك جبريل أتاني " فذكره الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 79 - (أتاني جبريل) في حجة الوداع (فقال يا محمد كن عجاجا) رافعا صوتك بالتلبية (ثجاجا) بالتشديد فيهما سيالا لدماء الهدي بأن تنحرها أو المراد الأمر بالحج نفسه أي حج الحج الذي فيه العج الثج وأراد بهما الاستيعاب فابتدأ بالإحرام الذي هو الإهلال وختم بالتحلل الذي هو إهراق دماء الهدي فاقتصر بالمبدأ والمنتهى عن جميع الأعمال. والمعنى كن حاجا حجا تستوعب فيه جميع أعماله من أركان وشروط وآداب. أفاده بعض الأعاظم (حم والضياء) المقدسي وكذا الطبراني وابن لال والديلمي (عن السائب بن خلاد) ابن سويد الخزرجي الكعبي المدني له صحبة ولي إمارة اليمن لمعاوية. قال الهيتمي: فيه ابن اسحاق ثقة لكنه مدلس الحديث: 79 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 80 - (أتاني جبريل فقال يا محمد) صرح باسمه تلذذا بذكره وتيمنا وإشعارا بكونه محمودا في الملأ الأعلى (كن عجاجا بالتلبية) أي رافعا صوتك بقول لبيك اللهم لبيك أي إجابة بعد إجابة ولزوما لطاعتك بعد لزوم فالتثنية للتأكيد لا تثنية حقيقية وأصل التلبية إجابة النداء. وهي من آداب الخطاب تدل على تعظيم الداعي في إجابته (ثجاجا بنحر البدن) المهداة أو المجعولة أضحية " والعج " بفتح المهملة وشد الجيم رفع الصوت بالدعاء أو غيره " والثج " بفتح المثلثة وشد الجيم إراقة دم الذبيحة " والبدنة " من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة للذكر والأنثى. وفيه كالذي قبله ندب رفع الصوت بالتلبية في النسك للرجل لكن بحيث لا يتأذى ولا يؤذي وإلا كره لخبر: " اربعوا (1) على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا " ويكثر منها مادام محرما وتتأكد لتغاير الأحوال كصعود وهبوط واجتماع وافتراق وبعد كل صلاة ولو نفلا وإقبال ليل أو نهار وتقتصر المرأة والخنثى على إسماع نفسها فإن جهرت كره ولا يزيد على تلبية المصطفى وهي: " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " فإن زاد لم [ص: 97] يكره عند الشافعي (القاضي عبد الجبار) بن أحمد الهمداني. قال الرافعي: ولي قضاء قزوين وغيرها واعتنى به الصاحب ابن عباد وسأله تقليدا أطنب فيه كعادته وكان شافعيا في الفروع معتزليا في الأصول وأملى عدة أحاديث وصنف كثيرا في التفسير والكلام. قال الخليل: كنيت عنه وكان ثقة في حديثه لكنه داع إلى البدعة لا تحل الرواية عنه. وقال التوحيدي: خبيث المعتقد قليل اليقين انتهى. وبه ضعف الحديث (في أماليه) الحديثية (عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه عنه الإمام الرافعي في تاريخ قزوين بإسناده ولو عزاه المؤلف إليه لكان أولى   (1) [اربعوا: بهمزة وصل وفتح الباء كما في شرح مسلم للنووي. دار الحديث] الحديث: 80 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 81 - (أتاني جبريل فأمرني) عن الله تعالى بدليل الرواية الآتية أمر ندب (أن آمر أصحابي ومن معي) عطفه على أصحابه دفعا لتوهم أن مراده بهم من صحبه وعرف به لطول ملازمته وخدمته دون من رافقه واتبعه وقتا ما فجمع بينهما ليفيد أن مراده بهم من صحبه ولو في وقت حتى من لم يره إلا مرة فالعطف لزيادة الاهتمام بشأن تعليمهم إذ من قرب عهده بالإسلام أو بالهجرة أحق بتأكيد الوصية والتعريف بالسنة والإعلام بالأحكام وأما الخواص فمظنة الإطلاع على خفايا الشريعة ودقائقها واحتمال إرادة المعية في الدين ساقط وفي رواية لمالك والشافعي أو من معي بأو بدل الواو شك من الراوي وتجوز ابن الأثير كون الشك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نوع سهو ولا يعصم عنه ركيك متعسف (أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) إظهارا لشعائر الإسلام وتعليما للجاهل ما هو مندوب في ذلك المقام. قال ابن العربي: وذلك أنهم كانوا يوقرون المصطفى ويمتثلون ما أمروا به من خفض الصوت في التكبير والتسبيح في السفر فاستثنى لهم التلبية من ذلك فصاروا يرفعون أصواتهم بها جدا روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما في الفتح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم وأخرج أيضا بإسناد صحيح عن بكر المزني كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين قالوا: ومعنى التلبية كما في حديث ابن عباس وغيره إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج فأجابوه وهم في الأصلاب والأرحام ومن لم يجبه لم يحج وفيه مشروعية التلبية تنبيها على إكرام الله لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه وقوله بالتلبية هي رواية النسائي وفي رواية الترمذي وابن ماجه بدله بالإهلال ولأبي داود بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما (حم 4 حب ك) وصححه (هق) وكذا مالك والشافعي والضياء في الحج (عن السائب بن خلاد) بن سويد الخزرجي قيل بدري واعترض قال الترمذي: حسن صحيح قال ابن العربي: هذا مع أنه رواه موسى بن عقبة عن المطلب فربك أعلم فلذلك لم يدخله البخاري في صحيحه وأدخل حديث أبي قلابة عن أنس وقال ابن حجر: رجاله ثقات لكن اختلف على التابعي صحابيه الحديث: 81 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 82 - (أتاني جبريل فقال لي: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك) ندبا (أن) أي بأن (يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج) أي من أعلامه وعلاماته وأعماله الواحدة شعيرة أو شعارة بالكسر والمشاعر مواضع النسك وقال الزمخشري أعلام الحج وأعماله وكما أنها من شعار الحج هي من شعار العمرة واقتصر عليه لأنه قاله عند إحرامه بحجة الوداع وأخذ أبو حنيفة بظاهر هذا الخبر وما قبله أن الحج لا ينعقد بدون تلبية وسوق هدي وقياسا على الصلاة ورد الشافعية الأول بأن الأمر للندب وإلا لزم الصوت والثاني بأنه قياس مع وجود الفارق إذ القصد من الصلاة الذكر (حم هـ حب ك) وكذا أبو يعلى وابن خزيمة والطبراني والبيهقي والضياء (عن زيد بن خالد) الجهني الحديث: 82 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 [ص: 98] 83 - (أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك) المحسن إلي وإليك بجليل التربية المزكي لي ولك بجميل التزكية وفي الإضافة تشريف أي تشريف وكما تفيد إضافة العبد إليه سبحانه تشريفه فكذا إضافته إليه تعالى تفيده بل ذلك أقوى إفادة (يقول لك) أطنب بزيادة لك لينبه على كمال العناية ومزيد الوجاهة عنده والرعاية. وفي المعالم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن معنى ورفعنا لك ذكرك فقال: قال الله لا أذكر إلا ذكرت معي فكأنه بعد السؤال جاء وقال إن ربي وربك إلى آخره (تدري) مستفهم عنه حذفت همزته تخفيفا لكثرة وقوعها في الاستفهام أي أتدري (كيف رفعت ذكرك) أي على أي حال وكيفية رفعته إذ كيف اسم مبهم يستفهم به عن الحال والرفع من الرفعة وهي الشرف وارتفاع القدر والذكر إجراء اللفظ المعرب عن الشيء على لسان المتكلم وهو بكسر الذال وهذا الكلام بعد السؤال عنها من قبيل الانبساط مع المحبوب ولأجل زيادة التوجه والانتظار قال: (قلت) في رواية فقلت: (الله أعلم) أي من كل عالم وفيه رد على من كره أن يقال: والله أعلم مطلقا أو عقب ختم نحو الدرس ولا إبهام فيه خلافا لزاعمه بل هو في غاية التفويض المطلوب وحسبك في الرد عليه قوله سبحانه {الله أعلم حيث يجعل رسالته} وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: وأبردها على كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول الله أعلم ولا يعارضه ما في البخاري أن عمر سأل الصحب عن سورة النصر فقالوا الله أعلم فغضب وقال قولوا نعلم أو لا نعلم لأنه فيمن جعل الجواب له ذريعة إلى عدم إخباره عما سئل عنه وهو يعلم (قال لا أذكر) مجهول المتكلم (إلا ذكرت) مجهول المخاطب (معي) أي كثيرا أو عادة أو في مواطن معروفة كالخطب والتشهد والتأذين فلا يصح شيء منها من أحد حتى يشهد أنه رسوله شهادة تيقن وأي رفع أعظم من ذلك؟ وبتأمله يعرف اندفاع الاستيعاب بأن الشهادة الثانية قد لا تذكر فتدبر (ع حب) وابن عساكر والرهاوي في الأربعين (والضياء) المقدسي (في) كتاب (المختارة) مما ليس في الصحيحين (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه الطبراني باللفظ المذكور قال الهيتمي: وإسناده حسن الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 84 - (أتاني جبريل) قال في الربيع ويقال له طاوس الملائكة وكان هذا الإتيان في المدينة كما ذكره ابن الأثير (في خضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين لباس أخضر وروي بسكون الضاد ممدودا ذكره الهروي كالقاضي (تعلق) بمثناة فوقية فمهملة فلام مشددة فقاف مفتوحات (به) أي الخضر (الدر) بضم المهملة اللؤلؤ العظام أي جاءني في لباس أخضر تعلق به اللؤلؤ العظام بأن تمثل له بتلك الهيئة الحسنة وذلك المنظر البهيج البهي فكان يأتيه على هيئات كثيرة ورآه مرتين بصورته الأصلية بست مئة جناح كل جناح يسد ما بين الخافقين وكان يأتيه بصورة دحية وتمثل بمكة بصورة فحل من الإبل فاتحا فاه ليلتقم أبا جهل. واختلف في هذه التطورات فقيل إن الله يفني الزائد من خلقه وقيل مجرد تخلييل للرائي وقيل بالتداخل وقال الراغب: والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد إلى السواد أقرب فلهذا سمي الأسود أخضر وعكسه وقيل سواد العراق للموضع الذي تكثر فيه الخضرة فإن قلت: هل لتمثله له في لباس أخضر دون غيره من الألوان من حكمة؟ قلت: أجل وهي الإشارة إلى أنه كثير الخير والبركة وأن بينه وبينه مودة متأكدة وصداقة ثابتة وهي في كل وقت متجددة وإن ذلك العام خصب وربيع ألا ترى إلى قول الزمخشري من المجاز فلان أخضر كثير الخير والأمر بيننا أخضر جديد لم يخلق والمودة بيننا خضراء؟ انتهى (قط في) كتاب (الإفراد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة (عن ابن مسعود) وضعفه الحديث: 84 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 [ص: 99] 85 - (أتاني جبريل فقال إذا توضأت) من الوضاءة وهي الحسن والنضارة والوضوء بالضم الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به وهل المراد أنه اسم للماء مطلقا أو للمعد للوضوء أو لما استعمل في أعضائه؟ خلاف (فخلل) ندبا مؤكدا (لحيتك) من التخليل وهو تفريق الشعر ونحوه وأصله إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه فيندب تخليل لحية الذكر الكثة والأفضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل ونبه بذكر اللحية على ندب تخليل كل شعر يجب غسل ظاهره فقط لكن يستثنى المحرم فلا يخلل إلا إن أمن انتتاف شيء من شعره يقينا ويأتي إن شاء الله تعالى في عدة أحاديث ندب تخليل أصابع اليدين والرجلين أيضا ويظهر أن تخليل اللحية آكد لاختصاره عليها هنا (ش) وكذا ابن عدي وغيره (عن أنس) رمز لحسنه وهو زلل فقد قال ابن حجر بعد عزوه لابن أبي شيبة وابن ماجه وابن عدي في إسناده ضعف شديد هذه عبارته وقال ابن الهمام وهو معلول لكن يقويه بعض قوة ما رواه ابن منيع والديلمي عن أنس أيضا أتاني جبريل فأمرني أن أخلل لحيتي عند الطهور وفيه الهيثم بن حماد عن الرقاشي قال النسائي وغيره وهما متروكان قال الكمال وللتخلل طرق منكرة عن أكثر من عشرة من الصحابة وبها يتقوى الحديث: 85 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 86 - (أتاني جبريل بقدر) أي بطعام في قدر ويأتي في خبر أنه هريسة وهي لحم وقمح يطبخان معا كما في الوشاح وزاد في رواية ذكرها في الأصل كغيره يقال لها الكفيت بالتصغير والقدر بكسر فسكون إناء يطبخ فيه وهي مؤنثة وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس (فأكلت) أي فقال كل فأكلت (منها) أي مما فيها وكان من طعام الجنة لما رواه أبو نعيم في الطب بإسناد رواه عن معاذ قيل يا رسول الله هل أتيت من طعام الجنة بشيء قال نعم أتاني جبريل بهريسة فأكلتها فزادت قوتي قوة أربعين رجلا في النكاح (فأعطيت قوة) أي قدرة (أربعين) فهي صدقة الاقتدار على الشيء والقوة من أعلى صفات الكمال قال تعالى في صفة جبريل {ذي قوة} . (رجلا) في بعض الروايات حذف المميز وهذه الرواية تفسره وفي رواية زيادة من أهل الجنة والرجل الذكر من بني آدم وقد يقال للجن أيضا بخلاف الملك فقد قال ابن حجر كبعض المتقدمين الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا فلا يقال لهم رجال وأما الجن فيتوالدون فلا يمتنع أن يقال لهم رجال (في الجماع) زاد أبو نعيم عن مجاهد وكل رجل من أهل الجنة يعطى قوة مئة وصححه الترمذي وقال غريب وأربعون في مئة بأربعة آلاف (فإن قلت) هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وسلم من فائدة دينية أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ قلت: نعم بل هي معجزة من معجزاته السنية إذ قد تواتر تواترا معنويا أنه كان قليل الأكل إذ الرحم يجذب قوة الرجل ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء فكثرة الجماع لا تجامع قلة الغذاء عقلا ولا طبا ولا عرفا إلا أن يقع على وجه خرق العادة فكان من قبيل الجمع بين الضدين وذلك من أعظم المعجزات فتدبر ثم رأيت بعضهم قال كان النبي صلى الله عليه وسلم القوة الظاهرة على الخلق في الوطء وكان له في الأكل القناعة ليجمع الله له الفضلين في الأمور الاعتيادية كما جمع له الفضيلتين في الأمور الشرعية ليكون كاملا في الدارين حائزا للفخرين (فإن قلت) إذا كان الجماع مما يمتدح بكثرته فكان القياس أن لا يقتصر منهن على تسع وقد كان لسليمان ألف حليلة وما من فضيلة أوتيها نبي إلا وقد أوتي جامع الرسل مثلها أو أعلى؟ قلت: قلة عدد النسوة مع كثرة الجماع أظهر في المعجزة لأن كثرته في قليلهن أقوى من الكثير في الكثير بشهادة الوجدان قيل: وفيه أن له الزيادة على تسع لأنه لما أعطي قوة ما ذكر من العدد فله التزوج بقدر ما أعطي من القوة وليس في محله إذ العدد القليل منهن يكفي العدد الكثير من الرجال ثم إنه لم يبين هذا المأكول الذي في القدر وبينه في خبر الدارقطني عن جابر وابن عباس [ص: 100] مرفوعا: أطعمني جبريل الهريسة أشد بها على ظهري وأتقوى بها على الصلاة انتهى قال الذهبي: وهو واه. وقال بعضهم: ضعيف جدا بل ألف الحافظ ابن ناصر الدين فيه جزءا ذكر فيه أنه موضوع سماه رفع الدسيسة عن أخبار الهريسة <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الحديث أنه يندب للرجل تناول ما يقوي شهوته للوقاع كالأدوية المقوية للمعدة لتعظم شهوتها للطعام وكالأدوية المثيرة للشهوة ورده الغزالي بأن المصطفى إنما فعل ذلك لأنه كان عنده منهن العدد الكثير ويحرم على غيره نكاحهن إن طلقهن فكان طلبه القوة لهذا المعنى لا للتلذذ والتنعم وبأنه لا يشتغل قلبه عن ربه بشيء فلا تقاس الملائكة بالحدادين قال وما مثال من يفعل ما يعظم شهوته إلا كمن بلي بسباع ضارية وبهائم عادية فينام عنه أحيانا فيحتال لإثارتها وتهييجها ثم يشتغل بعلاجها وإصلاحها فإن شهوة الطعام والوقاع على التحقيق آلام يراد التخلص منها والتداوي لدفعها عند كمل المؤمنين وأساطين المتقين ووجوه العارفين (ابن سعد) في طبقاته (عن صفوان بن سليم) الزهري التابعي (مرسلا) هو الإمام القدوة ممن يستشفى بذكره قيل لم يضع جنبه الأرض منذ أربعين سنة ومناقبه سائرة والحديث وصله أبو نعيم والديلمي من حديث صفوان عن عطاء عن أبي هريرة يرفعه ورواه الخطيب وابن السني في الطب عن حذيفة مرفوعا ثم إن فيه سفيان بن وكيع قال الذهبي عن أبي زرعة متهم بالكذب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شواهد الحديث: 86 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 87 - (أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي) وذلك عند انصرافه من غار حراء كما في الدلائل وغيرها (فعلمني الوضوء) بالضم استعمال الماء في الأعضاء الأربعة بالنية عند الشافعية وكذا بدونها عند الحنفية (والصلاة) الأذكار المعروفة والأفعال المشهورة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم وأصلها الدعاء قال الله تعالى {وصل عليهم} أي ادع لهم وفيما نقله الشرع إليه باشتمال على الدعاء قال في الوفاء لم يذكر كيفية الصلاة في هذا الحديث وقد ذكر في حديث البراء أنها ركعتان وهذه الصلاة كانت نفلا لأن الخمس لم تفرض إلا ليلة الإسراء وقيل بل فرضت الصلاة قبله ركعتين قبل غروب الشمس وركعتين قبل طلوعها ثم فرضت الخمس ليلة الإسراء وهو مروي عن عائشة وغيرها وقيل بل المراد بالصلاة هنا التهجد فإنه فرض عليه ثم نسخ قال السهيلي: فالوضوء على هذا الحديث مكي بالفرض مدني بالتلاوة لأن آية الوضوء كانت قبل فرض الصلاة يعني الصلوات ليلة الإسراء قال: ويقويه قوله في خبر فيه لين أن جبريل علمه إياه حين نزول الوحي عليه في غار حراء وقال: ويؤيده ما في أخبار صحاح أن من قبلنا كانوا يتوضؤن للصلاة كما في قصة سارة والراهب (فلما فرغ الوضوء) أي أتمه (أخذ غرفة من الماء) قال ابن حجر في المختصر: وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف (فنضح) وفي رواية فرش (بها فرجه) يعني رش بالماء الإزار الذي يلي محل الفرح من الآدمي لأن جبريل ليس له فرج إذ الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث كما مر فيندب رش الفرج عقب الوضوء لدفع الوسوسة وفي رواية ذكرها ابن سيد الناس وجهه بدل فرجه وفي رواية الفرج والنضح الرش والفرج أصله فرجة بين شيئين ثم كنى به عن السوأة وكثر حتى صار كالصريح فيه (حم قط ك) وكذا الحارث بن أبي أسامة (عن أسامة) بضم الهمزة (ابن زيد) حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه (عن أبيه زيد) بن حارثة الكلبي مولى الرسول من السابقين الأولين استشهد يوم مؤتة سنة ثمان رمز المؤلف لصحته وليس كما ظن فقد أورده ابن الجوزي في العلل عن أسامة عن أبيه من طريقين في أحدهما ابن لهيعة والأخرى رشدين وقال ضعيفان قال والحديث باطل وقال مخرجه الدارقطني فيه ابن لهيعة ضعفوه وتابعه رشدين وهو ضعيف لكن يقويه كما قال بعض الحفاظ أورده من طريق ابن ماجه بمعناه وروى نحوه عن البراء وابن عباس أما الصحة فلا فلا الحديث: 87 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 [ص: 101] 88 - (أتاني جبريل في ثلاث) أي ثلاث ليال (بقين) هي لغة عدي بن رباب فجعلوا كل يوم ليلة إذ التاريخ بالليالي فإن أول الشهر ليلته قالوا: وليس في العربية محل غلب فيه المؤنث على المذكر إلا في التاريخ (من ذي القعدة) بفتح القاف وتكسر سمي به لأن العرب قعدت فيه عن القتال تعظيما له قال ابن حجر: وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو أنه ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا وإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي (فقال دخلت العمرة) أي أعمالها (في) أعمال (الحج) لمن قرن فكيفية أعمال الحج عنها أو دخلت في وقته وأشهره بمعنى أنه يجوز فعلها فيها وأهل الجاهلية كانوا يرون أن فعلها فيها من أفجر الفجور فأبطله الشرع هذا هو الظاهر المتبادر من فحوى الخبر وتأوله المالكية كالحنفية على معنى سقوط وجوب العمرة بوجوب الحج كما سقط عاشوراء برمضان أي أن الحج أغنى عما دونه فلا يجب وعرض بأن ذلك وإن كان محتملا لكنه محتمل أيضا لأن يكون إشارة إلى القرآن وإلى جواز إيقاعها في أشهر الحج وأنه لا يقبل النسخ ويرشحه ختمه بالتأييد الآتي فحيث تطرق الاحتمال سقط الاستدلال وبقيت أدلة أخرى تدل للوجوب كآية {وأتموا الحج والعمرة لله} ويستمر هذا (إلى يوم القيامة) أول خراب الدنيا وانقراض المؤمنين بالريح الطيبة أي ليس هذا الحكم مختصا بهذا العام بل عام في جميع الأعوام ويلوح من فحواه أن يوم القيامة من الدنيا بمعنى أنه خاتمها ولا يعارضه خبر أشفع يوم القيامة لأن صدره من الدنيا وآخره من الآخرة كما صرح به ما رواه المزني في التهذيب أن الحجاج سأل عكرمة عن يوم القيامة أمن الدنيا أم من الآخرة فقال صدره من الدنيا وآخره من الآخرة (طب عن ابن عباس) رمز المؤلف لحسنه (قلت) كما قال بعضهم (هذا) أي قوله ثلاث إلى آخره (أصل) يستدل به (في) مشروعية (التاريخ) وهو تعريف الوقت من حيث هو وقت والإرخ بكسر الهمزة الوقت يقال أرخت الكتاب يوم كذا وقته به وأرخه وورخه بمعنى ذكره في الصحاح وقيل هو قلب التأخير وقيل معرب لا عربي وقال الصولي: تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه ومنه قيل فلان تاريخ قومه أي إليه ينتهي شرفهم وعرف عرفا بأنه توقيت الفعل بالزمان ليعرف ما بين قدر ابتدائه وأي غاية فرضت له وقيل هو عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده وقيل عبارة عن مدة معلومة تعد من أول زمن مفروض لتعرف الأوقات المحددة فلا غنى عن التاريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية ثم إن ما ذكره من أن هذا أصله مراده به من أصوله وإلا فقد وقع الاستدلال بالتاريخ في النص القرآني {قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} وتفردت العرب بأنها تؤرخ بالسنة القمرية لا الشمسية فلذلك تقدم الليالي لأن الهلال إنما يظهر ليلا قال ابن الجوزي: ولما كثر بنو آدم أرخوا بهبوطه فكان التاريخ إلى الطوفان ثم إلى نار الخليل ثم إلى زمن يوسف ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل ثم إلى زمن داود ثم سليمان ثم عيسى وقيل أرخت اليهود بخراب بيت المقدس والنصارى برفع المسيح وأما تاريخ الإسلام فروى الحاكم في الإكليل عن الزهري معضلا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول وروى أيضا الحاكم وغيره أن عمر جمع الناس في خلافته سنة سبع عشرة فقال بعضهم أرخ بالبعث وقال بعضهم بالهجرة فقال الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فاتفقوا عليه ولم يؤرخوا بالبعث لأن في وقته خلافا ولا من وفاته لما في تذكره من التألم لفراقه ولا من وقت قدومه المدينة وإنما جعلوه من أول المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه إذ البيعة كانت في ذي الحجة وهي مقدمة لها وأول هلال هل بعدها المحرم ولأنه منصرف الناس من حجهم فناسب جعله مبتدأ وفوائد التاريخ لا تحصى منها أنه وقع في زمن الخطيب البغدادي أن يهوديا أظهر كتابا فيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أسقط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة جمع منهم على ذلك فوقع التنازع فيه فعرض على الخطيب فتأمله ثم قال: هذا زور [ص: 102] لأن فيه شهادة معاوية وإنما أسلم عام الفتح وفتح خيبر سنة سبع وشهادة سعد بن معاذ وكان مات عقب قريظة ففرح الناس بذلك الحديث: 88 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 89 - (أتاني جبريل فقال) لي (يا محمد) خاطبه به دون رسول الله أو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المناسب لمقام الوعظ والتذكير والإيذان بفراق الأحباب والخروج من الدنيا ودخول الآخرة والحساب والجزاء وبدأ بذكر الموت لأنه أفظع ما يلقاه الإنسان وأبشعه فقال (عش ما شئت فإنك ميت) بالتشديد والتخفيف أي آيل إلى الموت عن قرب فهو مجاز باعتبار ما يكون في المستقبل قريبا قطعا (وأحبب) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الأولى (من شئت) من الخلق (فإنك مفارقه) بموت أو غيره وما من أحد في الدنيا إلا وهو ضعيف وما بيده عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة قال الغزالي للقصد بهذا تأديب النفس عن البطر والأشر والفرح بنعيم الدنيا بل بكل ما يزايله بالموت فإنه إذا علم أن من أحب شيئا يلزمه فراقه ويشقى لا محالة بفراقه شغل قلبه بحب من لا يفارقه وهو ذكر الله فإن ذلك يصحبه في القبر فلا يفارقه وكل ذلك يتم بالصبر أياما قلائل فالعمر قليل بالإضافة إلى حياة الآخرة وعند الصباح يحمد القوم السرى فلا بد لكل إنسان من مجاهدة فراق ما يحبه وما فيه فرحه من أسباب الدنيا وذلك يختلف باختلاف الناس فمن يفرح بمال أو جاه أو بقبول في الوعظ أو بالعز في القضاء والولاية أو بكثرة الإتباع في التدريس والإفادة يترك أولا ما به فرحه ثم يراقب الله حتى لا يشتغل إلا بذكر الله والفكر فيه ويكف عن شهواته ووساوسه حتى يقمع مادتها ويلزم ذلك بقية العمر فليس للجهاد آخر إلا الموت. قيل صاح طوطي بحضرة سليمان فقال تدرون ما يقول قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول كل حي ميت وكل جديد بال. وقال النسر يقول في صياحه يا ابن آدم اعمل ما شئت آخرك الموت (واعمل ما شئت) من خير (فإنك مجزي به) بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الزاي وشد المثناة تحت أي مقضى عليك بما يقتضيه عملك وبضم الميم وفتح الزاي منونا أي مكافأ عليه. ولما ذكر الموت والمجازاة وخوف بما علم منه أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره أردفه ببيان أعظم نافع من تلك الأهوال فقال (واعلم) بصيغة الأمر إفادة لغير ما علم للدلالة على أنه تعلم وعلم لأن العلم لا يتم حتى يصل إلى الغير فيجمع فضل العلم والتعليم ذكره الحراني (أن شرف المؤمن) رفعته قال الزمخشري من المجاز لفلان شرف وهو علو المنزلة (قيامه بالليل) أي علاه ورفعته إحياء الليل بدوام التهجد فيه والذكر والتلاوة وهذا بيان لشيء من العمل المشار إليه بقوله اعمل ما شئت ولما كان الشرف والعز أخوين استطرد ذكر ما يحصل به العز فقال (وعزه) قوته وعظمته وغلبته على غيره (استغناؤه) اكتفاؤه بما قسم له (عن الناس) أي عما في أيديهم ولهذا قال حاتم لأحمد وقد سأله: ما السلامة من الدنيا وأهلها؟ قال: أن تغفر لهم جهلهم وتمنع جهلك عنهم وتبذل لهم ما في يدك وتكون مما في أيديهم آيسا قال الغزالي: ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان ففي القناعة العز والحرية ولذلك قيل استغن عمن شئت فأنت نظيره واحتج إلى من شئت فأنت أسيره وأحسن إلى من شئت فأنت أميره وقال بعضهم: الفقر لباس الأحرار والغنى بالله لباس الأبرار والقيام انتصاب القامة ولما كانت هيئة الانتصاب أكمل هيآت من له القامة وأحسنها استعير ذلك للمحافظة على استعمال الإنسان نفسه في الصلاة ليلا فمعنى قيام الليل المحافظة على الصلاة فيه وعدم تعطيله باستغراقه بالنوم أو اللهو قال الزمخشري: قام على الأمر دام وثبت. وقد تضمن الحديث التنبيه على قصر الأمل والتذكير بالموت واغتنام العبادة وعدم الاغترار بالاجتماع والحث على التهجد وبيان جلالة علم جبريل وغير ذلك قال الغزالي: جمعت هذه الكلمات حكم الأولين والآخرين وهي كافية للمتأمل فيها طول العمر إذ لو وقف على معانيها وغلبت على قلبه غلبة يقين استغرقته وحالت بينه وبين النظر إلى الدنيا بالكلية والتلذذ بشهواتها وقد أوتي المصطفى صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة (الشيرازي في) [ص: 103] كتاب معرفة (الألقاب) والكنى عن إسماعيل عن زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل بن سعد (ك) في الرقاق من طريق عيسى بن صبح عن زافر (هب) من طريق محمد بن حميد عن عيسى بن صبح عن زافر عن ابن عيينة عن أبي حازم (عن سهل بن سعد) بن مالك الخزرجي الساعدي قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص مع أن زافر أورده هو وغيره في الضعفاء ولهذا جزم الحافظ العراقي في المغني بضعف الحديث قال: وجعله بعضهم من كلام سهل ومراد القضاعي (هب) من طريق أبي داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير (عن جابر) ابن عبد الله (حل) عن محمد بن عمر عن محمد بن الحسن وعلي بن الوليد قالا: حدثنا علي بن حفص بن عمر عن الحسن ابن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسن (عن علي) أمير المؤمنين وزاد في هذه الرواية فقال صلى الله عليه وسلم لقد أوجز لي جبريل في الخطبة قال ابن حجر في أماليه أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن صبح عن زافر وصححه والبيهقي من طريق ابن حميد عن زافر قال: أعني ابن حجر تفرد به بهذا الإسناد زافر وماله طريق غيره وهو صدوق كثير الوهم والراوي عنه فيه مقال لكن توبع قال: وقد اختلف فيه نظر حافظين فسلكا طريقين متناقضين فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي والصواب أنه لا يحكم عليه بصحة ولا وضع ولو توبع زافر لكان حسنا لكن جزم العراقي في الرد على الصنعاني والمنذري في ترغيبه بحسنه الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 90 - (أتاني آت) أي ملك أو هو النفث وهو ما يلقيه الله إلى نبيه إلهاما كشفيا بمشاهدة عين اليقين (من عند ربي) أي برسالة بأمره وأطنب بزيادة العندية إيذانا بتأكد القضية (فخيرني) في الآتي عن الله وعبر بالرب المشعر بالتربية والإحسان والامتنان وتبليغ الشيء إلى كماله لأنه أنسب بالمقام (بين أن يدخل) بضم أوله يعني الله (نصف أمتي) أمة الإجابة (الجنة وبين الشفاعة) أي شفاعتي فيهم يوم القيامة (فاخترت الشفاعة) لعمومها إذ بها يدخلها ولو بعد دخول النار كل من مات مؤمنا كما قال (وهي) أي والحال أنها كائنة أو حاصلة ويحتمل جعل الواو للقسم أي والله هي حاصلة (لمن مات) من هذه الأمة ولو مع إصراره على جميع الكبائر لكنه (لا يشرك بالله شيئا) أي ويشهد أني رسوله ولم يذكره اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر لعلمهم بأنه لابد من الإتيان بهما لصحة الإسلام فالمراد أنه يكون مؤمنا بكل ما يجب الإيمان به وهذا متضمن لكرامة المصطفى على ربه وأفضاله على أمته ووفور شفقة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم قال الحراني: وحقيقة الشفاعة وصلة بين الشفيع والمشفوع له لمزيد وصلة بين الشفيع والمشفوع عنده وقال القاضي: الشفاعة من الشفع كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه والشيء على ما قال سيبويه يقع على كل ما أخبر عنه وهو أعم العام كما أن الله أخص الخاص ويجري على الجسم والعرض والقديم والمعدوم والمحال وقول الأشاعرة المعدوم ليس بشيء معناه ليس يتميز في الأعيان. ثم إنه ليس لك أن تقول هذا يناقضه ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك ولكن وعزتي وكبريائي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله والمراد بالقائل لا إله إلا الله من مات معتقدا لها فهو الذي مات لا يشرك بالله شيئا فإذا لم يكن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكيف قال: إن هؤلاء تنالهم شفاعة لأنا نقول قد قيد المصطفى صلى الله عليه وسلم من تناله شفاعته مع كونه مات غير مشرك بكونه من أمته والذي جاء فيه أنه ليس إليه غير مقيد بها فحصل التوفيق بأن الذين تنالهم شفاعته هم موحدو أمته والذي استأثر الله به موحدو غيرها كما حرره المحقق أبو زرعة (حم عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعرس بنا فانتهيت ليلا لمناخه فلم أجده [ص: 104] فطلبته بارزا فإذا رجل من أصحابي يطلب ما أطلب فطلع علينا فقلنا: أنت بأرض حرب فلو إذ بدت لك حاجة فقلت لبعض صحبك فقام معك فقال: سمعت هزيزا كهزيز الرحى وحنينا كحنين النحل وأتاني آت إلى آخره فكان ينبغي للمؤلف ذكره بتمامه في حرف السين قال الهيتمي: رجال أحمد ثقات (ت حب عن) أبي حماد (عوف) بفتح فسكون (ابن مالك) بن عوف الغطفاني (الأشجعي) نسبة إلى أشجع قبيلة مشهورة صحابي كانت معه راية أشجع يوم الفتح نزل حمص وبقي إلى أول خلافة عبد الملك الحديث: 90 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 91 - (أتاني آت من عند ربي عز وجل فقال من صلى عليك من أمتك) الإضافة للتشريف قال الحراني: الصلاة الإقبال بالكلية على أمر فيكون من الأعلى عطفا شاملا ومن الأدنى وفاء بانحاء التذلل والإقبال بالكلية على التلقي (صلاة) أي طلب لك من الله دوام التشريف ومزيد التعظيم ونكرها ليفيد حصولها بأي لفظ كان لكن الأفضل ما في الصحيح قولوا اللهم صل على محمد وقال من صلى دون من ترحم إيذانا بأنه لا يدعى له بالرحمة كما في الاستذكار وإن كانت بمعنى الصلاة عند كثيرين لأنه خص بلفظها تعظيما فلا ينبغي إطلاقها عليه إلا تبعا للصلاة أو السلام كما في التشهد (كتب الله) قدر أو أوجب أو في اللوح أو في جبينه أو في صحيفته وعلى ما عدا الأولين فإضافة الكتابة للذات المتعالية للتشريف إذ الكاتب الملائكة (له بها عشر حسنات) أي ثوابها مضاعفا إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة لأن الصلاة ليست حسنة واحدة بل حسنات إذ بها تجديد الإيمان بالله أولا ثم بالرسالة ثم بتعظيمه ثم العناية بطلب الكرامة له ثم بتجديد الإيمان باليوم الآخر ثم بذكر الله ثم بتعظيمه بنسبتهم إليه ثم بإظهار المودة ثم بالابتهال والتضرع في الدعاء ثم بالاعتراف بأن الأمر كله لله وأن النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره مفتقر إلى رحمة ربه فهذه عشر حسنات قال الراغب: والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة ينالها الإنسان في نفسه وبدنه ومتعلقاته سميت به لحسنها والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة قال الحراني: والعشرة بعدها الآحاد في أوله وقال القاضي: أول عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد (ومحا) أزال يقال محوته محوا ومحيته محيا أزلته وذلك بأن يمحوها من صحف الحفظة وأفكارهم (عنه عشر سيئات) جمع سيئة أي قبيحة سميت به لسوئها لصاحبها والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ ذكره القاضي (ورفع له) في الجنة (عشر درجات) رتبا عالية فيها والدرجات الطبقات من المراتب قال الزمخشري: من المجاز لفلان درجة رفيعة (ورد عليه مثلها) أي رحمة وضاعف أجره نقله النووي عن عياض ثم قال: وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها كلاما تسمعه الملائكة تشريفا وقال ابن القيم: ليست الصلاة مرادفة للرحمة لعطفها عليها ولأن صلاته خاصة بخواصه ورحمته وسعت كل شيء نعم الرحمة من لوازمها فمن فسرها بها فقد فسرها ببعض لوازمها وما ذكر في هذا الخبر يدل عليه إذ صلاة العبد على النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة الله عليه من جنسها بل ثناء عليه والجزاء من جنس العمل فمن أثنى على رسوله جازاه بمثل عمله بأن يثني عليه فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له فيا لها من بشارة ما أسناها. وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم تقترن الصلاة بسلامة فيشكل على نقل النووي كراهة الإفراد وحصوله مع قرب المصلى عليه وبعده وأنه لا مزية للصلاة عند قبره عليها من بعد لكن ذهب بعضهم إلى أنها عند قبره أفضل (حم) وابن أبي شيبة (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأسارير وجهه تبرق فقلت: ما رأيتك بأطيب نفسا ولا أظهر بشرا من يومك قال: ومالي لا تطيب نفسي ويظهر بشري ثم ذكره رمز المصنف لصحته الحديث: 91 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 [ص: 105] 92 - (أتاني ملك برسالة) أي بشيء مرسل به (من الله) وفي رواية من ربي (عز وجل) يقال حملته رسالة إذا أرسلته للمرسل إليه بكلام وراسله في كذا وبينهما مكاتبات ومراسلات وتراسلوا وأرسلته برسالة وأرسلت إليه أن افعل كذا ذكره الزمخشري والمراد هنا الوحي ولعله مما لم يؤمر بتبليغه وقد جاءه بالوحي جبريل وغيره لكن جبريل أكثر (ثم رفع رجله) بكسر فسكون العضو المخصوص بأكثر الحيوانات ويفهم منه أنه أتاه في صورة إنسان والرفع الاعتلاء ذكره الراغب (فوضعها فوق السماء) وفي رواية السماء الدنيا (والأخرى في الأرض) قال الراغب: الأرض الحرم المقابل للسماء ويعبر بها عن أسفل الشيء كما يعبر بالسماء عن أعلاه (لم يرفعها) تأكيد وتحقيق لما قبله ودفع لتوهم إرادة التجوز لبعده عن الأفهام واستعظامه بين الأنام والقصد بذلك بيان عظم خطوته المستلزم لعظم جثته وأن مسافة خطوته كما بين السماء والأرض والملائكة عند عامة المتكلمين أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة وعند الحكماء جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة وهو قسمان قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الشغل بغيره وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء وجرى به القدر لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كما مر وقد جاء في عظم الملائكة ما هو فوق ذلك فقد ورد: إن لله ملكا يملأ ثلث الكون وملكا يملأ ثلثيه وملكا يملأ الكون كله لا يقال إذا كان يملأ الكون كله فأين يكون الآخران لأنا نقول الأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو وضع سراج في بيت ملأه نورا فلو أتينا بعده بألف سراج وسع البيت أنوارها ذكره العارف ابن عطاء الله عن شيخه المرسي وقد قصر نظر من عزاه لجامع هذا الجامع <تنبيه> ما ذكره من أن سياق الحديث هكذا هو ما في نسخ الكتاب لكن لفظ الكبير أتاني ملك لم ينزل إلى الأرض قبلها قط برسالة من ربي فوضع رجله فوق السماء الدنيا ورجله الأخرى ثابتة في الأرض لم يرفعها انتهى بنصه والمخرج والصحابي متحد (طس) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وهو تقصير بل حقه الرمز لحسنه فإنه وإن كان فيه صدقة بن عبد الله الدمشقي وضعفه جمع لكن وثقه ابن معين ودحيم وغيرهما وهو أرفع من كثير من أحاديث رمز لحسنها الحديث: 92 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 93 - (أتاني ملك فسلم علي) فيه أن السلام متعارف بين الملائكة (نزل من السماء) من النزول وهو الإهواء من علو إلى أسفل (لم ينزل قبلها) صريح في أنه غير جبريل ولا يعارضه رواية المستدرك أتاني جبريل لإمكان تعدد المجيء للبشارة فمرة جبريل وأخرى غيره (فبشرني أن) أي بأن (الحسن والحسين) لم يسم بهما أحد قبلهما ففي طبقات ابن سعد عن عمران بن سليمان أنهما اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية لكن في الكشاف ما يخالفه (سيدا شباب أهل الجنة) أي من مات شابا في سبيل الله من أهل الجنة ولم يرد سن الشباب حقيقة لموتهما وقد اكتهلا وهذا مخصوص بغير عيسى ويحيى لاستثنائهما في حديث الحاكم بقوله إلا ابني الخالة وقيل أراد أن لهما السؤدد على أهل الجنة وعليه فيخص بغير الأنبياء والخلفاء الأربعة (وأن فاطمة) أمهما (سيدة نساء أهل الجنة) قال المصنف فيه دلالة على فضلها على مريم سيما إن قلنا بالأصح أنها غير نبية وكانت فاطمة من فضلاء الصحابة وبلغاء الشعراء وكانت أحب أولاده إليه وإذا قدمت عليه قام إليها وقبلها في فمها زاد أبو داود بسند ضعيف ويمص لسانها. وفضائلها وفضائل ابنيها جمة ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم وثناؤه عليهم ونشره لغرر مآثرهم [ص: 106] وباهر مناقبهم ومفاخرهم من الشهرة بالمحل الأرفع وقد بسط ذلك خلق في عدة مؤلفات مفردة (ابن عساكر) في تاريخه (عن حذيفة) بضم المهملة مصغرا (ابن اليمان) بفتح التحتية والميم واسم اليمان حسل بكسر الحاء المهملة الأولى وسكون الثانية ويقال حسيل بن جابر العبسي بموحدة تحتية ثم الأشهلي حليفهم صاحب السر منعه وأباه شهود بدر استخلاف المشركين لهم ورواه عنه أيضا النسائي خلافا لما أوهمه صنيع المؤلف من أنه لم يخرجه أحد من السنة ورواه بمعناه الحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 94 - (اتبعوا) بتقديم المثناة الفوقية أمر بالإتباع (العلماء) العاملين يعني اهتدوا بهديهم واقتدوا بقولهم وفعلهم وما ذكر من أن الرواية اتبعوا بعين مهملة هو ما وقفت عليه في أصول قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر ورأيت في نسخ من هذا الكتاب ابتغوا بالغين المعجمة وهو تصحيف من النساخ (فإنهم سرج الدنيا) بضمنين جمع سراج أي يستضاء بهم من ظلمات الجهل كما ينجلي ظلام الليل بالسراج المنير. يهتدي به فيه فمن اقتدى بهم اهتدى بنورهم قال الزمخشري من المجاز سرج الله وجهه حسنه وبهجه ووجه مسرج والشمس سراج النهار والهدى سراج المؤمنين ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم السراج الوهاج انتهى. وشبه العالم بالسراج لأنه تقتبس منه الأنوار بسهولة وتبقى فروعه بعده وكذا العالم ولأن البيت إذا كان فيه سراج لم يتجاسر اللص على دخوله مخافة أن يفتضح وكذا العلماء إذا كانوا بين الناس اهتدوا بهم إلى طلب الحق والسنة وإزاحة ظلم الجهل والبدعة ولأنه إذا كان في البيت سراج موضوع في كوة مسدودة بزجاجة أضاء داخل البيت وخارجه وكذا سراج العلم يضيء في القلب وخارج القلب حتى يرق نوره على الأذنين والعينين واللسان فتظهر فنون الطاعات من هذه الأعضاء ولأن البيت الذي فيه سراج صاحبه مستأنس مسرور فإذا طفئ استوحش فكذا العلماء ما داموا في الناس فهم مستأنسون مسرورون فإذا ماتوا صار الناس في غم وحزن (فإن قلت) ما الحكمة في التشبيه بخصوص السراج وما المناسبة التامة بينهما (قلت) المصباح تضره الرياح والعلم يضره الوسواس والشبهات والسراج لا يبقى بغير دهن والعلم لا يبقى بغير توفيق ولا بد للسراج من حافظ يتعهده ولا بد لمصباح العلم من متعهد وهو فضل الله وهدايته ولأن السراج يحتاج إلى سبعة أشياء زناد وحجر وحراق وكبريت ومسرجة وفتيلة ودهن فالعبد إذا طلب إيقاد سراج العلم لا بد له من قدح زناد الفكر قال الله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وحجر التضرع قال تعالى {ادعوا ربكم تضرعا} وإحراق النفس بمنعها من شهواتها قال تعالى {ونهى النفس عن الهوى} وكبريت الإنابة قال الله عز وجل {وأنيبوا إلى ربكم} ومسرجة الصبر {إن الله مع الصابرين} وفتيلة الشكر قال تعالى {اشكروا لله} ودهن الرضا بالقضاء المشار إليه بقوله {واصبر لحكم ربك} (فإن قلت) لم لم يشبههم بالقمرين والنجوم مع أنها أرفع وأنور في المشارق والمغارب (قلت) آثره عليها لأنها يحجبها الغمام ونور العلم لا يحجبه سبع سماوات والشمس تغيب ليلا والقمر يختفي نهارا والعلم لا يغيب ليلا ولا نهارا بل هو هو وهو في الليل آكد {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} والقمران يفنيان والعلم لا يفنى والقمران ينكسفان والعلم لا ينكسف والقمران تارة يضران وتارة ينفعان والعلم ينفع ولا يضر بشرطه والقمران في السماء زينة لأهل الأرض والعلم في الأرض زينة لأهل السماء وهما في الفوق ويضيآن ما تحت والعلم في قلب المؤمن وهو في التحت ويضيء ما فوقه وتحته وبهما بنكشف وجود الخالق وبالعلم ينكشف وجود الخالق وضوؤهما يقع على الولي والعدو والعلم ليس إلا للولي وشعاع الكواكب إلى أسفل وشعاع العلم يصعد إلى العلو والكواكب تطلع من خزانة الفلك والعلم يطلع من خزانة الملك والكواكب علامة والعلم كرامة والكواكب موضع نظر المخلوقين والعلم موضع نظر رب العالمين " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " الكواكب نفعها في الدنيا والعلم نفعه في الدنيا والآخرة والشمس تسود الأشياء والعلم يبيضها والشمس تحرق [ص: 107] والعلم ينجي من الحرق والقمر يبلي الثياب والعلم يجدد المعارف لأولي الألباب (ومصابيح الآخرة) جمع مصباح وهو السراج فمغايرة التعبير مع اتحاد المعنى للتفنن وقد يدعى أن المصباح أعظم فإن من السرج ما يضعف ضوؤه إذا قل سليطه ودقت فتيلته ومن كلامهم ثلاثة تضني: رسول بطئ وسراج لا يضيء ومائدة ينتظر لها من يجيء وهذا على طريق المجاز قال الزمخشري: من المجاز رأيت المصابيح تزهو في وجهه وإنما كانوا كالمصابيح في الآخرة لأن الناس يحتاجون إلى العلماء في الموقف للشفاعة بل وبعد الدخول كما يجيء في خبر فينتفع بهم فيها كما ينتفع بالمصابيح ولذا يقال: إن ذات العالم تكسى نورا يضيء كالمصباح حقيقة. ألا ترى أن هذه الأمة تدعى غرا محجلين من آثار الوضوء فالعالم يتميز على آحاد المؤمنين بأن تصير جثته كلها مضيئة وأشار بالترغيب في اتباع العلماء إلى الترهيب من مصادقة الجهلاء وفيه دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أفخر النعم وأجزل القسم وأن من أوتيه فقد أوتي خيرا كثيرا إن صحبه عمل وإلا فقد ضل سعي صاحبه وبطل (فر عن أنس) بن مالك وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي قال الذهبي قال الدارقطني كذاب وأقره ابن حجر وجزم المؤلف في زيادات الموضوعات بوضعه فإيراده له هنا إخلال بشرطه الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 95 - (أتتكم المنية) جاءكم الموت قال في الصحاح: المنية الموت من منى له أي قدر لأنها مقدرة وفي المفردات الأجل المقدر للحيوان (راتبة) أي حال كونها ثابتة مستقرة (لازمة) أي لا تفارق أي ثابتة في الأزل وإذا وقعت لا تنفك. {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر} (إما) بكسر فتشديد مركبة من إن وما (بشقاوة) أي مصاحبة لسوء عاقبة (وإما بسعادة) ضد الشقاوة أي كأنكم بالموت وقد حضرتم والميت لا محالة صائر إما إلى النار وإما إلى الجنة فالزموا العمل الصالح وذلك أن الإنسان إذا بلغ حد التكليف تعلقت به الأحكام وجرت عليه الأقلام وحكم له بالكفر أو الإسلام وأخذ في التأهب لمنازل السعداء أو الأشقياء فتطوى له مراحل الأيام بجد واجتهاد واهتمام إلى الدار التي كتب من أهلها فإذا أتته المنية أشرف منها على المسكن الذي أعد له قبل إيجاده إما وإما فهناك يضع عصى السفر عن عاتقه وتستقر قواه وتصير دار العدل مأواه أو دار السعادة مثواه وبهذا التقرير انكشف لك أن الحديث من جوامع الكلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذكر الموت) أي فيما جاء به (هب عن زيد) بن عطية (السلمي) الخثعمي (مرسلا) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آنس من أصحابه غفلة أو غرة نادى فيهم بصوت رفيع أتتكم المنية إلى آخره. وقد رمز المصنف لضعفه وهو كما قال إلا أن في مرسل آخر ما يقويه ويرقيه إلى درجة أحسن وهو ما رواه البيهقي عن الوضين بن عطاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحس من الناس بغفلة عن الموت جاء فأخذ بعضادتي الباب وهتف ثلاثا وقال: يا أيها الناس يا أهل الإسلام أتتكم المنية راتبة لازمة جاء الموت بما جاء به جاء بالروح والراحة والكرة المباركة لأولياء الرحمن من أهل دار الخلود الذين كان سعيهم ورغبتهم فيها لها ألا إن لكل ساع غاية وغاية كل ساع الموت سابق ومسبوق انتهى الحديث: 95 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 96 - (اتجروا) بكسر الهمزة والجيم أمر من التجارة وهي تقليب المال للربح. قال الزمخشري: التجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح (في أموال اليتامى) قال الطيبي: أصله اتجروا بها نحو كتبت بالقلم لأنه عدة للتجارة ومستقرها كقوله تعالى {وأصلح لي في ذريتي} أي أوقع لي الصلاح فيهم وفائدة جعل المال مقرا للتجارة أن لا ينفق من أصله بل يخرج الصدقة من الربح وإليه ينظر قوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} إلى قوله {وارزقوهم فيها} (لا تأكلها) أي لئلا تأكلها (الزكاة) أي تفنيها لأن الأكل سبب للفناء أو استعارة حيث جعل الصدقة مشابهة للطاعم [ص: 108] ونسب إليها ما هو من لوازم المشبه به وهو الأكل مبالغة في كمال الافناء. قال الزمخشري: من المجاز أكلت النار الحطب وائتكلت النار اشتد التهابها كأنما يأكل بعضها بعضا وأخذ بقضية هذا الحديث المؤكد لعموم الأخبار الصحيحة الصريحة في إيجاب الزكاة مطلقا بقول خمسة من الصحابة الشافعي كمالك وأحمد فأوجبوها في مالهم وخالف أبو حنيفة والقياس على فطرة بدنه الموافق عليها حجة عليه وأما فرق بعض أصحابه بأن الفطرة فيها معنى المؤنة ففيه تعسف وفيه أن على الولي استنماء المال المولى عليه قدر الزكاة والنفقة والمؤن إن أمكنه لا المبالغة فيه (طس عن أنس) بن مالك قال الهيتمي: أخبرني شيخي يعني الزين العراقي أن سنده صحيح انتهى وإليه أشار في الأصل بقوله وصحح وأما هنا فرمز لحسنه وهو فيه متابع للحافظ ابن حجر فإنه انتصر لمن اقتصر على تحسينه فقط وقال: إن الصحيح خبر البيهقي عن ابن المسيب عن عمر موقوفا مثله وقال: أعني البيهقي سنده صحيح الحديث: 96 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 97 - (أتحب) استفهام فيه معنى الشرط أي إن أحببت أيها الرجل الذي شكى إلينا قسوة قلبه (أن يلين قلبك) يترطب ويتسهل قال الزمخشري: من المجاز رجل لين الجانب ولان لقومه وألان لهم جناحه {فبما رحمة من الله لنت لهم} وهو لين الأعطاف وطئ الأكتاف (وتدرك حاجتك) أي تظفر بمطلوبك فقال الرجل بلى يا رسول الله قال (ارحم اليتيم) أي الذي مات أبوه فانفرد عنه واليتم الانفراد ومنه الدرة اليتيمة للمنفردة في صفائها والرملة اليتيمة ذكره في الكشاف وذلك بأن تعطف عليه وتحنو حنوا يقتضي التفضل عليه والإحسان إليه كناية عن مزيد الشفقة والتلطف به. ولما لم تكن الكناية منافية لإرادة الحقيقة لإمكان الجمع بينهما كما تقول فلان طويل النجاد وتريد طول قامته مع طول علاقة سيفه قال (وامسح رأسه) تلطفا وإيناسا أي بالدهن إصلاحا لشعره أو باليد لما جاء في حديث آخر يشعر بإرادة مسح رأسه مع ذلك باليد وهو ما رواه أحمد والترمذي عن أبي أمامة مرفوعا من مسح على رأس اليتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنة وإسناده كما قال ابن حجر ضعيف وإطلاق الأخبار شامل لأيتام الكفار ولم أر من خصها بالمسلم وفي حديث سيأتي عن الحبر أن اليتيم يمسح رأسه من أعلاه إلى مقدمه وغيره بعكسه قال زين الحافظ العراقي: وورد في حديث ابن أبي أوفى أنه يقال عند مسح رأسه جبر الله يتمك وجعلك خلفا من أبيك (وأطعمه من طعامك) أي مما تملكه من الطعام أو لا تؤثر نفسك عليه بنفيس الطعام وتطعمه دونه بل أطعمه مما تأكل منه (يلين قلبك) بالرفع على الاستئناف وبالجزم جوابا للأمر (وتدرك حاجتك) أي فإنك إن أحسنت إليه وفعلت ما ذكر يحصل لك لين القلب وتظفر بالبغية وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم وإكرامه لله تعالى خالصا قال الطيبي وهو عام في كل يتيم سواء كان عنده أو لا فيكرمه وهو كافله أما إذا كان عنده فيلزمه أن يربيه تربية أبيه ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ويؤدبه أحسن تأديب ويعلمه أحسن تعليم ويراعي غبطته في ماله وتزويجه وفيه أن مسح رأسه سبب مخلص من قسوة القلب المبعدة عن الرب فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي كما ورد في عدة أخبار قال الزين العراقي لكن قيده في حديث أبي أمامة المار بأن لا يمسحه إلا لله قال ولا شك في تقييد إطلاق المسح به لأنه قد يقع مسحه لريبة كأمرد جميل يريد مؤانسته بذلك لريبة كشهوة وإن لم يكن مسح الشعر مفضيا إلى الشهوة فربما دعى إلى ذلك انتهى وفيه أن من ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء فالتكبر يداوى بالتواضع والبخل بالسماحة وقسوة القلب بالتعطف والرقة قال في الكشاف وحق هذا الاسم أعني اليتيم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه غلب أن يسموه به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا عن كافل وقائم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم زال عنهم وكانت قريش تقول [ص: 109] لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم آل أبي طالب على القياس أو حكاية حال كان عليها صغيرا توصيفا له وأما خبر " لا يتم بعد احتلام " فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار انتهى (طب عن أبي الدرداء) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فذكره قال المنذري رواه الطبراني من رواية بقية وفيه راو لم يسم وبقية مدلس وروى أحمد بسند قال الهيتمي تبعا لشيخه الزين العراقي صحيح أن رجلا شكى إلى المصطفى قسوة قلبه فقال له امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 98 - (اتخذ الله إبراهيم خليلا) اصطفاه وخصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله من تردد الرسل بالرحمة بينه وبينه وإجابة الدعوة وإظهار الخوارق عليه وعلى آله والنصر على أعدائه وغير ذلك من المزايا والمواهب والخليل المخالل وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخل الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يدخلك خلال منزله ذكره الزمخشري وقال القاضي سمي خليلا من الخلة بالفتح الخصلة فإنه وافقه في خصاله أو من الخلة بالفتح أيضا الحاجة لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه أو من الخلة بالضم وهي التخلل فإن الحب تخلل شغاف قلبه بحيث لم يدع به خلالا إلا ملأه لما خالله من أسرار الهيبة ومكنون الغيوب والمعرفة لاصطفائه عن أن يطرقه نظر لغيره قال الراغب: الخلة تنسب إلى العبد لا إليه تعالى فيقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليله وهو وإن كان من الأسماء المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر وارتفاعه ارتفاعه لكن ليس المراد بقولهم إبراهيم خليل الله مجرد الصداقة بل الفقر إليه وخص إبراهيم وإن شاركه كل موجود في افتقاره إليه لأنه لما استغنى عن المقتنيات من أعراض الدنيا واعتمد على الله حقا وصار بحيث إنه لما قال له جبريل ألك حاجة قال أما إليك فلا فصبر على إلقائه في النار وعرض ابنه للذبح لاستغنائه عما سواه فخص بهذا الاسم (وموسى) بن عمران (نجيا) خصه بالنجوى أي الخطاب والنجي المناجي الواحد وهو الذي يخاطب الإنسان ويحدثه سرا وهو من قوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} والتناجي التساور (واتخذني حبيبا) فعيل بمعنى مفعول وقضية السياق أنه أعلى درجة من الأوصاف المثبتة لغيره ممن ذكر من الأنبياء (ثم قال وعزتي) قوتي وغلبتي (وجلالي) عظمتي والجلالة عظم القدر والجلال بغير هاء التناهي في ذلك وخص بالله فلا يطلق على غيره كما سيجيء (لأوثرن) بلام القسم وضم الهمزة وشد النون لأفضلن (حبيبي على خليلي) إبراهيم (ونجيي) أي مناجي موسى نبه به على أنه أفضل الرسل وأكملهم وجامع لما تفرق فيهم فالحبيب خليل ومكلم ومشرف وقيل من قاس الحبيب بالخليل فقد أبعد لأن الحبيب من جهة القلب يقال حببته أي أصبت حبه قلبه كما يقال كبدته ورأسته وفأدته أي أصبت كبده ورأسه وفؤاده والخليل من الخلة وهي الحاجة كما مر وقد آثره أيضا بالنظر روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس بإسناد حسن جعل الله الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم قال الراغب يستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضيل والاستئثار للتفرد بالشيء دون غيره والأكثر على أن درجة المحبة أرفع وقيل عكسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى ثبوت الخلة لغير ربه وأثبت المحبة لفاطمة وابنيها وغيرهم وقيل هما سواء (هب) في كتاب البعث والحكم والديلمي وابن عساكر (عن أبي هريرة) وضعفه مخرجه البيهقي وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال تفرد به مسلمة الخشني وهو متروك والحمل فيه عليه ونوزع بأن مجرد الضعف أو الترك لا يوجب الحكم بالوضع الحديث: 98 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 99 - (اتخذوا) خذوا أخذ معتن بالشيء مجتهد فيه والأمر للندب المؤكد (السراويلات) التي ليست بواسعة ولا طويلة جمع [ص: 110] سراويل أعجمي عرب جاء بلفظ الجمع وهو مفرد يذكر ويؤنث والسراوين بنون والشراويل بشين معجمة لغة (فإنها من أستر ثيابكم) أي أكثرها سترا ومن مزيدة لسترها للعورة التي يسيء صاحبها كشفها وفيه ندب لبس السراويل لكن إذا لم تكن واسعة ولا طويلة فإنها مكروهة كما جاء في خبر آخر وفي تفسير ابن وكيع أن إبراهيم أول من تسرول قال الداراني: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أوحى إليه أن وار عورتك من الأرض فكان لا يتخذ من كل شيء إلا واحدا سوى السراويل فيتخذ اثنين فإذا غسل أحدهما لبس الآخر حتى لا يأتي عليه حال إلا وعورته مستورة به وروى أبو يعلى أن عثمان لما حوصر أعتق عشرين رقبة ثم دعا بسراويل فشدها عليه ولم يلبسها في الجاهلية ولا في الإسلام ثم قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام وأبا بكر وعمر وقالوا: اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة ثم دعا بالمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه فدل هذا على أنه أبلغ ما تستر به العورة لأنه لم يلبسه إلا عند تحققه أنه مقتول فآثره لأنه أبلغ في صون عورته عن أن يطلع عليها أحد عند قتله (وحصنوا) استروا (بها نساءكم) أي صونوا بها عورات نسائكم يقال حصن نفسه وماله ومدينة حصينة وتحصن اتخذ الحصن مسكنا ثم يتجوز به في كل تحرز ومنه درع حصين لكونه حصنا للبدن (إذا خرجن) من بيوتهن لما فيها من الأمن من انكشاف العورة بنحو سقوط أو ريح فهو كحصن مانع وكالخروج وجود أجنبي مع المرأة بالبيت ذكره جمع. قالوا: ولم يثبت أن نبيا لبسها لكن روى أحمد والأربعة أنه اشتراها وقول ابن القيم الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها وهم فقد يكون اشتراها لبعض نسائه وقول ابن حجر في شرائه لغيره بعد غير مرضى إذ لا استبعاد في شرائه لعياله وما رواه أبو يعلى وغيره أنه أخبر عن نفسه بأنه لبسه فسيجيء أنه موضوع فلا يتجه القول بندب لبس السراويل حينئذ لأنه حكم شرعي لا يثبت إلا بحديث صحيح أو حسن ومن وهم أن في خبر لا يلبس المحرم السراويل دليل لسن لبسه للرجل فقد وهم إذ لا يلزم من نهي المحرم عن لبسه لكونه مخيطا ندب لبسه لغيره (عق عد والبيهقي في) كتاب (الأدب) كلهم (عن علي) أمير المؤمنين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع في يوم دجن أي غيم ومطر فمرت امرأة على حمار فسقطت فأعرض عنها فقالوا: إنها متسرولة فذكره في حديث طويل ثم أعله مخرجاه العقيلي وابن عدي بمحمد بن زكريا العجلي فقال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع إلا عليه وقال أبو حاتم: حديثه منكر وقال ابن عدي: حدث بالبواطيل ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه لكن تعقبه ابن حجر بأن البزار والمحاملي والدارقطني رووه من طريق آخر قال: فهو ضعيف لا موضوع وذكر نحوه المؤلف في مختصر الموضوعات الحديث: 99 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 100 - (اتخذوا) إرشادا (السودان) جمع أسود وهو اسم جنس (فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة) أي من أشرافهم وكبرائهم ولا ينافي الأمر بمطلق الاتخاذ هنا خبر من اتخذ من الخدم غير ما ينكح ثم بغين كان عليه مثل لثامهن لأن ما هنا في الذكور وما في الخبر في الإناث اللاتي يطؤهن فقط أو أن هذا فيه معنى الشرط أي إن كنت متخذا ولا بد فاتخذ السودان (لقمان) بن باعوراء (الحكيم) عبد حبشي لداود عليه السلام أو لرجل من بني إسرائيل أعطاه الله الحكمة لا النبوة عند الجمهور وكان نجارا وقيل خياطا وقيل ابن أخت أيوب النبي غليه الصلاة والسلام وقيل ابن خالته وقيل كان قاضيا وكان عظيم الشفتين مشقق القدمين فقيل له: ما أقبح وجهك قال: تعيب النقش أو النقاش روى ابن الجوزي عن إبراهيم بن أدهم أن قبر لقمان بين مسجد الرملة ومحل سوقها الآن وفيها قبور سبعين نيبا أخرجهم بنو إسرائيل فماتوا كلهم في يوم جوعا (و) الثاني (النجاشي) بفتح النون وتكسر من النجش وهو الإنارة واسمه أصحمة كأربعة بمهملات وقيل بخاء معجمة حكاه الإسماعيلي وقيل مكحول قال في الكشاف: ومعناه بالعربية عطية (و) [ص: 111] الثالث (بلال) ككتاب الحبشي وما قيل من أنه ولقمان نوبيان لم يثبت (المؤذن) للنبي من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله تعالى. فإن قلت: هذا يعارضه خبر إياكم والزنج وخبر اجتنبوا هذا السواد فإنه خلق مشوه وخبر إنما الأسود لبطنه وفرجه. قلت: كلا لأن الأسود ينقسم إلى زنجي وحبشي فالمرهوب منه الزنجي والمرغوب فيه الحبشي وهؤلاء من الحبشان ثم رأيت راوي الخبر وهو الطبراني قال: أراد الحبش هذا لفظه وروى الديلمي بسند ضعيف عن ابن عمر مرفوعا من أدخل بيته حبشيا أو حبشية أدخل الله بيته بركة وقد صنف المؤلف كتابا في فضل الحبشان سماه رفع شأن الحبشان استوعب فيه الأحاديث الواردة في ذلك قال: وروى البيهقي عن الشافعي ما نقص من أثمان السودان إلا لضعف عقولهم ولولا ذلك لكان لونا من الألوان ومن الناس من يفضله على غيره قال ابن الجوزي: والسواد لون أصلي لكنا روينا أن بني نوح اقتسموا الأرض فنزل بنو سام سرة الأرة فكانت فيهم الأدمة والبياض وبنو يافث الشمال والصبا فكانت فيهم الحمرة والشقرة وبنو حام مجرى الجنوب والدبور فتغيرت ألوانهم وما روي أن نوحا انكشفت عورته فلم يغطها حام فدعا عليه فاسود لم يثبت (حب في) كتاب (الضعفاء) والمتروكين (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي بعد عزوه الطبراني فيه أبين بن سفيان وهو ضعيف وقال غيره فيه أيضا أحمد بن عبد الرحمن الحراني أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو عروبة ليس بمؤتمن على دينه عن أبين بن سفيان المقدسي قال في اللسان عن الدارقطني ضعيف له مناكير وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في الكبير لكن نازعه في مختصر الموضوعات على عادته وبالجملة فإن سلم عدم وضعه فهو شديد الضعف جدا الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 101 - (اتخذوا) ندبا (الديك) بكسر الدال ذكر الدجاج وجمعه ديوك وديكه كعنب وعنبة وله أسماء وكنى كثيرة مستوفاة في حياة الحيوان (الأبيض) أي اقتنوه في بيوتكم فإن له خواص كثيرة ذكر منها ابن البيطار في مفرداته جملة ومن خواصه طرد الشيطان والسحر كما قال (فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان) فيعال من شطن بعد لبعده عن الحق أو فعلان من شاط بطل أو احترق غضبا (ولا ساحر) يسحر بمعنى أنه لا يؤثر في أهلها سحر ساحر (ولا الدويرات) بالتصغير جمع دار (حولها) أي المحلات حول تلك الدار والدار اسم جامع للبناء والعرصة والمحلة ذكره القاضي. وقال الراغب: الدار المنزلة اعتبارا بدورانها الذي لها بالحائط قال التوربشتي: الدار لغة العامر المسكون والعامر المنزول من الاستدارة لأنهم كانوا يخطون بطرف رمحهم قدر ما يريدون إحياءه مسكنا وقال الحراني: أصلها ما أرادته العرب من البيوت كالحلقة استحفاظا لما حوته من أموالها (طس عن أنس) بن مالك قال الهيتمي: فيه محمد بن محصن العكاشي كذاب انتهى الحديث: 101 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 102 - (اتخذوا) ندبا وارشادا (هذه الحمام) كسحاب ما عب وهدر أي شرب الماء بلا مص وصوت يقع على الذكر والأنثى ودخول الهاء لإفادة الوحدة لا للتأنيث قال ابن العماد: ويقع على الذي يألف البيوت واليمام والقماري وساق حر والفاختة والقطا والورشان والعصفور والفتح والحجل والدراج (المقاصيص) جمع مقصوصة أي مقطوعة ريش الأجنحة لئلا تطير. يقال: قصصت الشعر أي قطعته وقصصته بالتثقيل مبالغة (في بيوتكم) بضم الباء وتكسر أي أماكن سكنكم (فإنها تلهي) من لها يلهو لعب (الجن عن) عبثهم بنحو (صبيانكم) وأذاهم قيل وللأحمر في ذلك مزيد خصوصية [ص: 112] ولعل وجهه أن الجن تحب من الألوان الحمرة كما ورد في خبر فإذا كان الحمام باللون المحبوب لهم كانوا أكثر إقبالا على اللهو به والإشتغال به عن العبث بالأطفال قال في القاموس: ومجاورتها أمان من الخدر والفالج والسكتة والجمود والثبات ومن فوائد اتخاذ الحمام أنه يطرد الوحشة فقد أخرج الخطيب في التاريخ عن ابن عباس قال: شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال: اتخذ زوج حمام يؤنسك في الليل لكن فيه محمد بن زياد كذاب وأخرج ابن السني عن معاذ أن عليا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فأمره أن يتخذ زوج حمام ويذكر الله تعالى عند هديره وأشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله المقاصيص إلى عدم اتخاذ غيرها فإنه يجر إلى اللعب به بالتطير أو المسابقة وذلك مكروه بل ترد الشهادة بإدامته وفيه جواز حبس الطير في القفص مع القيام بمؤنته قال في شرح المقاصد: والجن أجسام لطيفة هوائية تتشكل بأشكال مختلفة ويظهر منها أحوال عجيبة والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء الناس في الفساد والغواية انتهى. والظاهر أن المراد هنا كل منهما كما يدل عليه السياق (الشيرازي) أبو بكر أحمد بن عبدان الملقب بالباز الأبيض منسوب إلى شيراز بكسر المعجمة فمثناة تحتية وآخره زاي: قصبة بلاد فارس ودار الملك خرج منها جماعة من أهل التصوف والفقه والحديث منهم هذا الحافظ (في) كتاب (الألقاب) أي ألقاب الرواة (خط) في ترجمة محمد بن زياد اليشكري (فر عن ابن عباس) قضبته أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه عقبه بنقله عن أحمد وابن معين وغيرهما أن محمد بن زياد كان كذابا يضع الحديث انتهى. وقال ابن حجر: فيه محمد بن زياد اليشكري كذبوه وفي الميزان كذاب وضاع ثم أورد له هذا الخبر يروي الموضوعات عن الأثبات ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه وحكاه عنه في الكبير وأقره فكان ينبغي حذفه من هذا الكتاب وفاء بشرطه وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي وغيرهما وما في الأدب المفرد للبخاري عن الحسن سمعت عثمان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام فلا دلالة فيه على وضع هذا الحديث ولا عدمه كما وهم الحديث: 102 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 103 - (اتخذوا) ندبا وإرشادا (الغنم) محركة الشاء لا واحد لها من لفظها الواحدة شاه اسم مؤنث للجنس يقع على الذكر والأنثى (فإنها بركة) أي خير ونماء لسرعة نتاجها وكثرته لأنها تنتج في العام مرتين وتولد الواحد والاثنين ويؤكل منها ما شاء الله ويمتلئ منها وجه الأرض والسباع تلد ستا وسبعا ولا يرى منها إلا الواحد في الأطراف ومن ثم ورد ما من نبي إلا ورعى الغنم زاد البخاري قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط أي كل شاة بدينار وقيل موضع بقرب مكة وقد كان التفاخر بالغنم بين أهل اللسان معروفا من قديم الزمان حسبما يشهد بذلك قصائد فحول قدماء الشعراء كامرئ القيس <تنبيه> في فتاوى المؤلف عن مقتضى المذاهب الأربعة أن من عير برعي الغنم فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها قبل النبوة أنه يعزر <فائدة> حكى في الوحيد أنه ورد في بعض الآثار أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان له أربعة آلاف كلب في غنمه في عنق كل كلب طوق من الذهب الأحمر زنته ألف مثقال فقيل له في ذلك فقال: إنما فعلت ذلك لأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب فدفعتها لطلابها (طب خط عن أم هانئ) بنون مكسورة وهمزة فاختة أو هند بنت أبي طالب أخت علي لها صحبة ورواية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها هبيرة بن عمرو المخزومي إلى نجران ورواه الإمام الرافعي عن عائشة باللفظ المزبور (ورواه هـ) عنها أيضا ووافقه ابن جرير والطبراني والبيهقي (بلفظ اتخذي) يا أم هانئ (غنما فإن فيها بركة) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فإن رواة ابن ماجه ثقات ورواه أحمد قال الهيتمي: بعد ما عزاه لأحمد وفيه موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة لم أعرفه الحديث: 103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 [ص: 113] 104 - (اتخذوا عند الفقراء) جمع فقير فعيل بمعنى فاعل يقال فقر يفقر إذا قل ماله وغلب استعماله في الصوفية وأهل السلوك (أيادي) أي اصنعوا معهم معروفا واليد كما تطلق على الجارحة تطلق على النعمة والإحسان والقوة والسلطان قال الزمخشري: من المجاز لفلان عندي يد وأيديت عنده ويديت أنعمت (فإن لهم دولة) انقلابا من الشدة إلى الرخاء ومن العسر إلى اليسر فلو عرف الغني ما للفقير عند الله لاتخذه صاحبا وترك الأغنياء جانيا قال أبو عثمان المغربي: من آثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله بموت القلب. قال في الكشاف: والدولة بالفتح والضم ما يدول للإنسان أي يدور من الجد يقال دالت له الدولة وأديل لفلان وقيل الدولة بالضم ما يتداول وبالفتح بمعنى التداول وفي الأساس دالت به الدولة ودالت الأيام بكذا وأدال الله بني فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليهم (يوم القيامة) نصب على الظرفية وقد تأدب السلف في هذا بأدب المصطفى تأدبا حسنا حتى حكي عن سفيان الثوري أن الفقراء في مجلسه كانوا أمراء قال اليافعي: وكان بعض الفقراء الواجدين يغني ويبكي ويقول في غنائه: قال لنا حبيبنا اليوم لهم وغدا لنا. وظاهر صنيع المصنف أن هذا الحديث هو بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه فإذا كان يوم القيامة نادى مناد سيروا إلى الفقراء فاعتذروا إليهم كما يعتذر أحدكم إلى أخيه في الدنيا انتهى بنصه <فائدة> رأى بعض العارفين عليا كرم الله وجهه في النوم فقال له: ما أحسن الأعمال قال: عطف الأغنياء على الفقراء وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى (حل عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا انتهى ورمز المصنف لضعفه لكن ظاهر كلام الحافظ ابن حجر أنه موضوع فإنه قال: لا أصل له وتبعه تلميذه السخاوي فقال بعد ما ساقه وساق أخبارا متعددة من هذا الباب وكل هذا باطل كما بينته في بعض الأجوبة وسيق إلى ذلك الذهبي وابن تيمية وغيرهما قالوا: ومن المقطوع بوضعه حديث اتخذوا مع الفقراء أيادي قبل أن تجيء دولتهم ذكره المؤلف وغيره عنه الحديث: 104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 105 - (اتخذه من ورق) بفتح الواو وتثليث الراء فضة قال في الكشاف: الورق فضة مضروبة أو غير مضروبة (ولا تتمه) بضم فكسر تكمله من أتم الشيء أكمله قال الراغب: وتمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه ويقال ذلك للمعدود والممسوح (مثقالا) بكسر فسكون معروف وهو درهم وثلاثة أسباع درهم فإن بلغ مثقالا كره كراهة تنزيه فإن زاد عليه ففي تحريمه وجهان والأصح أنه إن لم يعد إسرافا عرفا جاز وإلا فلا وفي رواية لأبي داود ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال. قال الحافظ الزين العراقي: ومعنى هذه الزيادة أنه ريما وصل الخاتم بالنفاسة في صنعته إلى أن يكون قيمته مثقالا فهو داخل في النهي أيضا وقوله (يعني الخاتم) تفسير من الراوي لما أشير إليه بضمير اتخذه ولبس الخاتم سنة قال ابن العربي: الخاتم عادة في الأمم ماضية وسنة في الإسلام قائمة وفي المواهب القسطلانية وشرح الشمائل للهيتمي وغيرهما عن جدي الشرف المناوي رحمه الله تعالى تحصل السنة بلبسه مطلقا ولو مستعار أو مستأجرا لكن الأفضل لبسه بالملك واستدامته انتهى (3) وكذا ابن حبان وصححه (عن بريدة) بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة ابن الحصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية فتحتية فموحدة ابن عبد الله الأسلمي قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد فقال: مالي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من صفر فقال: مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال: مالي أرى عليك حلية أهل الجنة قال: يا رسول الله فمن أي شيء أتخذه قال: اتخذه من ورق إلى آخره قال الترمذي: حديث غريب قال ابن حجر: وفيه عبد الرحمن ابن مسلم أبو طيبة قال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حبان: يخطئ ومع ذلك صححه فدل على قبوله له وأقل درجاته الحسن انتهى. [ص: 114] ولذلك رمز المؤلف لحسنه لكن ضعفه النووي في المجموع وشرح مسلم وتبعه جمع من الفقهاء الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 106 - (أتدرون) أتعلمون أو أتعرفون قال الراغب: الدراية المعرفة المدركة بضرب من ضروب الحيل وهو تقديم المقدمة واجالة الخاطر واستعمال الروية ولا يجوز أن يوصف بذلك البارئ لأن معنى الحيل لا يصح عليه ولم يرد به سمع فيتبع وقول الشاعر: لا هم لا أدري وأنت تدري. . . من تعجرف أجلاف الأعراب (ما العضه) بفتح المهملة وسكون المعجمة وضم الهاء البهتان الذي يحير قال في الصحاح: العضه الرمي بالبهتان وقال في القاموس: عضه كمنع كذب وجاء بالإفك والبهتان وفلانا أبهته وقال فيه ما لم يكن وسخر ونم انتهى. وعنون بالاستفهام تنبيها على فخامة ما يلقيه من الكلام وإشارة إلى أنه يتعين معرفته ويقبح الجهل به ولما قال ذلك قالوا: الله ورسوله أعلم قال (نقل الحديث) أي ما يتحدث به (من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم) أي لأجل أن يفسد الناقلون المفهومون من نقل بين المنقول إليهم والمنقول عنهم وعبر بالجمع إشارة لاعتياده واطراده بينهم والمراد التحذير من نقل كلام قوم لآخرين لإلقاء العداوة والبغضاء بينهم وهذا هو النميمة التي هي كما قال جمع: نقل الحديث على وجه الإفساد وهو من الكبائر وقال الغزالي: حد النميمة كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث سواء كان بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء سواء كان عيبا أو نقصا على المنقول عنه أو لا بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه (تتمة) تبع رجل حكيما سبع مئة فرسخ لأجل سبع كلمات قال: أخبرني عن السماء وما أثقل منها وعن الأرض وما أوسع منها وعن الحجر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها وعن الزمهرير وما أبرد منه وعن البحر وما أغنى منه وعن اليتيم وما أذل منه فقال: البهتان على البريء أثقل من السماء والحق أوسع من الأرض والقلب القانع أغنى من البحر والحرص والحسد أحر من النار والحاجة إلى الغير إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافر أقسى من الحجر والنمام إذا بان للناس أمره أذل من اليتيم (خد هق) كلاهما معا من حديث سنان بن سعد (عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الذهبي في المذهب متعقبا على البيهقي فقال: فيه سنان بن سعد وهو ضعيف الحديث: 106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 107 - (أترعوا) بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الراء: املؤا إرشادا. قال الزمخشري وغيره: أترع الكأس ملأها وجفان مترعات وسد الترعة وهو منفتح الماء ومن المجاز فتح ترعة الدار بابها وحجبني التراع البواب يقولون جاءه القراع فرده التراع (الطسوس) بضم الطاء وسينين مهملتين جمع طس وهو لغة في الطست (وخالفوا المجوس) بفتح الميم فإنهم لا يفعلون ذلك وهم عبدة النار القائلون بأن العالم نور وظلمة. ومعنى الحديث اجمعوا الماء الذي تغسلون به أيديكم في إناء واحد حتى يمتلئ فإن ذلك مستحب ولا تريقوه قبل امتلائه كما تفعله المجوس. وقد جرى على ندب ذلك الغزالي في مختصر الإحياء فقال: يستحب أن يجمع ماء الكل في طست واحد ما أمكن لهذا الحديث وهذا بناء على أن المراد من الحديث غسل الأيدي من الطعام عقب الأكل وحمله بعضهم على الوضوء الشرعي فقال: يسن جمع ماء الوضوء في طست حتى يمتلئ ويطف ولا يبادر باهراقه قبل الامتلاء مخالفة للمجوس ولكل من الحملين وجه أما كون ذلك من سنن الأكل فلأن فيه صون الماء عن التزلق الذي قد يقع فيه بعض الحاضرين فيؤذيه وأما كونه من سنن الوضوء فلأن فيه التحرز عن الرشاش الذي قد يصيب ثوبه بعد إصابته الأرض فيؤدي إلى الوسواس المضر ويوافق ذلك أنه يسن عندنا للمتوضئ أن يتوقى الرشاش المؤدي إلى الوسواس وينضم إلى ذلك مخالفة المجوس. الحديث وإن كان ضعيفا لكن يعمل به في الفضائل وهذا منها وفي الشعب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله [ص: 115] بواسط بلغني أن الرجل يتوضأ في طست ثم يأمر بها فتهراق وهذا من زي العجم فتوضؤا فيها فإذا امتلأت فاهريقوها (هب خط فر عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه البيهقي وقال: في إسناده من يجهل وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأكثر رواته ضعفاء ومجاهيل لكنه ورد بمعناه في خبر جيد رواه القضاعي في مسند الشهاب عن أبي هريرة بلفظ اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم وقال الحافظ العراقي: إسناده لا بأس به. وروى البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا لا ترفعوا الطسوس حتى تطف اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم الحديث: 107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 108 - (أترعون) بفتح همزة الاستفهام والمثناة فوق وكسر الراء أي أتتحرجون وتكفون وتتورعون (عن ذكر) بكسر فسكون (الفاجر) المتظاهر بنحو تخنث وزنا ولواط وشرب خمر وجور غير مبال بما ارتكبه من ذلك وتمتنعون (أن تذكروه) أي تجروا جرائمه على ألسنتكم بين الناس (فاذكروه) بما فيه ولهذا قال الحسن: ثلاثة لا غيبة لهم صاحب هوى والفاسق المعلن والإمام الجائر. وقال الغزالي: وهؤلاء يجمعهم أنهم يتظاهرون به وربما يتفاخرون وكيف يكرهونه وهم يقصدون إظهاره (يعرفه الناس) أي ليعرفوا حاله فيحذروه فليس ذكره حينئذ منهيا عنه بل مأمور به للمصلحة ومن ذلك قول الحسن في الحجاج أخرج البنا بنانا قصيرة قلما عرفت فيها اللعنة في سبيل الله ثم جعل يطبطب شعيرات له ويقول: يا أبا سعيد يا أبا سعيد وقال: لما مات اللهم أنت أمته فاقطع سنته فإنه أتانا خيفش أعيمش يخطر في مشيه لا يصعد المنبر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي فوقه الله وصحبه مئة ألف أو يزيدون لا يقول له قائل الصلاة هيهات دون ذلك السيف. والغيبة تباح في نحو أربعين موضعا ذكرها ابن العماد وغيره والكلام في غير نحو راو وشاهد وأمين صدقة وناظر وقف ويتيم أما هم فيجب جرحهم إجماعا على من علم فيهم قادحا وإن لم يتجاهروا بالفجور ولا أبرزوا الخيانة إلى حين الظهور <تنبيه> هذا الحديث وما بعده شامل للفاجر الميت ولا ينافيه النهي عن سب الأموات في الخبر الآتي لأن السب غير الذكر بالشر وبفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار والمنهي سب الأخيار ذكره الكرماني وغيره (خط في) كتاب (رواه مالك) بن أنس (عن أبي هريرة) وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث الجارود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ثم قال: هذا يعد من أفراد الجارود وليس بشيء وقضية تصرف المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال: تفرد به الجارود وهو كما قال البخاري منكر الحديث وكان أبو أسامة يرميه بالكذب هذا كلام الخطيب فنسبته لمخرجه واقتطاعه من كلامه ما عقبه به من بيان حاله غير مرضي وقد قال في الميزان إنه موضوع ونقله عنه في الكبير وأقره عليه لكن نقل الزركشي عن الهروي في كتاب ذم الكلام أنه حسن باعتبار شواهده التي منها ما ذكره المؤلف بقوله: الحديث: 108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 109 - (أترعون عن ذكر الفاجر) أي الذي يفجر الحدود أي يخرقها ويتعداها معلنا غير مبال ولا مستتر فالإسلام كحظيرة حظرها الله على أهله فمن ثلم تلك الحظيرة بالخروج منها متخطيا ما وراءها فقد فجرها وذا يكون من المؤمن والكافر لكن الحديث إنما ورد في المؤمن فيكون غيره أولى بدليل ما ذكر في سبب الحديث أنه لما حث على ستر المسلم وتوعد على هتكه تورعوا عن ذكره لحرمة التوحيد فبين لهم أن الستر إنما هو لأهل الستر فمن لزمه هذا الاسم لغلبة الفجور عليه وقلة مبالاته فلا حرمة له فلا يكتم أمره بل قد يجب ذكره ويكون الكف عنه خيانة. ألا ترى إلى قوله (متى) بفتح الميم مخففا (يعرفه الناس) أي وقت يعرفه الناس إن لم تعرفوهم به (اذكروا الفاجر) الفاسق (بما فيه) من الفجور وهتك ستر الديانة فذكره بذلك من النصيحة الواجبة لئلا يغتر به مسلم فيقتدي به في فعلته أو يضله ببدعته أو يسترسل له فيؤذيه بخدعته وبين قوله بما فيه أنه [ص: 116] لا يجوز ذكره بغير ما فيه ولا بما لا يعلن به قال ابن عون: دخلت على ابن سيرين فذكرت الحجاج أي بما لم يتظاهر به فقال: إن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه وإنك إذا لقيت الله غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج وأشار بقوله (يحذره) أي لكي يحذره (الناس) إلى أن مشروعية ذكره بذلك مشروطة بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة دفعا للاغترار ونحوه مما ذكر فمن ذكر واحدا من هذا الصنف تشفيا لغيظه أو انتقاما لنفسه أو احتقارا أو ازدراء ونحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم كما ذكره الغزالي ثم السبكي فيما نقله عنه ولده قال: كنت جالسا بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت له: اخسأ كلب بن كلب فزجرني والدي فقلت له: أليس هو كلب ابن كلب قال: شرط الجواز عدم قصد التحقير فقلت هذه فائدة وأخذ الغزالي من هذا الخبر وما قبله أن من استشير في خاطب فله أن يصرح بذكر مساويه إذا علم أن مجرد قوله لا يصلح لك لا يفيد قال الراغب: والحذر احتراز عن مخيف (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغيبة) أي ذكر الناس بما يكرهون (والحكيم) محمد بن علي الترمذي المؤذن الصوفي الشافعي صاحب التصانيف (في) كتابه (نوادر الأصول) سمع الكثير من الحديث بالعراق ونحوه وحدث عن قتيبة بن سعيد وغيره وهو من القرن الثالث من طبقة البخاري قال السلمي: نفوه من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر بسبب تفضيله الولاية على النبوة وإنما مراده ولاية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال ابن عطاء الله: كان العارفان الشاذلي والمرسي يعظمانه جدا ولكلامه عندهما الحظوة التامة ويقولان هو أحد الأوتاد الأربعة وقال ابن أبي جمرة في كتاب الختان وابن القيم في كتاب اللمحة في الرد على ابن طلحة أنه لم يكن من أهل الحديث ورواته ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما فيه الكلام على إشارات الصوفية حتى خرج عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وقالوا أدخل في الشريعة ما فارق به الجماعة وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة وحشاها بأخبار لا مروية ولا مسموعة إلى آخر ما قال من الهذيان والبهتان كما لا يخفى على أهل الشأن. كيف وقد قال الحافظ ابن النجار في تاريخه كان إماما من أئمة المسلمين له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الحديث لقي الأئمة الكبار وأخذ عنهم وفي شيوخه كثرة ثم أطال في بيانه وقال السلمي في الطبقات له اللسان العالي والكتب المشهورة وقال القشيري في الرسالة: هو من كبار الشيوخ وأطال في الثناء عليه وقال الحافظ أبو نعيم في الحلية: له التصانيف الكثيرة في الحديث وهو مستقيم الطريقة تابع للأثر يرد على المرجئة وغيرهم وله حكم عليه الشأن منها قوله كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره وقوله وقد سئل عن الخلق فقال: ضعف ظاهر ودعوى عويضة وقال الكلاباذي في التعرف هو من أئمة الصوفية إلى غير ذلك من الكلام في شأن هذا الإمام وإنما أطلت فيه دفعا لذلك الافتراء فلا تكن من أهل المراء (والحاكم) أبو عبد الله (في) كتاب (الكنى) والألقاب وقال هذا غير صحيح ولا معتمد (والشيرازي) أبو بكر (في) كتاب (الألقاب) وهو أجل كتاب ألف في هذا الباب قبل ظهور تأليف الحافظ ابن حجر (عد طب هق) وقال أعني البيهقي ليس بشيء (خط) في ترجمة محمد بن القاسم المؤدب من حديث الجارود (عن بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء ثم زاي معجمة (ابن حكيم عن أبيه عن جده) قال الجارود لقيت بهز بن حكيم في الطواف فذكره لي فيه قال الحكيم والخطيب تفرد به الجارود عنه وقال في المهذب كأصله الجارود واه وقد سرقه منه جمع ورووه عن بهز ولم يصح فيه شيء وقال أحمد: حديثه منكر وقال ابن عدي: لا أصل له قال: وكل من روى هذا الحديث فهو ضعيف وقال الدارقطني في علله: هو من وضع الجارود ثم سرقه منه جمع وفي الميزان عن أسامة وأبي حاتم أن الجارود كذاب وأن أبا بكر بن الجارود كان إذا مر بقبر جده قال: يا أبت لو لم تحدث بحديث بهز لزرتك وقد نقل المؤلف في الكبير عن الحكيم أن الجارود تفرد به وأن أبا حاتم وأبا أسامة كذباه وأقر ذلك الحديث: 109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 [ص: 117] 110 - (اتركوا) من الترك قال الراغب: وهو رفض الشيء قصدا واختيارا أو قهرا واضطرارا (الترك) بضم فسكون جيل من الناس والجمع أتراك الواحد تركي كرومي وأروام قاله في القاموس. والمصباح ولا يعارضه قول ابن الأثير: الترك جمع تركي لأن الجمع قد يجمع وهو وإن كان مفردا في الأصل اسم الأب فالأب مسماه جمع كثير فالمصباح والقاموس نظرا إلى أنه اسم مفرد في الأصل وابن الأثير نظر إلى مدلوله الآن قال الزمخشري: تقول العرب تراك تراك صحبة الأتراك وفيه جناس الاشتقاق (ما تركوكم) أي لا تتعرضوا لهم مدة تركهم لكم وخصوا لشدة بأسهم وبرد بلادهم ففي غزوهم مشقة فإن لم يتركونا بأن دخلوا دارنا فقتالهم فرض عين وفيه من أنواع البديع جناس الاشتقاق (فإن أول من يسلب أمتي) أي أمة النسب وهو العرب لا أمة الدعوة (ملكهم) أي أول من ينتزع منهم بلادهم التي ملكوها (وما خولهم الله) فيه أي أعطاهم من النعم والسلب بالسكون الأخذ والاستلاب الاختلاس. السلب بالتحريك المسلوب والتخول الإعطاء والتعهد وأراد بالأمة بعضها إذ المسلوب البعض كما تقرر فهو عام أريد به الخصوص. (بنو قنطوراء) بفتح القاف وسكون النون وبالمد على ما في المغرب الجواليقي لكن في البارع بالقصر جارية إبراهيم الخليل وقيل امرأته من الكنعانيين تزوجها بعد موت سارة وأم إسماعيل. ومن نسلها الترك والديلم والغز وقيل هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بني السد كانوا غائبين فتركوا لم يدخلوا معهم فسموا الترك قال القرطبي: ومع ذلك خرج من الترك أمم لا يحصيها إلا الله تعالى وقال ابن دحية: خرج سنة سبع عشرة وست مئة جيش منهم وهم التتر عظم منهم الخطب والخطر وعم الضرر وقضى لهم من قتل الأنفس المؤمنة الوطر فقتلوا من رواء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ومحوا آثار ملك بني ساسان وهذا الجيش ممن يكفر بالرحمن ويرى أن الخالق المصور هو النيران وملكهم يعرف بجنكزخان ومن أمثالهم اترك الترك إن أحبوك أكلوك وإن أبغضوك قتلوك وقال ابن حجر: قد ظهر مصداق الخبر وروى أبو يعلى عن معاوية بن خديج قال: كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك فهزمهم فغضب ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح فأنا أكره قتالهم لذلك وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا إلى أن فتح شيئا فشيئا وكثر السبي منهم وتنافس فيهم الملوك لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحدا بعد واحد إلى أن استولى على الملك الأتراك طائفة بعد طائفة إلى آل سلجوق فخرج عليهم في المئة الخامسة الغز فخربوا البلاد وقتلوا العباد ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتار فكان خروج جنكزخان بعد الست مئة فاسعرت بهم الدنيا نارا سيما المشرق حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم ثم كان خراب بغداد وقتل المعتصم آخر الخلفاء بأيديهم سنة ست وخمسين وست مئة ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى أن كان آخرهم التمرلنك فطرق الديار الشامية وخرب دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته حتى أخذه الله وتفرق بنوه في البلاد وظهر بجميع ذلك مصداق الحديث (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (بن مسعود) قال الهيتمي: فيه مروان بن سالم متروك وذكره في موضع آخر وقال: فيه عثمان بن يحيى الفرقسابي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى. وقال السمهودي: المقال إنما هو في سند الكبير أما الأوسط والصغير فإسنادهما حسن ورجالهما موثوقون انتهى. وبه يعرف أن اقتصار المؤلف على العزو الكبير غير جيد وكيفما كان لم يصب ابن الجوزي حيث حكم بوضعه وقد جمع الضياء فيه جزءا الحديث: 110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 [ص: 118] 111 - (اتركوا) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء (الحبشة) بالتحريك جيل من السودان معروف والواحد حبشي والحبش بضم فسكون اسم جنس ولهذا صغر على حبيش قال ابن حجر: ويقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وملكوها وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل (ما تركوكم) أي مدة دوام تركهم لكم لما يخاف من شرهم كما يشير إليه قوله (فإنه لا يستخرج) أي لا يستنبط والاستخراج الاستنباط وهو ما أظهر بعد خفاء (كنز الكعبة) أي المال المدفون فيها حين يهدمها حجرا حجرا ويلقي حجارتها في البحر كما جاء في خبر آخر والكعبة اسم للبيت الحرام سمي به لتكعبه وهو تربيعه وكل بناء مربع مرتفع كعبة وقيل لاستدارتها وعلوها وقيل لكونها على صورة الكعب (إلا ذو السويقتين من الحبشة) تثنية سويقة مصغرا قال الطيبي: وسر التصغير الإشارة إلى أن مثل هذه الكعبة المعظمة يهتك حرمتها مثل هذا الحقير الذميم الخلقة ويحتمل أن يكون الرجل اسمه ذلك أو أنه وصف له أي رجل من الحبشة دقيق الساقين رقيقهما جدا والحبشة وإن كان شأنهم دقة السوق لكن هذا يتميز بمزيد من ذلك ولا يعارضه قوله تعالى {حرما آمنا} لأن معناه آمنا إلى قرب يوم القيامة فإن هذا التخريب يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام على ما ذكره بعضهم فيأتي إليه الصريخ فيبعث إليه. وقال الحليمي: بل بعد موته وبعد رفع القرآن ورجحه بعض الأعيان وجمع بحمل الأول على أنه يهدم بعضه في زمن عيسى فيبعث إليه فيهرب ثم بعد موته ورفع القرآن يعود ويكمل هدمه إشارة إلى رفع معالم الدين من أصلها (د ك) في الفتن وكذا البيهقي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته اغترارا بتصحيح الحاكم وهو وهم فقد أعله الحافظ عبد الحق بأن فيه زهير بن محمد شيخ أبي داود كان سيء الحفظ لا يحتج بحديثه الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 112 - (اتركوا الدنيا لأهلها) أي صيروها من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال ولا تذهب النفس إليه لخسته والمراد بالدنيا الدنانير والدراهم أو المطعم والمشرب والملبس ومتعلقات ذلك أي التوسع في ذلك والتهافت على أخذ ما فوق الكفاية وأما تفسيره بحب الجياة فلا يلائم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق قال الفاكهي: ودنيا كل إنسان بحسب حاله فكلام الشيخ بين طلبته والأمير بين جنده دنيا بالنسبة لهم إلا أن يقصدوا به أمرا أخرويا وذا لا يكاد يكون إلا من موفق لاح له من علم الآخرة لائح فاشتاق لمولاه وغلب شيطانه وهواه وذكر الغزالي أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر برجل نائم ملتف بعباءة فقال: يا نائم قم فاذكر الله تعالى قال: ما تريد مني وقد تركت الدنيا لأهلها فقال: نم إذا يا حبيبي نم (فإنه) أي الشأن (من أخذ منها) مقدارا (فوق ما) أي القدر الذي (يكفيه) أي زائدا على الذي يحتاجه لنفسه والممونة من نحو مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخادم ومركب وآنية تليق به وبهم (أخذ من حتفه) أي أخذ في أسباب هلاكه والحتف الهلاك قال الزمخشري: قالوا المرء يسعى ويطوف وعاقبته الحتوف قيل هو مصدر بمعنى الحتف وهو القضاء وفي الصحاح الحتف الموت يقال مات حتف أنفه إذا مات بغير قتل ولا ضرب وفي النهاية هو أن يموت على فراشه كأن سقط فمات والحتف الهلاك وخص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه (وهو لا يشعر) أي والحال أنه لا يدري ولا يحس بذلك ولا يتوقعه لتمادي غفلته. والشعور الإحساس ومشاعر الإنسان حواسه ومنه الشعار وما شعرت به ما فطنت له وما علمته وليت شعري ما كان منه وما يشعركم وما يدريكم ذكره الزمخشري فهلاك هذا الدين وسلوك سبيل الناجين الزهد فيها والإعراض عنها والاقتصار على الكفاف قال الغزالي: وإنما كانت الزيادة على قدر الكفاية مهلكة لأن ذلك يدعو إلى المعاصي فإنها تمكن منها [ص: 119] ومن العصمة أن لا يقدر ولأنه يدعو إلى التنعم بالمباحات وهو أقل الدرجات فينبت على التنعيم جسده ولا يمكنه للصبر عنه وذلك لا يمكن استدامته إلا بالاستعانة بالخلق والالتجاء إلى الظلمة وهو يدعو إلى النفاق والكذب والرياء والعداوة والبغضاء ولأنه ينهى عن ذكر الله تعالى الذي هو أساس السعادة الأخروية انتهى. ولهذا كان محط نظر السلف الصالح التجرد المطلق عن علائقها أما الأخذ منها بقدر الكفاية لمن ذكر فلا ضير فيه بل قد يجب بل له أخذ ما زاد على كفايته بقصد صرف الفاضل في وجوه البر إن وثق من نفسه بالوفاء بذلك القصد فمثال المال كحية فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها من يعرف وجه التحرز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت عليه نعمة وإن أصابها من لم يعرف ذلك فهي عليه نقمة وهي كبحر تحته صنوف الجواهر فمن كان عارفا بالسباحة وطرق الغوص والتحرز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمة وإن غاصه جاهل بذلك تورط في المهالك هذا غاية البيان وليس قربة وراء عمان (فر عن أنس) رمز المصنف لضعفه وذلك لأن فيه من لا يعرف لكن فيه شواهد تصيره حسنا لغيره الحديث: 112 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 113 - (اتق) بكسر الهمزة وشد المثناة فوق (الله) أمر من التقوى فعلى من الوقاية ما يتقى به مما يخاف فتقوى العبد لله أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وقاية تقيه منه وهي هنا الحذر (فيما تعلم) أي تحذره وخفه في العمل أو في ترك العمل بالذي تعلمه وحذف المفعول للتعميم وذلك بأن تجتنب المنهي وتفعل المأمور وخاطب العالم لأن الجاهل لا يعرف كيف يتقي لا من جانب الأمر ولا من جانب النهي والمراد أصالة العلم العيني الذي لا رخصة للمكلف في تركه وما عداه من كمال التقوى قال ابن القيم وللمعاصي من الآثار القبيحة ما لا يعلمه إلا الله فمنها حرمان العلم فإن العلم نور يقذف في القلب والمعصية تطفئه وكتب رجل إلى أخيه أنك أوتيت علما فلا تطفئن نوره بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي وقال بشر: التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشاد أعظم من كل تنعم في الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فما اتقى فيما علم (تخ ت) وكذا الطبراني من حديث أنس بن أشوع (عن زيد بن سلمة) بن يزيد بن مشجعة (الجعفي) بضم الجيم وسكون المهملة نسبة إلى جعفي بن سعد العشيرة قبيلة كبيرة قال قلت يا رسول الله سمعت منك حديثا كثيرا فإني أخاف أن ينسيني آخره أوله فمرني بكلمة جامعة فذكره قال الترمذي في العلل سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال سعيد بن أشوع لم يسمع من يزيد فهو عندي مرسل وقال المؤلف في الكبير منقطع الحديث: 113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 114 - (اتق الله) خفه واحذره (في عسرك) بضم فسكون وبضمتين وبالتحريك كما في القاموس: الضيق والصعوبة والشدة (ويسرك) بالضم وبضمتين وبالفتح وبفتحتين الغنى والسهولة يعني إذا كنت في ضيق وشدة وفقر فخف الله أن تفعل ما نهى عنه أو تهمل ما أمر به وإن كنت في سرور وغنى فاحذره أن تطغى وتقتحم ما لا يرضاه فإن نعمته إذا زالت عن إنسان قلما تعود إليه وقدم العسر على اليسر لأن اليسر يعقبه كما دل عليه قوله تعالى {إن مع العسر يسرا} أو اهتماما بشأن التقوى فيه. قال بعض العارفين: من علامات التحقق بالتقوى أن يأتي المتقي رزقه من حيث لا يحتسب وإذا أتاه من حيث يحتسب ما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى أن تتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا تقل إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب مؤنتهم فلا بد من الكد في السبب الذي جرت العادة أن يرزقه فيه فإنا ما قلنا لك لا تعمل فيها بل نهيناك عن الاعتماد عليها والسكون عندها فإن وجدت القلب يسكن إليها فاتهم إيمانك وإن وجدت قلبك ساكنا مع الله تعالى واستوى عندك وجود السبب المعين وفقده فأنت الذي لم تشرك بالله شيئا فإن أتى [ص: 120] رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى أنك من المتقين (قال العارفون يثبتونها ولا يشهدونها ويعطونها حقها ولا يعبدونها وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس يعبدونها ولا يعطونها حقها بل يعصونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها. قاله شيخنا المحيوي في فتوحاته أه.) <تنبيه> قال ابن عربي: طريق الوصول إلى علم القوم التقوى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم} أي طالعناهم على العلوم المتعلقة بالعلويات والسفليات وأسرار الجبروت وأنوار الملك والملكوت وقال الله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} والرزق روحاني وجسماني وقال {اتقوا الله ويعلمكم الله} أي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه بالوسائط من العلوم الإلهية (أبو قرة) بضم القاف وشد الراء (الزبيدي في سننه) بفتح الزاء نسبة إلى زبيد البلد المعروف المشهور باليمن واسمه موسى بن طارق (عن طليب) بالتصغير (بن عرفة) له وفادة ولم يرو عنه إلا ابنه كليب وهما مجهولان ذكره الذهبي كابن الأثير وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 115 - (اتق الله) بامتثال أمره وتجنب نهيه (حيثما كنت) أي وحدك أو في جمع فإن كانوا أهل بغي أو فجور فعليك بخويصة نفسك أو المراد في أي زمان ومكان كنت فيه رآك الناس أم لا فإن الله مطلع عليك واتقوا الله إن الله كان عليكم رقيبا والخطاب لكل من يتوجه إليه الأمر فيعم كل مأمور وأفراد الضمير باعتبار كل فرد وما زائدة بشهادة رواية حذفها وهذا من جوامع الكلم فإن التقوى وإن قل لفظها كلمة جامعة فحقه تقدس أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر بقدر الإمكان ومن ثم شملت خير الدارين إذ هي تجنب كل منهي عنه وفعل كل مأمور به فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين أثنى عليهم في كتابه المبين ثم نبه على تدارك ما عساه يفرط من تقصيره في بعض الأوامر والتورط في بعض النواهي فقال (واتبع) بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الموحدة ألحق (السيئة) الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة كما اقتضاه ظاهر الخبر والحسنة بالنسبة إليها التوبة منها فلا ملجئ لقصره على الصغيرة كما ظن وأيا ما كان فالحسنات تؤثر في السيئات بالتخفيف منها يعني ألحق (الحسنة) إياها صلاة أو صدقة أو استغفارا أو تسبيحا أو غيرها (تمحها) أي السيئة المثبتة في صحيفة الكاتبين وذلك لأن المرض يعالج بضده كالبياض يزال بالسواد وعكسه {إن الحسنات يذهبن السيئات} يعني فلا يعجزك إذا فرطت منك سيئة أن تتبعها حسنة كصلاة قال ابن عربي: والحسنة تمحو السيئة سواء كانت قبلها أو بعدها وكونها بعدها أولى إذ الأفعال تصدر عن القلوب وتتأثر بها فإذا فعل سيئة فقد تمكن في القلب اختيارها فإذا أتبعها حسنة نشأت عن اختيار في القلب فتمحو ذلك وظاهر قوله تمحها أنها تزال حقيقة من الصحيفة وقيل عبر يه عن ترك المؤاخذة ثم إن ذا يخص من عمومه السيئة المتعلقة بآدمي فلا يمحها إلا الاستحلال مع بيان جهة الظلامة إن أمكن ولم يترتب عليه مفسدة وإلا فالمرجو كفاية الاستغفار والدعاء (وخالق الناس بخلق) بضمتين (حسن) بالتحريك أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه وحلم وشفقة وخفض جانب وعدم ظن السوء بهم وتودد إلى كل كبير وصغير وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم يقال فلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلف وجمع هذا بعضهم في قوله: وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر والخلق بالضم الطبع والسجية وعرفا ملكة نفسانية تحمل على فعل الجميل وتجنب القبيح كذا ذكره البعض هنا وليس بصواب فإنه تفسير لمطلق الخلق بالخلق الحسن وهو فاسد وقد تكفل حجة الإسلام بتعريفه على طرف التمام فقال: الخلق هيئة للنفس تصدر عنها الأفعال بسهولة وسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا حسنا وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا وحسن [ص: 121] الخلق وإن كان جليا لكن في الحديث رمز إلى إمكان اكتسابه وإلا لما صح الأمر به كما سيجيء إيضاحه والأمر به عام خص بمستحقه فخرج الكفرة والظلمة فأغلظ عليهم ثم هذا الحديث من القواعد المهمة لإبانته لخير الدارين وتضمنه لما يلزم المكلف من رعاية حق الحق والخلق. وقال بعضهم: وهو جامع لجميع أحكام الشريعة إذ لا يخرج عنه شيء وقال آخر فصل فيه تفصيلا بديعا فإنه اشتمل على ثلاثة أحكام كل منها جامع في بابه ومترتب على ما قبله <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الخلق والتخلق أن التخلق معه استثقال واكتساب ويحتاج إلى بعث وتنشيط من خارج والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج (حم ت) في الزهد (ك) في الإيمان وقال على شرطهما وأيده وأقره الذهبي واعترض (هب) وكذا الضياء في المختارة والدارمي (عن أبي ذر) الغفاري وقال الترمذي حسن صحيح (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك بسند ضعيف ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره فالإسناد الأول صحيح والثاني حسن والثالث ضعيف وأكثر المصنف من مخرجيه إشارة إلى رد الطعن فيه الحديث: 115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 116 - (اتق الله) قال القيصري: قد أكثر الناس القول في التقوى وحقيقتها تنزيه القلب عن الأدناس وطهارة البدن من الآثام وإن شئت قلت: الحذر من موافقة المخالفات. وقال الحرني: عبر هنا وفيما سبق بالاسم الأعظم ليكون أزجر للمأمور (ولا تحقرن) بفتح المثناة فوق وكسر القاف وفتح الراء وشد النون أي لا تستصغرن يقال حقره واحتقره واستصغره قال الزمخشري: تقول أي العرب هو حقير فقير هو حاقر ناقر وفي المثل من حقر حرم وفلان خطير غير حقير (من المعروف) أي ما عرفه الشرع والعقل بالحسن (شيئا) أي كثيرا كان أو حقيرا (ولو) قال الطيبي: هذا شرط يعقب به الكلام تتميما ومبالغة وقال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة بتضمنها السابق تقديره لا تحقرن من المعروف شيئا على كل حال كائنا ما كان ولو (أن تفرغ) بضم الفوقية وكسر الراء تصب يقال أفرغت الشيء صببته إذا كان يسيل (من دلوك) إنائك الذي تستسقي به من البئر (في إناء) أي وعاء (المستسقي) طالب السقيا يعني ولو أن تعطي مريد الماء ما حزته أنت في إنائك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف وتقدم الأحوج فالأحوج والدلو معروف ويستعار للتوصل إلى الشيء بأي سبب كان قال: وليس الرزق في طلب حثيث. . . ولكن ألق دلوك في الدلاء (وأن تلقى) أي ولو أن تلقى (أخاك) أي تراه وتجتمع به وفي رواية لأبي داود بدله وإن تكلم أخاك قال الطيبي: مصدر وعامله محذوف تقديره كلم أخاك تكليما فلما حذف الفعل أضيف المصدر إلى الفاعل وأراد بالأخ المسلم وإن لم يكن ابن أحد أبويه وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل أن دينه كما تقول للرجل قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة وذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام ذكره الزمخشري وأصله للراغب حيث قال: هو المشارك لآخر في الولادة من الطرفين أو أحدهما أو الرضاع ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غيرها من المناسبات {ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي لمشاركيهم في الكفر وقوله {يا أخت هارون} يعني في الصلاح لا النسبة وقولهم أخا تميم وقولهم أخا عاد وسماه أخا تنبيها على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه (ووجهك) أي والحال أن وجهك (إليه منبسط) أي منطلق بالسرور والانشراح قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه. ونظم هذا الحديث كنظم الجمان وروض الجنان وفيه كما قال الغزالي رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه وقطب جبينه كأنه [ص: 122] مستقذر للناس أو غضبان عليهم أو منزه عنهم ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الرقبة حتى تطأطأ ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلب أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (وإياك (إياك فعل أمر بمعنى باعد نفسك ما يكره وباعد إسبال الإزار فهو عطف على المحذوف من إياك: أي إياك ما يكره وإسبال الإزار. أه) وإسبال) بالنصب (الإزار) أي إرخاءه إلى أسفل الكعبين (الكعبين) (هما العظمان الناتئان فوق القدم من جانبها بين مفصل الساق والقدم وذلك لإبعاد الإزار عن المستقذر ولمخالفة المتكبرين وللتشبه بالصالحين. أه) أي احذر ذلك يقال أسبل الإزار أرسله ذكره الزمخشري (فإن إسبال الإزار من المخيلة) كعظيمة الكبر والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تتراءى للإنسان من نفسه ذكره الراغب. وقال الزمخشري: تقول إياك والمخيلة وخايله فاخره وتخايلوا تفاخروا (ولا يحبها الله) أي لا يرضاها ويعذب عليها إن لم يعف وكالإزار سائر ما يلبس فيحرم على الرجل إنزال نحو إزاره عن الكعبين بقصد الخيلاء ويكره بدونه أما المرأة فتسبله قدر ما يستر قدميها (وإن امرؤ) أي إنسان (شتمك) أي سبك (وعيرك) بالتشديد قال فيك ما يعيبك (بأمر) أي بشيء (ليس هو فيك) أي لست متصفا به (فلا تعيره) أنت (بأمر هو فيه) لأن التنزه عن ذلك من مكارم الأخلاق ومن ذم الناس ولو بحق ذموه ولو بباطل ومن ثم قال بعضهم: ومن دعى الناس إلى ذمه. . . ذموه بالحق وبالباطل (ودعه) أي اتركه (يكون وباله) أي سوء عاقبته وشؤم وزره (عليه) قال الزمخشري: الوبال سوء العاقبة (وأجره) أي ثوابه (لك) قال الراغب: الأجر ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويا والأجرة في الثواب الدنيوي ولا يقال الأجر إلا في النفع دون الضر والجزاء يقال في النافع والضار انتهى والإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة والمقاولة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة والحقيقة وأسلم للعرض والورع ذكره الكشاف ولما كان التعبير يهيج الغضب ويحمل على المقابلة بالسب عقبه بقوله (ولا تسبن) بفتح الفوقية وشد الموحدة ونون التوكيد أي لا تشتمن (أحدا) وإن كان مهينا والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء أو نقص فيه ذكره القاضي وفيه تحذير من الاحتقار لا سيما للمسلم المعصوم لأن الله تعالى أحسن تقويم خلقه وخلق ما في السماء والأرض لأجله ومشاركة غيره له فيه إنما هي بطريق التبع وفيه كراهة مجادلة السفهاء ومقاولتهم ومناقلتهم وأن السكوت عن السفيه من المطالب الشرعية قال في الكشاف: ومن أذل نفسه لم يجد مشافها وفيه تنبيه عظيم على كظم الغيظ والحلم على أهل الجهل والترفع عمن أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي ولهذا قال البيهقي عن ذي النون: العز الذي لا ذل فيه سكوتك عن السفيه وفيه أنشد الأصمعي: وما شيء أحب إلى لئيم. . . إذا شتم الكريم من الجواب متاركة اللئيم بلا جواب. . . أشد على اللئيم من السباب ومن ثم قال الأعمش جواب الأحمق السكوت والتغافل يطفئ شرا كثيرا ورضا المتجني غاية لا تدرك والاستعطاف عون للظفر ومن غضب على من لا يقدر عليه طال حزنه وقال حكيم ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حليم من أحمق وبر من فاجر وشريف من دنيء وفيه أنه لا ينبغي للعبد أن يحقر شيئا من المعروف في الإحسان إلى الناس بل إلى خلق الله ولا يحتقر ما يتصدق به وإن قل وندب لقاء الأخ المؤمن بالبشر وطلاقة الوجه وأنه يقوم مقام فعل المعروف إذا لم يمكنه فعل المعروف معه وغير ذلك (الطيالسي) وأبو داود (عن جابر بن سليم) ويقال سليم بن جابر قال البخاري: والأول أصح (الهجيمي) من بني هجيم بن عمرو بن تميم سكن البصرة وروى عنه ابن سيرين وغيره قال [ص: 123] قلت يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله به فذكره وقضية المؤلف تدل على أن الحديث لم يخرجه أحد أشهر من الطيالسي وأنه تفرد به والأمر بخلافه فقد خرجه بمخالفة في الترتيب عن جابر المذكور أئمة أجلاء مشاهير منهم أحمد وأبو داود والنسائي والبغوي والباوردي وابن حبان والطبراني وأبو نعيم والبيهقي والضياء في المختارة وغيرهم بلفظ اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولا تسبن أحدا وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنه يكون لك أجره وعليه وزره واتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة انتهى. وفي بعض طرقه رأيت رجلا والناس يصدرون عن رأيه فقلت: من هذا قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله فقال: عليك السلام تحية الموتى ولكن قل السلام عليك فقلت: السلام عليك أنت رسول الله قال: نعم فقلت: يا رسول الله علمني مما علمك الله فذكره قال النووي في رياضه رواه أبو داود والترمذي بالإسناد الصحيح ورمز المصنف لصحته الحديث: 116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 117 - (اتق الله) أي احذره (يا أبا الوليد) كنية عبادة بن الصامت قال ذلك له لما بعثه على الصدقة وفيه تكنية الصاحب والأمير ووعظه (لا تأتي) قال الزمخشري: لا مزيدة أو أصله لئلا تأتي فحذف اللام (وفيه حذف تقديره ما تستحقه فتأتي) (يوم القيامة) يوم الجزاء الأعظم (ببعير) معروف يقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما وجمعه أبعره وأباعير وبعران (تحمله) في رواية على رقبتك قال الزمخشري: وهو ظرف وقع حالا من الضمير في تأتي تقديره مستعليا رقبتك بعيرة وقال الراغب: الحمل معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة فسوى بين لفظه في فعل وفرق بين كثير منها في مصادر فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر على الشيء حمل وفي الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن والثمرة في الشجر تشبيها بحمل المرأة ويقال حملت الثقيل والرسالة والوزن حملا (له رغاء) بضم الراء وبالمعجمة والمد أي تصويت والرغاء صوت الإبل تقول رغا البعير رغاء ورغوة واحدة فالغالب في الأصوات فعال كبكاء وقد يجيء على فعيل كصهيل وعلى فعلة كحمحمة (أو بقرة لها خوار) بخاء معجمة مضمومة وواو خفيفة أي تصويت والخوار صوت البقر قال الراغب: مختص بالبقر وقد يستعار للبعير والبقر واحدة بقرة ويقال في جمعه باقر كحامل وبقير كحكيم ويقال للذكر ثور كجمل وناقة ورجل وامرأة انتهى (أو شاة لها ثواج) بمثلثة مضمومة وفتح الهمزة فألف فجيم صياح الغنم فقال عبادة: يا رسول الله إن ذلك كذلك فقال: أي والذي نفسي بيده إلا من رحم الله قال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبدا أي لا إلى الحكم على اثنين ولا أتأمر على أحد (أو لا أكون عاملا لحاكمين أو لا يكون فعلي مخالفا لاعتقادي أه) وهذا دليل على كراهة الأمارة في ذلك العصر الذي كان فيه مثل عبادة ونحوه من صالحي الأنصار وأشراف المهاجرين الكبار فإذا كان هذا حال هؤلاء الذين ارتضاهم المصطفى للولاية وخصهم بها فما الظن بالولاة بعد ذلك الطراز الأول والمتنافسين في الولايات الباذلين الأموال في تحصيل الأعمال السلطانية <تنبيه> قال حجة الإسلام هذا الحمل حقيقي قيأتي به حاملا له معذبا بحمله وثقله يعدل الجبل العظيم مرعوبا بصوته وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد والملائكة تنادي هذا ما أغله فلان بن فلانة رغبة فيه وشحا (أي أن الشخص يحشر يوم القيامة وهو حامل على عتقه ما أخذه بغير حق. قال تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وفي الصحيحين وغيرهما ما هو صريح في ذلك أه) وذهب بعضهم إلى أن الحمل عبارة عن وزر ذلك وشهرة الأمر أي يأتي يوم القيامة وقد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار إلى آخره ورده القرطبي بأنه عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه وقد أخبر المصطفى بالحقيقة فهو أولى إذ لا مانع وعورض بوجود المانع وهو أنه إذا غل ألف دينار مثلا فهي أخف من البعير وهو بالنسبة إليها حقير فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه وأجيب بأن المراد بالعقوبة بذلك فضيحته على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة قال [ص: 124] ابن المنير أظن أن الحكام أخذوا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث ونحوه (تتمة) أجمعوا على أن الغال يجب عليه إعادة ما غل قبل القسمة وكذا بعدها عند الشافعي رحمه الله تعالى فيحفظه الإمام كالمال الضائع وقول مالك يدفع الإمام خمسه ويتصدق بالباقي فيه أنه لم يملكه فكيف يتصدق بمال غيره (طب) وكذا ابن عساكر (عن عبادة) بضم العين المهملة وفتح الموحدة (ابن الصامت) الخزرجي من بني عمرو بن عوف بدري نقيب فاضل عالم جليل ممن جمع القرآن وولاه عمر قضاء فلسطين رمز المصنف لحسنه وهو تقصير إذ هو أعلى فقد قال الحافظ الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الشافعي والبيهقي عن طاوس مرسلا الحديث: 117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 118 - (اتق المحارم) أي احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك (تكن أعبد الناس) أي من أعبدهم لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد وقال الذهبي هنا والله تكسب العبرات فيريد أن يكون يسيرا بكل واجب فيقوم به وعارفا بكل محرم فيجتنبه (وارض) أي اقنع (بما قسم الله لك) أي أعطاك وجعله حظك من الرزق (تكن أغنى الناس) فإن من قنع استغنى ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس والقناعة غنى وعز بالله وضدها فقر وذل للغير ومن لم يقنع لم يشبع أبدا ففي القناعة العز والغنى والحرية وفي فقدها الذل والتعبد للغير تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار فيتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق بالقسم والحظ لا بالعلم والعقل ولا فائدة للجد حكمة بالغة دل بها على قدرته وإجراء الأمور على مشيئته قال الحكماء: ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم ونظمه أبو تمام فقال: ينال الفتى من عيشه وهو جاهل. . . ويكدى الفتى في دهره وهو عالم ولو كانت الأقسام تجري على الحجا. . . هلكن إذن من جهلن البهائم ومن كلامهم كم رأيت أعرج في المعالي عرج (وأحسن إلى جارك) بالقول والفعل والجار المجاور لك وما قرب من منزلك عرفا (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان فإذا لم تقدر على الإحسان إليه فكف عن أذاه وإن كان مؤذيا لك فيلزمك الصبر حتى يجعل الله لك فرجا قال الراغب: والإحسان يقال للإنعام على الغير وللإحسان في فعله وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا وعليه قول علي كرم الله وجهه " الناس أبناء ما يحسنون أي منسوبون إلى ما يعلمون ويعملون من الأفعال الحسنة والإحسان أعم من الإنعام والعدل إذ العدل أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له (وأحب) أي ارض (للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مسلما) كامل الإسلام بأن تحب لهم حصول ما تحبه لنفسك من جهة لا يزاحمونك فيها فإن انتفت المحبة لنحو حقد أو غل أو حسد انتفى عنه كمال الإيمان وغاير في ما بين لفظي الإيمان والإسلام تفننا إذ المراد بهما هنا واحد قال السدي لي ثلاثون سنة في الاستغفار عن قولي الحمد لله وذلك أنه وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل فقال نجا حانوتك فقلت الحمد لله فمذ قلتها فأنا نادم حيث أردت لنفسي خيرا دون المسلمين (ولا تكثر الضحك) بفتح وكسر وهو كيفية يحصل منها انبساط في القلب مما يعجب الإنسان من السرور ويظهر ذلك في الوجه والإكثار منه مضر بالقلب منهي عنه شرعا وهو من فعل السفهاء والأراذل مورث للأمراض النفسانية ولذا قال (فإن كثرة الضحك تميت القلب) أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها شيئا من مكروه وحياته وإشراقه مادة كل خير وموته وظلمته مادة كل شر وبحياته تكون قوته وسمعه وبصره وتصور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه ولهذا قال لقمان [ص: 125] لابنه يا بني لا تكثر الضحك من غير عجب ولا تمشي من غير أرب ولا تسأل عما لا يعنيك ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما أخرت وقال موسى للخضر: أوصني فقال: كن بساما ولا تكن غضابا وكن نفاعا ولا تكن ضرارا وانزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب ولا تعير الخطائين بخطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران وفي صحف موسى عجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها وفي الحديث إيذان بالإذن في قليل الضحك لا سيما لمصلحته (حم ت) في الزهد (هب) وأبو نعيم في الحلية كلهم من حديث الحسن (عن أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن قلت: أنا فأخذ بيدي فعد خمسا فقال: اتق المحارم وإلى آخره قال الترمذي غريب منقطع انتهى. قال المنذري: وبقية إسناده فيه ضعف انتهى. وفيه جعفر بن سليمان الضبعي شيعي زاهد أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه القطان ووثقه جمع وقال في الكاشف ثقة فيه شيء وفيه أيضا أبو طارق السعدي قال الذهبي مجهول الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 119 - (اتق) يا علي هكذا هو ثابت في رواية مخرجه الخطيب فكان الأولى للمؤلف عدم حذفه (دعوة) بفتح الدال المرة من الدعاء أي تجنب دعاء (المظلوم) أي من ظلمته بأي وجه كان من نحو استيلاء على ما يستحقه أو إيذاء له بأن ترد إليه حقه أو تمكنه من استيفائه فإنك إن ظلمته ودعا عليك استجيب له وإن كان عاصيا مجاهرا فإنه إذا دعى عليك (فإنما يسأل الله حقه) أي الشيء الواجب له على خصمه (وإن الله تعالى لن يمنع ذا حق) أي صاحب حق (حقه) لأنه الحاكم العادل نعم ورد أن الله سبحانه وتعالى يرضي خصوم بعض عباده بما شاء وفي خبر رواه ابن لال والديلمي وغيرهما أن في صحف إبراهيم أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها لبعض لكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وقال ابن عبد العزيز: إن الله يأخذ للمظلوم حقه من الظالم فإياك أن تظلم من ينتصر عليك إلا بالله تعالى فإنه تعالى إذا علم إلتجاء عبده إليه بصدق واضطرار انتصر له ولا بد {أمن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه} وقال عبد الله بن سلام: لما خلق الله الملائكة رفعت رؤوسها إلى السماء فقالت: يا ربنا مع من أنت قال: مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه قال الراغب: والحق يقال على أوجه ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} (خط) في ترجمة صالح بن حسان (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الخطيب فعزو المصنف للفرع وإهماله الأصل غير صواب ثم قضية صنيعه أن مخرجه الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة صالح بن حسان هذا كما تقرر وذكر أن ابن معين قال إنه ليس بشيء وأن البخاري ذكر أنه منكر الحديث والنسائي قال متروك وأبو حاتم ضعيف فإهماله لذلك واقتصاره على عزوه لمخرجه من سوء التصرف ثم إن فيه أيضا منصور بن أبي الأسود أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: صدوق من أعيان الشيعة انتهى وبه عرف اتجاه رمز المؤلف لضعفه الحديث: 119 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 120 - (اتقوا الله) المستجمع لصفات العظمة وصيغة جمع المذكر في هذا ونحوه مما مر ويجيء واردة على منهج التغليب لعدم تناولها حقيقة الإناث عند غير الحنابلة (في هذه البهائم) أي في شأن ركوب ما يركب منها وأكل ما يؤكل منها ونحو ذلك وهي جمع بهيمة سميت به لاستبهامها عن الكلام أو لأنها مبهمة عن التمييز أو لانبهام أمرها علينا لا لانبهام الأمور عليها كما قيل فإن لها إدراكا في الجملة قال في الكشاف: البهيمة مبهمة في كل ذات أربع وفي البر والبحر في القاموس هي كل [ص: 126] ذات أربع ولو في الماء أو كل حي لا يميز وقال الراغب: البهيمة ما لا نطق له لما في صورته من الاستبهام لكن خص في التعارف بما عد السباع لكن إنما أراد المصطفى بهذا الحديث الإبل فقط بدليل قوله وكلوها وبدليل السبب الآتي فإنها لا تطيق أن تفصح عن حالها وتتضرع إلى صاحبها من جوعها وعطشها وإضرارها ذكره القاضي (المعجمة) بضم الميم وفتح الجيم وقيل بكسر ما أي التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع وعطش. وأصل الأعجم كما قال الرافعي الذي لا يفصح بالعربية ولا يجيد التكلم بها عجميا كان أو عربيا سمى به لعجمة لسانه والتباس كلامه والقصد التحريض على الرفق بها والتحذير من التقصير في حقها (فاركبوها) رشادا حال كونها (صالحة) للركوب عليها يعني تعهدوها بالعلف لتتهيأ لما تريدونه منها فإن أردتم ركوبها وهي صالحة للركوب قوية على المشي بالراكب فاركبوها وإلا فلا تحملوها ما لا تطيقه وكالركوب التحميل عليها (وكلوها صالحة) أي وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها فكلوها حال كونها سمينة صالحة للأكل وخص الركوب والأكل لأنهما من أعظم المقاصد ذكره كله القاضي لكن ليس لمن وجب عليه هدي أو منذور الأكل منه قال القاضي: وفيه وجوب علف الدواب وأن الحاكم يجبر المالك عليه وهو مذهب الشافعي والجمهور انتهى. فيلزم المالك كفاية دابته المحترمة وإن تعطلت لمرض أو زمانة أكلا وشربا فإن امتنع الزم به من ماله أو ببيعها أو إجارتها أو ذبح المأكولة للأكل فإن أبى فعل القاضي من ذلك ما يراه <تنبيه> ذكر بعض أكابر الصوفية أنه ينبغي شفقة الراكب على الدابة فيخفف بدنه عليها بكثرة ذكر الله على ظهرها فإنه مجرب للخفة عليها إذ الروح تشتاق إلى حضرة ربها في جهة العلو بحسب غلبة الوهم فتريد الصعود بجسمها إلى تلك الحضرة فلا يصير على الدابة من البدن إلا مجرد المماسة كما جربناه وذكر بعضهم أن الشيخ عبد العزيز الديريني كان إذا ركب دابة لا يحمل صوتا قط ويردها بكمه ويقول هيهات عبد العزيز أن يقدر على ضربة بكم قميص (حم د) في الجهاد (وابن خزيمة) في صحيحه (حب) كلهم (عن سهل) ضد الصعب (ابن) الربيع ابن عمرو بن عدي المعروف بابن (الحنظلية) صحابي غير صغير أوسي والحنظلية أمه وبها اشتهر شهد أحدا وكان متعبدا متوحدا زاهدا قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فذكره وفي رواية عنه مر ببعير مناخ على باب أول النهار ثم مر به آخر النهار وهو على حاله فقال: أين صاحب هذا فابتغى فلم يوجد فقال: اتقوا الله إلى آخره قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 121 - (اتقوا الله) علق الاتقاء بالاسم العلم دون غيره من بقية أسمائه وصفاته لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بإدخال المهابة بسلطان الأسماء الجلالية (واعدلوا) ندبا (في) وفي رواية بين (أولادكم) أي سووا بينهم في العطية وغيرها لئلا يفضي التفضيل إلى العقوق والتحاسد وذلك بأن يسوي بين ذكورهم وإناثهم وقيل كالإرث فعدم العدل بينهم مكروه تنزيها عند الشافعي لما ذكر وتصح الهبة وقال أحمد إن خص أحدكم لا لمعنى فيه يبيح التفضيل حرم ولزمه التسوية إما برد ما فضل أو إتمام نصيب الباقي ويرده خبر مسلم أشهد على هذا غيري إذ لو كان حراما لم يأذن له في استشهاد غيره وامتناعه من الشهادة تورع ولا يعارضه رواية إني لا أشهد على جور لأن المكروه جور إذ الجور الميل عن الاعتدال والعدل ملكة يقتدر بها على تجنب ما لا يليق فعله إذ هو وضع الشيء بمحله اللائق به في نفس الأمر وإذا طلب العدل بين الأولاد فبين غيرهم أولى فهو مطلوب حتى في الأمور الدينية فقد نقل ابن جماعة عن بعض مشايخه أنه كان يقسم ساعات النهار بين طلبنه بالرمل فإذا غاب أحدهم عن وقته يقول له مشى رملك ولا يقرئك ذلك اليوم (ق) البخاري في الهبة ومسلم في الفرائض (عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية وهو ابن سعد الخزرجي أبي عبد الله الأمير ولي حمص ليزيد وقتل في آخر سنة أربع وستين قال: أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال: أكل ولدك نحلته مثل [ص: 127] هذا قال: لا قال: فارجعه وفي رواية فقال: أفعلت هذا بولدك كلهم قال: لا قال: اتقوا الله واعدلوا إلى آخره قال النعمان: فرجع بي فرد تلك الصدقة وفي رواية قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يا بشير ألك ولد سوى هذا قال: نعم قال: أكلهم وهبت له مثل هذا قال: لا قال: فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور وفي رواية أشهد على هذا غيري ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال: نعم قال: فلا إذن أخرجه الشيخان الحديث: 121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 122 - (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم) بفتح الياء التحتية والموحدة أي يحسنوا طاعتكم يقال بررت والذي أبره برا وبرورا أحسن طاعته ورفقت به وتحريت محابه وتوقيت مكارهه وذلك لأنه كما للآباء على الأبناء حق فللأبناء على الآباء حق وكما قال سبحانه وتعالى {ووصينا الإنسان بوالديه} وقال {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} فوصية الله للآباء بأبنائهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم وفيه ندب التسوية بين الأولاد في النحل وغيرها من أنواع البر حتى في القبلة ولو فعل خلاف ذلك لم يحرم فقد فضل أبو بكر عائشة بجذاذ عشرين وسقا دون جميع أولاده وعمر عاصما بشيء أعطاه وعبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم قال البيضاوي وقرر ذلك ولم ينكر عليهم فيكون ذلك إجماعا (طب عنه) أي عن النعمان المذكور الحديث: 122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 123 - (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي الحالة التي وقع بها الاجتماع قال الحراني: والإصلاح تلافي خلل الشيء وفي المصباح الصلح التوفيق أصلحت بين القوم وفقت بينهم وقال الراغب: الصلاح ضد الفساد وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال والصلح مختص بإزالة النفار بين الناس (فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين) وفي رواية المسلمين أي أصلحوا فإن الله يحب الصلح ولذلك يصلح بين المؤمنين (يوم القيامة) أي يوفق بينهم بأن يلهم المظلوم العفو عن ظالمه ويعوضه عن ذلك بأحسن الجزاء وروى ابن مردويه عن أنس مرفوعا إذا كان يوم القيامة نادى مناديا أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب (ع ك) في الأهوال (عن أنس) وقال صحيح ورده الذهبي بأن فيه عباد بن شيبة الحبطي ضعفوه وشيخه سعيد بن أنس لا يعرف فأنى له الصحة الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 124 - (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) من كل آدمي وحيوان محترم وغيرهما لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم أن اتقوا الله بحسن الملكة والقيام بما يحتاجونه وخافوا ما يترتب على إهمالهم والتفريط في حقهم من العذاب ولا تكلفوهم على الدوام ما لا يطيقونه على الدوام فإنه حرام وعلموهم ما لا بد منه من طهر وصلاة وكل واجب ومندوب وأدبوهم على ترك المأمورات وفعل المنهي وإضافة الملك إلى اليمين كإضافته إلى السيد والأملاك تضاف إلى الأيدي لتصرف الملاك فيها باليد وإنما أضافها إلى اليمين دون اليد لأنه أبلغ وأنفذ إذ اليمين أبلغ في القوة والتصرف ولينبه على شرف اليمين (خذ عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال: كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة اتقوا الله فذكره والمراد أن ذلك من آخر ما تكلم به رمز المؤلف لصحته الحديث: 124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 125 - (اتقوا الله في الصلاة) التي هي حضرة المراقبة وأفضل أعمال البدن بالمحافظة عليها بشروطها وعدم ارتكاب منهياتها فإنها أول ما يحاسب عليه العبد وعلم الإيمان وعماد الدين وعموده ولما ذكر وصلة الخلق بالخالق وكان اهتمام الناس بمن يمون من أعظم دعائم الدين كما يشير إليه خبر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يمون أو يعول اتبعها به [ص: 128] إشارة إلى أن القيام بذلك واجب على المالك وجوب الصلاة التي لا عذر فيها ما دام مناط التكليف فقال (و) في (ما ملكت أيمانكم) من كل آدمي وحيوان محترم وغير ذلك لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم قال التوربشتي: أراد المماليك ونحوهم وقرنه بالصلاة إيذانا بأن القيام بقدر حاجتهم من نفقة وكسوة واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا يسعه تركها وشمل البهائم المملكة وقال الطيبي: الحديث من جوامع الكلم عبر بالصلاة عن كل مأمور ومنهي إذ هي تنهى عن الفحشاء والمنكر وبما ملكت أيمانكم عن كل ما يتصرف فيه ملكا وقهرا ولذلك خص باليمين فنبه بالصلاة على تعظيم أمر الله تعالى وبما ملكت أيمانكم على الشفقة على خلقه. وقال المظهري: أراد الزكاة وإخراجها من المال الذي تملكه الأيدي كأنه علم بما يكون من أمر الردة وإنكارهم وجوبها بعده فقطع حجتهم بأن جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة ويؤيده أن القرآن والحديث إذا ذكر فيهما الصلاة فالغالب ذكر الزكاة بعدها (خط عن أم سلمة) بفتح المهملة واللام هند أم المؤمنين بنت أمية بن المغيرة المخزومية وأبوها يعرف بزاد الراكب من أشراف قريش رمز المؤلف لضعفه الحديث: 125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 126 - (اتقوا الله في الضعيفين) أي اجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية بالمواظبة على إيفاء حق الضعيفين أي اللذين لا حول لهما ولا قوة أو الضعيفين عن التكبر وعن أذى الناس بمال أو جاه أو قوة بدن قالوا: من هما يا رسول الله قال: (المملوك والمرأة) بأن تعاملوهما برفق وشفقة ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب ووصفهما بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم وانتقامه من ظالمه أشد ووجه ضعف المملوك كونه تحت قهر مالكه والمرأة امتهانها بالوطء ولزوم المنزل والقيام بحق الزوج والخطاب للولي والزوج أو عام ويدخلان دخولا أوليا قال الحراني: والضعف وهن القوى حسا أو معنى (ابن عساكر) في تاريخه (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لضعفه الحديث: 126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 127 - (اتقوا الله في الصلاة) أي اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية بالمواظبة عليها رجاء لرضا ربكم وخوفا من نقض العهد الذي عهده إليكم نبيكم بقوله " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة " الحديث (اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة) كرره تأكيدا واهتماما لأنها علم الإيمان وعماد الدين وطهرة القلوب من أدناس الذنوب واستفتاح باب الغيوب محل المناجاة معدن المصافاة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها مشارق الأنوار وتجمع من القرب ما تفرق في غيرها كطهر وستر وقراءة وذكر ويمتنع فيها ما يمتنع في غيرها وتزيد بأمور أخرى (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) فعاملوهم بالرعاية وتجاوزوا عما يصدر منهم من الجناية وفي الكشاف عن علي كرم الله وجهه أنه صاح بغلام له كرات فلم يجبه فنظر فإذا هو بالباب فقال: لم لم تجب قال: لثقتي بحلمك وأمني من عقوبتك فأعتقه وقال: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) كرره مرتين فقط إيماء إلى أن رعاية حق الحق آكد من رعاية حق الخلق (اتقوا الله في الضعيفين) قيل من هما يا رسول الله قال (المرأة الأرملة) أي المحتاجة المسكينة التي لا منفق لها سميت أرملة لما لها من الأرمال وهو الفقر وذهاب الزاد وأصل أرمل نزل بين جبال ورمال قال الزمخشري: ومن المجاز أرمل افتقر وفني زاده وهو من الرمل ومنه الأرملة والأرامل وفي العين لا يقال شيخ أرمل إلا أن يشاء شاعر في تلميح كلامه كقوله: هذي الأرامل قد قضيت حاجتها. . . فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر [ص: 129] وأرملت المرأة ورملت من زوجها ولا يكون إلا مع الحاجة وعام أرمل وسنة رملى جدباء وكلام مرمل مريف كالطعام المرمل إلى هنا كلامه وقول الشافعي رحمه الله هي من بانت بفسخ أو طلاق أو وفاة اصطلاح فقهي وتقييده بالأرملة ليس لإخراج غيرها بدليل إطلاقها فيما قبله بل لأن رعاية حقها آكد (والصبي اليتيم) أي الصغير الذي لا أب له شرعا ذكرا أو أنثى حث على الوصية بهؤلاء لأن ما تضمره النفس من التكبر تظهره فيهم لكونهم تحت قهرها فترى الإنسان يعمل الفكرة في وجوه العظمة عليهم ويتفكر في كيفية زجرهم وكيفية قهرهم وجوابهم عما يتعللون به من مخالفته (هب عن أنس) قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا: اتقوا الله إلى آخره فجعل يرددها ويقول الصلاة وهو يغرغر حتى فاضت نفسه انتهى. وقد رمز المصنف لحسنه لكن فيه بشر بن منصور الخياط أورده الذهبي في المتروكين وقال هو مجهول قبل المائتين الحديث: 127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 128 - (اتقوا الله) خافوا عقابه واصبروا عن المعاصي وعلى الطاعات (وصلوا) بالتشديد (خمسكم) أي صلواتكم الخمس المعلوم فرضيتها من الدين بالضرورة أضافها إليهم لأنها لم تجتمع لغيرهم وورد أن الصبح لآدم والظهر لداود والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس ولا يناقضه قول جبريل لما صلى به الخمس في أوقاتها مرتين هذا وقت الأنبياء قبلك لاحتمال أنه وقتهم إجمالا وإن اختص كل منهم بوقت (وصوموا شهركم) رمضان والإضافة للاختصاص على ما جرى عليه جمع لكن تعقب بحديث مرفوع خرجه ابن أبي حاتم صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم واحتج الأولون بأن المصطفى كان يصوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ولو كان مشروعا قبلنا لصامه ولم يصم عاشوراء أولا والصوم إذلال النفس لله بإمساكها عما تتشوف إليه نهارا على وجه مخصوص وفرض بالمدينة قال الحراني: وحكمة فرضه فيها أنهم لما أمنوا من عداوة الأمثال والأغيار عادت الفتنة خاصة في الأنفس بالتبسيط في الشهوات وذلك لا يليق بمؤمن يؤثر الدين على الدنيا (وأدوا) أعطوا (زكاة أموالكم) قال الحراني: الزكاة كسر أنفة الغنى بما يؤخذ في حق أصنافها إظهارا لكون المشتغلين بالدين آثر عند الله من الأغنياء وليتميز الذين آمنوا من المنافقين لتمكنهم من الرياء في العمود والركنين ولم يشهد الله بالنفاق جهرا على أحد أعظم من شهادته على مانع الزكاة وقدم الصلاة إتباعا للفظ التنزيل ولعموم وجوبها على كل مكلف ولأن حسنها في نفسها بلا واسطة بخلاف غيرها وصرح بالمضاف في قوله زكاة أموالكم وأضمر في قوله خمسكم أي صلواتكم وأبهم في قوله شهركم أي رمضان للدلالة على أن الإنفاق من المال أشق وأصعب على النفس أي أنفقوا مما تحبونه ومما هو شقيق أنفسكم وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معاشهم ذكره الطيبي ولما كان السخط والرضا من أعمال القلوب زاد في رواية قوله (طيبة) بالتشديد أي منبسطة منشرحة (بها أنفسكم) يقال طابت نفسه تطيب انبسطت وانشرحت قال الزمخشري: ومن المجاز طاب لي كذا إذا حل وطاب القتال والأنفس تذكر في مقام الشح غالبا كقوله تعالى {ومن يوق شح نفسه} وفيه إشارة إلى أنها تطيب المال {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وأنه لا تجب عليهم الزكاة لأنها طهرة وهم مبرؤون من الدنس لعصمتهم ولأنهم لا يشاهدون لهم ملكا مع الله ولم يذكر الحج في الرواية لأنه إن لم يكن له فرض فظاهر وإلا فكان المخاطبون يعرفونه وغالب أهل الحجاز يحجون كل عام وقد ذكره في رواية أخرى (وأطيعوا ذا أمركم) أي من ولي أموركم في غير إثم قال الطيبي: وعدل عن قوله أميركم ليكون أبلغ وأشمل كما في قوله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال في القواطع الطاعة من الطوع والانقياد ومعناها تلقي الأمر بالقبول (تدخلوا) بالجزم جواب الأمر (جنة ربكم) الذي رباكم في نعمه وصانكم من بأسه ونقمه ويربي لكم الصدقات [ص: 130] عنده حتى يصير الحقير عظيما كما في خبر إن الله يقبل الصدقات فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه وهذا هو سر التعبير هنا بالرب دون غيره والمراد بالإدخال مزيد رفع الدرجات والتجاوز عن السيئات وإلا فمجرد الإيمان كاف لمطلق دخولها وقد أشار بهذا الخبر إلى أمهات الأعمال البدنية والمالية من الأفعال والتروك فالصلاة مشار بها إلى التجلي بكل خير والتخلي عن كل شر {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والصوم المطلوب منه سكون النفس الأمارة بالسوء وكسر شهوتها عن الفضول بالجوارح لخمود حركة لذاتها وعنه يصفو القلب ويحصل العطف على الفقراء فإنه لما ذاق الجوع أحيانا ذكر به من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إليه الرقة فيبادر بالإحسان فينال من الجزاء ما أعد له في الجنان والزكاة طهرة للنفس عن دنس البخل والمخالفة وللمال بإخراج الحق لمستحقه والإنفاق خلافه والبخل عزل عن خلافة الله تعالى فمتى جاد الإنسان بالعطية عن طيب قلب ورضا نفس تمت خلافته وعظم فيه سلطانه وانفتح له باب إمداد برزق أعلى وإن بخل واستغنى تضاءل أمر خلافته وانقطع عنه المدد من الأعلى فبحق كانت الزكاة من أمهات الأعمال فافهم هذا المقال <تنبيه> سئل جدنا شيخ الإسلام يحيى المناوي عن وجه تأخير الزكاة عن الصلاة في الذكر مع أن كلا فرض يكفر جاحده فأجاب بأن ذلك لمعان منها أن الزكاة لا تجب إلا على الأغنياء ومنها أنها لا تجب في العام إلا مرة واحدة ومنها أنها تؤخذ جبرا (ت) وقال حسن صحيح (حب ك) وكذا البيهقي (عن أبي أمامة) بضم الهمزة وخفة الميم واسمه صدى بضم المهملة الأولى وفتح الثانية مصغرا ابن عجلان ضد المتأني الباهلي بالموحدة وكسر اللام السهمي آخر الصحابة موتا بالشام وهو مشهور ورواه الخلعي في فوائده وقال حجوا بيت ربكم وأدوا زكاتكم طيبة بها نفوسكم الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 129 - (اتقوا الله) في تجنب المحارم والقيام بالواجب (وصلوا) بكسر الصاد وضم اللام مخففة من الصلة وهي العطية (أرحامكم) فإن قطيعتها مما يجب أن يتقي جمع رحم عام في كل رحم محرما وارثا وضدهما على الأصح والمراد الإحسان إليهم قولا وفعلا وكف الأذى عنهم وقد تضافرت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وكفاك شاهدا على تأكد حقها والتحذير من قطعها قرنه سبحانه إياها باسمه في قوله تعالى {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال في الكشاف: قد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه أن صلتها منه بمكان كما قال {ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} وفيه أنه يحرم قطع الرحم بل هو من الكبائر (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) بسند ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن جابر وزاد فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم ورواه ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة وزاد فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة وبذلك يصير حسنا الحديث: 129 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 130 - (اتقوا الله) خافوه واجتنبوا التطلع إلى ولاية المناصب (فإن أخونكم) أي أكثركم خيانة (عندنا) معشر المسلمين أو النون للتعظيم {وأما بنعمة ربك فحدث} (من طلب العمل) أي الولاية وليس من أهلها لأن طلبه لها وهو كذلك أوضح دليل على خيانته وإن كان أهلا فالأولى أن لا يطلبها ما لم يتعين عليه وإلا وجب قال الراغب: والخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال باعتبار العهد والأمانة والنفاق يقال باعتبار الدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة قال الزمخشري: ومن المجاز خانه سيفه أي نبا عن الضربة وخانته رجلاه إذا لم يقدر على المشي وخان الدلو الرشاء إذا انقطع وتخون فلان حقي تنقصه كأنه خانه شيئا فشيئا (طب عن أبي موسى) الأشعري ورمز المصنف لحسنه الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 131 - (اتقوا البول) أي احذروا من التقصير في التنزه عنه أو توقوا منه بعد ملابسته وبالتحرز عن مفسدة تتعلق به كانتقاص الطهر لأن التهاون به تهاون بالصلاة التي هي أفضل الأعمال فلذا كان أول ما يسئل عنه كما قال فإنه أول [ص: 131] ما يحاسب به العبد) أي المكلف (في القبر) أي أول ما يحاسب فيه على ترك التنزه منه فإما أن يعاتب ولا يعاقب وإما أن يناقش فيعذب ولا ينافيه أن أول ما يحاسب به العبد الصلاة يوم القيامة لأنه يحاسب على أول مقدماتها في أول مقدمات الآخرة ثم يحاسب يوم القيامة على جميع الشروط والأركان كذا جمع به بعضهم ولكن نازع فيه المؤلف بأن ظاهر الأحاديث الواردة في سؤال الملكين في القبر أنه لا يسئل فيه عن شيء من التكاليف غير الاعتقاد فقط ويجاب بأن الملكين منكرا ونكيرا لا يسألان إلا عن الاعتقاد وأما وظيفة المحاسبة فلغيرهما وقد أجمع أهل السنة على وجوب الإيمان بسؤال القبر وعذابه لآيات وأخبار متواترة المعنى وفيه أن ترك التنزه من البول كبيرة لاستلزامه بطلان الصلاة وحرمة التضمخ به بلا حاجة ووجوب الاستبراء أي إن ظن عود شيء لولاه وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. وقال أبو حنيفة سنة ولا ينافي كونه كبيرة قوله في قصة القبرين إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير لأن المعنى لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو التحرز عنه فإنه سهل على من يريد التوقي عنه فليس بكبير عليهم تركه وإن كان كبيرا عند الله {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وفيه أن كل بول نجس ويدخل تحت عمومه بول ما يؤكل لأن الاسم المفرد للعموم فهو حجة على مالك وأن قليله وكثيره سواء فلا يخفف في شيء منه وعليه الشافعي وجعل أبو حنيفة قدر الدرهم من كل نجاسة عفوا قياسا على العفو عن المخرجين (طب) وكذا الحكيم (عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال المنذري: إسناده لا بأس به وقال الحافظ الهيتمي: رجاله موثقون الحديث: 131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 132 - (اتقوا الحجر) بالتحريك قال الحراني: هو ما تحجر أي اشتد تضام أجزائه من الماء والتراب وقال الراغب: هو الجوهر الصلب وجمعه أحجار وحجارة (الحرام) الذي لا يحل لكم أخذه واستعماله والحرام الممنوع منه وقال في المحصول والحرام يسمى معصية وذنبا ومحظورا ومزجورا عنه وممنوعا منه ومتوعدا عليه أي من جهة الشرع (في البنيان) بأن تصونوه عنه وجوبا ونبه بالحجر على غيره من جميع آلات البناء كجص وآجر وخشب وغيرها مما ينبى به وفي رواية بدون ذكر الحجر وهو أعم أي احذروا انفاق المال الحرام في البناء (فإنه) أي فإن إدخال الحجر الحرام وما في معناه في البنيان (أساس الخراب) أي قاعدته وأصله قال الراغب: الأساس القاعدة التي بينى عليها قال الزمخشري: ومن المجاز فلان أساس أمره الكذب ومن لم يؤسس ملكه بالعدل فقد هدمه انتهى والمراد خراب الدين أو الدنيا بقلة البركة وشؤم البيت المبنى به أو أساس خراب البناء نفسه بأن يسرع إليه الخراب في زمن قريب ولو لم يبن به لم يخرب سريعا بل يطول بقاؤه لينتفع بغلته من بعد بنائه قال الزمخشري مكتوب في الإنجيل الحجر الواحد في الحائط من الحرام عربون بالخراب وقال وهب بن منبه: وجدت في بعض كتب الأنبياء من استغنى بأموال الفقراء جعلت عاقبته الفقر وأي دار بنيت بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب. وورد في غير ما أثر أن البناء إذا كان من حرام لم يطل تمتع صاحبه به بل في خبر رواه الحاكم من حديث أمير المؤمنين المرتضى: إن لله عز وجل بقاعا تسمى المنتقمات فإذا كسب الرجل المال من حرام سلط الله عليه الماء والطين ثم لا يمتعه به أه. وذهب بعضهم إلى أن المراد بالبنيان كل أمر أسسه وبناه من دينه ودنياه إذا كان إمداده وإنفاقه من حرام {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار} انتهى وهذا وإن كان لمجيئه مجال في رواية إسقاط لفظ الحجر لا مجال له على رواية إثباته إلا بتكليف يصان عن مثله كلام المصطفى العذب الزلال (هب) من حديث معاوية بن يحيى عن الأوزاعي عن حسان بن عطية (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: حديث لا يصح ومعاوية ضعيف وحسان لم يسمع من ابن عمر انتهى. لكن له طرق وشواهد وممن رواه الخطيب والبيهقي والديلمي وابن عساكر والقضاعي في الشهاب وقال شارحه غريب جدا الحديث: 132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 [ص: 132] 133 - (اتقوا الحديث عني) أي لا تحدثوا عني (إلا بما علمتم) أي تعلمونه بمعنى تتيقنون صحة نسبته إلي وقال الطيبي: يجوز أن يراد بالحديث الاسم فالمضاف محذوف أي احذروا رواية الحديث عني أو أن يكون فعيلا بمعنى مفعول وعني متعلق به والاستثناء منقطع والمعنى احذروا من الحديث عني لكن لا تحذروا مما تعلمونه انتهى والحديث عرفا ما روي من قول المصطفى قيل أو الصحابي أو التابعي أو فعلهم أو تقريرهم وقد يخص بما يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير كذا في التلويح وغيره وأهله النقلة له المعتنون بما يتعلق به (فمن كذب علي متعمدا) حال من الضمير المستتر في كذب الراجع إلى من (فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ له محلا فيها لينزل فيه فهو أمر بمعنى الخبر قال الرافعي: أو دعاء أي بوأه الله ذلك فليتبوأ اتخاذ المنزل والمقعد محل القعود وجاء به بلفظ الأمر جوابا للشرط ليكون أبلغ في وجوب الفعل وألزم له وقال الطيبي: الأمر بالتبوؤ تهكم وتغليظ إذ لو قال كان مقعده في النار لم يكن كذلك والكذب عليه صلى الله عليه وسلم من الكبائر الموبقة والعظائم المهلكة لإضراره بالدين وإفساده أصل الإيمان والكاذبون عليه كثيرون وقد اختلف طرق كذبهم كما هو مبين في مبسوطات أصول كتب الحديث قال بعضهم: وعموم الخبر يشمل الكذب في غير الدين ومن خصه به فعليه الدليل (ومن قال في القرآن برأيه) أي من شرع في التفسير من غير أن يكون له خبرة بلغة العرب ووجوه استعمالاتها في نحو حقيقة ومجاز ومجمل ومفصل وعام وخاص وغير ذلك من علوم القرآن ومتعلقات التفسير وقوانين التأويل (فليتبوأ مقعده من النار) المعدة في الآخرة لأنه وإن طابق المراد بالآية فقد ارتكب أمرا فظيعا واقتحم هولا شنيعا حيث أقدم على كلام رب العالمين بغير العالمين بغير إذن الشارع ومن تكلم فيه بغير إذنه فقد أخطأ وإن أصاب قال الغزالي: ومن الطامات صرف ألفاظ الشارع عن ظاهرها إلى أمور لم يسبق منها إلى الأفهام كدأب الباطنية فإن الصرف عن مقتضى طواهرها من غير اعتصام فيه بالنقل عن الشارع وبغير ضرورة تدعو إليه من دليل عقلي حرام (حم ت) في التفسير (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه اغترارا بالترمذي قال ابن القطان: وينبغي أن يضعف إذ فيه سفيان بن وكيع قال أبو زرعة: متهم بالكذب لكن ابن أبي شيبة رواه بسند صحيح. قال أعني ابن القطان فالحديث صحيح من هذا الطريق لا من الطريق الأول انتهى وبه يعرف أن المصنف لم يصب في ضربه صفحا عن عزوه لابن أبي شيبة مع صحته عنده وممن جرى على سنن ابن القطان في تضعيف رواية الترمذي الصدر المناوي فقال فيه شيخ الترمذي سفيان بن وكيع ضعيف وأقول فيه عند أحمد عبد الأعلى الثعلبي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أحمد وأبو زرعة الحديث: 133 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 134 - (اتقوا الدنيا) أي احذروا الاغترار بما فيها فإنها في وشك الزوال ومظنة الترحال فلا تقربوا الأسباب المؤدية للانهماك فيها أو الزيادة على الحاجة فإنها عرض زائل وحال حائل وقال بعضهم: أقبلت الدنيا وكم قتلت. . . كم سترت الدنيا وكم فضحت فالسعيد من إذا مدت إليه باعها باعها. . . والشقي من إذا مدت إليه باعها أطاعها والدنيا عند أهل الطريق عبارة عما شغل عن الله سبحانه وتعالى (واتقوا النساء) أي احذروا الافتتان بهن وصونوا أنفسكم عن التطلع إليهن والتقرب منهن بالحرام (فإن إبليس) من أبلس تحير أو من البلس محركا من لا خير فيه أو عنده إبلاس وشر والمبلس الساكت حزنا كذا قرره وأبطله الكشاف بأنه لو كان إفعيلا من الإبلاس كما زعموا لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا فمنع صرفه دليل العجمة قال ابن العماد: ولإبليس اثنان وثلاثون اسما ومن أولاده ثلاثة عشر لكل منهم اسم يخصه (طلاع) بفتح الطاء وشد اللام صيغة مبالغة من قولهم رجل طلاع الثنايا مجرب للأمور ركاب لها [ص: 133] يعلوها ويقهرها ويهجم عليها بشدة وغلبة قال الزمخشري: ومن المجاز طلع علينا فلان هجم (رصاد) بالتشديد أي رقاب وثاب كما يرصد القطاع القافلة فيثبون عليها. قال الراغب: والرصد الاستعداد والترقب وقال الزمخشري: رصدته رقبته وفلان يخاف رصدا من قدامه وطلبا من ورائه أي عدوا يرصده {فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} ومن المجاز أنا لك بالرصد والمرصاد أي لا تفوتني وفي التنزيل {إن ربك لبالمرصاد} أي مراقبك لا تخفى عليه أعمالك ولا تفوته فالشيطان لما رأى الإنسان خلق عجولا راغبا في العجالة توسل إليه بواسطة العجلة التي في طبعه فوعده بالغرور واستغواه وكره إليه المصير للآخرة وزين له الحاضرة ونصب له فخوخا كالبحار الزاخرة (وما) نافية (هو بشيء) الباء زائدة والتنكير للتعميم لأنه في سياق النفي (من) بيانية (فخوخه) جمع فخ بفتح الفاء وشد الخاء المعجمة آلة الصيد قال الزمخشري: من المجاز وثب فلان من فخ إبليس إذا تاب (بأوثق) أحكم (لصيده) أي لمصيده (في الأتقياء) خصهم لما لهم من الشهرة على قهر الشيطان ورد كيده (من النساء) بيان للأوثق أي ما يثق في صيده الأتقياء بشيء من آلات الصيد وثوقه بالنساء أما كونهن من فخوخه فلأنه جعلهن مصيدة يزينهن في قلوب الرجال ويغريهم بهن فيورطهم في الزنا كصائد ينصب شبكته ليصطاد بها ويغري الصيد عليها ليقع في حبائلها قال أبو حمزة الخراساني: النظر رسول البلايا وسهام المنايا وقال بعض الحكماء: من غلب هواه عقله افتضح ومن غض طرفه استراح وقال بعضهم: لا شيء أشد من ترك الشهوة تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك وقال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكا عبادا فإنهن يركن إلى كل بلية ولا يستوحشن من كل فتنة. وقال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عنهن لأنهن من ذوات الرجال وشقائقهم ولسن غيرا حتى يمكن التباعد عنه والتحرز عنه {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وما عداهن فاتباع هوى النفس فيه آية تكذيب وعد الرحمن وعلامة الاسترسال مع الشيطان وتصديقه فيما يزينه من البهتان وإذا نرى الكامل الحازم منقادا مسترسل الزمام لتلك الناقصات عقلا ودينا مقهورا تحت حكمهن قال: إن العيون التي في طرفها حور. . . قتلننا ثم لا يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به. . . وهن أضعف خلق الله أركانا وقال الرشيد الخليفة: ملك الثلاث من الإناث عناني. . . وحللن من قلبي أعز مكاني ما لي تطاوعني البرية كلها. . . وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى. . . وبه غلبن أعز من سلطاني فعلى من ابتلي بالميل إليهن مصارعة الشيطان فإذا غلب باعث شهوة الوقاع المحرم بحيث لا يملك معها فرجه أو ملكه ولم يملك طرفه أو ملكه ولم يملك قلبه أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة من الأطعمة فيقللها كما وكيفما ويحسم محرك الغضب وهو النظر ففي خبر أحمد " النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس " وهذا السهم يسدده إبليس نحو القلب ولا طريق إلى رده إلا الغض والانحراف عن جهة المرمى فإنه إنما يرمي هذا السهم عن قوس الصورة فإذا لم تقف في طريقها أخطأك السهم وإن نصبت قلبك غرضا أصابك وأن تسلي النفس بالمباح المعوض عن الحرام فالدواء الأول يشبه قطع العلف عن الدابة الجموح والكلب الضاري لإضعاف قوتهما والثاني كتغييب الشعير عن الدابة وأن تتفكر في مفاسد قضاء هذا الوطر فإنه لو لم يكن جنة ولا نار ففي مفاسده الدنيوية ما يصد عن إجابة ذلك الداعي لكن عين الهوى عمياء (فر عن معاذ) بن جبل وفيه هشام بن عمار قال أبو حاتم صدوق تغير فكان يتلقن كما يلقن وقال أبو داود حدث بأكثر من أربع مئة حديث لا أصل لها وفيه سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية وهو الحمصي قال الذهبي في الضعفاء متهم بالوضع الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 [ص: 134] 135 - (اتقوا الظلم) الذي هو مجاوزة الحد والتعدي على الخلق وقال الراغب: هو لغة وضع الشيء في غير موضعه المختص به بنقص أو زيادة أو عدول عن وقته أو مكانه ويقال لمجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة انتهى وذلك لأن الشرائع تطابقت على قبحه واتفقت جميع الملل على رعاية حفظ الأنفس فالأنساب فالأعراض فالعقول فالأموال والظلم يقع في هذه أو في بعضها وأعلاه الشرك {إن الشرك لظلم عظيم} وهو المراد بالظلم في أكثر الآيات {والكافرون هم الظالمون} ويدخل فيه ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي إذ العصاة ظلام أنفسهم وأقبح أنواع ظلم من ليس له ناصر إلا الله قال ابن العزيز: إياك إياك أن تظلم من لا ينتصر عليك إلا بالله فإنه تعالى إذا علم إلتجاء عبد إليه بصدق واضطرار انتصر له فورا {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (فإن الظلم) في الدنيا (ظلمات) على أصحابه بمعى أنه يورث ظلمة في القلب فإذا أظلم القلب تاه وتحير وتجبر فذهبت الهداية والبصيرة فخرب القلب فصار صاحبه في ظلمة (يوم القيامة) فالظلمة معنوية لما كان الظلم مفضيا بصاحبه إلى الضلال الذي هو ضد الهدى كان جديرا بالتشبيه بالظلمة كما في ضده من تشبيه الهداية بالنور وقيل حسية فيكون ظلمه ظلمات عليه فلا يهتدي في القيامة بسببه وغيره من المؤمنين يسعى نوره بين يديه قال الحراني: والظلمة ما يطمس الباديات حسا أو معنى. وقال الزمخشري: هي عدم النور وانطماسه بالكلية وقيل عرض ينافي النور من قولهم ما ظلمك أن تفعل كذا أي ما منعك وشغلك لأنها تسد البصر وتمنع الرؤية وجمعها دلالة على إرادة الجنس اختلاف أنوار الظلم الذي هو سبب لأنواع الشدائد في القيامة من الوقوف في العرصات والحساب والمرور على الصراط وأنواع العقاب في النار (حم طب) عن ابن عمر قال الهيتمي: فيه عطاء ابن السائب وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح (هب عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب أورده البيهقي من طريقين وفي أحدهما مالك بن يحيى اليشكري ساقه الذهبي في الضعفاء وقال جرحه ابن حبان وفي الآخرى عمرو بن مرزوق أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال غيره ثقة وقال الدارقطني كثير الوهم وبما تقرر يعرف ما في رمز المؤلف لصحته من المجازفة الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 136 - (اتقوا الظلم) بأخذ مال الغير بغير حق أو التناول من عرضه ونحو ذلك قال بعضهم: ليس شيء أقرب إلى تغيير النعم من الإقامة على الظلم (فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) فلا يهتدي الظالم يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا فربما أوقع قدمه في وهدة فهو في حفرة من حفر النار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى تجنب سبل الردى فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى احتوشت ظلمات ظلم الظالم فغمرته فأعمته حتى لا يغني عنه ظلمه شيئا. وفي خبر لابن مسعود " يؤتى بالظلمة فيوضعون في تابوت من نار ثم يقذفون فيها (واتقوا الشح) الذي هو بخل مع حرص أو منع الواجب أو البخل بما في يد الغير أو غير ذلك وقال الزمخشري: بالضم والكسر أي والضم أفصح اللوم وأن تكون نفسه كزيزة حريصة والبخل أعم فقد يكون بخل ولا شح ثمة ولا ينعكس قال الطيبي: فالبخل مطلق المنع والشح المنع مع ظلم وعطف الشح الذي هو نوع من أنواع الظلم اشعارا بأن الشح أعظم أنواعه لأنه من نتائج حب الدنيا ولذاتها ومن ثم وجهه بقوله (فإن الشح) بتثليث الشين (أهلك من كان قبلكم) من الأمم (وحملهم على أن سفكوا دماءهم) أي اسالوها بالقوة الغضبية بخلا بالمال وحرصا على الاستئثار به (واستحلوا محارمهم) أي استباحوا نساءهم أو ما حرم الله من أموالهم وغيرها وهذا على سبيل الاستئناف فإن استحلال المحارم جامع لجميع أنواع الظلم وعطفه على سفك الدماء عطف عام على خاص عكس الأول والسفك كما قال الحراني سكب بسطوة وقال القاضي السفك والكسب والسبك والسفح والشن أنواع من الصب فالسفك يقال في الدم والسكب في الدمع والسبك [ص: 135] في الجواهر المذابة والسفح في الصب من أعلى والشن في الصب من فم القربة انتهى وإنما كان الشح سبب ما ذكر لأن في بذل المال والمواساة تحابيا وتواصلا وفي الإمساك تهاجر وتقاطع وذلك يجر إلى تشاجر وتغادر من سفك الدماء واستباحة المحارم. ومن السياق عرف أن مقصود الحديث بالذات ذكر الشح وذكر الظلم توطئة وتمهيدا لذكره وأبرزه في هذا التركيب إيذانا بشدة قبح الشح وأنه يفضي بصاحبه إلى أفظع المفاسد حيث جعله حاملا على سفك الدماء الذي هو أعظم الأفعال الذميمة وأخبث العواقب الوخيمة {ومن يوق شح نفسه فأولئك هو المفلحون} قال بعض العارفين: الشح مسابقة قدر الله ومن سابق قدر الله سبق ومغالبة لله ومن غالب الحق غلب وذلك لأن الحريص يريد أن ينال ما لم يقدر له فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي الآخرة الخسران (حم خد عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري في الصحيح قال الديلمي: وفي الباب جندب وغيره الحديث: 136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 137 - (اتقوا القدر) بالتحريك أي احذروا إنكاره فعليكم أن تعتقدوا أو ما قدر في الأزل لابد من وقوعه وما لم يقدر فوقوعه محال وأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره خالق كل شيء أو المراد احذروا الخوض فيه وقد ورد النهي عن الخوض فيه في غير ما حديث. قال ابن رجب: والخوض فيه يكون على وجوه منها ضرب القرآن بعضه ببعض فينزع المثبت للقدر بآية والنافي بأخرى ويقع التجادل ومنها الخوض فيه إثباتا ونفيا بالأقيسة العقلية كقول القدرية لو قدر ثم غلب ظلم وقول مخالفيهم إن الله جبر العباد على أفعالهم ومنها الخوض في سر القدر فإن العباد لا يطلعون على حقيقته انتهى ومن هذا التقدير عرف أن المنهي عنه الخوض والتوغل لا النظر في أصله فإنه مطلوب محبوب بل واجب على من قدر على تحقيقه. ألا ترى إلى قول المولى ابن الكمال النظر في أصل القدر مما يثاب عليه وأما الخوض في تفصيله وزيادة التوغل في أسراره فمنهي عنه انتهى قال الإمام أبو الليث إن استطعت أن لا تخاصم في مسألة القدر فافعل فإن الشارع نهى عن الخوض فيه فكما أن الخوض في ذلك البحر المتلاطم أمواجه والغوص في جوفه المظلم منهي عنه فكذلك الجدل فيه إذ لا يخلو عن الخلل فلذلك نهى عنه صاحب الشرع وفي حواشي الكشاف كتب عمر بن عبد العزيز لبعضهم بلغني أنك قدري فكتب إليه من أنكر القدر فقد فجر ومن ورك ذنبه على الله فقد كفر ولم يدر أن ما فاته حجة عليه لا له (فإنه شعبة من النصرانية) أي فرقة من فرق دين النصارى لأن المعتزلة الذين هم القدرية أنكروا إيجاد الباري سبحانه وتعالى فعل العبد فجعله بعضهم كالجبائية غير قادر على عينه والبعض كالبلخي وأتباعه غير قادر على مثله وجعلوا العبد قادرا على فعله فهو إثبات للشريك كقول النصارى فالإيمان والكفر عندهم من فعل العبد لا من فعل الرب وبذلك كفرهم قوم لكن المختار عدم تكفيرهم لتعارض الشبهة عليهم قال في القاموس: والنصرانية واحدة النصارى والنصرانية أيضا دينهم والشعبة بالضم الطائفة من الشيء وفي الصحاح شعب الشيء فرقه (ابن أبي عاصم) أحمد بن عمرو (طب عد) كلهم (عن) عبد الله (بن عباس) قال الهيتمي: وفيه نزار بن حيان ضعيف انتهى وفي الميزان فيه لين وقال ابن حبان: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المعتمد لذلك ثم ساق له هذا الخبر اأه الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 138 - (اتقوا اللعانين) وفي رواية لمسلم وأبو داود اللاعنين قال النووي: وهما روايتان صحيحتان أي الأمرين الجالبين للعن أي الشتم والطرد الباعثين عليه من قبيل تسمية الحاصل فاعلا قالوا: وما اللعانان قال: (الذي يتخلى) فيه إضمار تقدير تخلي الذي يتخلى ولا يطابق الجواب السؤال بدون ذلك أي أحدهما تغوط الذي يتغوط (في طريق الناس) يعني طريق المسلمين المسلوك كما قيده بذلك في رواية الحاكم فخرج طريق الكفار الذي لا يسلكه غيرهم والطريق المهجور الذي [ص: 136] لا يسلك إلا نادرا لأن من فعلهما يلعن ويسب فلما كانا سببا للعن أسند الفعل إليهما وقيل لاعن بمعنى ملعون كقولهم سر كاتم بمعنى مكتوم فالمراد المسلوك لا المهجور والتعميم رأي مهجور (أو في) في رواية وفي (ظلهم) أي والثاني تغوط الذي يتغوط في ظلهم الذي اتخذوه مقيلا فإذا وجده أحد قال لعن الله من فعله فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما واختاره النووي لهذا الحديث وذلك لأنه إيذاء للناس بإبطال منفعتهم من ذلك بل قال الذهبي إنه كبيرة لكن الأصح عند الشافعي الكراهة التنزيهية وما ذكرته من تفسير التخلي التفرد بالتغوط هو ما مشى عليه النووي جازما لكن قال الولي العراقي: إنه مردود وإن البول كالغائط لأن التخلي التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا والمعنى يساعده إذ التنجيس والاستقذار موجود فيهما والظل لغة الستر ومنه أنا في ظل فلان وعرفا أمر وجودي خلق لنفع البدن تدل عليه الشمس لكن في الدنيا والآخرة بدليل {وظل ممدود} بلا شمس (حم م د) في الطهارة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري ورواه عنه ابن حبان بلفظ وفي أفنيتهم بدل أو في ظلهم الحديث: 138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 139 - (اتقوا الملاعن) موضع اللعن جمع ملعنة الفعلة التي ليعن عليها فاعلها وذلك لأن من فعلها شتم ولعن فلما كانت سببا لذلك أضيف الفعل إليها (الثلاث) وفي رواية الثلاثة والأول القياس لأنه عدد لمؤنث (البراز في الموارد) بكسر الباء على المختار كناية عن الغائط وبفتحها وهو الفضاء الواسع كذا في المجموع ويشهد له قول مختار الصحاح كأصله البراز بالكسر المبارزة في الحرب وهو أيضا كناية عن الغائط والبراز بالفتح الفضاء الواسع هذه عبارته وجزم بقضيته في القاموس حيث قال البراز ككتاب الغائط فقول الخطابي أكثر الرواة يكسرون أوله وهو غلط هو الغلط قال ابن حجر عقب حكاية ما ذكر عن الصحاح فعلى هذا من فتح أراد الفضاء وإن أطلقه على الخارج فهو من باب اطلاق اسم المحل على الحال ومن كسر أراد نفس الخارج انتهى وفي بعض حواشي المهذب أنه بالكسر لا بالفتح لأنه بالكسر كناية عن ثقل الغذاء قال وهو المراد بالحديث قال في تهذيب الأسماء واللغات وهذا هو الظاهر أو الصواب وأكثر الرواة عليه فتعين المصير إليه أنه قال والمعنى عليه ظاهر ولا يظهر معنى الفضاء الواسع إلا بتأويل وكلفة وقال الكمال ابن أبي شريف وجدت بخط النووي في قطعة كتبها على سنن أبي داود بعد أن نقل قول الخطابي أن الكسر علط ما نصه وليس الكسر غلطا بل هو صحيح أو أصح فقد ذكر الجوهري وغيره أنه بالكسر اسم للغائط الخارج من الإنسان انتهى وقال الولي العراقي في شرح أبي داود إذا ثبت أن البراز بالكسر ثقل الغذاء وأكثر الرواة على الكسر تعين المصير إليه ولا يظهر معنى الفتح إلا بتوسع وانتقال عن المدلول الأصلي إلى غيره انتهى وبتدبر ذلك يعرف أن البيضاوي لم يصب حيث قال هو هنا بفتحها فإن أصل المفتوح الفضاء الواسع قال والتركيب يدل على الظهور فكنوا به عن الغائط ثم اشتق منه تبرز إذا تغوط والمراد الأمكنة التي يوافيها الناس كالأندية انتهى وتبعه على ذلك الهروي في شرح المصابيح وزاد فقال: والبراز بكسرها تصحيف إذ هو المبارزة في الحرب والمراد بالموارد مناهل الماء أو الأمكنة التي يأتيها الناس كالأندية ورجح الأول بموافقته لقوله في الحديث الآتي أو في نقع ماء والحديث يفسر بعضه بعضا وإرادة طرق الماء بعيدة هنا (وقارعة الطريق) أعلاه أو جادته أو وسطه أو صدره أو ما برز منه فكلها متقاربة مشتقة من القرع أي الضرب فهي مقرعة بالقدم والحافر وذلك من تسمية المفعول بالفاعل (والظل) الذي يجتمع فيه الناس لمباح ومثله كل موضع اتخذوه لمصالحهم ومعايشهم المباحة واستدل به على أنه لا يجوز قضاء الحاجة في المواضع التي يردها الناس للاستسقاء منها لإيذاء الناس بتنجيسهم وتقذيرهم وبه صرح ابن قدامة الحنبلي وبعض المالكية والشافعية لكن اقتصر جمهورهم على عده من الآداب وحملوا الأحاديث على الكراهة (د هـ ك هق) وكذا الطبراني (عن معاذ) بن جبل وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجيه خرجوه ساكتين عليه والأمر بخلافه فقد جزم أبو داود نفسه بأنه منقطع وتبعه عبد الحق وابن القطان وغيرهما مبينين أن انقطاعه فيما بين أبي سعيد الحميري ومعاذ ولم يدركه [ص: 137] بل أبو سعيد هذا مجهول أيضا كما قاله الذهبي وغيره لكن قال النووي إنه حديث حسن قال الولي العراقي ولعله ارتقى درجة الحسن بوجود الشواهد قال مغلظاي هو كما قالوا لكن له شواهد عند أحمد انتهى وقد أحسن المؤلف حيث عقبه فقال: الحديث: 139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 140 - (اتقوا الملاعن الثلاث) قالوا: وما هي يا رسول الله قال: (أن يقعد أحدكم) لقضاء حاجته ويقضيها (في ظل) نكره للعموم فيعم ظل الحائط والشجر وغير ذلك (يستظل) بالبناء للمفعول أي يستظل الناس (فيه) للوقاية من حر الشمس وقيس به موضع الشمس في الشتاء (أو في طريق) أي مسلوك للمسلمين قال الولي العراقي: وهل ذكر قارعة الطريق في الحديث قبله تقييد لإطلاق الطريق هنا أو ذكر لبعض أفراده؟ فيه احتمال فعلى الأول يحمل المطلق على المقيد ويختص النهي يقارعة الطريق وعلى الثاني فالحكمة في تخصيص القارعة بالذكر فيما قبله أن حصول الأذى بالبول فيها أشد فالاهتمام بالنهي هنا أشد ويحتمل أن يراد بقارعة الطريق نفس الطريق كما يشير إليه كلام النهاية (أو في نقع ماء) بالإضافة أي ماء ناقع بنون مفتوحة ثم قاف ساكنة أي مجتمع ومستنقع الماء بالفتح مجتمعه قال الزمخشري: نقع الماء في بطن الوادي وانتقع ثبت واجتمع ومن المجاز انقع له الشر أثبته له وأدامه ومقصود الحديث النهي عن البول في الماء الراكد ونحوه فيكره فيه وكذا بقربه تنزيها <تنبيه> قال النووي في الأذكار: ظاهر هذه الأحاديث تدل على جواز لعن العاصي مع التعيين أي أنه لو لم يجز لعنه كانت اللعنة على لاعنه والمشهور حرمة لعن المعين وأجاب الزين العراقي بأنه قد يقال إن ذلك من خواص المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمقولة اللهم إني أتخذ عندك عهدا أيما مسلم سببته أو لعنته الحديث (حم عن ابن عباس) رمز المؤلف لضعفه وهو كما قال فقد بين مغلطاي أن أحمد رواه من حديث ابن المبارك عن ابن لهيعة ثم قال: أعني مغلطاي هو مرسل لأنه أبهم الراوي فيه عن ابن عباس وابن لهيعة مختلف فيه لكن ذلك لا يقدح في إيراده شاهدا لما قبله لأن الشواهد لا يعتبر لها شرط الصحيح من كل وجه انتهى وقال المنذري ضعيف وقال ابن حجر فيه ضعف لأجل ابن لهيعة والراوي عن ابن عباس متهم انتهى وقال الهيتمي فيه ابن لهيعة ورجل لم يسم الحديث: 140 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 141 - (اتقوا) احذروا ندبا وإرشادا (المجذوم) أي مخالطة الذي به جذام وهو داء رديء يحدث من انتشار المرة السوداء بالبدن فيفسد مزاج الأعضاء وتشاكلها وربما تأكلت أو اسودت وسقطت والفعل منه جذم على بناء المفعول (كما يتقى) بضم الياء وشد المثناة فوق مفتوحة بضبط المؤلف أي مثل اتقاء (الأسد) أي اجتنبوا مخالطته كما تجتنبوا مخالطة الأسد الحيوان المفترس فإنه يعدي المعاشر كما جزم به الشافعي في الأم في موضع وحكاه عن الأطباء والمجربين في آخر ونقله غيره عن أفاضل الأطباء فقالوا: مقاربة المجذوم معدية برائحته وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة للاكتساب من أبدان المجاورين والمخاطبين بل الوهم وحده من أكبر أسباب الإصابة والرائحة أشد أسباب العدوى لكن لا بد معها من كمال استعداد البدن ولا يناقضه خبر لا عدوى ولا طيرة لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله فوقوعه بفعله تقدس أو لأن الطاعون ينزل ببلد فيخرج منه خوف العدوى وأما المجذوم ومثله المسلول فلم يرد به هذا الخبر وما أشيهه إلا التحرز عن تعدي الرائحة فإنها تسقم من أطال اشتمامها باتفاق حذاق الأطباء وأكل المصطفى معه تارة وتارة لم يصافحه لبيان الجواز وصحة الأمر على سالك طريق الفرار وسالك طريق التوكل ففعل الأمرين ليأخذ من قويت ثقته بربه بطريق التوكل ومن ضعف بطريق التحفظ والحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر قد أباحت الحكم الربانية التحرز عنها قلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها وأما أهل الصدق واليقين فبالخيار وعلى ذلك [ص: 138] ينزل ما تعارض من الأخبار واحتج بها الشافعي كالجمهور على إثباته الخيار في فسخ النكاح به وعارضه المخالف بأن الخبر يوجب الفرار لا الخيار وأجيب بأن الأمر بالفرار من أعظم الأعذار فلا ثبوت في الخيار (تخ عن أبي هريرة) رمز المؤلف لصحته الحديث: 141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 142 - (اتقوا) إرشادا (صاحب الجذام كما يتقى السبع) وفي رواية الأسد أي احذروا مخالطته وتجنبوا قربه وفروا منه كفراركم من الأسود الضارية والسباع العادية حتى أنه (إذا هبط واديا فاهبطوا غيره) مبالغة في التباعد عنه (فإن قلت) لم خص الأسد دون الحية ونحوها الأعظم ضررا (قلت) فيه مناسبة لطيفة وهي أنه يسمى داء الأسد ومما قيل في توجيه التسمية أن العلة كثيرا ما تعتريه وأنها تحمر وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد وفيه إشارة أيضا إلى أنه يفترس من يعديه ويدنو منه افتراس الأسد بقوته والحية إنما تقتل بسمها لا بعزمها (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب أول ولد للمهاجرين بالحبشة وكان آية في الكرم بحيث يضرب به المثل وله صحبة رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما قبله الحديث: 142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 143 - (اتقوا النار) أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية أي حجابا من الصدقة (ولو) كان الاتقاء بالتصدق (ب) شيء قليل جدا مثل (شق تمرة) بكسر المعجمة أي جانبها أو نصفها فإنه يفيد فقد يسد الرمق للطفل فلا يحتقر المتصدق ذلك فلو هنا للتقليل كما تقرر وهو معدود من معانيها كما في المغني عن اللخمي وغيره وقد ذكر التمرة دون غيرها كلقمة طعام لأن التمر غالب قوت أهل الحجاز والاتقاء من النار كناية عن محو الذنوب {إن الحسنات يذهبن السيئات} " أتبع السيئة الحسنة تمحها " وبالجملة ففيه حث على التصدق ولو بما قل وهذا الحديث صدره محذوف ولفظ رواية الشيخين عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة متفق عليه (ق ن عن عدي بن حاتم) ابن عبد الله بن سعد الطائي الجواد ابن الجواد أسلم سنة سبع ونزل في سبسانة منعزلا (حم عن عائشة) الصديقية (البراز) في مسنده (طس والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك (البراز) في مسنده أيضا (عن النعمان بن بشير) بموحدة مفتوحة ومعجمة مكسورة الأنصاري (وعن أبي هريرة) الدوسي (طب عن ابن عباس) ابن عم المصطفى (وعن أبي أمامة) الباهلي واكثار المؤلف من مخرجيه مع وجوده في الصحيحين لا حاجة إليه لكنه حاول التنبيه بذلك على أنه متواتر وبه أفصح في الأحاديث المتواترة الحديث: 143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 144 - (اتقوا النار) أي احترزوا منها بالتقوى التي هي تجنب المخالفات لئلا يصيبكم ويواقعكم عذابها قال الحراني: وجهنم هي عدة الملك الديان لأهل العصيان بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا (ولو بشق تمرة) واحدة فإنه يسد الرمق (فإن لم تجدوا) ما تتصدقون به حتى التافه لفقده حسا أو شرعا (فبكلمة) أي فاتقوا النار بكلمة (طيبة) تطيب قلب السائل مما يتلطف به في القول والفعل فإن ذلك سبب للنجاة من النار وقيل الكلمة الطيبة ما يدل على هدي أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع تأثيرا أو يسكن غضبا واستدل الشافعية بهذا الخبر وما قبله على أنه لو قال لزيد عندي شيء وفسره بما لا يتمول كحبة بر وشق تمرة قبل (تتمة) قال ابن عربي وشيء ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان في أمر فيه هلاكه فأمر بعقد مجلس وأن الناس إن أجمعوا على حل [ص: 139] قتله قتل فجمعوا فاجتمعوا فاحضرهم ليشهدوا في وجهه فيقتل فلم يستطع أحد منهم أن يشهد فسئل الشيخ بعد فقال: تذكرت النار فرأيتها أقوى من الناس غضبا وتذكرت نصف رغيف فرأيته أكثر من نصف تمرة فأسكتت غضبهم بالتصدق بنصف رغيف في طريقي فدفعت الأقل من النار بالأكثر من شق تمرة وفي رواية للخطيب بدل طيبة لينة وفيه حث على الصدقة بما قل وجل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار (حم ق عن عدي) بن حاتم قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاثا ثم ذكره الحديث: 144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 145 - (اتقوا الدنيا) أي احذروها فإنها أعدى أعدائكم تطالبكم بحظوظها لتصدكم عن طاعة ربكم بطلب شهواتها وتشغلكم عن خدمة مولاكم بخدمة ذاتها ونفسك لها عليك ظهير وهواك لاتباع مرضاتها مشير وأنت غير قليل التماسك عن شهواتها مسترسل معها سريع الانقياد للذاتها (فوالذي نفسي) بسكون الفاء (بيده) بقدرته وإرادته وتدبيره فهو كناية عن تمكنه تعالى منها تصرفا وتقلبا كيف يشاء إذ لا جارحة ولا استقرار وهو مؤذن بطلب اليمين في الأمر المهم وكان أكثر قسم المصطفى به لأنه أشرف الأقسام لأن نفسه الشريفة أنفس الخلق ثم زاده تأكيدا بأن واللام فقال (إنها) أي الدنيا (لأسحر) بلام التوكيد أي أعظم سحرا (من) سحر (هاروت وماروت) قال الحراني: هما ملكان جعلا حكمين في الأرض وقال القاضي كالزمخشري ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس وتمييزا بينه وبين المعجزة وقيل رجلان سميا ملكين باعتبار صلاحهما ومنع صرفهما للعلمية والعجمة وقال الكازوني ملكان من أعبد الملائكة ركب الله فهما الشهوة بعد ما طعن الملائكة فينا ليظهر عذرنا فعصينا فخيرهما بين عذابي الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا فعذبهما إلى يوم القيامة ويمتحن بها عباده انتهى وإنما كانت أسحر منهما لأنهما ليسا من جنس الآدميين وكل شيء إنما يألف جنسه وينخدع له والآدمي خلق من الدنيا يألف لذاتها وينخدع لشهواتها فلذلك صارت أسحر منهما ولأنهما لا يعلمان السحر حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه فهما يعلمان السحر ويبينان فتنته والدنيا تعلم سحرها وتكتم فتنتها وشرها وتدعو إلى التحارص عليها والتنافس فيها والجمع لها وهما يعلمان ما يفرق بين المرء وزوجه وهي تعلم ما يفرق بين المرء وربه فشتان بين سحرها وسحرهما كيف وهي تأخذ بالقلوب عن القيام بحق علام الغيوب وعن وعده المطلوب ووعيده المرهوب كيف وهي تسحر العقول وذلك لا يبلغه سحرهما المعقول كيف والسكران بسحرهما يفيق كما يفيق السكران بالرحيق والسكران بسحرها لا يفيق إلا في ظلمة اللحد المضيق المؤذن بعذاب الحريق فالسلامة منها تسليمها لأهلها والإعراض عن فضلها <تنبيه> مر ما يفيد أن السحر إتيان نفس شريرة بخارق عن مزاولة محرم ثم إن اقترن بكفر فكفر وإلا فكبيرة عند الإمام الشافعي وكفر عند غيره وتعلمه إن لم يكن لذب السحرة عند نشره حرام عند الأكثر وعلى ذلك يحمل كلام الإمام الرازي في تفسيره اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محذور ولأن العلم شريف ولعموم {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ولأن السحر لو لم يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة والعلم بكون المعجز معجزا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب قال: فهذا يقتضي كون العلم به واجبا وما يكون واجبا كيف يكون حراما أو قبيحا؟ انتهى (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة ابن صفوان (المازني) نزيل حمص صحابي مشهور عاش أربعا وتسعين سنة وتوفي بحمص أيام سليمان ابن عبد الملك وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه ودعا له صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وأمه وأخوه عطية وأخته الصماء وهو صحابي صغير آخر من مات من الصحابة بحمص روى البخاري عنه حديثا واحدا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم. أه. قال الزين العراقي: ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا وقصة هاروت وماروت المشهورة وردت من نحو عشرين طريقا بعضها حسن فزعم بطلانها غير [ص: 140] صواب كما بينه الحافظ ابن حجر وقال من وقف عليها يكاد يقطع بوقوع القصة الحديث: 145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 146 - (اتقوا بيتا يقال له الحمام) أي احذروا دخوله فلا تدخلوه ندبا للاغتسال فيه إلا لضرورة أو لحاجة وقال يقال له الحمام لأن العرب بالحجاز لم تكن تعرف الحمام ولم يدخله المصطفى. قال ابن القيم: ولا رآه بعينه وما وقع لبعضهم مما يوهم خلاف ذلك وهم قالوا: يا رسول الله إنه يذهب الوسخ ويذكر النار قال: إن كنتم لابد فاعلين (فمن دخله) منكم (فليستتر) أي فليستر عورته عمن يحرم نظره إليها وجوبا وعن غيره ندبا. قال الحكيم: هذا يفهم أنه إنما أمر بأن يتقى لنظر بعضهم إلى عورة بعض ولم يصرح عن جواب السائل بأنه يذكر النار لأن تذكيره لها غير مطرد في حق كل أحد إذ هو يخص العامة فإن الواحد منا إذا عاين بقعة حامية ذات بخار وماء حميم أخذه الغم ودارت رأسه حتى استروح إلى ما يبرد فؤاده وتروح بما يدخل من خلل الباب من الهواء واستنشق الماء البارد وتذكر بذلك دار العقاب فكان ذلك سببا لاستعادته من فنون العذاب وأما أهل اليقين فالآخرة نصب أعينهم فلا يحتاجون إلى الاتعاظ بحمام وغيره وأول من اتخذ له الحمام سليمان عليه الصلاة والسلام وأول من اتخذها بالقاهرة العزيز بن المعز العبيدي كما في خطط المقريزي وتاريخ المسيحي وقد اختلف السلف والخلف في حكم دخول الحمام على أقوال كثيرة والأصح أنه مباح للرجال بشرط الستر والغض مكروه للنساء إلا لحاجة (طب ك هب) وكذا الحكيم (عن ابن عباس) قال ك وهو على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص مع أن فيه عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبع أورده أعني الذهبي في الضعفاء وقال: قال البخاري لا يتابع على حديثه وقال أبو حاتم: صدوق ورواه عنه البزار قال عبد الحق وهو أصح حديث في هذا الباب وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي فلا يصح منه شيء وقال في المطامح ليس في شأن الحمام ما يعول عليه إلا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفة عيسى كأنما خرج من ديماس وقد ألف فيه بعضهم مؤلفا حافلا جمع فأوعى ولإختلاف أخباره اختلف الفقهاء في دخوله على أقوال متكثرة ومذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الإباحة للرجال بشرط الستر والغض والكراهة للمرأة حيث لا عذر الحديث: 146 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 147 - (اتقوا زلة العالم) أي سقطته وهفوته وفعلته الخطيئة جهرا إذ بزلته يزل عالم كثير لاقتدائهم به فهفوته يترتب عليها من المفاسد ما لا يحصى وقد يراقبه للأخذ عنه من لا يراه ويقتدي به من لا يعلمه فاحذروا متابعته عليها والاقتداء به فيها ولكن مع ذلك احملوه على أحسن المحامل وابتغوا له عذرا ما وجدتم لذلك سبيلا وعلم من ذلك أنه لا عذر لنا في قولنا إن أكلنا الحرام فالعالم الفلاني يأكله مثلا قال الغزالي: في هذا جهل وكيف يتعذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به فإن من خالف أمر الله تعالى لا يقتدى به كائنا من كان ولو دخل غيرك النار وأنت تقدر على أن لا تدخلها فلا عذر لك في موافقته. والزلة في الأصل استرسال الرجل بغير قصد والمزلة المكان الزلق وقيل للذنب من غير قصد زلة تشبيها بزلة الرجل ذكره الراغب (وانتظروا فيئته) بفتح الفاء بضبط المصنف أي رجوعه وتوبته عما لابسه من الزلل تقول فاء إلى الله فيئة حسنة إذا تاب ورجع ذكره الزمخشري وغيره إنما قال ذلك لأن العلم يحمله على التوبة كما قال في الحديث الآخر ستنهاه صلاته وفي الحديث الآخر إن المؤمن خلق مفتنا توابا إذا ذكر تذكر قال الغزالي: احذر من الاغترار بعلماء السوء فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بواسطتهم يتصدون إلى انتزاع الدين من قلوب المؤمنين ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشر الخلق قال: اللهم غفرا حتى كرروا عليه فقال: هم علماء السوء وقال ابن عباس: ويل للعالم من الأتباع يزل زلة فيرجع عنها ويتحملها الناس فيذهبون في الآفاق وفي منثور الحكم والمدخل زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق كثير وقيل لعيسى عليه الصلاة [ص: 141] والسلام من أشد الناس فتنة قال زلة عالم وفي الإسرائيليات أن عالما كان يضل الناس ببدعته ثم تاب وعمل صالحا فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له لو كان ذنبك فيما بيني وبينك لغفرته لك لكن كيف بمن أضللته من عبادي فأدخلتهم النار؟ فأمر العلماء خطر وعليهم وظيفتان ترك الذنب ثم إخفاؤه إن وقع وكما يتضاعف ثوابهم على الحسنات فيضاعف عقابهم على الذنوب والسيئات إذا اتبعوا والعالم إذا ترك الميل إلى الدنيا وقنع منها بالقليل ومن الطعام بالقوت ومن الكسوة بالخلق اقتدى به العامة فكان له مثل ثوابهم بنص خبر " من سن سنة حسنة " وإن مال إلى التوسع في الدنيا مالت طباع من دونه إلى التشبه به ولا يقدرون على ذلك إلا بخدمة الظلمة وجمع الحطام الحرام فيكون هو السبب في ذلك فحركات العلماء في طوري الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها إما بربح أو خسران (الحلواني) بالضم نسبة إلى حلوان بلد بآخر العراق وهو الحسن بن علي الحلواني الخلال شيخ مسلم (عد هق) وكذا العسكري في الأمثال كلهم (عن كثير) المزني بمثلثة ضد قليل المزني قال في الكاشف واه وقال أبو داود كذاب وفي الميزان عن الشافعي وأبي داود ركن من أركان الكذب وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك. قال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه وهو (ابن عبد الله) قال الذهبي صحابي وثق (ابن عمرو بن عوف) المزني الصحابي (عن أبيه) عبد الله (عن جده) عمرو المذكور ولم يقتصر المصنف على الصحابي فقط كما هو عادته ليبين أنه من رواية الرجل عن أبيه عم جده وذلك من أنواع علوم الحديث كما هو معروف وقد سكت عليه فلم يرمز له بضعف وغيره ومن قال إنه رمز لضعفه فقد وهم فقد وقفت على نسخته بخطه ولا رمز فيها إن سلم عدم وضعه فقد علمت القول في كثير وقال الزين العراقي رواه ابن عدي من حديث عمرو بن عوف هذا وضعفه انتهى فعزو المصنف الحديث لابن عدي وسكوته عما أعله به غير مرضي ولعله اكتفى بإفصاحه بكثير الحديث: 147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 148 - (اتقوا دعوة المظلوم) أي اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم فهو أبلغ من قوله لا تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع يسمى تعليقا ثم بين وجه النهي بقوله (فإنها تحمل على الغمام) أي يأمر الله برفعها حتى تجاوز الغمام أي السحاب الأبيض حتى تصل إلى حضرته تقدس وقيل الغمام شيء أبيض فوق السماء السابعة فإذا سقط لا تقوم به السماوات السبع بل يتشققن قال الله تعالى {ويوم تشقق السماء بالغمام} وعلى هذا فالرفع والغمام حقيقة ولا مانع من تجسيم المعاني كما مر لكن الذي صار إليه القاضي الحمل على المجاز حيث قال استأنف لهذه الجملة لفخامة شأن دعاء المظلوم واختصاصه بمزيد قبوله ورفعه على الغمام وفتح أبواب السماء له مجاز عن إثارة الآثار العلوية وجمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم وإنزال البأس عليه وقوله (يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك) بلام القسم ونون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف أي لأستخلصن لك الحق ممن ظلمك وفتح الكاف هو ما اقتصر عليه جمع فإن كان الرواية فهو متعين وإلا فلا مانع من الكسر أي لأستخلصن لصاحبك وتجسد المعاني وجعلها بحيث تعقل لا مانع منه (ولو بعد حين) أي أمد طويل بل دل به سبحانه على أنه يمهل الظالم ولا يهمله {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد} وقد جاء في بعض الآثار أنه كان بين قوله قد أجيبت دعوتكما وغرق فرعون أربعون عاما ووقوع العفو عن بعض أفراد الظلمة يكون مع تعويض المظلوم فهو [ص: 142] نصر أيضا وفيه تحذير شديد من الظلم وأن مراتعه وخيمة ومصائبه عظيمة قال: نامت جفونك والمظلوم منتبه. . . يدعو عليك وعين الله لم تنم والحين الزمان قل أو كثر والمراد هنا الزمان المطلق نحو {ولتعلمن نبأه بعد حين} (طب والضياء) في المختارة وابن أبي عاصم والخرائطي في مساوي الأخلاق عن خزيمة بن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه (عن) جده (خزيمة) بخاء وزاي معجمتين مصغر (ابن ثابت) بن فاكه الخطمي بفتح المعجمة المدني ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد أحدا وما بعدها وقتل مع علي بصفين قال الهيتمي: وفيه من لا أعرفه انتهى وأقول فيه سعد بن عبد الحميد أورده الذهبي في الضعفاء وقال فحش خطؤه قاله ابن حبان وضعفه غيره أيضا ولم يترك لكن قال المنذري لا بأس بإسناده في المتابعات الحديث: 148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 149 - (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء) بالمعنى المقرر فيما قبله (كأنها شرارة) كناية عن سرعة الوصول لأنه مضطر في دعائه وقد قال سبحانه وتعالى {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} وكلما قوي الظلم قوي تأثيره في النفس فاشتدت ضراعة المظلوم فقويت استجابته والشرر ما تطاير من النار في الهواء شبه سرعة صعودها بسرعة طيران الشرر من النار (ك) من حديث عاصم بن كليب عن محارب وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال عاصم احتج به مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكن أورد عاصما هذا في الضعفاء وقال قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به وفيه أيضا عمرو بن مرزوق أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة قال فيه الدارقطني كثير الوهم وعطاء بن السائب أورده فيهم أيضا وقال قال أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح انتهى وأما المؤلف فقد رمز لحسنه وقال ثقة الحديث: 149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 150 - (اتقوا دعوة المظلوم) أي تجنبوا الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كان كافرا) معصوما فإن دعوته إن كان مظلوما مستجابة وفجوره على نفسه وفي حديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة ولو كان فاجرا ففجوره على نفسه وإسناده كما في الفتح حسن وروى ابن حبان والحاكم عن أبي ذر من حديث طويل أن في صحف إبراهيم أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو من كافر ولا ينافيه {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} لأن ذلك في دعائهم للنجاة من نار الآخرة فلا يدل على عدم اعتباره في الدنيا ثم علل الاتقاء بقوله (فإنه) أي الشأن قال القرطبي: الرواية الصحيحة فإنه بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل عوده على مذكر الدعوة فإن مذكر الدعوة دعاء وفي رواية فإنها بالتأنيث وهو عائد على لفظ الدعوة (ليس دونه) وفي رواية دونها (حجاب) أي ليس بينها وبين القبول حجاب مانع والحجاب هنا ليس حسيا لاقتضائه نوعا من البعد واستقرار في مكان والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وأقرب لكل شيء من نفسه فهو تمثيل لمن يقصد باب سلطان عادل جالس لرفع المظالم فإنه لا يحجب (حم ع والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك واتفق عليه الشيخان بدون الكافر الحديث: 150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 151 - (اتقوا فراسة) بكسر الفاء ذكره جمع وهي الحذق في ركوب الخيل والمراد اطلاعه وظاهره أن الفتح لم يسمع هنا لكن في المصباح بعد ذكره الكسر قال إن الفتح لغة ثم قال ومنه اتقوا فراسة فاقتضى كلامه أنه بالفتح وجزم به بعض محققي العجم فقال بالفتح وأما بالكسر فالفروسية على الضمائر. فإن قيل ما معنى الأمر باتقاء فراسة [ص: 143] المؤمن؟ أجيب بأن المراد تجنبوا فعل المعاصي لئلا يطلع عليه فتفضحوا بين يديه. (المؤمن) الكامل الإيمان أي احذروا من إضمار شيء من الكبائر القلبية أو إصرار على معصية خفية أو تعد لحد من الحدود الشرعية فإنه بنور إيمانه الذي ميزه الله به عن عوام المؤمنين مطلع على ما في الضمائر شاهد لما في السرائر فتفضحوا عنده فيشهد عليكم به غدا وأهل العرفان هم شهداء الله في أرضه وربما ساءه ما رأى فغار على حق الحق فيمقتكم الله لمقت وليه وقد وجد من ذلك كثير والمتفرس النظار المتثبت في نظره حتى يعرف حقيقة سمة الشيء وفي رواية ذكرها ابن الأثير اتقوا قرابة المؤمن قال يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم والتحقيق بصدق حديثه وإصابته يقال ما هو بعالم ولا قراب عالم والفراسة الاطلاع على ما في الضمائر وقيل مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب وقيل سواطع أنوار تلمع في القلب تدرك بها المعاني وقال الراغب: الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله وربما قيل هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله وقد نبه الله سبحانه وتعالى على صدقها بقوله تعالى {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} وقوله تعالى {تعرفهم بسيماهم} ولفظها من قولهم فرس السبع الشاة وسمى الفرس به لأنه يفترس المسافات جريا فكانت الفراسة اختلاس العارف وذلك ضربان ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه وهو ضرب من الإلهام بل من الوحي وهو الذي يسمى صاحبه المحدث كما في خبر: إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر وقد تكون بإلهام حال اليقظة أو المنام والثاني يكون بصناعة متعلمة وهي معرفة ما في الألوان والأشكال وما بين الامزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية ومن عرف ذلك وكان ذا فهم ثابت قوي على الفراسة وقد ألف فيها تأليفات فمن تتبع الصحيح منها اطلع على صدق ما ضمنوه والمراد هنا هو الضرب الأول بقرينة قوله (فإنه ينظر بنور الله عز وجل) أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى وباستنارة القلب تصح الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة التي تظهر فيها المعلومات كما هي والنظر بمنزلة النقش فيها قال بعضهم من غض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته قال ابن عطاء الله واطلاع بعض الأولياء على بعض الغيوب جائز وواقع لشهادته له بأنه إنما ينظر بنور الله لا بوجود نفسه انتهى ومن ثم شرطوا لحصول نورها {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} والحق سبحانه وتعالى يجزئ العبد على عمله من جنسه فمن غض بصره عن المحارم عوضه إطلاق نور بصيرته وقد قال علي كرم الله وجهه لأهل الكوفة سينزل بكم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستغيثون بكم فلم يغاثوا فكان منهم في شأن الحسين ما كان ورأى عمر رضي الله عنه قوما من مذ حج فيهم الأشتر فصعد النظر فيه وصوب ثم قال قاتله الله إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا فكان منه ما كان ونظر رجل إلى امرأة ثم دخل على عثمان رضي الله تعالى عنه فقال يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنا وحاكمت امرأة زوجها إلى بعضهم فأصابته مشغولا بالتقديس فانتظرته حتى فرغ فقال يا جاهلة بمقدار ما جنته على نفسها اعترفي بذنبك وأعلمي زوجك بجنايتك عليه فإن السكران الذي واقعك في ليلة كذا وزوجك قائم في الهيكل يدعو لك فقد أحبلك وستلدين بعد شهرين خلقا مشوها فكان. قال الغزالي وما حكى عن تفرس المشايخ وأخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم تخرج عن الحصر قال بل ما حكى عنهم من مشاهدة عذاب القبر والسؤال ومن سماع صوت الهاتف ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحد ما لم يشاهد ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل (سئل) بعض العارفين عن الفراسة ما هي؟ فقال أرواح تتقلب في الملكوت فتشرف على معاني الغيوب فتنطق عن أسرار الحق نطق مشاهدة وعيان وقال أبو عثمان المغربي العارف تضئ له أنوار العلم فيبصر بها عجائب الغيب وقال الحريري لجلسائه: هل فيكم من إذا أراد الله أن يحدث في المملكة شيئا أعلمه قبل أن يبدو قالوا: لا. قال: ابكوا [ص: 144] على قلوب لم تجد من الله شيئا وقال البرقي: وقع اليوم في المملكة حدث لا آكل ولا أشرب حتى أعلم ما هو فورد الخبر بعد أيام أن القرمطي دخل مكة في ذلك اليوم وقتل بها المقتلة العظيمة وقال السهروردي لما ذكر كرامات الأولياء قد يعلمون بعض الحوادث قبل تكوينها (تخ ت) واستغربه (عن أبي سعيد) الخدري وفيه مصعب بن سلام أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن حبان كثير الغلط فلا يحتج به (الحكيم) الترمذي (وسموية) بفتح السين وشد الميم المضمومة وهو الحافظ إسماعيل في فوائده (طب عد) كلهم (عن أبي أمامة) الباهلي وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ليس بشيء (ابن جرير) في تفسيره وهو محمد الطبري المجتهد المطلق أحد أئمة الدنيا علما ودينا واجتهادا (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مؤمل بن سعيد الرحبي أورده الذهبي في المتروكين وقال: قال أبو حاتم: منكر الحديث وأسد بن وداعة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان يسب عليا معاصر الدولة مروان الحمار. قال السخاوي بعد ما ساق هذه الطرق: وكلها ضعيفة وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق مع وجوده الحكم على الحديث بالوضع انتهى ومراده رد ما لابن الجوزي حيث حكم بوضعه فلم يصب وحكم السخاوي على الكل بالضعف غير صواب فقد قال الهيتمي: إسناد الطبراني حسن وذكر المؤلف في الدرر أن الترمذي خرجه من حديث ابن عمر وثوبان وينطق بتوفيق الله وذكر في تعقيبات الموضوعات أن الحديث حسن صحيح الحديث: 151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 153 - (اتقوا محاش النساء) بفتح الميم وحاء مهملة وشين معجمة مشددة ويقال بمهملة وهما روايتان كما نبه عليه الشهاب الحجازي وغيره يعني إتيانهن في أدبارهن جمع محشة أو محشاة اسم لأسفل مواضع الطعام من الأمعاء كنى به عن الدبر كما كنى بالحشوش عن الغائط وفي المجيء به هكذا على منهج الرمز باب من حسن الأدب وتحاش عن التفوه بالعظيمة والنهي للتحريم فيحرم إتيان الحليلة في دبرها كما سبق ولاحد لكنه ينهى فإن عاد عزر في الثالثة وما رواه الحاكم عن مالك في قوله الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل {نساؤكم حرث لكم} فتعقبوه بأنه كذب عليه لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمرو عن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري (سموية) في فوائده (عد) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن جابر) بن عبد الله وفيه علي بن أبي علي الهاشمي اللهبي المدني قال في الميزان عن أبي حاتم والنسائي متروك وعن أحمد له مناكير ثم أورد منها هذا الخبر وفيه أيضا ابن أبي فديك الحديث: 153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 153 - (اتقوا هذه المذابح) جمع مذبح قال في الفردوس وغيره (يعني المحاريب) أي تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها ووقع للمصنف أنه جعل هذا نهيا عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال: خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه ثم تعقب قول الزركشي المشهور أن اتخاذه جائز لا مكروه ولم يزل عمل الناس عليه بلا نكير بأنه لا نفل في المذهب فيه وقد ثبت النهي عنه انتهى أقول وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن ولا كذلك فإن الإمام الشهير المعروف أي بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس قال ومنه حديث أنس كان يكره المحاريب أي لم يكن يحب أن يجلس في صدور المجالس ويرتفع على الناس انتهى. واقتفاه في ذلك جمع جازمين به ولم يحكوا خلافه منهم الحافظ الهيتمي وغيره وقال الحراني: المحراب صدر البيت ومقدمه الذي لا يكاد يوصل إليه إلا بفضل منه وقوة جهد وفي الكشاف في تفسير {كلما دخل عليها زكريا المحراب} ما نصه: قيل بنى لها زكريا محرابا في المسجد أي غرفة تصعد إليها بسلم وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في أشرف موضع في بيت المقدس وقيل كانت [ص: 145] مساجدهم تسمى المحاريب انتهى وقال في تفسير {يعملون له ما يشاء من محاريب} المحاريب المساكن والمجالس الشريفة سميت به لأنه يحامى عليها ويذب عنها وقيل المساجد انتهى وفي الأساس مررت بمذبح النصارى ومذابيحهم وهي محاريبهم ومواضع كتبهم ونحوها المناسك للمتعبدات وهي في الأصل المذابح انتهى وفي الفائق المحراب المكان الرفيع والمجلس الشريف لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ومنه قيل محراب الأسد لمأواه وسمي القصر والغرفة المنيفة محرابا انتهى بنصه. وفي القاموس المذابح المحاريب والمقاصير. بيوت النصارى والمحراب الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه ومقام الإمام من المسجد والموضع ينفرد به الملك وقال الكمال ابن الهمام في الفتح بعد ما نقل كراهة صلاة الإمام في المحراب لما فيه من التشبه بأهل الكتاب والامتياز عن القوم ما نصه لا يخفى أن امتياز الإمام مفردا مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك فإنه بنى في المساجد المحاريب من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم تبن لكانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع كما قيل فلا تشبه انتهى (طب هق عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيتمي: فيه عبد الرحمن بن مغرا وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن المديني في روايته عن الأعمش وليس هذا منها انتهى. وقال المصنف حديث ثابت وهو على رأي أبي زرعة ومتابعيه صحيح وعلى رأي ابن عدي حسن والحسن إذا ورد من طريق ثان ارتقى إلى الصحة انتهى وهو غير صواب فقد تعقبه الحافظ الذهبي في المذهب على البيهقي فقال قلت هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن بن مغرا وليس بحجة انتهى وحينئذ فإثبات الحكم بصحته بفرض ما فهمه المؤلف منه لا يصار إليه الحديث: 153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 154 - (أتموا الركوع والسجود) أي ائتوا بهما تامين كاملين بشرائطهما وسننهما وآدابهما وأوفوا الطمأنينة فيهما حقها فتجب الطمأنينة فيهما في الفرض وكذا في النفل عند الشافعية وذلك بأن تستقر أعضاؤه في محلها قال الحراني: الإتمام التوفية لما له صورة تلتئم من أجزاء وآحاد (فو) الله (الذي نفسي بيده) أراد بالنفس ذاته وجملته وباليد قدرة الله تعالى وتصرفه فيه إشارة إلى أن إرادته وتصرفه مغموران في إرادة الله وتصرفه وفيه جواز القسم بما ذكره ونحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى تأكيدا للأمر وتفخيما للشأن (إني لأراكم) بلام التوكيد وبفتح الهمزة (من وراء ظهري إذا ركعتم وإذا سجدتم) وفي رواية لمسلم إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم بزيادة ما وهذه رؤية إدراكية فلا تتوقف إلى آلتها ولا على شعاع ومقابلة خرقا للعادة ولا يلزم من فرضه محال وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها وقول الزاهدي كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يرى بهما ولا يحجبهما شيء لم يثبت ولما كانت هذه الرؤية الإدراكية خارجة عن القوانين العادية أكد بالقسم وبأن واللام دفعا للإنكار قال الحليمي: لا سبيل للملحدين إلى استنكار ذلك فإنهم يدعون لفيثاغورش أنه كان يسمع أصوات الأفلاك وصرير حركة الكواكب وألف الألحان عليها وهم عندنا كاذبون إلا أن يثبت أنه كان نبيا وزعم أن هذه رؤية قلبية أو بوحي رد بأنه تعطيل للفظ الشارع بلا ضرورة فحمله على ظاهره وأنه إبصار حقيقي خاص به خرقا للعادة معجزة له أولى قال ابن حجر: وظاهر الحديث أن ذلك خاص بحالة الصلاة ويحتمل العموم انتهى وكلام جمع متقدمين مصرح بالعموم. ألا ترى إلى قول المطامح وغيرها أنه كان يبصر من خلفه لأنه كان يرى من كل جهة من حيث كان نورا كله وهذا من عظيم معجزاته ولهذا كان لا ظل له لأن النور الذي أفيض عليه منع من حجب الظلمة وقد كان يدعو بسبعة عشر نورا فبهذا الأنوار أبصر من كل جهة ولذلك تجلت له الجنة في الجدار لفقد الحجب وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله وراء لأن وراء يراد به تارة خلف وتارة أمام فإذا قلت زيد ورائي صح أن يراد في المكان الذي أواريه أنا بالنسبة لمن خلفي فيكون أمامي أو يراد في المحل الذي [ص: 146] هو متوار عني فيكون خلفي وقال الحراني: وراء ما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان فربما اجتمع أن يكون الشيء وراء من حيث كونه لا يعلم وأما ما في المكان وقال القاضي: وراء في الأصل مصدر جعل ظرفا يضاف للفاعل ويراد به ما يتوارى وهو خلفه وللمفعول ويراد به ما يواريه وهو قدامه ولهذا عد من الأضداد (حم ق ن عن أنس) بن مالك وفي الباب غيره أيضا وفيه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وخصه أبو حنيفة بالفرض وعمم الشافعي رضي الله تعالى عنه الحديث: 154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 155 - (أتموا) أيها المصلون ندبا مؤكدا (الصفوف) بضم الصاد أكملوها الأول بالأول فلا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله فإن وجد في صف أمامه فرجة اخترق الصف الذي يليه فما فوقه إليها لتقصيرهم بتركها (فإني أراكم خلف ظهري) قال في المطامح في أبي داود عن معاوية ما يدل على أن هذا كان في آخر عمره ولهذا قال عياض كان ذلك له بعد ليلة الإسراء كما كان موسى يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء من عشرة فراسخ بعد ليلة الطور وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله خلفي لما مر قال الحافظ ابن حجر: وأما ما اشتهر من خبر لا أعلم ما وراء جداري فلا أصل له وبفرض وروده فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا بإطلاعه تعالى (م عن أنس) بن مالك متفق عليه بلفظ أقيموا الصفوف فإني أراكم من وراء ظهري الحديث: 155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 156 - (أتموا) ندبا مؤكدا والصارف عن الوجوب أخبار أخر (الصف المقدم) أي أكملوا الصف الأول وهو الذي يلي الإمام وإن تخاله نحو منبر أو سارية أو جاء أصحابه متأخرين (ثم الذي يليه) وهكذا وقول ابن عبد البر المراد به من يسبق إلى الصلاة وإن تأخر غلطوه فيه (فما كان من نقص) في الصف (فليكن) أي فاجعلوه (في الصف المؤخر) فيكره الشروع في صف قبل إتمام ما قبله كما تقرر وهذا الفعل مفوت لفضيلة الجماعة الذي هو التضعيف لا لأصل بركة الجماعة فالتضعيف للجماعة غير بركة الجماعة وبركتها هي عود بركة الكامل منهم على الناقص ذكره المؤلف في بسط الكف في إتمام الصف قال في المجموع: اتفقوا على ندب سد الفرج في الصفوف وإتمام الأول فالأول ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا كله في صفوف الصف الواحد كما يأتي (حم د ن) في الصلاة (حب وابن خزيمة) محمد النيسابوري المجتهد المطلق البحر العجاج المنعوت بإمام الأئمة (والضياء) المقدسي في المختارة وأبو يعلى والبيهقي (عن أنس) ابن مالك وسكت عليه أبو داود والمنذري قال النووي في رياضه بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن ولم يرمز له المصنف بشيء الحديث: 156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 157 - (أتموا) هو بمعنى قوله في الرواية الأخرى أسبغوا (الوضوء) أي عمموا به جميع الأعضاء وائتوا به على التمام بفرائضه وسننه من إطالة غرة وتحجيل وتثليث وتكرار غسل ومسح وقد روى أبو يعلى عن أبي هريرة جاء رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: ما إسباغ الوضوء فسكت حتى حضرت الصلاة فدعا بماء فغسل يديه ثم استنثر (ويل) سوغ الابتداء به وهو نكرة كونه في معنى الدعاء (للأعقاب من النار) أي شدة هلكة من نار الآخرة لأصحابها المهملين غسل بعضها في الوضوء ويحتمل أن يخص العقب نفسها بعذاب يعذب به صاحبه قال ابن دقيق العيد: وأل للعهد والمراد الأعقاب التي رآها تلوح لم يسمها الماء. والمراد الأعقاب التي صفتها أن لا تعمم بالمطهر ولا يجوز كون أل للعموم المطلق ومن بمعنى في كما في {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} أو بيانية كما في {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} قال الحراني: والويل جماع الشر كله وفي الكشاف الويل نقيض الوأل وهو النجاة اسم معنى كالهلاك إلا أنه لا يشتق منه [ص: 147] فعل وإنما يقال ويلا له فبنصب نصب المصدر ثم يرفع رفعه لإفادة معنى الثبات فيقال ويل له كقولك سلام عليك انتهى وفيه أن فرض الرجلين الغسل وأنه لا يجزئ فيهما المسح وبه قال جمهور السلف والخلف وقال الشيعة الواجب مسحهما وابن جرير والجبائي يخير بين المسح والغسل وبعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما وبه نوزع قول النووي أنه لم يثبت المسح عند أحد يعتد به في الإجماع. وممن روى عنه المسح كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره وعكرمة والحسن والشعبي بل وأنس وغيره من الصحابة وفيه أيضا وجوب تعميم الأعضاء بالطهر وأن ترك بعضها غير مجزئ وإنما خص الأعقاب لأنه ورد على سبب وهو أنه رأى قوما يصلون وأعقابهم تلوح وقيل إنما خصها لغلبة التساهل فيها والتهاون بها لأنها في أواخر الوضوء وأسافل البدن وفي محل لا يشاهد غالبا فكان الاهتمام بها أحق من غيرها وفيه الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الدميري: وفيه حجة لأهل السنة أن المعذب الجسد الدنيوي لأنه أثبت الوعيد لتلك الأعقاب المرئية وفيه دلالة للتعذيب على الصغائر لأن ترك بعض العضو غير مغسول ليس من الكبائر للاختلاف في فرض الرجلين إذ ابن جرير يقول بالتخيير بينه وبين المسح والمسح لا يستوعب العضو وما في مقام الاجتهاد لا يصل إلى رتبة الكبائر انتهى وهو في حيز المنع فإن كون الشيء كبيرة ليس مناطه أن يكون مجمعا عليه بل أن يكون فيه وعيد شديد أو حد أو يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين كما سيجيء وقد عدوا من الكبائر ما فيه خلاف حتى بين الأئمة الأربعة الذين لا يجوز الآن تقليد غيرهم. ألا ترى أن الشافعية جزموا بأن شرب النبيذ كبيرة؟ <تنبيه> قال القيصري الوضوء تطهير أطراف الجسد من كل ناحية وفي ذلك تطهير جميعه من الحدث الخارج عنه فإنه إذا قدرته بيديه ورجليه ورأسه كان كالدائرة المحيطة وفي تطهير خارج الدائرة من كل ناحية تطهير جميعها فلو ألقيت ضابطا في وسط بطن الإنسان بعد مد يديه ورجليه وعنقه ثم أردت الضابط وجدته دائرة ومن هذه الجوارح المحيطة تدخل الذنوب والمخالفات إلى البدن ففي تطهيرها إخراج المخالفات منه (هـ عن خالد بن الوليد) القرشي المخزومي المشهور بالشجاعة والديانة والرآسة سماه المصطفى سيف الله وله آثار كثيرة في إعلاء كلمة الله وهو الذي افتتح دمشق وكان إسلامه قبل غزوة مؤتة بشهرين وكان النصر على يديه يومها (وشرحبيل بن حسنة) هي علم أمه واسم أبيه عبد الله بن المطاح الكندي وقيل التميمي حليف بني زهرة أحد أمراء أجناد الشام وولاه عمر دمشق حتى مات بها في الطاعون (ويزيد بن أبي سفيان) بن حرب الأمير (وعمرو بن العاص) كلهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مغلطاي حديث قال فيه الترمذي عن البخاري هو حسن انتهى ومن ثم رمز المصنف لحسنه وفي نسخ لصحته الحديث: 157 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 158 - (أتيت) بضم الهمزة وكسر المثناة فوق والآتي جبريل كما سيذكره (بمقاليد) بحرف الجر أوله في خط المصنف وسقوطها في نسخ من تحريف النساخ (الدنيا) أي بمفاتيح خزائن الأرض كما في رواية الشيخين والحديث يفسر بعضه بعضا جمع مقلد أو مقلاد أو إقليد معرب إكليد وهو المفتاح وفي الكشاف لا واحد له من لفظه وفي رواية مسلم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي أي ألقيت أو صبت في يدي والمراد بالخزائن المعادن من زمرد وياقوت وذهب وفضة أو للبلاد التي فيها أو المماليك التي فتحت لأمته بعده (على فرس) محركة معروف الذكر والأنثى (أبلق) أي لونه مختلط ببياض وسواد ويحتمل أن يكون هو فرس جبريل الذي هو اسمه حيزوم الذي ما خالط موضع حافره مواتا إلا صار حيوانا وجائز أن يكون غيره وأخرج ابن عساكر عن وهب أنه قيل لسليمان إن خيلا بلقا لها أجنحة تطير بها وترد ماء كذا فقالت الشياطين نحن لها فصبوا في البين التي تردها الخمر فشربت فسكرت فربطوها وساسوها [ص: 148] حتى استأنست فجائز أن يكون هذا الفرس من ذلك النوع (جاءني بها جبريل) وفي رواية إسرافيل ولا تعارض لأن المجيء إذا كان متعددا فظاهر وإلا فالجائي به جبريل وصحبته إسرافيل خيره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فاختار الأول وترك التصرف في خزائن الأرض فعوض التصرف في خزائن السماء برد الشمس بعد غروبها وشق القمر ورجم النجوم واختراق السماوات وحبس المطر وإرساله وإرسال الرياح وإمساكها وتظليل الغمام وغير ذلك من الخوارق (عليه) أي جبريل ويحتمل الفرس (قطيفة) أي مجلل بقطيفة عظيمة كساء مربع له خمل (من سندس) بالضم ديباج رقيق وهو معرب اتفاقا وحكمة كون الحامل فرسا الإشارة إلى أنه أوتي العز إذ الخيل عز كما جاء في عدة أخبار سيجئ بعضها وكونه أبلق ولم يكن لونا واحدا إشارة إلى استيلاء أمته على خزائن جميع ملوك الطوائف من أحمر وأسود وأبيض على اختلاف ألوانها وأشكالها وقد صرح الزمخشري بما محصوله أن الخزائن في هذا وما أشبهه من قبيل التمثيل والاستعارة ففي الكشاف في قوله سبحانه وتعالى {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} ذكر الخزائن تمثيل والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كل مقدور عليه فتكون المقاليد والفرس كذلك (حم حب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وفيه رد على ابن الجوزي حيث زعم أن الحديث لا يصح من جميع طرقه الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 159 - (أثبتكم على الصراط) المضروب على جسر جهنم من غير زلة قدم: أي على المرور عليه (أشدكم حبا لأهل بيتي) علي وفاطمة وابناهما وذريتهما أو نساؤه وأولاده المرادون بقوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} (ولأصحابي) من اجتمع به مؤمنا ومات على ذلك لأن محبتهم إنما تنشأ عن محبة متبوعهم ومن أحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحبه الله وأمنه عند المخاوف وتتفاوت درجات محبتهم بحسب تفاوت المعرفة والإيمان كما تتفاوت درجات الأغنياء بقلة المال وكثرته والمعارف بالأنوار ولا يمر المؤمنون على الصراط إلا بأنوار يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. قال حجة الإسلام: ومرورهم عليه على قدر نورهم فمنهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم كانقضاض الكواكب ومنهم كالفرس ودون ذلك ويحتمل أن يراد بالصراط دين الإسلام: أي أثبتكم وأكملكم فيه أشدكم حبا إلخ. فينتج من هذا أن محبة الآل والأصحاب دليل على كمال الإيمان والمعرفة والمراد حب لا يؤدي لمحذور أو منهي عنه شرعا (عد فر) وكذا أبو نعيم (عن علي) أمير المؤمنين لم يرمز له بشيء وهو ضعيف وسببه أن فيه الحسين بن علان قال في اللسان عن أصله كابن الجوزي وضع حديثا عن أحمد بن حماد وقاسم بن بهرام ووهاه ابن حبان الحديث: 159 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 160 - (اثردوا) بهمزة وصل مضمومة فمثلثة فراء مضمومة أمر ارشاد أي فتوا الخبز في المرق فإن فيه سهولة المساغ وتيسير التناول ومزيد اللذة ويقال الثريد أحد اللحمين (ولو بماء) مبالغة في تأكيد طلبه والمراد ولو مرقا يقرب من الماء قيل وأول من ثرد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. قال الزمخشري: ثردت الخبز أثرده وهو أن تفته ثم تبله بمرق وتشرقه في وسط الصحيفة وتجعل له رقبة (طس هب عن أنس) بن مالك زين الحافظ العراقي في إسناده عباد بن كثير ضعفه الجمهور وقال الهيتمي: فيه عباد بن كثير الرملي وثقه ابن معين وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات ولم يرمز له المؤلف بشيء الحديث: 160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 161 - (اثنان) مبتدأ صفة لموصوف محذوف ويجوز أن يخصص بالعطف فإن الفاء في قوله (فما فوقهما) للتعقيب ذكره الطيبي والمراد وما يزيد عليهما على التعاقب واحدا بعد واحد كقوله الأمثل فالأمثل (جماعة) قلا يختص فضلهما بما فوقهما وهذا قاله لما رأى [ص: 149] رجلا يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه فذكره فعلم منه أن أقل الجماعة اثنان إمام ومأموم فإذا صلى الشخص مع شخص آخر كزوجته أو خادمه أو ولده أو غيرهم حصلت له فضيلة الجماعة التي هي خمس وعشرون أو سبع وعشرون وهذا لا خلاف فيه عندنا وذهابه إلى المسجد لو فوتها على أهل بيتع مفضول وإقامتها لهم أفضل وقالت الحنفية: من جمع بأهله لا ينال ثواب الجماعة إلا إذا كان بعذر (هـ عد) وكذا الدارقطني والبيهقي وضعفه (عن أبي موسى) الأشعري قال مغلطاي في شرح ابن ماجه قال ابن حزم هذا خبر ساقط وكأنه لضعف رواية الربيع بن بدر الملقب عليلة فإنه ذاهب الحديث متروكه ولا يكتب حديثه ولا يتابع عليه كما ذكره ابن معين وأبو حاتم وغيرهما وقال الحاكم يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات المقلوبات وعن الضعفاء الموضوعات انتهى (حم طب عد عن أبي أمامة) الباهلي (قط) من رواية عثمان بن عبد الرحمن المدني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ابن سعيد بن العاص ثم قال الفريابي في مختصر الدارقطني عثمان هذا لعلة القاضي تركوه (ابن سعد) في الطبقات (والبغوي) في معجم الصحابة (والماوردي) أبو منصور في كتاب المعرفة (عن الحكم) بفتح الكاف مع المهملة (ابن عمير) بالتصغير الثمالي الأزدي قال في أسد الغابة صحابي رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح وفي الإصابة قال ابن أبي حاتم عن أبيه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة يرويها عيسى بن إبراهيم وهو ضعيف عن موسى بن أبي حبيب وهو ضعيف عن عمه الحكم ومنها هذا الحديث وقال الزيلعي: هذه كلها ضعيفة انتهى وفيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي قال في الميزان أيضا عن البخاري والنسائي منكر الحديث وعن أبي حاتم متروك ثم أورد له نحو عشرين حديثا بإسناد واحد من حديث الحكم هذا منها. وقال عبد الحق فيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان منكر الحديث متروكه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي رواه ابن ماجه والحاكم عن أبي موسى وفيه الربيع بن بدر ضعيف وأبوه مجهول والبيهقي عن أنس وهو أضعف من حديث أبي موسى والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه عثمان الرابعي متروك وابن عدي عن الحكم عن عمير وإسناده واه انتهى وقال في تخريج المختصر حديث غريب وقد جاء من رواية أبي موسى وأبي أمامة وأنس وعمرو بن العاص وأسانيدها كلها ضعيفة وقال في موضع آخر اتفقوا على تضعيفه وقال القسطلاني في شرح البخاري طرقه كلها ضعيفة الحديث: 161 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 162 - (اثنان لا ينظر الله اليهما) نظر رحمة ولطف أو نفي النظر عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه يصرمه ويعرض عنه أو هو مريض بحرمانهم حال كون أكابر أهل الجنة في إكرام الله تعالى إياهم بالنظر إليه (يوم القيامة) نصب على الظرفية قالوا: يا رسول الله ومن هما قال: (قاطع الرحم) أي القرابة بنحو إساءة أو هجر بالفتح والإضافة (وجار السوء) بالفتح والإضافة أي الذي إن رأى حسنة كتمها أو سيئة أفشاها كما فسر به خبر أما قطع الرحم بقطع الإحسان فالأقرب كما قال المحقق أبو زرعة إنه ليس بكبيرة ولا صغيرة وإن ترك ذلك مع القدرة لكن الأقرب إلى ظاهر الخبر أنه صغيرة وسيجيء في عدة أحاديث عدة جماعة لا ينظر الله إليهم ولا تعارض لأنا إن قلنا إن مفهوم الخبر ليس بحجة فظاهر وإلا فنبه بهذين على من في معناهما وكان من عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخاطب كل إنسان بما يليق به ويلائم حاله فلعل المخاطب أو من حضره كان قاطعا للرحم أو مؤذيا لجاره فزجره بذلك (فر عن أنس) بن مالك ولم يرمز له المصنف بشيء وفيه مهدي البصري قال في اللسان كأصله كذبه يحيى وقال ابن معين صاحب بدعة يضع الحديث وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه الحديث: 162 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 163 - (اثنان خير من واحد) أي هما أولى بالاتباع وأبعد عن الابتداع (وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة) [ص: 150] وهكذا كلما زاد فهو خير (فعليكم بالجماعة) أي الزموا السواد الأعظم من أهل الإسلام (فإن الله لم يجمع أمتي) أمة الإجابة (إلا على هدى) أي حق وصواب ومن خصائصها أن إجماعهم حجة وأنهم لا يجتمعون على ضلال كما يصرح به وصفه سبحانه لهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأن مقتضى كونهم آمرين بكل معروف ناهين عن كل منكر إذ اللام للاستغراق أن لا يجتمعوا على باطل إذ لو اجتمعوا عليه كان أمرهم على خلاف ذلك ولذلك كان إجماعهم حجة (حم) من حديث أبي عياش عن أبي البحتري عن عبيد بن سليمان عن أبيه (عن أبي ذر) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد أعله الحافظ الهيتمي بأن أبا البحتري هذا ضعيف انتهى وأقول ابن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بالقوي وقال في اللسان وأبو البحتري لا يكاد يعرف كذبه دحيم. قال في ذيل الضعفاء والمتروكين وأبو عبيدة تابعي لا يعرف الحديث: 163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 164 - (اثنان لا تجاوز) أي لا تتعدى (صلاتهما روؤسهما) أي لا ترفع إلى الله تعالى في رفع العمل الصالح بل أدنى شيء من الرفع أحدهما (عبد) يعني قن ولو أنثى (أبق) كفعل أي حرب ويجوز كونه بوزن فاعل أي هارب (من مواليه) أي مالكيه إن كانوا جماعة ومن مالكه إن كان واحدا فلا ترفع صلاته رفعا تاما (حتى يرجع) إن الطاعة إن هرب لغير عذر شرعي (و) الثاني (امرأة عصت زوجها) بنشوز أو غيره مما يجب عليها أن تطيعه فلا ترفع صلاتها كما ذكر (حتى ترجع) إلى طاعته فإباقه ونشوزها بلا عذر كبيرة قالوا: ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فالصلاة صحيحة لا يجب قضاؤها لكن ثوابها قليل أو لا ثواب فيها أما لو أبق لعذر كخوف قتل أو فعل فاحشة أو تكليفه على الدوام ما لا يطيقه أو عصت المرأة بمعصية كوطئه في دبرها أو حيضها فثواب صلاتهما بحاله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال في المهذب: هذا الحديث يفيد أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال يوجب سخط الله (ك) في البر والصلة (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال صحيح ورده الذهبي بأنه من حديث بكر بن بكار وهو ضعيف انتهى الحديث: 164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 165 - (اثنان) وفي رواية اثنتان (في) بعض (الناس) أي خصلتان من خصالهم (هما بهم كفر) يعني هم بهما كفر فهو من باب القلب أو الاتساع كما في شرح الأحكام والمراد أنهما من أعمال الكفار لا من خصال الأبرار أو المراد كفر النعمة أو سمي ذلك كفرا تغليظا وزجرا كما قرره القاضي وعلى الأول اقتصر ابن تيمية مع بسط وتوضيح فقال قوله هما بهم كفر أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من عمل الكفار كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وفرق بين الكفر المعروف باللام وبين كفر منكر في الاثبات وإحدى الخصلتين هي (الطعن في الأنساب) أي الوقوع في أعراض الناس بنحو القدح في نسب ثبت في ظاهر الشرع (و) الثانية (النياحة على الميت) ولو بغير بكاء ولا شق جيب خلافا لعياض وهي رفع الصوت بالندب بتعديد شمائله وذلك لأن من طعن في نسب غيره فقد كفر نعمة سلامة نسبه من الطعن ومن ناح فقد كفر نعمة الله حيث لم يرض بقضائه وهو المحيي المميت وفيه أن هاتين كبيرتان وبه صرح الذهبي كابن القيم والوعيد شامل للمادح والمؤرخ ما خرج عن ذلك إلا ما وقع لأم عطية فإنها استثنت في المبايعة حين نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم النساء عن النياحة قالت: إلا آل [ص: 151] فلان فإنهم أسعدوني في الجاهلية فقال: إلا آل فلان وللشارع أن يخص من العموم ما شاء (حم عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو نعيم والديلمي أيضا الحديث: 165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 166 - (اثنان يكرههما ابن آدم) غالبا قيل: وما هما قال: (يكره الموت) أي نزوله به (والموت) أي موته (خير له من الفتنة) أي الكفر والضلال أو الإثم أو الاختبار والامتحان ونحوهما وذلك لأنه مادام حيا لا يأمن الوقوع في ذلك ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ومن غير الغالب من أتحفه الله بلطف من عنده فحبب إليه الموت كما حببه لسحرة فرعون حين قال لأقطعن أيديكم فكشف لهم عما أعد لهم فقالوا لا ضير وكما لوى على علي كرم الله وجهه رعيته حتى شاقوه وقاتلوه مع كونه الإمام الحق حتى أخذ بلحيته قائلا: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذه وأشار بيده إلى رأسه. قال الراغب: والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة انتهى وقد تكون الفتنة في الدين كالارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي وإليه أشار المصطفى بقوله " إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون (ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب) يعني السؤال عنه كما في خبر " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع " وفيه عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه أي ولو حلالا وسمى المال مالا لأنه يميل القلوب عن الله تعالى قال الراغب: والحساب استعمال العدد (ص حم) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن محمود بن لبيد) الأنصاري قال في الكشاف: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورواياته مرسلة وفي أسد الغابة نحوه قال المنذري: رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما محتج بهم في الصحيح قال ومحمود له رواية ولم يصح له سماع وقال الهيتمي خرجه أحمد بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته هنا وقال في الكبير صحيح انتهى لكن عرفت أنه مرسل الحديث: 166 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 167 - (اثنتان) من الخصال (يعجلهما الله) أي يعجل عقوبتهما لفاعلهما (في الدنيا) إحداهما (البغي) أي مجاوزة الحد في الطغيان يعني التعدي بغير حق (و) الثانية (عقوق الوالدين) أي مخالفتهما أو إيذائهما أو أحدهما والمراد من له ولادة وإن علا من الجهتين وألحق بهما الزركشي الخالة والعمة واعترض وقيل العقوق ثكل من لم يثكل وقيل لحكيم كيف ابنك قال عذاب رعف به الدهر وبلاء لا يقاومه الصبر وأصل التعجيل إيقاع الشيء قبل أوانه قال تعالى {أعجلتم أمر ربكم} وفيه أن البغي والعقوق من الكبائر وخص هاتين الخصلتين من بين خصال الشر بذكر الععجيل فيهما لا لإخراج غيرهما فإنه قد يعجل أيضا بل لأن المخاطب بذلك كان لا يحترز من البغي ولا يبر والديه فخاطبه بما يناسب حاله زجرا له وكثيرا ما يخص بعض الأعمال بالحث عليها بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتساهله في أمرها كما مر (تخ طب عن) عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ومهملة ابن الحارث بن كلدة بفتحات ابن عمرو الثقفي قيل له أبو بكرة لأنه تدلى للنبي صلى الله عليه وسلم ببكرة من حصن الطائف فأسلم كان من فضلاء الصحابة ومشاهيرهم وقيل هو نفيع بن مسروح والحارث بن كلدة مولاه الحديث: 167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 168 - (أثيبوا) كافئوا (أخاكم) في الدين على صنيعه معكم معروفا بالضيافة ونحوها قالوا: يا رسول الله بأي شيء نثيبه قال (ادعوا له بالبركة) أي بالنمو والزيادة من الخير الإلهي (فإن الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان ولو أنثى (إذا أكل طعامه وشرب شرابه ثم دعى له بالبركة) ببناء أكل وشرب ودعى لللمجهول أي أكل الأضياف من طعامه وشربوا [ص: 152] من شرابه ثم دعوا له بزيادة الخير ونموه ويمكن بناء المذكورات للفاعل أيضا (فذاك) أي مجرد الدعاء (ثوابه) أي مكافأته (منهم) أي من الأضياف يعني إن عجزوا عن مكافأته بضيافة أو غيرها أو لم يتيسر لهم ذلك لعذر منه أو منهم بدليل الخبر الآتي " من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم كافأتموه " أو المراد أن ذلك من ثوابه أو ثوابه المعجل ثم تكافئونه بالمقابل وفيه ندب الضيافة سيما للإخوان والأمر بالمعروف وتعليم العلم والسؤال عما لا يتضح معناه والدعاء لصاحب الطعام بالبركة وفعل الممكن من المجازاة والمبادرة بذلك. (تتمة) قال بعض العارفين النفوس الزكية تنبعث لمكافأة من أحسن إليها ومن أساء طبعا فتعطي كل ذي حق حقه قال الراغب: والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو (د هب عن جابر) بن عبد الله قال صنع أبو الهيتم طعاما ودعا المصطفى وصحبه فلما فرغوا ذكره وقد رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه إذ فيه فليح ابن سليمان المدني أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن معين والنسائي غير قوي ولعله باعتبار شواهده الحديث: 168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 169 - (اجتمعوا) بهمزة وصل مكسورة خطاب لمن شكوا إليه أنهم يأكلون فلا يشبعون (على طعامكم) ندبا من الاجتماع ضد الافتراق (واذكروا) حال شروعكم في الأكل (اسم الله عليه) بأن تقولوا في أوله بسم الله والأكمل إكمال البسملة فإنكم إن فعلتم ذلك (يبارك) أي الله فهو مبني للفاعل ويجوز للمفعول (لكم فيه) فتشبعون فالاجتماع على الطعام وتكثير الأيدي عليه ولو من الأهل والخدم مع التسمية سبب للبركة التي هي سبب للشبع والخير والتسمية على الأكل سنة كفاية والأكمل أن يسمي كل واحد منهم فإن ترك التسمية أوله عمدا أو سهوا تداركها في أثناءه كما يأتي في خبر (حم د هـ) في الأطعمة (حب ك) وكذا الطبراني والبيهقي في الجهاد كلهم (عن وحشي) بفتح الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة (ابن حرب) ضد الصلح الحبشي مولى جبير بن مطعم أو طعيمة بن عدي وهو قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتل مسيلمة الكذاب وقال قتلت خير الناس وشر الناس فهذه بهذه قال رجل: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تفترقون على طعامكم اجتمعوا إلى آخره لم يرمز المؤلف له بشيء ونقل بعضهم عنه أنه صححه وهو من رواية وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده كما قال الحاكم وغيره ووحشي هذا قال فيه المزني والذهبي فيه لين وقصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن وقال ابن حجر في صحته نظر فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة وثبت أنه لما أسلم قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم غيب وجهك عني فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل وقول ابن عساكر أن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يرده وورد التصريح بأنه قاتله في عدة طرق للطبراني وغيره وأقول مما يوهن تصحيحه أن الحاكم مع كونه مشهورا بالتساهل في التصحيح وعيب بذلك لما أورده لم يصححه بل في كلامه إشعار بضعفه فإنه عقبه بقوله أخرجناه شاهدا الحديث: 169 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 170 - (اجتنب) بهمزة وصل مكسورة (الغضب) أي أسبابه أي لا تفعل ما يأمر به ويحمل عليه من قول أو فعل لأن نفس الغضب جبلي إذ هو غليان دم القلب لإرادة الانتقام وقد خلق من نار وغرس في الإنسان فمتى نوزع في غرض ثار الغضب فغلى دم القلب وسرى إلى العروق فإن قدر على الانتقام أحمر وجهه وإلا انقبض الدم واصفر اللون وانقلب الغضب حزنا ومحل قوة الغضب القلب فالناس فيه ما بين تفريط وإفراط واعتدال فالتفريط أن يفقد قوة الغضب وهو مذموم إذ لا حمية ولا غيرة لمن هو كذلك والافراط أن يخرج عن سياسة العقل ويقع في نقص الدين ولا ينظر في العواقب وهذا محل النهي وما بين ذلك هو الوسط المحمود قال البيضاوي ولعله لما رأى جميع المفاسد [ص: 153] التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته وغضبه وكانت شهوة السائل مكسورة نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضررا من غيره فإنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان أقوى أعدائه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب) أي فيما جاء فيه (وابن عساكر) في تاريخه عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف (عن رجل من الصحابة) أن رجلا قال: يا رسول الله حدثني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فذكره وجهالته لا تصير الحديث مرسلا كما في تخريج الهداية لابن حجر وهذا الحديث بمعناه في البخاري إذ فيه من حديث أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله أوصني قال: لا تغضب الحديث: 170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 171 - (اجتنبوا) أبعدوا وهو أبلغ من لا تفعلوا لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة ذكره الطيبي (السبع) أي الكبائر السبع ولا ينافيه عدها في أحاديث أكثر لأنه أخبر في كل مجلس بما أوحى إليه أو ألهم أو سنح له باعتبار أحوال السائل أو تفاوت الأوقات أو لزيادة فحشها وفظاظة قبحها أو لأن مفهوم العدد غير حجة أو لغير ذلك (الموبقات) بضم الميم وكسر الموحدة التحتية المهلكات جمع موبقة وهي الخصلة المهلكة أو المراد الكبيرة أجملها وسماها مهلكات ثم فصلها ليكون أوقع في النفس وليؤذن بأنها نفس المهلكات وقول التاج السبكي الموبقة أخص من الكبيرة وليس في حديث أبي هريرة أنها الكبائر تعقبه الحافظ ابن حجر بالرد قال ابن عباس وهي إلى السبعين أقرب وابن جبير إلى السبع مئة أقرب أي باعتبار أصناف أنواعها وللحافظ الذهبي جزء فيه نحو الأربع مئة ذكره الأذرعي (الشرك) بنصبه على البدل ورفعه وكذا ما بعده على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ومنها الشرك (بالله) أي جعل أحد شريكا لله والمراد الكفر به وخصه لغلبته حينئذ في الوجود فذكره تنبيها على غيره من صنوف الكفر (و) الثانية (السحر) قال الحراني: وهو قلب الحواس في مدركاتها عن الوجه المعتاد لها في ضمنها من سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله تعالى عليه وفي حاشية الكشاف للسعد هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة قال التاج السبكي والسحر والكهانة والتنجيم والسيمياء من واد واحد (و) الثالثة (قتل النفس التي حرم الله) قتلها عمدا كان أو شبه عمد لا خطأ كما صرح به شريح الروياني والهروي وجمع شافعيون أي فإنه لا كبيرة ولا صغيرة لأنه غير معصية (إلا بالحق) أي بفعل موجب للقتل وأعظم الكبائر والشرك ثم القتل ظلما وما عدا ذلك يحتمل كونه في مرتبة واحدة لكونه سردها على الترتيب لأن الواو لا توجبه والأظهر أن هذا النهي وشبهه إنما ورد على أمر مخصوص فأجاب السائل على مقتضى حاله وصدور هذه الخصال منه أوهمه بها أو كان في المجلس من حاله ذلك فعرض به إما أنه مما أوحي إليه أو عرفه بما له معجزة (و) الرابعة (أكل مال اليتيم) يعني التعدي فيه وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع (و) الخامسة (أكل الربا) أي تناوله بأي وجه كان. قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة ولهذا ذكره عقب ما هو علامة سوء خاتمتها وتردد ابن عبد السلام في تقييده بنصاب السرقة (و) السادسة (التولي) أي الإدبار من وجوه الكفار (يوم الزحف) أي وقت ازدحام الطائفتين إلا إن علم أنه إن ثبت قتل بغير نكاية في العدو فليس بكبيرة بل ولا صغيرة بل يباح بل يجب. قال ابن عبد السلام: وأشد منه ما لو دل الكفار على عورة المسلمين عالما بأنهم يستأصلونهم ويسبون حريمهم والزحف الجيش الدهم سمي به لكثرته وثقل حركته يرى كأنه يزحف زحفا أي يدب دبيبا (و) السابعة (قذف المحصنات) بفتح الصاد المحفوظات من الزنا وبكسرها الحافظات فروجهن منه والمراد رميهن بزنا أو لواط (المؤمنات) بالله تعالى احترازا عن قذف الكافرا ت فإنه من الصغائر قال الراغب: والقذف الرمي البعيد استعير للشتم والعيب والبهتان (الغافلات) عن الفواحش وما قذفهن به فهو كناية عن البريئات \ لأن الغافل بريء عما بهت به من الزنا والقذف [ص: 154] به كبيرة إلا لصغيرة لا تحتمل الوقاع ومملوكة وحرة متهتكة فصغيرة لأن الإيذاء في قذفهن دونه في كبيرة مستترة قاله الحليمي وتوقف الأذرعي ونظر الزركشي في المملوكات لخبر من قذف عبدة أقيم عليه الحد يوم القيامة وإلا في قذف المحصنة بخلوة بحيث لا يسمعه أحد إلا الله والحفظة فليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة قاله ابن عبد السلام لكن خالفه البلقيني تمسكا بظاهر {الذين يرمون المحصنات} والخبر المشروح قال الزركشي: ويظهر قول ابن عبد السلام في الصادق لا الكاذب لجرأته عليه تعالى وإلا فقذفه زوجته إذا علم زناها أو ظنه مؤكدا فليس بكبيرة بل ولا صغيرة وكذا جرح راو وشاهد بالزنا إن علم به بل يجب قال ابن عبد السلام وأشد منه ما لو أمسك محصنة لمن يزني بها أو مسلما لمن يقتله (ق د ن عن أبي هريرة) الحديث: 171 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 172 - (اجتنبوا الخمر) مصدر خمره إذا ستره سمي به عصير العنب إذا اشتد لأنه يخمر العقل ولها نحو أربع مئة اسم وتذكر وتؤنث والتأنيث أفصح وهو حرام مطلقا وكذا كل ما أسكر عند الأكثر وإن لم يسكر لقلته بل الشافعي وأحمد ومالك على وصفها بذلك فعندهم الخمر كل مسكر وخالف أبو حنيفة فالمعنى على رأى الجماعة اجتنبوا كل مسكر أي ما من شأنه الاسكار فشمل العصر والاعتصار والبيع والشراء والحمل والمس والنظر وغيرها (فإنها مفتاح كل شر) كان مغلقا من زوال العقل والوقوع في المنهيات واقتحام المستقبحات ونزول الأسقام وحلول الآلام وفي خبر الديلمي عن ابن عمر رفعه تزوج شيطان إلى شيطانة فخطب إبليس اللعين بينهما فقال: أوصيكم بالخمر والغناء وكل مسكر فإني لم أجمع جميع الشر إلا فيهما (عد ك) في الأطعمة (هب) كلهم (عن ابن عباس) قال ك صحيح وأقره الذهبي لكن فيه محمد بن إسحاق خرج له مسلم وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة وكذبه الهيتمي ومالك والقطان وقال ابن معين: ثقة غير حجة وقال مرة أخرى: غير قوي ونعيم بن حماد من رجال الصحيح لكن قال الأزدي وابن عدي يضع وقال أبو داود عنده نحو عشرين حديثا لا أصل لها الحديث: 172 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 173 - (اجتنبوا) وجوبا (الوجوه) جمع وجه والمراد الوجه من آدمي محترم أريد حده أو تأديبه أو بهيم كذلك قصد استقامته وتدريبه ثم بين وجه الاجتناب بقوله (لا تضربوها) فيحرم ذلك كما يحرم وشمه ووسمه وذلك لأن الوجه أشرف ما ظهر من الإنسان بل من كل حيوان فامتهانه بما يؤدي إلى تشويه من العصيان أو المراد بالوجه الوجهاء والعظماء فلا تضربوا من توجه عليه تعزير من رؤساء الناس وأكابرهم بل اقتصروا فيه على ما يليق به منن نحو توبيخ بالقول فهو من قبيل: أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم وهذا وإن كان وجيها ففي بعض الروايات ما يعين الأول أما غير المحترم كحربي ومرتد وسبع ضار وكلب عقور فلا والضرب أصله كما قال الراغب وقع شيء على شيء ولتنوع صنوف الضرب خولف بين تفاسيره كضرب الشيء بنحو عصا وضرب الدراهم اعتبارا بضرب المطرقة وقيل له الطبع اعتبارا بتأثير السكة فيه والضرب في الأرض الذهاب فيها وهو ضربها بالأرجل وضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة وضرب المثل من ضرب الدراهم وهو ذكر شيء بظهر أثره في غيره (عد عن أبي سعيد) الخدري ولم يرمز المؤلف له بشيء وهو ضعيف الحديث: 173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 174 - (اجتنبوا التكبر) بمثناة فوقية قبل الكاف بخط المؤلف فما في بعض النسخ من إسقاطها من تحريف النساخ وهو تعظيم المرء نفسه واحتقار غيره والأنفة مساواته وينشأ عنه الغضب لأن غيره إذا ساراه غضب والحقد لما أضمره المرء في نفسه من الترفع على من تكبر عليه والغش لأنه لا ينصح من تكبر عليه إذ قصده كون غيره معيبا منقوصا وآفات الكبر كثيرة وما من خلق ذميم إلا والكبر محتاج إليه مصاحب له وقلما ينفك عنه العلماء بل والعباد [ص: 155] والزهاد إذ يعجبون بكثرة أتباعهم وربما سار الواحد وأتباعه حوله ولو انفرد ساءه ذلك ولو لم يكن من الوعيد للمتكبر إلا نفي محبة الله له في النصوص القرآنية وخبر لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر لكفى (فإن العبد) الإنسان (لا يزال يتكبر حتى يقول الله تعالى) لملائكته (اكتبوا عبدي) وفي رواية عبدي هذا المعتدي طوره الذي نازع ربه رداءه وتعرض للمقت والهلاك (في) الإضافة للملك لا للتشريف (الجبارين) جمع جبار وهو المتكبر العاتي. وكفى بذلك إعلاما باستقباح الاستكبار كيف وهو يفضي بصاحبه إلى بئس القرار النار وقد أفلح من هدى إلى تجنبه وفاز بخيري الدنيا والآخرة وترك الكبر داع إلى السلامة من شر الناس فينتفي عنه بتركه ما يترتب عليه من أنواع الأذى وضروب المهالك. قال الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من أخلاق اللئام وأرفع الناس قدرا من لا يرى قدره وأكبرهم فضلا من لا يرى فضله وقال القاضي أبو الطيب من تصدى قبل أوانه فقد تصدى لهوانه وفي الشعب: من رضي أن يكون ذنبا أبى الله إلا أن يجعله رأسا وقال الماوردي: الكبر يكسب المقت ويلهي عن التأله ويوغر صدور الإخوان (أبو بكر) وأحمد بن علي بن أحمد (ابن لال) قال الكمال: ومعنى لال أخرس وهو أبو بكر الهمداني من أهل القرن الرابع فقيه شافعي تفقه على أبي إسحاق وغيره وله مؤلفات كثيرة في الحديث قالوا: والدعاء عند قبره مستجاب (في) كتابه (مكارم الأخلاق) أي فيما ورد في فضلها (وعبد الغني بن سعيد) الحافظ المشهور (في) كتاب (إيضاح الإشكال عد) كلهم (عن أبي أمامة) الباهلي وفيه عثمان بن أبي عاتكة ضعفه النسائي وغيره وهو علي ابن يزيد الالهاني قال في التقريب ضعيف والقاسم بن عبد الرحمن صدوق لكنه يغرب كثيرا الحديث: 174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 175 - (اجتنبوا هذه القاذورات) جمع قاذورة وهي كل قول أو فعل يستفحش أو يستقبح لكن المراد هنا الفاحشة يعني الزنا لأنه لما رجم ماعزا ذكره سميت قاذورة لأن حقها أن تتقذر فوصفت بما يوصف به صاحبها أفاده الزمخشري (التي نهى الله عنها) أي حرمها (فمن ألم) بالتشديد أي نزل به والإلمام كما في الصحاح مقاربة المعصية من غير مواقعة وهذا المعنى له لطف هنا يدرك بالذوق (بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله) بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود (فإنه) أي الشأن (من يبد) بضم المثناة تحت وسكون الموحدة (لنا صفحته) أي ظهر لنا فعله الذي حقه الإخفاء والستر وصفحة كل شيء جانبه ووجهه وناحيته كنى به عن ثبوت موجب الحد عند الحاكم (نقم) نحن معشر الحكام (عليه كتاب الله) أي الحد الذي حده الله في كتابه والسنة من الكتاب فيجب على المكلف إذا ارتكب ما يوجب لله حدا الستر على نفسه والتوبة فإن أقر عند حاكم أقيم عليه الحد أو التعزير وعلم من الحديث أن من واقع شيئا من المعاصي ينبغي أن يستتر وحينئذ فيمتنع التجسس عليه لأدائه إلى هتك الستر قال الغزالي: وحد الاستتار أن يغلق باب داره ويستتر بحيطانه قال فلا يجوز استراق السمع على داره ليسمع صوت الأوتار ولا الدخول عليه لرؤية المعصية إلا أن يظهر عليه ظهورا يعرفه من هو خارج الدار كصوت آلة اللهو والسكارى ولا يجوز أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ولا أن يستخبر جيرانه ليخبروه بما جرى في داره وقد أنشد في معناه: لا تلتمس من مساوي الناس مستترا. . . فيكشف الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا. . . ولا تعب أحدا منهم بما فيكا (ك هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال: قام المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد رجم الأسلمي فذكره قال ك على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال غريب جدا لكنه في المهذب قال إسناده جيد وصححه ابن السكن وذكره الدارقطني في العلل [ص: 156] وصحح إرساله وقول ابن عبد البر لا نعلمه بوجه قال ابن حجر مراده من حديث مالك ولما ذكر إمام الحرمين في النهاية هذا الحديث قال صحيح متفق عليه فتعجب منه ابن الصلاح وقال أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث الذي يفتقر إليها كل عالم الحديث: 175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 176 - (اجتنبوا مجالس) أي مواضع جلوس (العشيرة) الرفقاء المتعاشرون. قال الزمخشري: تقول هو عشيرك أي معاشرك أيديكما وأمركما واحد وزوج المرأة عشيرها أي لا تجلسوا في مجالس الجماعة الذين يجلسون للتحدث بالأمور الدنيوية لما يقع فيها من اللغو واللهو وقد يجر لإضاعة صلاة أو وقيعة أما مقاعد الخير كذكر وتعلم علو وتعليمه وقراءة قرآن وأمر بمعروف ونهي عن منكر فيتأكد لزومها ثم إطلاقه المجالس شامل لما كان على الطريق وغيره ففيه أنه يكره الجلوس في الشارع للحديث ونحوه إلا أن يعطيه حقه كغض البصر ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكف الأذى كترك الغيبة والنميمة وسوء الظن واحتقار المار وكون القاعد يهابه المارة ويتركون المرور لأجله ولا طريق سواه قال القرطبي في هذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات وزجر عنه لكن محله ما إذا لم يكن إليه حاجة كما قالوا في خبر مسلم ما لنا من ذلك بد لكن العلماء فهموا أن المنع ليس للتحريم بل إرشاد إلى المصالح (ص عن أبان) بفتح الهمزة والموحدة منصرف لأنه فعال كغزال وقيل هو أفعل فلا ينصرف لوزن الفعل مع العلمية (ابن عثمان) بن عفان (مرسلا) هو تابعي جليل. قال الذهبي: كان فقيها مجتهدا وكان أميرا على المدينة في زمن ابن عم أبيه عبد الملك بن مروان وعدول المؤلف لرواية إرساله واقتصاره عليها يوهم أنه لم يقف عليه مسندا متصلا وهو عجيب فقد خرجه مسلم في صحيحه من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده أبي طلحة الأنصاري الصحابي الكبير الشهير لكن بلفظ: اجتنبوا مجالس الصعدات. وزاد بيان السبب فقال: " كنا قعودا بالأقنية نتحدث إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فقال: ما لكم ولمجالس الصعدات اجتنبوا مجالس الصعدات. فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا لنتذاكر ونتحدث. قال: أما إذا فأدوا حقها: غض البصر ورد السلام وحسن الكلام " انتهى بنصه وإسحاق أحد الثقات الكبار تابعي جليل إمام خرج له الستة الحديث: 176 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 177 - (اجتنبوا الكبائر) جمع كبيرة وقد اضطرب في تعريفها فقيل ما توعد عليه أي بنحو غضب أو لعن بخصوصه في الكتاب أو السنة واختاره في شرح اللب واعترض بعضهم أن هناك كبائر ليس فيها ذلك كظهار وأكل خنزير وإضرار في وصية وقيل ما يوجب الحد وأورد عليه الفرار من الزحف والعقوق وشهادة الزور والربا ونحوها مما لا حد فيه وهو كبيرة وأجيب بتأويله على إرادة ما عدا المنصوص وقيل كل جريمة تؤذن بقلة أكثر أن مرتكبها بالدين ورقة الديانة واختاره التاج السبكي عازيا لإمام الحرمين واعترض نعم هو أشمل التعاريف قال الزركشي: والتحقيق أن كل واحد من الأقوال اقتصر على بعض أنواعها وبالمجموع يحصل الضابط (وسددوا) اطلبوا بأعمالكم السداد أي الاستقامة ما استطعتم والقصد في الأمر والعدل فيه ولا تشددوا فيشدد الله عليكم ولهذا لما تكرر استكشاف بني إسرائيل عن صفة البقرة شدد الله عليهم ولو ذبحوا أدنى بقرة لكفتهم كما جاء في الخبر ومن ثم قالوا الاستقصاء شؤم وكتب بعض الخلفاء إلى عامله أن يقطع أشجار قوم ويهدم دورهم فكتب إليه بأيهما أبدأ فقال إن قلت لك بقطع الشجر قلت بأي نوع منها فعزله حالا (وأبشروا) بقطع الألف المفتوحة وسكون الموحدة وكسر المعجمة أي إذا تجنبتم الكبائر واستعملتم السداد في الظواهر والسرائر فأبشروا بما وعدكم ربكم به بقوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم} الآية (ابن جرير) الإمام المجتهد المطلق في تفسيره (عن قتادة) بن دعامة بكسر المهملة (مرسلا) وهو أبو الخطاب الدوسي الأعمى البصري الحافظ أحد الأئمة الأعلام روى عن أنس [ص: 157] وغيره قال في الكشاف لم يكن في هذه الأمة أكمه ممسوح العينين سواه الحديث: 177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 178 - (اجتنبوا) وجوبا (دعوات) وفي رواية دعوة وهو بمعناه لأنه مفرد مضاف فيعم (المظلوم) فإنها (ما) أي ليس (بينها وبين الله) تعالى (حجاب) مجاز عن سرعة القبول كما مر ومن عرف هذا وعلم أن وراء الظالمين طالبا لا يرد بأسه ولم يقلع ويرجع فقد طبع على قلبه وحجب عن ربه. ثم هذا وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الدعاء على ثلاث مراتب إما أن يعجل له ما طلب أو يدخر له أفضل منه أو يدفع عنه من السوء مثله كما قيد {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} بقوله تعالى {ويكشف السوء} وبقوله {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} (ع عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) الدوسي (معا) رمز المؤلف لضعفه هكذا رأيته في مسودته بخطه الحديث: 178 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 179 - (اجتنبوا كل) أي تناول كل (مسكر) يعني ما شأنه الاسكار فشمل قطرة منه وعبر بكل ليشمل بمنطوقه المسكر من ماء العنب وغيره كزبيب وحب وتمر والمائع وغيره كبنج وحشيش لكن المائع أصله حرام نجس وغيره حرام طاهر هذا ما عليه الشافعية كالجمهور وخالف الحنفية فقالوا يحرم المتخذ من ماء العنب وإن قل ولم يسكر إلا إذا طبخ على تفصيل فيه عندهم ولا يحرم المتخذ من غيره إلا القدر الذي يسكر انتهى وشمل إطلاق الحديث تناوله لتداو أو عطش وإن فقد غيره وبه قال الشافعي (طب عن) أبي عبد الرحمن (عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء المزني بضم الميم وفتح الزاي وبالنون من أصحاب الشجرة قال كنت أرفع أغصانها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أول من دخل مكة وكبر وقت الفتح قال ابن حجر سنده لين ورواه عنه أيضا أحمد بلفظ اجتنبوا المسكر وسنده حسن وله طرق كثيرة جدا انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لضعفه الحديث: 179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 180 - (اجتنبوا ما) أي الشراب الذي (أسكر) شربه قال الحراني: ألحق المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتحريم الخمر الذي سكرها مطبوع تحريم المسكر الذي سكره مصنوع فالمتخذ من غير العنب يحرم شرب قليله عند الجمهور كما يحرم شرب قليل الخمر المتخذ من العنب ويحرم كثيره اتفاقا وقد فهم الصحب من الأمر باجتناب المسكر تحريم ما يتخذ للسكر من جميع الأنواع ولم يستفصلوا والصحابة أعرف بالمراد ممن جاء بعدهم (الحلواني) بضم المهملة الحسن بن علي الخلال (عن علي) أمير المؤمنين رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه علي بن زيد بن جدعان لينه الدارقطني وغيره قال ابن حجر وفي الباب عن نحو ثلاثين صحابيا وأكثر الأحاديث عنهم جياد ومضمونها أن المسكر لا يحل تناوله بحال بل يجب اجتنابه وقد قال ابن المبارك لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة شيء ولا عن التابعين إلا النخعي الحديث: 180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 181 - (اجثوا) بضم الهمزة والمثلثة اجلسوا أو ابركوا معتمدين (على الركب) بين يدي الله تعالى عند إرادة الدعاء لأنه أبلغ في الأدب وأقرب إلى التواضع وهي جلسة العبد الذليل بين يدي الملك الجليل فهو نهي عن التربع حال الدعاء لما فيه من التمكن في الجلوس الذي هو شأن المتكبرين ولهذا قال في الخبر المار " أجلس كما يجلس العبد " والركب جمع ركبة وهي أول المنحدر عن الفخذ إلى أول أعلى الساق كما يشير إليه قول الصحاح الركبة معروفة والمعروف أنها [ص: 158] ما ذكروه به رد قول القاموس هي موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق وكثيرا ما يقع للقاموس الخروج عن اللغة لغيرها (ثم قولوا) ثم بمعنى الواو وهي الواردة في خبر الطبراني أي اجثوا على الركب عند دعائكم قائلين حالتئذ (يا رب) أعطنا (يا رب) أعطنا أي كرروا ذلك كثيرا فإن العبد إذا قال ذلك قال الله لبيك عبدي سل تعط هكذا رواه ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها موقوفا وخصه لما فيه من معنى التربية والإصلاح وهذا تعليم منه لأمته كيف يدعون ربهم وكيف يضرعون إليه وتكرير يا رب من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة والاثابة من احتمال المشاق في دين الله والصبر على صعوبة تكاليفه وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولا إليه بالعمل بالجهل والغباوة ذكره الزمخشري <تنبيه> قال ابن حجر: ذهب بعضهم إلى أن رب هو الاسم الأعظم وقد أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء وابن عباس بلفظ اسم الله الأكبر رب رب ووجهه بعضهم بأنه الكفيل بتربية ذرات الوجود والمدر عليها أنواع الجود ولم يخرج عن حضرة إحسان هذا الاسم مؤمن ولا كافر ولا بر ولا فاجر بل أدر الأرزاق وأسدى الإحسان وعامل باللطف والامتنان (أبو عوانة) الحافظ يعقوب في صحيحه (والبغوي) إمام السنة وكذا الطبراني في الأوسط كلهم من حديث عامر بن خارجة بن سعد عن أبيه (عن) جده (سعد) بن أبي وقاص قال شكى قوم إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قحط المطر فقال اجثوا على الركب وقولوا يا رب يا رب ورفع السبابة إلى السماء ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم. قال في الميزان في ترجمة عامر هذا قال البخاري فيه نظر ثم ساق له هذا الخبر قال في اللسان وقد ذكره ابن حبان في الثقات فقال يروي عن جده حديثا منكرا في المطر لا يعجبني ذكره ثم أورد هذا الحديث بعينه وقال ابن حجر في غير اللسان في سنده اختلاف وعامر بن خارجة ضعفه الذهبي وغيره ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده الحديث: 181 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 182 - (أجرؤكم) من الجرأة وهي الإقدام على الشيء (على قسم الجد) أي على الإفتاء أو الحكم بتعيين ما يستحقه من الإرث (أجرؤكم على النار) أي أقدمكم على الوقوع فيها يوم القيامة تسوقه الزبانية إليها لأن الجد يختلف ما يأخذه من فرض وتعصيب وثلث وسدس وتتفاوت مراتبه بحسب القرب والبعد وفي شأنه من الاضطراب ما يحير الألباب فمن تساهل وأقدم على القضاء أو الإفتاء بقدر ما يستحقه بغير تثبت وتحقق فقد عرض نفسه للنار ومن ثم نقل عن عمر أنه لما احتضر قال احفظوا عني لا أقول في الكلالة ولا في الجد شيئا ولا أستخلف وأخرج يزيد بن هارون عن ابن سيرين عن عبيدة قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مئة قضية كلها ينقض بعضها بعضا قال ابن الأثير: وفي حديث علي من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض في الجد أي يرمي بنفسه في معاظم عذابها (ص عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على الأشهر وتكسر (مرسلا) هو المخزومي أحد الأعلام رأس علماء التابعين وفردهم وأفضل فقهائهم حدث عن عمر وغيره وعنه الزهري وخلق رمز لصحته الحديث: 182 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 183 - (اجرؤكم على الفتيا) بضم الفاء أي أقدمكم على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر والإفتاء بيان حكم المسألة. قال في الكشاف: الفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتي في السن (أجرؤكم على النار) أقدمكم على دخولها لأن المفتي مبين عن الله خكمه فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار {الله أذن لكم أم على الله تفترون} قال الزمخشري: كفى بهذه الآية زاجرة زجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط فيها وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله تعالى انتهى. وقال ابن النكدر: المفتي يدخل بين الله [ص: 159] وبين خلقه فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر. كان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس فضعها في عنقه وقال: يريدون أن يجعلونا جسرا يمرون علينا على جهنم فمن سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها أو من كلف الفتوى بها وذلك طريقة السلف. وقال ابن مسعود: الذي يفتي عن كل ما يستفتى عنه مجنون. قال الماوردي: فليس لمن تكلف ما لا يحسن غاية ينتهي إليها ولا له حد يقف عنده ومن كان تكلفه غير محدود فأخلق به أن يضل ويضل وقال الحكماء: من العلم أن لا تتكلم فيما لا تعلم بكلام من يعلم فحسبك خجلا من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم وإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم من سبيل فلا عار أن تجهل بعضه وإذا لم يكن في جهل بعضه عار فلا تستحي أن تقول لا أعلم فيما لا تعلم وقال ابن أبي ليلى: أدركت مئة وعشرين صحابيا وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول قال حجة الإسلام فانظر كيف انعكس الحال صار المرهوب منه مطلوبا والمطلوب مرهوبا؟ وبما تقرر علم أنه يحرم على المفتي التساهل وعليه التثبت في جوابه ولو ظاهرا فلا يطلق في محل التفصيل فهو خطأ وإذا سئل عن قائل ما يحتمل وجوها كثيرة فلا يطلق بل يقول إن أراد كذا فكذا وينبغي أن لا يفتي مع وجود شاغل لفكره كالقضاء (الدارمي) عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي في سنده المشهور له بالترجيح المستحق لأن يسمى بالصحيح. قال الحافظ ابن حجر: مسند الدارمي ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير (عن عبد الله) بالتصغير (ابن أبي جعفر مرسلا) هو أبو بكر المصري الفقيه أحد الأعلام والأئمة الكبار الحديث: 183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 184 - (اجعل) بكسر فسكون يا بلال إذ الخطاب له كما جاء مصرحا به في رواية البيهقي وغيره (بين أذانك وإقامتك) للصلاة (نفسا) بفتح الفاء أي ساعة قال الزمخشري: تقول أنت في نفس من أمرك أي في سعة وتنفس الصبح وتنفس النهار طال (حتى) أي إلى أن (يقضي) أي يتم (المتوضئ) يعني المتطهر أي الشارع في الطهر (حاجته) ويأتي بالشروط والفروض والسنن (في مهل) بفتح أوليه بضبط المؤلف يعني بتؤدة وسكينة إذا اتسع الوقت (و) حتى (يفرغ الآكل) بالمد وكسر الكاف (من) أكل (طعامه في مهل) بأن يشبع فيندب للمؤذن أن يفصل عند اتساع الوقت بين الأذان والإقامة بقدر فعل المذكورات وقدر السنة والاجتماع وهذا الحديث وإن كان واهي الإسناد له شواهد منها حديث الترمذي عن جابر رفعه اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ومنها حديث أبي هريرة وغيره قال في الفتح وكلها واهية وقد أشار البخاري إلى أن التقدير بذلك لا يثبت قال ابن بطال: لاحد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين (عم) فيما زاد على المسند من غير أبيه من حديث أبي الجوزاء (عن أبي) بن كعب قال الهيتمي: وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الأذان) والإقامة (عن سلمان) الفارسي هو عبد الله أبو عثمان الهندي مات بالمدائن وعمره قيل ثلاث مئة وخمسين سنة والأكثر على مائتين وخمسين سنة كما في الكاشف (وعن أبي هريرة) معا قال الترمذي في إسناده مجهول وقال الحاكم ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد انتهى قال الذهبي عمرو هذا قال الدارقطني متروك وقال ابن عبد الهادي اتهمه المديني وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة وحصر الحاكم منعه الحافظ العراقي بأن فيه أيضا عبد المنعم الرياحي منكر الحديث كما قال البخاري وغيره انتهى وبذلك كله يعلم ما في تحسين المؤلف له إلا أن يريد أنه حسن لغيره الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 185 - (اجعلوا) من الجعل كما قال الحراني وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير (آخر صلاتكم بالليل) يعني [ص: 160] تهجدكم فيه (وترا) بالكسر والفتح وهو الفرد ما لم يشفع من العدد والمراد صلاة الوتر وذلك لأن أول صلاة الليل المغرب وهي وتر فناسب كون آخرها وترا والأمر للوجوب عند أبي حنيفة وللندب عند الشافعي بدليل ذكر صلاة الليل فإنها غير واجبة اتفاقا فكذا آخرها وخبر من لم يوتر فليس منا معناه غير عامل بسنتنا وفيه الأمر بجعل صلاة الوتر آخر الليل فتأخيره إلى آخره أفضل لمن وثق بانتباهه آخر الليل وتقديمه لغيره أفضل كما يصرح به خبر مسلم " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة " أي تشهدها ملائكة الرحمة وعلى التفصيل تحمل الأحاديث المطلقة كخبر أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر (ق د) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيعه أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الثلاثة والأمر بخلافه فإن النسائي رواه معهم الحديث: 185 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 186 - (اجعلوا) ندبا (أئمتكم) أي الذين يؤمون بكم في الصلاة (خياركم) أي قدموا للإمامة أفضلكم بالصفات المبينة في كتب الفروع (فإنهم) أي الأئمة وفي لفظ فإنها (وفدكم) بفتح الواو وسكون الفاء أي متقدموكم المتوسطون (فيما بينكم وبين ربكم) وكلما علت درجة المتوسط كان أرجى للقبول وأقرب إلى إفاضة الرحمة وإدرار البر على المقتدين به والوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقى العظماء لقضاء المهمات ودفع الملمات وذلك أن الإمام خليفة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ هو الواسطة الأفخم والقائد الأعظم والإمام المقدم يوم القيامة فكذا هو إمامهم في وفادتهم في الدنيا في صلاتهم فالإمامة بعده للأقرب فالأقرب منه منزلة والأمثل فالأمثل به مرتبة وأجل مراتب العباد وأعلى منازلهم المعرفة بالله والخلق فيها صنفان عارف في ذات الله وهو مقام الرسل والأنبياء وواصلي الأولياء وعارف بصفات الله وهو مقام خيار المؤمنين فهم أحق بالتقدم بالإمامة فيقدم ندبا في الإمامة العدل على الفاسق ثم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسبق إسلاما ثم الأسن ثم النسيب ثم الأحسن ذكرا ثم الأنظف ثوبا ثم الأحسن صوتا ثم الأحسن صورة ذكره الشافعية (قط هق) وضعفه كما في الكبير عنه كلاهما من حديث سعيد بن جبير (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الدارقطني بأن فيه عمرو بن يزيد قاضي المدائن وسلام بن سليمان بن سوار بن المنذر قال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه انتهى قال الذهبي في المهذب إسناده ضعيف وفي التنقيح سنده مظلم أه وسبقه لنحوه عبد الحق وابن القطان وغيرهما الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 187 - (اجعلوا من صلاتكم) أي بعضها قال الطيبي: من تبعيضية وهو مفعول أول ل اجعلوا والثاني (في بيوتكم) أي اجعلوا بعض صلاتكم التي هي النفل مؤداة في بيوتكم فقدم الثاني للاهتمام بشأن البيوت إذ من حقها أن يجعل لها نصيب من الطاعات انتهى وقيل من زائدة كأنه قال اجعلوا صلاتكم النفل في بيوتكم لتعود بركتها على البيت وأهله ولتنزل الرحمة فيها والملائكة ويكثر خيرها ويفر منها الشيطان فالنفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو الحرام إلا ما سن جماعة وركعتا الطواف والإحرام وسنة الجمعة القبلية وقيل أراد بالصلاة الفرض ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من نحو امرأة ومريض والجمهور على الأول لقوله في حديث مسلم إذا قضى أحدكم الصلاة في المسجد فليجعل لبيته نصيبا من صلاته (ولا تتخذوها قبورا) أي كالبور مهجورة من الصلاة شبه البيوت التي لا يصلى فيها بالقبور التي لا يمكن الموتى التعبد فيها (حم ق د) وكذا ابن ماجه كلهم في الصلاة (عن ابن عمر) ابن الخطاب (ع والروياتي) محمد بن هارون الحافظ وليس بالفقيه الشافعي (والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن) أبي [ص: 161] عبد الرحمن (زيد بن خالد) الجهني بضم الجيم وفتح الهاء وكسر النون صحابي مشهور وكان معه لواء جهينة يوم الفتح (ومحمد ابن نصر) الفقيه الكبير أحد رفعاء الشافعية وعظمائهم (في) كتاب (الصلاة) وهو مؤلف مستقل حافل (عن عائشة) الصديقة رضي الله عنها ومع وجود الحديث في الصحيحين لا حاجة لعزوه لغيرهما اللهم إلا أن يكن قصده إثبات تواتره الحديث: 187 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 188 - (اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا) أي وقاية (من الحلال) وهو واحد الستور قال الزمخشري: من المجاز رجل مستور وهتك الله ستره اطلع على مساويه وفلان لا يستتر من الله بستر أي لا يتقي الله فإن (من فعل ذلك) أي جعل بينه وبين الحرام سترا فقد (استبرأ) بالهمز وقد تخفف طلب البراءة (لعرضه) بصونه عما يشينه ويعيبه وفي المختار الاستبراء عبارة عن التبصر والتعرف احتياطا (ودينه) عن الذم الشرعي والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان كما قاله بعض الأعيان قال الزمخشري: تقول اعترض فلان عرضي إذا وقع فيه وتنقصه ومن زعم كالشهاب ابن حجر الهيتمي أن المراد هنا الحسب وما يعده الإنسان من مفاخره ومفاخر آبائه فكأنه نقله من لغة غير ناظر إلى ما يلائم السياق في هذا المحل بخصوصه ومقصود الحديث أن الحلال إذا خيف أن يتولد من فعله خور شرعي في نفسه أو أهله أو سلفه تعين تجنبه ليسلم من الذم والعيب والعذاب ويدخل في زمرة المتقين (ومن أرتع فيه) أي أكل ما شاء وتبسط في المطاعم والملابس كيفما أحب يقال رتعت الماشية أكلت ما شاءت قال الزمخشري: من المجاز رتع القوم أكلوا ما شاءوا في رغد وسعة (كان كالمرتع) بضم الميم وكسر التاء (إلى جنب الحمى) أي جانبه من إطلاق المصدر على المفعول أي المحمي وهو الذي لا يقربه أحد احتراما لمالكه. قال الراغب: وأصل الجنب الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعمال سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال. وقال الزمخشري: حميت المكان منعته أن يقرب فإذا امتنع وعز قلت أحميته أي صيرته حمى فلا يكون حمىإلا بعد الحماية ومن المجاز حميته أن يفعل كذا إذا منعته (يوشك) بضم المثناة تحت وكسر المعجمة مضارع أوشك بفتحها وهو من أفعال المقاربة وقد وضع لدنو الخبر مثل كاد وعسى في الاستعمال فيجوز أوشك زيد يجيء وأوشك أن يجيء زيد على الأوجه الثلاثة معناه هنا يسرع أو يقرب (أن يقع) بفتح القاف فيه وفي ماضيه (فيه) أي تأكل ماشيته منه فيعاقب والوقوع في شيء السقوط فيه وكل سقوط شديد يعبر عنه به فكما أن الراعي الخائف من عقوبة السلطان يبعد لاستلزام القرب الوقوع المترتب عليه العقاب فكذا حمى الله أي محارمه التي حظرها لا ينبغي قرب حماها ليسلم من ورطتها ومن ثم قال الله تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} فنهى عن المقاربة حذرا من المواقعة إذ القرب من الشيء يورث داعية وميلا يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى الشرع وقد حرمت أشياء كثيرة لا مفسدة فيها لكونها تجر إليها (وإن لكل ملك) من ملوك العرب (حمى) يحميه عن الناس فلا يقربه أحد خوفا من سطوته كان الواحد من أشرفهم إذا أراد أن يترك لقومه مرعى استعوى كلبا فما بلغه صوته من كل جهة حظره على غيره (وإن حمى الله في الأرض) في رواية في أرضه (محارمه) معاصيه كما في رواية أبي داود من دخل حماه بارتكاب شيء منها استحق العقوبة ومن قارب يوشك أن يقع فيه فالمحتاط لنفسه ولدينه لا يقاربه ولا يفعل ما يقربه منه وهذا السياق من المصطفى صلى الله عليه وسلم إقامة برهان عظيم على تجنب الشبهات (حم طب عن النعمان بن بشير) لم يرمز المصنف له بشيء وسها من زعم أنه رمز لحسنه. قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني المقدام بن داود وقد وثق على ضعف فيه الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 [ص: 162] 189 - (اجعلوا بينكم وبين النار حجابا) أي سترا وحاجزا فتنكير الحجاب للتعظيم (ولو بشق تمرة) أي بشطر منها والحجاب جسم حائل بين شيئين وقد استعمل في المعاني فيقال العجز حجاب بين العبد وقصده والمعصية حجاب بينه وبين ربه وفيه حث على الصدقة وهي سنة كل يوم ولو بما قل كبعض تمرة أو الماء ويتأكد لمن يخص وقتا بالصدقة أن يتحرى الأوقات والأزمان الشريفة والأماكن الفاضلة ويتأكد أن يكون التصدق بطيب قلب وبشاشة وأن يكون من الحلال الصرف فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وذلك هو الذي يكون وقاية من النار (طب عن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة (ابن عبيد) مصغرا شهد أحدا والحديبية وولي قضاء دمشق رمز المؤلف لحسنه وليس على ما ينبغي فقد أعله الهيتمي وغيره بابن لهيعة لكن يعضده ما رواه أحمد من حديث عائشة قال في الفتح بإسناد حسن يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة لأنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان وكان الجامع بينهما في ذلك حلاوتها الحديث: 189 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 190 - (أجلوا) بالجيم وتشديد اللام (الله) المستوجب لجميع صفات الجلال والكمال أي عظموه باللسان والجنان والأركان أو اعتقدوا جلالته وعظمته وأظهروا صفاته الجلالية والجمالية والكمالية وتخلقوا بها بحسب الإمكان ومن قال معناه قولوا يا ذا الجلال فقد قصر حيث قصر وروي بحاء مهملة أي أسلموا هكذا في مسند أحمد عن ابن ثوبان يعني أخرجوا من حظر الشرك إلى حل الإسلام وسعته من قولهم حل الرجل إذا خرج من الحرم إلى الحل فإنكم إن فعلتم ذلك (يغفر لكم) ذنوبكم وحذف المفعول إيذانا بالعموم ومن إجلاله أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر كيف وهو يرى ويسمع ومن قام بقلبه مشهد الإجلال ومن أهل الكمال (حم ع طب) وكذا في الأوسط والحاكم في الكنى وأبو نعيم (عن أبي الدرداء) قالالحافظ الهيتمي فيه أبو العذراء مجهول وبقية رجال أحمد وثقوا وزعم ابن الأثير أنه موقوف الحديث: 190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 191 - (أجملوا) بهمزة قطع مفتوحة فجيم ساكنة فميم مكسورة (في طلب الدنيا) أي اطلبوا الرزق طلبا جميلا بأن ترفقوا أي تحسنوا السعي في نصيبكم منها بلا كد وتعب ولا تكالب وإشفاق. قال الزمخشري: أجمل في الطلب إذا لم يحرص والدنيا ما دنا من النفس من منافعها وملاذها وجاهها عاجلا فلم يحرم الطلب بالكلية لموضع الحاجة بل أمر بالإجمال فيه وهو كان جميلا في الشرع محمودا في العرف فيطلب من جهة حله ما أمكن. ومن إجماله اعتماد الجهة التي هيأها الله ويسرها له ويسره لها فيقنع بها ولا يتعداها ومنه أن لا يطلب بحرص وقلق وشره ووله حتى لا ينسى ذكر ربه ولا يتورط في شبهة فيدخل فيمن أثنى الله تعالى عليهم بقوله تعالى {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} الآية ثم بين وجه الأمر بذلك بقوله (فإن كلا) أي كل أحد من الخلق (ميسر) كمعظم أي مهيأ مصروف (لما كتب) قدر (له منها) يعني الرزق المقدر له سيأتيه ولا بد فإن الله تعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه الأزلي وإن كان يقع ذلك بتبديل في اللوح أو الصحف بحسب تعليق بشرط وقال أجملوا وما قال اتركوا إشارة إلى أن الإنسان وإن علم أن رزقه المقدر له لا بد له منه لكن لا يترك السعي رأسا فإن من عوائد الله تعالى في خلقه تعلق الأحكام بالأسباب وترتيب الحوادث على العلل وهذه سنته في خلقه مطردة وحكمته في ملكه مستمرة وهو وإن كان قادرا على إيجاد الأشياء اختراعا وابتداعا لا بتقديم سبب وسبق علة بأن يشبع الإنسان بلا أكل ويرويه بغير شرب وينشئ الخلق بدون جماع لكنه أجرى حكمته بأن الشبع والري والولد يحصل عقب الطعم والشرب والجماع فلذا قال أجملوا إيذانا بأنه وإن كان هو الرزاق لكنه قدر حصوله بنحو سعي رفيق وحالة كسب من الطلب جميلة فجمع [ص: 163] هذا الخبر بالنظر إلى السبب والمسبب له وذلك هو الله والرزق والعبد والسعي وجمع بين المسبب والسبب لئلا يتكل من تلبس بأهل التوكل وليس منهما فيهلك بتأخر الرزق فربما أوقعه في الكفر ولئلا ينسب الرزق لسعيه فيقع في الشرك فقرن في الخطاب بين تعريف اعتلاق الأشياء بالمسبب اعتلاقا أصليا واعتلاقها بالسبب اعتلاقا شرعيا ليستكمل العبد حالة الصلاح مستمرة وتثبت له قضية الفلاح مستقرة وقد عرف مما سبق أن من اجتهد في طلب الدنيا وتهافت عليها شغل نفسه بما لا يجدي وأتعبها فيما لا يغني ولا يأتيه إلا المقدور فهو فقير وإن ملك الدنيا بأسرها فالواجب على المتأدب بآداب الله تعالى أن يكل أمره إلى الله تعالى ويسلم له ولا يتعدى طوره ولا يتجرأ على ربه ويترك التكلف فإنه ربما كان خذلانا ويترك التدبير فإنه قد يكون هوانا: والمرء يرزق لا من حيث حيلته. . . ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي وقال بزرجمهر: وكل الله تعالى الحرمان بالعقل والرزق بالجهل ليعلم أنه لو كان الرزق بالحيل لكان العاقل أعلم بوجوه مطلبه والاحتيال لكسبه. التقى ملكان فتساءلا فقال أحدهما أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي وقال الآخر أمرت باهراق زيت اشتهاه فلان العابد (هـ ك طب هق عن أبي حميد) عبد الرحمن بن المنذر (الساعدي) بكسر العين المهملة قال ك على شرطهما وأقره الذهبي لكن فيه هشام بن عمار أورده هنا أعني الذهبي في ذيل الضعفاء وقال أبو حاتم صدوق تغير فكان كلما لقن تلقن. وقال أبو داود حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وإسماعيل ابن عياش أورده في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي وعمارة بن غذية أورده في الذيل أيضا وقال ثقة ضعفه ابن حزم الحديث: 191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 192 - (أجوع الناس طالب علم وأشبعهم الذي لا يبتغيه) أي طالب العلم المتلذذ بفهمه لا يزال يطلب ما يزيد التذاذه فكلما طلب ازداد لذة فهو يطلب نهاية اللذة ولا نهاية لها فهو يشارك غيره في الجوع غير أن ذلك الغير له نهاية وهذا لا نهاية له فلذلك كان أجوع. قال الامام الرازي: واللذة إدراك الملائم والملائم للقوة الحساسة إدراك المحسوسات والقوة العقلية إدراك المعقولات التي هي العلوم والمعارف وإدراك القوى العاقلة أقوى من إدراك القوى الحساسة وكلما كان الإدراك أقوى والمدرك أشرف كانت اللذة الحاصلة بذلك الإدراك أشرف وأقوى وكانت النفوس الفاضلة عليها أحرص وإليها أشوق وأصل الجوع كما قال الحراني غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس حتى يترامى لأجله فيما لا يتأمل عاقبته فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الفرث وقيل الجوع فراغ الجسم عما به قوامه وقيل الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة عن الطعام وكيفما كان فاستعماله في العلم مجاز. قال الزمخشري: ومن المجاز جاع وشاحها للحصان وفلان جائع القدر وإني لأجوع إلى أهلي وأعطش وأنك جائع إلى فلان وإنما كان أشبعهم الذي لا يبتغيه لغلبة الطبع البهيمي عليه واشتغاله باللذات الحسية التي تشاركه فيها البهائم وعدم إدراكه اللذات العقلية بالكلية (أبو نعيم في كتاب العلم فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال في الكبير وضعف وذلك لأن فيه الجارود عن الحسن بن الفضل وأورد الذهبي الحسن هذا في الضعفاء وقال مزقوا حديثه وفي الميزان حرقوا حديثه وفي اللسان قال ابن حزم مجهول وابن البيلماني ضعفه الدارقطني وغيره الحديث: 192 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 193 - (أجيبوا هذه الدعوة) أي دعوة وليمة العرس إذ هي المعهودة عندهم فقوله هذه أي التي تعرفونها وتتبادر الأذهان إليها (إذا دعيتم لها) وتوفرت شروط الإجابة وهي نحو عشرين منها عموم الدعوة وكون الداعي حرا رشيدا مكلفا مسلما على الأصح وأن يخص باليوم الأول على المشهور وأن لا يسبق والأقدم السابق وأن لا يكون ثم من يتأذى بحضوره من منكر وعدو وغيرهما وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص في ترك الجماعة أما الدعوة [ص: 164] لغير وليمة عرس فستجيء وقد نقل النووي كابن عبد البر الإجماع على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس عند توفر الشروط (ق عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وتتمته كما في البخاري وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغيره وهو صائم الحديث: 193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 194 - (أجيبوا الداعي) الذي يدعوكم إلى وليمة وجوبا إن كانت لعرس وتوفرت الشروط كما مر وندبا إن كانت لغيره مما يندب أن يولم له وهذا بناء على جواز استعمال اللفظ في الإيجاب والندب معا ولا مانع منه عند الشافعي وحمله غيره على عموم المجاز ذكره الكرماني. قال ابن حجر: ويحتمل أنه وإن كان عاما فالمراد به خاص وأما ندب إجابة غير العرس فمن دليل آخر (ولا تردوا) ندبا (الهدية) فإنها وصلة إلى التحابب نعم يحرم قبولها على القاضي كما في خبر آخر أي ممن له حكومة ولو متوقعة ولم تعهد منه قبل ولايته وهو في محل ولايته ويكره لكل أحد قبولها من الأراذل والأخلاط الذين الباعث لهم عليها طلب الاستكثار كما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار وهي لغة ما أتحف به وشرعا تمليك ما يحمل أي يبعث غالبا بلا عوض (ولا تضربوا المسلمين) في غير حد أو تأديب بل تلطفوا معهم بالقول والفعل وقد عاش المصطفى صلى الله عليه وسلم ما عاش وما ضرب بيده خادما ولا عبدا ولا أمة فالعفو أقرب للتقوى فضرب المسلم حرام بل كبيرة والتعبير بالمسلم غالبي فمن له ذمة أو عهد معتبر يحرم ضربه تعديا (حم خد طب هب عن ابن مسعود) عبد الله قال الحافظ الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكان حق المؤلف الرمز لصحته ولا يقتصر على تحسينه الحديث: 194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 195 - (أجيفوا) بفتح الهمزة وكسر الجيم ردوا وأغلقوا يقال جفأت الباب غلقته قاله الفراء ونوزع بأن أجيفوا لامه فاء وجفأت لامه همزة (أبوابكم) مع ذكر الله تعالى (وأكفؤا) قال عياض رويناه بقطع الألف المفتوحة وكسر الفاء رباعي وبوصلها وفتح الفاء وهما فصيحتان (آنيتكم) اقلبوها ولا تتركوها للعق الشيطان ولحس الهوام قال الزمخشري: كفأ الإناء قلبه على فمه واستكفأته طلبت منه أن يكفئ ما في إنائه (وأوكؤا) بكسر الكاف ثم همزة اربطوا (أسقيتكم) جمع سقاء ككساء ظرف الماء من جلد يعني شدوا فم القربة بنحو خيط واذكروا اسم الله تعالى (وأطفؤا) بهمزة وصل أمر من الإطفاء (سرجكم) أي اذهبوا نورها جمع سراج ككتاب يعني اطفؤا النار من بيوتكم عند النوم وهذا وإن كان مطلوبا في الأوقات كلها لكنه في الليل آكد لأن النهار عليه حافظ من العيون بخلاف الليل حتى فتيلة السراج (فإنهم) يعني الشياطين ولم يذكروا استهجانا لذكرهم ومبالغة في تحقيرهم وذمهم (لم يؤذن لهم) ببناء يؤذن للمفعول والفاعل الله (بالتسور) أي التسلق (عليكم) أي لم يجعل الله تعالى لهم قدرة على ذلك أي إذا ذكر اسم الله تعالى عند كل ما ذكر لخبر أبي داود واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا قال ابن العربي: وهذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا الموحد وهو أن الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة ويتولج في المسام الضيقة فيعجز عن ذلك والأمر للإرشاد على ما قاله النووي وقال غيره للندب وقال ابن دقيق العبد والخبر يدل على منع دخول الشيطان الخارج لا الداخل قال واستنبط منه مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في الأبواب مجازا (حم) وكذا أبو يعلى (عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ورمز المؤلف لحسنه غير حسن بل حقه الرمز لصحته الحديث: 195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 196 - (أحب الأعمال إلى الله) أي أكثرها ثوابا عند الله تعالى (الصلاة لوقتها) اللام لاستقبال الوقت [ص: 165] أو بمعنى في لأن الوقت ظرف لها على وزان {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي فيه وفي رواية للبخاري على وقتها وعلى فيها بمعنى ما ذكر أو للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه وفي رواية للحاكم في أول وقتها قال في المجموع وهي ضعيفة قال في الفتح لكن لها طرق أخرى وأخذ منه ابن بطال كغيره أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل لاشتراطه في كونها أحب إقامتها أوله وقول ابن دقيق العيد ليس في اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا بل القصد التحرز عن إخراجها عن وقتها منع بأن إخراجها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الندب واعترض (ثم بر الوالدين) أي الإحسان إليها وامتثال أمرهما الذي لا يخالف الشرع ومن برهما بر صديقهما ولو بعد موتهما والبر التوسع في الخير من البر وهو الفضاء الواسع والوالدين تثنية والد من الولادة لاستبقاء ما يتوقع زواله بظهور صورة منه بخلق صورة نوعه ذكره الحراني والمراد بهما هنا من له ولادة من الطرفين وإن علا يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج وعقب الصلاة بالبر اقتداء بقوله تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} الآية ولأن الصلاة أعظم الوصل بين العبد وربه وبر الوالدين أعظم الوصل بين العبد والخلق فأولى الأعظم للأعظم (ثم الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الجبار وإظهار شعر دينه والجمع بين هذا وأخبار إطعام الطعام خير أعمال الإسلام وأحب الأعمال إلى الله أدومها وغير ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كلا بما يوافقه ويصلحه أو بحسب الوقت أو الحال وقد تعارضت النصوص في تفضيل الصلاة على الصدقة والذي عليه الجمهور أن الصلاة أفضل لكن قد يعرض حال يقتضي مواساة مضطر فتكون الصدقة أفضل وقس عليه قال في المطامح وأخر الجهاد مع أن فيه بذل النفس لأن الصبر على أداء الصلاة أول وقتها وعلى ملازمة برهما أمر متكرر دائم بدوام الأنفاس ولا يصبر على مراقبة أمر الله تعالى فيه إلا الصديقون أو لأن فضل الجهاد يكاد يكون بديهيا إذ لا تنتظم العبادات والعادات إلا به فلما استقل بمنزلته وعرف بدرجته اهتم الشارع ببيان ما قد يخفى من شأن غيره تحقيقا لمراتب الأعمال والعبادات وترغيبا في الجد في الطاعات ثم معنى المحبة من الله تعالى تعلق الإرادة بالثواب ومن غيره غليان دم القلب وثورانه عند هيجانه إلى لقاء محبوبه أو الميل الدائم بالقلب الهائم أو إيثار المحبوب على جميع المصحوب أو سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون أو ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه إذا زاد <تنبيه> إن قيل ما الحكمة في تعبيره بالأعمال دون الأفعال؟ قلنا وجهه أن الفعل عام يقال لما كان بإجادة وغيرها وما كان بعلم وغيره وبقصد وغيره ومن الإنسان وغيره كالحيوان والجماد والعمل لا يقال إلا لما كان بإجادة وتعلم وبقصد من الآدمي كما ذكره الراغب وقال بعضهم: العمل مقلوب عن العلم فإن العلم فعل القلب والعمل فعل الجارحة وهو يبرز عن فعل القلب الذي هو العلم وينقلب منه (حم ق د ن هـ) كلهم (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره الحديث: 196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 197 - (أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله فإلى بمعنى عند وقيل للتبيين لأن إلى المتعلقة بما يفهم حبا أو بغضا من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين كما ذكره ابن مالك وابن هشام (أدومها) أي أكثرها ثوابا أكثرها تتابعا ومواظبة ولفظ رواية مسلم ما دووم عليه كذا هو في أكثر أصوله بواوين وفي بعضها بواو واحدة والصواب الأول. قال الكرماني: وأدوم أفعل تفضيل من الدوام وهو شمول جميع الأزمنة على التأبيد فإن قيل شمول جميع الأزمنة لا يقبل التفضيل فما معنى الأدوم؟ قلت: المراد بالدوام العرفي وهو قابل للكثرة أو القلة (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه جدا لأن النفس تألفه فيدوم بسببه الإقبال على الحق تقدس ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل ولأن المواظب ملازم للخدمة وليس من لازم الباب كمن جد ثم انقطع عن الأعتاب ولهذا قال بعض الأنجاب: " ولا تقطع [ص: 166] الخدمة وإن ظهر لك عدم القبول وكفى بك شرفا أن يقيمك في خدمته " ولا أن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد ولذلك شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد وفيه فضيلة الدوام على العمل ورأفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة لأن النفس فيه أنشط وبه يحصل مقصود العمل وهو الحضور هذا عصارة ما قيل في توجيه الدوام في هذا المقام وأقول يحتمل أن يكون المراد بالدوام الترفق بالنفس وتدريبها في التعبد لئلا تضجر فيكون من قبيل إن لجسدك عليك حقا يقال استدمت الأمر ترفقت به وتمهلت واستدمت غريمي رفقت به (ق عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أحمد بلفظ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل والله أعلم الحديث: 197 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 198 - (أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك) أي والحال أن لسانك (رطب من ذكر الله) يعني أن تلازم الذكر حتى يحضرك الموت وأنت ذاكر فإن للذكر فوائد جليلة وعوائد جزيلة وتأثيرا عجيبا في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضد ذلك. قال الطيبي: ورطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده ثم إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن إدامة الذكر قبل ذلك فكأنه قيل أحب الأعمال إلى الله تعالى مداومة الذكر فهو من أسلوب قوله تعالى {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} انتهى وقال بعض الصوفية أراد بالرطب عدم الغفلة فإن القلب إذا غفل يبس اللسان. قال الزمخشري: ومن المجاز رطب لساني بذكرك وأصل الرطوبة كما قال ابن سينا كيفية تقتضي سهولة التفرق والإتصال والتشكل وضدها اليبوسة والبلة الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل انتهى وفي الحديث حث على الذكر حيث علق به حكم الأحبية وكل مؤمن يرغب في ذلك كمال الرغبة ليفوز بهذه المحبة فتتأكد مداومة ذكر الله تعالى في جميع الاحوال لكن يستثنى من الذكر القرآن حال الجنابة بقصده فإنه حرام ويستثنى من عمومه أيضا المجامع وقاضي الحاجة فيكره لهما الذكر اللساني أما القلبي فمستحب على كل حال (حب وابن السني في عمل يوم وليلة طب هب عن معاذ) بن جبل قال: آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت إلى آخره قال الهيتمي بعد ماعزاه للطبراني: فيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ضعفه جمع ووثقه أبو زرعة وبقية رجاله ثقات والمؤلف رمز لصحته تبعا لابن حبان الحديث: 198 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 199 - (أحب الأعمال) التي يفعلها أحدكم مع غيره (إلى الله من) أي عمل إنسان (أطعم) محترما (مسكينا) أي مضطرا إلى الطعام (من جوع) قدمه على ما بعده لأنه سبب لحفظ حرمة الروح (أو دفع عنه مغرما) أي دينا بأداء أو ابراء أو إنظار إلى ميسرة والمراد ما استدانه فيما يحل أو ألزم به ولم يلزم به ولم يلزمه وعطف عليه عطف عام على خاص قوله (أو كشف عنه كربا) غما أو شدة أي أزاله عنه والكرب كما في الصحاح الغم الذي يأخذ بالنفس <فائدة> قال الفخر الرازي: جاءت امرأة إلى بعض أكابر الصوفية بزيت وقالت: أسرجه في المسجد فقال: أيما أحب إليك نور يصعد إلى السقف أو نور يصعد إلى العرش؟ قالت: بل إلى العرش قال: إذا صب في القنديل صعد نوره إلى السقف وإذا صب في طعام فقير جائع صعد النور إلى العرش ثم أطعمه الفقراء (طب عن الحكم بن عمير) فيه سليمان بن سلمة الجنائز وهو ضعيف انتهى ولكن له شواهد الحديث: 199 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 [ص: 167] 200 - (أحب الأعمال إلى الله بعد أداء الفرائض) أي بعد أداء الفرائض العينية من صلاة وزكاة وصوم وحج (إدخال السرور) أي الفرح (على المسلم) بأن تفعل ما يسره من تبشيره بحدوث نعمة أو اندفاع نقمة أو كشف غمة أو إغائة لهفة أو نحو ذلك من أنواع المسرة. قال الزمخشري: والسرور لذة القلب عند حصول نفع أو توقعه وأما الفرائض فليس شيء أحب إلى الله من أدائها مع أنها لا تنفعه ولا تضره وإنما أوجبها علينا لمصلحتنا ولسنا نقول كما قال من عدل به عن طريق الهدى أنه يجب على الله رعاية مصالح عباده بل إن هذا عادة الحق وشرعته (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) لم يرمز المصنف له بشيء قال الهيتمي: فيه إسماعيل بن عمر البجلي وثقه ابن حبان وضعفه غيره انتهى وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف الحديث: 200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 201 - (أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان) أي صيانته عن النطق بما نهى عنه من نحو كذب وغيبة ونميمة وغيرها واللسان إذا لم يحفظ أفسد القلب وبفساده يفسد البدن كله ولهذا قيل في صحف إبراهيم على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل نطقه إلا بما يعنيه. قال الراغب: والحفظ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم وتارة لضبط الشيء في النفس ويضاده النسيان وتارة لاستعمال تلك القوة ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد انتهى (هب عن أبي جحيفة) بضم الجيم السوائي وهب بن عبد الله ويقال وهب بن وهب الحديث: 201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 202 - (أحب الأعمال) وفي رواية أفضل الأعمال وفي أخرى أفضل الإيمان ولا تعارض لأن الحب من متعلقات القلب فناسب الإيمان وهو عمل قلبي فناسب التعبير عنه بالعمل (إلى الله الحب في الله والبغض في الله) أي لأجله وبسببه لا لغرض آخر كميل أو إحسان ففي بمعنى اللام المعبر به في رواية. وقال العيني: في أصلها للظرفية لكنها هنا للسببية أي سبب طاعة الله ومعصيته كما في حديث في النفس المؤمنة مئة من الإبل ومنه قوله تعالى {فذلكن الذي لمتنني فيه} وإنما كان أحب الأعمال إلى الله لدلالته على كمال إيمان فاعله ففي خبر أبي داود عن أبي أمامة مرفوعا من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان فدل على أن من لم يحب لله ويبغض لله لم يستكمل الإيمان قال في الكشاف الحب في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان ومن لازم الحب في الله حب أنبيائه وأصفيائه ومن شرط محبتهم اقتفاء آثارهم وطاعة أمرهم قال ابن معاذ: وعلامة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء قال القاضي: المحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال فيه والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله وأن كلما يراه كمالا في نفسه أو غيره فهو من الله وإلى الله وبالله لم يكن حبه إلا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته فلذا فسرت المحبة بإرادة الطاعة واستلزمت اتباع رسوله انتهى. وقال ابن عطاء الله: الحب في الله يوجب الحب من الله وهنا مراتب أربع الحب لله والحب في الله والحب بالله والحب من الله فالحب لله ابتداء والحب من الله انتهاء والحب في الله وبالله واسطة بينهما والحب لله أن تؤثره ولا تؤثر عليه سواه والحب في الله أن تحب فيه من ولاه والحب بالله أن تحب العبد ما أحبه وما أحبه منقطعا عن نفسه وهواه والحب من الله أن يأخذك من كل شيء فلا تحب إلا إياه وعلامة الحب لله دوام ذكره والحب في الله أن تحب من لم يحسن إليك بدنيا من أهل الطاعات والحب بالله أن يكون باعث الحظ بنور الله مقهورا والحب من الله أن يجذبك إليه فيجعل ما سواه عنك مستورا (حم عن أبي ذر) قال ابن الجوزي حديث لا يصح ويزيد بن أبي زياد أحد رجاله قال ابن المبارك: ارم به وسوار العنبري قال فيه الثوري ليس بشيء انتهى وبه يعرف أن تحسين المصنف له ليس في محله الحديث: 202 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 [ص: 168] 203 - (أحب أهلي إلي فاطمة) الزهراء سميت به لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم عن النار كما في خبر ضعيف خلافا لمن وهم رواه النسائي والحافظ الدمشقي وغيرهما. قال في الفردوس: وهذا قاله حين سأله علي والعباس يا رسول الله أي أهلك أحب إليك؟ وحبه إياها كانت أحبية مطلقة وأما غيرها فعلى معنى من وحبه لها كان جبليا ودينيا لما لها من حموم المناقب والفضائل (ت ك عن أسامة) بضم الهمزة مخففا (ابن زيد) الكلبي مولى النبي صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه حسنه الترمذي وصححه الحاكم ورواه عنه أيضا الطيالسي والطبراني والديلمي وغيرهم الحديث: 203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 204 - (أحب أهل بيتي إلي) قيل هم هنا علي وفاطمة وابناها أصحاب الكساء وقيل مؤمنو بني هاشم والمطلب (الحسن والحسين) ومن قال بدخول الزوجات فمراده كما قال النووي إنهن من أهل بيته الذين يعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم وأما قرابته فهم من ينسب إلى جده الأقرب وهو عبد المطلب. قال الحراني: والبيت موضع المبيت المخصوص من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد (ت) وكذا أبو يعلى (عن أنس) وحسنه الترمذي وتبعه المصنف فرمز لحسنه وفيه يوسف بن إبراهيم التميمي أبو شيبة قال في الميزان قال ابن حبان يروى عن أنس أليس في حديثه لا تحل الرواية عنه وقال أبو حاتم ضعيف عنده عجائب وساق البخاري هذا في الضعفاء ثم قال يوسف أبو شيبة عنده عجائب الحديث: 204 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 205 - (أحب الناس إلي) من حلائلي الموجودين بالمدينة إذ ذاك (عائشة) على وزان خبر إن ابن الزبير أول مولود في الإسلام يعني بالمدينة والا فمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم لخديجة أمر معروف شهدت به الأخبار الصحاح ذكره الزين العراقي وأصله قول الكشاف يقال في الرجل أعلم الناس وأفضلهم يراد من في وقته وإنما كانت عائشة أحب إليه من زوجاته الموجودات حالتئذ لاتصافها بالفضل وحسن الشكل قال القرطبي: فيه جواز ذكر الأحب من النساء والرجال وأنه لا يعاب على من فعله إذا كان المقول له من أهل الخير والدين ويقصد بذلك مقاصد الصالحين وليقتدى به في ذلك فيحب من أحب فإن المرء مع من أحب. وإنما بدأ بذكر محبته عائشة لأنها محبة جبلية ودينية وغيرها دينية لا جبلية فسبق الأصل على الطارئ فقيل له ومن الرجال؟ قال (ومن الرجال أبوها) لسابقته في الإسلام ونصحه لله تعالى ورسوله وللإسلام وأهله وبذل ماله ونفسه في رضاهما ولا يعارض ذلك خبر الترمذي أحب أهلي إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد ثم علي وخبر أحمد وأبو داود والنسائي قال ابن حجر صحيح عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي الحديث لما تقرر أن جهات المحبة مختلفة فكأنه قال كل من هؤلاء أحب إلي من جهة مخصوصة لمعنى قام به وفضيلة تخصه (ق ت عن ابن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي الأمير المشهور أسلم سنة ثمان على الأصح وولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم عمان ثم ولاه عمر مصر ثم أقطعه معاوية وبها مات قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال: عائشة قلت: إني لست أعني النساء إني أعني الرجال قال: ومن الرجال أبوها (ت هـ) وكذا ابن حبان (عن أنس) بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال: عائشة قيل له: ليس عن أهلك نسألك فذكره وفي الباب عن عبد الله بن شقيق وغيره الحديث: 205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 206 - (أحب الأسماء) وفي رواية لمسلم إن أحب أسمائكم ومنه يعلم أن المراد أسماء الآدميين (إلى الله) أي أحب ما يسمى [ص: 169] به العبد إليه (عبد الله وعبد الرحمن) لأنه لم يقع في القرآن عبد إلى اسم من أسمائه تعالى غيرهما ولأنهما أصول الأسماء الحسنى من حيث المعنى فكان كل منهما يشتمل على الكل ولأنهما لم يسم الله بهما أحد غيره وأما:. . . وأنت غيث الورى لا زلت رحمنا. . . فمن تعنت الكفرة وذكر المصنف أن اسم عبد الله أشرف من عبد الرحمن فإنه تعالى ذكر الأول في حق الأنبياء والثاني في حق المؤمنين وأن التسمي بعبد الرحمن في حق الأمة أولى انتهى. وما ذكره لا يصفو عن كدر فقد قال بعض العلماء الشافعية التسمي بعبد الله أفضل مطلقا لأن البداءة به هنا فتقديمه على غيره يؤذن بمزيد الاهتمام وذهب إلى ذلك صاحب المطامح من المالكية فجزم بأن عبد الله أفضل وعلله بأن اسم الله هو قطب الأسماء وهو العلم الذي يرجع إليه جميع الأسماء ولا يرجع هو إلى شيء فلا اشتراك في التسمية به البتة والرحمة قد يتصف بها الخلق فعبد الله أخص في النسبة من عبد الرحمن فالتسمي به أفضل وأحب إلى الله مطلقا وزعم بعضهم أن هذه أحبية مخصوصة لأنهم كانوا يسمون عبد الدار وعبد العزى فكأنه قيل لهم أحب الأسماء المضافة إلى العبودية هذان لا مطلقا لأن أحبها إليه محمد وأحمد إذ لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل رد بأن المفضول قد يؤثر لحكمة وهي هنا الإيماء إلى حيازته مقام الحمد وموافقته للحميد من أسمائه تعالى على أن من أسمائه أيضا عبد الله كما في سورة الجن وإنما سمى ابنه إبراهيم لبيان جواز التسمي بأسماء الأنبياء وإحياء لاسم أبيه إبراهيم ومحبة فيه وطلبا لاستعمال اسمه وتكرره على لسانه وإعلانا لشرف الخليل وتذكيرا للأمة بمقامه الجليل ولذلك ذهب بعضهم إلى أن أفضل الأسماء بعد ذينك إبراهيم لكن قال ابن سبع أفضلها بعدهما محمد وأحمد ثم إبراهيم (م د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أيضا عن أنس وغيره الحديث: 206 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 207 - (أحب الأسماء) التي يسمى بها الإنسان (إلى الله ما تعبد له) بضمتين فتشديد بضبط المصنف لأنه ليس بين العبد وربه نسبة إلا العبودية فمن تسمى بها فقد عرف قدره ولم يتعد طوره وقال الأذرعي من أجلاء الشافعية ووقع في الفتاوى أن إنسانا سمى بعبد النبي فتوقفت فيه ثم ملت إلى أنه لا يحرم إذا قصد به التشريف بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعبر بالعبد عن الخادم ويحتمل المنع من ذلك خوف التشريك من الجهلة أو اعتقاد أو ظن حقيقة العبودية انتهى. وقال الدميري: التسمي بعبد النبي قيل يجوز إذا قصد به النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الأكثر إلى المنع خشية التشريك واعتقاد حقيقة العبودية كما لا تجوز التسمية بعبد الدار وقياسه تحريم عبد الكعبة (وأصدق الأسماء همام) كشداد من هم عزم (وحارث) كصاحب من الحرث وهو الكسب وذلك لمطابقة الاسم لمعناه إذ كل عبد متحرك بالإرادة والهم مبدأ الإرادة ويترتب على إرادته حرثه وكسبه فإذا لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما بخلاف غيرهما. قال في المطامح: وهذا تنبيه على معنى الاشتقاق ولهذا خص الحريري في مقاماته هذين الاسمين. وقال الطيبي: ذكر أولا أن أحب الأسماء ما تعبد له لأن فيه خضوعا واستكانة على ما سبق ثم نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها بحقها فلا يصدق عليه هذا الوصف فتنزل إلى قوله همام وحارث (الشيرازي في) كتاب (الألقاب طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي فيه محمد بن محصن العكاشي متروك انتهى. وقال في الفتح: في إسناده ضعف ولم يرمز المؤلف له هنا بشيء ووهم من زعم أنه رمز له بالضعف لكنه جزم بضعفه في الدرر الحديث: 207 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 208 - (أحب الأديان) جمع دين وقد سبق معناه والمراد هنا ملل الأنبياء والشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ وفي رواية للبخاري الدين بالإفراد فإن حمل على الجنس وافق ما هنا وإلا فالمراد أحب خصال الدين لأن خصالها كلها [ص: 170] محبوبة لكن ما كان منها سمحا أو سهلا فهو أحب إلى الله كما يشهد له خبر أحمد الآتي " خير دينكم أيسره " (إلى الله) دين (الحنيفية) المائلة عن الباطل إلى الحق أو المائلة عن دين اليهود والنصارى فهي المستقيمة والحنيفية ملة إبراهيم والحنيف لغة من كان على ملته. قال الله تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم} (السمحة) السهلة القابلة للاستقامة المنقادة إلى الله المسلمة أمرها إليه لا تتوجه إلى شيء من الكثافة والغلظة والجمود التي يلزم منها العصيان والسماجة والطغيان وأنث الخبر مع أن المبتدأ مذكر لأن الحنيفية غلبت عليها الاسمية فصارت علما وأن أفعل التفضيل المضاف لقصد الزيادة على من أضيف إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة ذكره الكرماني وقال بعض الصوفية: معنى الحنيفية التي تميل بالعبد إلى الله والأحنف الأميل وهو الذي تميل أصابع إحدى رجليه إلى الأخرى فكأنه قال أحب أوصاف أهله إليه أن يميل العبد بقلبه في سائر أحواله وبجوارحه إلى عبادته بحيث يعرض عما سواه ويكون معنى السماحة سهولة الانقياد إلى رب العباد فيما أمر ونهى فيصبر على مر القضاء وحلوه ويشكر فهذه أحب أوصاف أهل الدين إليه. وقال الحراني: أصل مادة حنف بكل ترتيب تدور على الخفة واللطافة ويلزم هذا المعنى الانتشار والضمور والميل فيلزمه الانقياد والاستقامة انتهى. واستنبط الشافعي من الحديث قاعدة أن المشقة تجلب التسيير وإذا ضاق الأمر اتسع (حم خد طب) كلهم عن علقمة وعلقه البخاري في الصحيح من حديث عكرمة (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري منكر الحديث. قال: قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله فذكره وقال شيخه العراقي فيه محمد بن إسحاق رواه بالعنعنة أي وهو يدلس عن الضعفاء فلا يحتاج إلا بما صرح فيه بالتحديث انتهى. قال العلائي: لكن له طرق لا ينزل عن درجة الحسن بانضمامها وقال ابن حجر في التخريج له شاهد مرسل في طبقات ابن سعد قال: وفي الباب عن أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وغيرهم وقال أعني ابن حجر في الفتح وفي المختصر إسناده حسن انتهى وبه يعرف أن رمز المؤلف لصحته غير جيد الحديث: 208 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 209 - (أحب البلاد) أي أحب أماكن البلاد ويمكن أن يراد بالبلد المأوى فلا تقدير (إلى الله مساجدها) لأنها بيوت الطاعة وأساس التقوى ومحل تنزلات الرحمة. قال الراغب: والبلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وتسمى المفازة بلدا لكونها محل الوحشيات والمقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) جمع سوق سميت به لأن البضائع تساق إليها وذلك لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض الفانية القاطعة عن الله تعالى وقال الطيبي: تسمية المساجد والأسواق بالبلاد خصوصا تلميح إلى قوله تعالى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} وذلك لأن زوار المساجد {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} وقصاد الأسواق شياطين الجن والإنس من الغفلة والحرص والشره وذلك لا يزيد إلا بعدا من الله ومن أوليائه ولا يورث إلا دنوا من الشيطان وأحزابه اللهم إلا من يغد إلى طلب الحلال الذي يصون به عرضه ودينه {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} وقال جمع: المراد بمحبة المساجد محبة ما يقع فيها من القرب وببغض الأسواق بغض ما يقع فيها من المعاصي مما غلب على أهلها من استيلاء الغفلة على قلوبهم وشغل حواسهم بما وضع لهم من التدبير فإليه ينظرون وإليه يطلبون والأسواق معدن النوال ومظان الأرزاق والأفضال وهي مملكة وضعها الله لأهل الدنيا يتداولون فيها ملك الأشياء لكن أهل الغفلة إذا دخلوها تعلقت قلوبهم بهذه الأسباب فاتخذوها دولا فصارت عليهم فتنة فكانت أبغض البقاع من هذه الجهة وإلا فالسوق رجمة من الله تعالى جعله معاشا لخلقه يذر عليهم أرزاقهم فيها من قطر وقطر لتوجد تلك الأشياء عند الحاجة ولو لم يكن ذلك لاحتاج كل منا إلى تعلم جميع الحرف والترحال إلى البلاد ليلا ونهارا. فوضع السوق نعمة وأهل الغفلة [ص: 171] صدوا عن هذه الرحمة ودنسوا نفوسهم بتعاطي الخطايا فيه فصارت عليهم نقمة وأما أهل اليقين فهم وإن دخلوها قلوبهم متعلقة بتدبير الله فسلموا من فتنها ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدخل السوق ويشتري ويبيع. قال الطيبي: وإنما قرن المساجد بالأسواق مع وجود ما هو شر منها من البقاع ليقابل بين معنى الالتهاء والاشتغال وأن الأمر الديني يدفعه الأمر الدنيوي (م) في الصلاة (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان وابن زنجويه (حم ك عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين ولم يخرجه البخاري الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 210 - (أحب الجهاد إلى الله كلمة حق) أي موافق للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا ذكره الراغب وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها (تقال لإمام) سلطان (جائر) ظالم لأن من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك واستيقنه فهو أفضل والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا فلا حاجة لتقدير من (حم طب عن أبي أمامة) قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة وقد وضع رجله في الغرز فقال: أي الجهاد أفضل يا رسول الله فسكت ثم ذكره رمز المصنف لحسنه ورواه النسائي عن جابر بلفظ أفضل وإسناده صحيح الحديث: 210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 211 - (أحب الحديث إلي) بتشديد الياء بضبط المؤلف هكذا رأيته بخطه وهي ياء النسبة (أصدقه) أفعل تفضيل بتقدير من أو بمعنى فاعل والصدق مطابقة الخبر للواقع والكذب عدمها وفي رواية أحب الحديث إلى الله أصدقه وعليها ففيه دلالة على أفضلية القرآن على غيره {ومن أصدق من الله حديثا} وهذا قاله حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد أموالهم وسبيهم إليهم فقال: معي من ترون وأحب الحديث إلى الله أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وكنت استأنيت بكم أي انتظرت وكان انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فاختاروا السبي فأعطاهم إياه (حم خ عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو مخففة وراء مهملة (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة ابن نوفل بن أهيب الزهري صحابي صغير فقيه عالم متدين قتل في فتنة ابن الزبير أصابه حجر المنجنيق وهو قائم يصلي في الحجر وله عن عمر وخاله عبد الرحمن بن عوف (ومروان) بن الحكم الأموي (معا) ولد سنة اثنين أو يوم أحد أو يوم الخندق أو غيرها قال في الكاشف ولم يصح له سماع وفي أسد الغابة أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه الحكم بايعه بعض أهل الشام بالخلافة لما مات معاوية بن يزيد فأقام تسعة أشهر ثم هلك الحديث: 211 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 212 - (أحب الصيام) المتطوع به (إلى الله) تعالى أي أكثر ما يكون محبوبا إليه والمراد إرادة الخير بفاعله (صيام) نبي الله (داود) وبين وجه الأحبية بقوله (كان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يوما ومفارقته يوما. قال الغزالي: وسره أن من صام الدهر صار الصوم له عادة فلا يحس وقعه في نفسه بالانكسار وفي قلبه بالصفاء وفي شهواته بالضعف فإن النفس إنما تتأثر بما يرد عليها لا بما تمرنت عليه. ألا ترى أن الأطباء نهوا عن اعتياد شرب الدواء وقالوا من تعوده لم ينتفع به إذا مرض لألف مزاجه له فلا يتأثر به وطب القلوب قريب من طب الأبدان انتهى وهذا أوضح في البيان وأبلغ في البرهان من قول من قال صوم الدهر قد يفوت بعض الحقوق وقد لا يشق باعتياده وعليه فالمراد حقيقة اليوم وقال أبو شامة يصوم وقتا ويفطر وقتا أي لا يديم الصيام خوف [ص: 172] الضعف عن الجهاد قال وقد جمعت الأيام التي ورد فيها الأخبار أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يصومها فقاربت أن تكون شطر الدهر فهو بمثابة صوم داود. قال ابن المنير: كان داود يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه فأما الليل فاستقام له ذلك في ليله وأما النهار فيتعذر تجزئته لعدم تبعيض الصيام فنزل صوم يوم وفطر يوم بمنزلة التجزئة في شقص اليوم (وأحب الصلاة) من الليل المطلق (إلى الله صلاة داود كان ينام نصف) وفي رواية كان يرقد شطر (الليل) إعانة على قيام البقية المشار إليه بآية {جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} (ويقوم ثلثه) من أول النصف الثاني لكونه وقت التجلي وهو أعظم أوقات العبادة وأفضل ساعات الليل والنهار (وينام سدسه) الأخير ليريح نفسه ويستقبل الصبح وأذكار النهار بنشاط ولا يخفى ما في ذلك من الأخذ بالأرفق على النفس التي يخشى سآمتها المؤدية لترك العبادة والله يحب أن يوالي فضله ويديم إحسانه وفي رواية ثم مكان الواو وهي تفيد الترتيب ففيه رد على من زعم حصول السنة بنوم السدس الأول مثلا وقيام الثلث ونوم النصف الأخير ثم إنه لا تعارض هذه الأحبية قاعدة أن زيادة العمل تقتضي زيادة الفضيلة لأن القاعدة أغلبية كما بينته الشافعية ولا يكره على الأصح عندهم صوم الدهر لمن لا يضره ويكره قيام كل الليل ولو لمن لا يضره وقول المحب الطبري لا يكره كيف وقد عد من مناقب أئمة منع بأن أولئك مجتهدون سيما وساعدهم الزمان والخلان والفرق بين الصلاة والصوم أن الصائم يستوفي ما فاته والمصلي إن نام نهارا تعطلت مصالحه <تنبيه> قال ابن المنير هذا في حق الأمة لا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله بقيام أكثر الليل في قوله تعالى {قم الليل إلا قليلا} وعورض بنسخه وبما صح أنه لم يكن يجري على وتيرة واحدة (حم ق د ن هـ عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص كان يسرد الصيام والقيام فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم إن لجسدك عليك حقا ثم ذكره الحديث: 212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 213 - (أحب الطعام) عام في كل ما يقتات من بر وغيره (إلى الله ما كثرت عليه الأيدي) أي أيدي الآكلين لأن اجتماع الأنفاس وعظم الجمع أسباب نصبها الله سبحانه وتعالى مقتضية لفيض الرحمة وتنزلات غيث النعمة وهذا كالمحسوس عند أهل الطريق ولكن العبد يجهله يغلب عليه الشاهد على الغائب والحس على العقل (ع حب هب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني وأبي يعلى فيه عبد المجيد بن أبي رواد وفيه ضعف وقال الزين العراقي إسناده حسن انتهى ولعله باعتبار تعدد طرقه وإلا فقد قال البيهقي عقب تخريجه ما نصه تفرد به عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج انتهى وعبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال المنذري رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي رواد وقد وثق قال لكن في الحديث نكارة انتهى وبما تقرر عرف أن المؤلف لم يصب في رمزه لصحته بل قصاراه الحسن وزاد في رواية وذكر اسم الله فالأحبية لكل منهما كما يفيده اقتصاره هنا على ما ذكر الحديث: 213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 214 - (أحب الكلام) أل فيه بدل من المضاف إليه أي أحب كلام الناس (إلى الله أن يقول العبد) أي الإنسان حرا كان أو عبدا (سبحان الله) أي أنزهه عن كل سوء فسبحان علم للتسبيح أي التنزيه البليغ لا يصرف ولا ينصرف كذا ذكر في الكشاف فظاهره أنه علم له حتى في حال الإضافة قال وتخصيص ابن الحاجب له بغيرها رده في الكشف بأنه إذا ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها (وبحمده) الواو للحال أي أسبح الله متلبسا بحمده أو عاطفة أي أسبح الله وأتلبس بحمده ومعناها أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع الكمالات (حم م ت عن أبي ذر) ولم يخرجه البخاري بهذه الصيغة الحديث: 214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 [ص: 173] 215 - (أحب الكلام إلى الله) تعالى أي كلام البشر لأن الرابعة لم توجد في القرآن ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه ويحتمل أن تتناول كلام الله أيضا لأنها وإن لم تكن فيه باللفظ فهي فيه بالمعنى (أربع) في رواية أربعة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) لأنها جامعة لجميع معاني أنواع الذكر من توحيد وتنزيه وصنوف أقسام الحمد والثناء ومشيرة إلى جميع الأسماء الحسنى لأنها إما ذاتية كالله أو جمالية كالمحسن أو جلالية كالكبير فأشير للأول بالتسبيح لأنه تنزيه للذات وللثاني بالتحميد لأنه يستدعي النعم وللثالث بالتكبير وذكر التهليل لما قيل إنه تمام المئة في الأسماء وأنه اسم الله الأعظم وهو داخل في أسماء الجلال (لا يضرك) أيها المتكلم بهن في حصول الثواب على الإتيان بهن (بأيهن بدأت) لاستقلال كل واحدة من الجمل لكن هذا الترتيب حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال التي هي تنزيه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصا ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي بها استحق الحمد ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} ذكره البيضاوي وقال الطيبي: قوله لا يضرك بعد إيراده الكلمات على النسق والترتيب يشعر بأن العزيمة أن يراعى الترتيب والعدول عنه رخصة ورفع للحرج روي أن الباقيات الصالحات هي هذه لكونها جامعة للمعارف الإلهية فالتسبيح تقديس لذاته عما لا يليق بجلاله وتنزيه لصفاته عن النقائص والتحميد منبه على معنى الفضل والإفضال من الصفات الذاتية والإضافية والتهليل توحيد للذات ونفي للمثل والضد والند وتنبيه على التبري عن الحول والقوة إلا به وختامها بالتكبير اعتراف بالقصور في الأقوال والأفعال وفي هذا التدرج لمحة من معنى العروج للسالك العارف وتسميتها بالباقيات الصالحات لما أنه سبحانه وتعالى قابلها بالفانيات الزائلات انتهى وقال الحراني: التسبيح تنزيه الحق سبحانه وتعالى عن بادية نقص في خلق أو رتبة وحمد الله استواء أمر علوا وسفلا ومحو الذم عنه والغض منه انتهى. قال ابن حجر: والحمد أفضل من التسبيح انتهى فذكره قبله من باب الترقي (حم م عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفا نحو عضد في عضد وهي لغة أهل الحجاز (ابن جندب) بضم الجيم وضم المهملة وفتحها ابن هلال وهو الفزاري نزيل البصرة وواليها وكان عظيم الأمانة صدوق الحديث شديدا على الحرورية يقتل من ظفر به منهم وهو أحد المكثرين عن المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث: 215 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 216 - (أحب اللهو) أي اللعب وهو ترويح النفس بما لا تقتضيه (إلى الله تعالى إجراء الخيل) أي مسابقة الفرسان بالأفراس بقصد التأهب للجهاد. وقال الراغب: والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعا قال الله تعالى {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ويستعمل في كل منهما منفردا كخبر يا خيل الله اركبي فهذه للفرسان وخبر عفوت لكم عن صدقة الخيل يعني الأفراس وسميت خيلا لاختيالها أي إعجابها بنفسها ومن ذكر الجهاد علم أن الكلام في الرجل أما المرأة فخير لهوها المغزل كما في خبر وخروج بعضهن للغزو إنما هو لنحو مداواة الجرحى وحفظ المتاع (والرمي) عن نحو قوس مما فيه إنكاء العدو وقد فسر {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} بأنها الرمي واعلم أن اللحوق بالأخروي يجري في كل مباح حتى اللعب كما إذا مل من عبادة فاشتغل بلهو مباح لينشط ويعود وقد صرح حجة الاسلام بأن لهوه بهذا أفضل من صلاته وله في المقام كلام كالدر فعليك بالإحياء في باب النية. قال الراغب: والرمي يقال في الأعيان كسهم وحجر وفي المقال كناية عن الشتم والقذف (عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وإسناده ضعيف الحديث: 216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 [ص: 174] 217 - (أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله) أي لعيال الله بدليل خبر أبي يعلى " الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله " وخبر الطبراني " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس " والمراد من يستطاع نفعه من الخلق الأهم فالأهم أو المراد عيال الإنسان أنفسهم الذين يمونهم وتلزمه نفقتهم والأول أقرب قال الماوردي ونظمه بعضهم فقال: الناس كلهم عيا. . . ل الله تحت ظلاله فأحبهم طرا إلي. . . هـ أبرهم بعياله قال القاضي: ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل فرائضه ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة وصونه عن المعصية وفي الحديث رد على من رفض الدنيا بالكلية من النساك وترك الناس وتخفى للعبادة محتجا بآية {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون} وخفي عليه أن أعظم عبادة الله ما يكون نفعها عائدا لمصالح عباده (حكي) أن بعض الملوك اعتزل الناس وزهد في الدنيا فكتب إليه بعض الملوك قد اعتزلت لما نحن فيه فإن علمت أن ما اخترته أفضل فعرفنا لنذر ما نحن فيه ولا تحسبني أقبل منك ولا بلا حجة فكتب إليه أعلم أنا عبيد رب رحيم بعثنا إلى حرب عدوه وعرفنا أن القصد بذلك قهره والسلامة منه فلما قربوا من الزحف صاروا ثلاثة أثلاث متحرزا طلب السلامة فاعتزل واكتسب ترك الملامة وإن لم يكتسب المحمدة ومتهورا قدم إلى حرب العدو على غير بصيرة فجرحه العدو وقهره فاستجلب بذلك سخط ربه وشجاعا أقبل على بصيرة فقاتل واجتهد وأبلى فهو الفائز وأنا لما وجدتني ضعيفا رضيت بأدنى الهمتين وأدون المنزلتين فكن أنت أيها الملك من أفضل الطوائف تكن أكرمهم عند الله والسلام (عبد الله) ابن الامام أحمد بن حنبل (في زوائد) كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن مرسلا) بإسناد ضعيف لكن شواهده كبيرة وهو البصري أبو سعيد مولى زيد بن ثابت أو جميل بن قطبة أو غيرهما وأبوه يسار من سبي ميسان أعتقه الربيع بن النضر ولد زمن عمر وشهد الدار وهو ابن أربع عشرة سنة إمام كبير الشأن رفيع القدر رأس في العلم والعمل مات سنة عشر ومئة الحديث: 217 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 218 - (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا) بضمتين معنى حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه والتواضع وقد تضمن هذا الخبر عظيم الحث عليه حيث علق به حكم الأحبية إليه فحق لكل مسلم أن يرغب في ذلك كمال الرغبة وفيه رمز إلى أنه ممكن الاكتساب وإلا لاختص بما كان مطبوعا عليه فيفوت معنى الترغيب فيه ويصير حسرة على من لم يمكنه نعم أصله جبلي كما سيجيء تحقيقه وعبر بصيغة أفعل وهو ما اشتق من فعل الموصوف بزيادة على غيره دفعا لتوهم حرمان من طبع على ذلك بل أشعر بأنهم كلهم محبوبون لكن من تكلفه بقهر النفس ومجاهدتها حتى صار أحسن خلقا أحب إليه من أولئك (طب عن أسامة) بضم الهمزة (ابن شريك) الذبياني صحابي روى عنه زياد ابن علاقة وغيره قال أسامة كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا من أحب عباد الله إلى الله فذكره قال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح انتهى وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وإنما كان الأولى أن يرمز لصحته الحديث: 218 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 219 - (أحب بيوتكم) أي أهل بيوتكم أيها المسلمون من مجاز وصف المحل بصفة ما يقع فيه (إلى الله بيت فيه يتيم) أي طفل مات أبوه فانفرد عنه (مكرم) بالبناء للمفعول أي بالإحسان إليه وعدم إهانته ونحو ذلك فأراد بمحبة البيوت محبة ما يقع فيها من إكرام الأيتام وفيه حث على إكرام الأيتام وتحذير من إهانتهم وإذلالهم من غير موجب قال [ص: 175] ابن الكمال أخذا من الزمخشري واليتيم في عرف الشرع مختص بمن لم يبلغ واحتاج إلى كافل وبالبلوغ يزول ذلك انتهى وأقول سياق الخبر هنا يدل على أن المراد الصغير المحتاج لفقد من كان يقوم بكفالته وما يحتاجه من نحو نفقة وكسوة ذكرا كان أو أنثى حتى لو فرض أن الذي كان هو القائم به أمه دون أبيه لنحو غيبة وانقطاع خبره أو فقره أو حبسه ونحو ذلك فيدخل في ذلك وإن كان تصرف الفقهاء يأباه (هب) وكذا الطبراني والأصبهاني (عن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي تفرد به إبراهيم بن إسحاق الضبي عن مالك انتهى وإبراهيم أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال في الميزان له أوابد وعد منها هذه وقال العقيلي حديث لا أصل له انتهى وضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه إسحاق بن إبراهيم الضبي وكان ممن يخطئ لكن يشهد له خبر ابن ماجه " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين فيه اليتيم يساء إليه " الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 220 - (أحب الله) تعالى بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة دعاء أو خبر (عبدا) أي إنسانا (سمحا) بفتح فسكون صفة مشبهة تدل على الثبوت فلذا كرر أحوال البيع والشراء والقضاء والتقاضي فقال (إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا قضى) أي أدى ما عليه (وسمحا إذا اقتضى) أي طلب ما له برفق ولين جانب. قال الجوهري: سمح جاد والمسامحة المساهلة والاقتضاء التقاضي وهو طلب قضاء الحق قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على أن السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلا للرحمة وفيه فضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببا لمحبة الله تعالى التي هي سبب للسعادة الأبدية (هب عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه مع أن فيه الوافدي والكلام فيه مشهور ومحمد بن الفرج فإن كان هو الأزرق فقد طعن الحاكم في اعتقاده وهشام بن سعد وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وقال أحمد لم يكن بالحافظ وأورده في الضعفاء والمتروكين قال وضعفه النسائي وغيره وقال ابن معين هو ضعيف لكن يكتب حديثه الحديث: 220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 221 - (أحبكم إلى الله أقلكم طعما) بضم الطاء أكلا وكنى به عن الصوم لأن الصائم يقل أكله غالبا أو هو ندب إلى إقلال الأكل فلا يأكل إلا ما يتقوى به على العبادة وما لا بد منه للمعاش (وأخفكم بدنا) أوقعه موقع التعليل لما قبله فإن من قل أكله خف بدنه ومن خف بدنه نشط للعبادة وللعبادة تأثير في تنوير الباطن وإشراقه وخفة البدن أمر محمود والسمن مذموم قال الإمام الشافعي: ما أفلح سمين قط إلا محمد بن الحسن وذلك لأن العاقل إنما يهتم لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الغم لا ينعقد فإذا خلي من المعنيين صار في عداد البهائم فانعقد شحمه وقد تطابقت الأخبار والآثار على ذم الشبع والجوع أساس سلوك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فلذلك خص بالأحبية. قالوا شبع يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام ليلة من خبز الشعير فنام عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وزهقت روحك اشتياقا ولو اطلعت على جهنم إطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الحديد بعد النسوج وقال الشاذلي جعت مرة ثمانين يوما فخطر لي أيحصل لي من ذلك شيء وإذ بامرأة خرجت من مغارة كأن وجهها الشمس حسنا وهي تقول منحوس جاع ثمانين يوما فأخذ يدل على ربه بعمله ها أنا لي ستة أشهر لم أذق طعاما قط قال الغزالي: من أبواب الشيطان العظيمة الشبع ولو من حلال فإنه يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان وروي أن إبليس ظهر لسيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال: ما هذه فقال: الشهوات التي أصيد بها بني آدم قال: فهل لي فيها شيء قال: ربما شبعت فثقاناك عن الصلاة والذكر قال: لله علي أن لا أملأ بطني أبدا قال إبليس: ولله علي أن لا أنصح أبدا. [ص: 176] (فر عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما ورواه عنه أيضا (ك) في تاريخه ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه أبا بكر بن عياش قال الذهبي رحمه الله في الضعفاء ضعفه ابن نمير وهو ثقة ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 122 - (أحب) بفتح الهمزة وكسر المهملة وفتح الموحدة مشددة فعل أمر (للناس ما تحب لنفسك) من الخير كما صرح به في رواية أحمد فلا حاجة لقول البعض عام مخصوص إذ المرء يحب وطء حليلته لنفسه لا لغيره وذلك بأن تفعل بهم ما تحب لن يفعلوه معك وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به وتنصحهم بما تنصح به نفسك وتحكم لهم بما تحب أن يحكم لك به وتحتمل أذاهم وتكف عن أعراضهم وإن رأيت لهم حسنة أذعتها أو سيئة كتمتها وقول ابن الصلاح هذا من الصعب الممتنع لأن المرء مطبوع على حب الإيثار فالتكليف بذلك مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادرا في حيز المنع إن القيام بذلك يحصل بأن يحب لغيره ما يحب حصول مثله له من جهة لا يزاحمه فيها أحد ولا ينتقص شيئا من نعمته وذلك سهل على القلب السليم وبنحوه يجاب عن قول الطوفي محبته لغيره ما يحب لنفسه إنما هو باعتبار عقله أي يحب له ذلك ويؤثره من جهة عقله أما التكليف به من جهة الطبع فصعب لأنه مطبوع على الاستئثار فيلزم أن لا يكمل إيمان إلا نادرا انتهى ولفظ الناس يشمل الكفار فينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر الإسلام وما يتفرع عليه من الكمالات (تخ ع طب ك هب عن يزيد بن أسد) بزيادة ياء وضم همزة وفتحها وفي رواية للطبراني عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحب الجنة قلت نعم قال أحب لأخيك ما تحب لنفسك قال الهيتمي رجال الطبراني كلهم ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء الحديث: 122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 223 - (أحبب) بفتح الهمزة وسكون المهملة وكسر الموحدة الأولى وسكون الثانية فعل أمر (حبيبك هونا ما) بفتح فسكون أي أحببه حبا قليلا. فهونا منصوب على المصدر صفة لما اشتق منه أحبب. قال الزمخشري: وما إيهامية تزيد النكرة إبهاما وشياعا وتسد عنها طرق التقييد. وقال غيره مزيدة لتأكيد معنى القلة وعليه فلا يتجه قوله في الدر كأصله أي حبا مقتصدا لا إفراط ولا تفريط فيه ويصح نصبه على الظرف لأنه من صفات الأحيان أي أحببه في حين قليل ولا تسرف في حبه فإنه (عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما) فإنه (عسى أن يكون حبيبك يوما ما) أي ربما انقلب ذلك بتغيير الزمان والأحوال بغضا فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم عليه إذا أبغضته أو حبا فلا تكون قد أسرفت في بغضه فتستحي منه إذا أحببته ذكره ابن الأثير وقال ابن العربي: معناه أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود الحبيب بغيضا وعكسه فإذا أمكنته من نفسك حال الحب عاد بغيضا كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما أفضيت إليه من الأسرار وقال عمر رضي الله تعالى عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا وعليه أنشد هدبة بن خشرم: وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا. . . فإنك لا تدري متى أنت راجع وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى. . . فإنك راء ما عملت وسامع وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا. . . فإنك لا تدري متى أنت نازع ولهذا قال الحسن البصري أحبوا هونا وأبغضوا هونا فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا (ت) في البر والصلة من حديث سويد بن عمرو الكلبي عن حماد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وقال ت غريب ضعيف والصحيح عن علي موقوفا انتهى ورواه ابن حبان في الضعفاء بسند الترمذي وأعله بسويد وقال: يضع المتون الواهية على الأسانيد الصحيحة (هب عن أبي هريرة) رفعه وظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر [ص: 177] بخلافه بل قال هو أي رفعه وهم انتهى وفيه أيضا سويد الكلبي المذكور وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال اتهمه ابن حبان وقال كان يضع المتون الواهية على الأسانيد الصحاح (طب) من حديث أبي الصلت عبد السلام الهروي عن جميل بن يزيد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي: وجميل ضعيف انتهى وأعله ابن حبان به وقال: بروي في فضائل علي وأهله العجائب لا يحتج به إذا انفرد وقال الزيلعي: عبد السلام الهروي ضعيف جدا (وعن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي: وفيه محمد بن كثير الفهري وهو ضعيف (قط في) كتاب (الأفراد عد عب عن علي) أمير المؤمنين مرفوعا وفيه عطاء بن السائب عن أبي البحتري وقد مر بيان حاله وقال الدارقطني في علله لا يصح رفعه وقال ابن حبان رفعه خطأ فاحش (خد هب عن علي موقوفا) قال الترمذي هذا هو الصحيح وتبعه جمع جم منهم ابن طاهر وغيره وبعد إذ علمت هذه الروايات فاعلم أن أمثلها الأولى وقد استدرك الحافظ العراقي علي الترمذي دعواه غرابته وضعفه فقال قلت رجاله رجال مسلم لكن الراوي تردد في رفعه انتهى والمصنف رمز لحسنه الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 224 - (أحبوا) بفتح الهمزة وكسر المهملة (الله) وجوبا (لما) أي لأجل ما (يغذوكم) بفتح المثناة تحت وسكون المعجمة وضم المعجمة (به) من الغذاء بالكسر ككساء ما به نماء الجسم وقوامه وهو أعم من الغذاء بالفتح إذ كل غذاء غذاء ولا عكس وفي رواية لما يرفدكم به (من نعمه) أي أحبوا الله لأجل إنعامه عليكم بصنوف النعم وضروب الآلاء الحسية كتيسير ما يتغذى به من الطعام والشراب والمعنوية كالتوفيق والهداية ونصب أعلام المعرفة وخلق الحواس وإفاضة أنوار اليقين على القلب وغير ذلك من الأغذية الروحانية المعلوم تفصيلها عند علماء الآخرة قال ابن عطاء الله: ما من وقت ولحظة إلا وهو مورد عليك فيها نعما يجب حبه لها وشكره عليها دائما فمتى فات حق وقت لا يمكن قضاؤه أبدا إذ ما من وقت إلا وله عليك فيه حق جديد وهو الشكر وأمر أكيد وهو الاستغفار والتجريد {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} قال بعض العارفين أحبوا الله فعل أمر بمعنى الخبر ومثله غير عزيز ومن كلامهم عش رجبا تر عجبا أي إن تعش إلى رجب والعيش ليس للمرء فيؤمر به فهو من قبيل خبر وجدت الناس أخبر نقله: فالمراد إنما تحبونه لأنه أنعم عليكم فأحبكم فأحببتموه. قال الزمخشري: والنعمة كل نفع قصد به الإحسان والله سبحانه وتعالى خلق العالم كله نعمة لأنه إما حيوان أو غيره فغير الحيوان نعمة على الحيوان والحيوان نعمة من حيث أن إيجاده حيا نعمة عليه لأنه لولا إيجاده حيا لما صح الانتفاع به وكلما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمة وقال الفخر الرازي: نعم الله سبحانه وتعالى لا تحصى لأن كلما أودع فينا مع المنافع واللذات التي ننتفع بها والجوارح والأعضاء التي نستعملها في جلب المنافع ودفع المضار وما خلق في العالم مما يستدل به على وجود الصانع وما أوجد فيه مما لا يحصل الزجر برؤيته عن المعاصي مما لا يحصى عدده كله منافع لأن المنفعة من اللذة أو ما يكون وسيلة إليها وجميع ما خلق الله كذلك لأن كلما يلتذ به نعمة وكلما لا يلتذ به وسيلة إلى دفع ضر وهو كذلك وما لا يكون جالبا للنفع الحاضر ولا دافعا للضرر هو صالح للاستدلال به على وجود الصانع الحكيم يقع وسيلة إلى معرفته وطاعته وهما وسيلتان للذات الأبدية فثبت أن جميع مخلوقاته نعمة على العبيد <تنبيه> هل لله تعالى نعمة على الكافر في الدنيا؟ اختلف فيه أهل السنة فقيل لا لأن هذه النعمة لما كانت مؤدية للضرر الدائم الأخروي كانت كلا شيء وقيل نعم وعليه الباقلاني قال الإمام الرازي وهو الأصوب وآية {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} فهذا صريح في أنه أنعم عليهم إذ المخاطب بذلك أهل الكتاب (وأحبوني لحب الله) أي إنما تحبوني لأنه سبحانه وتعالى أحبني فوضع محبتي فيكم كما يصرح به خبر " إذا أحب الله [ص: 178] عبدا نادى جبريل " الحديث. والمحبة إذا كانت بشرط النعمة كانت معلولة ناقصة وكان مرجعها إلى حظ المحب لا إلى المحبوب والنعم كلها أو أكثرها ملاذ النفوس ومن أحب اللذة تغير عند المكروه بعدمها وفوت حظ النفس منها ألا ترى أن محبة زليخا ليوسف لما كانت لشهوة آثرت ألمه على ألمها عند فوت حظها منه وأما النسوة فغبن عن حظوظ أنفسهن فقطعن أيديهن بلا إحساس (وأحبوا أهل بيتي لحبي) أي إنما تحبونهم لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم وقد يكون أمرا بحبهم لأن محبتهم لهم تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} وبما تقرر عرف أن محبة العبد لله لا تحتاج إلى تأويل بخلاف عكسه قال الغزالي: محبة العبد لله حقيقية لا مجازية إذ المحبة في وضع أهل اللسان ميل النفس إلى ملائم موافق والعشق الميل الغالب المفرط والله سبحانه وتعالى محسن جميل والإحسان والجمال موافق ومحبة الله للعبد مجازية ترجع إلى كشف الحجاب حتى يراه بقلبه إلى تمكينه إياه من القرب منه وفي شرح المواقف محبتنا لله تعالى كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال المطلق له تعالى على الاستمرار ومقتضية إلى التوجه التام لحضرة قدسه بلا فتور ولا فرار ومحبتنا لغير الله كيفية تترتب على تخيل كمال فيه من لذة وشفقة أو مشاكلة كمحبة العاشق لمعشوقه والوالد لولده ثم هي عندنا الرضا والإرادة مع ترك الاعتراض وقيل الإرادة فقط فيترتب عليه كما في الإرشاد أنه تعالى لا تتعلق به محبة على الحقيقة لأنها إرادة والإرادة لا تتعلق إلا بمحدود وهو سبحانه وتعالى لا حد له لأن المريد إنما يريد ما ليس بكائن أو إعدام ما يجوز عدمه وما ثبت قدمه واستحال عدمه لا تتعلق به إرادة أه (ت) في المناقب (ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن عباس) وصححاه وأقره الذهبي في التلخيص وقول ابن الجوزي هو غير صحيح وهموه فيه نعم فيه عبد الله بن سليمان النوفلي قال في الميزان فيه جهالة ما ثم أورد له هذا الحديث ولم يرمز المصنف رحمه الله له بشيء الحديث: 224 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 225 - (أحبوا العرب) بالتحريك خلاف العجم (لثلاث) أي لأجل خصال ثلاث امتازت بها (لأني عربي والقرآن عربي) قال تعالى {لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} وأعظم بهذه من منة إذ لو كان أعجميا لكان نازلا على السمع دون القلب لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا تكلم بلغته التي لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن إقباله إلا على معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهرا فيها خبيرا بمعرفتها كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها ذكره في الكشاف في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجزة لفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض وما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها وما كان أبو حنيفة يحسن الفارسية فلم يكن ذلك منه عن تحقيق وتبصر إلى هنا كلامه (وكلام أهل الجنة) أي تحاورهم فيما بينهم في الجنة (عربي) وقد كان سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيها إلا به فلما أهبط إلى الأرض تكلم بغيره وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب العرب وهو منزل على قيد الحيثية أي من حيث كونهم عربا وقد يعرض لهم ما يوجب البغض والازياد منه بحسب ما يعرض لهم من الكفر والنفاق وقد قال سبحانه وتعالى في شأن قوم منهم {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى صلى الله عليه وسلم منهم أن القرآن أنزل بلغتهم وأن كلام الرفيق الأعلى بلسانهم لعذوبته وفصاحته واستقامته كان ذلك واسطة في حبه وإذا خذل فأبغضهم من الجهات المذكورة كان لازمه بغضه وهو كفر وإذا أبغضهم من حيث كفرهم أو نفاقهم كان واجبا فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ويبقى مطلق الحب من [ص: 179] الحيثية التي سبق الكلام عليها واعلم أن ستة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من العرب نوح وهود وإسماعيل وصالح وشعيب ومحمد وباقيهم من غيرهم <فائدة> رأيت بخط مغلطاي ذكر ابن ظفر عن معمر عن الزهري أشخصت إلى هشام بن عبد الملك فلما كنت بالبلقاء رأيت حجرا مكتوبا عليه بالعبرانية فأرشدت إلى شيخ يقرؤه فلما قرأه ضحك وقال أمر عجيب مكتوب عليه باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا إله إلا الله محمد رسول الله وكتبه موسى بن عمران بخطه انتهى (عق) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمرو الحنفي عن يحيى بن بريدة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ثم قال الهيتمي بعد ما عزاه له فيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو مجمع على ضعفه (ك) في المناقب (هب عن ابن عباس) قال صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن فيه يحيى بن بريدة الأشعري ضعفه أحمد وغيره والعلاء بن عمرو والحنفي وليس بعمدة ومحمد بن الفضل متهم قال وأظن الحديث موضوعا انتهى وفي الميزان ترجمة العلاء عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به بحال ثم ساق له هذا الخبر وقال أبو حاتم هذا موضوع وقال هذا كذاب انتهى وذكر مثله في اللسان ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المصنف بما حاصله أن له شاهدا ومتابعا. وقال السخاوي: ابن بريدة والراوي عنه ضعيفان وقد تفردا به كما قال البيهقي ومتابعه ابن الفضل لا يتعد به لاتهامه بالكذب انتهى. وأما قول السلفي هذا حديث حسن فمراده به كما قال ابن تيمية حسن منته على الاصطلاح العام لاحسن إسناده على طريقة المحدثين الحديث: 225 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 226 - (أحبوا قريشا) في الأم تصغير قريش دابة بالبحر سميت به القبيلة المعروفة لشدتهم على غيرهم أو تفرقهم بعد اجتماعهم أو غير ذلك وهم ولد النضر بن كنانة وقيل فهر بن مالك بن النضر والمراد المسلمون منهم (فإنه) أي الشأن (من أحبهم) من حيث كونهم قريشا المؤمنين (أحبه الله) تعالى قالوا فإذا كان هذا في مطلق قريش فما ظنك بأهل البيت؟ وسبق أن محبة الله تعالى لعبده إرادته به الخير وهدايته وتوفيقه له وكلما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأعم ثبت للأخص ولا عكس (تتمة) قالوا حقيقة المحبة أن لا يزيدها البر ولا ينقصا الجفاء (طب عن سهل بن سعد) قال الهيتمي فيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى. ورواه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن سهل المزبور وفيه عبد المهيمن المذكور الحديث: 226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 227 - (أحبوا الفقراء) أي ذوي المسكنة والحاجة من المسلمين (وجالسوهم) فإن مجالستهم رحمة ورفعة في الدارين ولما خاطب الحاضرين بما ذكر خص بعضهم لما علمه من حاله من البغض فعلم أن ذلك كله واجب على كل مسلم مكلف حر (وأحب العرب) حبا صادقا بأن يكون (بقلبك) لا بمجرد اللسان (وليردك) أي ليمنعك (عن) احتقار (الناس) وإزدرائهم وتتبع عيوبهم وعوراتهم (ما تعلم من نفسك) من معايبها ونقائصها فاشتغل بتطهير نفسك عن أقبح أنواع الحماقة ولا عيب أعظم من الحمق ولو أراد الله بك خيرا لبصرك بعيوب نفسك وجهلك. ثم إن كنت صادقا في ظنك فاشكر الله تعالى عليه ولا تفسده بثلب الناس والتمضمض بأعراضهم فإنه من أعظم العيوب ذكره الغزالي وقيل للحسن إن الحجاج ذكرك بسوء فقال علم بما في نفسي فنطق عن ضميري وكل امرئ بما كسب رهين (ك) في الرقائق (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي وتبعهما المصنف فرمز لصحته الحديث: 227 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 [ص: 180] 228 - (احبسوا) بكسر الهمزة والموحدة التحتية. قال الراغب: الحبس المنع وفي الصحاح ضد التخلية (صبيانكم) جمع صبي قال في الصحاح وهو الغلام والجارية صبية والجمع صبايا انتهى والمراد هنا الصغير ذكرا كان أو أنثى كما يشير إليه التعليل الآتي أي امنعوهم من الخروج من البيوت وفي رواية اكفتوا صبيانكم أي ضموهم (حتى تذهب) أي إلى أن تنقضي (فوعة) بضم الفاء وسكون الواو (العشاء) أي شدة سوادها وظلمتها وفي رواية بدل فوعة فحمة وهي السواد الشديد والمراد هنا أول ساعة من الليل كما يدل له قوله (فإنها ساعة تخترق) بمعجمات وراء: تنتشر (فيها الشياطين) أي مردة الجن فإن أول الليل محل تصرفهم وحركتهم في أول انتشارهم أشد اضطرابا. وقال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان منهم تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة فيهم غالبا والذكر الذي يحترس به منهم مفقود من الصبيان غالبا والسواد أجمع للقسوة الشيطانية من غيره والجن تكره النور وتتشاءم به وإن كانت خلقت من نار وهي ضياء لكن الله تعالى أظلم قلوبها وخلق الآدمي من طين ونور قلبه فهو محب للنور بالطبع وكل جنس يميل إلى ما يروحه من جنسه فيضيع فإن قلت فإذا كان الاختراق بمعنى الانتشار فلم عبر به دونه قلت إشارة إلى أنه انتشار لابتغاء الفساد فإن الخرق في الأصل كما قال الراغب قطع الشيء على سبيل الفساد بغير تفكر وتدبر ثم استعمل في قطع المسافة توصلا إلى حيلة أو إفساده ومن ثم شبه به الريح في تعسف مرورها فقيل ريح خرقاء وفوعة الشيء بالضم حدته وشدته قال الزمخشري: وجدت فوعة الطيب وفوحته وفورته وخمرته وذلك حدة ريحه وشدتها إذا اختمر وأتيته فوعة النهار وفوعة الضحى وهو ارتفاعه وكان ذلك في فوعة الشباب (ك) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 228 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 229 - (احبسوا على المؤمنين ضالتهم) أي ضائعتهم يعني امنعوا من ضياع ما تقوم به سياستهم الدنيوية ويوصلهم إلى الفوز بالسعادة الأخروية أي بأن تحفظوا ذلك ولا تهملوه فيضيع قالوا يا رسول الله وما ضالة المؤمنين قال (العلم) أي الشرعي فإن الناس لا يزالون عند وقوع الحوادث يتطلبون علم حكمها كما يتطلب الرجل ضالته فهو أمر بتعلم العلم الشرعي الذي به قيام الدين وسياسة عامة المسلمين كالقيام بالحجج والبراهين القاطعة على إثبات الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه وإثبات الثواب ودفع الشبه والمشكلات والاشتغال بالفقه وأصوله والتفسير والحديث بحفظه ومعرفة رجاله وجرحهم وتعديلهم واختلاف العلماء واتفاقهم وعلوم العربية والقيام به فرض كفاية فإذا لم ينتصب في كل قطر من تندفع الحاجة بهم أثموا كلهم وعلى الإمام أن يرتب في كل قرية ومحلة عالما متدينا يعلم الناس دينهم ويجيب في الحوادث ويذب عن الدين ويردع من نبغ من الفرق الضالة (فر وابن النجار) أبو عبد الله محمد بن محمود (في تاريخه) تاريخ بغداد (عن أنس) رضي الله تعالى عنه وفيه إبراهيم بن هانئ أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول أتى بالبواطيل عن عمرو بن حكام تركه أحمد والنسائي عن بكر بن خنيس قال الدارقطني متروك عن زياد بن أبي حسان تركوه الحديث: 229 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 230 - (احتجموا) إرشادا لا إلزاما (لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين) من الشهر العربي. قال ابن القيم: هذا موافق لإجماع الأطباء أن الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر نعم محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى وقال ابن جرير هذا اختيار منه صلى الله عليه وسلم للوتر من أيام الشهر على الشفع لفضل [ص: 181] الوتر عليه والله وتر يحب الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير إليه قوله (لا تتبيغ) بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن قال ابن الاعرابي تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج (بكم الدم) يغلبكم ويقهركم (فيقتلكم) أي فيكون ثورانه وهيجانه سببا لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من الشهر <تنبيه> قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث إن البلاد الحارة تغير المزاج جدا كبلاد الزنج والحبشة فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر البدن حارا لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هربا من ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا يناسبه من الأحوال (البزار) في مسنده (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وكذا الطبراني والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن موقوفا ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة أحسن من هذه الحديث: 230 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 231 - (احترسوا من الناس) أي من شرارهم (بسوء الظن) أي تحفظوا منهم تحفظ من أساء الظن بهم كذا قاله مطرف التابعي الكبير وقيل أراد لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم لكم ويدل عليه خبر ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته وقال معاوية لعبيد بن شبرمة وقد أتت عليه مائتا سنة ما شاهدت؟ قال أدركت الناس وهم يقولون ذهب الناس وقيل ما بقي من الناس إلا كلب نابح أو حمار رامح فاحذروهما وقال بعضهم لو أن الدنيا ملئت سباعا وحيات ما خفتها فلو بقي إنسان واحد لخفته ومن أمثالهم رب زائر يراوحك ويغاديك وهو ممن يكادحك ويعاديك وما أحسن قول الصولي: لو قيل لي خذ أمانا. . . من أعظم الحدثان لما أخذت أمانا. . . إلا من الخلان ولا يعارض هذا خبر إياكم وسوء الظن لأنه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته والأول فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخلف الوعد والخيانة والقرينة تغلب أحد الطرفين فمن ظهرت عليه قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن [ص: 182] وخلافه خلافه وفي أشعاره تحذير من التغفل وإشارة إلى استعمال الفطنة فإن كل إنسان لا بد له من عدو بل أعداء يأخذ حذره منهم قال بعض العارفين هذه حالة كل موجود لا بد له من عدو وصديق بل هذه حالة سارية في الحق والخلق قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} فهم عبيده وهم أعداؤه فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتباغض والتحاسد والتحاقد؟ (طس عد) وكذا العسكري في الأمثال كلهم (عن أنس) قال الهيتمي تفرد به بقية بن الوليد وهو مدلس وبقية رجاله ثقات انتهى. وقال المؤلف في الكبير حسن وهو ممنوع فقد قال ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان التابعي وصح منه قول مطرف أخرجه مسدد الحديث: 231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 232 - (احتكار الطعام) أي احتباسه لانتظار الغلاء به قال الزمخشري احتكر الطعام احتبسه وفلان حرفته الحكرة وهي الاحتكار انتهى وليس عموم الطعام مرادا بل المراد اشتراء ما يقتات وحبسه ليقل فيغلو (في الحرم) المكي حسبما يفسره الخبر الآتي بعده (إلحاد فيه) يعني احتكار القوت حرام في سائر البلاد وبمكة أشد تحريما والإلحاد الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق إلى الباطل ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها ولم يمله عن دين إلى دين ذكره الزمخشري قال الله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} أي ومن يهم فيه بمحرم عذب عليه لعظم حرمة المكان وإنما سماه ظلما لأن الحرم واد غير ذي زرع فالواجب على الناس جلب الأقوات إليه للتوسعة على أهله فمن ضيق عليهم بالاحتكار فقد ظلم ووضع الشيء في غير محله فاستحق الوعيد الشديد (د) في الحج من حديث جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة عن موسى بن باذان (عن يعلى) بفتح المثناة تحت واللام بينهما مهملة ساكنة (ابن أمية) بضم الهمزة عن أبيه التميمي الحنظلي أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وشهد الجمل مع عائشة ثم تحول إلى علي وقتل معه بصفين قال ابن القطان حديث لا يصح لأن موسى وعمارة وجعفرا كل منهم لا يعرف فهم ثلاثة مجهولون وفي الميزان جعفر مجهول وعمه لين ومن مناكيره وساق هذا الحديث ثم قال لهذا حديث واهي الإسناد الحديث: 232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 232 - (احتكار الطعام بمكة إلحاد) أراد بمكة هي وما حولها من الحرم فلا ينافي ما قبله (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي فيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جمع انتهى ولم يرمز له بشيء ومن زعم أنه رمز لحسنه لم يصب فقد حررته من خطه وظاهر صنيعه حيث لم يعزه إلا للطبراني أنه لم يعرف لغيره ممن هو أعلى والأمر بخلافه فقد أخرجه الإمام البخاري في التاريخ الكبير عن يعلي بن أمية أنه سمع عمر يقول احتكار الطعام بمكة إلحاد انتهى وكان المصنف إنما عدل عنه لكونه فهم أن البخاري أشار إلى وقفه وأنت تعلم أن هذا مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع وأخرجه البيهقي في الشعب مصرحا برفعه فروى عن عطاء أن ابن عمر طلب رجلا فقالوا ذهب ليشتري طعاما فقال للبيت أو للبيع فقالوا للبيع قال أخبروه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره الحديث: 232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 234 - (احثوا) بضم الهمزة وسكون الحاء وضم المثلثة ارموا (التراب في وجوه المداحين) عبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن الكلام فيمن تكرر منه المدح حتى اتخذه صناعة وبضاعة يتأكل بها الناس وجازف في الأوصاف وأكثر الكذب يريد لا تعطوهم على المدح شيئا فالحثي كناية عن الحرمان والرد والتخجيل قال الزمخشري: من المجاز حثى في وجهه الرماد إذا أخجله أو المراد قولوا لهم بأفواهكم التراب والعرب تستعمل ذلك لمن يكرهونه أو المراد أعطوهم [ص: 183] ما طلبوا لأن كل ما فوق التراب تراب فشبه الإعطاء بالحثي على سبيل الترشيح والمبالغة في التقليل والاستهانة وبهذا جزم البيضاوي وقيل هو على ظاهره فيرمى في وجوههم التراب وجرى عليه ابن العربي قال: وصورته أن تأخذ كفا من تراب وترمي به بين يديه وتقول ما عسى أن يكون مقدار من خلق من هذا ومن أنا وما قدري توبخ بذلك نفسك ونفسه وتعرف المادح قدرك وقدره هكذا فليحث التراب في وجوههم قال: وقد كان بعض مشايخنا إذا رأى شخصا راكبا ذا شارة يعظمه الناس وينظرون إليه يقول لهم وله إنه تراب راكب على تراب وينشد: حتى متى وإلى متى تتوانى. . . أتظن ذلك يا فتى نسيانا قال النووي: ومدح الإنسان يكون في غيبته وفي وجهه فالأول لا يمنع إلا إذا جازف المادح ودخل في الكذب فيحرم للكذب لا لكونه مدحا ويستحب ما لا كذب فيه إن ترتب عليه مصلحة ولم يجر إلى مفسدة والثاني قد جاءت أخبار تقتضي إباحته وأخبار تقتضي منعه كهذا الخبر وجمع بأنه إن كان عند الممدوح كمال إيمان وحسن يقين ورياضة بحيث لا يفتن ولا يغتر ولا تلعب به نفسه فلا يحرم ولا يكره وإن خيف عليه شيء من ذلك كره مدحه (ت) واستغربه (عن أبي هريرة عد حل عن ابن عمر) بن الخطاب لم يرمز له المصنف بشيء الحديث: 234 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 235 - (احثوا في أفواه المداحين التراب) قال الطيبي: يحتمل أن يكون المراد دفعه عنه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من الرضخ والدافع قد يدفع خصمه بحثي التراب على وجهه استهانة به. قال الشافعية: ويحرم مجاوزة الحد في الإطراء في المدح إذا لم يكن حمله على المبالغة وترد به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنيعة قال ابن عبد السلام في قواعده ولا تكاد تجد مداحا إلا رذلا ولا هجاء إلا نذلا انتهى بل ربما تجاوز الحد حتى وقع في الكفر كقول ابن هاني الأندلسي شاعر المعز العبدي مخاطبا له: ما شئت لا ما شاءت الأقدار. . . فاحكم فأنت الواحد القهار (عن المقداد) بكسر الميم وسكون القاف ومهملتين (ابن عمرو) بن ثعلبة الكندي بكسر الكاف ثم الزهري بضم الزاي حالف أبوه كنده وتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه صحابي مشهور من السابقين الأولين وهو الكندي لأن الأسود تزوج بأمه أو تبناه وقيل غير ذلك قال الذهبي وكان سادسا في الإسلام مات سنة ثلاث وثلاثين (حب عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن عساكر) في تاريخه (عن عبادة بن الصامت) لم يرمز له بشيء وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وإلا لما ضرب عنه صفحا وعزاه لغيره لما هو متعارف بين القوم أنه ليس لمحدث أن يغزو حديثا في أحدهما ما يفيده لغيرهما وهو ذهول عجيب فقد عزاه الحافظ العراقي إلى الديلمي ثم إلى مسلم وأبي داود وأحمد من حديث المقداد وأعجب من ذلك أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى مسلم الحديث: 235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 236 - (أحد) بفتح الهمزة وكسر المهملة مشددة بصيغة الأمر (يا سعد) بن أبي وقاص أي أشر بأصبع واحدة وهي المسبحة فإن الذي تدعوه واحد قال الزمخشري أراد وحد فقلبت الواو همزة كما قيل أحد وإحدى وآحاد فقد تقلب بهذا القلب مضمومة ومكسورة ومفتوحة انتهى وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر على سعد أحد العشرة وهو يدعو بأصبعين فذكره ويوافقه ما أخرجه مسلم من حديث عمارة أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على هذا يشير بالسبابة وحكى الطبراني عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره فقال السنة للداعي أن يشير فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيته هكذا ساقه الحافظ ابن حجر وما ذكره من أن ذلك إنما ورد في الخطبة بفرض تسليمة إنما يأتي في خبر [ص: 184] مسلم وأما خبر سعد هذا فسياقه كما ترى كالناطق بأنه لم يكن فيها إذ لم يحفظ أن أحدا من الصحابة كان يخطب في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم بحضرته فالأولى أن يجاب بأن الأمر بالإشارة بإصبع واحدة في الدعاء ليس فيه ما يقتضي منع رفع اليدين فيه فيرفعهما ويشير في أثنائه أو أنه تارة يشير وتارة يرفع (حم عن أنس) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على سعد وهو يدعو بأصبعين فذكره قال الهيتمي لم يسم تابعيه وبقية رجاله رجال الصحيح وزاد أحد أحد الحديث: 236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 237 - (أحد أحد) يا سعد كرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره: كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات ولأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو أنه لبيان الجواز على أن هذا الحديث قد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد ولا دليل عليه (د) في الدعوات (ن) في الصلاة (ك) في الدعوات وصححه (عن سعد) بن أبي وقاص قال مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة (ت ن ك عن أبي هريرة) أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحد قال ت حسن غريب وصححه ك وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء الحديث: 237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 238 - (أحد) بضمتين (جبل) وفي رواية البخاري جبيل بالتصغيير وهو على ثلاثة أميال من المدينة في شامتها كما حرره الشريف السمهودي بالذرع وبه رد قول النووي على نحو ميلين وقول المطرزي على نحو أربعة سمي به لتوحده وانقطاعه عن أجبل هناك أو لأن أهله نصروا التوحيد (يحبنا ونحبه) أي نأنس به وترتاح نفوسنا لرؤيته وهو سد بيننا وبين مايؤذينا فمحبة الحي للجماد إعجابه به وسكون النفس إليه والارتياح لرؤيته ومحبة الجماد وهو الجبل هنا للحي مجاز عن كونه نافعا سادا بينه وبين ما يؤذيه أو المراد أهله الذين هم أهل المدينة على حد {واسأل القرية} والأصوب أن المراد الحقيقة ولا تنكر محبة الجماد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما حن إليه الجذع وسبح الحصى في يده وسلم الحجر والشجر عليه وكلمه الذراع وأمنت حوائط البيت على دعائه فهو إشارة إلى حب الله إياه صلى الله عليه وسلم حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وفظاظته وكمال قوة صلابته (خ) في المغازي (عن سهل بن سعد) الساعدي (ت عن أنس) بن مالك (حم طب والضياء) المقدسي (عن سويد) بضم المهملة وفتح الواو ومثناة تحت (ابن عامر) بن زيد بن خارجة (الأنصاري) وفي أسد الغابة عن ابن منده أنه لا يعرف له صحبة انتهى (وما له غيره) أي ليس لسويد غير هذا الحديث وهذا تبع فيه بعضهم وليس بصواب فقد ذكر ابن الأثير له حديث بلوا أرحامكم ولو بالسلام فكان حقه أن يقول ولا أعرف له غيره (أبو القاسم بن بشر في أماليه عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم في الحج عن أنس بهذا اللفظ وبه يعرف أن استقصاءه لمخرجيه لا اتجاه له لأن ذلك إنما يحتاج إليه في حديث يراد تقويته لوهنه وما اتفق عليه الشيخان في غاية الصحة والاتقان وليس استيعاب المخرجين من دأبه في هذا الكتاب فإنه يفعله كثيرا ويتركه أكثر حتى في الأحاديث المحتاجة للتقوية والاعتضاد نعم لك أن تقول حاول بذلك إدخاله في حيز المتواتر الحديث: 238 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 239 - (أحد) بضم أوله وثانيه اسم مرتجل لهذا الجبل قال ياقوت مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع [ص: 185] وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد إشارة إلى الوحدة التي فيه قال في التنقيح هذا أولى ما قيل فيه وقيل أراد الثناء على الأنصار الذين هم سكان المدينة الذي الجبل منها وقيل على الحقيقة لأن الجماد يعقل عند الاعجاز وهذا هو الذي عليه التعويل كما تقرر وقال بعضهم كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله إشعارا للأحدية فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء وقد بدل كثير من أسماء البقاع والناس استقباحا لها (جبل يحبنا ونحبه) لأن جزاء من يحب أن يحب وسيجيء في خبر المرء مع من أحب وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب اسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية (فإذا جئتموه) أي حللتم به أو مررتم عليه (فكلوا) ندبا بقصد التبرك (من شجره) الذي لا يضر أكله (ولو من عضاهه) بكسر المهملة ككتاب جمع عضة وقيل عضاهة وهي كل شجرة عظيمة ذات شوك وهذا وارد مورد الحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاة يمضغ منه للتبرك ولو بلا ابتلاع ثم هذا يخبرك بضعف قول من زعم أن قوله يحبنا ونحبه مجاز عبر عنه بلسان الحال لأنه كان يبشره إذا رآه عند قدومه بالقرب من أهله وذلك فعل المحب فنزل منزلته (طس عن أنس) رضي الله تعالى عنه قال الهيتمي فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وفيه كلام انتهى الحديث: 239 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 240 - (أحد ركن من أركان الجنة) أي جانب عظيم من جوانبها أي أصله منها وسيعود إليها ويصير ركنا من أركانها أو أنه وإن كان يتصل إليها في الآخرة إكراما له بمحبته لمن يحبه الله فيكون مع من أحبه كما مر قال السهيلي وقد سمى الله هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده لمشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء فتعلق الحب من المصطفى به اسما ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسا وأركان الشيء جوانبه التي تقوم بها ماهيته. قال الطيبي: ولعله أراد بالجبل أرض المدينة كلها وخص الجبل لأنه أول ما يبدو من أعلاها (طب عن سهل بن سعد) قال الهيتمي فيه عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني ضعيف وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا وقال النسائي متروك الحديث وقال الجوزجاني واه ثم أورد له مناكير هذا منها وبالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه الحديث: 240 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 241 - (أحد هذا جبل يحبنا ونحبه) بالمعنى المار (على باب من أبواب الجنة) أي من داخلها كما أفصح به في الروض الأنف فلا يناقضه قوله فيما مر قبله ركن من أركانها لأنه ركن يجانب الباب ذكره بعض الأعاظم (وهذا عير) بفتح العين وسكون التحتية وراء مهملة مرادف الحمار ويقال عاير جبل مشهور في قبلي المدينة بقرب ذي الحليفة وفوقه جبل آخر يسمى باسمه ويميز الأول بالوارد والثاني بالصادر وقال أبو عبيدة هو تلقاء غرب وأنشد جعفر بن الزبير: يا ليت إني في سواء عير. . . فلا أرى ولا أرى إلا الطير قال السمهودي وشهرة عير غير خافية قديما فقول مصعب بن الزبير ليس بالمدينة جبل يسمى عير غير صواب وقال المجد قال نصر عير جبل بالمدينة يقال له المثنية كمعرفة (يبغضنا ونبغضه) بالمعنى المار (وإنه على باب من أبواب النار) نار جهنم أشار إليه ليدفع توهم إرادة غيره مما يشاركه هناك لعدم شهرته قال السمهودي لما انقسم أهل المدينة [ص: 186] إلى مجب وموحد وهم المؤمنون وإلى منافق مبغض وهم المجاملون الجاحدون كأبي عامر الراهب وغيره من المنافقين وكانوا ثلث الناس يوم أحد رجعوا مع ابن أبي ابن سلول فلم يحضروا أحدا انقسمت بقاع المدينة كذلك فجعل الله أحدا حبيبا محبوبا كمن حضر به وجعله معهم في الجنة وخصه بهذا الاسم المشتق من الأحدية المشعر بارتفاع دين الأحد وجعل عيرا مبغوضا وجعل لجهته المنافقين من أهل مسجد الضرار فرجعوا من جهة أحد إلى جهة عير فكان معهم في النار وخصهم باسم العير الذي هو اسم الحمار المذموم أخلاقا وجهلا لها ولم يبدله ولذلك تعلق حبه له اسما ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة (طس) وكذا البزار (عن أبي عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة عبد الرحمن بن جبر ضد كسر الأنصاري الأشهلي قيل اسمه عبد الله من كبار الصحب شهد بدرا وما بعدها قال الهيتمي فيه عبد المجيد ابن أبي عبس لينه أبو حاتم وفيه أيضا من لم أعرفه انتهى وهو مأخوذ من الميزان أورد له هذا الخبر الحديث: 241 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 242 - (أحد أبوي بلقيس) بكسر أوله ملكة سبأ التي قص الله سبحانه وتعالى قصتها مع سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة النمل (كان جنيا) قال قتادة ولهذا كان مؤخر قدميها كحافر الدابة وجاء في آثار أن الجني الأم وذلك أن أباها ملك اليمن خرج ليصيد فعطش فرفع له خباء فيه شيخ فاستسقاه فقال يا حسنة اسقي عمك فخرجت كأنها شمس بيدها كأس من ياقوت فخطبها من أبيها فذكر أنه جني وزوجها منه بشرط أنه إن سألها عن شيء عملته فهو طلاقها فأتت منه بولد ذكر ولم يذكر قبل ذلك فذبحته فكرب لذلك وخاف أن يسألها فتبين منه ثم أتت ببلقيس فأظهرت البشر فاغتم فلم يملك أن سألها فقالت هذا جزائي منك باشرت قتل ولدي من أجلك وذلك أن أبي يسترق السمع فسمع الملائكة تقول إن الولد إذا بلغ الحلم ذبحك ثم استرق السمع في هذه فسمعهم يعظمون شأنها ويصفون ملكها وهذا فراق بيني وبينك فلم يرها بعد هذا محصول ما رواه ابن عساكر عن يحيى الغساني قال الماوردي وهذا مستنكر للعقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين إذ الآدمي جسماني والجني روحاني وهذا من صلصال كالفخار وذاك من مارج من نار والامتزاج مع هذا التباين مدفوع والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع ورده القرطبي بوجوه اقناعية من تاريخ دمشق وفي حل نكاح الإنس للجن خلاف ففي الفتاوى السراجية للحنفية لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس وفي فتاوى البارزي من الشافعية لا يجوز التناكح بينهما ورجح ابن العماد جوازه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة وابن مردويه في التفسير وابن عساكر) في ترجمتهما (عن أبي هريرة) وفيه سعيد بن بشر قال في الميزان عن ابن معين ضعيف وعن ابن مسهر لم يكن ببلدنا أحفظ منه وهو ضعيف منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر وبشير بن نهيك أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به ووثقه النسائي الحديث: 242 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 243 - (احذروا فراسة المؤمن) الكامل الإيمان كما أشار إليه بعض الأعيان (فإنه ينظر بنور الله) الذي شرح به صدره (وينطق) فيتكلم (بتوفيق الله) إذ النور إذا دخل القلب استنار وانفسح وأفاض على اللسان وظهرت آثاره على الأركان {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال في الكشاف ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله سبحانه وتعالى مخايل كل مختص بصناعة أو فن من العلم في منطقه وشمائله والنطق الكلام (ابن جرير) الطبري (عن ثوبان) بضم المثلثة السري مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقضية صنيعه أن هذا لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن أبا نعيم والطبراني خرجاه ولعله ظهر له أن سند ابن جرير أمتن فإن فرض أنه كذلك فكان ينبغي عزوه للكل وقد [ص: 187] رواه العسكري وغيره أيضا عن ثوبان بزيادة احذروا دعوة المؤمن وفراسته الحديث: 243 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 244 - (احذروا زلة العالم) أي احذروا الاقتداء به فيها ومتابعته عليها كلبه الإبريسم وركوبه مراكب العجم وأخذه ما فيه شبهة من مال السلطان وغيره ودخوله عليه والتردد إليه ومساعدته إياه بترك الإنكار وتمزيقه الأعراض وتعديه باللسان في المناظرة واستخفافه بالناس وترفعه عليهم واشتغاله بالعلوم بما لا يقصد منه إلا الجاه وكتساهله في الإفتاء وفي الإجازة به وكتقصيره في بذل الجهد في الاجتهاد وإعطائه النظر حقه فيما يسأل عنه وتسارعه إلى الجواب من رأس القلم أو اللسان وإجماله في محل التفصيل والبيان فهذه ذنوب يتبع العالم فيها العالم فيموت العالم ويبقى شره مستطيرا في العالم ومن ثم قال (فإن زلته تكبكبه) بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة (في النار) أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق به ولهذا قال بعض الصوفية إذا زل عالم زل بزلته عالم قال الزمخشري والكبكبة تكرير الكب وجعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى ومن ألقى في النار انكب مرة بعد أخرى حتى يستقر بمستقرها فلما قلب الخلق عن الهدى بزلته قلبه الله تعالى في النار جزاء وفاقا وعصيان العالم إنما هو من رين القلب وظلمة الذنب ولو كسف له غطاء قلبه ورأى ما منح عز عليه أن يدنس خلعة الله التي خلعها عليه كما عز عليه أن يدنس خلع الملوك في الدنيا فلو أن ملكا شرفه بخلعه من خز لصانها فكيف بخلعة رب العالمين على ذلك المسكين من عامة المسلمين <تنبيه> قال الغزالي كان بلعم بن باعوراء من العلماء وكان بحيث إذا نظر رأى العرش وهو المعني بقوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} ولم يقل آية واحدة ولم يكن له إلا زلة واحدة مال إلى الدنيا وأهلها ميلة واحدة وترك لنبي من الأنبياء حرمة واحدة فسلبه معرفته وجعله بمنزلة الكلب المطرود فقال {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه} الآية فإن قلت كيف تدخل العالم زلته النار مع أنه مأجور على اجتهاده وإن أخطأ ولهذا قال ابن المبارك رب رجل حسن وآثاره صالحة كانت له هفوة وزلة فلا يقتدى به فيهما قلت الزلة والغلط تارة تقع عن تقصير في الاجتهاد وفاعل ذلك غير مأجور بل مأزور وتارة تقع عن اجتهاد تام لكن وقع فيه الغلط في استحلال محرم أو تحريم حلال أو ترك واجب بتأويل وهو نفس الأمر خطأ فهذا يؤجر على اجتهاده ولا يعاقب على زلته (فر عن أبي هريرة) لم يرمز المصنف له بشيء وهو ضعيف لأن فيه محمد بن ثابت البناني قال الذهبي ضعفه غير واحد ومحمد بن عجلان أورده في الضعفاء وقال صدوق ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم سيء الحفظ عن أبيه عجلان وهو مجهول الحديث: 244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 245 - (احذروا الدنيا) أي تيقظوا واستعملوا الحزم في التحرز من دار الغرور بالإنابة إلى دار الخلود والاقلاع عنها قبل سكن اللحود (فإنها أسحر من هاروت ماروت) لأنها تكتم فتنتها وهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر والاخلاد إليها أصل كل شر ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة وقد قال علي كرم الله وجهه الدنيا تضر وتغر وتمر وقيل لحكيم كيف ترى الدنيا قال تحل يوما في دار عطار ويوما في دار بيطار وطورا في يد أمير وزمنا في يد حقير وقال في الكشاف الحذر التيقظ والحاذر الذي يجدد حذره <فائدة> قال بعض الشافعية يستثنى من جزم الأئمة بقبول التوبة أربعة لا تقبل توبتهم إبليس وهاروت وماروت وعاقر ناقة صالح. قال بعضهم: ولعل المراد أنهم لا يتوبون انتهى واعترض بأن ما ذكره في إبليس غير صواب بل هو على ظاهره وما ذكره في هاروت وماروت غير صحيح لأن قصتهم قد دلت على أنهم يعذبون في الدنيا فقط وأنهم في الآخرة يكونون مع الملائكة بعد [ص: 188] ردهم إلى صفاتهم (ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا هب عن أبي الدرداء) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف لأن فيه هشام بن كمال قال الذهبي قال أبو حاتم صدوق وقد تغير وكان كلما لقن يتلقن وقال أبو داود وحدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها الحديث: 245 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 246 - (احذروا الدنيا) أي الاسترسال في شهواتها والانكباب على ملاذها واقتصروا منها على الكفاف (فإنها خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي حسنة المنظر مزينة في العيون آخذة بمجامع القلوب (حلوة) بالضم أي حلوة المذاق صعبة الفراق قال في المطامح فيه استعارة مجازية ومعجزة نبوية فخضرتها عبارة عن زهرتها وحسنها وحلاوتها كناية عن كونها محببة للنفوس مزينة للناظرين وهو إخبار عن غيب واقع فإن قلت إخباره عنها بخضرتها وحلاوتها يناقضه إخباره في عدة أخبار بقذارتها وأن الله جعل البول والغائط مثلا لها؟ قلت لا منافاة فإنها جيفة قذرة في مرأى البصائر وحلوة خضرة في مرأى الأبصار فذكر ثم أنها جيفة قذرة للتنفير وهنا كونها حلوة خضرة للتحذير فكأنه قال لا تغرنكم بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها في الحقيقة مرارة وخضرتها يبس. فلله در كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ما أبدعه (حم في) كتاب (الزهد عن مصعب) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح العين المهملة وبموحدة (ابن سعد مرسلا) وهو ابن أبي وقاص أبو زرارة بضم الزاي وفتح الراء الخفيفة الأولى المدني ثقة نزل الكوفة لم يرمز له المصنف بشيء الحديث: 246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 247 - (احذروا الشهوة) هي كما قال الحراني نزوع النفس إلى محسوس محبوب لا يتمالك عنه وفي المصباح هي اشتياق النفس إلى الشيء (الخفية) قالوا يا رسول الله وما الشهوة الخفية قال (العالم يحب أن يجلس) بالبناء للمفعول أي يجلس الناس (إليه) فإن ذلك يبطل عمله لتفويته الاخلاص وتصحيح النية فليس الشأن حفظ العلم بل في صونه عما يفسده كالرياء والعجب والتعاظم بإظهار علمه وذلك سم وخيم وسهم من سهام الشيطان الرجيم أخرج العلائي في أماليه عن علي كرم الله وجهه سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم وسرهم علنهم يجلسون حلقا حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس لغيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله تعالى وقال كعب الأحبار سيكون في آخر الزمان علماء يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أو أخذ عنه أولئك الجبارون أعداء الرحمن وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن عيينة أن ربيعة بكى فقيل ما يبكيك قال رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كغلمان في حجور أمهاتهم إن أمروهم ائتمروا وإن نهوهم انتهوا. قال الغزالي هذا هو الانتكاس على أم الرأس وفاعله الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسا رأسه عند ربه انظر كيف انتهى أمر الذين يزعمون التقرب إلى الله تعالى بالعلم يبذلون المال والجاه ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات ويتوقع المعلم في نفس المتعلم أن ينقطع إليه ويقتصر عليه ويقوم معه في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه وينهض حمارا له في حاجاته مسخرا بين يديه في أوطاره ومهماته فإن قصر غضب عليه وعاداه فاخسئ بعالم يرضى لنفسه بهذه المرتبة ثم يفرح بها ثم لا يستحي أن يقول غرضي من التدريس نشر العلم تقربا إلى الله تعالى انتهى. فهذا حال زمن الغزالي فلو رأى زماننا هذا قال البيهقي فعلى هذا ينبغي للعالم أن يكون فعله لوجه الله تعالى لا يريد أن يزداد من الناس جاها أو على أقرانه استعلاء أو لأضداده أقماء وأن لا يريد أن يكثر الآخذون عنه وإذا حضروا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره وأن لا يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره بل يقصد أداء الأمانة بنشر ما عنده وإحياء معالم الذين وصونها عن الدروس (تتمة) قال في الحكيم: ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه (فر عن أبي هريرة) ولم يرمز له بشيء قال [ص: 189] ابن حجر وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي متروك الحديث: 247 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 248 - (احذروا الشهرتين) تثنية شهرة وهي كما في القاموس ظهور الشيء في سمعة حتى يشتهر للناس والمراد هنا اشتهار الإنسان بلبس (الصوف) بضم أوله (والخز) بفتح المعجمة الحرير أو نوع منه أي احذروا لبس ما يؤدي إلى الشهرة في الطرفين أي طرفي التخشن وهو الصوف والتحسن وهو الحرير فإنه مذموم مكروه والمراد ما فيه حرير أما الحرير المحض أو ما أكثره حرير فحرام على الرجل وهو أمر بالتباعد عن طلب الشهرة في اللباس وقد أمر الشارع بالتوسط بين التفريط والإفراط حتى في العبادة وفيه رد على من تحرى من الصوفية لبس الصوف دائما ومنع نفسه من غيره وألزمها زيا واحدا وعمد إلى رسوم وأوضاع وهيئات ويرى الخروج عنها منكرا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يلبس ما وجد فلبس الكتان والصوف والقطن وما الهدي إلا هديه وما الأفضل إلا ما سنه وهو لبس ما تيسر من الوسط المعتدل صوفا تارة وقطنا طورا وكتانا أخرى ولبس البرود اليمانية والأحمر والجبة المكفوفة بالديباج والقباء والقميص والإزار والرداء والشعر الأسود وأرخى العذبة تارة وتركها أخرى وتقنع تارة وتركه أخرى ولبس عمامة بيضاء تارة وسوداء أخرى وتحنك مرة وتركه إلى غير ذلك مما هو مشهور مسطور وبهذا علم أنه لا تعارض بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي عليكم بلباس الصوف إلى آخره لأن ما هنا في ملازمة زي واحد وذاك في لبس الصوف أحيانا أو يقال التحذير عن لبسه للشهرة والإذن في لبسه بقصد إذلال النفس وقهرها (أبو عبد الرحمن) محمد بن الحسين (السلمي) الصوفي (في) كتاب (سنن الصوفية) نقل الذهبي وغيره عن الخطيب عن القطان أنه كان يضع للصوفية وفي اللسان كأصله أنه ليس بعمدة ونسبه البيهقي للوهم (فر) من حديث السلمي هذا (عن عائشة) رضي الله عنها قال في الأصل وضعفه وفيه أحمد بن الحسين الصفار كذبوه الحديث: 248 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 249 - (احذروا صفر) بضم فسكون (الوجوه) أي الأناسي المصفرة وجوههم أي احذروا مخالطتهم واجتنبوا عشرتهم (فإنه) أي ما بهم من الصفرة (إن لم يكن) ناشئا (من علة) أي مرض قال في المصباح: العلة المرض الشاغل (أو سهر فإنه) يكون (من غل) بكسر المعجمة غش وحقد (في قلوبهم) زاده إيضاحا إذ الغل ليس إلا في القلب (للمسلمين) لأن ما أخفت الصدور يظهر على صفحات الوجوه وذلك مدرك بنور الفراسة الإيمانية ويظهر أن المراد به قوم مخصوصون من أهل زمنه من أهل النفاق أو اليهود لا مطلقا لقولهم إن أشرف الألوان الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس وغيرها <فائدة> قال العارف الخواص أرباب الأحوال يعرفون الصالحين بصفرة الوجوه مع سواد البشرة وسعة العيون وخفض الأصوات وأما الكمل فلا يعرفهم إلا من عرف الله وفي إشعاره تحذير من إضمار السوء للمسلمين خوف الفضيحة والعذاب في العقبى (فر عن ابن عباس) وفيه زيد بن حبان ذكر في اللسان عن ابن حبان أنه يخالف في حديثه وأخرجه أيضا أبو نعيم في الطب بسند واه عن أنس وبه يعرف أن قول ابن حجر لم أقف له على سند إن أراد ثابت جيد فمسلم وإلا فقد علمت وروده الحديث: 249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 250 - (احذروا البغي) أي احترسوا من فعله (فإنه) أي الشأن (ليس من عقوبة هي أحضر) أي أسرع وقوعا (من عقوبة [ص: 190] البغي) فإنه يعجل جزاؤه في الدنيا سريعا قال الحراني: والبغي السعي بالقول والفعل في إزالة نعم الله تعالى عن خلقه بما اشتملت عليه ضمائر الباغي من الحسد (عد وابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه الحديث: 250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 251 - (احرثوا) بضم الهمزة والراء ازرعوا من حرث الأرض أثارها للزراعة (فإن الحرث) أي تهيئة الأرض للزراعة وإلقاء البذر فيها (مبارك) أي كثير الخير نافع للخلق فإن كل عافية تأكل منه وصاحبه مأجور على ذلك مبارك له فيما يصير إليه (وأكثروا فيه) أي في الزرع إذا نبت (من الجماجم) بجيمتين جمع جمجمة البذر أو العظام التي تعلق عليه لدفع الطير أو العين ويدل للثاني ما في خبر منقطع عند البيهقي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بالجماجم أن تجعل في الزرع من أجل العين وفيه ندب الاحتراف بالزرع ولا يعارضه الخبر الآتي إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر إلى آخره لأن في زرع معه ترك الجهاد والاشتغال عن وظائف الطاعات وما هنا فيما ليس كذلك وفي السير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يزرع أرض بني النضير لما صارت إليه ومن كلامهم الفلاحة بالفلاح مصحوبة والبركة على أهلها مصبوبة (د في مراسيله عن علي بن الحسين) زين العابدين قال الزهري ما رأيت قريشا أفضل منه (مرسلا) قال: إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قال: يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا واحرثوا فإن الحرث إلى آخره الحديث: 251 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 252 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن القارئ (الذي إذا قرأ رأيت) أي علمت (أنه يخشى الله) أي يخافه لأن القراءة حالة تقتضي مطالعة جلال الله وعرفان صفاته ولذلك الحال آثار تنشأ عنها الخشية من وعيد الله وزواجر تذكيره وقوارع تخويفه فمن تلبس بهذا الحال وظهرت عليه هيبة الجلال فهو أحسن الناس قراءة لما دل عليه حاله من عدم غفلة قلبه عن تدبر مواعظ ربه وخشية الله سبب لولوج نور اليقين في القلب والتلذذ بكلام الرب ولم يكن كذلك فالقرآن لا تجاوز حنجرته <تنبيه> قال بعض الكاملين كان طفل يقرأ على بعض الصالحين القرآن فرآه مصفر اللون فسأل عنه فقالوا يقوم الليل بالقرآن كله فقال له في هذه الليلة أحضرني في قبلتك واقرأ علي القرآن في صلاتك ولا تغفل عني فلما أصبح قال له ختمت القرآن كالعادة قال لم أقدر على أكثر من نصفه فقال في هذه الليلة اجعل من شئت من الصحب الذين سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه ففعل فلم يمكنه إلا قراءة نحو ربعه فقال اقرأ الليلة على من أنزل عليه ففعل فلم يقدر على أكثر من جزء فقال له الليلة استحضر أنك تقرؤه على جبريل الذي نزل به واعرف قدر من تقرأ عليه ففعل فلم يقدر إلا على سورة فقال الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه واقف بين يديه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأ فليس المراد جمع الحروف بل تدبر المعاني ففعل فأصبح مريضا فعاده أستاذه فلما أبصره الشاب بكى وقال جزاك الله عني خيرا ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما استحضرت الحق وأنا بين يديه أتلو عليه كلامه فوصلت إلى إياك نعبد لم أر نفسي تصدق في قولها فاستحييت أن أقول إياك نعبد وهو يعلم كذبي وصرت أردد في القراءة كلامه إلى مالك يوم الدين حتى طلع الفجر وقد احترق كبدي وما أنا إلا راحل له على حالة لا أرضاها من نفسي فمات فدفن فأتاه أستاذه فناداه فأجابه من القبر يا أستاذ أنا حي قدمت على حي فلم يحاسبني في شيء فقام مريضا فلحق به (محمد بن نصر في) كتاب (الصلاة هب خط عن ابن عباس) وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي قال الذهبي: ضعفوه (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان على غير قياس (في) كتاب (الابانة) في أصول الديانة (خط) في ترجمة محمد بن وزير الرشيد (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه حميد بن حماد قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالمناكير (فر عن عائشة) رضي [ص: 191] الله تعالى عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحسن صوتا بالقرآن فذكره وفيه يحيى بن عثمان ابن صالح قال ابن أبي حاتم تكلموا فيه وابن لهيعة فيه لين لكن بتعدد طرقه يتقوى فيصير حسنا وظاهر صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في أحد الستة وإلا لما عدل إلى قول مغلطاي وغيره ليس لمحدث أن يعزو حديثا لغير أصحاب الكتب الستة وهو فيها إلا أن تكون فيه زيادة أو شبهها ما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز إلا عند من لم يكن محدثا وقد خرجه ابن ماجه عن جابر بلفظ " أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى قال الحافظ العراقي وسنده ضعيف وقد رواه البزار بسند كما قال الحافظ الهيتمي رجاله رجال الصحيح فحذفه الصحيح واقتصاره على المعلول من التقصير الحديث: 252 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 253 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن (من قرأ القرآن يتحزن به) أي يرقق به صوته لما أهمه من شأن القرآن وهذا هو المراد بخبر الطبراني أحسنوا الأصوات بالقرآن لا ما يفعله القراء من رعاية الألحان المخرجة للحروف عن مواضعها فالقصد بالتحزن به التخشع عند قراءته لينشأ عن ذلك الخشية (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف وقال ابن حجر فيه ابن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه الحديث: 253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 254 - (أحسنوا) بفتح فسكون فكسر (إذا وليتم) بفتح أوله مخففا ويجوز ضمه مثقلا أي إذا وليتم ولاية يعني إمارة ونحوها فأحسنوا إلى الرعية ومن وليتم عليهم قولا وفعلا وفي نسخة فيما وليتم ومن الإحسان إليهم إحسان القتلة وإقامة الحدود والتعازير والتأديب (واعفوا عما ملكتم) من الأرقاء بأن تتجاوزوا عن المسيء إن كان للتجاوز أهلا {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} والإحسان في كل شيء بحسبه ورب نفس كريمة تخضع وترجع بالعفو ونفس لئيمة لو سومحت لفسدت وأفسدت {والله يعلم المفسد من المصلح} وهذا في غير الحدود وحق الخلق أما الحد فيقام لئلا يعصي الله في أمره ونهيه لكن يجب على السيد أن يعاقبه لله لا لنفسه ولا شفاء لغيظه ولا يجاوز الكمية ولا يتعدى في الكيفية وإلا فالقصاص قائم يوم القيامة والتأديب المحمود ما هو لله والمذموم ما للنفس والناس في هذا طبقات فمن كان قلبه لله أمكنه أن يؤدبه في أمر الدنيا والآخرة لله ومن لم يكن كذلك بل غلبه هواه فلا يضرب إلا في أمر الدين فقط بحسبه ليكون لله أما في أمر الدنيا من نفع أو ضر فلا لأنه إنما يغضب لنفسه (الخرائطبي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي سعيد) الخدري وكذا رواه الديلمي وغيره وفيه ضعف الحديث: 254 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 255 - (أحسنوا) في رواية أحسني خطابا لعائشة ولعل الخطاب تعدد (جوار) بالكسر أفصح كذا في الصحاح وفي القاموس الضم أفصح ونحوه في المصباح والمراد الجوار المعنوي (نعم الله) جمع نعمة بمعنى إنعام وهي كل ملائم تحمد عاقبته ثم فسر المراد بحسن الجوار بقوله (لا تنفروها) أي لا تبعدوها عنكم بفعل المعاصي فإنها تزيل النعم ولا تطردوها بترك الشكر (فقلما) ما في قلما لتأكيد معنى القلة كما ذكره في الكشاف في {قليلا ما تشكرون} وإنما أكد القلة بها لابهامها كما تؤكد الكثرة بها لأن المبهم يتناول الكثير والقليل أي في قليل من الأحيان وقال بعضهم ما من قلما يحتمل كونها كافة للفعل عن العمل وكونها مع الفعل لعدها في تأويل المصدرية (زالت عن قوم فعادت إليهم) لأن حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها وتعظيمها من شكرها والرمي بها من الاستخفاف بها وذلك من الكفران والكفور ممقوت [ص: 192] مسلوب ولهذا قالوا الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة وقالوا كفران النعم بوار وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم هاربها بكرم الجوار واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقارا. وقال الغزالي: فحافظ على إحسان الجوار عسى أن يتم نعمته عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال فإن أمر الأمور وأصعبها الإهانة بعد الإكرام والطرد بعد التقريب والفراق بعد الوصال. وقال بعضهم إن حقا على من لعب بنعم الله سبحانه وتعالى أن يسلبه إياها. قيل: أنجت امرأة صبيا بكسرة فوضعتها في جحر فابتلى أهل ذلك البلد بالقحط فاضطرت المرأة لشدة الجوع حتى طلبتها فأكلتها. فارتباط النعم بشكرها وزوالها في كفرها فمن عظمها فقد شكرها ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت فالعاقل من حصن نعمته عن الزوال بكثرة العطايا والإفضال وجرى على شاكلة أكابر جنسه من أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين وخواص عباده الذين دأبهم أن يتلقوا نعمة الله القادمة بحسن الشكر كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر بحمد الله <تنبيه> قال ابن الحاج كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق قال فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة مما يؤكل أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه لكن لا يقبله ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة فإنه بدعة قال: وهذا الباب مجرب فمن عظم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا مخرجا (ع عد) وكذا البيهقي كلهم من حديث عثمان بن مطر عن ثابت (عن أنس) ثم قال البيهقي عثمان ضعيف وقال الذهبي ضعفوه كلهم وقال الهيتمي عقب نسبته لأبي يعلى فيه عثمان بن مطر ضعيف (هب) من حديث الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن عروة (عن عائشة) قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها ومسحها وأكلها ثم ذكره وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه ولا كذلك بل عقبه ببيان علته فقال الموقري ضعيف قال ورواه خالد بن إسماعيل المخزومي عن هشام عن أبيه عن عائشة وهو أيضا ضعيف الحديث: 255 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 256 - (أحسنوا إقامة الصفوف) جمع صف (في الصلاة) أي أتموها وسدوا الخلل فيها وسووها مع اعتدال القائمين على سمت واحد والأمر للندب ويسن إذا كبر المسجد أن يأمر الإمام رجلا بتسوية الصفوف ويطوف عليهم أو ينادي فيهم ويسن لكل من حضر أن يأمر بذلك من يرى منه خللا في تسوية الصف فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى قال في المجموع والمراد بتسويتها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منع على من هو بجنبه (حم حب عن أبي هريرة) قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 257 - (أحسنوا) ندبا (لباسكم) بالكسر أي ما تلبسونه من نحو إزار ورداء أو قميص وعمامة أي نظفوه واجتنبوا البالغ في الخشونة (وأصلحوا رحالكم) أي أثاثكم أو سروجكم التي تركبون عليها أو الكل (حتى تكونوا كأنكم شامة) بفتح فسكون وقد تهمز وتخفف وهي أثر يغاير لونه لون البدن يسمى خالا وأثرا والمراد كونوا في أصلح زي وأحسن هيئة حتى تظهروا (في الناس) فيرونكم بالتوقير والإكرام والاحترام كما تستملحون الشامة لئلا تحتقروا في أعين العوام والكفار فيزدريكم أهل الجهل والضلال فيندب تنظيف نحو الثوب والعمامة والبدن وتحسينها لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا إعجاب وعلى خلافه يحمل ما ورد مما ظاهره مخالف ذلك كخبر اخشوشنوا [ص: 193] وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يتجنب كل ما يزدري ويحتقر لأجله الإنسان لاسيما ولاة الأمور والعلماء (ك عن سهل ابن الحنظلية) المتعبد الزاهد المتوحد وهو سهل بن الربيع الأنصاري والحنظلية أمه سكن دمشق وبها مات أول خلافة معاوية وهذا روى عن ابن الحنظلية المذكور بزيادة في أوله بلفظ إنكم قادمون على إخوانكم فأحسنوا إلى آخره كما يأتي فلعله سمعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم مرتين كذلك أو حدث به هو مرة مختصرا وأخرى مطولا الحديث: 257 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 258 - (أحسنوا الأصوات) لفظ رواية الطبراني على ما وقفت عليه في أصول صحيحة أصواتكم جمع صوت وهو هواء منضغط بين قارع ومقروع (بالقرآن) أي بقراءته بترقيق صوت وترتيل وتدبر وتأمل لأحكامه وقصصه ومواعظه وبذلك تنبعث الخشية ويستنير القلب قال الشافعية تسن القراءة بتحسين الصوت وطلبها من حسنه والإصغاء إليها وقراءته حدرا وتحزينا والحدر رفع الصوت تارة وخفضه أخرى والتحزين تليين الصوت ولا بأس بالإدارة واجتماع جماعة في القراءة وترديد آياته للتدبر (طب عن ابن عباس) لم يرمز له المؤلف بشيء ووهم من زعم أنه رمز لضعفه قال الحافظ الهيتمي رواه بإسنادين وفي أحدهما عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه البخاري وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 259 - (أحسنوا إلى محسن الأنصار) بالقول والفعل قال ابن الكمال: والإحسان فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير (واعفوا عن مسيئهم) ما فرط منه من زلة وحذف المفعول للتعميم وذلك لما لهم من المآثر الحميدة من نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه وبإيثارهم من الأموال والأنفس وهذا وإن كان عاما في التجاوز فما هو إلا على منهاج التكرمة وزيادة المبالغة في العفو وإلا فلا مزية لهم إلا فيما كان من إساءة لا تتعلق بحد حر ولا بحد عبد فهو من قبيل خبر " أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم " وهذا من جوامع الكلم لأن الحال منحصر في الضر والنفع وفي الشخص المحسن والمسيء وفيه من أنواع البديع الطباق (طب عن سهل بن سعد) الساعدي (وعبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (معا) قال العباس بن سهل دخل سهل على الحجاج وهو متكئ فقال له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا إلى آخره قال من يشهد لك قال هذان عند كتفيك عبد الله بن جعفر وإبراهيم بن محمد بن حاطب فقالا نعم رواه كله الطبراني قال الهيتمي وفيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته نعم رواه الطبراني بمعناه في ضمن حديث خطب به ولفظه أما بعد فإن هذا الحي من الأنصار يقلون ويكثر الناس فمن ولي شيئا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع به أحدا فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم الحديث: 259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 260 - (أحصوا) بضم الهمزة (قوله أحصوا بضم الهمزة: هو خطأ والصواب بفتح الهمزة لأنه من الاحصاء. أه) عدوا واضبطوا والاحصاء أبلغ من العد في الضبط لما فيه من إعمال الجهد في العد (هلال شعبان لرمضان) أي لأجل صيامه والهلال ما يرفع الصوت عند رؤيته فغلب على الشهر الذي هو الهلال ذكره الحراني وفي القاموس الهلال غرة القمر أو لليلتين أو لسبع والمراد أحصوا هلاله حتى تكملوا العدة إن غم عليكم أو تراؤوا هلال شعبان وأحصوه ليترتب عليه رمضان بالاستكمال أو الرؤية فإن قيل حديث العدد لا يقع فيه اضطراب فالأخذ به أولى ورد بالمنع وإن سلم فحديث الرؤية مثله بل أولى وقد قال أحصوا إلى آخره لأن فيه إظهار الشعار دونه (ت) في الصوم من طريق مسلم صاحب الصحيح (ك) في الصوم وصححه (عن أبي هريرة) ورجاله رجال الصحيح إلا محمد بن عمرو فإنه لم يخرجه الشيخان الحديث: 260 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 [ص: 194] 261 - (احضروا) بضم الهمزة (الجمعة) أي خطبتها وصلاتها وجوبا على من هو أهلها ندبا لغيره في رواية بدل الجمعة الذكر (وادنوا) ندبا (من الإمام) أي اقتربوا منه بأن تكونوا في الصف الأول بحيث تسمعون الخطبة (فإن الرجل لا يزال يتباعد) عن الإمام أو عن استماع الخطبة أو عن مقام المقربين أو عن مقاعد الأبرار (حتى يؤخر) بضم أوله وفتح ثانيه أي عن الدرجات العالية (في الجنة) قال الحراني: والتأخر إبعاد الفعل من الاين الكائن وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفسافها والله يحب تلك ويكره هذه كما يأتي في خبر وفي قوله (وإن دخلها) بغير سبق تعريض بأن الداخل قنع من الجنة ومن تلك الدرجات والمقامات الرفيعة بمجرد الدخول ولله در القائل في المعنى حاول جسيمات الأمور ولا تقل. . . إن المحامد والعلى أرزاق وارغب لنفسك أن تكون مقصرا. . . عن غاية فيها الطلاب سباق وإذا كان هذا حال المتأخر فكيف بالتارك (حم د) في الصلاة (ك) في الجمعة (هق عن سمرة) بن جندب ولفظ أحمد وأبي داود والحاكم عن سمرة احضروا الذكر وادنوا من الإمام إلى آخر ما ذكر ورواه أحمد أيضا والبيهقي بلفظ احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل ليتخلف عن الجمعة حتى إنه ليتخلف عن الجنة وإنه لمن أهلها وسياق المؤلف يخالف الطريقين ثم الحديث قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وسكت عليه أبو داود لكن تعقبه المنذري بأن فيه انقطاعا وقال الذهبي في تعقبه على البيهقي فيه الحكم بن عبد الملك قال ابن معين ليس بشيء الحديث: 261 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 262 - (احفظ) بكسر الهمزة (لسانك) صنه عن النطق بما لا يعنيك فإن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فهو في النار وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم وخص اللسان لأن الأعضاء كلها تابعة له فإن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت ولكثرة الكلام مفاسد يتعذر إحصاؤها أو المراد لا تتكلم بما يهجس في نفسك من الوساوس فإنك غير مؤاخذ به ما لم تتلفظ أو تصمم أو لا تتفوه بما ستره الله عليك فإن التوبة منه أرجى قبولا والعفو عنه أقرب وقوعا ذكره القاضي وهذا ما لم يتعلق بالكلام مصلحة كإبلاغ عن الله ورسوله وتعليم علم شرعي وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإصلاح بين الناس ونحو ذلك من كل أمر ديني أو دنيوي يترتب على السكوت عنه فوت مصلحة وقد تطابقت الملل وتضافرت النحل على مدح حفظ اللسان في غير ذلك لإيراثه جميل المعاشرة ومليح المعاملة وقد قال عيسى عليه الصلاة والسلام للخنزير اذهب بسلام فقيل له فيه فقال: كرهت أن أعود لساني منطق السوء قال الحراني: والحفظ الرعاية لما هو متداع في نفسه فيكون تماسكه بالرعاية له عما يوهنه أو يبطله وقال الراغب: هو المحافظة على مراعاة الشيء وقلة الغفلة عنه ويقال إثبات صورة الشيء في القلب حفظ وللقوة الحافظة حفظ قال الزمخشري: واللسان جارحة الكلام وقد يكنى به عن الكلام ومنه قولهم إن لم تحفظ لسانك ملكت الشيطان فضل عنانك (ابن عساكر) في تاريخه (عن مالك بن يخامر) بضم المثناة تحت وفتح المعجمة وكسر الميم وبالراء ويقال أخامر بقلب التحتية همزة وأخيمر مصغر خمر وهو السكسكي الالهاني الحمصي قيل مخضرم وقيل له صحبة ولم يثبت والحديث جيد الإسناد ولكنه مرسل على الأصح الحديث: 262 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 263 - (احفظ) أيها الإنسان (ما بين لحييك) بفتح اللام على الأشهر وهما العظمان اللذان عليهما الأسنان السفلى بأن [ص: 195] لا تنطق إلا بخير ولا تأكل إلا من حلال (وما بين رجليك) بأن تصون فرجك عن الفواحش وتستر عورتك عن العيون فإنك إن فعلت ذلك ضمن لك المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخول الجنة كما ذكره في خبر يأتي وإنما نص على الأمر بذلك ولم يكتف بدخوله في العموميات التي لا تحصى لأن كف داعية اللسان والفرج من أهم الأمور ومن ثم عد من أعظم أنواع الصبر وفضله لشدة الداعي فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كنميمة وغيبة وكذب ومراء وثناء وحكاية كلام الناس وأحوالهم والطعن في عدو ومدح صديق ونحو ذلك ومقاساة كف الفرج أشد من ذلك ومن غيره إذ هو أعظم فخوخ الشيطان لأتقياء الرحمن فما بالك بآحاد الشبان (ع وابن قانع) عبد الباقي في معجمه (وابن منده) محمد بن إسحاق العبدي الأصبهاني الحافظ الجوال (والضياء) المقدسي في المختارة (عن ضعضعة) بفتح المهملتين وسكون المهملة بينهما وفتح المهملة الثانية ابن ناجية بن عقال التميمي (المجاشعي) بضم الميم وفتح الجيم مخففة وشين معجمة نسبة إلى مجاشع بن دارم قبيلة معروفة وهو جد الفرزدق لا عمه على الصحيح كما في أسد الغابة لكن في التقريب أنه عمه وهو عم الأقرع بن حابس كان يفتدي الموؤدة في الجاهلية وهو من أشراف مجاشع له وفادة وحديث الحديث: 263 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 264 - (احفظ عورتك) صنها عن العيون لأنها خلقت من آدم مستورة وقد كانت مستورة عن آدم وحواء ودخلا الجنة ولم يعلما بها حتى أكلا من الشجرة فانكشفت فأمرا بسترها أخرج الحكيم الترمذي خبر إن أول ما خلق الله من آدم فرجه ثم قال هذه أمانة قد خبأتها عندك (إلا من زوجتك) بالتاء لغة وبدونها جاء القرآن (أو ما) أي والا الأمة التي (ملكت يمينك) وحل لك وطؤها وعبر باليمين للغالب إذ كانوا يتصافحون بها عند العقود والخطاب وإن كان لمفرد لكن المراد العموم لمن حضر وغاب من جميع الأمة بقرينة عموم السؤال والمرأة تحفظ عورتها حتى مما ملكت يمينها إلا من زوجها قال الطيبي: وعدل عن استر إلى احفظ ليدل السباق على الأمر بسترها استحياء عمن ينبغي الاستحياء منه أي من الله ومن خلقه يشير به معنى قوله تعالى {الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة وهي إلى الزنا وفيه أن للزوج نظر فرج زوجته وحلقة \ دبرها وأخذ بعضهم منه أنه يجب على الرجل تمكين حليلته من الاستمتاع به ورد بأن معنى قوله إلا من إلى آخره أي فهو أولى أن لا تحفظ عورتك منها وذاك لأن الحق في التمتع له لا لها فيلزمها تمكينه ولا عكس (قيل) يعني قال معاوية الصحابي يا رسول الله (إذا كان القوم) أي الجماعة (بعضهم في) وفي نسخ من والأول هو ما في خط المؤلف (بعض) كأب وجد وابن وابنة أو المراد المثل لمثله كرجل لرجل وأنثى لأنثى وعليه فالقوم اسم كان وبعضهم بدل منه ومن بعض خبرها (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن استطعت أن لا يرينها أحدا) بنون التوكيد شديدة أو خفيفة فلا يريها أحد اجتهد في حفظها ما استطعت وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها (قيل) أي قلت يا رسول الله (إذا كان أحدنا خاليا) أي في خلوة فما حكم ستر عورته حينئذ (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أحق) أي أوجب (أن يستحيا) بالبناء للمجهول (منه من الناس) عن كشف العورة وهو تعالى وإن كان لا يحجبه شيء ويرى المستور كما يرى العاري لكن رعاية الأدب تقتضي الستر قال العلائي وغيره وهذا إشارة إلى مقام المراقبة فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فلأن يستحيي من ربه المطلع عليه في [ص: 196] كل حال وكل وقت أولى والداعي إلى المراقبة أمور أعظمها الحياء قيل إن إبراهيم بن أدهم صلى قاعدا ثم مد رجله فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك فما مدها بعد أبدا وقال الحكيم من تعرى خاليا ولم يحتشم فهو عبد قلبه غافل عن الله لم يعلم بأن الله يرى علم اليقين ولذلك كان الصديق رضي الله تعالى عنه يقنع رأسه عند دخوله الخلاء حياء من الله تعالى وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه قال الماوردي ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لم تر عورته قط ولو رآها أحد عمي وعدوا من خصائص هذه الأمة حرمة كشف العورة وكما يؤمر بحفظ عورته يؤمر بحفظ عورة غيره بترك النظر إليها قال ابن جرير إلا لعذر كحد يقام عليه وعقوبة تدرأ وظاهر الخبر وجوب ستر العورة في الخلوة لكن المفتى به عند الشافعية جواز كشفها فيها لأدنى غرض كتبريد وخوف غبار على نحو ثوب فينزل الخبر على ندب الستر في الخلوة لا وجوبه وممن وافقهم ابن جرير فأول الخبر في الآثار على الندب قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة (حم ع ك هق عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده) معاوية بن حيدة القشيري الصحابي المشهور قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر فذكره قال الترمذي والحاكم صحيح وأقره الذهبي ورواه البخاري معلقا قال ابن حجر وإسناده إلى بهز صحيح ولهذا جزم البخاري بتعليقه وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه وقال الكمال ابن أبي شريف بهز وثقه أحمد وآخرون وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا وأبوه حكيم قال النسائي لا بأس به الحديث: 264 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 265 - (احفظ ود أبيك) بضم الواو أي محبته وبكسرها أي صديقه وعلى الأول فيه كما في النهاية حذف تقديره احفظ من كان ودا لأبيك أي صديقا له وعلى الكسر لا تقدير فإن الود بالكسر الصديق (لا تقطعه) بنحو صد وهجر (فيطفئ الله نورك) بالنصب جواب النهي أن يخمد ضياءك ويذهب بهاءك ويمسكه وما يمسك الله فلا مرسل له والمراد احفظ محب أبيك أو صديق أبيك بالإحسان والمحبة سيما بعد موته ولا تهجره فيذهب الله نور إيمانك وهذا وعيد مهول وتقريع يذهب عقول الفحول عن قطع ود الأصول حيث آذن عليه بذهاب نور الإيمان وسخط الرحمن وما يذكر إلا أولوا الألباب ولم يقل ضوءك بدل نورك لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قيل يطفئ الله ضوءك لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض الأبلغية والتوعد بانطماس النور بالكلية قال الحافظ العراقي وهل المراد به نوره في الدنيا أو نوره في الآخرة كل محتمل وقد ورد في التنزيل ما يدل على كل منهما أما في الدنيا ففي قوله {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} وقوله في حديث الحاكم إن النور إذا دخل الصدر انفسح قيل يا رسول الله هل لذلك من علم قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود واستعداد للموت قبل نزوله وأما في الآخرة ففي نحو {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم} قال ويؤيد أن المراد النور الأخروي إذ ترك الود لمن كان من أهل ود أبيه نوع من النفاق فإنه كان يجامل أباه فلما توفي أبوه ترك ذلك وترك النور في الآخرة جزاء من فيه نفاق كما قال تعالى {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} وقد أخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن سلام والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق نبيا إنه لفي كتاب الله تعالى لا تقطع من كان يصل أباك فيطفئ الله نورك وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قال في كتاب الله الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام احفظ ود أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك وكالأب الجد أبو الأب والأم ويظهر أن يلحق به جميع الأصول من الجهتين ومن البين أن الكلام في أب محترم يحرم عقوقه ويطلب بره (خد طس هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال زين الحفاظ العراقي إسناده جيد والهيتمي إسناده حسن وسبب تحديث ابن عمر أنه مر في سفره على أعرابي فقال له ألست ابن فلان فقال نعم فأعطاه حمارا كان يستعقبه ونزع عمامته فأعطاه إياها فقال من معه أما يكفيه درهمان فقال كان أبوه صديقا لعمر وقد قال المصطفى فذكره أه الحديث: 265 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 [ص: 197] 266 - (احفظوني في العباس) أي احفظوا حرمتي وحقي عليكم في احترامه وإكرامه وكف الأذى عنه (فإنه) أي الشأن أن له تمييزا على غيره من الصحابة فإجلاله ينبغي أن يكون فوق إجلالهم إذ هو (عمي وصنو أبي) بكسر أوله المهمل أي مثله يعني أصلهما واحد فهو مثل أبي فهذا كالعلة في كون حكمهما منه في الإيذاء سواء وأن تعظيمه وإجلاله كتعظيمه وإجلاله لو كان موجودا ولا حجة فيه لمن استدل به على إيمان والدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما لا يخفى وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعرفون العباس ذلك ويبالغون في تعظيمه ويشاورونه ويأخذون برأيه بل واستسقى به عمر غير مرة ولم يمر قط بعمر وعثمان راكبين إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له كما أخرجه ابن عبد البر وغيره وقال يوما يا رسول الله إني أتيت قوما يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا أنهم استنقلوني فقال أو قد فعلوها والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم لمحبتي رواه الطبراني بإسناد صحيح (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين وأخرجه عنه الطبراني في الأوسط والصغير بلفظ احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي قال التفتازاني يعني الذي بقي من جملة آبائي قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم الحديث: 266 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 267 - (احفظوني في أصحابي) أي راعوا حرمتي وارقبوني فيهم واقدروهم حق قدرهم وكفوا ألسنتكم عن غمطهم أو الوقيعة فيهم بلوم أو تعنيف لبذلهم نفوسهم وإطراحها بين يدي الله تعالى في الحروب وقتالهم القريب والبعيد في ذات الله وبذلهم أموالهم وخروجهم من ديارهم وصبرهم على البلاء والجهد الذي لا يطيقه غيرهم وليس ذلك إلا عن أمر عظيم ملك البواطن وصرفها على حكم محبة الله ومحبة رسوله فاستوجبوا بذلك الرعاية وكمال العناية والإضافة للتشريف (وأصهاري) جمع صهر وهو ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج. قال الزمخشري: فلان صهر فلان لمن يتزوج بنته وقد يقال لأهل بيت الزوجين معا أصهار انتهى وقال ابن السكيت: من كان من قبل الزوج أحماء ومن قبل المرأة أختان ويجمع الصنفين الأصهار والمتعارف من أصهاره آباء زوجاته كالعمرين وأزواج بناته كعلي وعثمان وأقارب زوجاته (فمن حفظني فيهم) أي راعاني فيهم بإكرامهم وحسن الأدب معهم (حفظه الله) دعاء أو خبر (في الدنيا والآخرة) أي منعه من كل ضر وضير فيهما. قال الراغب: يعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى وربما ترك ذكر الدار كما هنا وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو {وللدار الآخرة خير للذين يتقون} تقديره دار الحياة الآخرة (ومن لم يحفظني فيهم) بما ذكر (تخلى الله) أي أعرض (عنه) وتركه في غيه يتردد وهذا أيضا يحتمل الدعاء والخبر وأيما كان فيا لها من شقاوة كيف (ومن تخلى الله عنه أوشك) أي أسرع وفي نسخ يوشك وهو تحريف من النساخ فإن الأول هو كما في مسودة المؤلف بخطه (أن يأخذه) أخذ عزيز مقتدر وهذا وعيد شديد لمن لم يحفظه فيهم وتحذير بليغ من تعجيل العقوبة له وأن ذلك من أفظع الكبائر وأشنع الجرائم قال الحافظ الزرندي لم يكن من العلماء المجتهدين والأئمة المهتدين إلا وله في ولاية أهل البيت الحظ الوافر والفخر الزاهر كما أخبر الله بقوله {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} (طب وأبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة (وابن عساكر) في تاريخه وكذا الديلمي (عن عياض) بكسر أوله ومثناة تحت مخففة فمعجمة (الأنصاري) له صحبة قال الهيتمي وفيه ضعفاء وقد وثقوا وقال شيخه العراقي سنده ضعيف الحديث: 267 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 [ص: 198] 268 - (احفوا) قال النووي بقطع الهمزة ووصلها من أحفاه وحفاه استأصله (الشوارب) أي اجعلوها حفاف الشفة أي حولها وحفاف الشيء حوله ومنه {وترى الملائكة حافين من حول العرش} كذا ذكره الغزالي واقتصر عليه وقال القاضي من الإحفاء وأصله الاستقصاء في أخذ الشارب وفي معناه أنهكوا الشوارب في الرواية الأخرى والإنهاك المبالغة في الشيء والمراد بالغوا في قص ما طال منها حتى تتبين الشفة بيانا ظاهرا ندبا وقيل وجوبا أما حلقه بالكلية فمكروه على الأصح عند الشافعية وصرح مالك بأنه بدعة وقال يوجع فاعله ضربا وأخذ الحنفية والحنابلة بظاهر الخبر فسنوا حلقه ونقل بعضهم عن الشافعي ندب حلقه باطل (وأعفوا) بفتح الهمزة (اللحى) بالضم والكسر أي اتركوها بحالها لتكثر وتغزر لأن في ذلك جمالا للوجه وزينة للرجل ومخالفة لزي المجوس والإعفاء التكثير <تنبيه> أخذ من هذه الأحاديث ونحوها أنه يندب مداواة الذقن بما ينبت الشعر أو يطوله فإن الإعفاء هو التكثير كما تقرر وهو غير مأمور به لأنه غير مقدور للرجل إنما المأمور به سبب التكثير وهو إما الترك أو المعالجة بما ينبت الشعر فهو من إقامة المسبب وهو التكثير مكان السبب وهو الترك أو المعالجة في الأمر به ورد بأن الإعفاء بمعنى الترك فلا يكون من ذلك بل يدل على عكسه فإنه إذا أمر بتركها فعالجها لتطول ما فعل ذلك المأمور به وبفرض جعل الإعفاء بمعنى التكثير فالصارف عن القول به أدلة أخرى ذكرها ابن دقيق العيد ولم ينقل عن أحد من السلف أنه كان يعالج لحيته لذلك ولم يذهب أحد إلى دخول المعالجة تحت الإعفاء انتهى ثم محل الإعفاء في غير ما طال من أطرافها حتى تشعث وخرج عن السمت أما هو فلا يكره قصه بدليل ما يجيء أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يأخذ من عرضها وطولها فافهم واللحية الشعر النابت على الذقن ومثلها العارض وأطلقه ابن سيده على ذلك وشعر الخدين ونقل النووي عن الإمام الغزالي كراهة الأخذ من العنفقة وأقره (م ت ن عن ابن عمر) ابن الخطاب (عد عن أبي هريرة) الحديث: 268 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 269 - (أحفوا الشوارب) بألف القطع رباعي أشهر وأكثر وهو المبالغة في استقصائه ومنه أحفى في المسألة إذا أكثر كذا في التنقيح وتحصيل سنية قص الشارب بفعل الرجل بنفسه وبفعل غيره له لحصول المقصود من غير هتك ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة ذكره النووي لكنه بنفسه أولى كما ذكره ابن دقيق العبد ويندب الابتداء بقص الجهة اليمنى لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن لكن يحصل أصل السنة بالعكس كما قاله العراقي ويستثنى من طلب إزالة الشارب حالة الإحرام وعشر ذي الحجة لمريد التضحية والميت على المختار قيل والغازي بدار الحرب لإرهاب العدو والحديث يتناول السبالين وهما طرفاه لدخولهما في مسماه وفي حديث أحمد التصريح بهما لكن في الإحياء لا بأس بتركهما (وأعفوا اللحى) وفروها فلا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها كذا في التنقيح ثم زاد الأمر تأكيدا مشيرا إلى العلة بقوله (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (باليهود) في زيهم الذي هو عكس ذلك وفي خبر ابن حبان بدل اليهود المجوس وفي آخر المشركين وفي آخر آل كسرى قال الحافظ العراقي والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية واختلف السلف فيما طال منها فقيل لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر ثم جمع من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة والأصح كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقا كما مر والكلام في غير لحية المرأة والخنثى أما هي فيندب إزالتها وكذا الشارب والعنفقة لهما قال الحافظ العراقي وفي قص الشارب أمر ديني وهو مخالفة دين المجوس ودنيوي وهو تحسين الهيئة والتنظيف مما يعلق به من الدهن وكلما يلصق بالمحل كعسل وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين [ص: 199] أيضا لأنه يؤدي إلى قبول قول صاحبه وامتثال أمره من ولاة الأمور ونحوهم (الطحاوي عن أنس) رمز المؤلف لضعفه ووهم من زعم أنه رمز لصحته الحديث: 269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 270 - (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى وانتفوا الشعر الذي في الآناف) بمد الهمزة ونون وألف وفاء جمع أنف ولفظ رواية البيهقي في الشعب الأنوف بدل الآناف والأمر للندب ويظهر أن المراد إزالته بنتف أو قص فإن قلت ينافيه قول الحديث الآتي نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام قلت: كلا لأن دلالة ذلك إنما هي على أن صحة منبت باطن الأنف لا يجامعها الجذام فإنه يسقط شعره وحدوثه فيه يدل على عدم فساد المنبت فما دام فيه فالمنبت صحيح والعلة منتفية وأما ما هنا فبين به أن إزالة ذلك الشعر مندوبة لأن الأذى كالمخاط يعلق به (عد هب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) ظاهر صنيعه يوهم أن مخرجيه خرجاه وسكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه البيهقي بقوله قال الإمام أحمد هذا اللفظ الأخير وفي ثبوته نظر انتهى الحديث: 270 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 271 - (أحق) أفعل تفضيل من حق وجب (ما صليتم) أي صلاة الجنازة (على أطفالكم) أي من أوجب شيء صليتموه الصلاة على من مات من أولادكم قبل البلوغ. وفيه أن الصلاة على الميت واجبة ولو طفلا حتى السقط إن استهل صارخا ولا يعارضه خبر عائشة رضي الله تعالى عنها مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحمد هذا حديث منكر جدا وقد روي في مراسيل صحاح البيهقي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه قالوا وهذه المراسيل مع خبر البراء هذا يشد بعضها بعضا وبفرض أن لخبر عائشة أصلا لا يعمل به لأنه نفي عارضه إثبات فيقدم وبفرض الإغضاء عن ذلك فلا تعارض لأنه إنما لم يصل عليه استغناء بنبوة أبيه صلى الله عليه وسلم كالشهداء أو لأنه نبي لو عاش فلا يصلي نبي على نبي ذكره الزركشي أو المراد أنه لم يصل عليه في جماعة ولهذا قال النووي الصحيح الذي عليه الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه وكبر أربعا انتهى وأما الجواب بأنه ترك الصلاة عليه لغيره لاشتغاله بصلاة الكسوف فغير ناهض لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله ولو فعل لنقل (الطحاوي هق) من حديث عبد السلام ابن جرير عن ليث عن عاصم (عن) أبي عمارة أو عمرو أو الفضل (البراء) بفتح الموحدة وخفة الراء وقد يقصر ابن عازب بمهملة وزاي ابن الحارث الأوسي الحارثي الصحابي ابن الصحابي رمز المؤلف لصحته وهو زلل فقد تعقبه الذهبي في المهذب فقال ليث لين وعاصم لا يعرف فالصحة من أين بل والحسن من أين الحديث: 271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 272 - (أحل) بالبناء لما لم يسم فاعله بضبط المؤلف والفاعل هو الله (الذهب والحرير) أي الخالص أو الزائد وزنا (لإناث أمتي) لبسا وتحلية وغير ذلك من وجوه الاستعمال (وحرم) بالبناء للمفعول أيضا (على ذكورها) المكلفين غير المعذورين أن يستعملوهما لأن في ذلك خنوثة لا تليق بشهامة الرجال وألحق بالرجال الخناثى والمراد من الذهب هنا لبسه أما استعماله في أكل أو شرب فلا فرق في تحريمه بين الذكر والأنثى والفضة كالذهب (حم ن) في الزينة (عن أبي موسى) الأشعري وظاهر صنع المؤلف أن النسائي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي أيضا وقال حسن صحيح وصححه البغوي وغيره الحديث: 272 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 [ص: 200] 273 - (أحلت لنا) أي لا لغيرنا من الأمم (ميتتان) تثنية ميتة وهي ما أدركه الموت من الحيوان عن زوال القوة وفناء الحرارة ذكره الحراني وعرفها الفقهاء بأنها ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية (ودمان) تثنية دم بتخفيف ميمه وشدها أي تناولهما في حالة الاختيار (فأما الميتتان فالحوت) يعني حيوان البحر الذي يحل أكله ولو لم يسم سمكا وكان على غير صورته بالكلية ولو طافيا ورفع لابن الرفعة هنا أنه ساق الحديث وأبدل الحوت بالسمك فاعترضه الذهبي بأنه لم يرد وإنما الوارد الحوت ومراده بعدم الورود عدم الثبوت وإلا فقد ورد لفظ السمك في رواية منكرة ذكرها ابن مردويه في تفسيره (والجراد) من الجرد لأنه يجرد الأرض ففي الجمهرة لابن دريد سمي جرادا لأنه يجرد الأرض أي يأكل ما فيها وفي التنزيل {كأنهم جراد منتشر} الآية وذكر نحوه الزمخشري فتحل ميتته هبه مات باصطياد أم بقطع رأسه أم بحتف أنفه على ثبوت ضرره من بين جراد البلاد (وأما الدمان فالكبد) بفتح فكسر أفصح (والطحال) ككتاب قال العراقي وهذا لا يقتضي اختصاص الحل بالميتتين المذكورتين أو الدمين لأنه مفهوم لقب وهذا سماه السكي مفهوم العدد وهو غير حجة اتفاقا وفرق بينه وبين مفهوم المعدود عند القائل بحجيته بأن العدد يشبه الصفة والمعدود لا يذكر معه أمر زائد فيفهم منه انتفاء المحكم عما عداه (هـ) من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر (ك هق) من رواية ابن أبي أويس عن الثلاثة المذكورة (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم حكى البيهقي عن أحمد وابن المديني أنهما وثقا عبد الله بن زيد قال لكن الصحيح من هذا الحديث هو الأول قال الحافظ العراقي يريد به رواية ابن وهب عن سلمة بن نمير عن زيد بن أسلم عن ابن عمر موقوفا أحلت لنا إلى آخره قال البيهقي بعد تخريجه هذا إسناد صحيح وهو في معنى المسند انتهى ومن ثم قال النووي هو وإن كان الصحيح وقفه في حكم المرفوع إذ لا يقال من قبل الرأي الحديث: 273 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 274 - (احلفوا) ندبا إذا كان الداعي للحلف مصلحة (بالله) أي باسم من أسمائه أو صفة من صفاته لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشد به المواثيق (وبروا) بفتح الموحدة (واصدقوا) في حلفكم (فإن الله) أكد بأن ووضع الظاهر موضع المضمر تفخيما ودفعا لتوهم المنع (يحب أن يحلف به) أي يرضاه إذا كان غرض الحالف طاعة كفعل جهاد أو وعظ أو زجر عن إثم أو حث على خير وقد حكى الله تعالى عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه طلب من بنيه الحلف حين التمسوا إرسال أخيهم معهم فهو إذن منه في ذلك ولا يأذن إلا فيما هو محبوب مطلوب ولا يناقضه {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} فإن معناه لا تكثروا منها أو يحمل الحديث على ما إذا كانت في طاعة أو دعت إليها حاجة والآية على خلافه وبذلك علم أنه لا تدافع قال النووي يستحب الحلف ولو بغير تحليف لمصلحة كتوكيد مبهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه وقد كثرت الأخبار الصحاح في حلف المصطقى صلى الله عليه وسلم في هذا النوع لهذا الغرض وخرج بالحلف بالله الحلف بغيره فهو مذموم كما جاء مصرحا به في أخبار أخر قال في الكشاف وقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية تنسب إليها الجاهلية الأولى وذلك أن الواحد لو أقسم بأسماء الله تعالى كلها وصفاته على شيء لم يقبل منه حتى يقسم برأس سلطانه وذلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءه حلف لحالف انتهى وأقول قد استحدث الناس في هذا الباب الآن في إسلامهم جاهلية وهو أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها لم يقبل منه حتى يقول وسر الشيخ فلان وذلك عندهم جهد اليمين (حل) من حديث معروف بن محمد بن زياد عن الفضل بن عياش الجرجاني عن عفان بن يسار عن مسعر عن وبرة (عن ابن عمر) ثم قال تفرد به عفان عن مسعر وهو ضعيف قال البخاري [ص: 201] لا يصح حديثه ومعروف قال الذهبي فيه طعن الحديث: 274 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 275 - (احلقوه) بكسر اللام (كله) أي شعر الرأس أي أزيلوه بحلق أو غيره كقص أو نورة وخص الحلق لغلبته وسلامته من الأذى وغيره قد يؤذي. قال الحراني: والحلق إزالة ما يتأتى الزوال فيه بالقطع من الآلة الماضية في عمله والرأس مجتمع الخلقة ومجتمع كل شيء رأسه (أو اتركوه) وفي رواية أو ذروه (كله) فإن الحلق لبعض الرأس وترك بعضه مثله ويسمى القزع فهو مكروه مطلقا تنزيها إلا لعذر سواء كان لرجل أو امرأة ذكره النووي وسواء كان في القفا أو الناصية أو الوسيط خلافا لبعضهم وأكده بقوله كله دفعا لتوهم التجوز بإرادة الأكثر وذلك لما فيه من التشويه وتقبيح الصورة والتعليل بذلك كما قال القرطبي أشبه منه بأنه زي أهل الدعارة والفساد وبأنه زي اليهود وفهم من إطلاقه عموم النهي كما لو ترك منه مواضع متفرقة أو حلق الأكثر وترك محلا واحدا وهذا من كمال محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم للعدل فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه فنهاه عن حلق بعض وترك بعض لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسيا وبعضه عاريا ونظيره المشي في نعل واحدة وقوله احلقوه كله يدل على جواز الحلق وهو مذهب الجمهور وذهب بعض المالكية إلى تخصيصه بحالة الضرورة محتجا بورود النهي عنه إلا في الحج لكونه من فعل المجوس والصواب الحل بلا كراهة ولا خلاف الأولى وأما قول أي شامة الأولى تركه لما فيه من التشويه ومخالفة طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عنه أنه كان يحلقه بل إذا قصد به التقرب في غير نسك أثم لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله ففي حيز المنع بلا ريب كيف وقد حلق المصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوس أبناء جعفر بن أبي طالب وفي أبي داود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثائر الرأس فقال مه أحسن إلى شعرك أو احلقه فانظر كيف سوى بين ترجيله وحلقه وخيره بينهما؟ وأعدل حديث في هذا المقام قول حجة الاسلام لا بأس بحلقه لمريد التنظيف ولا بأس بتركه لمن يدهن ويترجل يعني من قدر على دهنه وترجيله فبقاؤه له أولى ومن عسر عليه كضعيف وفقير منقطع علم من بقائه أنه يتلبد ويجمع الوسخ والقمل فالتنظيف منه بحلقه أولى والكلام كله في الذكر أما الأنثى فحلقها له مكروه حيث لا ضرر بل إن كانت مفترشة ولم يأذن الحليل حرم بل عده في المطامح من الكبائر وشاع على الألسنة أن المرأة إذا حلقت رأسها بلا إذن زوجها سقط صداقها وذلك صرخة من الشيطان لم يقل به أحد (د) في الترجيل (ن) في الزينة (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا حلق بعض رأسه وترك بعضه فذكره وقضية صنيع المؤلف أنه لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو غريب فقد خرجه مسلم تلو حديث النهي عن القزع بالسند الذي ذكره وأخرجه به أبو داود لكنه لم يذكر لفظه بل قال ولذلك فلم يتفطن له المؤلف ومن ثم عزاه الحميدي كأبي مسعود الدمشقي إلى مسلم وتبعهما المزي في الأطراف قال في المجموع وحديث أبي داود صحيح على شرط الشيخين الحديث: 275 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 276 - (احملوا) بكسر الهمزة والميم أيها الأولياء (النساء على أهوائهن) أي زوجوهن بمن يرتضينه ويرغبن فيه إذا كان كفأ وكذا إذا كان غير كفء ورضيت المرأة به فإذا التمست بالغة عاقلة التزويج من كفء لزم الولي إجابتها فإن امتنع فعاضل فيزوجها السلطان (عد) من حديث محمد بن الحارث عن ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال في الميزان محمد بن الحارث عن ابن السلماني أحاديثه منكرة متروك الحديث ثم أورد له أخبار هذا منها الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 277 - (أخاف على أمتي) زاد في رواية بعدي فالإضافة للتشريف (ثلاثا) أي خصالا ثلاثا. قال الزمخشري: والخوف غم يلحق الإنسان لتوقع مكروه والحزن غم يلحقه لفوت نافع أو حصول ضار (زلة عالم) أي سقطته يعني عمله بما يخالف [ص: 202] علمه ولو مرة واحدة فإنه عظيم المفسدة لأن الناس مرتقبون لأفعاله ليقتدوا به ومن تناول شيئا وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم قاتل سخروا منه واتهموه وزاد حرصهم على ما نهاهم عنه فيقولون لولا أنه أعظم الأشياء وألذها لما استأثر به وأفرد الزلة لندرة وقوعها منه (وجدال منافق بالقرآن) أي مناظرته به ومقابلته الحجة بالحجة لطلب المغالبة بالباطل وربما أول منه شيئا ووجهه بما يؤول إلى الوقوع في محذور {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} وربما غلب بزخرفته وتوجيهه العقائد الزائغة على بعض العقول القاصرة فأضلها (والتكذيب بالقدر) بالتحريك أي أن الله يقدر على عبده الخير والشر كما زعمه المعتزلة حيث أسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم فزعموا أن أفعال العباد خيرها وشرها مسندة إلى قدرة العبد واختياره وعاكستهم الجبرية فأثبتوا التقدير لله تعالى ونفوا قدرة العبد بالكلية وكلا الفريقين من التفريط والإفراط على شفا جرف هار والصراط المستقيم والقصد القويم مذهب أهل السنة أنه لا جبر ولا تفويض إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ولا يبطل الكسب الذي هو السبب قال الطيبي: وقدم زلة العالم لأنها تسبب في الخصلتين الأخيرتين فلا يحصلان إلا من زلته ولا منافاة بين قوله هنا ثلاثا وفيما يأتي ستا وفي الخبر الآتي على الأثر ضلالة الأهواء إلى آخره لأنا إن قلنا إن مفهوم العدد غير حجة وهو ما عليه المحققون فلا إشكال وإلا فكذلك لأنه أعلم أولا بالقليل ثم بالكثير أو لأن ذلك يقع لطائفة وهذا لأخرى (طب عن أبي الدرداء) قال الهيتمي فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف الحديث: 277 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 278 - (أخاف على أمتي من بعدي) بين به أن ذلك لا يقع في حياته فإن وجوده بين أظهرهم أمان لهم من ذلك (ثلاثا) من الخصال (ضلالة الأهواء) أي إضلال أهوية نفوسهم لهم وقد يراد بها خصوص البدع والتعصب للمذاهب الباطلة والضلال ضد الرشاد وفي الصحاح أضله أهلكه والأهواء مفرده هوى مقصور وهو عرض نفساني ناشئ عن شهوة نفس في غير أمر الله كذا ذكره بعضهم وأوجز القاضي فقال: رأي يتبع الشهوة. وقال الراغب: والضلال أن يقصد لاعتقاد الحق أو فعل الجميل أو قول الصدق فيظن بتقصيره وسوء تصرفه فيما كان باطلا أنه حق فاعتقده أو فيما هو قبيح أنه جميل وليس بجميل ففعله أو فيما كان كذبا أنه صدق فقاله والجهل عام في كل ذلك (واتباع الشهوات) جمع شهوة قال الحراني: وهي نزوع النفس إلى محبوب لا تتمالك عنه وقال في الكشاف طلب النفس اللذة (في البطون والفروج) بأن يصير الواحد كالبهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقا ولا باطلا ولا يفكر في عاقبة أمره عاجلا ولا آجلا وأنشد بعضهم: تجنب الشهوات واح. . . ذر أن تكون لها قتيلا فلرب شهوة ساعة. . . قد أورثت حزنا طويلا وخصهما لأنهما مرجع جميع الشهوات. قال الراغب: وإنما خاف على أمته الشهوات لأنها أقدم القوى وجودا في الإنسان وأشدها به تثبيتا وأكثرها تمكنا فإنها تولد معه وتوجد فيه وفي الحيوان الذي هو جنسه بل وفي النبات الذي هو جنس جنسه ثم توجد فيه قوة الحمية ثم آخرا وجد فيه قوة الفكر والنطق من التمييز ولا يصير الإنسان متميزا عن جملة البهائم متخلصا من أسر الهوى إلا بأمانة الشهوة البهيمية أو بقهرها وقمعها إن لم تمكن إماتتها فهي التي تضره وتغره وتصرفه عن طرق الآخرة ومتى قمعها أو أماتها صار حرا نقيا فتقل حاجاته ويصير غنيا عما في يد غيره سخيا بما في يده محسنا في معاملته لكن هنا شيء يجب التنبيه به وهو أن الشهوة إنما تذم إن أفرطت وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى أما إذا أديت فهي المبلغة للسعادة حتى لو لم تكن لما أمكن الوصول إلى الآخرة وذلك لأنه لا وصول إليها إلا بالعبادة ولا سبيل إليها إلا بالحياة ولا سبيل إليها إلا بحفظ البدن ولا يمكن إلا بإعادة ما تحلل منه ولا يمكن إلا بتناول الغذاء ولا يمكن إلا بالقوة الشهوية فالأمر محتاج إليها ومقتضى الحكمة إيجادها وتزيينها {زين للناس حب الشهوات} لكن هي كعدو تخشى مضرته من وجه ونفعه من وجه ومع عداوته لا يستغنى عنه فحق العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه قال: [ص: 203] ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى. . . عدوا له ما من صداقته بد (والغفلة بعد المعرفة) أي إهمال الطاعة بعد معرفة وجوبها أو ندبها هذا في حق العوام أما في حق الخواص فالالتفات إلى غير الله حتى بمجرد الدعوى أو العجب أو الركون إلى ما ظهر من مبادئ اللطف وذلك هو المنكر الخفي الذي لا يقدر على التحرز منه إلا ذو القدم الراسخ. قال الغزالي: وإنما كانت الغفلة من أعظم المصائب لأن كل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها لصلاحيتها لأن توصل إلى سعادة الأبد وتبعد من شقاوة الأبد فإذا ضيعته في الغفلة فقد خسرت خسرانا مبينا وإن صرفته للمعصية هلكت هلاكا فاحشا. قال الحراني: والغفلة فقد الشعور بما حقه أن يشعر به وأراد بأهل الأهواء البدع كما تقرر وبدأ بها إشارة إلى أنها أخوف الثلاثة وأضرها إذ هي مع كونها داعية لأصحابها إلى النار موقعة للعداوة مؤدية إلى التقاطع و'نما حدث التباين والفرق بسبب ذلك حتى أدى إلى أن بعض تلك الفرق سب الشيخين ولعنهما وتعصب كل فريق فضلوا وأضلوا وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقيل لما نزل قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} صاح إبليس ودعا بالويل والثبور فجاءته جنوده وقالوا: ما بال سيدنا قال: نزلت آية لا يضر بعدها آدميا ذنب فقالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ففرح بذلك وقال الغزالي: قال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد المعاصي فقطعوا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوبا لا يستغفرون منها وهي الأهواء قال الغزالي رحمه الله تعالى وصدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن ذلك من الأسباب التي تجر إلى المعاصي فكيف يستغفرون. وقال الجنيد: لو أقبل عارف على الله تعالى ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله وقال الغزالي: قد نظر الحكماء فردوا مصائب العالم ومحنه إلى خمس المرض في الغربة والفقر في الشيب والموت في الشباب والعمى بعد البصر والغفلة بعد المعرفة قال وأحسن منه قول القائل: لكل شيء إذا فارقته عوض. . . وليس لله إن فارقت من عوض <تنبيه> قال في المناهج: الغفلة داء عظيم ينشأ عنه مضار دينية ودنيوية وعرفت في اصطلاح الصوفية بأنها غشاوة وصدأ يعلو مرآة القلب يمنعه من التيقظ لما يقرب من حضرة الرب ومداواته أن يعلم أنه غير مغفول عنه ويلحظ قوله تعالى {وما ربك بغافل عما تعملون} ويعلم أنه يحاسب على الخطرة والهم أي المقتونة بالتصميم فمن تحقق بهذا وراعى أوقاته وزان أحواله زالت عنه الغفلة (الحكيم) أبو جعفر محمد الترمذي (والبغوي) أبو القاسم (وابن منده) عبد الله (وابن نافع) عبد الباقي (وابن شاهين) عمر بن أحمد له زهاء ثلاث مئة مؤلف (وأبو نعيم) الحافظ أحمد المشهور (الخمسة في كتاب الصحابة عن أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء وآخره مهملة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد رآه ينفخ إذا سجد ترب وجهك ذكره ابن الأثير وغيره وأفلح في الصحابة متعدد وهذا هو المراد لكن لو ميزه لكان أولى قال في الأصل وسنده ضعيف الحديث: 278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 279 - (أخاف على أمتي من بعدي) في رواية بعدي بإسقاط من (ثلاثا: حيف الأئمة) أي جور الإمام الأعظم ونوابه قال الراغب: الحيف الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين (وإيمانا بالنجوم) أي تصديقا باعتقاد أن لها تأثيرا في العالم ونكره ليفيد الشيوع فيدل على التحذير من التصديق بأي شيء كان من ذلك جزئيا أو كليا مما كان من أحد فسمى علم النجوم وهو علم التأثير لا التسيير فإنه غير ضار (وتكذيبا بالقدر) أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم قال [ص: 204] الغزالي العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق العباد لأسباب ككونه مضرا بصاحبه أو غيره غالبا كعلم النجوم فإنه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان حسابي وقد نطق القرآن العزيز بأن علم تسيير الكواكب محبوب {الشمس والقمر بحسبان} وأحكامي وحاصله يرجع إلى الاستدلال على الحوادث بالأسباب وذلك يضاهي استدلال الطبيب بالنبض على ما يحدث من المرض وهو معرفة مجاري سنة الله تعالى في خلقه لكن ذمه الشرع لإضراره بأكثر الخلق حسما للباب فإنه إذا ألقى إليهم أن هذه الآثار تحدث عند قران الكواكب أو تناظرها أو صعودها أو هبوطها أو غير ذلك وقع في نفوسهم أنها هي المؤثرة وأنها آلهة لكونها جواهر شريفة سماوية يعظم وقعها في القلوب فيبقى القلب ملتفتا إليها ويرى الخير والشر منها وينمحي ذكر الله من قلبه إذ الضعيف يقصر نظره على الوسائط والعالم الراسخ مطلع على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره وأن أفعالها وتأثيرها بأقداره وبمشيئته لا بقدرها فلا يتزلزل ولا يضطرب بحال وإن شاهد منها عجائب الأحوال (ابن عساكر) في تاريخ الشام (عن أبي محجن الثقفي) عمرو بن حبيب أو عبد الله كان فارسا جوادا شاعرا بطلا لكنه منهمك في الشرب لا يصده خوف حد ولا لوم جلده عمر رضي الله تعالى عنه مرارا سبعا أو ثمانيا ونفاه. قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف ولم يرمز المؤلف رحمه الله له بشيء ووهم من زعم أنه رمز لحسنه لكنه أشار بتعدد طرقه إلى تقويته الحديث: 279 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 280 - (أخاف على أمتي بعدي) وفي نسخ من بعدي ولا وجود لها في نسخة المؤلف التي بخطه (خصلتين) تثنية خصلة وهي كما في الصحاح بالفتح الخلة وفي الأساس الخصلة المرة من الخصل وهي الغلبة في الفضائل يقال فضلهم خصلة وخصالا وأصل الخصل القطع قال ومن المجاز فيه خصلة حسنة وخصال وخصالات كرام (تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنجوم) فإنهم إذا صدقوا بتأثيراتها مع قصور نظرهم على الأسباب القريبة السافلة والانقطاع عن الترقي إلى مسبب الأسباب هلكوا بلا ارتياب فمعرفة الأسباب من حيث كونها معرفة غير مذمومة لكنها تجر إلى الإضرار بأكثر الخلق والوسيلة إلى الشر فلما نظر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ما يتولد منه من الشر خاف على أمته منه وفيه كمال شفقته عليهم ونظره بالرحمة إليهم. قال منجم لعلي كرم الله وجهه لما قصد النهروان: لا تسر في موضع كذا وسر في موضع كذا فقال: ما كان محمد يعلم ما ادعيت اللهم لا طير إلا طيرك وما كان لعمر منجم وقد فتح بلاد كسرى وقيصر (ع عد خط في) كتاب (النجوم عن أنس) بن مالك وهو حسن لغيره انتهى (أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء) أي طلب السقيا أي المطر بها جمع نوء وهو نجم مال للغروب أو سقط في المغرب مع الفجر وطلع آخر مقابله من المشرق (وحيف السلطان) أي من له سلاطة وقهر (وتكذيبا بالقدر) وأنشد بعضهم: إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر. . . فكن على حذر قد ينفع الحذر واصبر على القدر المحتوم وارض به. . . وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرئ عيش يسر به. . . إلا سيتبع يوما صفوه الكدر (رواه) الإمام محمد (بن جرير) الطبري المجتهد المطلق (عن جابر) بن عبد الله وهذا ساقط من كثير من النسخ مع وجوده بخطه الحديث: 280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 281 - (أخبرني جبريل أن حسينا) ابن فاطمة (يقتل بشاطئ الفرات) بضم الفاء أي بجانب نهر الكوفة العظيم المشهور وهو يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بأرض الطف وهي من بلاد كربلاء فلا تدافع بينه وبين خبر الطبراني بأرض الطف وخبره بكربلاء وهذا من أعلام النبوة ومعجزاتها وذلك أنه [ص: 205] لما مات معاوية أتته كتب أهل العراق إلى المدينة أنهم بايعوه بعد موته فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فبايعوه وأرسل إليه فتوجه إليهم فخذلوه وقتلوه بها يوم الجمعة عاشر محرم سنة إحدى وستين وكسفت الشمس عند قتله كسفة أبدت الكواكب نصف النهار كما رواه البيهقي وسمعت الجن تنوح عليه ورأى ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ذلك اليوم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فسأله عنه فقال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم وطيف برأسه الشريف في البلدان إلى أن انتهت إلى عسقلان فدفنها أميرها بها فلما غلب الفرنج على عسقلان استفداها منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل وبنى عليها المشهد بالقاهرة كما أشار إليه القاضي الفاضل في قصيدة مدح بها الصالح ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره لكن نازع فيه بعضهم بأن الحافظ أبا العلاء الهمداني ذكر أن يزيد بن معاوية أرسلها إلى المدينة فكفنها عامله بها عمرو بن سعيد بن العاص ودفنها بالبقيع عند قبر أمه قال وهذا أصح ما قيل وقال الزبير بن بكار حمل الرأس إلى المدينة فدفن بها وقال القرطبي والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء بهذا السبب والإمامية يقولون الرأس أعيد إلى الحبشة ودفن بكربلاء بعد أرعين يوما من القتل قال القرطبي وماذكر من أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فباطل لم يصح ولا يثبت وأخرج ابن خالويه عن الأعمش عن منهال بن عمرو الأسدي قال والله أنا رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله سبحانه وتعالى {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من أياتنا عجبا} فأنطق الله سبحانه وتعالى الرأس بلسان ذرب فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي قال ابن عساكر إسناده مجهول وتفصيل قصة قتله تمزق الأكباد وتذيب الأجساد فلعنة الله على من قتله أو رضي أو أمر وبعدا له كما بعدت عاد وقد أفرد قصة قتله خلائق بالتأليف قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد أجاز العلماء الورعون لعنه وفي فتاوى حافظ الدين الكردي الحنفي لعن يزيد يجوز لكن ينبغي أن لا يفعل وكذا الحجاج قال ابن الكمال وحكى عن الإمام قوام الدين الصفاري ولا بأس بلعن يزيد ولا يجوز لعن معاوية عامل الفاروق لكنه أخطأ في اجتهاده فيتجاوز الله تعالى عنه ونكف اللسان عنه تعظيما لمتبوعه وصاحبه وسئل ابن الجوزي عن يزيد ومعاوية فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو أمن وعلمنا أن أباه دخلها فصار آمنا والابن لم يدخلها ثم قال المولى ابن الكمال والحق أن لعن يزيد على اشتهار كفره وتواتر فظاعته وشره على ما عرف بتفاصيله جائز وإلا فلعن المعين ولو فاسقا لا يجوز بخلاف الجنس وذلك هو محمل قول العلامة التفتازاني لا أشك في إسلامه بل في إيمانه فلعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه قيل لابن الجوزي وهو على كرسي الوعظ كيف يقال يزيد قتل الحسين وهو بدمشق والحسين بالعراق فقال: سهم أصاب وراميه بذي سلم. . . من بالعراق لقد أبعدت مرماكا وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتى قال قتله بسيف جده وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك الحسين سبعين ألفا وسبعين ألفا قال الحاكم صحيح الإسناد وقال الذهبي وعلى شرط مسلم وقال ابن حجر ورد من طريق واه عن علي مرفوعا قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا (ابن سعد) في طبقاته من حديث المدائني عن يحيى بن زكريا عن رجل عن الشعبي (عن علي) بن أبي طالب أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان قال فذكره وروى نحوه أحمد في المسند فعزوه إليه كان أولى ولعله لم يستحضره ويحيى بن زكريا أورده في الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني وغيره انتهى لكن المؤلف رحمه الله رمز لحسنه ولعله لاعتضاده ففي معجم الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه وفيه عن أم سلمة وزينب بنت جحش وأبي أمامة ومعاذ وأبي الطفيل وغيرهم ممن يطول ذكرهم نحوه فرمز المؤلف رحمه الله لحسنه لذلك لكنه لم يصب حيث اقتصر على ابن سعد مع جموم رواته وتكثر طرقه الحديث: 281 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 [ص: 206] 282 - (أخبروني) يا أصحابي (بشجرة شبه) بكسر فسكون وبفتحتين وفي رواية مثل كذلك وهما بمعنى كما في الصحاح (الرجل المسلم) هذا هو المشبه به والنخلة مشبهة وكان القياس تشبيه المسلم بها ليكون وجه الشبه فيها أظهر لكن قلب التشبيه إيذانا بأن المسلم أتم منها في الثبات وكثرة النفع على حد قوله: وكأن النجوم بين دجاها. . . سنن لاح بينهن ابتداع ثم بين وجه الشبه بقوله (لا يتحات) أي لا يتساقط (ورقها) وكذا المسلم لا تسقط له دعوة (ولا) ينقطع ثمرها فإنها من حين يخرج طلعها يؤكل منه إلى أن يصير تمرا يابسا يدخر فكذا المسلم لا ينقطع خيره حيا ولا ميتا (ولا) يبطل نفعها (ولا) يعدم فيؤها بل ظلها دائم ينتفع به هكذا كرر النفي ثلاثا على طريق الاكتفاء ووقع في مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن الراوي عنه تعلقه بما بعده فاستشكله وقال: لعل لا زائدة ولعله وتؤتي إلى آخره وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف اكتفاء كما قدر وقرر ثم ابتدأ كلاما على طريق التفسير لما قبله (تؤتي أكلها كل حين) بإذن ربها فإنها تؤكل من حين تطلع إلى أن تيبس ثم ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في العلف والليف في الحبال والجذع في البناء والخوص في نحو آنية وزنبيل وغير ذلك وكذا المؤمن ثابت بإيمانه متحل بإيقانه جميل الخلال والصفات كثير الصلاة والصلات جزيل الإحسان والصدقات وما يصدر عنه من العلوم والخيور قوت للأرواح وينتفع بكل صادر عنه حيا وميتا قال ابن عمر راوي الخبر فوقع الناس في شجرة البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة وأردت أن أقولها فإذا أنا أصغر القوم فاستحييت ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: (هي النخلة) وفيه أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة في السؤال وأن الملغز ينبغي أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أعذب في نفس سامعه وامتحان العالم أذهان طلبته بما يدق مع بيانه إن لم يفهموه ولا ينافيه النهي عن الأغلوطات المفسرة بصعاب المسائل لحمله على ما لا نفع فيه أو ما خرج على طريق تعنت المسؤول أو تعجيزه والتحريض على الفهم في العلم وبركة النخلة وما تثمر. ثم إن ما تقرر من وجه الشبه هو الأنسب مما أورد في هذا المقام قال ابن حجر: ومن زعم أن موقع التشبيه توافق التشبيه من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو أنها لا تحمل حتى تلقح أو أنها إذا غرقت ماتت أو أن لطلعها رائحة كمني الآدمي أو أنها تعشق فكلها أوجه ضعيفة إذ كل ذلك مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف منه زعم أنها خلقت من فضلة طينة آدم فإنه حديث لم يثبت وفيه رمز إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم منه كونه نظيره من كل وجه فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجماد ولا يعادله. قال ابن رشيق كغيره والمشابهة الاتحاد في الكيف كاتفاق لونين أو حرارتين مثلا والتشبيه وصف الشيء بما قاربه وشاكله من جهة أو جهات لا من جميع جهاته إذ لو ناسبه كليا لكان هو إياه (خ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الحديث: 282 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 283 - (أخبر) بضم الهمزة والموحدة أمر بمعنى الخبر (تقله) بفتح فسكون فضم أو كسر من القلى البغض الشديد قال في الكشاف: كأنه بغض يقلى الفؤاد والكبد انتهى والهاء للسكت وهذا لفظ رواية أبي يعلى ولفظ رواية ابن عدي وغيره وجدت الناس أخبر تقله أي وجدت أكثرهم كذلك أي علمتهم مقولا فيهم هذا القول ما منهم من أحد إلا وهو مسخوط الفعل عند الخبرة فإذا خبرته أبغضته كذا قرره بعض الأعاظم وظاهر اقتصاره على جعل الهاء للسكت أنها ليست إلا له لكن ذكر فيه في الكشف أنها إما للسكت أو ضمير حيث قال قيل مقول في شأنهم فهو ثاني [ص: 207] المفعولين والضمير العائد إلى الأول محذوف والهاء للسكت أو هو الضمير نظرا إلى لفظ الناس وقيل وجدت بمعنى عرفت والناس مفعول أخبر مقدما أي عرفت هذه القصة وتحققتها وجدانا وأيا ما كان فالقصد أن من جرب الناس عرف خبث سرائر أكثرهم وندرة إنصافهم وفرط استئثارهم وفي العيان ما يغني عن البرهان وفي هذا اللفظ من البلاغة ما هو غني عن البيان وقد قيل اللفظ الحسن إحدى النفاثات في العقد قال الغزالي واحذر خصوصا مخالطة متفقهة هذا الزمان سيما المشتغلين بالخلاف والجدال فإنهم يتربصون بك لحسدهم ريب المنون ويقطعون عليك بالظنون ويتغامزون وراءك بالعيون يحصون عليك عثراتك في عشرتهم وفي عشيرتهم ويجبهونك بها في عصبتهم ومناظرتهم لا يقيلون لك عثرة ولا يغفرون لك زلة ولا يسترون لك عورة يحاسبونك على النقير والقطمير ويحسدونك على القليل والكثير ويحرضون عليك الإخوان بالتهمة والبهتان إن رضوا فظاهرهم الملق وإن سخطوا فباطنهم الحنق ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب هذا ما قضت به المشاهدة في أكثرهم إلا من رحم الله فصحبتهم خسران ومعاشرتهم خذلان هذا حكم من يظهر لك الصداقة فكيف بمن يجاهرك بالعداوة؟ إلى هنا كلام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله فإذا كان هذا زمانه فما بالك بهذا الزمان؟ ومن نظم أبي الحسين الطائي رحمه الله: نظرت وما كل امرئ ينظر الهدى. . . إذا اشتبهت أعلامه ومذاهبه فأيقنت أن الخير والشر فتنة. . . وخيرهما ما كان خيرا عواقبه أرى الخير كل الخير أن يهجر الفتى. . . أخاه وأن ينأى عن الناس جانبه يعيش بخير كل من عاش واحدا. . . ويخشى عليه الشر ممن يصاحبه وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل يقينه: وثق بالناس رويدا انتهى وممن ساقه هكذا هو في جامعه الكبير انتهى (ع طب عد حل عن أبي الدرداء) قال الزركشي: سنده ضعيف وقال الهيتمي: فيه أبو بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف. وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال السخاوي رحمه الله: طرقه كلها ضعيفة لكن شاهده في الصحيحين الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة انتهى كلامه إلى هنا الحديث: 283 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 284 - (اختتن) بهمزة وصل مكسورة (إبراهيم) الخليل أي قطع فلقة ذكر نفسه والختان اسم لفعل الخاتن وقيل مصدر ويسمى به محل الختن أيضا ومنه خبر إذا التقى الختانان (وهو ابن ثمانين سنة) وفي رواية وهو اين عشرين ومئة سنة وجمع جمع بأنه عاش مائتي سنة ثمانين غير مختون وعشرين ومئة مختون ورده ابن القيم بأنه قال: اختتن وهو ابن مئة وعشرين سنة ولم يقل اختتن لمئة وعشرين قال: وأما خبر اختتن وهو ابن عشرين ومئة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة فحديث معلول لا يعارض ما في الصحيحين ولا يصح تأويله بما ذكره القائل لأنه قال: ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وبأن الذي يحتمله على بعد قوله اختتن لمئة وعشرين أن يكون المراد بقيت من عمره لا مضت والمعروف من مثل هذا الاستعمال إنما هو إذا كان الباقي أقل من الماضي فإن المشهور من استعمال العرب في خلت ومضت أنه من أول الشهر إلى نصفه يقال خلت وخلون ومن نصفه إلى آخره يقال بقيت وبقين فقوله لمئة وعشرين بقيت من عمره كقوله لثنتين وعشرين ليلة بقيت من الشهر وهو لا يسوغ انتهى وجمع ابن حجر بأن المراد بقوله وهو ابن ثمانين أي من وقت فراق قومه وهاجر من العراق إلى الشام وهو ابن مئة وعشرين أي من مولده وأن بعض الرواة رأى مئة وعشرين فظنها إلا عشرين أو عكسه (بالقدوم) بفتح القاف والتخفيف آلة النجار يعني الفأس كما في رواية ابن عساكر وروي بالتشديد أيضا عن الأصيلي وغيره وأنكره بعضهم وقيل ليس المراد الآلة بل المكان الذي وقع فيه وهو بالوجهين أيضا قرية بالشام أو جبل بالحجاز بقرب المدينة أو قرية بكلب أو موضع بعمان أو ثنية في جبل ببلاد سدوس أو حصن باليمن والأكثر على أنه بالتخفيف وإرادة الآلة ورجحه البيهقي والقرطبي وقال الزركشي وابن [ص: 208] حجر أنه الأصح بدليل رواية أبي يعلى أنه عجل قبل أن يعلم الآلة فاشتد عليه انتهى وذكر ابن القيم وأبو نعيم والديلمي ونحوه وقال: قد يتفق الأمران فيكون أختتن بالآلة وفي الموضع قال: وممن اختتن أيضا المسيح قال القرطبي: وأول من اختتن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم لم يزل ذلك سنة عامة معمولا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين لدينه وهذا حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى عيسى عليه الصلاة والسلام غير أن طوائف من النصارى تأولوا ما في التوراة بأن المقصود زوال قلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وليس هو أول جهالتهم فكم لهم منها وكم وكم ويكفيك أنهم زادوا على أنبيائهم في الفهم وغلطوا فيما عملوا عليه وقضوا به من الحكم (حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 284 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 285 - (اختضبوا) بكسر الهمزة أي غيروا ألوان شعوركم ندبا (بالحناء) بكسر الحاء المهملة وشد النون والمد (فإنه طيب الريح) أي زكي الرائحة والطيب ضد الخبيث (يسكن الروع) بفتح الراء أي الفزع بخاصية فيه علمها الشارع وزعم أن رؤية الشيب مفزعة والخضاب يستره يرده أن الأمر بالخضاب يعم الأشيب وغيره هذا هو الظاهر في تقرير معنى الحديث فإن قلت: إن ريح الحناء مستكره عند أكثر الناس بشهادة الوجدان ومن ثم جاء في خبر مسلم الآتي في الشمائل أنه كان يكرهه فبين الحديثين تدافع قلت: أما نفرة الطبع السليم من ريحه فضلا عن استلذاذه فإنكاره مكابرة غير أن لك أن تقول الطيب يجيء بمعنى الفاضل ففي القاموس وغيره الطيب الأفضل من كل شيء فلا مانع من أن الشارع صلى الله عليه وسلم اطلع على أن ريحه ينفع ويزكي بعض الحواس أو الأعضاء الباطنة فلا ينافي ذلك كراهته له لأن الطبع يكره الدواء النافع فتدبره فإنه نافع ثم رأيت شيخنا الشعراوي رحمه الله تعالى نقل عن بعضهم أن الضمير يعود إلى تمر الحناء بدليل تذكيره قال: فلا ينافي أنه كان يكره ريحه انتهى وإنما يستقيم أن لو كان نور الحناء يخضب أحمر وإلا فهو ساقط (ع والحاكم في الكنى عن أنس) بن مالك وفيه الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي في الضعفاء مجهولان الحديث: 285 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 286 - (اختضبوا بالحناء) ندبا (فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم) أي يزيد في الصورة قبولا للناظر وإلا فالخضاب ليس في الوجه (ونكاحكم) لأنه يشد الأعضاء والأعصاب وفيه قبض وترطيب ولونه ناري محبوب مهيج مقو للمحبة وفي ريحه عطرية مع قبض [فإن قلت] كيف يزيد في الشباب مع أن سنه محدود محسوب [قلت] المراد زيادته في هيئة الشبيبة بأن يصير الكهل مثلا كهيئة الشاب إذا داوم عليه لما يكسوه من النضارة والإشراق والقوة وخضب المرأة يديها ورجليها مندوب ومما ورد في الترغيب في الخضاب ما رواه الخطيب في ترجمة محمد الفهري من حديث عمار بن سبط يرفعه اختضبوا فإن الله وملائكته وأنبياءه ورسله وكلما ذر أو برأ حتى الحيتان في بحارها والطير في أوكارها يصلون على صاحب الخضاب حتى يتصل خضابه (البزار) أحمد بن عمر بن عبد الخالق صاحب المسند من رواية ثمامة عن أنس بن مالك قال العراقي في شرح الترمذي وإسناده ضعيف (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وفيه عبد الرحمن بن الحارث الغنوي قال في الميزان: لا يعتمد عليه وفي اللسان فيه بعض تساهل وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف متروك (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن) درهم بن زباد بن درهم عن أبيه عن جده (درهم) ودرهم وأبوه لم يدخلا التهذيب ولا رجال المسند ولا ثقات ابن حبان وجده درهم ذكره الذهبي في تجريده وذكر له هذا الحديث وتقدمه ابن خزيمة في الصحابة الحديث: 286 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 [ص: 209] 287 - (اختضبوا وافرقوا) بهمزة وصل وبضم الراء وقاف أي اجعلوا شعر رؤوسكم فرقتين عن يمين ويسار (وخالفوا اليهود) فإنهم لا يخضبون أي غالبا ولا يفرقون بل يسدلون بضم الدال ففي الخضاب مخالفة أهل الكتاب وتنظيف الشعر وتقويته وتليينه وتحسينه وشد الأعضاء وجلاء البصر وتطييب الريح وزيادة الجمال واتباع السنة وغير ذلك. وقوله وخالفوا اليهود يحتمل أن المراد خالفوهم في جميع أحوالهم التي منها عدم الفرق فيشمل الامتناع من مساكنة الحائض والسبت وغير ذلك وبه جزم القرطبي فقال: كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر حين قدومه المدينة ليتألفهم ليدخلوا في الدين فلما غلبت عليهم الشقوة ولم ينجع معهم أمر بمخالفتهم في أمور كثيرة حتى قالوا ما يريد الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فاستقر آخرا على مخالفتهم في كل ما لم يؤمر فيه بحكم. واعلم أن المشركين كانوا يفرقون رؤوسهم أي يجعلون شعرها نصفين نصفا من جانب اليمين على الصدر ونصفا من جانب اليسار عليه وكان أهل الكتاب يسدلون أي يرسلون شعر رؤوسهم حول الصدر وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء لتمسكهم ببقايا من شرائع الرسل فلما فتحت مكة واستقر الأمر خالفهم ففرق وأمر بالفرق فدل على أنه أفضل لرجوعه إليه آخرا فعلا وأمرا لكنه غير واجب بدليل أن بعض الصحب سدل بعد فلو كان الفرق واجبا لم يسدلوا وزعم نسخ السدل يحتاج لبيان الناسخ وتأخيره عن المنسوخ على أن رجوعه إلى الفرق يحتمل كونه باجتهاده لكونه أنظف وأبعد على الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء (عد عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحارث بن عمران الجعفري قال في الميزان قال ابن حبان وضاع على الثقات وقال مخرجه ابن عدي الضعف على رواته بين الحديث: 287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 288 - (اختلاف) افتعال من الخلف وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور ذكره الحراني (أمتي) أي مجتهدي أمتي في الفروع التي يسوغ الاجتهاد فيها فالكلام في الاجتهاد في الأحكام كما في تفسير القاضي قال: فالنهي مخصوص بالتفرق في الأصول لا الفروع انتهى. قال السبكي: ولا شك أن الاختلاف في الأصول ضلال وسبب كل فساد كما أشار إليه القرآن وأما ما ذهب إليه جمع من أن المراد الاختلاف في الحرف والصنائع فرده السبكي بأنه كان المناسب على هذا أن يقال اختلاف الناس رحمة إذ لا خصوص للأمة بذلك فإن كل الأمم مختلفون في الحرف والصنائع فلا بد من خصوصية قال: وما ذكره إمام الحرمين في النهاية كالحليمي من أن المراد اختلافهم في المناصب والدرجات والمراتب فلا ينساق الذهن من لفظ الاختلاف إليه (رحمة) للناس كذا هو ثابت في رواية من عزى المصنف الحديث إليه فسقطت اللفظة منه سهوا أي اختلافهم توسعة على الناس بجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكلها تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم ولم يكلفوا ما لا طاقة لهم به توسعة في شريعتهم السمحة السهلة فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه الأمة فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له وقد وعد بوقوع ذلك فوقع وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم أما الاجتهاد في العقائد فضلال ووبال كما تقرر والحق ما عليه أهل السنة والجماعة فقط فالحديث إنما هو في الاختلاف في الأحكام ورحمة نكرة في سياق الإثبات لا تقتضي عموما فيكفي في صحته أن يحصل في الاختلاف رحمة ما في وقت ما في حال ما على وجه ما. وأخرج البيهقي في المدخل عن القاسم بن محمد أو عمر بن عبد العزيز لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة ويدل لذلك ما رواه البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيهم اقتديتم اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة قال السمهودي: واختلاف الصحابة في فتيا اختلاف الأمة وما روي من أن مالكا لما أراده الرشيد على الذهاب معه إلى العراق وأن يحمل الناس [ص: 210] على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن. فقال مالك: أما حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم افترقوا بعد موته صلى الله عليه وسلم في الأمصار فحدثوا فعند أهل كل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة كالصريح في أن المراد الاختلاف في الأحكام كما نقله ابن الصلاح عن مالك من أنه قال في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطئ ومصيب فعليك الاجتهاد قال وليس كما قال ناس فيه توسعة على الأمة بالاجتهاد إنما هو بالنسبة إلى المجتهد لقوله فعليك بالاجتهاد فالمجتهد مكلف بما أداه إليه اجتهاده فلا توسعة عليه في اختلافهم وإنما التوسعة على المقلد فقول الحديث اختلاف أمتي رحمة للناس أي لمقلديهم ومساق قول مالك مخطئ ومصيب إلخ إنما هو الرد على من قال من كان أهلا للاجتهاد له تقليد الصحابة دون غيرهم وفي العقائد لابن قدامة الحنبلي أن اختلاف الأئمة رحمة واتفاقهم حجة انتهى [فإن قلت] هذا كله لا يجامع نهى الله تعالى عن الاختلاف بقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} الآية [قلت] هذه دسيسة ظهرت من بعض من في قلبه مرض وقد قام بأعباء الرد عليه جمع جم منهم ابن العربي وغيره بما منه أنه سبحانه وتعالى إنما ذم كثرة الاختلاف على الرسل كفاحا كما دل عليه خبر إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة اختلافهم على أنبيائهم وأما هذه الأمة فمعاذ الله تعالى أن يدخل فيها أحد من العلماء المختلفين لأنه أوعد الذين اختلفوا بعذاب عظيم والمعترض موافق على أن اختلاف هذه الأمة في الفروع مغفور لمن أخطأ منهم فتعين أن الآية فيمن اختلف على الأنبياء فلا تعارض بينها وبين الحديث وفيه رد على المتعصبين لبعض الأئمة على بعض وقد عمت به البلوى وعظم به الخطب قال الذهبي: وبين الأئمة اختلاف كبير في الفروع وبعض الأصول وللقليل منهم غلطات وزلقات ومفردات منكرة وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة وكلما خالفوا فيه لقياس أو تأويل قال وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أو رد حديثا أو حرف معناه فلا تبادر لتغليطه فقد قال علي كرم الله وجهه لمن فال له أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل يا هذا إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله وما زال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله وأنه ليس كمثله شيء وأن ما شرعه رسوله حق وأن كتابهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادة العالم الاذكى العلم لمن دونه وتنبيه الأغفل الأضعف فإن داخلها زهو من الأكمل وانكسار من الأصغر فذاك دأب النفوس الزكية في بعض الأحيان غفلة عن الله فما الظن بالنفوس الشريرة المنطفية انتهى ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة والسفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة على هدى ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه والصحيح وفاقا للجمهور أن المصيب في الفروع واحد ولله تعالى فيما حكم عليه أمارة وأن المجتهد كلف بإصابته وأن مخطئه لا يأثم بل يؤجر فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فأجر نعم إن قصر المجتهد أثم اتفاقا وعلى غير المجتهد أن يقلد مذهبا معينا وقضية جعل الحديث الاختلاف رحمة جواز الانتقال من مذهب لآخر والصحيح عند الشافعية جوازه لكن لا يجوز تقليد الصحابة وكذا التابعين كما قاله إمام الحرمين من كل من لم يدون مذهبه فيمتنع تقليد غير الأربعة في القضاء والافتاء لأن المذاهب الأربعة انتشرت وتحررت حتى ظهر تقييد مطلقها وتخصيص عامها بخلاف غيرهم لانقراض اتباعهم وقد نقل الإمام الرازي رحمه الله تعالى إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم انتهى نعم يجوز لغير عامي من الفقهاء المقلدين تقليد غير الأربعة في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده وجمع شروطه عنده لكن بشرط أن لا يتتبع الرخصة بأن يأخذ من كل مذهب الأهون بحيث تنحل ربقة التكليف من عتقه وإلا لم يجز خلافا لابن عبد السلام حيث أطلق جواز تتبعها وقد يحمل كلامه على ما إذا تتبعها على وجه لا يصل [ص: 211] إلى الانحلال المذكور وقول ابن الحاجب كالآمدي من عمل في مسألة بقول إمام ليس له العمل فيها بقول غيره اتفاقا إن أراد به اتفاق الأصوليين فلا يقضي على اتفاق الفقهاء والكلام فيه وإلا فهو مردود ومفروض فيما لو بقي من آثار العمل الأول ما يستلزم تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد الإمام الشافعي في مسح بعض الرأس والإمام مالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة فعلم أنه إنما يمتنع تقليد الغير في تلك الواقعة نفسها لا مثلها كأن أفتى ببيونة زوجته بنحو تعليق فنكح أختها ثم أفتى بأن لا بينونة ليس له الرجوع للأولى بغير إبانتها وكان أخذ بشفعة جوار تقييدا للحنفي ثم استحقت عليه فيمتنع تقليده الشافعي في تركها لأن كلا من الإمامين لا يقول به فلو اشترى بعده عقارا وقلد الإمام الشافعي في عدم القول بشفعة الجوار لم يمنعه ما تقدم من تقليده في ذلك فله الامتناع في تسليم العقار الثاني وإن قال الآمدي وابن الحاجب ومن على قدمها كالمحلى بالمنع في هذا وعمومه في جميع صور ما وقع العمل به أولا فهو ممنوع وزعم الاتفاق عليه باطل وحكى الزركشي أن القاضي أبا الطيب أقيمت صلاة الجمعة فهم بالتكبير فذرق عليه طير فقال أنا حنبلي فأحرم ولم يمنعه عمله بمذهبه من تقليد المخالف عند الحاجة وممن جرى على ذلك السبكي فقال: المنتقل من مذهب لآخر له أحوال: الأول أن يعتقد رحجان مذهب الغير فيجوز عمله به اتباعا للراحج في ظنه الثاني أن يعتقد رجحان شيء فيجوز الثالث أن يقصد بتقليده الرخصة فيما يحتاجه لحاجة لحقته أو ضرورة أرهقته فيجوز الرابع أن يقصد مجرد الترخص فيمتنع لأنه متبع لهواه لا للدين الخامس أن يكثر ذلك ويجعل اتباع الرخص ديدنه فيمتنع لما ذكر ولزيادة فحشه السادس أن يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع فيمتنع السابع أن يعمل بتقليد الأول كحنفي يدعي شفعة جوار فيأخذها بمذهب الحنفي فتستحق عليه فيريد تقليد الإمام الشافعي فيمتنع لخطئه في الأولى أو الثانية وهو شخص واحد مكلف قال: وكلام الآمدي وابن حجاب منزل عليه وسئل البلقيني عن التقليد في المسألة السريحية فقال: أنا لا أفتي بصحة الدور لكن إذا قلد من قال بعدم وقوع الطلاق كفى ولا يؤاخذه الله سبحانه وتعالى لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها أي مع التقليد وهو ذهاب منه إلى جواز تقليد المرجوح وتتبعه قال بعضهم: ومحل ما مر من منع تتبع الرخص إذا لم يقصد به مصلحة دينية وإلا فلا منع كبيع مال الغائب فإن السبكي أفتى بأن الأولى تقليد الشافعي فيه لاحتياج الناس غالبا في نحو مأكول ومشروب إليه والأمر إذا ضاق اتسع وعدم تكرير الفدية بتكرر المحرم اللبس فالأولى تقليد الشافعي لمالك فيه كما أفتى به الأبشيطي وذهب الحنفية إلى منع الانتقال مطلقا قال في فتح القدير: المنتقل من مذهب لمذهب باجتهاد وبرهان آثم عليه التعزير وبدونهما أولى ثم حقيقة الانتقال إنما تتحقق في حكم مسألة خاصة قلد فيها وعمل بها وإلا فقوله قلدت أبا حنيفة فيما أفتى به من المسائل أو التزمت العمل به على الإجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل وعد به أو تعليق له كأنه التزم العمل بقوله فيما يقع له فإذا أراد بهذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد بإلزامه نفسه بذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما يحتاجه بقوله تعالى {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والمسؤول عنه إنما يتحقق عند وقوع الحادثة قال والغالب أن مثل هذه الالتزامات لكف الناس عن تتبع الرخص إلا أن أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه ولا يدري ما يمنع هذا من النقل والعقل انتهى وذهب بعض المالكية إلى جواز الانتقال بشروط ففي التنقيح للقرافي عن الزناتي التقليد يجوز بثلاثة شروط: أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بلا صداق ولا ولي ولا شهود فإنه لم يقل به أحد وأن يعتقد في مقلده الفضل وأن لا يتتبع الرخص والمذاهب وعن غيره يجوز فيا لا ينقض فيه قضاء القاضي وهو ما خالف الإجماع أو القواعد الكلية أو القياس الجلي ونقل عن الحنابلة ما يدل للجواز وقد انتقل جماعة من المذاهب الأربعة من مذهبه لغيره منهم عبد العزيز بن عمران كان مالكيا فلما قدم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مصر تفقه عليه وأبو ثور من مذهب الحنفي إلى مذهب الشافعي وابن عبد الحكم من مذهب مالك إلى الشافعي ثم عاد وأبو جعفر بن نصر من الحنبلي إلى الشافعي والطحاوي من الشافعي إلى الحنفي والإمام السمعاني من الحنفي إلى الشافعي والخطيب البغدادي والآمدي وابن برهان من الحنبلي إلى الشافعي وابن فارس صاحب المجمل من الشافعي [ص: 212] للمالكي وابن الدهان من الحنبلي للحنفي ثم تحول شافعيا وابن دقيق العيد من المالكي للشافعي وأبو حيان من الظاهري للشافعي ذكره الأسنوي وغيره. وإنما أطلنا وخرجنا عن جادة الكتاب لشدة الحاجة لذلك وقد ذكر جمع أنه من المهمات التي يتعين إتقانها <تنبيه> قال بعض علماء الروم: المهدي يرفع الخلاف ويجعل الأحكام مختلفة في مسألة واحدة حكما واحدا هو ما في علم الله وتصير المذاهب مذهبا واحدا لشهوده الأمر على ما هو عليه في علم الله لارتفاع الحجاب عن عين جسمه وقلبه كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فإن أراد بالمهدي عيسى عليه الصلاة والسلام فظاهر أو الخليفة الفاطمي الذي يأتي آخر الزمان وقد ملئت الأرض ظلما وجورا فممنوع والله سبحانه وتعالى أعلم (نصر المقدسي في الحجة) أي في كتاب الحجة له كذا عزاه له الزركشي في الأحاديث المشتهرة ولم يذكر سنده ولا صحابيه وتبعه المؤلف عليه (والبيهقي في الرسالة الأشعرية) معلقا (بغير سند) لكنه لم يجزم به كما فعل المؤلف بل قال روى (وأورده الحليمي) الحسين بن الحسن الإمام أبو عبد الله أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعية بما وراء النهر في كتاب الشهادات من تعليقه (والقاضي حسين) أحد أركان مذهب الشافعي ورفعائه (وإمام الحرمين) الأسد بن الأسد والسبكي وولده التاج (وغيرهم) قال السبكي وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع (ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا) وأسنده في المدخل وكذا الديلمي في مسند الفردوس كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ اختلاف أصحابي رحمة واختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأمة كما مر لكن هذا الحديث قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وقال ولده المحقق أبو زرعة رواه أيضا آدم بن أبي إياس في كتاب العلم بلفظ اختلاف أصحابي لأمتي رحمة وهو مرسل ضعيف وفي طبقات ابن سعد عن القاسم بن محمد نحوه الحديث: 288 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 289 - (أخذ الأمير) يعني الإمام ونوابه (الهدية) وهي لغة ما أتحف به وعرفا تمليك ما يبعث غالبا بلا عوض كما مر (سحت) بضم فسكون وبضمتين أي حرام يسحت البركة أي يذهبها قال الزمخشري: اشتقاقه من السحت وهو الإهلاك والاستئصال ومنه السحت لما لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة وفي خبر أن عمر أهدى إليه رجل فخذ جزور ثم جاءه يتحاكم مع آخر فقال يا أمير المؤمنين اقض لي قضاء فصلا كما فصل الفخذ من البعي. فقال عمر: الله أكبر اكتبوا إلى جميع الآفاق هدايا العمال سحت (وقبول القاضي الرشوة) بتثليث الراء ما يعطاه ليحق باطلا أو يبطل حقا من رشا الفرخ إذا مد عنقه لأمه لتزقه (كفر) إن استحل وإلا فهو زجر وتهويل على حد خبر: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وبالجملة فإعطاء الرشوة وأخذها من الكبائر وإنما كان القاضي أفظع حالا من الأمير لأن الأمير أخذ لا لشيء يصنعه بل للميل ونحوه والقاضي أخذ لتغيير حكم الله قال النووي: ومن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن له قبول الهدية بخلاف غيره من الحكام فإن قلت: ما سر تعبيره في الأمير بالأخذ وفي القاضي بالقبول وهلا عكس أو عبر فيهما بالأخذ أو القبول معا؟ قلت: لعل حكمته الإشارة إلى لحوق الوعيد للقاضي بمجرد القبول بلفظ أو إشارة أو كتابة أو أخذ عياله لها فغلظ فيه أكثر من الأمير (حم في) كتاب (الزهد الكبير عن علي) أمير المؤمنين رمز المولف لحسنه الحديث: 289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 290 - (أخذنا فألك) بالهمز وتركه أي كلامك الحسن أيها المتكلم (من فيك) وإن لم تقصد خطابنا قال الزمخشري: الفأل أن تسمع الكلمة الطيبة فتتيمن بها وتقول دون الغيب أقفال لا يفتحها الزجر والفأل وفي القاموس ضد الطيرة كأن يسمع مريض يا سالم أو طالب ضالة يا واجد ويستعمل في الخير والشر وهذا قاله لما خرج في عسكر فسمع قائلا يقول يا حسن أو لما خرج لغزو خيبر فسمع عليا يقول يا خضرة فقال أخذنا فألك من فيك اخرجوا بنا إلى خضرة فما سل فيها سيف ولا مانع من التعدد (د عن أبي هريرة) الدوسي (ابن السني وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) [ص: 213] النبوي (عن كثير) بمثلثة ضد القليل (ابن عبد الله عن أبيه عن جده) عمرو بن عوف قال خرج المصطفى صلى الله عليه وسلم لغزاة فسمع عليا يقول يا خضرة فذكره ورواه الطبراني في الكبير والأوسط عنه أيضا قال الهيتمي: وكثير ضعيف جدا وبقية رجاله ثقات وفي التقريب كأصله وأبوه مقبول (فر) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم كلمة فأعجبته فقاله ورواه العسكري في الأمثال والخلعي في فوائده عن سمرة رمز المؤلف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا فقد سمع القول في كثير على أن فيه أيضا من لا يخلو عن مقال الحديث: 290 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 291 - (أخر) بالبناء للمفعول (الكلام في القدر) محركا أي في نفيه (أي في نفي كون الأشياء كلها بتقدير الله سبحانه وتعالى) (لشرار أمتي) وفي رواية لشرار هذه الأمة وأول من تكلم فيه معبد الجهني وأبو الأسود الدؤلي أو سيبويه أو رجل آخر عند احتراق الكعبة فقال قائل هذا من قضاء الله تعالى فقال آخر ما هو من قضائه (في آخر الزمان) أي زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فزمنهم هو الزمان لكونه خير الأزمان وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع قال الطيبي: مذهب الجبرية إثبات القدرة لله سبحانه وتعالى ونفيها عن العبد أصلا ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما في الإفراط والتفريط على شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد انتهى والزمان مدة قابلة للقسمة تطلق على قليل الوقت وكثيره (طس ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط البخاري وتعقبه الذهبي بأن فيه عنبسة بن مهران ثقة لكن لم يرويا له وأورده في الميزان في ترجمة عنبسة وقال قال أبو حاتم منكر الحديث الحديث: 291 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 292 - (أخروا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (الأحمال) إلى وسط ظهر الدابة ولا تبالغوا في التأخير بل اجعلوها متوسطة بحيث يسهل حملها على الدابة لئلا تتأذى بالحمل (فإن الأيدي) أي أيدي الدواب المحمول عليها (مغلقة) بضم الميم وسكون المعجمة أي مثقلة بالحمل كأنها ممنوعة من إحسان السير لما عليها من الثقل كأنه شبه بالباب إذا أغلق فإنه يمنع من الدخول والخروج أو من قولهم استغلق عليه الكلام إذا ارتج عليه (والأرجل موثقة) بضم فسكون أي كأنها مشدودة بوثاق من أوثقه شده بوثاق والوثاق ما يشد به من نحو قيد وحبل فينبغي جعل الحمل في وسط ظهر الدابة فإنه إن قدم عليها أضر بيديها وإن أخر أضر برجليها وإنما أمر بالتأخير فقط لأنه رأى بعيرا قد قدم عليه حمله فأمر بالتأخير وأشار إلى مقابله بقوله والأرجل موثقة لئلا يبالغ في التأخير فيضر وفيه الرفق بالدابة وحفظ المال وتعليم الإخوان ما فيه الخير لهم ولدوابهم وتدبر العواقب والنظر لخلق الله سبحانه وتعالى بالشفقة ويحرم إدامة تحميل الدابة ما لا تطيقه دائما وضربها عبثا (د في مراسيله عن) محمد بن مسلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي (الزهري) بضم الزاي المدني أحد الأعلام وعالم الحرمين والشام تابعي جليل سمع من أكثر من عشرين صحابيا قيل لمكحول: من أعلم من رأيت قال: ابن شهاب قيل: ثم من قال: ابن شهاب قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب مرسلا (ووصله البزار) في مسنده (ع طب عنه) أي الزهري (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء أشهر من كسرها المخزومي أحد الأعلام والفقهاء الكمل روى عن عمر وعثمان وسعد وعنه الزهري وخلق (عن أبي هريرة نحوه) رمز المؤلف لحسنه ولعله بالنظر إلى تعدد طرقه وإلا ففيه قيس بن الربيع الأزدي ضعفه كثيرون ورواه الترمذي في العلل مرسلا بلفظ إذا حملتم فأخروا فإن الرجل موثقة واليد مغلقة وقال: سألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يعرفه وقال فيه قيس بن الربيع لا أكتب حديثه ولا أروي عنه الحديث: 292 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [ص: 214] 293 - (أخرجوا) بفتح فسكون فكسر إرشادا من الإخراج. قال الحراني: وهو إظهار من حجاب (منديل) بكسر أوله ويفتح (الغمر) أي الخرقة المعدة لمسح أيديكم من وضر اللحم والدسم. قال ابن الأنباري: والمنديل مذكر ولا يجوز تأنيثه لعدم العلامة في التصغير والجمع فلا يوصف بمؤنث فلا يقال منديل حسنة والغمر بفتح الغين المعجمة والميم زهومة اللحم وما تعلق باليد منه (من بيوتكم) يعني من الأماكن التي تبيتون فيها (فإنه مبيت) بفتح فكسر مصدر بات أي حيث يبيت ليلا (الخبيث) الشيطان والمراد الجنس (ومجلسه) لأنه يحب الدنس ويأوي إليه وقد يغفل المرء عن المأثور الذي يطرده فأمر بإبعاده بكل ممكن والخبيث في الأصل ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أو معقولا ذكره الراغب (فر عن جابر) بن عبد الله وفيه عمير بن مرداس قال في اللسان يغرب وسعيد بن خيثم أورده الذهبي في الضعفاء وقال الأزدي منكر الحديث وقال ابن عدي ما يرويه غير محفوظ وحرام بن عثمان قال ابن حبان غال في التشيع يقلب الأسانيد وقال ابن حجر متروك الحديث: 293 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 294 - (أخسر الناس صفقة) أي من أشد المؤمنين خسرانا للثواب وأعظمهم حسرة يوم المآب والخسران انتقاص رأس المال ثم استعمل في المقتنيات الخارجة كالمال والجاه وأكثر استعماله في النفيس منها كصحة وسلامة وعقل وإيمان وثواب وهو المراد هنا ذكره الراغب. قال الزمخشري: ومن المجاز خسرت تجارته وربحت ومن لم يطع الله فهو خاسر قال الزمخشري: والصفقة في الأصل ضرب اليد على اليد في البيع والبيعة ومن المجاز له وجه صفيق (رجل) وصف طردي والمراد مكلف (أخلق) من قولهم حجر أخلق أي أملس لا شيء عليه والأخلق الفقير وأخلق الثوب لبسه حتى بلي والمراد هنا أتعب (يديه) وأفقرهما بالكد والجهد وعبر بهما لأن المزاولة بهما غالبا (في) لو (آماله) جمع أمل وهو الرجاء وأكثر استعماله في مستبعد الحصول (ولم تساعده) أي لم تعاونه (الأيام) أي الأوقات (على) بلوغ (أمنيته) أي حصول مطلوبه من المال والمناصب والجاه ونحوها بل عاكسته وغذته فهو لا يزال يتشبث بالطمع الفارغ والرجاء الكاذب ويتمنى على الله ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته قال بعض العارفين: أماني النفس حديثها بما ليس عندها ولها حلاوة إذا استصحبها عبد لا يفلح أبدا وأهل الدنيا فريقان فريق يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه وكثير منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة فصاروا أخسر الناس صفقة وأما المؤمن المتقي فقد حاز مراده وهو غني القلب المؤدي لغنى الآخرة فما يبالي أوتي حظا من الدنيا أو لا فإن أوتي منها وإلا فربما كان الفقر خيرا له وأعون على مراده فهو أربح الناس صفقة واشتقاق الأمنية من مني إذا قدر لأن التمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه (فخرج من الدنيا) بالموت (بغير زاد) يوصله إلى المعاد وينفعه يوم يقوم الأشهاد ويفصل بين العباد لأن خير الزاد إلى الآخرة إتقاء القبائح وهذا قد تلطخ بأقذارها القبيحة الخبيثة الروائح فهو مهلك لنفسه باسترساله مع الأمل وهجره للعمل حتى تتابعت على قلبه ظلمات الغفلة وغلب عليه زين القسوة ولم يسعفه المقدور بنيل مرامه من ذلك الحطام الفاني فلم يزل مغمورا مقهورا مغموما إلى أن فرق ملك الموت بينه وبين آماله وكل جارحة منه متعلقة بالدنيا التي فاتته فهي تجاذبه إلى الدنيا ومخاليب ملك الموت قد علقت بعروق قلبه تجذبه إلى الآخرة التي لا يريدها (وقدم على الله تعالى بغير حجة) أي معذرة يعتذرها وبرهان يتمسك به على تفريطه بتضييعه عمره النفيس في طلب شيء خبيث خسيس وإعراضه عن عبادة ربه التي إنما خلق لأجلها {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} قال الغزالي ومن كان هذا حاله فهو كالأنعام بل هو [ص: 215] أضل إذ البهيمة لم تخلق لها المعرفة والقدرة التي بها تجاهد الشهوات وهذا قد خلق له وعطله فهو الناقص عقلا المدبر يقينا وقيل في المعنى: ولم أر في عيوب الناس عيبا. . . كنقص القادرين على التمام وفي الحديث إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وتنبيه على إيثار التلذذ والتنعم مما يؤدي إلى طول الأمل وتعطل العمل وهذا هجيرا (قوله هجيرا: قال في النهاية: الهجير والهجيرا: الدأب والعادة والديدن: أه) أكثر الناس ليست من أخلاق المؤمنين ومن ثم قيل التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين ذكره كله الزمخشري (ابن النجار) محب الدين (في تاريخه) تاريخ بغداد (عن عامر بن ربيعة) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن كعب بن مالك العنزي بفتح المهملة وسكون النون وبزاي حليف أل الخطاب من المهاجرين الأولين شهد بدرا وما بعدها (وهو مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه له على سند الحديث: 294 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 295 - (أخشى ما خشيت على أمتي) أي أخوف ما خفت عليهم. قال الزمخشري: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علمه بما يخشى منه ولهذا خص العلماء بها فقال {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (كبر البطن) يعني الانهماك في الأكل والشرب والذي يحصل منه كبرها ومن كانت همته ما يدخله بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه إذ لا فرق بين إدخال الطعام إلى البطن وبين إخراجه فهما ضروريان في الجبلة فكما لا يكون قضاء الحاجة من همتك التي تشغل بها قلبك فلا ينبغي كون تناول الطعام من همتك التي تشغل بها قلبك فمن زاد على ثلث بطنه وصرف همته وبهمته لتحصيل لذيذ الأطعمة ولم يقنع بما يتفق فهو من المخوف عليهم قال الغزالي والخوف رعدة تحصل في القلب عن ظن مكروه يناله والخشية نحوه لكن الخشية تقتضي ضربا من الاستعظام والمهابة (ومداومة النوم) المفوت للحقوق المطلوبة شرعا الجالب لغضب الرب وقسوة القلب قال الغزالي قال عبد الله بن الحسن كنت معجبا بجارية رومية لي ففقدتها من محلها في الليل فطلبتها فإذا هي ساجدة تقول بحبك لي إلا ما غفرت لي فقلت لها لا تقولي بحبك لي وقولي بحبي لك قالت لا يا مولاي بحبه لي أخرجني من الكفر إلى الاسلام وبحبه لي أيقظني وكثير من خلقه نيام (والكسل) بالتحريك التقاعس عن النهوض إلى معاظم الأمور وكفايات الخطوب وتحمل المشاق والمتاعب في المجاهدة في الله ولله والفتور عن القيام بالطاعات الفرضية والنفلية الذي من ثمراته قسوة القلب وظلمة اللب ففي الحديث للديلمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ثلاث خصال تورث قسوة القلب حب الطعام وحب النوم وحب الراحة ومن ثم تشمر لذلك السلف حق التشمير وأقبلوا على إحياء ليلهم ورفضوا له الرقاد والدعة وجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم فظهرت السيما في وجوههم وترامى أمرهم إلى خدمة ربهم فخفف عنهم. قال الراغب: ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة فحب الهوينا يكسب النصب وقد قيل إن أردت أن لا تتعب فاتعب لئلا تتعب وقيل إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على الحق وما أحسن ما قيل: علو الكعب بالهمم العوالي. . . ومن رام العلى من غير كد. . . أضاع العمر في طلب المحال <تنبيه> قال بعض العارفين السهر نتيجة الجوع فلذا ذكره عقبه والسهر سهر عين وسهر قلب فسهر القلب انتباهه من نومات الغفلة طلبا للمشاهدة وسهر العين رغبة في إلقاء الهمة في القلب لطلب المسامرة إذ العين إذا نامت بطل عمل القلب فإذا كان القلب غير نائم منع نوم العين فغايته مشاهدة سهره المتقدم فقط وأما أن يلحظ غير ذلك فلا ففائدة السهر استمرار عمل القلب وارتقاء المنازل العلية (وضعيف اليقين) أي استيلاء الغفلة على القلب المانعة من ولوج النور فيه وإيمان العبد على قدر يقينه ومن ثم كان الأنبياء أوفر حظا في اليقين ومطالعتهم أمور الآخرة بقربهم أكثر (قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة وكذا الديلمي (عن جابر) بن عبد الله وفيه محمد بن [ص: 216] القاسم الأزدي قال الذهبي كذبه أحمد والدارقطني الحديث: 295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 296 - (اخضبوا) بكسر الهمزة اصبغوا ندبا (لحاكم) بكسر اللام أفصح جمع لحية أي بغير سواد (فإن الملائكة) الحفظة أو ملائكة الأرض أو أعم (تستبشر) تسر (بخضاب المؤمن) لما فيه من اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب أما الخضاب بالسواد في غير الجهاد فحرام على الرجل (عد عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما بإسناد ضعيف لكن له شواهد الحديث: 296 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 297 - (اخفضي) بكسر الهمزة خطابا لأم عطية التي كانت تخفض الجواري بالمدينة أي تختنهن (ولا تنهكي) بفتح المثناة فوق وسكون النون وكسر الهاء لا تبالغي في استقصاء محل الختان بالقطع بل أبقي ذلك الموضع. قال الزمخشري: وأصل النهك المبالغة في العمل (فإنه أنضر) بفتح الهمزة والمعجمة (للوجه) أي أكثر لمائه ودمه وأبهج لبريقه ولمعته (وأحظى عند الزوج) ومن في معناه من كل واطئ كسيد الأمة يعني أحسن لجماعها عنده وأحب إليه وأشهى له لأن الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فكرهت الجماع فقلت حظوتها عند حليلها كما أنها إذا تركتها بحالها فلم تأخذ منها شيئا بقيت غلمتها فقد لا تكتفي بجماع زوجها فتقع في الزنا فأخذ بعضها تعديل للشهوة والخلقة قال حجة الاسلام انظر إلى جزالة هذا اللفظ في الكناية وإلى إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة التي هي أهم مقاصد النبوة إلى مصالح الدنيا حتى انكشفت له وهو أمي من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره وتطاير من غب عاقبته شرره وتولد منه أعظم القبائح وأشد الفضائح فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم ببعثته مصالح الدارين؟ وفيه أنه لا استحياء من قول مثل ذلك للأجنبية فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ومع ذلك قاله تعليما للأمة ومن استحيا من فعل فعله أو قول قاله فهو جاهل كثيف الطبع ولعله يقع في عدة كبائر ولا يستحي من الله ولا من الخلق (طب ك عن الضحاك) بالتشديد (ابن قيس بفتح القاف وسكون المثناة تحت الفهري قال كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تختن الجواري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والفهري قال الذهبي يقال له صحبة قتل يوم راهط انتهى وما ذكر من أن الضحاك هذا هو الفهري هو ما ذكره الحاكم وأبو نعيم حيث أورد الحديث في ترجمته ويخالفه ما رواه البيهقي وغيره عن الفضل العلائي قال سألت ابن معين عن هذا فقال الضحاك هذا ليس بالفهري قال ابن حجر: وهذا الحديث رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال مجهول ضعيف وتبعه ابن عدي في تجهيله وخالفهم عبد الغني فقال هو محمد بن سعيد المصلوب وحاله معروف وكيفما كان سنده ضعيف جدا وممن جزم بضعفه الحافظ العراقي وقال ابن حجر في موضع آخر له طريقان كلاهما ضعيف وقال ابن المنذر ليس في الختان خبر يعول عليه ولا سنة تتبع الحديث: 297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 298 - (أخلص) بفتح فسكون فكسر (دينك) بكسر الدال إيمانك عما يفسده من شهوات النفس أو طاعتك بتجنب دواعي الرياء ونحوه بأن تعبده امتثالا لأمره وقياما بحق ربوبيته لا طمعا في جنته ولا خوفا من ناره ولا للسلامة من المصائب الدنيوية (يكفك) بالجزم جواب الأمر وفي نسخ يكفيك بياء بعد الفاء ولا أصل لها في خطه (القليل من العمل) لأن الروح إذا خلصت من شهوات النفس وأسرها ونطقت الجوارح وقامت بالعبادة من غير أن تنازعه النفس ولا القلب ولا الروح فكان ذلك صدقا فيقبل العمل وشتان بين قليل مقبول وكثير مردود وفي التوراة: ماأريد به وجهي فقليله كثير وما أريد غير وجهي فكثيره قليل قال بعض العارفين لا تتسع في إكثار الطاعة بل [ص: 217] في إخلاصها وقال الغزالي: أقل طاعة سلمت من الرياء والعجب وقارنها الإخلاص بكون لها عند الله تعالى من القيمة ما لا نهاية له وأكثر طاعة إذا أصابتها هذه الآفة لا قيمة لها إلا أن يتداركها الله تعالى بلطفه كما قال علي كرم الله وجهه: لا يقل عمل البتة وكيف يقل عمل مقبول؟ وسئل النخعي عن عمل كذا ما ثوابه فقال إذا قبل لا يحصى ثوابه ولهذا إنما وقع بصر أهل البصائر من العباد في شأن الإخلاص واهتموا به ولم يعتنوا بكثرة الأعمال وقالوا الشأن في الصفوة لا في الكثرة وجوهرة واحدة خير من ألف خرزة وأما من قل عمله وكل في هذا الباب نظره جهل المعاني وأغفل ما في القلوب من العيوب واشتغل بإتعاب النفس في الركوع والسجود والإمساك عن الطعام والشراب فغره العدد والكثرة ولم ينظر إلى ما فيها من المنح والصفوة وما يغني عدد الجوز ولا لب فيه وما ينفع رفع السقوف ولم تحكم مبانيها وما يعقل هذه الحقائق إلا العالمون إلى هنا كلام الغزالي وقال ابن الكمال: الإخلاص لغة ترك الرياء في الطاعة واصطلاحا تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه وكل شيء تصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه فخلص منه سمي خالصا. قال الإمام الرازي: والتحقيق فيه أن كل شيء يتصور أن يشوبه وخلص لله سمي خالصا وسمى الفعل المصفى خالصا إخلاصا ولا شك أن كل من أتى بفعل اختياري فلا بد فيه من غرض فمهما كان الغرض واحدا سمي الفعل إخلاصا فمن تصدق وغرضه محض الرياء فهو غير مخلص أو محض التقرب لله فهو مخلص لكن جرت العادة بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب من جميع الشوائب فالباعث على الفعل إما أن يكون روحانيا فقط وهو الإخلاص أو شيطانيا فقط وهو الرياء أو مركبا وهو ثلاثة أقسام لأنه إما أن يكونا سواء أو الروحاني أقوى أو الشيطاني أقوى فإذا كان الباعث روحانيا فقط ولا يتصور إلا في محبة الله تعالى مستغرق القلب به بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه مقر حتى لا يأكل ولا يشرب إلا لضرورة الجبلة فهذا عمله خالص وإذا كان نفسانيا فقط ولا يتصور إلا من محب النفس والدنيا مستغرق الهم بهما بحيث لم يبق لحب الله تعالى في قلبه مقر فتكتسب أفعاله تلك الصفة فلم يسلم له شيء من عبادته وإذا استوى الباعثان يتعارضان ويتناقضان فيصير العمل لا له ولا عليه وأما من غلب أحد الطرفين عليه فيحبط منه ما يساوي الآخر وتبقى الزيادة موجبة أثرها اللائق بها وتحقيقه أن الأعمال لها تأثيرات في القلب فإن خلا المؤثر عن المعارض خلا الأثر عن الضعف وإن اقترن بالمعارض فتساويا تساقطا وإن كان أحدهما أغلب فلا بد أن يحصل في الزائد بقدر الناقص فيحصل التساوي بينهما أو يحصل التساقط ويبقى الزائد خاليا عن المعارض فيؤثر أثرا ما فكما لا يخلو مثقال ذرة من طعام أو دواء في البدن لا يضيع مثقال ذرة من خير أو شر عن أثر التقريب من الله تعالى والتبعيد عنه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (الإخلاص) في العمل وكذا الديلمي (ك) في النذر (عن معاذ) ابن جبل قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قلت أوصني فذكره قال الحاكم صحيح ورده الذهبي وقال العراقي رواه الديلمي من حديث معاذ وإسناده منقطع الحديث: 298 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 299 - (أخلصوا أعمالكم لله) فإن الإخلاص هو كمال الدين وأعم ذلك البراءة من الشرك بأن لا تتخذ مع الله إلها آخر لأن الشرك في الإلهية لا تصح معه المعاملة بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الخفي بأن لا يرى لله تعالى شريكا في شيء من أسمائه الظاهرة فإن الشرك في أسمائه تعالى لا يصح معه قبول كما قال (فإن الله لا يقبل) من الأعمال (إلا ما) أي عملا (خلص له) من جميع الأغيار فالإخلاص شرط لقبول كل طاعة ولكل عمل من المأمورات خصوص اسم في الإخلاص كإخلاص المنفق بأن الإنعام من الله لا من العبد وكإخلاص المجاهد بأن النصر من الله لا من العبد المجاهد قال الله تعالى {وما النصر إلا من عند الله} وكذا سائر الأعمال. وأساس ذلك طمأنينة النفس بربها في قوامها من غير طمأنينتها بشيء سواه فمتى اطمأنت النفس بما تقدر عليه أو بما تملكه من مملوك أو بما تستند إليه من غير الله ردت جميع عبادتها لما اطمأنت إليه وكتب اسمها على وجهه وكان عبد الرياء والمراء وما المرء إلا عبد ربه تعس عبد الدينار [ص: 218] والدرهم والخميصة وهذا هو الذي أحبط عمل العاملين من حيث لا يشعرون {إنا لله وإنا إليه راجعون} قال الإمام الغزالي: سبيل النجاة أن تخلص عملك وتجرد إرادتك لله والقلوب والنواصي بيده سبحانه وتعالى فهو يميل إليك القلوب ويجمع لك النفوس ويشحن من حبك الصدور فتنال من ذلك ما لا تناله بجهدك وقصدك وإن لم تفعل وقصدت رضا المخلوق دونه صرف عنك القلوب ونفر منك النفوس وأسخط عليك الخلق فتكون من الخاسرين (قط عن الضحاك بن قيس) بن خالد الفهري الأمير المشهور ولم يرمز له بشيء الحديث: 299 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 300 - (أخلصوا عبادة الله تعالى) بين به أن المراد بالعمل في الخبر قبله العبادة من واجب ومندوب (وأقيموا خمسكم) التي هي أفضل العبادات البدنية ولا تكون إقامتها إلا المحافظة على جميع حدودها ومن ذلك عدم الاصغاء إلى وسواس الشيطان وخشوع الجوارح والهدوء في الأركان وإتمام كل ركن بأذكاره المخصوصة وجمع الحواس إلى القلب كحاله في الشهادة وفيه إشارة إلى أن جمع الخمس على هذه الهيئة من خصوصياتنا وورد أن الصبح لآدم والظهر لداود والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس ولا يعارضه قول جبريل عقب صلاته بالمصطفى صلى الله عليه وسلم الخمس صبيحة الإسراء وهذا وقتك ووقت الأنبياء من قلبك لأن المراد أنه وقتهم إجمالا وإن اختص كل منهم بوقت ولما ذكر ما يزكي البدن ذكر ما يطهر المال وينميه وهو حق الخلق فقال (وأدوا زكاة أموالكم) المفروضة وفي الاقتصار فيها على الأداء إشعار بأن إخراج المال على هذا الوجه لا يكون إلا مع الإخلاص فيطابق المقطع المطلع (طيبة) بنصبه على الحال (بها أنفسكم) وفي رواية قلوبكم بأن تدفعوها إلى مستحقيها بسماح وسخاء نفس ومن كمال ذلك أن يتناول المستحق بنفسه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتناول السائل بنفسه ولا يكله لغيره (وصوموا شهركم) رمضان بأركانه وشروطه وآدابه ومنها السحور مؤخرا والفطر معجلا وصوم الأعضاء كلها عن العدوان وترك السواك بعد الزوال والأخذ فيه بشهوات العيال والإضافة للتخصيص على ما مر بما فيه (وحجوا بيتكم) أضافه إليهم لأن أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام بنياه ومن مطلوباته زيادة اليقين واستطابة الزاد والاعتماد على ما بيد رب العباد لا على حاصل ما بيد العبد وتزويد التقوى والرفق على الرفيق وبالظهر وتسكين الأخلاق والارفاق في الهدى وهو الثج والاعلان بالتلبية وهو العج وتتبع أركانه على ما تقتضيه أحكامه وإقامة شعاره على معلوم السنة لا على معهود العادة (تدخلوا) بجزمه جواب الأمر (جنة ربكم) أي المحسن إليكم بالهداية إلى الإخلاص وبيان طريق النجاة والخلاص وخص الرب تذكيرا بأنه المربي والمصلح والموفق والهادي والمنعم أولا وآخرا وجعل الدخول بالأعمال لما جرت به العادة الإلهية من الدخول بها فلشدة ملازمتها كانت كأنها سبب الدخول وإلا فالدخول بالرحمة وهذا الحديث موافق لقوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} <فائدة> قال ابن عطاء الله لون الله تعالى لنا الطاعات من صلاة وصوم وحج وغيرها لئلا تسأم نفوسنا تكرما وفضلا لأن النفس لو كلفت بحالة واحدة في زمن واحد ملت ونفرت وبعدت من الانقياد للطاعة فرحمها الله سبحانه وتعالى بالتنويع وحجر علينا الصلاة في أوقات ليكون همنا إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم (طب عن أبي الدرداء) قال الهيتمي فيه يزيد بن فرقد ولم يسمع من أبي الدرداء الحديث: 300 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 301 - (اخلعوا) بكسر الهمزة واللام أي انزعوا (نعالكم) وإن كانت طاهرة يقال خلع نعله إذا نزعه وفي القاموس الخلع كالمنع النزع إلا أنه فيه مهانة (عند الطعام) أي عند إرادة أكله (فإنها) أي هذه الخصلة التي هي النزع (سنة) أي طريقة وسيرة (جميلة) أي حسنة مرضية لما فيه من راحة القدم وحسن الهيئة والأدب مع الجليس [ص: 219] وغير ذلك والأمر للإرشاد بدليل خبر الديلمي عن ابن عمر مرفوعا أيها الناس إنما خلعت نعلي لأنه أروح لقدمي فمن شاء فليخلعها ومن شاء فليصل فيهما. والنعل كما في المصباح وغيره الحذاء وهي مؤنثة وتطلق على التاسومة ولما كانت السنة تطلق على السيرة جميلة كانت أو ذميمة بين أنها جميلة هنا أي حسنة مرضية محبوبة وبذلك علم أن المراد بالسنة هنا المعنى اللغوي وإلا لما احتاج لوصفها بما ذكر وخرج بحالة الأكل حالة الشرب فلا يطلب فيها نزع النعل كما هو ظاهر ومثل النغل القبقاب ونحوه لا الخف فيما يظهر (ك) في المناقب (عن أبي عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة كفلس (ابن جبر) بفتح وسكون الموحدة ابن زيد الأنصاري وقد مر وظاهر صنيع المؤلف أن الصحابي الذي رواه عنه الحاكم هو أبو عبس والأمر بخلافه بل الحاكم إنما رواه عن أنس فقال عن يحيى بن العلاء عن موسى بن محمد التيمي عن أبيه عن أنس قال دعا أبو عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخلعوا إلى آخره ورواه من طريق آخر بلفظ آخر وتعقبه الذهبي على الحاكم وأن فيه يحيى وشيخه متروكان وإسناده مظلم انتهى لكنه اكتسب بعض قوة بوروده من طريق أخرى ضعيفة الحديث: 301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 302 - (اخلفوني) بضم الهمزة واللام أي كونوا خلفائي (في أهل بيتي) علي وفاطمة وابنتهما وذريتهما فاحفظوا حقي فيهم وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم والإحسان إليهم وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} قال المجد اللغوي وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع لا ينجع فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضيا فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها فقالت منع والدي رزقه قاعتل بأنه يسب الشيخين فالتفتت فاطمة إليهما وقالت أتؤاخذان ولدي قالا: لا فانتبه مذعورا في حكاية طويلة ولما جرى للإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى ندم وقال اجعلني في حل فقال ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقرابتك منه (وحكى) المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يغض من بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى صلى الله عليه وسلم في النوم فعاتبه فقال يا رسول الله حاش لله ما أكرههم إنما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب قال نعم قال هذا ولد عاق قال السيد السمهودي وحكى لي شيخنا شيخ الإسلام قاضي القضاة يحيى المناوي أن شيخه الشريف الطباطبي كان بخلوته بجامع عمرو بمصر فتسلط عليه تركي يسمى قرقماس الشعباني وأخرجه منها فقال له رجل رأيتك الليلة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينشدك هذين البيتين: يا بني الزهراء والنور الذي. . . ظن موسى أنه نار قبس لا أوالي الدهر من عاداكم. . . إنه آخر سطر في عبس إشارة إلى قوله تعالى {أولئك هم الكفرة الفجرة} ثم أخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم عذبة سوط بيده فعقدها ثلاث عقد. قال شيخ الاسلام: فكان من تقدير الله تعالى أن ضربت رأس قرقماس فلم تقطع إلا بثلاث ضربات فكان ذلك السوط من قبيل قوله تعالى {فصب عليهم ربك سوط عذاب} (طس عن ابن عمر) بن الخطاب وقال إن ذلك آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيتمي فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف الحديث: 302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 303 - (أخنع) بفتح الهمزة والنون بينهما معجمة ساكنة وفي رواية أخنى أي أفحش (الأسماء) أي أقتلها لصاحبه [ص: 220] وأهلكها له يعني أدخلها في النخوع وهو الذل والضعة والهوان ذكره الزمخشري (عند الله يوم القيامة) قيد به مع كونه في الدنيا كذلك إشعارا بترتب ما هو مسبب عنه من إنزال الهوان وحلول العذاب (رجل) أي اسم رجل قال الطيبي: لا بد من هذا التأويل ليطابق الخبر ويمكن أن يراد بالاسم المسمى مجازا أي أخنع الرجال رجل كقوله سبحانه وتعالى {سبح اسم ربك الأعلى} وفيه مبالغة لأنه إذا قدس اسمه عما لا يليق بذاته فذاته بالتقديس أولى وإذا كان الاسم محكوما عليه بالصغار والهوان فكيف المسمى به انتهى وما بحثه تقدمه إليه القرطبي فقال المراد بالاسم المسمى بدليل رواية أغيظ رجل وأخبثه ووقع في هذه الرواية وأغيظه معطوفا على أخبثه فجاء مكررا فزعم بعضهم أنه وهم وأن الصواب وأغنطه بالنون والطاء المهملة أي أشد والغنطة شدة الكذب ورده القرطبي أن تطريق الوهم إلى الحفاظ وهم لا ينبغي المبادرة إليه ما وجد للكلام وجه ويمكن حمله على إفادة تكرار عقوبة من تسمى به تغليظا كما قال الله تعالى {فباءوا بغضب على غضب} أي بعقوبة بعد عقوبة (تسمى) أي سمى نفسه أو سماه غيره فأقروه ورضي به (ملك) بكسر اللام (الأملاك) أو ما في معناه نحو شاه شاهان أو شاهان شاه والعجم تقدم المضاف إليه على المضاف وألحق به ملك شاه قيل وإذا امتنع التسمي بما ذكر فباسم من له هذا الوصف كالله والجبار والرحمن أولى وقيد فيما مر بالعندية إيذانا بشدة غضبه ومزيد عقابه لمن سمى بشيء من ذلك أو تسمى به والتزمه فلم يغيره وقال القرطبي وحاصل الحديث أن من تسمى بهذا الاسم انتهى من الكبر إلى الغاية التي لا تنبغي لمخلوق وأنه قد تعاطى ما هو خاص بالإله الحق لما ثبت في الفطرة أنه (لا مالك) لجميع الخلائق (إلا الله) فلا يصدق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه سبحانه وتعالى فعوقب على ذلك من الاذلال والاسترذال بما لم يعاقب به مخلوق والمالك من له الملك والملك أمدح والمالك أخص وكلاهما واجب لله تعالى انتهى وقال الطيبي قوله لا مالك إلى آخره استئناف لبيان تعليل تحريم التسمية فنفى جنس الملاك بالكلية لأن المالك الحقيقي ليس إلا هو ومالكية الغير مستردة إلى مالك الملوك فمن تسمى بذلك نازع الله سبحانه وتعالى في رداء كبريائه واستنكف أن يكون عبده لأن وصف المالكية مختص بالله لا يتجاوز والمملوكية بالعبد لا تتجاوزه فمن تعدى طوره فله في الدنيا الخزي والعار وفي الآخرة الإلقاء في النار انتهى ومن العجائب التي لا تخطر بالبال ما نقله ابن بريدة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية كان له ابنتان سمى إحداهما الله والأخرى الرحمن وهذا من أعظم القبائح وأشد الجرائم والفضائح وقيل إنه تاب وألحق بعض المتأخرين بملك الأملاك حاكم الحكام وقد شدد الزمخشري النكير عليه فقال في تفسير قوله تعالى {وأنت أحكم الحاكمين} رب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر انتهى واعترضه ابن المنير بأن خبر أقضاكم علي يؤخذ منه جواز أن يقال لأعدل القضاة وأعلمهم في زمنه قاضي القضاة ورد عليه وشنع العلم العراقي منتصرا للزمخشري ومن النوادر أن العز بن جماعة رأى أباه في النوم فسأله عن حاله فقال ما كان علي أضر من هذا الاسم فنهى الموقعين أن يكتبوا له في الاسجال قاضي القضاة بل قاضي المسلمين ومنع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة ولعل الفرق الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة وقال ابن أبي جمرة يلحق بملك الأملاك قاضي القضاة وإن اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان خلافه وفيه مشروعية الأدب في كل شيء قال ابن القيم وتحرم التسمية بسيد الناس وسيدة الكل كما تحرم بسيد ولد آدم فإن ذا ليس لأحد إلا للرسول عليه الصلاة والسلام فلا يحل إطلاقه على غيره قال ولا تجوز التسمية بأسماء الله الحسنى كالأحد والصمد ولا تسمية الملوك بالظاهر والقاهر والقادر وظاهر الوعيد يقتضي التحريم الشديد هبه قصد أنه ملك على ملوك الأرض أو بعضها لكن القاضي أبا الطيب من أكابر الشافعية يجوزه بالقصد المذكور وخالفه الماوردي كما مر ويأتي (ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره أيضا انتهى الحديث: 303 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 [ص: 221] 304 - (إخوانكم) جمع أخ وهو الناشئ مع أخيه من منشأ واحد على السواء بل بوجه ما قال الحراني (خولكم) بفتح المعجمة والواو وضم اللام أي خدمكم جمع خائل أي خادم سمي به لأنه يتخول الأمور أي يصلحها ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان والتخويل التمليك وأخبر عن الأخوة بالخول مع أن القصد عكسه اهتماما بشأن الإخوان أو الحصر الخول في الإخوان أي ليسوا إلا لإخوانكم أي من جهة تفرع الكل عن أصل واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام ومن قال في الدين لم يصب إذ يلزم قصر طلب المواساة في الأرقاء على المسلمين مع عمومها وحينئذ ففي الكلام معنى التشبيه أو إخوانكم مبتدأ و (جعلهم الله) خبره فعليه إخوانكم مستعار لطي المشبه وجوز جمع نصب إخوانكم بفعل مقدر أي احفظوا إخوانكم وخولكم نعت له قال أبو البقاء وهو أجود من الرفع في تخصيص الإخوان بالذكر إشعارا بعلة المواساة وأن ذلك مندوب لأنه وارد على منهج التلطف والتعطف ومعاملتهم بالشفقة والمناصحة والمسامحة وغير ذلك من ضروب الإحسان مما يعود الطبع إليه من مناصحة الإخوان والخلان وهو غير واجب (قنية) بكسر القاف وتضم أي ملكا (تحت أيديكم) يعني قدرتكم فاليد الحسية كناية عن اليد الحكيمة (فمن كان أخوه تحت يده) أي فمن كان مملوكه في قبضته وتحت حكمه وسلطانه وفي رواية للبخاري يديه بلفظ التثنية (فليطعمه) بضم المثناة التحتية فيه وفيما بعده أي وجوبا والأفضل كونه (من طعامه) الذي يأكله هو (وليلبسه) مما يليق (من لباسه) قال الرافعي لا مناقضة بينه وبين الخبر الآتي للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف لأن ما هنا في حق العرب الذين طعامهم وطعام عبيدهم وكسوتهم متقاربة وذلك في حق المترفهين في الطعام واللباس فليس عليهم لمماليكهم إلا المتعارف لهم بالبلد سواء كان من جنس نفقة السيد أو فوقه أو دونه انتهى وخرج بما ذكر نحو عفاف القن فلا يؤمر به سيده والواجب الكفاية (ولا يكلفه) من التكليف وهو تحميل الشخص شيئا معه كلفة وقيل هو الأمر بما يشق أي لا يكلفه من العمل (ما يغلبه) أي ما لا يطيقه في بعض الأحيان (فليعنه) عليه بنفسه أو بغيره فيحرم على السيد أن يكلف قنه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام وله تكليفه عملا شاقا في بعض الأحيان لكن عليه إعانته أي مساعدته ومثل القن نحو خادم وأجير ودابة ولم يصب في التعبير من قال كابن جماعة تدخل في الخول الرقيق والخادم الحر وكذا الدواب انتهى وما ذاك إلا لأن لفظ الخول في الحديث لا يشمل الدابة لوصفه بالأخوة فالشمول ممنوع وليس إلا القياس وفيه الأمر بالعطف على المملوك والشفقة عليه والتذكير بالنعمة والقيام بشكرها والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك (حم ق د ت هـ عن أبي ذر) قال ابن حجر وفيه قصة أي وذلك لأن المعرور بن سويد رأى أبا ذر عليه حلة وعلى غلامه مثلها فسأله عن ذلك فذكر أنه ساب رجلا فعيره بأمه فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك امرؤ فيك جاهلية أي خلق من أخلاقهم ثم ذكره الحديث: 304 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 305 - (أخوف) أي من أخوف (ما أخاف على أمتي) وفي رواية أحمد على هذه الأمة (كل منافق عليم اللسان) أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق كثير في الزلل وقد كان بعض العارفين لا يظهر لتلميذه إلا على أشرف أحواله خوفا أن يقتدي به فيها أو بسوء ظنه به فيها فلا ينتفع. قال الحراني: والخوف حذر النفس من أمور ظاهرة تضرها قال صاحب الهداية: فساد كبير عالم متهتك. . . وأكبر منه جاهل يتنسك هما فتنة للعالمين عظيمة. . . لمن بهما في دينه يتمسك [ص: 222] وسبب تحديث عمر بذلك أن الأحنف سيد أهل البصرة كان فاضلا فصيحا مفوها فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم وليلة فلا يأتيه عنه إلا ما يحب ثم دعاه فقال تدري لم حبستك عني قال لا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا فذكره ثم قال خشيت أن تكون منافقا عليم اللسان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا منه وأرجو أن تكون مؤمنا فانحدر إلى مصرك (عد عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد ضعيف ورواه أيضا الطبراني في الكبير بل والإمام أحمد قال السيد السمهودي رواته محتج بهم في الصحيح انتهى فعدل المصنف عن الحديث الصحيح إلى الرواية الضعيفة واقتصر عليها الحديث: 305 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 306 - (أخوف ما أخاف على أمتي) اتباع (الهوى) بالقصر وهو ميل النفس وانحرافها نحو المذموم شرعا على ما مر (وطول الأمل) بالتحريك رجاء ما تحبه النفس كما مر وذلك لأنه إذا أنس بالدنيا ولذتها ثقل عليه فراقها وأقلع عن التفكير في الموت الذي هو سبب مفارقتها فيمني نفسه أبدا بما يوافق مرادها وهو البقاء في الدنيا فلا يزال يتوهمه ويقدره في نفسه ويقدر توابع البقاء بما يحتاجه من مال وخدم ودار وغيرها فيعكف قلبه على هذا الفكر فيلهو عن الموت ولا يحذر فوته فإن خطر بباله سوف وقال الأيام بين يديك فإلى أن تكبر تتوب فإذا كبر قال حتى أشيخ فإذا شاخ قال حتى أفرغ من بناء داري وعمارة ضيعتي وقهر عدوي الذي يشمت بي فلا يزال كذلك لا يفرغ من شغل إلا علق بتمام آخر إلى أن تخطفه منيته في وقت لا يحتسبه فمن ثم خافه المصطفى صلى الله عليه وسلم عليهم قال الحراني: أكبر الهم والاهتمام إنما هو من طول الأمل فلأجله يتكلف الأعمال والأشغال ويجمع ويدخر الأمول {الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده؟ كلا} ونبه بقوله وطول الأمل على أن المذموم الاسترسال فيه وعدم الاستعداد للآخرة أما أصله فلا ذم فيه إذ لولاه لم يتهن أحد بعيش ولولاه لم يصنف العلماء (عد عن جابر) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المزبور وزاد أما الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ورواه أبو نعيم عن علي وزاد ألا وإن الدنيا ترجلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترجلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الحديث: 306 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 307 - (أخوك البكري) بكسر الموحدة أي الذي ولده أبواك أولا وهذا على المبالغة في التحذير أي أخوك شقيقك خفه واحذر منه (ولا تأمنه) فضلا عن الأجنبي فالتحذير منه أبلغ فأخوك مبتدأ والبكري نعته والخبر يخاف منه مقدرا وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن فيمن لم يتحقق فيه حسن السيرة. قال الديلمي: وهذه كلمة جاهلية تمثل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال العسكري: هذا من الحكم والامثال (طس) من طريق زيد بن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب قال أسلم: خرجت في سفر فلما رجعت قال لي عمر: من صحبت قلت: رجلا من بكر بن وائل فقال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي: أسلم وأبوه ضعيفان (د عن) عبد الله (بن عمر وابن الغفواء) عن أبيه والفغواء بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة وواو مخففة مع المد ويقال ابن أبي الفغواء قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني إلى أبي سفيان بمال يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال: التمس صاحبا فجاءني عمرو بن أميه الضمري فقال: بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا قال: قلت: أجل قال: فأنا لك صاحب قال: فجئت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت له: قد وجدت صاحبا قال: من؟ فقلت: عمرو بن أمية الضمري فقال: إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه [ص: 223] فخرجت حتى إذا كنا بالأبواء قال: أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قلت راشدا فلما ولى ذكرت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري ثم خرجت حتى إذا كنت بالاصافير إذا هو يعارضني في رهط قال: فأوضعت بعيري فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا وجاءني فقال: كان لي إلى قومي حاجة قال: قلت: أجل فمضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان انتهى وعبد الله قال ابن حبان مستور وقال الذهبي: تابعي مجهول وساقه في الضعفاء وقال في غيرها لا يعرف قال وعمر له صحبة ورواية وفي التقريب عمرو بن الفغواء الخزاعي صحابي في إسناد حديثه اختلاف انتهى يشير إلى هذا الحديث ورواه العسكري رحمه الله تعالى في الأمثال من حديث مسور مرفوعا هذا وقد رمز المؤلف لحسنه ولعله لاعتضاده الحديث: 307 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 308 - (أد) وجوبا من الأداء. قال الراغب: وهو دفع ما يحق دفعه وتأديته (الأمانة) هي كل حق لزمك أداؤه وحفظه وقصر جمع لها على حق الحق وآخرين على حق الخلق قصور قال القرطبي: والأمانة تشمل أعدادا كثيرة لكن أمهاتها الوديعة واللقطة والرهن والعارية. قال القاضي: وحفظ الأمانة أثر كمال الإيمان فإذا نقص الإيمان نقصت الأمانة في الناس وإذا زاد زادت (إلى من ائتمنك) عليها وهذا لا مفهوم له بل غالبي والخيانة التفريط في الأمانة. قال الحراني: والائتمان طلب الأمانة وهو إيداع الشيء لحفظه حتى يعاد إلى المؤتمن ولما كانت النفوس نزاعة إلى الخيانة رواغة عند مضايق الأمانة وربما تأولت جوازها مع من لم يلتزمها أعقبه بقوله (ولا تخن من خانك) أي لا تعامله بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله وليس منها ما يأخذه من مال من جحده حقه إذ لا تعدي فيه أو المراد إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا بل قابله بالأحسن الذي هو العفو وادفع بالتي هي أحسن وهذا كما قاله الطيبي أحسن قال ابن العربي: وهذه مسألة متكررة على ألسنة الفقهاء ولهم فيها أقوال الأول لا تخن من خانك مطلقا الثاني خن من خانك قاله الشافعي الثالث إن كان مما ائتمنك عليه من خانك فلا تخنه وإن كان ليس في يدك فخذ حقك منه قاله مالك الرابع إن كان من جنس حقك فخذه وإلا فلا قاله أبو حنيفة. قال: والصحيح منها جواز الاعتداء بأن تأخذ مثل مالك من جنسه أو غير جنسه إذا عدلت لأن ما للحاكم فعله إذا قدرت تفعله إذا اضطررت (تخ د ت) في البيوع وقال ت حسن غريب (ك عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: فيه شريك قال يحيى ما زال مختلطا عن قيس قال أحمد كثير الخطأ (قط ك والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الدارقطني: فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وجمع (طب عن أبي أمامة) قال الهيتمي: وفيه يحيى بن عثمان المصري قال ابن أبي حاتم: يتكلمون فيه ورواه الطبراني أيضا في الصغير والكبير باللفظ المزبور عن أنس. قال الهيتمي: رجاله ثقات ورواه ابن عساكر من طريق مكحول قال رجل لأبي أمامة: الرجل أستودعه الوديعة أو يكون لي عليه شيء فيجحدني ثم يستودعني أو يكون له علي شيء أفأجحده. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال ابن عساكر وغيره ومكحول لم يسمع من أبي أمامة وقال السخاوي: في أسانيده مقال لكن بطرقه يتقوى (د عن رجل من الصحابة) ولا يضر إبهامه لأن الصحابة كلهم عدول (قط عن أبي بن كعب) بدري سيد سند من فضلاء الصحابة روى عنه أنس وغيره وفي موته أقوال قال ابن الجوزي فيه محمد بن ميمون قال ابن حبان منكر الحديث جدا لا يحل الاحتجاج به وقال في المنار: فيه ثلاثة ولوا القضاء ساء حفظهم وقال أحمد حديث باطل وقال ابن حجر رواه (د ت ك) عن أبي هريرة تفرد به طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس وفيه أيوب بن سويد فيه خلف ورواه أبو داود بسند فيه مجهول وقد صحبه ابن السكن ورواه البيهقي عن أبي أمامة بسند ضعيف وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه الحديث: 308 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 [ص: 224] 309 - (أد ما افترض الله) أي أوجب (عليك) ومنه السنة يقول فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أي سنه (تكن من أعبد الناس) أي المقبول عبادتهم يعني إذا أديت العبادة على أكمل الأحوال من ركن وشرط وسنة خالصة سالمة من الخلل تكن من أعبد الناس ممن لم يفعلها كذلك والعبادة تتفاوت رتبها في الكمال (واجتنب ما حرم الله عليك) أي لا تقربه فضلا عن أن نفعله فإن من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيها (تكن من أورع الناس) أي من أعظمهم كفا عن المحرمات وأكثر الشبهات قال النووي: والورع اجتناب الشبهات خوفا من الله تعالى وقال ابن القيم: ترك ما يخاف ضرره في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع فيها (وارض) اقنع (بما قسمه الله) قدره (لك) قال الله تعالى {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} (تكن من أغنى الناس) فإن من قنع بما قسمه الله له صار غني القلب زاهدا فيما في يد غيره والقناعة كنز لا يفنى قال أكتم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله علم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بالقسم قال الحكماء: من قنع كان غنيا وإن كان فقيرا ومن تجاوز ما له من القناعة فهو فقير وإن كان غنيا وقال بعضهم: الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف ومن رضي بالمقدور قنع بالميسور وقالوا: ما كان لك من الدنيا أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن قطع رجاءه مما فات استراح بدنه والراحة كلها في الرضا بالمقسوم والاقتصار على حال الوقت والإعراض عما كان ويكون لأن ذلك كدر في الوقت وشغل بما لا يعني ولا يغني والهم كله في الأسف على الأمور الماضية والاهتمام بالأمور الآتية من الدنيا وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت ولا يهتم بما بعد الوقت لا من أين ولا كيف ولا ماذا يعطيه لأنه ليس مما يعنيه (تتمة) قال الغزالي: للشرع حكمان حكم الجواز وحكم الأفضل الأحوط فالجائز يقال له حكم الشرع والأفضل والأحوط يقال له حكم الورع فافهم وبه يخرج الجواب عن قول من قال الورع موضوع على التشديد والشرع موضوع على اليسر والسماحة (عد عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي قال الدارقطني رفعه وهم والصواب وقفه الحديث: 309 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 310 - (أدبني ربي) أي علمني رياضة النفس ومحاسن الأخلاق الظاهرة والباطنة والأدب ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسنة والعلوم المكتسبة وفي شرح النوابغ هو ما يؤدي بالناس إلى المحامد أي يدعوهم (فأحسن تأديبي) بإفضاله علي بالعلوم الكسبية والوهبية بما لم يقع نظيره لأحد من البشر. قال بعضهم: أدبه بآداب العبودية وهذبه بمكارم أخلاق الربوبية ولما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديته مرآة للعالم كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي وباطن حاله مرآة للصادقين في متابعته وللصديقين في السير إليه {فاتبعوني يحببكم الله} وقال القرطبي: حفظه الله من صغره وتولى تأديبه بنفسه ولم يكله في شيء من ذلك لغيره ولم يزل الله يفعل به حتى كره إليه أحوال الجاهلية وحماه منها فلم يجر عليه شيء منها كل ذلك لطف به وعطف عليه وجمع للمحاسن لديه انتهى. وفي هذا من تعظيم شأن الأدب ما لا يخفى ومن ثم قالوا: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت وقالوا: الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل أصله وقالوا: زك قلبك بالأدب كما تزكي النار بالحطب وحسن الأدب يستر قبيح النسب. وقال في العوارف: بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصلح العمل وبالعمل تنال الحكمة ولما ورد أبو حفص النيسابوري العراق جاءه الجنيد فرأى أصحابه وقوفا على رأسه يأتمرون بأمره فقال: أدبت أصحابك آداب الملوك. قال: لا [ص: 225] ولكن حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. وقال العارف ابن سلام: مددت رجلي تجاه الكعبة فجاءتني امرأة من العارفات فقالت: إنك من أهل العلم لا تجالسه إلا بالأدب وإلا محى اسمك من ديوان القرب. وقال السقطي: مددت رجلي ليلة في المحراب فنوديت ما هكذا تجالس الملوك فقلت: وعزتك لا مددتها أبدا فلم يمدها ليلا ولا نهارا. قال في العوارف: وكل الآداب متلقيات عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه مجمعها ظاهرا وباطنا وذكر البرهان البقاعي أنه سأله بعض العجم أن يقرأ عليه فأذن فجلس متربعا فامتنع من إقرائه وقال: أنت أحوج إلى الأدب منك إلى العلم الذي جئت تطلبه وحكى عن الشمس الجوهري أنه لما شرع في الاشتغال بالعلم طاف على أكابر علماء بلده فلم يعجبه منهم أحد لحدة فهمه حتى إذا جاء شيخ الإسلام يحيى المناوي فجلس بين يديه وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم فشرع في القراءة فتأمل الشيخ فوجد أصبعا من أصابع رجله مكشوفا فانتهره وقال له بحال أنت قليل الأدب لا يجئ منك في الطلب غط أصبعك واستعمل الأدب فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من الاستخفاف بالناس ولزم دروسه حتى صار رأسا عظيما في العلم. وقال بعضهم: قد أدب الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ورباها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه الظاهر باللطف والهبة فتكامل له الإنس باللطف والأدب بالهيبة واتصلت بعد ذلك بالبدن ليخرج باتصالها كمالات أخرى من القوة إلى الفعل وينال كل من الروح والبدن بواسطة الأخرى من الكمال ما يليق بالحال ويصير قدوة لأهل الكمال والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع المستحسنات وقيل تعظيم من فوقه مع الرفق بمن دونه وقيل: غير ذلك. قال الحراني: والربوبية إقامة المربوب لما خلق وأريد له فرب كل شيء مقيمه بحسب ما أبداه وجوده فرب المؤمن ربه وباه للإيمان ورب الكافر ربه ورباه للكفران ورب محمد صلى الله عليه وسلم ربه ورباه للحمد ورب العالمين رب كل عالم لما خلق له {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فالربوبية بيان في كل رتبة بحسب ما أظهرته آية مربوبه من عرف نفسه فقد عرف ربه (ابن السمعاني) الإمام أبو سعد (في) كتاب (أدب الإملاء) أي إملاء الحديث من جهة صفوان بن مفلس الحنطي عن محمد بن عبد الله عن سفيان الثوري عن الأعمش (عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فأحسن أدبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} هذا سياق رواية السمعاني بحروفه فتصرف فيه المؤلف كما ترى. قال الزركشي: حديث أدبني ربي فأحسن تأديبي معناه صحيح لكنه لم يأت من طريق صحيح وذكره ابن الجوزي في الواهيات عن علي في ذيل حديث وضعفه وأسنده سبطه في مرآة الزمان وأخرجه بطرق كلها تدور على السدي عن ابن عمارة الجواني عن علي وفيه فقال يا رسول الله إنك تكلم الوفود بكلام أو لسان لا نفهم أكثره فقال إن الله أدبني فأحسن تأديبي ونشأت في بني سعد فقال له عمر يا رسول الله كلنا من العرب فما بالك أفصحنا فقال: أتاني جبريل بلغة إسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني إياها وصححه أبو الفضل بن ناصر قال المؤلف وأخرج العسكري عن علي قال قدم بنو فهد بن زبد على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك من غور تهامة وذكر خطيبهم وما أجابهم المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: فقلت يا نبي الله نحن بنو أب واحد ونشأنا في بلد واحد وإنك تكلم العرب بلسان لا نفهم أكثره فقال: أدبني ربي إلى آخره وأخرج ابن عساكر أن أبا بكر قال: يا رسول الله طفت في العرب وسمعت كلام فصائحهم فما سمعت أفصح منك فمن أدبك قال: أدبني ربي ونشأت في بني سعد قال: وإسناده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف وإن اقتصر شيخنا يعني ابن حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه. وقال ابن تيمية: لا يعرف له سند ثابت الحديث: 310 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 311 - (أدبوا) خطابا للآباء والأجداد ويلحق بهم كل كافل ليتيم (أولادكم) أي دربوهم لينشأوا ويستمروا (على) ملازمة خصال (ثلاث) وخصها لأنها أهم ما يجب تعليمه للطفل (خصال) قالوا: وما هي. قال: (حب نبيكم) المحبة [ص: 226] الإيمانية الطيبة لأنها غير اختيارية وهذا واجب لأن محبته تبعث على امتثال ما جاء به قال السمعاني: يجب على الآباء تعليم أولادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بمكة إلى كافة الثقلين ودفن في المدينة وأنه واجب الطاعة والمحبة. وقال ابن القيم: يجب أن يكون أول ما يقرع سمعهم معرفة الله تعالى وتوحيده وأنه يسمع كلامهم وأنه معهم حيث ما كانوا وكذلك كان بنو إسرائيل يفعلون ولهذا كان أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا عقل الطفل ووعى علم أنه عبد الله ثم يعرفه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبوجوب محبته (وحب أهل بيته) علي وفاطمة وبنيهما أو مؤمنو بني هاشم والمطلب (وقراءة القرآن) أي تلاوته ومدارسته وحفظه (فإن حملة القرآن) أي حفظته عن ظهر قلب المداومين لتلاوته العاملين بأحكامه يكونون (في ظل الله) أي في ظل عرشه كما صرح به في رواية أخرى (يوم لا ظل إلا ظله) أي يوم القيامة إذا دنت الشمس من الرؤوس واشتد عليهم حرها وقد يراد به ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال الله تعالى {وندخلهم ظلا ظليلا} وقيل: المراد بالظل الكرامة والكنف والأمن من المكاره في ذلك الموقف (مع أنبيائه وأصفيائه) أي يكونون في حزبه الذين اختارهم من خلقه وارتضاهم لجواره وقربه ومعنى كونه معهم أنه يكون رفيقا لهم هناك لاتصافه بصفتهم من حمل كتابه وفيه وجوب تأديب الأولاد وأنه حق لازم وكما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه كذلك بل وصية الله تعالى للآباء أبنائهم سابقة في التنزيل على وصية الأولاد بآبائهم فمن أهمل تعليم ولده وليدا ما ينفعه فقد أساء إليه وأكثر عقوق الأولاد آخرا بسبب الاهمال أولا ومن ثم قال بعضهم لأبيه: أضعتني وليدا فأضعتك شيخا (أبو نصر) عبد الكريم بن محمد (الشيرازي) نسبة إلى شيراز بلدة (في فوائده) الحديثية (فر وابن النجار) في تاريخه (عن علي) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف لأن فيه شيء وصالح بن أبي الأسود له مناكير وجعفر ابن الصادق قال في الكشاف عن القطان في النفس منه شيء انتهى الحديث: 311 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 312 - (أدخل الله) بصيغة الماضي دعاء وقد يجعل خبرا وعبر عنه بالماضي إشعارا بتحقق الوقوع (الجنة) دار الثواب وقدم الجزاء لمزيد التشويق والترغيب (رجلا) يعني إنسانا ذكرا أو أنثى والمراد كل مؤمن (كان سهلا) أي لينا في حال كونه (مشتريا وبائعا وقاضيا) أي مؤديا ما عليه (ومقتضيا) طالبا ماله ليأخذه والقصد بالحديث الإعلام بفضل اللين والسهولة في المعاملات من بيع وشراء وقضاء واقتضاء وغير ذلك وأنه سبب لدخول الجنة موصل للسعادة الأبدية وخص المذكورات لغلبة وقوعها وكثرة المضايقة فيها حتى في التافه لا لإخراج غيرها فجميع العقود والحلول كذلك (حم) عن وهب (عن عثمان بن عفان) رضي الله تعالى عنه رمز المؤلف رحمه الله لصحته الحديث: 312 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 313 - (ادرؤا) بكسر الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء ادفعوا (الحدود) أي إيجابها أن تنظروا وتبحثوا عما يمنع من ذلك جمع حد وهو لغة المنع وعرفا عقوبة مقدرة على ذنب (عن المسلمين) والملتزمين للأحكام فالتقييد غالبي أو للتنبيه على أن الدرء عن المسلم أهم (ما استطعتم) أي مدة استطاعتكم ذلك بأن وجدتم إلى الترك سبيلا شرعيا فلا تحدوا أحدا منهم إلا بأمر متيقن لا يتطرق إليه التأويل (فإن وجدتم للمسلم مخرجا) عن إيجاب الحد (فخلوا سبيله) أي طريقه يعني اتركوه ولا تحدوه وإن قويت الريبة وقامت قرينة تغلب على الظن صدق ما يرمى به كوجود رجل مع أجنبية [ص: 227] في فراش واحد وكلامه شامل لما بعد الإقرار. قال ابن العربي: ومن السعي في الدرء الإعراض عنه والتعريض له كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم بماعز لعلك قبلت لعلك فاخذت وكما قال لمن اتهم بالسرقة ما إخالك سرقت وقوله لآخر: أبك جنون؟ هل أحصنت (فإن الإمام) يعني الحاكم (لأن) بلام التأكيد وفي رواية أن (يخطئ في العفو خير من أن يخطئ بالعقوبة) أي خطؤه في العفو خير من خطئه في العقوبة واسم التفضيل على غير بابه إذ لا خير في الخطأ بالعقوبة وإنما مراده الترهيب من المؤاخذة مع قيام أدنى شبهة والخطاب في قوله ادرؤا للأئمة. قال الطيبي: فالإمام مظهر أقيم مقام المضمر على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حثا له على إظهار الرأفة والرحمة يعني من حق إمام المسلمين وقائدهم أن يرجح سبيل العفو ما أمكن والكلام في غير خبيث شرير متظاهر بالإيذاء والفساد أما هو فلا يدرأ عنه بل يتعين السعي في إقامته بدليل الخبر المار أترعون عن ذكر الفاجر أذكروا الفاجر بما فيه والخطأ كما قال الحراني هو الزلل عن الحق من غير تعمد بل مع عزم الاصابة أو ودان لا يخطئ (ش ت ك هق) في كتاب الحدود (عن عائشة) رضي الله عنها مرفوعا وموقوفا. وقال الحاكم: صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن فيه يزيد بن زياد شامي متروك وقال في المهذب: هو واه وقد وثقه النسائي انتهى وسبقه الترمذي فقال في العلل: فيه يزيد بن زياد سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال منكر الحديث ذاهبه. وقال ابن حجر: فيه يزيد بن زياد ضعيف وقال فيه البخاري منكر الحديث (وش) متروك قال الذهبي رحمه الله: وأجود ما في الباب خبر البيهقي ادرؤا الحد والقتل عن المسلمين ما استطعتم. قال هذا موصول جيد انتهى الحديث: 313 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 314 - (ادرؤا الحدود) ادفعوا إقامتها جمع حد. قال الحراني: وحقيقة الحاجز بين شيئين متقابلين فأطلق هنا على الحكم تسمية للشيء باسم جزئه بدلالة التضمن (بالشبهات) بضمتين جمع شبهة بالضم وهي كما في القاموس الإلباس. وقال الزمخشري: تشابهت الأمور واشتبهت التبست لاشتباه بعضها ببعض وشبه عليه الأمر لبس عليه (وأقيلوا الكرام) أي خيار الناس ووجوههم نسبا وحسبا وعلما ودينا وصلاحا (عثراتهم) أي زلاتهم بأن لا تعاقبوهم عليها ولا تؤاخذوهم بها يقال للعثرة زلة لأن العثور السقوط والزلة سقوط في الإثم. قال الزمخشري: من المجاز أقال الله عثرتك وعثر على كذا اطلع عليه وأعثره عليه أطلعه وأعثر به عند السلطان قدح فيه وطلب توريطه (إلا في حد من حدود الله) فإنه لا يجوز إقالتهم فيه إذا بلغ الإمام وثبت عنده وخلى عن الشبهة ولم يجد إلى دفعه عنه سبيلا وطلب منه إقامته فيما يتوقف على الطلب وزاد قوله من حدود الله تفخيما وتأكيدا فلا مفهوم له (عد) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي خرجه أبو أحمد بن عدي (في جزء له من حديث أهل مصر والجزيرة) من رواية ابن لهيعة (عن ابن عباس) قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر وهذا الإسناد إن كان من بين ابن عدي وابن لهيعة مقبول فهو حسن وذكر البيهقي في المعرفة أنه جاء من حديث علي مرفوعا وذكر التاج السكي في شرح المختصر أن أبا محمد الحارثي ذكره في مسند أبي حنيفة من حديث ابن عباس ووهم من أخذ كلامه فنسبه إلى أبي محمد الدارمي فكأنه تحرف عليه انتهى (وروى صدره) فقط وهو قوله ادرؤوا الحدود بالشبهات (أبو مسلم الكجي) بفتح الكاف وشد الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص لقب به لأه كان كثيرا ما يبني به (وابن السمعاني) أي وروى صدره فقط ابن السمعاني (في الذيل) أي ذيل تاريخ بغداد (عن) أبي حفص (عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين الخليفة العادل الراشد المجمع [ص: 228] على وفور فضله وعقله وعلمه وورعه وزهده وعدله (مرسلا) قال ابن حجر: وفي سنده من لا يعرف وفيه قصة (ومسدد) بضم الميم وفتح المهملة وشد المهملة ابن مسرهد البصري ثقة حافظ (في مسنده) الذي هو أول مسند صنف في البصرة قيل اسمه عبد الملك ومسدد لقبه (عن) عبد الله (بن مسعود موقوفا) بلفظ إدرؤوا الحدود بالشبهة بلفظ الإفراد. وقال ابن حجر في شرح المختصر وهو موقوف حسن الإسناد انتهى. وبه يرد قول السخاوي طرقه كلها ضعيفة نعم أطلق الذهبي على الحديث الضعف ولعل مراده المرفوع الحديث: 314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 315 - (ادرؤا الحدود) جمع حد قال الراغب: سميت العقوبة حدا لكونه يمنع الفاعل من المعاودة أو لكونها مقدرة من الشارع أو الإشارة إلى المنع ولذا سمي البواب حدادا قال وتطلق الحدود ويراد بها المعاصي كقوله تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} وعلى فعل فيه شيء مقدر ومنه {ومن يتعد حدود الله} وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام سميت حدود إذ الحد الحاجز فمنها ما زجر عن فعله ومنها ما زجر عن الزيادة عليه والنقص منه (و) لكن (لا ينبغي) مع ذلك (للإمام) ونوابه أي لا يجوز (تعطيل الحدود) أي ترك إقامة شيء منها بعد ثبوته على وجه لا مجال للشبهة فيه فالمراد لا تفحصوا عنها إذا لم تثبت عندكم وبعد الثبوت فإن كان ثم شبهة فادرؤا بها وإلا فأقيموها وجوبا ولا تعطلوها فإن تعطيلها يجر إلى اقتحام القبائح وارتكاب الفضائح والتجاهر بالمعاصي وخلع ربقة أحكام الشريعة <تنبيه> أخذ الكرخي من هذه الأخبار أنه لا يجب العمل بخبر الواحد في الحدود لما أنه لا يفيد العلم إلا بقرينة وذلك شبهة وألزم بأن ذلك موجود في شهادة الواحد (قط هق عن علي) وضعفه البيهقي. وقال السخاوي: فيه المختار بن نافع قال البخاري منكر الحديث انتهى نعم هو حسن بشواهده وعليه يحمل رمز المؤلف لحسنه الحديث: 315 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 316 - (ادعوا) بهمزة وصل مضمومة (الله) المنفرد بالإعطاء والمنع والضر والنفع فذكره هنا أنسب من ذكر الرب أي اسألوه من فضله من الدعاء وهو استدعاء العبد ربه العناية واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الإفتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية وبه رد على من كره الدعاء من الصوفية وقال الأولى السكوت والرضا والجمود تحت جريان الحكم والقضاء وهذا الحديث نص في رده والذي عليه جمهور الطوائف أن الدعاء أفضل مطلقا لكن بشرط رعاية الأدب والجد في الطلب والعزم في المسألة والجزم بالإجابة كما أشار إليه بقوله (وأنتم موقنون) جازمون (بالإجابة) بأن تكونوا على حال تستحقون فيه الإجابة بخلوص النية وحضور الجنان وفعل الطاعات بالأركان وتجنب المحظور والبهتان وتفريغ السر عما سوى الرحمن أما سمعته يقول {وجاء بقلب منيب} أي راجع إليه عما سواه من إظهار الانكسار والاضطرار ورفض الحول والقوة وغلبة ظن الإجابة بحيث تكون أغلب على القلب من الرد لأن الداعي إذا لم يكن جازما لم يكن رجاؤه صادقا وإذا لم يصدق الرجاء لم يخلص الدعاء إذ الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع بدون تحقق الأصل ولأن الداعي إذا لم يدع ربه على يقين أنه يجيبه فعدم إجابته إما لعجز المدعو أو بخله أو عدم علمه بالابتهال وذلك كله على الحق تقدس محال. قال الطيبي: وقيد الأمر بالدعاء باليقين والمراد النهي عن التعرض بما هنا مناف للإيقان من الغفلة واللهو والأمر بضدهما من إحضار القلب كما تقرر أولا والجد في الطلب بالعزم في المسألة فإذا حصل حصل اليقين ونبه على ذلك بقوله (واعلموا أن الله) زاد في رواية الترمذي تبارك وتعالى (لا يستجيب) أي لا يجيب قال في النهاية: المجيب الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء (دعاء) بالمد (من قلب غافل) بالإضافة ويجوز عدمها وتنوينها (لاه) أي لا يعبأ بسؤال سائل غافل عن الحضور مع [ص: 229] مولاه مشغوف بما أهمه من دنياه ونظيره قوله تعالى {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} نهاهم عن الموت على غير دين الإسلام وليس بمقدورهم لكنه أمر بالثبات عليه بحيث إذا أدركهم الموت على تلك الحالة والتيقظ والجد في الدعاء من أعظم آدابه قال الإمام الرازي: أجمعت الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر. قال: وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة ولا بحالة مخصوصة <تنبيه> قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والإشنغال بتحريات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان (ت) في الدعوات واستغربه عن أبي هريرة قال في الأذكار: وإسناده فيه ضعف (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال الحاكم مستقيم الإسناد تفرد به صالح المزي أحد زهاد البصرة انتهى ورده الذهبي فقال صالح متروك تركه (س) هذا رمز الذهبي ومراده به النسائي وعبارة المتولي قال المنذري: تركه أبو داود والنسائي انتهى فما في النسخ هن نقط السين خطأ ينشأ من توهم أن رمز الذهبي كرمز المؤلف وغيره له هنا قال (خ) منكر الحديث. وقال أحمد: صاحب قصص لا يعرف الحديث وجرى على منواله الحافظ العراقي ثم تلميذه الحافظ ابن حجر فقالا: صالح وإن كان صالحا ضعيف في الحديث ومن ثم تركه جمع فمن زعم حسنه فضلا عن صحته فقد جازف الحديث: 316 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 317 - (ادفعوا الحدود عن عباد الله) أضافهم إليه تذكيرا بأن الدفع عنهم من تعظيم مالكهم (ما وجدتم له) أي للحد الذي هو واحد الحدود أو للدفع المفهوم من ادفعوا أي لا تقيموها مدة دوام وجودكم لها (مدفعا) كمصرع أي تأويلا يدفعها لأن الله تعالى كريم عفو يحب العفو والسر {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} ومن ثم ندب للحاكم إذا أتاه نادم أقر بحد ولم يفسره أن لا يستفسره بل يأمره بالستر فإن كان مما يقبل الرجوع عرض له به كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا مقيد بما إذا لم يكن الفاعل معروفا بالأذى والفساد فعدم الإغضاء عنه أولى كما مر بل قد يجب عدم الستر عليه لأن الستر يطغيه نص عليه مالك وغيره قال الحراني: والدفع رد الشيء بغلبة وقهر عن وجهته التي هو منبعث إليها (هـ) من حديث إسحاق بن إسرائيل عن وكيع عن إبراهيم بن الفضل عن المقبري (عن أبي هريرة) قال ابن حجر في تخريج المختصر: إبراهيم مدني ضعيف وقد خرجه ابن عدي فعده من منكراته وقال: هذا رجل اتهمه سفيان الثوري انتهى وبه يعرف سقوط رمز المصنف رحمه الله تعالى لحسنه إلا أن يراد أن ما مر يعضده الحديث: 317 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 318 - (ادفنوا) أيها المسلمون (موتاكم) المسلمين (وسط) بفتح السين وسكونها وهو أفصح (قوم صالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته والوسط بمعنى المتوسط بين جماعة من الأموات. لكن ليس المراد هنا حقيقة التوسيط وهو جعل الشيء في الوسط بل الدفن بقرب قبر صالح أو بمقبرة الصلحاء ولو في طرفها فيكره الدفن بقرب قبر مبتدع أو فاسق والأفضل بأفضل مقبرة البلد ويحرم دفن مسلم في مقبرة كفار وعكسه كما أشار إليه بقوله (فإن الميت يتأذى) يتضرر (بجار السوء) بالفتح والإضافة أي بسبب جوار جار السوء الميت وتختلف مراتب الضرر بإختلاف أحوال المتضرر منه لنحو شدة تعذيب أو نتن ريح أو ظلمة أو غير ذلك فليس المراد بالتأذي مدلوله اللغوي [ص: 230] وهو الضرر بقيد كونه يسيرا فحسب إذ في القاموس الأذى السوء اليسير (كما يتأذى الحي بجار السوء) الحي وفي رواية قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة قال: هل ينفع في الدنيا قالوا: نعم قال: كذلك ينفع في الآخرة. قال السخاوي: وما روي أن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا إنما يقدس المرء عمله قد لا ينافيه قال عبد الحق في العاقبة: فيندب لولي الميت أن يقصد به قبور الصالحين ومدافن أهل الخير فيدفنه معهم وينزله بإزائهم ويسكنه في جوارهم تبركا وتوسلا بهم وأن يجتنب به قبور من يخاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدة حاله كما جاء في أثر أن امرأة دفنت بقبر فأتت أهلها في النوم فجعلت تعتبهم وتقول ما وجدتم أن تدفنوني إلا إلى فرن الخبز فلما أصبحوا لم يجدوا بقرب القبر فرن خبز لكن وجدوا رجلا سيافا لابن عامر دفن بقربها. ورأى بعضهم ولده بعد موته فقال: ما فعل الله بك قال: ما ضرني إلا أني دفنت بإزاء فلان وكان فاسقا فروعني ما يعذب به من أنواع العذاب ولو تعارض شرف البقعة وسوء حال المقبورين فاحتمالان رجح بعضهم تقديم الدفن بجوار الصلحاء على الدفن بالبقعة المقدسة وفيه حث على العمل الصالح والبعد عن أهل الشر والزجر عن فعله والنهي عن أذى الجار (حل) من حديث محمد بن عمران بن الجنيد عن شعيب بن محمد الهمداني عن سلمان بن عيسى عن نافع عن عمه نافع بن مالك عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث مالك وأقول سليمان ابن عيسى قال في اللسان هالك وقال أبو حاتم كذاب وابن عدي وضاع ومن ثم أورد الجوزقاني الحديث في الموضوعات وكذا ابن الحوزي وتعقبه المؤلف وغاية ما أتى به أن شاهدا حاله كحاله الحديث: 318 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 319 - (ادفنوا القتلى) بفتح فسكون أي قتلى أحد والحكم عام (في مصارعهم) وفي رواية في مضاجعهم أي في الأماكن التي قتلوا فيها والصريع من الأغصان ما تهدل وسقط إلى الأرض ومنه قيل للقتيل صريع وهذا قاله لما نقلوا بعضهم ليدفنوه بالبقيع مقبرة المدينة ولا يصح تعليله لكونه محل الشهادة والأرض تشهد لمن قتل فيها لأن الشهادة لا تتوقف منها على الدفن ولعله لبقاء دمائهم ودفنها معهم قال في المطامح والصحيح أن ذلك كان قبل دفنهم وحينئذ فالأمر للندب (4 عن جابر) قال الترمذي رحمه الله حسن صحيح ولهذا رمز المؤلف رحمه الله تعالى لصحته الحديث: 319 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 320 - (أدمان) تثنية أدم بضم الهمزة والدال المهملة وتسكن جمع إدام وقيل هو بالسكون المفرد وبالضم الجمع أي لبن وعسل (في إناء) واحد (لا آكله ولا أحرمه) صريح في حله خلافا لمن وهم لأنه من الطيبات المأذون في تناولها وإنما لم يأكله لأنه كان يكره التلذذ والتبسط بنعيم الدنيا ويحب التقلل منه تركا للتعمق في التنعم ورفضا لفضول الدنيا كما ورد في عدة أخبار وبين مراده به في خبر عائشة رضي الله عنها وغيره وأكله من برمة فيها سمن وعسل لبيان الجواز أو للإيناس أو جبرا لخاطر من قدمه أو لكونه المتيسر في ذلك الوقت أو للتعديل كالجمع بين حار وبارد أو رطب ويابس أو غير ذلك من المقاصد التي لا تنافي الزهد <تنبيه> قال الغزالي: هذا الحديث نبه به على أنه ينبغي للإنسان أن لا ينهمك في الشهوات فيكفي إسرافا أن يأكل كلما يشتهيه ويفعل كلما يهواه فلا يعطي نفسه شهوتين دفعة فتقوى عليه وقد أدب عمر ولده عبد الله إذ دخل عليه فوجده يأكل لحما مأدوما بسمن فعلاه بالدرة وقال: لا أم لك كل يوما هذا ويوما هذا وإذا كان حد الاعتدال المطلوب خفيا في كل شخص فالحزم أن لا يترك في كل حال وأكل أدم في يوم هو الاعتدال وخلافه إسراف وإفراط ومخالفته إقتار وكان بين ذلك قواما. قال: وإذا اشتهى فاكهة فينبغي أن يترك الخبز ويأكلها بدلا عنه ليكون قوتا لئلا يجمع بين شهوة وعادة (طس ك) في الأطعمة (عن أنس) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقعب فيه لبن وعسل فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي وقال بل منكر واه وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني [ص: 231] فيه عبد الكبير بن شعيب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر في طريق الطبراني راو مجهول وقد أشار البخاري إلى تضعيفه في صحيحه فزعم صحته خطأ الحديث: 320 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 321 - (أدن) بفتح الهمزة وسكون الدال وكسر النون أي قرب (العظم من فيك) قاله لصفوان وقد رآه يأخذ اللحم من العظم بيده (فإنه) أي تقريب اللحم من الفم ونهشه (أهنأ) بفتح الهمزة الأولى ورفع الثانية أي أقل مشقة وتعبا (وأمرأ) بصيغة أهنأ أي أقل ثقلا على المعدة وأسرع هضما وأبعد عن الأذى وأحمد للعاقبة فالأمر إرشادي (د عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشدة التحتية تصغير أمة وهو ابن خلف الجمحي من المؤلفة الأشراف شهد اليرموك أميرا قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فذكره وقد رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد جزم الحافظ ابن حجر بأن سنده منقطع الحديث: 321 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 322 - (أدنى ما تقطع فيه يد السارق) أي أدون ما يجب فيه قطع يد السارق من حرز مثله بشرطه (ثمن) وفي رواية قيمة (المجن) بكسر الميم وفتح الجيم الترس سمي به لأنه يجن صاحبه أي يستره ويواريه وميمه عند سيبويه أصلية وعند الجمهور زائدة وبقية الحديث عند مخرجه الطحاوي وكان يقوم يومئذ بدينار وفي رواية له أيضا بعشرة دراهم ويوافقه رواية أبي داود والنسائي عن ابن عباس قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم وفي رواية للنسائي لا قطع فيما دون عشرة دراهم وعورض بأحاديث منها خبر الشيخين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وخبر البيهقي عن عمر قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت: ربع دينار وقال ابن عبد البر: هذا أصح حديث في الباب قال ابن حجر: ويجمع بأنه قال أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر وأما سائر الروايات فليس فيها إلا الإخبار عن فعل وقع في عهده وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية ابن عمر أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وهو مع كونه حكاية فعل لا يخالف حديث عائشة أن قيمته ربع الدينار فإن ربع الدينار صرف ثلاثة دراهم وليس المراد به مجنا بعينه بل الجنس وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن فيكون نصابا ولا يقطع فيما دونه وقد أخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان السارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع في ثمن المجن وكان يومئذ ذا ثمن ولم يكن يقطع في الشيء التافه وقد قال في رواية الطحاوي أيضا وغيره بدل ثمن قيمة وقيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة فيه والثمن ما يقابل به المبيع عند البيع. قال ابن دقيق العيد: القيمة والثمن قد يختلفان والمعتبر القيمة ولعل التعبير بالثمن لكونه صادف القيمة في ذلك الوقت أو باعتبار الغلبة والجمع بين مختلف الروايات في ثمن المجن ممكن بالحمل على اختلاف الثمن والقيمة أو على تعدد المجان التي قطع فيها أو اعتماد الشافعي رحمه الله تعالى على حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا قال وهذا صريح في الحصر وسائر الأخبار حكاية فعل لا عموم لها وأما خبر لعن الله السارق يسرق البيضة فيقطع ويسرق الحبل فيقطع فإنه وإن احتمل بهذا الحديث وجوه <تنبيه> قال المازري وغيره وقد صان الله تعالى الأموال بإيجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من نحو نهب وغصب ولسهولة إقامة البينة عليها بخلاف السرقة وشدد العقوبة فيها لتكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت وفيه إشارة إلى الرد على المعري في قوله: يد بخمس مئين عسجد وديت. . . ما بالها قطعت في ربع دينار فأجابه القاضي عبد الوهاب بقوله: عز الأمانة أغلاها وأرخصها. . . ذل الخيانة فافهم حكمة الباري [ص: 232] وشرحه أن الدية لو كانت ربع دينار كثرت الجنايات على الأيدي. لو كان نصاب القطع خمس مئة دينار كثرت على الأموال فظهرت الحكمة من الجانبين وكان فيه صيانة على الطرفين. قال الزمخشري: والدون يعبر به عن قلة المقدار وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز وإذا بعدت كثر ذلك والنطع كما في الفتح تأثير في الغير بالإبانة (الطحاوي طب عن أيمن الحبشي) ابن أم أيمن حاضنة المصطفى صلى الله عليه وسلم واسمها بركة رمز المصنف لحسنه. قال ابن حجر: هذا منقطع لأن أيمن إن كان هو ابن أم أيمن فلم يدركه عطاء ومجاهد لأنه استشهد يوم حنين وإن كان والد عبد الواحد أو ابن امرأة كعب فهو تابعي وبالثاني جزم الشافعي وأبو حاتم وغيرهما وأما رواية الطحاوي فنسب البيهقي الوهم فيها إلى شريك وقد بين من رواية الطبراني أن الوهم ممن دونه انتهى الحديث: 322 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 323 - (أدنى أهل النار) أي أهونهم (عذابا) وهو أبو طالب كما يأتي التصريح به في خبر (ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه) أي بسبب حرارتهما أو من أجلهما فيرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم وفيه أن عذاب أهل النار متفاوت فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم إلى ركبتيه ومنهم ومنهم وكفر من كفر فقط ليس ككفر من كفر وطغى وتمرد وعصى وكفر من قاتل الأنبياء وفتك فيهم وأفسد في الأرض ليس ككفر من كفر وسالمهم وأحسن إلى أحدهم كأبي طالب وقضية الخبر دوام الإحتراق مع الحركات والتحريكات الغير المتناهية في القوة الحيوانية ولا استحالة فيه كما زعمه بعض فرق الضلال وهم منكروا المعاد الجسماني لأن الله تعالى قادر على الممكنات ودوام الحياة مع دوام الإحراق ممكن والقوة الجسمانية قد لا تتناهى انفعالاتها فكذا فعلها بالواسطة (م عن أبي سعيد) الخدري لكن بلفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه من النسخ المحررة من حديث أبي سعيد: إن أدنى الحديث: 323 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 334 - (أدنى) هذا هو لفظ رواية أحمد وغيره ولفظ الترمذي إن أدنى (اهل الجنة) هو جهينة وقيل غيره (منزلة) تمييز أو حال بتأويله بنازلا والمنزلة الدرجة وأصل الدنو القرب في المكان ثم استعير للخسة كما استعير البعد للشرف والرفعة (الذي) أي الرجل وعبر باسم الموصول تفخيما (له ثمانون ألف خادم) من الذكور والإناث فإن الخادم يتناول الغلام والجارية كما صرح به أهل اللغة وهؤلاء الخدم من أولاد المشركين كما يدل عليه الحديث الآتي ويحتمل أن البعض منهم والبعض من الولدان والبعض من الحور وقضية الخبر الحصر في هذا العدد ويحتمل أن المراد المبالغة في الكثرة على قياس ما يأتي بعده عن الغزالي لكنه يبعده ذكر الاثنين مع السبعين في قوله (واثنتان وسبعون زوجة) من الحور العين كما في رواية أي غير ما له من نساء الدنيا. قال السمهودي: وتبين من الأحاديث أن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين من الحور العين أصالة وسبعين إرثا من أهل النار وذلك غير أزواجه من أهل الدنيا وأخذ منه أن النساء أكثر أهل الجنة كما أنهن أكثر النار أهل وهو ما فهمه أبو هريرة كما في الصحيحين عنه لكن فيهما مرفوعا أن منكن في الجنة ليسير وفي حديث مسلم الآتي أقل ساكني الجنة النساء. قال ابن القيم: فهذا يدل على أنه إنما يكن في الجنة أكثر بالحور وأما نساء أهل الدنيا فأقل أهل الجنة قال السمهودي: وفيه نظر لإمكان الجمع بأن المراد أن منكن في الجنة ليسير بالنسبة لمن يدخل النار منكن لأنهن أكثر أهل النار ويحمل عليه خبر عائشة أقل ساكني الجنة النساء يعني بالنسبة لمن يسكن منهن النار ويأتي لذلك مزيد (وينصب له) في روضة من رياض الجنة أو على حافة نهر الكوثر كما ورد في الصحاح (قبة) بضم القاف وشد الموحدة بيت صغير مستدير (من لؤلؤ) بضم [ص: 233] اللامين وسكون الهمزة بينهما (وزبرجد) بدال مهملة كما في الصحاح ولم يصب من جعله بمعجمة وله منافع منها أن شرب حكاكته نافع من الجذام كما نقله المؤلف (وياقوت) قال القاضي: يريد إن القبة معمولة منها أو مكللة بها وقال غيره أراد أنها مركبة من الجوهر الثلاثة وللياقوت خواص شريفة منها أن التختم به والتعلق يمنع إصابة الطاعون على التحقيق وله في التفريح وتقوية القلب الجريح ومقاومة السموم ومدافعة الغموم ما هو مشهور معلوم وسعتها (كما بين الجابية) قرية بالشام (وصنعاء) قصبة باليمن كثيرة الشجر والماء تشبه دمشق قيل أول بلد بنيت بعد الطوفان والمسافة بينهما أكثر من شهر. قال القاضي: أراد أن بعد ما بين طرفيها كما بين الموضعين وهذا للمبالغة في السعة وقد شنع حجة الإسلام على من زعم أن المراد الحقيقة وقال لا تظن أن المراد به تقدير بالمساحة لأطراف الأجسام فإن ذلك جهل بطريق ضرب الأمثال انتهى. وفيه دلالة على سعة الجنان الموعودة لأهل الإيمان وذلك من أعظم المنن عليهم إذ الروح مع السعة كما أن الكرب مع الضيق وكما جمع الله لأهل الجنة السعة والإغداق جمع على أهل النار التضييق والإرهاق (حم ت) في صفة الجنة واستغربه (حب والضياء) المقدسي (عن أبي سعيد) الخدري وفيه مقال الحديث: 334 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 325 - (أدنى جبذات) جمع جبذة بجيم فموحدة والجبذ الجذب وليس مقلوب بل لغة صحيحة كما بينه ابن السراج وتبعه القاموس فجزم به موهما للجوهري (الموت بمنزلة) أي مثل (مئة ضربة بالسيف) تهويل لشدته وإشارة إلى أنه خلق فظيع منكر ثقيل بشع فليس المراد أن ألمه كألم المئة ضربة بل هو إعلام بأنه في الشدة للغاية التي لا شيء فوقها وأن كل عضو لا روح فيه لا يحس بألم فإذا كانت فيه الروح فالروح هو المدرك للألم فكل ألم أصاب العضو سرى أثره للروح فبقدر السراية يألم والموت ألمه مباشر للروح فيستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق فيه جزء إلا دخله الألم فإن المنزوع المجذوب من كل عرق وعصب وشعر وبشر وذلك أشد من ألوف ضربات بالسيوف لأنها لا تبلغ تلك الكلية لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلمه لتعلقه بالروح فكيف إذا كان المتناول نفس الروح؟ وأخرج ابن عساكر أن عمرو ابن العاص كان يقول: عجبا لمن ينزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به ذكره ابنه عبد الله وقال صفه لنا قال: الموت أجل من أن يوصف لكني سأصف لك منه شيئا كأن على عنقي جبال رضوى وفي جوفي الشوك وكأن نفسي تخرج من ثقب إبرة ويستثنى من ذلك الشهيد فإنه إنما يجد ألمه كما يجد غيره ألم القرصة كما في خبر يأتي (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذكر الموت) وما ورد فيه (عن الضحاك بن حمرة) بضم المهملة وبراء مهملة الأملوكي بضم الهمزة الوسطى قال في التقريب ضعيف (مرسلا) أرسل عن قتادة وجماعة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الموت فذكره الحديث: 325 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 326 - (أدوا) أعطوا أهل الزكاة وجوبا وفي رواية أخرجوا (صاعا) عن كل رأس وهو خمسة أرطال وثلث برطل بغداد عند الأئمة الثلاثة وثمانية عند أبي حنيفة (من طعام) من غالب قوت البلد وفي رواية بدله من بر (في الفطر) بكسر الفاء أي في زكاة الفطر شكرا لله تعالى على إحسانه بالهداية إلى صوم رمضان وتوفيقه الصائم لختم صومه واستقبال فطره وامتثالا لأمر ربه وإظهارا لشكره بما خوله من إطعام عيلته فلذلك جرت فيمن يصوم وفيمن يعوله الصائم على ما قرر في الفروع ووجوبها مجمع عليه ولا إلتفات لمن شذ وفي إطلاق الصاع تأكيد لمذهب الأئمة الثلاثة أن الواجب صاع تام من أي جنس كان خلاف ما عليه الحنفية كما يجيء تفصيله (حل هق) كلاهما من حديث عبد الله بن الجراح عن حماد ابن زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي (عن ابن عباس) وقال أبو نعيم رحمه الله تعالى غريب ولا أعلم له راويا إلا ابن الجراح وقال غيره سنده ضعيف لكن له شواهد الحديث: 326 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 [ص: 234] 327 - (أدوا حق المجالس) أي ما طلب منكم فيها أولها جمع مجلس محل الجلوس قيل وما حقها قال (اذكروا) بضم الهمزة (الله) ذكرا (كثيرا) ندبا ليشهد لكم ذلك المجلس بذلك وليشغلكم ذكره عما لا يعنيكم (وارشدوا) أي اهدوا وجوبا عينيا وقد يكون مندوبا كفاية وقد يكون (السبيل) الطرق للضال عنه ضلالا حسيا أو معنويا والمرشد الهادي إلى سواء الصراط (وغضوا) بضم أوله المعمم (الأبصار) أي اخفضوا أبصاركم حذرا من الإفتتان بامرأة أو غيرها والمراد بالمجالس أعم من الطرق وهذا متأكد على كل جالس والغض خفض الطرف أي حبسه وكفه عن النظر وكل شيء كففته فقد غضضته (طب عن سهل) ضد الصعب (ابن حنيف) بضم المهملة وفتح النون وسكون المثناة تحت ابن واهب الأنصاري الأوسي بدري جليل قال قال أهل العالية يا رسول الله لا بد لنا من مجالس فذكره قال الهيتمي فيه أبو بكر ابن عبد الرحمن الأنصاري تابعي لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى والمؤلف رحمه الله تعالى رمز لحسنه الحديث: 327 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 328 - (أدوا العزائم) جمع عزيمة وهي لغة القصد المؤكد ومنه {ولم نجد له عزما} وعرفا ما لزم العباد بإلزام الله وقيل الحكم الأصلي السالم عن المعارض (واقبلوا الرخص) جمع رخصة وهي لغة خلاف التشديد وعرفا الحكم المتغير إلى سهولة والمراد اعملوا بهذه وبهذه ولا تشددوا على أنفسكم بإلتزام العزائم فإن الدين يسر وما شاده أحد إلا غلبه وهذه الرخص ما سهله الله على عباده كقصر وفطر المسافر ومسح خف وفطر مريض وشيخ هرم وحامل ومرضع وغير ذلك مما أجمع على حله فإذا أنعم الله سبحانه وتعالى على العبد بنعمة حسن قبولها إجلالا لما صدر من كرمه (ودعوا الناس) اتركوهم ولا تبحثوا عن عيوبهم وأحوالهم الباطنة (فقد كفيتموهم) أي إذا فعلتم ذلك كفاكم شرهم من يعلم السر وأخفى وفيه تحذير من مخالطة الناس وحث على تجنبهم بقدر الإمكان (خط عن ابن عمر) بإسناد ضعيف لكن له شواهد يأتي بعضها الحديث: 328 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 329 - (أديموا) واظبوا وتابعوا ندبا (الحج والعمرة) أي ائتوا بهما على الدوام والمواظبة لوجه الله تعالى (فإنهما ينفيان) ينحيان (الفقر) بفتح الفاء وتضم وكل منهما على حدته ينفي الفقر ففي خبر يأتي ما أمعن حاج قط أي ما افتقر ولا احتاج وتخلفه في بعض الأفراد لعارض (والذنوب) أي ويمحون الذنوب بمعنى أنه سبحانه وتعالى يكفرها بهما أما الحج فيكفر الصغائر والكبائر وأما العمرة فيظهر أنها إنما تكفر الصغائر ثم شبه ذلك تشبيه معقول بمحسوس بقوله (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون المثناة تحت زق ينفخ فيه الحداد والمعنى من الطين كور (خبث الحديد) بفتحات وسخه الذي يخرجه النار فإنه في كل مرة يخرج منه خبث فلا ينفي خبثه إلا تتابع دخوله وتكرره وخص الحديد الذي هو أشد المنطبعات صلابة وأكثرها خبثا إشارة إلى أن الفقر وإن اشتد والذنوب وإن خبثت وعظمت يزيلهما المداومة على النسكين ويأتي في خبر أن متابعتهما أيضا تزيد في العمر والرزق واقتصر هنا على ذينك ليتم وجه التشبيه وفيه مشروعية إدامة الحج والعمرة وإحياء الكعبة وإيقاع المناسك بهما وهو في كل عام فرض كفاية على القادرين وإن حجوا وقد جبلت القلوب على محبة ذلك ويعتبر وقوف جمع بعرفة يحصل بهم الشعار (قط في الأفراد) بفتح الهمزة (طس عن جابر) قال الهيتمي فيه عبد الملك بن محمد بن عقيل وفيه كلام ومع ذلك حديثه حسن الحديث: 329 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 [ص: 235] 330 - (إذا آتاك الله) بالمد أعطاك (مالا) أي شيئا له قيمة يباع بها سمي مالا لأنه يميل القلوب أو لسرعة ميله أي زواله (فلير) بالبناء للمجهول أي فلير الناس (أثر) بالتحريك (نعمة الله عليك) أي سمة إفضاله وبهاء عطائه فإن من شكر النعمة إفشاؤها كما في خبر ولما كان من النعم الظاهرة ما يكون استدراجا وليس بنعمة حقيقية أردفه بما يفيد أن الكلام في النعم الحقيقية فقال (وكرامته) التي أكرمك بها وذلك بأن يلبس ثيابا تليق بحاله نفاسة وصفاقة ونظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه مع رعاية القصد وتجنب الإسراف ذكره المظهر وكان الحسن يلبس ثوبا بأربع مئة وفرقد السنجي يلبس المسح فلقي الحسن فقال ما ألين ثوبك قال يا فرقد ليس لين ثيابي يبعدني عن الله ولا خشونة ثوبك تقربك منه إن الله جميل يحب الجمال. فإن قلت: الحديث يعارضه حديث البس الخشن من الثياب وحديث تمعددوا واخشوشنوا قلت لا فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم طبيب الدين وكان يجيب كلا بما يصلح حاله فمن وجده يميل إلى الرفاهية والتنعم فخرا وكبرا يأمره بلبس الخشن ومن وجده يقتر على نفسه ويبالغ في التقشف مع كونه ذا مال يأمره بتحسين الهيئة والملبس فلا ينبغي لعبد أن يكتم نعمة الله تعالى عليه ولا أن يظهر البؤس والفاقة بل يبالغ في التنظيف وحسن الهيئة وطيب الرائحة والثياب الحسنة اللائقة ولله در القائل: فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة. . . عند الإله وأنت عبد مجرم وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن. . . تخشى الإله وتتقي ما يحرم (3 ك) وصححه (عن والد أبي الأحوص) بحاء مهملة وأبو الأحوص اسمه عوف وأبوه مالك بن ثعلبة أو مالك بن عوف قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة قال هل لك من مال قلت نعم فذكره قال العراقي في أماليه حديث صحيح الحديث: 330 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 331 - (إذا آتاك الله مالا) أي متمولا وإن لم تجب فيه الزكاة (فلير) بسكون لام الأمر (عليك فإن الله يحب أن يرى أثره) محركا أي أثر إنعامه (على عبده حسنا) بحسن الهيئة والتجمل. قال البغوي: هذا في تحسين ثيابه بالتنظيف والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة والترفه ومظاهرة الملبس على الملبس على ما هو عادة العجم والمترفهين (ولا يحب) يعني يبغض (البؤس) بالهمز والتسهيل أي الخضوع والذلة ورثاثة الحال أي إظهار ذلك للناس (ولا التباؤس) بالمد وقد يقصر أي إظهار التمسكن والتخلقن والشكاية لأن ذلك يؤدي لاحتقار الناس له وإزدرائهم إياه وشماتة أعدائه فأما إظهار العجز فيما بينه وبين ربه بلا كراهة لقضائه ولا تضجر فمطلوب (طب والضياء) المقدسي (عن زهير) مصغر (ابن أبي علقمة) ويقال ابن علقمة الضبعي ويقال الضبابي له حديث قال الذهبي: أظنه مرسلا. وقال ابن الأثير: قال البخاري زهير هذا لا صحبة له وذكره غيره في الصحابة الحديث: 331 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 332 - (إذا آخى الرجل الرجل) أي اتخذه أخا يعني صديقا وذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان (فليسأله) ندبا مؤكدا (عن اسمه) ما هو (واسم أبيه) وجده إن احتيج (وممن) أي من أي قبيلة أو بلد (هو فإنه) أي فإن سؤاله عما ذكر ومعرفته به (أوصل للمودة) أي أشد اتصالا لها لدلالتها على الإهتمام بمزيد الإعتناء وشدة المحبة وأنه لا بد له من تعهده عند الحاجة إلى ذلك وعيادته عند المرض وزيارته عند الاشتياق وغير ذلك (ابن سعد) في طبقاته (تخ ت) في الزهد [ص: 236] (عن يزيد) من الزيادة (ابن نعامة) بفتح النون مخففا (الضبي) نسبة إلى بني ضبة. قال الذهبي: تبعا لابن الأثير مرسل وقال البخاري له صحبة فوهم وقال أبو حاتم يزيد تابعي لا صحبة له وغلط خ في إثباتها. وقال العسكري: غلط خ وفي التقريب لم يثبت له صحبة الحديث: 332 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 333 - (إذا آخيت) بالمد (رجلا) مثلا (فسله عن اسمه واسم أبيه) أي وممن هو كما في الحديث قبله ومن ثم زاد هنا في رواية وعشيرته ومنزله وذلك لأن فيه فوائد كثيرة منها ما ذكره بقوله (فإن كان غائبا) أي مسافرا أو محبوسا مثلا (حفظته) في أهله وماله وما يتعلق به (وإن كان مريضا عدته) أي زرته وتعهدته (وإن مات شهدته) أي حضرت جنازته قيل: وفيها ندب الإخاء في الله تعالى ومواصلته والتسبب في إبقائه وحب الإخوان وحفظ حق الأخ حضر أو غاب وتفقد أحواله مسافرا أو مريضا وعيادته وتفقد أهله في غيبته وبرهم وشهود جنازته انتهى وفيه ما فيه لأن ندب نفس المؤاخاة ليس في الحديث ما يفيدها وإنما تعلم من أدلة أخرى (هب عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: رآني المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنا ألتفت فقال: مالك تلتفت قلت: آخيت رجلا فذكره ثم قال مخرجه البيهقي تفرد به مسلمة بن علي بن عبيد الله وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي رحمه الله تعالى في الضعفاء والمتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك الحديث: 333 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 334 - (إذا آمنك) بالمد والتخفيف والآمن كصاحب ضد الخائف (الرجل على دمه فلا تقتله) أي لا يجوز لك قتله كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبوله الدية ثم يظفر به فيقتله فتوعد الله على ذلك في القرآن بقوله تعالى {فمن اعتدى بعد ذلك - أي بعد العفو أو أخذ الدية - فله عذاب أليم} قال قتادة: العذاب الأليم أن يقتل لا محالة ولا تقبل ديته لقوله صلى الله عليه وسلم لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية (حم هـ) وكذا الطبراني (عن) أبي مطرف (سليمان بن صرد) بمهملة مضمومة وراء مفتوحة ومهملة الخزاعي الكوفي رمز المؤلف لصحته وليس كما قال ففيه عبد الله بن ميسرة قال في الكاشف واه وفي الميزان عن البخاري ذاهب الحديث الحديث: 334 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 335 - (إذا ابتغيتم) خطاب عام غلب فيه الحاضرين على الغيب كما في قوله تعالى {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} (المعروف) النصفة والخير والرفق والإحسان. قال في النهاية: المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان للناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة (فاطلبوه عند حسان) وفي رواية جمال (الوجوه) أي الحسنة وجوههم حسنا حسيا أو معنويا على ما مر وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تتمته عند مخرجه البيهقي فوالله لا يلج النار سخي ولا يلج الجنة شحيح إن السخاء شجرة في الجنة تسمى السخاء وإن الشح شجرة في النار تسمى الشح انتهى (عد هب عن عبد الله بن جراد) بجيم ومهملتين الخفاجي العقيلي قال البخاري له صحبة وقضية كلام المؤلف أن مخرجيه سكتا عليه ولا كذلك بل تعقبه البيهقي بما نصه هذا إسناد ضعيف انتهى فحذفه ذلك من كلامه غير صواب وذلك لأن فيه إبراهيم العسبلي ويعلى بن الأشدق لا يصدق كما بينه الأئمة الحديث: 335 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 [ص: 237] 336 - (إذا ابتلى أحدكم) أي اختبر وامتحن (بالقضاء) أي الحكم (بين المسلمين) خصهم لأصالتهم وإلا فالنهي يتناول ما لو قضى بين ذميين (فلا يقض) ندبا (وهو غضبان) ولو كان غضبه لله تعالى خلافا للبلقيني فيكره ذلك تنزيها لا تحريما (وليسو) وجوبا (بينهم) أي بين الخصوم أو الخصمين المتقاضيين عنده بدلالة السياق (في النظر) إليهما معا أو عدم النظر إليهما معا (والمجلس) بأن يجلسهما عن يمينه أو شماله أو تجاهه وهو أولى (والإشارة) فلا يخص أحدهما بها دون الآخر فيحرم ذلك حذرا مما يتوهمه التخصيص من الميل وفرارا من كسر قلب الآخر ولا بدع في كون الكلام الواحد يجمع أحكاما يكون بعضها مكروها وبعضها حراما كما يأتي ونبه بالنهي عن القضاء وقت الغضب على كراهته في كل حال يغير خلقه وكمال عقله كشدة جوع وعطش وشبع وشق وفرح وحزن ونعاس وحقن بول ومؤلم مرض وحر وبرد ومزعج خوف ولو قضى مع ذلك نفذ وكره ونبه بالأمر بالتسوية فيما ذكر على أنه يلزمه التسوية بينهما في الدخول عليه والقيام ورد السلام والنظر والاستماع وطلاقة الوجه ونحو ذلك (ع عن أم سلمة) زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الهيتمي: فيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف الحديث: 336 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 337 - (إذا أبردتم إلي بريدا) أي أرسلتم إلي رسولا. قال الزمخشري: البريد الرسول المستعجل وفي محل آخر فارسية وهي في الأصل البغل أصلها بريدة دم أي محذوف الذنب لأن بغال البريد كانت كذلك فعربت وخففت ثم سمي الرسول الذي يركبها بريد (فابعثوه حسن الوجه) أي جميله قال قيصري والحسن معنى روحاني تنجذب إليه القلوب بالذات حاصل من تناسب الأعضاء (حسن الاسم) للتفاؤل بحسن صورته واسمه وأهل اليقظة والإنتباه يرون أن الأشياء بأسرها من الله فإذا ورد وارد حسن الوجه حسن الاسم تفاءلوا به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه من مكان أو قبيلة أو جبل أو شخص ومن تأمل معاني السنة وجد معاني الأسماء مرتبطة بمسمياتها حتى كأن معانيها مأخوذة منها وكأن الأسماء مشتقة منها ألا ترى إلى خبر أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله ومما يدل على تأثير الأسماء في مسمياتها خبر البخاري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما اسمك قلت: حزين قال: أنت سهل قلت: لا أغير اسما سماني به أبي. قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد بعد والحزونة الغيظة قال ابن جني: مر بي دهر وأنا أسمى الاسم لا أدري معناه إلا من لفظه ثم أكشفه فإذا هو كذلك قال ابن تيمية: وأنا يقع لي كثيرا. <تنبيه> قال الراغب: الجمال نوعان أحدهما امتداد القامة التي تكون عن الحرارة الغريزية فإن الحرارة إذا حصلت رفعت أجزاء الجسم إلى العلو كالنبات إذا نجم كلما كان أعلى كان أشرف في جنسه وللاعتبار بذلك استعمل في كل ما جاد في جنسه العالي والفائق وكثر المدح بطول القامة الثاني أن يكون مقدودا قوي العصب طويل الأطراف ممتدها رحب الذراع عير مثقل بالشحم واللحم قال أعني الراغب ولا نعني بالجمال هنا ما تتعلق به شهوة الرجال والنساء فذلك أنوثة بل الهيئة التي لا تنبو الطباع عن النظر إليها وهو أدل شيء على فضيلة النفس لأن نورها إذا أشرق تأدى إلى البدن وكل إنسان له حكمان أحدهما من قبل جسمه وهو منظره والآخر من قبل نفسه وهو مخبره فكثيرا ما يتلازمان فلذلك فرع أهل الفراسة في معرفة أحوال النفس أولا إلى الهيئة البدنية حتى قال بعض الحكماء قل صورة حسنة تتبعها نفس رديئة فنقش الخاتم مفروش الطين (البزار) من عدة طرق (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء تصغير بردة وهو ابن الحصيب بضم المهملة الأولى وفتح الثانية الأسلمي قال الهيتمي وطرق البزار كلها ضعيفة ورواه الطبراني [ص: 238] باللفظ المزبور عن أبي هريرة فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات انتهى وبه يعلم أن المؤلف لو عزاه للطبراني كان أولى وأن زعمه في الأصل أنه صحيح فيه ما فيه وإنما رمزه هنا لحسنه إنما هو لاعتضاده الحديث: 337 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 338 - (إذا أبق) بفتح الموحدة أفصح من كسرها (العبد) يعني هرب القن من مالكه بغير إذن شرعي والآبق مملوك فر من مالكه قصدا (لم تقبل له صلاة) وإن لم يستحل الأباق بمعنى أنه لا يثاب عليها لكن تصح ولا تلازم بين القبول والصحة كما مر وقيل المنفي كمال القبول لا أصله والأصح كما قاله النووي الأول فصلاته غير مقبولة لاقترانها بمعصية وصحيحة لوجود شروطها وأركانها كما حققه النووي كابن الصلاح زاد ابن علي المازري وعياض تأويله بالمستحل وزاد في رواية حتى يرجع لمواليه. قال العراقي: ونبه بالصلاة على غيرها انتهى وقد عظم في هذا الخبر وما أشبهه جرم الإباق وهو جدير بذلك ذلك لأن الحق تعالى وضع من الحقوق التي على الحر كثيرا عن العبد لأجل سيده وجعل سيده أحق به منه بنفسه في أمور كثيرة فإذا استعصى العبد على سيده فإنما يستعصي على ربه إذ هو الحاكم عليه بالملك لسيده {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} أما لو أبق لعذر كفراره من لواطه به كما غلب في هذا الزمان وكما لو كلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام فلا ضير (م) في الإيمان (عن جرير) بن عبد الله وفي الباب غيره الحديث: 338 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 339 - (إذا أتى أحدكم أهله) أي جامع حليلته (ثم أراد العود) للجماع وفي رواية بدا له أن يعود (فليتوضأ) بينهما أي الجماعين وضوءا تاما كوضوء الصلاة بدليل رواية البيهقي وابن عدي إذا أتيت أهلك فإن أردت أن تعود فتوضأ وضوءك للصلاة ولا ينافيه قوله في آخر فليغسل فرجه بدل فليتوضأ لأن كمال السنة إنما يحصل بكمال الوضوء الشرعي وأصلها يحصل بالوضوء اللغوي وهو تنظيف الفرج بالغسل والأمر للندب عند الأربعة وللوجوب عند الظاهرية (حم م 4) في الطهارة (عن أبي سعيد) الخدري ولم يخرجه البخاري (وزاد حب ك) قال تفرد به شعبة (هق فإنه أنشط للعود) أي أكثر نشاطا له وأعون عليه مع ما فيه من تخفيف الحدة لأنه يرفعه عن أعضاء الوضوء والمبيت على إحدى الطهارتين خوفا من أن يموت في نومه وأخذ منه أنه يسن للمرأة أيضا. قال في شرح مسلم: ويكره الجماع أي الثاني قبل الوضوء ويقال: أن الامام الشافعي رحمه الله قال: الحديث لم يثبت ولعله لم يقف على سند أبي سعيد الحديث: 339 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 340 - (إذا أتى أحدكم أهله) أي أراد جماع حليلته (فليستتر) أي فليتغط هو وإياها بثوب يسترهما ندبا وخاطبه بالستر دونها لأنه يعلوها وإذا استتر الأعلى استتر الأسفل (ولا يتجردان) خبر بمعنى النهي أي ينزعان الثياب عن عورتيهما فيصيران متجردين عما يسترهما (تجرد العيرين) تشبيه حذفت أداته وهو بفتح العين تثنية عير وهو الحمار الأهلي وغلب على الوحشي وذلك حياء من الله تعالى وأدبا مع الملائكة وحذرا من حضور الشيطان فإن فعل أحدهما ذلك كره تنزيها لا تحريما إلا إن كان ثم من ينظر إلى شيء من عورته فيحرم وجزم الشافعية بحل نظر الزوج إلى جميع عورة زوجته حتى الفرج بل حتى ما لا يحل له التمتع به كحلقة دبرها وخص ضرب المثل بالحمار زيادة في التنفير والتقريع واستهجانا لذلك الأمر الشنيع ولأنه أبلد الحيوان وأعدمه فهما وأقبحه فعلا وفي حديث الطبراني والبزار تعليل الأمر بالستر بأنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب هذا لفظه قال الهيتمي: وفي إسناد الطبراني مجهول وبقية رجاله ثقات وكما يندب الستر يندب تغطية رأسه وخفض صوته لما في خبر يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يفعله (ش طب هق) وكذا في الشعب (عن ابن مسعود) ثم قال البيهقي في الشعب عقب تخريجه تفرد به مندل العنزي انتهى ومندل أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد والدارقطني قال الهيتمي [ص: 239] عقب عزوه للطبراني: فيه مندل ضعيف وقد وثق وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه والصواب أنه مرسل وبقية رجاله رجال الصحيح (هـ عن عتبة) بمثناة فوقية (ابن عبد) بغير إضافة وهذا الاسم متعد في الصحابة فكان ينبغي تمييزه (ن عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة (طب عن أبي أمامة) لكن بلفظ إذا أتى أحدكم أهله فليستتر عليه وعلى أهله ولا يتعريا تعري الحمير. قال الهيتمي: فيه عفير بن معدان ضعيف. فرمز المؤلف لحسه إنما هو لاعتضاده وتقويه بكثرة طرقه وإلا فقد جزم الحافظ العراقي بضعف أسانيده ووجهه ما تقرر الحديث: 340 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 341 - (إذا أتى الرجل القوم) أي جاء أو لقي العدول الصلحاء كما يدل عليه السياق فلا اعتبار بأهل الفجور والفساق (فقالوا) له بلسان المقال أو الحال (مرحبا) نصب بمضمر أي صادفت أو لقيت رحبا بضم الراء أي سعة وهي كلمة إكرام وإظهار مودة ومحبة وتلقي الأخيار بها مندوب. قال العسكري وأول من قالها سيف بن ذي يزن (فمرحبا به يوم القيامة) أي فذلك ثابت له يوم القيامة أو فيقال له ذلك فهو علم لسعادته فإن الله تعالى إذا أحب عبدا ألقى محبته في قلوب العباد وهو إشارة وبشارة بنظره إليه تعالى (وإذا أتى الرجل القوم فقالوا له قحطا) بفتح فسكون أو فتح نصب على المصدر أيضا أي صادفت قحطا أي شدة وحبس غيث (فقحطا له يوم القيامة) أصله الدعاء عليه بالجدب فاستعير لانقطاع الخير وجدبه من العمل الصالح والمراد أنه إذا كان ممن يقول فبه العدول عند قدومه عليهم هذا القول فإنه يقال له مثله يوم القيامة أو هو كناية عن كونه يلقى شدة وأهوالا وكربا في الموقف وفي الخبر هم شهداء الله في الأرض فهو كناية عن كونه مغضوبا عليه وذكر اللقاء في الأول وإضافته للربوبية دون الثاني إشارة إلى أن ربه يتلقاه بالإكرام ويربيه بصنوف البر والإنعام وأما الثاني فيعرض عنه وحذف له من الأول لدلالة الثاني عليه (طب ك) في الفضائل (عن الضحاك بن قيس) الفهري قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيتمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير ابن عمرو الضرير وهو ثقة الحديث: 341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 342 - (إذا أتى أحدكم) وفي رواية إذا أتيتم (الغائط) محل قضاء الحاجة كنى به عن العذرة كراهة لاسمه فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية (فلا يستقبل القبلة) الكعبة قال القاضي: القبلة في الأصل الحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال فصارت عرفا للمكان المتوجه نحوه للصلاة. وقال الحراني: أصل القبلة ما يجعل قبالة الوجه والقبل ما أقبل من الجسد في مقابلة الدبر لما أدبر منه ولا هناء هية بقرينة قوله (ولا يولها) بحذف الياء (ظهره) أي لا يجعلها مقابل ظهره ولمسلم لا يستدبرها وزاد ببول أو غائط فأفاد تخصيص التحريم بحالة خروجه (شرقوا أو غربوا) قال الولي العراقي ضبطناه في سنن أبي داود وغربوا بغير ألف وفي بقية الكتب الستة أو غربوا بألف ولعله من الناسخ وكلاهما صحيح والمعنى توجهوا إلى جهة الشرق أو الغرب وفيه إلتفات من الغيبة إلى الخطاب وهو لأهل المدينة ومن قبلتهم على سمتهم كالشام واليمن فمن قبلته إلى المشرق أو المغرب ينحرف إلى الجنوب أو إلى الشمال وفيه دلالة على [ص: 240] عموم النهي في الصحراء والبنيان وهو مذهب النعمان وخصه مالك والشافعي بالصحراء للحوق المشقة في البنيان بتكليف الانحراف عن سمت البناء إذا كان موضوعا للقبلة بخلاف الصحراء ولما رواه الشيخان أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة ولما رواه ابن ماجه بإسناد حسن أنه قضاها مستقبل الكعبة فجمع الشافعي بين الأخبار بحمل أولها المفيد للتحريم على غير البناء لأنه لا يشق فيه تجنب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان قد يشق فيحل فعله كما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وإن كان الأولى لنا تركه ومحل الثاني إذا استتر بمرتفع ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي ومحل الأول إذا لم يستتر بذلك وهذا كله في غير المعد لذلك أما فيه فلا حرمة ولا كراهة (حم ق 4 عن أبي أيوب) الأنصاري بألفاظ مختلفة الحديث: 342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 343 - (إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما) طائفة من العلم أو علما سنيا عزيزا إذ التنكير للتعظيم والتفخيم. قال ابن حجر: والمراد بالعلم الذي أمره الله تعالى بطلب الازدياد منه ولم يأمره بطلب الازدياد من شيء إلا منه قال والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيده معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته ومداره على التفسير والحديث والفقه إلى هنا كلامه ولو كان لي من الأمر شيء لقلت اللائق بمنصبه الشريف إرادة العلم بالله سبحانه وتعالى الذي هو أسمى المطالب وأسمى المواهب. ثم رأيت بعض العارفين قال: أراد بهذه الزيادة من العلم علم التوحيد المتعلق بالله تعالى لتزيد معرفته بتوحيد الله فتزيد رتبته في تحميده وقد حصل له عليه أفضل الصلاة والسلام من العلوم والأسرار ما لا بيلغه أحد (يقربني إلى الله تعالى) أي إلى رحمته ومزيد رضاه (فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) دعاء أو خبر والقصد تبعيد نفسه من عدم الازدياد وأنه دائم الترقي وقد أراه الله تعالى لطائف في باب العلم وآدابا لم يكن رآها وفيوضات جزيلة لم يكن يعلمها وصار تلقنه لذلك الإمداد بمنزلة الغذاء له بل هو غذاء روحاني فلو فرض انقطاعه عنه لحظة من نهار لم يعده مباركا والعلم لا ساحل له ولا منتهى وهو درجات وبدؤه من العلي العليم وكلما ارتقى الإنسان فيه درجة ازداد قربا من أعلم العالمين والمراد لا بورك لي في ذلك اليوم وذكر طلوع الشمس إشارة إلى أنه كله من أوله إلى آخره كذلك وذكر النهار مثال فالليل كذلك ويحتمل أن ذلك لأن محل تعلم العلم وتعليمه النهار دون الليل وقد كان دائم الترقي في كل لمحة. قال ابن سع: ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كلف من العلم وحده ما كلفه الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الخلق قال بعض الصوفية وإنما طلب الزيادة من العلم لا من المال لأن زيادة المال تورث الإنكار على صاحبها واللائق بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الاتصاف بما يتألف به القلوب كالعلم فإنه يزيد صاحبه كشفا وإيضاحا واتساعا وانشراحا وتميل إليه النفوس <تنبيه> قد يراد باليوم معناه المعروف وقد يراد به القطعة من الزمان وقد يراد به الدولة والأنسب هنا إرادة الثاني لولا ذكره طلوع الشمس (طس) وفيه عنده بقية صدوق ذو مناكير والحكم بن عبيد الله عن الزهري. قال الهيتمي: تركه الصوري وغيره انتهى وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال متهم وقال أبو حاتم كذاب (عد) وفيه عنده سليمان بن بشار قال في الميزان متهم بالوضع وقال ابن حبان وضع على الأثبات ما لا يحصى ووهاه ابن عدي وسرد له من الواهيات عدة هذا منها قال في اللسان ولفظ ابن عدي كان يقلب الأسانيد ويسرق الحديث فما أوهمه صنيع المؤلف من أن ابن عدي خرجه وأقره غير صواب (حل عن عائشة) وفيه عبد الرحمن بن عمروسة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة مكثر ذو غرائب [ص: 241] تكلم فيه ابن الفرات وفيه الحكم المذكور وقد عرفت أنه كذاب ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء الكبير وذكر ابن العراقي أن المؤلف وافق ابن الجوزي على وضعه لكن رأيته تعقبه في مختصر الموضوعات فلم يأت بطائل سوى أن قال: له شاهد عند الطبراني وهو خبر " من معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت مالم تعلم " وأنت خبير ببعد ما بين الشاهد والمشهود الحديث: 343 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 344 - (إذا أتى أحدكم خادمه) بالرفع وأحدكم منصوب مفعول به (بطعامه) ليأكله والخادم يطلق على القن والحر. قال الزمخشري: وهو بغير تاء التأنيث لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال ومثلها امرأة عاشق (قد كفاه علاجه) أي تحمل المشقة من تحصيل آلاته ومزاولة عمله (ودخانه) بالتخفيف مقاساة شم لهب النار حال الطبخ نص عليه مع شمول ما قبله له لعظم مشقته (فليجلسه) ندبا ليأكل (معه) كفايته مكافأة له على كفايته حره وعلاجه وسلوكا لسبيل التواضع المأمور به في الكتاب والسنة هذا هو الأفضل (فإن لم يجلسه) للأكل (معه) لعذر كقلة طعام أو لكون نفسه تعاف ذلك قهرا عليه ويخشى من إكراهها محذورا أو لغير ذلك كمحبته للاختصاص بالنفيس أو لكون الخادم يكره ذلك حياء منه أو تأدبا أو كونه أمرد يخشى من التهمة به بإجلاسه معه أو لغير ذلك (فليناوله) ندبا مؤكدا من الطعام (أكلة) بضم الهمزة ما يؤكل دفعة واحدة كلقمة (أو أكلتين) ما يؤكل كذلك بحسب حال الطعام والخادم ليرد ما في نفسه من شهوة الطعام وتنكسر سورة الجوع ولفظ رواية البخاري لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين قال الدماميني فإن قلت ما هذا العطف قلت لعل الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا فجمع وأتى بحرف الشك ليؤدي كما سمع ويحتمل أنه من عطف أحد المترادفين على الأخر بكلمة أو وقد صرح بعضهم بجوازه والخادم يشمل الذكر والأنثى لكنه كما قال المحقق أبو زرعة فيها محمول فيما إذا كان السيد رجلا على أن تكون أمته أو محرمه فإن كانت أجنبية فليس له ذلك قال: وفي معنى الطباخ حامل الطعام في الإجلاس والمناولة لوجود المعنى فيه وهو تعلق نفسه به وشم ريحه وإراحة صاحب الطعام من حمله فتخصيصه من ولى الطعام ليس لإخراج غيره من الخدم بل لكونه آكد وهذا كله للندب أما الواجب فإطعامه من غالب قوت الأرقاء بذلك البلد (ق د ت هـ عن أبي هريرة) رضي الله عنه بألفاظ متقاربة الحديث: 344 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 345 - (إذا أتاكم كريم قوم) أي رئيسهم المطاع فيهم المعهود منهم بإكثار الإعظام وإكثار الاحترام (فأكرموه) برفع مجلسه واجزال عطيته ونحو ذلك مما يليق به لأن الله تعالى عوده منه ذلك ابتلاء منه له فمن استعمل معه غيره فقد استهان به وجفاه وأفسد عليه دينه فإن ذلك يورث في قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة وذاك يجر إلى سفك الدماء وفي إكرامه إتقاء شره وإبقاء دينه فإنه قد تعزز بدنياه وتكبر وتاه وعظم في نفسه فإذا حقرته فقد أهلكته من حيث الدين والدنيا وبه عرف أنه ليس المراد بكريم القوم عالمهم أو صالحهم كما وهم البعض ألا ترى أنه لم ينسبه في الحديث إلى علم ولا إلى دين؟ ومن هذا السياق انكشف أن استثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغفلة عما تقرر من أن الاكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي أو لحوق ضرر للفاعل أو للمفعول معه فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه بل قد يجب فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصى مجلسه وعامله معاملة الرعية فقد عرض نفسه وماله للبلاء فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة وقد قيل: دارهم ما دمت في دارهم. . . وحيهم ما دمت في حيهم [ص: 242] وقال صلى الله عليه وسلم " بعثت بمداراة الناس " (هب) وهو ضعيف ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الأمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين ورحمة لذلك الظالم المبتلى المسكين وهكذا كان أسلوب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة وغيرهم وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله في خلقه والجمود على ظاهره {ومن يهن الله فما له من مكرم} وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن بيان فموضع طلب إهانة الكافر والفاسق الأمن من حصول مفسدة والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله ويهين لله ولهذا قال بعض العارفين ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع كبرياءه ورأى نفسه دونه وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه قال فمن أتانا فقيرا حقيرا أكرمناه كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن ظالمون لأنفسنا بالمعاصي وغيرها ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم وأكرمه وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الإلهية ورؤي بعض الأولياء في النوم وعليه حلة خضراء والأنبياء والأولياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي فقصه على بعضهم قال لا تنكره فإن تأدبهم مع من ألبسه الخلعة لا معه ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه ركب أكابر الدولة في خدمته فرحم الله القائل: رب هب لي مذلة وانكسارا. . . وأنلني تواضعا وافتقارا وفق القلب واهده لصلاح. . . وأذقني حلاوة واصطبار (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الصباح قال في الكشاف: وثقه أبو زرعة له حديث منكر ومحمد بن عجلان ضعفه خ ووثقه غيره (البزار) في مسنده (وابن خزيمة) في صحيحه (طب عد هب عن جرير) بن عبد الله البجلي بفتح الموحدة والجيم والقشيري اليماني أسلم عام توفي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان يحبه ويكرمه وكان عالي الجمال حتى قال فيه عمر هو يوسف هذه الأمة قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني وفيه حصين بن عمر مجمع على ضعفه وسببه أن جريرا قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه ثم ذكره (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفه انتهى. وفي الميزان عن ابن عدي أنه حديث منكر (عد) من حديث سهل (عن معاذ) بن جبل (وأبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين. قال الهيتمي: وسهل لم يدرك معاذا وفيه أيضا عن عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال لا يخطئ (ك عن جابر) عن عبد الله (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي: وفيه إبراهيم بن يقظان وكذا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث وفيهما ضعف لكن وثق ابن حبان الأول (وعن عبد الله بن ضمرة) بن مالك البجلي قال ابن الأثير: عدوه في أهل البصرة قال الهيتمي: وفيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو كذاب (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وضعفه وذكر فيه بيان السبب وهو أنه لما دخل عدي على المصطفى صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة وجلس هو على الأرض فقال: أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا ثم أسلم وفي رواية أخرى فقيل له يا نبي الله لقد رأينا منظرا لم نره لأحد فقال نعم هذا كريم قوم إذا أتاكم إلى آخره (وعن عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية (ابن حاتم) قال ابن الأثير: عدوه في أهل فلسطين وحديثه في الشاميين. قال ابن حجر: يقال له رؤية وفي الميزان عنه أنه منكر (الدولابي) محمد بن أحمد بن حماد من أهل الري (في) كتاب (الكنى) والألقاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي راشد عن عبد الرحمن ابن عبد) بغير إضافة ويقال بن عبيد الأزدي له وفادة (بلفظ) إذا أتاكم (شريف قومه) فأكرموه من الشرف وهو المكان العالي فسمى الشريف شريفا لارتفاع نزلته وعلو مرتبته على قومه قال الذهبي في مختصر المدخل طرقه كلها [ص: 243] ضعيفة وله شاهد مرسل وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع الحديث: 345 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 346 - (إذا أتاكم الزائر فأكرموه) بالتوقير والتصدير والضيافة والاتحاف لأمره تعالى بحسن المعاشرة وهذا قاله حين أتاه جرير فأكرمه وبسط رداءه له وإطلاق الزائر هنا يشمل كل زائر وتقييده في الحديث قبله بالكريم للآكدية (هـ عن أنس) قال العراقي هذا حديث منكر قاله ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه الحديث: 346 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 347 - (إذا أتاكم) أيها الأولياء (من) أي رجل يخطب موليتكم (ترضون خلقه) بالضم وفي رواية بدله أمانته (ودينه) بأن يكون مساويا للمخطوبة في الدين أو المراد أنه عدل فليس الفاسق كفأ لعفيفة (فزوجوه) إياها وفي رواية فأنكحوه أي ندبا مؤكدا بل إن دعت الحاجة وجب كما مر (إن لا تفعلوا) ما أمرتم به وفي رواية تفعلوه. قال الطيبي: الفعل كناية عن المجموع أي إن لم تزوجوا الخاطب الذي ترضون خلقه ودينه (تكن) تحدث (فتنة في الأرض وفساد) خروج عن حال الاستقامة النافعة المعينة على العفاف (عريض) كذا في رواية البيهقي وغيره وفي رواية كبير والمعنى متقارب وفي رواية كرره ثلاثا يعني أنكم إن لم ترغبوا في الخلق الحسن والدين المرضي الموجبين للصلاح والاستقامة ورغبتم في مجرد المال الجالب للطغيان الجار للبغي والفساد تكن إلى آخره أو المراد إن لم تزوجوا من ترضون ذلك منه ونظرتم إلى ذي مال أو جاه يبق أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة فيكثر الزنا ويلحق العار فيقع القتل ممن نسب إليه العار فتهيج الفتن وتثور المحن. وقال الغزالي: أشار بالحديث إلى أن دفع غائلة الشهوات مهم في الدين فإن الشهوات إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش انتهى. والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وضده الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة وقول البغوي فيه اعتبار الكفاءة في التناكح وأن الدين أولى ما اعتبر منها فيه نظر إذ ليس فيه ما يدل إلا على اعتبار الدين ولا تعرض فيه لاعتبار النسب الذي اعتبره الشارع عليه الصلاة والسلام وفيه أن المرأة إذا طلبت من الولي تزويجها من مساو لها في الدين لزمه لكن اعتبر الشافعية كونه كفأ وفيه أنه ينبغي تحري محاسن الأخلاق في الخاطب والبعد عمن اتصف بمساويها (ت هـ ك) في النكاح عن عبد الله بن الحسين عن الحارث بن أبي أسامة عن يزيد بن هارون عن عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن وثيمة البصري (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبد الحميد هو أبو فليح قال أبو داود وغيره ثقة وثيمة لا يعرف (عد) من حديث صالح المنيحي عن الحكم بن خلف عن عمار بن مطر عن مالك عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب. قال في الميزان: وعمار هالك ووثقه بعضهم قال أبو حاتم كان يكذب (ت هق عن أبي حاتم المزني) بضم الميم وفتح الزاي صحابي له هذا الحديث الواحد وقيل لا صحبة له ويقال اسمه عقيل بن ميمونة ذكره في التقريب قال البخاري وتبعه الترمذي ولا أعلم له غير هذا الحديث فمن ثم قال المؤلف (وماله غيره) ولو عبر بعبارة البخاري كان أولى إذ لا يلزم من نفي العلم نفي الوجود قال ت حسن غريب قال العراقي عن البخاري إنه لم بعده محفوظا وقال أبو داود إنه أخطأ وعده في المراسيل وأعله ابن القطان بإرساله وضعف رواته الحديث: 347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 348 - (إذا أتاكم السائل) يعني إذا وجدتم من يلتمس الصدقة بقاله أو بحاله فخصوص الإتيان غير مراد (فضعوا في يده) أي أعطوه شيئا يعني أوصلوه ومناولته أفضل (ولو ظلفا) بكسر فسكون للبقر والغنم كالقدم للآدمي والحافر للفرس [ص: 244] (محرقا) بضم الميم وفتح الراء أي أعطوه ولو قليلا ولا تردوه خائبا فذكره الظلف مع كونه لا يغني من جوع للمبالغة في القلة ومزيد التحذير من حرمانه الموجب للخيبة وعدم النجاح المؤدي إلى فقد الفلاح ففي خبر يأتي لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم والأمر للندب وإن كان مضطرا فللوجوب (عد عن جابر) بن عبد الله بسند ضعيف لكن له شواهد الحديث: 348 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 349 - (إذا اتسع الثوب) غير المخيط وهو الرداء بقرينة قوله الآتي ثم صل بغير رداء (فتعطف) أي توشح (به) بأن تخالف بين طرفيه كما في رواية البخاري (على منكبيك) فتلقي كل طرف منهما على الطرف الآخر (ثم صل) الفرض أو النفل لأن التعطف به كذلك أصون للعورة وأبلغ في الستر مع ما فيه من المهابة والإجلال وعدم شغل البال بإمساكه لستر عورته وفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى (وإن ضاق عن ذلك) بأن لم تمكن المخالفة بين طرفيه كذلك (فشد به حقوك) بفتح الحاء وتكسر معقد الإزار وخاصرتك (ثم صل بغير رداء) محافظة على الستر ما أمكن والأمر كله للندب عند الثلاثة وللوجوب عند أحمد فلو صلى في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء لم تصح صلاته عنده حكاه عنه الطيبي وغيره وقال الشافعية: إذا اتسع الثوب الواحد للرجل التحف به وخالف بين طرفيه على كتفيه والا ائتزر به وجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا فيكره تركه أما المرأة فتصلي بقميص سابغ وخمار وجلباب كثيف فوق الثياب (حم والطحاوي) أحمد بن محمد نسبة إلى طحا قرية بمصر (عن جابر) بن عبد الله رمز المؤلف لصحته الحديث: 349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 350 - (إذا أثنى) بتقديم المثلثة على النون (عليك جيرانك) الصالحون للتزكية ولو اثنان فلا أثر لقول كافر وفاسق ومبتدع (أنك) أي بأنك (محسن) أي من المحسنين يعني المطيعين لله تعالى (فأنت محسن) عند الله تعالى (وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء) أي عملك غير صالح (فأنت) عند الله (مسيء) ومحصوله إذا ذكرك صلحاء جيرانك بخير فأنت من أهله وإذا ذكروك بسوء فأنت من أهله فإنهم شهداء الله في الأرض فأحدث في الأول شكرا وفي الثاني توبة واستغفارا فحسن الثناء وضده علامة على ما عند الله تعالى للعبد وإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل والثناء بالخير دليل على محبة الله تعالى لعبده حيث حببه لخلقه فأطلق الألسنة بالثناء عليه وعكسه عكسه وفي الحديث دليل لابن عبد السلام حيث ذهب إلى أن الثناء يستعمل في الخير والشر لكن هل هو حقيقة فيهما أو في الخير فقط؟ خلاف وما تقرر من أن لفظ الحديث وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء إلى آخره باطل (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل يا رسول الله متى أكون محسنا ومتى أكون مسيئا فذكره وهذا بمعناه في مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا أنا عملت به دخلت الجنة قال: كن محسنا قال: كيف أعلم أني محسن قال: سل جيرانك فإن قالوا: إنك محسن فأنت محسن وإن قالوا: إنك مسيء فأنت مسيء انتهى قال الحاكم على شرطهما الحديث: 350 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 351 - (إذا اجتمع الداعيان) فأكثر إلى وليمة ولو لغير عرس أو إلى غيرها كشفاعة أو قضاء حاجة (فأجب) حيث [ص: 245] لا عذر (أقربهما) منك (بابا) من متعلقة بالقرب في أقرب لا صلة التفضيل لأن أفعل التفضيل قد أضيف قلا يجمع بين الإضافة ومن المتعلقة بأفعل التفضيل ثم علله بقوله (فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا) وحق الجار مرجح هذا إن لم يسبق أحدهما بأن تقارنا في الدعوة (و) أما إن (سبق أحدهما) إلى دعوتك (فأجب الذي سبق) لأن إجابته وجبت أو ندبت حين دعاه قبل الآخر فإن استويا سبقا وقربا فأقربهما رحما فإن استويا فأكثرهما علما ودينا فإن استويا أقرع وفيه أن العبرة في الجوار بقرب الباب لا بقرب الجدار وسره أنه أسرع إجابة له عندما ينوبه في أوقات الغفلات فهو بالرعاية أقدم ولا دلالة فيه على أن الشفعة للجار بل لأنه أحق بالإهداء (حم د عن رجل له صحبة) وإبهامه غير علة لأن الصحب كلهم عدول. قال ابن حجر وغيره: إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلا وقد أشار المؤلف لحسنه غافلا عن جزم الحافظ ابن حجر بضعفه وعبارته إسناده ضعيف وعن قول جمع فيه يزيد بن عبد الرحمن المعروف بأبي خالد الدالاني قال ابن حبان فاحش الوهم لا يجوز الاحتجاج به لكن له شواهد في البخاري إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا الحديث: 351 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 352 - (إذا اجتمع العالم) بالعلم الشرعي العامل به (والعابد) القائم بوظائف الطاعات وصنوف العبادات لكنه لا يعلم إلا ما لزمه تعلمه عينا (على الصراط) أي على الجسر المضروب على متن جهنم الذي يمر عليه الكافر للنار والمسلم للجنة (قيل) أي يقول بعض الملائكة أو من شاء الله من خلقه بأمره (للعابد أدخل الجنة) برحمة الله وترفع لك الدرجات فيها بعملك (وتنعم) ترفه من الرفاهية وهي رغد الخصب ولين العيش (بعبادتك) أي بثواب عملك الصالح فإنه قد نفعك لكنه قاصر عليك (وقيل للعالم قف هنا) أي على الصراط (فاشفع لمن أحببت) الشفاعة له من عصاة الموحدين الذين استحقوا دخول النار (فإنك لا تشفع لأحد) ممن ذكر (إلا شفعت) أي قبلت شفاعتك فيه لأنه لما أحسن إلى عباد الله بعلمه الذي أفنى فيه نفائس أوقاته أكرمه الله تعالى بإنالته مقام الإحسان إليهم في الآخرة بشفاعته قيهم جزاء وفاقا (فقام) حينئذ (مقام الأنبياء) في كونه في الدنيا هاديا للرشاد منقذا من الضلالة وكونه في الآخرة شافعا مشفعا ومن ثم قالوا العلماء خلفاء الأنبياء فأعظم بها من منزلة عالية فاخرة في الدنيا والآخرة (أبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن حبان (في) كتاب (الثواب) على الأعمال (فر) وكذا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له كان أولى (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه عثمان بن موسى عن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال له حديث لا يعرف إلا به وفي الميزان له حديث منكر الحديث: 352 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 353 - (إذا أحب الله عبدا) أي أراد به الخير ووفقه (ابتلاه) اختبره وامتحنه بنحو مرض أو هم أو ضيق (ليسمع تضرعه) أي تذلله واستكانته وخضوعه ومبالغته في السؤال ليعطى صفة الجود والكرم جميعا فإنهما يطلبانه عند سؤال عبده بالإجابة فإذا دعا قالت الملائكة صوت معروف وقال جبريل يا رب اقض حاجته فيقول دعوا عبدي فإني أحب أن أسمع صوته كذا جاء في خبر. قال الغزالي: ولهذا تراه يكثر ابتلاء أوليائه وأصفيائه الذين هم أعز عباده وإذا رأيت الله عز وجل يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى فاعلم أنك عزيز عنده وأنك عنده بمكان يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه فإنه يراك ولا يحتاج إلى ذلك أما تسمع إلى قوله تعالى {واصبر لحكم ربك فإنك [ص: 246] بأعيينا} بل اعرف منته عليك فيما يحفظ عليك من صلاتك وصلاحك ويكثر من أجورك وثوابك وينزلك منازل الأبرار والأخيار والأعزة عنده <تنبيه> قال العارف الجيلاني التلذذ بالبلاء من مقامات العارفين لكن لا يعطيه الله لعبد إلا بعد بذل الجهد في مرضاته فإن البلاء يكون تارة في مقابلة جريمة وتارة تكفيرا وتارة رفع درجات وتبليغا للمنازل العلية ولكل منها علامة فعلامة الأول عدم الصبر عند البلاء وكثرة الجزع والشكوى للخلق وعلامة الثاني الصبر وعدم الشكوى والجزع وخفة الطاعة على بدنه وعلامة الثالث الرضا والطمأنينة وخفة العمل على البدن والقلب (هب فر عن أبي هريرة هب عن ابن مسعود) عبد الله (وكردوس) بضم الكاف وآخره مهملة (موقوفا عليهما) لم يرمز له بشي ووهم من زعم أنه رمز لضعفه وأنه كذلك. قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى إنه يتقوى بعدد طرقه الحديث: 353 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 354 - (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) بأنواع البلايا حتى يمحصهم من الذنوب ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة قال {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} (طس) وكذا في الكبير (هب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيتمي: رجال الطبراني موثقون سوى شيخه انتهى وله طريق آخر فيها النعمان ابن عدي متهم ومن طريقه أورده ابن الجوزي وحكم بوضعه ورواه أحمد عن محمود بن لبيد وزاد فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع. قال المنذري: رواته ثقات ولعل المؤلف أغفله سهوا الحديث: 354 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 355 - (إذا أحب الله عبدا حماه) أي حفظه من متاع (الدنيا) أي حال بينه وبين نعيمها وشهواتها ووقاه أن يتلوث بزهرتها لئلا يمرض قلبه بها وبمحبتها وممارستها ويألفها ويكره الآخرة (كما يحمي) أي يمنع (أحدكم سقيمه الماء) أي شربه إذا كان يضره وللماء حالة مشهورة في الحماية عند الأطباء بل هو منهي عنه للصحيح أيضا إلا بأقل ممكن فإنه يبلد الخاطر ويضعف المعدة ولذلك أمروا بالتقليل منه وحموا المريض عنه فهو جل اسمه يذود من أحبه عنها حتى لا يتدنس بها وبقذارتها ولا يشرق بغصصها كيف وهي للكبار مؤذية وللعارفين شاغلة وللمريدين حائلة ولعامة المؤمنين قاطعة والله تعالى لأوليائه ناصر ولهم منها حافظ وان أرادوها (ت ك) في الطب (هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون زيد ابن عامر بن سوار بن ظفر الظفري الأنصاري بدري من أكابر الصحابة أصيبت عينه يوم بدر أو أحد أو الخندق فتعلقت بعرق فردها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن غريب وقال المنذري حسن ولم يرمز له المؤلف بشيء الحديث: 355 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 356 - (إذا أحب الله عبدا) أي أراد توفيقه وقدر إسعاده (قذف) أي ألقى وأصل القذف الرمي بسرعة فالتعبير به أبلغ منه بالإلقاء (حبه في قلوب) لم يقل في قلب وإن كان المفرد المضاف يعم لأنه أنص على كل فرد فرد (الملائكة) فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة إذ كل منهم تبع لمولاه فإذا والى وليا والوه وناهيك بهذا المقام الجليل الذي يلحظ الملأ الأعلى صاحبه بالتبجيل وعليه فمحبة الملائكة على ظاهرها المتعارف بين الخلق ولا مانع منه فلا ملجأ إلى القول بأن المراد به ثناؤهم عليه واستغفارهم له (وإذا أبغض الله عبدا) وضع الظاهر موضع الضمير تفخيما للشأن (قذف بغضه في قلوب الملائكة) فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالبغض (ثم يقذفه) أي ثم يقذف ما ذكر من الحب [ص: 247] أو البغض (في قلوب الآدميين) ومن ثمرات المقام الأول وضع القبول لمن أحبه الله للخاص والعام فلا تكاد تجد أحدا إلا مائلا إليه مقبلا بكليته عليه وإذا أحب الله عبدا استنارت جهاته وأشرقت بنور الهداية ساحاته وظهرت عليه آثار الإقبال وصار له سيما من الجمال فنظر الخلق إليه بعين المودة والتكريم {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} وحكم عكسه عكس حكمه وفيه حث عظيم على تحري ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه (حل) وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه يوسف بن عطية الوراق أو الصفار وكلاهما ضعيف. قال الفلاس: لكن الوراق أكذب لكن له شواهد نأتي الحديث: 356 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 357 - (إذا أحب أحدكم) محبة دينية قال الحراني: من الحب وهو إحساس بوصلة لا يدرك كنهها (أخاه) في الدين كما يرشد إليه قوله في رواية صاحبه وفي أخرى عبدا (فليعلمه) ندبا مؤكدا أنه أي بأنه (يحبه) لله سبحانه وتعالى لأنه إذا أخبره به فقد استمال قلبه واجتلب وده فإنه إذا علم أنه يحبه قبل نصحه ولم يرد عليه قوله في عيب فيه أخبره به ليتركه فتحصل البركة. قال البغدادي: إنما حث على الإعلام بالمحبة إذا كانت لله لا لطمع في الدنيا ولا هوى بل يستجلب مودته فإن إظهار المحبة لأجل الدنيا والعطاء تملق وهو نقص والله أعلم <تنبيه> ظاهر الحديث لا يتناول النساء فإن اللفظ أحد بمعنى واحد وإذا أريد المؤنث إنما يقال إحدى لكنه يشمل الإناث على التغليب وهو مجاز معروف مألوف وإنما خص الرجال لوقوع الخطاب لهم غالبا وحينئذ إذا أحبت المرأة أخرى لله ندب إعلامها (حم خد د) في الأدب (ت) في الزهد وقال حسن صحيح (حب ك) وصححه (عن المقداد بن معد يكرب) الكندي صحابي له وفادة وشهرة (حب عن أنس) بن مالك (خد عن رجل من الصحابة) رمز لحسنه وهو أعلى من ذلك إذ لا ريب في صحته الحديث: 357 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 358 - (إذا أحب أحدكم صاحبه) أي لصفاته الجميلة لأن شأن ذوي الهمم العلية والأخلاق السنية إنما هو المحبة لأجل الصفات المرضية لأنهم لأجل ما وجدوا في ذاتهم من الكمال أحبوا من يشاركهم في الخلال فهم بالحقيقة ما أحبوا غير ذواتهم وصفاتهم وقد يدعي شموله للمحبة الذاتية أيضا إذا عرت عن المقاصد الفاسدة {والله يعلم المفسد من المصلح} (فليأته) وفي (منزله) أفضل (فليخبره أنه يحبه) بأن يقول له إني أحبك (لله) أي لا لغيره من إحسان أو غيره فإنه أبقى للألفة وأثبت للمودة وبه يتزايد الحب ويتضاعف وتجتمع الكلمة وينتظم الشمل بين المسلمين وتزول المفاسد والضغائن وهذا من محاسن الشريعة وجاء في حديث أن المقول له يقول له أحبك الذي أحببتني من أجله (حم والضياء) المقدسي (عن أبي ذر) نص رواية أحمد عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني جاء إلى أبي أمامة رضي الله تعالى عنه في منزله فقال سمعت أبا ذر يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي وإسناده حسن الحديث: 358 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 359 - (إذا أحب أحدكم عبدا) أي إنسانا ولا ينفك من هذا النعت قال: وإن تسألوني قلت ها أنا عبده. . . وإن تسألوه قال ذلك مولاي فالمراد شخص من المسلمين قريب أو غيره ذكرا أو أنثى لكن يظهر تقييده فيها بما إذا كانت حليلته أو محرمه (فليخبره) بمحبته له ندبا (فإنه) أي المحبوب (يجد مثل الذي يجد له) أي يحبه بالطبع لا محالة كما يحبه هو فإن القلب لا يحب إلا من يحبه كما قال: يقاس المرء بالمرء. . . إذا ما هو ماشاه وللشيء على الشيء. . . مقاييس وأشباه [ص: 248] وللقلب على القلب. . . دليل حين يلقاه وأنشد بعضهم: سلوا عن مودات الرجال قلوبكم. . . فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا ولا تسألوا عنها العيون فإنها. . . تشير بشيء ضد ما أضمر الحشا ولكون القلب يدل على القلب قال الحكماء المحبوب جزء محبوبه فمن أحب إنسانا لأجل أفعاله أو ذاته الجميلة فذاك جمال باطنه أشرق بمرآة جمال محبوبه والجمال الظاهر جزء من الجمال الباطن والألفة بين المتحابين ليست إلا للاشتراك في جمال الباطن أو ضده ولذلك ترى من هو قبيح المنظر وتحبه وترى حسن المنظر وتبغضه ولله در القائل: وإذا اعتراك الوهم في حال امرئ. . . فأردت تعرف خيره من شره فاسأل ضميرك عن ضمير فؤاده. . . ينبيك سرك بالذي في سره وهذا يفتح لك باب سر الفراسة الحكمية ويسن أن يجيبه المخبر بقوله أحبك الذي أحببتني من أجله كما جاء في الخبر المار (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الله بن أبي مرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال تابعي مجهول الحديث: 359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 360 - (إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه) أي يناجيه (فليقرأ القرآن) هذا من قبيل الاستعارة بالكناية فإن القرآن رسالة من الله لعباده فكأن القارئ يقول يارب قلت كذا وكذا فهو مناج له سبحانه وتعالى ويحتمل أنه من مجاز التشبيه وفي إشعاره أنه يتطهر ظاهرا وباطنا ويتدبر ويحضر قلبه وإذا مر بآية رحمة سألها أو آية عذاب استعاذ منه (خط فر عن أنس) وفيه الحسين بن زيد قال الذهبي ضعيف الحديث: 360 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 361 - (إذا أحببت رجلا) لا تعرفه ولم يظهر منه ما تكره (فلا تماره) أي لا تجادله ولا تنازعه (ولا تشاره) روي بالتشديد من المشارة وهي المضادة مفاعلة من الشر أي لا تفعل معه شرا تحوجه إلى فعل مثله معك وروي مخففا من البيع والشراء أي لا تعامله ذكره الديلمي (ولا تسأل عنه أحدا) حيث لم يظهر لك منه ما تكره (فعسى) أي ربما (أن توافى له) أي تصادف وتلاقى يقال وافيته موافاة أتيته (عدوا) أو حاسدا (فيخبرك بما ليس فيه) مما يذم (فيفرق بينك وبينه) لأن هذا شأن العدو وقد قال سبحانه وتعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وهذا أمر إرشادي يقضي الطبع السليم والذكاء بحسنه ولو لم يسأل عنه فأخبره إنسان عنه بشيء مكروه فينبغي أن لا يبادر بمفارقته بل يتثبت ويفحص فربما كان المخبر عدوا (حل عن معاذ) بن جبل وفيه معاوية بن صالح أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج به الحديث: 361 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 362 - (إذا أحببتم) أي أردتم (أن تعرفوا ما للعبد) أي الإنسان (عند ربه) مما قدر له من خير وشر (فانظروا) أي تأملوا (ما يتبعه) أي الذي يذكر عنه بعد موته وفي حياته (من الثناء) بالفتح والمد فإذا ذكره أهل الصلاح بشيء فاعلموا أن الله تعالى أجرى على ألسنتهم ماله عنده فإنهم ينطقون بإلهامه كما يفيده خبر إن الملائكة تتكلم على ألسنة بني آدم بما في العبد من الخير والشر فإن كان خيرا فليحمد الله ولا يعجب بل يكون خائفا من مكره الخفي وإن كان شرا فليبادر بالتوبة وليحذر سطوته وقهره (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) وفيه عبد الله بن سلمة متروك (و) عن (مالك) بن أنس (عن كعب موقوفا) وكعب الأحبار هو أبو إسحاق الحميري أسلم في خلافة أبي بكر أو عمر وسكن الشام ومات في زمن عثمان الحديث: 362 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 [ص: 249] 363 - (إذا أحدث أحدكم) أي انتقض طهره بأي شيء كان وأصل أحدث من الحدث وفي المحكم الحدث الإيذاء وفي المغرب أما قول الفقهاء أحدث إذا أتى منه ما ينقض الطهارة لا تعرفه العرب ولذلك قال الأعرابي لأبي هريرة رضي الله عنه ما الحدث قال فساء أو ضراط (في صلاته) وفي رواية في الصلاة (فليأخذ) ندبا (بأنفه) أي يتناول ويقبض عليه بيده موهما أنه رعف والأولى اليسرى (ثم لينصرف) فليتوضأ وليعد الصلاة كذا هو في رواية أبي داود وذلك لئلا يخجل ويسول له الشيطان بالمضي فيها استحياء عن الناس فيكفر لأن من صلى متعمدا بغير وضوء فقد كفر وليس هو من قبيل الكذب بل من المعاريض بالفعل وفيه إرشاد إلى إخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن ولا يدخل في الرياء بل هو من التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس ومشروعية الحيل التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية بل قد يجب إن خيف وقوع محذور لولاه كقول إبراهيم هي أختي ليسلم من الكافر: وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرقا للتخلص من الوقوع في المفاسد وهذا الحديث قد تمسك بظاهره من ذهب من الأئمة إلى أن خروج الدم بنحو فصد أو حجم أو رعاف من نواقض الوضوء ومذهب الإمام الشافعي خلافه (هـ حب ك) في الطهارة (هق) في الصلاة (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها قال الحاكم على شرطهما ومن أفتى بالحيل يحتج به انتهى ورواه أبو داود أيضا والله تعالى أعلم الحديث: 363 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 364 - (إذا أحسن الرجل) يعني الإنسان (الصلاة فأتم ركوعها وسجودها) بأن يأتي بها بأركانها وشروطها وهذا تفسير لقوله أحسن واقتصر عليهما مع أن المراد إتمام جميع أركانها لأن العرب كانت تأنف من الإنحناء كراهة لهيئة عمل قوم لوط فأرشدهم إلى أنه ليس من هذا القبيل (قالت الصلاة حفظك الله كما حفظتني) أي حفظا مثل حفظك لي بإتمام أركاني وكمال إحساني بالتأدية بخشوع القلب والجوارح وهذا من باب الجزاء من جنس العمل فكما حفظ حدود الله تعالى فيها قابلته بالدعاء بالحفظ. وإسناد القول إلى الصلاة مجاز ولا مانع من كونه حقيقة لما مر أن للمعاني صورا عند الله لكن الأول أقرب (فترفع) إلى عليين كما في خبر أحمد في رفع صحف الأعمال وهو كناية عن القبول والرضا (وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني) أي ترك كلاءتك وحفظك حتى تهلك جزاء لك على عدم وفائك بتعديل أركاني قال ابن جني: الضيعة الموضع الذي يضيع فيه الإنسان ومنه ضاع يضيع ضياعا إذا هلك قال القرطبي: فمن لم يحافظ على ركوعها وسجودها لم يحافظ عليها ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع كما أن من حافظ عليها فقد حفظ دينه ولا دين لمن لا صلاة له (فتلف) عقب فراغه منها كما يؤذن به فاء التعقيب ويحتمل أن ذلك في القيامة (كما يلف الثوب الخلق) بفتح المعجمة واللام أي البالي (فيضرب بها وجهه) أي ذاته وذلك بأن تجسيم كما في نظائره لكن الأوجه أنه كناية عن خيبته وخسرانه وإبعاده وحرمانه فيكون حاله أشد من حال التارك رأسا كيف والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة أسوأ حالا من المعرض عن الخدمة بالكلية؟ قال الغزالي: فينبغي للإنسان إذا أقبل على الصلاة أن يحضر قلبه ويفرغه من الوسواس وينظر بين يدي من يقوم ومن يناجي ويستحيي أن يناجيه بقلب غافل وصدر مشحون بوسواس الدنيا وخبائث الشهوات ويعلم أنه مطلع على سريرته ناظر إلى قلبه وإنما يقبل من صلاته بقدر خشوعه وتضرعه وتذلله فإن لم [ص: 250] يحضر قلبه هكذا فهو لقصور معرفته بجلال الله تعالى فيقدر أن رجلا صالحا من وجوه الناس ينظر إليه ليعرف كيف صلاته فعند ذلك يحضر قلبه وتسكن جوارحه فإذا قدر اطلاع عبد ذليل لا ينفع ولا يضر يخشع له ولا يخشع لخالقه فما أشد طغيانه وجهله (تتمة) قال في الحكم أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته (الطيالسي) أبو داود وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب (عن عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة (ابن الصامت) ضد الناطق ابن قيس الأنصاري صحابي فاضل رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه محمد بن مسلم بن أبي وضاح قال في الكاشف وثقه جمع وتكلم فيه البخاري وأحوص بن سليم ضعفه النسائي وقال المديني لا يكتب حديثه الحديث: 364 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 365 - (إذا اختلفتم) أي تنازعتم أيها المالكون لأرض وأردتم البناء فيها قال ابن جرير أو قسمتها ولا ضرر على أحد منهم فيها (في الطريق) أي في قدر غرس الطريق التي تجعلونها بينكم للمرور فيها فإذا أراد البعض جعلها أقل من سبعة أذرع وبعضهم سبعة أو أكثر مع اجتماع الكل على طلب فرض الطريق (فاجعلوه) وجوبا بمعنى أنه يقضي بينهم بذلك عند الترافع كما بينه ابن جرير الطبري فليس المراد الإرشاد كما وهم (سبعة) وفي رواية سبع. قال النووي: وهما صحيحان فالذراع يذكر ويؤنث (أذرع) بذراع البنيان المعروف وقيل بذراع اليد المعتدلة ورجحه ابن حجر وأصل الذراع كما قال المطرزي من المرفق إلى طرف الأصابع ثم سمى به الخشبة أو الحديدة التي يذرع بها وتأنيثه أفصح وذلك لأن في السبعة كفاية لمدخل الأحمال والأثقال ومخرجها ومدخل الركبان والرحال ومطرح الرماد وغيره ودونها لا يكفي لذلك قال الإمام الطبري وتبعه الخطابي هذا إذا بقي بعده لكل واحد من الشركاء فيه ما ينتفع به بدون مضرة وإلا جعل على حسب الحال الدافع للضرر أما الطريق المختص فلا تحديد فيه فلمالكه جعله كيف شاء وأما الطريق المسلوك فيبقى على حاله لأن يد المسلمين عليه وأما في الفيافي فيكون أكثر من سبعة لممر الجيوش ومسرح الأنعام وإلتقاء الصفوف. وقال النووي: حديث السبعة أذرع محمول على أمهات الطرق التي هي ممر العامة لأحمالهم وماشيتهم بأن يتشاحح من له أرض يتصل بها مع من له فيها حق فيجعل بينها سبعة أذرع بالذراع المتعارف أما ثنيات الطرق فبحسب الحاجة وحال المتنازعين فيوسع لأهل البدو ما لا يوسع لأهل الحضر وفي الفيافي يجعل أكثر من سبعة لأنها ممر الجيوش والقوافل ولو جعلت الطريق في كل محل سبعة أضر بأملاك كثير من الناس انتهى والحاصل أن الطريق يختلف سعتها بحسب اختلاف أحوالها كما في المطامح قال ابن حجر: ويلحق بأهل البنيان من قعد في حافة الطريق للبيع فإن كلن الطريق أزيد من سبعة لم يمنع من القعود في الزائد وإن كان أقل منع (حم م د) في البيوع (ت) وقال حسن صحيح (هـ عن أبي هريرة حم هـ هق عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وأمر بخلافه بل رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وعزاه له جمع منهم الديلمي وغيره الحديث: 365 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 366 - (إذا أخذ) أي شرع (المؤذن في أذانه) أضاف إليه لأنه المنادى به والمراد الأذان المشروع والمؤذن الذي يصح أذانه ويحتسبه (وضع الرب) وفي رواية للطبراني وضع الرحمن (يده فوق رأسه) كناية عن كثرة ادرار الرحمة والإحسان والبركة والمدد الرباني عليه وإيصال البر والخير إليه فأطلق اليد وأراد النعمة التي خص بها المؤذن وفضله بسببها على كثير من الناس وعبر بالفوقية لأن له المثل الأعلى ويحتمل أن يأمر الله تبارك وتعالى ملكا يضع يده على رأسه حقيقة فأضيف الفعل إلى الله لأنه أمره بذلك كما يقال ضرب الأمير اللص وبنى الأمير المدينة أي أمر بضربه والأول أقعد (فلا يزال كذلك) أي ينعم عليه بما ذكر (حتى) أي إلى أن (يفرغ من [ص: 251] أذانه) أي يتمه (وأنه) أي والشأن أو الحال (ليغفر له) بضم التحتية والراء (مد صوته) أي مقدار غايته بمعنى أنه لو كانت ذنوبه متجسمة تملأ ذلك الفضاء لعفرت كلها وأنكر بعض أهل اللغة مد بالتشديد وصوب أنه مدى كما في رواية الطبراني وليس بمنكر بل هما لغتان لكن مدى أشهر (فإذا فرغ) من أذانه (قال الرب) تعالى وآثره لأنه المناسب لتربية الأعمال (صدق عبدي) فيما قاله وأضافه إليه للتشريف (وشهدت) يا عبدي ففيه إلتفات (بشهادة الحق) وهي أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونص على هذا مع دخوله في التصديق إشارة إلى أن المقصود من الأذان الإتيان بالتشهد (فأبشر) بما يسرك من الثواب وهذا في المحتسب ويحتمل العموم وفضل الله واسع وفيه بيان فضل الأذان وكثرة ثوابه وندب رفع الصوت به ما أمكن حيث لا يؤذي <تنبيه> قال ابن المنير تبعا للإمام الرازي اليدان والعينان صفات سمعية ضاق بيان وجه الاستعارة فيها ولم يمكن ردها لأن الشرع أثبتها ولم يمكن حملها على ظاهرها لأن العقل يأباه ولم يمكن حملها على الاستعارة في بعض الموارد فتعين ضرورة أن ثبتت صفات لا جوارح والمعطلة أسرفوا والمشبهة افتتنوا {وكان بين ذلك قواما} (ك في التاريخ) تاريخ نيسابور (فر) وكذا أبو نعيم (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه له كان أولى ثم إنه رمز لضعفه وسببه أن فيه محمد بن يعلي السلمي ضعفه الذهبي وغيره الحديث: 366 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 367 - (إذا أخذت) أي أتيت كما في خبر البراء (مضجعك) بفتح الجيم وكسرها محل نومك والمضجع موضع الضجوع يعني وضعت جنبك بالأرض لتنام (من الليل) بيان لزمن الاضطجاع وذكره للغالب فالنهار كذلك فيما أظن بل يظهر أنه لو أراد النوم قاعدا كان كذلك (فاقرأ) ندبا سورة (قل يا أيها الكافرون) أي السورة التي أولها كذلك (ثم نم على خاتمتها) أي نم على خاتمة قراءتك لها أو اجعلها خاتمة كلامك ثم نم (فإنها) أي السورة المذكورة (براءة من الشرك) أي متضمنة للبراءة من الشرك وهو عبادة الأوثان لأن الجملتين الأوليتين لنفي عبادة غير الله تعالى حالا والأخيرتين لنفي العبادة مآلا عند البغوي وعاكسه القاضي وأطال أبو حيان في الانتصار للأول (حم د) في الأدب (ت) في الدعوات وقال حسن غريب (ك) في التفسير (هب) وكذا مالك في الموطأ في باب قل هو الله أحد ولعل المؤلف أغفله سهوا (عن نوفل) بفتح النون وسكون الواو وفتح الفاء (ابن معاوية) قال قلت يا رسول الله علمني شيئا أقوله عند منامي فذكره وهو الديلمي بكسر فسكون صحابي تأخر موته وما جرى عليه المؤلف من صحابية نوفل بن معاوية الظاهر أنه سبق قلم وإنما هو نوفل بن فروة الأشجعي فإن ابن الأثير ترجم نوفل بن فورة هذا ثم قال حديثه في فضل قل يا أيها الكافرون مضطرب الإسناد ولا يثبت ثم ساق هذا الحديث بعينه وذكر أن أبا نعيم وابن عبد البر وابن المديني أخرجوه هكذا ثم ذكر بعده نوفل بن معاوية وذكر له حديثا غير هذا (و) أبو القاسم (البغوي) في الصحابة (و) عبد الباقي (بن قانع) في معجمه (والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (ابن حارثة) قلت يا رسول الله علمني شيئا ينفعني الله به فذكره وجبلة هذا هو أخو زيد وعم أسامة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في طلب أخيه فأبى أن يرجع فرجع ثم عاد فأسلم وتقديم المؤلف حديث نوفل يوهم أنه أمثل من جبلة وليس كذلك فقد قال ابن عبد البر حديث نوفل في قل يا أيها الكافرون مضطرب الإسناد لا يثبت انتهى. وقال في الإصابة: حديث [ص: 252] جبلة هذا متصل صحيح الإسناد. وقال الهيتمي: رواه أبو يعلى بسند رجاله ثقات غير عطاء بن السائب فإنه اختلط الحديث: 367 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 368 - (إذا أدخل الله الموحدين) القائلين بأن الله واحد لا شريك له وهذا شامل لموحدي هذه الأمة وغيرها (النار) ليطهرهم والمراد بهم بعضهم وهو من مات عاصيا ولم يتب ولم يعف عنه (أماتهم فيها) لطفا منه بهم وإظهارا لأثر التوحيد بمعنى أنه يغيب إحساسهم أو يقبض أرواحهم بواسطة أو غيرها فعلى الثاني هو موت حقيقي وبه يتجه تأكيده بالمصدر في قوله (إماتة) وذلك لتحققهم بحقيقة لا إله إلا الله صدقا بقلوبهم لكنهم لما لم يوفوا بشروطها عوقبوا بحبسهم عن الجنة والمسارعة إلى جوار الرحمن (فإذا أراد أن يخرجهم منها) أي بالشفاعة أو الرحمة (أمسهم) أي أذاقهم (ألم العذاب تلك الساعة) أي ساعة خروجهم. قال السخاوي: والعذاب إيصال الألم إلى الحي مع الهوان فإيلام الأطفال والحيوان ليس بعذاب انتهى. وقيل: سمي عذابا لأنه يمنع المعاقب من المعاودة لمثل فعله وأصل العذاب المنع والمراد هنا عذاب نار الآخرة وهل هذا الإحساس عام أو خاص؟ احتمالان وعلى العموم يختلف هذا الألم باختلاف الأشخاص فبعضهم يكون تألمه في تلك الساعة اللطيفة شديدا وبعضهم يكون عليه كحر الحمام كما ورد في خبر (فر عن أبي هريرة) قال الهيتمي: فيه الحسن بن علي بن راشد صدوق رمي بشيء من التدليس وأورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 368 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 369 - (إذا ادهن أحدكم) افتعل أي أراد دهن شعر رأسه بالدهن (فليبدأ) إرشادا (بحاجبيه) وهما العظمان فور العينين يلجمهما وشعرهما أو شعرهما وحده كذا في القاموس وظاهر أن المراد هنا الشعر والبشرة. قال الراغب: والحاجب المانع عن السلطان والحاجبان في الرأس سميا به لكونهما كالحاجبين للعينين في الذب عنهما (فإنه) أي الدهن (يذهب بالصداع) لفظ رواية الديلمي فإنه ينفع من الصداع والصداع بالضم وجع الرأس وإنما يذهب به لأنه يفتح المسام فيخرج البخار المنحبس في الرأس وقال الحكيم حكمة البداءة بالحاجبين أن أول ما ينبت على ابن آدم من الشعر شعر الحاجبين فإذا بدأ بهما في المشط والدهن فقد أدى حقه لكونه بدئ به في الخلقة وقوله يذهب بفتح أوله أي إذا دهن به الرأس الذي فيه صداع بالدهن فلا يذهب الدهن أي يجف حتى يذهب بالصداع معه ويحتمل كونه بضم أوله والباء زائدة أي يذهب الصداع (ابن السني وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (وابن عساكر) في تاريخه (عن قتادة) بن دعامة السدوسي المحدث المفسر الفقيه (مرسلا فر) وكذا الحكيم الترمذي (عنه) أي عن قتادة (عن أنس) قال في الأصل وسنده ضعيف لأن فيه بقية والكلام فيه معروف وجبلة بن دعلج ضعفه أحمد والدارقطني ثم الذهبي الحديث: 369 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 370 - (إذا أدى العبد) أي الإنسان المؤمن الذي به رق أو كان أنثى أو خنثى (حق الله) أي ما أمره به من نحو صلاة وصوم واجتناب منهي (وحق مواليه) أي ملاكه من نحو خدمة ونصح (كان له أجران) أجر قيامه بحق الله وأجر نصح سيده وإحسانه خدمته ولا يقتضي ذلك تفضيله على الحر لأن جهات الفضل لا تحصى أو المراد ترجيح من أدى الحقين على من أدى أحدهما ومن يؤتى أجره مرتين نحو أربعين نظمها المؤلف وغيره. قال الحراني: والأجر في الأصل جعل العامل على عمله والمراد به أي في لسان الشارع عليه الصلاة والسلام الثواب الذي وعد به على تلك الأعمال المشروطة بالإيمان (حم م عن أبي هريرة) الحديث: 370 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 [ص: 253] 371 - (إذا أديت زكاة مالك) الذي وجبت عليك فيه زكاة أي دفعتها إلى المستحقين أو الإمام أو نائبه (فقد قضيت) أي أديت قال تعالى {فإذا قضيتم مناسككم} أي أديتموها فالأداء بمعنى القضاء وعكسه عند أهل اللغة ولم يعبر ثانيا بأديت كراهة لتوالي الأمثال (ما عليك) من الحق الواجب فيه ولا تطالب بإخراج شيء آخر منه ولا تدخل في زمرة الذين وعدهم الله بقوله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} (ت) وقال حسن غريب (هـ ك) في الزكاة وصححه وأقره الذهبي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل يا رسول الله أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله فذكره قال العراقي في شرح الترمذي وهو على شرط ابن حبان في صحيحه انتهى لكن جزم ابن حجر تلميذه بضعفه الحديث: 371 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 372 - (إذا أديت زكاة مالك) بكسر الكاف الخطاب لأم سلمة لكنه عام الحكم (فقد أذهبت عنك شره) الدنيوي الذي هو تلفه ومحق البركة منه والأخروي الذي هو العذاب وفي إفهامه أنه إذا لم يؤدها فهو شر عليه فيمثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة وتطؤه الغنم بأظلافها وتنطحه بقرونها إلى غير ذلك من ضروب العذاب المفصلة في الأخبار ومن كلامهم البديع: أي مال أديت زكاته درت بركاته (ابن خزيمه) في صحيحه (ك) في الزكاة وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص (عن جابر) مرفوعا وموقوفا. قال الذهبي في المهذب: والأصح أنه موقوف وقال ابن حجر في الفتح: إسناده صحيح لكن رجح أبو زرعة رفعه وله شاهد أيضا الحديث: 372 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 373 - (إذا أذن) بالبناء للمجهول (في قرية) أو بلد أو نحوها من أماكن الاجتماع (آمنها الله) بالقصر والمد أي أمن أهلها (من عذابه) أي من إنزال عذابه بهم (في ذلك اليوم) الذي أذن فيه أو في تلك الليلة كذلك ثم يحتمل عمومه فلا يحصل لهم بلاء من فوقهم ولا من تحتهم ولا يسلط عليهم عدوا ويحتمل اختصاصه بمنع الخسف والمسخ والقذف بالحجارة ونحو ذلك ويحتمل منع المسلمين من قتالهم لأن الأذان من شعار الدين فإذا سمعه منهم من يريد قتالهم لزمه الكف <فائدة> ذكر الإمام الرازي في الأسرار أن الماء زاد ببغداد حتى أشرفت على الغرق فرأى بعض الصلحاء في النوم كأنه واقف على طرف دجلة وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله غرقت بغداد فجاء شخصان فقال أحدهما لصاحبه ما الذي أمرت به قال بتغريق بغداد ثم بهيت قال ولم قال رفعت ملائكة الليل أن البارحة افتض ببغداد سبع مئة فرج حرام فغضب الله فأمرني بتغريقها ثم رفعت ملائكة النهار في صبح ذلك اليوم سبع مئة أذان وإقامة فغفر الله تعالى لهؤلاء بهؤلاء فانتبه وقد نقص الماء (طص عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن سعد ضعفه ابن معين وغيره وظاهر تخصيصه المعجم الصغير بالعزو أنه لم يخرجه إلا فيه والأمر بخلافه فقد خرجه في معاجيمه الثلاثة هكذا ذكره المنذري وضعفه الحديث: 373 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 374 - (إذا أذن المؤذن) أي أخذ في الأذان (يوم الجمعة) بعد جلوس الخطيب على المنبر وهي بسكون الميم بمعنى المفعول أي اليوم المجموع فيه وبفتحها بمعنى الفاعل أي اليوم الجامع للناس ويجوز الضم والتاء فيه ليست للتأنيث لأنه صفة لليوم بل للمبالغة كرجل علامة أو هو صفة للساعة (حرم) على من تلزمه الجمعة (العمل) أي الشغل عن السعي إليها بما يفوتها من الأعمال كبيع وإجارة وغيرهما لقوله تعالى {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} الآية وقيس بالبيع غيره ولما فيه من الذهول عن الواجب الذي دخل وقته ويصح البيع ونحوه عند الجمهور وقال المالكية يفسخ الا النكاح والهبة [ص: 254] والصدقة أما الأذان الأول فلا يحرم شيئا مما ذكر عنده لأنه إنما أحدثه عثمان أو معاوية وعند الحنفية يكره البيع مطلقا ولا يحرم. قال الحراني: وكلما عمله الانسان في أوقات الصلاة من حين ينادي المؤذن إلى أن تنفصل جماعة مسجده من صلاتهم لا بركة فيه بل يكون وبالا (فر عن أنس) وفيه عبد الجبار القاضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال كان داعية للاعتزال وفي الميزان من غلاة المعتزلة وإبراهيم بن الحسين الكسائي قال في اللسان ما علمت أحدا طعن فيه حتى وقفت في جلاء الأفهام لابن القيم على أنه ضعيف وما أظنه إلا التبس عليه وسعيد بن ميسرة قال ابن حبان يروي الموضوع وفي الكامل مظلم الأمر وفي الميزان كذبه القطان الحديث: 374 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 375 - (إذا أراد الله بعبد خيرا) أي كمالا عظيما قيل المراد بالخير المطلق الجنة وقيل عموم خيري الدنيا والآخرة (جعل صنائعه) أي فعله الجميل جمع صنيعة وهي العطية والكرامة والإحسان (ومعروفه) أي حسن صحبته ومواساته (في أهل الحفاظ) بكسر الحاء وخفة الفاء أي أهل الدين والأمانة الشاكرين للناس لأن الصنيعة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها وفي الفردوس قال حسان بن ثابت: إن الصنيعة لا تكون صنيعة. . . حتى يصاب بها طريق المصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت والإرادة نزوع النفس وميلها إلى الشيء وهي نقيض الكراهة التي هي النفرة وإرادة الله ليست بصفة زائدة على ذاته كإرادتنا بل هي عين حكمته التي تخصص وقوع الفعل على وجه دون آخر وحكمته عين علمه المقتضي لنظام الأشياء على الوجه الأصلح والترتيب الأكمل وانضمامها مع القدرة هو الاختيار (وإذا أراد الله بعبد شرا) أي خذلانا وهوانا (جعل صنائعه ومعروفه في غير أهل الحفاظ) أي جعل عطاياه وفعله الجميل في غير أهل الدين والأمانة وصرح بالثاني مع فهمه من الأول حثا للإنسان على أنه ينبغي له أن يقصد بمعروفه أهل المعروف ويتحرى إيقاعه فيهم قال بعض الحكماء والمصطنع إلى اللئيم كمن أعطى الخنزير درا وقرظ الكلب تبرا وألبس الحمار وشيا وألقم الحية شهدا وقال ابن غزية: خمسة أشياء ضائعة سراج في شمس وحسناء تزف لأعمى ومطر في سبخة وطعام قدم لشبعان وصنيعة عند من لا يشكرها فينبغي للإنسان تحري اختيار المصرف حتى تقع العطية في المحل اللائق ويسلم من مخالفة الحكمة قال الشاعر: إنما الجود أن تجود على من. . . هو للفضل والكرامة أهلا وقال المتنبي: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندى (فر عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن لال وعنه في طريقه عنه خرجه الديلمي فلو عزاه له كان أولى ثم إن فيه خلف بن يحيى قال الذهبي عن أبي حاتم كذاب فمن زعم صحته فقد غلط الحديث: 375 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 376 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه) أي جعله قانعا بالكفاف لئلا يتعب في طلب الزيادة وليس له إلا ما قدر له والنفس معدن الشهوات وشهواتها لا تنقطع فهي أبدا فقيرة لتراكم ظلمات الشهوات عليها فهي مفتونة بذلك وخلصت فتنتها إلى القلب فصار مفتونا فأصمته عن الله وأعمته لأن الشهوات ظلمة ذات رياح هفافة والريح إذا وقع في أذن أحد أصم والظلمة إذا وقعت في العين أعمت فلما صارت الشهوة من النفس إلى القلب حجبت النور فعميت وصمت فإذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور فأضاء ووجدت النفس لها حلاوة وروحا ولذة تلهي عن لذات الدنيا وشهواتها وتذهب مخاوفها وعجلتها وحرقتها وتلهبها فيطمئن القلب فيصير غنيا بالله والنفس جارة وشريكة ففي غنى الجار غنى وفي غنى الشريك غنى (وتقاه) بضم المثناة فوق وخفة القاف خوفه من ربه (في قلبه) بأن يقذف فيه [ص: 255] نور اليقين فينخرق الحجاب ويضيء الصدر فذلك تقواه يتقي بها مساخط الله ويتقي بها حدوده. وبه يؤدي فرائض ربه وبه يخشاه فيصير ذلك النور وقايته (وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه) كناية عن كونه يصير مستحضرا له أبدا ومشفقا من الوقوع فيه سرمدا فهو نصب عينيه على طول المدى فلا يزال فقير القلب حريصا على الدنيا متهافتا عليها منهمكا في تحصيلها وإن كان موسرا ممتد الطمع وإن طال الأمد فلا يزال بين طمع فارغ وأمل كاذب حتى توافيه المنية وهو على هذه الحالة الردية وذلك من علامات سوء الخاتمة والإرادة نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث تحملها عليه وتقال للقوة التي هي مبدأ النزوع والأول مع الفعل والثاني قبله وكلاهما لا يتصور اتصاف الباري تبارك وتعالى به ولذلك اختلف العلماء في معنى إرادته فقيل إرادته الأفعال أنه غير ساه ولا مكره وقيل اشتمال الأمر على النظام الأكمل والوجه الأصلح والحق أنها ترجيح أحد مقدوريه على الآخر وتخصيصه بوجه دون وجه أو معنى يوجب هذا الترجيح ذكره القاضي (الحكيم) الترمذي (فر عن أبي هريرة) كتب الحافظ ابن حجر على هامش الفردوس بخطه ينظر في هذا الإسناد انتهى وأقول فيه دراج أبو السمح نقل الذهبي عن أبي حاتم تضعيفه وقال أحمد أحاديثه مناكير الحديث: 376 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 377 - (إذا أراد الله بعبد خيرا) أي عظيما (فقهه في الدين) أي فهمه الأحكام الشرعية بتصورها والحكم عليها أو باستنباطها من أدلتها وكل ميسر لما خلق له هذا ما عليه الجمهور قال الغزالي: أراد العلم بالله وصفاته التي تنشأ عنها المعارف القلبية لأن الفقه المتعارف وإن عظم نفعه في الدين لكنه يرجع إلى الظواهر الدينية إذ غايته نظر الفقيه في الصلاة مثلا الحكم بصحتها عند توفر الواجبات وفائدته سقوط الطلب في الدنيا وأما قبولها وترتب الثواب فليس من تعقله بل يرجع إلى عمل القلب وما تلبس به من نحو خشية ومراقبة وحضور وعدم رياء ونحو ذلك فهذا لا يكون أبدا إلا خالصا لوجه الله فهو الذي يصلح كونه علامة على إرادة الخير بالعبد وأما الفقهاء فهم في واد والمتزودون للآخرة بعلمهم في واد ألا ترى إلى قول مجاهد إنما الفقيه من يخاف الله؟ وقول الحسن لمن قال قال الفقهاء وهل رأيت فقيها إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة. والفقه في المعرفة أشرف كل معلوم لأن كل صفة من صفاته توجب أحوالا ينشأ عنها التلبس بكل خلق سني وتجنب كل خلق رديء فالعارفون أفضل الخلق فهو بالإرادة أخلق وأحق وأما تخصيص الفقه بمعرفة الفروع وعللها فتصرف حادث بعد الصدر الأول (وزهده) بالتشديد صيره زاهدا (في الدنيا) أي جعل قلبه معرضا عنها مبغضا محقرا لها رغبة به عنها تكريما له وتطهيرا عن أدناسها ورفعة عن دناءتها (وبصره) بالتشديد (عيوبه) أي عرفه بها وأوضحها له ليتجنبها كأمراض القلب من نحو حسد وحقد وغل وغش وكبر ورياء ومداهنة وخيانة وطول أمل وقسوة قلب وعدم حياء وقلة رحمة وأمثالها قال الطيبي: وهذا إشارة إلى الدرجة الثانية يعني لما زهد في الدنيا علامة إرادة الله الخير بعبده قال الغزالي: والزهد فيها أن تنقطع همته عنها ويستقذرها ويستنكرها فلا يبقى لها في قلبه اختيار ولا إرادة والدنيا وإن كانت محبوبة مطلوبة للإنسان بطبعه لكن لمن وفق التوفيق الخاص وبصره الله بآفاتها تصير عنده كالجيفة وإنما يتعجب من هذا الراغبون في الدنيا العميان عن عيوبها وآفاتها المغترون بزخرفها وزينتها ومثل ذلك كإنسان صنع حلوا من أغلى السكر وعجنها بسم قاتل وأبصر ذلك رجل ولم يبصره آخر ووضعه بينهما ومن أبصر ما جعل فيه من السم زهده وغيره يغتر بظاهره فيحرص عليه ولا يصبر عنه (هب عن أنس) بن مالك (و) عن (محمد بن كعب القرظي) بضم القاف وفتح الراء [ص: 256] ومعجمة نسبة لقريظة اسم لرجل نزل أولاده حصنا بقرب المدينة وهو أخو النضير وهما من ولد هارون عليه الصلاة والسلام (مرسلا) ورواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس أيضا قال العراقي: وإسناده ضعيف جدا وقال غيره واه الحديث: 377 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 378 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له من نفسه واعظا) ناصحا ومذكرا بالعواقب (من) وفي بعض النسخ في (نفسه) لفظ رواية الديلمي من قلبه (يأمره) بالخيرات (وينهاه) عن المنكرات ويذكره بالعواقب فيقطع العلائق والأسباب الداعية إلى موافقة النفس والشيطان ويصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد ربه ويفرغ باله لأمر الآخرة فيقبل الله عليه برحمته ويفيض عليه من نعمته وفي معناه ما قيل من كان في عمل الله كان الله في عمله وإذا صدقت إرادة العبد وصفت همته وحسنت مواظبته ولم تجاذبه شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا بلغ الحق في قلبه (فر) وكذا ابن لال ومن طريقه وعنه رواه الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى (عن أم سلمة) قال الحافظ العراقي وغيره إسناده جيد كذا جزم به في المعنى ولم يرمز له المؤلف بشيء الحديث: 378 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 379 - (إذا أراد الله بعبد خيرا عسله) بفتح العين والسين المهملتين تشدد وتخفف أي طيب ثناءه بين الناس من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل ذكره الزمخشري (قيل) أي قالوا يا رسول الله (وما عسله) أي ما معناه (قال يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه) فهذا من كلام الراوي لا المصطفى صلى الله عليه وسلم شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه ذكره الزمخشري قال الحكيم الترمذي فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده بعد ما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلها وعطل الحدود وأهمل الفرائض فلما قرب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحا قليلا فأعطى جزيلا (حم طب عن أبي عنبة) بكسر العين المهملة وفتح النون الخولاني واسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة قال ابن الأثير اختلف في صحبته قيل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وقيل صلى للقبلتين وقيل أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يره. قال الهيتمي: وفيه بقية مدلس وقد صرح بالسماع في المسند وبقية رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز المؤلف لحسنه الحديث: 379 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 380 - (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل) أي قال بعض الصحب يا رسول الله (وما استعمله) أي ما المراد به (قال يفتح له عملا صالحا) بأن يوفقه له (بين يدي موته) أي قرب موته فسمى ما قرب منه باليدين توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره ودنا منه وقد جرت هذه العبارة هنا على أحسن سنن ضرب المثل (حتى يرضى عنه) بضم أوله والفاعل الله تعالى ويجوز فتحه والفاعل (من حوله) من أهله وجيرانه ومعارفه فيبرؤن ذمته ويثنون عليه خيرا فيجيز الرب شهادتهم ويفيض عليه رحمته وتفريغ المحل شرط لدخول غيث الرحمة فمتى لم يفرغ المحل لم يصادف الغيث [ص: 257] محلا قابلا للنزول وهذا كمن أصلح أرضه لقبول الزرع ثم يبذر فإذا طهر العبد تعرض لنفحات رياح الرحمة ونزول الغيث في أوانه وحينئذ يكون جديرا بحصول الغلة <تنبيه> أشار المؤلف بالجمع بين هذين الحديثين في موضع إلى رد قول ابن العربي الرواية استعمله وأما عسله فهو تصحيف فبين أنه غير صحيح (حم ك) في الجنائز (عن عمرو بن الحمق) بفتح المهملة وكسر الميم بعدها قاف ابن كاهل ويقال كاهن - بالنون - ابن حبيب الخزاعي سكن الكوفة ثم مصر له صحبة قتل بالموصل في خلافة معاوية قال الحاكم صحيح وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 380 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 381 - (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف يستعمله؟ قال يوفقه لعمل صالح) يعمله (قبل الموت ثم يقبضه عليه) أي يلهمه التوبة وملازمة العمل الصالح كما يحب وينبغي حتى يمل الخلق ويستقذر الدنيا ويحن إلى الموت ويشتاق إلى الملأ الأعلى فإذا هو يرسل الله تعالى يردون عليه بالروح والريحان والبشرى والرضوان من رب راض غير غضبان فينقلونه من هذه الدار الفانية إلى الحضرة العالية الباقية فيرى لنفسه الضعيفة الفقيرة نعيما مقيما وملكا عظيما (حم ت حب ك عن أنس) بن مالك الحديث: 381 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 382 - (إذا أراد الله بعبد خيرا طهره قبل موته قالوا) له (وما طهور العبد) بضم الطاء أي ما المراد بتطهيره (قال عمل صالح يلهمه) أي يلهمه الله تعالى (إياه) والإلهام ما يلقى في الروع بطريق الفيض ويدوم كذلك (حتى يقبضه عليه) أي يميته وهو متلبس به قال في المصباح قبضه الله أماته وفي الأساس: من المجاز قبض على غريمه وعلى العامل وقبض فلان إلى رحمة الله تعالى وهو عما قليل مقبوض فمن أراد الله به خيرا طهره من المادة الخبيثة قبل الوفاة حتى لا يحتاج لدخول النار ليطهره فيلهمه الله تعالى التوية ولزوم الطاعات وتجنب المخالفات أو يصاب بالمصائب وأنواع البلاء المكفرات ليطهر من خبائثه مع كراهته لما أصابه {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} ولهذا كان الأب أو الأم يسوق لولده الحجام أو الطبيب ليعالجه بالمراهم المؤلمة الحادة ولو أطاع الولد لما شفي (طب عن أبي أمامة) لم يرمز له بشيء وسها من زعم أنه رمز لضعفه قال الهيتمي: ورواه الطبراني من عدة طرق وفي أحدها بقية بن الوليد وقد صرح بالسماع وبقية رجاله ثقات انتهى فالحكم عليه بالضعف في غاية الضعف الحديث: 382 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 383 - (إذا أراد الله بعبد خيرا صير) بالتشديد (حوائج الناس إليه) أي جعله ملجأ لحاجاتهم الدينية والدنيوية ووفقه للقيام لها وألقى عليه شراشر المهابة والقبول وسدده فيما يفعل ويقول (فر عن أنس) قال العراقي فيه يحيى بن شبيب ضعفه ابن حبان وقال الذهبي عن ابن حبان لا يحتج به الحديث: 383 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 384 - (إذا أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه) أي لامه على تفريطه وحذره من تقصيره برؤيا يراها في منامه فيكون على بصيرة من أمره وبينة من ربه وينتبه من سنة الغفلة ويذكر رقدة الذلة كما وقع لأبي أسيد الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنه كان من ورده قراءة سورة البقرة كل ليلة فأغفلها ليلة فرأى بقرة تنطحه فحلف أن لا يعود رواه الترمذي. [ص: 258] (فر عن أنس) وفيه وهب بن راشد قال الذهبي عن الدارقطني متروك وعن ضرار بن عمرو متروك وعلي الرقاشي متروك الحديث: 384 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 385 - (إذا أراد الله بعبده الخير) كذا هو في خط المؤلف وفي نسخ بعبد خيرا ولا أصل له في نسخته (عجل) بالتشديد أسرع (له العقوبة) بصب البلاء والمصائب عليه (في الدنيا) جزاء لما فرط منه من الذنوب فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامة كما يعلم من مقابلة الآتي ومن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به لأن من حوسب بعمله عاجلا في الدنيا خف جزاؤه عليه حتى يكفر عنه بالشوكة يشاكها حتى بالقلم الذي يسقط من الكاتب فيكفر عن المؤمن بكل ما يلحقه في دنياه حتى يموت على طهارة من دنسه وفراغ من جنايته كالذي يتعاهد ثوبه وبدنه بالتنظيف قاله الحراني (وإذا أراد بعبده الشر) وفي رواية شرا (أمسك عنه بذنبه) أي أمسك عنه ما يستحقه بسبب ذنبه من العقوبة في الدنيا (حتى يوافى به يوم القيامة) إن لم يدركه العفو {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} والله تعالى لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلا لمثابة أحبابه ومن هذا التقرير عرف أن الضمير المرفوع في يوافى راجع إلى الله والمنصوب إلى العبد قال الطيبي: ويجوز عكسه والمعنى لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في الآخرة مستوفي الذنوب وافيها فيستوفي حقه من العذاب. قال الغزالي: والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله تعالى من قول أو فعل والحديث له تتمة عند مخرجه الترمذي وهي وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط (ت) في الزهد وقال حسن غريب (ك) في الحدود من حديث سعد بن سنان (عن أنس) قال الذهبي في موضع: سعد ليس بحجة وفي آخر كأنه غير صحيح (طب ك) وكذا أحمد ولعله أغفله ذهولا (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشد الفاء أي عبد الرحمن المزني الأنصاري من أصحاب الشجرة قال: لقي رجل أمرأة كانت بغيا فجعل يداعبها حتى بسط يده إليها فقالت مه فإن الله قد أذهب الشرك فولى فأصابه الحائط فشجه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال له أنت عبد أراد الله بك خيرا ثم ذكره قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وكذا أحد إسنادي الطبراني وطريقه الآخر فيه هشام بن لاحق ترك أحمد حديثه وضعفه ابن حبان (طب عن عمار بن ياسر) قال: مرت امرأة برجل فأحدق بصره إليها فمر بجدار فلمس وجهه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسيل دما فقال: هلكت قال: وما أهلكك قال: خرجت من منزلي فإذا أنا بامرأة فأتبعتها بصري فأصاب وجهي الجدار فأصابني ما ترى فذكره رمز المؤلف لصحته الحديث: 385 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 386 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده) أي وفقه لإصابة الرشد وهو إصابة الحق ذكره القاضي. قال الزمخشري: والرشد الاهتداء لوجوه المصالح قال تعالى {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} ومعنى إضافته إليه أنه رشد له شأن. قال السمهودي: ومفهومه أن من لم يفقهه في الدين ولم يرشده لم يرد به خيرا وقد أخرجه أبو نعيم وزاد في آخره ومن لم يفقهه في الدين لم يبال الله به وكذا أبو يعلى لكنه قال: ومن لم يفقهه لم يبل به وفيه أن العناية الربانية وان كان غيبها عنا فلها شهادة تدل عليها ودلالة تهدي إليها فمن ألهمه الله الفقه في الدين ظهرت عناية الحق به وأنه أراد به خيرا عظيما كما يؤذن به التنكير وهذا التقرير كله بناء على أن المراد بالفقه علم الأحكام الشرعية الاجتهادية وذهب جمع منهم الحكيم الترمذي إلى أن المراد بالفقه الفهم فالفهم انكشاف الغطاء عن الأمور فإذا عبد الله بما [ص: 259] أمر ونهى بعد أن فهم أسرار الشريعة وانكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى انشرح صدره وكان أشد تسارعا إلى فعل المأمور وتجنب المنهي وذلك أعظم الخيور وغيره إنما يعبده على مكابدة وعسر لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله تعالى فالنفس إنما تنشط وتنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره وأما من فهم تدبير الله تعالى في ذلك فينشرح صدره ويخف عليه فعله فذلك هو الفقه وقد أحل الله النكاح وحرم الزنا وإنما هو إتيان واحد لامرأة واحدة لكن هذا بنكاح وهذا بزنا فإذا كان بنكاح فشأنه العفة والتحصين فإذا أتت بولد ثبت نسبه وحصل العطف من أبيه بالتربية والنفقة والإرث وإذا كان من زنا ضاع الولد لأنه لا يدري أحد الواطئين ممن هو فكل يجعله على غيره وحرم الله الدماء وأمر بالقود لينزجروا {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} وحرم المال وأمر بقطع السارق لتحفظ الأموال بالامتناع من ذلك فعلل المنهيات والمأمورات بينة لأولي الألباب (البزار) وكذا الطبراني في الكبير من هذا الطريق بهذا اللفظ ولعله غفل عنه (عن ابن مسعود) قال المنذري إسناده لا بأس به وقال الهيتمي: رجاله موثوقون وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه لا يكفي بل حقه الرمز لصحته وظاهر كلامه أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد أخرجه الترمذي باللفظ المزبور من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الحديث: 386 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 387 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح) بالتحريك (له قفل قلبه) بضم القاف وسكون الفاء أي أزال عن قلبه حجب الأشكال وبصر بصيرته مراتب أهل الكمال حتى يصير قابلا للفيض السبحاني مستمدا للإمداد الرحمني فإذا هبت رياح الألطاف انكشفت الحجب عن أعين القلوب وفاضت الرحمة وأشرق النور وانشرح الصدر وانكشف للقلب سر الملكوت من وراء ستر الغيب غرائب العلوم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما وداومه في غاية الندور وتعلق جمع صوفية منهم البوني بإناطة ذلك بمجرد الإرادة على أنه لا يحصل بالعلوم التعليمية قالوا لا طريق إلا الاستعداد بالتصفية المجردة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق واحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتح الله إذ الأنبياء والأولياء انكشفت لهم الأمور وفاض على صدورهم النور لا بالدراسة للكتب بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها والتفرغ من عوائقها والإقبال بكنه الهمة على الله فمن كان لله كان الله تعالى له انتهى ونوزع بما حاصله أن تقديم تعلم الأحكام متعين معين وأجاب الغزالي رحمه الله تعالى بأن القرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم وأصل الفتح زوال الإشكال والغلق صورة أو معنى والقفل واحد الأقفال (وجعل فيه) أي في قلبه (اليقين) أي العلم المتوالي بسبب النظر في المخلوقات أو ارتفاع الريب ومشهد الغيب وقد وصف الله المؤمنين بالإيمان بالغيب والإيمان التصديق وإنما يصدق المرء الشيء حتى يتقرر عنده فيصير كالمشاهد والمشاهدة بالقلب هو اليقين. قال الخواص رحمه الله تعالى: لقيت شابا بالبادية كأنه سبيكة فضة فقلت إلى أين قال إلى مكة قلت بلا زاد ولا راحلة قال يا ضعيف اليقين الذي يقدر على حفظ السماوات والأرض لا يقدر أن يوصلني إلى مكة بلا علاقة؟ (والصدق) أي التصديق الدائم الجازم الذي ينشأ عنه دوام العمل والصدق وإن شاع في خصوص الأقوال لكن يستعمل في بعض الموارد في بعض الأحوال كما بينه أهل الكمال ومن لم يبصر الخير بقلبه ويصدق به لم يتيقنه وإن صدق بلسانه بل هو في عماء وحيرة (وجعل قلبه واعيا) أي حافظا (لما سلك) أي دخل فيه حتى ينجع (فيه) الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة والوعي الحفظ يقال وعيت الحديث حفظته وتدبرته (وجعل قلبه سليما) من الأمراض كحسد وحقد وكبر وغيرها (ولسانه [ص: 260] صادقا) لتعظيم حرمته وتظهر ملاحته إذ اللسان الصادق من أعظم المواهب الربانية وبه يستقيم حال العبد في أحواله الدينية والدنيوية. قال الحراني: والصدق مطابقة ظاهر النطق والفعل بباطن الحال (وخليقته) سجيته وطبيعته مستقيمة معتدلة متوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط والاستقامة كون الخط بحيث ينطق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض وفي إصلاح أهل الحقيقة الوفاء بالعهود وملازمة الطريق المستقيم برعاية حق التوسط في كل أمر ديني ودنيوي فذلك هو الصراط المستقيم (وجعل أذنه سميعة) صيغة مبالغة أي مستمعة لما ينفعه في الآخرة مقبلة على ما يسمعه من ذكر الله متأملة لنصوص كلامه مصغية لأوامره وزواجره وأحكامه (وعينه) أي عين قلبه (بصيرة) فيبصر بها ما جاء من الشارع ويتنبأ ويفهم وإن لم يفهم فانهتك عن قلبه ستر الغيوب فشهد الخير عيانا ولزم طريق الكتاب والسنة إيقانا ولم يلتبس عليه المنهاج الواضح المستبين فصار من المهتدين وخص هذه الجوارح بالذكر لأن منها يكون الخير والشر وعليها مدار النفع والضر. قال في الكشاف: والبصر نور العين وهو ما يبصر به المرئيات كما أن البصيرة نور القلب وهو ما يستبصر ويتأمل فكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله تعالى آلتين للإبصار وللإستبصار انتهى وقال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر والضرير يقال له بصير لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قيل إنه على العكس وقال بعض أهل الوفاء البصيرة فقه القلب في حل أشكال مسائل الخلاف فيما لا يتعلق العلم به تعلق القطع وحقيقتها نور يقذف في القلب يستدل به العقل الخابط عشواء على سبيل الإصابة وعين البصيرة أتم في النظر من عين البصر لأن جميع ما حواه العالم تتصرف في جميعه والحكم عليه حكما يقينا صادقا والعين لا تبصر ما بعد ولا ما قرب قربا مفرطا ومن ثم قال الغزالي: العقل متصرف في العرش والكرسي وما وراء السماوات والملأ الأعلى كتصرفه في عالمه ومملكته القريبة أعني بدنه الخاص بل الحقائق كلها لا تحتجب عن العقل وإنما حجابه بسبب صفات تقارنه من نفسه تضاهي حجاب العين عند تغميض الأجفان انتهى وقد انكشف من هذا البيان أن علامة إرادة الله الخير بعبده أن يتولى أمره ظاهره وباطنه سره وعلنه فيكون هو المشير عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحدا والمبغض للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة مناجاته في خلواته والكاشف عن الحجب بينه وبين معرفته فذلك من علامات حب الله لعبده <فائدة> قال الشبلي: استنار قلبي يوما فشهدت ملكوت السماوات والأرض فوقعت مني هفوة فحجبت عن شهود ذلك فعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر الكبير فقيل لي: البصيرة كالبصر أدنى شيء يحل فيها يعطل النظر (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي ذر) وفيه سعيد بن إبراهيم قال الذهبي مجهول عن عبد الله بن رجاء قال أبو حاتم ثقة وقال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس يحجة عن سرجس بن الحكم بن عامر بن وائل قال ابن خزيمة أنا أبرأ من عهدتهما الحديث: 387 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 388 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا) نكره لإفادة التعميم أي إذا أراد جميع الخير والمقام يقتضيه (فقههم في الدين) أي جعلهم فقهاء فيه والفقه لفة الفهم أو لما دق وعرفا العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد وقيل معرفة النفس ما لها وعليها عملا قال الكرماني: والأنسب هنا المعنى اللغوي ليشمل فهم كل علم من علوم الدين. وقال الغزالي: أراد فهمهم أمره ونهيه بنور رباني يقذفه في قلوبهم (ووقر) بشد القاف عظم ويجل (صغيرهم كبيرهم) في السن أو المراد بالكبير العالم وبالصغير غيره أي ورحم كبيرهم صغيرهم كما يدل عليه خبر ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا وإنما لم يذكره هنا لأنه كان يخاطب كل أحد بما يليق بحاله ففهم من المخاطب التقصير في التوقير دون القرينة الثانية (ورزقهم الرفق) بكسر الراء اللطف والدربة وحسن التصرف والسياسة (في معيشتهم) أي ما يتعيشون به أو ما يتوصلون به إلى العيش أي إلى الحياة وفي ذلك البركة والنمو كما صرح به في خبر الخرق شؤم والرفق يمن ثم عطف عليه عطف خاص على عام اهتماما بشأنه بقوله (والقصد) بفتح وسكون (في نفقاتهم) [ص: 261] أي الوسط المعتدل بين طرفي الإفراط والتفريط فيها قال تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} والقصد العدل والاستقامة يقال قصد في الأمر إذا توسط وطلب الأسد ولم يجاوز الحد (وبصرهم عيوبهم) أي ذنوبهم أي عرفها لهم وجعلها نصب أعينهم وشغلهم بها عن عيوب غيرهم (فيتوبوا) أي ليتوبوا أي يرجعوا إلى الله (منها) بالطاعة وترك المنهي والعزم على عدم العود (وإذا أراد بهم غير ذلك) أي أراد بهم شرا. ولم يذكره لاقتضاء المقام استهجان ذكره يعني سوء الخاتمة أو العذاب (تركهم هملا) بالتحريك أي ضلالا بأن لا يلهمهم فعل ذلك ويخلي بينهم وبين أنفسهم حتى يهلكوا لغضبه عليهم وإعراضه عنهم وهذا كقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} الآية قال ابن عطاء الله: كل من وكل إلى نفسه لم تفته معصية وإن لم يكن فاعلا ومن نصرته العناية لم تفته طاعة وإن لم يكن فاعلا وقال: الكلب المعلم يغل في السلاسل ليعمل بمقتضى علمه والكلب الجاهل يترك ويتخلى وشهواته وأنشد بعضهم: والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه. . . كما يجلي سواد الظلمة القمر والعلم فيه حياة للقلوب كما. . . تحيا البلاد إذا ما مسها المطر (قط) في كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عن أنس) وقال غريب تفرد به ابن المنكدر عنه ولم يروه عنه غير موسى ابن محمد بن عطاء وهو متروك انتهى وفي ل؟ ؟ (1) كذبه أبو زرعة وأبو حاتم   (1) [أحرف ساقطة في الأصل.] الحديث: 388 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 389 - (إذا أراد الله بقوم) قال الحراني: هم الذين يقومون بالأمر حق القيام وهم في عرف استعمال العرب لأهل النجدة والقوة حتى يقولون قوم أم نساء تقابلا بين المعنيين (خيرا أكثر فقهاءهم) أي علمائهم بالأحكام الشرعية الفرعية أو الأصولية (وأقل جهالهم) بالضم والتشديد (فإذا تكلم الفقيه) بما يوجبه العلم من طاعة كأمر بمعروف ونهي عن منكر (وجد أعوانا) يظاهرونه ويناصرونه جمع عون وهو الظهير (وإذا تكلم الجاهل) بما يخالف الحق (قهر) بالبناء للمجهول أي خذل وغلب ورد عليه والقهر الغلبة (وإذا أراد بقوم شرا أكثر جهالهم وأقل فقهاءهم فإذا تكلم الجاهل) بغير الحق (وجد أعوانا وإذا تكلم الفقيه) بالحق (قهر) أي وجد مقهورا وذلك من أشراط الساعة قال الغزالي: والمراد بالجاهل الجاهل بعلوم الآخرة وإن كان عالما بعلوم الدنيا تلبس بها رياء ونفاقا وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا وهو مظهر من نفسه خلاف ذلك كالعلماء السوء والقراء السوء أولئك بغضاء الله في أرضه انتهى (أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان كما مر (في) كتاب (الابانة) عن أصول الديانة (عن حبان) بكسر المهملة وشد الموحدة التحتية (ابن أبي جبلة) بفتح الجيم والموحدة تابعي ثقة له إدراك (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحسن بن علي التميمي. قال في الميزان عن الخطيب وبقية غير حجة الحديث: 389 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 390 - (إذا أراد الله بقوم خيرا أمد) أي طول (لهم في العمر) بالفتح وبالضم وبضمتين أي في الحياة ليكثروا من الطاعة ويعظم ثوابهم والمد الامهال والزيادة يقال مد الله في عمره أمهله وطوله (وألهمهم الشكر) أي ألقى في قلوبهم ما يحلهم [ص: 262] على شكر المنعم الموجب للمزيد وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله أو الإتيان بما يفيد التعظيم على النعمة سواء كان ثناء أو غيره وذلك بأن يتأمل الواحد منهم حاله بعين قلبه فينظر فإذا هو غريق في بحار منن الله وأياديه وتأييده من كثرة ما أنعم الله عليه من إمداد التوفيق والعصمة وأنواع التأييد والحراسة وأشفق أن يكون منه إغفال الشكر فيقع في الكفران فينحط عن المنازل العالية وتزول عنه تلك النعم حتى يقع في سهل الفضل وصحراء الشوق وعرصات المحبة ثم في رياض الرضوان وبساتين الأنس إلى بساط الانبساط ومرتبة التقريب ومجلس المناجاة ونيل الخلع والكرامات فهو يتنعم في هذه الحالة ويتقلب في طيها أيام بقائه في هذا السجن إلى دار القرار فيلقى هناك من سيده من اللطف والعطف والترحيب والتقريب والإنعام ما لا يقيد به وصف واصف ولا نعت ناعت {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (فر عن أبي هريرة) لم يرمز له بشيء وفيه عنبسة بن سعيد تركه الفلاس وضعفه الدارقطني الحديث: 390 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 391 - (إذا أراد الله بقوم خيرا) قال بقوم ولم يقل بالناس لأن هذا العالم لا يكمل نظامه إلا بوجود الشر فيه ومن جملته إمارة السفهاء وحكم الجهلاء فلا تخلو الأرض من ذلك فإذا أراد بأهل قطر مخصوص خيرا عمل بهم ما ذكره بقوله (ولى عليهم حلمائهم) جمع حليم والحلم بالكسر الأناة والتثبت (وقضى) أي حكم (بينهم علماؤهم) أي صير الحكم بينهم إلى العلماء بأن يلهم الإمام البحث عمن فيه الأهلية ويؤثره بالولاية على أهل الجهل والغواية (وجعل المال في سمحائهم) أي كرمائهم جمع سميح وهو الجيد الكريم وذلك ليخرج أحدهم الزكاة بطيب نفس ويقوم بما تقتضيه مكارم الأخلاق من مواساة ذوي الضرورات والحاجات ويتساهل في المعاملات وذلك من علامة رضا الله عن الناس وقد أخرج ابن عساكر عن قتادة قال موسى عليه الصلاة والسلام يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض فما علامة غضبك من رضاك قال إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي عليكم (وإذا أراد الله بقوم شرا ولى عليهم سفهاءهم) أي أخفهم أحلاما وأعظمهم طيشا وخفة وهذا إشارة إلى التحذير من إمارة السفهاء ومن فعلهم وما يترتب عليه من الظلم والكذب وما يؤدي إلى طيشهم وخفتهم من سفك الدماء والفساد في الأرض (وقضى بينهم جهالهم) بالأحكام الشرعية (وجعل المال في بخلائهم) الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ولا يقرون الضيف ولا يعطون في النائبة وإصلاح ذات البين مع القدرة ونحو ذلك ولو ولى عليهم سفهاءهم وجعل المال في سمحائهم أو عكسه لم يدل على خير ولا شر فيما يظهر (فر) وكذا ابن لال وعنه خرجه الديلمي فكان الأولى عزوه إليه لأنه الأصل (عن مهران) قال في الفردوس أظنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مسنده وله صحبة انتهى وإسناده جيد ولم يرمز له بشيء الحديث: 391 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 392 - (إذا أراد الله بقوم نماء) بالفتح والمد أي زيادة في الخير وسعة في الرزق يقال نما الشيء ينمى كثر (رزقهم السماحة) أي السخاء (والعفاف) بالفتح والتخفيف الكف عن المنهي شرعا وعن السؤال من الناس (وإذا أراد بقوم اقتطاعا) أي يسلبهم ويقطع عنهم ما هم فيه من خير ونعمة وبركة افتعال من القطع الإبانة من قولهم اقتطع من ماله شيئا أخذه يعني أراد أن يأخذ منهم ما خولهم ومنحهم (فتح عليهم باب خيانة) أي نقص بما ائتمنوا عليه من حقوق الله تعالى [ص: 263] وحقوق خلقه فإن الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر كما في خبر يأتي والتعبير بالفتح مجاز أو تهكم إذ هو لا يستعمل إلا في الخير غالبا والقصد الترغيب في هاتين الخصلتين والترهيب عن ضدهما. قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة يقال اعتبارا بالعهد والأمانة والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتدخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة والاختيان تحرك شهوة الإنسان ليتحرى الخيانة وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} (طب وابن عساكر) وكذا الدارمي والديلمي (عن عبادة بن الصامت) ولم يرمز له بشيء الحديث: 392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 393 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) بكسر الراء وفي نسخ أدخل عليهم باب الرفق وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض والرفق لين الجانب واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع. قال الزمخشري: الرفق اللين ولطافة الفعل ومن المجاز هذا الأمر رفق بك وعليك ورفيق نافع وهذا أرفق بك وقال الغزالي: الرفق محمود وضده العنف والحدة والعنف ينتجه الغضب والفظاظة والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه (حم تخ هب عن عائشة) قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ارفقي ثم ذكره (البزار) في مسنده (عن جابر) رضي الله عنه قال الهيتمي كالمنذري رجاله رجال الصحيح انتهى وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رمزه لحسنه غير حسن وكان حقه الرمز لصحته الحديث: 393 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 394 - (إذا أراد الله بعبيد خيرا رزقهم الرفق في معايشهم) أي مكاسبهم التي يعيشون بها جمع معيشة ولهذا لا تهمز (وإذا أراد بهم شرا رزقهم الخرق) بضم أوله المعجم وسكون الراء ضد الرفق (في معايشهم) والخرق شؤم كما يجيء مصرحا به في خبر فالمراد إذا أراد بأحد خيرا رزقه ما يستعين به مدة حياته ووفقه في الأمور ولينه في تصرفه مع الناس وألهمه القناعة والمداراة التي هي رأس العقل وملاك الأمر وإذا أراد به سوءا ابتلاه بضد ذلك والأول علامة حسن الخاتمة والثاني بضده (هب عن عائشة) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف فيه سويد بن سعيد فإن كان الدقاق فقال الذهبي منكر الحديث أو غيره فقال أحمد متروك وأبو حاتم صدوق الحديث: 394 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 395 - (إذا أراد الله برجل) أي إنسان ولو أنثى (من أمتي) أمة الإجابة (خيرا) أي عظيما كما يفيده التنكير (ألقى) من الإلقاء وهو الإيقاع بقوة (حب) أي محبة (أصحابي في قلبه) فمحبتهم علامة على إرادة الله الخير لمن يحبهم كما أن بغضهم علامة على عدمه وفيه دلالة على إناقة قدرهم وسمو مجدهم كيف وقد قارعوا دون المصطفى صلى الله عليه وسلم ودينه وكشفوا الكرب عن وجهه وبذلوا الأموال والأنفس في نصرته؟ والمراد محبة الصحابة رضي الله عنهم كلهم حتى أن من أحب بعضهم وأبغض بعضهم لا يكون ذلك علامة على إرادة الخير به وقد اتفق أهل السنة على أن جميع الأصحاب عدول لكن قال المازوي في البرهان لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره وقتا ما أو اجتمع به لغرض ما أو انصرف عن قرب بل الذين لازموه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون انتهى قال العلائي وهو غريب (فر عن أنس) لم يرمز له بشيء فهو ضعيف لكن له شواهد الحديث: 395 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 [ص: 264] 396 - (إذا أراد الله بالأمير) على الرعية وهو الإمام ونوابه (خيرا جعل له وزيرا) من الوزر وهو الثقل لتحمله عن الملك أو من الوزير وهو الملجأ لاعتصامه برأيه وإلتجائه إليه أو من المؤازرة وهي المعاونة (صدق) أي صالحا صادقا في نصحه ونصح رعيته قال الطيبي: أصله وزير صادق ثم قيل وزير صدق على الوصف به ذهابا إلى أنه نفس الصدق ثم أضيف لمزيد الاختصاص بالقول ولم يرد بالصدق الاختصاص بالقول فقط بل بالأقوال والأفعال (إن نسي) شيئا من أحكام الشرع وآدابه أو نصر المظلوم أو مصلحة الرعية (ذكره) بالتشديد أي ما نسيه ودله على الأصلح والأنفع والأرفق (وإن ذكر) بالتخفيف أي الأمير واحتاج لمساعدة (أعانه) بالرأي أو اللسان أو البدن أو بالكل (وإذا أراد به غير ذلك) أي شرا ولم يعبر به استهجانا للفظه واستقباحا لذكره (جعل له وزير سوء) بالفتح والإضافة (إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه) على ما فيه الرشد والفلاح بل يحاول ضده وذلك علامة سوء الخاتمة كما أن الأول علامة حسنها قال في الكشاف: والسوء الرداءة والقبح في كل شيء <تنبيه> قال الأحنف: لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والأعوان ولا تنفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة ولا تنفع المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفاف وأعظم الأمور ضررا على الملوك خاصة وعلى الناس عامة أن يحرموا صالح الوزراء والأعوان وأن يكون وزراؤهم وأعوانهم غير ذي مروءة ولا حياء وقال ليس شيء أهلك للوالي من وزير أو صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل وقال حلية الولاة وزينتهم وزراؤهم فمن فسدت بطانته كان كمن غص بالماء ولم يصلح شأنه (تتمة) أخرج البيهقي عن علي الجراح قال سألت أولاد بني أمية ما سبب زوال دولتكم قالوا خصال أربع أولها أن وزراءنا كتموا عنا ما يجب إظهاره لنا الثانية أن جباة خراجنا ظلموا الناس فرحلوا عن أوطانهم فخلت بيوت أموالنا الثالثة انقطعت الأرزاق عن الجند فتركوا طاعتنا الرابعة يئسوا من انصافنا فاستراحت نفوسهم لغيرنا (د هب عن عائشة) قال في الرياض رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم لكن جرى الحافظ العراقي على ضعفه فقال ضعفه ابن عدي وغيره ولعله من غير طريق أبي داود الحديث: 396 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 397 - (إذا أراد الله بعبد شرا خضر) بمعجمتين كحسن لفظا ومعنى له في اللبن بفتح اللام وكسر الموحد مخففة جمع لبنة بفتح فكسر (والطين حتى يبني) أي حتى يحمله على البناء فيشغله ذلك عن أداء الواجبات ويزين له الحياة وينسيه الممات وقد أنشد بعضهم في المعنى: وللموت تغذو الوالدات سخالها. . . كما لخراب الدهر تبنى المساكن ولم يذكر من آلات البناء إلا اللبن والطين لأنهما معظم آلات البناء التي يحصل بهما مسماه وما عداهما فمكملات وخص اللبن الذي هو الطوب النيء دون المحرق لأن عادة الحجاز في ذلك الزمن البناء به وهذا فيما لم يرد به وجه الله وإلا كبناء مسجد خالصا له فهو مثاب مأجور وفي غير ما لا بد منه لنفسه وممونة فمن بنى بيتا لهم بقدر الكفاية على الوجه اللائق به وبهم فليس بمذموم فلا يلحقه هذا الوعيد وسكت عن مقابله زيادة للتنفير به (طب خط) في ترجمة علي بن الحسن المخزومي (عن جابر) قال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح غير شيخ البخاري ولم أجد من ضعفه وقال المنذري رواه في الثلاثة بإسناد جيد انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه جمع لأبي داود من حديث عائشة قال العراقي واسناده جيد الحديث: 397 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 398 - (إذا أراد الله بعبد هوانا) أي ذلا وحقارة وفي رواية للطبراني سوءا بدل هوانا (أنفق ماله) أي أنفده وأفناه [ص: 265] يقال نفقت الدراهم نفدت ونفق الشيء نفقا فنى وأنفقته أفنيته (في البنيان) أي في أجر الصناع ونحو ذلك (و) في (الماء والطين) إذا كان البناء لغير غرض شرعي أو أدى لترك واجب أو فعل منهي عنه أو زاد على الحاجة وذلك هو المتوعد عليه لأن الدنيا ليست بدار قرار ولا يعمرها إلا الأشرار ولهذا قال عيسى عليه الصلاة والسلام إنما هي معبرة فاعبروها ولا تعمروها فإن قلت: ما فائدة قوله في الماء والطين بعد قوله في البنيان وهلا اكتفى به؟ قلت: الظاهر أنه أراد بالبنيان أجرة أرباب الحرف كما تقرر وبالماء والطين ثمن المؤن ويكون المراد إنفاقه في أجرة البناء وفي آلاته. قالوا: ولا ينبغي لمن مر على بناء مزخرف مشرف أن لا ينظر إليه لأنه إغراء لبانيه وأمثاله على ذلك إذ هو إنما فعل لينظر الناس إليه قال في الكاشف: قد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها (البغوي) أبو القاسم في معجمه (هب) وكذا الطبراني في الأوسط (عن محمد بن بشير الأنصاري) قال الهيتمي: رواه عنه ابنه يحيى إن صح (وماله غيره) وفيه سلمة بن شريح قال الذهبي مجهول (عد عن أنس) في ترجمة زكريا المصري الوقاد وقال يضع الحديث كذبه صالح وحرزه غيره انتهى وبه يعرف أن عزو الحديث له وسكوته عما أعله غير صواب ولما عزاه الهيتمي إلى الطبراني قال فيه من لم أعرفهم الحديث: 398 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 399 - (إذا أراد الله بقوم سوءا) بالضم أي أن يحل بهم ما يسوؤهم (جعل أمرهم) أي صير الولاية عليهم وتدبير مملكتهم (إلى مترفيهم) أي متنعميهم المتعمقين في اللذات المنهمكين على الشهوات وذلك سبب الهلاك قال تعالى {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} الآية والمترف بضم الميم وفتح الراء المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها قال في الكاشف: الإتراف إبطار النعمة انتهى وذلك لأنهم أسرع إلى الحماقة والفجور وسفك الدماء وأجرأ على صرف مال بيت المال في حظوظهم ومآربهم غير ناظرين إلى مصالح رعاياهم {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} وفي الكلام حذف والتقدير بقوم أهل سوء سوءا فإنه تعالى إنما يولي عليهم مترفيهم لعدم استقامتهم بدليل الحديث الآتي كما تكونوا يولى عليكم وفي حديث لأحمد كما تدين تدان وفي آخر إنما هي أعمالكم ترد عليكم وفي حديث لأحمد عن موسى عليه الصلاة والسلام نحوه (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه حفص بن مسلم السمرقندي قال الذهبي متروك الحديث: 399 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 400 - (إذا أراد الله بقوم عذابا) أي عقوبة في الدنيا كقحط وفناء وجور (أصاب) أي أوقع (العذاب) بسرعة وقوة (من كان فيهم ثم بعثوا) بعيد الممات عند النفخة الثانية (على أعمالهم) ليجازوا عليها فمن أعماله صالحة أثيب عليها أو سيئة جوزي بها فيجازون في الآخرة بأعمالهم ونياتهم وأما ما أصابهم في الدنيا عند ظهور المنكر فتطهير للمؤمنين ممن لم ينكر وداهن مع القدرة ونقمة لغيرهم وقضية ما تقرر أن العذاب لا يعم من أنكر ويؤيده آية {أنجينا الذين ينهون عن السوء} لكن ظاهر {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وخبر " أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر السوء " العموم (ق عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 400 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 401 - (إذا أراد الله بقوم عاهة) أي آفة دينية واحتمال إرادة الدنيوية أيضا بعيد (نظر إلى أهل المساجد) نظر رحمة وموافاة وإكرام وإحسان وأهلها الملازمون والمترددون إليها لنحو صلاة أو ذكر أو اعتكاف فليس المراد بأهلها [ص: 266] من عمرها أو رممها بل من عمرها بالصلاة والذكر والتلاوة ونحوها (فصرف عنهم) العاهة أي عن أهل المساجد فتكون مختصة بغيرهم هذا هو المتبادر من عود الضمير على أقرب مذكور ويؤيده خبر البيهقي إذا عاهة من السماء نزلت صرفت عن عمار المساجد ويحتمل رجوعه للقوم وإن كان أبعد فتصرف الآفة عن عموم القوم إكراما لعمار المساجد بأنواع العبادات بدليل خبر: لولا شيوخ ركع وبهائم رتع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا. نعم هذا مخصوص بما إذا لم يكثر الخبث بدليل الخبر المذكور وقد ورد نظير هذا الإكرام الإلهي لغير عمار المساجد أيضا ففي حديث البيهقي قال الله تعالى " إني لأهم بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمار بيتي والمتحابين في والمستغفرين بالأسحار صرفته عنهم وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي الحديث تنويه عظيم بفضل المساجد وشرف قاطنيها للعبادة فيها والخلوة بها وتحذير من غلقها وتعطيلها {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} (عد فر عن أنس) ورواه أيضا البيهقي وأبو نعيم وعنه أورده الديلمي فلو عزاه إليه كان أولى ثم إن فيه مكرم بن حكيم ضعفه الذهبي وزافر ضعفه مخرجه ابن عدي وقال لا يتابع على حديثه الحديث: 401 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 402 - (إذا أراد الله بقرية) أي بأهلها على حد {واسأل القرية} (هلاكا) بنحو كثرة قتل وطاعون وفقر وذل كما يدل له خبر الحاكم إذا كثر الزنا كثر القتل ووقع الطاعون وذلك لأن حد الزنا القتل فإذا لم يقم الحد فيهم سلط الله عليهم الجن فقتلوهم وفي خبر البزار إذا ظهر الزنا في قوم ظهر فيهم الفقر والمسكنة ونكر الهلاك لمزيد التهويل (أظهر) أي أفشى (فيهم الزنا) أي التجاهر بفعله وهو بالقصر أفصح وذلك لأن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ضرت الخاصة والعامة. وخص الزنا لأنه يفسد الأنساب ونوع الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات ولهذا لم يحل في شريعة قط ولما كان الجزاء من جنس العمل وكانت لذة الزنا تعم البدن جعل الله جزاءهم بعموم إهلاكهم وفي رواية الربا بدل الزنا بموحدة (فر عن أبي هريرة) وفيه حفص بن غياث فإن كان النخعي ففي الكاشف ثبت إذا حدث من كتابه وإن كان الراوي عن ميمون فمجهول الحديث: 402 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 403 - (إذا أراد الله أن يخلق خلقا) أي مخلوقا أي رجلا (للخلافة) أي للملك (مسح ناصيته بيده) لفظ رواية الخطيب بيمينه وخص ناصيته لأنه يعبر بها عن جملة الإنسان وذلك عبارة عن إلقاء المهابة عليه ليطاع فهو استعارة أو تشبيه. قال الزمخشري: أراد بالخلافة الملك والتسلط وقصره على ذلك تحكم فإن الخلافة النبوية تشمل الإمام الأعظم ونوابه وتشمل العلماء فإذا أراد الله تعالى نصب إنسان للقيام لحماية الدين ونشر الأحكام وقهر أعداء الإسلام من الملاحدة وغيرهم ألقى عليه المهابة وصير قوله مقبولا ممتثلا عليه طلاوة وحلاوة وجلالة فإذا قرر شيئا سلموه وإذا أفتى في شيء قبلوه وإذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر امتثلوه فمن قصره على السلطنة فقد قصر (عق) عن ابن أحمد بن حنبل عن عبد الله بن موسى السلمي عن مصعب النوفلي عن أبي ذؤيب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ثم عقبه مخرجه بقوله مصعب مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به (عد) ثم عقبه بقوله هذا منكر بهذا الإسناد والبلاء فيه من مصعب (خط) في ترجمة عبد الله بن موسى الأنصاري قال ابن حجر وفيه عنده مسرة بن عبد ربه تألف وقال الذهبي كذاب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال البلاء فيه من النوفلي وأورده من حديث أنس وقال فيه مسرة مولى المتوكل ذاهب الحديث لكن له طريق عن ابن عباس خرجه الحاكم بلفظ إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح على ناصيته بيمينه فلا تقع عليه عين إلا أحبته قال الحاكم رواته هاشميون قال ابن حجر في الأطراف إلا أن شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ (فر عن أبي هريرة) الحديث: 403 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 [ص: 267] 404 - (إذا أراد الله قبض عبد) أي قبض روح إنسان (بأرض) غير التي هو فيها وفي رواية للترمذي إذا أراد الله لعبد أن يموت بأرض (جعل له بها) وفي رواية للترمذي إليها وفي رواية فيها (حاجة) زاد الترمذي حتى يقدمها وذلك ليقبر بالبقعة التي خلق منها. قال الحكيم: إنما يساق من أرض لأرض ليصير أجله هناك لأنه خلق من تلك البقعة قال تعالى {منها خلقناكم وفيها نعيدكم} فإنما يعاد الإنسان من حيث بدئ منه وقد مر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقبر يحفر فقال: لمن؟ قيل: لحبشي فقال: لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه حتى دفن بالبقعة التي خلق منها وفي ضمنه إعلام بأن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وأنه لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد (حم طب حل عن أبي عزة) يسار ابن عبد الله أو ابن عبد أو ابن عمرو الهذلي له صحبة سكن البصرة وقيل هو مطر بن عكامس لأن حديثهما واحد وهو هذا وقيل غيره ورواه عنه الترمذي في العلل ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال لا أعرف لأبي عزة إلا هذا انتهى قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني فيه محمد بن موسى الخرشي وفيه خلف انتهى ورواه عنه أيضا البخاري في الأدب والحاكم وبالجملة فهو حسن الحديث: 404 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 405 - (إذا أراد الله أن يوتغ) بضم التحتية وسكون الواو وكسر الفوقية وغين معجمة (عبدا) أي يهلكه والوتغ محركا الهلاك كما في الصحاح وفي رواية بدل يوتغ يوتر وهو أن يفعل بالإنسان ما يضره (عمى) بغير ألف كذا بخط المؤلف لكن الذي في نسخ الطبراني أعمى بألف (عليه الحيل) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة تحت أي الاحتيال وهو الحذق في تدبير الأمور وتقليب الفكر ليصل إلى المقصود فالمراد صيره أعمى القلب متحير الفكر فالتبس عليه الأمر فلا يهتدي إلى الصواب فيهلكه والعمى في الأصل فقد البصر ثم استعير لعمى القلب كناية عن الضلال والحيرة والعلاقة عدم الاهتداء وما ذكر من ضبط يوتغ بما ذكر هو ما في بعض الشروح لكن الذي رأيته في أصول صحيحة من المعجم ومجمع الزوائد يزيغ بزاي معجمة فمثناة تحت ثم رأيت نسخة المصنف الذي بخطه من هذا الكتاب المشروح يزيغ بزاي منقوطة وهو مصلح بخطه على كشط ومعنى يزيغ يميل عن الحق ففي القاموس وغيره أزاغه أماله وزاغ يزيغ مال وزاغ البصر كل (طس عن عثمان) بن عفان لم يرمز له بشيء وهو ضعيف ووجهه أن فيه محمد بن عيسى الطرطوسي وهو كما قال الهيتمي ضعيف وعبد الجبار ابن سعيد ضعفه العقيلي وقال أحاديثه مناكير عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد ضعفه النسائي فتعصيب الهيتمي الجناية برأس الطرطوسي وحده غير جيد الحديث: 405 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 406 - (إذا أراد الله إنفاذ) بمعجمة (قضائه وقدره) أي إمضاء حكمه وقضاؤه إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها (سلب) خطف بسرعة على غفلة (ذوي العقول) جمع عقل ومر تعريفه (عقولهم) يعني سترها وغطاها فليس المراد السلب الحقيقي بل التغطية حتى لا يروا بنورها المنافع فيطلبوها ولا المضار فيجتنبوها قال بعض الحروريين لترجمان القرآن لما قال في قضية سليمان عليه الصلاة والسلام أنه طلب الهدهد لأنه ينظر الماء من تحت الأرض كيف ينظره والصبي ينصب له الفخ فلا يراه حتى يقع فيه قال ويحك أما علمت أن القضاء إذا نزل عمي البصر؟ وقيل لم يرد بسلبها رفعها بل سلب نورها وحجبها بحجاب القدرة مع بقاء صورتها فكم من مترد في مهلكة وهو يبصرها ومفوت منفعة في دينه أو دنياه وهو مشرف عليها قال تعالى {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} (حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره فإذا مضى) وفي نسخ [ص: 268] أمضى بألف وهو تحريف من النساخ فإن الألف لا وجود لها في خط المصنف (أمره) الذي قدره (رد إليهم عقولهم) فأدركوا قبح ما فرط منهم (ووقعت الندامة) الأسف والحزن ومنه علم أن العبد لا يملك لنفسه صرا ولا نفعا وأنه لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهذا أصل تفرق الأهواء والسبل واختلاف الملل والنحل وذلك لأنهم لما كلفوا بالاقرار بالوحدانية من طريق الخبر وحجبوا عن تعين المخبر به وهو معاينته بالقلب توددوا واضطربوا فرجعوا إلى عقول مسلوبة وأفهام محجوبة وتحيروا في ظلمة أنفسهم وضعفت أبصار فكرهم فلم يبصروا فحصلت قلوبهم في أكنة الخذلان وعليها الصدأ والحرمان (فر) وكذا أبو نعيم في تاريخ أصبهان (عن أنس) بن مالك (وعلي) أمير المؤمنين وفيه سعيد بن سماك بن حرب متروك كذاب فكان الأولى حذفه من الكتاب وفي الميزان خبر منكر ثم إن ما ذكر من أن الديلمي خرجه من حديث أنس وعلي هو ما رأيته في نسخ الكتاب كالفردوس وذكر المؤلف في الدرر أن البيهقي والخطيب خرجاه من حديث ابن عباس وقال إسناده ضعيف الحديث: 406 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 407 - (إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء) فإذا أراد خلق الولد من المني لم يمنعه العزل بل يكون وإن عزل وهذا قاله لما سئل عن العزل فأخبر أنه لا يغني حذر من قدر. وفي إفهامه أن العزل لا يحرم مطلقا فإنه لم ينههم وهو مذهب الإمام الشافعي والنهي عنه محمول على التنزيه جمعا بين الأدلة (م) في النكاح (عن أبي سعيد) الخدري فظاهر صنيع المؤلف أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه في الفردوس للبخاري الحديث: 407 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 408 - (إذا أراد الله بقوم قحطا) جدبا وشدة واحتباس مطر (نادى مناد) أي أمر ملكا أن ينادي (في السماء) أي من جهة العلو ويحتمل أنه جبريل لأنه الموكل بإنزال الرحمة والعذاب (يا أمعاء) وفي نسخ يا معاء بكسر الميم وقد تفتح مقصورا أي يا مصارين أولئك القوم (اتسعي) أي تفسحي حتى لا يملأك إلا أكثر مما كان يملؤك أولا (ويا عين لا تشبعي) أي لا تمتلئي بل انظري نظر شره وشدة شبق للأكل وأضاف عدم الشبع إليها مجازا (ويا بركة) أي يا زيادة في الخير (ارتفعي) أي انتقلي عنهم وارجعي إلى جهة العلو من حيث أفضيتي فيسري نداؤه في الأرواح والأشباح ثم إن ما تقرر من حمل النداء على حقيقته هو المتبادر ولا مانع من أن الله يخلق فيما ذكر إدراكا يعقل به سماع النداء وخص البطن والعين لأنهما مناط الجوع والشبع لكن الأقعد أن المراد المجاز والمعنى إذا أراد الله أن يبتلي قوما بالغلاء والجوع لم يخلق الشبع في بطونهم ويمحق البركة من أرزاقهم عقوبة أو تطهيرا (ابن النجار) محب الدين (في تاريخه) ذيل تاريخ بغداد (عن أنس وهو مما بيض له الديلمي) في الفردوس لعدم وقوفه له على سند الحديث: 408 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 409 - (إذا أراد أحدكم) الخطاب فيه وفيما يأتي وإن كان بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام لأن حكمه على الواحد على الواحد حكم على الجماعة إلا بدليل منفصل وكذا حكم تناوله للنساء (أن يبول فليرتد) أي فليطلب وليتحر ندبا (لبوله) موضعا لينا رخوا ليأمن من عود الرشاش فنجسه وحذف المفعول للعلم به وهو موضعا أو مكانا للعلم به لدلالة الحال عليه فالبول في المكان الصلب مكروه وفيه أنه لا بأس بذكر البول وترك الكناية عنه بلفظ إراقة الماء بل ورد النهي عن استعمال هذه الكناية في خبر الطبراني عن وائلة لا يقولن أحدكم أهرقت الماء ولكن ليقل أبول لكن فيه [ص: 269] كما قال العراقي عنبسة ضعيف. قال الزمخشري: والارتياد افتعال من الرود كالابتغاء من البغي ومنه الرائد طالب المرعى والطير يتريد الورق أي يطلبه ومنه المثل الرائد لا يكذب أهله وهو الذي يرسل في طلب المرعى (د هق عن أبي موسى) قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبول فأتى دمثا أي محلا لينا في أصل جدار فبال ثم ذكره قال المنذري كالنووي ويشبه أن يكون الجدار عاريا غير مملوك أو قعد متراخيا عنه فلا يصيبه البول أو علم رضا صاحبه وقد رمز المؤلف لحسنه فإن أراد لشواهده فمسلم وإن أراد لذاته فقد قال البغوي وغيره حديث ضعيف وقال المنذري في تعقبه على أبي داود فيه مجهول وتبعه الصدر المناوي وقال النووي في المجموع وشرح أبي داود حديث ضعيف لأن فيه مجهولين قال وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر ووافقه الولي العراقي فيما كتبه عليه فقال ضعيف لجهالة روايه والمجهول الذي في إسناد أبي داود في إسناد البيهقي انتهى بل جرى المؤلف في الأصل على ضعفه الحديث: 409 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 410 - (إذا أراد أحدكم أن يذهب) أي يسير ويمضي إذ الذهاب السير والمضي. قال الراغب: ويستعمل في الأعيان والمعاني (إلى الخلاء) ليبول أو يتغوط وهو بالمد المحل الخالي ثم نقل لمحل قضاء الحاجة (وأقيمت الصلاة) الفرض وكذا نفل فعل جماعة أي شرع فيها أو أقيم لها (فليذهب) ندبا (إلى الخلاء) قبل الصلاة إذا أمن خروج الوقت ليفرغ نفسه لأنه إذا صلى قبل ذلك تشوش خشوعه واختل حضور قلبه فإن خالف وصلى حاقبا كره تنزيها وصحت (حم د ن هـ حب ك عن عبد الله بن الأرقم) بفتح الهمزة والقاف ابن عبد يغوث الزهري من الطلقاء كتب أوحى وولى بيت المال لعمر وعثمان بلا أجر وإسناده صحيح الحديث: 410 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 411 - (إذا أراد أحدكم أن يبيع عقاره) بالفتح والتخفيف أي ملكه الثابت كدار ومحل (فليعرضه) بفتح التحتية (على جاره) بأن يعلمه بأنه يريد بيعه وأنه يؤثره به إن شاء وعليه عرضه أيضا على الشريك فإن أذن في بيعه فباعه فللشريك أخذه بالشفعة عند الشافعي رضي الله عنه والحنفي والأمر للندب وقيل للوجوب دفعا للضرر وعنه بمجاورة من لا يصلح والمراد به هنا الملاصق واستدل به الحنفية لثبوت الشفعة للجار ويظهر أنه لا يلحق بالبيع الإجارة لأن انتقال الملك إن ضر دام ضرره بخلاف الإجارة (4 عد عن ابن عباس) ولم يرمز له بشيء وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني نقل الذهبي عن أحمد أنه كان يكذب جهارا ووثقه ابن معين الحديث: 411 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 412 - (إذا أراد أحدكم سفرا) بالتحريك سمي به لأنه يسفر عن الأخلاق (فليسلم) ندبا (على إخوانه) في الدين يعني معارفه فيذهب إلى أماكنهم ويودعهم ويطلب منهم الدعاء (فإنهم يزيدونه بدعائهم) له (إلى دعائه) لنفسه (خيرا) فيقول كل منهم للآخر أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك الدعاء المشهور ويزيد المقيم وردك في خير وإذا رجع المسافر يتلقى ويسلم عليه لأن المسافر أنسب بالتوديع والقادم أحق بأن يتلقى ويهنأ بالسلامة. ويؤخذ من الحديث أنه لو كان أقاربه أو جيرانه كفارا لا يذهب إليهم ولا يودعهم لعدم انتفاعه بدعائهم الذي هو المقصود بالوداع قال تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} (طس عن أبي هريرة) قال العراقي سنده ضعيف وقال الهيتمي فيه يحيى بن العلاء البجلي ضعيف قال ورواه أبو يعلى عن عمرو بن الحصين وهو متروك وقال ابن حجر حديث غريب ويحيى وعمرو ضعيفان جدا الحديث: 412 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 [ص: 270] 413 - (إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة) أي جماعا وهي ممن يجوز له جماعها بخلاف نحو حائض ومريضة مرضا لا تطيق معه الجماع ومن بفرجها قروح تتأذى به ومعتدة عن شبهة وغير ذلك من الصور التي للرجل فيها الطلب وعلى المرأة الهرب وكنى بالحاجة عن الجماع لمزيد احتشامه وعظيم حيائه وهو من لطيف الكنايات (فليأتها) فليجامعها إن شاء ولتطعه وجوبا (وإن كانت على تنور) بفتح التاء وشد النون أي وإن كانت تخبز عليه مع أنه شغل شاغل لا نتفرغ منه إلى غيره إلا بعد انقضائه ذكره القاصي قال المرسي: كان عندنا باسكندرية عارفة بالله تعالى قالت لي كنت إذا كنت بحضرة أو موقف وأرادني زوجي ليقضي أربه لا أمنعه فلا يستطيع ذلك مني كلما أراد؟ ؟ لج (1) فعجز حتى يضيق خلقه ويقول يا لها من حسرة هذه الشابة في حسنها بين يدي ولا تمتنع مني ولا أصل إليها. والتنور محل الوقود وصانعه تنار معرب أو عربي توافقت فيه اللغات وقال الزمخشري عن أبي حاتم التنور ليس بعربي صحيح ولم تعرف له العرب اسما غيره فلهذا جاء في التنزيل لأنهم خوطبوا بما عرفوا <تنبيه> قال أبو حبان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق تقديره فليأتها على كل حال وإن كانت إلى آخره ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته ألا ترى أنه لا يحسن: فليأتها وإن كانت معطرة مزينة متأهبة (حم طب عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن علي) بن المنذر الحنفي ممن بنى في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز لحسنه وفيه محمد بن حاتم اليمامي   (1) [أحرف سقطت في الأصل] الحديث: 413 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 414 - (إذا أردت) أي هممت أن تفعل (أمرا فتدبر عاقبته) بأن تتفكر وتتأمل ما يصلحه ويفسده وتدقق النظر في عواقبه مع الاستخارة ومشاروة ذوي العقول فالهجوم على الأمور من غير نظر في العواقب موقع في المعاطب فلذا قيل: ومن ترك العواقب مهملات. . . فأيسر سعيه أبدا تبار قال القاضي وأصل التدبير النظر في إدبار الشيء (فإن كان) في فعله (خيرا) وفي رواية رشدا أي غير منهي عنه شرعا (فامضه) أي فافعله وبادر فقد قالوا انتهز الفرصة قبل أن تعود غصة (وإن كان) في فعله (شرا) أي منهي عنه شرعا (فانته) أي كف عنه وعبر به دون لا تمضه لأنه أبلغ وفي رواية بدل فامضه فوجه أي أسرع إليه من الجا وهو السرعة وهذا تنبيه على مذمة الهجوم من غير تدبر قال الراغب: والتدبر تأمل دبر الأمر والفكرة كالآلة للصانع التي لا يستغني عنها ولا تكون إلا في الأمور الممكنة دون الواجبة والممتنعة وتكون في جملة الممكنات فالطبيب لا يحيل رأيه في نفس البرء بل في كيفية الوصول إليه قال الغزالي: إذا أردت أن تعرف خاطر الخير من خاطر الشر فزنه بإحدى الموازين الثلاثة يظهر لك حاله فالأول أن تعرض الذي خطر لك على الشرع فإن وافق حسنه فهو خير وإن كان بالضد فهو شر وإن لم يتبين لك بهذا الميزان فاعرضه على الاقتداء فإن كان في فعله اقتداء بالصالحين فهو خير وإلا فهو شر وإن لم يتبين لك بهذا الميزان فاعرضه على النفس والهوى فإن كان مما تنفر عنه النفس نفرة طبع لا نفرة خشية وترهيب فهو خير وإن كان مما تميل إليه ميل طمع لا ميل رجاء في الله وترغيب فهو شر إذ النفس أمارة بالسوء لا تميل بأصلها إلى خير فتأخذ هذه الموازين إذا نظرت وأمعنت النظر يتبين لك الخير من الشر (ابن المبارك) عبد الله (في) كتاب (الزهد) والرقائق (عن أبي جعفر) عبد الله (بن مسور) بكسر الميم وفتح الواو ابن عون بن جعفر (الهاشمي) نسبة لبني هاشم (مرسلا) قال الذهبي في المغني قال أحمد وغيره أحاديثه موضوعة وقال النسائي والدارقطني متروك وقال العراقي ضعيف لكن له شواهد عند أبي نعيم الحديث: 414 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 [ص: 271] 415 - (إذا أردت أن تبزق) بزاي وسين وصاد وإنكار السين غلط أي تخرج الريق من فمك (فلا تبزق) حيث لا عذر (عن) جهة (يمينك) فيكره تنزيها لشرف اليمين وأدبا مع ملكه (ولكن) أبصق (عن) جهة (يسارك إن كان فارغا) أي خاليا من آدمي ونحوه لأن الدنس حق اليسار واليمين بعكسه قال القاضي: خص اليمين بالنهي مع أن عن شماله ملكا أيضا لأنه يكتب الحسنات فهو أشرف (فإن لم يكن فارغا) كأن كان على يسارك إنسان (فتحت قدمك) أي اليسرى كما في خبر هبة في صلاة أو لا قالوا وبصقه في ثوبه من جهة يساره أولى والكلام في غير المسجد أما البصاق فيه فحرام كما يأتي <فائدة> قال ابن عطاء الله وصف لأبي يزيد البسطامي رجل بالولاية فقصده فخرج الرجل يتنخم في حائط المسجد فرجع ولم يجتمع به وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب الشريعة فكيف يؤمن على أسرار الله تعالى (البزار) في مسنده (طارق) بالمهملة والقاف (ابن عبد الله) المحاربي له صحبة ورواية قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح انتهى فرمز المؤلف لحسنه فقط غير حسن إذ حقه الرمز لصحته الحديث: 415 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 416 - (إذا أردت أن تغزو) أي تسير لقتال الكفار (فاشتر فرسا أغر) يعني حصل فرسا أغر تغزو عليه بشراء أو غيره وخص الشراء لأنه الغالب والأمر للندب ويحتمل الإرشاد والأغر الذي في جبهته بياض فوق درهم يقال فرس أغر أدهم غراء كأحمر وحمراء والقول بأن المراد الأغر هنا الأبيض غفلة فإن لفظ رواية الحاكم أدهم أغر وكأن لفظ أدهم سقط من قلم المؤلف ذهولا (محجلا) أي قوائمه تبلغ بياضها ثلث الوظيف أو نصفه أو ثلثيه ولا يبلغ الركبتين (مطلق اليد اليمنى) هي الخالية من البياض مع وجوده في بقية القوائم (فإنك تسلم) من العدو وغيره (وتغنم) أموالهم وتخصيصه لذلك الفرس ظاهر لأن المتصف بذلك أجمل الخيل وأحسنها زيا وشكلا قال ابن الكمال: والتفاؤل بهذه الصفات كان معروفا في الجاهلية فقررهم الشارع عليه وبين أن النجاح والبركة فيما كان بهذه الصفة كما هو عند العامة ويؤخذ من ذلك أنه ينبغي إيثاره لكل سفر وأن تخصيص الأغر فللآكدية قال ابن المعتز: ومحجل طلق اليمين كأنه. . . متبختر يمشي بكم مسبل (طب ك) في الجهاد (هق عن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن عامر) الجهني صحابي أمير شريف فرضي شاعر ولي غزو البحر لمعاوية قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في المهذب قال فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني فيه عبيد بن الصباح ضعيف الحديث: 416 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 417 - (إذا أردت أمرا) أي فعل شيء من المهمات وأشكل عليك وجهه (فعليك بالتؤدة) كهمزة أي الزم التأني والرزانة والتثبت وعدم العجلة (حتى) أي إلى أن (يريك الله منه مخرجا) بفتح الميم والراء أي المخلص يعني إذا أردت فعل شيء وأشكل عليك أو شق فتثبت ولا تعجل حتى يهديك الله إلى الخلاص ولفظ رواية البيهقي حتى يجعل الله لك مخرجا أو قال فرجا قال الراغب: يحتاج الرأي إلى أربعة أشياء اثنان من جهة الزمان في التقديم والتأخير أحدهما أن يعيد النظر فيما يرتقبه ولا يعجل إمضاءه فقد قيل إياك والرأي الفطير وأكثر من يستعجل في ذلك ذوي النفوس الشهيمة والأمزجة الحادة والثاني أن لا يدافع به بعد إحكامه فقد قيل أحزم الناس من إذا وضح له الأمر صدع فيه وأكثر [ص: 272] من يدافع ذلك ذوو النفوس المهينة والأمزجة الباردة واثنان من جهة الناس أحدهما ترك الاستبداد بالرأي فإن الاستبداد به من فعل المعجب بنفسه وقد قيل الأحمق من قطعه العجب بنفسه عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة والثاني أن يتخير من يحسن مشاروته قال الشاعر: فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه. . . وما كل مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب. . . فحق له من طاعة بنصيب ومن دخل في أمر بعد الاحتراز عن هذه الأربعة فقد أحكم تدبيره فإن لم ينجح عمله لم تلحقه مذمة (خد هب) وكذا الطيالسي والخرائطي والبغوي وابن أبي الدنيا كلهم (عن رجل من يلي) بفتح فكسر كرضي قبيلة معروفة قال هذا الرجل: انطلقت مع أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناجاه أبي دوني فقلت لأبي ما قال لك قال قال لي إذا أردت إلى آخره رمز المؤلف لحسنه وفيه سعد بن سعيد ضعفه أحمد والذهبي لكن له شواهد كثيرة الحديث: 417 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 418 - (إذا أردت أن يحبك الله فابغض الدنيا) التي منذ خلقها لم ينظر إليها بغضا لها لحقارتها عنده بحيث لا تساوي جناح بعوضة والمراد اكره بقلبك ما نهيت عنه منها وتجاف عنها واقتصر على ما لا بد منه ومن فعل ذلك كشف لسره حجب الغيب فصار الغيب له مشهودا (وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها) بضم الفاء أي بقاياها الزائدة على ما تحتاجه لنفسك وممونك بالمعروف (فانبذه) أي اطرحه (إليهم) فإنهم كالكلاب لا ينازعونك ولا يعادونك إلا عليها فمن زهد فيما في أيديهم وبذل لهم ما عنده وتحمل أثقالهم ولم يكلفهم أثقاله وكف أذاه عنهم وتحمل أذاهم وأنصفهم ولم ينتصف منهم وأعانهم ولم يستمعن بهم ونصرهم ولم يستنصر بهم أجمعوا على محبته. وهذا الحديث من جوامع الكلم وأصل من أصول القوم الذي أسسوا عليها طريقهم ومن وفق للعمل به وإنه لصعب شديد إلا على من شاء الله تعالى ارتاح قلبه واستقام حاله وهانت عليه المصائب والفضول بالضم جمع فضل كفلوس وفلس الزيادة قال في المصباح: وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه ولهذا نسب إليه فقيل فضولي لمن يشنغل بما لا يعنيه لأنه جعل علما على نوع من الكلام فنزل منزلة المفرد وسمى به الواحد والنبذ الإلقاء والطرح ومنه صبي منبوذ أي مطروح (خط عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة بلفظ النسب (ابن الحراش) بمهملة مكسورة وآخره شين معجمة ابن جحش بن عمرو بن عبد الله العبسي الكوفي تابعي ثقة جليل مشهور مات سنة مئة (مرسلا) وقال العجلي له إدراك قال ربعي: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه ويحبني الناس فذكره الحديث: 418 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 419 - (إذا أردت) أي هممت (أن تذكر عيوب غيرك) أي تتكلم بها أو تحدث بها نفسك (فاذكر عيوب نفسك) أي تذكرها واستحضرها في ذهنك وأجرها على قلبك مفصلة عيبا عيبا فإن ذلك يكون مانعا لك من الوقيعة في الناس وعلم مما تقرر أنه ليس المراد إباحة ذكر عيوب الناس بل أن يشتغل بذكر عيوب نفسه فقلما يخلو عن عيب فإذا ذكرها واشتغل بمعاتبتها وتوبيخها منعه من ذكر عيوب الناس قال ذو النون: من نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه ومن اهتم بأمر الجنة والنار شغل عن القيل والقال. قال ابن عربي: فلا تداهن نفسك بإخفاء عيبك وإظهار عذرك فيصير عدوك أحظر لك في زجر نفسه بإنكارك من نفسك التي هي أخص بك فهذب نفسك بإنكار عيوبك وانفعها كنفعك لعدوك فإن لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ. قال: ومن عيب الناس بما يكرهون وإن كان حقا دل على جهله وسوء طباعه وقلة حيائه من الله تعالى فإنه قلما سلم في نفسه من عيب فلو اشتغل [ص: 273] بالنظر في عيوب نفسه شغله ذلك عن عيوب غيره ومن تتبع أمور الناس اشتغل بما لا يعنيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه <تنبيه> قال في الحكم: تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير لك من تطلعك إلى ما حجب عنك من الغيوب (الرافعي) إمام الدين (في تاريخ قزوين عن ابن عباس) ورواه البخاري في الأدب المفرد عنه موقوفا وكذا البيهقي في الشعب الحديث: 419 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 420 - (إذا أسأت) أي عملت سيئة (فأحسن) بفتح الهمزة أي قابل الفعلة السيئة بخصلة حسنة كأن تقابل الخشونة باللين والغضب بالكظم والسورة بالأناة وقس عليه ذكره الزمخشري وشاهده أن الحسنات يذهبن السيئات وهذا إشارة إلى أن الإنسان مجبول على الشهوات ومقتضى البهيمية والسبعية والملكية فإذا ارتكب من تلك الرذائل رذيلة يطفيها بمقتضى الملكية: أتبع السيئة الحسنة تمحها ومن البين أن الكبيرة لا يمحوها إلا التوبة. قال الراغب: والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال المرء في نفسه وبدنه والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة (ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أراد معاذ بن جبل سفرا فقال يا رسول الله أوصني فذكره ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره الحديث: 420 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 421 - (إذا استأجر أحدكم) أي أراد أن يستأجر (أجيرا فليعلمه) لزوما ليصح العقد (أجره) أي يبين قدر أجرته وقدر العمل ليكون على بصيرة ويكون العقد صحيحا ونبه بذلك على أن من أركان الإجارة ذكر الأجرة وكونها مقدرة فمن عمل لغيره عملا بلا معاقدة ولا تعيين أجرة فإن ذكر مقتضيا لها كاقصر هذا الثوب وأنا أرضيك فله أجرة المثل وإن لم يذكر مقتضيا فلا أجرة له وإن اعتاد العمل بها عند الشافعي خلافا لمالك. قال الراغب: والأجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل والاستئجار طلب الشيء بالإجرة نحو الاستيجاب في استعارته للإيجاب وقال الزمخشري: أجرني فلان داره فاستأجرتها فهو مؤجر ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ قبيح (قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه وفيه عبد الأعلى بن أبي المشاور قال أبو داود والنسائي متروك الحديث: 421 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 422 - (إذا استأذن أحدكم ثلاثا) أي طلب الأذن في الدخول وكرره ثلاث مرات بالقول أو بقرع الباب قرعا خفيفا (فلم يؤذن له) فيه (فليرجع) وجوبا إن غلب على ظنه أنه سمعه وإلا فندبا وبه يحصل التوفيق بين الكلامين ولا يلح في الإذن ولا يقف على الباب منتظرا لأن هذا يجلب الكراهية ويقدح في قلوب الناس سيما إذا كانوا ذوي مروءة مرتاضين بالآداب الحسنة. قال في الكشاف: وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لا يتهذب من أكثر الناس وهذا كله إذا لم يعرض أمر في دار من نحو حريق أو هجوم عدو أو ظهور منكر يجب إنكاره وإلا فهو مستثنى بالدليل القاطع انتهى قالوا: ويسن الجمع بين السلام والاستئذان بأن يقدم السلام وحكمه الثلاث كما في رواية ابن أبي شيبة عن علي أن الأولى إعلام والثانية مؤامرة والثالثة عزيمة <تنبيه> هذا الحديث رواه أبو موسى الأشعري بحضرة عمر فقال أقم عليه البينة فوافقه أبو سعيد الخدري فقبل ذلك منه عمر كما رواه الشيخان ومنه أخذ أبو علي الجبائي أنه يشترط لقبول خبر الواحد موافقة غيره له واعتضاده وأجيب بمن طلب عمر البينة ليس لعدم قبول خبر الوحد بل للتثبت كما يكشف عنه قول عمر رضي الله عنه فيما رواه مسلم إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت (مالك) في الموطأ (حم ق) في الاستئذان (د) في الأدب (عن أبي موسى) الأشعري (و) عن (أبي سعيد) الخدري (معا) قال بشر بن سعيد سمعت أبا سعيد يقول: [ص: 274] كنت جالسا بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعا مذعورا فقلنا: ما شأنك قال: إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد فرجعت فقال: ما منعك أن تأتينا فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاثا فلم ترد فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو سعيد: قلت أنا أصغرهم قال: فاذهب به فذهبت إلى عمر فشهدت (طب والضياء) المقدسي (عن جندب) بضم المعجمة وفتح المهملة ابن عبد الله (البجلي) بفتح الموحدة والجيم وكسر اللام نسبة إلى بجلة قبيلة مشهورة قال في المفصل وغيره له صحبة غير قديمة سكن الكوفة ثم تحول للبصرة قال أبو نعيم وابن منده يقال له جندب الخير وقيل غير ذلك الحديث: 422 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 423 - (إذا استأذنت أحدكم امرأته) أي طلبت منه الإذن ويظهر أن المراد ما يشمل نحو أمته وموليته ممن هو مالك أمرها (إلى المسجد) أي في الخروج إلى الصلاة ونحوها في المسجد أو ما في معناه أو شهود عيد وزيارة مريض ليلا (فلا يمنعها) بل يأذن لها ندبا حيث أمن الفتنة لها وعليها وذلك هو الغالب في ذلك الزمن عكس ما بعد ذلك كما مر. قال الكمال: هذا الحديث خصه العلماء بأمور مخصوصة ومقيسة فمن الأول خبر أيما أمرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء وكونه ليلا ففي مسلم: لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد إلا بالليل والثاني حسن الملابس ومزاحمة الرجال والطيب فإنهن يتكلفن للخروج ما لم يكن عليهن في المنزل فمنعن مطلقا لا يقال هذا حينئذ نسخ بالتعليل لأنا نقول المنع يثبت حينئذ بالعمومات المانعة من التعيين أو هو من باب الإطلاق بشرط فيزول بزواله كإنتهاء الحكم بإنتهاء علته وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدثته النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل وفي خبر رواه ابن عبد البر عن عائشة مرفوعا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة فتبختروا في المساجد. وبالنظر إلى التعليل المذكور منعت غير المتزينة أيضا أي الشابة لغلبة الفساق ليلا وإن كان النص يتجه لأن الفساق في زماننا أكثر انتشارا وتعرضهم بالليل أه : (حم ق) في الصلاة (ن عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 423 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 424 - (إذا استجمر أحدكم) أي مسح مخرجه بالجمار وهو الحجارة الصغار والاستجمار التمسح بالجمار وهي الأحجار سمي به لأنه يطيب الريح كما يطيبه البخور وقيل المراد به استعمال البخور للتطيب (فليوتر) أي فليجعله وترا ثلاثا فأكثر فعلى الأول المراد المسحات وعلى الثاني أن يأخذ من البخور كما قال العراقي ثلاث قطع أو يأخذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخرى مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال في المشارق وكان مالك يقول به ثم رجع. قال الولي العراقي: ويمكن حمل هذا المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر يفعل ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وترا ويجمر ثيابه وترا انتهى وفيه إجزاء الاستنجاء بالحجر أي وما في معناه ولم يخالف فيه من يعتد به لكن الأفضل الماء وقول الإمام أحمد لا يصح في الاستنجاء بالماء حديث أطال مغلطاي في رده نعم كرهه بعض الصحابة فقد أخرج ابن أبي شيبة بأسانيد قال ابن حجر صحيحة عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذن لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان يستنجي بالماء وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله ونقل ابن المنير عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ومنع ابن حبيب من المالكية الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم وفيه كما قال الخطابي دليل على وجوب ثلاث مسحات إذ من المعلوم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يرد الوتر الذي هو واحد لأنه زيادة صفة على الاسم ولا يحصل بأقل من واحد فعلم أنه قصد به ما زاد على الواحد وأدناه ثلاث. وقال الطيبي: لعله أراد أن الاستجمار هو إزالة النجاسة بالجمار فلو أريد به المفرد لقال فليستجمر بواحد فلما عدل للوتر [ص: 275] علم أن المراد الإتقاء وذلك لا يحصل بواحد غالبا فوجب حمله على الوتر الذي هو خلاف الشفع ويحصل به النقاء وأقله ثلاث انتهى وعلم بذلك أنه لا تمسك به للحنفية على جوازه بأقل من ثلاث (حم عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن خزيمة وغيره الحديث: 424 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 425 - (إذا استشار أحدكم أخاه) في الدين وذكر الأخ غالبي فلو استشاره ذمي كان كذلك أي طلب منه المشورة يعني استأمره في شيء هل يفعله أو لا وذلك مندوب لمدحه تعالى للأنصار بقوله {وأمرهم شورى بينهم} (فليشر عليه) بما هو الأصلح وإلا فقد خانه كما في خبر رواه الخرائطي وغيره فيجب عليه بذل النصح وإعمال الفكر فإنه مؤتمن فإن بذل جهده فأخطأ لم يغرم كما ذكره الخطابي ولا يشاور في العبادة فإنها خير قطعا على ما قيل لكنه بإطلاقه عليل إذ لو أراد الحج مثلا فتردد في كون تركه له أفضل لكونه حج قبل وكان عالم ذاك القطر وليس ثم من يسد مسده أو أراد الازدياد من الصوم وتردد في كونه ربما عطل عليه ما هو أعم منه نفعا فلا ريب في ندب الاستشارة وقس عليه قال الراغب: والاستشارة استنباط الرأي من غيره فيما يعرض من المشكلات ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد فيها بين فعل وترك ونعمت العدة هي قال علي كرم الله وجهه المشاورة حصن من الندامة وأمن من الملامة وقيل الأحمق من قطعه العجب عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة وكفى بمدحها قوله تعالى {وشاورهم في الأمر} لكن لا يشاور إلا أمينا حاذقا ناصحا مجربا ثابت الجأش غير معجب بنفسه ولا متلون في رأيه ولا كاذب في مقاله فمن كذب لسانه كذب رأيه ويجب كونه فارغ البال وقت الاستشارة (هـ عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو من حديث ابن الزبير عن جابر وقد رمز المؤلف لصحته الحديث: 425 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 426 - (إذا استشاط السلطان) تلهب وتحرق غضبا (تسلط الشيطان) أي تغلب عليه فأغراه بالإيقاع بمن يغضب عليه حتى يوقع به فيهلك فليحذر السلطان من تسلط عدوه عليه فيستحضر أن غضب الله عليه أعظم من غضبه وأن فضل الله عليه أكبر وكم عصاه وخالف أمره ولم يعاقبه ولم يغضب عليه وليرد غضبه ما استطاع ويتيقظ لكيد الخبيث فإنه له بالمرصاد وأخذ منه أن السلطان لا يعاقب من استحق العقوبة حتى يتروى سلطان غضبه لئلا يقدم على ما ليس بجائز ولهذا شرع حبس المجرم حتى ينظر في جرمه ويكرر النظر فقد قال بعض المجتهدين: ينبغي للسلطان تأخير العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه وتعجيل مكافأة المحسن ففي تأخير العقاب إمكان العفو وفي تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة للطاعة (حم طب عن عطية) بفتح أوله وكسر ثانيه ابن عروة (السعدي) له رؤية ورواية قال الهيتمي: رجاله ثقات وذكره في موضع آخر وقال فيه من لم أعرفه وقد رمز المؤلف لحسنه الحديث: 426 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 427 - (إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه) أي إذا استنجى فلا يستنجي بيده اليمنى وسمى الاستنجاء استطابة لتطييبه للبدن بإزالة الخبث الضار كتمه. قال الخطابي: فمعنى الطيب الطهارة ومنه {سلام عليكم طبتم} (ليستنج) بلام الأمر وتسمى لام الطلب لابتدائه وحذف العطف لأن الجملة استئنافية وفي القرآن {لينفق ذو سعة من سعته} (بشماله) لأنها للأذى واليمين لغيره والاستنجاء عند أحمد والشافعي واجب وعند مالك وأبي حنيفة سنة والنهي عنه باليمين للتنزيه وتمسك أهل الظاهر بظاهره فجعلوه للتحريم وفي كلام بعض الشافعية ما يوافقه لكنه ضعيف وعلى التحريم يجزي وقال الظاهرية وبعض الحنابلة لا ومحل الخلاف ما لم تباشر اليد الإزالة بلا حائل وإلا حرم ولم يجز اتفاقا واليسرى في هذا مثلها وشرع الاستنجاء مع الوضوء ليلة الإسراء وقيل أول البعثة حين علمه جبريل الوضوء والصلاة (هـ عن أبي هريرة) قال مغلطاي: هو قطعة من حديث رواه أبو عوانة في صحيحه معناه وفي مسلم ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 427 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 [ص: 276] 428 - (إذا استعطرت المرأة) استعملت العطر أي الطيب الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها (فمرت على القوم) الرجال (ليجدوا) أي لأجل أن يشموا (ريحها) أي ريح عطرها (فهي زانية) أي هي بسبب ذلك متعرضة للزنا ساعية في أسبابه داعية إلى طلابه فسميت لذلك زانية مجازا ومجامع الرجال قلما تخلو ممن في قلبه شدة شبق لهن سيما مع التعطر فربما غلبت الشهوة وصمم العزم فوقع الزنا الحقيقي ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها (3 عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لحسنه الحديث: 428 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 429 - (إذا استقبلتك المرأتان) الأجنبيتان أي صارتا تجاهك (فلا تمر) أي لا تمشي (بينهما) ندبا لأن المرأة مظنة الشهوة وهي أعظم مصائد الشيطان فمزاحمتها تجر إلى محظور ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه (خذ) أي اتخذ طريقا غير البينية (يمنة أو يسرة) بفتح أولهما جواب سؤال مقدر تقديره فكيف أذهب قال: مر عن يمينهما أو عن يسارهما وتباعد عنهما ما أمكن والنهي للتنزيه والأمر للندب ما لم يغلب على الظن أن ذلك يؤدي إلى فتنة فللتحريم وللوجوب (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وإسناده ضعيف الحديث: 429 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 430 - (إذا استكتم) من السواك وهو دلك الأسنان بنحو عود (فاستاكوا عرضا) بفتح أوله وسكون ثانيه أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولا لأنه يجرح اللثة ويدمي ومع ذلك يجزي إلا في اللسان فإنه يستاك فيه طولا لخبر فيه (ص) عن سعيد بن منصور في معجمه الكبير (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) هو أبو محمد القرشي المكي مولاهم أحد الأعلام ورواه أبو داود في مراسيله وعجب للمؤلف كيف أبعد النجعة الحديث: 430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 431 - (إذا استلج) بتشديد الجيم استفعال من اللجاج وهو التمادي في الأمر ولو بعد تبين الخطأ وأصله الاصرار على الشيء مطلقا (أحدكم في اليمين) أي في الشيء المحلوف فيه سمي يمينا لتلبسه بها (فإنه آثم له) بالمد (عند الله من الكفارة التي أمر بها) قال الزمخشري: معناه إذا حلف على الشيء فرأى غيره خير منه ثم لج في إبرارها وترك الحنث والكفارة كان ذلك آثم له من أن يحنث ويكفره انتهى. وقال القاضي: المراد إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كأن أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث لأنه جعل الله لذلك عرضة الامتناع عن البر ومواساة الأهل والاصرار على اللجاج وقد نهي عن ذلك بقوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} الآية قال: وآثم اسم تفضيل أصله أن يطلق للجاج الإثم فأطلقه للجاج الموجب للإثم اتساعا والمراد به أنه يوجب إثم كبير إثم مطلقا لأنه بالإضافة إلى ما نسب إليه من أمر مندوب لا إثم فيه وقيل معناه أنه إن كان يتحرج من الحنث والتأثم فيه ويرى ذلك فاللجاج إثم في زعمه وحسبانه إلى هنا كلام القاضي رحمه الله تعالى. وقال النووي: معناه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله وتضرر بعدم حنثه فالحنث ليس إثما فيحنث ويكفر فإن تورع عن الحنث فهو مخطئ فإدامة الضرر أكثر إثما من الحنث أي في غير محرم فقوله آثم خرج عن المفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم عليه باللجاج أكثر لو ثبت الإثم فهذا خلاصة ما للأئمة الأعلام في هذا المقام فلا يلتفت إلى ما وراءه من الأوهام (هـ عن أبي هريرة) رمز المؤلف لحسنه ورواه عنه الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي ولعل المؤلف لم يستحضره حيث عدل في الأصل لرواية إرساله فعزاه للبيهقي عن عكرمة مرسلا الحديث: 431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 [ص: 277] 432 - (إذا استلقى أحدكم على قفاه) أي طرح نفسه على الأرض ملصقا مؤخر عنقه وظهره بها لاستراحة أو نوم والإلقاء الطرح والقفا مؤخر العنق (فلا يضع إحدى رجليه على الأخرى) حيث لم يأمن من انكشاف شيء من عورته كالمؤتزر فإن أمن كالمتسرول فلا بأس ولو في المسجد لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعله فيه كما رواه البخاري ومسلم وإنما أطلق النهي لأن الغالب فيهم الائتزار لا التسرول وهذا أولى من ادعاء أن الحديث المشروح منسوخ بحديث البخاري لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وإلى معنى ما تقرر أشار بعضهم بقوله وضع إحدى الرجلين على الأخرى نوعان أن يكون رجلاه ممدودتين فلا بأس بوضع إحداهما على الأخرى فإنه لا ينكشف من عورته شيء بهذه الهيئة وأن يكون ناصبا ركبة إحدى الرجلين ويضع الأخرى على الركبة المنصوبة فإن أمن من انكشاف عورته لكونه بسراويل أو لكون إزاره أو ردائه طويلين جاز وإلا فلا (ت عن البراء) بن عازب (حم عن جابر) بن عبد الله (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير خراش العبدي وهو ثقة أه ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 432 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 433 - (إذا استنشقت) أيها المتوضئ بدليل خبر الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا (فاستنثر) ندبا أخرج الماء الذي استنشقت به ليخرج معه ما في الأنف من نحو مخاط ويخرجه بريح الأنف إن لقي إلا فبيده ويسن كونه باليسرى كما في رواية النسائي وذلك لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن ولإزالة ما فيه من الثقل ليفتح مجاري العروق ولما فيه من طرد الشيطان. قال الطيبي: خص الاستنثار لأن القصد خروج الخطايا وهو مناسب للاستنثار لأنه إخراج (وإذا استجمرت) أي مسحت محل النجو بالجمار (فأوتر) بثلاث أو خمس أو أكثر والواجب عند الشافعية ثلاث فإن لم ينق زيد ويسن الإيتار وحملوا الخبر على الوجوب في الثلاث وعلى الندب فيما زاد استعمالا للأمر في حقيقته ومجازه وهو شائع عندهم والاستنشاق إبلاغ الماء إلى خياشيمه والاستنثار استفعال من النثر بنون ومثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتطهر أي يجذبه بريح الأنف لتنظيف ما في داخله فيخرجه ريح أنفه سواء كان بإعانة يده أو لا وحكي عن مالك رحمه الله تعالى كراهة فعله بغير يده لأنه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وقيل الاستجمار هنا مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال الولي العراقي: ويمكن حمل المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يفعل ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وترا ويجمر ثيابه وترا (طب عن سلمة) بفتح المهملة واللام (ابن قيس) الأشجعي ثم الكوفي رمز المؤلف لحسنه الحديث: 433 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 434 - (إذا استيقظ الرجل من الليل) أي انتبه من نومه من الليل أو في الليل أو ليلا فمن تبعيضية أو بمعنى في. قال الولي العراقي: ويحتمل أنها لابتداء الغاية من غير تقدير وهذا معنى التهجد عرفا فإنه صلاة تطوع بعد نوم (وأيقظ أهله) حليلته وزعم أنه شامل للأبوين والولد والأقارب لا يلائم قوله (وصليا) بألف التثنية وفي رواية فقاما وصليا (ركعتين) فأكثر ولفظ رواية أبي داود وابن ماجه قصليا أو صلى ركعتين جميعا قال الطيبي: وقوله جميعا حال مؤكدة من فاعل فصليا على التثنية لا الإفراد لأنه ترديد من الراوي والتقدير فصليا له ركعتين جميعا (كتبا) أي أمر الله الملائكة بكتابتهما (من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن ووعدهم بالغفران أي يلحقان بهم ويبعثان يوم القيامة معهم [ص: 278] ويعطيهما ما وعدوا به ومن تبعيضية فيفيد أن الذاكرين أصناف وهذا من تفسير الكتاب بالسنة فإنه بيان لقوله تعالى {والذاكرين الله كثيرا} قال الزمخشري: الذاكرون الله من لا يكاد يخلو بلسانه أو بقلبه أو بهما عن الذكر والقراءة قال الولي العراقي: وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم الشرعي من الذكر والمعنى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات فحذف لدلالة الظاهر عليه (د ن هـ حب ك عن أبي هريرة) الدوسي (وأبي سعيد) الخدري (معا) ورواه عنه البيهقي أيضا وغيره الحديث: 434 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 435 - (إذا استيقظ) أي انتبه وفي رواية إذا قام (أحدكم) خطاب في عمومه خلف والأصح عدمه لكن العموم هنا بدليل آخر ذكره الطيبي وغيره (من نومه) فائدة ذكره من نومه مع أن الاستيقاظ لا يكون إلا من نوم دفع توهم مشاركة الغشي فيه وفائدة إضافة النوم إلى أحدنا مع أن أحدا لا يستيقظ من نوم غيره الإيماء إلى أن نومه مغاير لنومنا إذ لا ينام قلبه وفيه شمول لنوم النهار وقول ابني جرير وراهويه وداود خاص بنوم الليل لقوله في رواية ابن ماجه إذا استيقظ أحدكم من الليل رده ابن دقيق العيد بأن في ذكر السبب المترتب على النوم ما يشعر بتعميم المعنى والحكم يعم بعموم علته فيكون من مفهوم الموافقة أي الأولوية نعم قال الرافعي الكراهة في نوم الليل أشد لأن احتمال الافضاء فيه أظهر (فلا يدخل) وفي رواية فلا يضع أي ندبا فلو فعل لم يتنجس الماء خلافا لداود والحسن البصري والطبري فعلم أن النهي للتنزيه وصرفه عن التحريم التعليل بأمر يقتضي الشك إذ الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا للطهارة ولهذا قال بعضهم هذا يرده القاعدة المتفق عليها أن التردد لا يوجب العمل بخلاف الأصل وهو الطهارة (يده) مفرد مضاف فيعم كل يد ولو زائده (في الإناء) الذي فيه ماء الوضوء أو الغسل وبين به أن النهي مخصوص بالآنية المعدة للطهر وما فيها ماء قليل بخلاف نحو بركة وحوض إذ لا يخاف فساد مائه بغمس اليد فيه بقرض نجاستها لكثرته (حتى يغسلها ثلاثا) فيكره إدخالها قبل استكمال الثلاث ولا تزول الكراهة بمرة مع تيقن الطهر لها لأن الشارع إذا غيا حكما بغاية وعقبه وصفا مصدرا بالفاء وأن أو بأحدهما كان إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله فلا يخرج عن عهدته إلا باستيفائها فاندفع استشكاله بأنه لا كراهة عند تيقن الطهر ابتداء (فإن) قال الكمال ابن أبي شريف: الفاء فيه لبيان أن ما بعدها علة الحكم (أحدكم لا يدري أين باتت يده) من جسده أي هل لاقت محلا طاهرا أم نجسا كبثرة أو جرح أو محل نجو أو غيرها والتعليل به غالبي إذ لو نام نهارا أو علم أن يده لم تلق نجسا كأن لفها في خرقة أو شك في نجاستها بلا نوم ندب غسلها فقد صح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم غسل يديه قبل إدخالهما الإناء حال اليقظة مع تيقن الطهر فمع الشك أولى لكن القائم من النوم يسن له الفعل ويكره تركه والمستيقظ يسن له الفعل ولا يكره تركه لعدم ورود النهي ذكره ابن حجر كغيره وهو غير معتبر لتصريح أئمة مذهبه بالكراهة فيها وقال الولي العراقي قال الخليل في المغني البيتوتة دخولك في الليل وكونك فيه بنوم وغيره ومن قال بت بمعنى نمت وقصره عليه فقد أخطأ. واعلم أن بات قد يكون بمعنى صار كما في {ظل وجهه مسودا} وذكر غير واحد أن بات هنا بمعنى صار منهم الآمدي وابن عصفور والزمخشري وابن الصائغ وابن برهان فلا يختص بوقت وقال ابن الخباز توهم كثير دلالتها على النوم يبطله قوله تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ويدري من أفعال القلوب وهو معلق عن العمل فيما بعده باسم الاستفهام الذي هو أين وقد أشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يمكن تعلقه بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام فقالوا معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده فيكون فيه مضاف محذوف وليس استفهاما وإن كان صورته صورته والنهي للتنزيه لا للتحريم عند الجمهور ومعقول لا تعبدي خلافا لبعض المالكية والحنابلة وليست الرجل كاليد خلافا لابن حزم لأن اليد آلة الاستعمال والرجل لا تشاركها في الجولان وبفرضه هي أقل جولانا وليس الحكم خاصا بنوم الليل كما مر نعم فرق أحمد بينهما بالنسبة للوجوب وللندب فجعله في نوم الليل واجبا وفي النهار [ص: 279] مندوبا وهو كما قال النووي مذهب ضعيف إذ قوله من نومه اسم جنس فيعم كل نوم وقوله في رواية أخرى من الليل من ذكر بعض أفراد العام ثم قال العراقي وإذا تقرر أن العلة احتمال النجاسة فلا يختص الحكم بحال الانتباه من النوم فمتى شك في طهر يده كره غمسها قبل غسلها ثلاثا وإن لم يكن انتبه من نوم. هذا مذهبنا كالجمهور ومن يرى الحكم تعبديا لا يلحق الشك بالنوم. قال ابن قدامة: ولا فرق بين كون النائم متسرولا أو يده في جراب أو لا لأن الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة لبراءة الرحم قال وغمس بعض اليد ولو بعض أصبع أو ظفر ككلها لوجود العلة وقوله فلا يدخل يده يدل على أنه إذا غسل إحداهما أدخلها وإن لم تغسل الآخرى خلافا لبعض المالكية ولا تجب نية عند غسلهما إلا عند من أوجبه وزعم أنه تعبدي وقوله في الإناء محمول على إناء دون قلتين كما في غالب الأواني وفيه أنه يندب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة فالمحققة أولى إذ المتوهمة لا يحصل الاحتياط فيها بالنضح بل لا بد من الغسل وأن محل الاستنجاء بالحجر لا يطهر بل يعفى عنه بالنسة للصلاة وأن الماء القليل ينجس بوصول نجس إليه وإن قل ولم يغيره لأن الذي يعلق باليد ولا يرى في غاية القلة وأن الغسل سبعا غير عام في جميع النجاسات وهو قول الجمهور خلافا لأحمد والأخذ بالوثيقة العمل بالاحتياط ما لم يخرج إلى الوسوسة واستعمال لفظ الكناية فيما يتحاشى عن التصريح به وغير ذلك واستدل بهذا الحديث على التفريق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وهو جلي وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه ما فيه إذ مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس فيحتمل أن الكراهة بالمتيقن أشد منها بالمظنون فلا دلالة فيه قطعية ذكره ابن دقيق العيد (تتمة) قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكما به أنا أدري أين باتت يدي ياتت في الفراش فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر فليتق امرؤ استخفافا بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله قال النووي: ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا وتواترت الأخبار به وثبت عند الثقات أن رجلا بقرية بلاد بصرى في سنة خمس وستين وست مئة كان سيء الاعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال مستهزئا أعطاك شيخك هذا السواك فأخذه وأدخله في دبره استحقارا له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جروا قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم مات الرجل حالا أو بعد يومين (مالك) في الموطأ (والشافعي) في مسنده (حم ق 4) كلهم في الطهارة عن أبي هريرة واللفظ لمسلم قال المناوي وغيره ولم يقل البخاري ثلاثا انتهى وبه يعرف أن ما أوهمه صنع المؤلف من أن الكل رووا الكل غير صواب فكان عليه تحرير البيان كما هو دأب أهل هذا الشأن الحديث: 435 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 436 - (إذا استيقظ أحدكم من منامه) ليلا أو نهارا (فتوضأ) أي أراد الوضوء. قال ابن أبي شريف: والفاء عاطفة (فليستنثر) بأن يخرج ما على أنفه من أذى بنفسه بعد الاستنشاق. قال القاضي: استنثر حرك النثرة وهي طرف الأنف ويجوز كونها بمعنى نثرت الشيء إذا بذرته. والفاء للجواب (ثلاث مرات) وتحصل سنة الاستنشاق بلا استنثار لكن الأكمل إنما تحصل به (فإن) الفاء لبيان العلة (الشيطان) الظاهر أن المراد الجنس (يبيت) حقيقة أو مجازا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى (على خياشيمه) بخاء وشين معجمة جمع خيشوم فيعول وهو أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو محل الحس المشترك ومستقر الحياة فإذا نام اجتمعت فيه الأخلاط وانعقد المخاط وكل الحس وتشوش حتى ينسد مجاري النفس فيتعرض له الشيطان حينئذ لمحبته محل الأقذار بأضغاث أحلام فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال واستعصى عليه النظر الصحيح وعسر عليه القيام على حقوق الصلاة من نحو خضوع وخشوع هذا هو المراد بالبيتوتة أو أن المراد أن الشيطان يترصد للإنسان في اليقظة ويوسوس له في الأحوال مع سمع وبصر ونطق وغيرها فإذا نام [ص: 280] انسدت تلك المنافذ إلا منفذ النفس من الخيشوم وهو باب مفتوح إلى قبة الدماغ فيبيت دون ذلك الباب وينفث بنفخه ونفثه في عالم الخيال ليريه من الأضغاث ما يكرهه فأرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته أن تمحو باستعمال الطهور على وجه التعبد آثار تلك النفحات والنفثات عن مجاري الأنفاس. وقال في البحر: خص الخيشوم لأن العين باب النظر إلى خلق السماوات والأرض فهو باب العبرة والفم باب الذكر والأذن باب سماع العلم والذكر وليس في الخيشوم شيء من هذه المعاني فكان محل مدخل الشيطان لبدن الإنسان للوسوسة <تنبيه> قال القاضي: هذه الفاآت الثلاث الأولى للعطف والثانية جواب الشرط دخل على الأمر والثالثة فاء السببية دخلت الجملة لتدل على أن ما بعده علة للأمر بالاستنثار (ق ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن خزيمة الحديث: 436 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 437 - (إذا استيقظ أحدكم) أي رجعت روحه لبدنه بعد نومه (فليقل ندبا الحمد لله) أي الثناء على الله سبحانه وتعالى (الذي رد علي روحي) احساسي وشعوري والنوم أخو الموت قال الله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} الآية ومن ثم قيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل (وعافاني) سلمني من الآفات والبلاء (في جسدي) أي بدني وظاهره أنه يقوله وإن كان مريضا أو مبتلى لأنه ما من بلاء إلا وفوقه أعظم منه (وأذن لي بذكره) أي فيه بأن أيقظ قلبي وأجري لساني به وفيه ندب الذكر عند الانتباه من النوم وأفضله المأثور وهو كثير ومنه هذا المذكور (ابن السني) في اليوم والليلة (عن أبي هريرة) قال النووي سنده صحيح. وقال ابن حجر: حسن فقط لتفرد محمد بن عجلان به وهو سيء الحفظ وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وظاهره اقتصاره على ابن السني أنه لم يخرجه أحد من السنة ولا كذلك بل رواه الترمذي والنسائي وقال مغلطاي ليس لحديثي عزو حديث في أحد الستة لغيرها إلا لزيادة ليست فيها أو لبيان سنده ورجاله الحديث: 437 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 438 - (إذا أسلم العبد) أي صار مسلما بإتيانه بالشهادتين وانقياده للأحكام هذا ما في النسخ وفي رواية إذا أسلم الكافر وهذا الحكم يشترك فيه الرجال والنساء فذكره بلفظ المذكر تغليب (فحسن اسلامه) أي قرن الإيمان بحسن العمل وقيل بأن أخلص فيه وصار باطنه كظاهره واستحضر عند عمله قرب ربه منه واطلاعه عليه (يكفر الله عنه) بالرفع لأن إذا وإن كانت أداة شرط لا تجزم إلا في الضرورة واستعمل الجواب مضارعا لأن الشرط بمعنى الاستقبال وإن كانت بلفظ الماضي ذكره ابن حجر وغيره وقال الكرماني: الرواية إنما هي بالرفع وإن جاز الجزم. قال الزمخشري: والتكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة وفي رواية كفر الله فواخى بينهما (كل سيئة كان زلفها) قال الخطابي بالتخفيف وقال النووي بالتشديد أي قدمها من الزلف وهو التقديم وفي رواية النسائي أزلفها أي محى عنه كل خطيئة قدمها على إسلامه بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه لأن الإسلام يجب ما قبله لكن الكلام في خطيئة متعلقة بحق الله تعالى من العقوبات بخلاف الحق المالي نحو كفارة ظهار ويمين وقتل فإنه لا يسقط (وكان بعد ذلك) أي بعد ما علم من المجموع أو بعد حسن الإسلام (القصاص) المقاصصة والمجازاة واتباع كل عمل بمثله والقصاص مقابلة الشيء بالشيء أي كل شيء يعمل يوضع في مقابلة شيء آخر إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهو بالرفع اسم كان ويجوز جعلها تامة وعبر بالمعاصي لتحقق الوقوع ثم فسر القصاص بقوله (الحسنة بعشر أمثالها) مبتدأ وخبر والجملة استئنافية تقديره تكتب بعشر أمثالها كما يدل له خبر: اكتبوها لعبدي عشرا (إلى سبع مئة ضعف) أي [ص: 281] منتهية إلى ذلك وأخذ الماوردي بظاهر الغاية فزعم أن نهاية التضعيف سبع مئة ورد بعموم قوله تعالى {والله يضاعف لمن يشاء} وبخبر البخاري كتب الله له عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة (والسيئة بمثلها) أي فيؤاخذ بها مؤاخذة مثلها فلا يزاد عليها فضلا منه تعالى حيث جعل الحسنة بعشر والسيئة كما هي (إلا أن يتجاوز الله عنها) بقبول التوبة أو بالعفو عن الجريمة قال الطيبي: فقوله السيئة بمثلها هو المراد بالقصاص لأن المثلية معتبرة فيه وأن السيئة هي التي تنقص في الشرع مجازاة بمثل ما فعله من نحو جرح وقتل فيؤخذ الجاني بما جنى منه بغير زيادة انتهى وفي أول الحديث رد على من ينكر زيادة الإيمان ونقصه لأن الحسن تتفاوت درجاته وفي آخره رد على الخوارج المكفرين بالذنوب والمعتزلة الموقنين بخلود المؤمن في النار. وقال ابن حجر: ثبت في جميع الروايات ما سقط في رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام فقيل أسقطه لاشكاله لأن الكافر لا تصح عبادته لفقد النية ورده النووي بأن الذي عليه المحققون بل حكي عليه الإجماع أنه إذا فعل قربة كصدقة وصلة ثم أسلم أثيب عليها. قال ابن حجر: ويحتمل أن القبول يعلق على إسلامه فإن أسلم أثيب وإلا فلا وهذا أقوى (خ ن) وكذا الدارقطني في غرائب مالك والبزار وسمويه والإسماعيلي والحسن بن أبي سفيان (عن أبي سعيد) الخدري وقضية صنيع المؤلف أن البخاري خرجه مسندا وهو ذهول بل علقه فقال: وقال مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد يرفعه انتهى. قال ابن حجر: ولم يوصله في موضع آخر من الكتاب ووصله أبو ذر ورواه سمويه عنه بلفظ إذا أسلم العبد كتب الله له كل حسنة قدمها ومحا عنه كل سيئة أزلفها الحديث: 438 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 439 - (إذا أشار الرجل) أي حمل كما بينته رواية من حمل علينا السلاح (على أخيه) في الإسلام وإن كان أجنبيا (بالسلاح) بالكسر آلة القتال والحرب كسيف وقوس والمراد أنه حمل عليه السلاح ليقتله وكان قصد المحمول عليه قتل الحامل أيضا (فهما على جرف) بالجيم وضم الراء وسكونها وبحاء مهملة وسكون الراء جانب أو طرف (جهنم) أي هما قريب من السقوط فيها (فإذا قتله وقعا فيها جميعا) أما القاتل فظاهر وأما المقتول فلقصده قتل أخيه وفيه أن من نوى معصية وأصر أثم وإن لم يفعلها (الطيالسي) أبو داود (عن أبي بكرة) الثقفي ورواه عنه الطبراني وغيره ورمز المصنف لصحته الحديث: 439 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 440 - (إذا اشتد) أي قوي (الحر فأبردوا) من الإبراد أي الدخول في البرد فالباء في (بالصلاة) للتعدية وقيل زائد أي أدخلوا الصلاة في البرد والمراد صلاة الظهر كما بينته الرواية المارة أي أخروها إلى انحطاط قوة الوهج من حر الظهيرة إلى أن يقع للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة بشروط مر التنبيه عليها وأشار إلى بعض منها بقوله (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي من سطوع حرها وثوران لهبها وانتشاره سميت جهنم لبعد قعرها وهي عربية أو معربة فارسية أو عبرانية واستشكل بأن فعل الصلاة مظنة وجود الرحمة ففعلها مظنة طرد العذاب فكيف أمر بتركها؟ وأجيب بأن وقت صهور الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه وفي رواية البخاري بدل بالصلاة عن الصلاة. قال الكرماني: والباء هي الأصل وأما عن ففيه تضمين معنى التأخير أي تأخروا عنها مبردين وقيل هما بمعنى وعن تطلق بمعنى الباء كرميت عن القوس أي بها وقال اليعمري والولي العراقي عن بمعنى الباء أو زائدة أي أبردوا الصلاة (حم ق 3 عن أبي هريرة حم ق د ت عن أبي ذر ق عن ابن عمر) بن الخطاب قال المؤلف: والحديث متواتر الحديث: 440 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 [ص: 282] 441 - (إذا اشتد كلب) بالتحريك (الجوع) في القاموس الأكل الكثير بلا شبع الظاهر أن لفظ الكلب هنا مقحم للتأكيد (فعليك) يا أبا هريرة والحكم عام (برغيف) فعيل بمعنى مفعول إذ الرغيف جمعك العجين تكتله بيدك مستديرا ذكره الزمخشري قال: ومن المجاز وجه مرغف غليظ (وجر) بفتح الجيم منونا جمع جرة إناء معروف (من ماء القراح) كسحاب الخالص الذي لا يشوبه شيء (وقل) لنفسك مزهدا لها بلسان القال أو الحال بأن تجرد منها نفسا تخاطبها بقولك (على) متاع (الدنيا وأهلها الدمار) بفتح المهملة وخفة الميم الهلاك يعني أنزلهم منزلة الهالكين فلا أنزل بهم حاجاتي ولا أتواضع لهم لغناهم لأنهم في نفس الأمر لا يقدرون على شيء فليس المراد الدعاء عليهم بالهلاك بل أنزلهم منزلة الموتى الهلكى فإن من هلك لا يقدر على شيء وكذا الدنيا وأهلها. والقصد الحث على التقنع باليسير والزهد في الدنيا والإعراض عن شهواتها (عد هب عن أبي هريرة) وفيه الحسين بن عبد الغفار قال الدارقطني متروك والذهبي متهم وأبو يحيى الوقاد قال الذهبي كذاب الحديث: 441 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 442 - (إذا اشتد الحر فاستعينوا) على دفع أذاه (بالحجامة) لغلبة الدم حينئذ (لا يتبيغ) أي لئلا يهيج (الدم بأحدكم فيقتله) وفيه حث على التداوي فهو سنة ولو بالحجامة وذلك لا ينافي التوكل كما مر ويأتي (ك) في الطب (عن أنس) وقال صحيح وأقره الذهبي وهو مما بيض له الديلمي الحديث: 442 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 443 - (إذا اشترى أحدكم بعيرا) بفتح الموحدة وقد تكسر وعبر به دون الجمل لأن البعير يشمل الأنثى بخلافه وقصده التعميم (فليأخذ) ندبا عند تسلمه (بذروة) بالضم والكسر (سنامه) أي بأعلى علوه وسنام كل شيء أعلاه وقوله فليأخذ يحتمل أن المراد به فليقبض على سنامه بيده والأولى كونها اليمنى ويحتمل أن المراد فليركبه (وليتعوذ بالله من الشيطان) الرجيم لأن الإبل من مراكب الشيطان فإذا سمع الاستعاذة فر. وظاهر الحديث أنه يقتصر على الاستعاذة لكن في حديث آخر ما يفيد أنه يندب الإتيان معها بالبسملة وفي آخر أنه يدعو بالبركة روى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشترى أحدكم الجارية فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وليدع بالبركة وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليدع بالبركة وليقل مثل ذلك انتهى هذا ويحتمل أن الأمر بالاستعاذة إنما هو لما في الإبل من العز والفخر والخيلاء كما يأتي إن شاء الله تعالى فهو استعاذة من شر ذلك الذي يحبه الشيطان ويأمر به ويحث عليه والاشتراء بذل الثمن لتحصيل عين فإن كان أحد العوضين ناضا فهو الثمن وإلا فبأي العوضين تصور بصورة الثمن فباذله مشتر وآخذه بائع ولهذا عدت الكلمتان من الأضداد ويستعار للإعراض عما بيده محصلا به غيره من المعاني أو الأعيان وقد يتسع فيه فيستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره (د) في النكاح (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المؤلف لحسنه قال في الفردوس وفي الباب أبو هريرة رضي الله عنه الحديث: 443 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 [ص: 283] 445 - (إذا اشترى أحدكم لحما) فطبخه (فليكثر مرقته) بفتح الراء وقد تسكن والأمر ندبي أو إرشادي (فإن لم يصب أحدكم لحما) أي شيئا منه لكثرة الآكلين (أصاب مرقا وهو أحد اللحمين) لأنه ينزل منه في المرق بالغليان قوت يحصل به الغذاء قال الحافظ العراقي واشترى خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له فالحكم كذلك إن اشترى له أو أهدى له أو تصدق به عليه وغير ذلك ففي كل ذلك يستحب طبخه لإكثار المرق وفيه أن اللحم المطبوخ أفضل من المشوي لعموم نفعه بل قال بعضهم إن في أكل المشوي ضررا من جهة الطب وفيه إيماء إلى الحث على مواساة العيال والإخوان والجيران ومنع الاستبداد وفيه شجاعة للنفس عن تجنب البخل وأن لا يلتفت إلى وعد الشيطان ذهاب الغنى وإتيان الفقر وحث على القناعة والاكتفاء بما تيسر (ت ك) في الأطعمة (هب) كلهم (عن عبد الله المزني) قال الترمذي غريب وقال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد بن فضالة الأزدي ضعفوه ورواه البيهقي وزاد وليغرف للجيران الحديث: 445 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 446 - (إذا اشتريت نعلا) أي حذاء يقي قدمك من الأرض قال في المصباح ويطلق على التاسومة ويظهر أن يلحق به الخف (فاستجدها) بسكون الدال الخفيفة أي اتخذها جيدة كما يدل له خبر إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا وأن تكون نعله حسنة لا من الجديد المقابل للقديم وإلا لقال استجدها بالتشديد والرواية بخلافه (وإذا اشتريت ثوبا) قميصا أو جبة أو عمامة أو رداء (فاستجده) فيه العمل المقرر والأمر إرشادي والظاهر أن المراد باستجادة النعل أو الثوب كونه صفيقا محكم الصنعة يبقى مدة مديدة للانتفاع به عادة لا كونه من نعال أو ثياب المترفين المتصلفين المبالغين في التعمق في التزين (طس عن أبي هريرة وعن ابن عمر بزيادة وإذا اشتريت دابة) أي إذا أردت شراء دابة للركوب من فرس أو بعير أو بغل أو حمار (فاستفرهها) بهمزة وصل أي اجتهد أن تكون ذات نشاط وخفة وسرعة يقال حمار وبرذون فاره بين الفروهة والفراهة والفره النشاط والخفة والأمر إرشادي (وإذا كانت عندك كريمة قوم) أي زوجة أو سرية كريمة من قوم كرام (فأكرمها) بأن تفعل بها ما يليق بمنصب آبائها وعصباتها وخص المذكورات لأن عليها مدار نظام الأمور الدنيوية وألزم الأشياء للإنسان قال الهيتمي فيه أبو أمية بن يعلى وهو متروك الحديث: 446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 447 - (إذا اشتكى المؤمن) أي أخبر عما يقاسيه من ألم المرض هذا أصله والمراد هنا إذا مرض سمى المرض شكوى لأنه يشكو منه غالبا إلى غيره وقوله المؤمن إشارة إلى البالغ في الإيمان الذي كملت فيه أخلاقه لأنه الذي يتلقاه بحسن صبر ورضا (أخلصه) ذلك (من الذنوب) أي الصغائر قياسا على النظائر (كما تخلص الكير خبث الحديد) أي صفاه تألمه بمرضه من ذنوبه كتصفية الكير للحديد من الخبث فإسناد التصفية إلى المرض مجازية كأنبت الربيع البقل فإن أسند الفعل إلى الله فهو على الحقيقة قال الحراني: وهذا فيما إذا تلقى العبد المرض على أنه طهرة وكفارة فحينئذ ينشيء الله له التصبر فيعاجله بفضل الله الشفاء ويبدل عوض ما أخذه المرض الصحة المباركة والخلق الأطيب كما يحقق بالتجربة لذوي البصائر وقال الحكيم الترمذي: المريض قد توسخ وتدنس وتكدر طيبه فأبى الله أن يضيعه فسلط عليه السقم حتى إذا تمت مدة التمحيص خرج منها كالبردة في الصفاء وفي وجهه طلاوة وحلاوة وقد تقدم أمر الله إلى العباد أن يحفظوا جوارحهم عن الدنس ليصلحوا لجوار القدس فتركوا الرعاية وضيعوا الحفظ فدلهم على [ص: 284] أن يتطهروا بالتوبة فلم يفعلوا وأصروا على جهد من نفوسهم الشهوانية ثم دعاهم إلى الفرائض ليتطهروا بها فخلطوها وغشوها وأدوها على النقصان والوسوسة والمكاسب الرديئة فلم تكن مطهرة لهم إذ لا تطهر النجاسة بالنجاسة ولا ينقى الدنس بالوسخ فلما رأى حالتهم هذه رحمهم فداواهم بالأسقام ليطهرهم فإذا قابل المريض ذلك بالصبر أخرجه صافيا طاهرا (خد حب طس عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الهيتمي رجاله ثقات إلا أني لم أعرف شيخ الطبراني الحديث: 447 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 448 - (إذا اشتكيت) أي مرضت (فضع يدك حيث تشتكي) على الموضع الذي يؤلمك ولعل حكمة الوضع أنه كبسط اليد للسؤال (ثم قل) ندبا (بسم الله) ظاهره أنه لا يزيد الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد البسملة بكمالها (أعوذ) أي أعتصم بحضور قلب وجمع همة. قال الزمخشري: والعياذ واللياذ من واد واحد (بعزة الله وقدرته من شر ما أجد) زاد في رواية لابن ماجه وأحاذر (من وجعي هذا) أي مرضي وألمي هذا تأكيد لطلب زوال الألم وأخر التعوذ لاقتضاء المقام ذلك (ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك) أي الوضع والتسمية والاستعاذة بهذه الكلمات (وترا) أي ثلاثا كما بينه في رواية مسلم وفي حديث آخر سبعا كما يأتي إن شاء الله تعالى وفي أخرى التسمية ثلاثا والاستعاذة سبعا يعني فإن ذلك يزيل الألم أو يخففه بشرط قوة اليقين وصدق النية ويظهر أنه إذا كان المريض نحو طفل أن يأتي به من يعوذه ويقول من شر ما يجد هذا ويحاذر وإطلاق اليد يتناول اليسرى فتحصل السنة بوضعها لكن الظاهر من عدة أحاديث تعين اليمنى للتيمن أي إلا لعذر. فإن قلت لم عبر بالوضع دون الألم؟ قلت: إشارة إلى ندب الذكر المذكور وإن لم يكن المرض شديدا إذ الألم كما قال الراغب: الوجع الشديد فلو عبر به اقتضى أن الندب مقيد بما إذا اشتد الوجع وأنه بدون الشدة غير مشروع وهذا الحديث من الطب الروحاني <تنبيه> قال بعض العارفين الحكمة في كون الرقي سبعا وأنواع التعوذات سبعا ما اجتمع فيه من فردية الأزواج في وتر الباء والسين والعين وزوجية الأفراد في شفع الواحد والثلاث والخمس والسبع بحروفها وهو الألف والجيم والهاء والزاي فتثلثت فيه الأزواج وتربعت فيه الأفراد فكمال السبع كمال عالم الابتداع فكان مجموع السبع كمالا للحكمة وحجابا للأحدية فوقع انحصار الأمر في عالم السبع ورد نحو هذا الحديث (ت ك) في الطب (عن أنس) رضي الله تعالى عنه قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وكما ورد ذلك من قوله ورد من فعله ففي مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص كان يضع يده على الذي يألم من جسده ويقول بسم الله ثلاثا ويقول أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر قال الطيبي: يتعوذ من وجع ومكروه أو مما يتوقع حصوله في المستقبل من حزن وخوف قال والحذر الاحتراز عن مخوف الحديث: 448 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 449 - (إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا) يأكله (فليطعمه) ما اشتهاه ندبا حيث لم يقطع بعظم ضرره له لأن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي وكان فيه ضرر ما: كان أنفع مما لا يشتهيه وإن كلن نافعا في نفسه فإن صدق شهوته ومحبته الطبيعية له يدفع ضرره وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع قد يجلب له منها ضررا وبهذا التوجيه الوجيه يعرف أنه لا حاجة لقول الطيبي هذا إما بناء على التوكل وأنه تعالى هو الشافي أو أن المريض قد شارف الموت انتهى. ومن البين الذي لا يستراب فيه أن اللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحد الوجوه لكن الكلام في شيء قليل يكسر حدة الشهوة أما الاكثار فالحذر الحذر (هـ عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما قال: عاد المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: ما تشتهي قال: خبز بر فقال: من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ثم ذكره وفيه صفوان ابن هبيرة ضعفه الذهبي وقال شيخ بصري لا يعرف الحديث: 449 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 [ص: 285] 450 - (إذا أصاب أحدكم مصيبة) شدة ونازلة وهي وقوع ما لا يوافق غرض النفس من المكروه فال أبو البقاء: وياؤه منقلبة عن واو لأنها من صاب يصوب إذا نزل وجمعها مصائب على غير قياس وقياسه مصاوب (فليقل) ندبا وعند الصدمة الأولى آكد (إنا) معشر الخلائق (لله) الملك المحيط الذي نحن وأهلونا وأموالنا عبيد له (وإنا إليه) يوم انفراده بالحكم لا إلى غيره (راجعون) بالبعث والنشر والمراد أن جميع أمورنا لا يكون شيء منها إلا به (اللهم عندك) قدم للاختصاص أي لا عند غيرك فإنه لا يملك الضر والنفع إلا أنت (أحتسب) أدخر ثواب (مصيبتي) في صحائف حسناتي (فآجرني) بالمد والقصر يقال آجره يؤجره أثابه وكذا أجره يأجره والأمر منهما آجرني بهمزة قطع ممدودة وكسر الجيم كأكرمني وأجرني كأنصرني (فيها وأبدلني بها خيرا منها) والباء داخلة على المتروك تشبيها للابدال بالتبدل يعني أثبني بهذه المصيبة أي اجعل لي بدل ما فاتني شيئا آخر أنفع منه. وقال ابن القيم: وذا من أبلغ علاج المصاب وأنفعه في عاجلته وآجلته لتضمن ذلك لأصلين عظيمين إذا استحضرهما المصاب سهلاها: هما أن العبد وملكه ملك الله حقيقة وهو عند العبد عارية وأن مرجع العبد إلى مولاه الحق ولا بد أن يخلف الدنيا وراءه ويأتيه فردا ومن هذا غايته كيف يفرح بموجود أو يأسف على مفقود وقد عد بعضهم الاسترجاع من خصائص هذه الأمة لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما أصابه ما أصابه لم يسترجع بل قال {يا أسفا على يوسف} وأنت خبير بأنه لا شاهد فيه لأنه بعد إرخاء العنان وفرض تسليم أنه لم يقله لا يلزم أن غيره من الأنبياء وأممهم لم يشرع لهم فظاهر قوله فليقل أن المراد به مرة واحدة فورا وذلك في الموت عند الصدمة الأولى لكن يأتي في خبر أنه إذا تذكر المصيبة بعد زمن طويل فاسترجع أجرى له أجرها فيحمل ما هنا على الآكد (د) في الجنائز (ك عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها هي بفتح المهملة واللام بنت أمية أم المؤمنين واسمها هند المخزومية وكانت ذات جمال بارع قالت لما احتضر أبو سلمة قال اللهم اخلفني في أهلي خيرا مني فلما قبض قلت إنا لله إلى آخره قال الترمذي حسن غريب الحديث: 450 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 451 - (إذا أصاب أحدكم هم) أطلق القاموس إنه الحزن وقال التوربشتي أنه الحزن الذي يذيب الإنسان قال والحزن خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم أخذا من حزونة الأرض وعليه فالهم أخص وأبلغ من الحزن وقيل الهم مختص بالآتي والحزن بالماضي وقال المظهر الغم الحزن الذي يغم الرجل أي يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل منه (أو لأواء) بفتح فسكون فمد: شدة وضيق معيشة (فليقل) ندبا (الله الله) وكرره استلذذا بذكره واستحضارا لعظمته وتأكيدا للتوحيد فإنه الاسم الجامع لجميع الصفات الجلالية والجمالية والكمالية (ربي) أي المحسن إلي بإيجادي من العدم وتوفيقي لتوحيده وذكره والمربي لي بجلائل نعمه والمالك الحقيقي لشأني كله ثم أفصح بالتوحيد وصرح بذكره المجيد فقال (لا أشرك به شيئا) وفي رواية لا شريك له أي في كماله وجلاله وجماله وما يجب له وما يستحيل عليه والمراد أن ذلك يفرج الهم والغم والضنك والضيق إن صدقت النية وخلصت الطوية (تتمة) وقع أن عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم المحدث الراحلة رضي الله تعالى عنه أسرته الروم في جماعة في البحر وساروا به إلى قسطنطينية فرفعوه إلى الطاغية فبينما هم في حبسه إذ غشيهم عيد فأقبل عليهم فيه من الحار والبارد ما يفوق المقدار إذ دخلت امرأة نفيسة على الملك وأخبرت بحسن صنيعه بالعرب فمزقت ثيابها ونثرت شعرها وسودت وجهها وأقبلت نحوه فقال: مالك. قالت: إن العرب قتلوا ابني وأخي وزوجي وتفعل بهم الذي رأيت فأغضبه فقال: علي بهم فصاروا بين يديه مسمطين فضرب السياف عنق واحد واحد حتى قرب من عبد الرحمن فحرك شفتيه فقال: الله الله ربي لا أشرك به شيئا فقال: [ص: 286] قدموا شماس العرب أي عالمهم فقال: ما قلت فأعلمه فقال: من أين علمته فقال: نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا به فقال: وعيسى عليه الصلاة والسلام أمرنا بهذا في الإنجيل فأطلقه ومن تبعه (طس عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من بني هاشم هل معكم أحد من غيركم. قالوا: لا إلا ابن أختنا ومولانا فذكره رمز المؤلف لحسنه مع أن فيه محمد بن موسى البربري قال في الميزان: عن الدارقطني غير قوي وفي اللسان ما أحد جمع من العلم ما جمع وكان لا يحفظ إلا حديثين انتهى لكن له شواهد الحديث: 451 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 452 - (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر) أي يتذكر (مصيبته بي) أي بفقدي من بين أظهر هذه الأمة وانقطاع الوحي والإمداد السماوي (فإنها من أعظم) وفي رواية من أشد (المصائب) بل هي أعظمها بدليل خبر ابن ماجه إن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي وكونها من أعظم لا ينافي كونها أعظم إذ بعض الأعظم قد يكون أعظم بقية أفراده. ألا ترى إلى قول أنس رضي الله تعالى عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم خلقا إجماعا ولم ينتبه لهذا من تكلف وزعم زيادة من وإنما كانت أعظم المصائب لانقطاع الوحي وظهور الشر بارتداد العرب وتحزب المنافقين وكان موته أول نقصان الخير قال أنس رضي الله تعالى عنه ما نفضنا أيدينا من التراب من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ومن أحسن ما كتب بعضهم لأخيه يعزيه بابنه ويسليه قوله: اصبر لكل ملمة وتجلد. . . واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا ذكرت محمدا ومصابه. . . فاذكر مصابك بالنبي محمد مقصود الحديث أن يذكر المصاب وقوع المصيبة العظمى العامة بفقد المصطفى صلى الله عليه وسلم يهون عليه ويسليه فلا ينافي ذلك الخبر الآتي إن الله إذا أراد رحمة أمة قبض نبيها قبلها لاختلاف الاعتبار (عد هب عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وفيه قطر بن خليفة الذهبي عن السعدي زائغ وشرحبيل بن سعد متهم (طب عن سابط) ابن أبي حميصة بن عمر القرشي (الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم وكسر المهملة نسبة إلى بني جمح بطن من قريش وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد ضعيف ولذلك رمز المؤلف لضعفه لكن له شواهد الحديث: 452 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 453 - (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح قال في الكشاف الإصباح بمعنى الصيرورة (آمنا) بالمد أي ذا أمن (في سربك) بكسر أوله المهمل أي نفسك وبفتحات مسلكك وطريقك (معافى في بدنك) من أنواع البلايا وصنوف الرزايا (عندك قوت يومك) أي مؤنتك ومؤنة من تلزمك نفقته ذلك اليوم (فعلى الدنيا العفاء) بالفتح والتخفيف الدروس وذهاب الأثر وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في التقلل منها والاكتفاء بالكفاف وهذا من أقوى أدلة من فضل الفقر على الغنى (هب عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفيه سلام بن سليم عن إسماعيل بن رافع قال العلائي: ضعيفان جدا وقال الذهبي إسماعيل ضعيف متروك لكن له شواهد منها للبخاري في الأدب المفرد الحديث: 453 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 454 - (إذا أصبح ابن آدم) دخل في الصباح (فإن الأعضاء) جمع عضو بضم العين وكسرها كل عظم وافر بلحمه (كلها) تأكيد لدفع توهم عدم إرادة الشمول (تكفر اللسان) تذل وتخضع له من قولهم كفر اليهودي إذا خضع وطأطأ رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه مأخوذ من الكافرة وهي الكاذبة التي هي أصل الفخذ ذكره القاضي وأصله للزمخشري [ص: 287] حيث قال وهو من تكفير الذمي وهو أن يطأطئ رأسه ويحني ظهره كالراكع عند تعظيم صاحبه قال: تكفر باليدين إذا التقينا. . . وتلقى من مخافتنا عصاكا كأنه من الكافرتين وهما الكاذبتان لأنه يضع يديه عليهما أو ينثي عليهما أي يحكي في ذلك من يكفر شيئا أي يغطيه ويستره انتهى (فتقول) أي بلسان الحال وزعم أن المراد لسان القال جمود (اتق الله فينا) أي خفه في حفظ حقوقنا فلا تقتحم منهيا فيهلك معك (فإنما نحن بك) أي نستقيم ونعوج تبعا لك (فإن استقمت) أي اعتدلت على الصراط المستقيم (استقمنا) اعتدلنا وفي التنزيل {وكان بين ذلك قواما} أي عدلا (وإن اعوججت) ملت عن الاعتدال (اعوججنا) ملنا عنه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: المعنى فيه أن نطق اللسان يؤثر في أعضاء اإنسان بالتوفيق والخذلان فاللسان أشد الأعضاء جماحا وطغيانا وأكثرها فسادا وعدوانا ويؤكد هذا المعنى قول مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك قال الطيبي: وهذا لا تناقض بينه وبين خبر إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد إلى آخره لأن اللسان ترجمان القلب وخليفته في ظاهر البدن فإذا أسند إليه الأمر فهو مجاز في الحكم كقولك سقى الطبيب المريض الدواء قال الميداني: المرء بأصغريه قلبه ولسانه أي تقوم معانيه بهما قال الشاعر: لسان الفتى نصف فؤاده. . . فلم يبق إلا صورة اللحم والدم (ت) في الزهد (وابن خزيمة) في صحيحه (هب عن أبي سعيد) الخدري قال العراقي: ووقع في الإحياء عن سعيد بن جبير مرفوعا وإنما هو عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد ورواه الترمذي موقوفا على حماد وقال هذا أصح ومع ذلك إسناد الرفع جيد لكن الموقوف أجود والله أعلم الحديث: 454 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 455 - (إذا أصبحتم) أي قاربتم الدخول في الصباح والصباح أول النهار وهو من طلوع الفجر وقبل الشمس والمساء من الغروب وقبل الزوال لكن في ذيل فصيح ثعلب للبغدادي الصباح من نصف الليل الأخير إلى الزوال والمساء منه إلى آخر نصف الليل الأول (فقولوا) ندبا (اللهم بك) قدمه للاختصاص والباء للاستعانة أو المصاحبة أو السببية أي بسبب إنعامك علينا بالإيجاد والإمداد (أصبحنا وبك أمسينا) دخلنا في المساء والباء تتعلق بمحذوف وهو خبر أصبح ولا بد من تقدير مضاف أي أصبحنا وأمسينا متلبسين بنعمتك أو بحياطتك وكلاءتك أو بذكرك واسمك (وبك نحيا وبك نموت) حكاية عن الحال الآتية أي يستمر حالنا على هذا في جميع الأزمان وسائر الأحيان إلى أن نلقاك (وإليك) لا إلى غيرك (المصير) المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا (هـ وابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه تبعا للترمذي وله شواهد ترقيه إلى الصحة فإنه كما ورد من قوله ورد من فعله روى أبو داود والترمذي أنه كان يقول ذلك إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى قال اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير انتهى وبه يعلم أن في الحديث المشروح اختصارا الحديث: 455 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 456 - (إذا اصطحب) أي تلازم وكل شيء لازم شيئا فقد اصطحب (رجلان مسلمان) ذكر الرجل غالبي فالانثيان والرجل مع محرمه أو حليلته كذلك (فحال) أي حجز (بينهما شجر) هو ما له ساق صلب يقوم به والمراد هنا ما يمنع الرؤية (أو حجر) بالتحريك أي صخرة (أو مدر) جمع مدرة كقصبة تراب ملبد أو قطع طين يابسة أو نحو ذلك (فليسلم [ص: 288] أحدهما على الآخر) لأنهما يعدان عرفا متفرقين (ويتباذلوا) بذال معجمة من البذل أي والعطاء أي يعطي كل منهما لصاحبه والقياس يتباذلا ولعله إشارة إلى أن الاثنين مثال وأن الجماعة كذلك (السلام) ندبا للمبتدئ ووجوبا للراد ومثل الاثنين فيما ذكر الجمع وفيه أن السلام يتكرر طلبه بتكرر التلاقي ولو على قرب جدا ويندب إذا التقى اثنان أن يحرص كل منهما على أن يكون البادئ بالسلام وأن يسلم الراكب على الماشي والماشي على الواقف والصغير على الكبير والقليل على الكثير وإن عكس فخلاف السنة لا مكروه (هب عن أبي الدرداء) رضي الله عنه وفيه بقية رجاله مشهور ولكن له شواهد وذكر بعضهم أن المؤلف رمز لحسنه ولم أره في خطه الحديث: 456 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 457 - (إذا اضطجعت) أي وضعت جنبك على الأرض (فقل) ندبا (بسم الله) أي أضع جنبي والباء للمصاحبة أو للملابسة ويظهر أن الأكمل كمال التسمية (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته والتأنيث للتعظيم (التامة) الخالية عن التناقض والاختلاف (من غضبه) سخطه على من عصاه وإعراضه عنه (وعقابه) عقوبته (ومن شر عباده) من أهل الأرض وغيرهم (ومن همزات الشياطين) نزغاتهم ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين (وأن يحضرون) أي يحومون حولي في شيء من أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء وفي القاموس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فسر همزات الشياطين باللموم أي الجنون وفيه ندب التعوذ والذكر عند النوم قال بعضهم: ومن فوائد هذه الاستعاذة أن المحافظ عليها لا يلدغه عقرب كما في حديث يأتي وقد أشير إلى بعضها في القرآن بقوله تعالى {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} الآية (أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر المهملة أوله (في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عمرو) بن العاص وهو كما في الأصل من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث: 457 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 458 - (إذا أطال أحدكم الغيبة) في سفر أو غيره ومن قيد بالسفر فكأنه لم ينتبه لما نقله هو عن أهل اللغة الآتي على الأثر ومرجع الطول العرف (فلا يطرق) بفتح أوله وفي رواية للشيخين فلا يطرقن (أهله) أي لا يفجأ حلائله بالقدوم عليهم بالليل لتفويت التأهب عليهم. والطروق المجيء بالليل من سفر أو غيره من الطرق وهو الدق سمى الآتي بالليل طارقا لحاجته إلى دق الباب قالوا: ولا يقال في النهار إلا مجازا فقوله (ليلا) للتأكيد دفعا لمجاز استعمال الطرق في النهار ولا ينافيه خبر البخاري عن جابر كنا في غزوة فلما قفلنا ذهبنا لندخل فقال صلى الله عليه وسلم أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة لأن الأمر بالدخول ليلا لمن علم أهله بقدومه فاستعدوا والنهي لمن فاجأ قبل ذلك وأفهم تقييده بالطول أنه لو قرب سفره بحيث تتوقع حليلته إتيانه فتتأهب أنه لا يكره. وبه جزم جمع منهم الطيبي وجرى عليه ابن حجر حيث قال: التقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ والحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجة مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأدى به له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة لم يكن مثله أه. فقول الزين زكريا: الطول ليس بقيد غير جيد كيف والحديث مصرح به والعلة تقتضيه. قال الطيبي: وكذا لو كان في قفل أو عسكر عظيم واشتهر قدومهم تلك الليلة لزوال العلة المقتضية للكراهة وهي عدم تأهب حليلته [ص: 289] فيعافها وقول ابن حجر: أو يجدها على حالة غير مرضية والشرع أمرنا بالستر وعدم تطلب العثرات غير مرضي إذ على الإنسان شرعا وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل بيته فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها ولا يقول عاقل فضلا عن عالم فاضل أن الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته وإهمال النظر في دواخل أحوالهم ليتمكنوا من فعل ماشاؤوا من ضروب الفساد ويستمر ذلك مستورا عليه واستكشافه لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب فإنه إن رأى ريبة كتمها وفارق أهله أو أدب سرا وحسم طريق الفساد (حم ق عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو داود والنسائي وغيرهما الحديث: 458 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 459 - (إذا اطمأن الرجل إلى الرجل) أي سكن قلبه بتأمينه له وذكر الرجل غالبي فالمرأة كذلك (ثم قتله بعد ما اطمأن إليه) بغير مقتض والمراد أنه أمنه ثم غدره (نصب) أي رفع (له) بالبناء للمفعول لتذهب النفس كل مذهب تهويلا للأمر وتفخيما للشأن (يوم القيامة) خصه وإن كان قد يعاقب في الدنيا لأن ما يسوء إذا ظهر في جمع كان أوجع للقلب وأعظم تنكيلا (لواء) بمد وكسر أي علم (غدر) يعرف به في ذلك الموقف الأعظم تشهيرا له بالغدر على رؤوس الأشهاد فلما كان إنما يقع مكتوما مستورا اشتهر صاحبه بكشف ستره لتتم فضيحته وتشيع عقوبته وذكر في رواية أخرى أن ذلك اللواء ينصب عند أسته مبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته وعلى هذا فاللواء حقيقي وقيل هو استعارة قال بعضهم والمشهور أن هذا الغدر والقتل والحروب من نقض عهد وأمان (ك عن عمرو بن الحمق) بفتح المهملة وكسر الميم ثم قاف ابن كاهل ويقال كاهن الخزاعي هاجر للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية ثم سكن مصر ثم الكوفة وهو ممن ثار على عثمان وأحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار الحديث: 459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 460 - (إذا أعطى الله أحدكم خيرا) أي مالا (فليبدأ) وجوبا (بنفسه) أي بالإنفاق منه على نفسه لأنه المنعم عليه به (وأهل بيته) يعني من يلزمه مؤنتهم فإن ضاق قدم نفسه كما مر والخير المال أو الكثير أو الطيب قال الراغب: سمي خيرا إشارة إلى أن المال الذي يحسن الإنفاق منه ما جمع من وجه محمود (حم) مطولا (م) في المغازي من حديث طويل (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنه بفتح السين وضم الميم وقد تسكن له ولأبيه صحبة ولم يذكر البخاري هذه القضية التي اقتصر عليها المؤلف الحديث: 460 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 461 - (إذا أعطي أحدكم الريحان) هو كما في المفردات ما له رائحة طيبة وفي المصباح كل نبت مشموم طيب الريح لكنه إذا أطلق عند العامة يراد به نبات مخصوص والمراد به هنا التعميم (فلا يرده) بضم الدال على الأفصح الأبلغ لأن الخبر من الشارع آكد في النهي من النهي صريحا ندبا فإن قبوله محبوب (فإنه خرج من الجنة) أي كأنه خرج منها فهو على التشبيه فإن ريحان الجنة لا يتغير ولا ينقطع ريحه ويمكن إجراؤه على ظاهره ويدعى سلب خاصيته ويجئ في خبر أنه ليس في الدنيا شيء يشبه ما في الجنة إلا في الاسم ويحتمل أن يراد بالجنة ما التف من الشجر أي أنه خارج من الأشجار الملتفة فلا مؤنة في بذله ولا منة في قبوله (د في مراسيله ت) في الاستئذان من حديث حنان بحاء مهملة ونونين (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشد اللام ابن عمرو بن عدي (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة مخضرم عابد من كبار التابعين (مرسلا) وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف حنان إلا في هذا الحديث وأبو عثمان أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فمن ثم عد حديثه في المراسيل الحديث: 461 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 [ص: 290] 462 - (إذا أعطيت) بضم الهمزة بضبط المؤلف (شيئا) من جنس المال (من غير أن تسأل) فيه (فكل) منه أي اقبله وانتفع به في مؤنتك ومؤنة أهلك وغير ذلك وإن كان من السلطان إن لم يغلب الحرام فيما في يده والحاصل أنه إن علم حرمة المال حرم قبوله أو حله جاز وكذا إن شك لكن الورع تركه وعبر بالأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع (وتصدق) منه بين به أن شرط قبول المبذول كونه حلالا لأن الصدقة لا تكون صدقة متقبلة إلا منه فشرط قبول المبذول علم حله كما تقرر أي باعتبار الظاهر والحاصل أنه عند الجهل لا يلزم البحث عن الأصول فقد وقع للشاذلي وهو إمام في الروع أنه جاع وصحبه أياما فبعث لهم بعض عدول الاسكندرية بطعام فمنع الشيخ جماعته منه فطووا فلما أصبح قال كلوه قيل لي الليلة أحل الحلال ما لم يخطر لك ببال ولا سألت فيه أحدا من نساء أو رجال وقال ياقوت عزم علي إنسان وقدم لي طعاما فرأيت عليه ظلمة كالمكبة فقلت هذا حرام ولم آكل فدخلت على المرسي فقال من جهلة المريدين من يقدم له طعام فيرى عليه ظلمة فيقول هذا حرام يا مسكين ما يساوي ورعك بسوء ظنك بأخيك المسلم هلا قلت هذا طعام لم يردني الله به (م دن عن عمر) بن الخطاب قال استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمالة فأديتها فأمر لي بعمالتي فقلت إنما عملت لله فذكره وفيه جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين سواء كانت لدين أو دنيا كقضاء وحسبة لكن بشروط الحديث: 462 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 463 - (إذا أعطيتم الزكاة) المالية أو البدنية فلا (تنسوا ثوابها) أي لا تتركوا السبب في حصوله وذلك (أن تقولوا) أي تدعوا بنحو (اللهم اجعلها مغنما) أي قولكم ذلك من أسباب قبولها وحصول ثوابها فلا تتركوه والمراد يسر لي الفوز بثوابها وأصل المغنم والغنائم ما أصيب من مال الحرب والنسيان مشترك بين ترك الشيء على ذهول وغفلة وتركه على تعمد وهو المراد هنا ومنه {ولا تنسوا الفضل بينكم} أي تقصدوا الترك والإهمال (ولا تجعلها مغرما) مصدر ميمي من الغرامة أي لا تجعلني أرى إخراجها غرامة أغرمها ويسن أن يقول مع ذلك {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} وهذا التقرير كله بناء على أن أعطيتم مبني للفاعل كما جرى عليه بعضهم وزعم أنه الرواية ويجوز بناؤه للمفعول أي إذا أعطيتم يعني أيها المستحقون الزكاة فلا تتركوا مكافأة المزكي على إحسانه بأن تقولوا اللهم اجعلها له مغنما ولا تجعلها عليه مغرما وفيه أنه يندب قول ذلك وإن لم يذكروه لأنه من الفضائل وقد دخل تحت أصل كلي وهو طلب الدعاء له والحديث ليس بشديد الضعف كما وهم (هـ ع عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال في الأصل وضعف وذلك لأن فيه سويد ين سعيد قال أحمد متروك الحديث: 463 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 464 - (إذا أفطر أحدكم) أي دخل وقت فطره من صومه (فليفطر) ندبا (على تمر) أي بتمر والأفضل سبع والأولى من رطب فعجوة لخبر الترمذي كان يفطر على رطبات فإن لم يكن فتمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء ولم ينص على الرطب هنا لقصر زمنه (فإنه بركة) أي فإن الإفطار عليه ثوابا كثيرا فالأمر به شرعي وفيه شوب إرشاد لأن الصوم ينقص البصر ويفرقه والتمر يجمعه ويرد الذاهب لخاصية فيه ولأن التمر إن وصل إلى المعدة وهي خالية أغذى وإلا أخرج بقايا الطعام (فإن لم يجد تمرا) يعني لم يتيسر (فليفطر على الماء) القراح (فإنه طهور) بالفتح مطهر محصل للمقصود مزيل للوصال الممنوع ومن ثم من الله به على عباده بقوله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء [ص: 291] طهورا} وبما تقرر علم وجه حكمة تخصيص التمر دون غيره مما في معناه من نحو تين وزبيب وأنه لا يقوم غيره مقامه عند تيسره فزعم أن القصد منه أن لا يدخل جوفه إلا حلوا لم تمسه النار في حيز المنع وورد الفطر على اللبن لكن سنده ساقط فيقدم الماء عليه لهذا الحديث (حم 4 وابن خزيمة حب) كلهم في الصوم (عن سلمان) بفتح فسكون (ابن عامر) بن أوس (الضبي) بفتح المعجمة وكسر الموحدة صحابي سكن البصرة وبها مات. قال مسلم: ليس في الصحب ضبي غيره واعترض قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 464 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 465 - (إذا أقبل الليل) يعني ظلمته (من ههنا) أي من جهة المشرق إذ الظلمة تبدو منه (وأدبر النهار) أي ضوؤه (من ههنا) من جهة المغرب وزاد (وغربت الشمس) مع أن ما قبله كاف إيماء إلى اشتراط تحقق كمال الإقبال والإدبار وأنهما بواسطة الغروب لا غيره فالأمور الثلاثة وإن كانت متلازمة لكن قد يعرض لبعضها انفكاك فيظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة كأن يكون بمحل لا يشهد غروبها كواد فيعتمد إقبال الظلام أو إدبار الضياء فلذلك جمع بينهما (فقد أفطر الصائم) أي انقضى صومه أو تم شرعا أو أفطر حكما بدليل الاحتياج لنية الصوم للغد وإن واصل لأنه صار مفطرا حقيقة كما قيل فمن حلف لا يفطر على حار ولا بارد لا يفطر بدخول الليل على الأصح والحكم بفطره بدخوله لكونه غير حار ولا بارد غير قويم إذ هو تعلق لفظي غير مقصود للحالف ومبنى الأيمان على المقاصد العرفية وفيه رد على المواصلين. قال الطيبي: ويمكن حمل الأخبار على الإنشاء إظهارا للحرص على وقوع المأمور به أي إذا أقبل الليل فليفطر الصائم ولأن الخبرية منوطة بتعجيل الإفطار فكأنه حصل وهو مخبر عنه وأل في الصائم للجنس (ق د ت عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وله سبب مشهور وظاهر صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الأربعة إلا ذين ولا كذلك بل رواه كما قال المناوي الكل إلا ابن ماجه الحديث: 465 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 466 - (إذا اقترب) افتعل من القرب وروي تقارب (الزمان) أي دنت الساعة وقبض أكثر أهل العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتن فكان الناس على مثل الفطرة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين قال القاضي اقتراب الزمان دنو الساعة إذ الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ومن ثم قيل للقصير متقارب ويقال تقاربت الإبل إذا قلت أو أراد استواء الليل والنهار عند انطباق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع فلا يكون في المنام أضغاث أحلام فإن من موجبات التخليط فيها غلبة بعض الأخلاط على بعض ومن ثم قال المعبرون أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار وإدراك الثمار واستواء الليل والنهار وعند ذلك تصح الأمزجة وتصح الحواس أو أراد بتقارب الزمان حين تكون السنة كشهر للهنا وبلوغ المنى وبسط العدل زمن المهدي وذلك زمن يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه ذكره الزمخشري قال ويعضد الأول قوله (لم تكد رؤيا الرجل المسلم) في منامه (تكذب) أي لا تكون إلا صادقة لأن المغيبات تنكشف حينئذ والخوارق تظهر ولأن أكثر العلم يقبض بقبض العلماء وتندرس معالم الدين فيكون في الرؤيا الصادقة حينئذ بعض غنى ولو كان المراد بالاقتراب الاعتدال لما قيده بالمسلم وقيل المراد إذا اقترب أجل الإنسان بمشيبه فإن رؤياه قلما تكذب لصفاء باطنه ونزوع الشهوات عنه فنفسه حينئذ لمشاهدة الغيب أميل وقوله لم تكد رؤيا المسلم تكذب مبالغة في لم تكذب أي لم تقرب أن تكذب [ص: 292] فضلا عن أن تكذب ومنه قول ذي الرمة: إذا غير الدهر المحبين لم يكد. . . رسيس الهوى من حب مية يبرح أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح ذكره الزمخشري اختلف في خبر كاد المنفي والأظهر أنه يكون أيضا منفيا لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه في نفسه ويدل عليه قوله تعالى {إذا أخرج يده لم يكد يراها} قال القاضي: وأول الأقوال هو الأصح لأنه جاء في رواية أخرى إذا كان آخر الزمان (وأصدقهم) أي المسلمون المدلول عليهم بلفظ المسلم (رؤيا أصدقهم حديثا) أي قولا ولفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه في نسخ صحيحة أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا وذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانشقت فيه المعاني على وجه الصحة والاستقامة وظاهره أنه على إطلاقه وقيل يكون آخر الزمان عند ارتفاع العلم وموت الصلحاء فجعل جبرا وعوضا والأول أظهر لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها ذكره النووي وقد قال بعض العارفين ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أصدق الناس كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح فكان لا يحدث بحديث عن تزوير يزوره في نفسه بل يحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية أو كلها ما كان يقول ما لم يكن ولا ينطق في اليقظة عن شيء تصوره في الخيال ما لم ير لتلك الصورة عين في الحس (ق هـ) في الرؤيا (عن أبي هريرة) الحديث: 466 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 467 - (إذا أقرض أحدكم أخاه) في الدين (قرضا) قال الطيبي: اسم مصدر والمصدر حقيقة هو الإقراض قال ويجوز كونه هنا بمعنى المقروض فيكون مفعولا ثانيا لا قرض والأول مقدر (فأهدى) أي الأخ المقترض (إليه) أي إلى المقرض (طبقا) محركا ما يؤكل عليه أو فيه ويحتمل الحقيقة ويحتمل إرادة المظروف أي شيئا في طبق (فلا يقبله) قال الطيبي: الضمير الفاعل في فأهدى عائد إلى المفعول المقدر والضمير في لا يقبله راجع إلى مصدر أهدى وقوله فأهدى عطف على الشرط (أو حمله) أي أراد حمله أو حمل متاعه (على دابته فلا يركبها) يعني لا ينتفع بها بركوب أو إركاب أو تحميل عليها (إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) أي القرض وهذا محمول على الورع لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء فيجوز بل يندب رد الزائد وللمقرض قبوله حيث لا شرط والورع تركه (ص هـ هق عن أنس) بن مالك رمز لحسنه الحديث: 467 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 468 - (إذا اقشعر) بهمزة وصل وتشديد الراء (جلد العبد) أي أخذته قشعريرة أي رعدة (من خشية الله) أي خوفه. قال في الكشاف: اقشعر الجلد إذا انقبض قبضا شديدا وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس مضموما إليه حرف رابع وهو الراء ليكون رباعيا دالا على معنى زائد يقال اقشعر جلده من الخوف وقف شعره وهو مثل في شدة الخوف قال الراغب: والجلد قشر البدن (تحاتت) تساقطت وزالت (عنه خطاياه) أي ذنوبه (كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها) تشبيه تمثيلي لانتزاع أمور متوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب على الإنسان سبب كماله وإزالة الورق على الشجر سبب نقصانه قال الترمذي الحكيم والمراد بالعبد هنا عبد ممنون عليه بالتوحيد ونفسه شرهة أشرة بطرة شهوانية قاهرة له فأدركه اللطف فهاج منه خوف التوحيد فطلبت نفسه الملجأ من الله إليه فأخذته الخشية فارتعد وصار لا يعقل ما يقول من الرهب فانكشف له الغطاء فسترت تلك الخشية مساويه كلها {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} [ص: 293] ولم يعبر بالخوف لأن الخشية أعلى فإن الفرق إذا هجم على القلب نفر عن مستقره نفارا ربما قطع أفلاذ الكبد من شدة نفاره وانزعاجه عن محله والخوف دون ذلك وقال بعض العارفين هذا إشارة إلى أن الخشية والمرض ونحو ذلك إنما يحط أولا صغائر الذنوب التي هي من شجرة المخالفة بمنزلة الورق من شجر الدنيا وشجرة المخالفة شجرة خبيثة أصلها الكفر وورقها صغائر الذنوب ونبتها من الأجساد والفروع والأغصان منازل فقد يعظم الارتكاب حتى يأخذ من الأغصان فيذهب بكثير منها وهكذا يترقى حتى قد يتحتت الأصل (سمويه) في فوائده (طب) وكذا البزار والبيهقي في الشعب (عن العباس) بن عبد المطلب قال المنذري والعراقي سنده ضعيف وبينه الهيتمي فقال فيه أم كلثوم بنت العباس رضي الله عنها لم أعرفها وبقية رجاله ثقات الحديث: 468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 469 - (إذا أقل الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان (الطعم) بالضم أي جعل مأكله قليلا لصوم أو غيره ومن زعم أنه أراد الصائم فحسب لم يصب (ملء) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله ويمكن بناؤه للفاعل أي ملأ الرجل (جوفه نورا) أي تسبب في ملء باطنه بالنور أصل الجوف الخلاء ثم استعمل فيما يقبل الشغل والفراغ فقيل جوف الدار لداخلها وباطنها فقلة الأكل محمودة شرعا وطبا. ومن فوائد الكلام ما دار على ألسنة الأنام: من غرس الطعام جنى ثمرة السقام ومن الأمثال: كل قليلا تعش طويلا ومنها أقلل طعاما تحمد مناما ومنها كل قصدا لا تبغي فصدا ومنها البطنة تذهب الفطنة وحث الرجل آخر على الأكل من طعامه فقال عليكم تقريب الطعام وعلينا تأديب الأجسام وفي إفهامه أن كثرة الأكل تملؤه ظلمة فيكون فاعل ذلك حمالا للطعام مضيعا للأيام قال الغزالي علمنا يقينا بل رأينا عيانا أن العبادة لا يجيء منها شيء إذا امتلأ البطن وإن أكرهت النفس على ذلك وجاهدت بضروب الحيل فلا يكون لتلك العبادة لذة ولا حلاوة ولذا قيل لا تطمع بحلاوة العبادة مع كثرة الأكل (فر عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفيه علان الكرخي قال الذهبي لعله واضع حديث طلب الحق غربة عن إبراهيم بن مهدي الأيلي قال الأزدي كان يضع على محمد بن إبراهيم بن العلاء قال الدارقطني كذاب الحديث: 469 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 470 - (إذا أقيمت الصلاة) أي شرع في إقامتها بدليل رواية ابن حبان إذا أخذ المؤذن في الإقامة (فلا صلاة) كاملة سالمة من الكراهة (إلا المكتوبة) فلا ينبغي إنشاء صلاة حينئذ غيرها أي المفروضة الحاضرة التي أقيم لها بدليل رواية أحمد إلا التي أقيمت وجعل بعضهم النفي بمعنى النهي أي فلا تصلوا حينئذ واختاره المؤلف فإنه سئل هل المراد هنا الكمال أو عدم الصحة فأجاب بأنه ليس المراد هذا ولا هذا لأن ذلك إنما يكون في النهي المراد به النفي على ظاهره والنفي هنا المراد به النهي أي لا تصلوا إلا المكتوبة وذلك لئلا يفوته فضل تحرمه مع الإمام الذي هو صفوة الصلاة وما يناله من أجر الفعل لا يفي بما يفوته من صفوة فرضه ولأنه يشبه المخالفة للجماعة وأما زيادة إلا ركعتي الفجر في خبر فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر فلا أصل لها كما بينه البيهقي وبفرضه حمل على الجواز قال في المطامح: وهذه المسألة وقعت لأبي يوسف حين دخل المسجد النبوي والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الإمام في الصبح فقال رجل عامي يا جاهل الذي فاتك من أجر فرضك أعظم مما أدركت من ثواب نفلك انتهى قال ابن الهمام: وأشد ما يكون كراهة أن يصلي سنة أو غيرها عند إقامة المكتوبة مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة (م 4 عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما الحديث: 470 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 [ص: 294] 471 - (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا نادى المؤذن بالإقامة فأقيم المسبب مقام السبب ذكره الطيبي. ونبه بالإقامة على ما سواها لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيا حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فقبل الإقامة أولى (فلا تأتوها وأنتم تسعون) تهرولون وإن خفتم فوت التكبير أو التبكير فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والخضوع فالقصد من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئا والنهي للكراهة وأما قوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} فليس المراد به الاسراع بل الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول سعيت في أمري. قال الطيبي: وقوله وأنتم تسعون حال من ضمير الفاعل وهو أبلغ في النهي من لا تسعوا وذلك لأنه مناف لما هو أولى به من الوقار والأدب ثم عقبه بما ينبه على حسن الأدب بقوله (وائتوها) في رواية ولكن ائتوها (وأنتم تمشون) بهينة لقوله تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} ثم ذيل المفهومين بقوله (وعليكم السكينة) أي الزموا السكينة في جميع أموركم سيما في الوفود على رب العزة فالزموا الوقار في الهيئة بغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات والعبث. والسكينة فعيلة من السكون وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره وفي رواية بالنصب إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد نعم فرق بعض الأعاظم بينهما بأن السكينة التأني في الحركات والوقار التأني في الهيئة وخفض الصوت وفي رواية للبخاري بالسكينة واعترض بتعديه بنفسه في عليكم أنفسكم ومنعه الرضي بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم الأفعال التي بمعناها لكن كثيرا ما تزاد الباء في مدخولها نحو عليك به لضعفها عن العمل (فما) أي فإذا فعلتم ما أمرتم به من السكينة فما (أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه (وما فاتكم) منها (فأتموا) وقد حصلت لكم فضيلة الجماعة بالجزء المدرك وإن قل فقوله فأتموا أي فأكملوه وحدكم وفي رواية بدل فأتموا فاقضوا واستدل به الحنفية على أن ما أدركه المسبوق آخر صلاته فيجهر في الركعتين الأخيرتين ويقرأ السورة مع الفاتحة وبالأول الشافعية على أنه أولها فلا يجهر لكن يقضي السورة لأن الإتمام يستلزم سبق أول وأجابوا بأن القضاء يرد بمعنى الأداء فيحمل عليه جمعا بينهما ولهذا قال في تنقيح التحقيق: الصواب لا فرق بين اللفظين لأن القضاء هو الإتمام في عرف الشرع {فإذا قضيتم مناسككم} {فإذا قضيتم الصلاة} وفيه أنه يندب لقاصد الجماعة المشي إليها بسكينة ووقار وإن خاف فوت التحريم وأن لا يعبث في طريقه إليها ولا يتعاطى ما لا يليق بها لخبر مسلم: إن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة (حم ق 4 عن أبي هريرة) وزاد مسلم فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة قال ابن حجر له طرق كثيرة وألفاظ متقاربة الحديث: 471 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 472 - (إذا أقيمت الصلاة) أي شرع المؤذن في الإقامة فأقام المسبب مقام السبب (فلا تقوموا) للصلاة ندبا (حتى تروني) تبصروني فإذا رأيتموني فقوموا وذلك لئلا يطول قيامكم وقد يعرض له ما يؤخره وأما خبر مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا فبيان للجواز أو لعذر أو كان قبل النهي ولا ينافي ما اقتضاه هذا من أن الصلاة كانت تقام قبل خروجه ما في مسلم أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج لأنه كان يراقب خروجه فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه الناس فإذا رأوه قاموا ووقت القيام للصلاة عند الشافعي الفراغ من الإقامة ومالك أولها والحنفي حي على الصلاة والحنبلي قد قامت الصلاة (حم ق د ن عن أبي قتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي وقيل النعمان (زاد 3 قد خرجت إليكم) وهي موضحة للرواية الأولى مبينة للمراد بالرؤية وقال في رواية مسلم قد خرجت الحديث: 472 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 [ص: 295] 473 - (إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء) كسماء ما يؤكل عند العشاء والمراد بحضوره وضعه بين يدي الآكل أو قرب حضوره لديه وقد تاقت نفسه له (فابدؤوا) ندبا (بالعشاء) إن إتسع الوقت فيأكل لقيمات يكسر بها حدة الجوع على وجه لكن الأصح يأكل حاجته وذلك لما في تركه من فوت الخشوع أو كماله وأراد يالصلاة هنا المغرب للصائم بدليل رواية ابن حبان إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وفي رواية للبخاري فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب لكنه يطرد في كل صلاة نظرا للعلة وهو خوف فوت الخشوع وأما خبر أنه كان يحتز من ذراع شاة بسكين ويأكل فأعلمه بلال بالصلاة فطرح السكين فصلى فأجيب بأنه إنما قطع الأكل للصلاة مع كونه أمر غيره بتقديم الأكل لأنه قضى حاجته منه أو لأنه أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة وأمر غيره بالرخصة لأن غيره لا يقوى على مداقعة الشهوة قوته وفيه رد على الظاهرية الزاعمين أنه لا يجوز صلاة من حضر الطعام بين يديه (حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ق هـ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (خ هـ عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (حم طب عن سلمة) بفتحات (بن الأكوع) وقيل عمرو بن الأكوع الأسلمي واسم الأكوع سنان كما مر (طب عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال العراقي وما اشتهر من خبر إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له بهذا اللفظ ووهم من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة الحديث: 473 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 474 - (إذا اكتحل) أي أراد (أحدكم) أي يكتحل افتعل من كحل عينه كنصر جعل فيها الكحل (فليكتحل) ندبا (وترا) أي اكتحالا وترا في كل عين وكونه ثلاثا وليلا أولى ويحصل أصل السنة بثنتين في كل عين وواحدة بينهما لوروده من فعله في حديث أنس (وإذا استجمر) أي تجمر بنحو عود أو استنجى والأول أنسب بما قبله (فليستجمر وترا) قال بعضهم فيه ندب الاكتحال وليس كما قال إذ ليس مفاده إلا أن الاكتحال إن وقع فالمطلوب كونه وترا فالمستفاد منه ندب الوترية لا أصل الاكتحال نعم ثبت ندب الاكتحال بالأثمد بنصوص أخر قولا وفعلا قال بعض شراح أبي داود ولا فرق في حصول السنة بين اكتحاله بنفسه أو بأمره قال وينشأ عنه جواز التوكيل في العبادة وفيه إن قلنا أن المراد بالاستجمار الاستنجاء بالأحجار وجوب الإيتار بثلاث والصارف للأول عن الوجوب خبر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وجواز العمل بالمفهوم حتى لا يجب الإيتار إذا استنجى بالماء ووجوب تعدد المسحات لضرورة تصحيح الإيتار بما تقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بمسحة واحدة (حم عن أبي هريرة) رمز لصحته الحديث: 474 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 475 - (إذا كفر الرجل أخاه) أي نسبه إلى الكفر بأن قال أنت كافر أو يا كافر أو قال عنه فلان كافر وذكر الرجل وصف طردي (فقد باء) بالمد أي رجع (بها) أي بالمعصية المذكورة حكما يعني رجع (أحدهما) بمعصية إكفاره على حد {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} فالمراد خصمه لكن تلطف في القول كذا قرره بعض الأعاظم ومنه أخذ جمع قولهم الراجح التكفير لا الكفر وهو أوجه من تأويله بالمستحيل أو بأنه يؤول إليه لكون المعاصي بريد الكفر قال بعضهم والجزم في هذا الخبر بأنه لا بد أن يبوء بها أحدهما بينه قوله في الحديث الآتي إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ومن ثم كانت هذه الرواية في قوة قضية منفصلة أقيم البرهان على صدقها بخلاف تلك إذ معناه كل مكفر أخاه فدائما إما أن يكفر القائل أو المقول له وبرهن على صدق ذلك بأنه إن كان كما قال وإلا كفر القائل أي بالمعنى المقرر كما يأتي (م عن ابن عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما الحديث: 475 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 [ص: 296] 476 - (إذا أكل أحدكم طعاما) أي تناول شيئا لشبعه ومثل الأكل الشرب بدليل خبر الديلمي إذا أكلت طعاما أو شربت فقل بسم الله وبالله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حي يا قيوم لم يصبك منه داء ولو كان فيه سم (فليذكر) ندبا عند الشافعية ولو حائضا أو جنبا (اسم الله) عليه بأن يقول بسم الله في ابتداء الأكل والأفضل البسملة بكمالها فإن اقتصر على بسم الله حصلت السنة ذكره في الأذكار قال ابن حجر: ولم أقف لما ادعاه من الأفضلية على دليل انتهى لكن يدل له خبر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم وقول الغزالي يقول مع اللقمة الأولى بسم الله ويزيد في الثانية الرحمن والثالثة الرحيم لم أر ما يدل له (فإن نسي) أو تعمد بالأولى (أن يذكر اسم الله في أوله فليقل) ولو بعد الفراغ من الأكل ليقيء الشيطان ما أكله على ما بحثه بعض مشايخنا لكنه مضعف وأخذ بظاهره جمع حنابلة فأوجبوه قالوا لصحة الخبر بلا معارض (بسم الله على) وفي رواية في (أوله وآخره) أي آكل أوله وآخره بسم الله فالجار والمجرور حال من فاعل الفعل المقدر ذكره الطيبي وفي رواية أوله وآخره بدون على وعليه قال أبو البقاء الجيد النصب فيها والتقدير عند أوله وعند آخره ويجوز جره بتقدير في أوله وآخره أي جميع أجزائه كما يشهد له المعنى الذي شرعت التسمية له وبه سقط زعم أن ذكرهما يخرج الوسط لا يقال كيف تصدق الاستعانة ببسم الله في الأول وقد خلا الأول عنها لأنا نقول الشرع جعله إنشاء استعانة في أوله وليس هذا إخبارا حتى يكذب وبه يصير المتكلم مستعينا في أوله ويترتب عليه ما يترتب على الاستعانة في أوله وألحق الشافعي بالناسي ما لو تعمد أو جهل أو أكره وليس لقائل أن يقول الناسي معذور فمكن من تدارك ما فاته بخلاف المتعمد لأن القصد إضرار الشيطان بمنعه من طعامنا ولو نظر للعذر لمنع الشيطان من مؤاكلة الناسي ولم يحتج إلى أن يجعل له طريقا فالملحظ ليس العذر فقط (د ت ك عن عائشة) رضي الله عنها قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 476 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 477 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل ويحتمل جعله على ظاهره (طعاما) غير لبن (فليقل) ندبا (اللهم بارك لنا فيه) من البركة وهي زيادة الخير ودوامه (وأبدلنا) بفتح الهمزة (خيرا) اسم تفضيل وأصله أخير فلا يراد أنها ليست على وزن أفعل (منه) من طعام الجنة أو أعم فيشمل خير الدارين ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم وإن كانت للإثبات (وإذا شرب) أي تناول (لبنا) ولو غير حليب وعبر بالشرب لأنه الغالب (فليقل) ندبا (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) ولا يقل خيرا منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه (فإنه ليس بشيء يجزئ) بضم أوله أي يكفي يقال جزأت الإبل بالرطب عن الماء اكتفت (من الطعام والشراب إلا اللبن) يعني لا يكفي في دفع العطش والجوع معا شيء واحد إلا هو لأنه وإن كان بسيطا في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيبا طبيعيا من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره وهو أفضل من العسل على ما عليه السبكي وألف فيه لكن عكس بعضهم وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري اللبن والعسل أفضل من حيث جموم المنافع والحلاوة وقضية الحديث أيضا أن اللبن أفضل من اللحم ويعارضه الخبر الآتي أفضل طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم <تنبيه> سيأتي في خبر اللبن فطرة قال القرطبي يعني بها فطرة [ص: 297] دين الإسلام كما قال تعالى {فطرة الله} الآية ثم قال {ذلك الدين القيم} وقد جعل الله ذلك لجبريل علامة على هداية هذه الأمة لأن اللبن أول ما يتغذى به الإنسان وهو قوت خلي عن المفاسد به قوام الأجساد ولذلك آثره المصطفى صلى الله عليه وسلم على الخمر ليلة الإسراء ودين الإسلام كذلك بل هو أول ما أخذ على بني آدم وهو كالذر ثم هو قوت الأرواح به قوامها الأبدي وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام من جميع جهاته فكان العدول عنه إلى الخمر لو وقع علامة على الغواية وقد أعاذ الله تعالى نبيه من ذلك طبعا وشرعا (حم د ت) وقال حسن (هـ هب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال كنت عند ميمونة فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه خالد فجاؤوا بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال خالد: أخالك تقذره فقال: أجل ثم أتى بلبن فذكره وظاهر صنيع المؤلف رحمه الله أن ما ذكر جميعه هو لفظ الحديث والأمر بخلافه فقد ذكر الصدر المناوي عن الخطابي أن قوله فإنه إلى آخره من قول مسدد لا من تتمة الحديث الحديث: 477 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 478 - (إذا أكل أحدكم طعاما) ملوثا وفرغ من الأكل (فلا يمسح يده بالمنديل) بكسر الميم (حتى يلعقها) بفتح أوله يلحسها بنفسه (أو يلعقها) غيره بضم أوله يلحسها غيره ممن لا يتقذر ذلك كحليلته وخادمه وولده وتلميذه لأن المسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة والمراد باليد الأصابع بدليل خبر مسلم كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها فأطلق اليد على الأصابع ويحتمل أن المراد الكف كلها فيتناول من أكل بكل كفه أو بأصابعه أو ببعضها قال في محاسن الشريعة وأراد بالمنديل هنا المعد لإزالة الزهومة لا للمسح بعد الغسل وظاهر الخبر أنهم كان لهم مناديل معدة لمسح الأيدي ولا ينافيه ما في خبر أنهم لم يكن لهم مناديل لأن ذلك كان في أول الأمر قبل ظهور الإسلام وانتشاره فلما ظهر وحث على النظافة اتخذوا لهم مناديل لما قبل الغسل ولما بعده ففيه ندب اتخاذ ذلك ورد على من كره لعق الأصابع استقذارا نعم لا يفعله أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه فيستقذر فإن احتاج لإزالة ما بيده مسحها بالمنديل ومحل ندب مسح اليد بعد الطعام كما قال عياض في ما لم يحتج فيه للغسل لغمر أو لزوجة وإلا غسلها أي بعد اللعق لإزالة الريح. قال العراقي: والأمر بلعق الأصابع حمله الجمهور على الندب والارشاد وحمله الظاهرية على الوجوب وبالغ ابن حزم في المحلى فقال هو فرض قال العراقي وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير إما لعقها أو إلعاقها (حم ق د هـ عن ابن عباس حم م ن هـ عن جابر) بن عبد الله (بزيادة) تعليل وهو قوله (فإنه لا يدري في أي) جزء من أجزاء (طعامه) تكون (البركة) أفيما أكل أو في الباقي بأصابعه أو الباقي بأسفل القصعة؟ قال القرطبي: ومعناه أنه تعالى قد يخلق الشبع عند لعقها فلا يترك شيئا احتقارا له فيحفظ تلك البركة بلعقها قال النووي: والمراد بالبركة ما تحصل به التغذية وتسلم عاقبته من نحو أذى وتقوى على الطاعة انتهى ومما علل به ندب اللعق أيضا أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق ومنه يؤخذ أن تقييد المسح بالمنديل لا مفهوم له وأن المنهي عنه المسح بأي شيء كان وذكر المنديل لبيان الواقع غالبا الحديث: 478 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 479 - (إذا أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه) قال العراقي: أطلق الأمر بلعق الأصابع والمراد بها الثلاث التي أمر بالأكل بها في حديث مسلم وغيره وهو دال على أن أكله عليه الصلاة والسلام كان بهذه الثلاث فقط وقول ابن العربي: [ص: 298] إن شاء أحد أن يأكل بخمس فليأكل فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بخمس غير قويم إذ لا يسلم أنه لا يمكن تعرق العظم ونهش اللحم إلا بالكل بل يمكن بثلاث وبفرض عدم إمكانه ليس هذا أكلا بكل الأصابع بل هو مسك بالأصابع فقط لا أكل بها وتقدير كونه أكل بها فهل محل ضرورة كمن لا يمين له فأكل بشماله انتهى وفي خبر الطبراني كان يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام. قال المؤلف في شرح الترمذي: والوسطى تكون مثالا فيبقى فيها الطعام أكثر ولأنها لطولها أول ما ينزل فيه ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه ثم الإبهام (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) أي ما يحصل به التغذي ويقوى به على الطاعة كما تقرر ومنه أخذ أن الكلام فيما يحل تناوله وذكر اسم الله عليه قيل وقد يراد بالبركة صلاحية كون الطعام بصفة صالحة للإنسانية (حم م ت عن أبي هريرة) الدوسي (طب عن زيد بن ثابت) بمثلثة (طس عن أنس) بن مالك رضي الله عنه الحديث: 479 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 480 - (إذا أكل أحدكم طعاما) ملوثا (فليغسل يده) التي أكل بها (من وضر) بالتحريك (اللحم) أي دسمه وريحه وزهومته فإن إهمال ذلك والمبيت به يورث اللمم والوضح كما جاء في أخبار أخر وغسل اليد بعد الأكل مندوب مطلقا وإنما أراد أنه من اللحم آكد (عد عن ابن عمر) بن الخطاب وإسناده ضعيف الحديث: 480 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 481 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل (فليأكل) قال الحراني: في تقديم الأكل على الشرب إجراء الحكم على هذا الشرع على وفق الطباع ولأنه سبب العطش (بيمينه) من اليمين وهو للبركة (وإذا شرب فليشرب بيمينه) لأن من حق النعمة القيام بشكرها ومن حق الكرامة أن يتناول باليمين ويمميز بها بين ما كان من النعمة وما كان من الأذى فيكره تنزيها لا تحريما عند الجمهور فعلهما بالشمال إلا لعذر كما أرشد إلى بيان وجه العلة بقوله (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لا ينكره أو المراد يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليصاد به الصلحاء وأخذ جمع حنابلة ومالكية منهم ابن العربي من التعليل به حرمة أكله أو شربه بها لأن فاعله إما شيطان أو يشبهه وأيدوه بما عند مسلم وغيره عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن أكل عنده بشماله كل بيمينك فقال: لا أستطيع فقال: لا استطعت فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو جاز لما دعا عليه وجوابه أن مشابهته للشيطان لا تدل على الحرمة بل للكراهة ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على ترك الإمتثال كما هو بين (حم م د عن ابن عمر) بن الخطاب (ن عن أبي هريرة) قال الهيتمي ورجال أحمد ثقات الحديث: 481 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 482 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل (فليأكل بيمينه) أي بيده اليمنى (وإذا شرب) أحدكم (فليشرب بيمينه) كذلك (وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه) قال العراقي: هذا خرج مخرج الغالب في أكل كل أحد بيده فلو أطعمه غيره بشماله كان داخلا في النهي بدليل خبر لا تأكلوا بالشمال (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله) فخالفوه أنتم [ص: 299] لما ذكر قال العراقي في شرح الترمذي: حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب وبه جزم الغزالي والنووي لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع من الأم على الوجوب قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره أن الأكل رأس الثريد والتعريس على الطريق والقران في التمر وغير ذلك مما ورد الأمر بضده حرام وميل القاضي في منهاجه للندب لخبر كل مما يليك وتعقبه التاج السبكي بأن الشافعي نص في موضع على أن من أكل مما لا يليه عالما بالنهي عصى قال وقد جمع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب سماه كشف اللبس عن المسائل الخمس ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب. قال ابن حجر: ويدل لوجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال في مسلم وغيره <تنبيه> قال ابن عربي: لما أنكر الجهلة أن يكون للشيطان جسما أنكروا أن تكون له يدان وقد جاءت الأخبار بإثبات اليد له والعقل لا يحيله واليمين والشمال هما حد الجسم من جهة العرض والفوق والتحت حده من جهة الطول (الحسن بن سفيان في مسنده) المشهور (عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 482 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 483 - (إذا أكل أحدكم طعاما فسقطت لقمته) أي الآكل أو من يطعمه (فليمط) أي فليأخذها وليزل ما بها (ما رابه منها) أي ما حصل عنده من شك مما أصابه مما يعافه وفي رواية فليمط عنها الأذى (ثم ليطعمها) بفتح التحتية وسكون الطاء أي ليأكلها ندبا (ولا يدعها) أي لا يتركها (للشيطان) جعل تركها إبقاءها للشيطان لأنه تضييع للنعمة وازدراء بها وتخلق بأخلاق المترفين والمانع من تناول تلك اللقمة غالبا إنما هو الكبر وذلك من عمل الشيطان كذا قرره بعض الأعيان فرارا من نسبة حقيقة الأكل إلى الشيطان وحمله بعضهم على الحقيقة وانتصر له ابن العربي فقال: من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون وذلك جائز عقلا ورد به الشرع وتظاهرت به الأخبار فلا يخرج عن المضمار إلا حمار. ومن رعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم. قال: وقوله ولا يدعها للشيطان دليل على أنه لم يسم أولا ولذلك اختطفها منه. قال العراقي: وفيه نظر فإن ظاهر الحديث أن ما سقط من الطعام على الأرض أو ترك في الإناء يتناوله الشيطان سواء سمى على الطعام أم لا قال: وقد حمل الجمهور الأمر بأكل اللقمة الساقطة بعد إماطة الأذى عنها على الندب والإرشاد وذهب أهل الظاهر على وجوبه. قال النووي: والمراد بالأذى المستقذر من نحو تراب وهذا إن لم تقع بمحل نجس وإلا فإن أمكن تطهيرها فعل وإلا أطعمها حيوانا ولا يدعها للشيطان (ت عن جابر) قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث ثم ذكره قال الترمذي حسن صحيح فاقتصار المؤلف رحمه الله على الرمز لحسنه تقصير الحديث: 483 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 484 - (إذا أكلتم الطعام) أي أردتم أكله (فاخلعوا نعالكم) انزعوها من أرجلكم مبتدئين باليسار ندبا كما يأتي في خبر وعلله بقوله (فإنه) أي الخلع المفهوم من فاخلعوا (أروح لأقدامكم) أي أكثر راحة لها وظاهره لا يطلب خلعها للشرب ولفظ رواية الحاكم كما رأيته في نسخة بخط الحافظ الذهبي أبدانكم بدل أقدامكم وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره وأنها سنة جميلة وفيه تنبيه على علة مخالفة جفاة الأعراب وأهل البوادي وأفاد بقوله أروح أن ذلك مطلوب وإن كانت القدم في راحة (طس) وأبو يعلى (ك عن أنس) قال الحاكم صحيح فشنع عليه الذهبي وقال أحسبه موضوعا وإسناده مظلم وموسى بن محمد أحد رجاله تركه الدارقطني وقال الهيتمي عقب عزوه لأبي يعلى والطبراني رجال الطبراني [ص: 300] ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكوتي لم أجد له عن محمد بن الحارث سماعا انتهى وقال في الكبير لأن تصحيحه متعقب الحديث: 484 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 485 - (إذا التقى) من اللقاء قال الراغب: وهو مقابلة الشيء ومصادفته معا وقد يعبر به عن كل منهما قال الإمام: اللقاء أن يستقبل الشيء قريبا منه (المسلمان بسيفيهما) فيضرب كل منهما الآخر قاصدا قتله عدوانا بغير تأويل سائغ ولا شبهة فالمراد أنهما التقيا يتقاتلان بآلة القتال سيفا أو غيره وإنما خص السيف لأنه أعظم آلاته وأكثرها استعمالا (فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل) بالفاء جواب إذا (والمقتول في النار) إذا كان قتالهما على عداوة دنيوية أو طلب ملك ونحوه ومعنى في النار أن حقهما أن يكونا فيها وقد يعفو الله (قيل) أي قال أبو بكرة رواية لما استغرب ذلك من جهة عدم تعدي المقتول (يا رسول الله هذا القاتل) يستحق النار (فما بال المقتول) أي فما ذنبه حتى يكون فيها (قال) صلى الله عليه وسلم (إنه) أي المقتول (كان حريصا على قتل صاحبه) أي جازما بذلك مصمما عليه حال المقاتلة فلم يقدر على تنفيذه كما قدر صاحبه القاتل فكان كالقاتل لأنه في الباطن قاتل فكل منهما ظالم متعد ولا يلزم من كونهما في النار كونهما في رتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط وأفاد قوله حريصا أن العازم على المعصية يأثم وأن كلا منهما كان قصده القتل كما تقرر لا الدفع عن نفسه فلو قصد أحدهما الدفع فلم يندفع إلا بقتله فقتل هدر المقتول لا القاتل وخرج بقولنا بلا تأويل ما لو كان به كقتال علي وطلحة فإن كلا منهما لديانته وفرط صيانته كأن يرى أن الإمامة متعينة عليه لا يسوغ له تركها <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة جواز دفع الصائل وكانت بنو إسرائيل كتب عليهم أن الرجل إذا بسط يده إلى رجل لا يمتنع منه حتى يقتله قاله مجاهد وغيره (حم ق د ن عن أبي بكرة) الثقفي (هـ عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 485 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 486 - (إذا التقى المسلمان) الذكران أو الأنثيان أو ذكر وأنثى هي حليلته أو محرمه (فتصافحا) وضع كل منهما يده في يد الآخر عقب تلاقيهما بلا تراخ بعد سلامهما زاد الطبراني وضحك أي تبسم كل منهما في وجه صاحبه (وحمدا الله) بكسر الميم (واستغفرا) الله أي طلبا منه المغفرة كل لنفسه ولأخيه (غفر) الله (لهما) زاد أبو داود قبل أن يتفرقا المراد الصغائر قياسا على النظائر فيندب لكل مسلم إذا لقي مسلما وإن لم يعرفه السلام عليه ومصافحته. قال ابن رسلان: ولا تحصل السنة إلا بتلاقي بشرة الكفين بلا حائل ككم انتهى وفيه وقفة والظاهر من آداب الشريعة تعيين اليمنى من الجاني لحصول السنة فلا تحصل باليسرى في اليسرى ولا في اليمنى واستثنى العبادي من ندب المصافحة نحو أمرد جميل فتحرم مصافحته أي إن خاف فتنة ونحو مجذوم وأبرص فتكره (د عن البراء) بن عازب رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد قال المنذري إسناده مضطرب وفيه ضعف الحديث: 486 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 487 - (إذا التقى المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه) أي مشاركة في الدين (كان أحبهما إلى الله) أي أكثرهما ثوابا عنده وأحظاهما لديه (أحسنهما بشرا) بكسر الموحدة طلاقة وجه وفرح وحسن إقبال (بصاحبه) لأن المؤمن عليه سمة الإيمان ووقاره وبهاء الإسلام وجماله فأحسنهما بشرا أفهمهما لذلك وأغفلهما عن الله أغفلهما عما من الله به عليهما ولأن المؤمن ظمآن للقاء ربه شوقا إليه فإذا رأى مؤمنا نشط لذلك روحه وتبسم قلبه بروح ما وجد من آثار مولاه فيظهر [ص: 301] بشره فصار أحب إلى الله بما له من الحظ منه (فإذا تصافحا أنزل الله عليهما مئة رحمة للبادئ) بالسلام والمصافحة (تسعون وللمصافح) بفتح الفاء (عشرة) وذلك لأن المصافح كالبيعة لأن من شرط الإيمان الأخوة والولاية {إنما المؤمنون إخوة} {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فإذا لقيه فصافحه فكأنه بايعه على هاتين الخصلتين ففي كل مرة يلقاه يجدد بيعة فيجدد الله له ثوابها كما يجدد ثواب المصيبة بالاسترجاع وكما يجدد للحامد على النعمة ثوابا على شكرها فإذا فارقه بعد مصافحته لم يخل في أثناء ذلك من خلل فيجدد عند لقائه فالسابق إلى التجديد له من المئة تسعون لاهتمامه بشأن التمسك بالأخوة والولاية ومسارعته إلى تجديد ما وهى وحثه على ذلك وحرصه عليه <تنبيه> قال السمهودي أخذا من كلام الغزالي والحليمي أن معنى سلام عليكم أحييكم بالسلامة الكاملة من جميع معاطب الدارين وآفاتهما مع الأمن والمسالمة محيطة بكم من جميع جهاتكم إكراما لكم بحيث لا يكون لشيء من ضد ذلك سبيل عليكم فإني مسالم لكم بكل حال ظاهرا وباطنا فلا يصلكم مني أذى فقد طلبت لكم تلك السلامة الموصوفة من السلام الذي هو المالك تسليم عباده والمسلم لهم وصاحب السلامة لا معطي في الدارين غيره ولا مرجوا فيهما إلا خيره (الحكيم) في نوادره (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال المنذري: ضعيف انتهى وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجيب فقد رواه البزار عن عمر بهذا اللفظ. قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفه انتهى فرمز المصنف لحسنه غير حسن إلا أن يريد لاعتضاده فقد رواه الطبراني بسند أحسن من هذا بلفظ: إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا إلى آخره الحديث: 487 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 488 - (إذا التقى الختانان) أي تحاذيا لا تماسا والمراد ختان الرجل وخفاض المرأة فجمعهما بلفظ واحد تغليبا (فقد وجب الغسل) أي على الفاعل والمفعول وإن لم يحصل إنزال كما صرح به في رواية فالموجب تغييب الحشفة والحصر في خبر إنما الماء من الماء منسوخ كما صرح به خبر أبي داود مثل به أصحابنا في الأصول لنسخ السنة بالسنة كما يأتي وذكر الختان غالبي فيجب الغسل بدخول ذكر لا حشفة له في دبر أو فرج بهيمة عند الشافعي لأنه في معنى المنصوص إذ هو جماع في فرج قال جدي المناوي رحمه الله: وعبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بإذا دون غيرها إشارة إلى غلبة وقوع شرطها وأن الالتقاء سبب وجوب الغسل وأن الوجوب يكون وقت الالتقاء لدلالة إذا على الزمان ولأن الأصل أن لا يتأخر المسبب عن السبب وأنه إذا لم يوجد الالتقاء ولا في معناه بأن غيب بعض الحشفة لا يجب الغسل عملا بمفهوم الشرط وإذا لم يجب الغسل مع كونه أخف ما يترتب على الإيلاج فلا يجب ما هو أشد منه من الحد ووجوب المهر وغير ذلك من باب أولى بدلالة فحوى الخطاب. وفي الحديث قصة وذلك أن رفاعة بن رافع قال: كنت عند عمر فقيل له إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد وفي رواية يفتي بأنه لا غسل على من يجامع ولا ينزل. فقال عمر: علي به فأوتي به فقال عمر: يا عدو نفسه أو بلغ من أمرك أن تفتي برأيك؟ فقال: ما فعلت يا أمير المؤمنين وإنما حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي عمومتك؟ قال: أبي بن كعب وأبو أيوب ورفاعة قال: فالتفت عمر إلي وقال: ما تقول؟ قلت: كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فاتفقوا على أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا علي ومعاذ فقالا إذا التقى الختانان وجب الغسل فقال علي: يا أمير المؤمنين سل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حفصة فقالت: لا أعلم فأرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل فتحطم عمر - أي تغلظ - وقال: لا أوتى بأحد فعله ولم يغتسل إلا أهلكته عقوبة. قال ابن حجر: حديث حسن أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني وسياقه أتم قال: كان زيد يفتي بالمسجد فقال: إذا خالطها ولم يمن لا غسل فقام رجل إلى عمر فقال فيه فالتفت عمر إلى رفاعة [ص: 302] وقال فيه بعد قول علي ومعاذ قد اختلفتم وأنتم أهل بدر إلى آخره (هـ) في الطهارة (عن عائشة وعن ابن عمرو) ابن العاص قال ابن حجر: ورجال حديث عائشة ثقات ورواه الشافعي رضي الله عنه في الأم والمختصر وأحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان وصححه وإعلال البخاري له بأن الأوزاعي أخطأ فيه أجيب عنه وقال النووي في التنقيح: أصله صحيح إلا أن فيه تغييرا انتهى ومن ثم رمز المؤلف لصحته لكنه قصر حيث اقتصر على عزوه لابن ماجه وحده مع وجوده لهؤلاء جميعا ورواه مسلم بلفظ إذا جلس بين شعبيها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل الحديث: 488 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 489 - (إذا القى الله في قلب امرئ) زاد في رواية منكم (خطبة امرأة) بكسر الخاء أي التماس نكاحها (فلا بأس أن ينظر إليها) أي لا حرج عليه في ذلك بل يسن وإن لم تأذن هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع وإن خاف الفتنة بالنظر إليها على الأصح عند الشافعية وظاهر الخبر أنه يكرر النظر بقدر الحاجة فلا يتقيد بثلاث خلافا لبعضهم وإضافة الإلقاء إلى الله تعالى تفيد أن الندب بل الجواز مقصور على راجي الإجابة عادة بأن مثله ينكح مثلها وبه صرح ابن عبد السلام بخلاف نحو كناس وحجام خطب بنت أمير أو شيخ إسلام لأن هذا الإلقاء من وسوسة الشيطان لا من إلقاء الرحمن بل تردد ابن عبد السلام فيما لو احتمل ومال إلى المنع لفقد السبب المجوز وهو غلبة الظن وليس المنظور على إطلاقه بل مقيدا بما عدا عورة الصلاة كما يفيده خبر آخر وأما خبر أبي داود فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فمبهم مطلق يرد إلى هذا المقيد واقتصاره على الإذن يفيد حرمة المس (حم هـ ك) في المناقب (هق) من حديث إبراهيم بن صدقة (عن محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام الخزرجي البدري كان كبير المقدار أسود ضخما اعتزل الفتنة بأمر نبوي ثم قال الحاكم غريب وإبراهيم ليس من شرط الكتاب قال الذهبي ضعفه الدارقطني الحديث: 489 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 490 - (إذا أم أحدكم الناس) بأن كان منصوبا للإمامة بنصب الإمام أو الناس أو أهل المحلة أو تقدم للإمامة بنفسه أو صار إماما ولو بغير قصد منه سمي إماما لأن الناس يأتمون بأفعاله أي يقصدونها (فليخفف) صلاته ندبا وقيل وجوبا بأن لا يخل بأصل سننها ولا يستوعب الأكمل كما في المجموع وقيل بأن ينظر ما يحتمله أضعف القوم فيصلي مراعيا له وأيده ابن دقيق العيد بأن التطويل والتخفيف من الأمور الاعتبارية فرب تطويل لقوم تخفيف لآخرين وعلم من ذلك أنه ليس المراد بالتخفيف الاختصار والنقصان بدليل أنه نهى عن نقرة الغراب ورأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال ارجع فصل فإنك لم تصل وقال لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده (فإن فيهم) وفي رواية منهم (الصغير) الطفل (والكبير) سنا (والضعيف) خلقة بدليل تعقيبه بقوله (والمريض) مرضا يشق معه احتمال التطويل (وذا الحاجة) عطف عام على خاص قال ابن حجر وهذه أشمل الأوصاف وزاد الطبراني والحامل والمرضع والعابر السبيل وحذف المعمول ليفيد العموم فيتناول الأوصاف وزاد الطبراني فيتناول أية صلاة كانت ولو نفلا جماعة وليس لك أن تقول مفهوم الخبر أه إذا لم يكن ثم من هو متصف بما ذكر لا يخفف لأن الأحكام إنما تناط بالغالب لا النادر فليس التخفيف وإن علم عدم طرو من هذه صفته نعم له التطويل إذا أم محصورين راضين لم يتعلق بعينهم حق كما بين في الفروع (وإذا صلى لنفسه) أي منفردا (فليطول ما شاء) فلا حرج عليه في ذلك وإن خرج الوقت على الأصح عند الشافعية بشرط أن يوقع بركعة منها في الوقت كما رجحه الاسنوي وخبر النهي عن إخراجها عن وقتها محله إذا أخر الشروع إلى خروجه أو ضيقه ويكره للمنفرد إفراط التطويل المؤدي إلى نحو سهو أو فوت خشوع أو مصلحة وفيه الاهتمام [ص: 303] بتعليم الأحكام والرفق بالخاص والعام واستدل بعمومه على جواز تطويل الاعتدال والقعود بين السجدتين لكن الأصح عند الشافعية أن تطويلهما مبطل ونزلوا الخبر على الأركان الطويلة جمعا بين الأدلة (حم ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله عنه بألفاظ مختلفة لكن متقاربة الحديث: 490 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 491 - (إذا أمن) بالتشديد (الإمام) أي أراد التأمين أي أن يقول آمين عقب الفاتحة في جهرية (فأمنوا) أي قولوا آمين مقارنين له لأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه فلا يتأخر عنه وفيه ندب التأمين للإمام خلافا لمالك ورفع صوته به إذ لو لم يجهر به لما علم تأمينه المأموم وظاهر الحديث أنه إذا لم يؤمن لا يؤمن المقتدي وهو غير مراد ووقع لبعض أعاظم الشافعية من سوء التعبير ما لا يليق بمقامه وهو أنه قال قضية الخبر أن الإمام إذا لم يؤمن لا يؤمن وهو وجه والأصح خلافه هذه عبارته ولعله سرى لذهنه أنه تقرر في الفقه وحاشاه أن يقصد أن الأصح خلاف قضية كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم (فإنه) أي الشأن وهذا كالتعليل لما قبله (من وافق تأمينه تأمين الملائكة) قولا وزمنا وقيل إخلاصا وخشوعا واعترض والمراد جميعهم لأن أل الداخلة على الجمع تفيد الاستغراق أو الحفظة أو الذين يتعاقبون أو من يشهد تلك الصلاة ممن في الأرض أو في السماء ورجحه ابن حجر ولا يعد في سماع تأمين من في الأرض لقوة الإدراك المودعة فيهم والمراد بتأمينهم قولهم عقب القراءة آمين ومعناه استجب للمصلين ما سألوه من نحو طلب الهداية والاستعانة وقد خفي هذا مع ظهوره على من أول التأمين بالاستغفار (غفر له ما تقدم) زاد في رواية للجرجاني في أماليه وما تأخر قال ابن حجر وهي شاذة (من ذنبه) أي من الصغائر لا الكبائر لأنه صح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر فإذا لم تكفر الفروض الكبائر فكيف يكفرها سنة التأمين لكن نازع فيه التاج السبكي بأن المكفر ليس التأمين الذي هو صنع المؤمن بل وفاق الملائكة وليس صنعه بل فضل الله وعلامة على سعادة الموافق قال فالحق أنه علم خص منه تبعات الناس وجرى عليه الكرماني فقال عموم اللفظ يقتضي المغفرة فيستدل بالعام ما لم يظهر المخصص ومن للبيان لا للتبعيض وفيه ندب التأمين مطلقا ورد على الإمامية الزاعمين أن يبطل الصلاة لكونه ليس قرآنا ولا ذكرا وأن الملائكة يدعون للبشر ووجوب الفاتحة لأن التأمين لا يكون إلا عقبها (مالك) في الموطأ (حم ق) في الصلاة (4) كلهم (عن أبي هريرة) وغيره الحديث: 491 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 492 - (إذا أنا) زاد أنا لمزيد التقوية والتحقيق (مت و) مات (أبو بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (وعثمان) ذو النورين (فإن استطعت أن تموت فمت) أي إن أمكنك الموت فرضا فافعل فإنه خير لك من الحياة حالتئذ لما يقع من الفتن وسفك الدماء قاله لمن قال له: يا رسول الله إن جئت فلم أجدك فإلى من آتي قال: أبا بكر قال: فإن لم أجده قال: عمر قال: فإن لم أجده قال: عثمان قال: فإن لم أجده فذكره وذلك إشارة إلى أن عمر قفل الفتنة كما ورد مصرحا به وأن بقتل عثمان تقع الفتن ويعظم الهرج حتى يصير الموت خيرا من الحياة وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع (حل) وكذا الطبراني في الأوسط وابن عدي وابن عساكر (عن سهل بن أبي حيثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة وعبد الله الأنصاري وفيه مسلم بن ميمون الخواص ضعيف لغفلته الحديث: 492 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 493 - (إذا انتاط) بنون فمثناة فوقية قال الزمخشري افتعل من نياط المفازة وهو بعدها كأنها نيطت بأخرى (غزوكم) أي [ص: 304] مواضع الغزو ومتوجهات الغزاة (وكثرت العزائم) بعين مهملة وزاي أي عزمات الأمراء على الناس في الغزو إلى الأقطار النائية (واستحلت الغنائم) أي استحل الأئمة ونوابهم الاستئثار بها ولم يقسموها على الغانمين كما أمروا (فخير جهادكم) حينئذ (الرباط) أي المرابطة وهي الإقامة في الثغور ولا حرج عليكم في ترك الغزو وقرره كله الزمخشري (طب وابن منده) في الصحابة (خط) في ترجمة العباس بن حماد كلهم (عن عتيبة) بضم المهملة وفتح المثناة فوق (ابن الندر) بضم النون ودال مهملة مشددة كما في التقريب كأصله وذكره الذهبي شامي حضر فتح مصر وفيه سويد ابن عبد العزيز قال أحمد متروك الحديث: 493 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 494 - (إذا انتصف شعبان) أي مضى نصفه الأول ولفظ رواية الترمذي والنسائي إذا بقي النصف من شعبان (فلا تصوموا) أي يحرم عليكم ابتداء الصوم بلا سبب (حتى يكون رمضان) أي حتى يجيء على حد قوله. . . إذا كان الشتاء فأدفؤني. . . ذكره العكبري وحكمة النهي التقوي على صوم رمضان واستقباله بنشأة وعزم وقد اختلف في التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان على أربعة أقوال أحدها الجواز مطلقا يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف. الثاني قال ابن عبد البر وهو الذي عليه أئمة الفتوى لا بأس بصيام الشك تطوعا كما قاله مالك الثالث عدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية الرابع يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني وعليه كثير من العلماء (حم 4) في الصوم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن صحيح وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وتعقبه مغلطاي لقول أحمد هو غير محفوظ وفي سنن البيهقي عن أبي داود عن أحمد منكر وقال ابن حجر: وكان ابن مهدي يتوقاه وظاهر صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل بهذا اللفظ ولا كذلك فعند أبي داود إذا انتصف شعبان فلا تصوموا وعند النسائي فكفوا عن الصيام وعند ابن ماجه إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان وعند ابن حبان فأفطروا حتى يجيء رمضان وفي رواية له لا صوم بعد نصف شعبان حتى يجيء رمضان ولابن عدي إذا انتصف شعبان فأفطروا وللبيهقي إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا حتى يدخل رمضان الحديث: 494 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 495 - (إذا انتعل أحدكم) أي لبس نعله (فليبدأ) ندبا (باليمنى) أي بإنعال رجله اليمنى وفي رواية باليمين (وإذا خلع) نعله أي نزعه وبه جاءت رواية (فليبدأ) ندبا (باليسرى) أي يخلعها لأن اللبس كرامة للبدن إذ هو وقاية من الآفات واليمين أحق بالإكرام فبدئ بها في اللبس وأخرت في النزع ليكون الإكرام بها أدوم وصيانتها وحفظها أكثر كما أشار إليه بقوله (لتكن) الرجل (اليمنى أولهما) قال الطيبي متعلق بقوله (تنعل) وهو خبر كان وذكره بتأويل العضو أو هو مبتدأ وتنعل خبر والجملة خبر كان (وآخرهما تنزع) ونقل ابن التين عن ابن وضاح أن قوله لتكن إلى آخره مدرج وأن المرفوع إلى باليسرى وضبط قوله أولهما وآخرها بالنصب خبر كان أو حال قال وتنعل وتنزع بمثناتين فوقيتين وبتحتيتين مذكرين باعتبار الفعل والخلع. قال النووي: يندب البداءة باليمين في كل ما فيه تكريم وزينة كوضوء وغسل وتيمم ولبس ثوب ونعل وخف وسراويل ودخول مسجد وسواك واكتحال وقلم ظفر وقص شارب ونتف إبط [ص: 305] وحلق رأس وسلام من صلاة وأكل وشرب ومصافحة واستلام الحجر الأسود والركن اليماني وخروج من خلاء وأخذ وإعطاء ونحو ذلك مما هو في معناه وباليسار في ضده كخلع نعل وخف وسراويل وثوب ودخول خلاء وخروج من مسجد واستنجاء وفعل كل مستقذر. وقال الترمذي الحكيم: اليمين محبوب الله ومختاره من الأشياء فأهل الجنة عن يمين العرش يوم القيامة وأهل السعادة يعطون كتبهم بأيمانهم وكاتب الحسنات وكفة الحسنات عن اليمين إلى غير ذلك فابتدئ باليمين في اللبس ونحوه وفاء بحقه بأن الله اختاره وفضله ثم يستصحب ذلك الحق فلا ينزع اليمين إلا آخرا ليبقى ذلك الفضل أكثر (حم م د ت هـ) في اللباس (عن أبي هريرة) وزاد في الكبير عزوه للبخاري ولا أدري لم تركه هنا وظاهر صنيعه أن الكل روى الكل وهو وهم فلم يقل مسلم ولا ابن ماجه لتكن إلى آخره الحديث: 495 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 496 - (إذا انتهى أحدكم) أي انتهى به السير حتى وصل (إلى المجلس) أي مجلس التخاطب والمسامرة بين القوم المجتمعين للتحدث فيه وهو النادي (فإن وسع له) ببنائه للمفعول أي فسح وفي رواية للفاعل أي فسح له أخوه المسلم كما في رواية (فليجلس) فيه ولا يأبى الكرامة (وإلا) أي وإن لم يوسع له (فلينظر إلى أوسع مكان) يعني مكان واسع (يراه) في المجلس (فليجلس فيه) إن شاء وإلا انصرف ولا يزاحم غيره فيؤذيه ولا يجلس وسط الحلقة للتوعد عليه باللعن في الخبر الآتي ولا أمام غيره لأنه إضرار له وإن أذن حياء كما يقع كثيرا ولا يقيم أحدا ليجلس مكانه منهي عنه كما يأتي في أخبار ولا يستنكف أن يجلس في أخريات الناس بل يقصد كسر النفس ومخالفة الشيطان ويسلك سبيل أولياء الرحمن فإن الرضا بالدون من شرف المجالس كما في خبر يأتي وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجلس حيث ينتهي به المجلس كما يأتي وقد عم الابتلاء بالتنافس في ذلك وطم في هذا الزمان وقبله بأزمان سيما العلماء ولو علموا أن الصدر صدر أينما حل لما كان ما كان ويندب القيام لمن دخل عليه ذو فضل ظاهر كعلم وصلاح بقصد البركة والإكرام لا الرياء والاعظام ويحرم على الداخل محبة القيام له (البغوي) أبو القاسم في المعجم (طب هب عن شيبة) ضد الشباب (وابن عثمان) المكي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم صاحب مفتاح الكعبة قال الهيتمي إسناده حسن الحديث: 496 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 497 - (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس) بحيث يرى الجالسين ويرونه ويسمع كلامهم ويسمعون كلامه (فليسلم) عليهم ندبا مؤكدا نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء السلام سنة ورده فرض (فإن بدأ) أي عن (له أن يجلس) معهم (فليجلس) معهم إن شاء (ثم إذا قام) لينصرف (فليسلم) عليهم أيضا ندبا مؤكدا وإن قصر الفصل بين سلامه وقيامه وإن قام فورا وعلله بقوله (فليست) التسليمة (الأولى بأحق) أي بأولى (من) التسليمة (الآخرة) وفي نسخة الأخرى أي كلا التسليمتين حق وسنة وكما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذا الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند الغيبة وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة. قال النووي: ظاهر الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على من سلم عليهم وفارقهم وقول القاضي والمتولي السلام عند المفارقة دعاء يندب رده ولا يجب لأن التحتية إنما تكون عند اللقاء رده الشاشي بأن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند الجلوس قال أعني النووي وهذا هو الصواب (حم د ت حب ك) وكذا النسائي في اليوم والليلة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن صحيح قال في الأذكار وأسانيده جيدة قال المنذري زاد فيه رزين ومن سلم على قوم حين يقوم عنهم كان شريكهم فيما خاضوا فيه من خير بعده الحديث: 497 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 [ص: 306] 498 - (إذا أنفق الرجل) وفي رواية بدله المسلم (على أهله) أي زوجته وأقاربه أو زوجته وهم ملحقون بها بالأولى لأنه إذا ثبت في الواجب ففي غيره أولى (نفقة) حذف المقدر لإرادة العموم فشمل الكثير والقليل (وهو يحتسبها) أي والحال أنه يقصد بها الاحتساب وهو طلب الثواب من الوهاب (كانت) وفي رواية للبخاري فهي (له صدقة) أي يثاب عليها كالصدقة وإطلاق الصدقة على الثواب مجاز والصارف عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت الصدقة عليها أي الفرض والعلاقة بين المعنى الموضوع له وبين المعنى المجازي ترتب الثواب عليهما وتشابههما فيه والتشبيه في أصل الثواب لا في كميته وكيفيته فسقط ما قيل الإنفاق واجب والصدقة لا تطلق إلا على غيره فكيف يتشابهان وافهم قوله يحتسبها أن الغافل عن نية التقرب لا تكون له صدقة كتسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة للرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يلزمه لها شيء لكنه تعالى خصه بالفضل والقيام عليها فمن ثم أطلق على الصداق والنفقة صدقة وفيه حث على الإخلاص وإحضار النية في كل عمل ظاهر أو خفي (حم ق ن أبي مسعود) واسمه عقبة بالقاف الحديث: 498 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 499 - (إذا أنفقت المرأة) على عيال زوجها أو ضيف أو نحو ذلك (من) الطعام الذي في (بيت زوجها) أي مما فيه من نحو طعام وقد أذن لها بالتصرف فيه بصريح أو ما ينزل منزلته كاطراد عرف وعلم رضا حال كونها (غير مفسدة) له بأن لم تجاوز العادة ولم تقصر ولم تبذر وقيد الطعام لأن الزوج سمح به عادة بخلاف النقد ونحوه فإن اضطرب العرف أو شكت في رضاه حرم وليس في الخبر تصريح بجواز التصدق بغير إذنه بل ولا في خبر مسلم المصرح فيه بأنه بغير أمره لأن المراد أمره الصريح في ذلك القدر المعين أو يكون معها إذن سابق متناول لهذا القدر ولغيره بصريح أو مفهوم قوي (كان لها) أي المرأة (أجرها بما) أي بسبب الذي (أنفقت) غير مفسدة والباء للسببية (ولزوجها) عبر به لكونه الغالب والمراد الحليل ونحوه (أجره بما كسب) أي بسبب كسبه (وللخارن) الذي النفقة بيده أو الحافظ للطعام أي المسلم إذ الكافر لا ثواب له وكذا يقال في الزوجة (مثل ذلك) الأجر بالشرط المذكور (لا ينقص) بفتح أوله وضم ثالثه (بعضهم من أجر) وفي رواية أجر بدون من (بعض) فهم في أصل الأجر سواء وإن اختلف مقداره فلو أعطى المتصدق خادمه مئة ليدفعها لفقير على باب داره فأجر المتصدق أكثر ولو أعطاه رغيفا ليدفعه له بمحل بعيد فأجر مشي الخادم فوق قيمة الرغيف فأجر الخادم أوفر وإن تساويا تساويا وقوله (شيئا) بالنصب مفعول ينقص إذ ينقص يتعدى إلى مفعولين الأول أجر والثاني شيئا ك {زادهم الله مرضا} (ق 4 عن عائشة) رضي الله عنها الحديث: 499 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 500 - (إذا أنفقت المرأة من بيت) في رواية من كسب وفي أخرى من طعام (زوجها عن) وفي رواية من (غير أمره) أي في ذلك القدر المعين بعد وجود إذن سابق عام صريح أو عرف (فلها) أي المرأة وفي رواية للبخاري فله أي الزوج (نصف أجره) يعني قسم مثل أجره وإن كان أحدهما أكثر على حد. . . إذا مت كان الناس نصفان. . . والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر وتنزيل الحافظ ابن حجر ذلك على ما تعطاه المرأة نفقة لها فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما لكونه يؤجر على ما ينفقه عليها: ليس في محله لاقتضائه أنه إذا لم يحتسبها لا يكون بينهما لأن الاحتساب شرط حصول [ص: 307] الثواب له كما نص عليه في الحديث المار وهو قد صور ذلك بغير علمه على أن الأجر له إنما هو في دفع النفقة لها وأما إذا قبضتها واستقر ملكها عليها ثم أنفقت منها فلا أحسب أحدا يقول إنه يكون له أجر فيما تنفقه هي من مال نفسها خالصا وفيه فضل الإنفاق وسخاوة النفس والحث على فعل الخير (ق د عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 500 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 501 - (إذا انفلتت دابة أحدكم) كفرسه أو بعيره أي فرت وخرجت مسرعة يقال انفلت الطائر وغيره تخلص وانطلق (بأرض) بالتنوين (فلاة) أي صحراء واسعة ليس فيها أحد. ففي القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة انتهى والمراد هنا الأخير (فليناد) أي بأعلى صوته (يا عباد الله احبسوا علي دابتي) أي امنعوها من الهرب وعلله بقوله (فإن لله في الأرض حاضرا) أي خلقا من خلقه إنسيا أو جنيا أو ملكا لا يغيب (سيحبسه عليكم) يعني الحيوان المنفلت فإذا قال ذلك بنية صادقة وتوجه تام حصل المراد بعون الجواد ويظهر أن المراد بالدابة ما يشمل كل حيوان كثور أو ظبي بل يحتمل شموله للعبد ونحوه قال النووي عقب إيراده هذا الحديث: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة أظنها بغلة فقال هذا الحديث فحبسها الله عليه حالا قال: وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت بهيمة وعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا. وأخرج ابن السني عن السيد الجليل المجمع على زهده وورعه يونس بن عبيد التابعي المشهور قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} إلا وقفت بإذن الله. وقال اقشيري وقع لجعفر الخلدي فص في دجلة وعنده دعاء مجرب للضالة ترد فدعا به فوجده في أوراق يتصفحها وهو: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي وقال النووي في بستانه جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب وقد علمنيه شيخنا أبو البقاء انتهى. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة أو احتياج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل أعينوا عباد الله رحمكم الله فإنه إن شاء الله يعان (ع وابن السني طب) من حديث الحسن بن عمر عن معروف بن حسان عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي بريدة (عن ابن مسعود) رضي الله عنه قال ابن حجر حديث غريب ومعروف قالوا منكر الحديث وقد تفرد به وفيه انقطاع أيضا بين أبي بريدة وابن مسعود انتهى وقال الهيتمي فيه معروف بن حسان ضعيف قال وجاء في معناه خبر آخر أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان مرفوعا إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ثلاثا فإن لله عبادا لا يراهم. وقد جرب ذلك كذا في الأصل ولم أعرف تعيين قائله ولعله مضنف المعجم الحديث: 501 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 502 - (إذا انقطع شسع نعل أحدكم) بكسر الشين المعجمة سيرها الذي بين الأصابع (فلا يمش) ندبا (في) النعل (الأخرى) التي لم تنقطع (حتى يصلحها) أي النعل التي انقطع شسعها قال ابن حجر وهذا لا مفهوم له حتى يدل على الأذن في غير هذه الصورة بل هو تصوير خرج مخرج الغالب ويمكن كونه من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتياج فمع عدمه أولى فيكره تنزيها المشي في نعل واحدة أو خف أو مداس بلا عذر ولا يحرم إجماعا على ما حكاه النووي لكن نوزع بقول ابن حزم لا يحل وقد يجاب بأن مراده الحل المستوي الطرفين ومثل [ص: 308] النعل إخراج إحدى اليدين من إحدى الكمين وترك الأخرى داخلة وإرسال الرداء من إحدى الكتفين وإعراء الأخرى منه ذكره النووي وإنما كره ذلك في النعل ونحوه لأنه يؤدي إلى العثار ومخالفة الوقار ويفوت العدل بين الجوارح ويصير فاعله ضحكة لمن يراه وهذه من المسائل التي كانت عائشة تنكرها ويرجح الناس خلاف قولها. فإن قلت: ينافي القول بالكراهة ما ورد أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فقال: يا خير من يمشي بنعل فرد. قلت: ليس المراد أنه كان يمشي بنعل واحدة بل المراد بالفرد كما قاله ابن الأثير هي التي لم تخصف ولم تطارق وإنما هي طاق واحدة والعرب تتمدح برقة النعال وجعلها كذلك وأما ما خرجه الترمذي عن عائشة قالت: ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة حتى يصلحها فمع كونه ضعيفا لا يقاوم ما في الصحيح فقد رجح البخاري وغيره كما في الفتح وقفه على عائشة رضي الله عنها قال الحافظ العراقي: وبفرض ثبوته ورفعه وقع منه نادرا لبيان الجواز كما يشير إليه التعبير بربما المفيدة للتقليل أو هو لعذر بل جاء في بعض الروايات الإفصاح به وأخذ بعض السلف من قوله فلا يمشي أن له الوقوف بنعل واحدة حتى يصلح الأخرى وقال مالك: بل يخلعها ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها مما يضر بالمشي وأن له القعود وخالف فيه بعضهم نظرا إلى التعليل بطلب العدل بين الجوارح (خد م ن) من حديث أبي رزين (عن أبي هريرة) قال: خرج علينا أبو هريرة وضرب بيده على جبهته فقال: ألا إنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا وأضل؟ ألا وإني أشهد لسمعته يقول - فذكره (طب عن شداد بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو بمهملة أو بيعلى الأنصاري المدني الشاعر قال الذهبي غلط من عده بدريا الحديث: 502 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 503 - (إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع) أي ليقل ندبا: {إنا لله وإنا إليه راجعون} (فإنها) يعني هذه الحادثة التي هي انقطاع النعل (من المصائب) فإنها تؤذي الإنسان وكل ما أذاه فهو مصيبة والمصائب درجات (البزار عد عن أبي هريرة) قال الهيتمي وفيه بكر بن خنيس ضعيف وقال شيخه العراقي فيه أيضا يحيى بن عبيد الله التميمي ضعفوه ورواه البزار أيضا عن شداد بن أوس وفيه خارجة بن مصعب متروك وهو من طريقته معلول الحديث: 503 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 504 - (إذا أوى) بقصر الهمزة على الأفصح قال الزين زكريا كغيره إن كان أوى لازما كما هنا فالقصر أفصح وإن كان متعديا كما في الحمد لله الذي آوانا فالمد أفصح عكس ما وقع لبعضهم انتهى. (أحدكم إلى فراشه) أي انضم إليه ودخل فيه لينام كما تفسره الرواية الأخرى الواردة بهذا اللفظ وقال القاضي: أوى إلى فراشه انقلب إليه ليستريح (فلينفضه) بضم الفاء قبل أن يدخل فيه ندبا وإرشادا (بداخلة) بتاء التأنيث على ما في نسخ هذا الكتاب كأصله لكن في كثير من الأصول بدونها (إزاره) أي أحد جانبيه الذي يلي البدن خص النفض بالإزار لا لأنه لا يكون إلا به لأن العرب لا تترك الائتزار فهو به أولى لملازمته للرجل فمن لا إزار له ينفض بما حضر وأمره بداخلة الإزار دون خارجته لا لأنه أبلغ وأجدى وإنما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل لأن المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه على ما يلي جسده والآخر بشماله فيرد ما أمسكه بشماله على بدنه وذلك داخلة الإزار ويرد ما أمسك بيمينه على ما يلي جسده من الإزار فإذا صار إلى فراشه فحل ببمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض. فإن قيل: فلم لا يقدر الأمر فيه بالعكس؟ قلنا: لأن تلك الهيئة صنع ذوي الآداب في عقد الإزار. ذكره الزمخشري واختصره القاضي [ص: 309] فقال: داخلة الإزار هي الحاشية التي تلي الجسد وتماسه وإنما أمرنا بالنفض بها لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة إزاره وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها وروى بصنفة إزاره بكسر النون وهو جانبه الذي لا هدب له وهو موافق لما ذكر (فإنه لا) وفي رواية ما (يدري ما خلفه) بالتشديد وبالتخفيف. قال الزمخشري: ما مبتدأ ويدري معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام (عليه) أي على الفراش يعني لا يدري ما حصل في فراشه بعد خروجه منه إلى عوده من قذر وهوام مؤذية (ثم ليضطجع) ندبا و (على شقه الأيمن) أولى (ثم ليقل) ندبا (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه) أي بك أستعين على وضع جنبي ورفعه فالباء للاستعانة وقد استدل جمع متأخرون به على أن متعلق البسملة يقدر فعلا مؤخرا مناسبا لما جعلت التسمية مبدأ كما جنح إليه الكشاف وفيه إشعار بأنه لا يقول إن شاء الله إذ لو شرعت المشيئة هنا لذكرها فالاقتصار على الوارد أولى ذكره السبكي (إن أمسكت نفسي) أي قبضت روحي في نومي (فارحمها) وفي رواية البخاري فاغفر لها (وإن أرسلتها) أي رددت الحياة لي وأيقظتني من النوم (فاحفظها) إشارة إلى آية {الله يتوفى الأنفس حين موتها} (بما) أي بالذي (تحفظ به عبادك الصالحين) أي القائمين بحقوقك. وذكر المغفرة للميت والحفظ عند الإرسال لمناسبته له والتاء في بما تحفظ مثلها في كتبت بالقلم وما موصولة مبهة وبيانها ما دل عليه صلتها لأنه تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي وأن لا يهنوا في طاعته بتوفيقه وفيه ندب هذه الأذكار عند الأوي إلى الفراش ليكون نومه على ذكر وتختم يقظته بعبادة (ق د) في الأدب (عن أبي هريرة) ولفظ رواية مسلم عنه: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك اللهم ربي وبحمدك إلى آخره الحديث: 504 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 505 - (إذا باتت المرأة) أي دخلت في المبيت يعني أوت إلى فراشها ليلا للنوم حال كونها (هاجرة) بلفظ اسم الفاعل وهو ظاهر وفي رواية مهاجرة وليس لفظ المفاعلة على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد يأتي لفظها ويراد به نفس الفعل وإنما يتجه عليها اللوم إذا بدأت بالهجر فغضب (فراش زوجها) بلا سبب بخلاف ما لو بدأ بهجرها ظالما لها فهجرته كذلك (لعنتها الملائكة) الحفظة أو من وكل منهم بذلك أو أعم ويرشد إلى التعميم قوله في رواية مسلم الذي في السماء إن كان المراد به سكانها ثم هذا مقيد بما إذا غضب الزوج عليها كما تقرر بخلاف ما لو ترك حقه ثم لا تزال تلعنها في تلك الليلة (حتى تصبح) أي تدخل الصباح لمخالفتها أمر ربها بمشاقة زوجها وخص الليل لأنه المظنة لوقوع الاستمتاع فيه فإن وقع نهارا لعنتها حتى تمسي بدليل قوله في رواية حتى ترجع. قال في الكشاف: البيتوتة خلاف الظلول وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم وليس الحيض عذرا إذ له حق التمتع بما فوق الإزار ذكره النووي وبه علم أن قول ابن أبي جمرة: الفراش كناية عن الجماع ليس في محله وليس المراد باللعن اللغوي الذي هو الطرد والبعد عن رحمة الله لأنه لا يجوز على مسلم بل العرفي وهو مطلق السب والذم والحرمان من الدعاء لها والاستغفار إذ الملائكة تستغفر لمن في الأرض كما جاء به القرآن فتبيت محرومة من ذلك وفيه أن سخط الزوج يوجب سخط الرب وإذا كان هذا في قضاء الشهوة فكيف به في أمر دينها وأن الملائكة تدعوا على العصاة وأن دعاءهم من خير أو شر مقبول لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوف بذلك وأن السنة أن يبيت الرجل مع أهله في فراش واحد ولا يجري على سنن الأعاجم من كونهم لا يضاجعون نساءهم بل لكل من الزوجين فراش فإذا احتاجها يأتيها أو تأتيه (حم ق) في النكاح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 505 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 506 - (إذا بال أحدكم) أي شرع في البول والمراد به مس الذكر عند الاستبراء منه ولا يصح كون بال بمعنى فرغ إذ [ص: 310] يكون معناه النهي عن مس الذكر باليمين في الاستنجاء ولا يصح إذ يصير حينئذ قوله بعده وإذا دخل الخلاء فلا يتمسح تكرارا ذكره العراقي (فلا يمس ذكره بيمينه) تكريما لليمين فيكره مسه بها بلا حاجة تنزيها عند الشافعية وتحريما عند الحنابلة والظاهرية تمسكا بظاهر النهي وافهم تقييده المس بحالة البول عدم كراهته في غير تلك الحالة وبه أخذ بعضهم فقال: ووجه التخصيص أن مجاور الشيء حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته في تلك الحالة ولا ينافيه ما في مسلم والترمذي والنسائي من إطلاق النهي لوجوب حمل المطلق على المقيد فإن الحديث واحد والمخرج واحد لا خلاف في حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الواقعة انتهى لكن الأصح كما قال النووي لا فرق بين حالة الاستنجاء وغيرها ولا يلزم منه ترك حمل العام على الخاص إذ لا محذور فيه هنا لأن ذلك محله إذا لم يخرج القيد مخرج الغالب ولم يكن العام أولى بالحكم وإنما ذكر حالة الاستنجاء في الحديث تنبيها على ما سواها لأنه إذا كره المس باليمين حالة الاستنجاء مع مظنة الحاجة فغيره أولى ولأن الغالب أنه لا يحصل مس الذكر إلا في تلك الحالة فخصت بالذكر لغلبة حضورها في الذهن وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له والحق أن هذا من ذكر بعض أفراد العموم لا من المطلق والمقيد لأن الأفعال في حكم النكرات والنكرة في سياق النفي نعم والحديث لا يشمل النساء لأن لفظ أحد هنا بمعنى واحد فلو أريد المؤنث لقيل إحدى لكنهن ملحقات بهم قياسا لأن علة النهي إكرام اليمين وصونها عن النجس والقذر ومحله وهو موجود في الأنثى والمنهي عنه المس بغير حائل فلو مس ذكره به لم يكره لأن لم يسمه حقيقة بل الثوب والدبر كالذكر بل أولى فإن الذكر يحتاج لمسه في نحو الاستبراء بخلاف الدبر ووهم الطيبي وخرج بإضافة الذكر إلى البائل ذكر غيره فيحرم مسه مطلقا إلا في الضرورة <تنبيه> استشكل النهي عن مس الذكر بيمينه وعن الاستنجاء بها بأنه متعذر لأنه إن أمسك ذكره بيساره استنجى بيمينه وإن استنجى بيساره أمسك ذكره بيمينه فوقع في منهي بكل حال وأجيب بأنه يمسك الحجر بيمينه والذكر بيساره ويمسحه عليه ولا يحرك اليمين (وإذا دخل الخلاء) أي فبال أو تغوط (فلا يتمسح) أي يستنجي (بيمينه) بل يفعل ذلك بيساره لأن اليمين لما شرف وعلا واليسار لما خس ودنا ولأنه إذا باشر النجاسة بها فقد يذكر عند تناول الطعام ما باشر بيمينه فينفر طبعه. وعلم بما تقرر أن معنى لا يتمسح بيمينه لا يجعلها آلة لاستعمال الماء والحجر الذي يستنجى به فإنه مكروه تنزيها أو تحريما على ما تقرر أما الاستنجاء بها بمعنى جعلها بمنزلة الجامد فحرام غير مجزئ بها وباليسار بل وسائر أجزائه كما هو بين والنهي عن التمسح بها يشمل الفرجين (وإذا شرب فلا يتنفس) جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية ومعطوفة إن كانت ناهية لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد كون المعطوف مقيدا به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول بل حكم مستقل. وحكمة ذكره هنا أن غالب أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب فضل وضوئه والتنفس في الإناء خاص بحالة الشرب (في) داخل (الإناء) أي لا يخرج نفسه فيه بل يفصل القدح عن فيه ثم يتنفس لئلا يتقذر الماء أو نحوه به وليأمن خروج شيء تعافه النفس من الفم وكل ذي رئة يتنفس بالمعنى المذكور. واعلم أن هذا لفظ الجماعة ولفظ أبي داود وحده وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا فيكره الشرب بنفس واحد تنزيها لأنه إذا استوفى شربه نفسا واحدا تكابس الماء في موارد حلقه وأثقل معدته فلهذا جاء في حديث يأتي الكباد من العب فإذا قطع شربه في أنفاس ثلاثة كان أنفع وأخف ولا منافاة بين هذا وحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا لأن المنهي التنفس في نفس الإناء وأما خارجه فلا نزاع في ندبه نقله الولي العراقي عن ابن المنذر (حم ق 4 عن أبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو النعمان أو عمرو بن ربعي الحديث: 506 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 507 - (إذا بال أحدكم) أي أراد أن يبول (فليرتد) أي فليطلب (لبوله مكانا لينا) لئلا يعود عليه رشاشه فينجسه كما مر (د) وكذا الطبراني (عن أبي موسى) الأشعري رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد قال شارح أبي داود ابن محمود [ص: 311] حديث ضعيف لجهل الراوي وقال في المجموع حديث أبي موسى هذا ضعيف الحديث: 507 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 508 - (إذا بال أحدكم) أي فرغ من بوله (فلينتر) بمثناة فوقية لا مثلثة (ذكره ثلاث نترات) أي يجذبه بقوة فالاستبراء بذلك ونحوه مندوب فلو تركه واستنجى عقب الانقطاع ثم توضأ صح وضوءه وقيل واجب وأطيل في الانتصار له وحمل على ما لو غلب على ظنه حصول شيء لولا الاستبراء. قال الومخشري: والنتر جذب فيه جفوة ومنه نترني فلان بكلامه إذا شدد ذلك وغلظ واستنتر طلب النتر وحرص عليه واهتم به (حم د في مراسيله هـ) في الطهارة (عن عيسى بن يزداد) الفارسي عن أبيه قال ابن عساكر ويقال ابن ازداد وهو ابن فساءة بفتح الفاء وسين مهملة مخففة أو مشددة وهمزة الفارسي قال أبو داود كالبخاري لا صحبة ليزداد فالحديث مرسل وفيه علة أخرى غير الإرسال أشار إليها عبد الحق وبينها ابن القطان فقال عيسى وأبوه لا يعرفان وقال ابن معين وابن أبي حاتم مجهولان وقال ابن الأثير مدار حديثه على زمعة بن صالح وقد قال البخاري ليس حديثه بالقائم وقال ابن حجر عيسى مجهول وأبوه مختلف في صحبته الحديث: 508 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 509 - (إذا بال أحدكم) أي أراد البول (فلا يستقبل الريح) حال بوله ندبا وفي رواية لا يستقبل الريح ببوله (فيرده عليه) أي لئلا يرده عليه فينجسه ويؤخذ منه أن الغائط المائع كالبول (ولا يستنجي بيمينه) لأنها أشرف العضوين فتنزه عن ذلك وتفضيل الناقص وإهانة الفاضل عدول عن العدل والله لا يأمر إلا بالعدل (ع و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجمه (عن حضرمي) بمهملة مفتوحة فمعجمة ساكنة وراء مفتوحة بلفظ النسبة (ابن عامر) الأسدي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا من الأشراف (وهو) أي هذا الحديث (مما بيض له) أي لسنده (الديلمي) في مسند الفردوس لعدم وقوفه له على مخرج قال ابن حجر وإسناده ضعيف جدا الحديث: 509 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 510 - (إذا بعثت) أي أرسلت إلى عدو والخطاب لمن يصير إماما أو نائبه ممن له ولاية بعث ذلك (سرية) هي طائفة من الجيش أقصاها أربع مئة تبعث للعدو وسميت به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس أو لأنهم ينفذون سرا أي خفية كذا قبل ورد بأن لام السر واو وهذه ياء فالأصح الأول (فلا تنتقهم) أي لا تنتقي الجلد القوي (واقتطعهم) أي ولكن خذ قطعة أي طائفة اقتطعها من الجند فيهم القوي والضعيف وابعثهم (فإن الله ينصر القوم بأضعفهم) كما فعل في قصة طالوت {وما النصر إلا من عند الله} لا بالقوة والشجاعة {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} وأما الأبطال والشجعان فيغلب عليهم الزهو والاعجاب وقصر النظر على الأسباب فإن تمحض الجيش من هؤلاء خيف عليهم عدم الظفر لعدم اعتمادهم على الله سبحانه وتعالى وملاك النصر والورع في التناول باليد وذلك في صعاليك المؤمنين أغلب وكل سرية غلب عليها الورع والزهد فإلى النصر أقرب ولهذا قيل لعلي كرم الله وجهه ما بال فرسك لم يكب بك قط قال ما وطئت به زرع مسلم قط قالوا وأعظم السرايا سرية فيها من أهل الورع بعدد التائبين من أصحاب طالوت الذين كان بعددهم أهل بدر وهذا من الآداب الحربية والأحكام السلطانية (الحارث) ابن محمد الشهير بابن أبي أسامة التميمي (في مسنده عن ابن عباس) رضي الله عنهما بإسناد ضعيف لكن له شواهد الحديث: 510 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 511 - (إذا بعثتم إلي رجلا) وفي رواية بدله بريدا وفي أخرى رسولا (فابعثوه حسن الوجه) لأن الوجه القبيح مذموم [ص: 312] والطباع عنه نافرة وحاجات الجميل إلى الإجابة أقرب وجاهة في الصدور أوسع وجميل الوجه يقدر على تنجز الحاجة ما لا يمكن القبيح وكل معين على قضاء الحوائج في الدنيا معين على الآخرة بواسطتها ولأن الجمال أيضا يدل غالبا على فضيلة النفس إذ نور النفس إذا تم إشراقه تأدى إلى البدن فالمنظر والمخبر كثيرا ما يتلازمان ولذلك عول أهل الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيآت البدن وقالوا الوجه والعين مرآة الباطن ولذلك يظهر فيه أثر الغضب والسرور والغم. ومن ثم قيل طلاقة الوجه عنوان ما في النفس. واستعرض المأمون جيشا فعرض عليه رجل قبيح فاستنطقه فوجده ألكن فأسقط اسمه من الديوان وقال الروح إن أشرق على الظاهر فصباحة أو على الباطن ففصاحة وذا ليس له ظاهر ولا باطن ولهذا قال تعالى مثنيا {وزاده بسطة في العلم والجسم} قال الغزالي: وليس يعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإنه أنوثة وإنما عني ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه (حسن الاسم) لأجل التفاؤل فإن الفأل الحسن حسن وبين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما تخلف ذلك فإن الألفاظ قوالب المعاني والأسماء قوالب المسميات فقبيح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه عنوان قبح الباطن وبه يعرف أن ذا ليس من الطيرة في شيء وأهل اليقظة والانتباه يرون أن الأشياء كلها من الله فإذا ورد على أحدهم حسن الوجه والاسم تتفاءلوا به <تنبيه> من كلامهم البليغ: إذا قلت الأنصار كلت الأبصار وما وراء الخلق الدميم إلا الخلق اللئيم (البزار) في مسنده (طس) وكذا العقيلي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوعات ولم يصب كما أن الهيثمي لم يصب في تصحيحه بل هو حسن كما رمز له المؤلف الحديث: 511 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 512 - (إذا بلغ الماء قلتين) بقلال هجر كما في رواية أخرى ضعيفة وفي رواية: إذا كان الماء قلتين. وفيه مضاف محذوف أي ملأ قلتين أو قدر قلتين وهما خمس قرب وقدرهما بالوزن خمس مئة رطل بغدادي تقريبا وبالحلبي تسع وثمانون رطلا وثلاث أواق وخمسة وعشرون درهما وخمسة أسباع درهم. قال الولي العراقي عن شيخه البلقيني: الأصح أنها تقريب أرطالا تحديد قربا (لم يحمل الخبث) أي النجس يعني يدفعه ولا يقبله. يقال: فلان لا يحمل الضيم أي يدفعه عن نفسه وزعم أن المراد أنه يضعف عن حمله فينجس بوقوعه فيه يرده رواية أي داود: فإنه لا ينجس. ورواية غيره لم ينجسه شيء. على أن الضعف إنما يكون في الأجسام لا المعاني. وفي الخبر من البلاغة والفخامة ما لا يخفى. فإنه سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فأورد الجواب معللا بذكر السبب المانع من نجاسته وهو بلوغه قلتين ولو أجابه بأنه طاهر أو نجس حصل الغرض لكنه عدل إلى الجواب المعلل المحدد لها فيه من زيادة البيان وتقرير البرهان وأنه لو لم يحده بذلك استوى القليل والكثير في الحكم وذلك في محل الابهام. ذكره ابن الأثير وغيره قال القاضي: والحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجس وذلك إذا لم يتغير وإلا كان نجسا لخبر " خلق الله الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه " وبمفهومه على أن ما دونه ينجس بالملاقاة وإن لم يتغير لأنه علق عدم التنجيس ببلوغه قلتين والمعلق بشرط يعدم عند عدمه ويلزم تغير الحالين في المتنجس وعدمه والمفارقة بين الصورتين حال التغير منتفية إجماعا فتعين أن يكون حين ما لم يتغير وذلك ينافي عموم الحديث المذكور فمن قال بالمفهوم وجوز تخصيص المنطوق به كالشافعي خصص عمومه به فيكون كل واحد من الحديثين مخصصا للآخر ومن لم يجوز ذلك لم يلتفت إليه وأجرى الحديث الثاني على عمومه كمالك فإنه لا ينجس الماء إلا بالتغير قل أو كثر وهو مذهب ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقل عن أبي هريرة والنخعي قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول واختاره الغزالي في الإحياء والروياني في كتابيه البحر والحلية. وطعنوا في حديث القلتين بأنه مشترك بين قلة الجبل وقامة الرجل وشموله نحو كوز وجرة والمشترك [ص: 313] لا يصح حدا ولأنه روي قلتان وثلاث وأربع فالأخذ بالقلتين ترجيح بلا مرجح رد الأول بأنه للآنية لأنه أشهر في الخطاب وأكثر عرفا والثاني بأنه لما قدر بعدد دل على أنه أكثرها. والثالث بأنه ورد من قلال هجر وهي تسع قربتين وشيئا فحمل الشيء على النصف احتياطا وخبر الثلاث والأربع على ما يقل باليد شك فيه الراوي ومعنى لم يحمل خبثا لم يقبله لقوله تعالى {حملوا التوراة ثم لم يحملوها} أي لم يقبلوها للعمل بها ولأنه روى " لا ينجس " فحمل " لم يحمل خبثا " على عدم قبول النجاسة جمعا ولأنه لولاه لم يكن لذكر القلتين وجه (حم 3 حب قط ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض فلاة وما ينوبه وفي رواية ينتابه من السباع والدواب فذكره وفي غالب الطرق لم يذكر أرض القلاة. قال جدي في أماليه: حديث حسن صحيح. وقال شيخه العراقي: سكت عليه أبو داود فهو صالح للاحتجاج وقول صاحب هداية الحنفية ضعفه أبو داود وهو وكفى شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ابن خزيمة وابن حبان واعترف الطحاوي بصحته وقال المنذري: إسناده جيد لا غبار عليه والحاكم على شرطهما وابن معين جيد والنووي في الخلاصة صحيح والبيهقي موصول صحيح ولم ير الاضطراب فيه قادحا قال ابن حجر: أطنب الدارقطني في استيعاب طرقه وجود ابن دقيق العيد في الإمام الكلام عليه ووافق الشافعي على العمل به أحمد دون الإمامين الحديث: 512 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 513 - (إذا تاب العبد) أي الإنسان المكلف توبة صحيحة بأن ندم وأقلع وعزم أن لا يعود ورد المظالم (أنسى الله الحفظة) وهم المعقبات (ذنوبه) بأن يمحوها من أفكارهم وصحفهم. وفي رواية: بدله ما كان يعمل (وأنسى ذلك جوارحه) جمع جارحة. قال الزمخشري: جوارح الإنسان عوامله من يديه ورجليه والمراد هنا أعضاؤه وأجزاؤه المعينة بآية {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم} وبآية {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} (ومعالمه) جمع معلم وهو الأثر من الأرض: أي آثاره منها يعني المواضع التي اقترف السيئات فيها. قال الومخشري: تقول هو من أعلام العلم الخافقة ومن أعلام الدين الشاهقة وهو معلم الخير ومن معالمه أي مظانه وخفيت معالم الطريق أي آثارها المستدل بها عليها: يعني أنساها ذنوبه أيضا فلا تشهد عليه يوم القيامة (حتى) هي وإن كانت غائبة فيها معنى التعليل أي لأجل أن (يلقى الله) والحال أنه (ليس عليه شاهد من الله) من قبل الله ممن جعل لهم الشهادة عليه من الحفظة والجوارح والبقاع (بذنب) وذلك لأنه تعالى هو الآمر بالتوبة وهو يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو الذين رجعوا إليه وطهروا بقربه من أرجاسهم فإذا تقربوا إليه بما يحبه أحبهم وإذا أحبهم غار عليهم أن يظهر أحد على نقص أو على خلل فيهم ويسبل عليهم ستره الأعظم ومن شأن الآدمي إذا أحب إنسانا ثم استقبله في طريق وهو ثمل التفت هكذا وهكذا هل يراه أحد ثم ستره وأدخله منزله فأنامه إشفاقا عليه وإكراما أن يراه أحد على تلك الحالة فما ظنك بالغفار الستار؟ فإذا قبل توبة عبده أنسى الخلق ذنوبه وسبل عليه ستر الوقار لينظر إليه بعين الإجلال لا الاحتقار وذلك لأن المؤمن عليه لباس التقوى وهو وقايته وهو بين الخلق في ذلك اللباس موقر ومهاب وتقواه لا ترى وإنما يرى طلاوة ذلك اللباس وزهوته فإذا أذنب فقد تدنس اللباس وذهب ذلك الوقار فإذا تاب أنسى الله الحفظة وجوارحه ذلك لتعود له المهابة والإجلال (ابن عساكر) في تاريخه والحكيم في نوادره (عن أنس) ورواه عنه أيضا الأصبهاني في ترغيبه وضعفه المنذري الحديث: 513 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 514 - (إذا تبايعتم بالعينة) بكسر العين المهملة وسكون المثناة تحت ونون: وهو أن يبيع سلعة بثمن معلوم لأجل ثم [ص: 314] يشتريها منه بأقل ليبقى الكثير في ذمته وهي مكروهة عند الشافعية والبيع صحيح وحرمها غيرهم تمسكا بظاهر الخبر سميت عينة لحصول العين أي النقد فيها (وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث (ورضيتم بالزرع) أي بكونه همتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد) أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان (سلط الله) أي أرسل بقهره وقوته (عليكم ذلا) بضم الذال المعمجة وكسرها ضعفا واستهانة (لا ينزعه) لا يزيله ويكشفه عنكم (حتى ترجعوا إلى دينكم) أي الاشتغال بأمور دينكم وأظهر ذلك في هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع حيث جعل ذلك بمنزلة الردة والخروج عن الدين وهذا دليل قوي لمن حرم العينة ولذلك اختاره بعض الشافعية وقال أوصانا الشافعي باتباع الحديث إذا صح بخلاف مذهبه (د هـ) في البيوع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال أتى علينا زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز المؤلف لحسنه وفيه أبو عبد الرحمن الخراساني واسمه إسحاق عد في الميزان من مناكيره خبر أبو داود هذا ورواه عن ابن عمر باللفظ المزبور أحمد والبزار وأبو يعلى. قال ابن حجر: وسنده ضعيف وله عنه أحمد إسناد آخر أمثل من هذا اه. وبه يعرف أن اقتصار المصنف على عزوه لأبي داود من سوء التصرف فإنه من طريق أحمد أمثل كما تقرر عن خاتمة الحفاظ وكان الصواب جمع طرقه فإنها كثيرة عقد لها البيهقي بابا وبين عللها الحديث: 514 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 515 - (إذا تبعتم الجنازة) أي مشيتم معها مشيعين لها والجنازة اسم للميت في النعش (فلا تجلسوا) ندبا (حتى توضع) بالأرض كما في أبي داود عن أبي هريرة وتبعه النووي ورجحه البخاري بفعل الراوي أو باللحد كما رواه أبو معاوية عن سهل وذلك لأن الميت كالمتبوع فلا يجلس التابع قبله ولأن المعقول من ندب الشرع لحضور دفنه إكرامه وفي قعودهم قبل دفنه إزراء به. هذا في حق الماشي معها أما القاعد بالطريق إذا مرت به أو على القبر إذا أتي بها فقيل يقوم وقيل لا وقد صح عن المصطفى أنه قام وأمر بالقيام وصح أنه قعد فقيل القيام منسوخ والقعود آخر الأمرين وقيل هما جائزان وفعله بيان للندب وتركه للجواز قال ابن القيم وهو أولى من دعوى النسخ ولهذا اختار في المجموع القيام من حيث الدليل لكن جرى في الروضة على الكراهة من حيث المذهب (م) (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 515 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 516 - (إذا تثاءب) بهمزة بعد الألف قال القاضي: وبالواو غلط. أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار المختنق في عضلات الفك الناشئ عن نحو امتلاء (أحدكم فليضع) ندبا حال التثاؤب (يده) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين. قيل لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى (على فيه) سترا على فعله المذموم الجالب للكسل والنوم الذي هو من حبائل الشيطان. وفي معنى وضع اليد وضع نحو ثوب مما يرد التئاؤب فإن لم يندفع إلا باليد تعينت والأمر عام لكنه للمصلي آكد فالتقييد به في بعض روايات الصحيحين لذلك لا لإخراج غيره ولذاكره للمصلي وضع يده على فيه إذا لم تكن حاجة كالتئاؤب ونحوه ثم علل النهي بقوله (فإن الشيطان يدخل) جوفه إذا فتح فاه والمراد بالشيطان إبليس أو واحد يسمى خترب كمنبر موكل بذلك أو الجنس (مع التئاؤب) يعني يتمكن منه في تلك الحالة ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليثقل عليه صلاته ليخرج منها أو يترك الشروع في غيرها بعدها وخص هذه الحالة لأن الفم إذا انفتح لشيء مكروه شرعا صار طريقا للشيطان والأول أقرب فإن الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم وورد أنه واضع خطمه على قلبه فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقمه [ص: 315] وذلك الوسواس الخناس فالتارك لما أمر به من رد التئاؤب والإمساك بيده على فمه في حكم الغافل الناسي فيتمكن منه في هذه الحالة. وفي حديث الطبراني من أطاع الله فقد ذكره والممتثل للأمر ذاكر لله. فهو ممنوع من الشيطان (حم ق د) (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 516 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 517 - (إذا تثاءب أحدكم) أي عن له التثاؤب (فليرده) أي ليأخذ ندبا في أسباب رده لأن المراد أنه يملك دفعه (ما استطاع) رده (فإن أحدكم إذا قال ها) أي بالغ في التثاؤب فظهر منه هذا الحرف (ضحك منه الشيطان) أي حقيقة فرحا بنفوذ تصرفه فيه أو هو كناية عن سروره وفرحه به وكلام النووي يميل للحقيقة وفيه ندب ترك كثرة الأكل التي هي سبب التثاؤب. قال القاضي: والتثاؤب تفاعل من الثوباء بالمد وهو فتح الحيوان فمه لما عراه من تمط وتمدد للكسل وامتلاء ولهذا السبب قيل ما تثاءب نبي قط (خ عن أبي هريرة) وكذا رواه أبو داود عنه الحديث: 517 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 518 - (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده) ندبا (على فيه ولا يعوي) بمثناة تحتية مفتوحة وعين مهملة وواو مكسورة أي لا يصوت ويصيح يقال عوى الكلب نبح والذئب يعوي بالكسر عواء بالمد والضم صاح قال الزمخشري: فلان لا يعوي لا ينبح. ومن المستعار عويت عن الرجل إذا اغتيب فرددت عنه عواء المغتاب انتهى (فإن الشيطان يضحك منه) شبه المسترسل في التثاؤب بعواء الكلب تنفيرا منه واستقباحا له فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي والمتثاءب إذا أفرط في التثاؤب أشبهه ومنه تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه يصيره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة <تنبيه> قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى الأمر بوضع اليد على فمه هل المراد به وضعها عليه إذا انفتح بالتثاؤب أو وضعها على الفم المنطبق حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك؟ كل محتمل أما لو رده فارتد فلا حاجة للاستعانة بيده مع انتفائه بدون ذلك (هـ) في الصلاة (عن أبي هريرة) رمز المؤلف لضعفه وهو كذلك. وممن جزم بضعفه مغلطاي فقال ضعيف لضعف رواية عبد الله بن سعيد المقبري ونكارة حديثه انتهى. والحديث له أصل عند مسلم وغيره بتغيير قليل في اللفظ الحديث: 518 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 519 - (إذا تجشأ أحدكم) من الجشإ بالضم وهو صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع (أو عطس) بفتح الطاء ومضارعه بكسرها وضمها (فلا يرفع) ندبا (بهما الصوت) أي صوته (فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت) فيضحك منه ويهزأ به فيندب خفض صوته لهما قدر الإمكان ويكره الرفع عمدا فإن تأذى بهما أحد اشتدت الكراهة بل قد تحرم ومدح العطاس في الخبر الآتي لكونه من الله لا يستلزم مدح رفع الصوت به والصوت هواء منضغط بين قارع ومقروع (هب عن عبادة بن الصامت) الأنصاري (وعن شداد بن أوس) عن (واثلة) بكسر المثلثة ابن الأسقع بفتح الهمزة والقاف من أهل الصفة وفيه أحمد بن الفرج وبقية والوضين وفيهم مقال معروف (د في مراسيله عن يزيد) من الزيادة ابن مرثد بسكون الراء بعدها مثلثة الحديث: 519 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 520 - (إذا تخففت أمتي بالخفاف ذات المناقب) أي لبست الخفاف الملونة أو البيض المزينة أو الجعول عليها أرقاع زينة [ص: 316] ففي القاموس نقب الخف رقعه (الرجال والنساء) مشتركون فيها بقصد الزينة وهذا بدل من الأمة لفائدة النص على البدع (وخصفوا) وكان القياس خصفت أي الأمة لكن غلب المذكر لأن الأصل نعالهم (تخلى الله عنهم) أي ترك حفظهم وأعرض عنهم ومن تخلى عنه فهو من الهالكين وأصل الخصف ترقيع النعل أو خرزها أو نسجها ويظهر أن المراد هنا جعلوها براقة لامعة متلونة لقصد الزينة والمباهاة. قال الراغب: الأخصف والخصيف الأبرق من الطعام وحقيقة ما جعل من اللين ونحوه في خصفة فيتلون بلونها وفي الميزان من حديث أبي هريرة أربع خصال من خصال آل قارون لباس الخفاف المتلونة ولباس الأرجوان وجر لقال السيوف وكان أحدهم لا ينظر إلى وجه خادمه تكبرا انتهى. فلعل الإشارة بالخفاف في الحديث المشروح إلى ذلك وقضيته أن المراد بالنعال هنا نعال السيوف وفيه النهي عن لبس الخفاف المزينة الملونة والنعال المذكورة ونحوها مما ظهر بعده من البدع والتحذير منه وأنه علامة على حصول الوبال والنكال أما لبس الخفاف الخالية عن ذلك فمباح بل مندوب فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم عدة خفاف وكان الصحب يلبسونها حضرا وسفرا (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه عثمان بن عبد الله الشامي ضعيف وقال الذهبي قال ابن عدي له موضوعات الحديث: 520 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 521 - (إذا تزوج أحدكم فليقل له) بالبناء للمفعول أي فليقل له ندبا عند العقد أو الدخول أو عندهما أهله وجيرانه وصحبه ومعارفه (بارك الله لك) في زوجك (وبارك عليك) أي أدخل عليك البركة في مؤنتها ويسرها لك وأعاد العامل لزيادة الابتهال وكانت عادة العرب إذا تزوج أحدهم قالوا له بالرفاء والبنين فنهى عن ذلك وأبدله بالدعاء المذكور. قال النووي: ويكره أن يقال بالرفاء والبنين لهذا الحديث ويظهر أن التسري كالتزوج وأن المرأة كالرجل لكنه آكد لما لزمه من المؤنة فتخصيص التزوج والرجل غالبي وزاد في رواية وجمع بينكما في خير (الحارث) ابن أبي أسامة (طب عن عقيل) بفتح المهملة وكسر القاف (ابن أبي طالب) أخو علي وجعفر ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه بمعناه وسياقه عن عقيل أنه تزوج بامرأة من بني جشم وقالوا بالرفاء والبنين فقال: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لهم وبارك عليهم وعقيل هذا كان أسن من علي بعشرين سنة وكان نسابة أخباريا مات زمن معاوية وقد عمي وهو الذي قال له معاوية إنكم يا بني هشام تصابون في أبصاركم فقال فورا وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم رمز لحسنه ولم يصححه لأن فيه أبا هلال قال في اللسان لا يعرف وذكره البخاري في الضعفاء وسماه عميرا وقال لا يتابع على حديثه الحديث: 521 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 522 - (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها) أي لأجل أنها دينة أي متصفة بصفة العدالة وليس المراد العفة عن خصوص الزنا (وجمالها) أي حسنها وبراعة صورتها (كان فيها سدادا) بالرفع على أن كان تامة وبالنصب على أنها ناقصة (من عوز) بالتحريك أي كان فيها ما يدفع الحاجة ويسد الخلة ويقوم ببعض الأمر والسداد بالكسر ما يسد به الفقر وتدفع به فاقة الحاجة قيل والفتح هنا خطأ واعترض وعوز الشيء عوزا من باب تعب عن فلم يوجد وأعوزه الشيء احتاج إليه. وقال الزمخشري وغيره: أصابه عوز وهو الحاجة والفقر وشيء معوز عزيز لم يوجد انتهى. وفي تعبير المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات إيماء إلى أن ذلك غير مبالغ في حمده لأنه في تزوج الجميلة حظا شهوانيا وميلا نفسانيا وأن اللائق بالكمال تمحض القصد للدين وعدم الالتفات إلى جهة الجمال وإن كان حاصلا وقيل أراد أنه إذا تزوجها لدينه ليستعف بها ويصون نفسه [ص: 317] لا لرغبته في مالها وجمالها أعين عليها وكان فيها سدادا من عوز المال والنكاح (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى وكذا العسكري (عن ابن عباس وعن علي) أمير المؤمنين وفيه هيثم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال حجة حافظ يدلس وهو في الزهري لين وحكم ابن الجوزي بوضعه الحديث: 522 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 523 - (إذا تزين القوم بالآخرة) أي تزينوا بزي أهل الآخرة في الهيئة أو الملبس والتصرف مع كونهم ليسوا على مناهجهم (وتجملوا للدنيا) أي طلبوا حصولها بإظهار عمل الدين أو بإظهار النسك ونحوه من الأعمال الأخروية لأجل تحصيل الدنيا (فالنار مأواهم) محل سكناهم يعني يستحقون المكث في نار الآخرة لاشتغالهم بما لا ينجيهم منها وعدم نظرهم في أدبار الأمور وعواقبها المردية وتلبيسهم وتدليسهم وجعلهم الآخرة مصيدة للحطام الفاني كما هو دأب كثير ممن يدعي العلم أو التصرف في هذا الزمان {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة} (عد عن أبي هريرة وهو مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه على مخرجه الحديث: 523 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 524 - (إذا تسارعتم) أي تبادرتم (إلى الخير) أي إلى فعل قربة (فامشوا حفاة) ندبا أي بلا نعل ولا خف (فإن الله يضاعف) من المضاعفة يعني الزيادة (أجره) أي أجر الماشي حافيا أو الحفا المفهوم من حفاة ويصح عود الضمير على الله (على) أجر (المنتعل) أي لابس النعل إن قصد به التواضع والمسكنة وكسر النفس الأمارة فإن الأجر على قدر النصب وما يقاسيه الحافي من تألم رجليه بنحو شوك وأذى وحرارة الأرض أو بردها فوق ما يحصل للمنتعل بأضعاف مضاعفة قال ابن الجوزي: من أهل العلم من يمشي حافيا عملا بهذا الحديث الموضوع وشبهه وذلك مما تنزه الشريعة عنه والمشي حافيا يؤذي العين والقدم وينجسها انتهى. والأوجه أنه إن أمن تنجس قدميه ككونه في أرض رملية مثلا ولم يؤذه فهو محبوب أحيانا بقصد هضم النفس وتأديبها ولهذا ورد أن المصطفى كان يمشي حافيا ومنتعلا وكان الصحب يمشون حفاة ومنتعلين وعلى خلاف ذلك يحمل الأمر بالانتعال وإكثار النعال (طس خط عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم في تاريخه والديلمي وفيه سليمان عن عيسى بن نجيح. قال الذهبي: كان يضع وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات لكن يقويه بعض قوة خبر الطبراني من مشى حافيا في طاعة لم يسأله الله يوم القيامة عما افترض عليه لكن قيل بوضعه أيضا الحديث: 524 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 525 - (إذا تسميتم بي) أي باسمي وهو محمد وليس مثله أحمد خلافا لمن وهم (فلا تكنوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا (بي) أي بتكذيبي يعني لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي لواحد قال جمع وهذا في عصره لئلا يشتبه فيقال يا أبا القاسم فيظن أنه المدعو فيلتفت فيتأذى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} واسمه قد سمي به قبل مولده نحو خمسة عشر وسمى به في حياته محمد بن أبي بكر وابن أبي سلمة وغيرهما فإذا سمعه لم يلتفت إليه حتى بتحقق أنه المدعو وأما كنيته فلم يتكن بها أحد غيره والأصح عند الشافعية حرمة التكني به مطلقا في زمنه وبعده لمن اسمه محمد وغيره وإنما خص بهذه الكنية إيذانا بأنه الخليفة الأعظم الممد لكل موجود من حضرة المعبود سيما في قسمة الأرزاق والعلوم والمعارف (ت عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه الحديث: 525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 [ص: 318] 526 - (إذا تصافح المسلمان) الرجلان أو المرأتان أو رجل ومحرمه أو حليلته يعني جعل كل منهما بطن يده على بطن يد الآخر إذ المصافحة كما في النهاية إلصاق صفح الكف بالكف. وقال التلمساني: وضع باطن الكف على باطن الأخرى مع ملازمة بقدر ما يقع من سلام أو كلام (لم تفرق) بحذف إحدى التاءين (أكفهما) يعني كفاهما كقوله تعالى {فقد صغت قلوبكما} (حتى يغفر لهما) أي الصغائر لا الكبائر لما مر فيتأكذ المصافحة كذلك وهي كما في الأذكار سنة مجمع عليها انتهى ولا تحصل السنة إلا بوضع اليمين في اليمين حيث لا عذر كما مر وظاهر الحديث لا فرق بين كون الوضع بحائل ككم قميص ودونه وهو عن بعضهم خلافه ويكره اختطاف اليد ومصافحته الأمرد ومعانقته كنظره فإن كان بشهوة حرم اتفاقا أو بدونها جاز عند الرافعي وحرم عند النووي وخرج بالمسلم الكافر فتكره مصافحته لندب الوضوء من مسه (طب عن أبي أمامة) قال الهيتمي فيه مهلب بن العلاء لا أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 526 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 527 - (إذا تصدقت) أي أردت التصدق (بصدقة فأمضها) أي فورا ندبا لئلا يحول بينك وبينها الشيطان فإنها لا تخرج حتى تفك لحى سبعين شيطانا كما يأتي في خبر بل ربما حال بينك وبينها بعض شياطين الإنس أيضا وعلى كل خير مانع وقد تأتي المنية قبل إنجازها ويحتمل أن المراد بقوله فأمضها لا تعد فيها بنحو شر كما يدل عليه السبب الآتي (حم تخ عن ابن عمرو) بن العاص قال حمل عمر بن الخطاب رجلا على فرس في سبيل الله ثم وجد صاحبه أوقفه يبيعه فأراد أن يشتريه فنهاه المصطفى ثم ذكره رمز المؤلف لصحته الحديث: 527 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 528 - (إذا تطيبت المرأة لغير زوجها) أي استعملت الطيب في شيء من بدنها أو ملبوسها لاستمتاع غير حليل كزان أو مساحقة أو ليجد الأجانب ريحها وإن خلى عن الزنا والسحاق (فإنما هو) أي تطيبها لذلك (نار) أي يجر إليها ويؤدي إلى استحقاقها فهو من مجاز التشبيه (وشنار) بشين معجمة ونون مفتوحتين مخفف عيب وعار. قال الزمخشري: رجل شنير كثير الشنار قال بعضهم: ونحن رعية وهم رعاة. . . ولولا رعيهم شنع الشنار يريد أن الناس يقولون النار ولا العار وفعل هذه العاهرة قد بلغ من الشناعة ما اجتمع لها فيه النار والعار معا وقد جمع لهاتين العقوبتين الدنيوية والأخروية عار بعده نار (طس عن أنس) قال الهيتمي فيه امرأتان لم أعرفهما وبقية رجاله ثقات الحديث: 528 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 529 - (إذا تغولت لكم الغيلان) أي ظهرت وتلونت بصور مختلفة قال في الأذكار الغيلان جنس من الجن والشياطين وهو سحرتهم ومعنى تغولت تلونت وتراءت في صور وقال بعضهم غيره كانت العرب تزعم أنها تتراءى في الفلوات فتتلون في صور شتى فتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم وقد نفى ذلك الشارع بقوله " لا غول " لكن ليس المراد به نفي وجوده بل إبطال زمن إضلاله فمعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدا قال القزويني: وقد رأى الغول جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سافر إلى الشام قبل الإسلام فضربه بالسيف ويقال إنه كخلقة الإنسان لكن رجلاه رجلا حمار (فنادوا بالأذان) أي ادفعوا شرها برفع الصوت بذكر الله كذا عند ابن حجر وظاهره أنه ليس المراد بالأذان هنا حقيقته الشرعية بالإتيان بأي ذكر كان وهو غير قويم فقد عدوا من المواطن التي يندب فيها الأذان الشرعي تغول الغيلان وقال في الأذكار المراد بقوله فنادوا بالأذان ادفعوا شرها بالأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر كما قال (فإن الشيطان) إبليس على ما درج عليه جمع أو جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن [ص: 319] والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن (إذا سمع النداء) بالأذان (أدبر) ولى هاربا (وله حصاص) بمهملات كغراب أي ولى وله شدة عدو وضراط لثقل الأذان عليه كما يضرط الحمار لثقل الحمل واستخفافا بالذكر. قال عياض: ويمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج الريح ويحتمل كونه عبارة عن شدة نفاره. قال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي غلب على السمع ومنعه من سماع غيره ثم سماه حصاصا أو ضراطا تقبيحا له وزاد في رواية البخاري حتى لا يسمع التأذين وظاهره أنه يتعمد ذلك لئلا يسمع وفيه ندب رفع الصوت بالأذان تنفيرا للشياطين وإنما كان الشيطان ينفر منه لأنه جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعية العقليات والسمعيات لأنه ابتدأ أولا بالذات وما يستحقه من الكمال بقوله الله أكبر ثم أثبت الوحدانية ونفى ضدها من الشرك ثم أثبت الرسالة ثم دعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات الرسالة إذ معرفة وجوبها من جهته لا من جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم الدائم وفيه إشعار بأمور الآخرة من بعث وجزاء وذلك كله متضمن لتأكيد الإيمان ومزيد الإيقان فلذلك نفر منه الشيطان (طس) من حديث عدي بن الفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه (عن أبي هريرة) قال أعني الطبراني لم يروه عن سهيل إلا عدي قال ابن حجر لعله أراد أول الحديث وإلا فباقيه خرجه مسلم وغيره من غير وجه عن سهيل انتهى وقال الهيتمي فيه الفضل وهو متروك وذكر الدميري في الحيوان أن النووي ذكر الخبر في الأذكار وصححه قال ابن حجر ولم أره فيها لا تخريجا ولا تصحيحا وأنى له بالصحة وعدي الذي تفرد به متفق على ضعفه؟ الحديث: 529 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 530 - (إذا تم) أي كمل (فجور العبد) أي استحكم فسق الإنسان وانهمك في العصيان والطغيان قال الزمخشري: ومن المجاز انفجر عليهم العدو وجاءهم بغتة بكثرة وانفجرت عليهم الدواهي وفجر الراكب على السرج مال (ملك عينيه) أي إرسال دمع عينيه فصار دمعها كأنه في يده (فبكى بهما متى شاء) أي أي وقت أراد إظهارا للخشوع والانقياد ليرتب عليه ما هو دأبه من السعي بين الناس بالفساد وهذا من معجزاته وآيات نبوته الظاهرة الباهرة فقد عم وطم في هذا الزمان وتوصل به أشقياء هذا الأوان لمن يدعي العلم إلى جر الحطام والقرب من الحكام إيذاءا للأنام ومحاربة للملك العلام (عد عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) الجهني قال ابن الجوزي حديث لا يصح الحديث: 530 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 531 - (إذا تمنى أحدكم) أي اشتهى حصول أمر مرغوب فيه تفعل من الأمنية والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كان في خير فمحبوب وإلا فمذموم وقيل حديث النفس بما يكون وما لا يكون وهو أعم من الترجي لاختصاصه بالممكن (فلينظر) أي يتأمل ويتدبر في (ما يتمنى) أي فيما يريد أن يتمناه فإن كان خيرا تمناه وإلا كف عنه (فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته) أي ما يقدر له منها وتكون أمنيته لسبب حصول ما تمناه وله ساعات لا يوافقها سؤال سائل إلا وقع المطلوب على الأثر فالحذر من تمني المذموم الحذر وفيه أمر المتمني أن يحسن أمنيته وكان الصديق كثيرا ما يتمثل بقوله: احذر لسانك أن تقول فتبتلى. . . إن البلاء موكل بالمنطق ولما نزل الحسين بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال كرب وبلاء فجرى ما جرى (حم خد هب عن أبي هريرة) رمز لحسنه وهو أعلا فقد قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وأقول في مسند البيهقي ضعفاء الحديث: 531 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 [ص: 320] 532 - (إذا تمنى أحدكم) على ربه من خير الدارين (فليكثر) الأماني (فإنما يسأل ربه) الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه (عز وجل) فيعظم الرغبة ويوسع المسألة ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لا يتيسر كما في الحديث الآتي: فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحاء الليل والنهار أي دائمة لا ينقصها شيء ولا يفنيها عطاء وإن جل وعظم لأن عطاءه بين الكاف والنون {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} قال الزمخشري: وليس ذا بمناقض لقوله سبحانه وتعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} فإن ذلك نهي عن تمني ما لأخيه بغيا وحسدا وهذا تمني على الله عز اسمه خيرا في دينه ودنياه وطلب من خزائنه فهو نظير {واسألوا الله من فضله} (طس عن عائشة) رمز لحسنه وهو تقصر أو قصور وحقه الرمز لصحته فقد قال الحافظ الهيتمي وغيره رجاله رجال الصحيح الحديث: 532 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 533 - (إذا تناول أحدكم) أي أخذ (عن أخيه) في الدين (شيئا) أي أماط عن نحو ثوبه أو بدنه نحو قذاة مما أصابه ولم يشعر به (فليره) بضم التحتية وسكون اللام وكسر الراء وسكون الهاء من أراه يريه (إياه) ندبا تطييبا لخاطره وإشعارا بأنه بصدد إزالة ما يشينه ويعيبه وذلك باعث على مزيد الود وتضاعف الحب وخرج بالأخ في الدين الكافر فلا ينبغي فعل شيء من وجوه الإكرام والاحترام معه إلا لضرورة (د في مراسيله عن ابن شهاب) الزهري (قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عنه) أي الزهري (عن أنس) ابن مالك لكن (بلفظ: إذا نزع) بدل تناول وإسناده ضعيف لكن انجبر المرسل بالمسند فصار متماسكا الحديث: 533 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 534 - (إذا تنخم) بالتشديد (أحدكم) أي دفع النخامة من صدره أو رأسه والنخامة البصاق الغليظ (وهو في المسجد فليغيب نخامته) بتثليث أوله وهو النون ومن اقتصر على الضم فإنما هو لكونه الأشهر بأن يواريها (في التراب) أي غير تراب المسجد أو يبصق في طرف ثوبه أو ردائه ثم يحك بعضه ببعض ليضمحل ومثل النخامة البصاق وكل ما نزل من الرأس أو صعد من الصدر قال يغيب دون يغطي إشارة إلى عدم حصول المقصود بالتغطية إذ قد يزلق بها أحدا أو يقعد عليها وذلك مطلوب في غير المسجد أيضا وإنما خصه لأن البصاق في أرضه أو جزء من أجزائه حرام ومواراته في غير ترابه أو إخراجه واجب وتركه حرام وأما مواراته في غير المسجد فمندوحة لما بينه بقوله (لا يصيب) بالدفع أي لئلا يصيب (جلد مؤمن) أي شيئا من بدنه (أو ثوبه) يعني ملبوسه ثوبا أو رداءا أو عمامة أو غيرها (فيؤذيه) أي فيتأذى به بإصابتها له ونحن مأمورون بكف الأذى عن خلق الله فإن تحقق الأذى حرم وخص المؤمن لأهميته كف الأذى عنه وإلا فكف الأذى عن الذمي واجب (حم ع وابن خزيمة) في صحيحه (هب والضياء) المقدسي والديلمي (عن سعد) ابن أبي وقاص. قال الهيتمي رجاله موثقون وعزاه في محل آخر للبزار ثم قال رجاله ثقات الحديث: 534 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 535 - (إذا توضأ أحدكم) في نحو بيته (فأحسن الوضوء) بأن راعى فروضه وسننه وآدابه وتجنب منهياته (ثم خرج) زاد في رواية عامدا (إلى المسجد) يعني محل الجماعة (لا ينزعه) بفتح أوله وكسر الزاي (إلا الصلاة) أي لا يخرجه ويذهبه من محله إلا قصد فعلها فيه يقال نزع إلى الشيء نزاعا ذهب إليه والمراد أن يكون باعث خروجه قصد إقامتها وإن عرض له في خروجه أمر دنيوي فقضاه والمدار على الإخلاص فحسب (لم تزل رجله اليسرى تمحو) [ص: 321] وفي رواية تحط (عنه سيئة وتكتب له اليمنى حسنة) يعني يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة لكن لما كان مشيه برجليه سببا لذلك صارت كأنها فاعلة وهذا أبلغ في الترغيب وأشوق إلى الأعمال الصالحة. قال العراقي: وخص تحصيل الحسنة باليمنى لشرف جهة اليمين وحكمة ترتب الحسنة على رفعها حصول رفع الدرجة بها وحكمة ترتب حط السيئة على وضع اليسرى مناسبة الحط للوضع فلم يترتب حط السيئة على رفع اليسرى كما فعل باليمنى بل على وضعها أو يقال إن قاصد المشي للعبادة أول ما يبدأ برفع اليمنى للمشي فترتب الأجر على ابتداء العمل انتهى وفيه إشعار بأن هذا الجزاء للماشي لا للراكب أي بلا عذر وذكر الرجل غالبي فبدلها في حق فاقدها مثلها ويستمر المحو والكتب (حتى) ينتهي مشيه إليه بأن (يدخل المسجد) أي محل الجماعة وفيه تكفير للسيئات مع رفع الدرجات وسببه أنه قد يجتمع في العمل شيئان أحدهما رافع والآخر مكفر كل منهما باعتبار فلا إشكال فيه ولا حاجة لتأويل كما ظن. ولما حث على لزوم الجماعة نبه على أن آكد الجماعة جماعة الصبح والعشاء لعظم المشقة فيهما كما مر بقوله (ولو يعلم الناس ما في) صلاة (العتمة) العشاء وسميت باسم وقتها لأنهم يعتمون فيها بحلاب الإبل ولعل هذا قبل نهيه عن تسميتها به (و) صلاة (الصبح) أي ما فيها من جزيل الثواب (لأتوهما) أي سعوا إلى فعلهما (ولو حبوا) أي زاحفين على الركب وفيه أن المساجد بنيت للصلاة أي الأصل ذلك وأن المعنى المترتب عليه الجزاء هو المشي وهو أمر زائد على إدراك فضل الجماعة فلو كان المصلي معتكفا حصل له ثواب الجماعة دون ذلك (طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني موثقون الحديث: 535 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 536 - (إذا توضأ أحدكم في بيته) يعني في محل إقامته (ثم أتى المسجد) يعني محل الجماعة (كان في صلاة) أي حكمه حكم من هو في صلاة من جهة كونه مأمورا بترك العبث واستعمال الخشوع وللوسائل حكم المقاصد ويستمر هذا الحكم (حتى يرجع) أي إلى أن يعود إلى محله. قال الراغب: والرجوع العود إلى ما كان البدء منه مكانا أو فعلا أو قولا بذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله (فلا يقل هكذا) أي لا يشبك بين أصابعه فالمشار إليه قول الراوي (وشبك) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بين أصابعه) أي أدخل أصابع يديه في بعض من اشتباك النجوم وهو كثرتها وانضمامها وكل متداخلين متشابكان ومنه شباك الحديد وإطلاق القول على الفعل جائز شائع ذائع في استعمال أهل اللسان ومطارح البلغاء قال الطيبي: لعل النهي عن إدخال الأصابع بعضها في بعض لما فيه من الإيماء إلى ملابسة الخصومات والخوض فيها بدليل أنه حين ذكر الفتن شبك بين أصابعه وقال اختلفوا فكانوا هكذا: ثم إن هذا الخبر لا يعارضه ما ورد من أن المصطفى شبك بين أصابعه لأن النهي لمن كان في صلاة أو قاصدها أو منتظرها لأنه في حكم المصلي وقال ابن المنير: التحقيق أنه لا تعارض إذ المنهي فعله عبثا وما في الحديث قصد به التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ بصورة الحس وفيه كراهة تشبيك من خرج إلى المسجد للصلاة. في الطريق والمسجد في الصلاة وغيرها كما في التحقيق وأنه يكتب لقاصد المسجد لصلاة أجر المصلي من حين يخرج حتى يعود (ك) في الصلاة (عن أبي هريرة) وقال على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 536 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 537 - (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه) أي أتى به تاما كاملا غير طويل ولا قصير بل متوسط بينهما ذكره القاضي [ص: 322] (ثم خرج) من محله (عامدا إلى المسجد) أي قاصدا لمحل الجماعة يقال عمد للشيء قصد له (فلا يشبكن بين أصابع يديه) ندبا أي لا يدخل أصابع إحداهما في أصابع الأخرى لما فيه من التشبيه بالشيطان أو لدلالته على ذلك أو لكونه دالا على تشبيك الأحوال قال ابن العربي: وقد شاهدت ممن يكره رؤيته ويقول فيه نظير في تشبيك الأحوال والأمور ومثل تشبيكها تفقيعها كما في حديث آخر (فإنه في صلاة) أي في حكم من فيها والتشبيك من هيآت التصرفات الاختيارية والصلاة تصان عن ذلك مع أن التشبيك جالب للنوم وهو مظنة للحديث فلذلك كره تنزيها. قال العراقي: وهل يتعدى النهي عن التشبيك إلى تشبيكه بيد غيره أو يختص بيد نفسه لأنه عبث؟ كل محتمل ويظهر أن تشبيكه بيد غيره إذا كان لنحو مودة أو ألفة لا يكره وقد رفع حديث التشبيك مسلسلا بجمع من الحفاظ ثم إن مفهوم الشرط ليس قيدا معتبرا حتى إنه إنما ينهى عن التشبيك من توضأ فأحسن وضوءه بل من توضأ فأسبغ الواجب وترك المندوب فهو مأمور بذلك وكذا من خرج من بيته غير متوضئ ليتوضأ في طريقه أو عند المسجد لأنه قاصد للصلاة في المسجد وفائدة ذكره الشرط أن الآتي بصفات الكمال من توضئه قبل خروجه من بيته وإحسانه للوضوء وذهابه للمسجد أنه لا يأتي بما يخالف ما ابتدأ به عبادته من العبث في طريقه إلى المسجد بتشبيك اليدين بغير ضرورة بل ينبغي أن يواظب على صفات الكمال في خروجه ودخوله المسجد وصلاته وخروجه منه حتى يرجع إلى بيته ليكون آخر عبادته مناسبا لأولها والنهي عن التشبيك في الصلاة لا يتقيد بكونه في المسجد بل لو صلى في بيته أو سوقه فكذلك لتعليله النهي عن التشبيك في الصلاة إذا خرج من بيته بأنه في صلاة فإذا نهى من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدها فحالة الصلاة الحقيقية أولى بترك العبث سواء كانت الصلاة بالمسجد وغيره (حم د ت) في الصلاة من حديث أبي ثمامة الخياط (عن كعب بن عجرة) بفتح العين (الذي في القاموس بضم العين) المهملة وسكون الجيم البلوى حليف الأنصار أو منهم تأخر إسلامه قال أبو ثمامة أدركني كعب متوجها إلى المسجد مشبكا بين أصابعي فقال إن رسول الله قال فذكره وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال ابن حجر في إسناده اختلاف ضعفه بعضهم لأجله وقال الذهبي في التنقيح رواه جماعة عن المعتز عن أبي ثمامة وهو لا يعرف إلا بهذا الحديث وفيه نكارة وفي الميزان خبره عن كعب ولذلك رمز المؤلف لضعفه الحديث: 537 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 538 - (إذا توضأ أحدكم) أي أراد الوضوء (فلا يغسل) ندبا (أسفل رجليه بيده اليمنى) بل باليسرى تكريما لليمين لأنهم كانوا يمشون حفاة فقد يعلق نحو أذى أو زبل بأسفلهما فلا يباشر ذلك بيمناه تكرمة لها ذكره عبد الحق ويؤخذ منه أن الغسل كالوضوء فيندب فيهما دلك رجليه بيساره ويبالغ في العقب سيما في الشتاء ومثل غسل رجليه غسل رجلي غيره بالأولى (عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (وهو) أي الحديث (مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه عليه رمز لضعفه وذلك لأن فيه سليمان بن أرقم متروك والحسن عن أبي هريرة وهو لم يصح سماعه منه وأبو إبراهيم محمد بن القاسم الكوفي كذبه أحمد الحديث: 538 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 539 - (إذا توضأتم) أي أردتم الوضوء (فابدأوا) ندبا (بميامنكم) وفي رواية بأيامنكم فأيامن جمع أيمن وميامن جمع ميمنة أي بغسل يمين اليدين والرجلين لأن اليمنى أشرف وتقديم الفاضل عن المفضول مما تطابق عليه المعقول والمنقول فإن عكس بلا عذر كره وصح وضوءه وصرف الأمر عن الوجوب. نقل ابن المنذر الإجماع على عدمه ولأنه لا يعقل [ص: 323] في ذلك إلا تشريف اليمين ولا يقتضي عدمه العقاب وما نقل عن الشافعي في القديم من الوجوب لم يثبت وبفرض ثبوته فمراده تأكد الندب من قبيل غسل الجمعة واجب قال الراغب: والبدء والابتداء تقديم الشيء على غيره ضربا من التقديم (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبيهقي وغيرهم قال ابن دقيق العيد: وهو خليق بأن يصحح وصححه ابن خزيمة وارتضاه ابن حجر وقال ابن القطان: صحيح وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه صحيح فرمز المؤلف لضعفه لا معول عليه الحديث: 539 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 540 - (إذا توضأت) بتاء الخطاب أي فرغت من وضوئك (فانتضح) أي رش الماء ندبا على فرجك وما يليه من الإزار حتى إذا أحسست ببلل فقدر أنه بقية الماء لئلا يشوش الشيطان فكرك ويتسلط عليك بالوسواس قال الغزالي: وبه يعرف أن الوسوسة تدل على قلة الفقه وقيل أراد بالنضح صب الماء على العضو ولا يقتصر على مسحه حكاه المنذر وفيه ما فيه (هـ عن أبي هريرة) قال مغلطاي في شرح ابن ماجه سأل الترمذي عنه البخاري فقال الحسن بن علي الهاشمي أي أحد رجاله منكر الحديث وقال ابن حبان هذا حديث باطل وقال العقيلي لا يتابع عليه الهاشمي وقال الدارقطني له مناكير وعبد الحق سنده ضعيف فرمز المؤلف لحسنه غير صواب نعم قال مغلطاي له إسناد عند غير ابن ماجه صالح فلعل المؤلف أراد أنه حسن لشواهده الحديث: 540 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 541 - (إذا توفي أحدكم) أي قبضت روحه قال في الكشاف: التوفي استيفاء النفس وهي الروح وهو أن يقبض كله لا يترك منه شيء من توفيت حقي من فلان واستوفيته أخذته وافيا كاملا والتفعل من الاستفعال يلتقيان في مواضع (فوجد شيئا) أي خلف تركة لم يتعلق بعينها حق لازم وإسناد الوجدان إلى الميت مجاز والمراد وليه أو من يقوم مقامه في تجهيزه (فليكفن) جوازا (في ثوب حبرة) بالإضافة وعدمها كعنبة ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط وهذا قد يعارضه الأمر بالتكفين في البياض وقد يقال مراده هنا لبيان جنس ما يكفن فيه من كونه من نحو قطن لا مع رعاية الحبرة بسائر صفاتها التي منها التخطيط بدليل تعلقه على الوجدان وكأنه قال إن وجد في مخلف الميت ما يفي بثوب من نحو قطن فليكفن فيه ولا يعدل لتكفينه في نحو حصير أو جلد أو حشيش أو كرباس فإنه إزراء به أو أن الحبرة من التحبير وهو التحسين على أنه إنما يحتاج إلى الجمع بين حديثين إذا استويا صحة أو حسنا أو ضعفا وأحاديث البياض صحيحة وهذا الحديث ضعيف أو حسن ودعوى النسخ يحتاج إلى ثبوت تأخر الناسخ (د) في الجنائز (والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال ابن القطان فيه إسماعيل بن عبد الكريم والحديث لا يصح من أجله الحديث: 541 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 542 - (إذا جاء أحدكم الجمعة) أي أراد المجيء إلى صلاتها وهو بضم الميم اتباعا لضم الجيم اسم من الاجتماع أضيف إليه اليوم أو الصلاة وجواز إسكانها على الأصل على المفعول وهي لغة تميم وبها قرئ وفتحها بمعنى فاعل أي اليوم الجامع وهو كهمزة ولم يقرأ بها واستشكاله بأنه أنث مع أنه صفة لليوم دفع بأن التاء ليست للتأنيث بل للمبالغة كهي في علامة أو هي صفة للساعة وحكى الكسر أيضا وسواء كان الجائي رجلا أو صبيا أو أنثى كما أفاده بإضافة أحد إلى ضمير الجمع ليعم وذكر المجيء غالبي فالحكم يعم المقيم بمحلها. قال الطيبي: والظاهر أن الجمعة فاعل كقوله {إذا جاءتهم الحسنة} وقوله {أن يأتي أحدكم الموت} (فليغتسل) ندبا عند الجمهور وقيل وجوبا وعليه الظاهرية وعزى لمالك ونص عليه الشافعي في القديم واختاره السبكي ويأتي فيه مزيد وخرج به من لم يحضرها فلا يطلب منه الغسل بناء على الأصح عند الشافعية والحنفية والمالكية أن الغسل للصلاة لا لليوم فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة وظاهر قوله فليغتسل أن الغسل يتصل بالمجيء فيقربه من ذهابه ويوصله به وبه قال مالك لكن أخذ الشافعية والحنفية بما اقتضاه حديث أبي هريرة من اغتسل [ص: 324] يوم الجمعة ثم راح أن الرواح متأخر عن الغسل فلو اغتسل بعد الفجر أجزأ عند الشافعية والحنفية لا المالكية لكن تقريبه من ذهابه أفضل عند الشافعي (مالك) في الموطأ (ق ت عن ابن عمر) ابن الخطاب قال كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب مغبرة فشكوا ذلك للنبي فذكره وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان فعرض به فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين مازدت حين سمعت الأذان أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضا؟ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره كذا في مسلم وظاهر صنيع المصنف أنه لم يروه من الستة إلا ثلاثة ولا كذلك بل رواه الجماعة إلا أبا داود ومن عزاه للكل كصاحب المنتقي فقد وهم وقد اعتنى بتخريج هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين راويا رووه عن نافع ثم جمع ابن حجر طرقه فبلغ أسماء من رووه عن نافع مئة وعشرين الحديث: 542 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 543 - (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة) يعني دخل المحل الذي تقام فيه الجمعة وهو بضم الميم وفتحها وسكونها فالأولان لكونها جامعة والثالثة لجمعهم فيها فإن فعله بالتحريك للفاعل كهمزة وفعله للمفعول ذكره الزركشي (والإمام يخطب) خطبتها جملة حالية (فليصل) ندبا قبل أن يقعد (ركعتين) فقط تحية المسجد فيكره الجلوس قبلها عند الشافعي ويحتاج من ذهب إلى كراهة التحية لداخله كأبي حنيفة ومالك إلى جواب شاف عن هذا الحديث وأجاب بعض الحنفية بأجوبة سبعة أطيل في ردها بما يشفي الغليل ويوضح السبيل (وليتجوز) أي يخفف فيهما بأن يقتصر على الواجب وجوبا فإن زاد على أقل مجزئ بطلت عند جمع شافعية (حم ق د ن هـ عن جابر) ظاهره أن الكل أخرجوا الكل والأمر بخلافه بل اللفظ لمسلم والبخاري روى معناه وليس في حديثه وليتجوز فيهما فإطلاق العزو غير صواب الحديث: 543 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 544 - (إذا جاء أحدكم) زاد في رواية أبي أسامة إلى القوم إلى محل به جماعة يريد الجلوس معهم (فأوسع له أخوه) أي تفسح له أخوه في الدين محلا يجلس فيه فإنما هي أي الوسعة أو التوسعة أو الفعلة أو الخصلة (كرامة أكرمه الله بها) بواسطة أخيه حيث ألهمه ذلك ولو شاء لألهمه ضد ذلك إذ الفاعل حقيقة إنما هو الله تعالى والخلق ستائر على العقول فينبغي قبول تلك الكرامات مع شهود أنها من فضله تعالى ولا يأبى الكرامة إلا لئيم وبما تقرر علم أنه لا تعارض بين قوله هنا أكرمه الله بها وقوله في حديث الحجرات وإكرام القادم المسلم والاهتمام بشأنه وعدم التغافل عنه لأن التهاون به يفضي إلى الحقد والضغائن وكسر الخواطر وتغير البواطن والظواهر. وخرج بما إذا أوسع له ما لو لم يوسع له فينظر إلى موضع أوسع فيجلس فيه كما أفصح به في الحديث الآخر. ومن آداب الشريعة إيثار الجلوس في طرف المحافل دون صدورها سلوكا لطريق التواضع لكن لا يقصد أن يقال متواضعا بل لشهوده حقارة نفسه حقيقة وليحذر من الكذب في قوله صدر الحلقة وطرفها عندي سواء (تخ هب عن مصعب) بضم الميم وسكون المهملة الثانية وبالموحدة (ابن شيبة) العبدي الحجبي خازن البيت قال الذهبي كابن الأثير مختلف في صحبته رمز لحسنه وفيه عبد الملك بن عمر أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أحمد مضطرب الحديث وابن معين مختلط لكنه اعتضد فمراده أنه حسن لغيره الحديث: 544 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 545 - (إذا جاء الموت لطالب العلم) الشرعي العامل به وقال الغزالي: المراد به في هذا ونحوه علم طريق الآخرة والمراد بطالبه هنا ما يشمل من يطلب نشره ونفع عباد الله فيدخل فيه المعلم والمدرس والمفتي [ص: 325] والمؤلف فليس المراد المتعلم فقط (وهو على هذه الحالة) أي حالة طلبه له لله خالصا (مات وهو شهيد) شهادة أخروية أي في حكم شهيد الآخرة فينال درجة شهيد الآخرة فذلك دليل حسن الخاتمة وفيه ترغيب عظيم في طلب العلم والدوام عليه وإن طعن في السن وأشرف على الهرم ليأتيه الموت على تلك الحالة فيكون من الشهداء (البزار) في مسنده (عن أبي ذر) الغفاري (و) عن (أبي هريرة) معا وضعفه المنذري وقال الهيتمي وغيره فيه هلال بن عبد الرحمن الحنفي متروك وهذا من الأباطيل التي زعم حاتم المغافري أن مالكا حدثه بها عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى ولذلك قال المصنف في الأصل وضعفه الحديث: 545 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 546 - (إذا جاءكم الزائر) أي المسلم الذي قصد زيارتكم (فأكرموه) ندبا مؤكدا ببشر وطلاقة وجه ولين جانب وقضاء حاجة وضيافة بما يليق بحال الزائر والمزور (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق فر) وكذا ابن لال وعنه أورده الديلمي فعزوه إليه أولى (عن أنس) وفيه بقية ويحيى بن مسلم ضعيفان الحديث: 546 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 547 - (إذا جاءكم) أيها الأولياء (الأكفاء) طالبين نكاح من لكم عليه ولاية من النساء (فأنكحوهن) بهمزة قطع أي زوجوهن (ولا تربصوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا تنتظروا (بهن) يعني بتزويجهن (الحدثان) بالتحريك أو بكسر فسكون الليل والنهار أي نوائب الدهر وعوائقه وحوادثه والمراد أنه إذا خطب موليتكم كفؤ فأجيبوه ندبا ولا تمنعوه وتنتظروا بهن نوائب الدهر وعوائقه وحوادثه من موت الولي والمولية أو غيرهما من أقاربهما وربما أدى ذلك لطول التعزيب واختلال الحال فإذا دعت المرأة وليها إلى نكاحها من كفؤ لزمه إجابتها إعفافا لها فإن امتنع فهو عاضل فيزوجها الحاكم والكفؤ كقفل لغة المماثل وعرفا التساوي في السلامة من العيوب المثبتة للخيار وفي الحرية والنسب والدين والصلاح والحرفة (فر عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه الحاكم ومن طريقه عنه أخرجه الديلمي فعزوه إليه كان أولى وفيه يعلى بن هلال قال الذهبي في الضعفاء يضع الحديث الحديث: 547 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 548 - (إذا جامع أحدكم أهله) أي حليلته قال الراغب: وأهل الرجل في الأصل يجمعه وإياهم سكن ثم عبر به عن امرأته (فليصدقها) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال من الصدق في الود والنصح أي فليجامعها بشدة وقوة وحسن فعل جماع ووداد ونصح ندبا (فإن سبقها) في الإنزال وهي ذات شهوة (فلا يعجلها) أي فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها فإن ذلك من حسن المباشرة والإعفاف والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف زاد في رواية كما في الوشاح مع الستر ومص الشفة وتحريك الثديين ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده أن الرجل إذا كان سريع الانزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل أنه يندب له التداوي بما يبطئ الانزال فإنه وسيلة إلى مندوب وللوسائل حكم المقاصد (ع عن أنس) وإسناده حسن الحديث: 548 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 549 - (إذا جامع أحدكم أهله) حليلته (فليصدقها ثم إذا قضى حاجته) منها بأن أنزل (قبل أن تقضي) هي (حاجتها) منه (فلا يعجلها) ندبا أي لا يحثها على مفارقته بل يستمر معها (حتى) أي إلى أن (تقضي حاجتها) بأن يتم إنزالها وتسكن غلمتها. قال الأزهري: القضاء لغة على وجوه مرجعها إلى إنقضاء الشيء وتمامه وكلما أحكم عمله أو أتم أو ختم أو أدى [ص: 326] أو أوجب أو أعلم أو أنفذ فقد قضى (عب) في الجامع (ع عن أنس) قال الهيتمي فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات الحديث: 549 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 550 - (إذا جامع أحدكم امرأته) يعني حليلته زوجة كانت أو أمة (فلا يتنحى) عنها حتى تقضي (حاجتها) منه (كما يحب أن يقضي) هو (حاجته) منها لأنه من العدل والمعاشرة بالمعروف كما تقرر وهذا بمعنى خبر أبي يعلى إذا خالط الرجل أهله فلا ينزو نزو الديك وليثبت على بطنها حتى تصيب منه مثل ما أصاب منها انتهى. وفي هذه الأحاديث ونحوها أخذ أنه ينبغي للرجل تعهد حلائله بالجماع ولا يعطلهن واختلف فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك إن كان لغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور عند الشافعية عدم وجوبه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف في كل أربع ليلة وعن بعضهم في كل طهر مرة (عد عن طلق) بفتح فسكون ابن علي وفيه عباد بن كثير وهو الرملي ضعيف أو متروك الحديث: 550 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 551 - (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر) بالجزم حال الجماع (إلى فرجها) ندبا وقيل وجوبا (فإن ذلك) أي النظر إليه حالتئذ يعني إدامته فيما يظهر (يورث العمى) للبصيرة أو للبصر للناظر أو الولد ومن ثم لم ينظر إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قط ولا رآه منه أحد من نسائه وخص حالة الجماع لأنه مظنة النظر وإذا نهى عنه في تلك الحالة ففي غيرها أولى فيكره النظر إلى الفرج وباطنه أشد كراهة ومحله إذا لم يمنع من التمتع بها وإلا كمعتدة عن شبهة أو أمة مرتدة أو مجوسية ووثنية ومزوجة ومكاتبة ومشتركة فيحرم نظره منهن لما بين السرة والركبة ومثل نظر الرجل إلى فرجها نظرها إلى فرجه بل أولى ويظهر أن الدبر كالقبل (بقي) بفتح الموحدة والقاف (ابن مخلد) عن هشام بن خالد عن عقبة بن الوليد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال المؤلف قال ابن حجر ذكر ابن القطان في كتاب أحكام النظر أن بقي بن مخلد رواه هكذا (عد) عن ابن قتيبة عن هشام بن خالد عن عقبة بن الوليد عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال ابن حبان بقية يروي عن الكذابين ويدلسهم وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم دلس عنه فهذا موضوع ولهذا حكم ابن الجوزي بوضعه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وكذا نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه قال وقد قال الحافظ ابن حجر خالف ابن الجوزي ابن الصلاح فقال جيد الإسناد انتهى. وإليه أشار بقوله (قال) مفتي الأقطار الشامية شيخ الإسلام تقي الدين (ابن الصلاح) الشافعي العلم الفرد أنه (جيد الإسناد) مخالفا لابن الجوزي في زعمه وضعه انتهى وفي الميزان عن أبي حاتم أنه موضوع لا أصل له قال وقال ابن حبان هذا موضوع فكأن بقية سمعه من كذاب فأسقطه انتهى. ونقل ابن حجر عن أبي حاتم عن أبيه أنه موضوع وأقره عليه الحديث: 551 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 552 - (إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس) في المتكلم والولد على ما تقرر فيما قبله وتخصيصه في هذا الحديث وما قبله النهي بالنظر يشير إلى أن مسه غير منهي عنه ومن ثم قال بعضهم لا خلاف في حله وعدم كراهته مطلقا (الأزدي) في كتاب الضعفاء في ترجمة إبراهيم الفرياني عن زكريا بن يحيى المقدسي عن إبراهيم بن محمد بن يوسف الفرياتي عن محمد التستري عن مسعر بن كدام عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة) [ص: 327] قال مخرجه الأزدي إبراهيم ساقط ونوزع (والخليلي في مشيخته) من هذا الوجه عن أبي هريرة ثم قال تفرد به محمد ابن عبد الرحمن التستري وهو شامي يأتي بمناكير (فر عن أبي هريرة) قال ابن حجر وفي مسنده من لا يقبل قوله لكن له شاهد عند ابن عساكر عن ابن أبي ذؤيب لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإنه يكون منه الخرس انتهى الحديث: 552 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 553 - (إذا جعلت) بكسر التاء خطابا لعائشة (إصبعيك (1) في أذنيك) يعني أنملة أصبعيك فوضع الأنملة في محل الأصبع للمبالغة وإنما أطلق الأصبع مع أن التي يسد بها الأذن أصبع خاصة لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتناب ذكرها أولى بآداب الشريعة. ألا ترى أنهم قد استقبحوها فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاءة ولم يذكر بعض هذه الكنايات لأنها ألفاظ محدثة لم تتعارف في ذلك العهد ذكره الزمخشري (سمعت خرير الكوثر) أي خرير نهر الكوثر أو تصويته في جريه قال ابن الأثير معناه من أحب أن يسمع خرير الكوثر أي نظيره أو ما يشبهه لا أنه يسمعه بعينه بل شبيه دويه بدوي ما يسمع إذا وضع أصبعيه في أذنيه. والكوثر نهر خاص بالمصطفى تتشعب منه جميع أنهار الجنة (قط عن عائشة) رمز لضعفه ومن حكى أنه رمز لصحته أو حسنه فقد وهم وبين السخاوي وغيره أن فيه وقفا وانقطاعا لكن يعضده ما رواه الدارقطني أيضا عن عائشة إن الله اعطاني نهرا في الجنة لا يدخل أحد أصبعيه في أذنيه إلا سمع خريره قالت: قلت فكيف؟ قال: أدخلي أصبعيك وسدي أذنيك تسمعي منهما خريره   (1) [يصح الفتح والكسر والضم في همزة " أصبع " ومع كل حركة تثلث الباء (أي يصح فيها كذلك الفتح والكسر والضم) فالمجموع تسع صور (أو " لغات ") والعاشرة " أصبوع " بالضم كما في " القاموس المحيط ". دار الحديث] الحديث: 553 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 554 - (إذا جلستم) أي أردتم الجلوس لأكل أو غيره والتقييد بالأكل في رواية للغالب (فاخلعوا نعالكم) أي انزعوها من أرجلكم (تسترح) أي تستريح وإن فعلتم ذلك تستريح (أقدامكم) فالأمر إرشادي ومحله الندب حيث لا عذر وخرج بالنعل الخف فلا يطلب نزعه نعم مثله قبقاب وتاموسة ومداس (البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي فيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي وهو ضعيف الحديث: 554 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 555 - (إذا جلست في صلاتك) أي في آخرها للتشهد الأخير (فلا تتركن الصلاة علي) بل أئت بها وجوبا وأقلها اللهم صل على محمد أو على رسوله أو النبي (فإنها) أي الصلاة عليه (زكاة الصلاة) أي صلاحها من زكى الرجل صلح فتفسد الصلاة بتركها إذ الصلاح ضد الفساد وفيه أنه تجب الصلاة عليه بعد التشهد الأخير وإن لم يكن للصلاة تشهد أول كما في صلاة الصبح والجمعة وبه قال عمر وابنه وابن مسعود وأبو مسعود والشعبي وهو مذهب الشافعي أما التشهد الأول فهي فيه سنة لا واجبة (قط عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء تصغير بردة ابن الخصيب بضم المهملة وفتح الثانية ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي صحابي أسلم قبل بدر الحديث: 555 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 556 - (إذا جمرتم الميت) المسلم أي بخرتموه يقال جمر ثوبه تجميرا أبخر والمجمرة بكسر الميم وفي المصباح عن بعضهم أن المجمر بحذف الهاء ما يتبخر به من نحو عود وهي لغة في المجمرة وقال الكمال ابن الهمام وكيفية تجميره أن يدور من بيده المجمرة حول سريره وترا كما قال (فأوتروا) أي بخروه وترا ثلاثا فإن الله وتر يحب الوتر قال: وجميع ما يتبخر به الميت ثلاثا عند خروج روحه لإزالة الريح الكربه وعند غسله وعند تكفينه ولا يبخر خلفه ولا في القبر لخبر لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار انتهى (حم ك عن جابر) ورواه عنه أحمد أيضا والبزار بلفظ إذا أجمرتم الميت فاجمروه ثلاثا قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 556 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 [ص: 328] 557 - (إذا جهل) بالبناء للمفعول أي إذا جهل أحدكم (على أحدكم) أي فعل به فعل الجاهلين من نحو سب وشتم قال في الكشاف: المراد بالجهل السفه وقلة الأدب وسوء الدعة من قوله: ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلينا (وهو) أي والحال أنه (صائم) ولو نفلا (فليقل) ندبا باللسان والجنان (أعوذ بالله منك) أي أعتصم به من شرك أيها الشاتم (إني صائم) تذكيرا له بهذه الحالة ليكف عن جهله ولا يرد عليه بمثل قوله ولا يلزم منه الرياء وجاء في رواية تكريره ثلاثا قال الراغب: والجهل خلو النفس من العلم واعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل هبه اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أم باطلا كترك الصلاة عمدا (ابن السني) في عمل يوم وليلة وكذا الطيالسي والديلمي (عن أبي هريرة) رمز لصحته وأصله في الصحيح الحديث: 557 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 558 - (إذا حاك) بحاء مهملة وكاف مخففة اختلج والحيك أخذ بقول في القلب (في نفسك) وفي رواية في صدرك أي في قلبك (شيء) ولم يمازج نوره بل حصل عندك اضطراب وقلق ونفور منه وكراهة (فدعه) أي اتركه لأن الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وركز في الطباع محبته وخلافه يؤثر في القلب حزازة واضطرابا ويكون خطوره للبال على وجه شاذ وتأويل محتمل ومن ذلك قال زهير الستر دون الفاحشات لا يلقاك دون الخبر من ستر والكلام فيمن شرح الله بنور اليقين صدره وأعلى في المعارف قدره بحيث جعل له ملكه للإدراك القلبي وقوي على التفرقة بين الوارد الرحمني والوسواس الشيطاني {وقليل ما هم} أما غيره من كل متلطخ بأدناس الذنوب مدنس بأصناف العيوب بحيث غلظ طبعه وضعف إدراكه فلا عبرة بصدره ولا بما يخطر فيه بل هو أجنبي من هذا المقام وإنما يخاطب بذلك من وثق بنور قلبه وصفاء لبه وذلك من جميل عوائد المصطفى صلى الله عليه وسلم مع صحبه فإنه كان يخاطب كلا منهم على حسب حاله ثم إن قيل: يناقضه الخبر الآتي الحلال بين إلخ لاقتضاء المقام أن الشبهة إثم لأنه يتردد في النفس وذلك يقتضي أنه غير آثم قلنا: يحمل هذا على ما تردد في الصدر لقوة الشبهة ويكون من باب ترك أصل الحل الظاهر قوي وذلك على ما ضعفت فيه الشبهة فبقي على أصل الحل ووراء ذلك أجوبة لا تكاد تصح فاحذرها (حم حب ك) وكذا الضياء (عن أبي أمامة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وزعم ابن معين بأن فيه انقطاعا عورض بأن ذلك في فرد من أفراد طرقه الحديث: 558 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 559 - (إذا حج الرجل) أو اعتمر وذكر الرجل غالبي فالأنثى والخنثى كذلك (بمال) اكتسبه (من غير حل) أي من وجه حرام نحو غصب وربا (فقال) أي فأحرم به قال (لبيك اللهم لبيك) أي دواما على طاعتك وإقامة عليها مرة بعد أخرى من ألب بالمكان أقام وسعديك ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير ولا يكون عامله إلا مضمرا والتلبية من لبيك بمنزلة التهليل من لا إله إلا الله ذكره الزمخشري (قال الله) رادا عليه مقاله ليسمع ذلك من أسمعه الله وأطلعه على أسرار غيبه في الملأ الأعلى (لا لبيك) أي لا إجابة لك (ولا سعديك هذا) أي نسكك الذي أنت فاعله (مردود عليك) أي غير مقبول منك فلا ثواب لك وإن حكم فيه بالصحة ظاهرا بل أنت مستحق للعذاب عليه لما اجترحت من إنفاق الحرام والطيب لا يقبل إلا الطيب وقابل القول بالقول إشارة إلى أن المعصية تكون سرية وجهرية والتوبة منها تكون كذلك كما في خبر يأتي فالسرية فعل القلب والجهرية فعل الجوارح ويظهر أنه لو حج عن غيره بمال حرام يقال للأصل حج أجيرك عنك مردود عليك (عد فر عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح وفيه وجيز بن ثابت قال ابن مهدي لا يعتد به وقال يحيى ليس بشيء والنسائي غير ثقة الحديث: 559 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 [ص: 329] 560 - (إذا حج الرجل عن والديه) أي أصليه المسلمين وان عليا (تقبل) الله (منه ومنهما) أي أثابه وأثابهما عليه فيكتب له ثواب حجته مستقلة ويكتب لهما مثله (وابتشر) بسكون الموحدة فمثناة فوق مفتوحة (به) أي فرح به (أرواحهما) الكائنة (في السماء) فإن أرواح المؤمنين أي كثير منهم فيها يقال بشرت به وسررت به وبشر ويبشر بشرا وابتشارا فرح والكلام في الميتين بدليل ذكر الرواح فإن كانا حيين معضوبين جاز له أيضا كما هو مقرر في الفروع وفيه جواز الحج عن الأبوين. قال المحب الطبري لكن لا أعلم من قال بظاهره من إجزاء الحج عنهما بحج واحد فيحمل على من حج عن أبويه حجتين عن كل واحد حجة فيجزئ عنهما فرضا وعنه ثوابا وعليه يحمل القبول أي لم يسقط ثوابه بل يكتب له أجر حجة وسقط عنهما فرضهما ونظيره خبر إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما كسب وقال ابن العربي: هذا الحديث ونحوه مما فيه حج الولد عن أبيه أصل متفق عليه خارج عن القاعدة الممهدة في الشريعة أنه ليس للإنسان إلا ما سعى رفقا من الله تعالى في استدراك ما فرط للمرء بولده ونقل جمع أنه واجب للآباء على الأبناء وجملة الأمر وتفصيله أن الشافعي يقول إن المعضوب الموسر يلزمه أن يحج عنه وليس في هذا الحديث دليل عليه وإنما فيه الحث على بر الوالدين وصلة القرابة بإهداء الحسنات أما توجه الفرض على ذمته أو ماله فلا انتهى (قط) من حديث عطاء بن أبي رباح (عن زيد) بن أرقم الأنصاري وفيه خالد الأحمر قال مخرجه الدارقطني ثقة وقال ابن معين ليس بشيء وأبو سعيد البقال قال النسائي إنه غير ثقة والفلاس متروك وأبو زرعة صدوق مدلس الحديث: 560 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 561 - (إذا حدث الرجل) أي الإنسان فذكر الرجل غالبي (الحديث) وفي رواية أخا له بحديث وفي أخرى إذا حدث رجل رجلا بحديث (ثم التفت) أي غاب عن المجلس أو التفت يمينا وشمالا فظهر من حاله بالقرائن أن قصده أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه به (فهي) أي الكلمة التي حدثه بها (أمانة) عند المحدث أودعه إياها فإن حدث بها غيره فقد خالف أمر الله حيث أدى الأمانة إلى غير أهلها فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها إذ إلتفاته بمنزلة استكتامه بالنطق قالوا وهذا من جوامع الكلم لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة وحسن الصحبة وكتم السر وحفظ الود والتحذير من النميمة بين الإخوان المؤدية للشنآن ما لا يخفى قال في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار وقال الماوردي: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا والنميمة إن كان مستخبرا فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم وقال الراغب: السر ضربان أحدهما ما يلقى الإنسان من حديث يستكتم وذلك إما لفظا كقولك لغيرك اكتم ما أقول لك وإما حالا وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده أو خفض صوته أو يخفيه عن مجالسه وهو المراد في هذا الحديث (حم د) في الأدب (ت) في البر وحسنه (والضياء) وصححه (عن جابر) بن عبد الله قال المنذري عقب عزوه وفيه عبد الرحمن بن عطاء المدني ولا يمنع تحسين الإسناد (ع) عن أنس قال الهيتمي وفيه جبارة ابن المفلس ضعيف وبقية رجاله ثقات الحديث: 561 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 562 - (إذا حرم) بالبناء للمفعول (أحدكم) أي منع الزوجة والولد فلم يرزقهما (فعليه بالجهاد) أي فيلزمه الجهاد [ص: 330] في سبيل الله لانقطاع عذره بخفة ظهره فإن ذا الولد يخشى أن ييتم ولده وذا الزوجة أن يرمل زوجته فالقصد أن الفرض يكون في حقه لانقطاع عذره بالكلية (طب عن محمد بن حاطب) ابن الحارث القرشي الجمحي ولد بأرض الحبشة وهو أول من سمى في الإسلام محمدا وشهد المشاهد كلها ومات بمكة أو الكوفة. قال الهيتمي: فيه موسى بن محمد بن حاطب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 562 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 563 - (إذا حسدتم) أي تمنيتم زوال نعمة الله على من أنعم عليه (فلا تبغوا) أي لا تعتدوا وتفعلوا بمقتضى التمني فمن خطر له ذلك فليبادر إلى استكراهه كما يكره ما طبع عليه من حب المنهيات نعم إن كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على المحرمات فلا (وإذا ظننتم) سوءا بمن ليس محلا لسوء الظن به (فلا تحققوا) ذلك باتباع موارده وتعملوا بمقتضاه {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} ومن أساء الظن بمن ليس محلا لسوء الظن به دل على عدم استقامته في نفسه كما قيل: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. . . وصدق ما يعتاده من توهم والظن أكذب الحديث أما من هو محل لسوء الظن به فيعامل بمقتضى حاله كما يدل له الخبر الآتي: " الحزم سوء الظن " وخبر " من حسن ظنه بالناس طالت ندامته " (وإذا تطيرتم) تشاءمتم بشيء (فامضوا) لقصدكم ولا يلتفت خاطركم لذلك تتشاءموا بما هنالك (وعلى الله) لا على غيره (فتوكلوا) فوضوا إليه الأمر وسلموا له إنه يحب المتوكلين وقدم الإعلام بدواء الحسد على ما بعده اهتماما لشدة البلاء به لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله به على غيره حملته الغيرة والحسد على الكفران والعدوان <تنبيه> قد تضمن الحديث أن الخصال الرذائل مركوزة في جبلة الإنسان إما بالعقل أو بالشرع قال المتنبي: والظلم من شيم النفوس فإن تجد. . . ذا عفة فلعلة لا يظلم (عد عن أبي هريرة) قال عبد الحق إسناده غير قوي وقال ابن القطان فيه عبد الرحمن بن سعيد مدني ضعفه ابن معين وعبد الله المقبري متروك الحديث: 563 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 564 - (إذا حضرتم موتاكم) عند خروج أرواحهم (فأغمضوا البصر) أي أطبقوا الجفن الأعلى على الأسفل بعد تيقن خروج روحه كما قال القرطبي عن الداودي قال محمد بن المقري سمعت أبا ميسرة وكان رجلا عابدا يقول غمضت جعفرا المعلم وكان رجلا عابدا حال الموت فرأيته في النوم فقال أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل أن أموت (فإن البصر يتبع الروح) هذا علة الأمر بالإغماض يعني أن ذهاب الباصرة في ذهاب الروح فهي تابعة لها فإذا ذهبت الروح ذهبت الباصرة فلم يبق لانفتاح البصر فائدة فلهذا ينبغي تغميضه كذا قرره الهروي تبعا للبيضاوي وجرى على نحوه في المطامح حيث قال: المراد بذلك أن الإدراك البصري المودع في جوهر العين يفارق البدن بفراق الروح فهو تابع لها بقاءا وذهابا فإن بقيت بقي وإن ذهبت ذهب انتهى ومشى على نحوه الأكمل وبه يعرف أن المؤلف من الغافلين حيث ذكر أنه أقام ثلاثين سنة يستشكل ذلك بأن البصر إنما يبصر ما دام الروح بالبدن فإن فارقه تعطل الإبصار ثم أجاب بأن المراد شرع في قبضه ولم ينته انتهى وما ذلك إلا لأنه ظن أن المراد أن البصر يتبع الروح حسا وما درى أنه تابع له في الحكم بقاءا وذهابا كما تقرر (وقولوا) حال التغميض وبعده (خيرا) أي قولوا خيرا: من الدعاء للميت بنحو مغفرة وللمصاب بجبر المصيبة ولا يحملكم الجزع على الدعاء على أنفسكم وهذا كما قال القرطبي أمر [ص: 331] ندب أو إرشاد وتعليم لما ينبغي أن يقال عند المصيبة (فإن الملائكة) الموكلين بقبض روحه أو من حضر منهم أو أعم (تؤمن على ما يقول أهل البيت) أي بيت الميت وفي نسخ أهل الميت أي تقول آمين يعني استجب يا ربنا فلا تقولوا شرا فتؤمن الملائكة فيستجاب ففيه إشارة إلى النهي عن نحو: واكهفاه واجسراه لا عشت بعده ونحو ذلك. والروح عند أكثر أهل السنة جسم لطيف مغاير للأجسام ماهية وصفة متصرف في البدن حال فيه حلول الدهن في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وإذا فارق البدن مات وذهب جمع منهم الغزالي والإمام الرازي وفاقا للحكماء والصوفية إلى أنه مجرد غير حال بالبدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق يدبر أمره على وجه لا يعلم تفصيله إلا الله (حم هـ ك عن شداد ابن أوس) قال ابن حجر فيه فرعة ابن سويد وروى الشطر الثاني من الجماعة جميعا إلا البخاري عن أم سليم بلفظ إذا حضرتم المريض والميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون الحديث: 564 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 565 - (إذا حكم الحاكم فاجتهد) يعني إذا أراد الحكم فاجتهد فحكم فهو من باب القلب على حد {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} قال عياض: والاجتهاد بذل الوسع في طلب الحق والصواب في النازلة وابن الحاجب: استفراغ الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي (فأصاب) أي طابق ما عند الله (فله أجران) أجر لاجتهاده وأجر لإصابته. فإن قيل: الإصابة مقارنة للحكم فما معنى الفاء المفيدة للترتيب والتعقيب؟ فالجواب أن فيه إشارة إلى علو رتبة الإصابة والتعجب من حصولها بالاجتهاد (وإذا حكم فاجتهد) فيه التأويل المار (فأخطأ) أي ظن أن الحق في نفس الأمر في جهة فكان خلافه (فله أجر واحد) (1) على اجتهاده لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة وفيه أن المجتهد يلزمه تحديد الاجتهاد لوقوع الحادثة ولا يعتمد على المتقدم فقد يظهر له خلاف ما لم يكن ذاكرا للدليل الأول وأن الحق عند الله واحد لكن وسع الله للأمة وجعل اختلاف المجتهدين رحمة وأن المجتهد يخطئ ويصيب وإلا لما كان لقوله فأخطأ معنى هذا ما عليه الشافعية وتأوله الحنفية فأبعدوا. قال الحراني: والحكم قصر المتصرف على بعض ما يتصرف فيه وعن بعض ما يتشوف إليه والإصابة وقوع المسدد على حد ما سدد له من موافق لفرض النفس أو مخالف (حم ق د ن هـ عن عمرو بن العاص السهمي حم ق 4 عن أبي هريرة) وفي الباب عندهما   (1) [وينطبق هذا القول على من له أهلية الاجتهاد من العلماء كما هو واضح في شرح المناوي لهذا الحديث ولا يعلم له مخالف. دار الحديث] الحديث: 565 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 566 - (إذا حكمتم فاعدلوا) إن الله يأمر بالعدل والإحسان (وإذا قتلتم) قودا أو حدا أو ما يحل قتله (فأحسنوا القتلة) بالكسر هيئة القتل بأن تختاروا أسهل الطرق وأسرعها إزهاقا كأن تراعى المثلية في القاتل في الهيئة والآلة إن أمكن ويجب في القتل بنحو سيف كونه حادا (فإن الله محسن يحب المحسنين) أي يرضى عنهم ويجزل مثوبتهم ويرفع درجتهم ويبغض المسيئين ومن ثم قال علي لما طعنه ابن ملجم أطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره فإن عشت فأنا ولي دمي فأعفوا إن شئت وإن شئت استقدت وإن قتلتموه فلا تمثلوا به رواه البيهقي (طس عن أنس) قال الهيتمي رجاله ثقات الحديث: 566 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 567 - (إذا حلم أحدكم) بفتح اللام رأى في منامه رؤيا يقال حلم يحلم من باب قتل (حلما) بضمتين ويسكن الثاني تخفيفا واحتلم رأى في منامه رؤيا وأما حلم بضم اللام فمعناه صفح وعفا فالحلم والرؤيا مترادفان لكن غلبت في الخير وغلب الحلم في الشر [ص: 332] ومنه {أضغاث أحلام} وهي الرؤيا التي لا يصح تأويلها لاختلاطها وهي المرادة هنا (فلا يحدث الناس بتلعب) كذا بخط المؤلف في هذا الكتاب لكنه قال في الكبير بتقلب وهي ملحقة بخطه فيه (الشيطان) به كذا هي في رواية ابن ماجه وألحقها المؤلف بخطه بالهامش (في المنام) كان الظاهر أن يقول فلا يخبر به أحدا لكن وضع ذلك موضعه إشارة إلى أنها رؤيا من الشيطان يريه إياها ليحزنه فيسيء ظنه بربه تعالى ويقل ذكره فينبغي أن لا يخبر ولا يلتفت إليه وقيل إنما نهى عنه لأنه لو أخبره ربما فسره غير عارف على ظاهر صورته فوقع ما فسر بتقدير الله وقد أرشد الشارع في خبر آخر إلى أن دواء ذلك أن يتفل ويتعوذ ويكتم فلا تضره (م هـ عن جابر) ابن عبد الله الحديث: 567 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 568 - (إذا حم أحدكم) بالضم والتشديد أصابه الحمى وهي كما قال ابن القيم حرارة تشتعل بالقلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى كل البدن وهي أنواع كثيرة (فليسن) بسين مهملة مضمومة في خط المؤلف ونقطها من تحت بثلاث نقط لئلا تشتبه بمعجمة أو بشين معجمة وعليه اقتصر في النهاية وادعى الضياء أنه تحريف (عليه من الماء البارد) أي فليرش عليه منه رشا متفرقا قال في النهاية: والشن بالمعجمة الصب المنقطع والسن بالمهملة الصب المتصل وهو يؤيد رواية المعجمة وبما أيد به أيضا أن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها كانت ترش على المحموم قليلا من الماء بين ثدييه وثوبه وهي لملازمتها للمصطفى صلى الله عليه وسلم داخل بيته أعلم بمراده وقال العسكري بمهملة وقال بمعجمة (ثلاث ليال من) أي في (السحر) بفتحتين أي قبيل الصبح فإنه ينفع في فصل الصيف في القطر الحار في الحمى العرضية أو الغب الخالصة الخالية عن الورم والفتق والأعراض الرديئة والمواد الفاسدة فتطفئها بإذن الله تعالى إذا كان الفاعل لذلك من أهل الصدق واليقين فالخبر ورد على سؤال سائل حالة ذلك ولا يطرد في غيره (ن) في الطب (ع ك والضياء) المقدسي وطب والطحاوي وأبو نعيم (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وسكت عليه عبد الحق فاقتضى تصحيحه وقال ابن القطان إسناده لا بأس به وقال في الفتح: سنده قوي وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات فما نسب للمؤلف من أنه رمز لضعفه لا يعول عليه الحديث: 568 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 569 - (إذا خاف الله العبد) قدم المفعول اهتماما بالخوف وحثا عليه (أخاف الله منه كل شيء) من المخلوقات (وإذا لم يخف العبد الله أخافه الله من كل شيء) لأن الجزاء من جنس العمل كما تدين تدان فكما شهد الحق بالتعظيم ولم يتعد حدود الحكيم ألبسه الهيبة فهابه الخلق بأسرهم وحكم عكسه عكس حكمه وقال بعض مشايخنا: وقد عملت على ذلك فلا أهاب سبعا ولا سفرا في ليل مظلم وإن وقع مني خوف من جهة الجزء البشري فلا يكاد يظهر وبت مرة في ضريح مهجور في ليلة مظلمة فصار كبار الثعابين تدور حولي إلى الصباح ولم يتغير مني شعرة لغلبة عسكر اليقين والتوكل. قال الطيبي: والمراد بالخوف كف جوارحه عن المعصية وتقييدها بالطاعة وإلا فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفا وذلك عند مشاهدة سبب هائل فإذا غاب ذلك السبب عن الحس عاد القلب إلى غفلته ولهذا قال الفضيل: إذا قيل لك هل تخاف الله فاسكت فإنك إذا قلت لا كفرت وإن قلت نعم كذبت وقال الحكيم: المراد بخوف الله خوف عظمته لا عقابه فإذا حل الخوف القلب غشاه بالمحبة فيكون بالخوف معتصما مما كره دق أو جل وبالمحبة منبسطا في كل أموره ولو ترك مع الخوف وحده لانقبض وعجز عن معاشه ولو ترك مع المحبة لاشتد وتعدى لاستيلاء الفرح على قلبه فلطف الحق به فجعل الخوف بطانته والمحبة ظهارته ليستقيم حاله ويرقى إلى مقام الهيبة والأنس فالهيبة من جلاله والأنس من جماله (تتمة) قال بعض العارفين: من أحب غير الله عذب به ومن خاف غير الله سلط عليه ومن آخى غير الله خذل منه (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال أبو زرعة عمرو بن زياد [ص: 333] أي أحد رجاله كذاب وأحاديثه موضوعة وقال ابن عدي يسرق الحديث ويحدث بالبواطيل قال الدارقطني يضع الحديث: 569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 570 - (إذا ختم العبد القرآن) أي انتهى من قراءته في أي وقت كان من ليل أو نهار. قال الزمخشري: من المجاز ختم القرآن وكل عمل إذا أتمه وفرغ منه (صلى عليه) أي استغفر له (عند) بتثليث العين (ختمه) قراءته (ستون) كذا بخط المصنف فما في بعض النسخ من أنه سبعون تحريف (ألف ملك) يحتمل أن هذا العدد يحضرون عند ختمه ويحتمل أن الذين يحضرون لا يصلون والمصلي منهم ذلك القدر والظاهر أن المراد بالعدد المذكور التكثير لا التحديد على قياس نظائره في السبعين ونحوها وفي إفهامه حث على الإكثار من القراءة ويندب ختمه أول النهار وآخره وهو في الصلاة لمنفرد أفضل وأن يختم ليلة الجمعة أو يومها ويندب حضور الختم والدعاء عقبه والشروع في أخرى ويتأكد صوم يوم ختمه. قال الراغب: والختم الأثر الحاصل من شيء ويتجوز به تارة في الاستيثاق من الشيء والمنع اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش الحاصل وتارة يعتبر من بلوغ الآخر ومنه ختمت القرآن أي انتهيت إلى آخره (فر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) من طريق عبد الله بن سمعان وفيه شيبان بن فروخ قال الذهبي في ذيل الضعفاء ثقة يرى القدر اضطر إليه الناس آخرا عن يزيد ابن زياد اورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 570 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 571 - (إذا ختم أحدكم) القرآن (فليقل) ندبا عند ختمه (اللهم آنس) بالمد وكسر النون مخففة بالقصر وشد النون (وحشتي) خوفي وغربتي (في قبري) إذا أنا مت وقبرت فإن القرآن يكون مؤنسا له فيه منورا له ظلمته وخص القبر لأنه أول منزل من منازل الآخرة (فر عن أبي أمامة) ورواه عنه الحاكم في تاريخه ومن طريقه أورده الديلمي فكان ينبغي للمصنف عزوه له لكونه الأصل ثم إن فيه ليث بن محمد قال الذهبي في الضعفاء قال بن أبي شيبة متروك وسالم الخياط قال يحيى ليس بشيء الحديث: 571 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 572 - (إذا خرج أحدكم إلى سفر) طويل أو قصير يطيل به الغيبة والخروج في الأصل الانفصال من المحيط إلى الخارج ويلزمه البروز (فليودع) ندبا مؤكدا (إخوانه) في الدين ويبدأ بأقاربه وذوي الصلاح ويسألهم الدعاء له (فإن الله جاعل له في دعائهم) له بالسلامة والظفر بالمراد (البركة) ويسن لهم الدعاء له بحضرته وفي غيبته بالمأثور وبغيره والمأثور أفضل (ابن عساكر) في تاريخه (فر عن زيد بن أرقم) وفيه نافع بن الحارث قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري لا يصح حديثه الحديث: 572 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 573 - (إذا خرج ثلاثة) فأكثر (في سفر) يحتمل تقييده بغير القصر لعدم الاحتياج فيه لما يجيء (فليؤمروا) ندبا وقيل وجوبا وفي حاوي الشافعية ما يقتضيه (أحدهم) أي فليتخذوه أميرا عليم يسمعون له ويطيعونه وعن رأيه يصدرون لأن ذلك أجمع لرأيهم وأدعى لاتفاقهم وأجمع لشملهم فالتأمير سنة مؤكدة لما تقرر من حصول الانتظام به لكن ليس للأمير إقامة حدود ولا تعزير وألحق بعضهم الاثنين بالثلاثة (د) في الجهاد (والضياء) المقدسي (عن أبي هريرة وعن أبي سعيد) الخدري معا قال النووي في رياضه بعد عزوه لأبي داود حديث حسن ورواه عنه أيضا أبو يعلى والبيهقي الحديث: 573 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 [ص: 334] 574 - (إذا خرج أحدكم من الخلاء) بالمد أي قضاء الحاجة والخلاء كل محل تقضي فيه الحاجة سمى به لأن المرء يخلو فيه بنفسه (فليقل) ندبا (الحمد لله) وفي رواية غفرانك الحمد لله (الذي أذهب عني ما يؤذيني) وفي رواية أخرج عني ما يؤذيني لو بقى ولما حمد على دفع الضر ناسب أن يحمد على جلب النفع فقال (وأمسك علي) وفي رواية أبقي في (ما ينفعني) مما جذبه الكبد وطبخه ثم دفعه إلى الأعضاء وهذا من أجل النعم وأعظمها ولهذا كان علي كرم الله وجهه إذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال يا لها من نعمة لو يعلم العباد نفعها شكروها وقد ورد أشياء أخر يأتي بعضها فقال عند الخروج من الخلاء والسنة تحصل بكل منها لكن الأكمل الجمع (ش قط) عن وكيع بن زمعة عن سلمة بن وهرام (عن طاوس مرسلا) هو ابن كيسان من أبناء فارس قيل اسمه ذكوان فلقب به قال ابن معين لأنه كان طاوس القراء وكان رأسا في العلم والعمل قال الولي العراقي: وهذا الحديث وغيره من أحاديث الذكر المقول عند الخروج من الخلاء لا يخلو عن ضعف ولا يعرف في الباب إلا حديث عائشة الآتي في حرف الكاف الحديث: 574 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 575 - (إذا خرجت المرأة) أي أرادت الخروج (إلى المسجد) أو غيره بالأولى (فلتغتسل) ندبا (من الطيب) إن كانت متطيبة (كما تغتسل من لجنابة) إن عم الطيب بدنها وإلا فمحله فقط لحصول المقصود وزوال المحذور بالاقتصار عليه ذكره المظهر وهذا بحسب الجليل من النظر وأدق منه قول الطيبي شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوة الرجال وفتح باب عيونهم التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا وحكم عليها بما يحكم على الزاني من الاغتسال من الجنابة مبالغة وتشديدا عليها ويعضد هذا التأويل خبر يأتي وإذا كان هذا حكم تطيبها للذهاب إلى المسجد فما بالك بتطيبها لغيره؟ وفيه جواز خروج المرأة إلى المسجد لكن بشروط مرت (ن عن أبي هريرة) رمز لصحته الحديث: 575 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 576 - (إذا خرجت من منزلك) أي أردت الخروج وفي رواية من بيتك (فصل) ندبا (ركعتين) خفيفتين وتحصل بفرض أو نفل ثم ذكر حكمة ذلك وأظهرها في قالب العلة فقال (تمنعانك مخرج) بفتح الميم والراء (السوء) بالضم أي ما عساه خارج البيت من السوء (وإذا دخلت) إلى (منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء) وعبر بالفاء في الموضعين ليفيد أن السنة الفورية بذلك أي بحيث ينسب الصلاة إلى الدخول عرفا فتفوت بطول الفصل بلا عذر واستدل به الغزالي على ندب ركعتين عند الخروج من المنزل وركعتين عند دخوله قال وفي معنى هذا كل أمر يبتدئ به مما له وقع ويحصل فضلهما بصلاة فرض أو نفل نويا أو لا كالتحية (البزار) في مسنده (هب) من رواية بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم قال بكر أحسبه عن أم سلمة (عن أبي هريرة) قال البزار لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قال ابن حجر حديث حسن ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح وقال الهيتمي رجاله موثقون انتهى وبه يعرف استرواح ابن الجوزي في حكمه بوضعه الحديث: 576 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 577 - (إذا خرجتم من بيوتكم) أي مساكنكم بيوتا أو غيرها (بالليل) خصه لأنه زمن انتشار الشياطين وأهل الفساد [ص: 335] (فأغلقوا) ندبا (أبوابها) أي مع التسمية لأن الشياطين لم يؤذن لهم أن يفتحوا بابا مغلقا كما في خبر آخر فيسن غلق الباب عند الخروج كالدخول ويطلب في النهار أيضا لكنه في الليل آكد لما ذكر (طب عن وحشي) ابن حرب قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته من الليل فترك باب البيت مفتوحا ثم رجع فوجد إبليس قائما في وسط البيت فقال: اخسأ يا خبيث من بيتي ثم قال إذا خرجتم إلخ قال الهيتمي رجاله ثقات فاقتصار المؤلف على الرمز لحسنه تقصير. ووحشي هو العبد الحبشي مولى جبير بن مطعم أو غيره قاتل حمزة ومسيلمة الكذاب الحديث: 577 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 578 - (إذا خطب أحدكم) أي أراد أن يخطب بدليل قوله في الخبر المار إذا ألقى الله في قلب امرئ (المرأة) حرة أو أمة (فلا جناح) أي لا إثم ولا حرج (عليه) في (أن ينظر إليها) أي إلى وجهها وكفيها لا إلى غير ذلك لأن ذلك يدل على ما يريده منها فلا حاجة لما عداه وإنما يكون الجناح عنه مرفوعا (إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته) أي إذا كان محض قصده لذلك بخلاف ما إذا كان قصده برؤيتها لا يتزوجها بل ليعلم هل هي جميلة أم لا مثلا وجعل الخطبة وسيلة إلى ذلك فعليه الإثم فالمأذون فيه النظر بشرط قصد النكاح إن أعجبته وحينئذ ينظر إليها (وإن كانت لا تعلم) أي وإن كانت غير عالمة بأنه ينظر إليها كأن يطلع عليها من كوة وهي غافلة أو المراد لا تعلم أنه يريد خطبتها وفيه رد على من كره استغفالها كمالك وإبطال لمن اشترط إذنها وعلم مما تقرر من أن معنى خطب أراد أنه لا يندب النظر بعد الخطبة لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها لكنه مع ذلك سائغ لأن فيه مصلحة أيضا فما زعمه بعضهم من حرمته تمسكا بأن إذن الشرع لم يقع إلا فيما قبل الخطبة ممنوع <تنبيه> الخطبة بكسر الخاء ما يفعله الخاطب من الطلب والاستلطاف والاستعطاف قولا وفعلا فقيل هي من الخطب أي الشأن الذي له خطر لأنها شأن من الشؤون ونوع من الخطوب وقيل هو من الخطاب لأنها نوع مخاطبة تجري بين جانب الرجل والمرأة (حم طب) من حديث زهير (عن أبي حميد) بالتصغير (الساعدي) بكسر العين المهملة عبد الرحمن وقيل المنذري رمز المؤلف لحسنه وقال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني شك زهير فقال عن أبي حميد أو أبي حميدة ورواه البزار بغير شك قال ابن حجر وله شاهد عند أبي داود والحاكم عن جابر رفعه وشاهد من حديث محمد بن سلمة عن ابن حبان وغيره انتهى وقضيته إقامة الشواهد عليه أنه لا يخلو عن ضعف ولا كذلك فقد قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 578 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 579 - (إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل) إرشادا (عن شعرها) أي جعودته أو سوطته أو لونه أو حسنه أو ضده وقيل إنما أراد شعر الرأس (كما يسأل عن جمالها) فإن الشعر أحد الجمالين فيتعين السؤال عنه كما يتعين السؤال عن الجمال وإنما قال يسأل دون ينظر لأنه إنما يجوز له نظر شعر الحاجبين دون شعر الرأس (في) عن محمد بن الحسين عن أبيه عن محمد بن علي الصوفي عن أبي بكر الراعي عن محمد الدينوري عن إسحاق بن بشر الكاهلي عن عبد الله بن إدريس المزني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أمير المؤمنين أورده المؤلف في مختصر الموضوعات ثم قال إسحاق ابن بشر الكاهلي كذاب انتهى الحديث: 579 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 580 - (إذا خطب أحدكم المرأة) أي والحال أنه (يخضب شعره) الأبيض (بالسواد) أي يغير لونه به وذلك جائز [ص: 336] للجهاد ممنوع لغيره (فليعلمها) وجوبا (أنه) أي بأنه (يخضب) لأن النساء يكرهن الشعر الأبيض غالبا لدلالته على الشيخوخة الدالة على ضعف القوى فكتمه تدليس إذ لو علمت أنه غير شاب أولا ربما لم تدخل عليه وظاهر النهي أنه لا فرق بين أن يقصد إيهامها أنه شاب أو لا ويؤخذ من العلة أنه لو كان شعره أحمر فخضب بسواد أو أسود فخضب بغير سواد كصفرة لم يلزمه إعلامها لفقد المحذور وأنه لو كان شابا وشاب في غير أوانه مع توفر القوى لا يلزمه إعلامها لفقد المحذور لكن قد يقال رؤية الشيب منفرة في الجملة (فر عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي وزاد بعد قوله فليعلمها لا يغرنها وفيه عيسى بن ميمون قال البيهقي ضعيف والذهبي تركوه الحديث: 580 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 581 - (إذا خفيت الخطيئة) أي استترت قال الزمخشري: خفي الشيء واختفى استتر وبرح الخفاء وزالت الخفية فظهر الأمر وفعل ذلك في خفية وهو أخفى من الخافية وإذا حسن من المرأة خفياها حسن الباقي وهما صوتها وأثر وطئها لأن رخامة صوتها تدل على خفرها وتمكن وطئها يدل على ثقل أردافها والخطيئة اسم للخطاه على الفعلة بالكسر وهي الذنب (لا تضر إلا صاحبها) أي فاعلها لأن غيره لا يتصور أن يغير ما لم يطلع عليه فلا تقصير منه فهو معذور وأما الآية {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وخبر أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث فهو فيمن لم يظلم ولم يشارك في فعل الخبائث لكنه اطلع ولم ينكر مع القدرة (وإذا ظهرت) أي برزت بعد الخفاء (فلم تغير) بالبناء للمجهول أي لم يغيرها الناس مع القدرة وسلامة العاقبة (ضرت العامة) أي عموم الناس فاستحقوا بذلك العقاب في هذه الدار ويوم المآب لأن إظهار المعاصي والسكوت عليها استهانة بالدين من جميع المسلمين فيستحقون العذاب لتركهم ما توجه عليهم من القيام بفرض الكفاية. قال الغزالي: فحق على من يسيء صلاته في الجامع أن ينكر عليه وأن يمنع المنفرد من الوقوف خارج الصف وينكر على من رفع رأسه قبل الإمام ويأمر بتسوية الصفوف وفيه حث عظيم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه من أهم الأمور وقد ذم الله تعالى قوما تركوا ذلك فقال {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الآية. يعني لا ينهى بعضهم بعضا (طس عن أبي هريرة) رمز لحسنه وهو غير صواب فقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه مروان بن سالم الغفاري متروك الحديث: 581 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 582 - (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم) ندبا مؤكدا أو وجوبا (على النبي) صلى الله عليه وسلم لأن المساجد محل الذكر والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم منه (وليقل اللهم) أي يا الله (افتح لي أبواب رحمتك) زاد في رواية الديلمي وأغلق عني أبواب سخطك وغضبك واصرف عني الشيطان ووسوسته وابن السني بعد رحمتك وأدخلني فيها (وإذا خرج) منه (فليسلم) بعد التعوذ كما في رواية أبي داود (على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم أني أسألك من فضلك) أي من إحسانك مزيد إنعامك وسر تخصيص ذكر الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أن الداخل اشتغل بما يزلفه إلى الله وإلى ثوابه وجنته من العبادة فناسب أن يذكر الرحمة فإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق فناسب ذكر الفضل كما قال {فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} واعلم أن النووي نقل عن العلماء أن الصلاة والسلام يكره إفراد أحدهما عن الآخر وقد وقع إفراد السلام في هذا الحديث وورد إفراد الصلاة في حديث ابن السني عن أنس ولفظه كان إذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صل على محمد وإذا خرج قال مثل ذلك [ص: 337] فإفراد كل منهما في هذين الحديثين يعكر على القول بالكراهة والظاهر أن مرادهم أن محل كراهة الإفراد فيما لم يرد الإفراد فيه وأن أصل السنة تحصل بالإتيان بأحدهما وكمالها إنما يحصل بجمعهما كما ورد في حديث يأتي (د) وكذا النسائي (عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد الساعدي وابن ماجه عن أبي حميد أو عن أبي أسيد بن ثابت الأنصاري المدني قيل اسمه عبد الله وهو بضم الهمزة وفتح المهملة كما ضبطه المؤلف بخطه لكن في التقريب عن الدارقطني أن الصحيح فيه فتح الهمزة رمز لحسنه وعزوه لابن ماجه لا يخلو عن شوب شبهة لأن فيه حديثين لفظ أحدهما عن أبي حميد إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك انتهى. قال مغلطاي: حديث ضعيف لضعف إسماعيل بن عياش روايه الثاني عن أبي هريرة إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان انتهى فإن كان اللفظ الذي عزاه له المؤلف في بعض النسخ وإلا فهو وهم الحديث: 582 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 583 - (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس) ندبا مؤكدا إذا كان متطهرا أو تطهر عن قرب (حتى يصلي) فيه (ركعتين) تحية المسجد والصارف عن الوجوب خبر هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع وأخذ بظاهره الظاهرية ثم هذا العدد لا مفهوم لأكثره اتفاقا وفي أفله خلف الصحيح اعتباره فلو قعد شرع تداركهما إن سها وقصر الزمن وكذا لو دخل زحفا أو حبوا فقوله فلا يجلس غالبي إذ القصد تعظيم المسجد ولذلك كره تركها بلا عذر ثم هذا عام خص منه داخل المسجد الحرام ومن اشتغل إمامه بفرض ومن دخل حال الإقامة وغير ذلك من الصور التي لا تشرع فيها التحية وظاهر الحديث تقديم نحية المسجد على تحية أهله وقد جاء صريحا من قوله وفعله فكان يصليها ثم يسلم على القوم. قال ابن القيم: وإنما قدم حق الحق على حق الخلق هنا عكس حقهم المالي لعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين فنظر لحاجة الآدمي وضعفه بخلاف السلام فعلى داخل المسجد ثلاث تحيات مرتبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالتحية فالسلام على من فيه <تنبيه> قال في الفتح: قولهم تحية البيت الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكون المصطفى لما دخل المسجد يوم الفتح جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت صلاته إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هي تحية المسجد العام (حم ق 54 عن قتادة عن أبي هريرة) وحديث أبي قتادة ورد على سبب هو أنه دخل المسجد فوجد المصطفى صلى الله عليه وسلم جالسا بين صحبه فجلس معهم فقال: ما منعك أن تركع قال: رأيتك جالسا والناس جلوس فذكره الحديث: 583 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 584 - (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم) لزيارة أو غيرها (فأطعمه) من (طعامه فليأكل) منه ندبا هكذا هو ثابت في الحديث وإن كان صائما نفلا جبرا لخاطره (ولا يسأل عنه) أي عن الطعام من أي وجه اكتسبه ليقف على حقيقة حله فإن ذلك غير مكلف به ما لم تقو الشبهة في طعامه والمراد لا يسأل منه ولا من غيره (وإن سقاه من شرابه فليشرب) منه أيضا (ولا يسأل عنه) كذلك لأن السؤال عن ذلك يورث الضغائن ويوجب التباغض والظاهر أن المسلم لا يطعمه ولا يسقيه إلا حلالا فينبغي إحسان الظن وسلوك طريق النوادر فيتجنب عن إيذائه بسؤاله وإنما نهى عن أكل طعام الفاسق زجرا له عن ارتكاب الفسق لطفا به في الحقيقة كما ورد " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ومن ثم قيد جمع ما ذكر هنا من النهي عن السؤال بما إذا غلب على ظنه توقيه للمحرمات وفيما إذا كان أكثر ماله حراما تقرير بديع وتفصيل حسن للغزالي. س (طس ك هب عن أبي هريرة) قال عبد الحق أسنده جمع وأوقفه آخرون والوقف أصح وقال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني فيه مسلم بن خالد الزنجي تفرد به والجمهور ضعفوه وقد وثق وبقية [ص: 338] رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 584 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 585 - (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم) وهو صائم (فأراد) أخوه أي التمس منه (أن يفطر) أي يقطع صومه ويتغدى (فليفطر) ندبا جبرا لخاطره (إلا أن يكون صومه ذلك رمضان أو قضاء رمضان أو نذرا) أو كفارة أو نحو ذلك من كل صوم واجب فلا يحل له قطعه ولو موسعا لأن الواجب لا يجوز تركه لسنة وفيه جواز قطع النفل بل ندبه لنحو ذلك وأنه لا يلزم بالشروع (طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيتمي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس انتهى والمؤلف رمز لحسنه لاعتضاده الحديث: 585 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 586 - (إذا دخل أحدكم إلى القوم) جماعة الرجال ليس فيهم امرأة والواحد رجل أو امرؤ من غير لفظه سموا به لقيامهم بالعظائم والمهمات. قال الصغاني: وربما دخل النساء تبعا (فأوسع له) بالبناء للمجهول أي أوسع له بعض القوم مكانا يجلس فيه (فليجلس) فيه ندبا (فإنما هي) أي الفعلة أو الخصلة التي هي التفسح له (كرامة من الله تعالى أكرمه بها أخوه المسلم) يعني إكرام من الله أجراه على يد ذلك الأخ المسلم والتوسعة للقادم أمر محبوب مندوب وكان الأحنف إذا أتاه رجل أوسع له سعة وأراه أنه يوسع له (فإن لم يوسع له فلينظر أوسعها مكانا) أي مكانا هو أوسع أمكنة تلك البقعة (فليجلس فيه) وإن كان نازلا بالنسبة لغيره ولا يزاحم أحدا ولا يحرص على التصدر ويتهافت على تعظيم نفسه ويتهالك على الشموخ والترفع كما هو ديدن فقهاء الدنيا وعلماء السوء (الحارث) ابن أبي أسامة ثم الديلمي (عن أبي شيبة الخدري) ويقال الحصري لأنه كان يبيع الحصر صحابي حجازي قيل هو أخو أبي سعيد قال الذهبي حديث جيد ورمز المؤلف لحسنه الحديث: 586 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 587 - (إذا دخل أحدكم المسجد) هو مفعول به لدخل لتعديه بنفسه إلى كل مكان مختص لا ظرف أي إذا دخل وأراد أن يجلس (فلا يجلس) ندبا (حتى يصلي ركعتين) بأن يحرم بهما قائما قيل أو مقارنا لأول جلوسه لأن النهي عن جلوس بغير صلاة وفيه كراهة ترك ركعتين لمن دخل المسجد وهي كراهة تنزيه عند الجمهور وصرفها عن الوجوب خبر هل علي غيرها قال لا والركعتان أقلها فلو صلاها أربعا بتسليمة كانت كذلك ولا يشترط أن ينوي بها التحية بل تحصل بفرض أو نفل آخر راتب أو مطلق ويستثنى من ذلك الخطيب وداخل المسجد الحرام ومن دخل والإمام في مكتوبة أو الصلاة تقام أو قربت إقامتها فتكره له التحية (وإذا دخل أحدكم بيته) يعني محل إقامته من نحو منزل أو خلوة أو مدرسة أو خيمة أو غار في جبل (فلا يجلس حتى يركع) أي يصلي من إطلاق الجزء على الكل (ركعتين) ندبا (فإن الله جاعل له من ركعتيه) اللتين يركعهما (في بيته خيرا) أخذ منه الغزالي كجمع شافعية ندب ركعتين لدخول المنزل كالخروج منه وقد مر <تنبيه> قال الطحاوي: الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها. قال ابن حجر: هما عمومان تعارضا الأمر بالصلاة لكل داخل بغير تفصيل والنهي عن الصلاة في أوقات [ص: 339] مخصوصة فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب الشافعية إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر وعكسه الحنفية والمالكية (عق عد هب عن أبي هريرة) ثم قال مخرجه البيهقي أنكره البخاري بهذا الإسناد لكن له شواهد انتهى وقال العراقي قال البخاري لا أصل له الحديث: 587 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 588 - (إذا دخل أحدكم على أخيه) في الدين بإذنه لنحو زيارة أو ضيافة وهو في نحو بيته ولم يذكر قصدا للتعميم (فهو) أي صاحب المكان يعني المالك لمنفعته ولو مستأجرا ومستعيرا (أمير عليه) أي الداخل (حتى) أي إلى أن (يخرج من عنده) لأنه أمير بيته فلا يتقدم الداخل على الساكن بحق أو ولاية في صلاة ولا مشورة ولا غيرهما إلا بإذنه أو علم رضاه وفي حديث مسلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته أي وهو ما يختص بالإنسان من فرش أو وسادة وقيل المائدة وفيه أن الضيف لا ينصرف حتى يأذن له رب الدار (عد عن أبي أمامة) بإسناد ضعيف لكن يقويه ما رواه الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا إذا دخل قوم منزل رجل كان رب المنزل أميرهم حتى يخرجوا من منزله وطاعته عليهم واجبة انتهى أي متأكدة بحيث تقرب من الوجوب على حد قوله: غسل الجمعة واجب الحديث: 588 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 589 - (إذا دخل الضيف على القوم دخل برزقه) عليهم والباء للمصاحبة (وإذا) أضافوه وقاموا بحقه ثم (خرج) من عندهم (خرج بمغفرة ذنوبهم) أي قارن خروجه حصول المغفرة لهم إكراما منه تعالى وفضلا. وفيه من فخامة الضيافة وجزالة القرى ما يحمل من له أدنى عقل على المحافظة عليها والاهتمام بشأنها وناهيك بخصلة توسع الرزق وتنشر الغفران وتبعد عن النيران وقد مر غير مرة ما يعلم منه أن المراد غفران الصغائر وأن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة (فر عن أنس) قال السخاوي: سنده ضعيف وله شاهد عند أبي الشيخ عن أبي قرصافة مرفوعا الحديث: 589 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 590 - (إذا دخل عليكم السائل) أي المستطعم (بغير إذن) منكم له في الدخول (فلا تطعموه) أي الأولى أن لا تطعموه شيئا من أكل أو غيره تأديبا له على جرأته وزجرا له عن تعدي المراسم الشرعية حيث خالف الشارع واقتحم ما حده له من تكرار الاستئذان. نعم ينبغي التلطف بالجاهل وتعليمه آداب الشريعة (ابن النجار) في تاريخه (عن عائشة) وفي الأصل بدلها أنس (وهو مما بيض له) أبو منصور (- الديلمي) لعدم وقوفه على سنده وقد رمز المؤلف لضعفه الحديث: 590 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 591 - (إذا دخل العشر) عشر ذي الحجة فاللام للعهد كأنه لا عشر إلا هو (فأراد أحدكم) وهو غير محرم (أن يضحي) قال في المنضد الفاء للتعقيب كأن الإرادة كانت عقب دخول العشر مقارنة لأول جزء منه وكذا قوله (فلا يمس) لأن المنع من المس معقب للإرادة فإنه مع اتصاف كونه مريدا للتضحية ينبغي أن لا يمس (من شعره) أي شعر بدنه رأسا أو لحية أو شاربا أو إبطا أو عانة أو غيرها (ولا) من (بشره) كظفر وجلد بل قال الإسنوي أو دم لكن اعترض بأنه لا يصلح لعده من الأجزاء هنا وإنما المراد الأجزاء الظاهرة نحو جلدة لا يضر قطعها شيئا بل يبقيه ليشمل المغفرة والعتق من النار جميع أجزائه فإنه يغفر له بأول قطرة من دمها كما في أخبار تأتي وأما توجيه بعضهم بأنه يفعل ذلك تشبها بالمحرمين فلا يخفى فساده إذ لو كان كذلك كره نحو الطيب والمخيط ولا قائل به. ثم إن خالف وأزال شيئا من ذلك كره عند الشافعية وحرم عند أحمد وغيره ما لم يحتج بل قد يجب كقطع يد سارق وختان بالغ وقد يندب كتنظيف شعث لمريد إحرام أو حضور جمعة وقد يباح كقلع سن وجعة ولو تعددت أضحيته انتفت الكراهة بالأولى بناء على الأصح أن الحكم المعلق على معنى يكفي فيه أدنى المراتب لتحقق المسمى فيه والبشرة ظاهر [ص: 340] الجلد والمس واللمس ههنا سواء وهو كناية عن حلق الشعر أو قصه أو نتفه وإزالة الظفر بقص أو غيره وهو المراد بالبشرة فكنى عنه بالمس لأنه مس مخصوص بزيادة فعل ثم إنه في هذا الخبر لم يتعرض لانقضاء مدة المنع وقد بينه في خبر آخر بقوله عقب ما ذكر حتى يضحي والأول اكتفى بدلالة اللفظ عليه لأن تقديم ذكر العشر والتضحية يدل على أن الأمد انقضاء العشر ووقوع التضحية ولأنه حكم قارنه ذكر العشر وإذا تعلق حكم الشيء بأمد له نهاية علم أن منتهاه منتهى ذلك الأمد ولهذا لما علق الحكم في خبر بهلال ذي الحجة احتاج أن يوضحه بقوله حتى يضحي ذكره في المنضد لكن بحث بعضهم أنه يضم لعشر ذي الحجة ما بعده من أيام التشريق وفيه عدم وجوب الأضحية لتعلقها بالإرادة فهي سنة للموسر لا يأثم بتركها عند الشافعي ومالك وأحمد وأوجبها أبو حنيفة على مقيم ملك نصابا (م ن هـ) في الأضاحي (عن أم سلمة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 591 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 592 - (إذا دخل شهر) سمي به لاشتهاره (رمضان) من الرمض لأنه ترمض فيه الذنوب أي تحرق أو لموافقة ابتداء الصوم فيه وقتا حارا أو لغير ذلك وذكر الطلقاني في حظيرة القدس له ستين اسما (فتحت) بالتشديد والتخفيف أي تفتح (أبواب الجنة) وفي رواية أبواب السماء وهي كناية عن تواتر هبوط غيث الرحمة وتوالي صعود الطاعة بلا مانع ومعاوق ويشهد له قوله (وغلقت أبواب جهنم) كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الآثام وكبائر الذنوب العظام وتكون صغائره مكفرة ببركة الصيام والحمل على الحقيقة يبعده ذكره في معرض الامتنان على الصوام بما أمروا به وبالحمل على الحقيقة لم تقع المنة موضعها بل تخلو عن الفائدة إذ المرء ما دام في هذه الدار لا يمكنه دخول إحدى الدارين فأي فائدة له في فتح أبوابها؟ ذكره القاضي أخذا من قول التوربشتي هذا كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد الأعمال تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول وغلق أبواب جهنم هنا كناية عن تنزه الصوام عن رجس الآثام بقمع الشهوات إلى آخر ما تقرر لكن نازعه الطيبي بأنه يمكنه أن يكون <فائدة> الفتح توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأن ذلك منه تعالى بمنزلة عظيمة وأيضا إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحية ويشهد له حديث عمر " إن الجنة تزخرف لرمضان " (وسلسلت) لفظ رواية مسلم صفدت (الشياطين) شدت بالأغلال لئلا يوسوسوا للصائم وآية ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وإنابتهم إليه تعالى وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عمق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها وقيل خص من عموم قوله سلسلت زعيم زمرتهم وصاحب دعوتهم لمكان الأنظار الذي أجيب فيه حين سأله فيقع ما يقع من المعاصي بإغوائه <تنبيه> علم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجاز عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء وذلك لأنه إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيين إلى أنواع الفسوق وفنون المعاصي وصفت أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات عاكفين عليها معرضين عن صنوف المعاصي عائقين عنها فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان (حم ق) في الصوم (عن أبي هريرة) قضية صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل والأمر بخلافه فالبخاري لم يذكر الشهر ولا مسلم هنا لكنها وردت عند غيرهما الحديث: 592 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 593 - (إذا دخلتم على المريض) تعودونه (فنفسوا له في الأجل) بالتحريك أي وسعوا له وأطمعوه في طول الحياة [ص: 341] وأذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لا بأس طهور أو نحو ذلك فإن ذلك تنفيسا لما هو فيه من الكرب وطمأنينة لقلبه. قال الطيبي: وقوله في أجله متعلق بنفسوا معنى التطميع أي طمعوه في طول أجله واللام للتأكيد والتنفيس التفريج قال الراغب: والأجل المدة المضروبة للشيء ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان وأصله استيفاء الأجل إلى مدة الحياة (فإن ذلك) أي التنفيس (لا يرد شيئا) من المقدور (وهو يطيب بنفس) الباء زائدة أو للتعدية وفاعله ضمير عائد إلى اسم إن وفي رواية بإسقاط الباء (المريض) يعني لا بأس بتنفيسك له فإن ذلك التنفيس لا أثر له إلا في تطييب نفسه. قيل للرشيد وهو عليل هون عليك وطيب نفسك فإن الصحة لا تمنع الفناء والعلة لا تمنع من البقاء فارتاح لذلك. قال ابن القيم: وهذا نوع شريف من أنواع العلاج فإن تطييب نفس العليل يقوي الطبيعة وينعش القوى ويبعث الحار الغريزي فيساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب ولمسرة المريض تأثير مخصوص في تخفيف علته انتهى ولا يعارض ذلك ندب التنبيه على الوصية لأنه يقول مع ذلك الوصية لا تنقص الأجل بل العامل بالسنة يرجى له البركة في عمره وربما تكون الوصية بقصد امتثال أمر الشرع سببا لزيادة العمر ونحو ذلك (ت) في الطب (هـ) في الجنائز من حديث موسى بن محمد التيمي عن أبيه عن (أبي سعيد) الخدري قال الترمذي في العلل سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال موسى منكر الحديث انتهى وقال في الأذكار بعد عزوه لابن ماجه والترمذي إسناده ضعيف وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الفتح في سنده لين وفي الميزان حديث منكر الحديث: 593 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 594 - (إذا دخلتم بيتا) أي مكانا يعني إذا وصلتم إلى محل فيه مسلمون فالتعبير بالدخول وبالبيت غالبي وكذلك لفظ الجمع (فسلموا على أهله) أي سكانه بدلا للأمان وإقامة لشعار أهل الإيمان وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يواظب على ذلك (فإذا خرجتم منه) أي أردتم الخروج (فأودعوا أهله) أي فارقوهم واتركوهم (بسلام) أي سلموا عليهم عند مفارقتكم إياهم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال الطيبي: قوله أودعوا من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة عندهم كي ترجعوا إليهم وتستردوا وديعتكم فإن الودائع تستعاد وتفاؤلا للسلامة والمعاودة مدة بعد أخرى وأنشد: ولا بد لي من جهلة في وصاله. . . فمن لي بخل أودع الحلم عنده اللطف فيه أنه لم يفارق على مفارقة الحلم لأن الودائع تستعاد وتسمى الثانية سلام توديع ومتاركة يقال ودعته أودعه ودعا تركته وابتداء السلام على من لقيه أو فارقه من المسلمين ولو صبيا سنة ومن الجماعة سنة كفاية ولا يترك خوفا من عدم الرد كما اقتضاه إطلاق الحديث وأفضل صيغه السلام عليكم أو سلام عليكم بالتنوين ولو على واحد (هب عن قتادة) ابن دعامة السدوسي أي الخطاب البصري (مرسلا) ثم قال مخرجه البيهقي هكذا جاء مرسلا انتهى والبيهقي رواه عن أبي الحسين بن بشران عن إسماعيل الصفار عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن بشران وثق والصفار قال في اللسان ثقة مشهور وأخطأ ابن حزم حيث جهله وابن منصور ثبت وعبد الرزاق من الأعلام فهو مرسل جيد الإسناد الحديث: 594 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 595 - (إذا دخلت) بفتح التاء (على مريض) مسلم معصوم لنحو عيادة (فمره) أي اسأله (يدعو لك) قال الطيبي: مرة يدعو مفعول بإضمار أن أي مره بأن يدعو لك ويجوز جزمه جوابا للأمر على تأويل أن هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابي يبلغه إلى المريض فهو كقوله {قل للذين آمنوا يقيموا الصلاة} ثم علل طلب الدعاء منه بقوله (فإن دعاءه كدعاء الملائكة) في كونه مفضلا مسموعا وكونه دعاء من لا ذنب عليه لأن المرض يمحص الذنوب [ص: 342] والملائكة لا ذنوب لهم لعصمتهم ومنه يؤخذ أن الكلام في مريض مسلم أما لو عاد نحو قريبه أو جاره الذمي فلا ينبغي طلب الدعاء منه فإن المرض لا يمحص ذنوب الكافر لفقد شرط ذلك وهو الإسلام <تنبيه> قال بعض العارفين: الله تعالى عند عبده إذا مرض ألا تراه ماله استغاثة إلا به ولا ذكر إلا له فلا يزال الحق في لسانه منطوقا به وفي قلبه إلتجأ إليه فالمريض لا يزال مع الله ولو تطيب وتناول الأسباب المعتادة لوجوده الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن الله ويأتي في حديث إن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده فوجوده عنده هو ذكر المريض ربه في علته بحال انكسار واضطرار فلذلك كان دعاءه كدعاء الملائكة (هـ) من حديث جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران (عن عمر) بن الخطاب وجعفر بن برقان أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن خزيمة لا يحتج به انتهى وميمون لم يدرك عمر فهو منقطع أيضا وقال ابن حجر في الفتح عنده حسن لكن فيه انقطاع وتقدمه لذلك النووي في الأذكار فقال صحيح أو حسن لكن ميمون لم يدرك عمر وقال المنذري رواته ثقات لكن ميمون لم يسمع من عمر فزعم الدميري صحته وهم الحديث: 595 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 596 - (إذا دخلت) بفتح التاء خطابا لمحجن الذي أقيمت الصلاة فصلى الناس ولم يصل معهم وقال صليت مع أهلي (مسجدا) يعني محل جماعة (فصل مع الناس) أي مع الجماعة (وإن كنت قد صليت) قبل ذلك تقرير لقوله كنت صليت أو تحسين للكلام كما في قوله {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} فإن قوله لغفور رحيم خبر قوله {إن ربك للذين عملوا السوء} وقوله {إن ربك من بعدها} تكرير وزعم بعضهم أن فيه صحة الصلاة بدون جماعة لأنه لم يأمره بالإعادة ممنوع لاحتمال قوله وإن كنت صليت أي في جماعة ويدل له صليت مع أهلي والاحتمال يسقط الاستدلال وفيه الأمر بالمعروف ولو في غير واجب والسؤال عن العذر قبل الإنكار وتعليم الجاهل وذكر العذر (والأمر) بالإعادة في جماعة حكمته الائتلاف وعدم المخالفة الموجبة لنفرة القلوب وندب إعادة الصلاة لمن صلى جماعة أو فرادى (ص عن محجن) ابن أبي محجن (الديلمي) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم المدني صحابي قليل الحديث قال الذهبي فيه بشر بن محجن ولا يكاد يعرف انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه إلا أن يكون اعتضد الحديث: 596 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 597 - (إذا دعا أحدكم) ربه (فليعزم) بلام الأمر (المسألة) لفظ رواية مسلم وليعزم في الدعاء أي فليطلب طلبا جازما من غير شك ويجتهد في عقد قلبه على الجزم بوقوع مطلوبه إحسانا للظن بكرم ربه تعالى ثم بين العزم بقوله (ولا) يعلق ذلك بنحو مشيئته (فلا يقل اللهم إن شئت فأعطني) بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة بعطائه لأن من اليقينيات أنه لا يعطي إلا إن شاء فلا معنى لذكر المشيئة بل فيه صورة استغناء عن المطلوب والإخلاص في العبودية يقتضي الجزم بالطلب فيطلب طلب مفتقر مضطر من قادر مختار وفي رواية بدل فأعطني اغفر لي وفي أخرى ارحمني وفي أخرى ارزقني وفي رواية تقديم المشيئة كما هنا وفي رواية تأخيرها قال ابن حجر: وهذه كلها أمثلة تتناول جميع ما يدعى به قال الزمخشري: والعزم التصميم والمضي على فعل شيء أو تركه بعقد القلب عليه وأن يتصلب فيه (فإن الله) يعطي ما يشاء لمن يشاء ومن هو كذلك (لا مستكره) بكسر الراء وفي رواية لا مكره (له) أي يستحيل أن يكرهه أحد على شيء لأن الأسباب إنما تكون بمشيئته فما شاء كان ما لم يشأ لم يكن وهو إذا أراد إسعاد عبد من عبيده ألهمه الدعاء وليس في الوجود من يكرهه على خلاف مراده فالتعليق بالمشيئة وغيرها من قبيل العبث الذي ينزه جناب المدعو المقدس عنه فيكره ذلك تنزيها ومن قال لا يجوز كابن عبد البر أراد نفي الحمل المستوي الطرفين كما أشار إليه النووي [ص: 343] فإطلاق التحريم بدون هذه الإرادة سقيم وفيه ندب إلى رجاء الإجابة. قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يجد في نفسه من التقصير فإنه تعالى أجاب دعاء شر خلقه إبليس حين قال {أنظرني. . إلخ} وفيه أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء لا يكرهه أحد على ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال {وإلى ربك فارغب} والرهبة تكون منه كما قال {وإياي فارهبون} (حم ق) في الدعوات (عن أنس) قال المناوي رواه الجماعة كلهم إلا النسائي الحديث: 597 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 598 - (إذا دعا أحدكم) لنفسه أو لغيره فليؤمن ندبا على دعاء نفسه فإنه إذا أمن أمنت الملائكة معه فاستجيب الدعاء وفيه خبر أنه سمع رجلا يدعو فقال أوجب إن ختم بآمين فختم الدعاء به يمنعه من الرد والخيبة كما مر وكما يندب أن يؤمن عقب دعائه يندب أن يؤمن على دعاء غيره إن كان الداعي مسلما لحديث الحاكم " لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله " أما الكافر فلا يجوز التأمين على دعائه على ما جرى عليه فخر الإسلام الروياني لكن الأرجح عند الشافعية جوازه إن دعا بجائز شرعا (عد عن أبي هريرة) وهو مما بيض له الديلمي بإسناد ضعيف لكن يقويه رواية الديلمي له بلفظ: إذا أحرم أحدكم فليؤمن على دعائه إذا قال اللهم اغفر لنا فليقل آمين ولا يلعن بهيمة ولا إنسانا فإن دعاءه مستجاب وبيض لسنده الحديث: 598 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 599 - (إذا دعا الغائب لغائب) ظاهره يشمل الغائب عن البلد وهو المسافر وعن المجلس فمن قصره على الأول فقد قصر وفي رواية: إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب (قال له الملك) الموكل بنحو ذلك كما يرشد إليه تعريفه وبه جاء التصريح في أخبار وفي رواية: قالت الملائكة (ولك مثل ذلك) وفي رواية: ولك بمثل: بالتنوين بدون ذلك: أي أدعو الله أن يجعل لك بمثل ما دعوت به لأخيك وذلك يكاد يكون فيما بين أهل الكشف متعارفا بل محسوسا ولهذا كان بعضهم إذا أراد الدعاء لنفسه بشيء دعا به أولا لبعض إخوانه ثم يعقبه بالدعاء لنفسه وشمل الغائب ما إذا كان كافرا ودعا له بالهداية ونحوها (عد عن أبي هريرة) ورواه مسلم وأبو داود عن أم الدرداء الصغرى وهي تابعية فهو عندها مرسل الحديث: 599 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 600 - (إذا دعا الرجل زوجته) أو أمته (لحاجته) كناية عن الجماع (فلتأته) أي فلتمكنه من نفسها وجوبا فورا حيث لا عذر (وإن كانت على) إيقاد (التنور) الذي يخبز فيه لتعجيل قضاء ما عرض له فيرتفع شغل باله ويتمخض تعلق قلبه فالمراد بذكر التنور حثها على تمكينه وإن كانت مشغولة بما لا بد منه كيف كان وهذا حيث لم يترتب على تقديم حظه منها إضاعة مال أو اختلاف حال كما مر. قال الراغب: والدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قال يا أو أيا ونحوه من غير أن ينضم له الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم كيا فلان وقد يستعمل كل محل الآخر: قيل فيه إن الأحب أن يبيت الرجل مع زوجته في فراش واحد وفي أخذه من ذلك بعد لا يكاد يصح (ت) في النكاح (ن) في حسن عشرة النساء (عن مطلق) بفتح فسكون (ابن علي) بن مدرك الحنفي السحيمي بمهملتين مصغر اليماني صحابي له وفادة قال الترمذي حسن غريب ولم يبين لم لا يصح؟ والمؤلف رمز لصحته فليحرر الحديث: 600 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 601 - (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) ليجامعها فهو كناية عنه بذلك (فليجب) وجوبا فورا أي حيث لا عذر (وإن [ص: 344] كانت على ظهر قتب) قال أبو عبيدة: كنا نرى أن معناه وهي تسير على ظهر بعير فجاء التفسير في حديث: إن المرأة كانت إذا حضر نفاسها أقعدت على قتب فيكون أسهل لولادتها نقله الزمخشري وأقره والقصد الحث على طاعة الزوج حتى في هذه الحالة فكيف غيرها؟ والفراش بالكسر فعال بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش وهو فراش أيضا تسمية بالمصدر (البزار) في مسنده (عن زيد بن أرقم) وصححه بعضهم فتبعه المؤلف ورمز لصحته الحديث: 601 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 602 - (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) ليطأها (فأبت) امتنعت بلا عذر وليس حقيقة الإباء هنا بمرادة إذ هو أشد الامتناع والشدة غير شرط كما تفيده أخبار أخر (فبات) أي فبسبب ذلك بات وهو (غضبان عليها) فقد ارتكبت جرما فظيعا ومن ثم (لعنتها الملائكة حتى تصبح) يعني ترجع كما في رواية أخرى قال ابن أبي حمزة: وظاهره اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك ليلا وسره تأكيد ذلك الشأن ليلا وقوة الباعث إليه فيه ولا يلزم منه حل امتناعها نهارا وإنما خص الليل لكونه المظنة وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة أه. قال العراقي: وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطا عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق (حم ق د عن أبي هريرة) وروى عنه النسائي وفي رواية لمسلم إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها الحديث: 602 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 603 - (إذا دعا العبد) أي المسلم إذ هو الذي يكتب له حسنة (بدعوة) الباء للتأكيد (فلم يستجب له) أي لم يعط عين مطلوبه وإلا فالإجابة واقعة بوعده تعالى بقوله {ادعوني أستجب لكم} لكنها تارة تكون في الدنيا وتارة في الآخرة وتارة يحصل التعويض بأنفع كما يأتي في حديث فإذا اقتضت مصلحة عدم إجابته في عين المسؤول (كتبت له حسنة) أي أمر الله كاتب اليمين أن يكتب له بها بحسنة عظيمة مضاعفة كما يفيده التنكير فالمكتوب عشر حسنات لقوله في الحديث الآتي: إذا هم العبد بحسنة كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا وذلك لرضاه بمراده تعالى فيه وذلك لأن الدعاء عبادة بل هو مخها كما يأتي في خبر وقد قال تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} <تنبيه> قال في الحكم: لا يكن تأخر أمد العطاء مع الالحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد ولا يشكك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخماد لنور سريرتك أه. ويكفي العبد عوضا من إجابته ما أقيم فيه من المناجاة وإظهار الافتقار والانكسار وقد يمنع العبد الإجابة لرفعة مقامه عند الله وقد يجاب كراهة لسماع صوته كما جاء في الحديث. فليحذر الداعي أن يكون حال دعائه ممن قضيت حاجته لكراهة الله له لا لمحبته (خط) في ترجمة عمرو بن أيوب العابد (عن هلال بن يساف) بفتح التحتية وبمهملة خفيفة الأشجعي مولاهم الكوفي (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها قال في الكشاف ثقة الحديث: 603 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 604 - (إذا دعوت الله) أي سألته في جلب نفع (فادع الله ببطن كفيك) الباء للآلة أو للمصاحبة: أي اجعل بطنهما إلى وجهك وظهرهما إلى الأرض حال الدعاء لأن عادة من طلب من غيره شيئا أن يمد كفيه إليه متواضعا متذللا ليضع المسؤول فيها (ولا تدع) نهي تنزيه (بظهورهما) لأنه إشارة إلى الدفع فإن دعا بدفع بلاء أو قحط أو غلاء جعل ظهرهما [ص: 345] إلى السماء كما في أخبار آخر إشارة إلى طلب دفعه وهو أحد ما فسر به قوله تعالى {يدعوننا رغبا ورهبا} (فإذا فرغت) من دعائك (فامسح بهما) ندبا وجهك لتعود البركة عليه ويسري إلى الباطن وحكمته كما ورد في حديث: الإفاضة عليه مما أعطاه الله تعالى تفاؤلا بتحقق الإجابة وأن كفيه قد ملئتا خيرا فأفاض منه عليه ففعل ذلك سنة كما جرى عليه في التحقيق وغيره تمسكا بعدة أخبار هذا منها وهي وإن ضعفت أسانيدها تقوت بالإجماع فقوله في المجموع لا يندب وسبقه إليه ابن عبد السلام وقال لا يفعله إلا جاهل: في حيز المنع (هـ عن ابن عباس) رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال ابن الجوزي لا يصح فيه صالح بن حسان متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات لكن له شاهد الحديث: 604 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 605 - (إذا دعوتم لأحد من اليهود) علم على قوم موسى سموا به من هادوا أي مالوا إما من عبادة العجل أو من دين إبراهيم أو موسى أو من هاد أي رجع من خير إلى شر أو عكسه أو لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة (والنصارى) جمع علم على قوم عيسى سموا به لأنهم نصروه أو كانوا معه في قرية تسمى نصران أو ناصرة: أي إذا أردتم الدعاء لأحد من أهل الذمة منهم (فقولوا) أي ادعوا بما نصه (أكثر الله مالك) لأن المال قد ينفع لجزيته أو موته بلا وارث أو بنقضه العهد ولحوقه بدار الحرب أو بغير ذلك (وولدك) بضم فسكون أو بالتحريك فإنهم ربما أسلموا أو نأخذ جزيتهم وإن ماتوا قبل البلوغ فهم خدمنا في الجنة أو بعده كفارا فهم فداؤنا من النار فاستشكال الدعاء به لهم بأن فيه الدعاء بدوام الكفر وهو لا يجوز: جمود. ويجوز الدعاء للكافر أيضا بنحو هداية وصحة وعافية لا بالمغفرة {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وقوله: مالك وولدك جرى على الغالب من حصول الخطاب به فلو دعا لغائب قال ماله وولده وخرج باليهود والنصارى الذميين أهل الحرب فلا يجوز الدعاء لهم بتكثير المال والولد والصحة والعافية لأنهم يستعينون بذلك على قتالنا (فإن قلت) مالهم وأولادهم قد ينتفع بها بأن نغنمهم ونسترق أطفالهم (قلت) هذا مظنون وكثرة مالهم وعددهم مفسدة محققة ودرء المفسدة المحققة أولى من جلب المصلحة المتوهمة نعم يجوز بالهداية (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح متفق على ضعفه كما في الميزان وغيره وعد من مناكيره هذا الخبر الحديث: 605 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 606 - (إذا دعي) بالبناء للمجهول (أحدكم إلى وليمة العرس فليجب) وجوبا إن توفرت الشروط وهي عند الشافعة نحو عشرين فإن فقد بعضها سقط الوجوب ثم قد يخلفه الندب وقد لا بل يحرم كما لو كان ثم منكر وعجز عن إزالته [فإن قيل] الوليمة حيث أطلقت اختصت بوليمة العرس فإن أريد غيرها قيدت فما فائدة تقييدها بكونها للعرس [قلنا] هذا هو الأشهر لغة لكن منهم من جعلها شاملة للكل فلم يكتف في الحديث بإطلاقها دفعا لتوهم إرادته وأطلقت في خبر آخر جريا على الأكثر الأشهر (م هـ عن ابن عمر) الحديث: 606 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 607 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام) كثر أو قل كما يفيده التنكير وصرح به في الخبر الآتي بقوله: إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا (فليجب) أي إلى الإتيان إليه وجوبا إن كان طعام عرس وندبا إن كان غيره وهذا في غير القاضي أما هو فلا يجب عليه في محل ولايته بل إن كان للداعي خصومة أو غلب على ظنه أن سيخاصم حرمت قال في الإحياء: وينبغي أن [ص: 346] يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة حتى يثاب وزيارة أخيه وإكرامه حتى يكونا من المتحابين والمتزاورين في الله تعالى (فإن كان مفطرا فليأكل) ندبا وتحصل السنة بلقمة (وإن كان صائما) فرضا (فليصل) أي فليدع لأهل الطعام بالبركة كذا فسره بعض رواته وجاء هكذا مبينا في رواية تأتي ونقله في الرياض عن العلماء فقال: قال العلماء ولم يذكر غيره لكن قال جمع الأولى إبقاؤه على ظاهره الشرعي تشريفا للمكان وأهله وأيده آخرون بأن في حديث أنس ما يصرح بأن المراد الصلاة الشرعية وغالب مخاطبات الشريعة إنما تحمل على عرفه الخاص لا المقاصد اللغوية والأولى ما ذهب إليه في المطامح من ندب الجمع بينهما عملا بمقتضى الروايات كلها ونقل عن جمع من السلف (حم م د ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه الحديث: 607 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 608 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو) أي والحال أنه (صائم فليقل إني صائم) اعتذارا للداعي فإن سمح ولم يطالبه بالحضور فله التخلف وإلا حضر وليس الصوم عذرا في التخلف. وإنما أمر المدعو حيث لا يجيب الداعي أن يعتذر له بقوله إني صائم وإن ندب إخفاء النفل لئلا يجر إلى عداوة أو تباغض بينه وبين الداعي (م د ت هـ عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 608 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 609 - (إذا دعي أحدكم) إلى وليمة عرس (فليجب) إلى حضورها إن توفرت شروط الإجابة (وإن كان صائما) فإن الصوم غير عذر ولو فرضا فإن كان نفلا سن للمدعو الفطر إن شق على الداعي صومه عند أكثر الشافعية وبعض الحنابلة بناء على حل الخروج منه وينبغي أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة فتكون من عمل الدنيا بل يحسن القصد ليثاب كما مر فينوي الإقتداء وإكرام الداعي وإدخال السرور عليه وزيادة التحابب وصون نفسه عن ظن امتناعه تكبرا أو سوء ظن أو احتقار للداعي ونحو ذلك (ابن منيع) في معجمه (عن أبي أيوب الأنصاري) رمز لصحته الحديث: 609 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 610 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام) أي مباح (فليجب) وجوبا إن كان وليمة عرس وإلا فندبا (فإن كان مفطرا فليأكل) ندبا كما في الروضة لا وجوبا خلافا لما وقع في شرح مسلم (وإن كان صائما فليدع بالبركة) لأهل الطعام ومن حضر قال في المطامح: وفيه دليل على أن الإجابة تجب بكل حال وأنه لا بأس بإظهار العبادة عند دعاء الحاجة وإرشاد إلى تألف القلوب بالأعذار الصادقة وندب الدعاء للمسلم سيما إذا فعل معروفا (طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي رجاله ثقات ومن ثم رمز لصحته الحديث: 610 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 611 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب) أي إلى الإتيان إلى ذلك المكان عند الإمكان (فإن شاء طعم) كتعب: أي أكل وشرب (وإن شاء لم يطعم) لفظ رواية مسلم: وإن شاء ترك وفيه جواز الأكل وتركه ورد لما وقع للنووي في شرح مسلم من اختياره وجوبه الذي عليه أهل الظاهر والطعم بالفتح يقع على كل ما يساغ حتى الماء وذوق الشيء والطعم بالضم الطعام (م د عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن ماجه وابن حبان الحديث: 611 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 [ص: 347] 612 - (إذا دعي أحدكم) زاد في رواية أبي داود (إلى الطعام فجاء مع الرسول) أي رسول الداعي يعني نائبه ولو صبيا (فإن ذلك له إذن) أي قائم مقام إذنه اكتفاء بقرينة الطلب فلا يحتاج لتجديد إذن أي إن لم يطل عهد بين المجيء والطلب أو كان المستدعي بمحل لا يحتاج فيه إلى الإذن عادة وإلا وجب استئناف الاستئذان وعليه نزلوا الأخبار التي ظاهرها التعارض وتختلف بإختلاف الأحوال والأشخاص. ولهذا قال البيهقي: هذا إذا لم يكن في الدار حرمة ولا امرأة وإلا وجب الاستئذان مطلقا والدعاء النداء ودعاه سأله ويستعمل استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيدا أي سميته والمراد هنا الأول (خد د هب) وكذا البخاري في الصحيح لكن معلقا (عن أبي هريرة) رمز لحسنه وبالغ بعضهم فقال صحيح ولعله لم ير قول ابن القيم فيه مقال ولا قول اللؤلؤي عن أبي داود فيه انقطاع الحديث: 612 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 613 - (إذا دعيتم إلى كراع) بالضم والتخفيف أي كراع شاة وهو يدها على ما قاله الجمهور أو كراع الغميم بمعجمة محل بين الحرمين أو جانب مستطيل من الحرم على ما قاله شرذمة وغلطهم الأولون (فأجيبوا) ندبا فالمعنى على الأول إذا دعيتم إلى طعام ولو قليلا كيد شاة فأجيبوا وعلى الثاني إذا دعيتم إلى محل ولو بعيدا كالموضع المذكور فأجيبوا وليست القلة أو البعد عذرا فأطلق ذلك على طريق المبالغة في الإجابة وإن بعد لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد ولهذا ذهب الجمهور إلى الأول وفيه الحث على الإجابة ولو قل المدعو إليه أو بعد والحض على المواصلة والتحابب لكن إذا دعي إلى وليمة في مكان بعيد يشق عليه الذهاب مشقة تسقط الجمعة والجماعة لم يجب (م عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا ابن حبان الحديث: 613 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 614 - (إذا ذبح أحدكم) حيوانا (فليجهز) أي يسرع بقطع جميع الحلقوم والمريء بسرعة ليكون أوجى وأسهل فنبه على أنه يندب للذابح إسراع القطع بقوة وتحلل ذهابا وإيابا وأن يتحرى أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها إزهاقا ويرفق بالبهيمة ما أمكنه فلا يصرعها ولا يجرها للمذبح بعنف ويحد السكين ويحرم الذبح بكالة لا تقطع إلا بشدة تحامل الذابح واعلم أن الحديث وإن ورد على سبب خاص في البهائم لكن العبرة بعموم اللفظ فإذا ذبح إنسان إنسانا كالبهيمة روعيت المماثلة فيذبح مثله ويؤمر الذابح بإجهاز ذبحه وعلى الإمام أن لا يقتص من إنسان إلا بسيف حاد ويحرم بكال. نعم إن قتل رجل رجلا بسيف كال قتل بمثله (هـ عد هب عن ابن عمر) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفار وإن توارى عن البهائم ثم قال إذا ذبح إلخ وفيه ابن لهيعة وقرة المغافري قال أحمد منكر الحديث جدا وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه الحديث: 614 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 615 - (إذا ذكر أصحابي) بما شجر بينهم من الحروب والمنازعات (فأمسكوا) وجوبا عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق فإنهم خير الأمة والقرون لما جرى بينهم محامل (وإذا ذكرت النجوم) أي أحكامها ودلالتها وتأثيراتها (فأمسكوا) عن الخوض فيها لما مر (وإذا ذكر القدر) بالفتح وبالسكون ما يقدره الله تعالى من القضاء وبالفتح اسم لما صدر مقدورا عن فعل القادر كالهدم لما صدر من فعل الهادم ذكره الطيبي. قال القاضي: بالتحريك تعلق الأشياء بالادارة في أوقاتها الخاصة (فأمسكوا) عن محاورة أهله ومقاولتهم لما في الخوض في الثلاثة من المفاسد التي لا تحصى كما مر قال البغوي: القدر سر الله لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لا يجوز الخوض فيه والبحث عنه من طريق [ص: 348] العقل بل يعتقد أنه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلا وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلا. قال تعالى {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} وسأل عليا كرم الله وجهه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر. قال: طريق مظلم لا تسلكه فأعاد السؤال فقال: بحر عميق لا تلجه فأعاد فقال: سر الله قد خفي عليك فلا تفشه. فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإمساك عن الخوض فيه لأن من يبحث فيه لا يأمن أن يصير قدريا أو جبريا ولذلك شدد فيه غاية التشديد فقال في حديث الترمذي: عزمت - أي أقسمت - عليكم أن لا تتنازعوا فيه إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر. فأشار إلى أن من تكلم من الأمم الماضية فيه عجل الله إهلاكهم <تنبيه> قال بعض العارفين: دخل ابن قانع على بلال بن أبي بردة في يوم حار وهو في روضة وعنده الثلج فقال بلال: كيف ترى بيتنا هذا؟ قال: إنه لطيب والجنة أطيب منه وذكر النار يلهي عنه قال: ما تقول في القدر؟ قال: جيرانك أهل القبور تفكر فيهم فإن فيهم شغلا عنه قال: ادع لي قال: ما تصنع بدعائي وببابك جمع كل منهم يقول إنك ظلمته يرتفع دعاؤهم قبل دعائي؟ لا تظلم فلا تحتاج لدعائي (طب عن ابن مسعود وعن ثوبان) الهاشمي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم (عد عن عمر) قال الحافظ العراقي في سنده ضعيف وقال الهيتمي فيه يزيد بن ربيعة ضعيف وقال ابن رجب: روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه تبعا لابن صصرى ولعله اعتضد الحديث: 615 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 616 - (إذا ذكرتم بالله) بالبناء للمفعول مشددا أي إذا ذكركم أحد بوعيد الله وأليم عقابه وقد عزمتم على فعل شيء (فانتهوا) أي كفوا عنه إجلالا لذكره تعالى وإعظاما له وهذا كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أقبل على أبي مسعود وهو يضرب غلاما له: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر منك عليك على هذا الغلام (البزار عن أبي سعيد) واسمه كيسان بفتح وسكون (المقبري) بتثليث الموحدة مولى أم شريك العنبسية قيل له المقبري لأنه كان ينزل عند المقابر أو لأن عمر جعله على حفرها فالمقبري صفة لأبي سعيد وظاهر صنيع المؤلف أن البزار لم يخرجه إلا مرسلا ولا كذلك بل خرجه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال أحسبه يرفعه. أه. فالتردد إنما هو في وقفه ورفعه لا في إرساله وعدمه. وقال الهيتمي فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف الحديث: 616 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 617 - (إذا ذلت) بالتشديد بضبط المؤلف (العرب) المؤمنون المستعربة بنو إسماعيل: أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غيرهم (ذل الإسلام) أي أهله أو نفسه لأن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن والضعف وذلك لأن أصل الإسلام نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر فإذا ذلوا ذل أي نقص لأن الإسلام لا يصلح وينتظم حاله إلا بالجود والسماحة واللين والمودة والرفق وتجنب البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص والعرب سهلة نفوسها كريمة طباعها زكية أخلاقها لا ينكر ذلك إلا معاند ولا يجحده إلا مارد. فإذا كانوا في عز فالإسلام في عز وإذا ذلوا ذل. فبتلك الخلال فضلوا لا باللسان العربي فحسب (ع عن جابر) قال العراقي في الغريب صحيح وقال الهيتمي فيه محمد بن خطاب البصري ضعفه الأزدي وغيره ووثقه ابن حبان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح ورمز المصنف لضعفه باطل الحديث: 617 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 618 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا) هي بمعنى الرؤية لكنها خصت بما يرى في النوم دون اليقظة وفرق بينهما بحرفي التأنيث كقربة وقربى كذا في الكشاف (الحسنة) وهي ما فيه بشارة أو نذارة أو تنبيه على تقصير أو غفول أو نحو ذلك [ص: 349] (فليفسرها) أي فليقصها ندبا (وليخبر بها) وادا أو عارفا كما يأتي في خبر ولا يستلزم أحد المعطوفين الآخر فقد يراد بالثاني الإخبار على وجه الحكاية عما يسر لا لطلب التفسير (وإذا رأى) أحدكم (الرؤيا القبيحة) ضد الحسنة (فلا يفسرها) أي لا يقصها على أحد ليفسرها له (ولا يخبر بها) أحدا فيكره ذلك بل يستعيذ بالله من شرها وشر الشيطان ويتفل عن يساره ثلاثا ويتحول لجنبه الآخر قيل ويقرأ آية الكرسي. قال الغزالي: الرؤيا من عجائب صنعه تعالى وبدائع فطرة الآدمي وهي من أوضح الأدلة على عالم الملكوت والخلق غافلون عنها لغفلتهم عن سائر عجائب القلب وعجائب العالم والقول في حقيقتها من دقائق علوم المكاشفة ولا يمكن ذكره علاوة بل على عالم المعاملة لكن القدر الذي يمكن التعبير عنه وذكره في مثال يفهمك المقصود وهو أن القلب كالمرآة تتجلى فيها الحقائق وكل ما قدر من ابتداء خلق العالم إلى آخره منقوش في اللوح نقشا لا يشاهد لهذه العين وهو لوح لا يشبه لوح الخلق وكتابته واللوح كالمرآة ظهرت فيها الصور فلو وضع في مقابل المرآة مرآة وتراءت كل منهما في الأخرى حيث لا حجاب فالقلب مرآة تمثيل رسوم العلوم واللوح مرآة رسوم جميع العلوم واشتغال القلب بشهواته ومقتضى حواسه حجاب بينه وبين مطالعة اللوح فإن هبت ريح حولت الحجاب ورفعته تلألأ في مرآة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم وما دام متيقظا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من عالم الشهادة وهي حجاب عن عالم الملكوت فإذا ركدت الحواس بالنوم تخلص منه ومن الخيال فكان صافيا في جوهره فارتفع الحجاب بينه وبين اللوح فيقع في قلبه شيء مما فيه كما تقع صورة من مرآة إذا ارتفع الحجاب بينهما غير أن النوم يمنع الحواس عن العمل ولا يمنع الخيال عن تحركه فيما يقع في القلب فيحاكيه بمثال يقاربه ويبقى الخيال في الحفظ فيحتاج المعبر أن ينظر هذا الخيال حكى أي معنى من المعاني فيرجع إلى المعاني المناسبة أه. وقد أكثر الناس من الكلام في حقيقة الرؤيا من الإسلاميين وغيرهم مما ينبو عن نطاق الحصر (ت عن أبي هريرة) رمز لحسنه تبعا للترمذي وحقه الرمز لصحته وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه عن الستة ولا كذلك فقد رواه ابن ماجه عن أبي هريرة باللفظ المزبور الحديث: 618 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 619 - (إذا رأى أحدكم) في منامه (الرؤيا يكرهها) الجملة صفة للرؤيا أو حال منها قال القاضي: والرؤيا انطباع الصورة المنحدرة عن أفق المتخيلة إلى الحس المشترك الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أو في فراغ فيتصور ما فيها مما يليق من المعاني الحاصلة هناك. ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة متناسبة فيرسلها إلى الحس المشتري فتصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة بذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بأدنى شيء استغنت عن التعبير وإلا احتاجت (فليبصق) بالصاد ويقال بسين وبزاي (عن يساره) أي عن جانبه الأيسر (ثلاثا) كراهة لما رأى وتحقيرا للشيطان الذي حضرها واستقذارا له وخص اليسار لأنه محل الأقذار والمكروهات والتثليث للتأكيد (وليستعذ بالله) بجمع همة وحضور قلب وصفاء باطن وصحة توجه فلا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان كما أشار إليه بعض الأعيان (من الشيطان) الرجيم (ثلاثا) بأن يقول أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم ومن شرها لأنها بواسطته (وليتحول) أي ينتقل (عن جنبه الذي كان) مضطجعا (عليه) حين رأى ذلك تفاؤلا بتحول تلك الحالة ومجانبة لمكانه ولهذا أمر الناعس يوم الجمعة بالتحول والتحول التنقل من شيء إلى غيره والجنب ما تحت الإبط إلى الكشح. قال الراغب: وأصله الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال <تنبيه> قال ابن حجر: ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح [ص: 350] أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن النخعي: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني ودنياي (م د هـ عن جابر) ورواه عنه أيضا النسائي الحديث: 619 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 620 - (إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول وليتفل عن يساره ثلاثا) أي وليبصق بصقا خفيفا بلا ريق من جهته اليسرى ثلاث مرات. قال في الصحاح: التفل شبيه بالبصق وهو أقل منه أوله البزاق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ قال الزركشي: جاء في رواية فليتفل وفي أخرى ينفث وفي أخرى: يبصق وبينهما تفاوت فينبغي فعل الكل لأنه زجر للشيطان فهو من باب رمي الجمار (وليسأل الله من خيرها) أي الرؤيا (وليتعوذ بالله من شرها) أمره في هذا الخبر وما قبله بأربعة أشياء: التحول والاستعاذة والتفل والكتم متى فعل ذلك لم تضره: بل ذلك دافع لشرها (فإن قلت) قدم في الخبر قبله البصق فالاستعاذة فالتحول وهنا قدم التحول وأخر التعوذ فهل من حكمة؟ (قلت) أجل وهي الإشارة إلى أنه كيف فعل كفى فإن عدم اقتضاء الواو للترتيب غير متفق عليه فدفع ما عساه يتوهم لتخالف النظم. وفي رواية لمسلم: إذا رأى أحدكم ما يكره فليصل: أي لتكمل الرغبة ويصح الطلب فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال القرطبي: وليس هذا مخالفا لقوله هنا: فليتحول وليتفل إلخ وإنما الأمر بالصلاة زيادة ينبغي إضافتها إلى ما في هذا الحديث فليفعل الكل وقد يقال اقتصر على الصلاة لتضمنها جميع تلك الأمور لأنه إذا قام للصلاة تحول عن جنبه وإذا توضأ تمضمض فنفث وبصق وإذا أحرم تعوذ ودعا وتضرع لله في حال هي أقرب إجابة أه ومتى فعل ما أمر به مما تقرر لم يضره ببركة الصدق والتصديق والامتثال: وفائدة ذلك أن لا يشغل الرائي نفسه برؤية ما يكره وأن يعرض عنه ولا يلتفت إليه <تنبيه> قال الحكيم الترمذي: التفل الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم واصل إلى وجه الشيطان واقع عليه فالتفل مع تعوذ الرائي بالله يرد الذي جاء به من النزعة والوسوسة كالنار إلى وجهه فيحترق فيصير قروحا ورد عن الربيع بن خيثم أنه قص عليه رؤيا منكرة فأتاه رجل وقال رأيت في النوم رجلا يقول أخبر الربيع بأنه من أهل النار فتفل عن يساره وتعوذ فرأى ذلك الرجل في الليلة الثانية أن رجلا جاء بكلب فأقامه بين يديه وفي عنقه حبل وبجبهته قروح فقال هذا ذلك الشيطان وهذه القروح تلك النفثات التي نفثتها في وجهه الربيع (هـ عن أبي هريرة) وهذا الحديث في نسخ لا تحصى ولم أره في نسخة المؤلف التي بخطه الحديث: 620 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 621 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها) بأن يقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يحبه قال ذلك (وليحدث بها) غيره (وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي) أي الرؤيا (من الشيطان) ليحزنه ويشوش عليه فكره ليشغله عن العبادة فلا يخبر بها ولا يشتغل بها. قال النووي: جعل ما هو علامة عل ما يضر منتسبا للشيطان مع أن الله هو خالق للرؤيا مجازا لحضوره عندها لا على أن الشيطان يفعل ما يشاء. وقيل: إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف وإضافة المكروهة إلى الشيطان لأنه يرضاها (فليستعذ بالله) من شرها وشر الشيطان (ولا يذكرها لأحد) فإنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهر [ص: 351] صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإنها لا تضره) فإنه تعالى جعل فعله من النعوذ والتفل وغيره سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء. قال ابن عربي: من حافظ على ما ذكره في هذا الحديث من الاستعاذة والكتم يرى برهانه فإن كثيرا من الناس وإن استعاذ يتحدث بما رآه فأوصيك أن لا تفعل. وقال بعضهم: محصل الحديث أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة: حمد الله وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها لمن يحب لا لغيره وآداب الحلم الرديء أربعة: التعوذ من شره وشر الشيطان. ويتفل حين ينتبه ولا يذكرها لأحد. واستثنى الداودي من نوم ما يكره ما يكون في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع تبشيرا وفي الإنذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع التعوذ إذا عرف أنها صادقة بدليل ما رآه المصطفى صلى الله عليه وسلم من البقر التي تنحر وثلم ذباب سيفه لكن لا يلزم من ترك التعوذ ترك التحول والصلاة فقد يكون سببا لدفع مكروه الإنذار مع حصول مقصوده على أن المنذرة قد ترجع لمعنى المبشرة <تنبيه> قال بعضهم: يسن لمن رأى رؤيا من المبشرات أن يقول ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لما رأى في المنام أن جبريل لما أتاه بعائشة في سرقة حرير بيضاء وقال له هذه زوجتك فلما قصها على أصحابه قال إن يكن من الله يمضه فأتى بالشرط لسلطان الاحتمال الذي يعطيه مقام النوم وحضرة الخيال فكان كما رأى. قال بعض العارفين: الأدب يعطي أن يقول ذلك وما قلته قط إلا وخرجت كفلق الصبح (حم خ ت عن أبي سعيد) وهذا الحديث في نسخ كثيرة وليس في خط المؤلف الحديث: 621 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 622 - (إذا رأى) أي علم (أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه) من النسب أو الإسلام (ما يعجبه) أي ما يستحسنه ويرضاه من أعجبه الشيء رضيه (فليدع له بالبركة) ندبا بأن يقول اللهم بارك فيه ولا تضره ويندب أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله لخبر رواه أبو داود (فإن العين) أي الإصابة بالعين (حق) أي كائن يقضي به في الوضع الإلهي لا شبهة في تأثيرها في النفوس فضلا عن الأموال وذلك لأن بعض النفوس الإنسانية يثبت لها قوة هي مبدأ الأفعال الغريبة ويكون ذلك إما حاصلا بالكسب كالرياضة وتجريد الباطن عن العلائق وتذكيته فإنه إذا اشتد الصفاء والذكاء حصلت القوة المذكورة كما يحصل للأولياء أو بالمزاج والإصابة بالعين يكون من الأول والثاني فالمبدأ فيها حالة نفسانية معجبة تهتك المتعجب منه بخاصية خلق الله في ذلك المزاج على ذلك الوجه ابتلاء من الله تعالى للعباد ليتميز المحق من غيره. <تنبيه> في تعليق القاضي حسين أن بعض الأنبياء نظر إلى قومه فأعجبوه فمات منهم في يوم سبعون ألفا فأوحي إليه إنك عنتهم وليتك إذ عنتهم حصنتهم يقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (ع طب ك) في الطب (عن عامر بن ربيعة) حليف آل الخطاب أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه فما أوهمه صنيع المصنف من أنه لم يخرجه أحد من الستة غير جيد الحديث: 622 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 623 - (إذا رأى أحدكم مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني) أي نجاني وسلمني قال في الصحاح: العافية دفاع الله عن العبد (مما ابتلاك به) قال الطيبي: فيه إشعار بأن الكلام ليس في مبتلى بنحو مرض أو نقص خلقة بل لكونه عاصيا متخلفا خلع العذار ولذلك خاطبه بقوله مما ابتلاك به ولو كان المراد المريض لم يحسن الخطاب بقوله (وفضلني عليك) أي صيرني أفضل منك أي أكثر خيرا أو أحسن حالا وفي الصحاح فضله على غيره: حكم له بذلك أو صيره كذلك (وعلى كثير من عباده) مصدر مؤكد لما قبله (كان شكر تلك النعمة) أي كان قوله ما ذكر قياما بشكر [ص: 352] تلك النعمة المنعم بها عليه وهي معافاته من ذلك البلاء والخطاب في قوله: ابتلاك وعليك: يؤذن بأن يظهر له ذلك ويسمعه إياه وموضعه ما إذا لم يخف فتنته <تنبيه> قال بعض العارفين: الحديث وارد في حق العامة أما الكامل فينظر فيما انطوى عليه ذلك الابتلاء فإن كان كفارة أو رفع درجات لم يسأل العافية منه والعارف يحمل كل حديث على حاله (هب عن أبي هريرة) وفيه سهل بن صالح قال ابن معين غير قوي الحديث: 623 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 624 - (إذا رأى أحدكم امرأة حسناء) بالمد ذات حسن قيد به لأن الإعجاب إنما يكون بها فلو رأى قبيحة (فأعجبته) لخبث طباعه كما يقع لكثير أنهم يميلون إلى العجوز أكثر من الشابة كان حكمه ما ذكر وقوله فأعجبته: أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه قال الراغب: والحسن عبارة عن كل منهج مرغوب فيه (فليأت) ندبا فإن تعين طريقا لدفع المفسدة وجب (أهله) أي فليجامع حليلته ليسكن ما به من حر الشهوة خوفا من استحكام داعي فتنة النظر (فإن البضع) بالضم الفرج أو الجماع (واحد) يعني الفروج متحدة المذاق غير مختلفة عند الحذاق والبضع كما في المصباح وغيره يطلق على الفرج والجماع كلاهما سائغ هنا. قال الزمخشري: ومن الكناية بضع المرأة جامعها وباضعها بضاعا وملك بضعها إذا عقد عليها (ومعها مثل الذي معها) أي معها فرج مثل فرج الأجنبية ولا مزية لفرج الأجنبية والتمييز بينهما من فخوخ الشيطان وتزيينه. أرشد من ابتلى بذلك إلى أن يداويه بجماع حليلته فإن فيه تسلية عن المطلوب بجنسه ولأن النظر يثير قوة الشهوة فأمر بتنقيصها وذلك أن أول النظر الموافقة ثم الميل ثم المحبة ثم الود ثم الهوى ثم الوله فالموافقة للطبع والميل للنفس والود للقلب والمحبة للفؤاد والهوى غلبة الحب والوله زيادة الهوى. فمن مال قلبه إلى امرأة ولم يقدر على دفع ميله خيف عليه أن يزيد فيصير حبا ثم هوى موقعا في الفاحشة فأمر الشارع بإتيان حليلته ليتخلص عما في نفسه من الميل باندفاع الشهوة الداعية إليه. ويؤخذ منه ندب تكرير إتيانها إذا لم يندفع بأول مرة لاستيلاء الميل على قلبه وأنه يعجل ذلك ولا يمهل خوف المحذور. نقل ابن الحاج عن بعضهم أن هذا مستحب استحبابا مؤكدا فإنه يصون به دينه. لكن ينبغي أن يعلم أن المأمور به هنا الوطء بلا تفكر في محاسن تلك الأجنبية أما لو وطئ حليلته متفكرا في تلك حتى خيل لنفسه أنه يطؤها فهذا غير مراد بالحديث وفيه اختلاف ذهب بعض المالكية إلى حرمته فقال يحرم أن يجعل تلك الصورة بين عينيه فإنه نوع من الزنا كما قالوا فيما لو أخذ كوز ماء فصور في نفسه أنه خمر فشربه فإن الماء يصير حراما. وذهب جمع شافعية إلى حله لأنه لم يخطر بباله عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدماته فهو متناس للوصف الذاتي متذكر للوصف العرضي باعتبار تخيله ولا محذور فيه. فإن فرض أنه ضم له قصد الزنا بتلك الحسناء لو ظفر بها وصمم عليه حرم عليه <تنبيه> يؤخذ من التعليل أنه لو رأى امرأة فمالت نفسه للفعل بها ندب له إتيان حليلته وتكراره لتنقص شهوته وتنكسر حدته (خط عن ابن عمر) قضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو عجيب فقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي في النكاح بمعناه من حديث جابر بألفاظ متقاربة ولفظ أكثرهم: إذا رأى أحدكم امرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه الحديث: 624 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 625 - (إذا رأى أحدكم بأخيه) في الدين (بلاء) أي محنة أو مصيبة في نحو دينه أو بدنه سمي بلاء لأنه يبلي الجسم ويخلقه [ص: 353] وربما اشتد فأهلكه (فليحمد الله) على سلامته من مثله ويعتبر ويكف عن المناهي فإنها سببه ويدأب في العمل الصالح فإنه سبب كل خير (ولا يسمعه ذلك) أي حيث لم ينشأ ذلك البلاء عن محرم كمقطوع في سرقة لم يتسبب. ثم إن تقييد الرؤية بكونها في أخيه ليس لإخراج ندب الحمد لو رأى البلاء بنحو كافر وعدو ومجاهر بل إنما قيد به لأجل قوله ولا يسمعه فلو رأى البلاء بغيره حمد وأسمعه (ابن النجار) الحافظ محب الدين محمد بن محمود البغدادي صاحب كتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين وذيل تاريخ بغداد والمعجم أو غير ذلك (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 625 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 626 - (إذا رأيت الناس) أي وجدتهم (قد مرجت) بميم وجيم مفتوحتين بينهما راء مكسورة (عهودهم) جملة حالية أي اختلفت وفسدت وقلت فيهم أسباب الديانات والأمانات. قال الزمخشري: مرج وخرج إخوان في معنى القلق والاضطراب يقال مرج الخاتم في يدي ومرجت العهود والأمانات: اضطربت وفسدت ومنه المرجان لأنه أخف الحب والخفة والقلق من واد واحد أه: والعهود جمع عهد وهو اليمين والأمان والذمة والحفاظ ورعاية الحرمة والوصية. قال ابن الأثير: ولا تخرج الأخبار الواردة فيه عن أحدهما (وخفت) بالتشديد قلت من قولهم خفت القوم قلوا (أماناتهم) جمع أمانة ضد الخيانة (وكانوا هكذا) وبين الراوي ما وقعت عليه الإشارة بقوله (وشبك) أي خلط (بين أنامله) أي أنامل أصابع يديه إشارة إلى تموج بعضهم في بعض وتلبيس أمر دينهم فلا يعرف الأمين من الخائن ولا البر من الفاجر (فالزم بيتك) يعني اعتزل الناس وانحجب عنهم في مكانك إلا لما لا بد فيه (وأملك) بقطع الهمزة وكسر اللام (عليك لسانك) أي احفظه وصنه ولا تجره إلا فيما لك لا عليك أو امسكه عما لا يعنيك. قال الزمخشري: من المجاز اخزن لسانك وسرك. وخصه لأن الأعضاء تبع له فإن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت كما مر (وخذ ما تعرف) من أمر الدين: أي الزم فعل ما تعرف كونه حقا من أحوالك التي تنتفع بها دنيا وأخرى (ودع ما تنكر) من أمر الناس المخالف للشرع وانظر إلى تدبير الله فيهم بقلبك فإنه قسم بينهم أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم ولو شاء لجمعهم على خلق واحد فلا تغفل عن النظر إلى تدبيره تعالى فيهم فإذا رأيت معصية فاحمد الله إذ صرفها عنك في وقتك وتلطف في الأمر والنهي في رفق وصبر وسكينة فإن قبل منك فاحمد الله وإلا فاستغفره لتفريطك {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (وعليك بخاصة نفسك) وفي رواية بخويصة مصغرا واستعملها في المشروع وكفها عن المنهي والزم أمر نفسك والزم دينك واترك الناس ولا تتبعهم. قال الزمخشري: الخويصة تصغير الخاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة وجوز إلتقاء الساكنين فيها أن الأول حرف لين والثاني مدغم والمراد حادثة الوقت التي تخص المرء وصغرت لاستصغارها في جنب جميع الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك ثم زاد الأمر بالانجماع تأكيدا دفعا لاحتمال التجوز بقوله (ودع عنك أمر العامة) أي كافة الناس فليس المراد العوام فقط فإذا غلب على ظنك أن المنكر لا يزول بإنكارك لغلبة الابتلاء لعمومه أو تسلط فاعله وتحيره أو خفت على نفسك أو محترم غيرك محذورا بسبب الإنكار فأنت في سعة من تركه والإنكار بالقلب مع الانجماع وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار <فائدة> أخرج في الحلية عن أنس مرفوعا " يأتي على الناس زمان يدعو فيه المؤمن للعامة فيقول الله ادع لخاصة نفسك أستجب لك وأما العامة فإني عليهم ساخط " (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال كنا جلوسا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المنذري والعراقي سنده حسن الحديث: 626 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 [ص: 354] 627 - (إذا رأيت) لفظ رواية البزار: رأيتم (أمتي) يعني صارت أمتي إلى حالة (تهاب) أي تخاف (الظالم) الجائر المتعدي لحدوده تعالى (أن تقول له إنك ظالم) أي تكفه عن الظلم وتشهد عليه به أو لا تنكر عليه مع القدرة (فقد تودع منهم) بضم أوله بضبط المؤلف والتشديد أي استوى وجودهم وعدمهم. أو تركوا وأسلموا (قوله وأسلموا: بضم الهمزة وكسر اللام بينهما سين ساكنة مبني لما لم يسم فاعله: أي خذلهم الله أه) ما استحقوه من النكير عليهم واستريح منهم وخذلوا وخلى بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي ليعاقبوا عليها وهو من المجاز لأن المعتني بإصلاح شخص إذا أيس من صلاحه تركه ونفض يده منه واستراح من معاناة النصب في إصلاحه. ويجوز كونه من قولهم تودعت الشيء أي صنته في ميدع أي ثوب لف فيه ليكون كالغلاف له: أي فقد صاروا بحيث يتصون منهم ويتحفظ كما يتوقى شرار الناس. ذكره كله الزمخشري وقال القاضي: أصله من التوديع وهو الترك وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرحمن. قال في الإحياء: لكن الأمر بالمعروف مع الولاة هو التعريف والوعظ. أما المنع بالقهر فليس للآحاد لأنه يحرك فتنة ويهيج شرا. وأما الفحش في القول: كيا ظالم يا من لا يخاف الله فإن تعدى شره للغير امتنع وإن لم يخف إلا على نفسه جاز بل ندب فقد كانت عادة السلف التصريح بالإنكار والتعرض للأخطار (حم طب ك هب) من حديث محمد بن مسلم (عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن تعقبه البيهقي نفسه بأنه منقطع حيث قال محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي ولم يسمع من ابن عمرو (طس عن جابر) وفيه سيف بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني وقال الهيتمي رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه الترمذي الحديث: 627 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 628 - (إذا رأيت العالم) يعني وجدته (يخالط) أي يداخل (السلطان) الإمام الأعظم أو أحد نوابه (مخالطة كثيرة) أي مداخلة كثيرة عادة. قال المرزوقي: وأصل الخلطة تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض وقد توسع فيه حتى قيل رجل خليط إذا اختلط بالناس كثيرا (فاعلم أنه لص) بتثليث اللام: أي سارق: أي محتال على اقتناص الدنيا وجذبها إليه من حرام وغيره كما يحاول السارق إخراج المتاع من الحرز فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الدنيئة الفانية وإيثارها على الآخرة السنية الباقية وعماه عن وبال ذلك في العقبى كما حكى أن القائم بعد عمر بن عبد العزيز أراد الجري على منواله حتى شهد له أربعون شيخا أن الخليفة لا حساب عليه فترك. ورفع بعض العلماء حوائجه إلى المنصور فقضاها فقال: يا أمير المؤمنين بقيت الحاجة العظمى قال: وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة فقال له بعض من حضر: إياك وهؤلاء فإنهم قطاع الطريق في المآمن وأصل ذلك كله الطمع والملة الحنيفية مبناها على الاكتفاء بالقليل من الدنيا والمبالغة في الحمية عن عموم ما لا يتناهى من المنهيات الكثيرة مداخل الآفات منها على المخلوقات والحمية عنها أصل الدواء فمن لم يحتم من المنهيات لم ينفعه التداوي بالمأمورات فهؤلاء خدموا العلم دهرهم وصاموا نهارهم وقاموا ليلهم وأتوا بالحسنات كالجبال لكنهم تلطخوا بالأقذار لما لم يتجمعوا عن التردد على أبواب الظلمة لينالوا من دنياهم التي نهوا عن زهرتها فلم ينفعهم الدواء:. واحترز بقوله كثيرة عما لو خالطه أحيانا بأقل ممكن لنحو شفاعة أو نظر مظلوم أو وعظ (فر عن أبي هريرة) إسناده جيد الحديث: 628 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 629 - (إذا رأيت الله تعالى) أي علمت أنه (يعطي العبد) عبر بالمضارع إشارة إلى تجدد الإعطاء وتكرره (من الدنيا) [ص: 355] أي من زهرتها وزينتها (ما يحبه) أي العبد من نحو مال وولد وجاه (وهو مقيم) أي والحال أنه مقيم (على معاصيه) أي عاكف عليها ملازم لها (فإنما ذلك) أي فاعلموا أنما إعطاؤه ما يحب من الدنيا (منه) أي من الله (استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى فكلما فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلا قليلا ثم يصبه عليه صبا. قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر على خطر فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب ولا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله وجهه: كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بالستر عليه وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وفي الحكم: خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجا. والاستدراج الأخذ بالتدريج لا مباغتة. والمراد هنا تقريب الله العبد إلى العقوبة شيئا فشيئا واستدراجه تعالى للعبد أنه كلما جدد ذنبا جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيزداد أشرا وبطرا فيندرج في المعاصي بسبب تواتر النعم عليه ظانا أن تواترها تقريب من الله وإنما هو خذلان وتبعيد (حم طب حب عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} زاد الطبراني: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} قال الهيتمي: رواه الطبراني عن شيخه الوليد ابن العباس المصري وهو ضعيف. وقال العراقي إسناده حسن وتبعه المؤلف فرمز لحسنه الحديث: 629 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 630 - (إذا رأيت من) أي في (أخيك) في الدين (ثلاث خصال) أي فعل ثلاث خصال (فارجه) أي فأمل أن ينتفع برأيه ومشورته أو فارج له الفلاح والفوز بالنجاح لما لاح فيه من مخايل الخير وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه الخصال وهي: (الحياء والأمانة والصدق) فإنها أمهات مكارم الأخلاق فإذا وجدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له الفلاح. وقدم الحياء في الذكر لأنه أصل ما بعده وأسه وعنه يتفرع ومنه ينشأ (وإذا لم ترها) مجتمعة فيه (فلا ترجه) لشيء مما ذكر ولا يؤمل فلاحه لأنها إذا لم تجتمع في إنسان دل على قلة مبالاته بالعاقبة وجرأته على الله وعلى عباده. والغرض: الإيذان بأنه من أهل الخذلان فإنه يخلى وشأنه. فإن وجد فيه بعضها وفقد بعضها فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. فالمراد أن من اجتمعت فيه يرجى فلاحه رجاء يقرب من القطع ومن فقدت منه كلها يرجى عدمه كذلك (عد فر عن ابن عباس) قال العلائي: فيه عبد الرحمن بن معين وثقه أبو زرعة وطعن فيه غيره وشيخه رشد بن كريب ضعيف الحديث: 630 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 631 - (إذا رأيت كلما) بالنصب على الظرفية (طلبت شيئا من أمر الآخرة) أي من الأمور المتعلقة بها (وابتغيته يسر) بضم المثناة تحت وكسر السين مشددة بضبط المؤلف (لك) أي تهيأ وحصل بسهولة (وإذا أردت شيئا من أمور الدنيا) أي من الأمور المتعلقة بها من نيل اللذات والتوسع في الشهوات ولا يدخل فيه طلب الكسب الحلال وتيسر حصوله (وابتغيته عسر عليك) أي صعب فلم يحصل إلا بتعب وكلفة (فاعلم [ص: 356] أنك على حالة حسنة) أي دالة على كونك من السعداء لأنه تعالى إنما زوى عنك الدنيا وعرضك للبلاء لينقيك من دنسك ويريحك في الآخرة ويرفع درجتك. ألا ترى أن الدواء الكريه نعمة في حق المريض؟ وقد يكون المال والأهل سببا للهلاك وهو أعلم بما يصلح فيه عباده. وهذا كالذي بعده غالبي وقد يكون على حالة حسنة مع تيسير الدنيا وهذا يكون على حالة قبيحة مع عدمه. ثم إن قلت الابتغاء الطلب - كما في الصحاح - فكيف عطف عليه؟ (قلت) الطلب أعم والابتغاء أخص كما قال الراغب: الابتغاء بالاجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب بشيء محمود فالابتغاء فيه محمود وكذا عكسه والعسر: الصعوبة الشديدة واليسر - بالضم - ضده والحال - كما قال الراغب - ما يخص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في نفسه وجسمه وصفاته والحال صفة شيء يذكر ويؤنث فيقال حال حسن وحسنة (وإذا رأيت كلما طلبت شيئا من أمر الآخرة وابتغيته عسر عليك وإذا طلبت شيئا من أمر الدنيا وابتغيته يسر لك فأنت على حال قبيحة) فإن النعم محن والله يبلو بالنعمة كما يبلو بالنقمة {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ومن ثم قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية ومن وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع. وفي تاريخ الخطيب عن الحصرمي: لا يغرنكم صفاء الأوقات فإن تحتها آفات ولا يغرنكم العطاء فإنه عند أهل الصفاء مقت. وفي تاريخ ابن عساكر: كان عيسى عليه السلام إذا أصابته شدة فرح واستبشر وإذا أصابه رخاء خاف وحزن. وفي الإحياء عن وهب: التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر: إلى أين؟ قال: أمرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودي لعنه الله وقال الآخر: أمرت بإهراق زيت اشتهاه فلان العابد. قال الغزالي: فهذا تنبيه على أن تيسير أسباب الشهوة ليس من علامات الخير - (واعلم) أن القسمة رباعية: القسم الأول: إذا طلب شيئا من الآخرة تيسر له وإذا طلب شيئا من الدنيا تعسر عليه. الثاني عكسه والثالث إذا طلبهما تيسرا. والرابع إذا طلبهما تعسرا فذكر في الحديث الأولين وترك الآخرين لوضوحهما فالثالث من علامة السعادة والرابع من علامة الشقاوة وأشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة وعلم مما تقرر: إذا أراد الله هلاك عبد ضاعف عقابه من حيث لا يعلم ما يراد به وذلك بأن يرادف عليه النعم فيزداد أشرا وبطرا وانهماكا في الدنيا وحرصا عليهما فيظن أنه لطف من الله به وتقريب وإكرام وهو قهر وتبعيد وإذلال نعوذ بالله من ذلك الحال. قال في الحكم: من جهل المريد أن يسيء الأدب فيؤخر العقوبة عنه فيقول لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد وأوجب البعاد وقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن إلا منع المزيد وقد يقوم مقام البعد من حيث لا يدري ولو لم يكن إلا أن يخليه وما يريد (ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (مرسلا) أرسله عن أبي هريرة وغيره. قال أحمد: لا بأس بك (هب عن عمر) ابن الخطاب ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بما نصه: هكذا جاء منقطعا. أه. فحذف ذلك من كلامه غير صواب ورمز لحسنه غير حسن إلا أن يريد أنه لغيره الحديث: 631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 632 - (إذا رأيتم من) أي مكلفا (يبيع أو يبتاع) أي يشتري (في المسجد فقولوا) أي ادعوا عليه ندبا وقيل وجوبا بنحو (لا أربح الله تجارتك) فإن المسجد سوق الآخرة فمن عكس وجعله سوقا للدنيا فحري بأنه يدعى عليه بالخسران والحرمان وليس الوقف على قوله: لا كما يتوهمه بعض الجاهلين - بل المراد الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان كما صرح به مع وضوحه بعض الأعيان منهم النووي في الأذكار حيث قال: باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالته [ص: 357] في المسجد أو يبيع فيه: ثم أورد فيه أحاديث هذا منها قال جمع من أئمتنا: يندب لمن راى من يبيع أو يشتري أو ينشد ضالته في المسجد أن يقول: لا أربح الله تجارتك ولا وجدت: ثم إن هذا وما بعده من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشترط له شروطه وإذا دعا عليه بذلك فإن انزجر وكف فذاك وإلا كرره وعليه حمل ما وقع في حديث ثوبان من أنه يكرره ثلاثا (وإذا رأيتم من ينشد) بفتح أوله يتطلب (فيه ضالة) بالتاء يقع على الذكر والأنثى يقال ضللت الشيء إذا أخطأته فلم تهتد له ويختص أصالة بالحيوان والمراد هنا شيء ضاع (فقولوا) له (لا ردها) الله (عليك) أو لا وجدت كما في رواية - زجرا له عن ترك تعظيم المسجد زاد مسلم: فإن المساجد لم تبن لهذا: أي وإنما بنيت لذكر الله تعالى والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحو ذلك ولما وضع الشيء في غير محله ناسب الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان معاقبة له بنقيض قصده وترهيبا وتنفيرا من مثل فعله فيكره ذلك بالمسجد تنزيها عند الشافعي إلا لضرورة وقيده الحنفية بما إذا أكثر ذلك فيه ونبه بذكر البيع والشراء على كل معاملة واقتضاء حق ورام زيادة التنبيه على ذلك بذكر النشد فإن صاحب الضالة معلق القلب بها وغيره مأمور بمعاونته فإذا منع فغيرة من كل أمر دنيوي أولى للكلام فيمن بلغه النهي فخالف إذا أمكنه التعلم ففرط أما غيره فمعذور فلا يدعى عليه بل يعلم وألحق جمع - منهم الحافظ العراقي بإنشاد الضالة تعريفها. ولذلك قال الشافعية: يعرفها على باب المسجد قال النووي: وفيه كراهة نشد الضالة ورفع الصوت فيه. قال القاضي: قال مالك وجمع من العلماء: يكره رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغيرهما (ت ك) والنسائي والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 632 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 633 - (إذا رأيتم الرج ليتعزى) أي ينتسب (بعزاء الجاهلية) أي بنسبها والانتماء إليها يقال: اعتزى إليه أي انتسب وانتمى وتعزى كذلك (فأعضوه) أي اشتموه (بهن أبيه) أي قولوا له: اعضض بهن أبيك أو بذكره وصرحوا بلفظ الذكر (1) (ولا تكنوا) عنه بالهن تنكيرا وزجرا وقيل معناه من انتسب وانتمى إلى الجاهلية بإحياء سنة أهلها واتباع سبيلهم في الشتم واللعن والتعبير ومواجهتكم بالمنكر فاذكروا له قبائح آبائه من عبادة الأصنام وشرب الخمر وغيرهما صريحا لا كناية ليرتدع به عن التعرض للأعراض. وقال ابن جرير: معنى الاعتراض هنا إنما هو دعوى القائل يا آل فلان: أي تعريضا بنجدتهم وتذكيرا بشجاعتهم. قال: وهذا مخصوص بغير الحرب فلا بأس بذكر القبائل فيه لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر في وقعة هوازن العباس أن ينادي بأعلى صوته: أين أصحاب الشجرة يا بني الحارث؟ أين الخزرج يا كذا يا كذا؟ فهو منهي عنه إلا في هذا الموضع. وخص الأب لأن هتك عورته أقبح (حم ت عن أبي) بن كعب ورواه عنه أيضا الطبراني: قال الهيتمي رجاله ثقات   (1) [وليتنبه هنا أنه في حالات خاصة جدا فقط يسمح باستعمال الألفاظ الشديدة للزجر تناسبا مع فحش خطأ المزجور مع مراعاة صيانة اللسان قدر الإمكان عن مثل تلك الألفاظ حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى في هذا الحديث لعدم ضرورة تصريحه بالكلام القاسي ولو في هذا الموضع بالذات. دار الحديث] الحديث: 633 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 634 - (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد) أي الجلوس في المساجد التي هي جنات الدنيا لكونها أسبابا موصلة إلى الجنان التي هي مقر أهل الإيمان أو معناه وجدتم قلبه معلقا بها منذ يخرج منها إلى عوده إليها أو شديد الحب لها والملازمة لجماعتها وتعهدها بالصلاة فيها كلما حضرت أو يعمرها ويجدد ما درس منها ويسعى في مصالحها والأوجه حمله على الكل فمن لزمها لنحو اعتكاف أو اجتهاد أو تعلق قلبه بها أو عمرها بنحو ذكر وصلاة أو عمر ما تهدم منها وسعى في إقامة شعارها (فاشهدوا له بالإيمان) أي اقطعوا له بأنه مؤمن حقا في ظاهر الحال فإن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب اللسان على سبيل القطع ذكره الطيبي قال ابن أبي جمرة: وفيه أن التزكية بالقطع [ص: 358] ممنوعة إلا بنص لأنه حكم على الغيب وهو على البشر مستحيل قال: ولا ينافيه النهي عن مدح الرجل في وجهه لأن هذه شهادة وقعت على شيء وجد حسا والفعل الحسي يظهر دليل على الإيمان وعلة النهي عن المدح في الوجه ممنوعة خوف الاغترار والإعجاب في هذا معدومة لأنها شهادة بالأصل وهو الإيمان انتهى ولا يخفى تكلفه قال ابن المسيب: ومن جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن يقول إلا خيرا (حم ت هـ وابن خزيمة) في صحيحه (حب ك هق عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم ترجمة صحيحة مصرية وتعقبه الذهبي بأن فيه دراج وهو كثير المناكير وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الترمذي والحاكم وغيره فإن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} الحديث: 634 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 635 - (إذا رأيتم الرجل) في رواية أبي نعيم بدله العبد (قد أعطي) بالبناء للمفعول أي أعطاه الله وفي رواية أبي نعيم بدله يعطى (زهدا في الدنيا) أي استصغارا لها واحتقارا لشأنها وأهلها (وقلة منطق) كمحمل أي عدم كلام في غير طاعة إلا بقدر الحاجة. قال في الكشاف: والمنطق كلما يصوت به من مفرد ومؤلف مفيد أو غيره (فاقتربوا منه فإنه يلقى) بقاف مشددة مفتوحة (الحكمة) أي يعلم دقائق الإشارات الشافية لأمراض القلوب المانعة من اتباع الهوى والحكمة مثال الأمر الذي عسر بسبب فيه يسر فينال الحكيم بحكمته لاطلاعه على أقصى مجعول الأسباب بعضها لبعض مما بين أسباب عاجل الدنيا ومسببات أجل الآخرة ما لا يصل إليه جهد العاقل الكادح وللناس في تعريف الحكمة أقوال كثيرة منها الإصابة في القول وإتقان العمل وأصلها الإحكام وهو وضع الشيء في محله بحيث يمتنع فساده ومن اتصف بذلك فأعماله منقحة وأفعاله محكمة فإنه يرى الأشياء كما هي فإنه ينظر بنور الله ومن كان هذا وصفه أصاب في منطقه (هـ حل هب عن أبي خلاد) الرعيني وله صحبة وفيه هشام بن عمار قال الذهبي عن أبي حاتم ثقة تغير فلقن كما تلقن عن الحكم بن هشام لا يحتج به (حل) من حديث حرملة بن يحيى عن وهب عن ابن عيينة عن عمرو بن الحارث عن ابن هبيرة عن ابن حجيرة عن أبي هريرة ثم قال غريب بهذا الإسناد (هب عن أبي هريرة) وفيه عنده عثمان بن صالح وفيه كلام معروف عن دراج منكر الحديث ومن ثم قال العراقي في الحديث ضعيف الحديث: 635 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 636 - (إذا رأيتم الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان المعصوم (يقتل صبرا) أي يمسك فيقتل في غير معركة قال في الكشاف: وقتل الصبر أن يأخذ بيده فيضرب عنقه (فلا تحضروا مكانه) أي لا تقصدوا حضور المحل الذي يقتل فيه حال القتل ويحتمل النهي عن الحضور في محل قتله وقته وبعده لالتحاق المحل بالأماكن المغضوب عليها كديار ثمود (فإنه لعله يقتل ظلما فتنزل السخطة) أي الغضب من الله (فتصيبكم) والمراد ما يترتب على الغضب من نزول العذاب ويؤخذ منه أنه لو علم أنه يقتل بحق لم يكن الحضور منهيا عنه نعم إن وقع التعدي في كيفية القتل نهى عن حضوره فيما يظهر والسخط بالضم الغضب وفي رواية للبيهقي بدل فتنزل إلى آخره فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره انتهى (ابن سعد) في الطبقات (طب) كلاهما (عن خرشه) بخاء معجمة وراء وشين معجمة مقتوحات ابن الحارث المرادي من بني زبيد وفد على [ص: 359] المصطفى صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر وحديثه حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه الحديث: 636 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 637 - (إذا رأيتم) أي وجدتم (الذين يسبون) أي يشتمون (أصحابي) كلهم أو بعضهم (فقولوا) لهم (لعنة الله على شركم) قال الزمخشري: هذا من كلام المنصف الذي كل من يسمعه من موال أو منافر قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك فهو على وزان {وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} وقول حسان: وشركما لخيركما الفداء والتعريض والتورية أوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم على القلب وأدعى إلى القبول وأبعث على الاستماع والامتثال ولو قال فالعنوهم لم يكن بتلك المثابة وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمل إلى التقبل ومنه حكي عن الشافعي أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال ما هو بيتي ولا بيتكم إلى هنا كلامه ولم يطلع عليه من عزاه للطيبي كالمؤلف (ت عن ابن عمر) ظاهر صنيع المؤلف أن الترمذي خرجه وأقره ولا كذلك بل عقبه بأنه منكر وعزو الحديث لمخرجه مع حذف ما أعقبه به من بيان القادح من سوء التصرف ورواه الطبراني أيضا عن ابن عمر باللفظ المذكور قال الهيتمي وفيه سيف بن عمر متروك الحديث: 637 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 638 - (إذا رأيتم الجنازة) بفتح الجيم وكسرها أي الميت في النعش (فقوموا لها) هبها مسلمة أم ذمية ففي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنه يهودي فقال أليست نفسا؟ وذلك إكراما لقابض روحها أو لأجل ما معها من الملائكة والمراد في الكافر ملائكة العذاب أو لصعوبة الموت وتذكره لا لذات الميت فالقيام لتعظيم أمر الموت وإجلال حكم الله. وقال القاضي: الباعث على القيام إما تعظيم الميت أي المسلم وإما تهويل الموت والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يفر من رأى ميتا رعبا منه (حتى تخلفكم) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر اللام مشددة أي تترككم خلفها وفي نسبة ذلك إليها تجوز لأن المخلف حاملها لا هي (أو توضع) عن الأعناق على الأرض أو في اللحد وأو للتنويع والأمر بالقيام إنما هو للقاعد أما الراكب فيقف وفيه أن القيام للجنازة مشروع لما ذكر وبه أخذ جمع من السلف والخلف وتبعهم النووي في المجموع فاختار ندبه من حيث الدليل مخالفا لما جرى عليه في روضته من الكراهة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه أن الأمر بالقيام منسوخ لخبر مسلم عن علي رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا وخبر أبي داود قام في الجنازة ثم قعد. قال القاضي: والحديث محتمل لمعنيين أحدهما أنه كان يقوم للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا نجاوزت وبعدت عنه والثاني أنه كان يقوم أياما ثم لم يكن يقوم بعد ذلك وعليه يكون فعله الأخير قرينة وإمارة على أن الأمر الوارد في الخبر للندب ويحتمل أن يكون ناسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر وإن كان مخصوصا بنا دونه لأن الآمر لا يكون مأمورا بأمره والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث أنه يجب علينا الأخذ به عارضه فنسخه والأول أرحج لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ انتهى. ثم هذا كله في القاعد إذا مرت به أما مشيعها فيندب أن لا يقعد حتى توضع كما جزم به بعضهم لكن يرده ما في أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا شيع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له إنا هكذا نصنع يا محمد فجلس وقال خالفوهم (حم ق 4 عن عامر بن ربيعة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والشافعي الحديث: 638 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 639 - (إذا رأيتم آية) علامة تبدو بنزول بلاء ومحنة وانقشاع سحب الرحمة ومنه انقراض الأنبياء وأزواجهم الآخذات عنهم إذ هن ذوات البركة الناقلات لنا عنهم بواطن الشريعة ما لا يظهر عليه الرجال فبحياتهم يندفع العذاب عن الناس [ص: 360] (فاسجدوا) لله التجاءا إليه ولياذا به في دفع ما عساه يحصل من العذاب عند انقطاع بركتهن فالسجود لدفع الخلل الحاصل وفي خبر: أنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأهل الأرض: وأزواجه ضممن شرف الزوجية إلى شرف الصحبة فهن أحق بهذا المعنى من غيرهن وزوال الأمنة توجب الخوف ذكره القاضي ومنه أخذ السجود للآيات قال الطيبي: وقوله إذا رأيتم آية فاسجدوا مطلق فإن أريد بالآية كسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها كمجيء نحو ريح شديد وزلزلة فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضا لما ورد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. إلى هنا كلامه. وما جرى عليه من مشروعية السجود وقد يقال إن هذا الحكم في اندفاع النقمة للذي يسن السجود له فإن موت من يدفع الله عنا بوجوده النقمة نقمة (د ت) كلاهما من حديث إبراهيم بن الحكم ومسلم بن جعفر عن أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) قال عكرمة: قيل له ماتت فلانة بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي وهي صفية كما أفصح به المظهر فخر ساجدا فقيل له تسجد هذه الساعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره ثم قال: وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال الترمذي حسن غريب واغتر به المؤلف فرمز لحسنه غفولا عن تعقب الذهبي له في المهذب فإن إبراهيم واه وعن قول جمع: مسلم بن جعفر لا يحتج به الحديث: 639 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 640 - (إذا رأيتم) أي علمتم (الأمر) أي المنكر والحال أنكم (لا تستطيعون تغييره) بيد ولا لسان لعجزكم عن ذلك خوف فتنة أو وقوع محذور بمحترم (فاصبروا) كارهين له بقلوبكم طالبين من الله تعالى زواله (حتى) أي إلى أن (يكون الله هو) لا غيره (الذي يغيره) أي يزيله فلا إثم عليكم حالتئذ إذ {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقيد بقوله لا تستطيعون إيذانا بأن تغييره عند الاستطاعة واجب لكن لا يصلح لذلك كما في الكشاف إلا من علم المعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر فإن الجاهل ربما رأى معروفا فظنه منكرا وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في غيره وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا (عد هب عن أبي أمامة) وفيه كما قال الهيتمي عفير ين معدان ضعيف وفي الميزان حديث منكر الحديث: 640 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 641 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) أي قولوا الله أكبر الله أكبر وكرروا كثيرا وينبغي الجهر به مخلصا لله ممتثلا للأمر مستحضرا ما لله من عظيم القدرة (فإن التكبير يطفئه) حيث صدر عن كمال إخلاص وقوة إيقان وتخصيص التكبير للإيذان بأن من هو أكبر من كل شيء حري بأن يقهر النار ويطفئها. قال النووي: ويسن أن يدعو معه بدعاء الكرب وفي تفسير الطبري إذا كتبت أسماء أصحاب الكهف في شيء وألقى في النار طفئت وينبغي أن يقول بسم الله الرحمن الرحمن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه يصرف عنه البلاء وأن يقول ما قال إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل (ابن السني عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) ابن العاص وهو من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحال ابن لهيعة معروف والكلام فيه مشهور ورواه عنه أيضا الطبراني في الدعاء باللفظ المذكور وإسناده ضعيف لكن له شواهد منها ما ذكره بقوله الحديث: 641 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 642 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) الله (فإنه) أي التكبير (يطفئ النار) سره أنه لما كان الحريق بالنار وهي مادة [ص: 361] الشيطان التي خلق منها وكأن فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد والعلو في الأرض والفساد هما هدى الشيطان وإليهما يدعو وبهما يملك ابن آدم فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو والفساد وكبرياء الرب يقمع الشيطان وفعله فمن ثم كان التكبير له التأثير في إطفاء الحريق فإنه كبرياء الله لا يقوم له شيء فإذا كبر أثر تكبيره في خمودها قال بعض القدماء وقد جربناه فصح (عد عن ابن عباس) وقد رمز لحسنه وذلك لاعتضاده بما قبله ولخبر الطبراني أطفئوا الحريق بالتكبير وخبر ابن السني إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فإنه يطفئ العجاج الأسود. وهذا الحديث في نسخ لا تكاد تحصى ولم أره في خط المؤلف الحديث: 642 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 643 - (إذا رأيتم العبد) المؤمن قد (ألم) بالتشديد أي أنزل (الله به الفقر والمرض) ظاهره أن المصافاة الآتية إنما تترتب على هذين معا فإن ألم به أحدهما لم يكن دليلا على المصافاة ولعل المراد خلافه وأن الواو بمعنى أو (فإن الله) أي فاعلموا أو فالشأن أن الله (يريد) أي أراد (أن يصافيه) أي يستخلصه لوداده ويجعله من جملة أحبابه لأن الفقر أشد البلاء فيفعله بعبده ليدعوه ويجأر إليه فيراه مفتقرا إليه فيجيبه إذا دعاه ويصبره إذا ابتلاه فيصير عنده من المقربين والأمراض والآلام تطهير من الآثام ويستوجب إفاضة صنوف الإنعام والإكرام (فر عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 643 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 644 - (إذا رأيتم) النسوة (اللاتي ألقين) بالقاف أي جعلن (على رؤوسهن مثل أسنمة البعير) بعين مهملة جمع بعير وفي رواية كأسنمة البخت أي اللائي يجعلن على رؤوسهن ما يكبرها وبعظمها من الخرق والعصائب والخمر حتى تصير تشبه العمائم وأسنمة الإبل وهي جمع سنام. قال ابن العربي: وهذا كناية عن تكبير رأسها بالخرق حتى يظن الرائي أنه كله شعر وهو حرام ولذلك قال (فأعلموهن) أي أخبروهن (أنه لا تقبل لهن) ما دام ذلك (صلاة) وإن حكم لها بالصحة كمن صلى في ثوب مغصوب بل أولى لأن فاعل ذلك ارتكب حراما واحدا وهو الغصب وهن ارتكبن عدة محرمات: التشبه بالرجال والاسراف والاعجاب وغيرها وهذا من علامات نبوته إذ هو إخبار عن غيب وقع ودام وفي رواية لا يدخلن الجنة قال القاضي: ومعناه أنهن لا يدخلنها ولا يجدن ريحها حتى يدخلها ويجد ريحها العفائف المتورعات لا أنهن لا يدخلن الجنة أبدا لقوله في الخبر المار وإن زنى وإن سرق قال ابن العربي: فعلى النساء أن يصغرن رؤوسهن سيما عند الخروج فإن كان شعرها كثيرا أرسلته ولا تعظمه فإن كان بها ألم في رأسها فأكثرت لأجله من الخمر لم تدخل في الوعيد ولم يكن عليها حرج وإنما الحرج على من نظر إليها وظن ذلك (طب) وكذا البزار (عن أبي شقيرة) بفتح الشين المعجمة التميمي قال الهيتمي: فيه حماد بن يزيد عن مخلد بن عقبة ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات وقال ابن عبد البر في إسناده نظر الحديث: 644 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 645 - (إذا رأيتم) في نواحي السماء (عمودا أحمر) أي خطا يشبه العمود الأحمر يظهر (من قبل) بكسر ففتح أي من جهة (المشرق في شهر رمضان) فإن ذلك علامة الجدب والقحط (فادخروا) أمر إرشاد (طعام سنتكم) أي قوت عيالكم تلك السنة التي مبدؤها ظهور ذلك لتطمئن قلوبكم وذلك لا ينافي التوكل بدليل ادخار سيد المتوكلين المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قوت عياله سنة (فإنها سنة جوع) يجوز أن يكون ظهور ذلك علامة للقحط في تلك السنة [ص: 362] ولا أثر لظهوره فيما بعدها وهو ما عليه ابن جرير ويحتمل أنه كلما ظهر في سنة كانت كذلك ثم هذا خطاب مشافهة فيحتمل أن يكون خاصا بأهل الحجاز وأن الجوع يكون في إقليمهم فقط ويحتمل العموم وحكمة التخصيص أنه لما كان نسخة لتقدير الأرزاق وتقديرها وإقرارها على ما اقتضاه القضاء الإلهي فيستنسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر التي هي في رمضان وتسلم إلى ميكائيل الذي هو الملك الموكل بذلك كما أخرجه محيي السنة وغيره ناسب أن يكون ظهور العلامة في الشهر الواقع فيه الاستنساخ وتسليم الصحف وحكمة كون ذلك على الصورة العمودية التي هيئتها الاستطالة دون التربيع والاستدارة وغيرها من الأشكال الإشارة إلى أنه عام يكون شره مستطيرا ويكون جدبه مستمدا عسيرا وحكمة كونه أحمر أن الحمرة لون مذموم فقد نهى عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان وذلك أن الشيطان يتزين به ويؤثره على غيره من الألوان كما ورد في عدة أخبار حسان فجعل اللون المكروه المذموم علامة على حصول المكروه وموقع الهموم والغموم والعرب تسمي عام المحل السنة الحمراء وتصف سنة الجدب بالطول وعليه جرى العرف العام بين الأنام فيقال لليلة الشديدة كانت ليلة طويلة وتسمى نزع الروح من الجسد الذي هو أعظم العذاب بالحمرة فيقال هذا هو الموت الأحمر فلذلك جعل علامة سنة الجوع حمراء وفيه أنه لا بأس بادخار القوت خوف الغلاء وأنه لا ينافي التوكل لكن الكلام في ادخار غلة أرضه أو ما يشتريه لمؤنة عياله كما يأتي والإذخار بذال معجمة إعداد الطعام لوقت الحاجة والخطاب لأهل تلك الديار: أعني الأقطار الحجازية كما مر ويحتمل العموم (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيتمي: فيه أم عبد الله بن خالد بن معدان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات انتهى وله شواهد منها ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث خالد بن معدان إذا رأيتم عمودا من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء فاتخذوا من الطعام ما استطعتم فإنها سنة جوع وعن كثير بن مرة إني لأنتظر ليلة الحدثان في رمضان منذ سبعين سنة قال عبد الرحمن بن جرير هي علامة تكون في السماء يكون اختلاف بين الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت وعن عبد الوهاب بن نحت بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رمضان آية في السماء كعمود ساطع وفي شوال البلاء وفي القعدة الفناء وعن أبي هريرة مرفوعا تكون آية في شهر رمضان ومن حديث خالد بن معدان أنه سيبدو عمود من نار يطلع من قبل المشرق في شهر رمضان يراه أهل الأرض كلهم فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة وعن كثير بن مرة آية الحدثان في رمضان علامة في السماء بعدها اختلاف الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت قال أبو جعفر ولا يكون ذلك إلا بعد انكساف الشمس والقمر وفي ذلك العام يغار على الحاج الحديث: 645 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 646 - (إذا رأيتم المداحين) أي الذين صناعتهم الثناء على الناس والمدح كما في الصحاح الثناء الحسن قال التبريزي من قولهم تمدحت الأرض إذا اتسعت فكان معنى مدحته وسعته شكرا (فاحثوا في وجوههم التراب) الحثو في التراب بمنزلة الصب في الماء والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح لإيرائه الغرور والتكبر أو أنه يخيب ولا يعطي أو معناه أعطوهم قليلا يشبه التراب لقلته وخسته أو اقطعوا ألسنتهم بالمال فإنه شيء حقير كالتراب وهذا يؤذن بذم الاحتراف بالشعر وقيل لا تؤاخ شاعرا فإنه يمدحك بثمن ويهجوك مجانا قال بعضهم: الكلب والشاعر في منزل. . . فليت أني لم أكن شاعرا هل هو إلا باسط كفه. . . يستطعم الوارد والصادرا؟ [ص: 363] (حم خد م ت عن المقداد) بكسر الميم (ابن الأسود طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عمرو) ابن العاص (الحاكم في الكنى) والألقاب (عن أنس) قال الهيتمي رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح الحديث: 646 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 647 - (إذا رأيتم هلال ذي الحجة) بكسر الحاء أفصح من فتحها أي علمتم بدخوله (وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) أي فليجتنب المضحي إزالة شعر نفسه ليبقى كامل الجزاء فيعتق كله من النار. قال التوربيشي: كأن سر ذلك أن المضحي يجعل أضحيته فدية لنفسه من العذاب حيث رأى نفسه مستوجبة العقاب وهو القتل ولم يؤذن فيه ففداها وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه فلذلك نهى عن إزالة الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي لتتم له الفضائل وينزه عن النقائص والرذائل. وأخذ بظاهره أحمد فحرم إزالة ذلك حتى يضحي وخالفه الأئمة الثلاثة لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجتنب ذلك وهو متواتر وأما خبر أم سلمة هذا فقيل بوقفه وفيه حجة للشافعي أن الأضحية لا تجب إذ التعليق بالإرادة ينافي الوجوب وأوجبها الحنفية على من ملك نصابا كما مر (م عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها الحديث: 647 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 648 - (إذا رأيتم) خطاب مشافهة وقع للصحابة والمراد به غيرهم من أمته ممن سيكون في آخر الزمان بدليل جعله في خبر آخر من أشراط الساعة (الرايات السود) جمع راية وهي علم الجيش (قد جاءت من قبل خراسان) أي من جهتها. قال ابن كثير: ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فأسلب بها دولة بني أمية بل رايات تأتي صحبة المهدي (فأتوها) للقتال معها والنصرة لأهلها وزاد في رواية ولو حبوا على الثلج (فإن فيها خليفة الله) محمد بن عبد الله (المهدي) الجائي قبل عيسى عليه الصلاة والسلام أو معه وقد ملئت الأرض ظلما وجورا فيملؤها قسطا وعدلا ويمكث في الخلافة خمسا أو سبعا أو تسعا ولا أصل كما قال المؤلف لقول القرطبي إن ظهوره يكون بالمغرب ولا حاجة للأصالة بإيراد ترجمته وأخباره لأن أعلام الأمة وحملة السنة المتقدمين اعتنوا بجمعها بما يتحصل منه في جملة مجلدات سيما ابن أبي شيبة وابن خزيمة وأبو داود وابن حبيب وابن دريد وجمع لا يحصون من علماء الرواية والدراسة وأفردت أخباره يتآليف عشرة أو تزيد وجاء ابن بريدة فجمع زبدها في مجلد حافل سماه العواصم عن الفتن القواصم فمن أكثر من أخباره في شرح هذا الحديث فما أراد إلا تكثير السواد لقلة الأمداد قال الحراني: والخليفة ذات قائم بما يقوم به المستخلف على حسب مرتبة ذلك الخليفة منه انتهى وكل من استخلفه الله في عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم فهو خليفة لكن لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتنفيذ أمره (فإن قلت) ما حكمة إضافته إلى الله وهلا قال الخليفة؟ قلت هو إشارة إلى أنه إنسان كامل قد تجلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل ومحل الاجتهاد والفتوة بحيث لم يفته إلا مقام النبوة وفيه رد على الطيبي كمتبوعه في ذهابهم إلى امتناع أن يقال خليفة الله لغير آدم وداود عليهما السلام (حم ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم من حمير أو مذبح أو السراة اشتراه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولم يزل يخدمه سفرا وحضرا وفيه علي بن زيد بن جذعان نقل في الميزان عن أحمد وغيره تضعيفه ثم قال الذهبي أراه حديثا منكرا وأورده ابن الجوزي في الموضوعات قال ابن حجر ولم يصب إذ ليس فيه متهم بالكذب انتهى وأما خبر ولا مهدي إلا عيسى بن مريم قال الذهبي واه والحاكم ورده متعجبا لا محتجا والنسائي منكر وبفرض صحته يحتمل أنه سقط منه لفظ زمن بعد إلا وهو مضمر [ص: 364] فيه أو معناه لا مهدي كاملا معصوما الحديث: 648 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 649 - (إذا رأيتم الرجل) يعني الإنسان (أصفر الوجه من غير مرض ولا علة) أو مرض لازم أو حدث شاغل لصاحبه عن وجهه كأن تلك العلة صارت شغلا له منعه عن شغله الأول كما في الصحاح وغيره فبين المرض والعلة عموم وخصوص وليس هو من العطف التفسيري كما وهم (فذلك) أي الاصفرار المفهوم من أصفر (من غش) بالكسر عدم نصح (للإسلام في قلبه) أي من إضماره عدم النصح والغل والحقد والحسد للمسلمين يعني أن ذلك الاصفرار علامة تدل على ذلك الإضمار وقد مر أن ذلك يحتمل كونه في جماعة من أهل زمانه من المنافقين أو من اليهود. نعم يظهر أن المخاطب بقوله إذا رأيتم أرباب القلوب ذوو الإيمان الكامل فيهم الذين يدركون ذلك فقد قال الغزالي: حقيقة الكفر والإيمان وحدهما والحق والضلال وسرهما لا ينجلي للقلوب الدنسة بطلب المال والجاه وحبهما فكيف بقلوب امتلأت من سحت الدنيا أولا ثم صدئت بالخلاعة من أبنائها ثانيا ثم شحت بالغناء المكدر للأوقات ثالثا ثم زوجت بالسهو واللهو رابعا ثم شغلت بالانخلاع من حدود الشرع وملازمة خطوات الشيطان خامسا ففاضت منها حرارات الأدناس وعمارات الأوصال وصارت كأنها سراب الحمام في بواليع الحجام انتهى (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) بن مالك (وهو مما بيض له) أبو المنصور (الديلمي) في مسند الفردوس لعدم وقوفه على سنده وراويه عن أنس مجهول كما قاله بعض الفحول وقال ابن حجر لا أصل له إن أراد لا أصل له في صحة ولا حسن وإلا فمسلم وإلا فممنوع الحديث: 649 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 650 - (إذا رجف) تحرك واضطرب (قلب المؤمن في سبيل الله) أي عند قتال الكفار (تحاتت) تساقطت (خطاياه) أي ذنوبه (كما يتحات عذق النخلة) بمهملة فمعجمتين كغلس النخلة بحملها وبكسر فسكون العرجون بما فيه من الشماريخ وهو المراد هنا وفي القاموس القنو وفي إفهامه ترغيب عظيم في الجهاد وإبانة لفضله على كثير من العبادات (طب) وكذا في الأوسط (حل) كلاهما (عن) أبي عبد الله (سلمان) الفارسي رمز لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ الهيتمي بأن فيه عمرو بن الحصين وهو ضعيف انتهى وقال الذهبي عمرو متروك وقد تفرد به عن عبد العزيز بن مسلم وفيه جهالة الحديث: 650 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 651 - (إذا رددت على السائل) أي الطالب منك عطاءا (ثلاثا) من المرات معتذرا عن عدم إعطائه (فلم يذهب) لجاجا وعنادا (فلا بأس) أي لا كراهة وفي رواية فلا عليك (أن تزبره) أي تزجره وتنهره بنحو لا بارك الله فيك لتعديه بما لا يحل له وتخطيه ما هو واجب عليه من عدم الإلحاح في المسألة وظاهره أنه لا ينهر قبل ثلاث فعلى السائل أن يحمد الله ويجمل في الطلب ولا يلح في المسألة فإن خالف استحق النهر وقيل ليس المراد بالسائل هنا المستجدي بل طالب العلم إذا جاء لفقهه فلا تنهره فإن كرر السؤال أولا وثانيا فإن أجبته وعاد السؤال ثالثا دل على تعنته فازجره لتعديه الأدب واقتحامه النهي الوارد في الخبر الآتي: إذا قعد أحدكم إلي أخيه فليسأله تفقها ولا يسأله تعنتا <تنبيه> أشعر قوله لا بأس أي لا كراهة أن الأولى عدم زبره لعموم قوله تعالى {وأما السائل فلا تنهر} ولهذا قال الحريري: ولا تزجر ذوي سؤال. . . لبني أم في السؤال حتف [ص: 365] (قط في الأفراد) عن إسماعيل الوراق عن الوليد بن الفضل عن عبد الرحمن بن حسين عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) ثم قال الدارقطني تفرد به الوليد وهو يروي المناكير التي لا يشك أنها موضوعة انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الديلمي رواه من طريق آخر (طس عن أبي هريرة) قال الهيتمي: فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف وقال أبو حاتم صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به الحديث: 651 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 652 - (إذا ركب أحدكم الدابة فليحملها) أي فليسيرها أو فليسر بها (على ملاذه) بفتح الميم وخفة اللام وشد المعجمة بضبط المؤلف جمع ملذة بفتح الميم وهي موضع اللذة أي على ما يشتهي من نحو السرعة بحيث لا يضرها وفي رواية ملاذها أي ليجرها في السهولة لا الحزونة وأصل اللذة سرعة المشي والذهاب (فإن الله تعالى يحمل على القوي والضعيف) أي اعتمد على الله وسير الدابة سيرا وسطا في سهولة ولا تغتر بقوتها فترتكب العسف والعنف في تسييرها فإنه لا قوة لمخلوق إلا بالله ولا ينظر إلى ضعفها فيقعد مع القاعدين ويترك الحج والجهاد إشفاقا من عدم طاقتها بل اعتمد على الله سبحانه وتعالى فهو الحامل وهو المعين (قط في الأفراد عن عمرو بن العاص) بإسناد ضعيف الحديث: 652 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 653 - (إذا ركبتم هذه الدواب) وفي نسخة البهائم (العجم) بضم فسكون (فانجوا عليها) أي أسرعوا والنجاء بالمد والقصر السرعة أي اطلبوا النجاء من مفاوزكم بسرعة السير عليها سواء كانت سنة جدب أو لا إذ الطريق يطلب الإسراع في قطعه حيث المرعى موجود والقدرة حاصلة ثم فصل أحوال السير بقوله (فإذا كانت سنة) بالتحريك أي جدباء بحيث لم يكن في طريقكم ما ترعاه لو تأنيتم (فانجوا) أي أسرعوا أي زيدوا في الإسراع بحيث لا يضرها (وعليكم بالدلجة) بالضم والفتح أي الزموا سير الليل وأولج مخففا سار من أول الليل ومشددا من آخره ومنهم من جعل الإدلاج لليل كله ولعل المراد بقوله (فإنما يطويها الله) أي لا يطوي الأرض للمسافر فيها حينئذ إلا الله عز وجل إكراما له حيث أتى بهذا الأدب الشرعي (فإن قلت) قد أمر بالنجاء على الدابة والأمر مطلق فكيف خصه بعد ذلك بما إذا كانت سنة؟ (قلت) أمر أولا في شأنها بأمر واحد وهو السرعة عليها هبه في جدب أو خصب وأمر ثانيا فيما إذا كان جذب بأمرين السرعة والدلجة معا قال الزمخشري: ومن المجاز طوى الله عمره ويطوي الله لك البعيد وهو يطوي البلاد (طب عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشد الفاء مفتوحة قال الهيتمي رجاله ثقات الحديث: 653 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 654 - (إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها) أي نصيبها (من المنازل) التي اعتيد النزول فيها أي أريحوها فيها لتقوى على السير (ولا تكونوا عليها) أي على الدواب (شياطين) أي لا تركبوها ركوب الشياطين أو لا تستعملوها استعمال الشياطين الذين لا يراعون الشفقة على خلق الله وفيه حث على الرفق بالدواب والنهي عن مخالفة ما أمر به الشرع. والمنازل جمع منزل وهو موضع النزول (قط في الأفراد عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه [ص: 366] الدارقطني خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بأن خارجة بن مصعب أحد رواته ضعيف وقال الذهبي واه الحديث: 654 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 655 - (إذا زار) أي قصد (أحدكم أخاه) في الدين للزيارة إكراما له وإظهارا لمودته وشوقا للقائه (فجلس عنده) أي في محله والفاء سببية أو تعقيبية وفيها معنى الواو على وجه (فلا يقومن حتى يستأذنه) أي لا يقوم لينصرف إلا بإذنه لأنه أمير عليه كما في الخبر المار ولئلا يفوته ما عساه يشرع فيه من إكرامه بنحو ضيافة والأمر للندب وهذا من مكارم الأخلاق وحسن الإخاء والزيارة عرفا قصد المزور إكراما له وإيناسا به وآدابها بضعة عشر أن لا يقابل الباب عند الاستئذان وأن يدقه برفق وأدب وأن لا يبهم نفسه كأن يقول أنا وأن لا يحضر في وقت غير لائق كوقت الاستراحة مع الأهل والخلوة بهم ويخفف الجلوس ويغض البصر ويظهر الرقة ويدعو بإخلاص ويقبل إكرام المزور ويوسع للمريض في الأجل ويطمعه في الحياة ولا يتكلم عنده بما يزعجه ويشير إليه بالصبر ويحذره من الجزع ويطلب منه الدعاء وما اعتيد من ختم مجلس الزيارة بقراءة الفاتحة فهو حسن. قال بعضهم: لكن لم يرد بخصوصه خبر ولا أثر وورد في الأثر أن السلف كانوا يتفرقون عن قراءة سورة والعصر (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه من لا يعرف الحديث: 655 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 656 - (إذا زار أحدكم أخاه) في النسب أو الدين (فألقى) المزور للزائر يعني فرش (له شيئا يجلس عليه) يقيه (من التراب) ونحوه (وقاه الله) تعالى (عذاب النار) دعاء أو خبر أي فكما وقى أخاه عما يشينه من الأقذار في هذه الدار إكراما له يجازيه الله بالوقاية من النار جزاء وفاقا والجزاء من جنس العمل لكن هذا يجب تنزيله على إنسان امتثل المأمورات وتجنب المنهيات لكن فرط منه صغائر فهذه هي التي يكون إكرام الزائر وقاية منها من النار أما مرتكب الكبائر فهيهات هيهات وكما يستحب للمزور إكرام الزائر بنحو بسط الفراش يندب للزائر قبول ذلك لما رواه البيهقي وغيره عن علي مرفوعا لا يأبى الكرامة إلا حمار وصحح بعضهم وقفه (طب عن سلمان) الفارسي رمز لضعفه وذلك لأن فيه سويد بن عبد العزيز متروك الحديث: 656 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 657 - (إذا زار أحدكم قوما) مثلا والمراد زار بعض إخوانه متعددا أو واحدا (فلا يصل بهم) أي لا يؤمهم في منزلهم بغير إذنهم لأن رب الدار أولى بالتقدم (وليصل بهم) ندبا (رجل منهم) لأن أصحاب المنزل أحق بالإقامة فإن قدموه فلا بأس والمراد بصاحب المنزل مالك منفعته ولا ينافيه خبر من زار قوما فليؤمهم لحمله على الإمام الأعظم (حم 3 عن مالك بن الحويرث) مصغر الحارث الليثي من أهل البصرة له وفادة قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 657 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 658 - (إذا زخرفتم مساجدكم) أي حسنتموها بالنقش والتزويق قال الراغب: الزخرف الزينة المزوقة ومنه قيل للذهب زخرف وفي الصحاح الزخرف الذهب ثم شبه به كل مموه مزوق (وحليتم) زينتم (مصاحفكم) بالذهب والفضة جمع مصحف مثلث الميم وأصله الضم كما في الصحاح لأنه مأخوذ من أصحف أي جمعت فيه الصحف أي الكتب (فالدمار) بفتح الدال المهملة مخففا الهلاك. قال الزمخشري: الدمار الهلاك المستأصل (عليكم) دعاء أو خبر فزخرفة المساجد وتحلية المصاحف منهي عنها لأن ذلك يشغل القلب ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقا وبغيرهما مكروه ويحرم مما وقف عليه وأن تحلية [ص: 367] المصحف بذهب يجوز للمرأة لا للرجل وبالفضة يجوز مطلقا (الحكيم) الترمذي وكذا ابن المبارك في الزهد (عن أبي الدرداء) بإسناد ضعيف الحديث: 658 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 659 - (إذا زلزلت) أي سورتها (تعدل) تماثل وعدل الشيء بالكسر مثله من جنسه أو قدره وبالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه (نصف القرآن وقل يا أيها الكافرون) أي سورتها (تعدل ربع القرآن) لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فعادلت نصفه ذكره القاضي ولأن القرآن كله يشتمل على أحكام الشهادتين في التوحيد والنبوة وأحوال النشأتين وذلك أربعة أقسام والكافرون مقصورة على التوحيد فهي ربع لتضمنها البراءة من الشرك والتدين بدين الحق وهذا هو التوحيد الصرف (وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) لأن معاني القرآن آيلة إلى ثلاثة علوم علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس والإخلاص تشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للأخيرين وهو علم التوحيد والتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس وبين المرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع قال التوربشتي: ونحن وإن سلكنا هذه المسالك بمبلغ علمنا نعتقد أن شأن ذلك على الحقيقة وإنما يتلقى عن الرسل فإن ذلك ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم فأما القول الذي تحوم حوله على مقدار فهمنا وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال انتهى وأخذ بعضهم بظاهر الحديث فقال: معناه إن ثواب قراءتها مضاعفة بقدر ثواب قراءة نصفه وربعه وثلثه لكن قراءة جميع القرآن له بكل حرف عشر حسنات وهذا بغير تضعيف. قال ابن حجر: وقوله بغير تضعيف لا دلالة عليه وحديث مسلم يدل للإطلاق (ت) واستغربه (ك هب عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن فيه يمان بن المغيرة ضعفوه وقد قال الترمذي لا يعرف إلا من حديثه وفي المغني هو واه بمرة وفي الميزان منكر وقال المناوي ليس الأمر كما زعم الحاكم بل ضعيف وفي الفتح فيه يمان وهو ضعيف عندهم الحديث: 659 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 660 - (إذا زنى العبد) أي أخذ في الزنا (خرج منه الإيمان) أي نوره أو كماله (فكان على رأسه كالظلة) بضم الظاء وشد اللام السحابة فلا يزول حكمه ولا يرتفع عنه اسمه ما دام فيه لأن للإيمان أنوارا في القلب وآثارا في الجوارح فيقبل عند مقارفة المعاصي ويظلم عند التلبس بالذنوب والمؤمن لا يزني إلا إذا استولى شبقه واشتعلت شهوته بحيث تغلب إيمانه وتشغله عنه فيصير في تلك الحالة كالفاقد للإيمان لا يرتفع عنه اسمه ولا يزول حكمه بل هو في كنف رعايته وظل عصمته والإيمان مظل عليه كالظلة وهي أول سحابة تظل على الأرض فإذا فرغ منه زال الشبق المعاوق عن الثبات على ما يأمره إيمانه والموجب لذهوله ونسيانه عاد الإيمان وأخذ في القوة والازدياد كما قال (فإذا أقلع) أي نزع عن المعصية وتاب منها توبة صحيحة بشروطها ومنها أن يستحل حليل المزني بها على ما قيل لكنه عليل بل القويم اغتفاره لما يترتب على أعماله به من المفاسد (رجع إليه) الإيمان أي نوره وكماله فالمسلوب اسم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ولا يلزم من ثبوت جزء من الإيمان أن يسمى مؤمنا كما أن من يكون معه جزء من الفقه لا يسمى فقيها فكذا يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا فالحديث على ظاهره ولا ملجئ لتأويله وأما ما هنا من المحامل كحمله على [ص: 368] المستحل أو أنه خرج مخرج الزجر والتنفير أو على الحياء أو نزع اسم المدح فرخصة ووصف الإيمان بالخروج والدخول مجاز استعمل هنا على وجه الاستعارة والتشبيه (هـ) في السنة (ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه صحيح الحديث: 660 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 661 - (إذا سأل أحدكم) ربه (الرزق) أي إذا أراد سؤال الرزق أي طلبه من الرزاق (فليسأل) ربه أن يعطيه الشيء (الحلال) أي القوت الجائز تناوله وأن يبعده عن الحرام فإنه يسمى رزقا عند الأشاعرة خلافا للمعتزلة فإذا أطلق سؤال الرزق شمله أو المراد إذا طلب أحدكم من الناس التصدق عليه فلا يطلب إلا ممن يغلب على ظنه أنه إنما يعطيه من الحلال أو المراد يسأل سؤالا فلا يلح في المسألة ولا يكلف المسؤول ما لا يقدر عليه ولا يؤذيه (عد عن أبي سعيد) بإسناد ضعيف الحديث: 661 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 662 - (إذا سأل أحدكم ربه مسألة) مصدر ميمي بمعنى اسم المفعول أي طلب شيئا منه (فتعرف) بفتحتين ثم راء مشددة (الإجابة) أي تطلبها حتى عرف حصولها بأن ظهرت له أمارة الإجابة من نحو قشعريرة وبكاء وأنس (فليقل) ندبا شكرا لله عليها (الحمد لله الذي بنعمته) أي بكرمه وفضله ومنته (تتم) تكمل (الصالحات) أي النعم الحسان التي من جملتها حصول المسؤول أو قربه (ومن أبطأ) أي تأخر (عنه) فلم يسرع إليه (ذلك) أي تعرف عدم الإجابة (فليقل) ندبا (الحمد لله على كل حال) أي كل كيف من الكيفيات التي قدرها الله فإن أحوال المؤمن كلها خير وقضاء الله بالسراء والضراء رحمة ونعمة ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه بالسراء وهو أعلم بما يصلح به عبده ونبه بهذا الحديث على أن على العبد أن يحمد الله على السراء والضراء وعلى أن للصابرين حمدا يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وأن للشاكرين حمدا يخصهم وهو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وهكذا كان هديه وعادته يحمد الله على السراء والضراء بما ذكر. والتأسي به أولى من أن يستنبط حمدا آخر فإنه لا أعلى مما وضعه العالم الأكبر الأكمل الذي شهد له الحق تعالى بالعلم وأكرمه بختم النبوة وزعامة الرسالة (هق) في الدعوات (عن أبي هريرة) وللحاكم نحوه من حديث عائشة قال الحافظ العراقي وإسناده ضعيف الحديث: 662 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 663 - (إذا سألتم الله تعالى) أي أردتم سؤاله (فاسألوه الفردوس) لفظ سرياني أو رومي أو قبطي (فإنه سر الجنة) بكسر السين وشد الراء: أفضل موضع فيها والسر جوف كل شيء ولبه خالصه والمراد أنه وسط الجنة وأوسعها وأعلاها وأفضلها والوسط أبعد من الخلل والآفات من الأطراف. قال ابن القيم: والجبة مقببة أعلاها أوسعها وكلما علت اتسعت وهذا الحديث ورد بألفاظ أخر منها ما في الصحيحين إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلا الجنة أي في الارتفاع وفوقه عرش الرحمن واستشكل بخبر أحمد عن أبي هريرة مرفوعا إذا صليتم علي فاسألوا الله لي الوسيلة أعلى درجة في الجبة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو وفي حديث آخر الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فاسألوا الله لي الوسيلة فقضيته أن الوسيلة أعلى درجات الجنة وهي خاصة به فهي أعلى الفردوس وجمع بأن الفردوس أعلى الجنة وفيه درجات أعلاها الوسيلة ولا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض ثم إن مما ذكر من الأمر بسؤال الفردوس لا يعارضه خبر إذا سألتم الله فاسألوه العفو والعافية لأن المراد السؤال لكل مطلوب لكن الأول أخروي والثاني عام (طب) وكذا البزار (عن العرباض) [ص: 369] بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها موحدة وأخرى معجمة ابن سارية السلمي أبي نجيح صحابي كوفي قال الهيتمي ورجاله وثقوا انتهى وبه يعلم أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وحق الرمز لصحته وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند مخرجه الطبراني عليك بسر الوادي فإنه أمرعه وأعشبه انتهى بلفظه. والحديث رواه البخاري أي بلفظ إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن الحديث: 663 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 664 - (إذا سألتم الله تعالى) جلب نعمة (فاسألوه ببطون) قال الطيبي: الباء للآلة ويجوز كونها للمصاحبة كما مر (أكفكم) لا بظهورها فإنه غير لائق بالأدب ولذلك زاد الأمر تأكيدا بتصريحه بالنهي عن ضده فقال (ولا تسألوه بظهورها) وذلك لأن من عادة من طلب شيئا من غيره أن يمد بطن كفه إليه ليضع النائل فيها كما مر ولأن أصل شرعية الدعاء إظهار الانكسار بين يدي الجبار والثناء عليه بمحامده والاعتراف بغاية الذلة والمسكنة وذلك ابتهال قولي ولا بد في كمال إظهار الانكسار والافتقار من ضم الابتهال الفعلي إليه وذلك بمد بطن الكف على سبيل الضراعة إليه ليصير كالسائل المتكفف لأن يملأ كفه بما يسد به حاجته ولا ينافيه خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار بظهر كفه إلى السماء لأن معناه رفعها رفعا تاما حتى ظهر بياض إبطيه وصارت كفاه محاذيتين لرأسه ملتمسا إلى أن يغمره برحمته وذلك لمساس الحاجة إلى الغيث عند الجدب {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد} أما لو دعى بدفع نقمة فبظهورها كما في أخبار كثيرة (د) في الدعاء (عن مالك بن يسار السكوني) بفتح المهملة وضم الكاف وسكون الواو آخره نون نسبة إلى السكون بطن من كندة نسب إليها خلق كثير منهم هذا وهو العوفي يعد في الشاميين. قال في المنار: ولا يعرف له غير هذا الحديث كما قال ابن السكن لكنه ثقة لكن فيه ضمضم الحضرمي ضعفه أبو زرعة ووثقه غيره (هـ هب ك) في الدعاء (عن ابن عباس وزاد) أي الحاكم في رواية عنه (فامسحوا بها وجوهكم) أي في غير القنوت فلا يمسح وجهه فيه كما في سنن البيهقي قال لأنه لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس وأما الصدر فلا يندب مسحه قطعا بل نص جمع على كراهته ذكره في الروضة وفيه رد على ابن عبد السلام في قوله لا يمسح وجهه إلا جاهل ومن ثم قيل هي هفوة من عظيم وقد رمز المؤلف لحسنه وإنما لم يصح لأن فيه من الطريق الأولى من ذكر ومن طريق الحاكم سعيد بن هبيرة اتهمه ابن حبان ولهذا رد الذهبي على الحاكم تصحيحه الحديث: 664 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 665 - (إذا سئل) بالبناء للمفعول بضبط المؤلف (أحدكم أمؤمن هو فلا يشك في إيمانه) أي فلا يقل مؤمن إن شاء الله لأنه إن كان للشك فهو كفر لا محالة أو للتبرك والتأدب وإحالة الأمور على مشيئته تعالى أو للشك في العاقبة والمآل لا في الآن والحال أو للتبرئ عن تزكية نفسه والاعجاب بحاله فالأولى تركه عند الجمهور ومنعه الحنفية لإيهامه الشك في التأخر. قال التفتازاني: والحق أنه لا خلاف في المعنى لأنه إن أريد بالإيمان مجرد حصول المعنى فهو حاصل حالا وما يترتب عليه النجاة والثمران فهو من مشيئة الله ولا قطع بحصوله حالا (طب عن عبد الله بن زيد الأنصاري) الأوسي ثم الخطمي كوفي شهد الحديبية قال الهيتمي وفيه أحمد بن بديل وثقه النسائي وضعفه أبو حاتم أي فالحديث حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه الحديث: 665 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 666 - (إذا سافرتم) خص السفر لقضية السبب ةالحكم عام (فليؤمكم) ندبا والصارف عن الوجوب الاجماع (أقرؤكم) [ص: 370] يعني أفقهكم والأقرأ من الصحب كان هو الأفقه فلا حجة فيه لأبي حنيفة وأحمد في تقديم الأقرأ على الأفقه (وإن كان أصغركم) سنا وفيه حث على الجماعة حتى للمسافر ولا يسقط طلبها بمشقة السفر وأن الإمامة أفضل من الأذان وعليه الرافعي قيل وصحة إمامة الصبي وهو في حيز المنع إذ الظاهر من الحديث المراد تقدم الأقرأ على الأسن على أن تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال (وإذا أمكم) بالتشديد أي كان أحق بإمامتكم فهو أميركم أي فهو أحق بالآمرية المأمور بها في السفر على بقية الرفقة لأن من ارتضى لأمر الدين أحق بالتقدم في أمر الدنيا بالأولى فمحصول ذلك أن الأقرأ أحق بالإمامة على غيره وإن كان أسن (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال في المطامح حديث حسن لا بأس برواته وقال الهيتمي في موضع إسناده حسن وفي آخر فيه من لم أعرفه انتهى وقد رمز المؤلف لحسنه الحديث: 666 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 667 - (إذا سافرتم في الخصب) بكسر الخاء المعجمة وسكون المهملة زمن كثرة النبت والعلف (فأعطوا الإبل) ونحوها من الخيل والبغال والحمير وخص الإبل لأنها غالب مراكب العرب (حظها) أي نصيبها (من الأرض) أي من نباتها بأن تمكنوها من الرعي في بعض النهار وفي أثناء السير جعله حظا لأن صاحبها إذا أحسن رعيها سمنت وحسنت في عينه فينفس بها ولم ينحرها ذكره الزمخشري وفي رواية بدل حظها حقها قال القاضي: حظها من الأرض رعيها فيها ساعة فساعة (وإذا سافرتم في السنة) بفتح المهملة الجدب والقحط وانعدام النبت أو قلته (فأسرعوا عليها السير) لتصل المقصد وبها بقية من قوتها لفقد ما يقويها على السير. قال القاضي: معناه إذا كان الزمان زمان قحط فأسرعوا السير عليها ولا تتعوقوا في الطريق لتبلغكم المنزل قبل أن تضعف وقد صرح بهذا في رواية أخرى وهي إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها وأسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقى وهو المخ (وإذا عرستم) بالتشديد نزلتم (بالليل) أي آخره لنحو نوم واستراحة والتعريس نزول المسافر للاستراحة آخر الليل (فاجتنبوا الطريق) أي اعدلوا وأعرضوا عنها وانزلوا يمنة أو يسرة (فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام) أي محل ترددها (بالليل) لتأكل ما فيه من الرمة وتلتقط ما سقط من المارة من نحو مأكول فينبغي التعريج عنها حذرا من أذاها <تنبيه> ما جرى عليه المؤلف من سياقه الحديث هكذا هو ما وقع لبعضهم وقد سقط منه شيء فإما أن يكون سقط في بعض الروايات وإما من قلمه سهوا والذي عزاه النووي في رياضه إلى مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ما نصه إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام باللبل انتهى. قال النووي: قوله نقيها بكسر النون وسكون القاف فمثناة تحت أي مخها ومعناه أسرعوا حتى تصلوا قصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعب وفيه حث على الرفق بالدواب ورعاية مصلحتها وحفظ المال وصيانة الروح والتحذير من المواضع التي هي مظنة الضرر والأذى ويكره النزول بالطريق نهارا أيضا وخص الليل لأنه أشد كراهة والهوام جمع هامة ما له سم يقتل كحية وقد يطلق على ما لا يقتل كالحشرات على الاستعارة بجامع الأذى (م د ت عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه الحديث: 667 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 668 - (إذا سبب الله تعالى) أي أجرى وأوصل وأصل السبب حبل يتوصل به إلى الماء فاستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء (لأحدكم رزقا من وجه) أي حال من الأحوال (فلا يدعه) أي لا يتركه ويعدل لغيره (حتى يتغير) في [ص: 371] رواية يتنكر (له) أي يتعسر عليه ويجد عليه موانع سماوية وحواجر إلهية فإذا صار كذلك فليتحول لغيره أي الرزق فإن أسباب الرزق كثيرة فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك الاعتراض على الحال فلا يريد خلاف ما يراد له ولا يختار خلاف ما يختاره له {وربك يخلق ما يشاء ويختار} قال في الحكم: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية وسوابق الهمم لا تخرق سور الأقدار أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك وما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت شيئا غير ما أظهره الله لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك فيما سواها فلو أراد لاستعملك من غير إخراج وقد خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله فيك لا مع مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شيء ولا تدبر شيئا وإن كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه صلاحك لا فيما علمت أنت (حم هـ) من حديث الزبير بن عبد الله عن نافع (عن عائشة) قال نافع كنت أتجهز إلى الشام ومصر فتجهزت إلى العراق فنهتني أم المؤمنين وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه والأمر بخلافه فالزبير قال الذهبي لا يعرف وقال العراقي إسناده فيه جهالة وقال السخاوي ضعيف الحديث: 668 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 669 - (إذا سبقت للعبد من الله منزلة) أي إذا منحه في الأزل مرتبة متعالية في الآخرة (لم ينلها بعمله) لقصوره عن إبلاغه إياها لضعفه وقلته وسموها ورفعتها (ابتلاه الله في جسده) بالأسقام والآلام (وفي أهله) بالفقد أو عدم الاستقامة وتلوينهم عليه والواو فيه وفيما بعده بمعنى أو في حق البعض وعلى بابها في حق البعض (وماله) لفقد أو غيره وأعاد في الأهل لموازنته بالجسد وحذفه من المال لقصور رتبته عنهما لإمكان تعويضه (ثم صبره) بشد الموحدة بضبط المؤلف أي ألهمه الصبر (على ذلك) أي ما ابتلاه (حتى ينال) بسبب ذلك (تلك المنزلة) وفي رواية حتى يبلغه المنزلة قال الطيبي: حتى هنا يجوز أن تكون للغاية وأن تكون بمعنى كي وفيه إشعار بأن للبلاء خاصة في نيل الثواب ليس للطاعة وإن جعلت مثلها ولذلك كان ما يصيب الأنبياء أشد البلاء (التي سبقت له من الله عز وجل) أي التي استوجبها بالقضاء الأزلي واستحقها بالحكم القديم الإلهي وبالحقيقة التعويل إنما هو على ذلك السبق فمن سبق في علمه أنه سعيد فهو سعيد وعكسه بعكسه والخاتمة ناشئة عن السابقة روى البيهقي والحاكم أن موسى مر برجل في متعبد له ثم مر به بعد وقد مزقت السباع لحمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فقال يا رب كان يطيعك فابتليته بهذا فأوحى الله إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فابتليته لأبلغه تلك الدرجة انتهى. والمقصد بالحديث الإعلام بفضل البلاء وأنه مظنة لرفع درجات العبد وإن قل عمله وإلا فقد يعطي الله من شاء ما شاء من رفيع المنازل وإن لم يعمل بالكلية بل له تعذيب الطائع وإثابة العاصي ولا يسأل عما يفعل وقد استدل بهذا في المفهم وغيره على أن مجرد حصول المرض أو غيره مما يترتب عليه التكفير لا يكفي إلا إن انضم إليه الصبر ورد بأن الأحاديث الواردة بالتقييد إما ضعيفة فلا يحتج بها أو مقيدة بثواب مخصوص كما في هذا الحديث فاعتبار الصبر فيه إنما هو لحصول ذلك الثواب الخاص (تخ د في رواية ابن داسة وابن سعد) في طبقاته (ع) وكذا البيهقي في الشعب (عن محمد بن خالد السلمي) البصري (عن أبيه) خالد البصري قال الذهبي صدوق مقل (عن جده) عبد الرحمن بن جناب السلمي الصحابي كذا في الكاشف وقد خفي على الصدر المناوي فقال لم أقف لجده على اسم ولا لهذا الحديث في نسخة سماعنا عن أبي داود وذكره في الأطراف انتهى وإلى رده أشار المؤلف بقوله في رواية ابن داسة فإنه ليس في سنن أبي داود في جميع الروايات [ص: 372] بل في رواية ابن داسة فقط ولم يطلع عليها فنفاه ثم إن المؤلف رمز لحسنه وقال ابن حجر في الفتح: رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلا أن خالدا لم يرو عنه غير ابنه محمد وأبوه اختلف في اسمه لكن إبهام الصحابة لا يضر هذا كله في الفتح وقضيته تصحيح الحديث لكنه قال في التقريب محمد مجهول وخالد صدوق يخطئ فاقتضى كلامه تضعيفه والأوجه ما جرى عليه المؤلف من حسنه الحديث: 669 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 670 - (إذا سبك) أي شتمك (رجل) يعني إنسان (بما يعلم منك) من النقائص والمعايب معيرا لك بذلك قاصدا أذاك (فلا تسبه) أنت (بما تعلم منه) من ذلك يعني إذا شتمك وعيرك بما فيك فلا تكافئه بشتمه ولا تعيره بما فيه وعلله بقوله (فيكون أجر ذلك) السب (لك) بتركك لحقك وعدم انتصارك لنفسك وكف عن مقابلته بما يستحقه من إذاعة نقائصه ومواجهته بها واحتمل أذاه (و) دعه يكون (وباله) أي سوء عاقبته في الدنيا والآخرة (عليه) {وما الله بغافل عما تعملون} ولله در القائل: لا تهتكن من مساوي الناس ما سترا. . . فيهتك الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا. . . ولا تعب أحدا منهم بما فيكا (ابن منيع) في معجمه وكذا الديلمي (عن ابن عمر) رمز لحسنه وهو كما قال أو أعلى إذ ليس في روايته مجروح الحديث: 670 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 671 - (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب) بالمد بوزن أفعال جمع إرب بكسر فسكون العضو (وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه) وجهه بالرفع مع ما عطف عليه بدل من سبعة بدل كل من كل وفيه أن أعضاء السجود سبعة فلا بد لوجود صورته الشرعية في الوجود من وضع بعض الجبهة على مصلاه ويجب مع ذلك وضع بعض بطن كفيه من ركبتيه وقدميه فلو لم يفعل لم تصح صلاته كما اقتضاه هذا الحديث وهو المفتي به عند الشافعية والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وشرعا وضع الجبهة على قصد العبادة (حم م 4 عن العباس) بن عبد المطلب (عبد) بغير إضافة (ابن حميد) مصغرا ابن نضر قيل اسمه عبد الحميد ثقة حافظ (عن سعد) ابن أبي وقاص الحديث: 671 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 672 - (إذا سجد العبد) أي الإنسان (طهر) بالتشديد أي نظف (سجوده ما تحت جبهته إلى سبع أرضين) بفتح الراء أي أزال عنها الأدناس والعيوب على ما اقتضاه هذا الحديث وظاهره من المشكلات والله أعلم بمراد رسوله وحمل الطهارة فيه على إفاضة الرحمة والبركة على ما وقع السجود عليه ينافيه ما ذكر في سبب الحديث عند مخرجه الطبراني وكذا ابن عدي وغيره أن عائشة قالت كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين فقلت ألا تخص لك مكانا من الحجرة أنظف من هذا؟ فقال يا حميراء ما علمت أن العبد إذا سجد فذكره بتمامه وقولها أنظف يدل على أن المراد الطهارة اللغوية وهي النظافة فالمراد أن تلك البقعة وإن كانت مستقذرة فالشرف الحاصل لها بالسجود يجبر ذلك الاستقذار والله أعلم بحقيقة الحال وفيه أن الأرضين سبعة كالسماوات (طس) وكذا ابن عدي والديلمي والحاكم (عن عائشة) قال الحافظ الهيتمي وغيره فيه بزيغ متهم بالوضع وقال ابن الجوزي موضوع وفي الميزان يزيغ متهم قال ابن حبان يأتي عن الثقات بموضوعات كأنه المعتمد لها ثم ساق له هذا الحديث وجزم جمع آخرون بوضعه الحديث: 672 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 [ص: 373] 673 - (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) أي لا يقع على ركبتيه كما يقع البعير عليهما حين يقعد (وليضع يديه) أي كفيه (قبل أن يضع ركبتيه) لأنه أحسن في الخضوع وأفخم في الوقار وبه أخذ مالك. وذهب الأئمة الثلاثة إلى عكسه تمسكا بفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم له في حديث الترمذي عن وائل قال الخطابي: وهو أثبت من حديث تقديم اليدين وأرفق بالمصلي وأحسن شكلا بل قال ابن خزيمة أن حديث تقديم اليدين منسوخ بخبر سعد كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (د عن أبي هريرة) رمز المؤلف لصحته اغترارا بقول بعضهم سنده جيد وكأنه لم يطلع على قول ابن القيم وقع فيه وهم من بعض الرواة وأوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير إذ هو يضع ركبتيه أولا وزعم أن ركبتي البعير في يديه لا في رجليه لا يعقل لغة ولا عرفا على أن الحديث معلول بيحيى بن سلمة بن كهيل ولا يحتج به قال النسائي متروك وابن حبان منكر جدا وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بمحمد بن عبد الله بن حسن وغيره الحديث: 673 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 674 - (إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه) أي بباطنهما (لأرض) فيضعهما والأولى كونهما مكشوفتين على مصلاه (عسى الله تعالى) هي من المخلوق للترجي ومن الله واجب وأتى بها ترغيبا فيما ذكر (أن يفك) أي يخلص ويفصل ورأيت في معجم الطبراني بدله يكف والفك أنسب (عنه الغل) بالضم الطوق من حديد يجعل في العنق واليدين (يوم القيامة) أي من فعل ذلك يرجى أن يغفر الله له ما فرط من الذنوب الموجبة لجعل الغل في عنقه يوم القيامة لأنه لما أطلق يديه وبسطهما في السجود جوزي بإطلاقهما يوم المعاد جزاءا وفاقا والمباشرة الإفضاء بالبشرة والفك التخليص والإطلاق والإزالة ونبه بذلك على وجوب وضع جزء من بطن الكف في السجود وكذا يجب وضع شيء من الجبهة والركبتين وأصابع القدمين لقوله في الحديث الآتي أمرت أن أسجد على سبعة أعظم (طس عن أبي هريرة) سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس كذلك فقد أعله جمع بعبيد بن محمد المحاربي قال ابن عدي له مناكير قال الهيتمي وهذا منها الحديث: 674 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 675 - (إذا سجد أحدكم فليعتدل) أي فليتوسط بين الافتراش والقبض في السجود بوضع كفيه على الأرض ورفع ذراعيه وجنبيه عنها لأنه أمكن وأشد اعتناء بالصلاة وفيه أنه يندب أن يجافي بطنه ومرفقيه عن فخذيه وجنبيه لكن الخطاب للرجال كما دل عليه تعبيره بأحدكم أما المرأة فتضم بعضها لبعض لأن المطلوب لها الستر (ولا يفترش) بالجزم على النهي أي المصلي (ذراعيه) بأن يجعلها كالفراش والبساط (افتراش الكلب) لما فيه من شوب استهانة بالعبادة التي هي أفضل العبادات فإن فعل كان مسيئا مرتكبا لنهي التنزيه والكلب كل سبع عقور وغلب على هذا النائح وصرف هذا عن الوجوب خبر أبي داود شكوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم مشقة السجود إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب أي بوضع المرفقين على الركبتين كما فسره ابن عجلان أحد رواته وخبر ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد (حم ت هـ وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) في المختارة (عن جابر) ابن عبد الله قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 675 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 676 - (إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك) بكسر الميم عن جنبيك وعن الأرض لأنه أشبه بالتواضع وأبعد من هيئة الكسالى وهذا مندوب للرجال كما تقرر <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة السجود على الجبهة [ص: 374] وكان من قبلهم يسجدون على حرف (حم م عن البراء) بن عازب الحديث: 676 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 677 - (إذا سرتك) أي أفرحتك وأعجبتك وأصل السرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه (حسنتك) أي عبادتك لكونك جازما بصدق الشارع فيما جاء به عن الله تعالى من حصول الثواب عليها سميت حسنة لأن بها يحسن حال فاعلها وهي سبب إحسان الله تعالى وإضافتها له من حيث الكسب (وساءتك سيئتك) أي أحزنك ذنبك لكونك قاطعا بصدق الشارع فيما توعد به من العقاب عليها سميت سيئة لأن بها يسوء حال فاعلها وهي سبب كل سوء {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (فأنت مؤمن) أي فذلك علامة إيمانك بل ذلك هو حقيقة الإيمان وليس الإيمان إلا تصديق الشارع فيما جاء به وفي الحزن على السيئة إشعار بالندم الذي هو أعظم أركان التوبة فكأنه قال إذا أتيت بالطاعة المأمور بها وكلما أذنبت ذنبا تبت منه كان ذلك علامة حسن الخاتمة وأنك تموت على الإيمان حقا وقد أشار إلى ما قررته أولا قول الطيبي يعني إذا صدرت منك طاعة وفرحت بها متيقنا بأنك تثاب عليها وإذا أصابتك معصية وحزنت عليها فذلك علامة الإيمان (حم حب طب ك هب والضياء عن أبي أمامة) قال قيل يا رسول الله ما الإيمان فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي قال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الهيتمي رجال الطبراني رجال الصحيح إلا أن فيه يحيى بن أبي كثير مدلس وإن كان من رجاله ورواه الإمام أحمد أيضا عن أبي موسى بإسناد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع بلفظ من عمل حسنة فسر بها ومن عمل سيئة فساءته فهو مؤمن الحديث: 677 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 678 - (إذا سرتم في أرض خصبة) بكسر الخاء (فأعطوا الدواب حظها) من نبات الأرض وحظها الرعي منه (وإذا سرتم في أرض مجدبة) بدال مهملة ولم يكن معكم ولا في الطريق علف (فانجوا عليها) أي أسرعوا عليها السير لتبلغكم المنزل قبل ضعفها (وإذا عرستم فلا تعرسوا على قارعة الطريق) أعلاها أو أوسطها (فإنها مأوى كل دابة) أي مبيت كل دابة من الحشرات ونحوها التي تأوي إليها ليلا (البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي رجاله ثقات فرمزه لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته (هذا الحديث غير موجود في نسخ المتن وثبت في نسخ الشرح فتنبه) (إذا سرتم في الخصب) بالكسر (فأمكنوا الركاب) أي الإبل ومنها كل مركوب (من أسنانها) أي من أكلها بها (ولا تجاوزوا المنازل) التي أعتيد النزول فيها للاستراحة (وإذا سرتم في الجدب) أي القحط وقلة المطر (فاستجدوا) أسرعوا (وعليكم بالدلج) بضم ففتح جمع دلجة (فإن الله يطوي) أي يطويها الله (باللبل) كله أو في السحر على ما مر (وإذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان) المعروف فإن فيه كفاية لشرها (وإياكم والصلاة على جواد الطريق) بالتخفيف أي معظم الطريق (والبراز) أي البول والغائط (عليها) أي فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع) فربما تؤذيكم أو تؤذوها (وإياكم وقضاء الحاجة عليها) أي الطريق المسلوك (فإنها الملاعن) جمع ملعنة كما مر (حم د ن هـ ع وابن خزيمة والشاشي والضياء) المقدسي (عن جابر) ابن عبد الله الحديث: 678 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 679 - (إذا سرق المملوك) أي القن شيئا قل أو كثر لك أو لغيرك (فبعه) وفي رواية لأبي نعيم إذا سرق العبد فبيعوه [ص: 375] (ولو) للتقليل هنا كما في القواطع لكن قال الزركشي: الحق أن التقليل مستفاد مما بعد لو من الصيغة (بنش) بكسر الموحدة وفتح النون وشين معجمة نصف أوقية وهو عشرون درهما كأنه سمي به لخفته وقلته من النشنشة وهي التحرك والخفة والحركة من واد واحد كذا ذكره الزمخشري جازما ورأيت في المطامح أنه القربة البالية ولم يذكر فيه سواه ولم أر فيه سلفا لكنه لم يذكره رجما بالغيب وأيا ما كان فهذا خرج مخرج التقليل والترهيب في القن السارق فكأنه قال لا تمسكه عندك ولا تتركه في بيتك بل بعه بما تيسر وإن كان تافها جدا ففيه دليل على إبعاد أهل الفساد والمعاصي واحتقارهم وأن السرقة عيب فاحش منقص للقيمة وإذا باعه وجب أن يعرف بسرقته لكونه من أقبح العيوب فلا يحل له كتمه ويظهر أن مثل البيع كل ما يزيل الملك عنه أو يحصل به مفارقته كهبته وكتابته ووقفه وعتقه لكن قد يتوقف في العتق من حيث أنه يرفع الرق عنه لكثرة إضراره للناس بالسرقة والظاهر أن المراد بالسرقة هنا معناها اللغوي وكما يطلب بيع القن إذا سرق يطلب بيعه إذا زنى لقوله من حديث مسلم إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليحدها ولا يثرب عليها أو لا يوبخ ولا يعير ولا يكثر من اللوم ثم قال إن زنت فبيعوها ولو بضفير أي بحبل مضفور فعيل بمعنى مفعول وفي رواية ولو بحبل من شعر فوصف الحبل بكونه من شعر لأنها أكثر حبالهم وهذا خارج مخرج التقليل والتزهيد كما تقرر فيما قبله فإن قيل إذا كان مقصوده إبعاد السارق والزاني وأنه يلزم البائع الإخبار بعيبه فلا ينبغي لأحد شراؤه لكونه مأمورا بإبعاده فالجواب أنه مال فلا مساغ للنهي عن إضاعة المال ولا يسيب ولا يحبس دائما إذ كل ذلك إضاعة مال ولو سيب كان إغراء له على السرقة والزنا وتمكينا له منها فلم يبق إلا بيعه ولعل السيد الثاني يبالغ في حفظه فيمنعه من ذلك وبالجملة فعند تبدل الأملاك تختلف الأحوال والجمهور حملوا الأمر ببيع السارق والزاني على الندب والارشاد إلا داود وأهل الظاهر فقالوا بوجوبه تمسكا بظاهر الأمر وصرفه الجمهور عن ظاهره عملا بالأصل الشرعي أنه لا يجبر أحد على إخراج ملكه لملك أحد بغير الشفعة فلو وجب لأجير عليه ولم يجبر عليه فلم يجب واستنبط منه بعضهم جواز البيع بالغبن لأنه بيع خطير بثمن يسير ورد بأن الغبن المختلف فيه بيع جهالة من المغبون وأما مع العلم بقدر المبيع والثمن وحالهما فلا وإنما أمر في حديث مسلم بعدم توبيخه وتعييره لأن الإكثار من ذلك يزيك الحياء والحشمة ويجرئ على ذلك الفعل ولأن العبد غالبا لا ينفعه لوم ولا توبيخ بل ربما كان إغراءا وإنما يظهر أثره في الحر إن ظهر ألا ترى إلى قوله: واللوم للحر مقيم رادع. . . والعبد لا يردعه إلا العصا ولأنها عقوبة زائدة على الحد المشروع ولا يدخل فيه نحو وعظ وتخويف بعقاب الله وتهديد احتيج إليه لأنه ليس بتثريب وأفاد خبر مسلم أن للسيد أن يحده وبه قال الجمهور إلا أبا حنيفة فقال: لا يحده إلا الإمام وقال الشافعي: يقطعه في السرقة وقال مالك: أمنعه مخافة أن يمثل به قال الراغب: والسرقة أخذ ما ليس لك أخذه في خفاء ثم صار شرعا عبارة عن أخذ شيء مخصوص من محل مخصوص وقدر مخصوص واللائق منا إرادة اللغوي (هـ) في السرقة وكذا ابن ماجه والنسائي (عن أبي هريرة) رمز لحسنه ولعله لتقويه بتعدد طرقه وإلا ففيه عمر بن أبي سلمة قال النسائي غير قوي وفي المنار سنده ضعيف الحديث: 679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 680 - (إذا سقى الرجل امرأته الماء) أي قام بالواجب من إحضار الماء إليها للشرب (أجر) بالبناء للمفعول أي يثيبه الله تعالى عليه وإن كان إنما أتى بواجب ونبه بذكر الماء الذي لا قيمة له غالبا أو قيمته تافهة على حصول الثواب فيما فوق ذلك من الإطعام والكسوة والإخدام بالأولى والمقصود بالحديث بيان أن نفقة الزوجة وإن كانت لازمة للذمة فله في القيام بها أجر أي إن قصد الامتثال قال الراغب: والأجر والأجرة ما يعود من ثواب العمل دنيويا وأخرويا والأجرة في الثواب الدنيوي والأجر والأجرة يقال فيما كان عن عقد أي اعتقاد وما يجري مجراه ولا يقال إلا في نفع لا ضر نحو أجره على الله والجزاء يقال فيما كان من عقد وغيره وفي النافع والضار (تخ طب) من حديث خالد بن [ص: 376] شريك (عن العرباض) بن سارية رمز لحسنه الحديث: 680 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 681 - (إذا سقطت) وفي رواية وقعت (لقمة أحدكم) عند إرادة أكلها قال ابن العربي: وذلك إما من منازعة الشيطان فيها حين لم يسم الله عليها أو بسبب آخر ويرجح الأول قوله الآتي ولا يدعها للشيطان إذ هو إنما يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه انتهى وهو صريح في أنه لم يذكر اسم الله عليه ثم سقطت لا يندب له أخذها وأكلها ويكاد يكون باطلا لمنافرته لإطلاق الحديث بلا موجب (فليمط) بلام الأمر (ما بها من الأذى) من تراب ونحوه مما يعاف وإن تنجست طهرها إن أمكن وإلا أطعمها حيوانا (وليأكلها) أو يطعمها غيره (ولا يدعها) أي يتركها ندبا (للشيطان) إبليس أو الجنس لما فيه من إضاعة نعمة الله واحتقارها والمانع من تناول تلك اللقمة الكبر غالبا وذلك مما يحبه الشيطان ويرضاه للإنسان ويدعو إليه إلا أنه يأخذها ويأكلها ولا بد. وقوله سقطت أي من يده أو من فمه بعد وضعها فيه وذلك لما فيه من استقذار الحاضرين. قال الولي العراقي: ويتأكد ذلك بالمضغ لأنها بعد رميها على هذه الحالة لا ينتفع بها لعيافة النفوس لها (ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها) بفتح أوله يلحسها هو (أو يلعقها) بضمه أي يلسحها لغيره من إنسان لا يستقذرها كزوجة وولد وخادم أو حيوان طاهر (فإنه لا يدري في أي طعامه) تكون (البركة) أي الخير الكثير والتغذية والقوة على الطاعة أو هو فيما بقي على الأصابع أو الإناء أو في اللقمة الساقطة؟ فإن كان فيها فيفوته بفوتها خير كثير وفيه حل التمندل بعد الطعام. قال ابن العربي: وقد كانوا يلعقون ويمسحون ثم يغسلون وقد لا وكذا تفعل العرب لا تغسل يدها حتى تمسح. وحكمته أن الماء إذا رد على اليد قبل مسحها ترك ما عليها من زفر ودسم وزاد قذرا وإذا مسحها لم يبق إلا أثر قليل يزيله الماء (حم م ن هـ عن جابر) وعن أنس أيضا الحديث: 681 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 682 - (إذا سل) بالتشديد (أحدكم) أيها المؤمنون (سيفا) أي انتزعه من غمده (لينظر إليه) أي لأجل أن ينظر إليه لشراء أو نحو تعهد. ومثل السيف ما في معناه كخنجر وسكين (فإذا أراد أن يناوله أخاه) المسلم لينظر إليه الآخر مثلا وذكر الأخ غالبي فالذمي كذلك (فليغمده) ندبا: أي يدخله في قرابه قبل مناولته إياه. والغمد بالكسر جفر السيف وإغماده إدخاله فيه وذكر النظر تمثيل وتصوير فلو سله لا لغرض فالحكم كذلك (ثم يناوله) بالجزم (إياه) ليأمن منن إصابة ذبابه له وتباعدا عن صورة الإشارة به إلى أخيه التي ورد التعديد البليغ عليها والمناولة الإعطاء (حم طب ك عن أبي بكرة) قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يتعاطون سيفا مسلولا فقال: لعن الله من فعل هذا أوليس قد نهيت عنه؟ ثم ذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي: فيه عند أحمد والطبراني مبارك ابن فضالة ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لهما إسناد جيد الحديث: 682 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 683 - (إذا سلم عليكم) أيها المسلمون (أحد من أهل الكتاب) اليهود والنصارى ولفظ أهل الكتاب وإن كان أعم بحسب المفهوم من التوراة والإنجيل لكنه خص استعمال الشرع بهما لأن غير اليهود والنصارى لم يوجد زمان البعثة (فقولوا) وجوبا في الرد عليهم (وعليكم) فقط روي بالواو وبدونها. قال القرطبي: وحذفها أوضح معنى [ص: 377] وأحسن وإثباتها أصح رواية وأشهر. قال الزركشي: الرواية الصحيحة عن مالك وابن عيينة بغير واو وهي أصوب وقال النووي إثباتها أجود فمعناه بدونها: عليكم ما تستحقونه وبها: أنهم إن لم يقصدوا دعاء علينا فهو دعاء لهم بالإسلام فإنه مناط السلامة في الدارين وإن قصدوا التعريض بالدعاء علينا فمعناه ونقول لكم وعليكم ما تريدون بها أو تستحقونه أو ندعو عليكم بما دعوتم به علينا ولا يكون عليكم عطفا على عليكم في كلامهم وإلا فتضمن ذلك تقرير دعائهم علينا وإنما اختار هذه الصيغة ليكون أبعد من الإيحاش وأقرب إلى الرفق المأمور به. قال النووي: اتفقوا على الرد على أهل الكتاب بما ذكر إذا سلموا وقال غيره: فيه أنه لا يشرع ابتداء الكافر بالسلام لأنه بين حكم الجواب ولم يذكر حكم الابتداء وأن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزي في الرد على مسلم لاشتهار الصيغة في الرد على غيره. وقيل بإجزائها في أصل الرد وإنما امتنع السلام على الكافر لأنه لا سلامة له إذ هو مخزي في الدنيا بالحرب والقتل والسبي وفي الآخرة بالعذاب الأبدي (حم ق د ت هـ عن أنس) بن مالك الحديث: 683 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 684 - (إذا سلم الإمام) من الصلاة (فردوا عليه) ندبا بأن تنووا بسلامكم الرد عليه عند الالتفات إلى جهته فإن كان عن يمين المقتدي نوى الرد بالأولى أو عن يساره فبالثانية أو خلفه فبالأولى أولى (هـ عن سمرة) بفتح فضم ابن جندب الغطفاني الفزاري قال مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف في سنده ضعيفان إسماعيل بن عياش وأبو بكر الهذلي الحديث: 684 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 685 - (إذا سلمت الجمعة) أي سلم يومها من وقوع الآثام فيه وقيل صلاتها من النقص من واجباتها ومكملاتها والأول أقرب (سلمت الأيام) أي أيام الأسبوع من المؤاخذة (وإذا سلم رمضان) كذلك (سلمت السنة) كلها من المؤاخذة فالكف عن المنهيات والإتيان بالطاعات في جميع يوم الجمعة مكفر لما يقع في ذلك الأسبوع من المخالفات والإمساك عن المنهيات والإكباب على الطاعات في جميع رمضان متكفل بما يكون في تلك السنة من الذنوب وذلك لأنه سبحانه جعل لأهل كل ملة يوما يتفرغون فيه لعبادته ويتخلون عن الشغل الدنيوي فيوم الجمعة يوم عبادة هذه الأمة وهو في الأيام كرمضان في الشهور وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان فلهذا من صح وسلم له يوم الجمعة سلمت له أيام أسبوعه كلها ومن صح وسلم له رمضان صحت له سائر سنته ومن صح له حجه سلم له عمره فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ورمضان ميزان العام والحج ميزان العمر ومن لم يسلم له يوم الجمعة أو رمضان فقد باء بعظيم الخسران ويظهر أن المراد تكفير الصغائر فقط (قط في الأفراد) عن أبي محمد بن صاعد عن إبراهيم الجوهري عن عبد العزيز ابن أبان عن الثوري عن هشام عن أبيه عن عائشة قال ابن الجوزي: تفرد به عبد العزيز وهو كذاب فهو موضوع (حل عن عائشة) وقال تفرد به إبراهيم الجوهري عن أبي خالد القرشي (هب من طريق آخر) ثم قال في كلا الطريقين لا يصح وإنما يعرف من حديث عبد العزيز عن سفيان وهو ضعيف بمرة وهو عن النووي باطل لا أصل له ولما أورده ابن الجوزي في الموضوع تعقبه المؤلف بوروده من طرق ولا تخلو كلها عن كذاب أو متهم بالوضع الحديث: 685 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 686 - (إذا سمع أحدكم النداء) أي الأذان للصبح وهو يريد الصوم (والإناء) مبتدأ (على يده) خبره (فلا يضعه) نهي أو نفي بمعناه (حتى يقضي حاجته) بأن يشرب منه كفايته ما لم يتحقق طلوع الفجر أو يظنه يقرب منه وما ذكر من أن المراد به أذان الصبح هو ما جزم به الرافعي فقال: أراد أذان بلال الأول بدليل إن بلالا يؤذن بلبل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وقيل المراد أذان المغرب فإذا سمعه الصائم والإناء في يده فلا يضعه بل يفطر فورا محافظة [ص: 378] على تعجيل الفطر وعليه قال الطيبي: دليل الخطاب في أحدكم يشعر بأنه لا يفطر إذا لم يكن الإناء في يده ويأتي أن تعجيل الفطر مسنون مطلقا لكن هذا مفهوم لقب فلا يعمل به (حم د ك عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن قال في المنار مشكوك في رفعه الحديث: 686 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 687 - (إذا سمعت الرجل) يعني الإنسان (يقول هلك الناس) ودلت حاله على أنه يقول ذلك إعجابا بنفسه وتيها بعلمه أو عبادته واستصغارا لشأن الناس وازدراءا لما هو عليه (فهو أهلكهم) بضم الكاف أشدهم هلاكا وأحقهم بالهلاك أو أقربهم إليه لذمه الناس وذكره عيوبهم وتكبره وبفتحها فعل ماض أي فهو جعلهم هالكين إلا أنهم هلكوا حقيقة أو فهو أهلكهم لكونه أقنطهم عن رحمة الله وأيأسهم من غفرانه. قال النووي: والمشهور الرفع ويؤيده رواية أبي نعيم فهو من أهلكهم قال الغزالي: إنما قاله لأن هذا القول يدل على أنه مزدر لخلق الله مغتر بالله آمن من مكره غير خائف من سطوته وقهره حيث رأى الناس هالكين ورأى نفسه ناجيا وهو الهالك تحقيقا لما رأى ذلك ويكفيه شرا احتقار الغير فالخلق يدركون النجاة بتعظيمهم إياه لله فهم متقربون إلى الله بالدنو منه وهو متمقت إلى الله بالتنزه والتباعد منهم كأنه يترفع عن مجالستهم فما أجدره بالهلاك انتهى أما لو قاله تفجعا وإشفاقا عليهم فليس محل الذم (مالك حم خد م د عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 687 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 688 - (إذا سمعت جيرانك) بكسر الجيم أي الصلحاء منهم (يقولون قد أحسنت فقد أحسنت) أي كنت من المحسنين سترا من الله وتجاوزا عما عرف من المثني عليه مما انفرد بعلمه لأن العفو من صفاته وإذا تجاوز عمن يستحق العذاب في علمه وحكم بشهادة الشهود كان ذلك منه مغفرة وفضلا و {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} (وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت) أي كنت من المسيئين لأنهم إنما شهدوا بما ظهر من سيء عمله وهو به عاص فإذا عذبه الله بحق ما ظهر من عمله السيء الموافق للشهادة ولا يجوز أن يعذبه بما شهدوا عليه وهو عنده على عمل صالح كذا ذكره الكلاباذي ثم إن ما ذكره مما تقرر من أن لفظ الحديث ما ذكر هو ما وقفت عليه بخط المؤلف لكن سياقه عند أبي نعيم وابن منده وابن عبد البر من هذا الوجه عن كلثوم إذا قال جيرانك إنك قد أحسنت فقد أحسنت وإذا قال جيرانك إنك قد أسأت فقد أسأت (حم هـ طب عن ابن مسعود) قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت فذكره قال العراقي إسناده جيد (هـ عن كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة ابن علقمة ابن ناجية (الخزاعي) نسبة إلى قبيلة مشهورة قيل له وفادة والأصح لأبيه. ذكره الذهبي كأبي نعيم وقال ابن عبد البر لا يصح له صحبة وحديثه مرسل وقال ابن الأثير الصحيح أن الصحبة لابنيه قال المناوي رجال ابن ماجه رجال الصحيح إلا شيخه محمد بن يحيى فلم يخرج له مسلم ورواه أيضا البراء وقال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح فتحسين المؤلف له فقط تقصير الحديث: 688 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 689 - (إذا سمعت النداء) أي الأذان فاللام عهدية ويجوز أن يقدر نداء المؤذن (فأجب داعي الله) وهو المؤذن لأنه الداعي لعبادته لقوله الحيعلتين والمراد أن يقول مثله ثم يجئ إلى الجماعة حيث لا عذر فالمراد الإجابة بالقول وبالفعل والسمع محل القوة السامعة من الأذن (طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة (الصواب بضمها) وسكون الجيم: الأنصاري [ص: 379] المدني من بني سالم بن عمرو أو غيرهم شهد الحديبية قال الهيتمي فيه يزيد بن سنان ضعفه أحمد وجمع وقال البخاري مقارب الحديث وقد رمز لحسنه الحديث: 689 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 690 - (إذا سمعت النداء فأجب) ندبا (وعليك) أي والحالة أن عليك في حال ذهابك (السكينة) أي الوقار أو أخص حتى تبلغ مصلاك (فإن أصبت) أي وجدت (فرجة) تسعك فأنت أحق بها فتقدم إليها ولو بالتخطي لتفريط القوم بإهمالها (وإلا) أي وإن لم تجدها (فلا تضيق على أخيك) المسلم يعني لا تزاحمه فتؤذيه بالتضييق عليه (و) إذا أحرمت (اقرأ ما تسمع أذنك) أي اقرأ سرا بحيث تسمع نفسك (ولا) ترفع صوتك بالقراءة فوق ذلك فإنك بذلك (تؤذ جارك) أي المجاور لك في المصلى (وصل صلاة مودع) بأن تترك القوم وحديثهم بقلبك وترمي بكل شغل دنيوي خلف ظهرك وتقبل على الله بتخشع وتدبر وتستحضر القدوم عليه (أبو نصر السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (وابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه أيضا عنه ابن لال والديلمي باللفظ المذكور رمز لضعفه وذلك لأن فيه الربيع بن صبيح قال الذهبي ضعيف لكن قال أبو حاتم صدوق الحديث: 690 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 691 - (إذا سمعتم النداء) أي الأذان لأنه نداء دعاء (فقولوا) ندبا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية ووافقهم ابن وهب المالكي قال في فتح القدير ظاهر الأمر الوجوب إذ لا تظهر قرينة تصرف عنه بل ربما يظهر استنكارا تركه لأنه يشبه عدم الالتفات إليه والتشاغل عنه وقال الشافعية الصارف عن الوجوب الإجماع على عدم وجوب الأصل وهو الأذان والإقامة وأما زعم أن الصارف قوله في خبر الصحيحين ثم صلوا علي ثم سلوا لي الوسيلة وهما مندوبان فالإجابة مندوبة فرد بأن دلالة الإقتران ضعيفة عند الجمهور (مثل ما يقول المؤذن) لم يقل مثلهما (قال) ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة بأن يقول سامعه عقب كل كلمة مثلها فإن لم يجبه حتى فرغ سن له التدارك إن قصر الفصل والمراد بالمماثلة المشابهة في مجرد القول لا صفته كرفع الصوت والمراد بما يقول المؤذن ذكر الله والشهادتين إلا الحيعلتين لما في خبر مسلم أن السامع يقول في كل منهما لاحول ولا قوة إلا بالله وإلا التثويب لما في خبر أنه يقول فيه صدقت وبررت وحكمة استثناء الحيلعة أنها دعاء لا ذكر فلو قالها السامع لكان الناس كلهم دعاة فلا يبقى مجيب فحسن من السامع الحوقلة لأن المؤذن لما دعا الناس إلى الحضور أجابوا بأنهم لا يقدرون عليه إلا بعون الله وتأييده: وحكمته استثناء التثويب أنه في معنى الدعاء للصلاة لا ذكر فحسن بأن يجاب بصدقت وبررت. وزعم ابن وضاح أن المؤذن مدرج ورد باتفاق الصحيحين والموطأ عليها قال ابن دقيق العيد: وفيه أن لفظ مثل لا يقتضي المساواة من كل وجه انتهى ولا يخالفه قوله مرة أخرى لفظ مثل يقتضي المساواة من كل وجه إلا من الوجه الذي يقتضي التغاير بين الحقيقتين بحيث يخرجهما عن الوحدة فإن مفهوم الكلام الأول يصدق بالوجه الذي اختلفت فيه الحقيقتان ذكره العراقي (مالك) في الموطأ (حم ق 4 عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 691 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 692 - (إذا سمعتم النداء) إلى الصلاة (فقوموا) إلى الصلاة واسعوا إليها (فإنها عزمة من الله) عز وجل أي أمر الله الذي أمرك أن تأتي به: والعزم هو الجد في الأمر ويحتمل أن المراد بالنداء هنا الإقامة أي إذا سمعتم المؤذن يقول [ص: 380] قد قامت الصلاة فقوموا (حل عن عثمان) بن عفان وفيه أحمد بن يعقوب الترمذي أورده في اللسان عن ذيل الميزان وقال الدارقطني في العلل لا أعرفه ويشبه كونه ضعيفا والوليد بن سلمة قال الذهبي كذبه دحيم وغيره الحديث: 692 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 693 - (إذا سمعتم الرعد) أي الصوت الذي يسمع من السحاب قال القاضي كالزمخشري من الارتعاد قال التفتازاني أي أن الرعد من الارتعاد كما أن البرق من البريق ولو قال من الرعدة كان أنسب وقال الطيبي: لم يرد أن أصله منه لأن أصله من الرعدة بل أراد أن فيه معنى الاضطراب والحركة (فاذكروا الله) بأن تقولوا سبحان من يسبح الرعد بحمده أو نحو ذلك من المأثور أو ما في معناه (فإنه) أي الرعد يعني ما ينشأ عنه من المخاوف (لا يصيب) يعني لا يضر (ذاكرا) لله فإن ذكره حص حصين مما يخاف ويحذر بحيث لا يبالي معه بسطوة مخلوق ومن أسرقت أنوار الذكر على قلبه هابه كل مخلوق وخضع له كل مهول ولو أراد قود الجبال فضلا عن الرعد لانقادت له قال القاضي كالزمخشري والمشهور أن سببه أي الرعد اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها كما إذا جذبتها الريح فتصوت عند ذلك وفي القاموس الرعد صوت السحاب أو الملك الذي يسوقه (طب عن ابن عباس) قال ابن حجر فيه ضعف وقال الهيتمي فيه يحيى بن كثير أبو النصر وهو ضعيف الحديث: 693 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 694 - (إذا سمعتم الرعد فسبحوا) أي قولوا سبحان الله وبحمده ونحو ذلك كما تقرر ويظهر أنه لا يقوم مقام التسبيح نحوه كما لا يقوم غير التكبير مقامه في الحريق وقوفا مع الوارد وللشرع أسرار يختص بعلمها (ولا تكبروا) أي الأولى إيثار التسبيح والحمد هنا لأنه الأنسب الراجي المطر وحصول الغيث وفي خبر ما يفيد أن التسبيح إنما يطلب حال عدم اشتداده فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد الرعد قال " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك " قال الراغب: أصل التسبيح من السبح وهو سرعة الذهاب في الماء ثم استعير لجري النجوم (د في مراسيله عن عبيد الله بن أبي جعفر) البصري أبي بكر الفقيه مولى بني كنانة قيل اسم أبيه يساف بتحتية فمهملة تابعي ثقة ونقل عن أحمد أنه لينه كان فقيها عابدا أخرج له الجماعة الحديث: 694 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 695 - (إذا سمعتم أصوات الديكة) بكسر ففتح جمع ديك ويجمع قليلا على أدياك وكثيرا على ديوك (فسلوا الله من فضله) أي زيادة إنعامه عليكم (فإنها رأت) أي الديكة (ملكا) بفتح اللام نكرة إفادة للتعميم ويحتمل أن المراد الملك الذي في صورة ديك تحت العرش ويبعده تنكير الملك وذلك لأن للدعاء بمحضر من الملائكة مزايا منها أنها تؤمن على الدعاء وتستغفر للداعي وحضورها مظنة تنزيلات الرحمة وفيض غيث النعمة ويستفاد منه طلب الدعاء عند حضور الصالحين وقال سليمان عليه السلام: الديك يقول اذكروا الله يا غافلين (وإذا سمعتم نهيق الحمير) أي أصواتها زاد النسائي ونباح الكلب والمراد سماع واحد مما ذكر (فتعوذوا) ندبا (بالله من الشيطان) بأي صيغة كانت والأولى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فإنها) أي الحمير والكلاب (رأت شيطانا) وحضور الشيطان مظنة الوسوسة والطغيان وعصيان الرحمن فناسب التعوذ لدفع ذلك. قال الطيبي: لعل السر فيه أن الديك أقرب الحيوان صوتا إلى الذاكرين الله لأنها تحفظ غالبا أوقات الصلوات وأنكر الأصوات صوت الحمير فهو أقربها صوتا إلى من هو أبعد من رحمة الله وفيه أن الله خلق للديكة إدراكا تدرك به النفوس القديسة كما خلق للكلاب والحمير إدراكا تدرك به النفوس الشريرة الخبيثة ونزول الرحمة عند حضور الصلحاء والغضب عند حضور أهل المعاصي. [ص: 381] <تنبيه> أطلق هنا الأمر بالتعوذ عند نهيق الحمر فاقتضى أنه لا فرق في طلبه بين الليل والنهار وخصه في الحديث الآتي في الليل فإما أن يحمل المطلق على المقيد أو يقال خص الليل لأنه انتشار الشياطين فيه أكثر فيكون نهيق الحمير فيه أكثر فلو وقع نهارا كان كذلك (حم ق د ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في عمل يوم وليلة الحديث: 695 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 696 - (إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه) أي إذا أخبرتم مخبر بأن جبلا من جبال الدنيا تحول وانتقل عن محله الذي هو فيه إلى محل آخر (فصدقوا) يعني لا تكذبوا فإنه لا يخرج عن دائرة الإمكان (وإذا سمعتم برجل) التنكير للتعظيم أي جليل كامل في الرجولية فغيره أولى (زال عن خلقه) بضمتين أو بضم فسكون طبعه وسجيته بأن فعل خلاف ما يقتضيه وثبت عليه (فلا تصدقوا) به كذا هي ثابتة في رواية أحمد أي لا تعتقدوا صحة ذلك بخروجه عن الإمكان إذ هو بخلاف ما تقتضيه جبلة الإنسان ولذلك قال (فإنه يصير إلى ما جبل) بالبناء للمجهول أي طبع (عليه) يعني وإن فرط منه على سبيل الندرة خلاف ما يقتضيه طبعه فما هو إلا كطيف منام أو برق لاح وما دام وتأتي الطباع على الناقل وحال المنطبع كالجرح يندمل على فساد فلا بد وأن ينبعث عن فتق ولو بعد حين وكما أن العضو المفلوج لا يطاوع صاحبه في تحريكه وإن جاهده فمتى يحركه إلى اليمين تحرك نحو الشمال فكذا المتطبع وإن جاهد نفسه فإن قواه تأبى مطاوعته وهذا الخبر صريح في أن حسن الخلق لا يمكن اكتسابه لكنه منزل على تعبير القوة نفسها التي هي السجية لا على أساسها. قال الراغب: الطبع أصله من طبع السيف وهو إيجاد الصورة المخصوصة في الحديد وكذا الطبيعة والغريزة لما غرز عليه وكل ذلك اسم للقوة التي لا سبيل إلى تغييرها والسجية اسم لما يسجى عليه الإنسان وأكثر ما يستعمل ذلك كله فيما لا يمكن تغييره لكن الخلق تارة يقال للقوة الغريزية وهو المراد هنا وتارة جعل اسما للحالة المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء وتارة يجعل الخلق من الخلاقة أي الملابسة وكأنه اسم مأمون عليه الإنسان من العادة وهو الذي يقال باكتسابه فجعل الخلق مرة للهيئة الموجودة في النفس التي يصدر عنها الفعل بلا فكر ومرة اسما للفعل الصادر عنه باسمه وعلى ذلك أسماء أنواعها من نحو عفة وعدالة وشجاعة فإن ذلك يقال للهيئة والفعل جميعا (حم) من حديث الزهري (عن أبي الدرداء) قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الطيبي ما يكون الذي يحدث من الحوادث أهو شيء مقضي أو شيء يتجدد آنفا ومن قال فإنه يصير إلخ يعني الأمر على ما قدر وسبق حتى العجز والكيس فإذا سمعتم أن الرجل الكيس يصير بليدا أو بالعكس وأن العاجز يرجع قويا وعكسه فلا تصدقوا به وضرب بزوال الجبل مثلا تقريبا للأفهام فإن هذا ممكن الزوال بالخلق المقدر عما كان في القدر قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء وقال السخاوي: حديث منقطع وبه يعرف ما في رمز المؤلف لصحته الحديث: 696 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 697 - (إذا سمعتم من يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه) أي قولوا له اعضض بظر أمك (ولا تكنوا) عن ذلك بما لا يستقبح فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر زجرا له عن فعله الشنيع وردعا له عن قوله الفظيع (حم ن حب طب والضياء) المقدسي (عن أبي) ابن كعب وفي الباب وغيره أيضا الحديث: 697 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 698 - (إذا سمعتم نباح الكلاب) بضم النون وكسرها صياحه (ونهيق الحمير) صوتها جمع حمار والنهاق بضم النون (بالليل) [ص: 382] خصه لأن انتشار الشياطين والجن فيه أكثر وكثرة فسادهم فيه أظهر فهو بذلك أجدر وإن كان النهار كذلك في طلب التعوذ (فتعوذوا بالله) ندبا (من الشيطان فإنهن يرين) من الجن والشياطين (ما لا ترون) أنتم يا بني آدم فإنهم مخصوصون بذلك دونكم (وأقلوا الخروج) من منازلكم (إذا هدأت) بالتحريك سكنت ففي القاموس هدأ كمنع: سكن (الرجل) بكسر فسكون أي سكن الخلق عن المشي بأرجلهم في الطرق (فإن الله عز وجل يبث) يفرق وينشر (في ليله من خلقه ما يشاء) من إنس وجن وشياطين وهوام وغيرها فمن أكثر الخروج حين ذاك لغير غرض شرعي أوشك أن يحصل له أذى لمخالفته للمشروع. قال الطيبي: وقوله ما يشاء مفعول لقوله يبث وهو عام في كل ذي شر ومن خلقه بيان مات (وأجيفوا الأبواب) أغلقوها (واذكروا اسم الله عليها فإن الشياطين لا تفتح بابا أجيف) أي أغلق (وذكر اسم الله عليه) يعني لم يؤذن لهم في ذلك من قبل مخالفتهم (وغطوا الجرار) جمع جرة وهو إناء الماء المعروف (وأوكثوا) بالقطع والوصل كما في القاموس وكذا ما بعده (القرب) جمع قربة وهو وعاء الماء (وأكفئوا الآنية) جمع إناء أي اقلبوها لئلا يدب عليها شيء أو تتنجس (حم خد د حب ك عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال البغوي حديث حسن الحديث: 698 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 699 - (إذا سمعتم) أيها المؤمنون الكاملون الإيمان الذي استضاءت قلوبهم من مشكاة النبوة (الحديث عني تعرفه قلوبكم) أي تقبله وتشهد بحسنه (وتلين له أشعاركم) جمع شعر (وأبشاركم) جمع بشرة (وترون) أي تعلمون (أنه منكم قريب) أي قريب إلى أفهامكم وأحكام دينكم ولا يأبى قواعد علومكم أيها المتشرعة (فأنا أولاكم به) أحق به في القبول المؤدي إلى العمل بمقتضاه لأن ما أفيض على قلبي من المعارف وأنوار اليقين أكثر من بقية الأنبياء فضلا عنكم (وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد منكم فأنا أبعدكم منه) لما ذكر ولذلك جزم أئمتنا الشافعية بأن كل حديث أوهم باطلا ولم يقبل التأويل فمكذوب عليه لعصمته أو نقص منه من جهة رواية ما يزيل الوهم الحاصل بالنقص منه وذلك أن الله بعث رسله إلى خلقه لبيان الأمور ومعرفة التدبير وكيف وكم وكنه الأمور عنده مكنون فأفشى منه إلى الرسل ما لا يحتمله عقول غيرهم ثم منهم إلى العلماء على قدر طاقتهم ثم إلى العامة على قدر حالهم فالعلم بحر يجري منه واد ثم من الوادي نهر ثم من النهر جدول فساقية فلو جرى إلى ذلك الجدول لغرقه ولو مال البحر على الوادي لأفسده فمن تكلم بشيء من الهدى فالرسول سابق له وإن لم يتكلم بذلك اللفظ فقد أتى بأمثلة مجملة فلهذا كان أولى فإذا كان الكلام غير منكر عند العلماء العاملين فهو قول الرسول وإذا كان منكرا عندهم فليس قوله وإن روى عنه فلخطأ أو سهو من بعض الجهلة أو وضع من بعض الزنادقة أو الجهلة وذلك لأنه إذا وقع ذكر الحق على القلب التقى نوره ونور اليقين فامتزجا واطمأن القلب فيعلم أنه حق وإذا وقع عليه باطل لاقت ظلمته القلب المشرق بنور اليقين فينفر النور ولم يمتزج معه فاضطرب القلب وجاش. ففرق ما بين كلام النبوة وكلام غيرهم لائح واضح عند العلماء بالله وبأحكامه العاملين عليها. وأخرج ابن سعد عن الربيع ابن خيثم قال: إن من الحديث [ص: 383] حديثا له ضوء كضوء النهار تعرفه وإن منه حديثا له ظلمة كظلمة الليل تنكره أما المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عن الله بالظلمات والكدورات فأجنبي من هذا المقام <تنبيه> أفاد الخبر أن بعض المنسوب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من المقطوع بكذبه وعلى ذلك جرى صحبنا في الأصول فقالوا: وما فتش عنه من الحديث ولم يوجد عند أهله من المقطوع بكذبه لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه لتجوز العقل صدق ناقله (حم ع) وكذا البزار (عن أبي أسيد بضم الهمزة بضبط المؤلف كذا وقفت عليه في مسودته والصواب خلافه ففي أسد الغابة أبو أسيد بفتح الهمزة وقيل بضمها قال والصواب الفتح قاله أبو عمر انتهى. وكان ينبغي للمؤلف تمييزه فإنه في الصحب متعدد منهم أبو أسيد بن ثابت الأنصاري وأبو أسيد الساعدي البدري وهو المراد أو أبي حميد) شك الراوي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح انتهى وزعم أنه معلول خطأ فاحش ورواه الحكيم عن أبي هريرة بلفظ إذا حدثتم بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف قال الحكيم فمن تكلم بشيء بعد الرسول من الحر فالرسول سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن تكلم لأنه جاء بالأصل والأصل مقدم على الفرع فجاء بالأصل وتكلم من بعده بالفرع قال وهذا في الكامل أما المخلط المكب على الشهوات المحجوب عن الله فليس هو المعني بهذا الحديث لأن صدره مظلم فكيف يعرف الحق فالمخاطب من كان طاهر القلب عارفا بالله حق معرفته الذي تزول بدعائه الجبال الحديث: 699 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 700 - (إذا سمعتم بالطاعون) فاعول قال في النهاية وهو المرض العام والوباء الذي يفسد به الهوى فتفسد به الأمزجة (بأرض) أي بلغكم وقوعه ببلد ومحلة. قال الطيبي: الباء الأولى زائدة على تضمن سمعتم معنى أخبرتم وبأرض حال (فلا تدخلوا عليه) أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه تهور وجرأة على خطر وإيقاع النفس في معرض التهلكة والعقل يمنعه والشرع يأباه قال القاضي: وفيه النهي عن استقبال البلاء لما ذكر (وإذا وقع وأنتم بأرض) أي والحال أنكم فيها (فلا تخرجوا منها فرارا) أي بقصد الفرار منه يعني يحرم عليكم ذلك لأنه فرار من القدر وهو لا ينفع والثبات تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه ولتظهر مزية هذه الأمة على من تقدمهم من الأمم الفارين منه بما يكون من قوة توكلهم وثبات عزمهم كما أظهر الله مزيتهم بما آتاهم من فضله ورحمته التي ينور بها قلوبهم فزعم أن النهي تعبدي قصور قال التاج السبكي مذهبنا وهو الذي عليه الأكثر أن النهي عن الفرار للتحريم أما لو لم يقصد الفرار كأن خرج لحاجة فصادف وقوعه فلا يحرم وكذا لو خرج لحاجة وله على ما بحثه بعض الشافعية واستدل البخاري به على بطلان الحيل قالوا: وهو من دقة فهمه فإنه إذا نهى عن الفرار من قدر الله إذا نزل رضي بحكمه فكيف الفرار من أمره ودينه إذا نزل (حم ق ن عن عبد الرحمن بن عوف عن أسامة بن زيد) وفي الحديث قصة عند الشيخين وغيرهما وهي أن عمر خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرع لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء واقع بالشام فقال عمر لابن عباس ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم فاختلفوا فقال بعضهم خرجت لأمر فلا نرى أن ترجع وقال بعضهم معك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدم عليه قال ارتفعوا عني ثم دعا الأنصار فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين فقال ارتفعوا ثم قال ادع لي من هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعاهم فلم يختلف عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس فنادى إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه [ص: 384] فقال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قضاء الله فجاء ابن عوف وكان متغيبا فقال إن عندي من هذا علما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره الحديث: 700 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 701 - (إذا سمعتم بقوم) في رواية بركب وفي أخرى بجيش (قد خسف بهم) أي غارت بهم الأرض وذهبوا فيها ويحتمل أنهم جيش السفياني ويحتمل غيره (ههنا قريبا) أي بالبيداء اسم مكان بالمدينة (فقد أظلت الساعة) أي أقبلت عليكم ودنت منكم كأنها ألقت عليكم ظلة يقال أظلك فلان إذا دنا منك وكل شيء دنا منك فقد أظلك. قال الزمخشري: ومن المجاز أظل الشهر والشتاء وأظلكم فلان أقبل وفيه دليل للذاهبين إلى وقوع الخسف في هذه الأمة وتأويل المنكرين بأن المراد خسف القلوب يأباه ظاهر الحديث وإن أمكن في غيره (حم ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب عن بقيرة) بضم الموحدة وفتح القاف بضبط المؤلف تصغير بقرة (الهلالية) امرأة القعقاع قالت إني جالسة في صفة النساء فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يشير بيده اليسرى ويقول يا أيها الناس إذا سمعتم إلخ وقد رمز لحسنه وهو كما قال إذ غاية ما فيه أن فيه ابن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس. قال الهيتمي: وبقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح الحديث: 701 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 702 - (إذا سمعتم المؤذن) أي أذانه بأن فسرتم اللفظ فلو رآه على المنارة في الوقت أو سمع صوتا وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع ألفاظه لنحو بعد أو صمم لم تشرع الإجابة كما مر (فقولوا) ندبا (مثل ما يقول) أي شبهه في مجرد القول لا الصفة كما مر (ثم) بعد فراغ الإجابة (صلوا علي) ندبا وصرفه عن الوجوب الإجماع على عدمه خارج الصلاة والعطف على ما ليس بواجب ليس بواجب على الصحيح ودلالة الاقتراب على مقابله (فإنه) أي الشأن (من صلى علي صلاة) أي مرة بقرينة المقام مع ما ورد مصرحا به (صلى الله عليه بها) أي بالصلاة (عشرا) رتبها على الأولى لأنها من أعظم الحسنات و {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وروى أحمد عن ابن عمر موقوفا: من صلى علي واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين وهذا في حكم الرفع ولعله أكبر أو لا بالقلبل ثم زيد فأخبر به (ثم سلوا الله لي الوسيلة) مر معناها لغة لكنه فسرها بقوله (فإنها منزلة في الجنة) سميت به لأن الواصل إليها يكون قريبا من الله (لا ينبغي) أي لا يليق إعطاؤها (إلا لعبد) أي عظيم كما يفيده التنكير (من عباد الله وأرجو) أي أؤمل (أن أكون أنا هو) أي أنا ذلك العبد وذكره على طريق الترجي تأدبا وتشريعا لأنه إذا كان أفضل الأنام فلمن يكون ذلك المقام. قال الطيبي: قيل إن هو: خبر كان وضع بدل إياه ويحتمل أن لا يكون أنا للتأكيد بل مبتدأ وهو خبر والجملة خبر أكون ويمكن أن هذا الضمير وضع موضع اسم الإشارة: أي أن أكون أنا ذلك العبد (فمن سأل) الله (لي) من أمتي (الوسيلة) أي طلبها لي (حلت عليه الشفاعة) أي وجبت وجوبا واقعا عليه أو نالته ونزلت به سواء كان صالحا أو طالحا. فالشفاعة تكون لزيادة الثواب وإسقاط العقاب ففيه حجة على المعتزلة حيث خصوها بالصالح لزيادة الثواب وفي الإتحاف قوله حلت عليه الشفاعة أي غشيته وجللته وليس المراد أنها كانت حراما ثم حلت له (حم م 3 عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 702 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 [ص: 385] 703 - (إذا سميتم فعبدوا) بالتشديد بضبط المصنف: أي إذا أردتم تسمية نحو ولد أو خادم فسموه بما فيه عبودية لله تعالى كعبد الله وعبد الرحمن لأن التعليق بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة والاسم مقتض لمسماه فيكون عبد الله وقد عبده بما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل كونها لغيره (الحسن بن سفيان) النسوي الحافظ صاحب المسند والأربعين ثقة تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه. قال ابن حجر: كان عديم النظير وهذا الحديث رواه في مسنده عن أبي زهير وفيه شيخ مجهول (والحاكم في) كتاب (الكنى) ومسدد وأبو نعيم وابن منده في الصحابة (طب عن أبي زهير) بن معاذ بن رباح (الثقفي) بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف كرغيف قبيلة مشهورة واسمه معاذ ويقال عمار قال الهيتمي وفيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف جدا أه وجزم شيخه العراقي بضعفه. وقال في الفتح في إسناده ضعف الحديث: 703 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 704 - (إذا سميتم فكبروا) ندبا قال في الفردوس (يعني) قولوا (على الذبيحة) عند الذبح باسم الله والله أكبر ثلاثا. وفيه طلب التسمية عند الذبح فيقول بسم الله ولا يزيد الرحمن الرحيم لعدم مناسبته للذبح وهي سنة مؤكدة عند الشافعي وأوجبها غيره تمسكا بظاهر آية {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} قلنا المراد به ما ذبح للأصنام بدليل {فإنه رجس} ثم إن ما ذكر من الأمر بالتكبير مع التسمية خاص بالأضحية دون غيرها لأن وقت الأضحية وقت التكبير بخلاف غيرها نص على ذلك الشافعي رضي الله تعالى عنه (طس عن أنس) قال الهيتمي فيه عثمان القرشي وهو ضعيف ومحمد بن حمران وفيه مقالة الحديث: 704 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 705 - (إذا سميتم) الولد من أولادكم أو نحوهم (محمدا فلا تضربوه) في غير حد أو تأديب (ولا تحرموه) من البر والإحسان إكراما لمن تسمى باسمه <فائدة> نقل الأذرعي عن بعض حنابلة عصره أنه أفتى بمنع اليهود والنصارى من التسمية بمحمد أو أحمد أو أبي بكر أو عمر أو الحسن أو الحسين ونحوهما وأن بعض ضعفاء الشافعية تبعه ثم قال ولا أدري من أين لهم ذلك وإن كانت النفس تميل إلى المنع من الأولين خوف السب والسخرية وفيه شي فإن من اليهود من تسمى بعيسى والنصارى بموسى ولم ينكروا على ممر الزمان وأما غير ذلك - أي من الأسماء - فلا أدري له وجها نعم روي أن عمر نهى نصارى الشام أن لا يكتنوا بكنى المسلمين ويقوي ذلك فيما تضمن مدحا وشرفا كأبي الفضل والمحاسن والمكارم والمحبة أنهم إن سموا بمعظم عندنا دونهم فإن قامت قرينة على نحو استهزائهم أو استخفافهم بنا منعوا وإلا كأن سموا أولادهم فلا لاقتضاء العادة بأن الإنسان لا يسمي ولده إلا بما يحب (البزار) في مسنده عن غسان بن عبيد عن يوسف بن نافع عن أبي الموال عن ابن أبي رافع (عن) أبيه (أبي رافع) إبراهيم أو أسلم أو صالح القبطي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان أولا للعباس. قال الهيتمي رواه البزار عن شيخه غسان بن عبيد وثقه ابن حبان وفيه ضعف الحديث: 705 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 706 - (إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه) أي وقروه وعظموه (وأوسعوا له في المجلس) عطف خاص على عام للاهتمام (ولا تقبحوا له وجها) أي لا تقولوا له قبح الله وجهك ولا تنسبوه إلى القبح في شيء من أقواله وأفعاله وكنى بالوجه عن الذات <فائدة> أخرج ابن عدي عن جابر مرفوعا: ما أطعم طعاما على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدموا كل يوم مرتين وأخرج الطرائفي وابن الجوزي عن علي مرفوعا: ما اجتمع قوم قط في مشورة فيهم رجل اسمه محمد [ص 386 [لم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم فيه (خط) في ترجمة محمد العلوي (عن علي) ورواه عنه أيضا الحاكم في تاريخه والديلمي الحديث: 706 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 707 - (إذا شرب أحدكم) الماء كما يدل عليه قوله في حديث: إذا شربتم الماء ويلحق به غيره من المائع كلبن وعسل (فليتنفس) ندبا (في) داخل (الإناء) فيكره لأنه يقذره ويغير ريحه (وإذا أتى الخلاء) أي المحل الذي تقضى فيه الحاجة (فلا يمس) الرجل (ذكره بيمينه) أي بيده اليمنى حال قضاء الحاجة ولا تمس المرأة فرجها بيمينها فيكره ولو خلق له ذكران أو فرجان تعلقت الكراهة بهما وإن تحققت زيادة أحدهما كما اقتضاه إطلاقه (ولا يتمسح بيمينه) أي لا يستنجي بها فيكره عند الجمهور كما مر أما التمسح بها بأن يجعلها مكان الحجر فيزيل بها النجاسة فحرام (فإن قلت) ما المناسبة بين تعليمه آداب الشرب وآداب قضاء الحاجة (قلت) وجهه أن الإنسان إذا شرب بال ما شربه فاحتاج إلى مس الفرج حال خروجه فلما ذكر حكم المدخل ناسب ذكر حكم المخرج (خ ت عن أبي قتادة) ظاهره أنه لم يروه من الستة غيرهما ولا كذلك فقد قال المناوي رواه الجماعة كلهم عن أبي قتادة واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري الحديث: 707 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 708 - (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء) عام في كل إناء فإنه يقذره فتعافه النفس ولأنه من فعل البهائم فمن فعله فقد تمثل بهم قال العراقي: فالنهي محمول على الكراهة لا التحريم اتفاقا والمراد به أن يتنفس في أثناء شربه من الإناء من غير أن يرفع فمه عنه (فإذا أراد أن يعود) إلى الشرب (فلينح الإناء) أي يزيله ويبعده عن فيه ثم يتنفس (ثم ليعد) بعد تنحيته (إن كان يريد) المزيد ولا ينافيه خبر: كان إذا شرب تنفس ثلاثا لأنه كان يتنفس خارج الإناء (هـ) من رواية الحارث بن أبي ذئاب عن عمه (عن أبي هريرة) رمز المؤلف لحسنه الحديث: 708 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 709 - (إذا شرب أحدكم فليمص) ندبا (الماء مصا) مصدر مؤكد لما قبله: أي ليأخذه في مهلة ويشربه شربا رفيقا (ولا يعب عبا) أي لا يشرب بكثرة من غير تنفس. قال الزمخشري: ومن المستعار قوله لمن مر في كلامه فأكثر قد عب عبابة (فإن الكباد) كغراب وجع الكبد وكسحاب الشدة والضيق والأول هو المراد ولا يصح إرادة الثاني إلا بتكلف (من العب) بفتح المهملة قال ابن القيم: المراد وجع الكبد وقد علم بالتجربة أن هجوم الماء دفعة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها بخلاف وروده بالتدريج ألا ترى أن صب الماء البارد على القدر وهي تفور يضر وبالتدريج لا؟ ومن آفات النهل دفعة أن في أول الشرب يتصاعد البخار الدخاني الذي يغشى الكبد والقلب لورود البارد عليه فإذا شرب دفعة وافق نزول الماء صعود البخار فيتصادمان ويتدافعان فيحدث منه أمراض رديئة (ص وابن السني حل في) كتاب (الطب) النبوي (هب) كلهم (عن ابن أبي حسين مرسلا) هو عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحارث المكي النوفلي ثقة خرج له الجماعة الحديث: 709 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 710 - (إذا شربتم الماء فاشربوه مصا ولا تشربوه عبا فإن العب يورث الكباد) أي يتولد منه وجع الكبد لأن مجمع [ص: 387] العروق عند الكبد ومنه ينقسم إلى العروق وإذا شربتم عبا في دفعة واحدة صبا لا مصا لم تحتمله العروق ويتولد منه السدد فيصير خاما فيقوي البلغم ويورث ذلك كسلا عن القيام بأعباء العبادة وهذا من محاسن حكته والمص شرب في مهلة والعب تتابع الشرب من غير تنفس (فر عن علي) وفيه محمد بن خلف قال ابن المناوي فيه لين عن موسى المروزي قال الذهبي عن الدارقطني: مترروك لكن يتقوى بما قبله الحديث: 710 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 711 - (إذا شربتم فاشربوا مصا وإذا استكتم فاستاكوا عرضا) بفتح فسكون أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولا لأنه يدمي اللثة ويفسد عمود الأسنان لكنه يجزئ ولا يكره في اللسان لخبر أبي داود ولفقد العلة (د في مراسيله عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء وخفة الموحدة واسم أبي رباح أسد القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة (مرسلا) رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان فيه محمد بن خالد لا يعرف وفاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان بأن محمدا هذا وثقه ابن معين وابن حبان والحديث ورد من طريق للبغوي والعقيلي والطبراني وابن عدي وابن منده وغيرهم بأسانيد قال ابن عبد البر فيها اضطراب لكن اجتماعها أحدث قوة صيرته حسنا الحديث: 711 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 712 - (إذا شربتم اللبن) أي فرغتم من شربه (فتمضمضوا) إرشادا أو ندبا بالماء (منه) أي من أثره وفضلته وعلل ذلك بقوله (فإن له دسما) وقيس باللبن المضمضة من ذي دسم بل أخذ من مضمضته صلى الله عليه وسلم من السويق ندبها في غير ما له دسم أيضا إذا كان يعلق منه شيء بين الأسنان أو نواحي الفم وذكر بعض الأطباء أن بقايا اللبن يضر باللثة والأسنان وللمضمضة عند الأكل وشرب غير الماء فوائد دينية منها سلامة الأسنان من الحفر ونحوه إذ بقايا المأكول يورثه وسلامة الفم من البخر وغير ذلك والصارف للأمر بالمضمضة هنا عن الوجوب ما رواه الشافعي عن ابن عباس أنه شرب لبنا فمضمض فمه ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت وما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أنس أنه عليه السلام شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديثنا ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج لدعوى النسخ (هـ عن أم سلمة) بفتح السين واللام وهي أم المؤمنين رمز لحسنه فأوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح فقد قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه إسناده صحيح وأطال في تقريره وبيان حال رجاله واحدا واحدا وأنهم موثقون ورواه مسلم من حديث ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا ثم دعا بماء فتمضمض وقال إن له دسما الحديث: 712 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 713 - (إذا شهدت إحداكن العشاء) أي أرادت حضور صلاتها مع الجماعة بنحو مسجد. وفي رواية مسلم بدل العشاء المسجد (فلا تمس طيبا) من طيب النساء قبل الذهاب إلى شهودها أو معه لأنه سبب للافتتان بها بخلافه بعده في بيتها وفيه إشعار بأنهن كن يحضرن العشاء مع الجماعة ولجواز شهودهن العشاء مع الجماعة شروط مرت وتخصيص العشاء ليس لإخراج غيرها بل لأن تطيب النساء إنما يكون غالبا في أول الليل قال ابن دقيق العيد: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة (فإن قلت) فلم اقتصر في الحديث على الطيب (قلت) لأن الصورة أن الخروج ليلا والحلي وثياب الزينة مستورة بظلمته وليس لها ريح يظهر فإن فرض ظهوره كان كذلك (فإن قلت) فلم نكر الطيب (قلت) ليشمل كل نوع من الأطياب التي يظهر ريحها. فإن ظهر لونه وخفي ريحه فهو كثوب الزينة فإن فرض أنه لا يرى لكونها متلففة وهي في ظلمة الليل [ص: 388] احتمل أن لا تدخل في النهي (حم ن عن زينب) بنت معاوية أو أبي معاوية بن عثمان (الثقفية) امرأة عبد الله بن مسعود صحابية. قال الكلاباذي: اسمها رائطة المعروفة بزينب الحديث: 713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 714 - (إذا شهدت أمة من الأمم وهم أربعون فصاعدا) أي فما فوق ذلك أي شهدوا للميت بالخير وأثنوا عليه وليس المراد الشهادة عند قاض ولا الإتيان بلفظ أشهد بخصوصه (أجاز الله تعالى شهادتهم) أي نفذها ومضاها وصيره مع أهل الخير وحشره معهم ولا يتجه أن يقال معنى شهدت حضرت من الشهود الحضور للصلاة عليه لأنه لا يلائمه قول أجاز شهادتهم إذ يصير المعنى أجاز حضورهم. قال النيسابوري: وحكمة الأربعين أن لم يجتمع أربعون إلا ولله فيهم عبد صالح ولا ينافي ذلك رواية مئة لاحتمال أنه أوحي إليه بقبول شهادة مئة فأخبر به ثم بأربعين على أنه لا يلزم من الأخبار بقبول شهادة المئة منع قبول ما دونها بناء على أن مفهوم العدد غير حجة. وهو رأي الجمهور (تتمة) روى ابن عساكر عن عمرو بن العلاء لما دلى الأحنف في حفرته أقبلت بنت لأوس بن مغراء على راحلتها وهي عجوز فوقفت عليه وقالت من الموافي به حفرته لوقت حمامه؟ قالوا الأحنف قالت ليت كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته ثم قالت لله درك من محسن في حنن مدرج في كفن نسأل الله الذي ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك ويغفر لك يوم حشرك ثم قالت أيها الناس: إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لحسن الثناء أما والذي رفع عملك عند انقضاء أجلك لقد عشت مودودا حميدا ومت سعيدا فقيدا ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم رفيع العماد واري الزناد منيع الحريم سليم الأديم عظيم الرماد قريب البيت من الناد فرحمنا الله وإياك (طب والضياء) المقدسي (عن والد أبي المليح) اسم الوالد أسامة بن عمير وهو صحابي واسم أبي المليح عامر. قال الهيتمي: وفيه صالح بن هلال مجهول على قاعدة أبي حاتم أي دون غيره ففي تجهيله خلف فالأوجه تحسين الحديث الحديث: 714 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 715 - (إذا شهر المسلم على أخيه) في النسب أو الدين (سلاحا) أي انتضاه من غمده وهوى إليه به لقتله ظلما (فلا تزال الملائكة تلعنه) أي تدعو عليه بالطرد والبعد عن الرحمة إن استحل ذلك وإلا فالمراد بلعنها إياه سبه وشتمه والدعاء عليه بالإبعاد عن منازل الأبرار (حتى) أي إلى أن (يشيمه) بفتح المثناة تحت وكسر المعجمة أي يغمده والشيم من الأضداد يكون سلا ويكون إغمادا (عنه) وهذا في غير العادل مع الباغي فللإمام وحزبه قتال البغاة بشرطه وفي غير دفع الصائل فللمصول عليه الدفع عن نفسه بالأخف وإن أفضى إلى قتل الصائل هدر والسلاح كل نافع في الحرب وتقييده بالأخ المسلم يؤذن بأن من له ذمة أو عهد وأمان ليس كذلك وهو غير مراد لكنه أخف (البزار) في مسنده (عن أبي بكرة) بسكون الكاف وقد تفتح. قال الهيتمي: فيه سويد بن إبراهيم ضعفه النسائي ووثقه أبو زرعة وفيه لين. أه ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 715 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 716 - (إذا صلى أحدكم فليصل صلاة مودع) أي إذا شرع في الصلاة فليقبل على الله بشراشيره ويدع غيره لمناجاته ربه ثم فسر صلاة المودع بقوله (صلاة من لا يظن أنه يرجع) أي يعود (إليها أبدا) أي دائما فإنه إذا استحضر [ص: 389] ذلك كان باعثا على قطع العلائق والتلبس بالخشوع الذي هو روح الصلاة ومن أيقن بقدومه على عظيم شديد الانتقام ذي القدرة والكمال فجدير بأن يلازم غاية الأدب والصلاة صلة العبد بربه فمن تحقق بالصلة لمعت له طوالع التجلي فيخشع ويصلي صلاة مودع وقد شهد القرآن بفلاح الخاشعين {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} أي خائفون من الله متذللون يلزمون أبصارهم مساجدهم. وعلامة ذلك أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا يجاوز بصره محل سجوده. وقد صلى بعضهم في جامع فسقطت ناحية منه فاجتمع الناس عليها ولم يشعر. فليقبل العبد على ربه ويستحضر بين يدي من هو واقف؟ وكان مكتوبا في محراب: أيها المصلي من أنت؟ ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت؟ ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك؟ ومن ينظر إليك؟ (فر عن أم سلمة) وفي إسناده ضعف لكن له شواهد واقتصاره على الديلمي يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وهو عجب فقد خرجه ابن ماجه من حديث أبي أيوب ورواه الحاكم والبيهقي الحديث: 716 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 717 - (إذا صلى أحدكم) غير صلاة الجنازة (فليبدأ بتحميد الله تعالى) وفي رواية يبدأ بتحميد ربه سبحانه وعطف عليه عطف عام على خاص قوله (والثناء عليه) أي بما يتضمن ذلك والحمد الثناء بالجميل على جهة التمجيد والتحميد حمدا لله مرة بعد أخرى والثناء بالفتح والمد: فعل ما يشعر بالتعظيم قال بعضهم: وأريد به بطلب المحامد هنا التشهد أي ابتداء التشهد بالتحيات (ثم ليصل على النبي) صلى الله عليه وسلم: يريد أن يجعله خاتمة تشهده (ثم ليدع) ندبا (بعد) أي بعد ما ذكر (بما شاء) من دين أو دنيا مما يجوز طلبه وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا ثم دعاه فقال: إذا صلى أحدكم إلخ وفيه تعليم الجاهل وذم العجلة والإسراع في الصلاة ووجوب التشهد الأخير والقعود له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كذا استدل به جمع منهم ابن خزيمة وابن حزم ومن ثم قطع به الشافعي مخالفا لأبي حنيفة ومالك في قولهما بعدم الوجوب ونزاع ابن عبد البر وغيره في الاستدلال بأن في سنده مقالا وبأنه لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء صلاته: رد الأول بأن أربعة من أعلام الحفاظ صححوه: الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد ورد من طريق آخر أخرجه الحاكم. قال الحافظ ابن حجر بإسناد قوي عن ابن مسعود قال يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه والثاني باحتمال أن يكون ذلك وقع عند فراغه ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب. قال ابن حجر: وهذا أقوى شيء يحتج به الشافعي على وجوب الصلاة عليه في التشهد وفيه جواز الدعاء في الصلاة بديني أو دنيوي لقوله بما شاء (ت حب ك هق عن فضالة) بفتح الفاء (ابن عبيد) بن نافل بن قيس الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله إلخ فذكره قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن صحيح الحديث: 717 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 718 - (إذا صلى أحكم) فرضا أو نفلا أي أراد الصلاة (فليصل إلى سترة) من نحو سارية أو عصى ولو أدق من رمح فإن فقد ما ينصبه بسط مصلى كسجادة فإن لم يجد خط خطا طولا وخص من إطلاق السترة ما نهى عن استقباله من آدمي ونحوه (وليدن من سترته) بحيث لا يزيد وأما بينه وبينها على ثلاثة أذرع وكذا بين الصفين (لا يقطع) بالرفع على الاستئناف والنصب بتقدير لئلا ثم حذفت لام الجر وأن الناصبة والكسر لالتقاء الساكنين على أنه جواب الأمر [ص: 390] وهو: وليدن (الشيطان) أي المار: سمي شيطانا لأن فعله فعل الشيطان لإتيانه بما يشوش على المصلي أو لأن الحامل له على ذلك الشيطان وقيل الشيطان نفسه هو المار والشيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي المار ومن تعقب ذلك لم يأت بطائل (عليه صلاته) يعني ينقصها بشغل قلبه بالمرور بين يديه وتشويشه فليس المراد بالقطع البطلان وفيه تحريم المرور بين يدي المصلي إذا جعل له سترة ومحله إن لم يقصر وإلا كأن وقف بالطريق فلا حرمة بل ولا كراهة كما في الكفاية ولو صلى بلا سترة أو تباعد عنها أو لم تكن السترة بالنعت المذكور فلا حرمة لتقصيره لكنه خلاف الأولى أو مكروه وفيه تنبيه على عظمة الصلاة واحترام المصلي لأنه مناج ربه <تنبيه> ثبت في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الاسطوانة ووقع في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وراء الصندوق وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه قال ابن حجر: والاسطوانة المذكورة حقق بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة الكريمة وأنها تعرف باسطوانة المهاجرين. قال وروي عن عائشة أنها قالت: لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وأنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها (حم د ن حب ك عن سهيل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة الأوسي صحابي صغير قبض المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان لكنه حفظ عنه قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن عبد البر اختلف في إسناده وهو حسن الحديث: 718 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 719 - (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر) أي سنته (فليضطجع) ندبا وقيل وجوبا (على جنبه الأيمن) أي يضع جنبه الأيمن على الأرض وحكمة الاضطجاع ألا يتوهم أن الصبح رباعية وكونه على اليمين أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة. قال العراقي: ولا تحصل أصل سنة الاضطجاع بكونه على اليسار بلا عذر ولو لم يمكن فصل بكلام أو تحول. وأوجب ابن حزم هذه الضجعة وأبطل الصلاة بتركها وانتصر له في مجلد ضخم وهو من تفرداته وعدها بعضهم بدعة وأنكرها ابن مسعود وقال النخعي ضجعة الشياطين وحمل على أنه لم يبلغهما الأمر بفعلها (د ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن غريب وقال ابن القيم باطل إنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي أسانيده صحيحة وقال غيره إسناد أبي داود على شرط الشيخين الحديث: 719 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 720 - (إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصلي) ندبا (بعدها شيئا) يعني لا يصلي سنتها البعدية (حتى يتكلم) بشيء من كلام الآدميين ويحتمل الإطلاق (أو يخرج) من محل الجمعة والمراد حتى يفصل بينهما بكلام أو يخرج من محل إقامتها إلى نحو بيته فيندب حينئذ أن يصلي ركعتين أو أربعا فإن حكمها في الراتبة كالظهر فيما قبلها وبعدها وكالجمعة غيرها من كل فرض ففي أبي داود بسند - قال ابن حجر - منقطع عن المغيرة مرفوعا: لا يصلي الإمام في الموضع الذي يصلي فيه حتى يتحول. وروى ابن أبي شيبة بإسناد - قال ابن حجر - عن علي: من السنة ألا يتطوع الإمام في الموضع حتى يتحول عن مكانه وروى ابن قدامة عن أحمد أنه كرهه والمعنى فيه خشية التباس النفل بالفرض فأرشد في الحديث إلى طريق الأمن من الالتباس (فإن قيل) إذا كان غير الجمعة مثلها فلم خصها؟ (قلت) هذا خرج جوابا تعليما لرجل رآه يصلي عقب الجمعة فليس للتخصيص (طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (ابن مالك) الأنصاري الخطمي قال الذهبي كابن الأثير وغلط ابن منده في جعله خثعميا رمز المؤلف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال الهيتمي وغيره الفضل ابن المختار ضعيف جدا الحديث: 720 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 721 - (إذا صلى أحدكم) أي أراد أن يصلي (فليلبس نعليه) أي فليصل بهما بدليل رواية البخاري كان يصلي في نعليه [ص: 391] وهو محمول عند الجمهور على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة قال ابن دقيق العيد: وهذا من الرخص لا من المستحبات وذهب بعض السلف إلى أن النعل المتنجسة تطهر بدلكها بالأرض وتصح الصلاة فيها وهو قول قديم للشافعي ومن يرى خلافه أوله بما ذكر (أو ليخلعهما) أي ينزعهما وليجعلهما ندبا (بين رجليه) إذا كانتا طاهرتين أو بعد دلكهما بالأرض على القول به (ولا يؤذي) ناهية وإثبات حرف العلة إما لغة أو الجزم مقدر وهو خبر بمعنى النهي بهما (وغيره) وضعهما أمام غيره أو عن يمينه أو يساره وما ورد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع نعليه عن يساره حمل على أنه كان منفردا وفيه المنع من أذى الآدمي وإن قل التأذي (ك عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه أيضا أبو داود الحديث: 721 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 722 - (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل) ندبا (بعدها أربعا) ولا يناقضه رواية الركعتين لأن النصين محمولان على الأقل والأكمل كما يصرح به قول التحقيق أنها في ذلك كالظهر وقوله في شرح مسلم: كانت صلاته صلى الله عليه وسلم لها أربعا أكثر تعقبه العراقي بأنه لا دليل له ومذهب الشافعية أنها كالظهر يسن قبلها أربع وبعدها أربع والمؤكد من ذلك ركعتان قبل وركعتان بعد قال العراقي ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها (حم م ن عن أبي هريرة) الدوسي الحديث: 722 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 723 - (إذا صلى أحدكم فأحدث) فيها بمبطل خفي يلحق صاحبه بظهوره خجل (فليمسك) ندبا (على أنفه) محدودبا ظهره موهما أنه رعف (ثم لينصرف) فيتطهر سترا على نفسه من الوقيعة فيه وليس ذلك من الكذب القبيح بل من التورية بما هو أحسن ويؤخذ منه لو كان حدثه ظاهرا كما لو لمسته أجنبية بحضرة المصلين أو أكره على وضع بطن كفه على فرج أو خرج خارجه بصوت تحقق الحاضرون أنه منه أنه لا يسن إمساك أنفه ولا إيهام أنه رعف وفيه دليل لمن قال بنقض الوضوء بالرعاف وذهب الشافعية إلى خلافه لأدلة أخرى (ليس في الحديث ما يدل على أن الرعاف ناقض للوضوء بل هو مبطل للصلاة فقط لأنه من طروء النجاسة وإنما يؤمر من رعف في الصلاة بالانصراف منها لغسل ما أصابه من دم الرعاف فقط ولا يجب عليه الوضوء أه) (هـ عن عائشة) رمز لحسنه وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدسي قال ابن عدي اختلط وقال الذهبي: ثقة مدلس الحديث: 723 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 724 - (إذا صلى أحدكم) مكتوبة (في بيته) أي في محل سكنه ولو نحو خلوة أو مدرسة أو حانوت (ثم دخل المسجد) يعني محل إقامة الجماعة (والقوم يصلون) المراد صلى منفردا في أي موضع كان ولو مسجدا ثم وجد جماعة تقام في أي محل كان (فليصل معهم) واحدة فإن ذلك مندوب (وتكون له نافلة) وفرضه الأولى. قال النووي: ولا يناقضه خبر لا تصلوا صلاة في يوم مرتين. لأن معناه لا تجب في يوم مرتين. قال أبو زرعة: وقضية الخبر لا فرق في الإعادة بين كونها مما تكره الصلاة بعدها بأن تكون صبحا أو عصرا أو لا وهو كذلك أه وما ذكر من أن قضية الخبر جاء مصرحا به في خبر أبي داود وغيره عن زيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه الصبح فلما قضى صلاته إذا برجلين لم يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا: صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدا فصليا معهم فإنها لكما نافلة. فهذا تصريح بعدم الفرق بين وقت الكراهة وغيره وذهب الحنفية إلى استثناء وقت الكراهة وقالوا هذا الخبر معارض بخبر النهي عن النفل بعد الصبح والعصر وهو مقدم لزيادة قوته لأن المانع مقدم أو يحمل على ما قبل النهي جمعا بين الأدلة (طب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم مدني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة. قال الهيتمي: فيه إبراهيم بن [ص: 392] زكريا فإن كان العجلي الواسطي فضعيف وإلا فلم أعرفه أه وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه الحديث: 724 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 725 - (إذا صلت المرأة خمسها) المكتوبات الخمس (وصامت شهرها) رمضان غير أيام الحيض إن كان (وحفظت) وفي رواية أحصنت (فرجها) عن الجماع المحرم والسحاق (وأطاعت زوجها) في غير معصية (دخلت) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول (الجنة) إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحا أو عفي عنها والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار (فإن قلت) فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها (قلت) لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان الحليل ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج فأناط الحكم بالغالب وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال والحفظ والصون والحراسة والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح. وأكثر استعماله عرفا في القبل (البزار) في مسنده (عن أنس) باللفظ المذكور. قال الهيتمي: وفيه رواد بن الجراح وثقه أحمد وجمع وضعفه آخرون وقال ابن معين: وهم في هذا الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح (حم عن عبد الرحمن بن عوف) لكنه قال بدل: دخلت الجنة. قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت. قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: رواة أحمد رواة الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات (طب عن عبد الرحمن بن حسنة) أخو شرحبيل وحسنة أمهما لكنه قال بدل وأطاعت زوجها: وأطاعت بعلها وحفظت فرجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. قال الهيتمي: وفيه أيضا ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 725 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 726 - (إذا صلوا) المؤمنون (على جنازة فأثنوا) عليها (خيرا يقول الرب أجزت شهادتهم فيما يعلمون) أي أجزتها فيما علموا به من عمله (وأغفر له ما لا يعلمون) فإن المؤمنين شهداء الله في أرضه كما أن الملائكة شهداء الله في السماء والصلاة على الميت توجع لفراقه وفزع إلى الدعاء والله لا يخيب من قصده ولهذا شرع تلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء رجاء القبول لأنه إذا تقبل القرآن والصلاة عليه أجاب الدعاء للميت كرما وفضلا فغفر له (تخ عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وشد المثناة تحت كما في أسد الغابة وضبطه المؤلف في مسودته هكذا (بنت معوذ) بن عفراء الأنصارية الصحابية رمز لحسنه وليس ذا منه بحسن فإن البخاري خرجه من حديث عيسى بن يزيد عن معاذ عن خالد بن كيسان عن الربيع ثم قال البخاري خالد فيه نظر وفي اللسان ذكره العقيلي في الضعفاء وقال لا يحفظ هذا الخبر عن الربيع وعيسى بن يزيد هو ابن دانه متروك الحديث: 726 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 727 - (إذا صليت) أي دخلت في الصلاة (فلا تبزقن) بنون التوكيد وأنت فيها (بين يديك) وفي رواية أمامك: أي جهة القبلة (ولا) تبزقن (عن يمينك) زاد في رواية فإن عن يمينك ملكا. قال التوربشتي: يحتمل أن يراد الملك الذي يحضره عند الصلاة للتأييد والالهام والتأمين لأنه زائر والزائر يكرم فوق اللازم كالكاتبين ويحتمل تخصيص صاحب اليمين بالكرامة تنبيها على ما بين الملكين من المزية وتمييزا بين ملائكة الرحمة والعذاب قيل ويحتمل أن كاتب السيئات يتنحى عنه حال الصلاة لكونه لا دخل له فيها (ولكن ابزق تلقاء) بكسر الفوقية والمد (شمالك) أي جهته [ص: 393] (إن كان فارغا) من آدمي محترم يتأذى به (وإلا) بأن لم يكن فارغا من ذلك (ف) ابزق تحت قدمك اليسرى (وادلكه) أي امرسه بيدك أو برجلك ليدفن في التراب أو الرمل ويغيب أثره وسواء فيما ذكر كله من بالمسجد وغيره لأن البصاق إنما يحرم فيه إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه سواء من به وخارجه لأن الملحظ التقذير وهو متفق عليه وزعم (قوله: زعم: مصدر مبتدأ) حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه: غير (قوله: غير: خبر المبتدأ) معول عليه وما ذكر من الاكتفاء بالدلك جار على ما كانت المساجد عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من كونها رملية أو ترابية فإن كان المسجد مبلطا أو مرخما تعين إخراجه لأن دلكه فيه تقذير له وتقذيره ولو بطاهر حرام (حم عد حب ك عن طارق) بالقاف (ابن عبد الله المحاربي) الصحابي الحديث: 727 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 728 - (إذا صليت الصبح) أي فرغت من صلاته (فقل) ندبا عقبها (قبل أن تكلم أحدا من الناس اللهم أجرني) بكسر الجيم أي أعذني وأنقذني (من النار) أي من عذابها أو من دخولها قبل ذلك (سبع مرات فإنك إن) قلته و (مت من يومك ذلك كتب الله لك) أي قدر أو أمر الملائكة بالكتابة في اللوح أو الصحف (جوارا) بضم الجيم وكسرها أفصح كما في الصحاح أي أمانا (من النار) والمراد نار الآخرة (وإذا صليت المغرب) أي فرغت من صلاتها (فقل قبل أن تكلم أحدا من الناس: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن) قلت ذلك و (مت من ليلتك كتب الله لك جوارا من النار) أي من دخولها إلا تحلة القسم ثم يحتمل أن ذلك باجتناب الكبائر أخذا من نصوص أخرى والجوار: الانقاذ والجار: الذي يجير غيره أي يؤمنه والمستجير: الذي يطلب الأمان <تنبيه> قال ابن حجر: يؤخذ من مجموع الأدلة أن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا فالأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور كالمذكور في هذا الخبر ثم يتطوع أو عكسه؟ ذهب الجمهور إلى الأول والحنفية إلى الثاني ويترجح تقديم الذكر المأثور لتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة وزعم بعض الحنابلة أن بعض المراد بدبرها ما قبل السلام ورد بعدة أخبار وأما التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاؤوا انصرفوا أو مكثوا وذكروا وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعظهم فليقبل عليهم جميعا وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يقبل عليهم أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ الثاني هو ما عليه أكثر الشافعية (حم د ن حب عن الحارث) بن مسلم (التميمي) أنه حدث عن أبيه به كذا هو عند النسائي لكن ابن أبي حاتم قال: الحارث بن مسلم بن الحارث فمسلم هو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنده. قال أبو حاتم: والحارث بن مسلم تابعي ولم يذكر لمسلم هذا أكثر من أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية وأما ابنه فلا يعرف حاله أه وبه يعلم ما في رمز المصنف لصحته الحديث: 728 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 729 - (إذا صليتم على الميت) صلاة الجنازة (فأخلصوا له الدعاء) أي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب لأن المقصود [ص: 394] بهذه الصلاة إنما الاستغفار والشفاعة للميت وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي. قال ابن القيم: هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء (د هـ حب عن أبي هريرة) أعله المناوي بمحمد بن إسحاق وتبعه ابن حجر فقال: فيه ابن اسحاق وقد عنعن لكن أخرجه ابن حبان من طريقين آخرين مصرحا بالسماع الحديث: 729 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 730 - (إذا صليتم خلف أئمتكم) أي أردتم الصلاة خلفهم (فأحسنوا طهوركم) بضم الطاء أي تطهيركم بأن تأتوا به على أكمل حالة من فرض وشرط وسنة وآداب (فإنما يرتج) بالبناء للمفعول مخففا: أي يستغلق ويصعب (على القارئ قراءته بسوء طهر المصلي خلفه) أي بقبحه بأن أخل بشيء من مطلوباتها الشرعية لأن شؤمه يعود إلى إمامه والرحمة خاصة والبلاء عام والأمر بإحسان الطهر عام لكنه للمقتدي آكد. وكذا الإمام. قال الزمخشري: ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام (فر عن حذيفة) بن اليمان. قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فقرأ سورة الروم فأرتج عليه فلما قضى صلاته قال ذلك أه وفيه محمد بن الفرحان قال الخطيب: غير ثقة وفي الميزان: خبر كذب وعبد الله بن ميمون مجهول الحديث: 730 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 731 - (إذا صليتم) أي أردتم الصلاة (فاتزروا) أي البسوا الإزار (وارتدوا) أي اشتملوا بالرداء والرداء بالمد: ما يرتدي به مذكر. قال ابن الأنباري: ولا يجوز تأنيثه (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا (باليهود) فإنهم لا يتزرون ولا يرتدون بل يشتملون اشتمال الصماء. قال في المطامح: اللباس المأمور به في الصلاة له صفتان: صفة إجزاء وصفة كمال فصفة الإجزاء كونه مستور العورة والصفة الكمالية كونه مؤتزرا مرتديا في أحسن زي وأكمل هيئة (عد عن ابن عمر) بن الخطاب وتعقبه عبد الحق بأن فيه نضر بن حماد متروك وإنما هو موقوف على ابن عمر قال ابن القطان وأنا أعرف له طريقا جيدا ذكره ابن المنذر الحديث: 731 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 732 - (إذا صليتم الفجر) أي فرغتم من صلاة الصبح (فلا تناموا عن طلب أزراقكم) فإن هذه الأمة قد بورك لها في بكورها وأحق ما طلب العبد رزقه في الوقت الذي بورك له فيه لكنه لا يذهب إلى طلبه إلا بعد الشمس وقبله يمكث ذاكرا مستغفرا حتى تطلع كما كان يفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الحراني: والنوم ما وصل من النعاس إلى القلب فغشاه أي ستره في حق من ينام قلبه وما استغرق الحواس في حق من لا ينام قلبه (طب عن ابن عباس) الحديث: 732 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 733 - (إذا صليتم فارفعوا سبلكم) وفي رواية بن عدي: السبل بسين مهملة وموحدة تحتية أي ثيابكم المسبلة. قال الزمخشري: أسبل الإزار أو سبله والمرأة تسبل ذيلها والفرس ذنبه ومن المجاز: أسبل المطر أرسل دفعة ووقفت على الديار فأسبلت مني عبرتي (فإن كل شيء أصاب الأرض من سبلكم) بأن جاوز الكعبين (فهو في النار) أي فصاحبه في النار أن يكون على صاحبه في النار فتلتهب فيه فيعذب به والمراد نار الآخرة وهذا إذا قصد به الفخر والخيلاء (تخ طب هب [ص: 395] عن ابن عباس) قال الزين العراقي: فيه عيسى بن قرطاس قال النسائي: متروك وابن معين: غير ثقة وقال الهيتمي: فيه عيسى بن قرطاس ضعيف جدا ونحوه في المطامح. وفي الميزان عن النسائي متروك وعن العقيلي من غلاة الرفض. فرمز المؤلف لحسنه إنما هو لاعتضاده الحديث: 733 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 734 - (إذا صليتم صلاة الفرض) أي المكتوبات الخمس (فقولوا في عقب كل صلاة) أي في أثرها من غير فاصل أو بحيث ينسب إليها عرفا (عشر مرات) أي متواليات ويحتمل اغتفار الفصل والسكوت اليسيرين (لا إله إلا الله) أداة الحصر لقصر الصفة على الموصوف قصر إفراد لأن معناه الألوهية منحصرة في الله الواحد في مقابلة زاعم اشتراك غيره معه وليس قصر قلب إذ لم ينفها عن الله من الكفرة أحد إنما أشركوا معه (وحده) حال مؤكدة بمعنى منفرد في الألوهية (لا شريك) أي لا مشارك (له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لما قبلها: أي هو فعال لكل ما يشاء كما يشاء (يكتب له) أي فقائل ذلك يقدر الله له أو يأمر الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحف (من الأجر كأنما) كأجر من (أعتق رقبة) لما للكلمات المذكورة من مزيد المزية عنده تعالى وحسن القبول لديه والرقبة أصلها اسم للعضو المخصوص ثم عبر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسما للمملوك كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل فلان رابط كذا رأسا وكذا ظهرا وفيه رد على من زعم أن الدعاء عقب الصلاة لا يشرع تمسكا بما يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لا يثبت إلا بقدر ما يقول ذلك فقد ورد أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه فلا تدافع. وقول (قوله وقول: مبتدأ) ابن القيم الدعاء بعد السلام مستقبلا منفردا أو إماما أو مأموما لم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أصلا ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن ولم يفعله الخلفاء بعده إلا أرشد إليه وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها وأمر بها فيها وهو اللائق بالمصلي فإنه يناجي ربه فإذا سلم انقطعت المناجاة والقرب منه: رده (قوله رده: جملة وقعت في خبر المبتدأ) جمع منهم ابن حجر بأن ما زعمه من النفي ممنوع بإطلاق فقد ثبت من طريق صحيحة الأمر بالأذكار دبر الصلاة وإنكاره مكابرة (الرافعي) إمام الدين عبد الكريم (في تاريخه) تاريخ قزوين (عن البراء) بالتخفيف ابن عازب الحديث: 734 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 735 - (إذا صمت) يا أبا ذر (من الشهر) أي شهر كان (ثلاثا) أي أردت صوم ذلك تطوعا (فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) أي صم الثالث عشر من الشهر وتالييه إلا الحجة فصم منها الرابع عشر وتالييه وسمى هذه الثلاثة الأيام البيض أي أيام الليالي البيض لإضاءتها بالقمر وصومها من كل شهر مندوب وكما يسن صوم البيض يسن صوم السود. وهي ثلاثة من آخره (حم ت ن عن أبي ذر) ولفظ الترمذي يا أبا ذر إذا صمت إلخ قال الترمذي حسن ورمز المصنف لصحته تبعا لابن حبان الحديث: 735 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 736 - (إذا صمتم) فرضا أو نفلا (فاستاكوا بالغداة) أي الضحوة وهي أول النهار وهي مؤنثة قال ابن الانباري: ولم [ص: 396] يسمع تذكيرها ولو حملت على أول النهار جاز التذكير (ولا تستاكوا بالعشي) هو من الزوال إلى الغروب وقيل إلى الصباح (فإنه) أي الشأن (ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان) كذا فيما وقفت عليه من النسخ والذي رأيته بخط الحافظ العراقي وغيره كانتا (نورا بين عينيه يوم القيامة) يضئ له فيسعى فيه أو يكون سيمة وعلامة له يعرف بها في الموقف وأخذ منه أبو شامة تحديد كراهية السواك للصائم بالعصر خلاف ما عليه الشافعية من تحديدها بالزوال ورده أبو زرعة بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه بل قضيته التحديد بالزوال لأنه مبدأ العشي وفي المسألة سبعة مذاهب مبينة في المطولات <فائدة> قال في الإنجيل: إذا صمتم فلا تكونوا كالمرائين لأنهم يعبسون وجوههم ويغيرونها ليظهروا للناس صيامهم الحق أقول لكم: لقد أخذوا أجورهم وأنت إذا صمت ادهن رأسك واغسل وجهك لئلا يظهر للناس صيامك (طب قط) من حديث كيسان القصاب عن يزيد بن هلال (عن خباب) بفتح المعجمة وشد الموحدة (ابن الأرت) بفتح الهمزة وشد المثناة فوق تميمي النسب خزاعي الولاء من السابقين الأولين عذب في الله كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يألفه ويأمنه وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه خرجه وسلمه ولا كذلك بل تعقبه الدارقطني بأن كيسان هو ابن عمرو القصاب غير قوي ويزيد غير معروف أه. وقال العراقي في شرح الترمذي حديث ضعيف جدا وفي تخريج الهداية فيه كيسان القصاب ضعيف جدا. وقال ابن حجر: فيه كيسان ضعيف عندهم الحديث: 736 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 737 - (إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته) ندبا لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} وأفهم قوله إنه لا يندب له أكل الكل بل لا يجوز فيجب التصدق بشيء منها فيملكه لفقراء المسلمين ولا يجوز تمليك الأغنياء ويجوز الإهداء إليهم والأحسن التصدق بالكل إلا لقمة أو لقما يأكلها فإنه سنة لهذا الخبر وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأكل من كبد أضحيته. ويستحب إذا أكل وأهدى وتصدق أن لا يزيد على كله على الثلث ولا تنقص صدقته عنه هذا كله في التطوع أما الأضحية الواجبة بنحو نذر أو بقوله جعلتها أضحية فيحرم أكله منها ولو ضحى عن غيره بإذنه كميت أوصى فليس له ولا لغيره من الأغنياء الأكل (حم عن أبي هريرة) قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 737 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 738 - (إذا ضرب أحدكم خادمه) يعني مملوكه وكل من له ولاية عليه لتأديبه (فذكر الله) عطف على الشرط: أي ذكره مستغيثا أو مستشفعا. ذكره ابن العربي. ولو قيل: المراد مطلق التلفظ بالاسم والابتهال به إلى الله فيما هو فيه لم يبعد وجواب الشرط قوله (فارفعوا أيديكم) أي كفوا عن ضربه: أي إلا أن يكون في حد فإنه لا بد من إتمام عدده وإلا في تأديب نافع أو زاجر ولم يكن قد بلغ محله وذلك إجلالا لمن ذكر اسمه ومهابة لعظمته. هذا سياق الحديث على ما في نسخ هذا الجامع والذي رأيته في أصول صحيحة معزوا للترمذي: إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله تعالى فليرفع عنه أه. وقوله فليرفع: هو مقتضى السياق وعلى ما في نسخ هذا الكتاب إنما قال ارفعوا إشارة إلى أنه عام يتناول كل ضارب. قال في العارضة: إذا ضرب في حد أو تأديب فليذكر له ما يضربه عليه إن لم يعرفه (ت) في البر (عن أبي سعيد) الخدري وقال هارون العبدي ضعيف أه فاقتصار المصنف على عزو الحديث وسكوته عما عقبه في بيان القادح غير صواب الحديث: 738 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 [ص: 397] 739 - (إذا ضرب أحدكم خادمه) أو مواليه أو حليلته أو نحو ولده وذكر الخادم في بعض الروايات والعبد في بعضها ليس للتخصيص وإنما خص لأن سبب ذكره أن إنسانا ضرب خادمه وآخر عبده على وجهه فالسبب خاص والحكم عام فشمل الحكم إذا ضرب حدا أو تعزيرا لله أو لآدمي ونحو ولي وسيد وزوج (فليتق) في رواية لمسلم فليتجنب وهي مبينة لمعنى الإتقاء (الوجه) من كل مضروب معصوم وجوبا لأنه شين ومثله له للطافته وتشريفه على جميع الأعضاء الظاهرة لأنه الأصل في خلقة الإنسان وغيره من الأعضاء خادم لأنه الجامع للحواس التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد ولأنه مدخل الروح ومخرجه ومقر الجمال والحسن وبه قوام الحيوان كله ناطقه وصامته فلما كان بهذه المثابة احترمه الشرع وأمر بعدم التعرض له في عدة أخبار بضرب أو إهانة أو تقبيح أو تشويه ومثل الوجه في عدم الضرب المقاتل لا الرأس كما قال بعض الشافعية وجاء في رواية لمسلم تعليله بأن الله خلق آدم على صورته أي على صورة المضروب وقيل الضمير لله بدليل رواية الطبراني بإسناد رجاله ثقات كما قال ابن حجر على صورة الرحمن وفي رواية لابن أبي عاصم عن أبي هريرة مرفوعا " من قاتل فليتجنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن ". فيتعين إجراء ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إيراده على ما جاء بغير إعتقاد تشبيه أو تأويله على ما يليق بالرحمن جل وعلا. وفيه أنه يحرم ضرب الوجه وما ألحق به في الحد والتعزير والتأديب. وألحق بالآدمي كل حيوان محترم أما الحربيون فالضرب في وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود (د) في الحدود (عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد الصحيحين وهو ذهول عجيب فقد خرجه مسلم من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ بعينه. قال ابن حجر: رواه البخاري بلفظ آخر الحديث: 739 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 740 - (إذا ضن) بشد النون بضبط المصنف (الناس) أي بخلوا (بالدينار والدرهم) فلم ينفقوها في وجوه البر (وتبايعوا بالعينة) بالكسر وهي أن تبيع بثمن لأجل ثم يشتريه بأقل وقال البيهقي: هي أن يقول المشتري ذا بكذا وأنا أشتريه منك بكذا (وتبعوا أذناب البقر) كناية عن اشتغالهم بالزرع وإهمالهم القيام بوظائف العبادات (وتركوا الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (أدخل الله عليهم ذلا) بالضم هوانا وضعفا (لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم) أي حتى يرجعوا عن ارتكاب هذه الخصال المذمومة وفي جعلها إياها من غير الدين وأن مرتكبها تارك للدين مزيد زجر وتهويل وتقريع لفاعله وهذا من أقوى أدلة من حرم بيع العينة خلافا لما عليه الشافعية من قولهم بالكراهة دون التحريم والبطلان. وظاهر صنيع المصنف أن لفظ الحديث عند جميع من عزاه له ما ذكر ولا كذلك بل لفظ رواية البيهقي في الشعب بدل أدخل أنزل الله عليهم البلاء لا يرفعه إلخ وإناطة إدخال الذل وإنزال البلاء بوقوع الثلاثة مؤذن بأنهم لو فعلوا بعضها فقط لا يلحقهم الوعيد (حم طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب. وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه: الحديث: 740 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 741 - (إذا طبختم اللحم) أي نضجتموه بمرق وفي المصباح عن بعضهم لا يسمى طبيخا إلا إذا كان بمرق (فأكثروا المرق) بالتحريك (فإنه) أي إكثاره (أوسع وأبلغ للجيران) وفي رواية بالجيران وهي أوضح أي أكثر [ص: 398] بلاغا في التوسعة عليهم وتعميمهم فلم ينص الأمر بالغرف للجيران منه كأنه أمر متعارف والأمر للندب عند الجمهور وللوجوب عند الظاهرية. قال العلائي: وفيه تنبيه لطيف على تسهيل الأمر على مزيد الخير حيث لم يقل فأكثروا لحمها أو طعامها إذ لا يسهل ذلك على كثير. وقال الحافظ العراقي: وفيه ندب إكثار مرق الطعام لقصد التوسعة على الجيران والفقراء وأن المرق فيه قوة اللحم فإنه يسمى أحد اللحمين لأنه يخرج خاصية اللحم فيه بالغليان. قال: وفيه أفضلية اللحم المطبوخ على المشوي لعموم الانتفاع لأنه لأهل البيت والجيران ولأنه يجعل فيه الثريد وهو أفضل الطعام وفيه ندب الإحسان إلى الجار وفيه يندب أن يفرق لجاره من طعامه وأفرد في رواية الترمذي ذكر الجار فإنه أراد الواحد فينبغي أن يخص به أولا الأقرب وإن أريد الجنس وأمكن التعميم فهو أولى. وإلا فينبغي تقديم الأحوج والأولى (ش عن جابر) قضية صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وأبعد النجعة وهو ذهول فقد أخرجه مسلم بلفظ: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ذكره في البر من حديث أبي هريرة ورواه عنه أيضا باللفظ الواقع هنا أحمد والبزار قال الهيتمي: ورجال البزار فيهم عبد الرحمن بن معراء وثقه أبو زرعة وجمع وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وإسناد أحمد منقطع. أه. والمؤلف رمز لحسنه الحديث: 741 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 742 - (إذا طلب أحدكم من أخيه) في النسب أو الدين (حاجة) أي أرادها وطلبها منه سواء كانت له أو لغيره (فلا يبدأه) في أول سؤاله له (بالمدح) أي الثناء عليه بما فيه من الصفات الجميلة (فيقطع) بنصيبه جواب النهي (ظهره) قال في المطامح: هذه إشارة إلى كراهة المدح. لأن الممدوح قد يغتر بذلك ويعجب به فيسقط من عين الله. أه. ولا يخفى بعده من السياق والأقرب أن المراد أنك إن بدأته بالمدح استحيا منك فيتحمل الضرورة ويعطيك ما طلبت متجشما للمشقة كأنه مقطوع الظهر فيكون المأخوذ حراما ولذلك صرح الغزالي بأن المأخوذ بالمحاباة حرام ويظهر أن المسؤول لو كان من المتقين بحيث لا يعيره المدح ولا يستحي من الرد لكونه من أولى الإعطاء أنه لا يكره أن يبدأه بالمدح لا من المحذور (ابن لال في) كتاب فضل (مكارم الأخلاق عن ابن مسعود) وفيه محمد بن عيسى بن حبان ضعفه والدارقطني وقال الحاكم متروك عن يونس بن أبي إسحاق ضعفه أحمد ويحيى ورواه عنه أيضا البيهقي بزيادة ولفظه: إن من البيان لسحرا فإذا طلب أحدكم من أخيه حاجة فلا يبدأه بالمدحة فيقطع ظهره الحديث: 742 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 743 - (إذا طلع الفجر) الصادق (فلا صلاة إلا ركعتي الفجر) أي لا صلاة تندب حينئذ إلا ركعتي الفجر سنة الصبح لأن سلطان الليل أدبر وأقبل سلطان النهار فيصلي سنته ثم صلاته وبعده تحرم صلاة لا سبب لها حتى تطلع الشمس كرمح في رأي العين ويظهر أن مراده بالصلاة قيام الليل فلو تذكر فائتة بعذر عند طلوع الفجر قدمها (طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه إسماعيل بن قيس وهو ضعيف المتن لكن قال في الميزان له شواهد من حديث ابن عمر أخرجه الترمذي واستغربه وحسنه فمن أطلق ضعفه كالهيتمي أراد أنه ضعيف لذاته ومن أطلق حسنه كالمؤلف أراد أنه حسن لغيره الحديث: 743 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 744 - (إذا طلعت) وفي نسخ طلع على إرادة النجم (الثريا) أي ظهرت للناظرين عند طلوع الفجر وذلك في العشر [ص: 399] الأوسط من أيار فليس المراد بطلوعها مجرد ظهورها في الأفق لأنها تطلع كل يوم وليلة ولكنها لا تظهر للأبصار لقربها من الشمس في نيف وخمسين ليلة من السنة (أمن الزرع من العاهة) أراد أن العاهة تنقطع والصلاح يبدو غالبا فعند ذلك ينبغي أن تباع الحبوب والثمار وتدخر فالعبرة في الحقيقة ببدو الصلاح واشتداد الحب لا بظهورها وإنما نيط بها الغالب فإن عاهة الحب والثمر تؤمن بأرض الحجاز عنده (طص عن أبي هريرة) وفيه شعيب بن أيوب الصريفيني وأورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو داود: أخاف الله في الرواية عنه والنعمان بن ثابت إمام أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات وله أحاديث صالحة الحديث: 744 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 745 - (إذا طنت) بالتشديد أي صوتت من الطنين وهو صوت الأذن والطست ونحوه (أذن أحدكم فليذكرني) بأن يقول محمد رسول الله أو نحوه (وليصل علي) أي يقول صلى الله عليه وسلم. قال الزيلعي: فيه عدم الاكتفاء بالذكر حتى يصلي عليه (وليقل ذكر الله من ذكرني بخير) وذلك لأن الأرواح ذات طهارة ونزاهة ولها سمع وبصر وبصرها متصل ببصر العين ولها سطوع في الجو تجول وتحول. ثم تصعد إلى مقامها الذي منه بدأت فإذا تخلصت من شغل النفس أدركت من أمر الله ما يعجز عنه البشر فهما ولولا شغلها رأت العجائب. لكنها تدنست بما تلبست فتوسخت بما تقمصت من ثياب اللذات وتكدرت بما تشربت من كأس حب الخطيئات ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له إلى أين؟ قال: إلى سدرة المنتهى. فهو مشتمل هناك يقول رب أمتي أمتي حتى ينفخ في الصور النفخة الأولى أو الثانية فطنين الأذن من قبل الروح تجده لخفتها وطهارتها وسطوعها وشوقها إلى المقام الذي فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا طنت الأذن فانظر لما جاءت من الخير فلذلك قال فليصل علي لأنه ذكره عند الله في ذلك الوقت وطلب منه شيئا استوجب به الصلاة فيصلي عليه إذا لحقه فلذلك حكم بمشروعية الصلاة عليه عند طنين الأذن كما شرعت الصلاة عليه عند خدر الرجل لخبر ابن السني: إن رجلا خدرت رجله عند ابن عباس فقال له اذكر أحب الناس إليك فقال: محمد. فكأنما نشط من عقال (الحكيم) الترمذي (وابن السني) في الطب (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عق عد) وكذا الخرائطي في المكارم (عن أبي رافع) أسلم أو إبراهيم أو صالح مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الهيتمي: إسناد الطبراني في الكبير حسن. أه. وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلا عن وضعه بل أقول: المتن صحيح فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه باللفظ المذكور عن أبي رافع المزبور وهو ممن التزم تخريج الصحيح ولم يطلع عليه المصنف أو لم يستحضره وبه شنعوا على ابن الجوزي الحديث: 745 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 746 - (إذا ظلم أهل الذمة) بالبناء للمفعول - أو من في حكمهم كمعاهد ومستأمن: أي ظلمهم الإمام أو أحد نوابه أو جنده (كانت الدولة دولة العدو) أي كانت الكرة لأهل الكفر على أهل الإيمان أو كانت مدة ذلك الملك أمدا قصيرا والظلم لا يدوم وإن دام دمر والعدل لا يدوم وإن دام عمر. قال الزمخشري: دالت الأيام بكذا أو أدال الله بني فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليهم وفي المثل: يدال من البقاع كما يدال من الرجال (وإذا كثر الزنا) بزاي ونون وفي نسخة: الربا - براء فموحدة - والأول أنسب بقوله (كثر السباء) بكسر المهملة وخفة الموحدة: أي الأسر: يعني سلط العدو على المسلمين فيكثر من السبي منهم (وإذا كثر) أي وجد كثيرا (اللوطية) أي فعل قوم لوط الذين يأتون الذكور بشهوة من دون النساء: نسبة إلى قوم لوط (رفع الله يده عن الخلق) أي أعرض [ص: 400] عن الناس ومنع عنهم مزيد رحمته وألطافه والمراد بالخلق: الناس وإنما عم إعراضه لأن الخطيئة إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ولم تغير ضرت الخاصة والعامة كما في حديث الطبراني (ولا يبالي في أي واد هلكوا) أي لم يكن لهم حظ من السلامة بحال لأن كلما أوجده الله في هذا العالم وجعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب الشهوة فيهما للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل حكمة الله وعارضه في تدبيره فلا يبالي في إهلاكه (طب عن جابر) قال الهيتمي: فيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد ضعيف وقال المنذري: فيه عبد الخالق ضعيف ولم يترك الحديث: 746 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 747 - (إذا ظننتم فلا تحققوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا أي لا تجعلوا ما قام عندكم من الظن محققا في نفوسكم محكمين للظن ويجوز كونه بضم أوله وكسر القاف أي إذا ظننتم بأحد سوءا فلا تحققوه في نفوسكم بقول ولا فعل لا بالقلب ولا بالجوارح أما بالقلب فيصيره إلى النفرة والكراهة وفي الجوارح بعدم العمل بموجبه والشيطان يقرب على قلب الإنسان مساوىء الناس بأدنى مخيلة ويلقى إليه أن هذا من فطنته وسرعة ذكائه وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته نعم إن أخبره به عدل فظن صدقه عذر لأن تكذيبه سوء للظن به فلا ينبغي أن يحسن ظنه بواحد ويسيئه بآخر لكن يبحث عما قد يكون بينهما من عداوة وحقد مما تتطرق التهم بسببه ذكره الغزالي. قال: وسوء الظن حرام كسوء القول وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوىء إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك (وإذا حسدتم فلا تبغوا) أي إذا وسوس لكم الشيطان بحسد أحد فلا تطيعوه ولا تعلموا بمقتضى الحسد من البغي على الحسود وإيذائه بل خالفوا النفس والشيطان وداووا القلب من ذلك الداء العضال (وإذا تطيرتم فامضوا) أي إذا خرجتم لنحو سفر فرأيتم أو سمعتم ما فيه كراهة فلا ترجعوا عن مقصدكم فإنه لا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة. ومن ظن أن نعيق غراب أو خوار بقرة يرد قضاء أو يدفع مقدورا أو يورث ضررا فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا إلا أنه قلما يخلو إنسان من الطيرة فإذا أصابكم ذلك فلا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلا (وعلى الله فتوكلوا) أي عليه لا على غيره وفوضوا أموركم والتجئوا إليه ليدفع عنكم ما تطيرتم به قال في الكشاف: والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره (وإذا وزنتم) شيئا لمن يشتري منكم مثلا (فأرجحوا) بقطع الهمزة وكسر الجيم لئلا تكون صفقتكم كصفقة المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ويسترجحون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون <تنبيه> جرت العادة الإلهية أن من تطير من شيء أصابه غالبا: وقع للسلطان خشقدم أن بنت زوجته خوند الأحمدية ماتت في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وثمان مئة فجلس كاتب السر البرهان الديري أخو العلامة قاضي القضاة سعد الدين بجانب جانبك الداودار الكبير لانتظار الجنازة فقال له البرهان: ما خرج ميت يوم السبت إلا وتبعه اثنان فقال له الداودار: أمها مريضة فقال وأكبر منها - وعنى به السلطان - فلما انقضى المجلس أخبر الداودار السلطان بما قال كاتب السر فلما صعد للخدمة على العادة قال له أنت قلت كذا؟ فأطرق فسل السيف وأراد ضرب عنقه فشفع فيه فعزله وصادره ففي رابع عشري الشهر المذكور مات للسلطان ولد وعمره عامين ثم في حادي عشر ذي الحجة من السنة المذكورة ابتدأ بالسلطان مرض فتعلل مدة ثم مات (هـ عن جابر) ورواه عنه أيضا الديلمي وهو ضعيف لكن له شواهد الحديث: 747 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 748 - (إذا ظهر الزنا) بزاي ونون (والربا) بالراء والموحدة (في قرية) أي في أهل قرية أو نحوها كبلدة أو محلة (فقد [ص: 401] أحلوا) بفتح الحاء وشد اللام من الحلول (بأنفسهم عذاب الله) أي تسببوا في وقوعه بهم لمخالفتهم ما اقتضته حكمة الله من حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه. وأن الناس شركاء في النقديين والمطعوم لا اختصاص لآحد به إلا بعقد لا تفاضل فيه (طب ك عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هاشم بن مرزوق لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات الحديث: 748 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 749 - (إذا ظهرت الحية) أي برزت (في المسكن) أي محل سكن أحدكم من بيت أو غيره (فقولوا) لها ندبا وقيل وجوبا (إنا نسألك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (بعهد نوح وبعهد سليمان ابن داود أن لا تؤذينا فإن عادت) مرة أخرى (فاقتلوها) قالوا لأنها إن لم تذهب بالإنذار علم أنها ليست من العمار ولا ممن أسلم من الجان فلا حرمة لها فيجب قتلها. وظاهره أنه لا يجوز الهجوم على قتلها قبل الإنذار وفي بعض الحواشي أن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ بلأمر مطلقا. وقال الماوردي وعياض: الأمر بالإنذار خاص بحيات المدينة (ت عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) الفقيه الكوفي قاضيها لا يحتج به وأبو ليلى له صحبة واسمه يسار. قال الترمذي: حسن غريب رمز المصنف لحسنه الحديث: 749 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 750 - (إذا ظهرت الفاحشة) قال في الكشاف: وهي الفعلة البالغة في القبح. وقال القاضي: ما ينفر عنه الطبع السليم ويبغضه العقل المستقيم (كانت الرجفة) أي الزلزلة أو الاضطراب وتفرق الكلمة وظهور الفتن (وإذا جار الحكام) أي ظلموا رعاياهم. والجائر من يمتنع أو يمنع من التزام ما أمر به الشرع (قل المطر) الذي به صلاح الأنفس وإذا قل جاء القحط ووقع الضرر (وإذا غدر) بضم الغين المعجمة (بأهل الذمة) أي نقض عهدهم أو عوملوا من قبل الإمام أو نوابه بخلاف ما يوجبه عقد الجزية لهم (ظهر العدو) أي كان ذلك سببا لظهور عدو الإمام أو الإسلام وغلبته عليه أو على المسلمين لأن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه يحيى بن يزيد النوفلي عن أبيه. قال أبو حاتم منكر الحديث. قال الذهبي: وأبوه مجمع على ضعفه لكن له شواهد الحديث: 750 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 751 - (وإذا ظهرت البدع) المذمومة كالوقيعة في الصحابة والطعن في السلف الصالح (ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم) بفضل الصدر الأول وما للسلف من المناقب الحميدة والمآثر الجميلة (فلينشره) أي يظهره بين الخاصة والعامة ليعلم الجاهل فضل المتقدم وينزجر عن قبيح قوله ويبين للناس ما أظهروه من الدين وأصلوه من الأحكام الذي استوجبوا به الإعظام ونهاية الإكرام (فإن كاتم العلم يومئذ) أي يوم ظهور البدع ولعن الآخر الأول (ككاتم ما أنزل الله على محمد) فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما جاء في عدة أخبار. قال الغزالي: والعلماء أطباء الدين فعليهم أن يتكفل كل عالم منهم بقطره أو محلته فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعلمهم أمر دينهم ويميز البدعة من السنة وما يضرهم عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا يصبر حتى يسأل منه بل يتصدى للدعوة بنفسه لأنهم ورثة الأنبياء والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا [ص: 402] ينادونهم في مجامعهم ويدورون على دورهم فإن مرضاء القلوب لا يعرفون مرضهم فهذا فرض عين على كافة العلماء. اه وقال في موضع آخر: هذا الحديث فيما إذا كان العالم بينهم فسكت. قال: ولا يجوز له الخروج من بينهم حينئذ ولا العزلة (وحكى) أن الأستاذ ابن فورك قصد الانفراد للتعبد فبينما هو في بعض الجبال سمع صوتا ينادي: ياأبا بكر إذ قد صرت من حجج الله على خلقه تترك عباد الله فرجع وكان سبب صحبته للخلق. قال: وذكر لي مأمون بن أحمد أن الأستاذ أبا إسحاق قال لعباد جبل لبنان: يا أكلة الحشيش تركتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أيد المبتدعة واشتغلتم ههنا بأكل الحشيش؟ قالوا إنا لا نقوى على صحبة الناس وإنما أعطاك الله قوة فلزم ذلك فصنف بعده كتابه الجامع بين الجلي والخفي (ابن عساكر) في تاريخه (عن معاذ) بن جبل ورواه عنه أيضا الديلمي بلفظ " إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه فإن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله " الحديث: 751 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 752 - (إذا عاد أحدكم مريضا) أي زاره في مرضه والمراد المسلم المعصوم (فليقل) في ذهابه له ندبا (اللهم اشف عبدك ينكأ) بفتح الياء المثناة وآخره يهمز ولا يهمز: أي ليخرج ويولم من النكاية بالكسر: القتل والإثخان وهو مجزوم على أنه جواب الأمر ويجوز رفعه بتقدير فإنه ينكأ (لك عدوا) من الكفار وقدمه على ما بعده لعموم نفعه (أو يمشي لك إلى صلاة) وفي رواية إلى جنازة: جمع بين النكاية وتشييع الجنازة لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو الله والثاني سعي في إنزال الرحمة. وعيادة المريض المسلم سنة مؤكدة وأوجبها الظاهرية ولو مرة في مرضه تمسكا بظاهر الأمر في الأخبار (ك عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال على شرط مسلم وأفره الذهبي الحديث: 752 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 753 - (إذا عاد أحدكم مريضا فلا يأكل عنده شيئا) أي يكره له ذلك (فإنه) إن أكل عنده فهو (حظه من عيادته) (1) أي فلا ثواب له فيها أصلا أو كاملا إنما ثوابه ما أكل. ويطهر أن في معنى الأل ما عتيد من إتحاف الزائر بشرب السكر أو الشراب أو اللبن أو القهوة فينبغي تجنب ذلك للعائد وينقدح اختصاص المنع بغير الأصل في عيادة فرعه فقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما يأتي: أنت ومالك لأبيك (فر عن أمامة) وفيه موسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين   (1) [" (حظه من عيادته ": أي فإن الطعام هو نصيبه من عيادته فليس له ثوابها. دار الحديث) ] الحديث: 753 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 754 - (إذا عرف الغلام) اسم للمولود إلى أن يبلغ (يمينه من شماله) أي ميز هذه من هذه. وعرف ما يضره مما ينفعه فهو كناية عن التمييز بأن يصير يأكل ويشرب ويستنجي وحده (فمروه) أيها الأولياء: الأب فالجد فالأم فالوصي (بالصلاة) أي يفعلها ولو قضاء بجميع شروطها الظاهرة والباطنة ليتمرن عليها فيألفها إذا بلغ. وظاهر الخبر أن لا يضربه حينئذ وذلك لأن الضرب عقوبة فتؤخر لزمن احتمالها وهو بلوغه عشر سنين وفيه دليل لمن اكتفى بالتمييز وحده ولم يشترط معه بلوغ سبع سنين كابن الفركاح لكن النووي شرطه معه (د هق عن رجل من الصحابة) قال في المنار: لا يعرف هذا الرجل ولا المرأة التي روت عنه وتعقب بأنه جاء عند الطبراني وغيره أنه عبد الله بن حبيب الجهني وله صحبة رمز المؤلف لحسنه لكن فيه عند مخرجه أبي داود: هشام بن سعد فال في الكاشف عن أبي حاتم لا يحتج به وعن أحمد لم يكن بالحافظ الحديث: 754 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 [ص: 403] 756 - (إذا عطس أحدكم) بفتح الطاء (فحمد الله) وأسمع من بقربه حيث لا مانع وذلك شكرا لله على نعمته بالعطاس لأنه بخرات الرأس الذي هو معدن الحس وهو الفكر وبسلامته تسلم الأعضاء فهو جدير بأن يشكر عليه (فشمتوه) بشين معجمة من الشوامت وهي القوائم هذا هو الأشهر والذي عليه الأكثر وروي بمهملة من السمت وهو قصد الشيء وصفته: أي ادعوا الله بأن يرد شوامته أي قوائمه أو سمته على حاله لأن العطاس يحل مرابط البدن ويفصل معاقده فمعنى رحمك الله أعطاك رحمة ترجع بها إلى حالك الأول أو يرجع بها كل عضو إلى سمته والأمر للندب عند الجمهور وقال ابن دقيق العبد: ظاهر الخبر الوجوب ومال إليه وأيده ابن القيم وعليه فقيل هو عيني وقيل كفاية وإذا لم يحمد فلا تشمتوه فيكره تنزيها لأن غير الشاكر لا يستحق الدعاء. ويسن لمن عنده ذكر الحمد ليحمده وقال النووي: وأخطأ ابن العرب في قوله لا يفعله. قال النووي: وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه. وأخذ منه أنه لو أتى بلفظ عير الحمد لا يشمت <تنبيه> اعتيد في بعض الأقطار أنه إذا عطس كبير وحمد لا يشمت إعظاما له. وقد صرح جمع بأن من قال لمن شمت كبيرا يرحمك الله لاتقل له ذلك قاصدا أنه غني عن الرحمة أو أجل من أن يقال له ذلك كفر. قال ابن صورة في المرشد: وليكن التشميت بلفظ الخطاب لأنه الوارد. وقال في شرح الإلمام: المتأخرون إذا خاطبوا من يعظموه قالوا يرحم الله سيدنا - من غيرخطاب - وهو خلاف ما دل عليه الأمر في الحديث وبلغني عن بعض علماء زماننا أنه قيل له ذلك فقال: قل يرحمك الله يا سيدنا كأنه قصد الجمع بين لفظ الخطاب وما اعتادوه من التعظيم (حم خد م عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا الطبراني الحديث: 756 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 755 - (إذا عطس أحدكم) أي هم بالعطاس (فليضع) ندبا (كفيه) أو كفه الواحدة إن كان أقطع أو أشل (على وجهه) فإنه لا يأمن أن يبدو من فضلات دماغه ما يكرهه الرائي فيتأذى برؤيته وهذا نوع من الأدب بين الجلساء (وليخفض) ندبا (صوته) بالعطاس فإن الله يكره رفع الصوت به والتثاؤب كما يأتي في خبر أبي داود في خبر. إن التثاؤب الرفيع والعطس الشديد من الشيطان. والحديث يفسر بعضه بعضا (ك هب عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 755 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 757 - (إذا عطس أحدكم فليقل) ندبا (الحمد لله رب العالمين) ولا أصل لما اعتيد من بقية قراءة الفاتحة. ويكره العدول عن الحمد إلى: أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد. فهو مكروه. كذا ذكره ابن حجر قال: وقد روى ابن أبي شيبة أن ابن عمر سمع ابنه عطس فقال أش فقال وما أش؟ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد. نعم روى النسائي عن علي: الحمد لله على كل حال: وأخذ به قوم واختار جمع الجمع فيقول الحمد لله رب العالمين على كل حال (وليقل له) بإسناد قال ابن حجر صحيح يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله (وليقل هو) أي العاطس مكأفأة لدعائه وتأليفا له (يغفر الله لنا) لفظ رواية الطبراني: لي (ولكم) وفي رواية البخاري يهديكم الله ويصلح بالكم: أي حالكم. واختير الجمع ورجح واعترض بأن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيل الحاصل وهو محال ومنع بأنه ليس المراد بالدعاء وبالهداية ما متلبس به من الإيمان بل معرفة تفاصيل أجزائه وإعانته على أعماله وكل مؤمن يحتاج إلى ذلك في كل طرفة عين ومن ثم أمر الله أن نسأله الهداية في كل ركعة من الصلاة اهدنا الصراط المستقيم (طب [ص: 404] ك هب عن ابن مسعود) وفيه عند الطبراني أبيض بن أبان وفيه خلف. قال الحافظ العراقي: ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة وقال حديث منكر (حم 3 ك هب عن سالم بن عبيد الأشجعي) نسبة إلى أشجع. قال العراقي: واختلف في إسناده. ورواه البخاري بأتم من هذا ولفظه في الأدب المفرد: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل له يهديكم الله ويصلح بالكم الحديث: 757 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 758 - (إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت الملائكة) أي الحفظة أو من حضر منهم أو أعم (رب العالمين فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة رحمك الله) دعاء أو خبر على ما تقرر فيما قبله. ومحصوله أن العبد إذا أتى بصيغة الحمد الكاملة التي صدر بها أشرف الكتب السماوية استحق أن يقابل بالإجابة وإن قصر باقتصاره على لفظ الحمد تممت الملائكة له ما فاته التصريح بالربوبية والمالكية المستوجب لكل سبوحية وقدوسية. واعلم أن الملائكة تسر بما يحصل للمؤمن من محاب الله فإنه يحب العطاس فإذا ذكر العبد الله وحمده سر الملائكة وأحزن الشيطان لوجوده منها دعاء الملائكة والمؤمنين له بالرحمة والهداية وإصلاح الحال (تتمة) قال بعض العارفين: قال بعض السادة لعاطس قال الحمد لله أتمها كما قال الله رب العالمين فقال العاطس: ومن العاطس حتى يذكر مع الله؟ فقال له قلها ياأخي فإن المحدث إذا أقرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا مقام الوصلة وحالة زلة أهل الفناء عن أنفسهم أما لو فنى عن فنائه لما قال الحمد لله لأنه إثبات للعبد ولو قال رب العالمين كان أرفع من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين (طب) وكذا الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط وأقول فيه أيضا أبو كريب. قال الذهبي مجهول الحديث: 758 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 759 - (إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه) أي الجالس معه ولو أجنبيا (فإن زاد) العاطس (على ثلاث) من العطسات (فهو مزكوم) أي به داء الزكام وهو مرض معروف (ولا يشمت بعد ثلاث) أي لا يدعى له بالدعاء المشروع للعاطس. بل بدعاء يناسبه من جنس دعاء المسلم للمسلم بنحو شفاء وعافية فمن فهم النهي عن مطلق الدعاء فقد وهم ولذلك قال ابن القيم في قوله وهو مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية لأن الزكمة علة. وأشار إلى الحث على تدارك هذه العلة ولا يهملها فبعظم أمرها وكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة (تتمة) روى البخاري في الأدب المفرد عن علي: من قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان: لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدا قال ابن حجر: هو موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع وأخرجه الطبراني عن علي مرفوعا: من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبدا. وسنده ضعيف (د عن أبي هريرة) رمز لحسنه كذا عزاه المصنف لأبي داود فيما وقفت عليه من النسخ وقد عزاه في الأذكار لابن السني وقال فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده غير صحيح وعزاه ابن حجر لأبي يعلى وقال فيه سليمان الحراني ضعيف ولم يتعرض إلى تخرجه لأبي داود الحديث: 759 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 760 - (إذا عظمت) بفتح المهملة وشد المعجمة (أمتي الدنيا) أراد بالدنيا: الدراهم والدنانير كما يصرح به لفظ رواية ابن أبي الدنيا إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم. وتعظيمها بالتهافت على تحصيلهما وادخارهما والضنة بهما عن الإنفاق [ص: 405] في وجوه القرب (نزعت) بالبناء للمفعول أي نزع الله منها (هيبة الإسلام) لأن من شرط الإسلام تسليم النفس لله عبودية فمن عظم الدنيا أخذت بقلبه فسبته فصار عبدها فلم يقدر على بذل النفس لله لأنه عبد دنياه فلا يملك نفسه فيبذلها. وإذا فسد الباطن ذهبت الهيبة والبهاء لأن الهيبة إنما هي لمن هاب الله. قال في الاختيار: ولا يجتمع تعظيم الدنيا وتعظيم الحق في قلب واحد أبدا (وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع القدرة وغلبة ظن سلامة العافية (حرمت) بضم فكسر (بركة الوحي) يعني فهم القرآن وقد شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير {إنما يتذكر أولو الألباب} ذكره الغزالي عن الفضيل. وذلك لأن في ترك الأمر والنهي خذلان الحق وجفوة الدين وفي خذلان الحق ذهاب البصيرة وفي جفاء الدين فقد النور فيحجب القلب فيحرم بركته وحرمان بركته أن يقرأه فلا يفهم أسراره ولا يذوق حلاوته وهو من أعلم الناس العلوم العربية وأبصرهم بتفسيره وقد عمي عن زواجره وقوع وعده ووعيده وأمثاله (وإذا تسابت أمتي) أي شتم بعضها بعضا (سقطت من عين الله) أي حط قدرها وحقر أمرها. يقال هذا الفعل مسقط للإنسان من أعين الناس. وذلك لأن السباب بدؤه الكبر واحتقار الناس والحسد والبغي والتنافس في الدنيا وهو مسقط من عين الله. ومن سقط من عينه خرج من كلاءته ورعايته ومن زالت عنه رعايته ذهبت عصمته فله في كل نائبة ورطة حتى تؤديه إلى الورطة الكبرى: سلب الدين والانتكاص على عقبيه. ومن سقط من عينه لم يبال في أي واد هلك وأي شيطان سباه. هذا في السباب فكيف بما فوقه؟ (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معضلا من حديث الفضيل الحديث: 760 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 761 - (إذا علم العالم فلم يعمل) بعلمه (كان كالمصباح) من جهة أنه (يضيء للناس ويحرق نفسه) بضم التحتية أوله: من أحرق: يعني أن صلاح غيره في هلاكه كالدهن الذي يستصبح به. وهذا مثل بديع ضربه لمن يعمل بعلمه ولا يرى أحسن ولا ألطف ولا أوجز للمتأمل من كلام النبوة وبدائع آدابه. قال الجنيد: العلم مأمور باستعماله فإذا لم تستعمله حالا أهلكك مآلا. وقال: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم وطغيان المال فالمنجي من طغيان العلم العمل ومن طغيان المال الزهد. وقال الراغب: من أصاب علما فانتفع به ونفع غيره من مستحقه كان كالشمس تضيء لغيرها من أفاد علمه لغيره ولم ينتفع هو به فهو كالدفتر يفيد غيره الحكمة وهو عادمها وكالمغزل يكسو غيره ولا يكتسي وكذبالة المصباح تضيء للناس وهي تحترق (ابن قانع) عبد الباقي (في المعجم) معجم الصحابة (عن سليك) بن عمرو وقيل ابن هدية (الغطفاني) نسبة إلى غطفان الحديث: 761 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 762 - (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه) أي فليحكمه (فإنه) أي الإتقان المفهوم من يتقن (مما) أي الشيء الذي (يسلي) بضم الياء بضبط المؤلف من التسلية وهي تخفيف ما في النفس من الحزن (بنفس) بزيادة الباء للتأكيد (المصاب) أي يزيل عنه ما يجده من شدة الحزن وأصل السلو: التسلي فيقال سلوت عن كذا وسليت عنه وتسليت: إذا زالت عنك محبته والمصاب من أصابته مصيبة الموت. وأصل الحديث عند الطبراني وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنه ابراهيم عليه السلام فرأى فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد ثم ذكره فالمراد بالعمل هنا تهيئة اللحد [ص: 406] وإحكام السد ومتعلقات الدفن لكن الحديث وإن ورد على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ابن سعد) في طبقاته (عن عطاء) الهلالي القاضي (مرسلا) هو تابعي كثير الإرسال ويشهد له الحديث الآتي: إن الله يحب من العمل إلخ الحديث: 762 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 763 - (إذا عملت سيئة) أي عملا من حقه أن يسوءك (فأحدث) بقطع الهمزة وكسر الدال (عندها توبة) تجالسها بحيث يكون (السر بالسر والعلانية) أي الباطن بالباطن والظاهر بالظاهر فإذا عصى ربه بسره تاب إليه بسره باكتساب ما يزيله وإذا عصاه بجوارحه الظاهرة تاب إليه بها مع رعاية المقابلة وتحقق المشاكلة هذا هو الأنسب وليس المراد أن السرية لا يكفرها توبة جهرية وعكسه كما وهم. والسر ما كان في الخلاء والعلانية ما كان في الملإ. والظاهر ما كان بالأركان والباطن ما كان بالجنان فمن أخلص في توبته بحيث استوت سريرته علانيته خمدت شهوته وذبلت حركته وهاب الله في كل مكان واستحيا منه في كل زمان. ومن صدق في ذلك فقد استقام وارتفع إلى أعلا مقام وإلا فتوبته لقلقة لسان وافتراء وبهتان <تنبيه> قال بعض العارفين: إذا عملت معصية بمحل فلا تبرح حتى تعمل فيه طاعة فكما تشهد عليك تشهد لك ثم تحول عنه لغيره لئلا تتذكر المعصية فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنبك وكذا ثوبك الذي عصيت فيه ولا تحلق رأسك ولا تقص ظفرك إلا وأنت متطهر فإن أجزاءك مسؤولة عنك كيف تركتك (حم في) كتاب (الزهد) الكبير (عن عطاء بن يسار) بتحيتة ومهملة: الهلالي مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وصاحب مواعظ وعبادة. قال العراقي: وقيه انقطاع الحديث: 763 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 764 - (إذا عملت) يا أبا ذر القائل يا رسول الله أوصني (سيئة فأتبعها) بقطع الهمزة (حسنة تمحها) أي فإنها تذهبها. قال القاضي: صغار الذنوب مكفرات بما يتبعها من الحسنات. وكذا ما خفي من الكبائر لعموم قوله {إن الحسنات يذهبن السيئات} وقوله عليه السلام " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " أما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم فلا يسقط إلا بالتوبة. اه. وأقره الطيبي. قال الغزالي والأولى إتباعها بحسنة من جنسها لكي تضادها قال: فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر والقعود في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه. ومس المصحف بإكرامه وكثرة القراءة فيه وبأن يكتب مصحفا ويقفه. وشرب الخمر بالتصديق بكل شراب حلال طيب وقس عليه. والقصد سلوك طريق المضادة فإن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية لا يمحوها إلا نور يرتفع إليه بحسنة تضاده. والمتضادات هي المتناسات فإن البياض يزال بالسواد لا بالحرارة مثلا. وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند أحمد وغيره. قال أبو ذر قلت يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال هي أفضل الحسنات <تنبيه> قال القونوي: الطاعات كلها مطهرات فتارة بطريق المحو المشار إليه بقوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} وبقوله هنا: إذا عملت سيئة إلخ وتارة بطريق التبديل المشار إليه بآية {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} فالمحو المذكور عبارة عن حقيقة العفو والتبديل عن مقام المغفرة وإن تنبهت لذلك عرفت الفرق بين العفو والمغفرة. ثم اعلم أن لكل من المعاصي والطاعات خواص تتعدى من ظاهر الإنسان لباطنه وبالعكس ثم منها ما يقبل الزوال بسرعة وما لا يقبل إلا ببطء وكلفة ومنها ما يستمر حكمه إلى الموت ويزول في البرزخ ومنها ما لا يزول إلا في المحشر ومنها ما لا يزول إلا بعد دخول النار وقد نهت الشريعة على كل ذلك (حم عن أبي ذر) رمز لصحته وهو غير صواب فقد قال الهيتمي رجاله ثقات إلا أن شهر [ص: 407] ابن عطية حدث به عن أشياخه عند أبي ذر ولم يسم أحدا منهم الحديث: 764 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 765 - (إذا عملت عشر سيئات فاعمل) في مقابلتها ولو (حسنة) واحدة (تحدرهن) بفتح المثناة فوق وضم الدال أي تسقطهن بسرعة من الحدور ضد الصعود. قال الزمخشري: أحدر القراءة أسرع فيها فحطها عن حالة التمطيط والعين تحدر الدمع (بها) لأن السيئة سيئة واحدة والحسنة الواحدة بعشر أمثالها وفي إشعاره رمز إلى رد قول البعض إنما يكفر الذنوب الذي ارتكبه العاصي عشر مرات أن يتمكن منه عشر مرات مع صدق الشهوات ثم يصبر عنه ويكسر شهوته خوفا منه تعالى (ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن الأسود مرسلا) هو العبسي الشامي الحديث: 765 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 766 - (إذا عملت) بالبناء للمجهول (الخطيئة) المعصية (في الأرض كان من شهدها) أي حضرها (فكرهها) بقلبه وفي رواية أنكرها (كمن غاب عنها) في عدم الإثم له والكلام فيمن عجز عن إزالتها بيده أو لسانه (ومن غاب عنها فرضيها) لفظ رواية ابن حبان فأحبها (كان كمن شهدها) أي حضرها في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. لأن الراضي بالمعصية في حكم العاصي والصورة الأولى فيها إعطاء الموجود حكم المعدوم والثانية عكسه. قال الراغب: والخطيئة والسيئة متقاربان لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لم يكن مقصودا إليه في نفسه بل يكون القصد سبب ضد ذلك الفعل بخلاف السيئة (د) في الفتن (عن العرس) بضم فسكون (ابن عميرة) بفتح أوله الكندي قال ابن حجر: قيل عميرة أمه واسم أبيه قيس بن سعيد بن الأرقم رمز لصحته الحديث: 766 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 767 - (إذا غربت الشمس) في كل يوم (فكفوا صبيانكم) أي أطفالكم عن الانتشار في الدخول والخروج (فإنها ساعة ينشر فيها الشيطان) لامه للجنس بدليل رواية الشياطين وليس فيه ذكر نهاية الكف وذكره في حديث آخر بقوله: حتى تذهب فوعة العشاء. وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت لأن الشمس سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية بل تمسك عن النصرفات ما دام ظاهرا في العالم السفلي فاذا استتر عنه في مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس فتندفع دفعة رجل واحد فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه فآذوه فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا فهذا سر أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه الحديث: 767 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 768 - (إذا غضب أحدكم) لشيء نابه (فليسكت) عن النطق بغير الذكر المشروع لأن الغضب يصدر عنه من قبيح القول ما يوجب الندم عليه عند سكون سورة الغضب: ولأن الانفعال ما دام موجودا فنار الغضب تتأجج وتتزايد فإذا سكت أخذت في الهدوء والخمود وإن انضم إلى السكوت الوضوء كان أولى فليس شيء يطفىء النار كالماء (حم عن ابن عباس) زاد في الأصل وحسن الحديث: 768 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 769 - (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس) ندبا (فإن ذهب عنه الغضب) فذاك (وإلا) بأن استمر (فليضطجع) [ص: 408] على جنبه لأن القائم متهيء للانتقام والجالس دونه والمضطجع دونهما. والقصد أن يبتعد عن هيئة الوثوب والمبادرة للبطش ما أمكن حسما لمادة المبادرة. وحمل الطيبي (قوله وحمل: بفتح الحاء وسكون الميم مبتدأ) الاضطجاع هنا على التواضع والخفض لأن الغضب منشؤه الكبر والترفع: صرف (قوله صرف: خبر المبتدأ الماء وهو حمل اه.) للفظ عن ظاهره بلا ضرورة. قال اابن العربي: والغضب يهيج الأعضاء اللسان أولا ودواؤه السكوت. والجوارح بالإستطالة ثانيا ودواؤه الاضطجاع. وهذا إذا لم يكن الغضب لله وإلا فهو من الدين وقوة النفس في الحق: فبالغضب قوتل الكفار وأقيمت الحدود وذهبت الرحمة عن أعداء الله من القلوب وذلك يوجب أن يكون القلب عاقدا والبدن عاملا بمقتضى الشرع. وفي الحديث وما قبله أن الغضبان مكلف. لأنه كلفه بما يسكنه من القول والفعل وهذا عين تكليفه بقطع الغضب. وما نقل عن الفضيل وغيره أن من كان سبب غضبه مباحا كالسفر أو طاعة كالصوم فغير مكلف بما يصدر عنه: فمؤول (حم د حب) من رواية أبي الأسود (عن أبي ذر) قال كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد ثم اضطجع. فقيل له فيه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 770 - (إذا غضب الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى (فقال أعوذ بالله) زاد في رواية الطبراني: من الشيطان الرجيم (سكن غضبه) لما يأتي في خبر: إن الغضب من الشيطان: أي من إغوائه ووسوسته والاستعاذة من أقوى سلاح المؤمن على دفع كيد اللعين إبليس ومكره. وإذا تأمل معنى الاستعاذة وهو الإلتجاء إلى الله تعالى والاعتصام به وضم له التفكر فيما ورد في كظم الغيظ وثوابه واستحضر أن الله أعظم قدرة من قدرته على من غضب عليه سكن غضبه لا محالة (عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف. وورد من عدة طرق للطبراني الصغير والأوسط عن ابن مسعود رفعه بنحوه. قال الهيتمي: ورجاله تقات وفي بعضها اختلاف الحديث: 770 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 771 - (إذا فاءت الأفياء) جمع فيء وهو رجوع الظل الحاصل من حاجز بينك وبين الشمس عن المغرب إلى المشرق فلا يكون إلا بعد الزوال فالمعنى إذا رجعت ظلال الشواخص من جانب المغرب إلى المشرق (وهبت الأرواح) جمع ريح. لأن أصلها الواو وتجمع على أرياح قليلا ورياح كثيرا (فاذكروا حوائجكم) أي اطلبوها من الله تعالى في تلك الساعة (فإنها ساعة الأوابين) أي المكثرين الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والمطيعين أي المسبحين: يعني هو الوقت الذي يتوجه فيه الأبرار إلى الله تعالى أو الوقت الذي يتصدون فيه إلى إسعاف ذوي الحاجات وإعانتهم بالشفاعة إلى الله تعالى فهي مظنة لاستجابة الدعاء وقضاء الحوائج (عب عن أبي سفيان مرسلا) أبو سفيان في التابعين متعدد فكان ينبغي تمييزه (حل) وكذا الديلمي (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو بألف مقصورا علقة ابن خالد المدني الأسلمي له ولأبيه ولأخيه صحبة الحديث: 771 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 772 - (إذا فتحت مصر) أرض جامعة كليتها وجملة أقليمها نازلة منزلة الأرض كلها فلها إحاطة بوجه ما فلذلك أعظم شأنها في القرآن: أي والسنة. وأن العالي منها من الفراعنة. ذكره الحراني. قال ابن زولاق: ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا. قال المصنف بل أكثر من ثلاثين وسردها (فاستوصوا بالقبط) كسبط أهل مصر [ص: 409] وقد تضم القاف في النسبة (خيرا) أي اطلبوا الوصية من أنفسكم بإتيان أهلها خيرا. أو معناه: اقبلوا وصيتي فيهم يقال أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية يعني إذا استوليتم عليهم وتمكنتم منهم فأحسنوا إليهم وقابلوهم بالعفو عما تنكرون ولا يحملنكم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم. فالخطاب للولاة من الأمراء والقضاة ثم علله بقوله (فإن لهم ذمة) ذماما وحرمة وأمانا من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن أمه مارية منهم (ورحما) بفتح فكسر: قرابة لأن هاجر أم إسماعيل منهم وفي رواية قرابة وصهرا فالذمة بإعتبار إبراهيم والرحمة بإعتبار هاجر. ذكره جمع. وقال الزركشي: المتجه أنه أراد بالذمة العهد الذي دخلوا به في الإسلام زمن عمر فإن مصر فتحت صلحا وهذا مما كوشف به من الغيب ومن معجزاته حيث أوقع الحال موقع الاستقبال ففتحت على أتم الأحوال في سنة عشرين من الهجرة ثم فيه معجزة أخرى هي إخباره بأن سيقع منهم ما يوجب العقاب بخروج المصريين على عثمان أولا وقتلهم محمد بن أبي بكر ثانيا وهو وال عليها من قبل علي الإمام الحق ومع ذلك ففيه إشعار بمحبته لأهل مصر وإن فرط منهم ما فرط. ومن فضائلهم أن أكثر المجددين على رأس كل قرن منهم (طب ك عن كعب بن مالك) بن كعب الأنصاري السلمي الشاعر أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. قال الهيتمي: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. قال المصنف كالزركشي وأصله في مسلم: أي ولفظه: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القبط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما الحديث: 772 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 773 - (إذا فتح) بلبناء للمفعول: أي فتح الله (على العبد) أي الإنسان: الدعاء بأن أفيض على قلبه نورا فيشرح به صدره للدعاء واقبل بشراشره على النطق به (فليدع) ندبا مؤكد (ربه) بما أحب من مهماته الأخروية والدنيوية (فإن الله يستجيب له) أي يعطيه عن المسؤول وإلا فهو سبحانه أطلق الاستجابة للداعي ولم يخص ذلك بوقت {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وإنما أورد عليك الوارد لتكون عليه واردا متى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك وعند الفتح تتوجه رحمة الله للعبد وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء وتخلف الإجابة كثيرا لتخلف بعض شروط الدعاه وأركانه وفيه حث أكيد على الدعاء ورد على من رأى أن ترك الدعاء أفضل لكنه من المقامات عندهم فلأجل ذلك لا ينكر فضله وإن فضلنا فعله فقد ابتلى بعض عظماء الأولياء بالجذام وكان يحفظ الاسم الأعظم فقيل له ألا تدعو؟ فقال ما كنت لأطلب الإقالة من أمر اختاره لي <تنبيه> قال في الحكم إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبالي معها إن قل عملك فإنه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك والآعمال أنت تهديها إليه. وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك؟ (ت عن ابن عمر) ابن الخطاب (الحكيم) الترمذي (عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن أبي مليكة. قال في الكشف ضعيف الحديث: 773 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 774 - (إذا فعلت) في رواية عملت (أمتي خمس عشرة خصلة) بالفتح: أي خلة وخصها لأنها أمهات الخطايا وعنها تتفرع القبائح (فقد حل بها البلاء) أي نزل أو وجب. قيل وما هي؟ قال (إذا كان المغنم) كمقعد: الغنيمة (دولا) بكسر ففتح جمع دولة بالضم والفتح اسم لكل ما يتداول من المال: يعني: إذا كان الأغنياء وأهل الشرف والمناصب يتداولون أموال الفيء ويستأثرون بحقوق العجزة والفقراء ويمنعون الحق عن مستحقيه قهرا وغلبة كما هو صنيع أهل الجاهلية وذي العدوان (والأمانة مغنما) أي غنيمة يذهبون بها ويغنمونها فيرى أن من بيده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة غنمها (والزكاة مغرما) أي يشق عليهم أداؤها بحيث يعدون إخراجها غرامة يغرمونها ومصيبة يصابونها [ص: 410] (وأطاع الرجل زوجته) يعني حليلته فيما تروم منه وإن خالف الشرع (وعق أمه) أي عصاها وأذاها. وفحوى الخبر دال على أن المراد أنه قدم رضا امرأته على رضا أمه فتغضب تلك لرضا هذه عند تباين غرضيهما. وخص الأم - مع كون عقوق الآباء كذلك - لأن عقوقها أقبح لضعفها (وبر صديقه) أي أحسن إليه وأدناه وتفضل عليه وجباه (وجفا أباه) أبعده وأقصاه وأعرض عنه وقلاه وترك صلته وأهمل مودته. قال الطيبي: وقوله أدنى صديقه وجفا أباه: كلاهما قرينة لقوله وأطاع امرأته وعق أمه لكن المذموم في الأول الجمع بينهما لأن إدناء الصديق محمود بخلاف الثانية فإن الإفراد والجمع بينهما مذمومان (وارتفعت الأصوات) أي علت أصوات الناس (في المساجد) بالخصومات ونحوها: كالبيع والشراء إلا بالذكر والدعاء (وكان زعيم القوم) أي رئيسهم أو أميرهم: يقال زعم القوم يزعم زعامة: تأمر (أرذلهم) أي أخسهم وأسفلهم (وأكرم الرجل) بالبناء للمفعول: أي أكرم الناس الإنسان (مخافة شره) أي خشية من تعدي شره إليهم وجنايته عليهم (وشربت الخمور) جميعها لاختلاف أنواعها: إذ كل مسكر خمر يعني أكثر الناس من شربها. والمراد تجاهروا به (ولبس الحرير) بالبناء للمفعول: أي لبس الرجال الحرير الخالص أو ما أكثره منه بلا ضرورة (واتخذت القينات) أي اتخذ الناس الإماء المغنيات (والمعازف) بمهملة وزاي مكسورة أي الدفوف (ولعن آخر هذه الأمة أولها) أي لعن أهل الزمن الآخر الصدر الأول من الصحابة والتابعين الذين مهدوا قواعد الدين وأصلوا أعلامه وأحكموا أحكامه. والمراد باللعن الطعن والذكر بالسوء وعدم الاقتداء بهم في الأعمال والاعتقاد (فليرتقبوا) أي فلينتظر الناس (عند ذلك ريحا حمراء) أي حدوث هبوب ريح حمراء. وأفردها لأن المفردة للعذاب والجمع للرحمة (أو خسفا) أي ذهابا وغورا في الأرض: يعني يقع لبعضهم ذلك وكذا يقال في قوله (أو مسخا) أي قلب الخلقة من صورة إلى صورة. وتمسك به الخطابي على أن الخسف والمسخ قد يكونان في هذه الأمة كما كانا في الأمم الماضية وزعم أن مسخها إنما يكون بالقلوب لا بالصور لا دليل عليه. قال ابن تيمية: وإنما يكون الخسف والمسخ إذا استحلوا هذه المحرمات بتأويل فاسد فإنهم لو يستحلوها مع اعتقاد أن الشارع حرمها كفروا ولم يكونوا من أمته ولو كانوا معترفين بحرمتها لما عوقبوا بالمسخ كسائر من يفعل هذه المعاصي مع اعترافهم بأنها معصية (ت عن علي) قال الترمذي غريب تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف. وقال العراقي والمنذري ضغيف لضعف فرج بن فضالة. وقال الدارقطني حديث باطل وقال الذهبي منكر وقال ابن الجوزي مقطوع واه لا يحل الاحتجاج به الحديث: 774 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 775 - (إذا قال الرجل) يعني الإنسان (لأخيه) أي في الإسلام الذي فعل معه معروفا (جزاك الله خيرا) أي قضى لك خيرا وأثابك عليه: يعني أطلب من الله أن يفعل ذلك بك (فقد أبلغ في الثناء) أي بالغ فيه وبذل جهده في مكأفاته عليه بذكره بالجميل وطلبه له من الله تعالى الأجر الجزيل فإن ضم لذلك معروفا من جنس المفعول معه كان أكمل هذا ما يقتضيه هذا الخبر لكن يأتي في آخر ما يصرح بأن الاكتفاء بالدعاء إنما هو عند العجز عن مكافأته بمثل ما فعل معه من المعروف. ثم إن الدعاء المذكور إنما هو للمسلم كما تقرر أما لو فعل ذمي بمسلم معروفا فيدعو له بتكثير المال والولد والصحة والعافية (ابن منيع) في معجمه (خط) في ترجمة ابن زرارة عن أبي هريرة وفيه عمر بن [ص: 411] زرارة الطرطوسي شيخ مغفل وموسى بن عبيدة الرندي ضعفوه ورواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة. قال الهيتمي فيه: وفيه موسى الرندي ضعيف الحديث: 775 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 776 - (إذا قال الرجل لأخيه) المسلم (يا كافر فقد باء بها) أي رجع بتلك المقالة أحدهما ورجع بتلك الكلمة على ما مر بيانه موضحا (خ عن أبي هريرة حم خ عن ابن عمر) ابن الخطاب الحديث: 776 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 777 - (إذا قال العبد يارب يارب قال) الله (لبيك عبدي) أي إجابة بعد إجابة. وأتى بلفظ التلبية لأنها في حكم التثنية المطابق لقوله في الدعاء يارب يا رب بتكراره ثنتين (سل) ما شئت (تعط) أي أعطيك إياه معجلا أو مؤجلا أو أعوضك خيرا من المسؤول وفي رواية: تعطه وذلك لأن من أسباب الإجابة بل من أعظمها الالحاح عليه تعالى والترامي على فضله وكرمه وعظيم ربوبيته ونواله. وإنما يقول الداعي في جؤره يا رب يا رب بأداة البعد مع كونه أقرب اليه من حبل الوريد احتقارا لنفسه واستبعادا لها من مظان الزلفى ومنازل المقربين هضما لنفسه وإقرارا عليها بالتفريط في جنب الله مع فرط التهالك على استجابة دعوته. ذكره الزمخشري. وقد احتج بهذا الحديث من ذهب إلى أن الاسم الأعظم هو الرب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي. وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن عائشة) مرفوعا وموقوفا أيا ما كان: ضعيف لأن فيه يعقوب الزهري لا يعرف عن الحكم الأموي مضعف: لكن يقويه خبر البزاز: إذا قال العبد يا رب يا رب - أربعا - قال الله: لبيك عبدي سل تعط الحديث: 777 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 778 - (إذا قال الرجل) يعني الإنسان (للمنافق) أي الذي يخفي الكفر ويظهر الإسلام (يا سيد) بغير إضافة وفي رواية يا سيدي (فقد أغضب ربه) أي فعل ما يستحق العقاب من مالك أمره المنعم بالإيجاد والتربية لأنه إن كان سيده وهو منافق فحاله دون حاله: وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره استعمال اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك واستعمال اللفظ المهين المكروه فيمن ليس من أهله. وهذا من ذلك القبيل. قال الطيبي: ومولانا داخل في هذا الوعيد. بل أشد. وكذا قوله أستاذي. والكلام في حر قال ذلك عند أمن الفتنة. أما لو قال عبدا وأمة لمالكه أو مالكها أو قاله حر لخوف الفتنة لو لم يقله فلا يدخل في هذا الوعيد والغضب من الله إرادة الانتقام من المغضوب عليه. وفي الحديث إشعار بأنه لا يذم قول ذلك للمؤمن. ويدل له الخبر الآتي: قوموا إلى سيدكم (ك هب عن بريدة) تصغير بردة وهو ابن الحصيب. قال الحاكم صحيح. ورده الذهبي بأن فيه عقبة الأصم ضعفوه اه. وظاهر صنيعه أن كلا من مخرجيه رواه هكذا. ولا كذلك. بل لفظ رواية البيهقي في شعب الإيمان بعد يا سيد: فقد باء بغضب ربه الحديث: 778 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 779 - (إذا قالت المرأة لزوجها) أو الأمة لسيدها (ما رأيت منك خيرا قط) أي فيما مضى من الزمان أو ما مضى من كوني في عصمتك (فقد حبط عملها) أي فسد وهدر وأبطل. والمراد أنكرت ما سيق من إحسان الله لها الذي أجراه على يده وجحدته فتجازى بإبطال عملها: أي بحرمانه ثوابه إلا أن تعود وتقر بإحسانه وجائز أن يراد به الزجر والتنفير. نعم إن كانت المقالة على حقيقتها فلا يلحقها هذا الوعيد. والحبط أصله أن تكثر الدابة الأكل حتى ينتفخ بطنها وتفسد. [ص: 412] قال الزمخشري: ومن المجاز حبط عمله واستعير من حبط بطون الماشية إذا أكلت الخضر (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) وفيه يوسف التميمي. قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به الحديث: 779 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 780 - (إذا قام أحدكم يصلي من الليل) أي إذا أراد القيام للصلاة فيه كقوله تعالى {فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها للإيجاب. قال الزجاج: والقيام اسم لهذه الحركة المخصوصة من هذا المتحرك الذي بها يسمى قائما. فتلك الهيئة هي التي سميت قياما بالنظر لحال انفصالها ويقوم وقم بالنظر لتوهم وقوعها (فليستك) أي يستعمل السواك (فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه) يحتمل أن المراد به كاتب الحسنات ويحتمل غيره (فلا يخرج من فيه) أي القارىء (شيء) من القرآن (إلا دخل فم الملك) لأن الملائكة لم يعطوا فضيلة التلاوة كما في خبر آخر وأنهم حريصون على استماع القرآن من البشر وفي إطلاقه القراءة في الصلاة إشارة إلى أن ذلك يكون في أي صلاة كانت فرضا أو نفلا: ليلا أو نهارا فذكره الليل أولا لكون التهجد إنما هو ليلا وهو يزيد على صلاة النهار بالنسبة للكمال فوجه الكلام نحو الغالب. وإلا فالنهار كذلك بدليل ما رواه محمد بن نصر عن الزهري مرسلا: إذا قام الرجل يتوضأ ليلا أو نهارا فأحسن الوضوء واستن ثم قام يصلي أطاف به الملك ودنا منه حتى يضع فاه على فيه فما يقرأ إلا فيه. وإذا لم يستن أطلق به ولم يضع فاه على فيه. ثم قضية الحديث أن تلقف الملك القراءة إنما يكون فيما وقع في الصلاة بخلافه خارجها وقد يوجه بأن الصلاة مظنة الفيوض الرحمنية فاجتماع شرف القرآن وشرف الصلاة يزيد دنو الأرواح القدسية. وفيه ندب الإكثار من القراءة سيما في الصلاة وبيان فضيلة قراءة القرآن والسواك وإن كان الإنسان نقي الأسنان قويم المزاج واعتناء الملأ الأعلى بذلك وحرصهم عليه وفيه أن للملك جوفا فهو رد على ابن عبد الهادي في قوله: الملائكة صمد لا أجواف لهم (هب وتمام) في فوائده (والضياء) المقدسي (عن جابر) ورواه أبو نعيم. قال ابن دقيق العيد: رواته ثقات الحديث: 780 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 781 - (إذا قام أحدكم من الليل) أي للتهجد في بعض الليل أو للقراءة فيه (فاستعجم) بفتح المثناة فوق: استغلق (القرآن) بالرفع فاعل استعجم (على لسانه) إي ثقلت عليه القراءة كالأعجمي لغلبة النعاس (فلم يدر ما يقول) أي صار لنعاسه لا يفهم ما ينطق به ولا يدري لشدة نعاسه ما بعد اللفظ المتلو ليأتي به أو لا يقدر على النطق أصلا (فليضطجع) للنوم ندبا إن خف النعاس بحيث يعقل المعقول ووجوبا إن غلبه بحيث يفضي إلى الإخلال ببعض الواجبات ذكره العراقي دافعا به التعارض: وقول ولده الولي لا وجه له لأن النعاس إذا اشتد قطع الصلاة فلا يحتاج لقطع. لا اتجاه له: كيف والمدرك في الوجوب خوف أن يغير كلام الله ويأتي بما لا يجوز من تحريف أو تغيير لمعنى أو وضع بعض أركان الصلاة في غير محل أو فعله على صورة غير مرضية فإذا اشتد النعاس بحيث غلب على ظنه الوقوع في ذلك فوجوب القطع في محل القطع. ثم قضية الخبر أن الكلام في الفرض لا في النفل لحل الخروج منه. وعبر بالاضطجاع لا لعدم حصول المقصود بحصول النوم قاعدا أو مستلقيا لأنه الهيئة المعهودة المحمودة. وخص الليل والصلاة لا لإخراج الغير بل لأنه الغالب فيمنع الناعس من القراءة ولو نهارا وفي غير الصلاة حذرا من تغير النظم القرآني وإن كان في الصلاة قدر زائد وهو أنه ما لم تتحقق قراءة الواجب لا صلاة (حم م د هـ عن أبي هريرة) الحديث: 781 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 [ص: 413] 782 - (إذا قام أحدكم من الليل) ليصلي (فليفتتح) ندبا (صلاته بركعتين) لينشط لما بعدها ويسن كونهما (خفيفتين) بأن يقتصر فيهما على أقل الكمال ولا يستوفي الأكمل. وحكمته - كما قال العراقي - استعجال حل عقد الشيطان وقال غيره في دليل لندبهما وهما مقدمة لصلاة الوتر ليدخل فيه بعد مزيد يقظته كما يسن تقديم السنة القبلية على الغرض لنحو ذلك فكذا ندب هنا لتأكد الوتر حتى اختلف في وجوبه <تنبيه> قال الطوسي: القيام هيئة عارضة للإنسان بحسب انتصابه وبحسب كون رأسه من فوق ورجليه من تحت ولولا هذا الاعتبار لكان الانتكاس قياما (حم م عن أبي هريرة) الحديث: 782 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 783 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي دخل فيها بدليل قوله الآتي في الصلاة (فليسكن أطرافه) أي يديه ورجليه يعني لا يحركهما (ولا يتميل كما تتميل اليهود) أي لا يعوج يديه يمينا وشمالا لا كما يفعلونه في صلاتهم وعند قراءتهم التوراة والميل بفتحتين: الاعوجاج (فإن تسكين) الثابت في أصول الحكيم الصحيحة فإن سكون (الأطراف من تمام الصلاة) أي من تمام هيئاتها ومكملانها بل إن كثر التحرك كثلاث متوالية أبطل عند الشافعي. وذلك لأن الوقوف في الصلاة وقوف ذل وتخشع وقد أثنى الله على الخاشع فيها والخشوع البالغ الموجب للثناء خشوع القلب ومن لازمه خشوع الجوارح وقد يصلي المصلي بجوارحه وليس بخاشع فخشوع القلب هو المطلوب. وتمايل اليهود غير ناشئ عن خشوع قلوبهم بل سببه فيما قيل أنه أوحي إلى موسى أن هذه التوراة صارت في حجر بني إسرائيل ولا تكاد تعظمها فحلها بذهب لم تمسه الأيدي فأنزلت عليه الكيميا فحلاها بها فكان إذا قرأها تلذذ بها وهاجت اللذة فيتمايل طربا على كلام ربه فاستعملها اليهود بعده على خراب القلوب وخلاء الباطن. فهذا هو المشار إلى النهي عنه في الحديث. وقيل أصله قول موسى يوم الوفادة {إنا هدنا إليك} فأخذوا هذا من قوله وجعلوا يتهادون: أي يتمايلون في صلاتهم فأخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأن فعلهم ذلك غير صحيح وإن كان الأصل صحيحا (الحكيم) الترمذي (عد حل) وكذا ابن عساكر من حديث الهيتم بن خالد عن محمد بن المبارك الصوري عن يحيى عن معاوية بن يحيى عن الحكم بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان (عن أبي بكر) الصديق قال رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتمايل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف منها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره - ومن لطائف إسناده أن فيه ثلاثة صحابيون وصحابية عن أمها عن أبيها ثم إن الهيتم بن خالد قال في الميزان: يروي الأباطيل ومعاوية هو إما الصدفي أو الطرابلسي وكلاهما ضعيف الحديث: 783 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 784 - (إذا قام الرجل) أي الجالس لنحو إفتاء أو قراءة أو إقراء علم شرعي (من مجلسه) زاد إمام الحرمين في النهاية وصححه وأقره في الروضة في المسجد (ثم رجع إليه فهو أحق به) أي من غيره إن كان قام منه ليعود إليه لأن له غرضا في لزوم ذلك المحل ليألفه الناس. قال النووي: قال أصحابنا هذا فيمن جلس بمحل من نحو مسجد أو غيره لنحو صلاة ثم فارقه ليعود كإرادة وضوء أو شغل يسير فلا يبطل اختصاصه به وله أن يقيم من قعد فيه وعلى القاعد أن يطيعه وهل يجب؟ وجهان أصحهما الوجوب والثاني يستحب وهو مذهب مالك. قال - أعني النووي - وإنما [ص: 414] يكون أحق في تلك الصلاة فقط. ومن ألف من مسجد محلا ليفتي أو يقرىء فله أن يقيم من قعد فيه ومثله من سبق إلى محل من الشارع ومقاعد الأسواق لمعاملة. وظاهر الحديث عدم اشتراط إذن الإمام (حم خد م د هـ عن أبي هريرة حم عن وهب بن حذيفة) الغفاري ويقال المدني سكن المدينة ووهم في المطلب فعزاه للبخاري وليس فيه الحديث: 784 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 785 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يغمض) فيها (عينيه) ندبا. بل يديم النظر إلى محل سجوده فإن غمضهما بغير عذر كره تنزيها لأنه فعل اليهود. نعم إن اقتضت المصلحة التغميض كتوفر الخشوع وحضور القلب - لم يكره كما عليه أكثر الشافعية (طب عد ابن عباس) وفيه مصعب المصيصي. قال مخرجه ابن عدي يحدث عن الثقات بالمناكير ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 785 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 786 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي دخل فيها (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل به وتقبل عليه (فلا يمسح) حال الصلاة ندبا (الحصا) ونحوه الذي بمحل سجوده لأن الشغل بذلك لعب لا يليق بمن شملته الرحمة ولأنه ينافي الخشوع والخضوع ويشغل المصلي عن مراقبة الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها ومن ثم حكى النووي الاتفاق على كراهته لكن نوزع بفعل مالك له. نعم له دفع ما يتأذى به بنحو تسوية محل السجود فلا يكره قبل الصلاة وبعدها وقيل المراد مسح الحصا والتراب الذي يعلق بجبهته فإن كثف فمنع مباشرة الجبهة للسجود وجبت الإزالة قال العراقي: وتقييد المسح بالحصى غالبي لكونه كان فرش مساجدهم وأيضا هو مفهوم لقب فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه عن غيره من كل ما يصلي عليه من نحو رمل وتراب وطين وقدم التعليل زيادة في تأكد النهي وتنبيها على عظم ثواب ترك العبث في الصلاة وإعلاما للمصلي بعظمة ما يواجهه فيها فكأنه يقول: لا ينبغي لعاقل يلقي تلك النعم الخطيرة بهذه الفعلة الحقيرة (حم عد حب عن أبي ذر) الحديث: 786 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 787 - (إذا قام العبد في صلاته ذر) بضم المعجمة وتشديد الراء فهو مبني للمفعول أو ذر الله أو الملك بأمره ويصح بناؤه للفاعل بفتح الذال والفاعل معروف (البر) بكسر الموحدة أي ألقي الإحسان (على رأسه) ونشره عليه ويستمر ذلك (حتى يركع فإذا ركع علته) بمثناة فوقية وما في نسخ عليه بمثناة تحتية تصحيف (رحمة الله) أي نزلت عليه وغمرته ويستمر ذلك (حتى يسجد والساجد يسجد على قدمي الله) تعالى استعارة تمثيلية. ومن حق إقبال الله عليه برحمته إقباله بقلبه على عظمته لتحصل المقابلة ومن ثمرات هذه المقابلة انقياد النفس. فإن العبد إذا لاحظ ببصر فؤاده جلالة عظمة من يسجد بين يديه خلص إلى النفس هول الجلالة والعظمة فخشعت وذلت وذهلت وخمد تلظى نار شهوتها وحينئذ (فليسأل) الله تعالى ما شاء لقربه منه (وليرغب) فيما أحب مما يسوغ شرعا ويليق به عرفا وإن عظم وجل فإن الله سبحانه كريم جواد لا يتعاظم عليه شيء ولا ينقص خزائنه العطاء وهو الغنى المطلق (فإن قلت) الرغبة: الضراعة والمسألة كما في القاموس فما فائدة عطفها عليها؟ (قلت) هو من عطف الخاص على العام إذا أقل الرغبة كما بينه الراغب الاتساع في الشيء. فإذا قيل رغب فيه وإليه: اقتضى الحرص على الشيء فكأنه قال فليطلب وليحرص على ذلك (ص عن أبي عمار مرسلا) واسمه قيس الكوفي مولى الأنصاري [ص: 415] تابعي قال في الكاشف: وفي التقريب فيه لين الحديث: 787 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 788 - (إذا قام صاحب القرآن) أي حافظه وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه (يقرأ) أي قارئا وفي نسخه فقرأ (بالليل والنهار) أي تعهد تلاوته ليلا ونهارا فلم يغفل عنه (ذكره) أي استمر ذاكرا حافظا له (وإن لم يقم به) أي بتلاوته (نسيه) فإنه شديد التفلت كالإبل المعلقة التي إذا انفلتت لا تكاد تلحق ونسيانه كبيرة كما يأتي. وفيه ندب إدامة تلاوة القرآن. فتلاوته أفضل الذكر العام بأن لم يخص بوقت أو محل أما ما خص بأن ورد الشرع به فيه فهو أفضل (محمد بن نصر) الشافعي (في) كتاب (الصلاة عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 788 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 789 - (إذا قدم أحدكم على أهله من سفر) طال أو قصر لكن الطويل آكد (فليهد) ندبا (لأهله) هدية مما يجلب من ذلك القطر الذي سافر إليه. والمراد بأهله: عياله ومن في نفقته من زوجة وسرية وولد وخادم. ويحتمل أن المراد أقاربه. ويظهر أن يلحق بهم خواص أصدقائه عملا بالعرف في ذلك ثم أبدل من الإهداء قوله (فليطرفهم) بضم أوله وسكون الفاء: أي يتحفهم بشيء جديد لا ينقل لبلدهم للبيع بل للهدية. فإن لم يتيسر فليأت له بشيء (ولو كان) وفي رواية الدارقطني ولو كانت (حجارة) أي حجارة يستحسن منظرها أو ينتفع بها كحجارة الزناد ولا يقدم عليهم فارغا لكسر خاطرهم بتطلعهم نحو ما يصحبه. فالسنة المحافظة على جبر خواطرهم مهما أمكن والطرافة بالضم ما يستطرف: أي يستملح وأتحف الرجل: جاء بطرفة. قال الزمخشري: وهذا من طرائف مالي وهذه طرفة للمستحدث المعجب وأطرفه بكذا: أتحفه. ومن المجاز هو كريم الأطراف: الآباء والآجداد (هب) من حديث عتيق بن يعقوب عن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال - أعني البيهقي - تفرد به عتيق عن يحيى. اه. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح الحديث: 789 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 790 - (إذا قدم أحدكم) على أهله (من سفر فليقدم معه بهدية) ندبا مؤكدا (ولو) كان شيئا تافها جدا كأن (يلقي) أي يطرح (في) نحو (مخلاته) بكسر الميم (حجرا) من نحو حجارة الزناد ولا يقدم متجردا فيتأكد ذلك سيما للحاج (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وإسناده ضعيف لكن يقوى بما قبله ولذلك أورده عقبه الحديث: 790 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 791 - (إذا قرأ ابن آدم السجدة) أي آيتها (فسجد) للتلاوة (اعتزل) أي تباعد وكل من عدل إلى جانب فهو معتزل ومنه سميت الفرقة العدلية معتزلة (الشيطان) إبليس فأل عهدية (يبكي يقول) حالان من فاعل اعتزل مترادفان أو متداخلان (يا ويله) في رواية مسلم: يا ويلتي وفي أخرى يا ويلي وفي أخرى يا ويلنا. وألفه للندبة والتفجع: أي يا هلاكي ويا حزني. احضر فهذا أوانك. جعل الويل منادى لكثرة حزنه وهو لما حصل له من الأمر الفظيع (أمر ابن آدم بالسجود) وهذا استئناف جواب عن من سأله عن حاله (فسجد فله الجنة) بطاعته (وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار) وفي رواية مسلم بدل فعصيت فأبيت. وفيه بيان فضيلة السجدة ودليل على كفر إبليس قال الحنفية: [ص: 416] ووجوب سجدة التلاوة لأن الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يتعقبه بالإنكار كان دليل صحته. وقال الشافعية سنة. وتسمية هذا أمرا من كلام إبليس وكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حكاه ولم ينكره لا يجديهم فقد حكى غيره من كلام الكفار ولم يبطله وهو باطل. قال الطيبي: ونداء الويل للتحسر على ما فاته من الكرامة وحصول اللعن والطرد والخيبة في الدارين وللحسد على ما حصل لآدم من القرب والكرامة والفوز (حم م د عن أبي هريرة) الحديث: 791 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 792 - (إذا قرأ القارىء) القرآن (فأخطأ) فيه بالهمزة من الخطأ ضد الصواب بأن أبدل حرفا بحرف لفقد معلم أو عجز (أو لحن) فيه بأن حرفه أو غير إعرابه. واللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الإيحاء قيل للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. ذكره في الكشاف (أو كان أعجميا) لا يمكنه للكنة أن ينطق بالحروف مبينة (كتبه الملك كما أنزل) أي قومه الملك الموكل بذلك. ولا يرفع إلا قرآنا عربيا غير ذي عوج. قال في الكشاف الأعجم الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد ولما كان من يتكلم بغير لسانهم لا يفقهون حديثا قالوا له أعجم وأعجمي يشبهونه بمن لا يفصح ولا يبين. قالوا ولكل ذي صوت من البهائم والطير وغيرها. اه. وفيه أن القارىء يكتب له ثواب قراءته وإن أخطأ ولحن. لكن محله إذا لم يتعمد ولم يقصر في التعلم وإلا فلا يؤجر بل يؤزر <فائدة> أخرج البيهقي في الشعب أن الأصمعي مر برجل يقول في دعائه يا ذو الجلال فقال له ما اسمك؟ قال ليث فقال: يناجي ربه بالحي ليث. . . لذاك إذا دعاه لا يجيب (فر عن ابن عباس) وفيه هشيم بن بشير قال الذهبي حافظ حجة مدلس عن أبي بشر مجهول الحديث: 792 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 793 - (إذا قرأ الإمام) في الصلاة (فأنصتوا) لقراءته أيها المقتدون: أي استمعوا لها ندبا حيث بلغكم صوته بالقراءة فلا يسن لمقتد سمع قراءة إمامه سورة بعد الفاتحة بل يكره أما لو لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفسر حروفه فيقرأ سرا. وظاهر الحديث أنه لو جهر الإمام في سريته أو عكس: اعتبر فعله وهو الأصح عند الشافعية ففيه رد لمن ذهب منهم إلى اعتبار المشروع. ثم هذا الحديث مما استدل به على عدم القراءة خلف الإمام وعلى ما قدرناه لا دليل فيه (م) وابن ماجه (عن أبي موسى) الأشعري. قال أبو داود وجمع: حديثه غير محفوظ وطعن فيه البخاري في جزء القراءة. قال البيهقي: واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفه مقدم على تصحيح مسلم الحديث: 793 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 794 - (إذا قرأ الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى (القرآن) أي تدبره وتفقهه وعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه وغير ذلك مما هو معلوم (واحتشى) أي امتلأ جوفه: من حشوت الوسادة حشوا وهذا بناء على أن الرواية بشين معجمة فإن كانت بمهملة فهو من خسا السويق أو المرق حسوا: ملأ فمه وهما متقاربان (من أحاديث رسول الله) صلى الله عليه وسلم حفظا ومعرفة ومعنى (وكانت هناك) أي في ذلك الإنسان وذكره بكاف البعد إشارة لبعد مناله على البعض (غريزة) بغين معجمة فراء مهملة فزاي: طبيعة عارفة بفقه الحديث وملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام منها ومعرفة الخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمجمل المبين وغير ذلك مما هو مشروط في الفقه (كان خليفة من خلفاء الأنبياء) لأن العلماء خلفاء الأنبياء وورثتهم وهذا فيمن عمل بما علم من ذلك. كما مر ويأتي (الرافعي) إمام الدين القزويني نسبة إلى رافع أو رافعان في تاريخه تاريخ قزوين (عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 794 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [ص: 417] 795 - (إذا قرب) بضم أوله (إلى أحدكم طعامه) أي وضع بين يديه ليأكله وهكذا إن قرب تقديمه (وفي رجليه نعل فلينزع نعليه) ندبا قبل الأكل (فإنه أروح للقدمين) أي أكثر راحة لهما (وهو) أي نزعهما (من السنة) أي طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه فعليكم به والنزع: القلع كما مر (ع عن أنس) وفيه معاذ بن سعد الذهبي قال مجهول وداود بن الزبرقان قال أبو داود متروك والبخاري مقارب الحديث: 795 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 796 - (إذا قصر) بالتشديد (العبد) أي الإنسان المكلف (في العمل) أي في القيام بما عليه من الواجب (ابتلاه الله) تعالى (بالهم) ليكون ما يقاسيه منه جابرا لتقصيره مكفرا لتهاونه ومن ثم قال في الحكم من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان. وروى الحكيم عن علي خلق الإنسان يغلب الريح ويتقيها بيده ثم خلق النوم يغلب الإنسان ثم خلق الهم يغلب النوم فأشد خلق ربك الهم فهذا إنسان يغلب الريح إذا قصر في عمله وكله الله إلى نفسه والذي يغلب الريح هو من يغلب هواه فلا يعمل إلا لله ويؤثر آخرته على دنياه (حم) في كتاب الزهد الكبير (عن الحكم مرسلا) وفي الميزان معضل. ثم إنه مع إعضاده له فيه بيان بن الحكم لا يعرف. ذكره الديلمي وأبو بكر ابن عياش وفيه كلام الحديث: 796 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 797 - (إذا قضى الله تعالى) أي أراد وقدر في الأزل (لعبد) من عباده (أن يموت بأرض) وليس هو فيها (جعل له إليها حاجة) زاد في رواية الحاكم فإذا بلغ أقصى أثره توفاه الله بها فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني. قال القرطبي: قال العلماء وهذا تنبيه للعبد على التيقظ للموت والاستعداد له بالطاعة والخروج من المظالم وقضاء الدين والوصية بماله وعليه في الحضر فضلا عن الخروج إلى سفره فإنه لا يدري أين كتبت منيته من البقاع. وأنشد بعضهم يقول: مشينا خطا كتبت علينا. . . ومن كتبت عليه خطا مشاها. . . وأرزاق لنا متفرقات فمن لم تأته مشيا أتاها. . . ومن كتبت منيته بأرض. . . فليس يموت في أرض سواها قال القاضي: وأصل القضاء إتمام الشيء قولا كقوله تعالى {وقضى ربك} أو فعلا كقوله {فقضاهن سبع سماوات في يومين} ويطلق على الإرادة الإلهية بوجوب الشيء من حيث إنه يوجبه (ت) في القدر (ك) في الإيمان (عن مطر) بفتحتين (ابن عكامس) بضم المهملة وخفة الكاف وكسر الميم فمهملة السلمي صحابي سكن الكوفة الترمذي عن أبي عزة بفتح العين المهملة وشد الزاي بضبط المؤلف واسمه بشار وقيل سنان بن عمرو صحابي سكن البصرة قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمطر غيره. وظاهر صنيع المصنف أن الحاكم لم يروه إلا من الطريق الأول ولا كذلك بل رواه منهما معا وعبارته عن مطر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا قيض الله لرجل موتا ببلدة جعل له بها حاجة وقال على شرطهما وعزاه إلى أبي عزة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة ثم قال رواته ثقات وأبو عزة يسار له صحبة. اه. وبه يعرف أن الحديث يعين اللفظ الذي ذكره المصنف ليس للحاكم الحديث: 797 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 [ص: 418] 798 - (إذا قضى أحدكم) أي أتم (حجه) أو نحوه من سفر طاعة كغزو (فليعجل) أي فليسرع ندبا (الرجوع إلى أهله) أي وطنه وإن لم يكن له أهل (فإنه أعظم لأجره) لما يدخله على أهله وأصحابه من السرور بقدومه لأن الإقامة بالوطن يسهل معها القيام بوظائف العبادات أكثر من غيرها وإذا كان هذا في الحج الذي هو أحد دعائم الإسلام فطلب ذلك في غيره من الأسفار المندوبة والمباحة أولى. ومنه أخذ أبو حنيفة كراهة المجاورة بمكة وخالفه صاحباه كالشافعي. وفيه ترجيح الإقامة على السفر غير الواجب (ك هق) وكذا قط (عن عائشة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي الحديث: 798 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 799 - (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده) يعني أدى الفرض في محل الجماعة وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه (فليجعل لبيته) أي محل سكنه (نصيبا) أي قسما (من صلاته) أي فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال (فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته) أي من أجلها وبسببها (خيرا) أي كثيرا عظيما كما يؤذن به التنكير لعمارة البيت بذكر الله وطاعته وحضور الملائكة واستبشارهم وما يحصل لأهله من ثواب وبركة وفيه أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام: أي إلا ما سن جماعة وركعتا الإحرام والطواف وسنة الجمعة القبلية فبالمسجد أفضل عند الشافعية. قال العراقي: وفيه أيضا أن الصلاة جالبة للرزق كما قال تعالى {وأمر أهلك بالصلاة وأصبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك} قال ابن الكمال: وفيه أن المكتوبة حقها أن تقضى في المسجد (حم م هـ عن جابر) والدارقطني في الأفراد عن أنس بن مالك ورواه الترمذي في العلل عن جابر ثم قال الأصح عن جابر عن أبي سعيد الحديث: 799 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 800 - (إذا قعد أحدكم إلى أخيه) في الدين وإن لم يكن من النسب ليسأله عن شيء من المسائل الشرعية ونحوها (فليسأله تفقها) أي سؤال تفهم وتعلم للفقه (ولا يسأله تعنتا) أي سؤالا غير مستفيد بل ممتحن أو ليدخل المشقة عليه في تكليفه الجواب عما لا ضرورة إليه أو لا يتيسر له استحضاره ذلك الوقت فإن هذا بهذا القصد حرام شديد التحريم والتعنت بالتحريك الفساد ودخول المشقة على الإنسان (فر عن علي) وفيه المسيب بن شريك. قال الذهبي متروك الحديث: 800 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 801 - (إذا قلت لصاحبك) أي جليسك سمي صاحبا لأنه صاحبه في الخطاب (والإمام يخطب) جملة حالية مشعرة بأن ابتداء الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام خلافا لأبي حنيفة (يوم الجمعة) ظرف لقلت (أنصت) اسكت واستمع (فقد لغوت) من لغا يلغو لغوا إذا قال باطلا أي تركت الأدب أو تكلمت بما لا ينبغي أي خبت أو ملت عن الصواب أو عدلت عن اللائق لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين فكما لا ينبغي التكلم في المنوب فكذا النائب هذا في حق من أمر بمعروف فكيف بالمتكلم ابتداء؟ فخليق بمثله أن يلحق بالحمار الذي يحمل الأسفار. فالكلام منهي عنه عند الشافعية تنزيها وتحريما عند الثلاثة. قال في الكشاف: واللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته. وفي رواية لغيت. قال الكرماني: وظاهر القرآن يقتضيها إذ قال {والغوا فيه} وهو من لغى يلغي ولو [ص: 419] كان يلغو قال الغو بضم الغين - وقد اختلفت الروايات في ألفاظ هذا الخبر. ففي رواية قدم الإنصات على الجمعة وفي أخرى عكس وفي أخرى قدم الإمام. وفي أخرى قدم المأموم قال ابن الأثير وكل من هذه له فائدة. فمن كانت عنايته بأخذ الأشياء الثلاثة قدمه في الذكر. والكل سواء. فإنه لابد من ذكر الإنصات والجمعة والإمام وبذكرها يحصل الغرض. وأيها قدم أصاب <تنبيه> أخذ الحنفية منه منع تحية المسجد حال الخطبة. لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة فمنعها أولى. وعارضهم الشافعية بأمر الداخل بالتحية في أخبار أخر (مالك) في الموطأ (حم ق د ن هـ عن أبي هريرة) لكن قدم في مسلم يوم الجمعة ولم يذكر أبو داود لصاحبك يوم الجمعة الحديث: 801 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 802 - (إذا قمت في صلاتك) أي شرعت فيها (فصل صلاة مودع) أي إذا شرعت فيها فأقبل على الله وحده ودع غيره لمناجاة ربك (ولا تكلم) بحذف إحدى الناءين تخفيفا (بكلام تعتذر) بمثناه فوقية أوله بضبط المصنف (منه) أي لا تتكلم بشيء يوجب أن يطلب من غيرك رفع اللوم عنك بسببه (وأجمع) بقطع الهمزة وجيم ساكنة وميم مكسورة لأنه من أجمع الذي هو متعلق بالمعاني دون الأعيان: لا من جمع. فإنه مشترك بينهما. قال في النهاية: الاجماع إحكام النية والعزيمة (الإياس) بكسر الهمزة وخفة المثناة تحت (مما في أيدي الناس) أي اعزم وصمم على قطع الأمل مما في يد غيرك من جميع الخلق فإنه يريح القلب والبدن. وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. قال الراغب: وأكثر ما يقال أجمع فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكر نحو {أجمعوا أمركم وشركاءكم} والإياس: القنوط وقطع الأمل <تنبيه> من البين أن كلا من الكلام المحوح للعذر والإياس مما في أيدي الناس مأمور به لا بقيد القيام إلى الصلاة (حم هـ عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري رمز لصحته الحديث: 802 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 803 - (إذا كان يوم القيامة أتى بالموت كالكبش الأملح) أي الأبيض الذي يخالطه قليل سواد قال الزمخشري: والملحة في اللوان بياض تشقه شعرات سود هي من لون الملح (فيوقف بين الجنة والنار فيذبح) بينها وفي رواية ابن ماجه فيذبح على الصراط وأبي يعلى والبزاز يذبح كما تذبح الشاة والذابح جبريل أو يحيى بن زكريا أو غيرهما (وهم ينظرون) أي أهل الموقف وإن لم يتقدم لهم ذكر من قبل {حتى توارت بالحجاب} (فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة) لكن لم يقدر موت أحد من شدة الفرح (ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار) لكن الحزن لا يميت أحدا أي غالبا فلا يموتون. قال الغزالي: هذا مثل ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت فقد جبلت القلوب على التأثر بالأملة وثبوت المعاني فيها بواسطتها. والرسل إنما يكلمون الناس في الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم والنائم إنما يحتمل المثال فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله ولطفا بعباده وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل اه. وقال القرطبي: بل يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقي في قلوب الفريقين أنه الموت ويجعل ذبحه دليلا على الخلود في الدارين. وحكمة جعله كالكبش ما جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش وقد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح اه وتبعه عليه جمع فقالوا الذبح حقيقي والذابح متولي الموت وكلهم يعرفونه لأنه المتولي قبض أرواحهم. ورجح بأن ملك الموت لو استمر حيا تنغص عيش أهل الجنة ونوزع بأن الجنة لا حزن فيها. قال القرطبي: وفيه أن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية. ومن زعم [ص: 420] أنهم يخرجون منها وتبقى خالية وتزول فخارج عما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة. اه. قال ابن حجر وجمع بعض المتأخرين منهم ابن القيم فيه سبعة أقوال: أحدها هذا نقل عليه الإجماع. والثاني يعذبون إلى أن تنقلب طبيعتهم فتصير نارية فيتلذذون لموافقة طبعهم وهو قول من ينسب إلى التصوف من الزنادقة. الثالث يدخلها قوم ويخرجون ويخلفهم آخرون. الرابع يخرجون وتستمر هي بحالها. الخامس تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفنى وهو قول الجهمية. السادس تفنى حركاتهم البتة. وهو قول العلائي. السابع يخرج أهلها منها ويزول عذابها. جاء عن بعض الصحب أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عمر من قوله وهو منقطع. ونصره بعض المتأخرين من جهة النظر وهو مذهب رديء أطنب السبكي في رده وقد مر ذلك بأبسط من هذا (ت عن أبي سعيد) الخدري (1) (إذا كان يوم القيامة أتى بصحف<1>) جمع صحيفة قال الزمخشري: وهو قطعة من جلد أو قرطاس يكتب فيه (مختتمة) أي مطبوع عليها بما يمنع من النظر إلى ما فيها (تنصب بين يدي الله) تعالى: أي تظهر وتقام ويقرأ ما فيها بين يديه (فيقول الله للملائكة اقبلوا هذا العمل) وهو عبارة عن الاعتداد وإثابة فاعله عليه (وألقوا هذا العمل) وهو عبارة عن رده وعدم الاعتداد به (فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول) نعم (ولكن كان) عمل (لغيري) أي عمل العامل قاصدا به رياء أو نحوه (ولا أقبل اليوم إلا ما ابتغى وبه وجهي) بين أن الرياء يحبط العمل ويخرجه عن كونه قربة مستوجبا للثواب بها لوعد من الله. لكن هذا في الرياء المض. فإن تبعض أثيب بالحصة عند كثير. واعتبر آخرون غلبة الباعث. واختار الإمام الغزالي الأخذ بالإطلاق: وأنه متى تطرق منه شعبة إلى العمل ارتفع القبول. وشرح ذلك يطول (سمويه) بشد الميم بوزن علويه وهو إسماعيل بن عبد الله (عن أنس) بن مالك (2) (إذا كان يوم القيامة نودي: أين أبناء الستين) من السنين وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه في كتابه العزيز {أولم نعمركم ما - مفعول مطلق أي تعميرا - يتذكر فيه من تذكر} أي أراد أن يتذكر؟ ومبدأ التذكر تمام العقل وهو بالبلوغ والستون نهاية زمن التذكر وما بعده هرم (طب هق عن ابن عباس) (3) (إذا كان يوم القيامة عرف) بالبناء للمفعول (الكافر بعمله) أي عرفه الملائكة بما عمله من الذنوب في الدنيا وعددتها له (فجحد) أي أنكرصدورها منه (وخاصم) الملائكة (فيقال) له (هؤلاء جيرانك) في دار الدنيا يشهدون عليك) بما عملته (فيقول كذبوا فتقول) بمثناة فوقية أوله يعني الملائكة أو بمثناة تحتية أي الملك الموكل به (أهلك وعشيرتك) أي معاشروك الذين أيديهم وأيديك واحدة: والعشيرة - كما في الصحاح وغيره - القبيلة والمعاشر المخالط (فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون) أي فيشهد أهله وجيرانه فيكذبهم فتقول لهم الملائكة أو الملك: احلفوا أنه عمل ذلك فحلفون أنه فعله (ثم يصمتهم الله) أي يسكتهم والتصميت - كما في الصحاح وغيره - التسكيت (وتشهد عليهم ألسنتهم) شهادة حقيقية (فيدخلهم النار) أي يقضي عليهم بدخول نار جهنم خالدين فيها أبدا (ع ك عن أبي سعيد) الخدري (4) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي ملك أو غيره من خلق الله تعالى بأمره (من بطنان العرش) أي من باطنه الذي لا تدركه الأبصار. قال في الصحاح: بطنان الجنة وسطها. وقال الزمخشري: تقول العرب هو في بطنان الشباب أي في وسطه. وقال الراغب: يقال لما تدركه الحواس ظاهرا ولما خفي باطنا ومنه بطنان القدر وظهرانها (يا أهل الجمع) أي الخلائق الذين اجتمعوا في الموقف. قال في الصحاح: الجمع اسم لجماعة الناس ويجمع على جموع والموضع مجمع بفتح الميم الثانية وكسرها. وفي المصباح: الجمع الجماعة تسمية بالمصدر والمجمع موضع الإجماع (نكسوا رؤوسكم) أي اخفضوها (وغضوا أبصاركم) كفوها واحبسوها (حتى تمر فاطمة) الزهراء (بنت محمد) خاتم الأنبياء حبيب الرحمن (على الصراط) لتذهب إلى الجنة (فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق) في السرعة والمضاء. ويظهر أن المراد بالسبعين ألفا التكثير لا خصوص العدد قياسا على نظائره. وهذا فضل لها فخيم من ذلك [ص: 421] الموقف العظيم وفيه إشعار بأنها أفضل النساء مطلقا (أبو بكر) الشافعي (في) كتاب (الغيلانيات) عن محمد بن يونس عن حسين بن حسن الأشقر عن قيس بن الربيع عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة (عن أبي أيوب) الأنصاري قال المصنف في مختصر الموضوءات: محمد بن يونس هو الكريمي وهو والثلاثة فوقه متروكون (5) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أيها الناس) بحذف حرف النداء (اغضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة إلى الجنة) أي تسلك الصراط وتقطعه إلى الجنة قال في الصحاح: جاز الموضع سلكه فيه يجوز جوازا وإجازة خلفه وقطعه واجتاز سلك. ولا ينافي هذا وما قبله قوله تعالى {لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} الجواز أن يقال باختلاف الأحوال في ذلك اليوم. وأن المراد إظهار شرف بنت خاتم الأنبياء على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف بإسماعهم ذلك وإن كانوا في شغل شاغل عن النظر (أبو بكر) الشافعي (في الغيلانيات) عن سمائه بنت حمدان الأنبارية عن أبيها عن عمرو بن زياد النوباني عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء (عن أبي هريرة) (6) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب أخيه) أي في الدين وإن لم يكن لأمه أو أبيه. والقصد بذلك التنبيه على فضل العفو وعظم منزلة العافين عن الناس والله يتولى إثابتهم إكراما لهم: وفيه عدم وجوب العفو لأنه تبرع أثنى الله ورسوله عليه والتبرع فضل لا واجب. ذكره الغزالي قال وفيه رد على من قال من السلف: الأولى عدم العفو. وقول سعيد بن المسيب: لا أحلل ممن ظلمني وابن سيرين لا أحرمها عليه: أي الغيبة فأحللها له إن الله حرمها عليه وما كنت لأحلل ما حرم الله: محمول على العفو قبل الوجوب فإذا عفا عن الغيبة مثلا قبل وقوعها فله المطالبة بها يوم القيامة (خط عن ابن عباس) (7) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم خصماء الله) جمع خصم وهو مصدر خصمته أخصمه نعت به للمبالغة كالعدل والصوم (وهم القدرية) أي النافون للقدر الزاعمون أن كل عبد خالق فعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله ومشيئته وهم المعتزلة فنسبوا إلى القدر لأن بدعتهم وضلالتهم من قبل ما قالوه في القدر من نفيه لا لإثباته وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر كما أن الجبرية هم الذين قالوا بالجبر قالوا لأن الشيء إنما ينسب للمثبت لا للنافي ومنع بأن قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وخبر القدرية مجوس هذه الأمة نص في أنهم المراد وبه ينسد باب التأويل في هذا الحديث وقد أحسن من قال هذا الحديث غل - بضم الغين وهو القيد وبالكسر: الغل في الصدر - في عنقهم. فإن المجوس قائلون بمبدأين مستقلين النور والظلمة أو يزدان وهرمن والمعتزلجعل الله والعبد سواء تنفي قدرته عن شأنه عما يقدر عليه عبده وعكسه. قال زيد بن أسلم: والله ما قالت القدرية كما قال الله ولا كما قالت الملائكة ولا كما قال النبيون ولا كما قال أهل الجنة ولا كما قال أهل النار ولا كما قال أخوهم إبليس قال الله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} وقالت الملائكة {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} وقال شعيب النبي {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله} وقال أهل الجنة {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} وقال أهل النار {ربنا غلبت علينا شقوتنا} وقال أخوهم إبليس {بما أغويتني} والحق أنه لا جبر ولا تفويص ولكن أمر بين أمرين وخير الأمور أوساطها فتقديره تعالى لا يخرج العبد إلى حيز الاضطرار ولا يسلب عنه الاختيار (طس عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية ابن الوليد وفيه كلام وحبيب بن عمر الأنصاري قال الدارقطني متروك وضعفه الذهبي (8) (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع الواهب فيها) أي إذا أقبضه إياها. ومفهومه له الرجوع فيما وهبه لأجنبي وهو مذهب الحنفية ومذهب الشافعية أن للأصل لا لغيره الرجوع فيما وهبه لفرعه لا لغيره (قط ك هق عن سمرة) بن جندب بن هلال الفزاري   <1> أثبت الشارح ثمان أحاديث ابتداء من هذا الحديث ولم توجد هذه الأحاديث بسائر نسخ المتن وحفظا لأصل الشارح أثبتنا الأحاديث وميزناها بأرقام من 1 إلى 8 فليتنبه القارىء. اه الحديث: 803 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 804 - (إذا كان) هي هنا تامة وفيما مر فلا تحتاج إلى خبر والمعنى إذا وجد (يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب [ص: 422] المسجد) لامه للجنس أو للاستغراق. فالمراد جميع المساجد وخصها لأن الغالب إقامة الجمعة في مسجد (ملائكة) بالتنكير للتكثير لمناسبة المصلين أي جمع كثير من الملائكة وهم هنا غير الحفظة كما يفيده قوله الآتي طووا الصحف فوظيفة هؤلاء كتابة من يحضر الجمعة أولا فأولا واستماع الذكر (يكتبون الناس) أي أجور المجتمعين (على قدر منازلهم) أي مراتبهم في المجيء. ولهذا قال (الأول) أي ثواب من يأتي في الوقت الأول (فالأول) أي يكتبون ثواب من يجيء بعده في الوقت الثاني سماه أولا لأنه سابق على من يجيء في الوقت الثالث فالأول هنا بمعنى الأسبق وقال في شرح المصابيح: الأول فالأول نصب على الحال وجاءت معرفة وهو قليل وقال الزركشي: الأول فالأول نصب على الحال: أي مرتبين وجاز مجيئهما معرفة على الشذوذ فإذا جلس الإمام أي صعد المنبر وجلس عليه للخطبة (طووا) أي الملائكة (الصحف) صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة لا غيرها من أعمالها فإنه إنما يكتبها الحافظان وهي جمع صحيفة الورقة التي يكتب فيها وفي استماع الملائكة الخطبة حث على استماعها لنا وهو سنة وإن كان سماعها واجبا (وجاؤوا يستمعون الذكر) أي الخطبة فلا يكتبون ثواب من يجيء في ذلك الوقت (ومثل المهجر) أي وصلاة الآتي في أول ساعة وهو اسم فاعل من هجر يهجر: إذا بكر وأتى الأمر من أوله أو من هجر منزله إذا تركه أي وقت كان وكيفما كان ليس من الهاجرة التي هي شدة الحر كما زعمه المالكية (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (الذي يهدي) بضم أوله: أي يقرب (بدنه) أي يتصدق ببعير ذكرا أو أنثى متقربا إلى الله: فالهاء للوحدة لا للتأنيث قال في الكشاف: سميت به لعظم بدنها وهي للإبل خاصة وقال غيره للتبدن وللبدانة: السمن وفي رواية ابن جريج عن عبد الرزاق فله من الأجر مثل الحزور وظاهره أن الثواب لو تجسد كان قدره (ثم كالذي يهدي بقرة) ذكرا أو أنثى فالهاء للوحدة سميت به لأنها تبقر الأرض: أي تشقها وهذا خبر مبتدأ محذوف تقديره ثم الثاني أي الآتي في الساعة الثانية كالذي يهدي بقرة وليس معطوفا على الخبر الأول لئلا يقعا معا مع عدم اجتماعهما خبرا عن واحد وهو ممتنع وكذا يقدر في الثلاثة الآتية وانحطاط رتبة البقرة هنا عن البدنة موافق لما في الأضحية من حيث الأفضلية المناسبة لما هنا ومخالف له من حيث إجزاء كل منهما عن سبعة ثم وفرق بأن المععتبر هنا كبر الجسم في البدنة مع كونها أحب أموال العرب وأنفسها عندهم وثم كثرة اللحم وأطيبته وهو في البدنة أكثر وفي البقرة أطيب فيعتدلان فسوى بينهما (ثم كالذي يهدي الكبش) فحل الضأن في أي سن كان أو إذا أربع أو إذا أثنى ووصفه في رواية بكونه أقرن لكماله وحسن صورته ولأن قرنه ينتفع به وفي صحيح ابن خزيمة شاة بدل كبش وهي محمولة عليه (ثم كالذي يهدي الدجاجة) بتثليث الدال والفتح أفصح وفي صحيح ابن خزيمة طائر بدل دجاجة وهي محمول عليها واستشكل التعبير بالهدي في دجاجة وبيضة بأنه لا يكون منهما وأوجيب بأنه من باب المشاكلة أي من تسمية الشيء باسم قرينه والمراد بالهدي هنا التصدق (ثم كالذي يهدي البيضة) بيضة دجاجة كما هو المتبادر وفي النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفورا ثم بيضة وإسنادهما صحيح وبذلك يتضح استيعاب الست ساعات التي هي نصف النهار وليس المراد بها الفلكية كما في الروضة تبعا للنص لئلا يستوي الإتيان في طرفي ساعة بل أوقات تترتب فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة لكن في المجموع وشرح مسلم المراد الفلكية لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير وبدنة المتوسط متوسطة وفي إعتناء الملائكة بكتابه السابق دلالة على ندب التبكير إليها وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وذهب مالك وبعض الشافعية كإمام الحرمين إلى أفضلية [ص: 423] تأخير الذهاب إلى الزوال وأشعر قوله فإذا خرج الإمام طويت الصحف أنه مستثنى من ندب التبكير لدلالته على أنه لا يخرج إلا بعد انقضاء وقت التبكير فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعا للمصطفى وخلفائه (ق ن هـ عن أبي هريرة) الحديث: 804 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 805 - (إذا كان جنح الليل) بضم الجيم وكسرها أي أقبل ظلامه قال الطيبي جنح الليل طائفة منه وأراد به هنا الطائفة الأولى منه عند امتداد فحمة العشاء (فكفوا صبيانكم) ضموهم وامنعوهم من الخروج ندبا فيه وفيما يأتي وقال الظاهرية وجوبا (فإن الشيطان) يعني الجن وفي رواية للشيطان ولامه للجنس (تنتشر حينئذ) أي حين فحمة العشاء لأن حركتهم ليلا أمكن منها نهارا إذ الظلام أجمع لقوى الشيطان وعند ابتداء انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فخيف على الأطفال من إيذائهم (فإذا ذهب ساعة من الليل) وفي رواية من العشاء (فحلوهم) بحاء مهملة مضمومة في صحيح البخاري وفي رواية له أيضا بخاء معجمة مفتوحة وحكي ضمها أي فلا تمنعوهم من الخروج والدخول (وأغلقوا) بفتح الهمزة (الأبواب) أي ردوها وفي رواية البخاري لها وأغلق بابك بالإفراد خطاب لمفرد والمراد به كل واحد فهو عام من حيث المعنى (واذكروا اسم الله) عليها (فإن الشيطان) أي الجنس (لا يفتح بابا مغلقا) أي وقد ذكر اسم الله عليه ولا يناقضه ما ورد أنه يخطر بين المرء وقلبه وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فإن هذه أطوار وأحوال ولله أن يشكلها في أي صورة شاء وليس لها التصرف بذاتها وقد يجعل الله هذه الأسباب قيودا لها وتصديق من لا ينطق عن الهوى فيما جاء به واجب (وأوكثوا قربكم) سدوا أفواهها بنحو خيط (واذكروا اسم الله) على ذلك فإنه السور العظيم والحجاب المنيع الدافع للشيطان والوباء والحشرات والهوام والأولى أن يقال ما ورد بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء (وخمروا) غطوا (آنينكم) جمع قلة وجمع الكثرة أواني (واذكروا اسم الله) عليها فإن السور العريض والحجاب المنيع بين الشيطان والإنسان ولو شاء ربك لكان الغطاء كافيا أو ذكر اسم الله كافيا لكنه قرن بينهما ليعلم كيفية فعل الأسباب في دارها وليبين أنها إنما تفعل بذكر الله عليها لا بذاتها (ولو أن تعرضوا) بفتح أوله وضم الراء وكسرها والأول كما قاله العيني أصح والمذكور بعد لو فاعل فعل مقدر أي ولو ثبت أن تعرضوا أي تضعوا (عليه) الإناء (شيئا) أي على رأسه قال الطيبي: جواب لو محذوف أي لو خمرتموها عرضا بشيء كعود وذكرتم اسم الله عليه كان كافيا والمقصود أن يجعل نحو عود على عرضه فإن كان مستدير الفم فهو كله عرض وإن كان مربعا فقد يكون له عرض وطول فيجعله عليه عرضا لا طولا والمراد وإن لم يغطه فلا أقل من ذلك أو إن فقدتم ما يغطيه فافعلوا المقدور ولو أن تجعل عليه عودا بالعرض وقيل المعنى اجعلوا بين الشيطان وبين آنيتكم حاجزا ولو من علامة تدل على القصد إليه وإن لم يستول الستر عليه فإنها كافية مع ذكره عاصمة بفضاء الله وأمره وقد عمل بعضهم بالسنة فأصبح والأفعى ملتفة على العود (وأطفئوا مصابيحكم) اذهبوا نورها ولا يكون مصباحا إلا بالنور وبدونه فتيلة والمراد إذا لم تضطروا إليه لنحو برد أو مرض أو تربية طفل أو نحو ذلك والأمر في الكل للإرشاد وجاء في حديث تعليل الأمر بالطفي بأن الفويسقة تجر الفتيلة فتحرق البيت وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أشفق على أمته من الوالدة بولدها ولم يدع شفقته دينية ولا دنيوية إلا أرشد إليها قال النووي رحمه الله وفيه جمل من أنواع الخير وآداب جامعة جماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتصل السلامة من آفات الدارين. وقال القرطبي: تضمن هذا الحديث أن الله أطلع نبيه على ما يكون في هذه الأوقات [ص: 424] من المضار من جهة الشياطين والفأر والوباء وقد أرشد إلى ما يتقي به ذلك فليبادر إلى فعل تلك الأمور ذاكرا لله ممتثلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم شاكرا لنصحه فمن فعل لم يصبه من ذلك ضرر بحول الله وقوته. وفيه رد علي من كره غلق الباب من الصوفية وقال الصوفية يفتحون ولا يغلقون (حم ق دن عن جابر) الحديث: 805 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 806 - (إذا كان يوم صوم أحدكم) فرضا أو نفلا (فلا يرفث) مثلث الفاء أي لا يتكلم بفحش قال أبو زرعة ويطلق في غير هذا المحل على الجماع ومقدماته وعلى ذكره مع النساء ومطلقا (ولا يجهل) أي لا يفعل خلاف الصواب من قول أو فعل فهو أعم مما قبله أو لا يعمل بخلاف ما يقتضيه العلم أو لا يقل قول أهل الجهل والمراد أن ذلك في الصوم آكد وإن كان منهيا عنه في غيره أيضا (فإن امرؤ شاتمه) أي شتمه امرؤ متعرضا لمشاتمته (أو قاتله) أي دافعه ونازعه أو لاعنه متعرضا لمثل ذلك منه فالمفاعلة حاصلة في الجملة (فليقل) بلسانه (إني صائم) أي عن مكافأتك أو عن فعل مالا يرضاه من أصوم له بحيث يسمعه الصائم وجمعه بين اللسان والجنان أولى فيذكر نفسه بإحضاره صيامه بقلبه ليكف نفسه وينطق بلسانه لينكف عنه خصمه قال ابن القيم: أرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن على الصائم أن يحتمي من إفسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره (مالك) في الموطأ (ق د هـ عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه الحديث: 806 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 807 - (إذا كان آخر) في رواية آخر (الزمان) عند نجوم الكذابين وظهور المبتدعين وانتشار الدجالين (واختلفت الأهواء) جمع هوى مقصور هوى النفس أي هوى أهل البدع (فعليكم بدين أهل البادية والنساء) أي الزموا اعتقادهم واجروا على مناهجهم من تلقي أصل الأيمان وظاهر الاعتقاد بطريق التقليد والإشتغال بأعمال الخير فإن الخطر في العدول عن ذلك كبير ذكره الغزالي ومن لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أهلها بعضهم لبعض كان أمره أهون ممن سمع منها وهو حائم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل ولهذا كان الإمام الرازي فيما نقله ابن حجر مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز. وقال السمعاني في الذيل عن الهمداني قال سمعت أبا المعالي يعني إمام الحرمين يقول قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب الحق وهربا من التقليد والآن قد رجعت من العمل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على الحق وكلمة الإخلاص لا إله الا الله فالويل لابن الجويني (حب في) كتاب (الضعفاء) في ترجمة محمد بن عبد الرحمن السلماني من حديثه (فر) من هذا الوجه (عن ابن عمر) رضي الله عنهما قال ابن طاهر في التذكرة وابن السلماني له عن أبيه عن ابن عمر شيخه متهم بوضعها ولا يجوز الاحتجاج بها ولا ذكرها إلا للتعجب انتهى وقال الصغاني موضوع وقال المؤلف في الدرر سنده واه الحديث: 807 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 808 - (إذا كان الجهاد على باب أحدكم) أي قريبا جدا ولو أنه على باب أحدكم مبالغة (فلا يخرج اليه إلا بإذن أبويه) أي أصليه الحيين أو بإذن الحي منهما وإن علا مع وجود أقرب أو كان قنا فيحرم عليه الخروج له بغير إذنه حيث كان مسلما وهذا حيث لم ينته الأمر إلى مصير الجهاد فرض عين وإلا فلا يتوقف على إذن أحد (عد عن ابن عمر) في ترجمة أبي عبيد المصري من حديثه وقال رأيت شيوخ مصر مجتمعين على ضعفه والغرباء يمتنعون من الأخذ عنه وقد أنكروا عليه أحاديث هذا منها انتهى لكنه ورد بإسناد صحيح رواه الطبراني في الصغير بلفظ إذا كان الغزو على باب البيت [ص: 425] فلا تذهب إلا باذن أبويك. قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أسامة بن زيد وهو ثقة ثبت كما هو في تاريخ مصر انتهى فاقتصار المصنف على هذه الرواية الضعيفة وعدوله عن الصحيحة غير صواب الحديث: 808 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 809 - (إذا كان لأحدكم شعر) بفتح العين أفصح (فليكرمه) ندبا بأن يصونه من نحو وسخ وقذر ويتعهده بالتنظيف فيفرق شعر الرأس ويمشطه بماء أو دهن أو غيره مما يلينه ويرسل سائره ويمد منقبضه إن أراد عدم إزالته ويسرح اللحية لكن إنما يسن غبا كما يأتي تركها شعثة إظهارا للزهد أو لقلة المبالاة بنفسه وتصفيفها طاقة فوق طاقة ولا بأس بحلق الرأس كما مر سيما إن شق تعهده (د عن أبي هريرة) رمز لصحته ولا يوافق عليه ففيه سهيل بن أبي صالح قال في الكاشف عن ابن معين ليس بحجة وعن أبي حاتم لا يحتج به ووثقه ناس (هب عن عائشة) وفيه ابن إسحاق وعمارة بن غزية وفيهما خلف الحديث: 809 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 810 - (إذا كان أحدكم في الشمس) في رواية في الفيء (فقلص) بفتحات أي ارتفع وزال (عنه الظل وصار) أي بقي (بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليقم) أي فليتحول إلى الظل ندبا وإرشادا لأن الجلوس بين الظل والشمس مضر بالبدن إذ الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين كما هو مبين في نظائره من كتب الطب ذكره القاضي وقضيته أنه لو كان في الشمس فقلصت عنه فصار بعضه فيها وبعضه في الظل كان الحكم كذلك ثم لما خفي هذا المعنى على التوربشتي قال الحق الأبلج التسليم للشارع فإنه يعلم مالا يعلمه غيره فإن قلت هذا ينافيه خبر البيهقي عن أبي هريرة رأيت رسول الله قاعدا في فناء الكعبة بعضه في الظل وبعضه في الشمس قلت محل النهي المداومة عليه واتخاذه عادة بحيث يؤثر في البدن تأثيرا يتولد منه المحذور المذكور أما وقوع ذلك مرة على سبيل الاتفاق فغير ضار على أنه ليس فيه أنه رآه كذلك ولم يتحول وبهذا التقرير انكشف أنه لا اتجاه لما أبداه الذهبي كمتبوعه في معنى الحديث أنه من قبيل استعمال العدل في البدن كالمنهي عن المثنى في نعل واحدة (د) في الأدب (عن أبي هريرة) قال المنذري وتابعيه مجهول وكذا ذكره المناوي فرمز المؤلف لحسنه فيه ما فيه الحديث: 810 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 811 - (إذا كان للرجل على رجل حق) أي دين (فأخره إلى أجله كان له صدقة) أي حسنة واحدة (فإن أخره بعد أجله كان بكل يوم صدقة) يعني إذا كان لإنسان على آخر دين وهو معسر فأنظره به مرة كان له أجر صدقة واحدة وإن أخر مطالبته بعد نوع يسار توقيعا ليساره الكامل فله بكل يوم صدقة هذا هو الملائم للتواعد وأما ما يوهمه ظاهر الحديث من أن الإنسان إذا كان له على غيره دين مؤجل أصالة أثيب على الصبر عليه إلى حلول أجله فلعله غير مراد وحمل الأول على أن من عليه الحق رضي بمطالبته قبل محله فأخره هو لا اتجاه له قال القاضي والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها ويقال لعمر الإنسان وللموت الذي ينتهي به (طب عن عمران بن حصين) الخزاعي كانت الملائكة تسلم عليه وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ضعفه الدارقطني وكذبه ابن أحمد ووثقه حرزة وفيه ابن عياش ونقل عن المصنف أنه رمز لضعفه الحديث: 811 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 812 - (إذا كان في آخر الزمان لابد للناس فيها) يعني في تلك المدة أو تلك الأزمان (من الدراهم والدنانير) أي لا محيد [ص: 426] لهم عنها يقال لابد من كذا أي لا محيد عنه ولا يعرف استعماله إلا مقرونا بالنفي ووجه ذلك بقوله (يقيم الرجل بها) أي بالدراهم والدنانير (دينه ودنياه) أي يكون بالمال قوامها فمن أحب المال لحب الدين فقد صدق الله في إيمانه والمال في الأصل قوام العباد في أمر دينهم فالحج ونحوه من الفروض لا يقوم إلا به وعيش الحياة في الأبدان كذلك وبه يتقي الأذى ويدفع الشدائد قال الماوردي وكان يقال الدراهم مراهم لأنها تداوي كل جرح ويطيب بها كل صلح وأخرج الحليمي عن كعب أول من ضرب الدراهم والدنانير آدم وقال لا تصلح المعيشة إلا بهما وهما إحدى المسخرات التي قال الله تعالى {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض} وجعل آخر الزمان بالاضطرار إليها لا لإخراج عدم الاحتياج في الصدر الأول بل لأن غلبة الخير واصطناع المعروف وإعانة الملهوف فيه أكثر حتى أن من تركها وتخلى للعبادة يجد من يمونه ويقوم بكفايته وأما في آخر الزمان فتقل الخيور وتكثر الشرور وتشح النفوس فيضطر إليها وقدم ذكر الدراهم لأنها أعم تداولا وإشارة إلى أنه إذا اندفعت الحاجة بها ينبغي الاقتصار عليها <فائدة> أخرج الخطيب عن علي أنه قيل له: لم سمي الدرهم درهما والدينار دينارا فقال أما الدرهم فسمي دارهم وأما الدينار فضربه المجوس فسميته دينارا (طب) من حديث حبيب بن عبيد (عن المقدام) بن معد يكرب قال حبيب رأيت المقدام في السوق وجارية له تبيع لبنا وهو جالس يقبض الدراهم فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره هكذا ورد من عدة طرق قال الهيتمي ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم وقد اختلط الحديث: 812 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 813 - (إذا كان اثنان يتناجيان) أي يتحادثان سرا (فلا تدخل) أنت وجوبا (بينهما) أي لا تشاركهما فيما أسرا به ولا تصغ إليهما زاد في رواية أحمد إلا بإذنهما وعلله في خبر أبي يعلى بأنه يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن (ابن عساكر) تاريخه عن ابن عمر وله شواهد الحديث: 813 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 814 - (إذا كان أحدكم فقيرا) أي لا مال له ولا كسب يقع موقعا من كفايته (فليبدأ بنفسه) أي يقدمها بالإنفاق عليها مما أتاه الله كما مر (فإن كان فضل) أي بسكون الضاد: أي شيء زائد بأن فضل بعد كفايته زيادة (فعلى عياله) أي الذين يعولهم وتلزمه نفقتهم (فإن كان فضل فعلى ذي قرابته) من أصوله وفروعه وذي رحمه يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج (فإن كان فضل فهاهنا وهاهنا) كناية عن الإنفاق في وجوه الخير المعبر عنه في رواية باليمين والشمال. قال النووي: إن الابتداء في النفقة على هذا الترتيب وأن الحقوق إذا تزاحمت قدم الآكد فالآكد وأن الأفضل في صدقة التطوع في تنويعها في جهات البر بالمصلحة (حم م د ن عن جابر) ابن عبد الله الحديث: 814 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 815 - (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق) أي لا يسقط البصاق (قبل وجهه) أي جهته بل يساره أو تحت قدمه لا عن يمينه للنهي عنه كما مر (فإن الله قبل وجهه) أي فإن قبلة الله أو عظمته أو ثوابه أو رضاه مقابل وجهه (إذا صلى) فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق سواء كان بمسجد أو خارجه لأنه يعد استخفافا بها وهذا من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه سبحانه وخص الإمام من بين الجهات الست إشعارا بشرف المقصد قال في المطامح وهذا تنبيه على وجوب الأدب [ص: 427] والتزام شرط الجلوس على بساط الملوك فنبه علي أن المصلي واقف بين يدي ربه فحق عليه أن يلتزم الأدب في قوله وفعله وحركاته وخطراته قال ابن حجر: وفيه أن بصاق المصلي للقبلة حرام ولو في غير المسجد انتهى وليس هذا الحكم في مذهبه بمعمول به (مالك) في الموطأ (ق ن عن ابن عمر) قال رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فذكره الحديث: 815 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 816 - (إذا كان يوم القيامة) خصه لكونه يوم ظهور سؤدده (كنت إمام النبيين) بكسر الهمزة قال القاضي: كالتوربشتي ولم يصب من فتحها ونصبه على الظرفية وذلك لأنه لما كان أفضل الأولين والأخريين كان إمامهم فهم به مقتدون وتحت لوائه داخلون (وخطيبهم) بما يفتح الله عليه من المحامد التي لم يحمده بها أحد قبله فهو المتكلم بين الناس إذا سكتوا عن الاعتذار فيعتذر لهم عند ربهم فيطلق اللسان بالثناء على الله بما هو أهله ولم يؤذن لأحد في التكلم غيره (وصاحب شفاعتهم) أي الشفاعة العامة بينهم أو صاحب الشفاعة لهم ذكره الرافعي في تاريخ قزوين (غير فخر) أي لا أقول ذلك تفاخرا به وادعاءا للعظمة بل اعتدادا بفضله وتحدثا بنعمته إذ المراد لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة ومنحني هذه المنحة فهو إعلام بما خفي من حاله على منوال قول يوسف {احعلني على خزائن الأرض} وكان في أول الحديث تامة بمعنى وجد ويوم القيامة بالرفع فاعلها وكان الثانية ناقصة والتاء اسمها وإمام خبرها وغير فخر منصوب على الحال (حم ت ك هـ عن أبي) بن كعب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 816 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 817 - (إذا كان يوم القيامة نودي) أي أمر الله مناديا ينادي (أين أبناء الستين) أي أبناء الستين الكائنون في أي مكان وفائدة السؤال عنهم أنهم بلغوا العمر الذي أعذرهم الله أي أقام عليهم الحجة فيه لبيان اللوم المأخوذ من قوله (وهو العمر الذي قال الله تعالى أولم) استفهام تقريع (نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي عمرناكم عمرا اتعظ العاقل الذي شأنه أن يتعظ فيه وقد أحسن الله إلى عبد بلغه ستين ليتوب عن ذنبه ويقبل بالعمل الصالح على ربه وهو غاية الإمهال فعدم الإقبال حينئذ إهمال ومع ذلك لو بلغ ضعفها ثم أقبل على ربه قبله وإعذار الحكام ثلاثة أيام واعذار حاكم االحكام من الستين إلى مثلها (الحكيم) الترمذي (طب هب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه إبراهيم بن الفضل المخزومي قال الذهبي في المهذب هو واه الحديث: 817 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 818 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) بأمر الله تعالى (لا يرفعن) بنون التوكيد الثقيلة أحد من هذه الأمة المحمدية (كتابه) أي كتاب حسناته (قبل أبي بكر وعمر) تنويها بفضلها على رؤوس الأشهاد وتشهيدا بالفخامة بين العباد وتنزيها لهما في طول الوقوف وقد ثبت في الصحيح أن هذه الأمة سابقة يومئذ في كل شيء ومنه رفع كتبها فيلزم أن كتابهما مقدم في الرفع على جميع الأمم غير الأنبياء (ابن عساكر) في تاريخه (عن عبد الرحمن بن عوف) قال في الأصل وفيه [ص: 428] الفضل بن جبير الوراق عن داود بن الزبير قال تركه أبو داود وقال الجوزقاني كذاب وقال البخاري مقارب الحديث: 818 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 819 - (إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده) يجوز أن يراد به واحد وأن يراد به المتعدد (فيقف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله) من أي جهة اكتسبه وفي أي شيء أنفقه نبه به على أنه كما يجب على العبد رعاية حقوق الله في ماله بالإنفاق يلزمه رعاية حقوق الله في بدنه ببذله المعونة للخلق بالشفاعة وغيرها فكما يسأله الله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه يسأله عن تقصيره في جاهه وبخله به فإذا رأينا عالما أو صالحا يتردد للحكام لا يبادر بالإنكار بل يتأمل إن كان لمحض نفع العباد وكشف الضر عنهم مع الزهد واليأس فيما في أيديهم والتعزيز بعز الإيمان وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر فلا حرج عليه لأنه من المحسنين وما على المحسنين من سبيل قال الغزالي: والجاه معناه ملك القلوب بطلب محل فيها للتوصل إلى الاستعانة للفرض وكل من لم يقدر على القيام بنفسه في جميع حاجاته وافتقر لمن يخدمه افتقر إلى جاه في قلب خادمه إذ لو لم يكن له عنده قدر لم يقم بخدمته فقيام القدر في القلوب هو الجاه وهذا له أول قريب لكن يتمادى إلى هاوية لا عمق لها ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وإنما الحمل في القلوب لجلب نفع أو دفع ضر فالنفع يغني عنه المال والدفع يحتاج إلى الجاه وقدر الحاجة لا ينضبط والخائض في طلب الجاه سالك طريق الهلاك والاشتغال بالتدين والتعبد يمهد له في القلوب ما يدفع به الأذى فلا رخصة في طلبه لأن له ضراوة كضراوة الخمر بل أشد ولذلك يسأل الله تعالى عنه وقال في موضع آخر حقيقة الجاه ملك القلوب فمالكها يتوسل بها إلى المقاصد كمالك المال يتوسل به إليها بل المال أحدها والجاه قوت الأرواح الطالبة الاستعلاء ومن ابتلي بحب الجاه جره إلى الرياء والنفاق ولا يقوم بحق الجاه على الوجه الشرعي إلا الأفراد ولهذا كان مسؤولا عنه وعلاجه مركب من علم وعمل فالعلم أن يتأمل أن آخر أمره الموت ويجعله نصب عينه والعمل أن يتخذ العزلة إلا لضرورة المعيشة وما لا بد له منه كالقليل من المال لا محذور في طلبه فإذا في الجاه سم ودرياق فهو كالمال (تمام) في فوائده (خط عن ابن عمر) قال مخرجه الخطيب حديث غريب جدا لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به أحمد بن خليد ولا يثبت عن النبي بوجه من الوجوه انتهى وقال ابن عدي حديث لا أصل له ورواه أيضا باللفظ المزبور عن ابن عمر والطبراني في الصغير قال الهيتمي وفيه يوسف بن يونس الأقطش ضعيف وحكم ابن الجوزي بوضعه الحديث: 819 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 820 - (إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل) يعني إنسان ولو أنثى أو خنثى (من هذه الأمة) أمة الإجابة (رجلا) يعني إنسانا (من الكفار فيقال له هذا فداؤك من النار) فيورث الكافر مقعد المؤمن من النار بكفره ويورث المؤمن مقعد الكافر من الجنة بايمانه إذ كل مكلف له مقعد في الجنة ومقعد في النار قال القرطبي: وظاهر هذه الأحاديث الإطلاق وليست كذلك وإنما هي في أناس مذنبين يتفضل الله عليهم بمغفرته فأعطى كل واحد منهم فكاكا من النار كما يدل له خبر مسلم يجئ يوم القيامة أناس من المؤمنين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى (م عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 820 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 821 - (إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى كل مؤمن ملكا معه كافر فيقول الملك للمؤمن يا مؤمن هاك هذا الكافر فهذا فداؤك من النار) أي فكاكك منها به يعني كان لك منزل في النار لو كنت استحقيته دخلت فيه فلما استحقه هذا الكافر [ص: 429] صار كالفكاك لك من النار لأنك نجوت منه وتعين الكافر له فألقه في النار فداءك (طب ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أبي هريرة) رمز لحسنه الحديث: 821 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 822 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي من الملائكة ونكره للتعظيم وزاده تبجيلا بقوله (من وراء الحجب) أي بحيث لا يبصره أهل الموقف (يا أهل الجمع) أي يا أهل الموقف الذي اجتمع فيه الأولون والآخرون (غضوا أبصاركم) نكسوها (عن فاطمة بنت محمد حتى تمر) أي تذهب وتجوز إلى الجنة فتمر في سبعين ألف جارية من الحور كمر البرق وأهل الجمع هم أهل المحشر الذي يجمع فيه الأولون والآخرون والقصد بذلك إظهار شرفها ونشر فضلها بين الخلائق فلا إيذان فيه بكونها سافرة كما قد يتوهم من الأمر بالغض ولا ينافيه {لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} لأن القصد إسماعهم شرفها وإن كانوا في شاغل (تمام) في فوائده عن خيثمة بن سليمان عن إبراهيم بن عبد الله الكوفي عن العباس بن الوليد عن خالد الواسطي عن بيان عن الشعبي عن أبي جحيفة عن علي قال ابن الجوزي موضوع العباس كذبه الدارقطني (ك) عن أبي بكر بن عياش وأبو بكر بن أبي دارم وأبي العباس بن يعقوب عن إبراهيم العبسي عن العباس بن الوليد عن خالد الواسطي فمن فوقه ممن ذكر (عن علي) صححه الحاكم وقال على شرط مسلم فقال الذهبي لا والله بل موضوع والعباس راويه قال الدارقطني كذاب انتهى وأورده في الميزان في ترجمته وقال هذا من أباطيله ومصائبه وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف فلم يأت بشيء سوى أن له شاهدا الحديث: 822 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 823 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عمل عملا لغير الله فليطلب) أمر تهديد ووعيد (ثوابه ممن عمله له) أي يأمر الله بعض ملائكته أن ينادي في الموقف بذلك أو يجعلهم خلفاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل حقيقة أو يقوله رب العزة وتسمعه ملائكته فيتحدثون به أو يلهمهم ذلك فيحدثوا نفوسهم به وفيه حجة لمن ذهب إلى أن نحو الرياء يحبط العمل وإن قل ولا يعتبر غلبة الباعث (ابن سعد) في طبقاته (عن أبي سعيد بن أبي فضالة) بفتح الفاء المعجمة الخفيفة الأنصاري قال في التقريب صحابي له حديث ورواه أيضا الترمذي في التفسير وابن ماجه في الزهد بلفظ إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك انتهى الحديث: 823 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 824 - (إذا كانت الفتنة) أي الاختلاف والحروب واقعة (بين) طائفتين أو أكثر من (المسلمين فاتخذ سيفا من خشب) أي من شيء لا ينتفع به ولا يقطع فهو كناية عن العزلة والكف عن القتال والانجماع عن الفريقين. قال الطبري: هذا في فتنة نهينا عن القتال فيها وأمرنا بكف الأيدي والهرب منها إذ لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين طائفتين من المسلمين الهرب منه وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ووجد أهل الشقاق والنفاق سبيلا إلى استحلال ما حرم من أموال الناس وسفك دمائهم بأن يتحزنوا عليهم ونكف أيدينا عنهم ونقول هذه فتنة فما نقاتل فيها وذلك مخالف لخبر خذوا على أيدي سفهائكم فتعين أن محل الأمر بالكف إذا كان القتال على الدنيا أو لإتباع الهوى أو عصبية (هـ) وكذا الترمذي (عن أهبان) بضم فسكون ويقال وهمان بن صيفي الغفاري الصحابي روى حديثا واحدا وهو هذا وحسنه الترمذي وتبعه المصنف وسببه أنه دخل عليه علي بالبصرة وسأله الإعانة فقال لجاريته [ص: 430] أخرجي سيفي فاذا هو خشب فقال إن ابن عمك عهد إلي فقال فذكره وهو الذي كلمه الذئب وقيل غيره وقال ابن حجر روى الطبراني أن أهبان لما احتضر أوصى أن يكفن في ثوبين فكفن في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثالث على السرير الحديث: 824 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 825 - (إذا كانت أمراؤكم) أي ولاة أموركم (خياركم) أي أقومكم على الاستقامة وتحرى طريق العدل والبذل (وأغنياؤكم سمحاءكم) أي كرماءكم وأكثركم جودا وتوسعة على المحتاج ومساهلة في التعامل وعدم الالتفات إلى التافهات (وأموركم) أي شؤونكم (شورى بينكم) لا يستأثر أحد بشيء دون غيره ولا يستبد برأي (فظهر الأرض خير لكم من بطنها) يعني الحياة خير لكم من الموت لسهولة إقامة الأوامر واجتناب المناهي وفعل الخير فتزداد حسناتكم (وإذا كانت أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم) مفوضة (إلى نسائكم) فلا تصدرون إلا عن رأيهن (فبطن الأرض خير لكم من ظهرها) أي فالموت خير لكم من الحياة لأن الإخلال بالشريعة وإهمال إقامة نواميس العدل يخل بنظام العالم وحب الاستثار بالمال يفرق الكلمة ويشتت الآراء ويهيج الحروب والفتن وممالأة الكفار على المسلمين وإفشاء الأسرار إليهم وذلك يجر إلى فساد عريض فلا حرج في تمني الموت حينئذ (ت عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مت فظهر الأرض خير لكم أم بطنها قالوا: الله ورسوله أعلم فذكره قال الترمذي غريب لانعرفه إلا من حديث صالح المري وله غرائب لا يتابع عليها الحديث: 825 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 826 - (إذا كانت عند رجل امرأتان) أي زوجتان أو أكثر (فلم يعدل بينهما) أو بينهن في القسم (جاء) أي حشر (يوم القيامة وشقه) بكسر أوله نصفه وجانبه (ساقط) أي ذاهب أو أشل ولفظ رواية الترمذي فيما وقفت عليه من النسخ مائل قال ابن العربي يعني به كفة الميزان فترجح كف الخسران على كفة الخير إلا أن يتداركه الله بلطفه انتهى وعلى ما هو المتبادر من الحمل على الحقيقة فحكمته أن النساء لما كانت شقائق الرجال وكانت الزوجة نفس الرجل ومسكنه ولباسه وعطل واحدة من بينهن جوزي بتعطيل نصفه وفيه مافيه للزوم تعطيل ربعه لواحدة من أربع وثلاثة أرباعه لثلاثة فالأول أظهر فعدم العدل بينهن حرام فيجب القسم للعدد ولو لنحو رتقاء وقرناء وحائض ونفساء ومجنونة لا يخافها ومحرمة وصغيرة لا تشتهى إلا لناشزة أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه وتمنعه التمتع بلا عذر أو تغلق الباب دونه ولا يلزمه التسوية في الاستمتاع كالجماع لتعلقه بالميل القهري (ت ك عن أبي هريرة) بل رواه الأربعة جميعا قال عبد الحق خبر ثابت قال ابن حجر لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال كان يقال كذا ذكره في تخريج الرافعي لكنه في تخريج الهداية قال رجاله ثقات الحديث: 826 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 827 - (إذا كانوا) أي المتصاحبون (ثلاثة) بنصبه خبر كان وبرفعه على لغة أكلوني البراغيث وكان تامة (فلا يتناجى) بألف مقصورة ثابتة خطا بصورة ياء أي لا يتكلم سرا والتناجي المكالمة سرا (اثنان دون الثالث) لأنه يوقع الرعب في قلبه وفيه مخالفة لما توجبه الصحبة من الألفة والأنس وعدم التنافر ومن ثم قيل إذا ساررت في مجلس فإنك في أهله متهم وتخصيص النهي بما كان في صدر الإسلام حين كان المنافقون يتناجون دون المؤمنين: وهم إذ لو كانوا [ص: 431] كذلك لم يكن للتقيد بالعدد معنى وتقييده بالسفر والمواطن التي لا يأمن المرء فيها على نفسه لا دليل عليه ومخالف للسياق بلا موجوب ولا حجة لزاعمه في مشاورة المصطفى صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عند أزواجه لأن علة النهي إيقاع الرعب والمصطفى صلى الله عليه وسلم لا يتهمه أحد على نفسه والنهي للتحريم عند الجمهور فيحرم تناجي اثنين دون الثالث أي بغير إذنه إلا لحاجة. وقال في الرياض: وفي معناه ما لو تحدثا بلسان لا يفهمه (مالك) في الموطأ (ق عن ابن عمر) ورواه أيضا عنه أبو داود وقال قال أبو صالح قلت لابن عمر فالأربعة قال لا يضر الحديث: 827 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 828 - (إذا كانوا ثلاثة) في سفر أو غيره (فليؤمهم أحدهم) أي يصلي بهم إماما (وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) أي أفقههم لأن الأقرأ إذ ذاك كان هو الأفقه بدليل تقديم المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مع نصه على أن غيره أقرأ منه هذا ما عليه الشافعية وأخذ الحنفية بظاهره فقدموا الأقرأ على الأفقه ثم هذا لا ينافي أن أقل الجماعة اثنان لأن ماهنا في أقل الكمال (حم م عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 828 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 829 - (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم) ندبا (أقرؤهم لكتاب الله) أي هو أحقهم بالإمامة (فإن كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سنا) وفي رواية مسلم إسلاما قال النووي معناه إذا استويا في الفقه ورجح أحدهما بتقدم الإسلام أو بكبر سنه قدم لأنها فضيلة يرجح بها (فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها) أي صورة ويقدم عليه وعند الشافعية الأنسب فالأسبق هجرة فالأحسن ذكرا عند الناس فلأنظف بدنا ولباسا وصنعة فالأحسن صوتا وعند الاستواء في الكل يقرع (هق عن أبي زيد) عمرو بن أحطب (الأنصاري) وفيه عبد العزيز بن معاوية غمزه الحاكم بهذا الحديث وقال هو خبر منكر ورده في المهذب بأن مسلم روى حديثا بهذا السند انتهى وبه يعرف أن رمز المصنف لضعفه غير صواب وأن حكم ابن الجوزي بوضعه تهور الحديث: 829 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 830 - (إذا كبر العبد) أي قال الله أكبر في الصلاة أو خارجها (سترت) أي ملأت (تكبيرته ما بين السماء والأرض) يعني لو كان فضلها وثوابها تجسم لملأ الجو وضاق به الفضاء وقوله (من شيء) بيان لما قاله الطيبي وغيره هذا تمثيل وتقريب والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية وإنما المراد تكثير العدد حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمة جسما تملأ الأماكن لبلغت من كبرها ما يملأ الجو وفيه فضل التكبير والحث على الإكثار منه (خط عن أبي الدرداء) وفيه إسحاق الملطي قال الذهبي كذاب (إذا كبر الإمام) (هذا الحديث غيرموجود بنسخ المتن فتنبه اه) أي فرغ من تكبير التحريم (فكبروا) أيها المأمومون (وإذا ركع فاركعوا) عقبه (وإذا سجد فاسجدوا) عقبه (وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا) يعني إذا جلس للتشهد فاجلسوا إذ المتشهد مصل وهو جالس أو المراد إذا جلس الإمام لعذر وافقه المقتدي لئلا يقوم على رأسه وهو قاعد كما يفعل الأعاجم بعضها مع بعض وهذا مندوب أو منسوخ كما ذكره البغوي كالحميدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما صلى قاعدا والناس خلفه قياما ودندن ابن القيم على عدم نسخه بما لا ينجع وقوله (أجمعون) هذا هو في رواية البخاري بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا وفي رواية أجمعين بنصبه على الحال أي جلوسا مجتمعين قال الدماميني أو تأكيدا لجلوسا وكلاهما لا يقول به البصريون لأن ألفاظ التاكيد معارف أو على التأكيد بضمير مقدر منصوب [ص: 432] أي أعنيكم أجمعين وأخذ منه منع قيام الخدم على المخدوم عبودية له لأن القيام على رأس الإمام إذا منع مع أنه قيام لله فغيره أولى (طب عن أبي أمامة) ورواه الشيخان بلفظ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين الحديث: 830 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 831 - (إذا كتب أحدكم كتابا) أي كتاب مراسلة أو مبايعة أو مناكحة أو نحو ذلك واحتمال أن المراد ذلك وغيره حتى الكتب العلمية يبعده تعليله بأنه أنجح لقضاء الحاجة فدل على أن المراد المراسلة ونحوها (فليتربه) أي فليذر على المكتوب ما يسمى ترابا أو فليسقطه على التراب ندبا إشارة إلى اعتماده على ربه في إيصاله لمقصده أو نحو ذلك وزعم أن المراد فليخاطب المكتوب إليه خطاب تواضع مناف للسياق (فإنه أنجح لحاجته) أي لقضاء مطلوبه وفي رواية بدل هذا فإن التراب مبارك وقد نظم بعضهم معنى الحديث في قوله: كتبت الكتاب وتربته. . . لعلي بتتريبه أنجح لقول النبي لأصحابه. . . ألا تربوا كتبكم تنجحوا وفيه رد على من كرهه من الكتاب حيث قال: لا تشنه بما تذر عليه. . . فكفاه هبوب هذا الهواء فكأن الذي تذر عليه. . . جدري بوجنة الحسناء قيل: وحكمة الترتيب أن التراب مطهر وخلق منه الإنسان وإليه يعود فأمر بتتريبه ليتذكر ذلك (ت) في الاستئذان من حديث حمزة عن أبي الزبير (عن جابر) وقال حديث منكر وحمزة هو ابن عمرو النصيبي متروك انتهى فعزو المصنف الحديث لمخرجه وحذفه ما تعقبه به من القادح غير صواب وقد جرى على سنن الصواب في الدرر فقال عقب تخريجه منكر وأفاد الزركشي أن أحمد رواه وقال أيضا منكر وقال المصنف ورواه الديلمي وابن عدي وابن عساكر بألفاظ متقاربة وأسانيدها ضعيفة الحديث: 831 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 832 - (إذا كتب أحدكم إلى أحد) من الناس كتابا (فليبدأ) فيه ندبا (بنفسه) أي يذكر اسمه مقدما على اسم المكتوب له نحو من فلان إلى فلان وإن كان مهينا حقيرا والمكتوب إليه فخما كبيرا فلا يجري على سنن العجم حيث يبدأون بأسماء أكابرهم في المكاتيب ويرون أن ذلك من الأدب وإنما الأدب ما أمر به الشارع نعم إن خاف وقوع محذور بمحترم إن بدأ بنفسه بالمكتوب إليه بدليل ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله إلى معاوية وفيه أيضا عنه أنه كتب إلى عبد الملك ليبايعه لعبد الملك أمير المؤمنين من ابن عمر سلام عليك (طب عن النعمان بن بشير) وفيه مجهول وضعيف الحديث: 832 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 833 - (إذا كتب أحدكم إلى إنسان كتابا) أي أراد أن يكتب له (فليبدأ) فيه (بنفسه) ثم بالمكتوب إليه لأنه من التواضع إذا العادة جرت بتقديم التابع على متبوعه في المشي فكذا في الذكر (وإذا كتب) أي أتم الكتابة (فليترب) كتابه (فهو) أي التتريب (أنجح) لحاجته أي أيسر وأحمد لقضائها (طس عن أبي الدرداء) وفيه سليمان بن سلمة الجبائري متروك ذكره الهيتمي. وقال السخاوي: أحاديث التتريب كلها ضعيفة الحديث: 833 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 [ص: 433] 834 - (إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم) أي أراد كتابتها (فليمد) حروف (الرحمن) بأن يبعد بين الميم والنون ويحقق الميم إشارة إلى أن بينهما محل الألف اللفظية وحذفها من الخط اتباعي ويجوف النون ويتأنق في ذلك فإنه سبب للمغفرة كما في خبر تأنق أي تجود. وبالغ رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له وفي خبر الديلمي عن أنس رفعه إذا كتبتم كتابا فجودوا بسم الله الرحمن الرحيم تقضى لكم الحوائج وفيه رضا الله انتهى وفيه عويد متروك وهذا إشارة إلى أن ما اصطلح من مشتق الخط في المكاتبات غير مستقبح في كتابة شيء من الكتاب والسنة وكذا العلوم الشرعية فإن القصد بها معرفة صنيع الألفاظ وكيفية مخارجها وإظهار حروفها وضبطها بالشكل والإعجام ومن ثم قالوا إعجام الخط يمنع من استعجامه وكله يؤمن من استشكاله وقالوا رب علم تعجم فصوله فاستعجم محصوله والكتاب أهملوا ذلك إشارة إلى أنهم لفرط إدلائهم بالصنعة وتقديمهم في الكتابة يكتفون بالإشارة ويقتصرون على التلويح ويتجه عدم جواز ذلك في القرآن. <تنبيه> قال ابن عربي هذه الحروف ليس لها خاصية من حيث كونها حروفا بل من حيث كونها أشكالا فلما كانت ذوات أشكال كانت الخاصية للشكل فلهذا أمر بتبينيها ومن ثم اختلف عملها باختلاف الأقلام لأن الأشكال تختلف وأما المرقمة فإذا وجدت أعيانها على أوضاعها صحبتها أرواحها وخواصها فكانت خاصية ذلك الحرف بشكله وتركيبه مع زوجه وكذا إن كان الشكل مركبا من حرفين أو أكثر كان للشكل روح ليس الروح الذي للحرف (خط في الجامع) بين أدب الراوي والسامع (فر عن أنس) قال الذهبي فيه كذاب الحديث: 834 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 835 - (إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين) أي أوضحها وبين سننها إجلالا لاسم الله وإعظاما له وفي خبر رواه الخطيب عن أنس جودوا السين من بسم الله تقضى لكم الحوائج (خط) في ترجمة ذي الرآستين الفضل بن سهل (وابن عساكر) في تاريخه (عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك كاتب الوحي (عن أنس) الحديث: 835 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 836 - (إذا كتبت) أي أردت أن تكتب (فضع قلمك على أذنك) حال الكتابة أي اجعله بأزائها مما يلي الصدغ (فإنه أذكر لك) أي أعون لك على تذكير ما تكتب وهذا أمر إرشادي (ابن عساكر في تاريخه عن أنس) قال كان معاوية كاتب الوحي إذا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم غفلة وضع القلم في فيه فقال يا معاوية إذا كتبت فضع إلخ الحديث: 836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 837 - (إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده) لأن في كتابته بدونه خلطا للصحيح بالضعيف بل والموضوع فيقع الزلل وينسب للرسول ما لم يقل فإذا كتب بإسناده فقد برىء الكاتب من عهدته كما قال (فإن يك) الحديث (حقا كنتم شركاء في الأجر) لمن رواه من الرجال (وإن يك باطلا كان وزره عليه) أي على من تعمد فيه الكذب ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: الذي يطلب العلم بلا سند كحاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى وهو لا يدري. وقال الثوري: السند سلاح المؤمن فإذا لم يكن معك سلاح فيم تقاتل. وقال ابن المبارك: طالب العلم بلا سند كراقي السطح بلا سلم وقد أكرم الله هذه الأمة بالإسناد وجعله من خصوصياتها من بين العباد وألهمهم شدة البحث عن [ص: 434] ذلك حتى أن الواحد يكتب الحديث من ثلاثين وجها وأكثر وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي حاتم الرازي لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمة يحفظون آثار نبيهم غير هذه الأمة قيل له ربما روى أحدهم حديثا لا أصل له قال علماؤهم يعرفون الصحيح من غيره فروايتهم الحديث الواهي ليتبين لمن بعدهم (ك في علوم الحديث وأبو نعيم) والديلمي (وابن عساكر عن علي) رمز لضعفه وليس بضعيف فقط بل قال في الميزان موضوع الحديث: 837 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 838 - (إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من العمل) الصالح (ما يكفرها) لقلته وكثرتها (ابتلاه الله بالحزن) بالتحريك وفي رواية بالهم قال الحافظ العراقي والأول الصواب (ليكفرها عنه) به فالأحزان والأكدار في هذه الدار رحمة من العزيز الغفار ومن ثم قال الصوفية إنما يحصل الهم والغم من جهتين التقصير في الطاعة والحرص على الدنيا انتهى وأما حمل الحزن على الندم على المخالفة فغير صواب لأن ذلك ليس ابتلاءا (حم عن عائشة) قال المنذري رواته ثقات إلا الليث بن أبي سليم وقال العراقي فيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه وقال الهيتمي فيه ليث وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 838 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 839 - (إذا كثرت ذنوبك) أي وأردت اتباعها بحسنات لها أثر بين وفعل فاعل في محوها والمراد الصغائر (فاسق الماء على الماء) أي اسق المستسقي ولو كنت بشط نحو نهر أو بحر بذكره ليس بقيد بل لنفي توهم أنه لو حازه بلا كلفة فلا أجر له في سقيه وأولى من ذلك أن يقال المراد موالاة السقي وتتابعه أي اسق الماء على أثر سقي الماء بلا فاصل بأن يكون متتابعا (تتناثر) بمثناتين فوقيتين فنون أي فإنك إن فعلت ذلك تتساقط (ذنوبك كما يتناثر الورق من الشجر في الريح العاصف) أي الشديد وفيه ترغيب عظيم في فضل سقي الماء وفخامة لشأنه واللظاهر أنه لا يتعين لذلك مباشرته بنفسه بل يكفي كون الماء ملكا له وتسبب في تسبيله بنحو أجرة وربح سيما إن كانت المباشرة لا تليق به (خط عن أنس) وفيه هبة الله بن موسى الموصلي قال في الميزان لا يعرف وساق له هذا الخبر الحديث: 839 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 840 - (إذا كذب العبد كذبة) بفتح الكاف والنصب أي واحدة منهيا عنها (تباعد الملك) يحتمل أن أل جنسية ويحتمل أنها عهدية والمعهود الحافظ (عنه ميلا) وهو منتهى مد البصر أو هو أن ينظر إلى شخص بأرض مستوية فلا يدري أذكر أم أنثى ذاهب أم آت وفي اصطلاح أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف والخلف لفظي لأن مراده الأولين ذراع العمل والثاني ذراع اليد ويظهر أن المراد بالميل هنا التكثير (من نتن ما جاء به) أي من أجل نتن ريح ما نطق به ذلك الكاذب من الكذب وفي رواية لابن عدي من نتن ريحه فإن قيل كيف يكون للقول رائحة قلنا تعلق الروائح بالأجسام وخلقها فيها عادة لا طبيعة فإذا شاء الباري خلقها مقرونة بالأعراض فتنسب إليها نسبتها إلى الأجسام قال الطيبي: وإذا تباعد الملك من نتن نحو بصل وثوم وتأذى به فتباعده من الكذب أولى وأخذ من الخبر أن الملائكة تدرك من الآدمي ريحا خبيثا عند تلفظه بالمعصية وهل هذه الريح حسية أم معنوية احتمالان رجح بعضهم الأول ولا يقدح فيه عدم إدراكنا لها لأن لها كما قال ابن عربي حجابا على الأنف يمنعنا من إدراك نتنه بل أكابر المؤمنين يدركونه حسيا ألا ترى إلى خبر أحمد عن جابر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة فقال أتدرون ما هذه الريح هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين وأخذ منه جمع صوفية أنه يتعين على مريد نحو صلاة أو ذكر أن يطهر الظاهر والباطن لئلا يؤذي أحدا من أهل الحضرة الإلهية من أنبياء وملائكة وأولياء بنتن ريحه المتولد [ص: 435] من الذنوب سيما الفم إذا نطق بما لا يحل فإن أهل الحضرة لرقة حجابهم وطهارة بواطنهم يشمون رائحة المخالفات ولهذا قال مالك بن دينار والله لو كان الناس يشمون روائح المعاصي كما أشمها ما استطاع أن يجالسني أحد من نتن ريحي. وقد تطابق على قبح الكذب جميع الملل والنحل قال في الكشاف في قوله سبحانه وتعالى {وما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع وواهية لا يخطر ببالهم ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم بكونهم كاذبين حتى سووا للصدق في خبرهم حيلة يتخلصون بها عن الكذب انتهى <تنبيه> قال بعضهم: العالم كله مشحون بالملائكة وأذيتهم وأذية مواطنهم وهي مساجدهم التي يتعبدون فها محرمة علينا فليس في العالم موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك كما يأتي فالعالم كله مسجد لهم فأذيتهم بالمعاصي وريح الذنوب وإكرامهم بكف الأذى عنهم وترك الكذب وكشف العورة والقبائح فالكف عن ذلك إكرام للملأ الأعلى المجاورين للقلوب والأرواح والنفوس في عالم الملكوت والأجسام في عالم الملك (ت) في الزهد (حل) في ترجمة ابن أبي داود (عن ابن عمر) قال الترمذي جيد غريب تفرد به عبد الرحيم بن هارون انتهى وعبد الرحيم قال الدارقطني متروك الحديث يكذب وذكر له ابن عدي مناكير وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه تبعا لتجويد الترمذي (1) (إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها) <1> أي إذا أراد كل من المتداعيين في التحالف أو نحوه أن يبدأ صاحبه قبله أو عكسه أقرع بينهما فمن خرجت قرعته بتقديم أو تأخير قدم أو أخر ندبا وهذا محله عند الشافعية إذا تساويا كأن تبادلا عينا بعين وإلا بدىء بالبائع ومن في حكمه ندبا (د عن أبي هريرة) (2) (إذا كسفت الشمس) أو خسف القمر (فصلوا) للكسوف أو الخسوف (كآخر صلاة صليتموها من المكتوبة) فإن كان ذلك بعد الصبح مثلا فصلوا ركعتين أو الظهر فأربع وهكذا وهذا لم أر من أخذ به من المجتهدين (طب عن النعمان بن بشير)   <1> هذان الحديثان لم يوجدا في أكثر النسخ وهما في خط المؤلف الحديث: 840 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 841 - (إذا كنتم في سفر) طويل أو قصير (فأقلوا المكث) اللبث والانتظار (في المنازل) أي الأماكن التي اعتيد النزول فيها في السفر لنحو استراحة والإقلال من المكث فيها بأن يكون بقدر الحاجة فقط لأن في إطالة المكث فيها تطويلا للسفر الذي هو قطعة من العذاب وقد يقل الزاد أو تعرض قطاع الطريق للقافلة وأشار بقوله فأقلوا إلى تعين النزول للاستراحة فعلى أمير الجيش أو الحج أن يريحهم بالنزول فيها على الوجه المعتاد ولا يكلف العاجز ما لا يطيقه من العجلة (أبو نعيم) والديلمي (عن ابن عباس) وفيه الحسن بن علي الأهوازي قال الذهبي اتهمه وكذبه ابن عساكر الحديث: 841 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 842 - (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى) قال القرطبي الرواية المشهور بألف مقصورة ثابتة في الخط ساقطة في اللفظ لالتقاء الساكنين فهو خبر بمعنى النهي وفي رواية مسلم بغير ألف وهي واضحة والتناجي التحادث سرا (رجلان) يعني اثنان كما في رواية (دون الآخر) بغير إذنه فيحرم فقد يظن أنهما يريدانه بقبيح أو أنهما لم يشاركاه في الحديث احتقارا له وظاهره عموم النهي في كل زمن حضرا أو سفرا وعليه الجمهور كما مر ثم بين غاية المنع. وهو أن يحدث الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يفعل حتى دعا رابعا بأن يتحدث مع الآخر وناجى الطالب للمناجاة فقال (حتى تختلطوا بالناس) أي تنضموا إليهم وتمتزجوا ويتحدث بعضهم مع بعض ثم علل ذكر النهي بقوله (فإن ذلك) أي التناجي مع انفراد واحد وفي رواية بدله من أجل أن ذلك قال الزركشي أي من أجل وقد يتكلم به مع حذف من (يحزنه) بضم المثناة تحت وكسر الزاي وبفتحها أي يوقع في نفسه ما يحزن لأجله أي بسببه لما تقرر من أنه يظن الحديث عنه بما يؤذيه وذلك كله ناشىء عن بقائه وحده فإذا كان معه [ص: 436] غيره أمن ذلك وعليه يستوي في ذلك كله الأعداد كما ذكره القرطبي فلا يتناجى أربع دون واحد ولا عشرة ولا ألف لوجود المعنى في حقه بل وجوده في الكثير أقوى وإنما خص الثالث بالذكر لأنه أقل عدد يتأتى فيه ذلك المعنى ذكره القرطبي قال ابن عربي ومثله ما لو تكلم معه بلسان لا يعرفه الثالث ومحل النهي في غيره مهم ديني أو دنيوي يترتب على إظهاره مفسدة (حم ق ت هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو داود ولعله أغفله سهوا الحديث: 842 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 843 - (إذا لبستم) أي أردتم لبس نحو ثوب فابدؤا بميامنكم (وإذا توضأتم) الوضوء الشرعي (فابدؤا) ندبا (بميامنكم) كذا في نسخ الكتاب وهو الموجود في خطه وفي رواية بأيامنكم قال التوريشتي والرواية الأولى هي المعتمد بها ولا فرق بين اللفظين من طريق العربية فإن الأيمن والميمنة خلاف الأيسر والميسرة غير أن الحديث تفرد أبو داود بإخراجه ولفظه بميامنكم انتهى. ورد الطيبي بأن الموجود في أبي داود في باب النعال وشرح السنن للبغوي وشرح مسلم والمصابيح بأيامنكم قال وقد أخرجه أحمد بروايته عن أبي هريرة كذلك انتهى وذلك لأن اللبس والتطهر من باب الإكرام واليمين أولى كما مر غير مرة قال الطيبي وخصا بالذكر وكرر أداة الشرط ليؤذن باستقلالهما وأنهما يستوعبان جميع ما يدخل في الباب أما التوضؤ فق مر أنه فتح لأبواب الطاعات كلها فبذكره يستغنى عنها كلها كما في قوله الطهور شطر الإيمان وأما اللباس فلأنه من النعم الممتن بها في آية {قد أنزلنا عليكم لباسا} إشعارا بأن الستر باب عظيم في التقوى وذلك لما عصى آدم ربه عاقبه بإبداء السوءة ونزع اللباس عنه واستدل به المالكية على أن لبس الخاتم في اليسار أولى لأنه من الأفعال التي تتناول باليمين فيجعله في شماله بيمينه إذ ليس من الأفعال الخسيسة فالحديث يتناوله (د حب عن أبي هريرة) قال في الرياض حديث صحيح وتبعه المصنف فرمز لصحته لكن قال الذهبي في المهذب غريب فرده وقال المناوي حسن الحديث: 843 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 844 - (إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه) بأن أراه رؤيا تحزنه أو خلط عليه فيه (فلا يحدث به الناس) ندبا لئلا يستقيله المعبر في تفسيرها بما يزيده هما ويورثه غما مع أن ما من الشيطان أضغاث أحلام لا أثر له ولا عبره بتعبيرة بل يفعل ما مر من الاستعاذة والتفل والتحول (م هـ عن جابر) قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت أن عنقي ضربت فأخذته فأعدته فذكره قال الماوردي يحتمل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم أن هذا المنام من الأضغاث بوحي أو قرينة وأما المعبرون فيقولون قطع الرأس يدل على زوال نعمة وسلطان واختلاف أحواله وإن كان عبدا أو مريضا أو مديونا يدل على عنقه وشفائه ووفاء دينه الحديث: 844 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 845 - (إذا لعن آخر هذه الأمة أولها) يعني السلف الصالح (فمن كتم) حينئذ (حديثا) بلغه عن الشارع بطريقه المعتبر عند أهل الأثر (فقد كتم ما أنزل الله عز وجل علي) فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما في أخباره (عن جابر) قال المنذري ضعيف الحديث: 845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 846 - (إذا لقي أحدكم أخاه) في الدين (فليسلم عليه) من اللقاء وهو كما قال الحراني اجتماع بإقبال (فإن حالت بينهما شجرة أو حائط) لفظ أبي داود أو جدار (أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه) ندبا وإن تكرر عن قرب قال الطيبي فيه حث على السلام وإن تكرر عند كل تغير حال ولكل جاء وغاد وقال المناوي قضية الأمر بالسلام عليه وإن قربت مفارقته ثانيا وثالثا وأكثر وقيل بث السلام رفع للضغينة بأيسر مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية (د هـ هب عن أبي هريرة) بإسناد حسن الحديث: 846 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 [ص: 437] 847 - (إذا لقيت الحاج) بعد تمام حجه (فسلم عليه وصافحه) أي ضع يدك في يده (ومره) أي اسأله (أن يستغفر لك) بأن يقول أستغفر الله لي ولك والأولى كون ذلك (قبل أن يدخل بيته) أي محل سكنه فإنه إذا دخل انهمك غالبا في اللذات ونيل الشهوات (فإنه مغفور له) الصغائر والكبائر إلا التبعات إذا كان حجه مبرورا كما قيده في عدة أخبار فتلقي الحاج والسلام عليه وطلب الدعاء منه مندوب ولقاء الأحباب لقاح الألباب وأخبار تلك الديار أحلى من الأسمار وقدوم الحاج يذكر بالقدوم على الله تعالى وظاهر الحديث أن طلب الاستغفار منه مؤقت بما قبل الدخول فإن دخل فات لكن في الإحياء عن عمر أن ذلك يمتد بقية الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول انتهى وعليه فينزل الحديث على الأولوية فالأولى طلب ذلك منه حال دخوله فلعله يخلط أو يلهو <تنبيه> قال الإمام الرازي: الحكمة في طلب السلام عند التلاقي والمكاتبة دون غيرهما أن تحية السلام طلبت عند ما ذكر لأنها أول أسباب الألفة ولا السلامة التي تضمنها السلام هي أقصى الأماني فتنبسط النفس عند الإطلاع عليه أي بسط وتتفاءل به أحسن فأل قال وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن مع تضمن تحية السلام للتواضع وتجنب الكبر مع التأنيس للوحشة واستمالة القلب وسكون النفس للآتي بها فنفتح أبواب المودة وتتألف القلوب (تتمة) قال العراقي: الخروج المندوب لتلقي الغائب وتشييع المسافر من نحو حاج وغاز لا يختص بحال ولا بمسافة بل هو بحسب العوائد واختصاص المتلقي والمشيع بمن يتلقاه أو يشيعه (حم عن ابن عمر) رمز لحسنه وليس كما قال فقيه محمد بن عبد الرحمن السلماني ضعفوه وممن جزم بضعفه الحافظ الهيتمي الحديث: 847 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 848 - (إذا لم يبارك للرجل) يعني الإنسان (في ماله جعله في الماء والطين) أي في البنيان بهما وسبق أن هذا في غير ما فيه قربة وفيما عدا ما لا بد منه (هب عن أبي هريرة) وفيه عبد الأعلى بن أبي المقاور تركه أبو داود الحديث: 848 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 849 - (إذا مات الميت) من باب المجاز باعتبار ما يؤول إليه. إذا الميت لا يموت بل الحي قال الزمخشري في خبر " فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة " وسمي المشارف للمرض والضال مريضا وضالة تجوزا وعليه يسمى المشارف للموت ميتا (تقول الملائكة) الذين يمشون مع الجنازة أي يقول بعضهم لبعض (ما قدم) من الأعمال الصالحة أهو صالح فنستغفر له أم لا؟ أو هو تعجب لا استفهام أي ما أكثر ما لزمه من العمل الصالح أو غيره (ويقول الناس) بعضهم لبعض (ما خلف) بشد اللام من التركة الموروثة عنه فالقصد به بيان أن اهتمام الملائكة إنما هو بشأن الأعمال واهتمام الورثة بما تركه ليورث عنه وفيه رد على بعض الفرق الضالة الزاعمين أن الموت عدم محض وفناء صرف كذبوا والله بل هو انتقال من دار إلى دار وتغيير من حال إلى حال (هب عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن سليمان الجعفي قال النسائي ليس بثقة وعبد الرحمن المحاربي له مناكير الحديث: 849 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 850 - (إذا مات الإنسان) وفي رواية: ابن آدم (انقطع عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه يعني لا تصل إليه فائدة شيء من عمله كصلاة وحج (إلا من ثلاث) أي ثلاثة أشياء فإن ثوابها لا ينقطع لكونه فعلا دائم الخير متصل النفع ولأنه لما كان السبب في اكتسابها كان له ثوابها (صدقة) لفظ رواية مسلم: إلا من صدقة وتبع المصنف في إسقاطها [ص: 438] المصابيح مع ثبوتها في مسلم والحميدي وجامع الأصول والمشارق. قال الطيبي: وهو بدل من قوله: إلا من ثلاث وفائدة التكرير مزيد تقرير واعتناء بشأنها والاستثناء متصل تقديره ينقطع ثواب أعماله من كل شيء كصلاة وزكاة وحج ولا ينقطع ثواب عمله منهذه الثلاثة (جارية) دائمة متصلة كالوقوف المرصدة فيدوم ثوابها مدة دوامها (أو علم ينتفع به) كتعليم وتصنيف. قال السبكي: والتصنيف أقوى لطول بقائه على ممر الزمان لكن شرط بعض شراح مسلم لدخول التصنيف فيه اشتماله على فوائد زائدة على ما في الكتب المتقدمة فإن لم يشتمل إلا على نقل ما فيها فهو تحبير للكاغد فلا يدخل في ذلك وكذا التدريس فإن لم يكن في الدرس زيادة تستفاد من الشيخ مزيدة على ما دونه الماضون لم يدخل. وما أحسن ما قيل: إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة. . . بتقرير إيضاح لمشكل صورة. . . وعزو غريب النقل أو حل مغفل أو إشكال أبدته فكرة. . . فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد. . . ولا تتركن فالترك أقبح خلة قال المنذري: ونسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل ما يقي خطه وناسخ ما فيه إثم: عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه (أو ولد صالح) أي مسلم (يدعو له) لأنه هو السبب لوجوده وصلاحه وإرشاده إلى الهدى وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء للوالد. وقيد بالصالح أي المسلم لأن الأجر لا يحصل من غيره وأما الوزر فلا يلحق الأب من إثم ولده ثم إن هذا لا يعارضه خبر: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. وخبر: أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: المرابط إلخ. وخبر: من مات يختم على عمله إلا المرابط لأن السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به. ومعنى خبر المرابط بوجه ما فإن ثواب عمله الذي قدمه في حياته ينمو له إلى يوم القيامة أما هذه الثلاثة فأعمال تجدد بعد موته لا تنقطع عنه لكونه سببا لها فإنه تعالى يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا ما على كسبه سواء فيه المباشرة والسبب وما يتجدد حالا فحالا من منافع الوقف ويصل إلى المستحقين من نتائج فعل الواقف واستفادة المتعلم من مآثر المتقدمين وتصانيفهم بتوسط إرشادهم وصالحات أعمال الولد تبعا لوجوده الذي هو مسبب عن فعل الوالد كان ذلك ثوابأ لاحقا بهم غير منقطع عنهم وبدأ بالصدفة لأن المال زينة الدنيا والنفوس متعلقة بحبه فايثار الخروج عنه لله آية صدق فاعله ونعني بالعلم لاشتراكه معها في عموم منافعه وجموم مناقبه وختم بدعاء الولد تنبيها على أن شرف الأعمال المتقدمة لا ينكر ولأنها أرجح من الأعمال القاصرة قال النووي: وفيه دليل على صحة الوقف وعظم ثوابه وبيان فضيلة العلم والحث على الإكثار منه والترغيب في توريثه بنحو تعليم وتصنيف وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع وأن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذا الصدقة وهو إجماع وكذا قضاء الدين (حم خد م) في الوصايا (3 عن أبي هريرة) الحديث: 850 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 851 - (إذا مات أحدكم) أيها المؤمنون الأبرار والكافرون الفجار وفي عصاة المؤمنين تردد (عرض عليه مقعده) أي محل قعوده من الجنة أو النار بأن تعاد الروح إلى بدنه أو إلى بعض منه يدرك به حال العرض ولا مانع منه وشاهده {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} وقيل العرض إنما هو على الأرواح لا الأشباح ورجح ابن حجر أن العرض يقع على الروح حقيقة وعلى ما يتصل به من البدن (بالغداوة والعشي) أي وقتهما (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار) أي إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد [ص: 439] أهل الجنة يعرض عليه وإن كان من أهل النار فمقعده من مقاعد أهل النار يعرض عليه فليس الجزاء والشرط متحدين معنى بل لفظا ولا ضير فيه بل يدل على الفخامة (ثم يقال له من قبل الله) أي يأمر الله الملك أو من شاء من خلقه يقول له ذلك (هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه) أي إلى ذلك المقعد (يوم القيامة) أي لا تصل إليه إلا بعد البعث ويحتمل رجوع الضمير إلى الله. كذا قرره التوربشتي وقال الطيبي: يجوز كون معناه فمن كان من أهل الجنة فيبشر بما لا يكنه كنهه ولا يقدر قدره وإن كان من أهل النار فبالعكس لأن هذا القول طليعة تباشير السعادة الكبرى. ومقدمة بتاريخ الشقاوة لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل الجزاء على الفخامة قال: والضمير في إليه يرجع إلى المقعد فالمعنى هذا مقعد يستقر فيه حتى يبعث إلى مثله من الجنة أو النار كقوله تعالى {هذا الذي رزقنا من قبل} أي مثل الذي أويرجع إلى الله أو إلى لقاء الله أو إلى المحشر أي هذا الآن مقعده إلى يوم المحشر فترى عند ذلك كرامة أو هوانا تنشىء عنده هذا المقعد وفيه إثبات عذاب القبر لأن عرض مقعده من النار عليه نوع عظيم من العذاب (ق ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 851 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 852 - (إذا مات صاحبكم) أي المؤمن الذي كنتم تصاحبونه لقرابة أو صهارة أو جوار أو صدقة أو نحوها (فدعوه) اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حيا ولما كان الترك قد لا يستلزم ترك الوقيعة قال (ولا تقعوا فيه) أي لا تتكلموا في عرضه بسوء ولا تتكلموا بعده بشيء من أخلاقه الذميمة فإنه قد أفضى إلى ما قدم. وغيبة الميت أفظع من غيبة الحي لأنه يرجى استحلاله بخلافه وزعم أن المراد اتركوا محبته بعد موته ولا تقلقوا قلوبكم به بأن تجلوا المصيبة والبكاء عليه والتعزية بعيد من السياق وقد ورد في عدة أخبار الكف عن مساوىء الأموات مطلقا فتخصيص الصاحب للاهتمام وبيان أنه بذلك أحق <تنبيه> زعم بعض شراح المصابيح أنه أراد بالصاحب نفسه وعنى بقوله: فدعوه: أنه لا يؤذي في عشرته وأهل بيته وأن من تكلم فيهم بسوء فكأنه وقع فيه وفيه تكلف (د عن عائشة) رمز لصحته وهو كما قال فقد قال العراقي: إسناده جيد الحديث: 852 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 853 - (إذا مات صاحب بدعة) أي مذمومة بأن لم يشهد لها أصل من أصول الشرع (فقد فتح في الإسلام فتح) أي أغلق باب الضرر عن الناس سيما إن كان داعية وفتح باب النفع فهو استعارة وذلك لأن موته راحة للعباد لإفتانه لهم وللبلاد والشجر والدواب لأن ظهور البدع سبب للقحط فإذا مات جاء الفتح للأنام والأنعام ومن ترك الاتباع وآثر الابتداع وعدل عن منهج جماعة الإيمان وآثر الإصرار على الطغيان وانهمك في غمرات الضلال وجانب أهل الكمال: فحقيق أن يكون موته فتحا من الفتوحات ورحمة من الرحمات فلذلك كان موته عند أهل الإسلام كفتح المدائن العظام والمبتدع يروم هدم قواعد الدين وإفساد عقائد المسلمين فضرره كضرر الكافر بل أشد لأن هذا يستر عدواته ويقاتل أهل الإسلام بخلاف الكافر. وأنشد جمال الإسلام أبو المظفر السمعاني: تمسك بحبل الله واتبع الهدى. . . ولا تك بدعيا لعلك تفلح. . . ولذ بكتاب الله والسنن التي أتت عن رسول الله تنجو وتربح. . . ودع عنك آراء الرجال وقولهم. . . فقول رسول الله أزكى وأشرح ولا تك من قوم تلهوا بدينهم. . . فتطعن في أهل الحديث وتقدح إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه. . . فأنت على خير تبيت وتصبح <تنبيه> المراد بالبدعة هنا اعتقاد مذهب القدرية أو الجبرية أو المرجئة أو المجسمة ونحوهم فإن البعة خمسة أنواع: محرمة وهي هذه وواجبة وهي نصب أدلة المتكلمين للرد على هؤلاء وتعلم النحو الذي به يفهم الكتاب والسنة ونحو ذلك ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يعهد في الصدر الأول ومكروهة كزخرفة [ص: 440] مسجد وتزويق مصحف ومباحة كالمصافحة عقب صبح وعصر (قوله ومباحة: كالمصافحة إلخ: المصافحة المذكورة بدعة مكروهة لأنها مخالفة للسنة الصحيحة وهي ترك المصافحة عقب الصلوات. قال ابن الحاج في المدخل: وينبغي له - أي للإمام - أي يمنع محدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع وموضع المصافحة في الشرع إنما هي عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس وذلك كله من البدع فحيث وضعها للشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى من خلاف السنة اه من مدخل الشرع الشريف ص 219 ج 2 طبع مصر) وتوسع في لذيذ مأكل وملبس ومسكن ولبس طيلسان وتوسيع أكمام (قوله وتوسيع أكمام: هو من الاسراف المنهي عنه وحكمه الكراهة كتطويل الازار عن الكعبين إن كان من غير خيلاء والا فيحرم كما هو مقرر في الشرع الشريف) ذكره النووي في تهذيبه (خط عن أنس) قال مخرجه الخطيب الإسناد صحيح والمتن منكر الحديث: 853 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 854 - (إذا مات ولد العبد) أي الإنسان ولو أثنى (قال الله لملائكته) الموكلين بقبض الأرواح (قبضتم ولد عبدي) أي روحه (فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة قؤاده) أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة (فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع) أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الطيبي: رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد اله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير وقال أولا: ولد عبدي: أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته فإن خلاصة المرء الفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محمودا حتى المكان الذي يسكنه ولذلك قال (فيقول الله تعالى) لملائكته) أو لمن شاء من خلقه (ابنوا لعبدي بيتا في الجنة) يسكنه في الآخرة (وسموه بيت الحمد) أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن السلام وابن القيم قالا: فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه <تنبيه> ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معا أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت الحمد والاسترجاع لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد. وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل إفراده بالتسمية (تتمة) قال المصنف موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لاجرم أن الله تعالى حث فيه على الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل (ت) وكذا الطيالسي والطبراني والديلمي في مسند الفردوس (عن أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن غريب وهو مستند المؤلف في رمزه لحسنه ورواه أيضا ابن حبان والإمام أحمد والبيهقي وغيرهم الحديث: 854 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 855 - (إذا مدح المؤمن في وجهه ربى الإيمان في قلبه) أي زاد إيمانه لمعرفة نفسه وإذلاله لها فالمراد المؤمن الكامل الذي عرف نفسه وأمن عليها من نحو كبر وعجب بل يكون ذلك سببا لزيادته في العمل الصالح المؤدي لزيادة إيمانه ورسوخ إبقائه أما من ليس بهذه الصفة فالمدح عليه من أعظم الآفات المفضية بإيمانه إلى الخلل [ص: 441] الذي ورد فيه خبر: إياكم والمدح (تتمة) قال في الحكم: المؤمن إذا مدح استحيا من الله أن يثني عليه بوصف لا يشهد من نفسه وأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس والزهاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق (طب ك عن أسامة بن زيد) قال العراقي: سنده ضعيف الحديث: 855 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 856 - (إذا مدح الفاسق) أي الخارج عن العدل والخبر وحسن زيادة الخلق والحق لأن الفسق خروج عن محيط كالكمام للثمرة والجحر للفأرة ذكره الحراني (غضب الرب) لأنه أمر بمجانبته وإبعاده فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله به أن يقطع وواد من حاد الله مع ما في مدحه من تغرير من لا يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل والإشعار باستحسان فسقه وإغرائه على إقامته. وظاهر الحديث يشمل ما لو مدحه بما فيه كسخاء وشجاعة ولعله غير مراد (واهتز) أي تحرك (لذلك) أي لغضب الرب (العرش) واهتزازه عبارة عن أمر عظيم وداهية دهياء وذلك لأن فيه رضا بما فيه سخط الله وغضبه بل يكاد يكون كفرا لأنه ربما يفضي إلى استحلال ما حرم الله وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا وإذا كان هذا حكم مدح الفاسق فكيف بمن يمدح الظالم ويركن إليه وقد قال تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} قال الزمخشري: النهي متناول للانخراط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم والرضا بأعمالهم والنسبة إليهم والتزيي بزيهم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب ذم الغيبة (هب) من حديث أبي خلف (عن أنس) وأبو خلف هذا قال الذهبي قال يحيى كذاب وقال أبو حاتم منكر الحديث وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف (عد عن بريدة) قال العراقي: وسنده ضعيف وفي الميزان خبر منكر الحديث: 856 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 857 - (إذا مررت) من المرور (ببلدة) في حال سيرك (ليس فيها سلطان) أي حاكم وأصل السلطنة القوة ومنه السلاطة لحدة اللسان (فلا تدخلها) فإنها مظنة البغي والعدوان والتهارج ومن بغي عليه فيها لم يجد ناصرا وإذا نهى عن مجرد الدخول فالسكنى أولى وعلله بقوله (إنما السلطان) أي الحاكم (ظل الله) أي يدفع به الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حر الشمس (ورمحه في الأرض) أي يدفع به ويمنع كما يدفع العدو بالرمح وقد استوعب بهاتين الكلمتين نوعي ما عليه الوالي لرعيته: أحدهما الانتصار من الظالم لأن الظل يلجأ إليه من الحر والشدة والثاني إرعاب العدو ليرتدع عن أذى الرعية فيأمنوا بمكانه من الشر والعرب تكنى بالرمح عن الدفع والمنع قال الماوردي: وبالسلطان حراسة الدين والذب عنه ودفع الأهواء عنه وروى الطبراني أن عمرو بن العاص قال لابنه: سلطان عادل خير من مطر وابل وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم وزلة الرجل عظم يجبر وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر يا بني: استراح من لا عقل له فأرسلها مثلا اه وفي قوله في الأرض: إشارة إلى أن الإمام الأعظم لا يكون في الأرض كلها إلا واحدا ولهذا قال في حديث آخر: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (هب عن أنس) بن مالك وفيه الربيع ابن صبيح قال الذهبي ضعيف ومن ثم أطلق السخاوي على الحديث الضعف الحديث: 857 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 858 - (إذا مررتم بأهل الشرة) بكسر المعجمة وشد الراء: أي بأهل النشاط في الشر (فسلموا عليهم) ندبا (تطفأ) بمثناة [ص: 442] فوق أوله بضبط المؤلف أي فإنكم إن سلمتم عليهم تخمد (عنكم شرتهم وثائرتهم) أي عداوتهم وفتنتهم والنائرة العداوة والشحناء كما في الصحاح مشتقة من النار وفيه سعى في إطفاء النائرة. أي تسكين الفتنة: وذلك لأن السلام أمان فإذا سلمت وردوا فبردهم حصل الأمان منهم ولأن السلام عليهم يؤذن بعدم احتقارهم فيكون سببا لسكون شرتهم قال لقمان: يابني إذا مررت بقوم فارمهم بسهام السلام لكن ينبغي مع ذلك الحذر من مخالطتهم والتلطف في مجانبتهم. قال الجنيد: دخلت على السري وهو يجود بنفسه فجلست وبكيت فسقطت دموعي على خده ففتح عينيه ونظر إلي. فقلت: أوصني قال: لاتصحب الأشرار ولا تشتغل عن الله بمخالطة الأخيار (هب عن أنس) قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقالوا: إن المنافقين يلحظوننا بأعينهم ويلفظوننا بألسنتهم فذكره. وفيه أبان ابن أبي عياش قال الكاشف: قال أحمد: متروك وفي الميزان عن شعبة: لأن يزني الرجل خير من أن يروي عنه ما لا أصل له الحديث: 858 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 859 - (إذا مررتم برياض الجنة) جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها (فارتعوا) أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد (قالوا) أي الصحابة أي بعضهم (وما رياض الجنة) أي ما المراد بها (قال حلق الذكر) بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك قال الطيبي: أراد بالذكر التسبيح والتحميد وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه. فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بن يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي: كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة (حم ت هب عن أنس) قال الترمذي حسن غريب اه وتبعه المصنف فرمز لحسنه الحديث: 859 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 860 - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم) قال القرطبي أراد مجالس علم الحلال والحرام وقال الغزالي أراد مجالس علم الآخرة وهو العلم بالله وآياته وأفعاله في خلقه وقد تصرفوا فيه بالتخصيص فشهوده بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل فيقال هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم فكان سببا مهلكا لخلق كثير ثم إنه فسر الرياض هنا بحلق العلم وفيما قبله بحلق الذكر وفيما يأتي بسبحان الله إلخ ولا مانع من إرادة الكل وإنه إنما ذكر في كل حديث بعضا لأنه خرج جوابا عن سؤال معين فرأى أن الأولى بحال السائل هنا حلق العلم وثم حلق الذكر (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه رجل لم يسم الحديث: 860 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 861 - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة؟ قال المساجد قيل وما الرتع؟ قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أي ونحوها من الأذكار ونص عليها اهتماما بها لكونها الباقيات الصالحات وتنبيها بها [ص: 443] على غيرها من الأذكار. قال الطيبي: وتلخيص الحديث إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا القول فلما وضع رياض الجنة موضع المساجد بناء على أن العبادة فيها سبب للحصول في رياض الجنة: روعيت المناسبة لفظا ومعنى فوضع الرتع موضع القول. لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل ووسيلة إلى الفوز النبيل والرتع هنا كما في قول إخوة يوسف {نرتع ونلعب} وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى النزهة في الأرياف والمياه كعادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض والبساتين ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل وقال غيره شبه حلق الذكر والعلم برياض الجنة لأنه تعالى وصف أهلها بأنهم يؤتون ما يشتهون فكذا حلقها يؤتيهم الله أفضل ما يعطى السائلين ولأنه سمى الجنة رحمة وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم في مجالس الذكر: ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا غشيتهم الرحمة. الحديث. فكما أن مجالس الذكر أماكن الرحمة فالجنة مواضع الرحمة ولأن أهل الجنة تطيب حياتهم وقلوبهم بقرب الله فأهل مجالس الذكر تطيب قلوبهم بذكر الله وقال بعض العارفين في الدنيا جنة هي كالجنة في الآخرة فمن دخلها دخل تلك الجنة يريد هذه المجالس لما يدركون فيها من سرور القلب وفرحة بذكر الرب وابتهاجه وانشراحه ونوره حتى قال بعض من ذاق هاتيك اللذة: لو علم الملوك بعض ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر: إنه ليمر بالقلب أوقات إن كان أهل الجنة في مثلها إنهم لفي عيش طيب. وكما حث الشارع على حضور حلق الذكر نفر عن مجالسة الكذابين ومجالس الخاطئين بقوله {والذين لا يشهدون الزور} فلا ينبغي حضورها ولا قريبها تنزها عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينه عما يشينه لأن مشاهدة الباطل فيه شركة (ت) في الدعوات (عن أبي هريرة) وقال غريب الحديث: 861 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 862 - (إذا مر أحدكم في مسجدنا) أيها المسلمون فالمراد جميع مساجد الإسلام لا مسجده عليه السلام (أو في سوقنا) تنويع من الشارع لا شك من الراوي أي مسجد المسلمين أو سوقهم فأضاف إلى الضمير إيذانا بالشرف (ومعه نبل) بفتح فسكون سهام عربية وهي مؤنثة (فليمسك) بضم أوله أي المار (على نصالها) حمع نصل حديدة السهم وعداه بعلى للمبالغة (بكفه) متعلق بقوله يمسك (لا يعقر) بمثناة تحتية بخط المصنف بالرفع استئنافا وبالجزم جواب الأمر أي لئلا يجرح (مسلما) أو غيره كذمي أو حيوان محترم وإنما خص المسلم اهتماما بشأنه وقيل أراد بالكف اليد أي لا يعقر بيده أي باختياره مسلما أو المراد كف النفس أي لا يعقر بكفه نفسه عن إمساكها أي لا يجرح بسبب تركه إمساك نصالها مسلما. وليس المراد خصوص شيء من ذلك بل أن لا يصيب معصوما بأذى بوجه كما دل عليه التعليل وفي رواية البخاري فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء وفي رواية لمسلم: لئلا يصيب به أحدا من المسلمين وفيه تحريم قتال المسلم وقتله وتغليظ الأمر فيه وحجة للقول بسد الذرائع وإشارة إلى تعظيم قليل الذنب وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال المسجد السلاح وفي أوسط الطبراني: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليد السلاح في المسجد والمعنى فيه ما مر ومحل النهي عن ذللك إن كان النصل غير مغمود ولا ينافي الحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد لأن التحفظ في صورة اللعب بالحراب يسهل بخلاف مجرد المرور فقد يقع بغتة فلا يتحفظ (ق ده عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 862 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 863 - (إذا مر رجال بقوم) أي بجماعة (فسلم رجل) أهل لابتداء السلام (من الذين مروا على الجلوس) أي على [ص: 444] من لقوهم والجلوس غالبي (ورد من هؤلاء واحد) أهل للرد (أجزأ) البادىء (عن هؤلاء) المارين (و) أجزأ الراد (عن هؤلاء) الجالسين لأن ابتداء السلام من الجماعة سنة كفاية والجواب من الجماعة فرض كفاية. قال ابن بطال: اتفقوا على أن المبتدىء لا يشترط تكريره السلام بعدد من سلم عليهم وأنه لا يجب الرد على كل فرد. قال القاضي حسين: ولا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس إذا كان سلم حين دخل وخالفه المستظهري فقال: السلام عند الانصراف سنة قال النووي وهو الصواب (حل عن أبي سعيد) الخدري ثم قال غريب الحديث: 863 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 864 - (إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله ويستعمل مجازا في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كجهل وسوء عقيدة وحسد لأنها مانعة من الفضائل مؤدية إلى زرال الحياة الحقيقية الأبدية والمراد هنا الحقيقية: أي إذا مرض المؤمن وكان يعمل عملا قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيته لولا المانع إدامته (أو سافر) سفرا مباحا ومنعه السفر مما قطعه على نفسه من الطاعة ونيته المداومة عليه وخصه بعضهم بما فوق مسافة العدوى واعترض (كتب الله له) أي قدر أو أمر الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحيفة (من الأجر مثل ما كان) أي قدر ثواب الذي كان (يعمل) حال كونه (مقيما) وحال كونه (صحيحا) لعذره في فوت ذلك النفل والعبد مجزي بنيته. قال ابن تيمية: وهذه قاعدة الشريعة أن من صمم على فعل وفعل مقدوره منه بمنزلة الفاعل فيكتب له ثوابه. قال البلقيني وغيره: وهذا مقيد بما إذا اتفق له ذلك ولم يعتده وبأن لا يكون سفر معصية وأن لا يكون المرض بفعله وقوله مقيما هو ما في نسخ صحيحة من البخاري وشرح عليه شارحون قالوا فهما حالان مترادفان أو متداخلان ولف ونشر غير مرتب لأن مقيما يقابل أو مسافرا وصحيحا يقابل إذا مرض وحمله ابن بطال على النفل فقط وتعقبه ابن المنير بأنه حجر واسعا بل يدخل فرض شأنه أن يعمل وهو صحيح إ'ذا عجز عنه بالمرض فالقاعد في الفرض يكتب له أجر قائم. قال ابن حجر: واعتراضه غير جيد لأنهما لم يتوارد قال وفي الحديث رد على قول المجموع أعذار الجمعة والجماعة تسقط الكراهة أو الإثم ولا تحصل الفضيلة اه وحمله بعضهم على متعاطي السبب كأكل ثوم <تنبيه> أخذ من الحديث أن الحائض والنفساء تثاب على ترك الصلاة في زمن الحيض قياسا على المريض والمسافر ورد بالفرق بإن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام مع أهليته لها والحائض غير ذلك بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض بل تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض وإن كانت لا تقضيها (حم خ) في الجهاد (عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 864 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 865 - (إذا مرض العبد) المؤمن (ثلاثة أيام) ولو مرضا خفيفا كحمى يسيرة وقليل صداع على ما اقتضاه إطلاقه لكن استبعد العراقي تكفير ذلك لجميع الصغائر (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي غفر له فصار لا ذنب عليه فهو كيوم ولادته في خلوه عن الآنام وذلك أن المريض كان توسخ وتدنست طينته والرحمة مع ذلك تكتنفه فداواه الله وشفاه بما سلط عليه كما تداوي الأم ولدها وظاهر الخبر وما أشبهه ترتب التكفير على مجرد المرض هبه انضم له صبر أم لا واشتراط القرطبي حصوله منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار غير ناقض لأن ما يصح منها مقيد بثواب مخصوص فيها فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن تجد حديثا صحيحا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر أفاده الحافظ العراقي قال: وقد اعتبرت الأحاديث في ذلك فتحرير لي ما ذكرته (طس وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان في الثواب (عن [ص: 445] أنس) قال العراقي: فيه إبراهيم بن الحكم متروك. وقال الهيتمي: حديث ضعيف جدا الحديث: 865 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 866 - (إذا مرض العبد) المسلم (يقال) بالبناء للمفعول والفاعل الله بواسطة أو بغيرها (لصاحب الشمال) أي الملك الموكل بكتابة المعاصي (ارفع عنه القلم) فلا تكتب عليه الصغائر أو ارفعه ست ساعات كما في خبر آخر أو ارفعه عنه تخفيفا (ويقال لصاحب اليمين) كاتب الحسنات (اكتب له) ما دام مريضا (أحسن ما كان يعمل) من العمل الصالح (فإني أعلم به) أي أعلم بحاله وأنه لو استمر صحيحا لم يزل على ما وظفه على نفسه من الطاعة (وأنا قيدته) بالمرض فلا تقصير منه. قال الطيبي: معنى كتابته أنه يقدر له من العمل ما كان يعمل صحيحا وإطلاق التكفير في هذا الخبر وما قبله مقيد بقول الخبر الآتي: ما اجتنبت الكبائر (ابن عساكر) في تاريخه (عن مكحول) ففيه الشام (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وغيره الحديث: 866 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 867 - (إذا مشت أمتي المطيطا) أي تبختروا في مشيتهم عجبا واستكبارا والمطيطا بضم الميم وفتح الطاء قال الزمخشري: ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي وهو التبختر ومد اليدين. وأصل التمطي من نمطط بوزان تفعل وهو المد وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر وفي الإحياء عن ابن الأعرابي: المطيطا مشية فيها اختيال وقال القاضي: المطيطا بضم الميم وفتح الطاء مقصورة وممدودة مشية فيها تبختر ومد اليدين من مطه أي مده وكذا التمطي (وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم) بدل مما قبله (سلط) بالبناء للمفعول (شرارها) أي الأمة (على خيارها) أي مكنهم الله منهم وأغراهم بهم ونكتة حذف الفاعل لاتخفى وإنما كان ذلك سببا للتسلط المذكور لما فيه من التكبر والعجب وما يترتب على استخدام أبنائهم من إتيانهم في أدبارهم قالوا وذا من دلائل نبوته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم وأخذوا مالهم واستخدموا أولادهم سلط عليهم قتلة عثمان فقتلوه ثم سلط بني أمية على بني هاشم ففعلوا ما فعلوا (ت) في الفتن (عن ابن عمر) وقال غريب وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف قد وهم وموسى بن عبيد ضعفوه وعبد الله بن دينار غير قوي رواه الطبراني عن أبي هريرة لكنه قال سلط بعضهم على بعض. قال الهيتمي وإسناده حسن الحديث: 867 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 868 - (إذا نادى المنادى) أي أذن المؤذن للصلاة أية صلاة كانت (فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) ما دام المؤذن فالفتح كناية عن رفع الحجب وإزالة الموانع وتلقي الدعاء بالقبول وللحديث تتمة وهي: فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي: أي ينتظر وقت أذانه فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة الصادقة الحق المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله حاجته (ع ك عن أبي أمامة) الباهلي رضي الله عنه زاد في الكبير وتعقب الحديث: 868 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 [ص: 446] 869 - (إذا نزل الرجل بقوم) ضيفا أو مدعوا في وليمة (فلا يصم إلا بإذنهم) أي لا يشرع ندبا في الصوم نفلا إلا بإذنهم أو لا يتم ذلك اليوم الذي شرع فيه إلا إن أذنوا له ففيه أنه بندب للضيف أن يفطر من النفل ولو مؤكدا أي إن شق على المضيف أما الفرض ولو موسعا فيحرم الخروج منه (هـ عن عائشة) رمز لضعفه وهو كذلك فقد قال البيهقي: إسناده مظلم الحديث: 869 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 870 - (إذا نزل أحدكم منزلا) في سفر أو غير ذلك لكن قرينة الارتحال الآتي يشير إلى أن الكلام في السفر وعليه فيقاس به الحضر (فقال فيه) أي نام نصف النهار والقائلة وقت القيلولة وقد يطلق على القيلولة (فلا يرحل) منه (حتى يصلي) فيه (ركعتين) أي يندب له أن يودعه بذلك لتشهد له البقاع وهكذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل فكان لا يرتحل حتى يصلي ركعتين وظاهر الحديث أن ذلك خاص بالنزول للقيلولة وليس مرادا بل إذا نزل منزلا في أي وقت كان وأراد الرحيل فيودعه بركعتين (عد عن أبي هريرة) الحديث: 870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 871 - (إذا نزل بكم) يا بني عبد المطلب (كرب) أي أمر يملأ الصدر غيظا والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس (أو جهد) بفتح الجيم تضم مشقة (أو بلاء) أي هم تخدش به النفوس (فقولوا) ندبا (الله الله) بفتح الهمزة وضم هاء الجلالة مبتدأ والخبر قوله (ربنا) المحسن إلينا بصنوف الإحسان والإنعام (لا شريك) أي لا مشارك (له) في ربوبيته فإن ذلك يزيله بشرط الإخلاص وقوة الإيقان وتمكن الإيمان (هب) وكذا الطبراني في الأوسط وفي الكبير (عن ابن عباس) قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضادتي الباب ونحن في البيت فقال: يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم إلخ رمز لحسنه وليس كما قال إذ فيه كما قال الهيتمي: صالح بن عبد الله أبو يحيى وهو ضعيف الحديث: 871 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 872 - (إذا نزل أحدكم منزلا) مظنة للهوام والحشرات ونحوها مما يؤذي (فليقل) ندبا لدفع شرها (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) أي صفاته القائمة بذاته التي بها ظهر الوجود بعد العدم وبها يقول للشيء كن فيكون وقيل هي العلم لأنه أعم الصفات ذكره بعضهم وقال القاضي كلماته جميع ما أنزله على أنبيائه لأن الجميع المضاف إلى المعارف يقتضي العموم وقال التوربشتي: الكلمة لغة تقع على جزء من الكلام اسما أو فعلا أو حرفا وعلى الألفاظ المنطوقة وعلى المعاني المجموعة والكلمات هنا محمولة على أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة لأن المستفاد من الكلمات هنا إنما يصح ويستقيم أن يكون بمثلها ثم وصف الكلمات بقوله (التامات) أي التي لا يعتريها نقص ولا خلل تنبيها على عظمها وشرفها وخلوها عن كل نقص إذ لا شيء إلا وهو تابع لها يعرف بها فالوجود بها ظهر وعنها وجد ذكره القاضي. وقال التوربشتي وصفها بالتمام لخلوها عن العوائق والعوارض فإن الناس متفاوتون في كلامهم واللهجة وأساليب القول فما منهم من أحد إلا وفوقه آخر في معناه أو معان كثيرة ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارضة أو خطأ أو سهو أو عجز عن المراد وأعظم النقائص المقترنة بها أنها كامات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقر إلى أدوات ومخارج وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق وكلمات الله تعالى متعالية عن هذه القوادح فهي التي لا يتبعها نقص ولا يعتريها اختلال (من شر [ص: 447] ما خلق فإنه) إذا قال ذاك مع قوة يقين وكمال إذعان لما أخبر به الشارع (لا يضره شيء) من الهوام والمخلوقات (حتى يرتحل عنه) أي عن ذلك المنزل. قال القرطبي: خبر صحيح وقول صادق فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء فتركته ليلة فلدغنتي عقرب. وقال ابن عربي: جربته في نفسي لدغتني عقرب مرارا في وقت وكنت استعذت بذلك فلم أجد ألما؟ لكن كان في حزامي بندقتان وكنت سمعت أن البندق بالخاصية يدفع ألم الملسوع فلا أدري هل كان للبندق أو للدعاء أولهما لكن تورم رجلي وبقي الورم أياما بلا ألم <تنبيه> قال بعض العارفين: جرت عادة العامة إقامة أمر ظاهر الدنيا يقتصرون في دفع عادية ذوات السموم على الأدوية والبازهرات والدرياق. أما من فوقهم ممن يملك من أمر الله ما لا يملكه هؤلاء فيتوصل لدفع المؤذين بإعداده ما هو أيسر من ذلك فمتى عرض لأحدهم أمر اجتلب خيره واستدفع ضره بما وراءه من الكلمات والتعويذات فنهاية الملوك إعداد درياق يدفع السم بعد وقوع العدوى ونهاية أمر المتلطف في حكمة الله إعداد الطلسم يدفع وقوعه ولا أنفع ولا أيسر من كلمات تحفظ لا تتوقف على إمساك تميمة يخاف ضياعها ولا صناعة نقش أو تصوير ولا على ارتقاب وقت وحكم طالع عساه لا يتحقق (تتمة) في مختصر حياة الحيوان عن التورزي أن شيخا له بمكة كان يقرأ عليه فمرت عقرب فأخذها وقتلها فسأله عن ذلك فذكر له الحديث (م عن خولة) بخاء معجمة (بنت حكيم) السلمية الفاضلة زرج الرجل الصالح عثمان بن مظعون الحديث: 872 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 873 - (إذا نسي أحدكم) أن يذكر (اسم الله على طعامه) أي جنس أكله (فليقل) ندبا (إذا ذكر) وهو في أثنائه (بسم الله أوله وآخره) فإن الشيطان يقيء ما أكله كما في خبر وإذا طلب ذلك عند السهو فالعمد أولى أما بعد فراغه فلا يسن الإتيان بها على ما عليه جمع شافعية وذهب بعضهم إلى أنه يقوله مطلقا (ع عن امرأة) من الصحابة قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوظبة فأخذها أعرابي بثلاث لقم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه لو قال بسم الله لوسعكم ثم ذكره قال الهيتمي: ورجاله ثقات. وبه يعرف أن المصنف قصر حيث رمز لحسنه ورواه الطبراني في الأوسط بزيادة فائدة عزيزة ولفظه أن يذكر الله في أول طعامه وليقل حين يذكر بسم الله في أوله وآخره وليقرأ قل هو الله أحد. قال العراقي إسناده ضعيف الحديث: 873 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 874 - (إذا نصر القوم) أي أعان القوم أو الرجل فحذف المفعول للعلم به (بسلاحهم وأنفسهم) بأن بذلوها في مناصرتهم (فألسنتهم أحق) أن ينصروا بها فإن ذينك أشق فمن رضي بالأشد فهو بما دونه أرضى (ابن سعد) في طبقاته (عن ابن عوف عن محمد مرسلا) الحديث: 874 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 875 - (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه) بالبناء للمفعول والضمير المجرور عائد على أحد (في المال والخلق) بفتح الخاء الصورة. والمراد به ما يتعلق بالدنيا من مال وولد وزينة وغيرها قال ابن حجر: ورأيت في نسخة معتمدة من الغرائب للدارقطني: الخلق بضم الدال والخاء واللام (فانظر إلى من هو من أسفل منه) أي دونه فيهما وفي رواية إلى من تحته. لأنه إذا نظر إلى من فوقه استصغر ما عنده وحرض على المزيد فيداويه النظر إلى من دونه فيرضى فيشكر ويقل حرصه إذ الإنسان حسود بطبعه فإذا ما قاده طبعه للنظر إلى أعلى حملته نفسه على الكفران والسخط [ص: 448] فاذا رد النفس إلى النظر للدون حمله حبه للنعمة على الرضى والشكر. قال الغزالي: والشيطان أبدا يصرف وجهه بنظره إلى من فوقه في الدنيا فيقول: لم تفتر عن الطلب وذوو المال يتنعمون؟ ويصرف نظره في الدين إلى من دونه فيقول: ولم تضيق على نفسك وتخاف الله وفلان أعلم منك وهو لا يخافه والناس كلهم مشغولون بالنعم فلا تتميز عنهم بالشقاء؟ فعلى المكلف مجاهدة اللعين ورده (حم ق عن أبي هريرة) الحديث: 875 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 876 - (إذا نظر الوالد إلى ولده نظرة) واحدة (كان للولد) المنظور إليه (عدل) بكسر العين وفتحها أي مثل (عتق نسمة) أي عتق ذي نسمة وهي النفس: يعني إذا نظر الوالد لولده نظر رضى عنه لفعله المأمور به وتجنبه المنهي عنه وبره لأبويه وتجافيه وتباعده عن عقوقهما كان للولد من الثواب ما لو أعتق رقبة لجمعه بين رضى مولاه وإدخال السرور على أبيه بإرادته إياه قائما بالطاعة بارا له حسب الاستطاعة وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته قيل يا رسول الله وإن نظر ثنتين وثلاثة ومئة نظرة؟ قال: الله أكبر من ذلك اه (طب) وكذا في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان (عن ابن عباس) قال ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. قال الهيتمي: وإسناده حسن وفيه إبراهيم بن أعين وثقه ابن حبان وضعفه غيره وقال شيخه العراقي فيه إبراهيم بن أعين وهم ثلاثة فليحرر من هذا منهم الحديث: 876 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 877 - (إذا نعس أحدكم) بفتح العين وغلط من ضمها (وهو يصلي) فرضا أو نفلا (فليرقد) وفي رواية فلينم وفي أخرى فليضطجع والنعاس أول النوم والرقاد بالضم المستطاب من النوم ذكره الراغب (حتى يذهب عنه النوم) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن المعرفة بالأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأن النعاس إذا اشتد انقطعت الصلاة فلا يحتاج لوجوب قطع بحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفا لأبيه في تفصيله بين شدة النعاس وخفته (فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس) أي في أوائل النوم (لا يدري) أي لا يدرك ما يفعل فحذف المفعول للعلم به ثم استأنف قوله (لعله يذهب يستغفر) برفعهما أي يقصد أن يستغفر لنفسه كأن يريد أن يقول اللهم اغفر لي (فيسب) بالنصب جوابا لقوله لعله (نفسه) أي يدعو عليها كأن يقول: اعفر لي: بعين مهملة والعفر التراب فالمراد بالسب: قلب الدعاء لا الشتم إذ لا مجال له هنا وعلل الأمر بالرقاد هنا بما ذكر وقال في الخبر المار: فلم يدر ما يقول والقدر المشترك بين العلتين خوف التخليط فيما يقول أو يفعله والأمر في القراءة أشد لعظم المفسدة في تغيير القرآن قال الزين العراقي: وإنما أوخذ بما لم ينطق به أو بدعاءه على نفسه وهو ناعس لأن من عرض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه لعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود وإنما أمر بإبطال الصلاة بعد الشروع فيها عند طرو النعاس فعدم الدخول فيها أولى وقال ولده: دل الحديث على أن من لا يعلم ما يقول لا يدخل في الصلاة فمراده غلبة النوم إلى ذلك فهو منهي عن الدخول فيها وعن إتمامها بعد الشروع حتى يعلم ما يقول اه وعلم مما تقرر أن القصد أن لا تؤدى الصلاة مع تشاغل عنها أو حائل بينه وبين الاهتمام بها لكن لما كان النعاس أغلب وقوعا عبر به (مالك) في الموطأ (ق د ت هـ عن عائشة) الحديث: 877 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 878 - (إذا نعس) بفتحتين (أحدكم) زاد في رواية الترمذي: يوم الجمعة (وهو في المسجد) أو نحوه مما تقام فيه الجمعة (فليتحول) ندبا (من مجلسه) أي محل جلوسه وذلك إلى غيره يعني ينتقل منه إلى غيره لأن الحركة تذهب الفتور [ص: 449] الموجب للنوم فإن لم يكن في الصف محل يتحول له قام وجلس قال في الأم ولو ثبت في مجلسه وتحفظ من النعاس لم أكرهه والتحول الانتقال من موضع لآخر وهذا عام في جميع الأيام وتخصيصه بالجمعة في خبر الترمذي إنما هو لإطالة مكث المبكر بل أجراه بعضهم في كل من قعد ينتظر عبادة في أي يوم كان وفيه وما قبله حث على استقبال الصلاة بنشاط وخشوع وفراغ قلب وتعقل لما يقرأه أو يدعو به والمحافظة على الإتيان بالأركان والسنن والآداب (د ت عن ابن عمر) قال الترمذي حسن صحيح ورواه الحاكم وقال على شرط مسلم الحديث: 878 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 879 - (إذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفئوا) أخمدوا واسكتوا (المصباح) السراج (فإن الفأرة) بالهمز وتركه (تأخذ الفتيلة) تجرها من السراج (فتحرق) بضم الفوقية وسكون المهملة (أهل البيت) أي المحل الذي به السراج وعبر بالبيت لأنه الغالب (وأغلقوا الأبواب) فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا (وأوكؤ الأسقية) اربطوا أفواه القرب (وخمروا الشراب) غطوا الماء وغيره من المائعات ولو بعرض عود كما مر. قال ابن دقيق العيد كالنووي: وقضية العلة أن السراج لو لم تصل إليه الفأرة لا يكره بقاؤه وقد يجب الإطفاء لعارض. قال ابن حجر: وكذا لو كان على منارة من نحو نحاس أملس لا يمكن الفأرة صعودها لكن قد يتعلق به مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شرره على بعض متاع البيت فإن أمن زال المنع لزوال العلة. قال ابن دقيق العيد: وهذه الأوامر لا يحملها الأكثر على الوجوب ومذهب الظاهرية أولى بالالتزام به لأنهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات وهذه الأوامر تتنوع بحب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال ومنها ما يحمل على الإرشاد والندب كغلق الباب لتعليله بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقأ إذ الاحتراز من مخالطته مندوب وإن كان تحته مصالح دنيوية وكذا ربط السقاء وتخمير الإناء (طب ك) وكذا أحمد (عن عبد الله بن سرجس قال جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة فأحرقت مثل الدرهم فذكره قال الهيتمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح الحديث: 879 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 880 - (إذا نهق الحمار) أي علمتم بنهيقه بسماع أو خبر (فتعوذوا) ندبا (بالله) أي اعتصموا به (من الشيطان الرجيم) فإنه رأى شيطانا كما جاء تعليله في عدة أخبار من بعضها وفي مكارم الأخلاق للخرائطي عن الحسن أنه كان يقول عند نهيقه: بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم (طب عن صهيب) بضم المهملة وبفتح الهاء وسكون التحتية: ابن سنان النميري الرومي. قال الهيتمي: وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك الحديث: 880 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 881 - (إذا نودي للصلاة) أي أذن مؤذن بأي صلاة كانت (فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) قال الحليمي: معناه أن الله يستجيب للذين يسمعون النداء للصلاة فيأتونها ويقيمونها كما أمروا به إذا دعوه ويسألون ليكون إجابته إياهم إلى ما سألوه ثوابا عاجلا - لمسارعتهم لما أمرهم به. اه. والدعاء أيضا عند ختمه مستجاب لخبر أبي داود وغيره أن رجلا قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه (الطيالسي) أبو داود (تخ والضياء) المقدسي (عن أنس) وفيه سهل بن زياد. قال في اللسان كأصله تكلم فيه ولم يترك الحديث: 881 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 [ص: 450] 882 - (إذا هممت بأمر) أي عزمت على فعل شيء لاتدري وجه الصواب فيه (فاستخر ربك) اطلب منه التوفيق والهداية إلى إصابة خير الأمرين (فيه) ندبا بعد أن تتوب وتفرغ قلبك من الشواغل الدنيوية والهواجس النفسانية فأعد الاستخارة (سبع مرات ثم انظر) أي تدبر وتأمل (إلى) الشيء (الذي يسبق إلى قلبك) من فعل أو ترك (فإن الخيرة) بكسر المعجمة (فيه) فلا تعدل عنه والاستخارة طلب الخير يقال استخار الله العبد فخار أي طلب منه الخير فأولاه والخيرة الحالة التي تحصل للمستخير وأضاف الاستخارة إلى الرب دون غيره من الصفات إشارة إلى أنه المربي له الفاعل به ما يصلحه يقال: رب الأمر أصلحه وساسه وقام بتدبيره ومن ثم لا يطلق معروفا إلا على الله المتكفل بمصلحة الموجودات بأسرها قال النووي: وفيه أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره لكنه لا يفعل ما ينشرح له صدره مما كان له فيه هوى قبل الاستخارة والأكمل الاستخارة عقب صلاة ركعتين بنيتها ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء (ابن السني في عمل يوم وليلة فر عن أنس) وفيه إبراهيم بن البراء قال الذهبي في الضعفاء: اتهموه بالوضع عن أبيه وهو ضعيف. وقال النووي في الأذكار: إسناده غريب فيه من لم أعرفهم. وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لابن السني هذا الحديث لو ثبت كان هو المعتمد لكن إسناده واه جدا الحديث: 882 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 883 - (إذا وجد أحدكم ألما) أي وجعا في عضو ظاهر أو باطن (فليضع يده) ندبا والأولى كونها اليمين (حيث يجد ألمه) أي في المكان الذي يحس بالوجع فيه (وليقل) باللفظ ندبا (سبع مرات) أي متواليات كما يفيده السياق (أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء) ومنه هذا الألم (من شر ما أجد) زاد في روابة مرت وأحاذر وفيها أنه يرفع يده في كل مرة ثم يعيدها فيحمل المطلق على المقيد. وفي بعض الروايات ذكر التسمية مقدمة على الاستعاذة وورد في حديث آخر ما يدل على أنه يفعل مثل هذا بغيره أيضا (حم طب عن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي أحد الثلاثة الذين خلفوا شهد العقبة وكان من شعراء المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الهيتمي فيه أبو معشر محتج به وقد وثق على أن جمعا كثيرا ضعفوه وتوثيقه بين وبقية رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز لحسنه الحديث: 883 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 884 - (إذا وجد أحدكم لأخيه) في الدين ونص عليه اهتماما بشأنه لا لإخراج غيره فالذمي كذلك (نصحا) بالضم قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبه فعل الناصح بما يتحراه من صلاح المنصوح بما يسده من خلل الثوب وقيل من نصح العسل صفاه شبهوا تخليصه القول من الغش بتخليص العسل من الخلط (في نفسه) أي حاك في صدره كذلك (فليذكره له) وجوبا فإن كتمه عنه فقد غشه وخانه فالنصيحة فرض كفاية على الجماعة وعين على الواحد وهي لازمة بقدر الطاقة إذا علم الناصح أن المنصوح يقبل وأمن على نفسه وماله قال بعضهم وإنما يكون الرجل ناصحا لغيره إذا بدأ بنصح نفسه واجتهد في معرفة ما يجب له وعليه ليعرف كيف ينصح (عد عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن أبي ثابت واه قال مخرجه ابن عدي وعامة أحاديثه مناكير وفي اللسان عن ابن حبان هو الذي يقال له ابن أبي ثابت تفرد بأشياء لا تعرف حتى خرج عن حد الاحتجاج به وبه يعرف أن المؤلف لم يصب حيث عزى الحديث لمخرجه وحذف من كلامه بيان القادح الحديث: 884 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 [ص: 451] 885 - (إذا وجد أحدكم عقربا وهو يصلي فليقتلها بنعله اليسرى) ولا تبطل صلاته به لأنه فعل واحد وهي إنما تبطل بثلاثة أفعال متوالية. كذا قرروه. وظاهره أن الخطاب للمصلي في نعليه ومثلهما الخفاف فإن صلى بغير نعل ولا خف فيحتمل أن يقال يأخذ نعله بيده اليسرى فيقتلها بضربة واحدة وذلك فعل لا ثلاثة. وقضية الحديث أنه لو قتلها بنعله اليمنى لا يكون آتيا بالمأمور ولعله غير مراد. والظاهر حصول الامتثال بقتلها باليمنى والنص على اليسرى للأولوية ولو لم يمكن قتلها إلا بثلاثة متوالية فهل بقتلها وإن بطلت الصلاة؟ يحتمل أن يقال نعم تقديما لدرء مفسدتها على مصلحة الصلاة سيما إن اتسع الوقت ويحتمل إلحاق الحية التي يمكن قتلها بضربة من غير لحوق ضرر كالعقرب بل أولى لأن قتلها آكد من قتل العقرب (د في مراسيله) من حديث سليمان بن موسى (عن رجل من الصحابة) من بني عدي بن كعب. رمز المصنف لضعفه وهو غفلة عن قول علم الحفاظ ابن حجر رجاله ثقات لكنه منقطع الحديث: 885 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 886 - (إذا وجدت القملة) أو نحوها كبرغوث (في المسجد) حال من الفاعل: أي وجدتها في شيء من ملبوسك كثوبك (فلفها في ثوبك) ونحوه كطرف ردائك أو عمامتك أو منديلك (حتى تخرج منه) فألقها حينئذ خارجة فإن إلقاءها فيه حرام. وبهذا أخذ بعضهم وصرح به من الشافعية القمولي في جواهره لكن مفهوم قول النووي بحرم إلقاءها فيه مقتولة أنه لا يحرم وفصل بعض المالكية فقال يجوز إلقاء البراغيث لا القمل فإن البرغوث يأكل التراب بخلافها والحديث متكفل برد تفصيله إذا لو كان كذلك لما خص بالمسجد إذ على ما يزعمه هذا المفصل بحرم طرحه في المسجد وغيره أما إلقاؤها فيه ميتة فحرام شديد التحريم. وظاهر قوله في الخبر فلفها في ثوبك حتى تخرج أنه لا يكلف الخروج لإلقائها خارجة فورا لكن قد يقال إن فيه تعذيبا لها فإما أن يخرج فورا لطرحها أو يقتلها ويلفها مقتولة حتى يخرج لجواز قتلها فيه بشرط أمن التلويث (طب عن رجل من بني خطمة) بفتح المعجمة وسكون المهملة بطن من الأنصار ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي الحديث: 886 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 887 - (إذا وسد) بالتشديد وفي رواية في البخاري للقابسي أوسد بهمزة مضمومة أوله وفي رواية له إذا أسند (الأمر) أي فوض الحكم المتعلق بالدين كالخلافة ومتعلقاتها من إمارة وقضاء وإفتاء وتدريس وغير ذلك (إلى غير أهله) أي إلى من ليس له بأهل. والمعنى إذا سود وشرف من لا يستحق السيادة والشرف أو هو من الوسادة: أي إذا وجدت وسادة الأمر والنهي لغير مستحقها وكان شأن الأمير عندهم إذا جلس أن يثني تحته وسادة فإلى بمعنى اللام وعبر بها ليدل على تضمين معنى أسند (فانتظروا الساعة) لأنه قد جاء أشراطها. والفاء للتفريع أو جواب الشرط. والتوسيد في الأصل أن يجعل للرجل وسادة ثم استعمل في تفويض الأمر وإسناده إلى غيره وإنما دل على دنو الساعة لإفضاءه إلى اختلال الأمر والنهي ووهن الدين وضعف الإسلام وغلبة الجهل ورفع العلم وعجز أهل الحق عن القيام به ونصرته. وللساعة أشراط كثيرة كبار وصغار وهذا منها (خ) في العلم والرقائق وغيرهما (عن أبي هريرة) قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاء أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعضهم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة فقال هذا يارسول الله فقال إذا ضيعت (قوله ضيعت: بضم الضاد وتشديد الياء المكسورة فعل ماض مبني للمفعول: أي إذا ضيعت الأمة الأمانة) الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها؟ قال: فذكره الحديث: 887 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 [ص: 452] 888 - (إذا وضع السيف) أي المقاتلة (في أمتي) أمة الإجابة (لم يرفع عنها) وفي رواية عنهم (إلى يوم القيامة) أي تسلسل فيهم وإن قل أحيانا أو كان في بعض الجهات دون بعض وذلك إجابة لدعوته أن يجعل بأسهم بينهم وأن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم. قال ابن العربي: وكانت هذه الأمة معصومة منه مدة من صدر زمانها مسدودا عنها باب الفتنة حتى فتحت بقتل إمامها عثمان فكان أول وضع السيف (ت) في الفتن (عن ثوبان) بفتح المثلثة مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال صحيح اه. وتبعه المصنف رحمه الله فرمز لصحته ورواه أبو داود وابن ماجه مطولا وأحمد والبزاز وقال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح الحديث: 888 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 889 - (إذا وضع الطعام) بين أيديكم: أي قرب إليكم لتأكلوه (فاخلعوا نعالكم) أي انزعوا ما في أرجلكم مما وقيت به الدم كمداس وتاسومة ونحو ذلك (فإنه) أي النزع (أروح) أكثر راحة (لأقدامكم) فيه إشارة إلى أن الأمر إرشادي لمصلحة تعود على القدم. ويتردد النظر في الخف والظاهر أنه لا يلحق به (الدرامي) في مسنده (ك عن أنس) وله شواهد كثيرة الحديث: 889 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 890 - (إذا وضع الطعام) بين أيدي الآكلين (فليبدأ) ندبا في الأكل (أمير القوم) لأن التقدم عليه ربما أورث فتنة وهو سوء أدب (أو صاحب الطعام) أي فإن لم يكن ثم أمير فليبدأ صاحب الطعام لأنه المالك فلا يتقدم عليه غيره في ملكه (أو خير القوم) أي فإن لم يحضر المالك أو حضر ولم يأكل لعذر فالأولى أن يبدأ أكثرهم علما وصلاحا فإن لم يكن فأرأسهم (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي إدريس الخولاني) السيد الجليل العابد الزاهد ذي الكرامات والخوارق (مرسلا) أرسل عن عدة من الصحابة الحديث: 890 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 891 - (إذا وضع الطعام فخذوا) أي تناولوا الأكل ندبا (من حافته) أي من جانب القصعة (وذروا وسطه) أي اتركوه ولا تأكلوا منه أولا (فإن البركة) أي الخير الإلهي والنمو تنزل في وسطه ثم تسري. قال الخطابي: يحتمل إطلاق النهي واختصاصه بمن أكل مع غيره لأن أفضل الطعام وأطيبه وجهه وإذا قصده بالأكل استأثر به. وهو ترك أدب وسوء عشرة. وأخذ بقضية الإطلاق في الإحياء فعد من آداب الأكل أن لا يأكل من ذروة القصعة ولا يأكل من وسط الطعام مطلقا (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته الحديث: 891 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 892 - (إذا وضعت جنبك) أي شقك (على الفراش) لتنام ليلا وكذا نهارا لكن الليل آكد (وقرأت فاتحة الكتاب) أي سورة الفاتحة (وقل هو الله أحد) أي سورتها (فقد أمنت) في نومك تلك الليلة (من كل شيء) يؤذيك (إلا الموت) فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر وهذا إذا قرأهما بحضور وجمع همة وصفاء قلب وقوة يقين بتصديق الرسول فيما يفعل [ص: 453] ويقول وإلا فهيهات هيهات (البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي فيه عسال بن عبيد وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 892 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 893 - (إذا وضعتم موتاكم) أيها المسلمون (في القبور) وفي رواية في قبورهم (فقولوا) ندبا أي ليقل من يضجعه في لحده حال إلحاده ويحتمل أن غيره يقول ذلك أيضا لخبر البزار: إذا بلغت الجنازة وجلس الناس فلا تجلس ولكن ولكن قم على شفير قبره فإذا دلى في قبره فقل (بسم الله) ظاهره فقط فلا يزيد: الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد الآية بتمامها وهو الأقرب لكمال مناسبة ذكر الرحمة في ذلك المقام (وعلى ملة) وفي رواية بدله وعلى سنة (رسول الله) أي أضعه ليكون اسم الله وسنة رسوله زادا له وعدة يلقى بها الفتانين ونقل النووي عن النص أنه يندب بعد ذلك أن يقول من يدخله القبر: اللهم سلمه إليك الأشحاء من أهله وولده وقرابته وإخوانه وفارق من يحب قربه وخرج من سعة الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول إلخ. قال في المطامح: والتزاحم على النعش والميت بدعة مكروهة وكان الحسن إذا رآهم يزدحمون عليه يقول: إخوان الشياطين (حم حب طب ك هق عن ابن عمر) قال الحاكم على شرطهما وقد وقفه شعبة اه. وصنيع المؤلف يشعر بأنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي وقد مر عن مغلطاي وغيره أنه ليس لحديثي عزو حديث فيها لغيرها إلا لزيادة فائدة ثم هو حديث معلول قال الحافظ ابن حجر أعل بالوقف وتفرد برفعه همام عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر ووقفه سعيد وهشام ورجح الدارقطني وقفه وغيره رفعه الحديث: 893 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 894 - (إذا وعد) من الوعد قال الحراني وهو العهد بالخير (الرجل) يعني الإنسان (أخاه) في الدين بأن يفعل له شيئا يسوغ شرعا (ومن نيته أن يفيء) قال الأشرفي: هذا دليل على أن النية الصالحة يثاب الإنسان عليها وإن تخلف عنها المنوي (فلم) يف له (ولم يجيء) لعذر منعه من المجيء (للميعاد) أي لمكان الوعد ليفي له بما عاهده عليه. والواو بمعنى أو: أي وعده يوما بشيء أو بأن يحضر بمكان (فلا إثم عليه) لعذره ولفظ الترمذي فلا جناح عليه أما لو تخلف عن الوفاء بغير عذر فهو ملام بل التزم بعض الأئمة تأثيمه لمفهوم هذا الحديث ولأن الوفاء بالوعد مأمور به في جميع الأديان وحافظ عليه الرسل المتقدمون والسلف الصالحون وأثنى الله تعالى على خليله في التنزيل بقوله {وإبراهيم الذي وفى} ومدح ابنه إسماعيل بقوله {كان صادق الوعد} لكن أبو حنيفة والشافعي على أن الوفاء مستحب لا واجب ويؤول هذا الخبر بأنه لا يأثم حيث كان الوفاء بالوعد لازما له لذاته لا للوعد ومنعه عذر قال في شرح الرعاية: والوعد الذي هو محل الخلاف كل ما يدخل الشخص فيه بسبب مواعدتك في مضرة أو كلفة ومنه ما لو تكلف طعاما وجلس ينتظر موعدك. اه (د) في الأدب (ت) في الإيمان (عن زيد بن أرقم) وقال غريب وليس سنده بالقوي. قال الذهبي في المهذب وفيه أبو نعمان مجهول كشيخه أبي الوقاص وقال المناوي: اشتمل سنده على مجهولين الحديث: 894 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 895 - (إذا وقع) أي سقط (الذباب) بذال معجمة واحده ذبابة (في شراب أحدكم) ماءا أو غيره من المائعات وفي رواية ابن ماجه: إذا وقع في الطعام وفي أخرى: وقع في إناء أحدكم والإناء يكون فيه كل مأكول ومشروب [ص: 454] (فليغمسه) وفي رواية فليمقله زاد الطبراني: كله وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه. والأمر إرشادي لمقابلة الداء بالدواء (ثم لينزعه) وفي رواية البخاري: لينزعه - بزيادة فوقية قبل الزاي - وفي الطبراني: ثم ليطرحه وفي البزار برجال ثقات: أنه يغمس ثلاثا مع قول بسم الله (فإن في إحدى) بكسر الهمزة وسكون الحاء (جناحيه) وهو الأيسر على ما قيل وإنما قال إحدى: لأن الجناح يذكر ويؤنث لقولهم في جمعه أجنحة وأجنح فأجنح جمع المذكر وأجنحة جمع المؤنث (داء) أي قوة سمية يدل عليها الورم. والحكة العارضة عند لدغه وهي بمنزلة سلاحه فإذا سقط في شيء تلقاه بها. قال الزركشي: وداء منصوب اسم إن (وفي الأخرى) بضم الهمزة قيل وهي اليمنى وفي رواية: الآخر بالتذكير (شفاء) (1) حقيقة فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الأخر من الشفاء؟ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء الحيوان الواحد كالعقرب بإبرتها السم ويداوي منه بجزء منها فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازا كما وقع للبعض حيث جعله من الطب الروحاني بمعنى إصلاح الأخلاق وتقويم الطباع بإخراج فاسدها وتبقية صالحها. قال التوربشتي: ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع وبث في إبرتها السم الناقع. والعقرب تهيج الداء بإبرتها ويتداوى من ذلك بجرمها. وأما اتفاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما ورد في رواية فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه. فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى لجمع القوت وتصون الحب على المدى وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى ثم تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لكونها لا تنبت وهي صحيحة. فتبارك الله وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع مالا نفس له سائلة فيه إذ غمسه يفضي لموته. فلو نجسه لم يأمر به لكن شرطه ألا يغير ولا يطرح وبهذا أخذ الشافعي ونوزع بأن المقل لا يوجب الموت فهو للمنع عن العيافة فإن سلم فإلحاق كل مالا نفس له سائلة به باطل إذ قد لا يعم وجوده ورد الأول بأن المقل سبب للموت فلو نجس لم يأمر به إذ مظنة النجاسة كالنجاسة والثاني بأن سبب عفوه عدم الدم المتعفن فيطرد في كل ما اتصف به (خ هـ عن أبي هريرة)   (1) [ (والأمر للندب كما ذكره في شرح الحديث 5941 وقد أثبت ذلك الطب الحديث بدون أدنى شك واختصاره أن في إحدى جناحيه نوع من الجراثيم وفي الآخر مضادات حيوية antibiotics. وسمعت في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق الأستاذ الشيخ رفيق السباعي رحمه الله يروي قصة أحد المسلمين في ألمانيا سأله أستاذه في علم الكيمياء عن وجود هذا الحديث فقال نعم. فقال أستاذه أن الأمر سهل وأنه يمكن التأكد من صحة الحديث علميا. وبعد التجارب اكتشف الأستاذ صحة الحديث فأرسل لجامعة الأزهر بمصر للتأكد من ورود الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما أتاه الخبر منهم بالإيجاب أعلن إسلامه. عرفان الرباط دار الحديث) ] الحديث: 895 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 896 - (إذا وقعت في ورطة) أي بلية يعسر الخروج منها وأصل الورطة: الهلاك ثم استعمل في كل شدة وأمر شاق أي إذا وقعت في شدة وأردت الخلاص منها (فقل) عند ذلك ندبا (بسم الله الرحمن الرحيم) أستعين على التخلص من ذلك (ولاحول ولا قوة إلا بالله) قال الأكمل: الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله وقيل معناه لا حول في دفع الشر ولا استطاعة في جلب الخير إلا بالله ويعبر أهل اللغة عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة (العلي) الذي لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته (العظيم) عظمة تتقاصر عنها الأفهام لما غلب عليها من الأوهام. قال الحراني ونظم الاسمين هكذا دال على أنه أريد بالعظم علو الرتبة وبعد المنازل عن إدراك العقول (فإن الله تعالى يصرف ما شاء من أنواع البلاء) إن تلفظ بها بصدق وقوة إيقان بما أخبر به الشارع من المضار والمنافع (ابن السني في عمل يوم وليلة عن علي) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي: ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة قلتها؟ قلت بلى جعلني الله فداءك. فذكره الحديث: 896 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 897 - (إذا وقعتم في الأمر العظيم) أي الصعب المهول (فقولوا) ندبا عند ذلك (حسبنا الله) أي كافينا (ونعم الوكيل) الموكل [ص: 455] إليه لأن فيه رفضا للأسباب واستغناء بمسببها ومن اكتفى به لم يخيبه بل يكشف همه ويزيل غمه. ولو أن أحدا التجأ إلى ملك من ملوك الدنيا لهابه طالبه وكف عنه إعظاما للملتجيء إليه فكيف بمن يحتسب برب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين؟ ولا تدافع بين هذا وما قبله لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يختلف جوابه باختلاف السائلين والمخاطبين فيجيب كل واحد بما يناسبه (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) بسند ضعيف الحديث: 897 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 898 - (إذا وقع في الرجل) بالبناء للمفعول والرجل غالبي: أي سب واغتيب (وأنت في ملأ) أي جماعة فيهم من وقع فيه وخص الوقوع في الملأ لأهمية الرد لا لإخراج غيره فلو كان مع واحد فكذلك (فكن للرجل ناصرا) أي مقويا مؤيدا رادا عليهم ما قالوه (وللقوم زاجرا) أي مانعا عن الوقيعة فيه (وقم عنهم) أي انصرف عن المحل الذي هم فيه إن لم ينتهوا عن ذلك المنكر فإن المقر على الغيبة بمنزلة الفاعل وقد ينزل عليهم سخط فيصيبك قال الغزالي: جوارحك عندك أمانة. فاحذر أن تصغي بها إلى خوض في باطل أو ذكر مساوىء الناس فإنما جعلت لك لتسمع بها كلام الله ورسوله وحكمه فإذا أصغيت بها إلى المكاره صار ما كان لك عليك (ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أنس) الحديث: 898 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 899 - (إذا ولى) بفتح فكسر وفي رواية إذا كفن (أحدكم أخاه) في الدين أي تولى أمره وتجهيزه. وكل من تولى أمر واحد فهو وليه كما في الصحاح (فليحسن كفنه) بالتشديد وضبطه الأكثر بفتح الفاء وفي الديباج أنه الأشهر وحكىعياض سكونها: أي فعل التكفين منه إسباغ وعموم وتحسين وتعطير ونحوها وليس المراد المغالاة في ثمنه فإنه مكروه (حم م د ن عن جابر ت هـ عن أبي قتادة) الحديث: 899 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 900 - (إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه) بأن يختار له من الثياب أنظفها وأسبغها. قال التوربشتي: وما يؤثره المبذرون من الثياب الرفيعة منهي عنه بأصل الشرع لإضاعة المال (فانهم) أي الموتى على حد {حتى توارت بالحجاب} (يبعثون من قبورهم في أكفانهم) التي يكفنون عند موتهم فيها ولا ينافضه حشرهم عراة لأنهم يقومون من قبورهم بثيابهم ثم يجردون (ويتزاورون) في القبور (في أكفانهم) التي يكفنون عند موتهم فيها ولا ينافيه قول الصديق: الكفن إنما هو للصديد لأنه كذلك في رؤيتنا لا في نفس الأمر ولا خبر: لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا - لاختلاف أحوال الموتى فمنهم من يعجل له الكسوة لعلو مقامه ومنهم من لم يبلغ ذلك فيستمر في كفنه ويتزاور فيه في البرزخ. وفيه رد على ابن الحاج حيث قبح قول الناس: الموتى يتفاخرون في أكفانهم في القبور وحسنها وجعله من البدع الشنيعة (سموية) في فوائده (عق خط) في ترجمة سعيد العطار (عن أنس) ظاهر صنيعه أن الخطيب لم يخرجه إلا من حديث أنس ولا كذلك بل خرجه من حديثه ومن حديث جابر في موضع واحد وحديث جابر قال في اللسان عن العقيلي إسناده صالح بخلاف حديث أنس فاقتصر على المعلول وحذف المقبول (الحارث) ابن أبي أسامة عن روح عن زكريا عن أبي الزبير (عن جابر) وروح قال الذهبي وغيره متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع ونازعه المؤلف على عاداته الحديث: 900 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 901 - (اذبحوا لله) أي اذبحوا الحيوان الذي يحل أكله إن شئتم واجعلوا الذبح لله (في أي شهر كان) رجبا أو غيره (وبروا) [ص: 456] بفتح الموحدة وشد الراء أي تعبدوا (لله وأطعموا) بهمزة قطع أي الفقراء وغيرهم كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مئة نحر بكرا في رجب لصنمه يسمونه الفرع فنهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الذبح للصنم وأمر بالذبح لله والصحيح عند الإمام الشافعي ندب الفرع والعتيرة وهي ما يذبح في رجب وخبر: ولا فرع ولا عتيرة: المراد به الوجوب أو نفي ما يذبح للصنم أما تفرقة اللحم للفقراء فبر وصدقة في أي وقت كان (د ن ك عن نبيشة) بنون مضمومة وشين معجمة مصغر كما في التقريب وكذلك ضبطه المؤلف وهو ابن عبد الله الهذلي ويقال له الخير نبيشة سماه بذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صحابي قليل الحديث قال قيل يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ فذكره. قال الحاكم صحيح فقال الذهبي - مستدركا عليه - بل له علته الحديث: 901 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 902 - (اذكر الله) بالقلب فكرا وباللسان ذكرا بأن تقول لا إله إلا الله مع الإخلاص والذكر ثلاث نفي وإثبات بغير نفي وإشارة بغير تعرض لنفي ولا إثبات. فالأول قول لا إله إلا الله والذكر به قوام كل جسد وموافق لمزاج كل أحد الثاني ذكر اسمه الشريف الجامع وهو الله اسم جلال محرق ليس كل أحد يطيق الذكر به والثالث ذكر الإشارة وهو: هو فدوام ذكر لاإله إلا الله سبب لليقظة من الغفلة وذكر اسم الله سبب للخروج عن اليقظة في الذكر إلى وجود الحضور مع المذكور وذكر هو هو سبب للخروج عن سوى المذكور اه وقال الفخر الرازي قال الأكثرون الأولى أن يكون الذكر في الابتداء قول لا إله إلا الله وفي الانتهاء الاختصار وفضل بعضهم الأول مطلقا لأن عالم القلب مشحون بغير الله فلابد من كلمة النفي لنفي الأغيار فإذا خلا موضع منبر التوحيد ليجلس عليه سلطان المعرفة وبعضهم الثاني مطلقا لأنه حين ذكر النفي قد لا يجد مهملة توصله إلى الإثبات فيبقى في النفي غير منتقل إلى الإقرار (فإنه) أي الذكر أو الله (عون لك على ما تطلب) أي لأنه مساعد لك على تحصيل مطلوبك لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يذكر ولو من فاسق فإذا ذكره ثم دعاه أعطاه ما تمناه ولهذا قال بعض الصوفية: الإعراض عن الذكر يشوش الرزق ويضيق المعيشة وأخرج ابن عساكر أن أبا مسلم الخولاني كان يكثر الذكر فرآه رجل فقال مجنون صاحبكم هذا فسمعه. فقال ليس هذا بجنون يا ابن أخي هذا دواء الجنون (ابن عساكر) في التاريخ (عن عطاء ابن أبي مسلم مرسلا) هو الخراساني مولى المهلب بن أبي صفرة أرسل عن مثل معاذ بن جبل الحديث: 902 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 903 - (اذكروا الله ذكرا) كثيرا جدا (حتى يقول المنافقون إنكم تراءون) بمثناة فوقية أي حتى يرميكم أهل النفاق بالرياء لما يرون من شدة محافظتكم عليه وهذا حث شديد على لزوم الذكر سرا وجهرا ولا يرائي أحدا به وأما ما قيل إن الشبلي قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكرا. فعذره أنه لا يرى ذاكرا إلا والغفلة مستولية على قلبه. فيغار لله أن يذكر بهذا الذكر لغلبة المحبة على قلبه ومع ذلك فهو من شطحانه التي تغفر له لصدق محبته فلا يقتدى به فيها إذ يلزمه أن راحته أن لا يرى لله مصليا ولا تاليا ولا ناطقا بالشهادتين ومعاذ الله أن يستريح لذلك قلب هذا العارف والله لا يضيع أجر ذكر اللسان المجرد بل يثيب الذاكر وإن غفل قلبه لكن ثواب دون ثواب. وهذا وأشباهه إذا وقع من أولئك الأجلة الأكابر إنما يصدر عنهم في حال السكر فلا يؤاخذون به كما نقل عن أبي يزيد البسطامي من نحو سبحاني وما في الجبة إلا الله أما النار لأستعدن لها غدا وأقول اجعلني لأهلها الفدا. أما الجنة لعبة صبيان وقوله هب لي هؤلاء اليهود ما هؤلاء حتى تعذبهم - إلى ذلك من شطحاتهم المعروفة فنسلم لهم حالهم معتقدين لهم ونبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب والسنة (طب عن ابن عباس) وفيه كما قال الهيتمي وغيره الحسن بن أبي جعفر ضعيف الحديث: 903 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 [ص: 457] 904 - (اذكروا الله ذكرا خاملا) بمعجمة أي منخفضا بترقيق الجلالة (قيل) أي بعض الصحب (وما الذكر الخامل؟ قال الذكر الخفي) بمعجمة لسلامته من نحو رياء وقد أمر الله عباده أن يذكروه على جميع أحوالهم وإن كان ذكرهم إياه مراتب بعضها أحب إليه من بعض. قال الزمخشري: وأفضل الذكر ما كان بالليل لا اجتماع القلب وهدوء الرجل والخلوة بالرب (ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن ضمره بن حبيب مرسلا) هو الزبيد بضم الزاي الحمصي وثقه ابن معين وله شواهد كثيرة سيجيء بعضها وعورض هذا بما قبله ونحوه من الأخبار الدالة على ندب الجهر بالذكر صريحا أو التزاما لحديث الحاكم عن شداد بن أوس قال إنا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ارفعوا أيديكم فقولوا لا إله إلا الله ففعلنا فقال اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بهذا ووعدتني عليها الجنة إنك لاتخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله تعالى قد غفر لكم. وخبر البيهقي عن الأدرع قال: انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فمر برجل في المسجد يرفع صوته بالذكر قلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا قال ولكنه أواه وخبر ابن ماجه عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض من صوته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أواه - وأخيب بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصل أو نائم والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل به أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامع ولأنه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط. وأما قوله تعالى {واذكر ربك في نفسك} الآية فأجيب عنه بأن الآية مكية نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه الكفار فيسبون القرآن ومن أنزله فأمر بالترك سدا للذريعة وقد زال ذلك وبأن الآية محمولة على الذاكر حال القراءة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات وبأن الأمر في الآية خاص بالنبي الكامل المكمل والأرواح القدسية. وأما غيره ممن هو محل الوسواس والخواطر الرديئة فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وأما قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} فذلك في الدعاء لا في الذكر والدعاء الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة ولهذا قال الله تعالى {إذ نادى ربه نداء خفيا} وأما ما نقل عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما اراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم فغير ثابت. وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب الزهد لأحمد عن شفيق بن أبي وائل قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلسا قط إلا ذكر الله فيه وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت البناني: إن أهل الذكر ليجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام مثل الجبال وغنهم ليقومون من ذكر الله ما عليهم منها شيء اه الحديث: 904 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 905 - (إذكروا محاسن) كمنابر (موتاكم) أيها المؤمنون (وكفوا) اصرفوا ألسنتكم وادفعوا وجهتكم (عن مساويهم) فإن سب المسلم غير المعلن بفسقه حرام شديد التحريم والمساوى جمع مسوى بفتح الميم والواو وكل منهما إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع أو اسم مكان بمعنى الأمر الذي فيه الحسن والسوء فأطلق على المنعوت به مجازا: يعني لا تذكروهم إلا بخير فذكر محاسنهم مندوب وذكر مساويهم حرام إلا لضرورة أو مصلحة كتحذير من بدعة أو ضلالة كما يشير إليه أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الثملة التي غلها مدغم تلتهب عليه نارا. فإنه بيان لحكم الله والتحذير من الغلول قال النووي: قال أصحابنا وإذا رأى غاسل الميت ما يعجبه من نحو استنارة وجه وطيب ريح سن له أن يحدث الناس به وإن رأى ما يكره كسواد وجه ونتن ريح وتغير عضو حرم عليه أن يحدث به لهذا الحديث <تنبيه> قال الطيبي المأمور والمنهي بهذا الأمر إن كان من الصالحين فكما إن ذكرهم محاسن الموتى يؤثر منهم فذكرهم مساويهم ذلك فإنهم [ص: 458] شهداء الله في الأرض فعليه أن لا يسعى في ضرر الغير وإن كان المأمور والمنهي غيرهم فأثر النفع والضرر راجع على الغاسل فعليه أن يجتنب عما يتضرر بذكره ويتحرى ما له نفع فيه (د ت ك هق) وكذا الطبراني كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمران أنس المكي قال الترمذي عن البخاري منكر الحديث وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال في المهذب: قال البخاري عمران منكر الحديث الحديث: 905 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 906 - (أذن لي) بالبناء للمفعول والآذن له هو الله ولولا الإذن لم يجز له التحديث فهو تنبيه على أن من اطلعه الله على شيء من الأسرار ثم أفشاه بغير إذن عذب بالنار. وهذا محتمل لأن يكون رآه وأن يكون أوحى إليه به (أن أحدث أصحابي) أو أمتي (عن ملك) بفتح اللام: أي عن شأنه أو عظم خلقه (من ملائكة الله تعالى) قيل هو إسرافيل أضيف إليه لمزيد التفخيم والتعظيم (من حملة العرش) أي من الذين يحملون عرش الرحمن الذي هو أعظم المخلوقات المحيط بجميع العوامل والعرش السرير (ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة سنة) وفي رواية سبعين عاما. أي بالفرس الجواد كما في خبر آخر فما ظنك بطوله وعظم جثته؟ قال الطيبي: والمراد بسبع مئة عام هنا التكثير لا التحديد لأنه أليق بالكلام وأدعى للمقام وقال اذن لي ليفيد أن علم الغيب مختص به تعالى لكنه يطلع منه من شاء على ما شاء. وليس على من أطلعه أن يحدث إلا بإذنه. وشحمة الآذن ما لان من أسفلها وهو معلق القرط والعاتق ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء يذكر ويؤنث (فإن قلت) الملائكة أجسام نورانية والأنوار لا توصف بالأذن والعنق (قلت) لا مانع من تشكل النور على هيئة الإنسان وأن ضرب الأذن والعاتق مثلا مقربا للأفهام. <تنبيه> قال الإمام الرازي: اتفق المسلون على أن فوق السماء جسم عظيم هو العرش (د) في السنة (والضياء) المقدسي في المختارة (عن جابر) وسكت عليه أبو داود ورواه عنه الطبراني في الأوسط وقال الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني فيه أيضا عن أنس بزيادة ولفظه: أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنه وعاتقه خفقان الطير سبع مئة سنة يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت. وفيه عبد الله بن المنكدر ضعيف ورواه أبو يعلى عن أبي هريرة بلفظ: أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه من الأرض السابعة والعرش على منكبيه وهو يقول: سبحانك أين كنت وأين تكون. قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 906 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 907 - (أذيبوا) أي اسيلوا وفي المصباح ذاب الشيء سال والذائب خلاف الجامد (طعامكم) أي ما تناولتموه من عشائكم وغذائكم (بذكر الله) أي بملازمة الذكر عليه من نحو قراءة وتهليل وتكبير (والصلاة) الشرعية يعني اذكروا الله وصلوا عقب الأكل (ولا تناموا) عليه: أي بعد الطعام قبل انهضامه عن أعالي المعدة (فتقسو) أي فإنكم إن نمتم عليه تقسو وتقسو منصوب بفتحة على الواو لأنه جواب النهي ومن جعلها ضمير الجمع فإنما يتخرج على لغة أكلوني البراغيث (قلوبكم) أي تغلط وتشتد وتكتسب ظلمة وحجبا فلا تنجع فيها بعد ذلك المواعظ ولا تنزجر بالزواجر بل تصير كالحجر الصلب ومن قيل فيه: وليس يزجركم ما توعظون به. . . وإليهم يزجرها الراعي فتنزجر أبعد آدم ترجون الخلود وهل. . . تبقى فروع الأصل حين ينعقر؟ [ص: 459] لا ينفع الذكر قلبا قاسيا أبدا. . . والحبل في الحجر القاسي له أثر والطعام ظلمة والذكر نور فيزال بنور الذكر ظلمة الطعام. قال الغزالي: وفيه أنه يستحب أن لا ينام على الشبع فيجمع بين غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه ولكن ليصل أو يجلس يذكر الله فإنه أقرب إلى الشكر وأقل ذلك أن يصلي أربع ركعات أو يسبح مئة تسبيحة عقب كل أكلة وكان الثوري إذا شبع ليلة أحياها وإذا شبع يوما واصله بالذكر. قال الحراني: والقسوة اشتداد التصلب والتحجر (طس عد وابن السني) في اليوم والليلة (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (هب عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا منكر تفرد به بزيع وكان ضعيفا. اه. وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني: فيه بزيع وهو متروك وقال ابن محمود شارح أبي داود بعد ما عزاه لابن السني فيه بزيغ الخصاف متهم. وقال العراقي في الحديث سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي ف الموضوع وقال بزيغ متروك وهو تعسف لما أن الترك لا يوجب الحكم بالوضع. واعلم أن للحديث طريقين: الأول عن عبد الرحمن بن المبارك عن بزيغ عن هشام عن عروة عن عائشة والثاني عن أبي الأشعث عن أهرم بن حوشب عن عبد الله الشيباني عن هشام عن عروة عن عائشة فأخرجه من الطريق الأول الطبراني والأوسط وابن السني وأبو نعيم والبيهقي ومن الطريق الثاني ابن السني. فأما بزيغ فمتروك بل قال بعضهم متهم وأما أصرم ففي الميزان عن ابن معين كذاب خبيث وعن ابن حبان كان يضع على الثقات وقال ابن عدي هو معروف ببزيع فلعل أصرم سرقه منه ولهذا حكم الجوزي بأنه موضوع فقال موضوع بزيع متروك وأصرم كذاب وتعقبه المؤلف بأن العراقي اختصر في تخريج الإحياء على تضعيفه وأنت خبير بأن هذا التعقيب أوهن من بيت العنكبوت وبأن له عند الديلمي شاهدا من حديث أصرم هذا وعن علي مرفوعا: أكل العشاء والنوم عليه قسوة في القلب هذا حاصل تعقبه الحديث: 907 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 908 - (أرأف) في رواية للطبراني وغيره: أرحم (أمتي بأمتي) أي أكثرهم رأفة: أي شدة رحمة (أبو بكر) لأن شأنه العطف والرحمة واللين والقيام برعاية تدبير الحق تعالى ومراقبة صنعه فكان يدور مع الله في التدبير ويستعمل اللين مع الكبير والصغير. والرأفة أرق الرحمة كذا ذكره أهل المعاني. وقال الحراني هي عطف العاطف على من يجد عنده منة وصلة فهي رحمة ذي الصلة بالراحم (وأشدهم) ذكره نظيرا للمعنى: أقواهم صرامة وأصلبهم شكيمة (في دين الله عمر) لغلبة سلطان الجلال على قلبه فأبو بكر مع المبتدأ وهو الإيمان وعمر مع ما يتلوه وهو الشريعة لأن حق الله على عباده أن يوحدوه فإذا وحدوه فحقه أن يعبدوه بما أمر ونهى ولذا قبل لأبي بكر: الصديق لأنه صدق بالإيمان بكمال الصدق وعمر فاروق لأنه فرق بين الحق والباطل وأسماؤهما تدل على مراتبهما بالقلوب وشأن درجتهما في الأخبار متواترة (وأصدقهم حياء) من الله ومن الخلق (عثمان) بن عفان فكان يستحي حتى من حلائله وفي خلوته. ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن وسيجيء في خبر: إن الحياء من الإيمان فكأنه قال أصدق الناس إيمانا عثمان وفي خبر: الحياء لا يأتي إلا بخير فكأنه قال عثمان لا يأتي منه إلا الخير أو لا يأتي إلا بالخير (وأقضاهم علي) أي أعرفهم بالقضاء بأحكام الشرع. قال السمهودي: ومعلوم أن العلم هو مادة القضاء. قال الزمخشري: سافر رجل مع صحب له فلم يرجع حين رجعوا فاتهمهم أهله فرفعوهم إلى شريح فسألهم البينة على قتله فارتفعوا إلى علي فأخبروه بقول شريح فقال: أوردها سعد وسعد مشتمل. . . ما هكذا يا سعد تورد الإبل ثم قال إن أصل السقي التشريع ثم فرق بينهم وسألهم. فاختلفوا ثم أقروا بقتله فقتلهم به: وأخباره في هذا الباب مع عمر وغيره لا تكاد تحصى. قالوا وكما أنه أقضى الصحب في العلم الظاهر فهو أفقههم بالعلم الباطن: قال الحكيم [ص: 460] الترمذي في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي: البس الحلة التي خبأتها لك: هي عندنا حلة التوحيد فإن الغالب على علي التقدم في علم التوحيد وبه كان يبرز على عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم. إلى هنا كلامه. (وأفرضهم) أي أكثرهم علما بمسائل قسمة المواريث وهو علم الفرائض (زيد بن ثابت) أي أنه يصير كذلك ومن ثم كان الحبر ابن عباس يتوسد عتبة بابه ليأخذ عنه (وأقرؤهم) أي أعلمهم بقراءة القرآن (أبي) بن كعب بالنسبة لجماعة مخصوصين أو وقت من الأوقات فإن غيره كان أقرأ منه أو أكثرهم قراءة أو أنه أتقنهم للقرآن وأحفظهم له (وأعلمهم بالحلال والحرام) أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام (معاذ بن جبل) الأنصاري: يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام وأعلم من زيد بن ثابت في الفرائض ذكره ابن عبد الهادي. قال ولم يكن زيد على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مشهورا بالفرائض أكثر من غيره ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده ولا عهد الصديق رضي الله عنهم. (ألا وإن لكل أمة أمينا) أي يأتمنونه ويثقون به ولا يخافون غائلته (وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة عامر بن الجراح) أي أشدهم محافظة على الأمانة وتباعدا عن مواقع الخيانة. والأمين المأمون وهو مأمون الغائلة: أي ليس له غدر ولا مكر. وقال ابن حجر: الأمين الثقة الرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزية فيها لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة وصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره. اه. وإنما قطع هذا الأخير عما قبله وعنونه بحرف التنبيه: إشارة إلى أن أولئك لم يستأثروا بجميع المآثر الحميدة بل لمن عداهم مناقب أخر فكأنه قال لا تظنوا تفرد أولئك بجموم المناقب بل ثم من اختص بمزايا منها عظم الأمانة كابي عبيدة (ع) من طريق ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب وابن السلماني حاله معروف لكن في الباب أيضا عن أنس وجابر وغيرهما عن الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم لكن قالوا في روايتهم بدل أرأف: أرحم وقال الترمذي حسن صحيح والحاكم على شرطهما. وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة وبأن شيخه ضعفه بل رجح وضعه. اه. وقال ابن حجر في الفتح: هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء مطولا وأوله أرحم وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. اه الحديث: 908 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 909 - (أراكم) بفتح الهمزة (ستشرفون مساجدكم) أي تتخذون لها سيأتي شرفات (بعدي) أي بعد وفاتي (كما شرفت اليهود كنائسها) جمع كنيسة وهي متعبدهم وتطلق على متعبد النصارى أيضا وهي معربة (وكما شرفت النصارى بيعها) جمع بيعة بالكسر متعبدهم. أي فأنا أنهاكم عن اتباعهم ولستم بسامعيه بل أنتم لا بد فاعلوه مع كونه مذموما مكروها. وأخذ بذلك الشافعية فكرهوا نقش المسجد وتزويقه واتخاذ شرفات له. قال الحراني: قوي في هذه الأمة حال تينك الملتين لما آتاهم الله من الكتاب والعلم والحكمة فاختلفوا فيها بالأغراض والأهواء وإيثار عرض الدنيا وزينتها وحللوا لهم ما حرم الله توصلا به إلى أغراضهم في الاعتداء على من حسدوه من أهل التقوى فاستقر حالهم على مثل حالهم حتى في مساجدهم. اه. وذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار عن غيب وقع (د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 909 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 [ص: 461] 910 - (أربا الربا) أي أزيده إثما (شتم الأعراض) بالفتح جمع عرض بالكسر: أي سبها. قال الحراني: والربا هو الفضل المقصود به رؤية الخلق غفلة عن رؤية الحق وعماية عنه والعرض محل المدح والذم من الإنسان (وأشد الشتم الهجاء) أي الوقيعة في أعراض الناس بالشعر والرجز (والراوية) أي الذي يروي الهجاء وينشده بزور ويصوره فهو (أحد الشاتمين) بفتح الميم بلفظ التثنية أو بكسرها بلفظ الجمع: أي حكمه حكمهم في الإثم والذم. وقد استفدنا من الخبر أن الهجو حرام: أي إذا كان لمعصوم ولو ذميا وإن صدق أو كان بتعريض كما صرح به الإمام الرافعي وترد به الشهادة أما غير معصوم كحربي ومرتد فلا وكذا مسلم متجاهل متهتك بمعصية فيجوز هجوه بما تجاهر به فقط بقصد زجره. قال في الحماسة: أصون عرضي بمالي لا أدنسه. . . لا بارك الله بعد العرض في المال (عب هب عن عمرو بن عثمان مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب إنه منقطع أيضا وعمرو هذا من التابعين كبير الشأن الحديث: 910 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 911 - (أربا الربا) أي أزيده إثما وأقبحه جرما (تفضيل المرء) أي زيادته (على أخيه) في الإسلام (بالشتم) أي السب والذم. قال الطيبي: أدخل العرض في جنس المال على سبيل المبالغة وجعل الربا نوعين: متعارفا وغير متعارف وهو - أي غير المتعارف - استطالة الرجل اللسان في عرض صاحبه بأكثر مما يستحقه ثم فضل أحد النوعين على الآخر ولما بين العرض والمال من المناسبة. وقال الغزالي: إن ذلك من الكبائر. وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه جاء رجل يشكو جاره فقال: إنك إن سببت الناس سبوك وإن نافرتهم نافروك وإن تركتهم تركوك وعن سليم بن زياد: مكتوب في التوراة من لم يسالم الناس لم يسلم ومن شتم الناس شتم ومن طلب الفضل من غير أهله ندم. وقال كسرى لوزيره: ما الكرم؟ قال: التغافل عن الزلل قال: فما اللوم؟ قال: الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد قال: فما الحياء؟ قال: الكف عن الخنا (ابن أبي الدنيا) واسمه يحيى (في) كتاب فضل (الصمت عن أبي نجيح مرسلا) ورواه بمعناه مسند الطبراني عن يوسف بن عبد الله بن سلام يرفعه بلفظ: أربا الربا استطالة أحدكم في عرض أخيه المسلم. قال الهيتمي: وفيه محمد بن موسى الأملي عن عمر بن يحيى ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات. ورواه أيضا أبو يعلى عن عائشة مرفوعا بلفظ: أربا الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم ثم قرأ {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} قال الهيتمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 911 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 912 - (أربع) من الخصال (إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا) أي لا بأس عليك وقت فوت الدنيا إن حصلت هذه الخصال (صدق الحديث) أي ضبط اللسان وعفته عن الكذب والبهتان (وحفظ الأمانة) بأن يحفظ جوارحه وما اؤتمن عليه فإن الكذوب والخائن لا قدر لهما عند لله (وحسن الخلق) بالضم بأن يكون حسن العشرة مع خلق الله (وعفة مطعم) بفتح الميم والعين: بأن لا يطعم حراما ولا ما قويت الشبهة فيه ولا يزيد عن الكفاية حتى من الحلال ولا يكثر من الأكل. وأطلق الأمانة لتشيع في جنسها فيراعى أمانة الله في التكاليف. وأمانة الخلق في الحفظ [ص: 462] والأداء. ثم إن ما ذكر من أن سياق الحديث ذلك هو ما في رواية أحمد وغيره لكن لفظ رواية البيهقي بدل وحسن إلخ: وحسن خليقة وعفة طعمة (حم طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي بعد ماعزاه لأحمد والطبراني فيه ابن لهيعة وبقية رجال أحمد رجال الصحيح (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال العراقي: وفيه أيضا ابن لهيعة اه وقضية إفراد المصنف للطبراني بحديث ابن عمرو: تفرده به عن الأولين جميعا والأمر بخلافه بل رواه البيهقي في الشعب عنه أيضا عقب الأول ثم قال: هذا الإسناد أتم وأصح. اه فاقتصار المصنف على عزو الأول إليه وحذفه من الثاني مع كونه قال إنه الأصح: من ضيق العطن (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) قال الهيتمي: إسناد أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني حسن. اه. وقال المنذري: رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة وفيه عند البيهقي شعيب بن يحيى. قال أبو حاتم ليس بمعروف. وقال الذهبي بل ثقة عن ابن لهيعة وفيه ضعف الحديث: 912 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 913 - (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) أي من أفعال أهلها: يعني أنها معاصي يأتونها مع اعتقاد حرمتها. والجاهلية: ما قبل البعثة سموا به لفرط جهلهم (لا يتركونهن) أي لا تترك أمتي شيئا من تلك الخصال الأربع. قال الطيبي: قوله في أمتي: خبر لأربع: أي خصال أربع كائنة في أمتي ومن أمر الجاهلية. ولا يتركونهن: حالان من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور وهذا خرج مخرج الذم والتعييب لها فأولها (الفخر في الأحساب) أي الشرف بالآباء والتعاظم بعد مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم وذلك جهل فلا فخر إلا بالطاعة ولا عز لأحد إلا بالله. والأحساب جمع حسب وهو ما يعده المرء من الخصال له أو لآبائه من نحو شجاعة وفصاحة والثاني (الطعن في الأنساب) أي الوقوع فيها بنحو ذم وعيب: بأن يقدح في نسب أحد من الناس فيقول ليس هو من ذرية فلان وذلك يحرم لأنه هجوم على الغيب ودخول فيما لا يعني والأنساب لا تعرف إلا من أهلها قال ابن عربي: وهذا أمر ينشأ من النفاسة في أنه لا يريد أن يرى أحدا كاملا وذلك لنقصانه في نفسه ولا يزال الناس يتطاعنون في الأنساب ويتلاعنون في الأديان ويتباينون في الأخلاق قسمة العليم الخلاق قال: ولا أعلم نسبا سلم من الطعن إلا نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم والثالث (الاستسقاء بالنجوم) أي اعتقاد أن نزول المطر بظهور كذا وهو حرام لأنه إشراك ظاهر إذ لا فاعل إلا الله بل متى اعتقد أن للنجم تأثيرا كفر قال الحراني: فالمتعلق خوفهم ورجاؤهم بالآثار الفلكية هم صابئة هذه الأمة كما أن المتعلق خوفهم ورجاؤهم بأنفسهم وغيرهم من الخلق مجوس هذه الأمة (و) الرابع (النياحة) أي رفع الصوت بالندب على الميت لأنها سخط لقضاء الله ومعارضة لأحكامه. قال ابن العربي: هذه من أخبار الغيب التي لا يعلمها إلا الأنبياء فإنهم أخبر بما يكون قبل كونه فظهر حقا فالأربع محرمات ومع حرمتها لا يتركونها هذه الأمة - أي أكثرهم - مع العلم بحرمتها (م) في الجنائز (عن أبي مالك الأشعري) واسمه الحارث ولم يخرجه البخاري بلفظه الحديث: 913 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 914 - (أربع حق على الله) أي يستحقون عليه (عونهم) أي إعانتهم بالنصر والتأييد والنجاح والتسديد فضلا منه لكرامتهم عليه (الغازي) من خرج بقصد قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا (والمتزوج) بقصد عفة فرجه وتكثير النسل ليباهي به المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة أو نحو ذلك (والمكاتب) الساعي في أداء النجوم لسيده (والحاج) أي من خرج حاجا حجا مبرورا وقد نظمهم المصنف فقال: [ص: 463] حق على الله عون جمع. . . وهو لهم في غد يجازي مكاتب وناكح عفافا. . . ومن أتى بيته وغازي وذيل عليه الفارضي من أحيا أرضا ميتة فقال: وجا من للموات أحي. . . فهو لها خامس يوازي (حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 914 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 915 - (أربع دعوات لا ترد) بالبناء للمفعول أي لا يرد الله واحدة منها (دعوة الحاج) ما دام في النسك (حتى يرجع) يعني يفرغ من أعماله ويصدر إلى أهله (ودعوة الغازي) للكفار لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى (حتى يصدر إلى أهله) أي يرجع إليهم وغاير التعبير للتفنن وكراهة لتوالي الأمثال. وأصل الصدر الانصراف يقال صدر القوم وأصدرتهم إذا صرفنهم وصدرت عن المحل رجعت (ودعوة المريض) غير العاصي بمرضه (حتى يبرأ) من مرضه أي يسلم منه وبرىء كسلم وزنا ومعنى وعند أهل الحجاز برأ من المرض من باب قطع وفي الأساس فلان بارىء من علته وتقول العرب حق على البارىء من اعتلاله أن يؤدي شكر البارىء في إبلاله (ودعوة الأخ لأخيه) في الإسلام وإن كان حاضرا فيما يظهر (بظهر الغيب) أي وهو لا يشعر به لأنها أبلغ في الإخلاص ولأنه سبحانه يعينه في دعائه كما ينطق به خبر إن الله في عون العبد (وأسرع هؤلاء الدعوات) إجابة أو قبولا (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) والغيب ما غاب عنك وحتى في القرائن الأربع بمعنى إلى نحو سرت حتى تغيب الشمس وهذا وإن أوهم أن دعاء هؤلاء لا يستجاب بعد ذلك لكن الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير المذكور ولفظ الظهر مقحم ومحله نصب على الحال من المضاف إليه لأن الدعوة مصدر أضيف إلى الفاعل ذكره الطيبي (فر عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن زيد الحواري قال الذهبي قال البخاري تركوه الحديث: 915 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 916 - (أربع) من الخصال قال الكرماني مبتدأ بتقدير أربع خصال وإلا فهو نكرة صرفة والشرطية خبره ويحتمل كون الشرطية صفة وإذا حدث إلخ خبره وقال التفتازاني أربع مبتدأ والجملة بعده صفة له قال: والأحسن أن يجعل أربع خبرا مقدما أو مبتدأ لخبر وخصاله من إذا مفسر أي في الوجود أربع (من كن فيه كان منافقا خالصا) نفاق عمل لا نفاق إيمان (ومن كانت فيه خصلة) بفتح الخاء (منهن) أي من هؤلاء الأربع (كان فيه خصلة) بفتح الخاء أي خلة (من النفاق حتى يدعها) أي يتركها قال الحافظ ابن حجر النفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد اإيمان فهو نفاق الكفر وإلا نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وستفاوت مراتبه وقوله خالصا أي شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال لغلبتها عليه ومصيرها خلقا وعادة وديدنا له (إذا حدث) أي أخبر عن ماضي الأحوال (كذب) لتمهيد معذورته في التقصير (وإذا وعد) بإيفاء عهد الله (أخلف) أي لم يف (وإذا عاهد غدر) أي نقص العهد (وإذا خاصم فجر) مال في الخصومة عن الحق وقال الباطل قال البيضاوي يحتمل أن يكون هذا مختصا بأبناء زمانه فإنه علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن صدقا ومن أذعن له نفاقا وأراد تعريف أصحابه بحالهم ليحذروهم [ص: 464] ولم يصرح بأسمائهم لعلمه بأن منهم من يتوب فلم يفضحهم ولأن عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن النفور والمخاصمة ويحتمل كونه عاما لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانا بأنها طلائع النفاق الذي هو أسمج القبائح فإنه كفرتموه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب ومسيب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويحتمل أن المراد بالمنافق العرفي وهو من يخالف سره عليه مطلقا ويشهد له قوله من كان فيه خصلة منهن إلخ لأن الخصائل التي تتم بها المخالفة بين السر والعلن لا يزيد على هذا فإن نقص منها خصلة نقص الكمال إلى هنا كلامه. قال الطيبي والكذب أقبحها لتعليله تعالى عذابهم به في قوله {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه فينبغي للمؤمن المصدق اجتنابه لمنافاته لوصف الإيمان انتهى ويليه الخلف في الوعد قال الغزالي والخلف في الوعد قبيح فإياك أن تعد بشيء إلا وتفي به بل ينبغي أن يكون إحسانك للناس فعلا بلا قول فإن اضطررت إلى الوعد فاحذر أن تخلف إلا لعجز أو ضرورة فإن ذلك من أمارات النفاق وخبائث الأخلاق والفجور لغة الميل والشق فهو هنا إما ميل عن القصد المستقيم أو شق ستر الديانة ولا تناقض بين قوله هنا أربع وآنفا آية المنافق ثلاث إذ قد يكون لشيء واحد علامات كل منها يحصل بها صفته فتارة يذكر بعضها وأخرى أكثرها وطورا كلها قال النووي والقرطبي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردا على الكذب والخيانة وزاد الأول خلف الوعد والثاني الغدر والفجور في الخصومة (حم ق 3 عن ابن عمرو) ابن العاص وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه من الستة إلا هؤلاء والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود والنسائي أيضا الحديث: 916 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 917 - (أربع من كن فيه حرمه الله) في الآخرة (على النار) أي منعه من دخولها إذا فعل مع ذلك المأمورات وتجنب المنهيات (وعصمه) في الدنيا (من الشيطان) أي منعه منه ووقاه بلطفه من كيده والعصمة المنع يقال عصمه الطعام أي منعه والحفظ كما في الصحاح (من ملك نفسه حين يرغب وحين يرهب) أي حين يريد ويشتهي وحين يخاف ويكره لأن لكل رغبة ورهبة وشهوة حرارة تثور في النفس في الباطن كاضطرام النار حرصا على أن تدرك مرادها فإذا أخمد تلك النار حرم الله عليه نار القيامة قال المولى التفتازاني والرغبة في الشيء الإرادة المقارنة للرضى من رغب في الشيء بالكسر وارتغب فيه مثله لا من رغبت عن الشيء إذا لم ترده. وقال الراغب: الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب (وحين يشتهي وحين يغضب) لأن الملك للقلب على النفس فمن كان قلبه مالكا لنفسه في هذه الأحايين لأربع فقد حرم على النار واختسأ شيطانه لأن الدنيا كلها في هذه الأربع فإذا ملك القلب النفس بقوة المعرفة والعلم بالله فقد دقت دنياه في عينه وتلاشت ومن ملك نفسه قلبه بقوى الهوى فكل شعبة من شعب دنياه في عينه كالجبال فعظم عنده شأنها وصارت الآخرة في فلبه كالحلم فإذا انتبه ندم فإذا كان القلب أميرا أعطى النفس من الشهوة قدر ما أحله الشارع ومنعها ما سواها لئلا يتطاير شرورها وتشتعل نارها في العروق فتجاوز الحدود (وأربع من كن فيه نشر الله) تعالى (عليه رحمته) أي بثها عليه وأحيى قلبه بها في الدنيا (وأدخله جنته) في [ص: 465] الأخرى (من آوى مسكينا) أي أمكنه عنده وكفاه المؤنة أو تسبب له في ذلك والمراد هنا ما يشمل الفقير لقول إمامنا الشافعي إذا اجتمعا افترقا وإذا افترفا اجتمعا (ورحم الضعيف) حسا ومعنى أي رق له وعطف عليه وأحسن إليه (ورفق بالمملوك) أي مملوكه بقرينة ما بعده بأن لم يحمله على الدوام ما لا يطيقه ويطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه (وأنفق على الوالدين) أي أبويه وإن عليا لأنه لما غلب عليه سلطان الرحمة في الدنيا فرحم هؤلاء فجوزي بشمول الرحمة في الآخرة وسبوغها له والجزاء من جنس العمل (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أبي هريرة) وإسناده ضعيف الحديث: 917 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 918 - (أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة لسان ذاكرا) لله تعالى لأن الذاكر جليس الله تعالى والذكر منشور الولاية فمن أعطيهن فقد أعطي المنشور وذلك أعظم الخيور (وقلب شاكر) له تعالى لأن الشكر يرتبط به العتيد ويستجلب به المزيد بنص {ولئن شكرتم لأزيدنكم} وهو الاعتراف بالنعمة والقيام بحق الخدمة وأناط الأول باللسان إشارة إلى أنه آية الفلاح وإن لم يصحبه حضور وقد شكا رجل إلى بعض العارفين عدم حضور قلبه حال ذكره فقال له ياهذا يكفيك أنه استعمل جارحة من جوارحك في ذكره على أن دوام الذكر اللساني ينقلب قلبيا. قال في الحكم لاتترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع غفلة إلى ذكر مع حضور يقظة ومن ذكر مع حضور يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (وبدن على البلاء) بفتح الموحدة (صابر) فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه كما في حديث مر ومن أحبه الله فاز بخير الدارين وأناط الثاني بالقلب لأنه المتفكر في مصنوعات الله وآلائه الباعثة على الاقرار بالنعم والقيام بالخدمة ومن جمع بين الذكر والفكر فقد فاز بالسعادة. أوحى الله إلى داود عليه السلام " تخلق بأخلاقي ومن أخلاقي أنني أنا الصبور " (وزوجة لا تبغيه خونا) أي لا تطلب خيانة وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو أن يأتمن الإنسان فلا ينصح وفي بعض النسخ حوبا بحاء مهملة مضمومة أي إثما وهو تصحيف (في نفسها) بأن لا تمكن غيره من الزنا بها أو من مقدماته (ولا ماله) بأن لا تتصرف فيه بما لا يرضيه قال القاضي المرأة الصالحة أنفع من الذهب فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب وهي ما دامت معك رفيقتك تنظر إليها تسرك وتقضي إليها عند الحاجة وطرك وتشاورهما فيما يعن لك فتحفظ سرك وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك وإذا غبت تحامى مالك وترعى عيالك ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بذرك وتربي زرعك لكفى به فضلا (طب) وفي الأوسط أيضا (هب) من حديث طلق بن حبيب (عن ابن عباس) قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير وفي الأوسط رجال الأوسط رجال الصحيح انتهى وقال المنذري بعد عزوه للكبير والأوسط إسناد أحدهما جيد يعني الأوسط وبذلك يعرف أن إهمال المؤلف الطريق الصحيح وإيثاره الضعيف من سوء التصرف هذا وقد رمز لحسنه الحديث: 918 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 919 - (أربع من سنن المرسلين) من الحق إلى الخلق والمراد الرسل من بني آدم بقرينة ذكر النكاح (الحياء) بحاء مهملة فمثناة بخط المصنف وقيل بنون قال ابن العربي هو أشبه بما قارنه من التعطر والسواك وقال البيضاوي روى الحنا بالنون والحياء بمثناة والختان فالأول على تقدير مضاف كالاستعمال والخضاب فإن الحناء نفسه لا يكون سنة وطريقة وهو أوفق للتعطر والثاني يؤول بما يقتضيه الحياء ويوجبه كالستر وتجنب الفواحش والرذائل فإن الحياء نفسه أمر جبلي ليس بالكسب حتى يعد من السنن والثالث ظاهر الحياء بمهملة وتحتية والختان بمعجمة ففوقية مثناة والحناء بمهملة فنون مشددة ما يخضب به قال وهذه الرواية غير صحيحة ولعلها تصحيف لأنه يحرم على الرجل خضب يده ورجله وأما خضاب الشعر فلم يكن قبل نبينا فلا يصح إسناده للمرسلين وقال ابن حجر الحياء قيل بتحتية مخففة [ص: 466] وقد ثبت أن الحياء من الإيمان وقيل بنون فعلى الأول هي خصلة معنوية تتعلق بتحسين الخلق وعلى الثاني حسية تتعلق بتحسين البدن وقال شيخه الزين العراقي بعد حكايته إنه بتحتية أو نون وكلاهما غلط والصواب الختان فوقعت النون في الهامش فذهبت فاختلف في لفظه وهو أولى منهما إذ الحياء خلق والحنا ليس من السنن ولا ذكره المصطفى في خصال الفطرة بخلاف الختان فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر به واستمر بعده في الرسل وأتباعهم حتى المسيح عليه السلام فإنه اختتن انتهى وتقدمه لنحوه ابن القيم فنقل في الهدى عن المزي أن صوابه الختان وسقطت النون قال وهكذا رواه المحاملي عن شيخه الترمذي (والتعطر) استعمال العطر وهو الطيب فإنه يزكي الفؤاد ويقوي القلب والجوارح وهم محتاجون إلى ذلك لثقل الوحي {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} (والنكاح) الوطء لأن النور يملأ قلوبهم فيفيض في العروق فيكون ريح الشهوة فيحدث ريح القوة وشاهد ذلك من الكتاب {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} (والسواك) لأن الفم طريق لكتاب الله المنزل عليهم ومحل لمناجاة الملك فيتأكد في حقهم أكثر <تنبيه> هذا الحديث ظاهره مشكل فإن نوحا أول الرسل كما يأتي في خبر ولم يختتن إذ أول من اختتن إبراهيم كما مر في الخبر وعيسى لم يتزوج وكونه يتزوج بعد نزوله بفرض تسليم وروده غير دافع للشبهة فإنه إنما ينزل محمديا عالما بأحكام هذه الملة ولا مخلص من ذلك إلا بأن يقال المراد بالمرسلين أكثرهم (حم ت هب) كلهم من حديث مكحول عن ابن السماك (عن أبي أيوب) الأنصاري قال الترمذي حسن غريب انتهى وتبعه المصنف فرمز لحسنه وقال المناوي وغيره فيه أبو الثمال مجهول الحال وقال ابن محمود شارح أبي داود في سنده ضعيف ومجهول وقال ابن العربي في شرح الترمذي فيه الحجاج ليس بحجة وعباد بن العوام الحديث: 919 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 920 - (أربع من سعادة المرء) أي من بركته ويمنه وعزه (أن تكون زوجته صالحة) أي دينه جميلة إذ المراد الصلاح لما يراد منها دينا ودنيا (وأولاده أبرارا) أي يبرونه ويتقون الله (وخلطاؤه) أي أصحابه وأهل حرفته الذين لا بد له من مخالطتهم (صالحين) أي قائمين بحقوق الله وحقوق خلقه (وأن يكون رزقه) أي ما يرتزق منه من حرفة أو صناعة أو تجارة (في بلده) أي في محل إقامته بلدا كان أو غيره وخص البلد لأن الغالب الإقامة فيه والمراد أنه ليحصل كد الأسفار الشاسعة واقتحام المفاوز النائية وهذه حالة فاضلة وأعلى منها أن يأتيه من حيث لا يحتسب كما مر في خبره ويقاس بالرجل المرأة فيقال أربع من سعادة المرأة أن يكون زوجها صالحا وهكذا (ابن عساكر) في تاريخه (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه سهل بن عامر البجلي قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو حاتم (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبد الله بن الحكم) ابن أبي زياد العطواني صدوق مات بالكوفة (عن أبيه) الحكم (عن جده) أبي زياد الكوفي المذكور رمز المصنف لضعفه الحديث: 920 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 921 - (أربع) وفي رواية أربعة (من) أي من علامات (الشقاء) ضد السعادة (جمود العين) قلة دمعها كناية عن قسوة القلب كذا قيل وعليه فالعطف في قوله (وقسوة القلب) تفسيري والأوجه أن يقال إنه إشارة إلى قلة دمع العين إنما يكون من علامة الشقاء إذا كان ناشئا عن قسوة القلب وأنه لا تلازم بينهما وقسوته غلطته وشدته وصلابته في غير الله (والحرص) أي الرغبة في الدنيا والانهماك في تحصيلها وطلب الازدياد منها والحرص يحتاجه الأنسان لكن بقدر [ص: 467] معلوم فإذا تعدى الحد المحدود فقد أفسد دينه فكان بهذا الوجه من علامات الشقاء (وطول الأمل) بالتحريك رجاء الإكثار من الإقامة في الدنيا وزيادة الغنى. قال الثوري قصر الأمل الذي هو الزهد ليس مذموما. وأناط الحكم بطوله ليخرج أصله فإنه لا بد منه في بقاء هذا العالم إذ لولاه لما أرضعت والدة ولدا ولا غرس غارس شجرا فهو رحمة من الله على عباده كما يأتي في حديث قال الثوري قصر الأمل الذي هو الزهد ليس بلبس العباءة ولا بأكل الخشن وقال الفضيل ما أطال رجل الأمل إلا أساء العمل وكتب ابن أدهم إلى سفيان من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ومن أطلق بصره طال أسفه ومن أطلق أمله ساء عمله ومن أطلق لسانه قتل نفسه وقال ابن الوردي ومن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله عظيم بطشه قليل فهمه عالم بدنياه جاهل بآخرته فويل له ويل له. <فائدة> شكى رجل إلى الحسن البصري قسوة قلبه فقال عليك بمجالسة الذكر والإحسان (عد حل عن أنس) من حديث الحسن بن علي عن أبي سعيد المازني عن الحجاج بن منهال عن صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس ثم قال مخرجه أبو نعيم تفرد برفعه متصلا عن صالح الحجاج انتهى وقال الهيتمي صالح المري ضعيف وفي الميزان هذا حديث منكر انتهى والحسن بن عثمان قال الذهبي في الضعفاء كذيه ابن عدي ويزيد الرقاشي متروك ورواه البزار من طريق فيها هانىء المتوكل فقال الهيتمي هو ضعيف جدا ولذا حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات الحديث: 921 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 922 - (أربع لا يشبعن من أربع: عين من نظر) إلى ما يستحسن ويستلذ به الطبع (وأرض من مطر) فكل مطر وقع عليها شربته وطلبت غيره (وأنثى من ذكر) فإنها فضلت على الرجل في قوة شبقها بأضعاف لكن الله ألقى عليها الحياء ولم يقل امرأة من رجل إشارة إلى شمول الحيوانات وهذا حكم على النوع لا على كل فرد فرد فقد يختلف في بعضهن لكن نادر جدا (وعالم من علم) فإنه إذا ذاق أسراره وخاض بحاره وفهم معناه وفقه مغزاه صار عنده أعظم اللذات وأشرف الأمنيات فدأب ليله ونهاره يرعى وإن وقف ذهنه الأنجم السارة. وعبر بعالم دون إنسان أو رجل لأن العلم صعب على المبتدىء فلا يلتذ به ولا يرغب في الزيادة منه (عد خط) كلاهما من طريق عباس بن الوليد الخلال عن عبد السلام بن عبد القدوس عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال ابن عدي حديث منكر وعباس يروي العجائب وعبد السلام يروي الموضوعات وقال ابن طاهر رواه عن هشام بن حسين بن علوان وكان يضع الحديث ولعل عبد السلام سرقه منه انتهى وقال في الميزان الحسين بن علوان قال يحيى كذاب والدارقطني متروك الحديث وابن حبان كان يضع الحديث على هشام وغيره وضعا لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ثم ساق له هذا الحديث وقال عقب قوله وعالم من علم وكذاب من كذب ورواه من هذا الوجه الطبراني فتعقبه الهيتمي وقال عبد السلام لا يحتج به وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 922 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 923 - (أربع) من الركعات يصليهن الإنسان (قبل الظهر) أي قبل صلاته أو قبل دخول وقته ويؤيد الأول ما في رواية أخرى للترمذي بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وهو عند الزوال (ليس فيهن تسليم) أي ليس بعد كل ركعتين منها قصل بسلام فالمعنى فيه كما قال البغوي التشهد قال الطيبي سمى التشهد بالتسليم لاشتماله عليه (تفتح لهن أبواب السماء) كناية عن حسن القبول وسرعة الوصول. وقال بعضهم: هذا الفتح نظير النزول المنزه عن الحركة [ص: 468] والانتقال بعد نصف الليل إذ كل منهما وقت قرب ورحمة وتسمى هذه سنة الزوال وهي غير سنة الظهر نص عليه في الإحياء وقال بعضهم هذه الأربع ورد مستقل سببه انتصاف وزوال الشمس (د ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (وابن خزيمة) في الصلاة من صحيحه (عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه كما قال جمع عبيدة بن مغيث الضبي الكوفي ضعفه أبو داود وقال المنذري لا يحتج بحديثه وقال يحيى القطان وغيره الحديث ضعيف وقال المنذري في موضع آخر في إسناد أبي داود احتمال للتحسين والمؤلف رمز لصحته الحديث: 923 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 924 - (أربع قبل الظهر كعدلهن) أي كنظيرهن ووزانهن في الثواب (بعد العشاء) وأربع بعد العشاء (كعدلهن من ليلة القدر) فنتج أن أربعا قبل الطهر يعدلن أربعا في ليلة القدر من حيث مزيد الفضل أي في مطلقه ولا يلزم منه التساوي في القدر وهذه سنة الزوال كما تقرر والقصد الحث على فعلها والترغيب في إدامتها (طس عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله الهيتمي بأن فيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف جدا الحديث: 924 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 925 - (أربع لا يصبن) بالبناء للمفعول قال المؤلف ولا نافية (إلا بعجب) بعين مهملة محركا أي لا توجد وتجتمع في إنسان في آن واحد إلا على وجه عجيب عظيم يتعجب منه لعظم موقعه لكونها قل أن تجتمع (الصمت) أي السكوت عما لا ينبغي أو ما لا يعني المتكلم (وهو أول العبادة) أي مبناها وأساسها لأن اللسان هو الذي يكب الناس على مناخرهم في النار (والتواضع) أي لين الجانب للخلق على اختلاف طبقاتهم وطبائعهم ورؤية الإنسان نفسه حقيرا صغيرا (وذكر الله) أي لزومه والدوام عليه علامة حب الله (وقلة الشيء) الذي ينفق منه على نفسه وممونه فإن هذا لا يجامع السكون والوقار ولزوم الذكر بل الغالب على حال المقل الشكوى للناس وإظهار التضجر والتألم وشغل الفكر بالعيش الضنك بمنع صرف الهمة إلى الذكر فاجتماعهما شيء عجيب لا يحصل إلا بتوفيق إلهي وإمداد سماوي (طب ك هب عن أنس) سكت المصنف عليه فأواهم أنه لا علة فيه وهو اغترار بقول الحاكم صحيح وغفل عن تشنيع الذهبي في التلخيص والمنذري والحافظ العراقي عليه بأن فيه العوام بن جويرية قال ابن حبان وغيره يروي الموضوعات ثم ذكر له هذا الحديث. اه وأورده في الميزان في ترجمة العوام وتعجب من إخراج الحاكم له وقال ابن عدي: الأصل في هذا أنه موقوف على أنس وقد رفعه بعض الضعفاء عن أبي معاوية حميد بن الربيع وقد قال يحيى حميد كذاب. اه. ومن ثم أورد ابن الجوزي في الموضوع وقال العوام يروي الموضوعات عن الثقات. وتعقبه المصنف فلم يأت بطائل كعادته الحديث: 925 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 926 - (أربع لا يقبلن) حال كونها (في أربع) يعني لا يثاب من أنفق منهن ولا يقبل عمله فيهن (نفقة من خيانة أو سرقة أو غلول) من غنيمة (أو مال يتيم) فلا يقبل الانفاق من هؤلاء الأربع (في حج) بأن حج بمال خانه أو سرقه أو غله أو غصبه من مال يتيم تحت حجره أو غيره (ولا في عمرة) هبهما حجة الإسلام وعمرته أم تطوعا (ولا) في (جهاد) هبه فرض عين أو كفاية (ولا) في (صدقة) مفروضة أو مندوبة كوقف أو غيره. والفرق بين الخائن والسارق أن الخائن هو الذي خان فيما ائتمن عليه وجعل تحت يده والسارق من أخذ خفية من موضع كان تنوعا من توصله. [ص: 469] وكما تقبل تلك الأربع في هذه الأربع لا تقبل في غيرها أيضا وإنما خصها اهتماما بشأنها لكونه أمهات الفروض التي فيها الانفاق وكررها لدفع توهم إرادة الجمع (ص عن مكحول مرسلا عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المؤلف لحسنه وفي المسند كوثر بن حكيم قال الذهبي تركوه وضعفوه الحديث: 926 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 927 - (أربع) أي أربع جمل من القرآن (أنزلت) أي أنزلهن الله بواسطة أو بغيرها (من كنز تحت العرش) عرش الرحمن (أم الكتاب وآية الكرسي وخواتيم البقرة والكوثر) أي السورة التي فيها الكوثر وهي {إنا أعطيناك الكوثر} والكنز النفائس المدفونة المدخرة فهو إشارة إلى ذكر أنها ادخرت لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تنزل على من قبله. قال الطيبي: هذا من إدخال الشيء في جنس وجعل أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان متعارف وهو المال الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ وغير متعارف وهو هذه الآيات الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهية (طب وأبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن جعفر (والضياء) المقدسي (عن أبي أمامة) الباهلي. قيل إن المصنف رمز لصحته وفيه عبد الرحمن بن الحسن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم لا يحتج به والوليد بن جميل عن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم روى عن القاسم أحاديث منكرة وقال في الكاشف لينه أبو زرعة الحديث: 927 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 928 - (أربع حق على الله أن لا يدخلهن الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن خمر) أي مداوم على شربها (وآكل الربا) ويلحق به فيما يظهر: موكله أخذا من تسويته بينهما في اللعن في الحديث المار أول الكتاب بقوله: آكل الربا وموكله - إلى أن قال - ملعونون ولم يقيده كما قيد ما بعده لأن آكله لا يكون إلا بغير حق. والمراد بالأكل هنا التناول بأي وجه كان (وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه) أي لأصليه المسلمين وإن عليا وكذا العاق لأحدهما: أي إذا استحل كل منهم ذلك أو المراد مع السابقين الأولين أو حتى يطهرهم بالنار وعلى ماعدا الأول فهو وعيد فيه جائز لا مبرم بخلاف الوعد. وخص الأربعة لا لإخراج غيرها بل لغلبة وقوعها في الجاهلية (ك هب عب) من حديث إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن جده (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح فتعقبه الذهبي بأن إبراهيم قال ابن أبي شيبة متروك والمنذري فقال صححه وفيه إبراهيم بن خيثم متروك الحديث: 928 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 929 - (أربع أفضل الكلام) أي كلام الآدميين (لا يضرك) في حيازة ثواب الإتيان بهن (بأيهن بدأت) وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أما كلام الله فهو أفضل من التسبيح والتهليل المطلق والاشتغال بالمأثور في وقت أو حال مخصوص أفضل منه بالقرآن قال البغوي: وهذا الحديث حجة لمن ذهب إلى من حلف لا يتكلم فسبح او هلل أو كبر يحنث لأنه كلام وذهب قوم إلى خلافه (هـ عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفا - ابن جندب رمز المؤلف لصحته الحديث: 929 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 [ص: 470] 930 - (أربع دعوتهم مستجابة) أي مرجوة القبول (الإمام العادل) أي الحاكم الذي لا يجور في أحكامه. والعدل القصد في الأمور وهو ضد الجور (والرجل) يعني الإنسان (يدعو لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) أي في غيبته ولفظ الظهر مقحم كما سبق قريبا (ودعوة المظلوم) على ظالمه (ورجل) وصف طردي والمراد إنسان ولو أنثى أو خنثى أو طفلا (يدعو لوالديه) يعني لأصليه وإن عليا أو لأحدهما بالمغفرة والهداية ونحوهما. وكلامه شامل للحيين والميتين وورد من يستجاب دعاؤه أيضا جماعة وذكر العدد لا ينفي الزائد (حل عن واثلة) بن الأسقع وفيه مخلد بن جعفر جزم الذهبي بضعفه وفيه محمد بن حنيفة الواسطي قال في الميزان قال الدارقطني غير قوي وأحمد ابن الفرج أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه أبو عوف الحديث: 930 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 931 - (أربعة لا ينظر الله إليهم) نظر رضى ومثوبة. والنظر تقليب الحدقة والله تعالى منزه عنه فالنظر في حقه بمعنى الإحسان وعدمه هو المقت والخذلان (يوم القيامة) إشارة إلى أن محل الرحمة والنعمة المستمرتين بخلاف رحمة الدنيا وعذابها فإنهما ينقطعان بتجرد الحوادث (عاق) لوالديه أو أحدهما (ومنان) زاد في رواية: الذي لا يعطى شيئا إلا منه (ومدمن خمر) أي معاقر لها ملازم على شربها (ومكذب بالقدر) بالتحريك: بأن أسند أفعال العباد إلى قدرهم. ولكون العقوق والمنة في كل منهما حق للآدمي وحق الله قدمهما على ما بعدهما لأنهما محض حق الله وفيه أن الأربعة المذكورة من الكبائر لهذا الوعيد (طب عد عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف الحديث: 931 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 932 - (أربعة يبغضهم) أي ممن يبغضهم (الله) تعالى يعذبهم ويحيلهم دار الهوان (البياع الحلاف) بالتشديد. صيغة مبالغة: أي الذي يكثر الحلف على سلعة لقد أعطى فيها أكثر من كذا (والفقير المختال) بخاء معجمة: أي المتكبر المعجب بنفسه (والشيخ الزاني) أي الرجل الذي قد أمسى وهو مصر على الوطء بغير عقد شرعي ومثله الشيخة الزانية (والإمام الجائر) أي الحاكم الظالم المائل عن الحق إلى الباطل يقال جار في حكمه يجور جورا وظلم عن الطريق مال. وإنما أبغضهم لأن الحلاف الكثير الحلف انتهك ما عظم الله من أسمائه وجعله سببا وحيلة لدرك ما حقره من الدنيا لعظمها في قلبه. فبغضه ومقته هذا في الحلف الصادق فما بالك بالكاذب؟ والفقير المختال: أي المتكبر قد زوى الله عنه أسباب الكبر بحمايته له عن الدنيا فأبى لؤم طبعه إلا التكبر ولم يشكر نعمة الفقر فإن المصطفى صلى الله عليه وآله سلم يقول: الفقر على المؤمن أزين من العذار الجيد على خد الفرس. والشيخ الزاني عمر عمرا يحصل به الإنزجار واستولت أسباب الضعف وكلها حاجزة عن الزنا فأبى سوء طبعه إلا التهافت في معصية ربه. والإمام الجائر أنعم الله عليه بالسيادة والقدرة فأبى شؤم شح طبعه إلا الجور وكفر النعمة. وتعبيره بالبغض في هذه الأربعة وبعدم النظر في الأربعة قبلها يؤذن بأن هذه أقبح من تلك: فإن البغض أشد. ألا ترى أن الشخص [ص: 471] قد لا ينظر إلى الشيء ويعرض عنه احتقارا وعدم مبالاة به ولا يبغضه؟ (ن هب) وكذا الخطيب في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي سنده جيد وقال الذهبي في الكبائر عقب عزوه للنسائي إسناده صحيح ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 932 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 933 - (أربعة) أي أربعة أشخاص (تجري) بفتح أوله (عليهم أجورهم بعد الموت) أي لا ينقطع ثواب أعمالهم بموتهم بل يستمر (من مات مرابطا في سبيل الله) أي إنسان مات حال كونه ملازما ثغر العدو بقصد الذب عن المسلمين (و) الثاني (من علم علما أجرى له عمله ما عمل به) أي وأي إنسان علم علما وعمله غيره ثم مات فيجري عليه ثوابه مدة دوام العمل به من بعده (و) الثالث (من) أي إنسان (تصدق بصدقة) جارية مستمرة من بعده كوقف (فأجرها يجري له ما وجدت) أي فيجري له أجره مدة بقاء العين المتصدق بها وزاد بيان الجزاء في هذين لخفاء النفع فيه أو إيماء إلى تفضيلهما على الأول والأخير (و) الرابع (رجل) وصف طردي والمراد إنسان مات (ترك ولدا صالحا) أي فرعا مسلما هبه ذكرا أو أنثى أو ولد ولد كذلك وإن سفل (فهو يدعو له) بالرحمة والمغفرة فإن دعاءه أرجى إجابة وأسرع قبولا من دعاء الأجنبي ومر أنه لا تعارض بين قوله هنا أربعة وقوله في الحديث المتقدم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث لأن أعمال الثلاثة متجددة وعمل المرابط ينمو له. وفرق بين إيجاد العدوم وتكثير الموجود (حم طب) وكذا البزار (عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه وأعله الهيتمي وغيره بأن فيه ابن لهبعة ورجل لم يسم لكن قال المنذري هو صحيح من حديث غير واحد من الصحابة الحديث: 933 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 934 - (أربعة يؤتون أجورهم مرتين) أي يضاعف الله لهم ثواب ما عملوا مرتين (أزواج) جمع زوج والرجل زوج المرأة وهي زوجة ولم يقل زوجاته جمع زوجة لأن الأولى هي اللغة العالية الكثيرة وبها جاء القرآن نحو {اسكن أنت وزوجك الجنة} وإنما اقتصر الفقهاء في الاستعمال على اللغة القليلة وهي التي بها خوف لبس الذكر بالأنثى إذ لو قيل تركة فيها زوج وابن لم يعلم أذكر أم أنثى (النبي صلى الله عليه وسلم) فلهم أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على القيام بخدمة رسوله ونقلهن ما بطن من الشريعة مما لا يطلع عليه غيرهن وحفظه على الأمة ومن ثم اتجه عدم دخول غير المدخولة في ذلك نعم فيه شمول لمن مات قبله منهن ولمن تأخرت وفاته والظاهر إلحاق سرائره بهن ويشبه أن هذا اللفظ مما رواه الصحابي بالمعنى وإلا لقال زوجاتي (ومن أسلم من أهل الكتاب) يعني الفرقة الناجية من النصارى إذ من كفر بعيسى من أهل الكتاب لا أجر له على عمله كما يجيء. وذلك لإيمانهم بالكتابين فلهم أجر على الإيمان بالإنجيل وأجر على الإيمان بالفرقان (ورجل كانت عنده أمة) يملكها وهي تحل له (فأعجبته فأعتقها) أي أزال عنها الرق لله تعالى (ثم تزوجها وعبد مملوك) قيد به للتمييز بينه وبين الحر فإنه أيضا عبد الله (أدى حق الله تعالى وحق سادته) فله أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على أداء حق مواليه كما سبق موضحا ومن البين أن ذكر الإعجاب للتصوير لا للتقيد فكأنه خرج جوابا لسؤال وقد يقال إنما خصه لأنه إذا كان معجبا بها فعتقها صعب عسير على النفس لمصير [ص: 472] أمرها بيدها فلما قهر نفسه بعتقها رجاء للثواب دل على قوة إيمانه وكمال إيقانه فيجازى بعظم الأجر. وظاهر الحديث أن العامل قد يؤجر على عمل واحد مرتين ولا بدع فيه وإن كان عملا واحدا لكنه في الحقيقة عملان مختلفان طاعة الله وطاعة المخلوق فيؤجر على كل من العملين مرة لا مرتين وقد ورد أن جماعة أخرى يؤتون أجرهم مرتين وألف فيه المصنف مؤلفا حافلا جمع فيه نيفا وأربعين وذكر العدد لا ينفي الزائد إذ مفهومه غيرحجة عند الأكثر (طب عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه. قال الهيتمي: فيه علي بن يزيد الالهاني وهو ضعيف وقد وثق الحديث: 934 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 935 - (أربعة من كنز الجنة) أي ثوابهن مدخر في الجنة التي هي دار الثواب وهو ثواب نفيس جدا (إخفاء صدقة) أي عدم إعلانها والمبالغة في كتمانها بحيث لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله كما بينه هكذا في خبر آخر والخفاء يقابل به الإبداء والإعلان {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها} والمراد صدفة النفل (وكتمان المصيبة) أي عدم إشاعتها وإذاعتها على جهة التضجر والشكوى مما حل به من البلوى (وصلة الرحم) أي الإحسان إلى القريب ومواساته بما يحتاجه (وقول) الإنسان (لا حول) أي لا تحول عن المعصية (ولا قوة) على الطاعة (إلا بالله) أي إلا بإقداره وتوفيقه وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي: هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ولا حيلة له في دفع شر ولا قوة له في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى قال: ومعنى كونها من كنز الجنة أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة (خط) في ترجمة محمد بن قاسم الأزدي (عن علي) أمير المؤمنين وأشار إلى تفرده باستحسان الحديث: 935 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 936 - (أربعون) مبتدأ (خصلة) تمييز وعند الإمام أحمد أربعون حسنة بدل خصلة (أعلاهن) أي أعظمهن ثوابا وهذا مبتدأ ثان خبره (منحة) بكسر فسكون وفي رواية منيحة (العنز) بفتح فسكون أنثى المعز والجملة خبر الأول والمنيحة كالعطية لفظا ومعنى والمراد ما يعطى من المعز رجلا لينتفع بلبنه وصوفه زمنا ثم يعيده وإنما كانت أعلى لشدة الحاجة إليها (لا يعمل عبد) لفظ رواية البخاري ما من عامل يعمل (بخصلة منها رجاء ثوابها) بالنصب مفعول له (وتصديق موعودها) بميم أوله بخط المصنف أي مما وعد لفاعلها من الثواب على وجه الإجمال (إلا أدخله الله تعالى بها) أي بسبب قبوله لها تفضلا (الجنة) فالدخول بالفضل لا بالعمل ونبه بالأدنى على الأعلى. فمنحة البقرة والبدنة كذلك بل أفضل ولم يفصل الأربعين بالتعيين خوفا من اقتصار العاملين عليها وزهدهم في غيرها من أبواب الخير وتطلبها بعضهم في الأحاديث فزادت عن الأربعين منها السعي على دي رحم قاطع وإطعام جائع وسقي ظمآن ونصر مظلوم. ونوزع بأن بعض هذه أعلى من المنحة وبأنه رجم بالغيب فالأحسن أن لا يعد لأن حكمة الإبهام أن لا يحتقر شيء من وجوه البر وإن قل كما أبهم ليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة (خ د عن ابن عمرو) ابن العاص ووهم الحاكم فاستدركه الحديث: 936 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 937 - (أربعون رجلا أمة) أي جماعة مستقلة لا تخلو من عبد صالح غالبا (ولم يخلص أربعون رجلا في الدعاء لميتهم) أي في صلاتهم عليه صلاة الجنازة (إلا وهبه الله تعالى لهم وغفر له) ذنوبه المتعلقة بالله تعالى إكراما لهم ويكرمه هو بالمغفرة له [ص: 473] فإن ذلك أول ما يكرم به الميت المؤمن من قبل ربه تعالى كما يجيء في غير ما حديث وفيه أنه يندب تحري كون المصلين على الجنازة لا ينقصون عن أربعين وبين جعلهم ثلاث صفوف فأكثر (الخليلي في مشيخته عن ابن مسعود) والخليل نسبة إلى جده الأعلى لأنه أبو يعلى الخليلي ابن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني رمز المؤلف لضعفه الحديث: 937 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 938 - (أربعون دارا) من كل جهة من الجهات الأربع (جار) فيه حجة لمذهب الإمام الشافعي أنه لو أوصى لحيرانه صرف لأربعين دارا من كل جانب من الجوانب الأربعة ورد على أبي حنيفة في قوله الجار الملاصق فقط (في مراسيله عن) ابن شهاب (الزهري مرسلا) قال أبو داود قلت له يعني الزهري وكيف أربعون دارا جار قال أربعون عن يمينه وعن بساره وخلفه وبين يديه قال الزركشي سنده صحيح وقال ابن حجر رجاله ثقات الحديث: 938 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 939 - (ارجعن) أيها النساء اللاتي جلسن ينتظرن جنازة ليذهبن معها (مأزورات) أي آثمات والقياس موزورات لأنه من الوزر ضد الأجر وإنما قصد الازدواج لقوله (غير مأجورات) والمشاكلة بين الألفاظ من مطلوبهم كما ذكره ابن يعيش والعسكري وغيرهما ألا ترى إلى أن وضحاها من قوله {والشمس وضحاها} أميل للازدواج ولو انفرد لم يمل لأنه من ذوات الواو وفيه نهى النساء عن اتباع الجنائز لكن الأصح عند الشافعية أنه مكروه لهن تنزيها نعم إن اقترن به ما يقتضي التحريم حرم وعليه حمل الحديث وقول من قال كأني نصر المقدسي لا يجوز لهن اتباع الجنائز (هـ عن علي) أمير المؤمنين قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة ينتظرنها فقال هل تغسلن قلن لا قال هل تحملن قلن لا قال هل تدفن قلن لا فذكره قال ابن الجوزي جيد الإسناد بخلاف طريق أنس أي المشار إليه بقوله (ع عن أنس) قال اتبع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فإذا بنسوة خلفها فنظر إليهن فذكره ضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه الحارث بن زياد قال الذهبي ضعيف وقال الدميري حديث ضعيف تفرد به ابن ماجه وفيه إسماعيل بن سليمان الأزرق ضعفوه انتهى وبهذا التقرير انكشف أن رمز المصنف لصحته صحيح في حديث على لا في حديث أنس فخذه منقحا ورواه الخطيب من حديث أبي هريرة وزاد في آخره مفتنات للأحياء مؤذيات للأموات الحديث: 939 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 940 - (أرحامكم) أي أقاربكم من الذكور والإناث (أرحامكم) أي صلوهم واستوصوا بهم خيرا واحذروا من التفريط في حقهم والتكرير للتأكيد. قال في الإتحاف: هذا أعز من المخاطب بلزوم ما يحمد أي صلوا أرحامكم أي أكرموها وفيه من المبالغة في طلب ذلك ما لا يخفى ويصح أن يكون تحذيرا من القطيعة ويلوح به قوله تعالى {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} (حب هن أنس) بن مالك الحديث: 940 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 941 - (أرحم من في الأرض) بصيغة العموم يشمل جميع أصناف الخلائق فيرحم البر والفاجر والناطق والمبهم والوحش والطير (يرحمك من في السماء) اختلف بالمراد بمن في السماء فقيل هو الله أي ارحموا من في الأرض شفقة يرحمكم الله تفضلا والتقدير يرحمكم من أمره نافذ في السماء أو من فيها ملكه وقدرته وساطانه أو الذي في العلو والجلال والرفعة لأنه تعالى لا يحل في مكان فكيف يكون فيه محيطا فهو من قبيل رضاه من السوداء بأن تقول في جواب أين الله فأشارت إلى السماء معبرة عن الجلال والعظمة لا عن المكان وإنما ينسب إلى السماء لأنها أعظم وأوسع من الأرض أو لعلوها وارتفاعها أو لأنها قبلة الدعاء ومكان الأرواح الطاهرة الفدسية وقيل المراد منه الملائكة أي تحفظكم [ص: 474] الملائكة من الأعداء والمؤذيات بأمر الله ويستغفر لكم ويطلبوا الرحمة من الله الكريم قال الطيبي ويمكن الجمع بأن يقال يرحمك بأمره الملائكة أن تحفظك قال تعالى {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} وأخرج الروياني في مسنده عن ابن عمر يرفعه: إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطول وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد فيقول يا رب ارحمني اليوم فيقول له هل رحمت شيئا من خلقي من أجلي فأرحمك. قال الحراني: والرحمة تحلة ما يوافي المرحوم في ظاهره وباطنه أدناه كشف الضر وكشف الأذى وأعلاه الاختصاص رفع الحجاب وفيه ندب إلى العطف على جميع أنواع الحيوان وأهمها وأشرفها الآدمي المسلم والكافر المعصوم فيعطف عليهم بالمواساة والمعونة والمواصلة فيوافق عموم رحمة الله للكل بالإرقاق وإدرار الأرزاق وقال وهب: من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطىء ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن يكره الشر يعصم وقال عيسى عليه السلام: لا تنظروا في عيوب الناس كأنكم أرباب. انظروا فيها كأنكم عبيد إنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية وهنا دقيقة وهي أن العارف المرصفي قال: يجب على الفقير إذا تخلق بالرحمة على العالم أن لا يتعدى بالرحمة موطنها فيطلب أن يكون العالم كله سعيدا فإنه تعالى يقول {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} وقال {ما يبدل القول لدي} ورؤي الغزالي في النوم فقيل له مافعل الله بك فقال أوقفني بين يديه وقال بم جئتني فذكرت أنواعا من الطاعات فقال ما قبلت منها شيء لكنك جلست تكتب فوقعت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك انتهى. والرحمة في حقنا رحمة وحنو يقتضي الإحسان وذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تقدس عن ذلك وعن نقيضه الذي هو القسوة والغلطة فهو راجع في حقه إلى ثمرة تلك الرقة وفائدتها وهو اللطف بالمبتلى والضعيف وكشف ضره والإحسان إليه ذكره القرطبي وغيره وقال ابن عطاء الله من اطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية فاطلاعه فتنة عليه وسبب لجر الوبال إليه وإليه أشار ابن الفارض بقوله: وإياك والإعراض عن كل صورة. . . مموهة أو حالة مستحيلة فمن تخلق بالرحمة الإلهية وهي العامة لجميع الخلق الطائع والعاصي بواسطة شهادة فعل الله عذر الخلق ورحمهم لكونه لم يشهد لهم فعلا بل يشهد أفعال الحق تتصرف فيهم وتجري مجرى القدر وهو محجوبون عن ذلك بواسطة أفعال النفس وظلمتها فيرحمهم الله من غير اعتراض عليه ويعذرهم من غير أن يقف مع شيء من ذلك (طب عن جرير) البجلي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح (طب ك) من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن قابوس (عن ابن مسعود) رواه من هذا الطريق البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر رواته ثقات واقتفاه المصنف فرمز لصحته قال السخاوي وكان تصحيح الحاكم باعتبار ما له من المتابعات والشواهد وإلا فأبو قابوس لم يروه عنه سوى ابن دينار ولم يوثقه سوى ابن حبان على قاعدته في توثيق من لم يجرح ومن شواهد ما عقبه به المصنف بقوله: الحديث: 941 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 942 - (ارحموا ترحموا) لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده فلذا كانت أعلاما اتصف بها البشر فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك (واغفروا يغفر لكم) لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها (ويل لأقماع القول) أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه والأقماع بفتح الهمزة جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجتازا كما يمر الشراب في القمع كذلك قال الزمخشري: من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يستمعون ولا يعون انتهى (ويل للمصرين) على الذنوب أي العازمين [ص: 475] على المداومة عليها (الذين يصرون على ما فعلوا) يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا (وهم يعلمون) حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب (حم خد هب عن ابن عمرو) ابن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره ذلك قال الزين العراقي كالمنذري إسناده جيد وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعي وثقه ابن حبان ورواه الطبراني كذلك انتهى. والمصنف رمز لصحته وفيه ما ترى الحديث: 942 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 943 - (أردية الغزاة السيوف) أي هي بمنزلة أرديتها فليس الإرتداء في حقهم بمطلوب كما هو مطلوب لغيرهم لأن الرداء يغطيها واللائق المناسب إظهارها وإشهارها إرهابا للعدو ولئلا يكون بينه وبين السيف حائل إن احتاج إلى سله من غمده (عب عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 943 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 944 - (إ رضخى) بهمزة مكسورة إذا لم توصل وبراء: من الرضخ بمعجمتين العطاء اليسير والخطاب لأسماء بنت أبي بكر أي انفقي بغير إجحاد ولا إسراف (ما استطعت) ما دامت قادرة مستطيعة للإعطاء فما مصدرية. قال الكرماني: لكن الظاهر أنها موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي استطعتيه (ولا توعى) تمسكي المال في الوعاء والإيعاء حفظ الأمتعة بالوعاء وجعلها فيه أي لاتمنعي فضل المال عن الفقراء (فيوعى الله عليك) أي يمنع عنك فضله ويسد عليك باب المزيد فإسناد الوعاء إلى الله مجاز عن الإمساك أو من باب المقابلة والمراد النهي عن منع الصدقة خوف الفقر ومن علم أن الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب (م ن عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت قلت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ منه؟ فذكره. ورواه عنها أيضا البخاري بلفظ لا توعى فيوعى الله عليك أرضخى ما استطعت الحديث: 944 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 945 - (ارضوا) أيها المزكون (مصدقيكم) السعاة ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقهم. وسبب الحديث أنه جاء ناس من الأعراب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا إن ناسا من المصدقين يأتونا فيظلمونا فقال ارضوا مصدقيكم قالوا وإن ظلمونا؟ قال ارضوا مصدقيكم وإن ظلمتم. ولا ريب أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يستعمل ظالما قط بل كانت سعاته على غاية من تحري العدل كيف ومنهم علي وعمر ومعاذ؟ ومعاذ الله أن يولي المصطفى صلى الله عليه وسلم ظالما. فالمعنى سيأتيكم عمالي يطلبون منكم الزكاة والنفس مجبولة على حب المال فتبغضوهم وتزعمون أنهم ظالمون وليسوا بذلك. فقوله وإن ظلمتم مني على هذا الزعم ويدل على ذلك لفظة إن الشرطية وهي تدل على الفرض والتقدير لا على الحقيقة. وقال المظهري: لما عم الحكم جميع الأزمنة قال كيف ما يأخذون الزكاة لا تمنعوهم وإن ظلموكم فإن مخالفتهم مخالفة للسلطان لأنهم مأمورون من جهته ومخالفة السلطان تؤدي إلى الفتنة وثورانها. رد بأن العلة لو كانت هي المخالفة جاز كتمان المال لكنه لم يجز لقوله في حديث أنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون؟ قال لا. أما سعاة غيرنا فإغضاب ظالمهم واجب وإرضاؤه فيما يرمونه بالجور حرام (حم م د ن عن جرير) ابن عبد الله قال جاء ناس فقالوا يا رسول الله إن ناسا من المصدقين إلى آخره الحديث: 945 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 946 - (إرفع إزارك) إلى أنصاف الساقين يا من أسبله حتى وصل إلى الأرض (واثق الله) أي خفف عقابه على تعاطي [ص: 476] ما حرمه عليك من جر إزارك تيها وخيلاء وفيه كالذي بعده حرمة إنزال الرجل إزاره ونحوه عن الكعبين بقصد الخيلاء ويكره بدونه كما مر ويأتي والسنة جعله إلى نصف الساقين (طب عن الشريد) بوزن الطويل (ابن سويد) بضم المهملة وفتح الواو ومثناة تحتية الثقفي قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فذكره والشريد اسمه مالك قتل قتيلا من قومه فلحق بمكة ثم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وبايع بيعة الرضوان وسماه الشريد وهذا الحديث رواه مسلم عن ابن عمر بزيادة ونقص ولفظه مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتزرها بعد. فقال بعض القوم فأين؟ قال أنصاف الساقين وقد رمز المصنف لصحته الحديث: 946 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 947 - (ارفع إزارك) أي شمره عن الإسبال (فإنه) أي الرفع (أنقى لثوبك) بالنون من النقاء أي أنزه له عن القاذورات وروي بموحدة تحتية من النقاء أي أكثر بقاءا ودواما له (وأتقى) بمثناة فوقية (لربك) أي أقرب إلى سلوك التقوى أو أوفق للتقوى لبعده عن الكبر والخيلاء ثم إن ما تقرر في هذا الخبر وما قبله من أن الرفع والإزار حقيقة هو ما عليه المحدثون والفقهاء وقال أهل الحقيقة رفع الثوب وتطهيره كناية عن طهارة النفس من الدنس والأغيار قال الشاذلي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر يقول يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس قلت وما ثيابي يا رسول الله قال قد خلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام فمن أحب الله هان عليه كل شيء ففهمت حينئذ قوله {وثيابك فطهر} (ابن سعد) في الطبقات (حم هب عن الأشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وبالمثلثة (ابن سليم) المحاربي بضم الميم (عن عمته عن عمها) رمز المصنف لصحته الحديث: 947 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 948 - (ارفع) أيها الباني (البنيان إلى السماء) يعني إلى جهة العلو والصعود ولم يرد المظلة كقوله في الجبل طويل في السماء يريد ارتفاعه وشموخه ذكره الزمخشري ثم إن ما تقرر من كون الحديث ارفع البنيان هو ما في خط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من نسخ المعجم ارفع يديك إلى السماء (واسأل الله السعة) أي اطلب منه أن يوسع عليك. وزعم حجة الإسلام أن المراد بالسماء هنا الجنة وأنت خبير بمنافرته للسياق وفيه إلماح بكراهة ضيق المنزل ومن ثم قال الحكيم: المنازل الضيقة العمى الأصغر لكن لا يبالغ في السعة بل يقتصر على ما لا بد منه مما يليق به وبعياله لخبر: كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بد منه (طب عن) سيف الله أبي سليمان (خالد بن الوليد) قال شكيت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الضيق في المسكن فذكره. قال الهيتمي ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن اه وبه تعرف أن رمز المصنف لضعفه غير سديد. نعم قال العراقي في سنده لين وكان كلامه في الطريق الثاني الحديث: 948 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 949 - (إرفعوا ألسنتكم عن المسلمين) أي كفوها عن الوقيعة في أعراضهم. والرفع في الأجسام حقيقة في الحركة والانتقال وفي المعاني محمول على ما يقتضيه المقام (وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا) يعني لا تذكروه إلا بخير وكفوا عن مساوئه فإن غيبة الميت أشد من غيبة الحي. نعم إن ترتب على ذكره بسوء مصلحة كالتحذير من [ص: 477] بدعته جاز بل قد يجب كما مر (طب عن سهل بن سعد) الساعدي قال: لما قدم النبي صلى الله عليه سلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس - فذكره - فما ذكر من أنه عن سهل بن سعد هو ما رأيته في عدة نسخ من هذا الجامع فإن لم تكن النسخ التي وقفت عليها محرفة من النساخ وإلا فهو سهو من المؤلف وإنما هو سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده وكذا ذكره ابن عبد البر في ترجمة سهل بن مالك فإن الطبراني وكذا الضياء في المختارة إنما خرجاه من حديث سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ثم ضعفه وقال سهل وأبوه مجهولان وتبعه على ذلك في اللسان وليس في الصحابة سهل بن مالك غيره ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأب عن الجد وبما تقرر يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 949 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 950 - (أرقاءكم أرقاءكم) بالنصب أي الزموا الوصية بهم والإحسان إليهم وكرره لمزيد التأكيد (فأطعموهم مما تأكلون) أي من جنسه (وألبسوهم) بقطع همزته وهمزة أطعموهم وكسر الموحدة (مما تلبسون) كذلك. فالواجب على السيد لرفيقه إطعامه ما يكفيه وكسوته وجنس ذلك من غالب القوت والأدم لرقيق البلد وكسوتهم لائقا بالسيد ويستحب أن يطعمه من عين ما يأكل ويكسوه كذلك ولا يجب ويسن إجلاسه معه للأكل فإن لم يفعل ندب ترويغ لقمة كبيرة أو لقمتين في دسم طعامه ودفعه إليه كما مر (وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه) كتقصير في خدمته أو افتتان بين أهل المنزل ومعاشرة أهل السوء (فبيعوا عباد الله) أي أزيلوا الملك عنهم بنحو بيع أو كتابة أو هبة أو عتق (ولاتعذبوهم) بضرب أو تهديد أو تقريع فظيع يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه ووضع الظاهر موضع المضمر فلم يقل فبيعوهم زيادة في الزجر عن التعذيب وإيماء إلى أن السادة ليسوا بمالكين لهم حقيقة وإنما لهم بهم نوع اختصاص والمالك الحقيقي لجميع العباد هو الله سبحانه وتعالى (حم وابن سعد) في الطبقات. وكذا الطبراني ولعله أغفله ذهولا فإن الوجه المخرج منه واحد (عن زيد بن الخطاب) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أرقاءكم إلخ وقال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وزيد هذا هو ابن الخطاب أخو عمر قتل شهيدا يوم اليمامة الحديث: 950 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 951 - (أرقاؤكم إخوانكم) أي هم إخوانكم في الدين (فأحسنوا إليهم) بالقول والفعل كما يحسن الأخ إلى أخيه (استعينوهم على ما غلبكم) يعني استعينوا بهم فيما غلبكم: أي فيما لا يمكنكم مباشرته من الأعمال (وأعينوهم على ما غلبهم) من الخدمة اللازمة لهم ولا تكلفوهم على الدوام ما لا يطيقونه على الدوام وما ذكر من أن الرواية غلبكم وغلبهم بغين معجمة وموحدة تحتية فيهما هو ما في خط المؤلف وغيره فما في نسخ من أنه بمهملة تصحيف وإن كان معناه صحيحا لكن خلاف الرواية (حم خد عن رجل) من الصحابة رمز المؤلف لحسنه الحديث: 951 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 952 - (ارقى) خطابا بالمؤنث وهي دايته الشفاء فالحكم عام أي لا حرج عليك في الرقيا لشيء من العوارض: كلدغ عقرب بأي نوع من الرقى التي اعتيدت في الجاهلية (ما لم يكن شرك بالله) أي ما لم تشتمل الرقيا على ما فيه شيء من [ص: 478] أنواع الكفر كالشرك أو ما يومىء إلى ذلك فإنها حينئذ محظورة ممنوعة وكذا إن اشتملت على لفظ جهلنا معناه (ك) وكذا الطبراني (عن الشفاء) داية النبي صلى الله عليه وسلم (بنت عبد الله) بن عبد شمس العدوية من المهاجرات الأول وإسناده صحيح الحديث: 952 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 953 - (اركبوا هذه الدواب سالمة) أي خالصة عن الكد والإتعاب (واتدعوها سالمة) ولفظ رواية الطبراني بدله ودعوها أي اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها وهو افتعل من ودع بالضم وداعة: أي سكن وترفه وابتدع على القلب فهو مبتدع أي صاحب بدعة أو من ودع إذا ترك يقال إيدع وابتدع على القلب والإدغام والإظهار ذكره ابن الأثير (ولا تتخذوها كراسي) وفي رواية: منابر (لأحاديثكم في الطرق والأسواق) أي لا تجلسوا على ظهورها ليتحدث كل منكم مع صاحبه وهي موقوفة كجلوسكم على الكراسي للتحدث. والمنهي عنه الوقوف الطويل لغير حاجة فيجوز حال القتال والوقوف بعرفة ونحو ذلك. وعلل النهي عن ذلك بقوله (فرب) دابة (مركوبة خير من راكبها) عند الله تعالى (وأكثر ذكرا لله منه) فيه أن الدواب منها ماهو صالح ومنها ما هو طالح: وأنها تذكر الله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وأن بعضها أفضل من بعض الآدميين ولا ينافيه {ولقد كرمنا بني آدم} لأنه في الجنس والفقير المعذب في الدنيا إذا ختم له بالكفر أخس من الدابة فإنه أشقى الأشقياء كما في الخبر (حم) بأسانيد عديدة (ع طب ك عن معاذ) بضم الميم (ابن أنس) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فذكره. قال الهيتمي: أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سهل بن معاذ وثقه ابن حبان وفيه ضعف اه وقال الذهبي في المهذب: فيه سهل وفيه لين. وفيه إشعار بطلب الذكر للراكب. وقد ذكر أهل الحقيقة أنه يخفف الثقل عن الدابة فإن أخلص الذاكر ودوام على الذكر لم تحس الدابة بثقل أصلا. وقد أخبروا بذلك عن تجربة وبعضهم كلمته الدابة وأخبرته بذلك وهذا من كرامات الأولياء التي لا ينكرها إلا محروم الحديث: 953 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 954 - (اركعوا) ندبا (هاتين الركعتين في بيوتكم) أي صلوها في منازلكم لا في المسجد. لأن صلاتهما في البيت أبعد عن الرياء ثم بينهما بقوله (السبحة) بضم السين وسكون الموحدة (بعد المغرب) أي النافلة بعد المغرب سميت النافلة سبحة لاشتمالها على التسبيح واتفقوا على ندب ركعتين بعد المغرب وهما من الرواتب واتفق الشافعية والحنفية على ندب جعلهما في البيت وصرح الحنفية بكراهة فعلها في المسجد. قال في فتح القدير: ووقوعها سنة لا ينافي كراهة فعلها فيه وذهب بعض العلماء إلى أنه يعصي. وحكي عن أبي ثور ثم إنه لا اختصاص لذلك بسنة المغرب بل جميع الرواتب يندب جعلها في البيت بدليل خبر النسائي الآتي: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما خصها لأنه رأى رجلا يصليها في المسجد (هـ عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة الأنصاري الأوسي الذي أصابه يوم أحد سهم فنزعه وبقي نصله إلى أن مات. رمز المصنف لحسنه الحديث: 954 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 955 - (ارموا) بالسهام ونحوها ندبا لترتاضوا وتتمرنوا على الرمي قبل لقاء العدو ويصير لكم به خبرة وقوة (واركبوا) الخيل ونحوها مما يركب للجهاد ولتروضوه للقتال. قال الطيبي: عطفه يدل على المغايرة وأن الرامي يكون راجلا والراكب رامحا (وأن ترموا) بفتح الهمزة أي والرمي بالسهام وخبره (أحب إلي من أن تركبوا) أي من ركوبكم [ص: 479] نحو الخيل للطعن بالرمح فإنه لا شيء أنفع من الرمي ولا أنكى للعدو ولا أسرع ظفرا منه كما يعلمه من باشر الحروب وخالط الخطوب ومن ثم أفتى ابن الصلاح أن الرمي أفضل من الضرب بالسيف (كل شيء يلهو به الرجل باطل) أي لا اعتبار به يقال للمشتغل بما لا يعود عليه من نفع دنيوي أو أخروي بطال وهو ذو بطالة. ذكره الراغب. قال ابن العربي: ولا يريد أنه حرام بل إنه عار من الثواب (إلا رمي الرجل بقوسه) أي العربية وهو قوس النبل أو الفارسية وهو قوس النشاب (أو تأديبه فرسه) أي ركوبها وركضها والجولان عليها بنية الغزو وتعليمها ما يحتاج مما يطلب في مثلها. وفي معنى الفرس: كل ما يقاتل عليه (أو ملاعبته امرأته) أي مزاحه حليلته بالنزول لدرجات عقلها لطيب القلب وحسن العشرة ولذا قال لقمان: ينبغي للعاقل كونه كالصبي مع أهله ومثلها نحو ولد وخادم لكن لا ينبسط في الدعابة لحد يسقط هيبته بل يراعي الاعتدال (فإنهن) أي الخصال المذكورات (من الحق) أي من الأمور المعتبرة في نظر الشرع إذا قصد بالأولين الجهاد وبالثالث حسن العشرة صار اللهو مطلوبا مندوبا فهو من الحق المأمور به ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس إذا خلا بأهله وسبق عائشة مرارا فسبقها وسبقته (ومن ترك) أي أهمل (الرمي) بلا عذر (بعد ما علمه) بفتح العين وكسر اللام مخففة. لا بفتحها مشددة كما وهم يعني بعد علمه إياه بالتعليم ويجوز بناؤه للمفعول (فقد كفر الذي علمه) أي ستره فيكره ترك الرمي بعد علمه لأن من تعلمه حصل أهلية الدفع عن دين الله ونكاية العدو وتأهل لوظيفة الجهاد فتركه تفريط في القيام بما تعين عليه. قال الماوردي: وهذا إن قصد بتعلمه الجهاد وإلا مباح مالم يقصد به محرما. اه. وأقول الذي يتضمنه التحقيق أن الرمي وتعلم الفروسية وتعليم الفرس تجري فيه الأحكام الخمسة فأصله مباح ثم قد يجب إن تعين ذلك طريقا للجهاد الواجب عينا أو كفاية وقد يندب بقصد الغزو عند عدم تعينه وقد يكره إن قصد به مجرد اللهو واللعب وقد يحرم إن قصد به نحو قطع الطريق أو قتال أهل العدل وعلى حالة الندب أو الوجوب ينزل الحديث (حم ت هب) وكذا رواه الطيالسي والإمام الشافعي كلهم (عن عقبة بن عامر) ونوزع المصنف بأن الذي في الترمذي إنما هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين ولعل نسخه مختلفة. قال الديلمي: وفي الباب ابن عمر وغيره ورمز المصنف لحسنه الحديث: 955 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 956 - (ارموا الجمرة) في الحج (بمثل حصى الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين: أي بقدر الحصا الصغار الذي يحذف: أي يرمى بها ففي القاموس وغيره: المحذف كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما بأخذها بين سبابتيك فتحذف به. اه. وفي المصباح خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب: رميتها بطرفي الإبهام والسبابة وقولهم يأخذ حصى الخذف معناه حصى الرمي والمراد الحصى الصغار لكنه أطلق مجازا. اه. والمراد هنا دون الأنملة طولا وعرضا وهو بقدر الباقلا فيكره تنزيها بدونه وفوقه لكنه يجزىء وفيه رد على الإمام مالك في قوله الأكبر من حصى الخذف أحب إلي ومن ثم تعجب منه ابن المنذر ومما يرده أيضا الخبر الصحيح بأمثال هؤلاء أي حصى الخذف فارموا وإياكم والغلو في الدين (حم وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) المقدسي (عن رجل من الصحابة) قال الهيتمي رجاله ثقات. اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 956 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 957 - (أرهقوا) بفتح الهمزة وقال العسكري بكسرها (القبلة) بالكسر: أي ادنوا من السترة التي تصلون إليها [ص: 480] بحيث يكون بينكم وبينها ثلاثة أذرع فأقل. والمراد بالقبلة: السترة هنا وأصلها كل ما يستقبل فيندب أن يصلي إلى سترة لا تبعد عنه أكثر من ذلك والأولى إلى شاخص كجدار ولا يعمد له بل بسامت أحد جانبيه فإن فقد الشاخص فإلى عصى مغروز أو متاع موضوع ارتفاعهما ثلثا ذراع ثم يفرش مصلى ثم يخط خطا من قدميه طولا إلى القبلة وحينئذ يحرم المرور بينه وببن السترة فإن صلى لا إلى شيء مما مر أو بعد عنه فوق ثلاثة أذرع كره المرور. ذكره الإمام الشافعي (البزار) في مسنده (هب وابن عساكر) وكذا أبو يعلى والديلمي كلهم (عن عائشة) وفيه بشر بن السري أورده الذهبي في الضعفاء وقال تكلم فيه من جهة تجهمه عن مصعب بن ثابت وقد ضعفوا حديثه ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 957 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 958 - (أريت) بالبناء للمفعول بضبط المصنف من الرؤيا العلمية لا البصرية لما يجيء ونكتة حذف الفاعل هنا التعظيم (ما تلقى أمتي من بعدي) أي أطلعني الله بالوحي أو بالعرض التمثيلي على ما ينوبها من نوائب ونواكب وحذف كيفية الأداة لتذهب النفس كل مذهب ممكن والتقييد بالظرف لا مفهوم له فإنه عرضت عليه أمته وما تلقاه في حياته وبعد وفاته لكن لما كان المقصود الإعلام بوقوع الفتن والقتال بينهم بعده وأنه مع ذلك شافع مشفع فيهم ذكر البعدية (وسفك بعضهم) مصدر مضاف لفاعله: أي أراني ما وقع بينهم من الفتن والحروب حتى أهرق بعضهم (دماء بعض) أي قتل بعضهم بعضا (وكان ذلك سابقا من الله) تعالى في الأزل (كما سبق في الأمم قبلهم) أي من أن كل نبي تعرض عليه أمته أو من أن سفك بعضهم دم بعض سبق به قضاؤه كما وقع لمن قبلهم (فسألته أن يوليني) بفتح الواو وشد اللام أو سكون الواو من الولاية (شفاعة فيهم يوم القيامة) ليفوز بخلاصهم مما أرهقهم عسرا وعراهم من الشدائد نكرا (ففعل) أي أعطاني ما سألته وتنكير شفاعة للتعظيم: أي شفاعة عظيمة. قال بعض المحققين: وهذه الرؤيا ليست بصرية بل قلبية كشفية لأن علم الأنبياء مستمد من علم الحق تقدس وكما أن علمه سبحانه لا يختلف بحسب اختلاف التسب الزمانية فكذا علم النبيين بل الزمان تابع لعلم الله وتعلقه بالماضي والمستقبل والحاضر من جهة الكشف واحد وإنما يختلف بهذه الاختلافات العلم المحدث ولما كان علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومكاشفاته من ذلك القبيل اندرجت له الأكوان والمسافات والأزمان والجهات في بعض الأوقات حتى رأى أمته الحادثين بعده وما وقع منهم من الحروب والخطوب ورأى الجنة والنار مثلين رأى العين في عرض الحائط إشعارا بقرب الأمر وإيناسا لمن قصر فهمه عن درك علوم المكاشفات والتجليات. ذكره في المطامح (حم طس ك) عن أبي اليماني عن شعيب عن الزهري عن أنس (عن أم حبيبة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم بنت شيخ قريش وحبيبها عظيمها أبي سفيان بن حرب الأموية رملة ماتت سنة أربع وأربعين قال الحاكم على شرطهما والعلة عندهما فيه أن أبا اليماني رواه مرة عن شعيب ومرة عن غيره ولا ينكر أن يكون الحديث عند إمام عن شيخين. اه. وقال الهيتمي رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح. اه. فرمز المصنف لصحته متجه الحديث: 958 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 959 - (إزرة المؤمن) بالكسر الحالة وهيئة الانزار كالجلسة يعني الحالة التي ترتضي منه في الإتزار وتحسن في نظر الشرع أن يكون الإزار (إلى أنصاف ساقيه) فقط لقوله في عدة أخبار: وأن ما أسفل من ذلك ففي النار زاد في رواية الطبراني من حديث ابن معقل وليس عنده حرج فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك في النار قال الطيبي: وجميعها يشعر بالتوسعة فإذا قصد الخيلاء بما زاد على ذلك حرم وألحق بذلك القسطلاني كم [ص: 481] القميص فمتى زاد فيه على المعتاد بقصد الخيلاء حرم. وقال الفاكهي: فيه رد لما يفعله فقهاء العصر من تكبير العمائم وتوسيع الثياب والأكمام وإطالتها وترفيعها وصقالتها حتى خرجوا إلى مجاوزة الكعبين ونسوا هذا الخبر ونحوه وهذا من أكبر دليل على أنهم لم يقصدوا بالعلم وجه الله <تنبيه> قوله أي أنصاف ساقيه: كقولهم قطعت رؤوس الكبشين (ن) في اللباس (عن أبي هريرة والضياء) المقدسي (عن أنس) والنسائي أيضا وأبو داود وابن ماجه كلهم من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه (عن أبي سعيد) الخدري قال عبد الرحمن سألت أبا سعيد عن الإزار فقال على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزارة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج أو ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل الكعبين فهو في النار ومن جر ثوبه بطرا لم ينظر الله إليه هكذا ساقه عنهم جمع منهم النووي في الرياض والزين العراقي في شرح الترمذي وهو مخالف - كما ترى - لسياق المؤلف. قال النووي وإسناده صحيح وعن ابن عمر وقال سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي الحديث: 959 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 960 - (ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقارا وشرعا الاقتصار على قدر الضرورة مما يتيقن حله وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود (في الدنيا) باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى منها واحتقاره لها فإنك إن فعلت ذلك (يحبك الله) لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه أنك إذا أحببتها أبغضك فمحبته مع عدم محبتها ولأنه سبحانه وتعالى يحب من أطاعه ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير والتقرب بها والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب فهي صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند الناس) منها (يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها مطبوعة عليها ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه ولهذا قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريما على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به ويكرهون حديثه. وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا (طب ك هب عن سهل بن سعد) الساعدي قال قال رجل يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فذكره وحسنه الترمذي وتبعه النووي وصححه الحاكم واغتر به المصنف فرمز لصحته وكأنه ما شعر بتشنيع الذهبي عليه بأن فيه خالد بن عمر وضاع ومحمد بن كثير المصيصي ضعفه أحمد وقال المنذري عقب عزوه لابن ماجه: وقد حسن بعض مشايخنا إسناده وفيه بعد لأنه من رواية خالد القرشي وقد ترك واتهم قال لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة ولا يمنع كونه رواه الضعفاء أن يكون النبي قاله اه. قال السخاوي: فيه خالد هذا مجمع على تركه بل نسبوه إلى الوضع. قال ابن حبان ينفرد عن الثقات بالموضوعات وقال ابن عدي: خالد وضع هذا الحديث وقال العقيلي: لا أصل له اه. ثم قضية صنيع المصنف أيضا أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه بقوله خالد بن عمر ضعيف الحديث: 960 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 961 - (أزهد الناس) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الهاء: أي أكثر الناس زهدا (في العالم) بعلم طريق الآخرة أو بالعلوم الشرعية أو العقلية (أهله وجيرانه) زاد في رواية حق يفارقهم وذلك سنة الله في الماضين وعادته في النبيين والعلماء ورثتهم ومن ثم قال بعض العارفين: كل مقدور عليه مزهود فيه وكل ممنوع منه مرغوب فيه. قال الماوردي: فإذا قرب منك العالم فلا تطلب ما بعد وربما انبعثت نفس الإنسان إلى من بعد عنه استهانة بمن قرب منه وطلب ما صعب [ص: 482] احتقارا لما سهل عليه وانتقل إلى من لم يخبره مللا من خبره فلا يدرك مطلوبا ولا يظفر بطائل. وأنشد بعضهم يقول: لا ترى عالما يحل بقوم. . . فيحلوه غير دار هوان هذه مكة المنيفة بيت الل. . . هـ يسعى لحجها الثقلان وترى ازهد البرية في الح. . . ج لها أهلها لقرب مكان وروى البيهقي في المدخل أن كعبا قال لأبي مسلم الخولاني: كيف تجد قومك لك؟ قال مكرمين مطيعين قال ما صدقتني التوراة. إذ فيها ما كان رجل حكيم في قوم قط إلا بغوا عليه وحسدوه وقال المصنف رأيت في كراسة لأبي حيان: أوحى الله في الإنجيل إلى عيسى: لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده (حل) عن محمد بن المظفر عن أحمد بن عمير عن حبشي عن عمرو بن الربيع عن أبيه عن إسماعيل بن اليسع عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي (عن أبي الدرداء) قال عبد الواحد: رأيت أبا الدرداء قيل له ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل بيتك جلوس؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره - ومحمد بن المظفر أورده في الميزان وقال ثقة حجة إلا أن الباجي قال كان يتشيع قال في اللسان كان يشير إلى الجزء الذي جمعه ابن المظفر في فضائل العباس فكان ما به ذا وعبد الواحد ضعفه الأزدي (عد) عن موسى بن عيسى الخوارزمي عن عباد بن محمد بن صهيب عن يزيد بن النضر المجاشعي عن المنذر بن زياد عن محمد بن المنذر (عن جابر) بن عبد الله قال ابن الجوزي موضوع والمنذر كذاب ومن كلامهم زامر الحي لا يطرب وذكر كعب أن هذا في التوراة وقال سليمان الأحول لقيت عكرمة ومعه ابنه. فقلت أيحفظ هذا من حديثك شيئا؟ قال أزهد الناس في العالم أهله. وقال العارف المرسي: ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق ليرفع مقدارهم ويكمل أنوارهم ويحقق لهم الميراث ليؤذوا كما أوذي من قبلهم فصبروا كما صبر من قبلهم ولو كان إطباق الخلق على تصديق العالم هو الكمال لكان الأحق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بل صدقه قوم هداهم الله بفضله وكذبه آخرون فحجبهم الله بعدله فانقسم العباد في هذه الطائفة إلى معتقد ومنتقد ومصدق ومكذب وإنما يصدق بعلومهم من أراد الحق إلحاقه بهم وقليل ما هم لغلبة الجهل واستيلاء الغفلة وكراهة الخلق أن يكون لأحد عليهم شفوف منزلة واختصار عنه والعامة إذا رأوا إنسانا ينسب إلى علم أو عرفان جاؤوا من القفار وأقبلوا عليه بالتعظيم والتكريم وكلوا من واحد بين أظهرهم لا يلقون إليه بالا وهو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم فما هو إلا كحمار الوحش يدجل به البلد فيطيف الناس به معجبين لتخطيط جلده وحمرهم بين أظهرهم تحمل أثقالهم لا يلتفتون إليها أولئك قوم لاخلاق لهم الحديث: 961 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 962 - (أزهد الناس الأنبياء) أي الرسل ومثلهم خلفاؤهم العلماء العاملون (وأشدهم عليهم) في إيصال الأذى والإيلام بالبذاء (الأقربون) منهم بنسب أو مصاهرة أو جوار أو مصاحبة أو اشتراك في حرفة أو نحو ذلك ولهذا نص الله سبحانه وتعالى على تخصيصهم بالإنذار بقوله {وأنذر عشيرتك الأقربين} أي أنذرهم وإن لم يسمعوا قولك أو لم يقبلوا نصحك لكونهم أزهد الناس فإن ذلك ليس عذرا مسقطا للتبليغ عنك. قال ابن عساكر: وقلما كان كبيرا في عصر قط إلا وله عدو من السفلة: فلآدم إبليس ولإبراهيم نمروذ ولموسى فرعون وللمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو جهل. قال المصنف: وللحسن مروان بن الحكم ولابن عباس نافع بن الأزرق. وهكذا (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وعزاه ابن الجوزي لجابر ثم حكم بوضعه وتعقبه المصنف بأن له عدة طرق منها حديث أبي الدرداء الحديث: 962 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 963 - (أزهد الناس من لم ينس القبر) أي موته ونزوله القبر ووحدته ووحشته (والبلاء) أي الفناء والاضمحلال (وترك [ص: 483] أفضل زينة) الحياة (الدنيا) مع إمكان تحليه بها (وآثر ما يبقى على ما يفنى) أي آثر الآخرة وما يقرب منها من قول وعمل على الدنيا وما فيها. قال بعض الحكماء: لو كانت الدنيا من ذهب فإن والآخرة من خزف باق لاختار العاقل الباقي على الفاني. وقال: ترك أفضل زينة الدنيا ولم يقل ترك زينة توسعة في الأمر وإشارة إلى أن القليل من ذلك مع عدم شغل القلب به لا يخرج عن الزهد (ولم يعد غدا من أيامه) لجعله الموت نصب عينيه على توالي الأنفاس (وعد نفسه في الموتى) لأن التخلي عن زينة الدنيا والتحلي بقصر الأمل يوجب محبة لقاء الله ومحبة لقائه توجب محبة الخروج من الدنيا وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض عنها ثم إن من اشتراطه الزهد به ترك زينة الدنيا يشمل النساء إذ هي أعلى اللذات وأعظمها باتفاق العقلاء وليس مراد افتعين جعل الخبر من قبيل العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص فمحبة النكاح وإيثاره ليس قادحا في الأزهدية كيف وهو أعظم المحبوبات لخير البرية مع أمره لأمته بإكثار التناكح لإكثار التناسل؟ وقد كان أكابر الصحابة بأعلى درجات الزهد ولم يتركوا الإكثار منهن مع ما هم عليه من ضيق العيش وقلة الرفاهية والجهادين الأصغر والأكبر (فإن قلت) لم لم ينبه على استثنائه في هذا الخبر؟ (قلت) اتكالا على ما ظهر واشتهر من أنه بعث برفض الرهبانية التي هي شعار النصارى فاكتفى بذلك عن التنبيه عليه. فتدبر (هب عن الضحاك مرسلا) قال قيل يا رسول الله من أزهد الناس؟ فذكره. رمز لضعفه الحديث: 963 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 964 - (أسامة) بالضم: ابن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه (أحب الناس) من الموالي. أو المراد من أحب الناس (إلي) ولا يعارضه أن غيره أفضل منه كما مر وسيجيء وكان اسامة يدعى الحب بن الحب وقد عرف ذلك له عمر وقام بالحق لأهله وذلك أنه فرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين فقال له لم فضلت علي أسامة وقد شهدت مالم يشهد؟ فقال إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منك وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أبيك ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على محبوبه وهكذا يجب أن يحب ما أحب ويبغض ما يبغض. قال القرطبي: وقد قابل مروان هذا الواجب بنقيضه وذلك أنه مر بأسامة وهو يصلي بباب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروان إنما أردت أن ترى الناس مكانك؟ فقد رأينا مكانك فعل الله بك وفعل وقال قولا قبيحا فقال له أسامة: آذيتني وإنك فاحش متفحش وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين فلقد آذى بنو أمية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أحبابه وناقضوه في محابه (حم طب) وكذا الطيالسي (عن ابن عمر) بن الخطاب رواه عنه أيضا الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 964 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 965 - (إسباغ الوضوء) بالضم: أي الشرعي (في المكاره) جمع مكرهة: أي إتمامه وتكميله وتعميم الأعضاء حال ما يكره استعمال الماء لنحو شدة برد والمكرهة بفتح الميم الكره أي المشقة (وإعمال الأقدام) بفتح أوله: أي استعمالها في المشي بالتكرار أو لبعد الدار هو أفضل كما يأتي (إلى المساجد) أي مواضع الجماعة (وانتظار الصلاة) أي دخول وقتها لتفعل (بعد الصلاة) أي الجلوس في المسجد لذلك أو لتعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها. وتخصيص الباجي ذلك [ص: 484] بانتظار العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب لا دليل عليه (تغسل الخطايا غسلا) أي تمحها فلا تبقي شيئا من الذنوب كما لا يبقي الغسل شيئا من وسخ الثوب ودنسه: فكما أن الثوب يغسل بماء حار ونحو صابون لإزالة الدنس فكذا السيئات تغسل بالحسنات فالمحو كناية عن الغفران أو المراد محوها من صحف الملائكة التي يكون فيها المحو والإثبات لا في أم الكتاب التي هي علم الله الباقية على ما هي عليه فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدا ثم قضية ذلك وقفه على مجموع الخصال الثلاثة لكن في أخبار أخر ما يدل على استقلالها كل منها في ذلك والمراد الصغائر بدليل قوله في الحديث الآتي: ما اجتنبت الكبائر. وأخذ بعض أهل القرن السابع بالتعميم رده مغلطاي بأنه جهل بين وموافقة للرجبية وكيف يجوز حمله على العموم مع قوله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} و {توبوا إلى الله جميعا} في آي كثيرة؟ فلو كانت أعمال البر مكفرة للكبائر لم يكن لأمره بالتوبة معنى وكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة وإن ارتكب كل كبيرة <تنبيه> قال بعض العارفين: احذر من التلذذ بالماء البارد زمن الحر فتسبغ الوضوء لا لتذاذك به فتتخيل أنك ممن أسبغه عبادة وأنت ما أسبغته إلا لتلذذك به لما أعطاه الحال والزمن من شدة الحر فإذا أسبغته في شدة البرد وصار لك عادة فاستصحب تلك النية في الحر (ع ك هب على) أمير المؤمنين قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي. وقال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد ما عزاه لأبي يعلى رواته ثقات وقال المنذري بغير عزوه لأبي يعلى والبزاز إسناده صحيح وقال الهيتمي رجال أبي يعلى رجال الصحيح وأقول فيه من طريق البيهقي عبد الرحمن بن الحرث بن عبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة قال أحمد متروك الحديث وقال أبو حاتم رحمه الله يتشيع الحديث: 965 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 966 - (إسباغ الوضوء) أي إكماله بإيصال الماء فوق الغرة إلى تحت الحنك طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا مع المبالغة في الاستنشاق والمضمضة وإيصال الماء إلى فوق المرفق والكعب مع كل من أصابع اليدين والرجلين والدلك والتثليث. ذكره الطيبي ثم قال: فتأمل في بلاغة هذا اللفظ الموجز (شطر الإيمان) يعني جزؤه واستعمال الشطر في مطلق الجزء تجوز أخف من إخراج الوضوء والإيمان عن معناهما الشرعي الذي عليه الأكثر ولا ينافيه رواية أحمد: الطهور نصف الإيمان لأن النصف قد يطلق ويراد به أحد قسمي الشيء على وزن إذا مت كان الناس نصفين. نعم مما يقرب إرادته هنا قول ابن الأثير: الإيمان يطهر خبث الباطن والوصف يطهر الظاهر فكان نصفا وترجيح النووي أن المراد بالإيمان الصلاة {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أطيل في رده. قال مغلطاي: والحديث حجة على من يرى أن الوضوء لا يفتقر إلى نية (والحمد لله) أي هذا اللفظ وحده أو هذه الكلمة وحدها خلافا لزاعم أن المراد الفاتحة (تملأ) بفوقية: أي هذه الكلمة وقيل تطلق على الجمل المفيدة أو بتحتية: أي هذا اللفظ. كذا ذكره بعضهم لكن قال النووي ضبطناه بالفوقية وظاهره أنه الرواية (الميزان) أي ثواب النطق بذلك مع الإذعان لمدلوله يملأ كفة الحسنات التي هي كطباق السماوات بل أوسع وذلك لاشتمال الحمد على التفويض والافتقار إليه تعالى وفيه إثبات الميزان ذي كفتين ولسان ووزن الأعمال فيها بعد أن تجسم أو توزن الصحائف قيل ولكل إنسان ميزان والأصح الاتحاد (والتسبيح) أي تنزيه الله عما لا يليق به بنحو سبحان الله (والتكبير) أي تعظيم الله بنحو الله أكبر (تملأ) بالفوقية أو بالتحتية على ما تقرر (السماوات) السبع (والأرضين) لو قدر ثوابها جسما لأن العبد إذا سبح وكبر امتلأ ميزانه من الحسنات والميزان أوسع من السماوات والأرض فما يملؤه أكثر مما يملؤها: ويظهر أن المراد بذلك التعظيم ومزيد التكثير لا التحديد بدليل قوله في رواية مسلم الآتية بدل ما هنا يملأ ما بين السماء والأرض (والصلاة) الجامعة لمصححاتها ومكملاتها (نور) أي ذات نور أو منورة: إذ هي سبب [ص: 485] لإشراق نور المعارف ومكاشفات الحقائق مانعة من المعاصي ناهية عن الفحشاء والمنكر هادية للصواب أو ذاتها نور مبالغة في التشبيه (والزكاة) كذا هو بخط المؤلف. ولفظ رواية مسلم الآتية: الصدقة بدل الزكاة: أي الصدقة المفروضة بدليل هذه الرواية ولأن الصدقة إذا أطلقت في التنزيل مقترنة بالصلاة فالمراد بها الزكاة لكن يؤخذ من تعليلهم الآتي ذكرها للتصوير لا للتقيد (برهان) حجة ودليل قوي إلى إيمان المتصدق وحبه لربه ورغبته في ثوابه فإن النقس مجبولة على حب المال والشيطان يعد الإنسان الفقر ويزين له الشح والنفس تساعده فمخالفة النفس والشيطان من أقوى البراهين على حب الرحمن {ويطعمون الطعام على حبه} وهنا تكلفات يمجها السمع فاحذرها (والصبر) أي حبس النفس على مشاق الطاعة والنوائب والمكاره (ضياء) أي لا يزال صاحبه مستضيئا بنور الحق على سلوك سبيل الهداية والتوفيق ليتحلى بضياء المعارف والتحقيق فيظفر بمطوبه ويفوز بمرغوبه. وخص الصلاة بالنور والصبر بالضياء: مع أن الضياء أعظم بشهادة {هو الذي جعل لكم الشمس ضياء والقمر نورا} لأن الصبر أس جميع الأعمال ولولاه لم تكن صلاة ولا غيرها ولأن الضوء فيه إحراق والنور محض إشراق والصبر شاق مر المذاق (والقرآن) أي اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه (حجة لك) في تلك المواقف التي تسأل فيها عنه كالقبر والميزان وعقبات الصراط إن عملت بما فيه من امتثال المأمور وتجنب المنهي (أو عليك) في تلك المواطن إن لم تعمل به وزعم أن المراد لك أو عليك في المباحث الشرعية والقضايا الحكمية مما يمجه السمع ولما كان هذا مظنة سؤال سائل يقول قد تبين من هذا التقدير الرشد من الغي فما في حال الناس بعد ذلك حتم لذلك بجملة استئنافية فقال (كل الناس يغدو) أي كل منهم يبكر ساعيا في تحصيل أغراضه (فبائع نفسه) من ربها ببذلها فيما يرضاه (فمعتقها) من أليم العذاب {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} (أو) بائع نفسه من الشيطان بذلها فيما يؤذيها فهو (موبقها) أي مهلكها بسبب ما أوقعها فيه من استحقاق العذاب وكشف الحجاب والإبعاد عن حضرات رب الأرباب والفاء في فبائع نفسه تفصيلية وفي فمعتقها سببة (واعلم) أن جميع ما مر تقريره هو حاضر ما ذكره النووي ثم القاضي. وقال الطيبي بعد إيراده: ولعل المعنى بالإيمان هنا شعبته كما في حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة والطهور والحمد وسبحان الله والصلاة والصدقة والصبر والقرآن أعظم شعبها التي تخص وتخصيصها ليان فائدتها وفخامة شأنها فبدأ بالطهور وجعله شطر الإيمان أي شعبة منه وتقريره بوجوه: أحدها أن طهارة الظاهر أمارة لطهارة الباطن إذ الظاهر عنوانه فكما أن طهارة الظاهر ترفع الخبث والحدث فكذا طهارة الباطن في التوبة تفتح باب السلوك للسائرين إليه تعالى ولهذا جمعها في قوله {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} الثاني أنه اشتهر أن من أراد الوفود إلى العظماء يتحرى تطهير ظاهره من الدنس ولبس الثياب النقية الفاخرة فوافد مالك الملوك ذو العزة والجبروت أولى. قال: وخص الصلاة بالنور والصبر بالضياء لأن فرط الانارة والصبر تثبت عليه أركان الإسلام وبه أحكمت قواعد الإيمان وختم تلك الشعب بقوله والقرآن حجة لك أو عليك وسلك به مسلكا غير مسلكها دلالة على كونه سلطانا قاهرا وحاكما فيصلا يفرق بين الحق والباطل حجة الله في الخلق به السعادة والشقاوة وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام لاشتماله على مهمات قواعد الدين فكن له من المتدبرين (حم ن هـ حب عن أبي مالك الأشعري) الحارث أبو عبيد أو عمرو أو كعب وخرجه مسلم بلفظ: الطهور شطر الإيمان إلخ الحديث: 966 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 967 - (استاكوا وتنظفوا) أي نقوا أبدانكم وملابسكم من الوسخ والدنس الحسي والمعنوي (وأوتروا) أي افعلوا ذلك وترا: ثلاثا أو خمسا أو غير ذلك (فإن الله عز وجل وتر) أي فرد ليس من جهة العدد ولكن من حيث إنه فرد ليس [ص: 486] مزدوج بشيء كما أنه واحد ليس من جهة العدد ولكن من جهة أنه {ليس كمثله شيء} (يحب الوتر) أي يرضاه ويقبله ويثبت عليه قال القاضي: الوتر نقيض الشفع وهو ما لا ينقسم بمتساويين وقد يتجوز به لما لا نظير له كالفرد ويصح إطلاقه على الله بالمعنيين فإن مالا ينقسم لا ينقسم بمتساويين وفيه أن السواك سنة. قال أبو شامة: فإذا ثبت أنه سنة فهو سبب من أسباب النظافة فمتى احتيج إليه فعل سواء قل السبب المقتضي له أو كثر فهو كغسل الثوب والإناء والأعضاء للنظافة في غير العبادة وقد كان السواك من أخلاق العرب وشمائلها قبل الإسلام على ما نطقت به أشعارهم ثم جاء الإسلام بتأكيد طلبه ومزيد تأكيده في مواضع مبينة في الفروع (ش طس عن سليمان بن صرد) بمهملة مضمومة وفتح الراء وبالمهملة: أي مطرف الخزاعي الكوفي له صحبة ورواية نزل الكوفة وهو أول من نزل من المسلمين بها وكان زاهدا متعبدا ذا قدر وشرف في قومه خرج أميرا في أربعة آلاف يطلبون دم الحسين فقتل قال الهيتمي فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي ووثقه ابن حبان اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره الحديث: 967 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 968 - (استتروا في) جميع (صلاتكم) أي صلوا إلى سترة ندبا لجدار أو عمود أو سجادة فإن فقد ذلك كفى الستر بغيره (ولو) كان (بسهم) أو عصى مغروزة. ويشترط كون الساتر ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر وبينه وبين قدم المصلي ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي كما مر وإن صلى إلى سترة كذلك حرم المرور بين يديه كما يأتي وعبر بفي دون اللام إشارة إلى طلب الستر في جميع الصلاة (حم ك هق عن الربيع) ضد الخريف (ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالراء ابن معبد بفتح الميم وسكون المهملة وبالموحدة الجهني قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن سبرة صحابي والربيع تابعي فالحديث مرسل إن لم يكن صرح بأبيه الحديث: 968 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 969 - (استتمام المعروف) أي تمام فعله: والسين للتأكيد والمبالغة كاستحجر الطين والمعروف ما عرفه الشرع بالحسن (أفضل) في رواية خير (من ابتدائه) بدون استتمام لأن ابتداءه نافلة وتمامه فريضة كذا قرره ابن قتيبة ولعل مراده أنه بعد الشروع متأكد بحيث يقرب من الوجوب ومن تمامه أن لا يخلف الميعاد ولا يمطل ولا يسوف ولا يتبعه بمن ولا أذى (طس) وكذا في الصغير عن جابر بن عبد الله قال الهيتمي: فيه عبد الرحمن بن قيس الضبي متروك اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه الحديث: 969 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 970 - (استحلوا فروج النساء بأطيب أموالكم) أي استمتعوا بها حلالا بأن يكون بعقد شرعي على صداق شرعي واجعلوا ذلك الصداق من مال حلال لا شبهة فيه بقدر الإمكان فإن ذلك يبعث على دوام العشرة وله في صلاح النسل أثر بين وهو جمع فرج وأصله كل فرجة بين شيئين وأطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج إلى منفتح وأكثر استعماله في العرف في القبل (د في مراسيله عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما مهملة البصري تزيل مرو وقاضيها قال في الكاشف: ثقة مقرىء مفوه وفي التقريب ثقة فصيح (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها الحديث: 970 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 971 - (استحي من الله) أمر بإجلال الله وتعظيمه في ذلك وتنبيه على عجز الإنسان وتقصيره (استحياءك) أي مثل [ص: 487] استحيائك (من رجلين) جليلين كاملين في الرجولية (من صالحي عشيرتك) أي احذر من أن يراك حيث نهاك ويفقدك حيث أمرك كما تستحي أن تفعل ما تعاب به بحضرة جمع من قومك فذكر الرجلين لأنهما أقل الجمع والإنسان يستحي من فعل القبيح بحضرة الجماعة أكثر وخص عشيرته أي قبيلته لأن الحياء من المعارف أعظم وهذا مثل به تقريبا للأفهام والمقصود أن حق الحياء منه أن لا يذكر العبد معه غيره ولا يثني على أحد سواه ولا يشكو إلا إليه ويكون أبدا بين يديه ماثلا وبالحق له قائما وقائلا وله معظما وهو في نظره إليه مشفق وفي إقباله عليه مطرق إجلالا وحياء لأنه يعلم سره ونجواه وهو أقرب إليه من حبل الوريد. قال في الكشاف كغيره: والحياء تغيير وانكسار لخوف ما يعاب به قال في الكشف: ولم يرد به التعريف فقد يكون الاحتشام ممن يستحى منه بل هو أكثر في النفوس الطاهرة لكنه لما كان أمرا وجدانيا غنيا عن التعريف من حيث المهنة محتاجا إلى التنبيه لدفع ما عسى أن يعرض له من الالتباس بغيره من الوجدانيات: نبه عليه بأن الأمر الذي يوجد في تلك الحالة وأمثالها وكذا الحكم في تعريف سائر الوجدانيات كعلم وإدراك وغيرهما. قال القرطبي: وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأحذ نفسه بالحياء ويأمر به ويحث عليه ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من حق يقوله أو أمر ديني يفعله تمسكا بقوله في الحديث الآتي: إن الله لا يستحيي من الحق وهذا هو نهاية الحياء وكماله وحسنه واعتداله فإن من فرط عليه الحياء حتى منعه من الحق فقد ترك الحياء من الخالق واستحيى من الخلق ومن كان هكذا حرم منافع الحياء واتصف بالنفاق والرياء. والحياء من الله هو الأصل والأساس فإن الله أحق أن يستحيى منه. فليحفظ هذا الأصل فإنه نافع (عد عن أبي أمامة) الباهلي وإسناده ضعيف الحديث: 971 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 972 - (استحيوا من الله) بترك القبائح والسيئات وفعل المحاسن والخيرات (حق الحياء) أي حياء ثابتا لازما. بحسب ما يجب وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب ثم علله بما يفيده تفاوت الناس في الأخلاق الفضلة من الحياء وغيره (فإن الله) إلى آخره فكأنه يقول: استحيوا من الله جهدكم فإنكم إذا استقرغتم وسعكم في التلبس بالحياء منه لا يكلفكم إلا ذلك فإنه تعالى (قسم بينكم أخلاقكم) قبل أن يخلق الخلق بزمن طويل (كما قسم بينكم ارزاقكم) أي قدر أخلاقا لخلقه فيما يتخلفون فيها يتخلفون كل على حسب ما قدر له كما قدر الأرزاق فأعطى كلا من عباده ما يليق به في الحكمة. وكما قدر فيهم رحمة واحدة فقسمها بينهم على التفاوت فيها يتراحمون (تخ عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه ورواه أحمد في حديث طويل من حديث ابن مسعود أيضا قال الهيتمي ورجاله وثقوا وفيهم ضعف الحديث: 972 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 973 - (استحيوا من الله حق الحياء) بترك الشهوات والنهمات وتحمل المكاره على النفس حتى تصير مدبوغة فعندها تطهر الأخلاق وتشرق أنوار الأسماء في صدر العبد ويقرر علمه فيعيش غنيا بالله ما عاش قال البيضاوي: ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول. وقال سفيان بن عيينة: الحياء أخف التقوى ولا يخاف العبد حتى يستحي وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء؟ (من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس) أي رأسه (وما وعى) ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا [ص: 488] فيما يحل (وليحفظ البطن وما حوى) أي وما جمعه باتصاله من القلب والفرج واليدين والرجلين فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيئا في معصية الله فإن الله ناظر في الأحوال كلها إلى العبد لا يوازيه شيء وعبر في الأول بوعي وفي الثاني يحوي للتفنن قال الطيبي: جعل الرأس وعاء وظرفا لكل مالا ينبغي من رزائل الأخلاق كالفم والعين والأذن وما يتصل بها وأمر أن يصونها كأنه قيل كف عنك لسانك فلا تنطق به إلا خيرا. ولعمري أنه شطر الإنسان قال الشاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده. . . فلم يبق إلا صورة اللحم والدم ولهذا سيجيء في خبر من صمت نجا. ولم يصرح بذكر اللسان ليشمل ما يتعلق بالفم من أكل الحرام والشبهات وكأنه قيل: وسد سمعك أيضا عن الإصغاء إلى ما لا يعنيك من الأباطيل والشواغل واغضض عينك عن المحرمات والشبهات ولا تمدن عينيك إلى ما تمتع به الكفار كيف لا وهو رائد القلب الذي هو سلطان الجسد ومضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله؟ وهنا نكتة وهي عطف ما وعى على الرأس فحفظ الرأس مجملا عبارة عن التنزه عن الشرك فلا يضع رأسه لغير الله ساجدا ولا يرفعه تكبرا على عبادة الله وجعل البطن قطبا يدور على سرية الأعضاء من القلب والفرج واليدين والرجلين. وفي عطف وما حوى على البطن إشارة إلى حفظه من الحرام والاحتراز من أن يملأ من المباح وقد تضمن ذلك كله قوله (وليذكر الموت والبلى) لأن من ذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاؤه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يلزمه من طلب الآجلة وعمل على إجلال الله وتعظيمه وهذا معنى قوله (ومن أراد الآخرة) أي الفوز بنعيمها (ترك زينة الدنيا) لأن الآخرة خلقت لحظوظ الأرواح وقرة عين الإنسان والدنيا خلقت لمرافق النفوس وهما ضرتان: إذا أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى فمن أراد الآخرة وتشبث بالدنيا كان كمن أراد أن يدخل دار ملك دعاه لضيافته وعلى عاتقه جيفة والملك بينه وبين الدار عليه طريقه وبين يديه ممره وسلوكه فكيف يكون حياؤه منه؟ فكذا مريد الآخرة مع تمسكه بالدنيا فإذا كان هذا حال من أراد الآخرة فكيف بمن أراد من ليس كمثله شيء؟ فمن أراد الله فليرفض جميع ما سواه استحياء منه بحيث لا يرى إلا إياه (فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء) قال الطيبي: المشار إليه بقوله ذلك جميع ما مر فمن أهمل من ذلك شيئا لم يخرج من عهدة الاستحياء وظهر من هذا أن جبلة الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب ومكان المخازي وأنه تعالى هو العالم بها فحق الحياء أن يستحيى منه ويصونها عما يعاب فيها. وأصل ذلك ورأسه ترك المرء ما لا يعنيه في الإسلام وشغله بما يعينه عليه فمن فعل ذلك أورثه الاستحياء من الله. والحياء مراتب: أعلاها الاستحياء من الله تعالى ظاهرا وباطنا وهو مقام المراقبة الموصل إلى مقام المشاهدة. قال في المجموع عن الشيخ أبي حامد: يستحب لكل أحد صحيح أو مريض الإكثار من ذكر هذا الحديث بحيث يصير نصب عينيه والمريض أولى (حم ت ك هب عن ابن مسعود) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه استحيوا من الله قالوا إنا نستحي من الله يا نبي الله والحمد لله قال ليس كذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ إلخ. صححه المؤلف اغترارا بتصحيح الحاكم وتقرير الذهبي له في التصحيح وليس هو منه بسديد مع تعقبه هو وغيره كالصدر المناوي له بأن فيه أبان بن إسحاق. قال الأزدي تركوه لكن وثقه العجلي عن الصباح بن مرة. قال في الميزان: والصباح واه وقال المنذري رواه الترمذي وقال غريب فعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح قال - أعني المنذري - وأبان فيه مقال والصباح مختلف فيه وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث وقالوا: الصواب موقوف والترمذي قال لا يعرف إلا من هذا الوجه الحديث: 973 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 974 - (استذكروا القرآن) أي استحضروه في قلوبكم وعلى ألسنتكم واطلبوا من أنفسكم المذاكرة والسين للمبالغة [ص: 489] (فلهو أشد نقيصا) بفاء وصاد مهملة ومثناة تحتية خفيفة: أي تفلتا أو تخلصا قال الزمخشري: تقول قضى الله بالتفصي من هذا الأمر وليتني أتفصى من فلان: أي أتخلص منه وأباينه. قال الزركشي: وانتصاب تفيصا على التمييز كقوله تعالى {وأحسن مقيلا} (من صدور الرجال) أي من قلوبهم التي في صدورهم (من النعم) أي الإبل (من عقلها) أي أشد نفارا من الإبل إذا انفلتت من العقال فإن من شأن الإبل طلب التفلت مهما أمكنها فمتى لم يتعاهد صاحبها رباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهد تفلت بل هو أشد من ذلك وفي نص القرآن إشارة إلى ذلك حيث قال {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} وقال {ولقد يسرنا القرآن للذكر} فمن حافظ على تلاوته بشراشره يسره له ومن أعرض عنه تفلت منه. وروي بعقلها والباء فيه بمعنى من. والعقل جمع عقال ككتاب وكتب يقال عقلت البعير أعقله عقلا وهو أن تنثني وظيفه على ذراعه فيشدان بحبل وذلك الحبل هو العقال. قال التوربشتي: ويجوز تخفيف الحرف الوسط في الجميع مثل كتب وكتب. قال والرواية فيه من غير تخفيف. ونسيان القرآن كبيرة. وفيه ندب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد (حم ق ن عن ابن مسعود) وفي الباب عن ابن عمر وغيره الحديث: 974 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 975 - (استرشدوا) بكسر المعجمة (العاقل) أي الكامل العقل قال للكمال لا للحقيقة (ترشدوا) بفتح أوله وضم ثالثه كما ضبطه جمع أي اطلبوا منه ندبا مؤكدا الإرشاد وإلى إصابة الصواب يحصل لكم الإتصاف بالرشد والسداد ولكن يختلف الحال باختلاف الأمر المطلوب فتشاور في أمور الدين وشؤون الآخرة الذين عقلوا الأمر والنهي عن الله وعقلوا بالعقل النفوس عن موارد الهوى وكفوها بالخوف عن موارد الردى وألزموها طرق سبل الهدى. وفي أمور الدنيا من جرب الأمور ومارس المحبوب والمحذور ولا تعكس ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مر بقوم يلقحون نخلا فقال لو لم تفعلوا كان لصلح قتركوا فخرج شيصا فقال أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواه مسلم وروى أحمد عن طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون نخلا فقال ما تصنعون؟ قالوا كنا نضعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت ثمرته فقال إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطىء ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله فلن أكذب على الله. اه. وقد أمر الله نبيه بالاستشارة مع كونه أرجح الناس عقلا. فقال تعالى {وشاورهم في الأمر} وأثنى تعالى على فاعليها في قوله {وأمرهم شورى بينهم} (ولا تعصوه) بفتح أوله (فتندموا) أي لا تخالفوه فيما يرشدكم إليه فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. والفاء لقوة ارتباط الطلب وتأكد طلب المنع من المخالفة والتحذير منها. وأعظم به من حث على استشارة أولي الألباب والاقتداء بهم وفيه تنويه عظيم على شرف العقل. قال بعض الحكماء من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول. وقال بعضهم لا تصلح الأمور إلا برأي أولي الألباب. والرحى لا تدور إلا على الأقطاب. قال البيهقي قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم فقال نحن ألف رجل فينا حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم. وقال علي كرم الله وجهه: نعم الموازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد. قال الماوردي: فيتعين على العاقل أن يسترشد إخوان الصدق الذين هم ضياء القلوب ومزايا المحاسن والعيوب على ما ينبهونه عليه من مساويه التي صرفه حسن الظن عنها فإنهم أمكن نظرا وأسلم فكرا ويجعل ما ينبهونه عليه من مساويه عوضا عن تصديق المدح فيه. وقال بعض الكاملين حكمة الأمر بالاستشارة أن صاحب الواقعة لا ينفك عن هوى يحجبه عن [ص: 490] الرشد فيسترشد عاقلا كامل العقل حازم الرأي لا هوى عنده. واعتبر فيمن يستشار كمال العقل ومن لازمه الدين فلا ثقة برأي من ليس كذلك وعلم من ذلك أنه لا يستشير امرأة كيف وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بنقص عقلها وفي خبر سيأتي طاعة النساء ندامة فإن لم يجد من يستشيره شاورها وخالفها فقد روى العسكري عن عمر رضي الله عنه خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة وفي إفهام الحديث تحذير عظيم من العمل برأي من لم تكمل رتبته في العقل وعدم التعويل على ما يقول أو يفعل (خط) في كتاب (رواة مالك) ابن أنس وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) وفيه سلمان بن عيسى السجزي قال في الميزان هالك وقال الجوزقاني وأبو حامد كذاب صراح وقال ابن عدي وضاع ثم سرد له احاديث هذا منها وقال أعني الذهبي عقب إيراده المتن هذا غير صحيح قال في اللسان وأورده الدارقطني من رواية محمد بن منصور البلخي عن سليمان وقال هذا منكر وسليمان متروك وقال الحاكم الغالب على أحاديثه المناكير والموضوعات وأعاده في موضع آخر وقال أورده الدارقطني في غرائب مالك وقال حديث منكر وأورده في اللسان في ترجمة عمر بن أحمد وقال من مناكيره هذا الخبر وساقه ثم قال المتهم به عمر قاله ابن النجار في ترجمته انتهى لكن يكسبه بعض قوة ما رواه الحارث ابن أبي أسامة والديلمي بسند واه استشيروا ذوي العقول ترشدوا به يصير ضعيفا متماسكا ولا يرتقي إلى الحسن لأن الضعيف وإن كان لكذب أو إتهام بوضع أو لنحو سوء حفظ الراوي وجهالته وقلة الشواهد والمتابعات فلا يرقيه إلى الحسن لكن يصيره بحيث يعمل به في الفضائل الحديث: 975 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 976 - (استرقوا) بسكون الراء من الرقية وهي العوذة كما في القاموس قال الطيبي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء (لها) أي اطلبوا لها من يرقيها والمراد بها من في وجهها سفعة بفتح المهملة وسكون الفاء ثم عين مهملة أي آثر سواد أو غبرة أو صفرة (فإن بها النظرة) بسكون الظاء المعجمة ولفظ رواية بعض مخرجيه نظرة بالتنكير أي بها إصابة عين من بعض شياطين الجن أو الإنس قالوا عيون الجن أنفذ من أسنة الرماح والشياطين تقتل بيديها وعيونها كبني آدم كما تجعل الحائض يدها في اللبن فيفسد. وللعين نظر باستحسان مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمنظور ضرر وفيه مشروعية الرقيا فلا يعارضه النهي عن الرقيا في عدة أحاديث كقوله في الحديث الآتي الذين لا يسترقون ولا يكتوون لأن الرقية المأذون فيها هي ما كانت بما يفهم معناه ويجوز شرعا مع اعتقاد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى والمنهي عنها ما فقد فيها شرط من ذلك (ق عن أم سلمة) واللفظ للبخاري ولفظ رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيت أم سلمة ورأى في وجهها سفعة فقال بها نظرة فاسترقوا لها يعني بوجهها صفرة انتهت عبارة صحيح مسلم بنصه الحديث: 976 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 977 - (استشفوا) أي اطلبوا الشفاء من الأمراض الحسية والمعنوية (بما) أي بقراءة أو كتابة الذي (حمد الله تعالى به نفسه) أي وضعها وأثنى عليها به (قبل أن يحمده خلفه) أي في الأزل (و) استشفوا (بما مدح الله به نفسه) قبل أن يمدحه خلقه فحذفه من الثاني لدلالة الأول عليه (الحمد لله وقل هو الله أحد) أي سورة الحمد وسورة الإخلاص بكمالهما والمدح والحمد مترادفان على ما في الفائق لكن الجمهور على أن الحمد النعت بالجميل على الجميل الاختياري والمدح النعت بالجميل وإن لم يكن اختياريا وعلى القول بالترادف فمغايرة التعبير للتفنن ولكراهة توالي الأمثال وعلى الثاني فإنما ذكر الحمد في الأول لتضمن السورة الثناء عليه تعالى بالرحمنية والرحيمية والربوبية وغير ذلك من الصفات المتعدية وذكر المدح في الثاني لتضمن السورة الثناء على الصفات الذاتية وهي غير مسبوقة بالاختيار وإلا لزم حدوثها كما مر وجوز جمع من السلف كتابة القرآن في إناء وغسله وشربه. ومقتضى مذهب الشافعي كما في المجموع الجواز والمراد أن ذلك مما يستشفى به فلا ينافي ما ورد من الاستشقاء بآيات أخر منه والمراد أن لهاتين مزية وإن كان لغيرهما في ذلك أثر بين أيضا (فمن [ص: 491] لم يشفه القرآن فلا شفاه الله) دعاء أو خبر. قال ابن التين: الرقية بأسماء الله من الطب الروحاني وإذا كان على لسان الأبرار حصل الشفاء بإذن الغفار ولما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني (ابن قانع) في معجم الصحابة (عن رجاء الغنوي) بفتخح المعجمة والنون نسبة إلى غنى بن أعصر واسمه منبه بن سعد بن قيس غيلان ينسب إليه خلق كثير وقد أشار الذهبي في تاريخ الصحابة إلى عدم صحة هذا الخبر فقال في ترجمة رجاء هذا له صحبة نزل البصرة وله حديث لا يصح في فضل القرآن انتهى بنصه الحديث: 977 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 978 - (استعتبوا) وفي رواية عاتبوا (الخيل) هي جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه وقيل واحده خائل لأنه يختال: أي روضوها وأدبوها للركوب والحرب فإنها (تعتب) بالبناء للمفعول أي تقبل العتاب أي التأديب وهذا أمر مشاهد والأمر إرشادي وتخصيصه الخيل ليس لإخراج غيرها من الحيوانات فإن منها ما يقبل التأديب والتعليم أكثر من الخيل كالقرد والنسناس. وقد صح أن جمعا رأوا قردا خياطا وآخرون رأوا قردا يحرس الحوانيت بالأجرة والحكايات في مثل ذلك كثيرة بل لأن الخيل أكثر ملازمة للناس فنص على ما تمس الحاجة بل الضرورة إليه (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي أمامة) بإسناد ضعيف الحديث: 978 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 979 - (استعد للموت) أي تأهب للقائه بالتوبة المتوفرة والشروط: كرد المظالم بأن يبادر إلى ردها لأهلها وقضاء نحو صلاة وصوم واستحلال من نحو غيبة وقذف (قبل نزول الموت) أي قبل أن تفجأك المنية ويهجم عليك هادم اللذات المفوت لذلك وطلب ذلك للصحيح فالمريض أولى وآكد لأنه أقرب إلى الموت وحقيق بالمسافر أن يأخذ أهبة الرحيل وحوائج السفر وما يصلح لمنزل الإقامة ويبادر خوف الفجأة ومن احتدت عين بصيرته زاد في الجد وحسن الزاد ومن زرع خيرا حصد مسرة ومن زرع شرا حصد ندامة وحسرة ووضع الظاهر موضع المضمر لتصدع القلوب بتكرار إيراد ذكر اسمه عليها ومن وجوه الاستعداد تغطية السيئة بالحسنة فكما أن الماشطة تستر ما شان من العروس بالزينة للقدوم بها على زوجها فكذا المؤمن يستر ما شانه من الذنوب بالقربات بقدومه على ربه والأمر للندب ومحله إذا لم يتيقن أن عليه شيئا من ذلك وأيما تردد فيه فيندب له حينئذ بذل الجهد في الاستعداد ورد ما يتوهمه باقيا عنده من المظالم وبرأته مما عساه يكون بذمته من حقوق الله وحقوق الآدميين أما مع تحقق دلك فيجب عليه ما ذكر فورا وإجماعا ولو تحقق أن عليه شيئا ونسيه فالورع كما قال المحاسبي أن يعين كل ذنب ويندم عليه بخصوصه فإن لم يعلم ذلك فهو غير مخاطب بالتوبة لتعذرها لكنه يلقى الله تعالى بذلك الذنب كما لو نسي دائنه كذلك وتسامح القاضي الباقلاني فقال يقول إن كان لي ذنب لم أعلمه فأنا تائب إلى الله منه (طب ك) في الرقائق (عن طارق) بمهملة وقاف (المحاربي) بضم الميم الكوفي صحابي له حديثان أو ثلاثة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا طارق استعد 'لى آخره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وهو مستند المؤلف في رمزه لصحته لكن قال الهيتمي فيه عند الطبراني اسحاق بن ناصح قال أحمد كان من أكذب الناس الحديث: 979 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 980 - (استعن بيمينك) أي بالكتابة بيدك اليمين وخصها لأن الكتابة إنما هي بها غالبا وذلك بأن نكتب ما تخشى نسيانه إعانة لحفظك والحروف علائم تدل على المعاني المرادة فإنها إن كانت محفوظة أغنت عن الكتابة وإن عرض شك أو سهو فالكتاب نعم المستودع ومن ألطاف الله لعباده الكتابة حيث شرع لهم ما يعينهم على ما ائتمنوا عليه وأرشدهم إلى ما يزيل الريب ومنافع الكتابة لا يحيط بها إلا الله تعالى فما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين [ص: 492] والآخرين ومقالاتهم إلا بها ولولاها ما استقام أمر الدين (ت) في العلم من حديث الخليل بن مرة عن يحيى عن أبي صالح (عن أبي هريرة) قال شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء الحفظ فذكره قال أعني الترمذي إسناده ليس بالقائم ثم نقل عن البخاري أن الخليل منكر الحديث مع أنه اختلف عليه فيه انتهى ورواه عنه ابن عدي وفيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف كما بينه الهيتمي وعد في الميزان هذا الخبرمن المناكير لكن له شواهد منها: قيدوا العلم بالكتابة وفيه الأمر بتعليم الكتابة لأن ما توقف عليه المطلوب مطلوب بل قيل بوجوبه كفاية لم يبعد بناء على ما ذهب إليه جمع من أن الكتابة للعلم واجبة وقال إنها للنساء مكروهة ومن ثم قيل: ما للنساء والكتابة والعمالة والخطابة هذا لنا ولهن منا أن يبيتن على جنابة وظاهر صنيع المؤلف أن هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل سقطت منه لفظة وهي قوله على حفظك (استعينوا على إنجاح حواءجكم) من جلب نفع ودفع ضر (بالكتمان) عن الخلق اكتفاء بعلم وصيانة للقلب عما سواه (فإن كل ذي نعمة محسود) فتكتم النعمة عن الحاسد إشفاقا عليه وعليك منه (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن ابن عباس) الحديث: 980 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 981 - (استعيذوا) أي تعوذوا أي اطلبوا الإعاذة (بالله من طمع) أي حرص شديد يهدي أي يدني ويقرب أو يجر (إلى طبع) بفتح الطاء والموحدة أي يؤدي إلى دنس وشين (ومن طمع يهدي إلى غير مطمع) أي إلى تأميل ما يبعد حصوله والتعلق به قال في المصباح ومن كلامهم فلان طمع في غير مطمع إذا أمل ما يبعد حصوله (ومن طمع حيث لا مطمع) أي ومن طمع في شيء حيث لا مطمع فيه بالكلية لتعذره حسا أو شرعا فاستعمل الهدى فيه على الاستعارة تهكما ذكره الطيبي وهذه الثالثة أحط مراتب الدناءة في مطمع وأقبحها فإن حيث من صيغ العموم في الأحوال والأمكنة والأزمنة وقال يحيى بن كثير: لا يعجبك حلم امرىء حتى يغضب ولا أمانته حتى يطمع قال القاضي: والهداية الإرشاد إلى الشيء والدلالة عليه ثم اتسع فيه فاستعمل بمعنى الأذن فيه والإيصال إليه والطبع محركا العيب وأصله الدنس ولو معنويا كالعيب والعار وأصله من صيغ العموم في الأمكنة لكنه استعمل هنا فيها وفي كل حال وزمان وأصله الذي يعرض للسيف والمعنى تعوذوا بالله من طمع يسوقكم إلى شين في الدين وازدراء بالمروءة واحذروا التهافت على جمع الحطام وتجنبوا الحرص والتكالب على الدنيا (حم طب عن معاذ بن جبل) ضد السهل قال الحاكم مستقيم الإسناد وأقره الذهبي لكن قال الهيتمي: إن في رواية أحمد والطبراني عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف الحديث: 981 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 982 - (اسعيذوا بالله من شر جار المقام) بالضم أي الإقامة فإنه ضرر دائم وأذى ملازم ووجهه بقوله (فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل) بالزاي فيهما أي أن يفارق جاره ويتحول من جواره فارقه فيستريح منه. وشمل جار المقام الحليلة والخادم والصديق الملازم وفيه إيماء إلى أنه ينبغي تجنب جار السوء والتباعد عنه بالانتقال عنه إن وجد لذلك سبيلا بمفارقة الزوجة وبيع الخادم وأن المسافر إذا وجد من أحد من رفقته ما يذم شرعا فارقه (ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي الحديث: 982 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 983 - (استعيذوا بالله من العين) أي التجئوا إليه من شر العين التي هي آفة تصيب الإنسان والحيوان من نظر العائن إليه فيؤثر فيه فيمرض أو يهلك بسببه (فإن العين حق) أي بقضاء الله وقدره لا بفعل العائن بل يحدث الله في المنظور [ص: 493] علة يكون النظر بسببها فيؤاخذه الله بجنايته عليه بالنظر منها وينبغي التعوذ بما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعوذ به الحسن والحسين وهو " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شبطان وهامة ومن كل عين لامة " رواه البخاري (هـ ك عن عائشة) قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 983 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 984 - (استعيذوا بالله من الفقر والعيلة) من أعال كثرت عياله والواو بمعنى مع أي الفقر مع كثرة العيال فإن ذلك هو البلاء الأعظم والموت الأحمر ولما كان الفقر قد يلجىء إلى أخذ مال الغير عدوانا ويجر إلى التظالم عقبه بقوله (ومن أن تظلموا) أنتم أحدا من الناس (أو تظلموا) أي أو يظلمكم أحد بمنع الحق الواجب فالأول مبني للفاعل والثاني للمفعول وذلك لأن الظالم هالك في الدارين والمظلوم قد يسخط ولا يصبر لقضاء الله فيهلك وقد كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم (طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لحسنه لكن فيه انقطاع فقد قال الهيتمي فيه يحيى بن إسحاق بن عبادة ولم يسمع من عبادة وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 984 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 985 - (استعينوا على إنجاح الحوائج) لفظ رواية الطبراني استعينوا على قضاء حوائجكم (بالكتمان) بالكسر أي كونوا لها كاتمين عن الناس واستعينوا بالله على الظفر بها ثم علل طلب الكتمان لها بقوله (فإن كل ذي نعمة محسود) يعني إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في مرامكم وموضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة ما بعد وقوعها وأمن الحسد وأخذ منه أن على العقلاء إذا أرادوا التشاور في أمر إخفاء التحاور فيه ويجتهدوا في طي سرهم قال بعض الحكماء من كتم سره كان الخيار إليه ومن أفشاه كان الخيارعليه وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنع من بلوغ مأربه ولو كتمه كان من سطوته آمنا ومن عواقبه سالما وبنجاح حوئجه فائزا وقال بعضهم سرك من دمك فإذا تكلمت فقد أرقته وقال أنو شروان من حصن سره فله بتحصينه خصلتان الظفر بحاجته والسلامة من السطوات. وفي منثور الحكم انفرد بسرك ولا تودعه حازما فيزول ولا جاهلا فيحول لكن من الأسرار ما لا يستغني فيه عن مطالعة صديق ومشورة ناصح فيتحرى له من يأتمنه عليه ويستودعه إياه فليس كل من كان على الأموال أمينا كان على الأسرار أمينا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار قال الراغب: وإذاعة السر من قلة الصبر وضيق الصدور ويوصف به ضعف الرجال والنساء والصبيان والسبب في صعوبة كتمان السر أن للإنسان قوتين آخذة ومعطية وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها ولولا أن الله وكل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده فصارت هذه القوة تتشوف إلى فعلها الخاص بها فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها (عق عد طب) بل في معاجيمه الثلاثة (حل هب) عن محمد بن خزيمة عن سعيد بن سلام العطار عن ثور بن يزيدعن ابن معدان (عن معاذ) ابن جبل أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال سعيد كذاب قال البخاري يذكر بوضع الحديث (عد طب حل هب) كلهم من طريق العقيلي (عن معاذ) أيضا قال أبو نعيم غريب من حديث خالد تفرد به عنه ثور حدث به عمر بن يحيى البصري عن شعبة عن ثور انتهى وأورده ابن الجوزي من هذه الطرق ثم حكم بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى أن العراقي اقتصر على تضعيفه ورواه العسكري عن معاذ أيضا وزاد ولو أن امرءا كان أقوم من قدح لكان له من الناس غامزا وفيه سعيد المزبور وقال ابن أبي شيبة بصري ضعيف وقال أحمد بن طاهر كذاب قال في الميزان ومن منكراته هذا الخبر وقال ابن حبان سعيد يضع الحديث وقال العقيلي لا يعرف إلا بسميد ولا يتابع عليه وقال الهيتمي في كلامه على أحاديث الطبراني فيه سعيد العطار كذبه أحمد وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ فهو منقطع (الخرائطي [ص: 494] في) كتاب (اعتلال القلوب) عن علي بن حرب عن حابس بن محمود عن أبي جريج عن عطاء (عن عمر) بن الخطاب وضعفوه (خط) عن ابراهيم بن مخلد عن اسماعيل بن علي الخطي عن الحسين بن عبد الله الأبزاري عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن أبيه عن جده عن عطاء (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: هذا من عمل الأبزاري وسئل أحمد وابن معين عنه فقال هو موضوع وقال ابن أبي حاتم منكر لا يعرف. قال الحافظ العراقي: ورواه أيضا ابن أبي الدنيا عن معاذ بسند ضعيف جدا بلفظ استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث معاذ أيضا وقال فيه سعيد بن سلام العطار متروك وتابعه حسين بن علوان وضاع ومن حديث ابن عباس وقال فيه الحسين الأبزاري يضع (الخلعي في فوائده) عن أحمد بن محمد بن الحجاج عن محمد بن أحمد القرستاني العطار عن أحمد بن عبد الله عن غندر عن شعبة عن مروان الأصفر عن النزال بن سيرة (عن علي) أمير المؤمنين قال السخاوي: ويستأنس له بخبر الطبراني عن الحبر إن لأهل النعمة حسادا فاحذروهم انتهى. ولما ساق الحافظ العراقي الخبر المشروح جزم بضعفه واقتصر عليه الحديث: 985 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 986 - (استعينوا) ندبا (بطعام السحر) بالتحريك أي المأكول وق السحر وهو السحور (على صيام النهار) فإنه يعين عليه كما هو محسوس (وبالقيلولة) النوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد (على قيام الليل) يعني الصلاة فيه وهو التهجد وما في معناه من ذكر وقراءة فإن النفس إذا أخذت حظها من نوم النهار استقبلت السهر بنشاط وقوة انبساط فأفاد ندب التسحر والنوم وسط النهار وبقصد التقوى على الطاعة (هـ ك) وكذا البزاز (طب هب) كلهم من حديث زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الحاكم زمعة وسلمة ليسا بمتروكين وأقره الذهبي في التلخيص لكنه أورد زمعة في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفه أحمد وأبو حاتم والدارقطني ونقل في الكاشف عن أبي داود أنه ضعف سلمة هذا وقال ابن حجر في مسنده زمعة بن صالح وفيه ضعف وقال السخاوي زمعة كان مع صدقه ضعيفا لخطئه ووهمه ولذا لم يخرج له مسلم إلا مقرونا بغيره وسلمة ضعيف مطلقا أو في خصوص ما يرويه عن زمعة انتهى الحديث: 986 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 987 - (استعينوا على الرزق) أي على إدراده وسعته وتيسيره (بالصدقة) لأن المال محبوب عند الخلق ومن قهر نفسه بمفارقة محبوبه إيثارا لرضا الكريم الوهاب الذي خزائن الرزق بيده فحري بأن يفاض عليه منها غاية مطلوبه {وما أنفقتم من شيء فهو يخلقه وهو خير الرازقين} (فر عن عبد الله بن عمرو) ابن عون بفتح المهملة (المزني) بضم وفتح الزاي صحابي موثق وفيه محمد بن الحسين الصوفي قال الذهبي عن الخطيب عن القطان يضع الحديث ومحمد بن خالد المخزومي قال في الميزان قال ابن الجوزي مجروح الحديث: 987 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 988 - (استعينوا على النساء) اللاتي في مؤنتكم بزوجية أو قرابة أو ملك (بالعري) أي استعينوا على تسترهن في البيوت وعدم تطرق القالة في حقهن بعدم التوسعة عليهن في اللباس والاقتصار على ما يقيهن الحر والبرد على الوجه اللائق وعلل ذلك بقوله (فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها) أي زادت على قدر الحاجة كعادة أمثالها بالمعروف (وأحسنت زينتها) أي ما تتزين به (أعجبها) أي حسن في نفسها (الخروج) أي إلى الشوارع والمجامع للمباهات بحسن زيها ولباسها [ص: 495] فترى الرجال منها ذلك وتنشأ عنه الفتن ما لا يخفى على أهل الفطن فبإغرائهن تنحسم هذه المفاسد والشرور التي لا يمكن تداركها بعد وقوعها وإذا كان هذا في زمانه فما بالك به الآن؟ وفي رواية لابن عدي أيضا عن أنس مرفوعا أجيعوا النساء جوعا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح لأنهن إذا سمن واكتسين فليس شيء أحب إليهن من الخروج وليس شيء شرا لهن من الخروج وإنهن إذا أصابهن طرف من العري والجوع فليس شيء أحب إليهن من البيوت وليس شيء خيرا لهن من البيوت انتهى وفيه متروك (عد) عن الحسن بن سفيان عن زكريا بن يحيى الجزار عن إسماعيل بن عباد الكوفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (عن أنس) بن مالك أورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث ابن عدي وحكم عليه بالوضع وقال إسماعيل وزكريا متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا ورواه الهيتمي والطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن زكريا قال الهيتمي وهو ضعيف الحديث: 988 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 989 - (استعينوا) وفي بعض النسخ استعينوا (بغناء الله) بفتح الغين والمد: أي اسألوه من فضله ولا تسألوا غيره فإن خزائن الوجود بيده وأزمنها إليه ولا معطيي ولا منعم غيره قال بعض العارفين: من لزم الباب أثبت في الخدم ومن أكثر الذنوب أكثر الندم ومن استغنى بالله أمن العدم. وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي الرضى العابد: العيش في ثلاثة أشياء الاستغناء عن الناس - العدو والصديق - وصحة البدن والأمن من الدين. وزعم أن المراد من الحديث التزويج لخبر تزوجوا فإنهن يأتين بالمال بعيد (عد عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس لكن بيض له ولده لسنده ثم إن ظاهر كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عشاء ليلة وغداء يوم الحديث: 989 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 990 - (استغنوا عن الناس) أي تعففوا عن مسألتهم والمراد أن العبد يشعر قلبه فقر الخلق إلى ربهم وعجزهم وأنهم تحت قهر قدرة موجدهم ويكف همم نفسه عن التطلع إليهم وإلى ما في أيديهم وجوارحه عن الإقبال عليهم ويقنع بما قسم له (ولو بشواص السواك) بضم الشين المعجمة وفتحها أي بغسالته أو بما تفتت منه عند التسوك يعني اقنعوا بأدنى ما يسد الرمق حتى لو فرض أنه يسده غسالة السواك أو ما تفتت منه فاقنعوا به وألزموا أنفسكم الاستغناء عنهم وكفوها عن الطمع فيهم والنظر إلى ما في أيديهم وقيل المراد لا تطلبوا منهم غسل السواك مبالغة. قال العسكري: وقد روي بضم الشين وبفتحها (البزار) الحافظ أحمد في مسنده (طب هب عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبزار والطبراني إسناده صحيح. وقال تلميذه الحافظ الهيتمي رجاله ثقات وقال السخاوي رجال هذا الخبر ثقات وحينئذ فرمز المصنف لضعفه غير صواب الحديث: 990 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 991 - (استفت نفسك) المطمئنة الموهوبة نورا يفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب إذ الخطاب لوابصة وهو يتصف بذلك وفي رواية قلبك أي عول على ما فيه لأن للنفس شعورا بما تحمد عاقبته أو تذم (وإن) غاية لمقدر دل عليه ما قبله أي فالتزم العمل بما في نفسك ولو (أفتاك المفتون) بخلافه لأنهم إنما يطلعون على الظواهر وهم بضم الميم جمع مفتي وفي بعض الحواشي بالفتح من الفتنة بمعنى الاختبار والضلال لكن كل من رأيناه شرح الحديث إنما يبني كلامه على معنى الضم وعليه قال حجة الإسلام: ولم يرد كل أحد لفتوى نفسه وإنما ذلك لوابصة في واقعة تخصه انتهى قال البعض: وبفرض العموم فالكلام فيمن شرح الله صدره بنور اليقين فأفتاه غيره بمجرد حدس أو ميل من غير دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره انتهى وبما بحثه صرح حجة الإسلام لكن بزيادة بيان وإحسان فقال ما محصوله ليس للمجتهد أو المقلب إلا الحكم بما يقع له أو لمقلده ثم يقال للورع استفت [ص: 496] قلبك وإن أفتوك إذ للإثم حزازات في القلوب فإذا وجد قابض مال مثلا في نفسه شيئا منه فليتق الله ولا يترخص تعللا بالفتوى من علماء الظاهر فإن لفتاويهم قيودا من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات والتوقي عنها من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة (تتمة) قال العارف سهل التستري خرج العلماء والزهاد والعباد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطني حاكم على علم الظاهر لما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم استفت قلبك فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجرد للذكر والفكر وتخلو عنها زبر التفاسير ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين ولا محققو الفقهاء المعتبرين (تخ عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة بن معبد الأزدي وفد سنة تسع وكان بكاءا وقبره بالرقة ورمز المصنف لحسنه ورواه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما قال النووي في رياضه إسناده حسن وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ورواه أيضا الطبراني قال الحافظ العراقي وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول الحديث: 991 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 992 - (استفرهوا) ندبا (ضحاياكم) أي استكرموها فضحوا بالكريمة الشابة المليحة الحسنة المنظر والسير الفارهة المليحة والفتية ويقال هو يستفره الأفراس يستكرمها كما في القاموس وفي مختار الصحاح عن الأزهري الفاره من الناس المليح الحسن ومن الدواب الجيد السير انتهى هذا هو المراد هنا وأما ما فسروا به الفاره من أنه الحاذق بالشيء فلا يتأنى هنا ثم علل ذلك بقوله (فإنها مطاياكم) جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها (على الصراط) أي فإن المضحي يركبها ويمر بها على الصراط ويستمر عليها حتى توصله إلى الجنة فإذا كانت سريعة مرت على الصراط بخفة ونشاط وسرعة. وحكمة جعلها مطايا في ذلك اليوم دون غيرها من الخيل وغيرها أن ذلك علامة في ذلك الموقف على أن من امتطاها قد امتثل أمر الشارع الندبي بالتضحية وأنه من الفائزين بالجزاء الموعود على ذلك وفيه أن الأفضل في الأضحية كونها جيدة السير ولم أر من قال به من أصحابنا (فر) من طريق ابن المبارك عن يحيى بن عبد الله عن أبيه (عن أبي هريرة) قال المصنف في الدرر ويحيى ضعيف وقال السخاوي يحيى ضعيف جدا ووقع في نهاية إمام الحرمين ثم الوسيط عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم قال ابن الصلاح وهو غير معروف ولا ثابت وقال ابن العربي ليس في فضل الأضحية حديث صحيح الحديث: 992 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 993 - (استقم) (قال الدقاق: كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك تطلب منك الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة قال السهروردي وهذا أصل كبير غفل عنه كثيرون) أي الزم فعل الطاعات وترك المنهيات وقال القاضي المراد بالاستقامة اتباع الحق والقيام بالعدل وملازمة المنهج المستقيم وذلك خطب جسيم لا يتصدى لإحصائه إلا من استضاء قلبه بالأنوار القدسية وتخلص من كدورات البشرية والظلمات الأنسية الطبيعية وأيده الله بتأييد من عنده واسلم شيطانه بيده وقليل ما هم انتهى وقال الطيبي: الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى وهي رتبة الأنبياء (وليحسن) بفتح المثناة تحت (خلفك) بضمتين (للناس) بأن تلقاهم ببشر وطلاقة وجه وتتحمل أذاهم وتفعل بهم ما تحب أن يفعلوا معك وبين به أن الاستقامة نوعان استقامة مع الحق بفعل طاعته عقدا وفعلا وقولا واستقامة مع الخلق بمخالقتهم بخلق حسن وبذلك تحصل الاستقامة الجامعة التي هي الدرجة القصوى التي بها كمال المعارف والأحوال وصفاء القلوب في الأعمال وتنزيه العقائد عن سفاسف البدع والضلال. قال الجنيد ولا يطيقها إلا فحول الرجال لأنها الخروج عن المألوفات ومفارقة الرسوم والعادات وهذا الحديث من جوامع الكلم وأصول الإسلام (طب ك هب عن ابن عمرو) [ص: 497] ابن العاص قال قال معاذ يا رسول الله أوصني فذكره قال الهيتمي فيه أي عند الطبراني عبد الله بن صالح ضعفه جماعة وأبو السمط معبد بن أبي سعيد مولى المهدي لم أعرفه الحديث: 993 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 994 - (استقيموا) أي الزموا الاستقامة والزموا المنهج المستقيم بالمحافظة على إيفاء حقوق الحق ورعاية حدوده والرضى بالقضاء (ولن تحصوا) ثواب الاستقامة {وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها} أو لن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة لعسرها أو لن تطيقوها بقوتكم وحولكم وإن بذلتم جهدكم بل بالله أو استقيموا على الطريق الحسنى وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال ولابد للمخلوق من تقصير وملال وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد لئلا يتكل على عمله ولهذا قال القاضي: أخبرهم بعد الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته لئلا يغفلوا عنه فكأنه يقول لا تتكلفوا على ما تأتون به ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون عجزا وقصورا لا تقصيرا وقال الطيبي: قوله ولن تحصوا إخبار وإعراض بين المعطوف والمعطوف عليه كما اعترض ولن تفعلوا بين الشرط والجزاء لما أمرهم بالاستقامة وهي شاقة جدا تدارك بقوله ولن تحصوا رأفة ورحمة منه على هذه الأمة المرحومة كما قال تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} بعد ما نزل {اتقوا الله حق تقاته} أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به على ما يتيسر لهم من ذلك ولا يشق عليهم بقوله (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن تلزموا بعضها وهو الصلاة الجامعة لكل عبادة من قراءة وتسبيح وتكبير وتهليل وإمساك عن كلام البشر والمفطرات وهي معراج المؤمن ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس فالزموها وأقيموا حدودها سيما مقدمتها التي هي شطر الإيمان فحافظوا عليها فإنه لا يحافظ عليه إلا مؤمن راسخ القدم في التقوى كما قال (ولا) وفي رواية ولن (يحافظ على الوضوء) الظاهري والباطني (إلا مؤمن) كامل الإيمان فالظاهري ظاهر والباطني طهارة السر عن الأغيار والمحافظة على المجاهدة التي يكون بها تارة غالبا وتارة مغلوبا أي لن تطيقوا الاستقامة في تطهير سركم ولكن جاهدوا في تطهيره مرة بعد أخرى كتطهير الحدث مرة بعد أخرى فأنتم في الاستقامة بين عجز البشرية وبين استظهار الربوبية فتكونون بين رعاية وإهمال وتقصير وإكمال ومراقبة وإغفال وبين جد وفتور كما أنكم بين حدث وطهور وفيه ندب إدامة الوضوء وبه أخذ أصحابنا أنه يسن تجديده إذا صلى به صلاة (حم هـ ك) عن ثوبان وقال الحاكم على شرطهما ولا علة له سوى وهم بلال الأشعري (هق عن ثوبان) قال المنذري إسناد ابن ماجه صحيح وقال الذهبي في المهذب خرجه ابن ماجه من حديث منصور عن سالم وهو لم يدرك ثوبان وقال الحافظ العراقي في أماليه حديث حسن رواته ثقات إلا أن في سنده انقطاعا بين سالم وثوبان كما قال ابن حبان (هب طب عن ابن عمرو) بن العاص قال مغلطاي إسناده لا بأس به (طب عن سلمة بن الأكوع) قال الدميري ذكره الرافعي في مجلس العشرين في أماليه وقال ما ملخصه إنه حديث ثابت انتهى. وقد عد جمع هذا الخبر من جوامع الكلم وله طرق صحاح وبه استدل ابن الصلاح على صلاة الرغائب ونوزع في سنيتها بما محله كتب الفروع الحديث: 994 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 995 - (استقيموا ونعما إن استقمتم) فإن شأن الاستقامة عظيم وخطبها جسيم ومن ثم قال الحبر ما نزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم آية آشق من هذه الآية ولا أعظم وهي {فاستقم كما أمرت} وفي خبر رواه ابن أبي حاتم أنه لم ير بعد نزولها ضاحكا أبدا وفي خبر الترمذي ما يفيد أن أعظم ما يراعى استقامة بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه الترجمان قال الحراني: وقد جمع لمن استقام الأمداح المبهمة لأن نعم كلمة مبالغة تجمع المدح كله وما كلمة مبهمة تجمع [ص: 498] الممدوح فتطابقا في الإبهام قال ابن الأثير أصله نعم ما فأدغم وشدد ثم نبه على أن أعظم أركان الاستقامة الصلاة بقوله (وخير أعمالكم الصلاة ولن) وفي رواية ولا (يحافظ على الوضوء) بإسباغه وإدامته واستيفاء سننه وآدابه (إلا مؤمن) كامل الإيمان وفيه بيان شرف الصلاة وكونها أشرف الطاعات والمحافظة على الوضوء بمراقبة أوقاته وإدامته وإسباغه والاعتناء بآدابه (هـ عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه ابن عساكر أيضا (طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته فإن أراد أنه صحيح لغيره فقد يسلم وإلا فليس فقد قال مغلطاي فيه إسحاق بن أسيد وهو وإن ذكره ابن حبان في الثقات فقد وصفه بالخطأ وقال ابن عدي هو مجهول أي جهالة حال لا جهالة عين وقد عيب على مسلم إخراج حديثه والبخاري لم يخرج حديثه محتجا به بل تعليقا وليس هو ممن يقوم به حجة وروايته عن أبي أمامة منقطعة مع ضعفها انتهى وقال الهيتمي في سند الطبراني محمد بن عبادة عن أبيه ولم أجد من ترجمه الحديث: 995 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 996 - (استقيموا لقريش) أي للأئمة من قريش (ما استقاموا لكم) أي دوموا على طاعتهم وأثبتوا عليها ما داموا قائمين على الشريعة لم يبدلوها (فإن لم يستقيموا لكم) وفي رواية بدله لأحمد أيضا فإن لم يفعلوا (فضعوا سيوفكم على عواتقكم) متأهبين للقتال (ثم أبيدوا) أهلكوا (خضراءهم) أي سوادهم ودهماءهم ذكره الزمخشري وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه كما في الفردوس وغيره فإن لم تفعلوا فكونوا حرائين أشقياء تأكلون من كد أيديكم قال ابن حجر: وقد تضمن هذا الحديث الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم وبه يقوى مفهوم حديث الأئمة من قريش ما أقاموا الدين أنهم إذا لم يقيموه خرج الأمر عنهم ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد اتباع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم عليهم بحيث صاروا محجورا عليهم ثم اشتد الأمر فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقاليم والأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار إلى هنا كلام الحافظ. قال الخطابي الخوارج يتأولونه على الخروج على الأئمة ويحملون قوله ما استقاموا لكم على العدل في السيرة وإنما الاستقامة هنا الإقامة على الإسلام انتهى (حم عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا لأن سالم ابن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان (طب عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه شعيب ابن بيان الصفار قال الجوزجاني يروي المناكير. ذكره الهيتمي الحديث: 996 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 997 - (استكثر من الناس) أي المؤمنين لاسيما صلحاؤهم وعبادهم وزهادهم خصوصا الشعثة رؤوسهم المغبرة ألوانهم وأطمارهم فمحصول الحديث طلب الدعاء من كل مؤمن. قال القيشيري: مر معروف الكرخي بسقاء يقول رحم الله من يشرب فتقدم فشرب فقيل له ألم تك صائما قال بلى ولكن رجوت دعاءه (من دعاء الخير لك) أي اطلب منهم أن يدعو لك كثيرا بالخير. ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية أو تبعيضية (فإن العبد لا يدري على لسان من يستجاب له) من الناس (أو يرحم) ورب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره (خط في رواية مالك) بن [ص: 499] أنس الإمام المشهور (عن أبي هريرة) سكت عليه المؤلف ووهم من زعم أنه رمز لضعفه الحديث: 997 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 998 - (استكثروا من) قول (الباقيات) عند الله لقائلها بمعنى أنها محفوظة عنده ليثاب عليها ولذلك وصفها بقوله (الصالحات) قيل وما هي قال (التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي هي قول سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولاقوة إلا بالله وبهذا أخذ ابن عباس والجمهور فقالوا الباقيات الصالحات المذكورة في قوله تعالى {والباقيات الصالحات} الآية هي هذه الكلمات والحديث حجة على من ذهب من المفسرين إلى أنها غيرها (حم حب) وأبو يعلى (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي إسناد أحمد حسن الحديث: 998 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 999 - (استكثروا من النعال) أمر إرشاد والمراد الإكثار من إعدادها في السفر وكلما وهت نعل وتخرقت وجد في رجليه غيرها فليس المراد باستكثارها لبس أكثر من نعل في حالة واحدة كما قد يظن ثم علل ذلك بقوله (فإن الرجل) وصف طردي وإنما خصه لأنه يكثر المشي فيحتاج للنعل (لا يزال راكبا ما دام منتعلا) لفظ رواية مسلم ما انتعل: أي هو شبيه بالراكب مدة دوامه لابسا للنعل في خفة المشقة وقلة النصب وسلامة رجله من نحو أذى أو شوك وفيه إشارة إلى ندب الاستعداد لأهبة السفر وخص الرجل لأن السفر غالبا إنما يكون للرجال فإن سافرت أثنى أو خنثى فهي كالرجال قال القرطبي: هذا كلام بليغ ولفظ فصيح لا ينسج على منواله ولا يؤتى بمثاله وهو إرشاد إلى المصلحة وتنبيه على ما يخفف المشقة فإن الحافي المديم للحفا يلقي من الألم والمشقة بالعثار وغيره ما يقطعه عن المشي ويمنعه من الوصول لمقصده والمنتقل يمكنه إدامة المشي فيصل لمقصوده كالراكب فلذلك شبه به (حم تخ م ن عن جابر) بن عبد الله قال سمعت المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها يقول فذكره (طب عن عمران بن حصين) قال الهيتمي: فيه مجاعة بن الزبير لا بأس به في نفسه وضعفه الدارقطني وبقية رجاله ثقات (طس عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف الحديث: 999 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 1000 - (استكثروا من) قول (لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها) أي هذه الكلمة (تدفع) عن قائلها (تسعة وتسعين بابا) أي وجها إذ كل باب وجه (من) وجوه (الضر أدناها الهم) أو قال الهرم هكذا هو على الشك عند مخرجه لخاصية فيها علمها الشارع والظاهر أن المراد بهذا العدد التكثير لا التحديد قياسا على نظائره. والضر بالضم الهزال وسوء الحال والفاقة والفقر وبالفتح مصدر ضره يضره إذا فعل به مكروها (عق عن جابر) بن عبد الله قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا وقال استكثروا إلى آخره وفيه بلفظ ابن عباد عن ابن المنكدر لا يعرف قال في الميزان والخبر منكر قال في اللسان وخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبيه عن ابن ناضية عن ابن أبي عمر به [ص: 500] والطبراني في الصغير وقال بلهط عندي ثقة انتهى وبه يعرف أن إيثار المصنف للعقيلي واقتصاره عليه غير صواب الحديث: 1000 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 1001 - (استكثروا من الإخوان) أي من مؤاخاة المسلمين الأخيار (فإن لكل مؤمن شفاعة) عند الله تعالى ذلك إكراما لهم (يوم القيامة) فكلما كثرت إخوانكم كثرت شفعاؤكم وذلك أرجى للفلاح وأقرب للصلاح والنجاح وخرج بقولنا من الأخيار إخوان هذا الزمان فينبغي الإقلال منهم. قال ابن الرومي: عدوك من صديقك مستفاد. . . فلا تكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه. . . يكون من الطعام أو الشراب وقيل الناس إخوان طمع وأعداء نعم. قال الغزالي: سمعت أن ابن عيينة قال للثوري أوصني قال أقلل من معرفة الناس قلت أليس في الخبر أكثروا من معرفة الناس فإن لكل مؤمن شفاعة قال لا أحسبك رأيت قط ما تكره إلا ممن تعرف قلت أجل ثم مات فرأيته في النوم فقلت أوصني قال أقلل من معرفة الناس ما استطعت فإن التخلص منهم شديد (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لضعفه الحديث: 1001 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 1002 - (استمتعوا من) هي بمعنى الباء (هذا البيت) الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا والمراد من الاستمتاع به إكثار الطواف والحج والاعتمار والاعتكاف ودوام النظر إليه (فإنه قد هدم مرتين) قال في الكشاف أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبنته قريش انتهى وقال ابن حجر وغيره اختلف في عدد بناء الكعبة والتي تحصل أنها بنيت عشر مرات: بناء الملائكة قبل خلق آدم لما قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} ذكره مجاهد ثم آدم رواه البيهقي في الدلائل ثم بنوه من بعده ثم نوح ثم إبراهيم وزعم ابن كثير أنه أول من بناه وأنكر ما عداه ورد ثم العمالقة رواه الفاكهي عن علي (ويرفع في الثالثة) بهدم ذي السوبقتين له والمراد رفع بركنه وقال في الإتحاف اقتصاره في الحديث عدم على مرتين أراد به هدمها عند مجىء للطوفان إلى أن بناها إبراهيم وهدمها في أيام قريش لما أجحف بها السيل وكان ذلك مع إعادة بنائها في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم وله من العمر خمس وثلاثون سنة والأمر بالاستمتاع به يشمل النظر إليه والطواف به والصلاة فيه (طب ك) وكذا ابن لال والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم في مستدركه صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني ثقات الحديث: 1002 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 1003 - (استنثروا) بهمزة وصل أمر من النثر بفتح النون وسكون المثلثة وهو جذب ماء الاستنشاق بريح الأنف أو نحوه ثم طرحه. وقال العراقي: هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق وذكر أن الأول قول الخطابي والثاني قول جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثين (مرتين بالغتين) أي إلى أعلا درجات الاستنثار (أو) قيل بمعنى الواو (ثلاثا) قيل لم يذكر في الثالثة المبالغة دلالة على أن المبالغة في الثنتين قائمة مقام الثالثة والمراد أن ذلك يشرع في الوضوء كما بينه في حديث أبي داود الطيالسي وهو إذا توضأ أحدكم وانتثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا قال ابن حجر: وإسناده حسن لكن قوله في الحديث المار إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان إلخ يقتضي عدم اختصاص الأمر بالوضوء وعليه فالمراد الاستنثار في الوضوء للتنظيف وللمتيقظ لطرد الشيطان ذكره ابن حجر وظاهر الأمر الوجوب فليزم من قال بوجوب الاستنشاق كأحمد القول بوجوبه واستدل الذاهبون للندب بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم للأعرابي في خبر الترمذي وغيره توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية ولا ذكر للاستنشاق ولا للانتثار فيها ونوزع باحتمال أن يراد [ص: 501] بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله تعالى باتباع نبيه ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وبه رد على من لم يوجب المضمضة أيضا ذكره ابن حجر ويسن كونه بيده اليسرى كما بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها (حم د هـ ك عن ابن عباس) قال في المنار فيه قارظ بن شيبة لا بأس به وبقية رواته لا يسأل عنهم فإنهم أئمة الحديث: 1003 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 1004 - (استنجوا الماء البارد فإنه مصحة للبواسير) بفتح الميم المهملة مع شد الحاء المهملة أي ذهاب لمرض الباسور وهو ورم تدفعه الطبيعة إلى محل في البدن يقبل الرطوبة كالمعدة والأنثيين والدبر وتبدل سينه صادا والأمر بخصوص البارد إرشادأ وهو لمصالح يعود نفعها على البدن (طس عن عائشة عب عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو وبالراء (ابن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء ابن أبي مالك (القرظي) تابعي مقبول مات سنة ثمان وثلاثين ومئة والحديث مرسل انتهى قال الهيتمي فيه عمار بن هارون وهو متروك انتهى وعمار هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي يسرق الحديث وفيه أيضا أبو الربيع السمان وقد ضعفوه الحديث: 1004 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 1005 - (استنزلوا الرزق بالصدقة) أي اطلبوا إدراده عليكم من خزائن الرزاق بالتصدق على عياله المحتاجين فإن الله يحب من أحسن إليهم وإذا أحب عبدا أجاب دعاءه. وأعطاه ماتمناه والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله (هب عن علي) أمير المؤمنين (عد عن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين المهملة (أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن عمرو النخعي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء كذاب مشهور وفي الميزان عن يحيى كان أكذب الناس الحديث: 1005 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 1006 - (استهلال الصبي) المولود (العطاس) أي علامة حياة الولد عند خروجه من بطن أمه حالتئذ العطاس قال ابن الكمال: الاستهلال أن يكون من الولد ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عين أو عضو انتهى فمراد الحديث أن العطاس أظهر العلامات التي يستدل بها على كمال حياته وأنه خرج تاما وحياته مستقرة فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه والمراد بالصبي ما يشمل الصبية قال الراغب أول ما ينال غمه عند سقوطه لما يضغطه من مضيق خروجه ويصيبه من ألم الهوى فيتوجع والوجع يورث الغم والغم يحمله على البكاء وذلك لأن للصبي كل ما يكون للحيوان من غير النطق من لذة وألم وجوع وعطش ومنه أخذ ابن الرومي قوله: لما تؤذن الدنيا بها من صروفها. . . يكون بكاء الطفل ساعة يولد وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأفسح مما كان فيه وأرغد (البزار عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس بمسلم فقد قال الهيتمي فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهو ضعيف عندهم وتقدمه لإعلاله به عبد الحق الحديث: 1006 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 1007 - (أستودع الله) أي استحفظ (دينك) جاطب به من جاء يودعه للسفر من الوداع بفتح الواو وهو الاستحفاظ وذلك لأن السفر محل الاشتغال عن الطاعات التي يزيد الدين بزيادتها وينقص بنقصانها وقوله أستودع بقرينة السبب والسياق خبر لا أمر وإن كان معناه صحيحا ويأتي حديث في باب كان أنه كان يقول ذلك وهو واضع يده في يده [ص: 502] فيتأكد ذلك (وأمانتك) أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم ومالك التي تودعه وتستحفظ أمينك وقدم الدين لأن حفظه أهم (وخواتيم عملك) أي عملك الصالح الذي جعلته آخر عملك في الإقامة فإنه يسن للمسافر أن يختم إقامته بعمل صالح كتوبة وقربة وخروج عن المظالم وصلاة وصدقة وصلة رحم وقراءة آية الكرسي ووصية واستبراء ذمة ونحوها فيندب لكل من يودع أحدا من المؤمنين أن يفارقه على هذه الكلمات وأن يكررها بإخلاص وتوجه تام فإذا ولى المسافر قال المقيم اللهم اطو له البعيد وهون عليه السفر كما يأتي (د ت عن ابن عمر) بن الخطاب أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفرا ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا وقال الترمذي صحيح غريب وتبعه المصنف فرمز لصحته ورواه عنه النسائي أيضا فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد هذين عن الستة غير سديد الحديث: 1007 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 1008 - (أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) أي الذي إذا استحفظ وديعة لا تضيع فإنه تعالى إذا استودع شيئا حفظه كما في الحديث الآتي عن لقمان قال الحكيم أصل الوديعة التخلي عن الشيء وتركه وإذا تخلى العبد عن الشيء وتركه لله واستحفظه إياه فقد تبرأ من الحول والقوة ورفض الأسباب فحصل له الحفظ والعصمة ويندب لكل من المتوادعين أن يقول للآخر ذلك وأن يزيد المقيم زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما كنت (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وفيه هشام بن عمار وقد سبق بيانه وابن لهيعة وقد ضعفوه لكنه متماسك وحديثه حسن وموسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين الحديث: 1008 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 1009 - (استوصوا) قال البيضاوي الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم (بالأسارى) بضم الهمزة (خيرا) أي افعلوا بهم معروفا ولا تعذبوهم بشد الوثاق فوق الحاجة وأطعموهم واسقوهم وهذا قاله في غزوة بدر لما سمع العباس يئن في وثاقه فلم ينم تلك الليلة ثم ذكره فقام رجل من الأنصار فآرخى من وثاقهم ونفس عنهم قال الطيبي: ويجوز كونه من الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حقهن (طب عن أبي عزيز) بفتح العين وكسر الزاي ابن عمير أخي مصعب بن عمير قال كنت في الأسارى يوم بدر فقال استوصوا إلى آخره قال الهيتمي إسناده حسن الحديث: 1009 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 1010 - (استوصوا) قال الطيبي الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهم بخير (بالأنصار خيرا) زاد في رواية فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم وأخذ منه أن الخلافة ليست فيهم وإلا لأوصاهم ولم يوص لهم وقول ابن حجر لا دلالة فيه إذ لامانع من ذلك فيه تحامل لا يخفى قال القاضي: والتوصية التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة وأصلها الوصلة يقال وصاه إذا وصله وقصاه إذا فصله كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي (حم عن أنس) بن مالك قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر أي في مرضه ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره وفي طريق آخر لأحمد بلغ مصعب بن الزبير عن عريق للأنصار شيء فهم به فدخل عليه أنس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فألقى مصعب نفسه عن سريره وألصق خده بالبساط وقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين انتهى وفيه علي بن زيد بن جدعان الحديث: 1010 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 1011 - (استوصوا بالعباس) أبي الفضل ذي الرأس الجزل والقول الفصل (خيرا فإنه عمي وصنو) بكسر فسكون (أبي) [ص: 503] فهو أب مجازا وهو شقيق والده عبد الله بن شيبة الحمد ووصي عمه من بعده كان رئيسا في قريش قبل الإسلام إليه عمارة المسجد الحرام والسقاية أسر ببدر لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من لقيه فلا يقتله فإنه خرج مستكرها وفادى نفسه بعد أن قال ليس معي شيء فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وأين المال قلت لأم الفضل حين خرجت إذا مت فافعلي به كذا؟ فأسلم لكونه لم يطلع عليه أحد وكتم إسلامه ليوم الفتح (عد عن علي) أمير المؤمنين وإسناده ضعيف لكن يعضده ما جاء عن ابن عباس بلفظ استوصوا بعمي العباس خيرا فإنه بقية آبائي وإنما عم الرجل صنو أبيه ورواه الطبراني وفيه كما قال الهيتمي عبد الله بن خراش ضعيف وبقية رجاله وثقوا الحديث: 1011 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 1012 - (استوصوا بالنساء خيرا) أي اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن (أو اقبلوا) وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن والأول للطيبي والأخير للقاضي قال ابن حجر: وهو أوجه الأوجه والخير الموصى به لها أن يداريها ويلاطفها ويوفيها حقوقها المشار إليها بنحو خبر الحاكم وغيره: حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجرها (فإن المرأة خلقت) أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة (من ضلع) بكسر ففتح أو فسكون. قال القاضي: والضلع بكسر فسكون واحد الأضلاع استعير للمعوج صورة ومعنى وقيل أراد به أن أول النساء خلقت من ضلع فإن حواء خرجت من ضلع آدم قيل الأيسر وقيل القصرى كما تخرج النخلة من النواة ثم جعل محلها لحم (فإن ذهبت نفييمه كسرته) أي إن أرادت منها تسوية اعوجاجها أدى إلى فراقها فهو ضرب مثل للطلاق (وإن تركته) أي لم تقمه (لم يزل أعوج) فلا يطمع في استقامتهن البتة (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكر تأكيد لمعنى الكسر وإشارة إلى أنها خلقت من أعوج آخر الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن أوضربه مثلا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل به الأذى وأعاد الضمير مذكرا على تأويله بالعضو وإلا فالضلع مؤنثة وقول الزركشي تأنيثه غير حقيقي فلذلك ذكر رده الدماميني بأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه مثل طلع الشمس وأما مضمره فكالمؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث (فاستوصوا) أيها الرجال (بالنساء خيرا) ختم بما به بدأ إشعارا بكمال طلب الوصية بهن وزاد التأكيد بالإظهار في محل الإضمار وفيه رمز إلى أن التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه ولا يترك فيستمر أعوج فالمبالغة ممنوعة وتركها على العوج ممنوع وخير الأمور أوسطها <فائدة> أخرج أبو بكر ابن السراج أن إبراهيم الخليل شكى إلى ربه سوء خلق سارة فأوحى الله إليه: إنما هي من ضلع فارفق بها أما ترضى أن تكون نصيبك من المكروه؟ وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال: هي الضلع العوجاء لست تقيمها. . . ألا إن تقويم الضلوع انكسارها تجمع ضعفا واقتدارا على الفتى. . . أليس عجبا ضعفها واقتدارها وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال (ق عن أبي هريرة) ورواه النسائي أيضا الحديث: 1012 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 1013 - (استووا) أي اعتدلوا في الصلاة بأن تقوموا على سمت واحد لأن التسوية للصفوف من شأن الملائكة ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش خشوعهم كما أشار إليه بقوله (ولا تختلفوا) أي لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف (فتختلف قلوبكم) وفي رواية صدوركم. قال الطيبي: وقوله فتختلف بالنصب من قبيل لا تدن من الأسد [ص: 504] فيأكلك وفيه أن القلب تابع للأعضاء فإن اختلفت اختلف وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء لأنه رئيسها (وليليني منكم) أي ليقرب مني: من ولي إذا قرب والولي القرب والدنو وقوله ليليني بكسر اللامين وياء مفتوحة بعد اللام وشدة النون وبحذف الياء وخفة النون: روايتان ذكرهما النووي في عدة كتب وغيره وبه رد قول الطيبي: وحق هذا اللفظ أن تحذف منه الياء لأنه صيغة أمر وقد ورد بإثباتها وسكونها في سائر الكتب والظاهر أنه غلط (أولو الأحلام) أذوو التثبت (والنهى) جمع نهية بالضم وهي العقل ذكره في المجموع وفي شرح مسلم النهى العقول وأولو الأحلام العقلاء وقيل البالغون وفي الرياض: أهل الفضل. فعلى الأول يكون اللفظان بمعنى ولاختلاف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدا. وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء وعلى الثالث البالغون (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم في ذلك الوصف كالصبيان المراهقين ثم المميزين (ثم الذين يلونهم) كالخناثي ثم النساء فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق وزاد في رواية بعد ما ذكر: وإياكم وهيشات الأسواق: أي احذروا أن يكون حالكم وصفتكم كهيشات الأسواق أي مختلطاتها وجماعتها من الهيش وهو الخلط وفيه أنه يندب تقديم الرجال لفضلهم وشرفهم وليحفظوا صلاته إن نسيها فيجبرها أو يجعل أحدهم خليفة إن احتيج إليه ثم الصبيان لأنهم من جنسهم ثم الخناثى لاحتمال ذكورتهم وهذا كله مستحب لا شرط فلو خالفوا صحت صلاتهم مع الكراهة (حم م ن عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري الحديث: 1013 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 1014 - (استوا) ندبا مؤكدا: أي عدلوا صفوفكم في الصلاة فإنكم إن استويتم فيها (تستو قلوبكم) لأن القلب تابع للأعضاء استقامة واعوجاجا فإذا اختلف اختلفت (وتماسوا) أي تلاصقوا حتى لا يكون خلل يسع واقفا (تراحموا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي فإنكم إذا فعلتم ذلك يعطف بعضكم على بعض والأمر للندب (طس حل عن أبي مسعود) البدري قال الديلمي: وفي الباب عن أنس وعلي الحديث: 1014 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 1015 - (أسد) بمهملتين (الأعمال) أي من أكثرها صوابا والسداد بفتح المهملة الصواب من القول والفعل. وأسد الرجل بالألف جاء بالسداد وذكر بعضهم أن الرواية عن علي أشد بمعجمة ولعله تصحيف (ثلاثة) أي خصال ثلاثة (ذكر الله) باسم من أسمائه أو صفة من صفاته وأفضله لا إله إلا الله كما يأتي في خبر (على كل حال) أي قياما وقعودا ورقودا وسرا وعلانية وفي السراء والضراء وغير ذلك (والإنصاف من نفسك) أي معاملة غيرك بالعدل والقسط بحيث تحكم له على نفسك بما يجب له عليك (ومواساة الأخ في المال) أي إصلاح حال الأخ في الإسلام من مال نفسك عند اتساع الحال وكفاية ممونك فإن مواساة الإخوان من أخلاق أهل الإيمان وهذا العدد لا مفهوم له (ابن المبارك) في الزهد (وهناد والحكيم) الترمذي في النوادر (عن أبي جعفر مرسلا) والمواساة محبوبة مطلقا للقريب والبعيد لكنها للأقرباء والأصدقاء آكد وقدم الذكر لأنه أفضل الأعمال مطلقا كما قاله الغزالي ثم الإنصاف من النفس الذي هو الإنصاف بالعدل لأمره به في القرآن بقوله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وقد تكون مندوبة وقد تكون واجبة كما في المضطر (حل عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) عليه لا مرفوعا وفيه إبراهيم بن ناصح عده الذهبي في الضعفاء قال أبو نعيم متروك الحديث ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 1015 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 [ص: 505] 1016 - (أسرع الأرض خرابا) في رواية الأرضين بالجمع (يسراها ثم يمناها) أي ما هو من الأقطار عن يسار الكعبة ثم ما هو عن يمينها فاليسار الجنوب واليمين الشمال والمراد أن الخراب يبدو في الأقطار الجنوبية أولا بجفاف نيل مصر ثم يتابع الخراب ويستولي على البلاد الجنوبية ثم يبدأ في الأقطار الشمالية بعد ذلك وفي خبر ضعيف أن مبدأ ذلك كله خراب الكعبة (طس حل عن جرير) قال الهيتمي: وفيه حفص بن عمر بن الصباح الرقي وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح اه وقال ابن الجوزي عن الدارقطني الصواب وقفه على جرير الحديث: 1016 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 1017 - (أسرع الخير ثوابا) أي أعجل أنواع الطاعة إثابة من الله تعالى (البر) بالكسر: الاتساع في الإحسان إلى خلق الله تعالى من كل آدمي وحيوان محترم (وصلة الرحم) أي الأقارب وإن بعدوا (وأسرع الشر) أي الفساد والظلم (عقوبة البغي وقطيعة الرحم) لأن فاعل ذلك لما افترى باقتحام ما تطابقت على النهي عنه الكتب السماوية والإشارات الحكمية وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه أسرع إليه الوبال في الدنيا مع ما ادخر له من العقاب في العقبى والمراد بالسرعة هنا أنه تعالى يعجل ثواب ذلك وعقابه في الدنيا ولا يؤخره للآخرة بدليل الخبر المار: اثنان يعجل الله عقوبتهما في الدنيا وذكر هنا البغي وقطيعة الرحم وفي حديث آخر: البغي واليمين الفاجرة وفي آخر: البغي وعقوق الوالدين فدل على عدم الانحصار في عدد وإنما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله وبما هو ملتبس به أو يريد العزم عليه فلذلك اختلفت الأجوبة (ت هـ) وكذا أبو يعلى (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه المنذري وغيره الحديث: 1017 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 1018 - (أسرع الدعاء إجابة دعاء الغائب لغائب) أي في غيبة المدعو له ومن وراء معرفته ومعرفة الناس له وذلك أبعده من الرياء والأغراض الفاسدة المنقصة للأجر فتوافقه الملائكة أو تؤمن عليه ولأنه تعالى يعينه في دعائه لما ورد أنه تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه والمراد الغائب عن المجلس ولو بالبلد بل بالغ البعض فجعل الحاضر فيه وهو لا يسمع كالغائب (خد د) في الصلاة. وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه اقتصاره على أبي داود قال في الأذكار: وقد ضعفه الترمذي (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه فقد قال المنذري: رواه أبو داود والترمذي كلاهما من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف. وقال العلامة المناوي: فيه عبد الرحمن ابن زياد الأقريقي ضعيف وقال الذهبي في الضعفاء ضعفه ابن معين والنسائي وقال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئا الحديث: 1018 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 1019 - (أسرعوا) إسراعا خفيفا بين المشي المعتاد والخبب الذي هو العدو لأن ما فوق ذلك يؤدي إلى انقطاع الضعفاء أو مشقة الحامل أو انتشار أكفان الميت ونحو ذلك فيكره (بالجنازة) أي بحمل الميت بنعشه إلى المصلى ثم إلى القبر والأمر للندب اتفاقا ولا عبرة بمن شذ نعم إن خيف التغير لولا الإسراع وجب أو التغير بالإسراع وجب التأني (فإن تك) أي الجثة المحمولة وأصله تكون سكنت نونه للجازم ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون تخفيفا لكثرة دور ذلك في الكلام فصار تك (صالحة) بنصبه خبر كان (فخير) أي فهو خير أو فلها [ص: 506] خير أو فهناك خير (تقدمونها إليه) أي إلى الخير باعتبار الثواب: أي تقدمونها إلى جزاء عملها الصالح والإكرام الحاصل لها في القبر وفي رواية إليها قال ابن مالك: القياس إليه لكن المذكور يجوز تأنيثه إذا أول بمؤنث كتأويل الخير بالرحمة أو بالحسنى أو بالبشرى (وإن تك سوى ذلك) أي غير صالحة (فشر) أي فهو شر أو هو مبتدأ وصح الابتداء به مع كونه نكرة لاعتماده على صفة مقدرة أي شر عظيم. وكذا يقال فيما سبق وقوله (تضعونه) والضمير للميت: أي تستريحون منه لبعده من الرحمة. فلا حظ لكم في مصاحبته (عن رقابكم) أي أكتافكم قال الطيبي: الجنازة بالكسر: الميت وبالفتح السرير جعل الجنازة عين الميت ووصفها بأعماله الصالحة ثم عبر عن الأعمال الصالحة بالخير وجعل الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى ذلك الخير فكنى بالجنازة عن العمل الصالح مبالغة في كمال هذا المعنى كما في قوله: ما درى نعشه ولا حاملوه. . . ما على النعش من عقاب ورد ولما لاحظ في جانب العمل الصالح هذا قابل قرنيتها بوضع الشر عن الرقاب ومعنى الحديث ينظر إلى قوله في الحديث الآخر مستريح أو مستراح منه: أي مستريح إلى رحمة الله. أو تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. وفيه ترك صحبة أهل البطالة وغير الصلحاء وأن حمل الجنازة مختص بالرجال لكونه أتى فيه بضمير المذكر لكنه وإن كان الحكم متفقا عليه غير حاسم ففي هذا قد يدعى أنه خرج مخرج الغالب (حم ق هد عن أبي هريرة) الحديث: 1019 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 1020 - (أست السماوات السبع) أي بنيت (والأرضون السبع على قل هو الله أحد) أي لم تخلق إلا لتدل على توحيد الحق ومعرفة صفاته ومن أين لأحد من البشر أن يتخذ على مثالها أو ينسج على منوالها وقيل المراد أن التوحيد أصل لكل شيء في عالم الغيب والشهادة {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ولولا الوحدانية لما تكونت السماوات والأرض على هذا الوجه المحكم المتقن ولكانت فاسدة كبناء بغير أساس <فائدة> قال العماد بن كثير في البداية والنهاية حكى ابن حزم وابن الجوزي وغير واحد الإجماع على أن السماوات كرية مستديرة واستدل عليه بآية {وكل في فلك يسبحون} قال الحسن يدورون. قال ابن عباس: في فلكه مثل فلكة المغزل. قالوا ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق قال أمية بن أبي الصلت: والشمس تبدو كل آخر ليلة. . . حمراء يصبح لونها يتوقد وقال ابن حجر: حكى الإجماع على أن السماوات مستديرة جمع وأقاموا الأدلة وخالف في ذلك فرق يسيرة من أهل الجدل <تنبيه> زعم التاج الفاكهي أن الأرض أفضل من السماء لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها قال النووي: والجمهور على أن السماء أفضل اه. وإليه ذهب الإمام الرازي وأيده بما منه أنه تعالى زينها بسبعة أشياء: النجوم والشمس والقمر والعرش والكرسي واللوح والقلم وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا وذكر مبدأها وغاية أمرها واستقصى استقصاء شديدا في كيفية حدوثها وبنائها وجعلها قبلة الدعاء فالأيدي ترفع اليها والوجوه تنصب نحوها وهي محل الصفاء والطهارة والعصمة والعباد المكرمين وهي مؤثرة والأرضين متأثرة والمؤثر أشرف من القابل للتأثير ومن ثم قدم ذكرها في أكثر الآيات قال ولونها أخضر فهو أوفق الألوان للبصر ومما يقويه كما قاله الأطباء لذلك أمر من به وجع العين أن ينظر إلى الورقة الخضراء وهي مستديرة والاستدارة أفضل الأشكال <فائدة> قال ابن عربي: السماوات ساكنة لا حراك فيها جعلها ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ولهذا سماها السقف المرفوع إلا أنه في كل سماء فلك وذلك الفلك هو الذي يدور له الحركة مع ثبوت السماء والكواكب تسبح في أفلاكها لكل صورة كوكب فلك فعدد الأفلاك بعدد الكواكب وأجرام السماوات أجرام شفافة وهي مسكن الملائكة والأفلاك لولا سباحات الكواكب ما ظهرت ولا تكونت هي في السماوات كالطرق في الأرض حدثت بحدوث المواشي فيها ولولا المواشي ما ظهر طريق فهي أرض من حيث ذاتها [ص: 507] طريق من حيث المواشي فيها فكذا وجود الأفلاك تظهرها سباحات الكواكب (تتمة) قال ابن حجر: أخرج الدارمي عن ابن عباس أن أفضل السماوات التي فيها العرش وسيد الأرضين التي نحن فيها (تمام) في فوائده (عن أنس ابن مالك) وفيه موسى بن محمد الدمياطي البلعاري قال في الميزان: كذبه أبو زرعة وأبو حاتم قال الدارقطني وغيره: متروك. ثم أورد له أخبار هذا منها ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 1020 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 1021 - (أسعد الناس) أي أحظاهم (بشفاعتي) من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله كأن المشقوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه والشفاعة الضم إلى آخره معاونا له وأكثر ما يستعمل في انضمام الأعلى إلى الأدنى (يوم القيامة) يوم الجزاء الأعظم (من قال لا إله إلا الله) أي مع محمد رسول الله فجعل الجزاء من كلمة الشهادة شعارا لمجموعها فالمراد الكلمة بتمامها كما تقول قرأت {آلم ذلك الكتاب} أي السورة بتمامها والمراد من قال ذلك من إنس وجن وملك ولا ينافيه التقيد بالناس لأنه مفهوم لقب ولا حجة فيه عند الجمهور (خالصا) عن شوب شرك أو نفاق فالمراد بالقول النفساني لا الكلامي فقط أو ذكر تغليبا إذ الغالب أن من صدق بالقلب قال باللسان (مخلصا من قلبه) أو نفسه هكذا هو على الشك عند البخاري وقوله مخلصا تأكيد لخالصا فالمراد الإخلاص المؤكد البالغ غايته ويدل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته التأكيد كما في {فإنه آثم قلبه} قال في الكشاف: لمن كان آثم مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناده الفعل إلى الجارحة التي يعمل فيها أبلغ ألا تراك إذا أردت التأكيد تقول أبصرته بعيني وسمعته بأذني وقوله من قلبه متعلق بمخلصا أو يقال والأولى كما قاله الكرماني الثاني ثم إن تعلق يقال فالظرف لغو وإلا فمستقر إذ تقديره ناشئا عن قلبه. قال البيضاوي. وأسعد بمعنى سعيد إذ لا يسعد بشفاعته من ليس من أهل التوحيد أو المراد بمن قال من لا عمل له يستحق به الرحمة ويستوجب به الخلاص من النار لأن احتياجه للشفاعة أكثر والشفاعة بها أوفر قال الكرماني: أفعل بمعنى فعيل يعني سعيد الناس كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان أو هو بمعناه الحقيقي المشهور والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه الرتبة وقال ابن حجر: أراد بالشفاعة بعض أنواعها وهي إخراج من بقلبه مثقال ذرة من إيمان أما العظمى فأسعد الناس بها السابقون إلى الجنة وهم من يدخل بغير حساب ثم الذين يلونهم وأشار بأسعد إلى اختلاف مراتبهم في السبق فهي على بابها لا بمعنى سعيد. والأولى أن يقال كل أحد يحصل له سعادة بسبب شفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لاراحتهم من هول الموقف ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كأبي طالب ويشفع في قوم من المؤمنين بالخروج من النار بعد دخولها وفي بعضهم بعدم الدخول بعد استحقاقه وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب وفي بعضهم برفع الدرجات فاستبان الإشراك في السعادة بالشفاعة فإن أسعدهم بها المؤمن الخالص المخلص (خ) في كتاب الإيمان (عن أبي هريرة) قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك: أي أقدم منك لما رأيت من حرصك على الحديث ثم ذكره الحديث: 1021 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 1022 - (أسعد الناس) أي من أعظمهم سعادة (يوم القيامة) بعد الأنبياء والخلفاء الأربعة (العباس) كيف لا وهو أصل العز والشرف ورأس الدين والحسب وأقرب الناس نسبا من المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمسهم به رحما وأوصلهم به نسبا وأدناهم من قرابة والآخذ له البيعة على أهل العقبة ليلتها والثابت معه بحنين إذ ولت المهاجرة والأنصار الأدبار (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 1022 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 [ص: 508] 1023 - (أسفر بصلاة الصبح) أي أخرها إلى الإسفار أي الإضاءة (حتى يرى القوم مواقع نبلهم) أي مواضع سهامهم إذا رموا بها فالباء للتعدية عند الحنفية وجعلها الشافعية للملابسة والمعنى ادخلوا في وقت الإضاءة متلبسين بصلاة الصبح بأن تمد يقال أسفر إذا دخل في ابيضاض النهار كما يقال أسحر إذا دخل في السحر ذكره في المغرب وفيه تقرير آخر يجيء فيما بعده (الطيالسي) أبو داود (عن رافع بن خديج) الحارثي شهد أحدا ومات سنة أربع وسبعين عن ست وثمانين سنة ورواه الطبراني لكنه قال: نوروا وهو من رواية هرمز بن عبد الرحمن عن رافع بن خديج وقد ذكرهما ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما جرحا ولا تعديلا ولعل المصنف اطلع على من لهما حيث رمز لحسنه الحديث: 1023 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 1024 - (أسفروا) بهمزة قطع مفتوحة وفاء مكسورة (بالفجر) أي بصلاته (فإنه أعظم للأجر) أي أخرجوها إلى تحقق طلوع الفجر الثاني وإضاءته من سفر تبين وانكشف أو أسفروا بالخروج منها بأن تطيلوا القراءة حتى تخرجوا منها مسفرين كذا قرره الشافعية مجيبين عن تمسك الحنفية به في ذهابهم إلى ندب التأخير إلى الإضاءة. قال ابن حجر: وفي التأويل ينظر لقوله في حديث الطبراني بسند ضعيف نوروا بصلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع سبلهم من الإسفار لكن يعارضه حديث الشيخين أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس فأخذ الشافعية بذلك لصحته وقول الطحاوي حديث الإسفار ناسخ لحديث الغلس: وهمه الحازمي وغيره بل الأمر بالعكس لخبر أبي داود: أنه صلى الصبح فأسفر ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى فارق الدنيا لم يعد إلى أن يسفر. رواته كلهم ثقات وخبر الإسفار مختلف في إسناده ومتنه كما في خلافيات البيهقي (ت ن حب عن رافع) بن خديج واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح فمن نقل عنه تحسينه فقط كالمصنف في الأصل لم يصب غير أنك قد علمت توهين البيهقي له وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا ذينك وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الأربعة جميعا وذكر أن هذا الحديث متواتر وعزاه ابن حجر في الفتح إلى الأربعة وقال صححه غير واحد الحديث: 1024 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 1025 - (أسلم) بفتح الهمزة وكسر اللام (ثم قاتل) قاله لرجل جاء مقنعا بالحديد يريد قتال الكفار وهو كافر فأسلم فقاتل فقتل فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرا وسيجيء تعليله في خبر آخر بأنه لا يستعين بالمشركين (خ عن البراء) بن عازب الحديث: 1025 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 1026 - (أسلم) بضبط ما قبله (وإن كنت كارها) قاله لرجل وقال إني أجدني كارها للإسلام (حم غ والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح اه. رمز المصنف لحسنه الحديث: 1026 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 1027 - (أسلم) بفتح الهمزة واللام: قبيلة من خزاعة وهو مبتدأ والخبر قوله (سالمها الله) وفي رواية: سلمها الله: أي صالحها من المسالمة وهي ترك الحرب أو معنى سلمها (وغفار) بكسر المعجمة والتخفيف: قبيلة من كنانة وهو مبتدأ والخبر قوله (غفر الله لها) خبر أراد به الدعاء أو هو خبر على بابه وخصها بالدعاء لأن غفارا أسلموا [ص: 509] قديما وأسلم: سالموه عليه الصلاة والسلام (أما) بالتخفيف (والله ما أنا قلته) أي ما قلت ما ذكر من مناقب هاتين القبيلتين (ولكن الله قاله) وأمرني بتبليغه إليكم فاعرفوا إليهم حقهم وأنزلوا الناس منازلهم (حم طب ك عن سلمة بن الأكوع م عن أبي هريرة) وفيه أنه ينبغي الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقال لأحمد أحمد الله عافيتك ولعلي علاك الله وهو من جناس الاشتقاق المستعذب المستحسن عندهم ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر ومنه قوله تعالى {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} قال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني خاصة: وفيه عندهما عمر بن راشد اليماني وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 1027 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 1028 - (أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وتجيب) بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وسكون التحتية وموحدة (أجابوا الله) بانقيادهم إلى دين الإسلام اختيارا. وتمامه عند مخرجه الطبراني فقال له - أي لرواية ابن سندر الآتي - يا أبا الأسود أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر تجيب فقال نعم قال ابن حجر: وهذه قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك وأسلم يفتح الهمزة واللام قبيلة منسوبة إلى أسلم بن أفضى بفتح الهمزة وسكون الفاء فمهملة مقصور ابن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ماري بن الأزد بطن من قحطان ومنهم خلق كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والشعراء وأما أسلم بن الحاف بن قضاعة وأسلم بن القيانة وأسلم بن بدول فالثلاثة بضم اللام وليسوا بمرادين هنا وغفار بكسر المعجمة وخفة الفاء وهو بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناف ومزينة - بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية فنون - وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وجهينة بالتصغير هم بنو جهينة بن زيد بن ليث قبيلة من قضاعة ينسب إليها خلق كثير من الصحابة والتابعين وتجيب بضم التاء وكسر الجيم فمثناة فموحدة هم ولد عدي وسعد ابن أشرس بن شيب بن السكن بطن من مذحج وهم خلق كثير وعامتهم بمضر منهم معاوية بن خديج والحاصل أن هذه الخمسة أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع قبائل من مضر أما مزينة وغفار وأشجع فاتفاقا وأما أسلم وجهينة فعلى الأرجح وعصية بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغرا ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخففتين امرؤ القيس وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم ذلك لأنهم عاهدوا فغدروا كما هو مذكور في غزوة بئر معونة. وحكى ابن السني أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحو عنهم ذلك العار وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه قيل خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم وهذا إن سلم يحمل على الغالب وفي هذا الحديث وما قبله من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لعذوبته وانسجامه وهو من الاتفاقيات اللطيفة (طب عن عبد الرحمن بن سندر) أي الأسود الرومي أبي روح زنباع الجذامي قال الهيتمي: إسناده حسن اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 1028 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 1029 - (أسلمت) أي دخلت في الإسلام (على ما) أي مع أو مستعليا على ما (أسفلت) وفي رواية بدله على ما سلف لك وفي رواية للبخاري على ما سلف أي على وجدان ثواب ما قدمته (من خير) أي على قبوله فتثاب عليه ويضاف لما تعمله في الإسلام فضلا منه تعالى وإن كان الكافر لا يصح عمله لفقد شرط النية أو المعنى أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادىء عنوان الغايات أو أن فعل ذلك أورثك طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام [ص: 510] لما حصل لك من التدرب على فعل القرب فلم تحتج لمجاهدة جديدة بعد الإسلام والفضل للمتقدم ومن أطلق عدم إثابة الكافر فكلامه منزل على ما إذا لم يسلم وعلى الإثابة في الآخرة بل قد يثاب وإن لم يسلم لكن في الدنيا خاصة لخبر مسلم: إن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة (حم ق عن حكيم بن حزام) قال قلت يا رسول الله صلى الله عليك وآلك وسلم أرأيت أشياء كنت بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل لي فيها من أجر؟ فذكره وبالوقوف على السبب يعرف أنه لا ظهور لزعم البعض أن معناه أسلمت ببركة ذلك الخير السابق الحديث: 1029 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 1030 - (أسلمت عبد القيس) قبيلة مشهورة عظيمة من قبائل العرب ومضر في مقابلتهم ذكره القاضي (طوعا) أي دخلوا في الإسلام غير مكرهين (وأسلم الناس) أي أكثرهم (كرها) أي مكرهين خوفا من السيف (فبارك الله في عبد القيس) خبر بمعنى الدعاء أو هو على بابه وقد ظهر فلاحهم بعد ذلك وصلاحهم ببركة دعائه وفي خبر للطبراني أيضا أسلمت الملائكة طوعا وأسلمت عبد القيس طوعا وفيه أنه يصح إكراه الكافر على الإسلام ومحله في الحربي لا الذمي (طب عن نافع العبدي) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قدم وفد عبد القيس ليأتين ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام فذكره فقدم وفدهم أربعون رجلا فأضافهم وأكرمهم. رمز لضعفه الحديث: 1030 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 1031 - (اسم الله الأعظم) قيل الأعظم بمعنى العظيم وليس أفعل للتفضيل لأن كل اسم من أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض وقيل هو للتفضيل لأن كل اسم فيه أكثر تعطيما لله فهو أعظم فالله أعظم من الرب فإنه لاشريك له في تسميته به لا بالإضافة ولا بدونها وأما الرب فيضاف للمخلوق (الذي إذا دعى به أجاب) بمعنى أنه يعطى عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره فإنه وإن كان لا يرد لكونه بين إحدى ثلاث: إعطاء المسؤول في الدنيا أو تأخيره للآخرة أو التعويض بالأحسن (في ثلاث سور من القرآن: في البقرة وآل عمران وطه) قال أبو شامة: فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي آل عمران: الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي طه: وعنت الوجوه للحي القيوم كذا في الفردوس وقد اختلف في الاسم الأعظم على نحو أربعين قولا أفردها المصنف وغيره بالتأليف: قال ابن حجر: وأرجحها من حيث السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وفي الحديث رد علي أبي الحسين بن سمعون في زعمه أن الاسم الأعظم سبعة وثلاثون حرفا من حروف المعجم نقله عنه في الملل والنحل (هـ ك طب عن أبي أمامة) الباهلي وفيه هشام بن عمار مختلف فيه كما سبق الحديث: 1031 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 1032 - (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين) وهما (وإلهكم إله واحد) خطاب عام أي المستحق منكم للعبادة واحد لا شريك له فصح أن يعبد ويسمى إلها (لا إله إلا هو) تقرير للوحدانية (الرحمن الرحيم) كالحجة عليها فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره (وفاتحة) سورة (آل عمران الم الله لا إله إلا هو الحي) الحياة الحقيقية التي لا موت معها (القيوم) الذي به قيام كل شيء وهو قائم على كل شيء. قال ابن عربي: وقد جعل أهل الله هو من ذكر خصوص الخصوص لأنها أعرف من اسم الله في أصل الوضع لأنها لا تدل إلا على الذات المضمرة من غير اشتقاق وإنما غلبوها على سائر المضمرات والإشارات نحو أنت وذا [ص: 511] لكونها ضمير غيب فرأوا أن الحق لا يعلم فهو غيب مطلق من تعلق العلم بحقيقته فقالوا حقيقة هو ترجع إلى هويته التي لا يعلمها إلا هو قال أعني ابن عربي والرحمن الرحيم اسم مركب كبعلبك وقال حجة الإسلام في الجواهر: وهذا الخبر يشهد بأن الاسم الأعظم هو الحي القيوم وتحته سر مكنون اه وقال ابن عربي: الاسم الأعظم في آية الكرسي وأول آية آل عمران وجاء في خبر آخر أن أعظم آية في القرآن الله لا إله إلا هو قال القاضي: وذلك لأن شرف الآيات لشرف مدلولاتها ورفعة قدرها واشتمالها على الفوائد العظيمة والعوائد الخطيرة ثم بحسن النظم ومزيد البيان والفصاحة ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله تعالى وصفاته وأشرف العلوم وأعلامها قدرا وأرفعها منارا وأبقاها ذخرا هو العلم الإلهي الباحث عن ذاته تقدس وصفاته الذاتية السلبية والثبوتية وما يدل عليها من صنائعه وأفعاله وأن رجوع الخلق إليه وحسابهم عليه لا مرد لحكمه ولا مانع من عذابه وهذه الآية باعتبار معناها وما يستفاد من مفهومها وفحواها اشتمل على جملة ذلك مفصلا أو مجملا على طريقة التقدير والتحقيق لا على منهج الدعوى ومحض التقليد. ومن حيث أن اللفظ وقع في مجاز البلاغة وحسن النظم والترتيب موقعا تنمحق دونه بلاغة كل بليغ وتتشعشع في معارضته فصاحة كل فصيح وفي الاشتغال بذلك خروج عن المقصود فمن أراد فليراجع كتب التفسير. اه. وقال الإمام الرازي في لوامع البينات منهم من قال الاسم الأعظم الحي القيوم ويدل عليه وجهان: أحدهما أن أبي بن كعب طلب من المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعلمه الاسم الأعظم فقال هو في قوله تعالى {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} قالوا وليس ذلك في قولنا: الله لا إله إلا هو لأن هذه الكلمة موجودة في آيات كثيرة فلما خص الاسم الأعظم بهاتين الآيتين علمنا أنه الحي القيوم. الثاني: أن الحي يدل على كونه سبحانه عالما متكلما قادرا سميعا بصيرا والقيوم يدل على أنه قائم بذاته مقوم لغيره ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد ففي هذين الاسمين من صفات العظمة والكبرياء والإلهية ما ليس في غيرهما وذلك يقتضي أنهما أعظم الأسماء وقال النابلسي في كفاية ذوي الألباب: إن الحي القيوم دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق وأن بني إسرائيل سألوا موسى الكليم عن الاسم الأعظم فأوحى الله إليه أن مرهم أن يدعوني بآهيا شراهيا ومعناه الحي القيوم. قال: وكان عيسى عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يحيي الموتى: قال يا حي يا قيوم (حم د ت هـ عن أسماء) بفتح الهمزة (بنت يزيد) بن السكن أم سلمة الأنصارية صحابية جليلة تأخرت وفاتها. حسنة الترمذي ورمز المصنف لصحته مع أن فيه كما قال المناوي وغيره عبد الله بن أبي الزناد القداح فيه لين وقال أبو داود أحاديثه مناكير وضعفه ابن معين الحديث: 1032 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 1033 - (اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب في هذه الآية) من آل عمران هكذا هو في متن حديث الطبراني عن الحبر (قل اللهم مالك الملك) أي الذي لا يملك منه أحد شيئا غيره (الآية) بالنصب على إضمار اقرأ. قال ابن الهمام: وهو الوجه الظاهر لتبادره ويجوز رفعه بتقدير مبتدأ أو خبر: أي المتلو وهو على تقدير إلى آخر الآية إذ العادة عند الفصحاء أنه إذا كانت الأية أو الحديث أو البيت محفوظا معروفا يذكر أوله ويقال الآية أو الحديث أو البيت اختصارا أي التي هي مستهلها أو مبدؤها فعلى العاقل المتأمل فيها إسلام الملك كله الذي منه شرف الدنيا لله ولذلك لم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم يتظاهر بالملك ولا يأخذ مأخذه وتبعه خلفاؤه فلبسوا الخلقات والمرقعات واقتصروا على شظف العيش. قال الطيبي: والفرق بين قوله: إذا سئل به أعطى وبين قوله: إذا دعى به أجاب: أن الثاني أبلغ فإن إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي ووجاهته عند المجيب فتتضمن أيضا قضاء حاجته بخلاف السؤال فقد يكون مذموما ولذلك ذم السائل في كثير من الأحاديث ومدح المتعفف على أن في الحديث دلالة على فضل الدعاء على [ص: 512] السؤال (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه جسر بن فرقد وهو ضعيف وأقول فيه أيضأ محمد بن زكريا الغلابي أورده الذهبي في الضعفاء أيضا وقال وثقه ابن معين وقال أحمد ليس بقوي والنسائي والطبراني والدارقطني: ضعيف وأبو الجوزاء قال البخاري فيه نظر فتعصيب الهيتمي الجناية برأس جسر وحده لا يرتضى الحديث: 1033 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 1034 - (اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى: دعوة يونس بن متى) ابن جرير - الطبري الإمام المجتهد (عن سعد) بن أبي وقاص الحديث: 1034 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 1035 - (إسماع الأصم) أي إسماع الكلام للأصم (صدقة) عن المسمع أي يثاب على الصدقة (خط في) كتاب (الجامع) في آداب الشيخ والسامع (عن سهل بن سعد) رمز المصنف لضعفه الحديث: 1035 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 1036 - (أسمح أمتي جعفر) أي من أكثرهم جودا وأكرمهم نفسا جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين وكان يسمى بحر الجود فعوتب في ذلك فقال إن الله عودني بعادة وعودت الناس عادة فأخشى إن قطعتها قطعت عني وأخباره في الجود عجيبة؟ كيف لا وقد جاهد بنفسه في الله حتى قتل شهيدا يوم مؤتة والظاهر أنه المراد من أسمح فقد جاد الصديق بجميع ماله لله لكن جعفر زاد عليه بجوده بالحياة. قال الزمخشري: أسمح من أسمحت فروته أي نفسه إذا سهلت وانقادت. وعرف بعضهم السماح أخذا من كلام الغزالي بأنه بذل ما لا يجب بذله تفضلا أي بلا توقع مجازاة والمسامحة بأنها ترك ما لا يجب تركه تنزيها أي بلا توقع مجازاة كحط البائع بعض الثمن (المحاملي في أماليه وابن عساكر عن أبي هريرة) رمز لضعفه ولم يقف له الديلمي على سند فبيض له الحديث: 1036 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 1037 - (أسمح) أمر من السماح (يسمح لك) بالبناء للمفعول والفاعل الله: أي عامل الخلق الذين هم عيال الله وعبيده بالمسامحة والمساهلة يعاملك سيدهم بمثله في الدنيا والآخرة. وفي الإنجيل: إن غفرتم للناس خطاياهم غفر لكم أبوكم السماوي خطاياكم وإن لم تغفروا للناس خطاياهم لم يغفر لكم وفيه لا تحبوا الحكم على أحد لئلا يحكم عليكم اغفروا يغفر لكم أعطوا تعطوا وقال بعض الحكماء: أحسن إن أحببت أن يحسن إليك ومن قل وفاؤه كثر أعداؤه. وهذا من الإحسان المأمور به في القرآن المتعلق بالمعاملات وهو حث على المساهلة في المعاملة وحسن الانقياد وهو من سخاوة الطبع وحقارة الدنيا في القلب فمن لم يجده من طبعه فليتخلق به فعسى أن يسمح له الحق بما قصر فيه من طاعته وعسر عليه في الانقياد إليه في معاملته إذا أوقفه بين يديه لمحاسبته (طب هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وقال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وقال تلميذه الهيتمي: رواه أحمد عن شيخه مهدي بن جعفر الرملي وقد وثقه غير واحد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر: فيه مهدي وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح اه فاقتصار المصنف على رمزه لحسنه تقصير وإيهام الحديث: 1037 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 1038 - (اسمحوا يسمح لكم) أي يسمح الله لكم في الدنيا بالإنعام وفي العقبى بعدم المناقشة في الحساب وغير ذلك ولا يخفى كمال السماح على ذي لب فجمع بهذا اللفظ الموجز المضبوط بضابط العقل الذي أقامه الحق حجة على الخلق ما لا يكاد [ص: 513] يحصى من المصالح والمطالب العالية وما ذكر من أن الرواية: يسمح لكم: باللام هو ما في نسخ لا تكاد تحصى ثم رأيت المصنف كتب بخطه في نسخته من هذا الكتاب بكم بباء موحدة وضبطها (عب عن عطاء مرسلا) عطاء في التابعين المرسلين جماعة فكان ينبغي تمييزه الحديث: 1038 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 1039 - (اسمعوا) أي استمعوا كلام من تجب طاعته من ولاة أموركم وجوبا (وأطيعوا) أمرهم وجوبا فيما لا معصية فيه لأنهم نواب الشرع (فإن قلت) ذكر الأمر بالطاعة كاف فما فائدة الأمر بالسمع معه (قلت) فائدته وجوب استماع كلامه ليتمكن بالإصغاء إليه من طاعة أمره على الوجه الأكمل ولذلك أمر بالإنصات عند تلاوة القرآن وفي خطبة الجمعة ونهى عن رفع الصوت على صوت صاحب الشرع ليفهم كلامه ويتدبر ما في طيه ويطاع أمره جملة وتفصيلا (وإن استعمل) بالبناء للمجهول (عليكم عبد) أعرب بالرفع نائب الفاعل (حبشي) أي وإن استعمله الإمام الأعظم أميرا إمارة خاصة أو عامة ليس من شرطها الحرية وإرادة العتيق فسماه عبدا باعتبار ما كان والمراد اسمعوا ولو لحبشي سواء كان ذلك الحبشي مفتونا أو مبتدعا كما اقتضاه تبويب البخاري عليه بباب إمامة المفتون والمبتدع ثم زاد في المبالغة بوصف العبد بقوله (كأن رأسه زبيبة) بزاي مفتوحة حبة عنب سوداء: حالا أو صفة لعبد: أي مشبها رأسه بالزبيبة في السواد والحقارة وقباحة الصورة أو في الصغر يعني وإن كان صغير الجثة حتى كأن رأسه زبيبة وقد يضرب المثل بما لا يكاد يوجد تحقيرا لشأن الممثل والمراد وشعر رأسه مقطقط إشارة إلى بشاعة صورته وأجمعوا على عدم صحة تولية العبد الإمامة لكن لو تغلب عبد بالشوكة وجبت طاعته خوف الفتنة. وفي رواية بدل كان إلخ مجدع الأطراف: أي مقطوع الأعضاء والتشديد للتنكير ذكره ابن الأثير. وهذا حث على السمع والطاعة للإمام ولو جائرا. وذلك لما يترتب عليه من اجتماع الكلمة وعز الإسلام وقمع العدو وإقامة الحدود وغير ذلك وفيه التسوية في وجوب الطاعة بين ما يشق على النفس وغيره وقد بين ذلك في رواية بقوله فيما أحب وكره ووجوب الاستماع لكل من تجب طاعته كالزوج والسيد والوالد واستدل به على أن الإمام إذا أمر بعض رعيته بالقيام ببعض الحرف والصنائع من زراعة وتجارة وعمل أنه يتعين على من عينه لذلك وينتقل من فرض الكفاية إلى فرض العين عليه بتعيين الإمام. قال جدنا الأعلى من جهة الأم الزين العراقي حتى قاله بعض شيوخنا في الفلاحين المفردين لزراعة البلدان أنه أمر شرعي بتقرير الإمام ذلك عليم. نعم إن تعدى عليهم وألزموا بما لا يلزمهم من إيجار الأرض بغير رضاهم لم يجر لكن يكونون كالعمال يعملون ويستحقون أجر المثل (حم خ) في الصلاة وفي الأحكام (هـ عن أنس) بن مالك ورواه عن أنس أيضا البخاري بلفظ: اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة. وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد رواه مسلم من حديث أم حصين الحديث: 1039 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 1040 - (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) قال الطيبي: أسوأ مبتدأ والذي: خبره على حذف مضاف: أي سرقة الذي يسرق ويجوز أن تكون السرقة جمع سارق كفاجر وفجرة. اه. قالوا وكيف يسرق منها يا رسول الله؟ قال (لا يتم) وفي رواية الذي لا يتم (ركوعها ولا سجودها) وأعاد - لا - في السجود دفعا لتوهم الاكتفاء بالطمأنينة في أحدهما (ولا خشوعها) الذي هو روح الصلاة بأن لم يستحضر عظمة الله. قال الطيبي: جعل جنس السرقة نوعين: متعارفا وغير متعارف وهو ما ينقص من الطمأنينة والخشوع ثم جعل غير المتعارف أسوأ من المتعارف ووجه كونه أسوأ أن السارق إذا وجد مال الغير قد ينتفع به في الدنيا ويستحل صاحبه أو يحد فينجو من عذاب الآخرة [ص: 514] بخلاف هذا فإنه سرق حق نفسه من الثواب وأبدل منه العقاب في العقبى. قال الحراني: وأكثر ما يفسد صلاة العامة تهاونهم بعلم الطمأنينة والعمل بها في أركان الصلاة وأصلها سكون على عمل لركن من ركوع أو سجود أو جلوس زمنا ما وإجماع من النفس على البقاء على تلك الحالة ليوافق بذلك المقدار من الزمان حال الداعين في آحاد تلك الأحوال من الملائكة الصافين وفيه أن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وأجله في الفرض وكذا في النفل عند الشافعي فعده ركنا وأن الخشوع واجب وبه قال الغزالي منهم فعده شرطا لكن المفتى به عندهم خلافه (نكتة) صلى رجل صلاة ولم يتم أركانها وقال اللهم زوجني الحور العين فقال له أعرابي: بئس الخاطب أنت: أعظمت الخطبة وأسأت النقد (حم ك) وصحح إسناده (عن أبي قتادة) الأنصاري أبو داود (الطيالسي حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيتمي فيه علي بن زيد مختلف في الاحتجاج به. وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال الذهبي في الكبائر: إسناده صالح. وقال المنذري: رواه الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مغفل بإسناد جيد لكنه قال في أوله: أسرق الناس وهذا الحديث أخرجه في الموطأ فكان ينبغي للمؤلف أن يضمه لهؤلاء في العزو جريا على عادته فإن دأبه أن الحديث إذا كان فيه مالك بدأ يعترف له مقدما على الشيخين ولفظ مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟ قال: وذلك قبل أن ينزل فيهم قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق من صلاته قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم إلخ الحديث: 1040 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 1041 - (أشبه ما رأيت بجبريل) اسم سرياني معناه عبد الله (دحية) بفتح المهملة وكسرها: ابن خليفة بن فروة (الكلبي) بفتح فسكون: صحابي جليل مشهور أي أقرب الناس شبها إذا تصور بصورة إنسان هو. قال الزمخشري: دحية رئيس الجند وبه سمى دحية الكلبي وكأنه من دحاه يدحوه إذا بسطه ومهده فإن الرئيس له التمهيد والبسطة وقلب الواو ياء فيه نظير قلبها في قنية. قال أبو حاتم عن الأصمعي بفتح داله ولا تكسر ولعله من تغيرات الأعلام كالحجاج على الإمالة. إلى هنا كلامه. وكان جبريل يأتيه على صورته بغير أجنحة وهو خلاف صورته التي خلق عليها وهو إذ ذاك جبريل. قال تعالى {نزل به الروح الأمين} فالنازل بالوحي جبريل. والصورة صورة دحية فجبريل هو جبريل والصورة غيره وإن كان الملك فيها. ذكره الكلاباذي واحتج به الحلولية والاتحادية على زعمهم الفاسد من جهة أنه روحاني وقد خلع صورة الروحانية وظهر بمظهر البشرية فكان يظهر بصورة دحية فيعلمه النبي ملكا ويظنه الناس بشرا قالوا فإذا قدر على ذلك وهو مخلوق فالله أقدر على الظهور في صورة الوجود الكلي أو بعضه وأجيب بأن جبريل جسم نوراني لطيف فقبلت ذاته التشكل والانخلاع من طور إلى طور والله منزه عن الجسمية ولوازمها وكونه يرى ولا يرى وأقرب من حبل الوريد وبين المصلي وقبلته لا يدل لكونه ماهية إذ القرب والبينية أمر معنوي لا حسي (ابن سعد) واسمه يحيى في الطبقات (عن ابن شهاب) كذا هو بخط المصنف فما في نسخ شهاب لا أصل له وهو الزهري الحديث: 1041 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 1042 - (اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك) أي من تسمى بذلك ودعي به وإن لم يعتقده فإنه (لا ملك) في الحقيقة (إلا الله) وغيره وإن سمى ملكا أو مالكا فإنما هو بطريق التجوز وإنما اشتد غضبه عليه لمنازعته لله في ربوبيته وألوهيته فهو حقيق بأن يمقته عليه فيهينه غاية الهوان ويذله غاية الذل ويجعله تجت أقدام خلقه لجرأته وعدم حياته في تشبهه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له فهو ملك الملوك وحده حاكم الحكام وحده فهو الذي [ص: 515] يحكم عليهم كلهم لاغيره (خاتمة) لما أمر الخليفة في القرن الخامس أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه ملك الملوك وخطب له بذلك أفتى بعض الفقهاء بالمنع وتبعهم العوام ورموا بالآجر الخطباء. وأفتى القاضي أبو الطيب الشافعي والصيمري الحنفي بالجواز إذ معناه ملك ملوك الأرض وأفتى الماوردي بالمنع وكان من خواص أصحاب جلال الدولة فانقطع عنه فطلبه الجلال فمضى إليه على وجل شديد فقال له أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني وما حملك على ذلك إلا الدين فزاد بذلك محله عنده ولم يعش جلال الدولة بعد هذا إلا أشهرا قليلة (تتمة) قال القرطبي: مما يجري هذا المجرى في المنع نعتهم أنفسهم بالنعوت المقتضية للتزكية: كزكي الدين ومحيي الدين لكن لما كثرت قبائح المسمين بها ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا من أصل موضوعاتها (حم ق عن أبي هريرة الحارث عن ابن عباس) الحديث: 1042 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 1043 - (اشتد غضب الله على الزناة) لتعريضهم لإفساد الحكمة الإلهية باختلاط المياه والجهل بالأنساب والزنا يفسد القلب ويفسد توحيده وأحظى الناس به أكثرهم شركا لأن عشق الصورة المحرمة نوع تعبد لها بل هو من أعلى أنواع التعبد لاسيما إذا استولى على القلب وتمكن منه فيصير العاشق عابدا لمعشوقه ساعيا في مرضاته مؤثرا محابه على حب الله والسعي في مرضاته حتى ينفق في مرضاته ما لا ينفق في رضا ربه ويتجنب من سخطه مالا يتجنب من سخط الله فلذلك كان بغيضا لله ومن ثم لم يبح في ملة من الملل (أبو سعيد الجرباذقاني) بفتح الجيم وسكون الراء وخفة الموحدة وبعد الألف ذال معجمة مفتوحة وقاف مخففة وآخره نون: نسبة لبلدة بين جرجان واستراباذان وبين أصبهان والكرخ (في جزئه) المشهور (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حيان (في عواليه) أي الأحاديث التي وقعت له بعلوه عن أقرانه (فر) كلهم (عن أنس) بن مالك وفيه بقية وحاله مشهور عن عباد بن كثير فإن كان الثقفي فقد تركوه أو الرملي فضعفوه كما سبق وعمران القصير عن أنس قال الذهبي في الضعفاء فقد روي عن أنس حديث الطيرة ومن ثم رمز المصنف لضعفه الحديث: 1043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 1044 - (اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم ولدا ليس منهم يطلع على عوراتهم ويشركهم في أموالهم) المراد أنها حملت من زنا أو نحوه فأتت بولد فنسبته لصاحب الفراش فصار ولده في الظاهر يطلع على باطن أمره ويعوله ما دام حيا ويرثه إذا مات وإنما اشتد غضبه عليها لأن هذه الخيانة منها تعود بفساد فراش الزوج وفساد النسب الذي جعله الله بين الناس لتمام مصالحهم وعده من جملة نعمه عليهم فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فهي جديرة بغضب رب الأرباب <تنبيه> قال الإمام الرازي: يصح وصفه تعالى بالغضب وأن غضبه يتزايد ويكثر فلا يكون غضبه على من كفر بخصلة واحدة كغضبه على من كفر بخصال كثيرة (البزار) وكذا الطبراني في الأوسط وكأن المصنف ذهل عنه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي: وفيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف وأما المصنف فرمز لحسنه الحديث: 1044 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 1045 - (اشتد غضب الله على من) أي إنسان (آذاني في عترتي) بوجه من وجوه الإيذاء كسب أو لعن أو طعن في نسب أو تعرض لنقصهم أو جفاء لبعضهم. والعترة بكسر العين وسكون الفوقية: نسل الرجل وأقاربه. وعشيرته الأدنون [ص: 516] وأخرج المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى من حديث علي بن موسى الرضي عن علي كرم الله وجهه مرفوعا: اشتد غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من أهرق دم نبي أو آذاه في عترته اه. قال المحب: وفيه دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي (فر) وكذا أبو نعيم (عن أبي سعيد) الخدري وفيه أبو إسرائيل الملائي. قال الذهبي ضعفوه ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 1045 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 1046 - (اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرا غير الله) فإن ظلمه أقبح من ظلم من له حمية أو شوكة أو ملجأ من الخلائق يعتمد عليه ويفزع في مهماته إليه (فر) من جهة شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي أمير المؤمنين قال السخاوي: والأعور كذاب أه وأقول أيضا فيه مسعر الهندي قال في الميزان: لا أعرفه الحديث: 1046 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 1047 - (اشتدي أزمة) بفتح الهمزة وسكون الزاي وخفة الميم (تنفرجي) يعني ياأزمة وهي سنة القحط: أي ابلغي النهاية في الشدة حتى تنفرجي فإن الشدة إذا تناهت انفرجت بشهادة الاستقراء فليس المراد حقيقة أمر الشدة بالاشتداد بل طلب الفرج {إن مع العسر يسرا} وناداها إقامة للسبب مقام المسبب وفيه نوع تسلية وتأنيس بأن الشدة المتناهية نوع من النعمة لما يترتب عليها. ومن كلام العرب: الشدة إذا تناهت انفرجت. وفيه مخاطبة من لا يعقل تنزيلا له منزلة العاقل بنحو {يا أرض ابلعي ماءك} وأما ما في حاشية أسد الغابة لمغلطاي عن الذيل أن أصل هذا المثل أن امرأة اسمها أزمة أخذها الطلق فقيل لها ذلك: فرد بأنه ليس فيه وأنه لا أصل له (القضاعي) وكذا العسكري في الأمالي (فر) كلهم من حديث أمية بن خالد عن الحسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده (عن علي) أمير المؤمنين قال في الميزان والحسين كذبه مالك وأبو حاتم وتركه أبو زرعة وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ثم ساق من مناكيره هذا الحديث وفي اللسان عن التاريخ الأوسط للبخاري تركه علي وأحمد وقال ابن أبي أويس كان يتهم بالزندقة وقال النسائي لا يكتب حديثه وقال ابن الجارود كذاب ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 1047 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 1048 - (اشتروا الرقيق) أمر إرشاد (وشاركوهم في أرزاقهم) بمخارجتهم وضرب الخراج عليهم وإخدامهم لغيركم بالأجرة ونحو ذلك والرق عجز حكمي بقوم بالإنسان بسبب الكفر (وإياكم والزنج) بفتح الزاي وتكسر: أي احذروا شراءهم (فإنهم قصيرة أعمارهم قليلة أرزاقهم) وهو جيل من السودان مسكنهم تحت خط الاستواء جنوبية ولا عمارة وراءهم (قيل) وتمتد بلادهم إلى قرب الحبشة وبعضهم على نيل مصر وإنما كانوا كذلك لأن الأسود إنما هو لبطنه وفرجه كما في خبر سيجيء وإن جاع سرق وإن شبع فسق كما في خبر وهذه الأوصاف تمحق البركة من العمر والرزق كما هو بين (طب) وكذا الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه من لم أعرفه ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 1048 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 1049 - (أشد الناس) أي من أشدهم (عذابا للناس في الدنيا) أي بغير حق (أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة) فكما تدين تدان. وفي الإنجيل: بالكيل الذي تكتال به يكال لك. وقضيته أن لا يكون في النار أحد يزيد [ص: 517] عذابه عليه. ويعارضه الأخبار الآتية عقبه وآية {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وأجيب بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل نوع بل من يشاركهم في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد الناس الزاعمين للإلهية عذابا ومن يقتدى به في ضلالة كفر أشد عذابا ممن يقتدى به في ضلالة بدعة والإمام الجائر الذي ولايته محيطة أشد عذابا من حاكم بلدة أو قاضيها. ومن صور صورة تعبد - كما كانت تفعل الجاهلية وكما يفعل النصارى - أشد عذابا ممن صورها لغير ذلك كالزينة. وهكذا ذكره القرطبي وغيره. وقوله عند الله: يجوز كونه تلويحا إلى معنى الاستحقاق: يعني أنه أشد من يستحق العذاب عنده لكنه في محل العفو. ذكره بعض الكاملين (حم هب عن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي سيف الله من كبار الصحابة وأشرافهم أسلم بين الحديبية والفتح وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح (ك عن عياض) بكسر العين المهملة وفتح المثناة التحتية المخففة (ابن غنيم) بفتح المعجمة وسمون النون ابن زهير بن أبي شداد بن ربيعة الفهري قريب أبي عبيدة وابن امرأته والذي افتتح الجزيرة وجاز درب الروم غازيا وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك (وهشام بن حكيم) بن حزام الأسدي أسلم يوم الفتح ومات قبل أبيه. قال الزاهدي: ووهم ابن منده حيث قال هو هشام بن حكيم المخزومي الحديث: 1049 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 1050 - (أشد الناس يوم القيامة عذابا) قد علم وجه التلفيق بينه وبين ما قبله وما بعده وبين قوله {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وجمع أيضا بأنه ليس في الآية ما يقتضي أن آل فرعون يختص بأشد العذاب بل هم في العذاب الأشد مع غيرهم وبأن المعنى من أشدهم وإلا فإبليس أشد عذابا من هؤلاء ومن غيرهم وكذا قابيل ومن قتل نبيا أو قتله نبي ونحو ذلك (إمام) أي خليفة أو سلطان ومثله القاضي (جائر) لأن الله ائتمنه على عباده وأمواله ليحفظها ويراقب أمره في صرفها في وجوهها ووضع كل شيء في محله فإذا تعدى في شيء من ذلك فهو خليق بأن يشتد الغضب عليه ويحاسب أشد الحساب ثم يعاقب أفظع العقاب قال سقراط: ينبوع فرج العالم الإمام العادل وينبوع خرابهم الملك الجائر وقد أفاد هذا الوعيد أن جور الإمام من الكبائر (ع طس حل عن أبي سعيد) الخدري. رمز المصنف لحسنه ولم يصححه لأن فيه محمد بن جحادة. قال الذهبي في الضعفاء كان يغلو في التشيع. وقال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني فيه عطية وهو متروك وقد ورد بسند صحيح بأتم من هذا. وروى أحمد والبزار من حديث ابن مسعود موقوفا: أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي وإمام جائر. قال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح فلو آثر المؤلف هذه الرواية كان أولى الحديث: 1050 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 1051 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة من يرى) بضم فكسر ويجوز فتح أوله: أي وثانيه (الناس) مفعول على الأول وفاعل على الثاني (أن فيه خيرا ولا خير فيه) في باطن الأمر. فلما تخلق بأخلاق الأخيار وهو في الباطن من الفجار: جوزي بتشديد العذاب عليه يوم القرار ومن ذلك ما لو أظهر العبادة رياء للناظرين وتصنعا للمخلوقين حتى يستعطف به القلوب النافرة ويخدع به العقول الواهية فيتبهرج بالصلحاء وليس منهم ويتدلس بالأخبار وهو ضدهم. والأشدية في هذا الخبر وما قبله بمعنى من كما تقرر (أبو عبد الرحمن السلمي) محمد بن الحسين الصوفي (في الأربعين) أي في الأحاديث الأربعين التي جمعها للصوفية (فر) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الربيع بن بدر. قال الذهبي: قال الدارقطني وغيره متروك ومن ثم رمز لضعفه الحديث: 1051 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 [ص: 518] 1052 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) أي يشبهون عملهم التصوير بخلق الله من ذوات الأرواح فمن صور الحيوان ليعبد أو قصد به المضاهاة لخلق ربه واعتقد ذلك فهو أشد الناس عذابا لكفره ومن لم يقصد ذلك فهو فاسق فتصوير الحيوان كبيرة ولو على ما يمتهن كثوب وبساط ونقد وإناء وحائط. ولا يحرم تصوير غير ذي روح ولا ذي روح لامثل له كفرس أو إنسان بجناحين. ويستثنى من تحريم التصوير لعب البنات لهن فيجوز عند المالكية والشافعية لورود الترخيص فيه وشذ بعضهم فمنعها ورأى أن حلها منسوخ بهذا الخبر ونحوه وهو كما قال القرطبي ممنوع منه مطالب بتحقيق التعارض والتاريخ <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة حرمة التصوير (حم ق ن عن عائشة) قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكة وتلون وجهه ثم ذكره الحديث: 1052 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 1053 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه) لأن عصيانه عن علم ولذا كان المنافقون في الدرك الأسفل لكونهم جحدوا بعد العلم وكان اليهود شرا من النصارى لكونهم أنكروا بعد المعرفة. قال عبد الحق: ومفهوم الحديث أن أعظمهم ثوابا عالم ينفعه علمه. قال الغزالي: فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحييه حياة الأبد فمن لم ينفعه علمه لا ينجو منه رأسا برأس. هيهات فخطره عظيم وطالبه طالب النعيم المؤبد أو العذاب السرمد لا ينفك عن الملك أو الهلك فهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم تتفق له الإصابة لم يطمع في السلامة أه. وزعم بعض الصوفية أنه إنما كان أشد الناس عذابا لأن عذابه مضاعف فوق عذاب مفارقة الجسد بقطعه عن اللذات الحسية المألوفة وعدم وصوله إلى ما هو أكمل منها لعدم انفتاح عين بصيرته مع عذاب الحجيم عن مشاهدة الحق تعالى فعذاب الحجاب إنما يحصل للعلماء الذين تنبهوا للذة لقاء الله في الجملة ولم يتوجهوا إلى تحصيل ذلك واتبعوا الشهوات الحسية المانعة لذلك وأما غيرهم فلا يعذب هذا العذاب الحجابي الذي هو أعظم من عذاب الجحيم لعدم تصورهم له بالكلية وعدم ذوقهم له رأسا (طس عد هب عن أبي هريرة) وضعفه المنذري قال ابن حجر: غريب الإسناد والمتن. وجزم الزين العراقي بأن سنده ضعيف. أه. وسببه أن فيه عثمان بن مقسم. قال الذهبي في الضعفاء كذبه غير واحد وأورد الحديث في الميزان في ترجمة عثمان وقال عن الجوزجاني كذاب وعن غيره متروك. وعن ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه إسنادا ومتنا لكن للحديث أصل أصيل فقد روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعا: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي والمصورون وعالم لا ينتفع بعلمه فلو عزاه المؤلف إليه كان أحسن الحديث: 1053 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 1054 - (أشد الناس بلاء) أي محنة. ويطلق على المنحة لكن المراد هنا بقرينة السياق المحنة فإن أصله الاختبار لكن لما كان اختبار الله تعالى لعباده تارة بالمحنة وتارة بالمنحة أطلق عليهما (الأنبياء) المراد بهم ما يشمل الرسل وذلك لتتضاعف أجورهم وتتكامل فضائلهم ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم ولئلا يفتتن الناس بدوام صحتهم فيعبدوهم (ثم الأمثل فالأمثل) أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى لأن البلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلاؤه أشد ولهذا ضوعف حد الحر على العبد فهم معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} وقال بعضهم جعل مقام المبتلى يلي مقام النبوة ولم يفصل بين [ص: 519] بلاء الأبدان وبلاء الأعراض. فيشمل كل ما يتأذى به الإنسان. قال الطيبي: وثم للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلا من الأعلى إلى الأسفل. وقوله (يبتلى الرجل) بيان للجملة الأولى والتعريف في الأمثل للجنس وفي الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية (على حسب دينه) أي بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه وضعف ذلك (فإن كان في دينه صلبا) أي قويا (اشتد بلاؤه) أي عظم للغاية (وإن كان في دينه رقة) أي ضعف ولين (ابتلي على قدر دينه) أي ببلاء هين لين والبلاء في مقابلة النعمة كما مر ومن ثم قيل لأمهات المؤمنين {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا} (فما يبرح البلاء بالعبد) أي الإنسان (حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة) كناية عن سلامته من الذنوب وخلاصه منها كأنه كان محبوسا فأطلق وخلي سبيله فهو يمشي وما عليه بأس ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لبه وعمي قلبه فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى. ألا ترى إلى ذبح نبي الله يحيى بن زكريا وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير وابن جبير وقد ضرب أبو حنيفة وحبس ومات بالسجن. وجرد مالك وضرب بالسياط وجذبت يده حتى انخلعت من كتفه. وضرب أحمد حتى أغمي عليه وقطع من لحمه وهو حي وأمر بصلب سفيان فاختفى ومات البويطي مسجونا في قيوده ونفي البخاري من بلده إلى غير ذلك مما يطول (حم خ ت هـ) وكذا النسائي (عن سعد) بن أبي وقاص وعزوه إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس قيل ولم يوجد فيه الحديث: 1054 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 1055 - (أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي) ولهذا قيل في حديث آخر: إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم. وسر ذلك قال الحراني إن من شأن الطين الذي منه البشر وما تولد منه أنه لا يخلص من الشوائب ويصفو عن الكدر إلا بعد معاناة شديدة. ألا ترى أن الذهب أصفاه وهو لا يخلص عن غش ما ولا يعرى عن مخالطة الدنس بالكلية إلا بالإمتحان بشدة النيران؟ قال القرطبي: أحب الله أن يبتلي أصفياءه تكملا لفضائلهم ورفعة لدرجاتهم عنده وليس ذلك نقصا في حقهم ولا عذابا. بل كمال رفعة مع رضاهم بجميل ما يجريه الله عليم وقال الجيلاني: إنما كان الحق يديم على أصفيائه البلايا والمحن ليكونوا دائما بقلوبهم في حضرته لا يغفلوا عنه لأنه يحبهم ويحبونه فلا يختارون الرخاء لأنه فيه بعدا عن محبوبهم وأما البلاء فقيد للنفوس يمنعها من الميل لغير المطلوب فإذا دام ذابت الأهوية وانكسرت القلوب فوجدوا الله أقرب إليهم من حبل الوريد كما قال تعالى في بعض الكتب الإلهية: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي: أي على الكشف منهم والشهود وإلا فهو عند كل عبد انكسر قلبه أم لا (تخ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي عن بعضهم رمز المصنف لحسنه الحديث: 1055 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 1056 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من؟ قال (ثم الصالحون) أي القائمون بما عليهم من حقوق الحق والخلق قالوا ثم من؟ قال (ثم الأمثل فالأمثل) قال الراغب: الأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير وأماثل القوم كناية عن خيارهم. وقال الأمثل أفعل من التماثل والجمع أماثل وهم الفضلاء قال ابن عطاء الله: خرجت زوجة القرشي من عنده وهو وحده فسمعت رجلا يكلمه ثم انقطع كلامه فدخلت عليه. فقالت ما عندك أحد والآن سمعت كلاما عندك. قال: الخضر أتاني بزيتونة من أرض نجد فقال كل هذه ففيها شفاؤك. قلت اذهب [ص: 520] أنت وزيتونتك لا حاجة لي فيها وكان به داء الجذام <تنبيه> قال ابن عربي: هنا مسألة يجب بيانها: إن الله أحب أنبياءه وأولياءه والمحب لا يؤلم محبوبه. ولا أحد أشد ألما ولا بلاء منهم فمن أين استحقوا هذا مع كونهم محبوبين؟ قلنا إن الله قال {يحبهم ويحبونه} والبلاء لا يكون أبدا إلا مع الدعوى فمن ادعى فعليه الدليل على صدق دعواه فولا الدعوى ما وقع البلاء ولما أحب الله من عباده من أحب رزقهم محبته من حيث لا يعلمون فوجدوا في نفوسهم حبه فادعوه فابتلاهم من حيث كونهم محبوبين فإنعامه دليل على صدق محبته فيهم وابتلاهم لما ادعوه من صدق حبهم إياه. فافهم. قال الطيبي: وثم فيه للتراخي والفاء للتعاقب على التوالي كما سبق وإنما ألحق الصالحون بالأنبياء لقربهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم وسره أن البلاء في مقابل النعمة فمن كانت نعمة الله عليهم أكثر كان بلاؤهم عليه أشد ومن ثم ضوعف حد الحر على العبد وفيه دليل على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف يرفق به لكن كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان البلاء ومنهم من ينظر إلى أهل البلاء فيهون عليه وأعلى منه من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض وأرفع منه من يشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يلتذ به (طب عن أخت حذيفة) بن اليماني فاطمة أو خولة رمز المصنف لحسنه الحديث: 1056 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 1057 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من يا رسول الله؟ قال (ثم الصالحون) لأن أعظم البلاء سلب المحبوب وحمل المكروه والمحبوبات مسكون إليها ومن أحب شيئا شغل به والمكروه مهروب منه ومن هرب من شيء أدبر عنه والأمثلون أحباء الله فيسلبهم محبوبهم في العاجل ليرفع درجتهم في الأجل (لقد) بلام التأكيد (كان أحدهم يبتلى بالفقر) الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم المرافق (حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها) بجيم وواو فموحدة: أي يخرقها ويقطعها وكل شيء قطع وسطه فهو مجبوب (فيلبسها) ومع ذلك يرى أن ذا من أعظم النعم عليه علما منه بأن المال ظل زائل وعارية مسترجعة وليس في كثرته فضيلة ولو كان فيه فضيلة لخص الله به من اصطفاه لرسالته واجتباه لوحيه وقد كان أكثر الأنبياء مع ما خصهم به من كرامته وفضلهم على سائر خلقه فقراء لا يجدون بلغة ولا يقدرون على شيء حتى صاروا في الفقر مثلا. قال البحتري: فقر كفقر الأنبياء وغربة. . . وصبابة ليس البلاء بواحد (ويبتلى بالقمل) فيأكل من بدنه (حتى يقتله) حقيقة أو مبالغة عن شدة الضنا ومزيد النحول والأذى (ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء) لأن المعرفة كلما قويت بالمبتلى هان عليه البلاء وكلما نظر إلى الأجر الناشىء عنه سهل فلا يسألون رفعة بل يحصل الترقي لبعضهم حتى يتلذذ بالضراء فوق تلذذ أحدنا بالسراء ويعد عدمه مصيبة. وفي تاريخ ابن عساكر: سبب قطع العارف أبي الخير المغربي الأقطع أنه عاهد الله أن لا يتناول لشهوة نفسه شيئا يشتهى فرأى يوما كمام شجرة زعرور فأعجبته فقطع غصنا فذكر عهده فترك فرآه صاحب الشرطة فظنه لصا فقطعه فكان يقول قطعت عضوا فقطعت مني عضوا (هـ ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 1057 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 1058 - (أشد الناس حسرة) أي تلهفا (يوم القيامة: رجل أمكنه طلب العلم) الشرعي (فلم يطلبه) لما يراه من عظم إفضال الله على العلماء العاملين ومزيد رفعه لدرجاتهم ولأن المصالح قسمان: روحانية وجسمانية وأشرف المصالح [ص: 521] الروحانية العلم الذي هو غذاء للروح كالغذاء للبدن وأشرف المصالح الجسمانية تعديل المزاج وتسوية البنية فإذا انكشف له الغطاء بالخروج من هذا العالم اشتدت ندامته وتضاعفت حسرته حيث آثر تعديل الفاني وأهمل معاناة النافع الباقي قال الماوردي: ربما امتنع من طلب العلم لتعذر المادة وشغله بالاكتساب ولا يكون ذلك إلا لذي شره رغيب وشهوة مستعبدة. فينبغي أن يصرف للعلم حظا من زمانه فليس كل الزمن زمن اكتساب ولا بد للمكتسب من أوقات راحة وأيام عطلة ومن صرف كل نفس منه إلى الكسب حتى لم يترك له فراغا لغيره فهو من عبيد الدنيا وأسراء الحرص وربما منعه من العلم ما يظنه من صعوبته وبعد غايته ومخافة من قلة ذهنه وبعد فطنته. وهذا الظن اعتذار ذوي النقص وخشية أولي العجز. لأن الإخبار قبل الاختبار جهل. والخشية قبل الابتلاء عجز (ورجل علم علما فانتفع به من سمعه منه دونه) لكون من سمعه عمل به ففاز بسببه وهلك هو بعدم العمل به. والحديث ناع على من أمكنه التعلم فتركه تقصيرا وإهمالا ومن علم ولم يعمل أو وعظ ولم يتعظ فمن سوء صنيعه وخبث نفسه وإن فعل فعل الجاهل بالشرع والأحمق الخالي عن العقل <تنبيه> خرج بكونه أمكنه طلب العلم: ما إذا لم يمكنه لنحو بلادة خلقية فإنه معذور ولهذا قال حكيم: صقلك سيفا ليس له جوهر من سنخه خطأ وحملك الصعب المشق على الرياضة غباوة. قال أبو تمام: السيف ما لم يكن منه مصاقلة. . . من سنخه لم ينتفع بصقالي (ابن عساكر عن أنس) بن مالك وقال إنه منكر الحديث: 1058 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 1059 - (أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم) بالتحريك (مع الساعة) أي مع قيامها ولذلك حذر منهم وأمر بمتاركتهم في الحديث الماضي بقوله اتركوا الترك ما تركوكم ثم هذا إخبار عن غيب وقع ولما يرى من إذلال الروم للعرب واستيلائهم على الربع المعمور وهذا علم من أعلام نبوته وهو غلبة الروم على أقطار الأرض شرقا وغربا ما بين مسلم وكافر والخطاب للعرب خاصة أو لجميع أمة الاجابة والأول أقرب (حم عن المستورد) ابن شداد بن عمرو القرشي الصحابي ترك الكوفة ثم مصر. رمز المصنف لحسنه الحديث: 1059 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 1060 - (أشد أمتي لي حبا) تمييز لنسبة أشد (قوم يكونون بعدي يود أحدهم) بيان لشدة حبهم له على طريق الاستئناف (أنه فقد أهله وماله وأنه رآني) حكاية لودادهم مع إفادة معنى التمني وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب. وقد وقع والكلام فيمن لم يتأهل لرتبة الاجتماع به صلى الله عليه وسلم وقد وقع لكثير من عظماء الصوفية أنه ارتقى إلى دوام مشاهدته قال العارف المرسي: والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين وقال له رجل ياسيدي صافحني فقد لقيت عبادا وبلادا فلما خرج قال ما الذي أراد بعبادا وبلادا قالوا يريد أنك صافحت عبادا وسلكت بلادا اكتسبت بركاتها وإذا صافحته حصل له منك بركة فضحك الشيخ وقال والله ما صافحت بهذه اليد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (حم) من حديث رجل من بني أسد (عن أبي ذر) قال الهيتمي ولم يسم التابعي وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 1060 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 1061 - (أشد الحرب النساء) أي أشد الجهاد مكابدة عشرة النساء اللاتي لا يستغنى عنهن لأنهن ضعيفات الأبدان بذيئات اللسان عظيمات الكيد والفتن فإذا خادعهن الرجل والحرب خدعة وصبر على حيلهن وخفي مكرهن كان أشد من [ص: 522] ملاقاة الأبطال ومقاساة قتال الرجال {إن كيدكن عظيم} وهذا التقرير بناء على أن الرواية حرب براء مهملة وباء موحدة وهو ما وقع لكثير وهو الذي في مسودة المصنف بخطه والذي رأيته في عدة نسخ من تاريخ الخطيب وجرى عليه ابن الجوزي وغيره بزاي معجمة ونون قال ابن الجوزي يعني أشد الحزن حزن النساء. اه. وأنت إذا تأملت السياق ونظم الكلام وتناسبه ترى أن هذا أقعد وهذا كله بناء على أن النساء بكسر النون وأن المراد إناث بني آدم ولكن رأيت في أصل صحيح مقروء على عدة من المحدثين ومن تاريخ بغداد أنه بفتح النون وعليه فيكون المراد أشد الحزن الحزن المتأخر وهو ما بعد الموت (وأبعد اللقاء) بكسر اللام (الموت) لأن طول الأمل وغلبته على الجبلة الإنسانية يبعد عن لقاء الموت ويمنيه طول الحياة بل ينسيه ذكر الموت رأسا في كثير من الأحيان (وأشد منهما الحاجة إلى الناس) لما في السؤال من الهوان إلى الذل وأعظم منه رده بلا إجابة فهو البلاء العظيم الذي لا يصبر عليه إلا البهيم (خط) في ترجمة مكي الزنجاني (عن أنس) بن مالك وفيه عبد الله بن ضرار. قال الذهبي وغيره قال يحيى ليس بشيء لا هو ولا أبوه ولا يكتب حديثهما ويزيد الرقاشي متروك ومن ثم قال ابن الجوزي وغيره حديث لا يصح الحديث: 1061 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 1062 - (أشدكم من غلب نفسه) أي ملكها أو قهرها وفي نسخة على نفسه ولا وجود للفظة على في خط المؤلف (عند الغضب) بأن لم يمكنها من العمل بغضبه بل يجاهدها على ترك تنفيذه وذلك صعب في أوله فإذا تمرنت النفس عليه وتعودته سهل (وأحملكم من عفى بعد القدرة) أي أثبتكم عقلا وأرحجكم أناة ونبلا من عفى عمن جنى عليه بعد ظفره به وتمكنه من معاقبته ومن الأدوية النافعة في ذلك تأمل ما ورد في كظم الغيظ والحلم من الآيات القرآنية والأخبار النبوية ومن ثم لما غضب عمر على من قال له ما تقضي بالحق فاحمر وجهه قيل له يا أمير المؤمنين ألم تسمع الله يقول {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وهذا من الجاهلين؟ فقال صدقت فكأنما كان نارا فأطفئت (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في ذم الغضب) وكذا الديلمي والشيرازي في الألقاب (عن علي) أمير المؤمنين قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرفعون حجرا فقال ما هذا؟ قالوا حجر الأشداء فقال ذلك قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف وللبيهقي في الشعب الشطر الأول مرسلا بسند جيد الحديث: 1062 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 1063 - (أشراف أمتي حملة القرآن) أي حفاظه الحاملون له في صدورهم العاملون بمقتضاه وإلا كان في زمرة من قال تعالى في حقه {كمثل الحمار يحمل أسفارا} (وأصحاب الليل) أي اللذين يحيونه بنوع أو أنواع من العبادة كالصلاة والذكر والقرآن والاستغفار والتضرع والابتهال والدعاء لأن هذا مناجاة لله تقدس وتعالى ولا شرف كهذا الشرف. قال الطيبي: إضافة الأصحاب إلى الليل لكثرة مباشرة القيام والصلاة فيه كما يقال ابن السبيل لمن يواظب على السلوك فيه <تنبيه> عدوا من خصائص أل المصطفى صلى الله عليه وسلم إطلاق الأشراف عليهم والواحد شريف قال المؤلف في الخصائص: وهم - يعني الأشراف. ولد علي وعقيل وجعفر والعباس كذا مصطلح السلف وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين في مصر خاصة من عهد الخلفاء الفاطميين. أه (طب هب) وكذا الخطيب والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه سعد بن سعيد الجرجاني ضعيف. اه. وأورده في اللسان كأصله في ترجمة سعد هذا وقال قال البخاري لا يصح حديثه هذا الحديث: 1063 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 1064 - (أشربوا) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء (أعينكم من الماء) يعني اعطوها حظها منه بأن توصلوا [ص: 523] الماء إلى جميع ظاهرها مع تعهد مؤخرها ومقدمها (عند الوضوء) أي عند غسل الواجب فيه والمراد الاحتياط في غسلها لئلا يكون بالموق رمص أو نحوه فيمنع وصول الماء. لكن لا يبالغ في ذلك حتى يدخل الماء في باطنها فإنه يورث العمى (ولا تنفضوا أيديكم) من ماء الوضوء (فإنها) أي الأيدي يعني هيئة نفضها بعد غسلها (مراوح الشيطان) أي تشبه مراوحه التي يروح بها على نفسه جمع مروحة وهي بالكسر كما في الصحاح ونحوه ما يروح بها تقول روح عليه بالمروحة وتروح بنفسه وقعد بالمروحة وهو مهب الريح ومقصود التشبيه استقباح النفض والتنفير عن فعله والحث على تركه ومن ثم ذهب إلى كراهة النفض في الوضوء والغسل الإمام الرافعي من الشافعية ووجهه بأنه كالتبرى من العبادة لكن ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعله. وروى الشيخان عن ميمونة أنها أتته بعد غسله بمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده ولذلك صحح النووي في روضته ومجموعه أنه مباح فعله وتركه سواء وضعف الخبر المشروح لكن المفتي به ما في تحقيقه ومنهاجه كأصله من أن تركه سنة وفعله خلاف الأولى (ع عد) من حديث البحتري بن عبيد عن أبيه (عن أبي هريرة) والبحتري ضعفه أبو حاتم وتركه غيره وقال ابن عدي روى عن أبيه قدر عشرين حديثا عامتها مناكير هذا منها. أه. ومن ثم قال العراقي سنده ضعيف. قال النووي كابن الصلاح لم نجد له أصلا الحديث: 1064 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 1065 - (أشرف المجالس) أي الجلسات التي يجلسها الإنسان لفعل نحو عبادة ويحتمل إرادة المجالس نفسها (ما استقبل به القبلة) أي الذي يستقبل الإنسان فيه الكعبة بأن يصير وجهه ومقدم بدنه تجاهها فاستقبال القبلة مطلقا مطلوب لكنه في الصلاة واجب وخارجها مندوب. قال الحليمي: وإذا ندب استقبال القبلة في كل مجلس فاستقبالها حال الدعاء أحق وآكد. قال العراقي: الجهات الأربع قد خص منها جهة القبلة بالتشريف فالعدل أن يستقبل في الذكر والعبادة والوضوء وأن ينحرف عنها حال قضاء قضاء الحاجة وكشف العورة إظهارا لفضل ما ظهر فضله (طب عن ابن عباس) وسنده ضعيف. قال النووي كابن الصلاح لم نجد له أصلا الحديث: 1065 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 1066 - (أشرف الإيمان) أي من أرفع خصال الإيمان وكذا يقال فيما بعده (أن يأمنك الناس) أي يأمن منك الناس المعصومون على دمائهم وأموالهم ونسائهم وأعراضهم فلا تتعرض لهم بمكروه يخالف الشرع وكل المسلم على المسلم حرام (وأشراف الإسلام أن يسلم الناس من لسانك) فلا تطلقه بما يضرهم (ويدك) فلا تبسطهما بما يؤذيهم (وأشرف الهجرة أن تهجر السيئات) أي تترك فعلها لأن ذلك هو الجهاد الأكبر فإذا جاهد المكلف نفسه وأذلها وأكرهها على ترك ما ركز فيها وجبلت عليه من إتيان المعاصي حتى انقادت ومرنها على ذلك حتى اطمأنت وصارت بعد ما كانت أمارة مطمئنة تاركة باختيارها للسيئات داعية إلى لزوم الطاعات فقد حصل على رتبة هي أشرف من الهجرة الظاهرة التي هي الانتقال من دار الكفر إلى دار السلام (وأشرف الجهاد أن تقتل وتعقر فرسك) في سبيل الله: أي تعرضه بالمبالغة في القتال عليه لأن يجرحه العدو عدة جرحات وتضرب قوائمه السيوف. ففي الصحاح عقره: جرحه وعقر الفرس بالسيف فانعقر: أي ضرب قوائمه فهو عقير. وفي المصباح عقره جرحه وعقر البعير بالسيف عقرا ضرب قوائمه. ولا يطلق العقر في غير القوائم وربما قيل عقره إذا نحره (طص) وكذا أبو نعيم [ص: 524] والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال الطبراني تفرد به منبه عن أنس (ورواه ابن النجار في تاريخه) تاريخ بغداد عن ابن عمر أيضا (وزاد) في روايته على ما ذكر (وأشرف الزهد أن يسكن قلبك على ما رزقت) أي لا يضطرب ولا يتحرك لطلب الزيادة لعلمه بأن حصول ما فوق ذلك من المحال (وأن أشرف ما تسأل من الله عز وجل العافية في الدين والدنيا) فإن ذلك قد انتهت إليه الأماني وهذا الحديث أصلا وزيادة ضعيف: وسببه أن فيه عند الطبراني ومن على قدمه صدقة بن عبد الله السمين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أحمد والبخاري ضعيف جدا عن الوضين ابن عطاء. قال أبو حاتم يعرف وينكر الحديث: 1066 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 1067 - (أشعر كلمة) أي قطعة من الكلام من تسمية الشيء باسم جزئه اتساعا (تكلمت بها العرب) وفي رواية أصدق كلمة قالها شاعر وفي أخرى أصدق بيت قاله الشاعر وفي أخرى أصدق بيت قالته الشعراء وفي أخرى أصدق كلمة قالتها العرب (كلمة لبيد) بن ربيعة بن عامر الصحابي المشهور كان شريفا في الجاهلية والإسلام. قالوا يا رسول الله وما كلمته؟ قال (ألا) كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها ويقال حرف افتتاح غير مركب (كل) المشهور أنه لا يخلو استعماله عن الإضافة لفظا فإن لم يكن اللفظ فهو مضاف في المعنى وهو هنا مبتدأ وخبره قوله الآتي باطل (شيء) اسم للموجود ولا يقال للمعدوم شيء (ما خلا) كلمة يستثنى وينصب ويجر بها فإن نصبت فهي فعل أو جرت فحرف لكن إن تقدمها ما المصدرية فناصبة كما هنا (الله) أي ما عدا ذاته وصفاته الذاتية والفعلية من رحمته وعذابه وغيرهما وهو منصوب بخلا (باطل) أي فإن أو غير ثابت أو خارج عن حد الانتفاع أو آيل إلى البطلان أو كان باطلا لكونه ين العدمين مشكل بصفات الباري لأن بقاءها معلوم من ذكر الذات لكونها غير قابلة للانفكاك وهذا قريب من قوله سبحانه {كل شيء هالك إلا وجهه} وإنما كان ذلك أصدق كلمة لتطابق العقل والنقل على حقيقتها والشهادة بها. قال في الكشاف: والشعر كلام مقفى موزون يدل على معنى. أه. وقد قدم الإجماع على حل قوله الشعر إذا قل وخلا عن هجو وكذب وإغراق في مدح وتغزل فيما لا يحل. وهذا البيت من قصيدة مدح بها النعمان أولها: ألا تسألن المرء ماذا يحاول. . . أنحب فيقضى أم ضلال وباطل نعيمك في الدنيا غرور وحسرة. . . وعيشك في الدنيا محال وباطل أرى الناس لا يدرون ما قد رماهم. . . بلى كل ذي روح إلى الله واصل ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . . وكل نعيم لا محالة زائل وروى السلفي في مشيخته البغدادية عن يعلى بن جراد قال أنشد لبيد النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فقال صدقت فقال: وكل نعيم لا محالة زائل فقال كذبت فنعيم الآخرة لا يزول. وبقية الحديث عند مخرجه الترمذي وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم أي لكنه لم يوفق بالإسلام مع قرب مشربه (م ت عن أبي هريرة) الحديث: 1067 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 1068 - (اشفع) بهمزة وصل مكسورة فمعجمة ساكنة ففاء مفتوحة فعين مهملة والأمر للندب (الأذان) أي ائت بمعظمه مثنى إذ التكبير في أوله أربع والتهليل في آخره فرد والشفع ضد الوتر يقال شفعت الشيء شفعا ضممته إلى الفرد وشفعت الركعة جعلتها ثنتين والخطاب لبلال لكن الحكم عام (وأوتر) بقطع الهمزة (الإقامة) بكسرها: [ص: 525] أي ائت بمعظم في ألفاظها مفردا إذ التنكير في أولها اثنتان ولفظ الإقامة في أثنائها كذلك وكرر لفظها لأنه المقصود فيها وأما التكبير فتثنيته صورية وهو مفرد حكما ولذا ندب أن يقال اللفظان بنفس واحد وإنما ثنى الأذان لأنه لإعلام الغائبين وأفردت لكونها للحاضرين وبهذا الحديث أخذ الشافعي كالجمهور وفيه خلاف لما ذهب إليه الحنفية من أن الإقامة كالأذان (خط عن أنس) بن مالك (قط في) كتاب (الأفراد عن جابر) ابن عبد الله رمز المصنف لحسنه وله شواهد كثيرة الحديث: 1068 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 1069 - (اشفعوا) أمر من الشفاعة وهي الطلب والسؤال بوسيلة أو ذمام (تؤجروا) أي يثيبكم الله على الشفاعة وإن لم تقبل والكلام فيما لا حد فيه من حدود الله لورود النهي عن الشفاعة في الحدود. قال القرطبي: وقوله تؤجروا بالجزم جواب الأمر المتضمن لمعنى الشرط وفيه الحث على الخير بالفعل وبالتسبب. قال في الأذكار: يستحب الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من ذي الحقوق ما لم تكن في حد أو في أمر لا يجوز تركه كالشفاعة إلى ناظر طفل أو مجنون أو وقف في ترك بعض حق من في ولايته فهذه شفاعة محرمة (ابن عساكر) في تاريخه (عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الخرائطي وغيره وإسناده ضعيف لكن يجبره قوله: الحديث: 1069 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 1070 - (اشفعوا) أي ليشفع بعضكم في بعض (تؤجروا) أي يثبكم الله تعالى (ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء) وفي رواية ما أحب: أي يظهر الله تعالى على لسان رسوله بوحي أو إلهام ما قدره في علمه أنه سيكون من إعطاء وحرمان أو يجري الله على لسانه ما شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها فإذا عرض صاحب حاجة حاجته علي فاشفعوا له يحصل لكم أجر الشفاعة أي ثوابها وإن لم تقبل فإن قضيت حاجة من شفعتم له فبتقدير الله وإن لم تقض فبتقدير الله. وهذا من مكارم أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم ليصلوا جناح السائل وطالب الحاجة وهو تخلق بأخلاقه تعالى حيث يقول لنبيه: اشفع تشفع وإذا أمر بالشفاعة عنده مع استغنائه عنها لأن عنده شافعا من نفسه وباعثا من وجوده فالشفاعة عند غيره ممن يحتاج إلى تحريك داعية الخير أولى ففيه حث على الشفاعة ودلالة على عظيم ثوابها والأمر للندب وربما يعرض له ما يصير الشفاعة واجبة (ق) في الزكاة (3) كلهم في الأدب (عن أبي موسى) الأشعري قال كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فذكره وفي رواية كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة ذكره ولفظ رواية مسلم: اشفعوا فلتؤجروا وليقضي الله إلخ الحديث: 1070 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 1071 - (أشقى الأشقياء) أي أسوأهم عاقبة (من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) لكونه مقلا في الدنيا وعادما للمال وهو مع ذلك كافر أو مصر على الكبائر حتى لقي ربه ولم يعف عنه فلا هو على لذة الدنيا حصل ولا هو إلى ما يوصله إلى النعيم السرمدي فعل ولا ينافيه قوله في الحديث الآتي: الدنيا جنة الكافر لأن معناه كما يأتي أنه بالنسبة لما أعد له من العذاب في الآخرة كأنه في الدنيا في الجنة والقصد التحذير. قال بعض الصوفيه: إذا ابتلي عبد بالفقر ولم يمن الله عليه بالصبر وابتهل وتضرع فلم يكشف عنه فربما وقع في السخط فانقطع عنه مدد إيمانه باعتراضه على المقدور فمات ساخطا على تقديره عليه فيكون من أشد الناس عذابا في الدارين (طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيتمي رواه بإسنادين في أحدهما خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات وفي الآخر أحمد بن طاهر بن حرملة وهو كذاب. أه. ومن العجب العجاب أنه رمز لصحته لكن الحديث كله مضروب عليه في مسودة المصنف الحديث: 1071 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 [ص: 526] 1072 - (أشقى الناس) أي أشدهم عذابا ولفظ رواية الطبراني أشقى الناس ثلاثة (عاقر ناقة ثمود) أي قاتلها وهو قدار بن سالف (وابن آدم) لصلبه وهو قابيل (الذي قتل أخاه) هابيل كان آدم أراد أن يزوج ليود التي ولدت مع هابيل لقابيل فأبى قابيل لكون اقليما أجمل وزعم أنه أحق بها لأن حواء حملته في الجنة فولدته في الأرض فقال آدم من قبل قربانه فاقليما له تقربا فأكلت النار قربان هابيل فحسده أخوه فقتله فباء بإثم عظيم بحيث إنه (ما سفك) أي أريق (على الأرض) بعد ذلك (من دم) بالقتل ظلما (إلا لحقه منه) أي من إثمه نصيب ففي الكلام حذف وعلل ذلك بقوله (لأنه أول من سن القتل) أي جعله طريقة متبعة وسيرة سيئة ولم يقتل قبله أحد أحدا كما أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة هكذا جاء في عدة أخبار. وفي خبر آخر: ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل والسفك والسبك والسفح والسن والشن أنواع من الصب كما ذكره الإخوان. قال الحافظ الهيتمي سقط من الأصل الثالث والظاهر أنه قاتل علي كرم الله وجهه كما ورد في خبر رواه الطبراني أيضا. أه. وأقول يجوز أن يكون طوى ذكره دلالة على شهرته بينهم ونحوه في الطى قول جرير كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم. . . من العبيد وثلث من مواليها والمراد أن هؤلاء الثلاثة من الأشقى بل قد يكون غيرهم أشقى كمن قتل نبيا (طب ك حل عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي وغيره فيه ابن إسحاق مدلس وحكيم بين جبير وهو متروك الحديث: 1072 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 1073 - (أشكر الناس لله) تعالى أي من أكثرهم شكرا له (أشكرهم للناس) لأنه سبحانه جعل للنعم وسائط منهم وأوجب شكر من جعله سببا لإفاضتها كالأنبياء والصحابة والعلماء فزيادة العبد في شكرهم زيادة في شكر ربه إذ هو المنعم بالحقيقة فشكرهم شكره ونعم الله منها بغير واسطة كأصل خلقته ومنها بواسطة وهي ما على أيدي الناس فتتقيد بشكرهم ومكافأتهم فإذا شكر الوسائط ففي الحقيقة قد شكر المنعم بإيجاد أصل النعمة ثم بتسخير الوسائط <فائدة> قال بعض العارفين: لو علم الشيطان أن طريقا توصل إلى الله أفضل من الشكر لوقف فيها. ألا تراه قال {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} ولم يقل لا تجد أكثرهم صابرين أو نحوه؟ (حم طب هب والضياء) المقدسي (عن الأشعث بن قيس) بن معد يكرب أبي محمد الكندي أحد الأشراف له رؤية ورواية وهو أول من مشى معه الرجال. وفيه محمد بن طلحة. قال الذهبي في الضعفاء مختلف فيه وقال النسائي ليس بقوي وعبد الله بن شريك وفيه خلف (طب هب عن أسامة بن زيد) وفيه عندهما أبو نعيم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني وغيره. أه. وبه أعل الهيتمي خبر الطبراني (عد عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته ولعله من الصحيح لغيره الحديث: 1073 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 1074 - (أشهد بالله وأشهد لله (قوله أشهد بفتح الهمزة مضارع: أي أشهد والله فهو قسم وقوله أشهد لله أي لأجله. اه.) لقد قال لي جبريل يا محمد إن مدمن الخمر) أي الملازم لها المداوم على شربها (كعابد وثن) [ص: 527] أي إن استحل والوثن ما له جثة كصورة الآدمي. قال الغزالي: قيل إن تلميذا للفضيل احتضر فجلس عند رأسه وقرأ يس. فقال يا أستاذ لا تقرأ هذه فسكت ثم لقنه الشهادة فقال لا أقولها لأني منها بريء ومات فرآه الفضيل في النوم وهو يسحب إلى النار. فقال بأي شيء هذا وكنت أعلم تلامذتي فقال بثلاثة أشياء: أولها النميمة والثاني الحسد والثالث كان بي علة فوصف لي الطبيب قدحا من خمر كل سنة فكنت أشربه. نعوذ بالله من سخطه (الشيرازي في الألقاب) والرافعي (وأبو نعيم في مسلسلاته) وكذا رواه عنه الرافعي وغيره (وقال صحيح ثابت) من طرق كثيرة بألفاظ متغايرة (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 1074 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 1075 - (أشهدوا) بفتح الهمزة وكسر الهاء بضبط المصنف (هذا الحجر) بفتحات: أي اجعلوا الحجر الأسود شهيدا لكم على خير: أي عمل صالح تفعلونه عنده كتقبيل واستلام له أو دعاء أو ذكر (فإنه يوم القيامة شافع) فيمن أشهده خيرا (مشفع) أي مقبول الشفاعة فيه (له لسان) ناطق (وشفتان يشهد لمن استلمه) أي لمسه: إما بالقبلة أو باليد: قال ابن السكيت: همزته العرب على غير قياس فقالوا استلأمت الحجر والأصل استلمت لأنه من السلام وهي الحجارة. وقال ابن الاعرابي الاستلام أصله مهموز من الملأمة وهي الاجتماع. وحكى الجوهري القولين فأفاد الحديث ندب استلام الحجر وتأكده ومن ثم قالت الشافعية يندب للطائف أن يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ويقبله بلا ظهور صوت ويضع جبهته عليه ويفعل كلا من ذلك في كل طوفة فإن كثرت الزحمة استلمه بيده ثم قبلها فإن عجز وضع عليه نحو عود ثم قبل طرفه فإن عجز أشار إليه بيده أو بشيء فيها ثم يقبل ذلك ولا يسن تقبيل غيره من البيت ولا استلامه فإن فعله فحسن غير أنا نؤمر بالاتباع (طب عن عائشة) وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه الوليد بن عباد وهو مجهول وبقية رجاله ثقات. أه. فرمز المؤلف لحسنه لعله لاعتضاده الحديث: 1075 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 1076 - (أشيدوا النكاح) أي أعلموه وأشهروا أمره ندبا وسببه أن حبار بن الأسود زوج بنته فكان عنده كبر وغرابيل فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا؟ فقيل زواج حبار فذكره ثم قال هذا لنكاح لا لسفاح. أه. فهذا الحديث سقط من قلم المؤلف وقد ذكره في الكبير (طب عن السائب) بالمهملة وبالتحتية وبالموحدة (ابن يزيد) من الزيادة ابن سعيد بن ثمامة الكندي رمز المصنف لحسنه الحديث: 1076 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 1077 - (أشيدوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة من الإشادة وهي رفع الصوت بالشيء (النكاح وأعلنوه) أظهروه والنكاح في هذا الخبر وما قبله متعين للعقد ولا مجال لجريان أصل الخلاف هنا في كونه حقيقة في العقد مجازا في الوطء أو عكسه. كذا قرره وذلك أن تقول لو تباعد ما بين العقد والدخول كما هو عادة أكثر الناس ووقعت الوليمة ليلته كما هو عادة الناس فالاشارة إما تقع للدخول وهذا نهي عن نكاح السر. واختلف في كيفيته فقال الشافعي كل نكاح حضره رجلان عدلان. وقال أبو حنيفة رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن تواصوا بكتمانه فالإشارة والإعلان المأمور به عندهم هو الإشهاد وقالت المالكية نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على كتمانه وهو باطل. فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الاشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد [ص: 528] بالإشادة والاعلان إذاعته وإشاعته بين الناس وأن الأمر ندب (الحسن بن سفيان) في جزئه (طب عن هبار بن الأسود) القرشي الأسدي أسلم في الفتح وحسن إسلامه وهو الذي نخس راحلة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسقطت ولم تزل عليلة وكان يسب فتأذى بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سب من يسبك فكفوا عنه قال البغوي هذا حديث لا أصل له وفيه علي بن قريش كذاب وتعقبه بعضهم بتعدد طرقه الحديث: 1077 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 1078 - (أصابتكم) أي جاءتكم (فتنة الضراء) بالمد وهي الحالة التي تضر. قال الطيبي: الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من الشدة والرخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا (فصبرتم) عليها: أي اختبرتم بالفقر والشدة والعدم فصبرتم (وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء) بالمد إقبال الدنيا والسعة والراحة فإنها أشد من فتنة الضراء والصبر عليها أشق لأنه مقرون بالقدرة ومن العصمة أن لا تجد ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والأهل: معنى الصبر عليها ألا يركن إليها ويعلم أن كل ذلك مستودع عنده ولا ينهمك في التوسع ويرعى حق الحق فيها: وأعظم الفتن الافتتان بالنساء ومن ثم قصر التحذير في هذا المقام عليهن اهتماما به فقال (من قبل) بكسر ففتح (النساء) أي من جهتها وذلك (إذا تسورن الذهب) أي لبسن الأساور من ذهب (ولبسن ربط الشام) جمع ربطة براء مفتوحة كل ثوب لين رقيق أو كل ملاءة لبست بلفقين (وعصب اليمن) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين برود يمنية يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض أو هي برود مخططة (وأتعبن) كذا بخط المؤلف فما في نسخ من أنه بتقديم الموحدة على العين تحريف (الغنى) بكثرة السؤال له في اتخاذ الحلي والحلل (وكلفن الفقير ما لا يجد) أي حملنه على تحصيل ما ليس عنده من الدنيا فيضطر إلى التساهل في الاكتساب ويتجاوز الحلال إلى الحرام ثم يألفه بعد ذلك فيقع في المهالك (قط) في ترجمة محمد ابن قيس البغدادي (عن معاذ بن جبل) وفيه عبد الله بن محمد بن اليسع الأنطاكي. قال الذهبي ضعفوه وتقوية بعضهم له بكلام لبعض الصحابة ذلك إذ لا يصلح لتقوية المرفوع إلا مرفوعا مثله الحديث: 1078 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 1079 - (أصب) بصاد مهملة وموحدة وفي رواية أضف بمعجمة وفاء (بطعامك) أي اقصد به إطعامه والصواب كالإصابة القصد والإرادة كما في الصحاح وغيره والطعام كل ما يساغ حتى الماء (من تحب في الله) فإن إطعامه آكد من إطعام غيره فلا تعارض إطعام الطعام لكل أحد من بر وفاجر وصديق وعدو من تبغضه ويبغضك لأنه بر للنفس يطفئ حرارة الحقد والحسد وينفي مكامن الغل (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان) أي في كتاب زيارة الإخوان في الله (عن الضحاك) بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير الإرسال (مرسلا) ورواه عنه أيضا ابن المبارك لكن بلفظ: أصب بطعامك من يحبك في الله الحديث: 1079 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 1080 - (أصحاب البدع) بكسر ففتح جمع بدعة: أي أهل الأهواء (كلاب النار) أي أنهم يتعاوون فيها عواء الكلاب أو أنهم أخس أهلها وأحقرهم كما أن الكلاب أخس الحيوانات وأحقرها فالمبتدعة أعظم جرما من الفساق وأشد ضررا ففتنة المبتدع في أصل الدين وفتنة المذنب في الشهوات والمبتدع قصد للناس على الصراط المستقيم يصد عنه والمذنب [ص: 529] ليس كذلك والمبتدع قادح في أوصاف الرب وكماله والمذنب ليس كذلك والمبتدع مناقض لما جاء به الرسول والعاصي ليس كذلك والمبتدع يقطع على الناس طريق الآخرة. والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه. والمراد بأهل البدع هنا: الذين نكفرهم ببدعتهم. ولا مانع من إرادة من لا يكفر بها أيضا إذ ليس في الخبر إلا أنهم في النار على وجه الحسرة والوبال والهوان وسوء الحال وليس فيه تعرض لخلود ولا عدمه. وأنشد جمال الدين والأئمة أبو المظفر السمعاني: يا طالب العلم صادم كل بطال. . . وكل غاو إلى الأهواء ميال. . . واعمل لعلمك سرا أو علانية ينفعك يوما على حال من الحال. . . خذ ما أتاك من الأخبار من أثر. . . شبها بشبه وأمثالا بأمثال ولا تميلن يا هذا إلى بدع. . . تضل أصحابها بالقيل والقال. . . ألا فكن أثريا خالصا فهما تعش حميدا ودع آراء ضلال (أبو حاتم) محمد بن عبد الواحد بن زكريا (الخزاعي في جزئه) المشهور (عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 1080 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 1081 - (أصدق كلمة) بفتح فكسر أفصح من كسر فسكون: أي قطعة من الكلام. قال الزمخشري: المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض. وقال ابن حجر: المراد بالكلمة القصيدة وقد أطلقها وأراد البيت (قالها الشاعر) وفي رواية لمسلم: شاعر وفي رواية للبخاري أصدق بيت. قال ابن حجر: أطلق البيت على بعضه مجازا فإن الذي ذكره نصفه (كلمة لبيد) وفي نسخ قالها شاعر وهو خلاف ما في خط المصنف (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى {كل من عليها فان} ولا ريب أن هذه الكلمة أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر مقدمتها كلية مقطوع بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء قطعا إلا ما مر استثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه وثوابه. وفيه جواز الشعر وإنشاده ما لم يخل بأمر ديني أو يزيل الوقار أو يحصل منه إطراء أو إكثار وأما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم للشاعر الذي عرض له بالعرج خذوا وأمسكوا الشيطان فلعله علم من حاله أنه اتخذ الشعر حرفة فيفرط في المدح إذا أعطي وفي الذم إذا منع فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم. قال الراغب: الشعر معروف ومنه استعير شعرت بكذا: أي علمت علما في الدقة كإصابة الشعر وسمي الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق من قولهم: ليت شعري فصار في التعارف اسما للموزون المقفى (ق هـ عن أبي هريرة) زاد مسلم في إحدى رواياته عقب قوله باطل وكاد أمية بن الصلت أن يسلم ورواه عنه أيضا الترمذي الحديث: 1081 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 1082 - (أصدق الحديث ما عطس) بالبناء للمفعول وليس المراد بالفاعل المحدث فحسب بل الإنسان. وقصره على ذلك لا دليل عليه ولا ملجئ وجعله مبنيا للمفعول فيه أن نائب الفاعل لا يكون ظرفا (عنده) لأن العطسة تنفس الروح وتحببه إلى الله لأنها من الملكوت. فإذا تحرك العاطس عند حديث فهو شاهد على صدقه وحقيقته والمتبادر من كونه عنده مقارنته للنطق إن كان العاطس غير المحدث فإن كان هو فالمراد عروضه في أثناء النطق. ويحتمل أن المراد بالعندية ما يشمل القبلية والبعدية مع الاتصال (طس) وكذا أبو يعلى والحكيم الترمذي (عن أنس) رمز المصنف لحسنه لكن قال في النكت البديعات أصله لين وقال الهيتمي رواه يعني الطبراني عن شيخه جعفر بن محمد بن ماجد ولم أعرفه وعمارة بن زاذان وثقه أبو زرعة وجماعة وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. أه. وفي فتاوى النووي أن له أصلا أصيلا الحديث: 1082 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 [ص: 530] 1083 - (أصدق الرؤيا) الواقعة في المنام (بالأسحار) أي ما رآه في الأسحار لفضل الوقت بانتشار الرحمة فيه ولراحة القلب والبدن بالنوم وخروجها عن تعب الخواطر وتواتر الشغوب والتصرفات. ومتى كان القلب أفرغ كان الوعي لما يلقى إليه أكثر لأن الغالب حينئذ أن تكون الخواطر والدواعي مجتمعة ولأن المعدة خالية فلا تتصاعد منها الأبخرة المشوشة ولأنها وقت نزول الملائكة للصلاة المشهودة والاسحار جمع سحر وهو ما بين الفجرين. وقال القونوي السحر زمان أواخر الليل واستقبال أوائل النهار والليل مظهر للغيب والظلمة والنهار زمن الكشف والوضوح ومنتهى سعيد المغيبات والمقدرات والغيبة في العلم الإلهي. ومن ثم قال علماء التعبير رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار وأصدق الساعات كلها الرؤيا وقت السحر. ولما كان زمان السحر مبتدأ زمان استقبال كمال الانكشاف والتحقيق لزم أن يكون الذي يرى إذ ذاك قريب الظهور والتحقيق وإليه أشار يوسف الصديق بقوله لأبيه {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} وقوله {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} أي ما كملت حقيقة الرؤيا إلا بظهورها في الحس فإن بهذه ظهر المقصود من تلك الصورة الممثلة وأينعت ثمراتها. وقال الحراني: الاسحار جمع سحر وأصل معناه التعلل عن الشيء بما يقاربه ويدانيه ويكون منه توجه ما (فإن قلت) هذا يعارضه خبر الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن جابر: أصدق الرؤيا ما كان نهارا لأن الله عز وجل خصني بالوحي نهارا؟ (قلت) قد يقال الرؤيا النهارية أصدق من الرؤيا الليلية ما عدا وقت السحر جمعا بين الحديثين (حم ت حب ك هب) كلهم من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم (عن أبي سعيد) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص (أصدق الحديث) أي الكلام (كتاب الله) أي القرآن أو جميع الكتب الإلهية المنزلة {ومن أصدق من الله حديثا} (وأحسن الهدى) بضم ففتح. أو بفتح فسكون: السيرة والطريقة والتيمن (هدى محمد) صلى الله عليه وسلم فهدى جميع الأنبياء حسن وهديه أحسن لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من الكمالات وبعث لتتميم مكارم الأخلاق التي اتصفوا بها (وشر الأمور محدثاتها) التي لم يشهد لها أصل من أصول الشرع (حم عن ابن مسعود) الحديث: 1083 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 1084 - (اصرف) بكسر همزة الوصل وبالفاء وفي رواية اطرق بالقاف (بصرك) أي اقلبه إلى جهة أخرى إذا وقع على أجنبية أو نحوها بلا قصد فإن صرفته حالا لم تأثم وإن استندمت أثمت. {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} والغض عن المحارم يوجب حلاوة الإيمان ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ومن أطلق لحظاته دامت حسراته فإن النظر يولد المحبة في القلب ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته فيصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم ثم يقوى فيصير عشقا. وهو الحب المفرط ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي وصل إلى شغاف للقلب ودواخله ثم يقوى فيصير تتيما والتتيم التعبد: فيصير المتتيم عبدا إلى من لا يصلح أن يكون هو عبدا له فيقع القلب في الأسر فيصير أسيرا بعد ما كان أميرا ومسجونا بعد ما كان طليقا قيل وفيه أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في الطريق وعلى الرجال غض البصر إلا لحاجة كشهادة وتطيب ومعاملة. ولا ينافي نقل الإمام الاتفاق على منعهن من الخروج سافرات لأنه ليس لوجوب الستر عليها لاحتمال أنها كشفته لعذر (حم م 3 عن جرير) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة وهو بضم ففتح ممدودا أو بفتح فسكون مقصورا - فذكره الحديث: 1084 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 1085 - (اصرم) بهمزة وصل مكسورة وصاد مهملة وراء مكسورة (الأحمق) أي اقطع وده وهو واضع الشيء في غير [ص: 531] محله مع العلم بقبحه وفي رواية أصرم الأصرم. قال الطيبي: مأخوذ من الصرم وهو القطع والأمر للإرشاد وقد يندب وقد يجب. وقال غيره: وهو بفتح الراء مصدر صرم إذا قطع. وبضمها اسم للقطيعة <تنبيه> قال الراغب: الجنون عارض يغمر العقل والحمق قلة التنبيه لطريق وكلاهما يكون تارة خلقة وتارة عارضا وقد عظم الحمق بما لم يعظم الجنون ونقل عن عيسى عليه السلام أنه أتى بأحمق ليداويه فقال أعيتني مداواة الأحمق ولم تعيني مداواة الأكمه والأبرص. والفرق بينه وبين الجنون أن المجنون غرضه الذي يريده ويقصده فاسد أو يكون سلوكه إلى غرضه صوابا والأحمق يكون غرضه الذي يريده صحيحا وسلوكه إليه خطأ. ومحصول الخبر أن الأحمق ينبغي تجنبه وأن تفر منه فرارك من الأسد لأن الطباع سراقة وقد يسرق طبعك منه ومن ثم قيل: فارغب بنفسك لا تصادق أحمقا. . . إن الصديق على الصديق مصدق ولأن يعادي عاقلا خيرا له. . . من أن يكون له صديق أحمق وقال وهب: الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وإذا سكت فضحه عيه وإذا عمل أفسد وإذا ترك أضاع لا علمه يعينه ولا علم غيره ينفعه تود أمه أنها ثكلته وتود امرأته أنها عدمته ويتمنى جاره منه الوحدة ويأخذ جليسه منه الوحشة وقيل للفرزدق وهو صبي: أيسرك أنك لك مئة ألف وأنك أحمق؟ قال لا لئلا يجني علي حمقي جناية فتذهب بمالي ويبقى حمقي علي. وقال الماوردي: الأحمق ضال مضل إن أونس تكبر وإن أنس تكبر وإن أوحش تكدر وإن استنطق تخلف وإن ترك تكلف مجالسته مهنة ومعاتبته محنة ومجاورته تغر وموالاته تضر ومقارنته غم ومفارقته شفاء يسيء على غيره وهو يظن أنه قد أحسن إليه فيطالبه بالشكر ويحسن إليه غيره فيظن أنه قد أساء إليه فيرميه بالوزر فمساويه لا تنقضي وعيوبه لاتتناهى ولا يقف النظر منها على غاية إلا لوحت بما وراءها بما هو أدنى منها وأردى. وأمر وأدهى. ومن أمثالهم: الأحمق لا يجد لذة الحكمة كما لا ينتفع بالورد صاحب الزكمة. واعلم أن صرم المسلم حرام أصالة فلا يحل لمسلم أن يصارم مسلما: أي يترك مكالمته إلا لسبب كوصف مذموم فيه كالحمق والبدعة. قال النووي في شرح مسلم: يجوز هجر أهل البدع والفسق دائما. والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام محله فيمن هجر لحظ نفسه ومعاش الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الهجر فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ضررا في دينه أو دنياه. ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. وقال عمار: مصارمة جميلة أحب إلي من مودة على دغل (هب) من طريق محمد بن إسحاق البلخي عن عمر بن قيس بن بشير (عن بشير) بفتح الموحدة أوله وزيادة ياء: وهو ابن زيد (الأنصاري) ذكره الحاكم وقال مسانيده عزيزة قال البيهقي: وهم فيه الحاكم من ثلاثة أوجه أو أربعة: قوله عمر بن قيس وإنما هو عمرو. وقوله بشير بموحدة مفتوحة بعدها معجمة مكسورة وإنما هو بضم التحتية بعدها مهملة مضغرا: وفي رفع الحديث وصوابه موقوف وفي جعله صحابيا وإنما له إدراك. أه. قال ابن حجر: وبقي عليه أنه وهم في قوله بشير بن زيد وإنما هو ابن عمر وفي كونه أنصاريا وإنما هو عبدي وقيل كندي. أه. وفيه عمرو بن قيس الكندي قال في الميزان عن ابن معين لا شيء ووثقه أبو حاتم الحديث: 1085 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 1086 - (اصطفوا) أي قوموا في صلاتكم صفوفا خلف الإمام (وليتقدمكم) ندبا مؤكدا (في الصلاة أفضلكم) بنحو فقه أو قرآن أو غير ذلك مما هو مترتب في الفروع (فإن الله عز وجل يصطفي) أي يختار (من الملائكة رسلا ومن الناس) قال المصنف: ومن خصائص هذه الأمة الصف في الصلاة كصفوف الملائكة والركوع فيما ذكره جمع مفسرون <تنبيه> قال بعضهم: حكمة الأمر بتسوية الصفوف أن المصلين دعوا إلى حالة واحدة مع الحق وهي الصلاة فساوى في هذه الدعوة بين عباده فلتكن صفتهم فبها إذا أقبلوا إلى ما دعاهم إليه تسوية الصفوف. لأن الداعي [ص: 532] ما دعى الجماعة إلا ليناجيهم من حيث إنهم جماعة على السواء لا يختص واحد دون آخر فلا يتأخر واحد عن الصف ولا يتقدم بشيء منه يؤدي إلى اعوجاجه (طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيتمي وغيره فيه أيوب بن مدرك وهو منسوب إلى الكذب. أه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 1086 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 1087 - (أصل كل داء البردة) أي التخمة وهي بفتح الراء على الصواب خلاف ما عليه المحدثون من السكون. ذكره الدارقطني في كتاب التحيف لكن صرح القاموس بجوازه بل جعله أصلا حيث قال: البردة وتحرك: التخمة وذلك لأنها تبرد حرارة الشهوة وتثقل الطعام على المعدة من برد ثبت وسكن كما يفيده قول ابن الأثير كغيره: سميت به لأنها تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام. وذلك بمعنى تفسير بعض الأطباء بأنها إدخال الطعام على الطعام قبل هضم الأول فإن بطء الهضم أصله البرد الذي بردت منه المعدة قال بعض شعراء الأطباء في ذلك: ثلاث مهلكات للأنام. . . وداعية السقام إلى السقام دوام مدامة ودوام وطء. . . وإدخال الطعام على الطعام والقصد ذم الإكثار من الطعام (قيل) لو سئل أهل القبور ما سبب قصر آجالكم؟ لقالوا التخمة. ذكره الزمخشري. قال الراغب: وأصل الشيء قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعها سائره (قط) في العلل من حديث محمد ابن جابر عن تمام بن نجيح عن الحسن البصري (عن أنس) بن مالك. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الدارقطني خرجه ساكتا عليه. والأمر بخلافه بل تعقبه بتضعيفه كما حكاه المصنف نفسه عنه في الدرر تبعا للزركشي وقال روي عن الحسن من قوله وهو أشبه بالصواب. أه. وقال ابن الجوزي قال ابن حبان تمام منكر الحديث يروي أشياء موضوعة عن الثقات كان يتعمدها. أه. وقال ابن عدي والعقيلي حديثه منكر وعامة ما يرويه لا يتابع عليه وفي الميزان محمد هذا حلبي ولعل البلاء منه (ابن السني وأبو نعيم) وكذا المستغفري كلهم (في الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين وفيه إسحاق بن نجيح الملطي كان يضع الحديث (وعن أبي سعيد) الخدري (وعن الزهري مرسلا) رمز المصنف لضعفه قال بعضهم: ولا يصح شيء من طرقه وقال ابن عدي باطل بهذا الإسناد وجعله في الفائق من كلام ابن مسعود الحديث: 1087 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 1088 - (أصلح) يا أبا كاهل (بين الناس) أي أزل ما بينهم من الشحنة والتباغض (ولو) أنك (تعني الكذب) قال في الفردوس يريد ولو أنك تقصد الكذب. يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته والمراد أن ذلك جائز بل مندوب وليس من الكذب المنهي عنه بل قد يجب الكذب. ولفظ رواية الطبراني: أصلح بين الناس ولو بكذا وكذا: كلمة لم أفهمها. قلت ما عنى بها؟ قال عنى الكذب. أه. بلفظه (طب عن أبي كاهل) الأحمس يقال اسمه قيس بن عائذ وقيل عبد الله بن مالك صحابي رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته. وقال وقع بين رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما حتى تصارما فلقيت أحدهما فقلت مالك ولفلان سمعته يحسن عليك الثناء ويكثر لك من الدعاء ولقيت الآخر فقلت نحوه فما زلت حتى اصطلحا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فذكره. قال الهيتمي فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب. أه. فكان الأولى للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 1088 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 1089 - (أصلحوا دنياكم) أي أصلحوا معاش دنياكم بنعهد ما في أيديكم بتنميته بحلال المكاسب لمعونته على دينكم ومكارم [ص: 533] أخلاق الإسلام التي فيها عمارة آخرتكم. والخطاب للمقتصدين الذين لم يبلغوا ذروة التوكل ومعهم علقة الأسباب ليبوؤا بملابستها والاستعانة بها على الآخرة (واعملوا) صالحا (لآخرتكم) بجد واجتهاد وإخلاص مع قصر أمل (كأنكم تموتون غدا) كنى به عن قرب الزمن جدا والمراد اجعلوا الموت نصب أعينكم واعملوا على ذلك لما أمرهم بإصلاح المعاش خشي من تعلقهم به والتقصير في الأعمال الأخروية فأردفه بما يبين أن عليهم مع ذلك بذل الجهد في العمل الأخروي وأنه لا رخصة في تركه ألبتة (فر عن أنس) بن مالك وفيه زاهر بن ظاهر الشحامي قال في الميزان كان يخل بالصلوات فترك الرواية عنه جمع وعبد الله بن محمد البغوي الحافظ تكلم فيه ابن عدي وراويه عن أنس مجهول الحديث: 1089 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 1090 - (اصنع المعروف) قال البيضاوي: هو ما عرف حسنه من الشارع (إلى من هو أهله وإلى غير أهله) أي افعل مع أهل المعروف ومع غيرهم قال ابن الأثير الاصطناع اتخاذ الصنيع (فإن أصبت أهله أصبت أهله) قال ابن مالك قد يقصد بالخير المفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا وقد يفعل هذ بجواب الشرط نحو من قصدني فقد قصدني أي قصد من عرف بالنجاح واتحاد ذلك يؤذن بالمبالغة في تعظيم أو تحقير (وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله) لأنه تعالى يقول {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} والأسير في دارنا: الكافر فأثنى على من صنع معه معروفا بإطعامه فكيف بمن أطعم موحدا؟ ولهذا قال الحبر لا يزهدنك في المعروف كفران من كفره فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه معه <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الصنع والفعل والعمل أن الصنع إنما يكون من الإنسان دون الحيوان ولا يقال إلا لما كان بإجادة والصنع قد يكون بلا فكر لشرف فاعله والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط فاعله والصنع أخص الثلاثة والعمل أوسطها والفعل أعمها وكل صنع عمل ولا عكس: وكل عمل فعل ولا عكس وهكذا لا يعارضه ما مر من أن المعروف إنما ينبغي أن يفعل مع أهل الحفاظ وأن الله إذا أراد بعبد خيرا جعل معروفه فيهم لأن ما هناك عند وجود الأهل وغير الأهل فيعدل عن الأهل لغيرهم وما ههنا فيما إذ لم يوجد إلا غير أهل وهو محتاج. قال بعض الشراح هذا الحديث أبلغ حث على استدامة صنائع المعروف حتى يصير طبعا لا يميز بين أهله وهو من يعترف فيجازى ويشكر ويثنى وبين من لا يعترف فلا يجازى ولا يثنى فإنه أكمل في المكارم وأجزل في الثواب (تتمة) قال بعضهم: وقع لوالي بخارى وكان ظالما طاغيا أنه رأى كلبا أجرب في يوم برد يرتعد فأمر بعض خدمه بحمله لبيته وجعله بمحل حار وأطعمه وسقاه فقيل له في نومه كنت كلبا فوهبناك لكلب فأصبح فمات فكان له مشهد عظيم لشفقته على كلب. وأين المسلم من الكلب؟ فافعل خيرا ولا تبال فيمن لم يكن أهلا له واطلب الفضائل لأعيانها وارفض الرذائل لأعيانها واجعل الخلق تبعا ولا تقف مع ذمهم ولا حمدهم. لكن قدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون من الحكماء المتأدبين بآداب الله (خط في رواية مالك) ابن أنس (عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين. قال الحافظ العراقي في المغني وذكره الدارقطني أيضا في العلل وهو ضعيف أه. وذلك لأن فيه بشر بن يزيد الأزدي قال في اللسان عن ذيل الميزان له عن مالك مناكير ثم ساق منها هذا الخبر ثم عقبه بقوله قال الدارقطني إسناده ضعيف ورجاله مجهولون وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن بشير هذا من حديثه عن أبيه عن مالك عن نافع عن ابن عمر وقال إسناده مظلم وخبر باطل أطلق الدارقطني على روايته الضعف والجهالة الحديث: 1090 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 1091 - (اصنعوا لآل جعفر) بن أبي طالب الذي جاء نعيه (طعاما) يشبعهم يومهم وليلتهم (فإنه قد أتاهم ما يشغلهم) عن [ص: 534] صنع الطعام لأنفسهم في ذلك اليوم لذهولهم عن حالهم بحزنهم على ميتهم وهذا قاله لنسائهم لما قتل جعفر وجاء الخبر بموته فطحنت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعيرا ثم أدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا ثم أرسلوه إليهم. قال ابن الأثير: أراد اطبخوا واخبزوا لهم فيندب لجيران الميت وأقاربه الأباعد صنع ذلك ويحلفون عليهم في الأكل: ولا يندب فعل ذلك لأهله الأقربين لأنه شرع في السرور لا في الشرور فهو بدعة قبيحة كما قاله النووي وغيره قال في المطامح: وجرت العادة بالمكافأة فيه وربما وقع التحاكم فيه بين الأجلاف. قال ابن الحاج: وينبغي لأهل الميت التصدق بالفاضل أو إهداؤه <تنبيه> قال القرطبي: الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام والمبيت عندهم كل ذلك من فعل الجاهلية قال ونحو منه الطعام الذي يصطنعه أهل الميت في اليوم السابع ويجتمع له الناس يريدون به القربة للميت والترحم عليه وهذا لم يكن فيما تقدم ولا ينبغي للمسلمين أن يقتدوا بأهل الكفر وينهي كل إنسان أهله عن الحضور لمثل هذا وشبهه من لطم الخدود وشق الجيوب واستماع النوح وذلك الطعام الذي يصنعه أهل الميت كما ذكر فيجتمع عليه الرجال والنساء من فعل قوم لاخلاق لهم. قال وقال أحمد هو من فعل الجاهلية. قيل له أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما إلى آخره فإن لم يكونوا اتخذوا إنما اتخذ لهم فهذا كله واجب على أن الرجل له أن يمنع أهله منه فمن أباحه فقد عصى الله وأعانهم على الإثم والعدوان. إلى هنا كلامه قال ابن العربي: وإنما يسن ذلك في يوم الموت فقط قال وهذا الحديث أصل في المشاركات عند الحاجة. وقد كان عند العرب مشاركات ومواصلات في باب الأطعمة باختلاف أسباب وحالات (حم د ت هـ ك) وكذا الطيالسي والشافعي وابن مقنع والطبراني والديلمي وغيرهم كلهم (عن عبد الله بن جعفر) قال لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. قال الحاكم صحيح وقال الترمذي حسن وقال عبد الحق كذا قال الترمذي ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه خالد بن سارة لا يعرف حاله. أه. وفي الميزان إسناده غريب ومنته فتصحيح الحاكم ثم البيهقي له منتقد الحديث: 1091 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 1092 - (اصنعوا ما بدا لكم) في جماع السبايا من عزل أو غيره (فما قضى الله تعالى) بكونه (فهو كائن) لا محالة عزلتم أم لا ففعل العزل وعدمه سواء (وليس من كل الماء) أي المني هذا المراق في الوحم (يكون الولد) وهذا قاله لما قالوا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل؟ فذكره وفيه جواز العزل لكنه في الحرة مكروه تنزيها إلا بإذنها عند الشافعي كما يأتي. وذهب ابن حزم إلى تحريم العزل مطلقا تمسكا بقوله في خبر ذلك الوأد الخفي. ورد بأنه لا يلزم من تسميته وأدا على طريق التشبيه كونه حراما وأما بأنه مخصوص بالعزل عن المرضع لإضرار الحبل بالولد بالتجرية (حم عن أبي سعيد) الخدري. قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فذكره رمز المصنف لحسنه وهو كذلك وأهلا الحديث: 1092 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 1093 - (اضربوهن) أي اضربوا نساءكم اللاتي تخافون نشوزهن (ولا يضرب إلا شراركم) أما الأخيار فيرون اللائق سلوك سبيل العفو والحلم والصبر عليهن وملاينتهن بالتي هي أحسن واستجلاب خواطرهن بالإحسان بقدر الإمكان وفيه جواز ضرب المرأة للنشوز أي إن ظن إفادته (ابن سعد) في طبقاته (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق المدني أحد الأئمة الأعلام (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وغيره. وسبب هذا الحديث أن رجالا شكوا النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم في ضربهن فطاف تلك الليلة منهن نساء كثير يذكرن ما لقي نساء المسلمين. فنهى عن ضربهن فقال الرجال يا رسول الله زاد النساء على الرجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اضربوهن [ص: 535] ولا يضرب إلخ. وقضية تصرف المؤلف لم ير هذا الحديث مسندا وإلا لما عدل رواية إرساله وهو عجيب فقد خرجه البزار عن عائشة مرفوعا وغاية ما يعتذر به للمؤلف أن رواية الإرسال أصح: وبفرض تسليمه فهذا لا يجدي نفعا لأنه كان الأولى ذكرهما معا الحديث: 1093 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 1094 - (اضمنوا لي ست خصال) أي التزموا بالمحافظة على فعل ست خصال (أضمن) بالجزم جواب الأمر (لكم الجنة) أي العزم لكم في مقابل ذلك بدخولها مع السابقين الأولين أو من غير تعذيب وليس المراد بالضمان هنا معناه الشرعي بل اللغوي وعبر عنه بذلك تحقيقا لحصول الوعد إن حوفظ على المأمور به قالوا وما هي يا رسول الله؟ قال (لا تظالموا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا أي لا يظلم بعضكم بعضا (عند قسمة مواريثكم) بل اقسموها على ما أمر الله به وأعطوا كل ذي حق حقه من فرض أو تعصيب ما وجب له فحرمان بعض الورثة أو تنقيصه مما يستحقه حرام شديد التحريم حتى على المورث (وأنصفوا الناس من أنفسكم) بأن تفعلوا معهم ما تحبون أن يفعلوه معكم (ولا تجبنوا) بضم المثناة فوق وسكون الجيم (عند قتال عدوكم) أي لا تهابوهم فتولوا الأدبار با احملوا عليهم واصدقوا اللقاء واثبتوا حيث كانوا مثليكم أو أقل. والجبن بالضم: ضعف القلب عما يجب أن يقوى فيه. ذكره الراغب وغيره (ولا تغلوا) بفتح المثناة فوق وضم الغين المعجمة (غنائمكم) أي لا تخونوا فيها فإن الغلول كبيرة (فأنصفوا) لفظ جامعه الكبير وامنعوا (ظالمكم من مظلومكم) أي خذوا للمظلوم حقه ممن يظلمه بالعدل والقسط فإن إهمال ذلك مع القدرة عليه من قبيل ترك الأمر بالمعروف وإهمال النهي عن المنكر والخطاب للحكام أو عام ويدخلون فيه دخولا أوليا أولويا ومقصود الحديث أن الإنسان إذا حافظ على هذه الخصال مع القيام بالفروض العينية يتكفل له المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بإدخاله الجنة مع الأولين أو بغير عذاب : (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي فيه العلاء بن سليمان الرقي وهو ضعيف وقال ابن عدي منكر الحديث اه والعلاء رواه عن خليل بن مرة وقد ضعفه ابن معين وغيره فحينئذ رمز المؤلف لحسنه إن سلم فهو من قبيل الحسن لغيره الحديث: 1094 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 1095 - (اضمنوا لي ستا) من الخصال (من أنفسكم) بأن تداوموا على فعلها (أضمن لكم الجنة) أي دخولها (اصدقوا إذا حدثتم) أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق في أمر مخصوص كحفظ معصوم (وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم) {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال البيهقي ودخل فيه ما تقلد المؤمن بإيمانه من العبادات والأحكام وما عليه من رعاية حق نفسه وزوجه وأصله وفرعه وأخيه المسلم من نصحه وحق مملوكه أو مالكه أو موليه فأداء الأمانة في كل ذلك واجب (واحفظوا) أيها الرجال والنساء (فروجكم) عن فعل الحرام لثنائه تعالى على فاعليه بقوله {والحافظين فروجهم والحافظات} (وغضوا أبصاركم) كفوها عما لا يجوز النظر إليه (وكفوا أيديكم) امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعا فلا تضربوا بها من لا يسوغ ضربه ولا تناولوا بها مأكولا أو مشروبا حراما ونحو ذلك فمن فعل ذلك فقد حصل على رتبة الاستقامة المأمور بها في القرآن وتخلقوا بأخلاق أهل الإيمان. وهذه الستة غير الستة الأولى فهو إما خاطب بتلك من لا يعلمها ويعلم هذه. وبهذه من لا يعلمها ويعلم تلك أو أنه تفرس من المخاطبين عدم الصدق والوفاء بالعهد والخيانة والرياء والنظر لما لا يحل وبسط اليد بالعدوان [ص: 536] فنهاهم وهكذا يقال فيما قبله. وأخرج البيهقي عن الفضيل قال أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد وللنبي بالبلاغ وأداء الفرائض: صدق الحديث وحفظ الأمانة وترك الخيانة والوفاء بالعهد وصلة الرحم والنصح للمسلمين قال سمعته وتعلمته من أهل الثقة ولو لم أجده ما قلته (حم حب ك هب) من حديث المطلب (عن عبادة بن الصامت) قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة. وقال المنذري بعد عزوه لأحمد والحاكم وأنه صححه: المطلب لم يسمع من عبادة وقال الذهبي في اختصاره للبيهقي إسناده صالح وقال العلائي في أماليه سنده جيد وله طرق هذه أمثلها وفي كلامهما إشارة إلى أنه لم يرتق عن درجة الحسن الحديث: 1095 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 1096 - (أطب) بفتح الهمزة وكسر الطاء من أطاب (الكلام) أي تكلم بكلام طيب: يعني قل لا إله إلا الله خالصا أو حافظ على قول الباقيات الصالحات أو خاطب الناس بالملاينة والملاطفة وتجنب الغلظة والفظاظة وخالق الناس بخلق حسن. وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأصلح بين الناس وعلم الجاهل وأرشد الضال وقل الحق وإن كان مرا وانصح ونحو ذلك (وأفش السلام) انشره بين من تعرفه ومن لا تعرفه من المسلمين الذين يندب عليهم السلام شرعا (وصل) بكسر الصاد: أمر من الصلة (الأرحام) أي أحسن إلى أقاربك بالقول والفعل (وصل بالليل والناس نيام) أي تهجد حال نيام غالب الناس (ثم) إذا فعلت ذلك (ادخل الجنة بسلام) أي مع سلامة من الآفات وأمن من المخوفات والمراد أن فعل المذكورات من الأسباب الموصلة إلى الجنة وهذا قاله قبل دخوله المدينة (حب حل عن أبي هريرة) وفيه عند أبي نعيم عبد الله بن صالح بن عبد الجبار قال في اللسان عن العقيلي شيخ مجهول الحديث: 1096 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 1097 - (أطت السماء) بفتح الهمزة وشد الطاء: صاحت وأنت وصوتت من ثقل ما عليها من ازدحام الملائكة وكثرة الساجدين فيها منهم من الأطيط وهو صوت الرحل والإبل من حمل أثقالها. وأل للجنس (وحق لها) وفي رواية ويحقها (أن تئط) بفتح المثناة فوق وكسر الهمزة وشد الطاء: أي صوتت وحق لها أن تصوت لأن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. قال ابن الأثير: وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة كثرة لا يسعها عقل البشر وإن لم يكن ثم أطيط وإنما هو تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. قال ابن حجر: وقوله تئط بفتح أوله وكسر الهمزة والأطيط صوت البعير المثقل (والذي) أي والله الذي (نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته وتصريفه (ما فيها موضع بشر) ولا أقل منه بدليل رواية ما فيها موضع أربع أصابع (إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله ويحمده) أي يقول حال سجوده سبحان الله وبحمده فهذا هو الذكر المأثور للملائكة فيه والذكر المأثور للبشر سبحان ربي الأعلى وهذا على طريق الاستعارة بالكناية شبه السماء بذي صوت من الإبل المقتوبة فأطلق المشبه وهو السماء وأراد المشبه به وهو الإبل ثم ذكر شيئا من لوازم الإبل والأقتاب وهو الصوت المعبر عنه بقوله أطت السماء ينتقل الذهن منه. روى ابن عساكر أن في السماء ملائكة قياما لا يجلسون أبدا وسجودا لا يرفعون أبدا وركوعا لا يقومون أبدا يقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك. أه. وقال ابن الزملكاني: وقد دل هذا الخبر ونحوه على أن الملائكة أكثر المخلوقات عددا وأصنافهم كثيرة. وقد ورد في القرآن من ذلك ما يوضحه ومعرفة قدر كثرتهم [ص: 537] وتفصيل أصنافهم موكول إليه سبحانه وتعالى {وما يعلم جنود ربك إلا هو} وقيل إن المكلفين أربعة أصناف: الإنسان والملك والجن والشياطين وبنو آدم عشر الجن والجن عشر حيوان البحر والطير والكل عشر ملائكة سماء الدنيا وكلهم عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا إلى ملائكة الكرسي ثم العرش. وفي كتاب الزاهر وغيره عن الأوزاعي وغيره أن في مناجاة موسى قال يا رب من عبدك قبل آدم؟ قال الملائكة قال يا رب كم هم؟ قال اثني عشر ألف سبط قال كم السبط؟ قال مثل الجن والإنس والطير والبهائم اثني عشر ألف مرة. وفي رواية: كم عدد كل سبط؟ قال عدد التراب. وفي تذكرة الإمام الرازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء رأى ملائكة في محل عال مشرف ورأى بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل جبريل: أين تذهبون؟ فقال والذي بعثك بالحق لا أدري إلا أني أراهم هكذا منذ خلقت ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك. وفي الفتوحات: لا يزال الحق يخلق من أنفاس العالم ملائكة ما داموا متنفسين. والأخبار والآثار الدالة على أكثريتهم لاتكاد تحصى (ابن مردويه) في التفسير (عن أنس) بن مالك. رمز المؤلف لضعفه ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي ذر مرفوعا بلفظ: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها أربع أصابع إلا وعليه ملك واضع جبهته وفي رواية الترمذي ساجدا لله تعالى وهذا الحديث حسن أو صحيح الحديث: 1097 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 1098 - (أطع كل أمير) ولو جائرا فيما لا إثم فيه وجوبا (وصل خلف كل إمام) ولو فاسقا ومن ثم كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج قال الشافعي: وكفى به فاسقا (ولا تسبن) بفتح الفوقية وضم المهملة وفتح الموحدة ونون التوكيد: أي لا تشتمن (أحدا من أصحابي) لما لهم من الفضائل وحسن الشمائل التي منها نصرة الإسلام والذب عن الدين ولما وقع بينهم من الحروب محامل (طب) من حديث مكحول (عن معاذ بن جبل) قال الهيتمي: ومكحول لم يسمع من معاذ فهو منقطع ورواه البيهقي باللفظ المزبور من حديث إسماعيل بن عياش عن حميد اللخمي عن مكحول عن معاذ قال الذهبي: هذا منقطع الحديث: 1098 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 1099 - (أطعموا الطعام) للبر والفاجر (وأطيبوا الكلام) لهما فإنه سبحانه أطعم الكفار واصطنع للبر والفاجر وأمر بذلك وكان الحسن بن واصل يقاتل العدو فإذا جن الليل وضع الطعام ولم يمنع من يقاتله من الكفار فيل له فيه فقال إن شئلت عنه قلت منك أخذت وبأمرك ائتمرت أطعمت من أطعمت وقاتلت من أمرت. وقيل المراد بإطعام الطعام السماح بالمال وبطيب الكلام لا إله إلا الله (طب) وكذا الضياء في المختارة (عن الحسن بن علي) قال الهيتمي فيه القاسم بن محمد الدلال وهو ضعيف الحديث: 1099 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 1100 - (أطعموا الطعام وأفشوا السلام) بقطع الهمزة فيهما: أي أعلنوه بين المسلمين (تورثوا الجنان) أي فعلكم ذلك وإدامتكم له يورثكم دخول الجنان مع السابقين برحمة الرحمن (طب عن عبد الله بن الحارث) صحابي شهد فتح مصر ومات سنة ست وثمانين رمز المصنف لحسنه قال الهيتمي رواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله ثقات الحديث: 1100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 1101 - (أطعموا طعامكم الأتقياء) لأن التقي يستعين به على التقوى فتكونون شركاء له في طاعته بالإعانة عليها {وتعاونوا على البر والتقوى} لكن المراد حرمان غير التقي بل أن يكون القصد به للمتقين أصالة فلا يقصد [ص: 538] فاجرا يتقوى به على الفجور فيكون إعانة على معصية أو أن المراد إذا لم يتسع حاله للتعميم فيقدم الاتقياء (وأولوا معروفكم المؤمنين) يعني خالطوا الذين حسنت أخلاقهم وأحوالهم في معاملة ربهم بأداء فروضه واتقاء نواهيه وتحمل المشقة في القيام بأنفاقهم وفعل صنوف المعروف معهم وأولئك الصالحون الذين قال الله تعالى عنهم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان) أي فضل زيارة الإخوان (ع) والديلمي (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا ابن المبارك في البر والصلة: قال ابن طاهر غريب وفيه مجهول الحديث: 1101 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 1102 - (أطفال المؤمنين) أي أولادهم وذراريهم الذين لم يبلغوا الحلم (في جبل في الجنة) يعني أرواحهم فيه (يكفلهم) أي يحضنهم ويقوم بمصالحهم (إبراهيم) الخليل (و) زوجته (سارة) فنعم الوالدان ونعم الكاملان هما وهنيئا مريئا لولد فارق أبويه وأمسى عندهما. وسارة بسين مهملة وراء مشددة لأنها كانت لبراعة جملها تسر كل من يراها وقيل إنها أعطيت سدس الحسن وهي بنت عمه وقيل بنت أخيه وكان جائزا في شرعه (حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة) أي ويرد ولد الزنا إلى أمه: وأسند الكفالة لهما والرد إلى إبراهيم خاصة لأن المخاطب بمثله الرجال ولا ينافي ما ذكر هنا من كفالة إبراهيم لهم ما في خبر آخر من كفالة جبريل وميكائيل وغيرهما لهم لأن طائفة منهم في كفالة إبراهيم وطائفة في كفالة غيره فلا تدافع كما بينه القرطبي وغيره. قال في الإفصاح وغيره: أما مقر الروح فمختلف فيه بحسب المصاحب ومتنوع على قدر المراتب فأرواح في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش إذا باتت وأرواح في قبة خضراء سندسية وعلى بارق نهر بباب الجنة العلية وأرواح الأطفال عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح وأرواح في السماء الدنيا أيضا وأرواح في السماء السابعة في دار يقال لها البيضاء وأرواح في كفالة إبراهيم وأرواح في كفالة جبريل وأرواح في كفالة إسرافيل وأرواح في خزانة رفائيل وأرواح في بيت ممدود بين السماء والأرض وأرواح في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت وأرواح في بئر زمزم ولكل روح اتصال معنوي ببدنها وتعلق قوي بجسدها بحيث يصلح أن يسلم عليها ويفهم ما يقع من الخطاب لديها وترد السلام كالشمس المنيرة فإنها في السماء وأشعتها في الأرض اه. وحينئذ فالمراد بالأطفال في هذا الحديث بعضهم وفيه أن أطفال المؤمنين في الجنة وقد حكى جمع عليه الإجماع ومراده كما قال النووي إجماع من يعتد به وأما خبر مسلم عن عائشة توفي صبي من الأنصار فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا الحديث. فأجيب بأنه إنما نهاها عن التسارع إلى القطع بغير دليل أو أنه قبل علمه بأنهم في الجنة وفيه أن الجنة موجودة الآن وهو ما عليه أهل الحق وأنها ذات جبال ولا ينافيه خبر أنها قيعان لأن المراد أن أعظمها كذلك (حم ك والبيهقي في) كتاب (البعث عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح الحديث: 1102 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 1103 - (أطفال المشركين) أي أولاد الكفار الصغار (خدم أهل الجنة) يعني يدخلونها فيجعلون خدما لمن فيها وبهذا أخذ الجمهور قال النووي: وهو الصحيح المختار كمن لم تبلغه الدعوة وأولى وأما خبر الله أعلم ما كانوا عاملين فلا تصريح فيه فإنهم ليسوا في الجنة وخبر أحمد عن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد [ص: 539] المشركين فقال في النار فضعيف وقيل بالوقف وقيل تحت المشيئة وقيل من علم الله كفره لو عاش في النار وخلافه في الجنة وقيل يصيرون ترابا وقيل غير ذلك والمعول عليه الأول (طس عن أنس) وسكت عليه ورواه في الكبير عن سمرة (ص عن سلمان) الفارسي (موقوفا) عليه ورواه البخاري في تاريخه الأوسط عن سمرة مرفوعا فإهمال المصنف له واقتصاره على من ذكر من ضيق الفطن الحديث: 1103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 1104 - (أطفئوا المصابيح) من بيوتكم (إذا رقدتم) أي نمتم لئلا تجر الفويسقة الفتيلة فتحرق البيت (وأغلقوا الأبواب) أبواب بيوتكم (وأوكؤا الأسقية) اربطوا أفواه القرب (وخمروا الطعام والشراب) أي استروه وغطوه (ولو بعود تعرضه عليه) مع ذكر الله فإنه السر الدافع وقد سبق تقرير ذلك مبينا (خ عن جابر) بن عبد الله في عدة مواضع الحديث: 1104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 1105 - (اطلب) ممن بيده الضر والنفع والإعطاء والمنع والصحة والسقم (العافية) أي السلامة في الدين والبدن والمال والأهل (ترزقها) بالبناء للمفعول (في نفسك) فإنك كما تدين تدان وبالكيل الذي تكتال يكال لك فإن طلبت لغيرك السلامة في دينه جوزيت بمثله أو في بدنه أو أهله أو ماله جوزيت بمثله وهناك ملك موكل يقول ولك بمثل ذلك كما يأتي وقيل سبب تسمية أبي إسحاق الشيرازي بين الفقهاء بالشيخ المطلق أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال علمني كلمات أنجو بها غدا فقال يا شيخ اطلب السلامة في غيرك تجدها في نفسك. وآثر في الحديث التعبير بالرزق دون الإعطاء وغيره إشارة إلى أن العافية أعظم المواهب بعد الإيمان وإيماء إلى تحقق الإعطاء إذا صحب الطلب إخلاص سيما إذا كان بظهر الغيب (الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 1105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 1106 - (اطلبوا) بهمزة وصل مضمومة إرشادا (الحوائج) أي حوائجكم إلى ذوي الرحمة من أمتي أي إلى الرقيقة قلوبهم السهلة عريكتهم اللينة شكيمتهم. وجواب الأمر قوله (ترزقوا وتنجحوا) بفتح المثناة فوق وسكون النون وفتح الجيم أي تصيبوا حوائجكم وتبلغوا مقاصدكم ثم علل بقوله (فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي " رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي ") أي اسكنت المزيد منها فيهم ومن لان قلبه وترطب بماء الرحمة فهو أهل للإحسان والنعمة (ولا تطلبوا) نهي إرشاد (الحوائج عند القاسية قلوبهم) أي الغليظة أفئدتهم (فلا ترزقوا ولا تنجحوا) وقاسي القلب لا يستحيي من الرد بل هو حرج الصدر جافي الطبع (فإن الله تعالى يقول إن سخطي) أي كراهتي وشدة غضبي (فيهم) أي جعلته فيهم لأن الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير وكل من رحمته رق فلبك له فأحسنت إليه ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه وصار فظا لا يرق لأحد ولا لنفسه فالشديد يشد على نفسه ويعسر ويضيق فهو من نفسه في تعب والخلق منه في نصب مكدوح الروح مظلم الصدر عابس الوجه منكر الطلعة ذاهبا بنفسه تيها وعظمة سمين الكلام عظيم النفاق قليل الذكر لله وللدار الآخرة فهو أهل لأن يسخط عليه ويغاضبه ليعاقبه <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الوعيد أن قسوة القلب من الكبائر وحمل على ما إذا حملت صاحبها على نحو منع طعام المضطر (عق) من طريق محمد ابن أيوب بن الضريس عن جندل بن والق عن أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن السدي عن داود بن أبي هند عن [ص: 540] أبي نضرة عن أبي سعيد قال العقيلي وعبد الرحمن مجهول لا يتابع على حديثه وداود لا يعرف وخبره باطل. (طس عن أبي سعيد) الخدري قال في اللسان وأظن محمد بن مروان يكنى أبا عبد الرحمن فوقع في رواية العقيلي أن أبا عبد الرحمن سقط من عنده أبي فبقي عبد الرحمن على أن محمد بن مروان لم ينفرد به بل فيه متابع وشاهد من حديث علي في المستدرك وغيره انتهى وأشار بذلك إلى الرد على ابن الجوزي في إيراده في الموضوعات الحديث: 1106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 1107 - (اطلبوا الخير) بهمزة وصل مضمومة (عند حسان الوجوه) وفي رواية للخطيب صباح الوجوه أي الطلقة المستبشرة وجوههم فإن الوجه الجميل مظنة لفعل الجميل وبين الخلق والخلق تناسب قريب غالبا فإنه قل صورة حسنة يتبعها نفس رديئة وطلاقة الوجه عنوان ما في النفس وليس في الأرض من قبيح إلا ووجهه أحسن ما فيه وأنشد بعضهم: دل على معروفه حسن وجهه. . . بورك هذا هاديا من دليل وأنشد بعضهم: سيدي أنت أحسن الناس وجها. . . كن شفيعي في هول يوم كريه قد روى صحبك الكرام حديثا. . . اطلبوا الخير من حسان الوجوه وقيل أراد حسن الوجه عند طلب الحاجة بدليل أنه قيل للحبر: كم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال إنما نعني حسن الوجه عند طلب الحاجة أي بشاشته عند سؤاله وحسن الاعتذار عند نواله ويشهد له خبر الخطيب عن جابر مرفوعا اطلبوا حوائجكم عند حسان الوجوه إن قضاها قضاها بوجه طليق فرب حسن الوجه ذميم عند طلب الحاجة ورب ذميم الوجه حسن عند طلب الحاجة انتهى ولا يعارضه ما سبق من أن حسن الوجه والسمت يدل على حياء صاحبه ومروءته لأنه غالبي وغيره نادر كما يشير إليه لفظ رب وقيل عبر بالوجه عن الجملة وعن أنفس القوم وأشرفهم يقال فلان وجه القوم وعينهم قال تعالى {كل شيء هالك إلا وجهه} وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال: يدل على معرفة وحسن وجه. . . وما زال حسن الوجه إحدى الشواهد (تخ) عن إبراهيم عن معن عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن امرأته صبرة عن أبيها عن عائشة وأورده ابن الجوزي عنه من طريقه ثم قال موضوع والمليكي متروك وتعقبه المؤلف بأنه ممن يكتب حديثه وبأنه لم ينفرد به (وابن أبي الدنيا في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) أي في كتابه المؤلف في ثواب قضاء حوائج الناس عن مجاهد بن موسى عن معن عن يزيد بن عبد الملك النوقلي عن إبراهيم عن أبي أنس (ع) عن داود بن رشيد عن إسماعيل بن عياش عن صبرة بنت محمد بن ثابت عن سباع عن أمها عن عائشة قال الحافظ الزين العراقي وصبرة وأمها وأبوها لا أعرف حالهم (طب عن عائشة) قال الهيتمي فيه من لم أعرفهم (طب عن ابن عباس) بلفظ اطلبوا الخير إلى حسان الوجوه قال الهيتمي فيه عند الطبراني عبد الله بن خراش بن حوشب وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات (عد عن ابن عمر) ابن الخطاب قال ابن عبد الهادي في تذكرته بخطه قال أحمد محمد بن عبد الرحمن بن بجير راويه عن نافع عن ابن عمر ثقة وهذا الحديث كذب انتهى بلفظه (ابن عساكر عن أنس) بن مالك (طس عن جابر) قال الهيتمي وفيه عمر بن صهبان وهو متروك (تمام) في فوائده (قط في رواية مالك) بن أنس الإمام (عن أبي هريرة) قال أعني الهيتمي وفيه طلحة بن عمرو وهو متروك (تمام) في فوائده (عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي وطرقه كلها ضعيفة وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم يصب في قوله في اللآلئ هذا الحديث في نقدي حسن صحيح لم يصب ابن الجوزي [ص: 541] حيث حكم بوضعه ولا ابن القيم كشيخه ابن تيمية حيث قال هذا الحديث باطل لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى بل ذاك تفريط وهذا إفراط والقول العدل ما أفاده زين الحفاظ العراقي الحديث: 1107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 1108 - (اطلبوا الخير) أمر بمعنى الخبر كقوله تعالى {افعلوا الخير} وقوله في خواص عباده {أولئك يسارعون في الخيرات} والخير هنا جميع أنواع البر (دهركم كله) أي مدة حياتكم جميعها لأن الإنسان لا يعلم نجاته في أي محل ولا في أي وقت تحصل ولهذا قال دهركم كله وفي المصباح يطلق الدهر على الأبد والزمان قل أو كثر لكنه في القليل مجاز على الاتساع (وتعرضوا) أي اقصدوا أو من التعرض وهو الميل إلى الشيء من أحد جوانبه (لنفحات رحمة الله) أي اسلكوا طرقها حتى تصير عادة وطبيعة وسجية وتعاطوا أسبابها وهو فعل الأوامر وتجنب المناهي وعدم الانهماك في اللذات والاسترسال في الشهوات رجاء أن يهب من رياح رحمته نفحة تسعدكم أو المعنى اطلبوا الخير متعرضين لنفحات رحمة ربكم بطلبكم منه قال الصوفية التعرض للنفحات الترقب لورودها بدوام اليقظة والانتباه من سنة الغفلة حتى إذا مرت نزلت بفناء القلوب وفي الصحاح نفح الطيب فاح ونفحت الريح هبت ونفحة من عذاب قطعة وفي المصباح نفحه بالمال أعطاه والنفحة العطية وقيل مبتدأ شيء قليل من كثير (فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) المؤمنين فداوموا على الطلب فعسى أن تصادفوا نفحة من تلك النفحات فتكونوا من أهل السعادات. ومقصود الحديث أن لله فيوضا ومواهب تبدو لوامعها من فتحات أبواب خزائتن الكرم والمنن في بعض أوقات فنهب فورتها ومقدماتها كالأنموذج لما رواءها من مدد الرحمة فمن تعرض لها مع الطهارة الظاهرة والباطنة بجمع همة وحضور قلب حصل له منها دفعة واحدة ما يزيد على هذه النعم الدائرة في الأزمنة الطويلة على طول الأعمار فإن خزائن الثواب بمقدار على طريق الجزاء وخزائن المنن النفحة منها تفرق فما تعطي على الجزاء له مقدار ووقت معلوم ووقت النفحة غير معلوم بل مبهم في الأزمنة والساعات وإنما غيب علمه لتداوم على الطلب بالسؤال المتداول كما في ليلة القدر وساعة الجمعة فقصد أن يكونوا متعرضين له في كل وقت قياما وقعودا وعلى جنوبهم وفي وقت التصرف في أشغال الدنيا فإنه إذا داوم أوشك أن يوافق الوقت الذي يفتح فيه فيظفر بالفناء الأكبر ويسعد بسعادة الأبد (وسلوا الله) وفي رواية واسألوا الله (تعالى) أي اطلبوا منه (أن يستر) أي يخفي عن خلقه (عوراتكم) جمع عورة وهي ما يستحى منه إذا ظهر والعوار بالفتح العيب وقد يضم (وأن يؤمن) بضم التحتية وفتح الهمزة والتشديد (روعاتكم) أي فزعاتكم قال الراغب: الروع إصابة الروع واستعمل فيما ألقى فيه من الفزع يقال رعته وروعته وريع فلان وناقة روعاء فزعة والأروع الذي يروع بحسنه كأنه يفزع قال: يروعك أن تلقاه في وسط محفل ولقد أبدع المصطفى وأملح حيث أتى بجناس الاشتقاق بين عورات وروعات (ابن أبي الدنيا في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (والحكيم) الترمذي في النوادر - (هب حل) والقضاعي كلهم (عن أنس) بن مالك وفيه حرملة بن يحيى التجيبي قال أبو حاتم لا يحتج به وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين (هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وقول البغدادي حسن صحيح غير صحيح الحديث: 1108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 1109 - (اطلبوا الرزق في خبايا الأرض) جمع خبيئة كخطيئة وخطايا أي التمسوه في الحرث لنحو زرع وغرس فإن [ص: 542] الأرض تخرج ما فيها من النبات الذي به قوام الحيوان وقيل أراد استخراج الجواهر والمعادن من الأرض وإنما أرشد لطلب الرزق منها لأنه أقرب الأشياء إلى التوكل وأبعدها من الحول والقوة فإن الزارع إذا كرب الأرض ونقاها وقام عليها ودفن فيها الحب تبرأ من حوله وقوته ونفدت حيلته فلا يرى لنفسه حيلة في إنباته وخروجه بل ينظر إلى القضاء والقدر ويرجو ربه دون غيره في إرسال السماء ودفع الآفة مما لا حيلة لمخلوق فيه ولا يقدر عليه إلا الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض. ومن شعر ابن شهاب الزهري قوله في المعنى: تتبع خبايا الأرض وادع مليكها. . . لعلك يوما أن تجاب وترزقا (ع طب) في الأوسط (هب عن عائشة) قال الهيتمي فيه هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي ضعفه ابن حبان انتهى وقال النسائي ذا حديث منكر وقال ابن الجوزي قال ابن طاهر حديث لا أصل له وإنما هو من كلام عروة بل أشار مخرجه البيهقي إلى ضعفه بقوله عقبة هذا إن صح فإنما أراد الحرث وإثارة الأرض للزروع انتهى وفي الميزان عن ابن حبان مصعب بن الزبير ينفرد بما لا أصل له من حديث هشام لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 1109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 1110 - (اطلبوا العلم) الآتي بيانه (ولو بالصين) أي ولو كان إنما يمكن تحصيله بالرحلة إلى مكان بعيد جدا كمدينة الصين فإن من لم يصبر على مشقة التعلم بقي عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليها آل عمره إلى عز الدنيا والآخرة وقال علي كرم الله وجهه العلم خير من المال وقال وهب يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيا والقرب وإن كان قصيا والغنى وإن كان فقيرا والنبل وإن كان حقيرا قال الرضي قد تدخل على الواو لو تدل على أن المدلول على جوابها بما تقدم ولا تدخل إلا إذا كان ضد الشرط المذكور أولى بذلك المقدم الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط قال وكذا قوله اطلبوا العلم ولو بالصين والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية ونفي بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقا به معنى مستأنفا لفظيا على طريق الالتفات كقوله. . . فأنت طلاق والطلاق ألية. . . وقوله:. . . ترى كل ما فيها وحاشاك فانيا وقد يجيء بعد تمام الكلام كقوله عليه الصلاة والسلام: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم) مكلف وهو العلم الذي لا يقدر المكلف بالجهل يه كمعرفة الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه ومعرفة رسله وكيفية الفروض العينية والمراد بالمعرفة الاعتقاد الجازم لا على طريق المتكلمين من أحكام الحج والاستعداد لدفع الشبه فإنه فرض كفاية وكذا القيام بعلوم الشرع من تفسير وحديث وفقه وأصول وعلوم العربية فتعلم ذلك على كل مسلم مكلف حر ذكر غير بليد فرض كفاية وتعلم الزائد مندوب كتعلم النوافل للعبادة (هـ هب عن أنس) بن مالك ثم قال أعني البيهقي متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيفة. إلى هنا كلامه (وابن عبد البر في) كتاب فضل (العلم عق) عن جعفر بن محمد الزعفراني عن أحمد بن أبي سريج الرازي عن حماد بن خالد الخياط عن طريف بن سلمان بن عاتكة عن أنس (عد) عن محمد بن حسن ابن قتيبة عن عباس ابن أبي إسماعيل عن الحسن بن عطية الكوفي عن أبي عاتكة (عن أنس) قال ابن حبان باطل لا أصل له والحسن ضعيف وأبو عاتكة منكر الحديث وفي الميزان أبو عاتكة عن أنس مختلف في اسمه مجمع على ضعفه من طريق البيهقي هذا المذكور عن أنس بن مالك قال السخاوي وغيره وهو ضعيف من الوجهين بل قال ابن حبان باطل لا أصل له وحكم ابن الجوزي بوضعه ونوزع بقول المزي له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن ويقول الذهبي في تلخيص الواهيات روي من عدة طرق واهية وبعضها صالح الحديث: 1110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 [ص: 543] 1111 - (اطلبوا العلم ولو بالصين) أي فيها مبالغة في البعد (فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم) ثم بين ما في طلبه من الفضل ومزيد الشرف بقوله (إن الملائكة تضع أجنحتها) جمع جناح (لطالب العلم) تبسطها له وتفرشها تحت قدميه أو تتواضع له تعظيما لحقه أو تنزل عنده وتترك الطيران أو تعينه وتيسر له السعي في طلب العلم أو تظل لأجله ولا مانع من اجتماعها (رضى بما يطلب) أي رضى له بسبب العلم الذي يطلبه أو رضى بالعلم الذي هو طالبه وفيه كالذي قبله ندب الرحلة في طلب العلم وطلب العلو فيه (تتمة) أخرج الرهاوي والطبراني وغيرهما عن زكريا الساجي قال كنا نمشي في بعض أزقة البصرة لبعض المحدثين فأسرعنا فقال رجل ارفعوا أرجلكم عني أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ فما زال من محله حتى جفت رجلاه وسقط قال الرهاوي هذا كرأي عين لأن رواته أعلام (ابن عبد البر) في كتاب العلم عن أحمد بن عبد الله بن محمد عن مسلمة بن القاسم عن يعقوب بن إسحاق العسقلاني عن عبيد الله الفرياني عن أبي محمد الزهري (عن أنس) بن مالك قال في الميزان يعقوب كذاب انتهى وقال النيسابوري وابن الجوزي ثم الذهبي لم يصح فيه إسناد الحديث: 1111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 1112 - (اطلبوا العلم يوم الاثنين) لفظ رواية أبي الشيخ والديلمي فيما وقفت عليه من نسخة مصححة بخط الحافظ ابن حجر في كل يوم اثنين فكأن المصنف ذهل عنه أو تبع بعض النسخ السقيمة (فإنه ميسر لطالبه) فيه أي يتيسر له أسباب تحصيله بدفع الموانع وتهيئة الأسباب إذا طلبه فيه وذلك لأنه اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وجاء الوحي فيه ويشاركه في ندب الطلب فيه الخميس كحديث ابن عدي عن جابر اطلبوا العلم لكل اثنين وخميس فإنه ميسر لمن طلب وينبغي طلبه في أول النهار لخبر يأتي (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (فر) وكذا ابن عساكر (عن أنس) وفيه مغيرة عن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين ليس بشيء ووقفه طائفة الحديث: 1112 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 1113 - (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري) أي تمر (بالمقادير) يعني لا تذلوا أنفسكم في الجد بالطلب والتهافت على التحصيل بل اطلبوا طلبا رفيقا بعزة نفس وعدم تذلل للميول فإن ما قدر سيكون وما لم يقدر لم يكن فلا فائدة في الانهماك إلا إذاية الجسم وكثرة الهم (تمام) في فوائده (وابن عساكر) في تاريخه (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني ولأبويه صحبة زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم رمز لضعفه الحديث: 1113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 1114 - (اطلبوا الفضل) أي الزيادة من الإحسان والتوسعة عليكم (عند) وفي نسخة إلى وهي بمعنى من (الرحماء من أمتي) أمة الإجابة (تعيشوا) بالجزم جواب الأمر (في أكنافهم) جمع كنف بفتحتين وهو الجانب (فإن فيهم رحمتي) كذا وجدته في النسخ المتداولة والظاهر أنه سقط قبله من الحديث فإن الله يقول أو نحو ذلك ثم رأيت الحافظ الذهبي وغيره ساق الخبر من هذا الوجه من حديث أبي سعيد مصرحا بكونه قدسيا فقال أوله يقول الله اطلبوا الخير إلى آخر ما هنا وقال من عبادي بدل من أمتي وهكذا ساقه ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه المؤلف في مختصرها فقال يقول الله عز وجل اطلبوا إلخ والمعنى إذا احتجتم إلى فضل غيركم من مال أو جاه أو معونة فاطلبوه عند رحماء هذه [ص: 544] الأمة وهم أهل الدين والشرف وطهارة العنصر فإن من توفر حظه من ذلك عظمت شفقته فرحم السائلين وبذل لهم فضل ما عنده طلبا للثواب من غير من ولا أذى ولا مطل بل في ستر وعفاف وإغضاء فيعيش في ظله مع سلامة الدين والعرض ولا يسترقه ببره (ولا تطلبوا) الفضل (من القاسية قلوبهم) أي الفظة الغليظة قلوبهم (فإنهم ينتظرون سخطي) {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} وإنما قست بالتباعد عن الله من أجل نقض الميثاق وفي خبر سيجيء لا يدخل الجنة إلا رحيم قالوا كلنا رحيم قال ليس رحمة أحدكم خويصته يعني أهله لكن حتى يرحم العامة فرحمة الخويصة هي رحمة العطف من الرحمة المقسومة بين الخلق ورحمتك للعامة من رحمة المعرفة بالله تعالى وقيل لحكيم لم صارت الملوك أقسى قلوبا قال تباعدت منها الفكرة وتمكنت منها القسوة والشهوة فاسودت وصلبت (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق) عن محمد بن أيوب بن الضريس عن جندل بن واثق عن أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن ابن السدي عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة (عن أبي سعيد) الخدري قال في اللسان ورواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن مروان السدي عن داود وكذا رواه ابن حبان في الضعفاء من هذا الوجه قال العقيلي عبد الرحمن السدي مجهول لا ينابع على حديثه ولا يعرف من وجه يصح وفي الميزان عبد الرحمن السدي عن داود بن أبي هند لا يعرف وأتى بخبر باطل ثم ساق هذا الخبر وقال خرجه العقيلي قال في اللسان ولفظ العقيلي عبد الرحمن السدي مجهول لا يتابع ولا يعرف حديثه من وجه يصح انتهى وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للطبراني وفيه محمد ابن مروان السدي ضعيف جدا وقال تلميذه الهيتمي متروك انتهى ورواه الحاكم من حديث علي وقال صحيح قال العراقي وليس كما قال وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 1114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 1115 - (اطلبوا المعروف) أي الإحسان قال الحراني المعروف ما أقره الشرع وقبله العقل ووافقه كرم الطبع قال ابن الأثير النصفة وحسن الصحبة مع الناس (من) وفي نسخة إلى وهي بمعنى من (رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم) يعني الأمر بالطرد والابعاد عن منازل أهل الرشاد قال ابن تيمية والمراد بهم هنا اليهود بقرينة تصريحهم بأن المراد هم في آية {ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} وقسوة القلب من ثمرات المعاصي وقد وصف الله اليهود بها في غير موضع منها {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة. . . الآية} {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} ثم قال أعني ابن تيمية وأن قوما ممن قد ينسب إلى علم ودين قد أخذوا من هذه الصفات بنصيب نعوذ بالله مما يكرهه الله ورسوله (يا علي) بن أبي طالب (إن الله تعالى خلق المعروف) وهو كل ما عرفه الشرع بالحسن وقبل ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل النقل ثم غلب على اصطناع الخير (وخلق له أهلا فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله ووجه إليهم طلابه) بالتشديد (كما وجه الماء في الأرض الجدبة) بفتح الجيم وسكون المهملة أي المتقطعة الغيث من الجدب وهو المحل وزنا ومعنى (لتحيا به ويحيا به أهلها إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) يعني من بذل معروفه [ص: 545] للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الأخرة والمراد من بذل جاهه لأهل الجرائم فشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ومفهوم الحديث أن أهل الشر في الدنيا هم أهل الشر في الآخرة <فائدة> في مستدرك الحاكم بسند عن أبي جعفر من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس والقرآن السورة في جام بزعفران ثم يشربه (ك هـ) في الرقاق (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الحاكم في مستدركه صحيح ورده الذهبي بأن فيه الأصبغ بن نباتة واه جدا وحبان بن على ضعفوه انتهى الحديث: 1115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 1116 - (اطلع) بهمزة وصل مكسورة بصيغة الأمر (في القبور) أي أشرف عليها وانظر إليها وتأمل ما صار إليه أهلها من ذهاب الأموال وفناء الآمال وأكل الدود والتراب وانقطاع عن الأهل والأحباب والمصير إلى روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار قال ابن كمال أصل تعدية اطلع بعلى لما فيه من معنى الإشراف كما في الصحاح وعداه هنا بقي باعتبار تضمنه معنى النظر والتأمل والقبر الدفن يقال قبرت الميت أقبره بضم أو كسر قبرا دفنته وأقبرته أمرت بأن يقير والمراد هنا محل الدفن وقد شاع استعماله فيه والمقابر جمع مقبرة ولم يأت في القرآن إلا في {ألهاكم} (واعتبر) أي انعظ (بالنشور) أي انظر وتأمل في قيام الموتى من قبورهم للعرض والحساب والاعتبار من العبرة بمعنى النظر في حال الأموات فأمره بالنظر في القبور على وجه يترتب عليه الاعتبار المذكور وتتبعه العبرة في أحوال النشور ليقل أمل الناظر وبصدق زهده وفي الصحاح نشر الميت ينشر نشورا عاش بعد الموت ومنه يوم النشور وفي الأساس إنه من المجاز أصله نشر بمعنى بسط أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أن من أعظم أدوية قسوة القلوب زيارة القبور وتأمل حال المقبور وما بعده من البعث والنشور الباعث على ذكر هازم اللذات ومفرق الجماعات وكذا مشاهدة المحتضرين وتغسيل الموتى والصلاة على الجنائز فإن في ذلك موعظة بليغة كما يأتي في خبر (هب) وكذا الديلمي (عن أنس) قال شكى رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قال عقبة هذا متن منكر فحذف ذلك من كلامه غير صواب وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن يونس الكديمي من مناكيره وقال هذا أحد المتروكين واتهمه ابن عدي وابن حبان بالوضع الحديث: 1116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 1117 - (اطلعت) بهمزة وصل فطاء مفتوحة مشدودة فلام مفتوحة أي تأملت ليلة الأسراء أو في النوم أو في الوحي أو بالكشف لعين الرأس أو لعين القلب لا في صلاة الكسوف كما قيل (في الجنة) أي عليها (فرأيت أكثر أهلها الفقراء) أي فقراء المدينة. ضمن اطلعت معنى تأملت ورأيت معنى علمت وكذا عداه إلى مفعولين ولو كان الاطلاع بمعناه الحقيقي كفاه مفعول واحد ذكره الطيبي. وهذا من أقوى حجج من فضل الفقر على الغنى والذاهبون لمقابله أجابوا بأن الفقر ليس هو الذي أدخلهم الجنة بل الصلاح (واطلعت في النار) أي عليها والمراد نار جهنم (فرأيت أكثر أهلها النساء) لأن كفران العطاء وترك الصبر عند البلاء وغلبة الهوى والميل إلى زخرف الدنيا والإعراض عن مفاخر الآخرة فيهن أغلب لضعف عقلهن وسرعة انخداعهن - وعورض هذا بأن هذا في وقت كون النساء في النار أما بعد خروجهن بالشفاعة والرحمة حتى لا يبقى فيها أحد من قال لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر وحينئذ يكون لكل واحد زوجتان من نساء الدنيا وسبعون من الحور العين ذكره القرطبي وغيره ولفظ أحمد الأغنياء والنساء - وعورض أيضا بخبر: رأيتكن أكثر أهل الجنة وأجيب بأن المراد بكونهن أكثر أهل النار نساء الدنيا وبكونهن أكثر أهل الجنة نساء الآخرة. وفيه حث على التقلل من الدنيا وتحريض النساء على التقوى والمحافظة من الدين على [ص: 456] السبب الأقوى وأن الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا لبعض المتزلة (حم م) في الدعوات (ت) في صفة جهنم (عن أنس) بن مالك (تخ) في صفة الجنة وغيره (ت) وكذا النسائي في عشرة النساء والرقائق فما أوهمه صنيع المؤلف من أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة غير صواب (عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الخزاعي كانت تسلم عليه الملائكة ورواه أحمد عن ابن عمرو باللفظ المذكور لكنه أبدل النساء بالأغنياء قال العراقي كالمنذري وسنده جيد الحديث: 1117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 1118 - (أطوعكم لله) أي أكثركم طاعة أي انقيادا له من طاع يطيع ويطوع انقاد: أي أفضلكم بدين أو علم (الذي يبدأ صاحبه بالسلام) أي هو الأحمق بأن يبدأ صاحبه بالسلام عند التلاقي فإذا تلاقى اثنان فأكثر ندب أن يبدأ به الأفضل هذا إذا كانا مارين أما لو كان أحدهما واردا فهو الذي يبدأ بالسلام فاضلا أو مفضولا صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا كما ذكره النووي قال الماوردي ومن مشى في الشارع المطروق كالسوق لا يسلم إلا على البعض لأنه إن سلم على كل من لقي تشاغل به عن المهم الخارج لأجله وخرج به عن العرف (طب عن أبي الدرداء) قال قلنا يا رسول الله إنا لنلتقي فأينا يبدأ بالسلام؟ فذكره قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم. انتهى الحديث: 1118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 1119 - (أطول الناس أعناقا) بفتح الهمزة جمع عنق بالضم أي من أكثرهم رجاءا وتشوقا إلى رحمة الله تعالى لأن المتشوق إلى الشيء يتطاول بعنقه إلى التطلع والناس يومئذ في الكرب (يوم القيامة المؤذنون) للصلوات فهم يتطلعون لأن يؤذن لهم في دخول الجنة أو المراد أكثرهم أعمالا يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه وروي بكسرها أي أكثرهم إسراعا إلى الجنة والعنق بفتحتين السير بسرعة وأما ما نقله البيهقي عن الظاهري أن معناه أن المرء يعطش في الموفف فتنطوي عنقه والمؤذن لا يعطش فعنقه قائم فلا سياق يعضده ولا دليل يؤيده ثم إنه لا يلزم من تمييز المؤذنين بهذا النعت أن لا يكون غيرهم أرفع درجة منهم لأسباب أخر نعم أخذ منه النووي أنه أفضل من الإمامة وإنما لم يؤذن المصطفى صلى الله عليه وسلم لشغله بأمر الرسالة على أنه أذن مرة في السفر كما في المجموع وغيره (حم عن أنس) قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح اه ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 1119 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 1120 - (اطووا) إرشادا (ثيابكم) يعني لفوها إذا نزعتموها لإرادة نحو نوم أو مهنة ولا تتركوها منشورة فإنكم إذا طويتموها (ترجع إليها أرواحها) يعني تبقى فيها قوتها والأرواح جمع روح شبهها بالحيوانات ذوات الأرواح على الاستعارة وليست هي جمع ريح كما وهم (فإن الشيطان) أي إبليس أو المراد الجنس (إذا وجد ثوبا مطويا لم يلبسه) أي لم يسلط على لبسه بل يمنع منه من قبل خالقه إن اقترن طيه بالتسمية (وإن وجده منشورا لبسه) فيسرع إليه البلى وتذهب منه البركة ويورث من لبسه بعد ذلك الغفلة عن ذكر الله والفتور عن العبادة والمراد بالثياب هنا ما يلبس من نحو قميص وجبة وإزار وسراويل ورداء وخف. ويؤخذ من العلة أن العمامة كذلك فيحلها إذا أراد نحو النوم ثم يكورها إذا أراد الخروج وأما ما لا يمكن طيه كقلنسوة ونعل فيكفي في حرمان الشيطان منه التسمية المقارنة للوضع (طس عن جابر) بن عبد الله وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد انتهى قال الهيتمي وفيه عمر بن موسى بن وجيه وهو وضاع وقال السخاوي إسناده واه وأما خبر اطووا ثيابكم بالليل لا تلبسها الجن فتتوسخ [ص: 547] فلم أره وفي كلام بعضهم أنها تقول اطووني ليلا أحملكم نهارا الحديث: 1120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 1121 - (أطيب الطيب) أي أفضله وأشرفه (المسك) بكسر الميم فهو أفخر أنواعه وسيدها قال ابن القيم وأخطأ من قدم عليه العنبر كيف وهو طيب الجنة والكثبان التي هي مقاعد الصديقين فيها منه لا من العنبر والذي غر قائله أنه لا يتغير على مر الزمان كالذهب وهذه خصيصة واحدة لا تقاوم ما في المسك من الخواص وقال المصنف أطيب الطيب المسك والعنبر والزعفران وللمسك من بينهم مزيد خصوصية وله عليهم الفضل والمزية حيث جاء ذكره في التنزيل وذلك غاية التشريف والتبجيل قال الله تعالى {يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} ومن منافعه أنه يطيب العرق ويسخن الأعضاء ويمنع الأرياح الغليظة المتولدة في الأمعاء ويقوي القلب ويشجع أصحاب المرة السوداء وفيه من التوحش تفريح ومن السدد تفتيح ويصلح الأفكار ويذهب بحديث النفس ويقوي الأعضاء الظاهرة والباطنة شربا ويعين على الباه وينفع من باد الصداع ويقوي الدماغ وينفع من جميع علله الباردة ويبطل عمل السموم وغير ذلك <تنبيه> المشهور أنه غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في الأسفل والمسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن تسقط منه وفي مشكل الوسيط لابن الصلاح أن النافجة في جوفه كالانفحة في جوف الجدي يلقيها كما تلقى الدجاجة البيضاء وجمع بأنها تلقينها من سرتها فتتعلق بها إلى أن تنحك بشيء فتسقط قال النووي وأجمعوا على طهارة المسك وجواز بيعه ونقل عن الشيعة فيه مذهب باطل وقال الزمخشري قال الحافظ سألت بعض العطارين من أصحابنا المعتزلة عن المسك فقال لولا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تطيب به ما تطيبت به وأما الزباد فليس يقرب ثيابي. فقلت قد يرتضع الجدي من خنزيرة ولا يحرم لحمه لأن اللبن استحال لحما وخرج من تلك الطبيعة وتلك الصورة وذلك الاسم فالمسك غير الدم والخل غير الخمر والجوهر لا يحرم لعينه وإنما للأعراض والعلل فلا تنفر منه عند تذكرك الدم فليس منه (حم م د ن عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الطيالسي وغيره الحديث: 1121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 1122 - (أطيب الكسب) أي أفضل طرق الاكتساب قال ابن الأثير الكسب السعي في طلب الرزق والمعيشة (عمل الرجل بيده) في صناعته وزراعته ونحو ذلك من الحرف الجائرة غير الدنيئة التي لا تليق به وذكر اليد بعد العمل من قبيل قولهم رأيت بعيني وأخذت بيدي والمقصود منه تحقيق العمل وتقريره والتكسب بالعمل سنة الأنبياء كان داود عليه السلام يعمل الزرد فيبيعه بقوته وكان زكريا نجارا (وكل بيع مبرور) أي مقبول عند الله بأن يكون مثابا به أو في الشرع بأن لا يكون فاسدا ولا غش فيه ولا خيانة لما فيه من إيصال النفع إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه ونبه بالبيع على بقية العقود المقصود بها التجارة واعلم أن أصول المكاسب ثلاثة زراعة وصناعة وتجارة والحديث يقتضي تساوي الصناعة باليد والتجارة وفضل أبو حنيفة التجارة ومال الماوردي إلى أن الزراعة أطيب الكل والأصح كما اختاره النووي أن العمل باليد أفضل قال فإن كان زراعا بيده فهو أطيب مطلقا لجمعه بين هذه الفضيلة وفضيلة الزراعة (حم ط) وكذا في الأوسط (ك) وكذا البزار (عن رافع بن خديج) قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب فذكره قال الهيتمي فيه المسعودي وهو ثقة لكنه اختلط في آخر عمره وبقية رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وقال ابن حجر رجاله لا بأس بهم (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 1122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 [ص: 548] 1123 - (أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله) أي ما يكسبه من غنيمة وفيء وسلب قتيل ونحوها لأن ما حصل بسبب الحرص على نصرة دين الله ونيل درجة الشهادة لا شيء أطيب منه فهو أفضل من البيع وغيره مما مر لأنه كسب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرفته؟ ألا ترى إلى قوله جعل رزقي تحت ظل رمحي فأفضل الكسب مطلقا سهم الغازي لما ذكر ثم ما حصل بالاحتراف من عمل اليد لأنه كسب كثير من الأنبياء (الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس) الحديث: 1123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 1124 - (أطيب اللحم) المأكول أي ألذه وأحسنه كذا جرى عليه جمع وجعله بعضهم من الطيب بمعنى الظاهر (لحم الظهر) هو على حذف من أو التفضيل فيه نسبي أو إضافي إذ لحم الذراع أطيب منه لأنه أخف على المعدة وأسرع انهضاما وأنفع ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحبه ويقدمه على غيره بل ذهب البعض إلى تقديم كل مقدم فقال لحم الرقبة يقدم فالذراع لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الرقبة هادية الشاة وأقربها إلى الخير وأبعدها عن الأذى فالعضد فالظهر لكن الأصح تفضيل الذراع (حم هـ ك هب عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي الحديث: 1124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 1125 - (أطيب الشراب) أي أفضله وأحسنه (الحلو البارد) فإنه موافق للمعدة ملائم للبدن لذيذ للشارب ولهذا كان أحب الأشربة إليه عليه الصلاة والسلام كما يجيء وهو سيد الأشربة كما في خبر آخر لأنه إطفاء للحرارة وأدفع للقلة وأبعث للشكر قال ابن القيم إذا جمع الماء الحلاوة والبرد كان أنفع للبدن وأحفظ للصحة وأكثر تغذية وتنفيذ للطعام إلى الأعضاء والفاتر ينفخ ويفعل ضد ذلك (ت عن الزهري مرسلا حم عن ابن عباس) قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن تابعه لم يسم الحديث: 1125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 1126 - (أطيعوني ما كنت) وفي رواية ما دمت (بين أظهركم) أي مدة كوني بينكم حيا فإني لا آمر ولا أنهى إلا بما أمر الله ونهى عنه لأن دعوتي إنما هي لطاعة الله فطاعتي طاعة الله ومن خصائصه أن الله فرض طاعته على العالم فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وبين قوله ما دمت أو كنت بين أظهركم المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه من غير نظر فيه ولا عرضه على الكتاب لأنه لا ينطق عن الهوى ويخاطب كل قوم وشخص بما يليق بالحال والمكان والزمان وأما بعده فيجب عند التعارض ونحوه على الصحيح ويراجع الكتاب وينظر في الترجيح كما أشار إليه قوله (وعليكم بكتاب الله) أي الزموه ثم بين وجه لزومه على طريق الاستئناف بقوله (أحلوا حلاله وحرموا حرامه) يعني ما أحله افعلوه جازمين بحله وما حرمه دعوه ولا تقربوه فكأنه يقول ما دمت بين أظهركم فعليكم باتباع ما أقول وأفعل فإن الكتاب علي نزل وأنا أعلم الخلق وأما بعدي فالزموا الكتاب فما أذن في فعله فخذوا به وما نهى عنه فانتهوا به وعلم من التقرير المار أن لفظ الظهر مقحم للتأكيد <تنبيه> قال العارف ابن عربي قد صح عندنا بالتواتر أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وأنه جاء من عند الله بما يدل على صدقه وهو القرآن المعجز وأنه ما استطاع أحد معارضته فثبت العلم بأنه البناء الحق والقول الفصل والأدلة سمعية وعقلية وإذا حكما بأمر فلا شك أنه يجب العمل بمضمونه فلزمنا أن نلتزم أحكامه وتحل حلاله وتحرم حرامه وهو بمنزلة الدليل [ص: 549] العقلي في الدلالة فلا يحتاج مع ثبوت هذا الأصل إلى دلالة (طب عن عوف) بفتح المهملة أوله وآخره فاء (ابن مالك الأشجعي) قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب أو قال موعوك فذكره قال الهيتمي رجاله ثقات موثقون وقال المنذري رجاله ثقات الحديث: 1126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 1127 - (أظهروا النكاح) أي أعلنوا عقده واضربوا عليه بالدفوف (وأخفوا الخطبة) بكسر الخاء أسروها ندبا وهي الخطاب في غرض التزوج قال الحراني هي هيئة الحال فيما بين الخاطب والمخطوبة الذي النطق بها هو الخطبة بضم الخاء وألحق بعضهم بطلب إعلان النكاح ونوزع والأوجه حمل الإظهار على ختان الذكر والإخفاء على ختان الأنثى وسيأتي لذلك مزيد توضيح (فر عن أم سلمة) وفيه من لا يعرف لكن له شواهد تجبره الحديث: 1127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 1128 - (أعبد الناس) من هذه الأمة أي أكثرهم عبادة (أكثرهم تلاوة للقرآن) لأنه أفضل الذكر العام والعبادة الطاعة مع خضوع وتذلل لله وحده وقيل لغة الخضوع وعرفا فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه (فر عن أبي هريرة) وفيه ضعف الحديث: 1128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 1129 - (أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن وأفضل العبادة الدعاء) أي الطلب من الله تعالى وإظهار التذلل والافتقار بين يديه والمراد أن كلا منهما من الأفضل فلا يلزم منه أن الدعاء أفضل من القراءة هذا والأوجه حمل الدعاء على الصلاة فهي أفضل العبادات مطلقا بعد الإيمان وهي مشتملة على الدعاء والقرآن (المرهبي) بضم الميم وبموحدة نور الهدى حسين بن علي (في) كتاب فضل (العلم له عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) هو أبو نصر اليماني مولى طيء أحد الأعلام والعلماء العباد وأردف المؤلف المسند بهذا المرسل إشارة إلى تقويته به الحديث: 1129 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 1130 - (اعبد) بهمزة وصل مضمومة (الله) أي أطعه فيما أمر ونهى والعبادة الطاعة كما تقرر ولما كان أحد قسمي الكفار يأتون بصورة عبادة لكن يشركون معه غيره تعالى عقب العبادة بنفي الشرك صريحا وإن كان ذلك من لوازم العبادة الصحيحة فقال (لا تشرك به شيئا) حال من ضمير اعبد أي اعبد الله غير مشرك به شيئا صنما ولا غيره أو شيئا من الإشراك جليا أو خفيا وأعم من ذلك البراءة من الشرك العظيم بأن لا يتخذ مع الله إلها آخر لأن الشرك في الإلهية لا يصح معه المعاملة بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الخفي بأن لا يرى لله فيه شريكا في شيء من أسمائه الظاهرة لأن الشرك في سائر أسمائه الظاهرة لا يصح معه القبول ذكره الحراني (وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة) إلى مستحقيها قيد الزكاة به مع أنها لا تكون إلا مفروضة حثا عليها لأن المال محبوب والطبيعة تشح به أو لأن الزكاة تطلق على إعطاء المال تبرعا والتقرب بالفرض أفضل من التقرب بالنفل (وحج) البيت (واعتمر) أي ائت بالحج والعمرة المفروضتين وهي مرة في العمر إن استطعت إليهما سبيلا ومن تطوع فهو خير له (وصم) كل سنة (رمضان) حيث لا عذر (وانظر) أي تأمل وتدبر فهو من الرأي لا الرؤية (ما تحب للناس أن يؤتوه إليك) أي يعاملوك به (فافعله بهم) أي عاملهم به (وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم) أي اتركهم (منه) أي من فعله بهم فإنك إن فعلت ذلك [ص: 550] استقام لك الحال ونظروا إليك بعين الكمال والإجلال واستجلبت ودهم وأمنت شرهم والأمر في الخمسة الأول للفرضية وفي الأخيرة للندب في المندوب والوجوب في الواجب والقصد به الحث على مكارم الأخلاق والمحافظة على معالي الأمور والتحذير من سفسافها وأدانيها والخطاب وإن وقع لواحد لكن المراد به كل مكلف ممن في زمنه ومن بعده (طب عن أبي المنتفق) العنبري صحابي روى عن أبيه رمز المصنف لحسنه الحديث: 1130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 1131 - (اعبد الله) مقصوده كما قال الحراني حمل الخلق على صدق التذلل أثر التطهير من رجسهم ليعود بذلك وصل ما انقطع وكشف ما انحجب ولما ظهر لهم خوف الزجر من زجر عبادة إله آخر أثبت لهم الأمر بالتفريد حيث قال (ولا تشرك به شيئا) أي لا تشرك معه في التذلل له شيئا أي كان وهذا أول ما أقام الله من بناء الدين وجمع بينهما لأن الكفار كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها شركاؤه (واعمل لله كأنك تراه) رؤية معنوية يعني كن عالما متيقظا لا ساهيا ولا غافلا وكن مجدا في العبودية مخلصا في النية آخذا أهبة الحذر فإن من علم أن له حافظا رقيبا شاهدا لحركاته وسكناته فلا يسيء الأدب طرفة عين ولا لمحة خاطر وهذا من جوامع الكلم وقال هنا اعمل لله وقال في حديث الصحيحين اعبد الله لأن العمل أعم فيشمل (واعدد نفسك في الموتى) وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة وتحل فيها حتى تبقى من أهلها وأنك جئت إلى هذه الدار كغريب يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر وقد قال علي كرم الله وجهه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل انتهى فكأنك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة فصرت من عسكر الموتى فنزل نفسك منزلة من قضى نحبه واترك الحرص واغتنم العمل وقصر الأمل ومن تصور في نفسه أنه يعيش غدا لا يهتم له ولا يسعى لكفايته فيصير حرا من رق الحرص والطمع والذل لأهل الدنيا قال ابن الجوزي إذا رأيت قبرا فتوهمه قبرك وعد باقي الحياة ربحا (واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر) أي عند مرورك على كل شيء من ذلك فالمراد ذكره على كل حال قال العارفون: ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره ولما كان ذلك كله يرجح إلى الأمر بالتقوى والاستقامة وكمال ذلك لا يكون إلا لمن اتصف بالعصمة وحفظ عن كل وصمة وأما غيره فلا بد له من سقطة أو هفوة: أرشد إلى تدارك ما عساه يكون من الذنوب بقوله (وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة) تمحها لأن الحسنات يذهبن السيئات (السر بالسر والعلانية بالعلانية) أي إن عملت سيئة فقابلها بحسنة سرية وإن عملت سيئة علانية فقابلها بحسة علانية هذا هو الأنسب وليس المراد أن الخطيئة السرية لا يكفرها إلا توبة جهرية وعكسه كما ظن وقيل أراد بتوبة السر الكفارة التي تكون للصغيرة بالعمل الصالح والقسم الثاني بالتوبة كما سبق موضحا (طب هب) من حديث أبي سلمة (عن معاذ) بن جبل قال أردت سفرا فقلت يا رسول الله أوصني فذكره قال المنذري ورواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين أبي سلمة ومعاذ وقال الحافظ العراقي رجاله ثقات وفيه انقطاع انتهى وقال تلميذه الهيتمي أبو سلمة لم يدرك معاذا ورجاله ثقات وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 1131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 [ص: 551] 1132 - (اعبد الله) وحده حال كونك (كأنك تراه) فإن العبد إذا علم أن الله مطلع على عبادته وسره وعلنه فيها اجتهد في إخلاصه وإتقانها على أكمل ما أمكنه وليس في هذا ونحوه ما يدل على جواز رؤيته تعالى في الدنيا كما وهم (وعد نفسك في الموتى) أي اقطع أطماعك في الدنيا وأهلها واخمل ذكرك واخف شأنك كما أن الموتى قد انقطعت أطماعهم من الدنيا وأهلها واشهد مشاهد القيامة وعد نفسك ضيفا في بيتك وروحك عارية في بدنك خاشع القلب متواضع النفس بريء من الكبر تنظر إلى الليل والنهار فتعلم أنها في هدم عمرك ومن عقد قلبه على ذلك استراح من الهموم وانزاحت عنه الغموم (وإياك ودعوات المظلوم) أي احذرها واجتنب ما يؤدي إليها وفي رواية دعوة المظلوم بالإفراد (فإنهن مجابات) بلا شك لما مر أنها ليس بينها وبين الله حجاب وأنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة (وعليك بصلاة الغداة) أي الصبح (وصلاة العشاء فاشهدهما) أي احضر جماعتهما ودوام عليهما (فلو تعلمون) جمع بعد الإفراد إشارة إلى أن الخطاب وإن وقع لمفرد معين فالقصد التعميم (ما فيهما) من مزيد الفضل ومضاعفة الأجر وكثرة الثواب وقمع النفس والشيطان وقهر أهل النفاق والطغيان (لأتيتموهما) أي أتيتم محل جماعتهما (ولو) كان إتيانكم له إنما هو (حبوا) أي زحفا على الإست أو على الأيدي والأرجل يعني لجئتم إلى محل الجماعة لفعليهما معهم ولو بغاية المشقة والجهد والكلفة فكنى بالزحف عن ذلك ووجه تخصيصهما بذلك ما فيهما من المشقة كما مر (طب) عن رجل من النخع (عن أبي الدرداء) قال الرجل سمعت بالدرداء حين حضرته الوفاة يقول أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وضعفه المنذري وقال الهيتمي الرجل الذي من النخع لم أعرفه ولم أجد من ذكره والمصنف رمز لحسنه وفيه ما ترى الحديث: 1132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 1133 - (اعبد الله كأنك تراه) ومحال أن تراه وتشهد معه سواه وهذا يسمى مقام المشاهدة والمراقبة وهو أن لا يلتفت العابد في عبادته بظاهره إلى ما يلهيه عن مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده فإن لم يحصل له هذا المقام هبط إلى مقام المراقبة المشار إليه بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي أنك بمرأى من ربك لا يخفاه شيء من أمرك ومن علم أن معبوده مشاهد لعبادته تعين عليه تزيين ظاهره بالخشوع وباطنه بالإخلاص والحضور فإنه {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} وفيه حث على كمال الإخلاص ولزوم المراقبة. قيل راود رجل امرأة فقالت ألا تستحي فقال لا يرانا إلا الكواكب قالت فأين أنت من مكوكبها؟ وقال العارف ابن عربي لو لم يبصرك ولم يسمعك لجهل كثيرا منك ونسبة الجهل إليه محال فلا سبيل إلى نفي هاتين الصفتين عنه بحال (واحسب نفسك مع الموتى) أي عد نفسك من أهل القبور وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (واتق دعوة المظلوم) أي دعواته إذ هو مفرد مضاف (فإنها مستجابة) ولو بعد حين كما سبق (حل عن زيد بن أرقم) ابن زيد بن قيس الأنصاري صحابي مشهور أول مشاهده الخندق رمز المصنف لحسنه الحديث: 1133 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 1134 - (اعبد الله ولا تشرك به شيئا وزل) بضم الزاي وسكون اللام من الزوال وهو الذهاب (مع القرآن أينما زال) [ص: 552] أي ارتحل معه أينما ارتحل فأحل حلاله وحرم حرامه وراع أحكامه ودر معه كيفما دار فإنه المزيل لأمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك كفيل برد النحل الباطلة والمذاهب الفاسدة على أحسن الوجوه وأقربها إلى العقول وأفصحها وأنجحها وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن (واقبل الحق) أي قوله وفعله (ممن جاء به من صغير أو كبير) أي من مسن أو حديث السن أو جليل العذر أو وضيع فالمراد الصغير والكبير حسا ومعنى (وإن كان بغيضا) لك (بعيدا) منك بعدا حسيا أو معنويا (واردد الباطل) بشرط سلامة العاقبة (ممن جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبا) لك (أو قريبا) منك حسا أو معنى نسيبا أو غيره والخطاب وإن كان ورد جوابا لسؤال طالب للتعليم لكن المراد به العموم وفيه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الوجوب لا يسقط لكون الآتي بالباطل حبيبا أو قريبا كالأصل والفرع والشيخ والسيد والحاكم والقاضي بشرطه (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم علمني كلمات جوامع نوافع فذكره ورواه عن الديلمي أيضا باللفظ المذكور وفيه عبد القدوس بن حبيب الدمشقي قال الذهبي في الضعفاء تركوه الحديث: 1134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 1135 - (اعبدوا الرحمن) أي أفردوه بالعبادة فإنه المنعم بجلائل النعم ودقائقها أصولها وفروعها فخص اسم الرحمن للتنبيه على ذلك ولمناسبته لقوله (وأطعموا) بهمزة قطع (الطعام) للخاص والعام البر والفاجر (وأفشوا) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) أظهروه وعموا به المؤمنين ولا تخصوا به المعارف إحياء للسنة ونشرا للأمان بين الأمة وقصدا إلى التحابب والتوادد واستكثارا للإخوان لأن كلمته إذا صدرت أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال عليها وهي أول كلمة تفاوض فيها آدم مع الملائكة (تدخلوا) بالجزم جواب الأمر (الجنة بسلام) أي إذا فعلتم ذلك ودمتم عليه وشملتكم الرحمة يقال لكم {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} آمنين {لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} قال الزين العراقي فيه أن هذه الأعمال موصلة إلى الجنة وهو موافق لقوله تعالى {تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ولا يشكل بخبر " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " لما قال ابن عباس إنهم يدخلونها بالرحمة ويقتسمون المنازل بالأعمال الصالحة فعليه تكون وراثتهم للمنازل بهذه الأعمال الصالحة بفضل الله فهو الموفق لها والمجازي عليها فضلا منه لا وجوبا كما تقوله المعتزلة (خاتمة) قال المحققون: للعبادة درجات ثلاث الأولى أن يعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب وهي نازلة جدا لأن معبوده بالحقيقة ذلك الثواب الثانية أن تعبده لتتشرف بعبادته والنسبة إليه وهي أعلى لكنها غير خالصة إذ القصد بالذات غير الله والثالثة أن تعبده لكونه إلها وأنت عبده وهذه أعلاها (ت) وقال حسن صحيح (عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء قال كل شيء يخلق من ماء قلت أنبئني بشيء إذا فعلته دخلت الجنة فذكره الحديث: 1135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 1136 - (اعتبروا) إرشادا (الأرض بأسمائها) أي تدبروها من قولهم عبرت الكتاب إذا تدبرته فإذا وجدتم اسم بقعة من البقاع مكروها فاستدلوا به على أن تلك البقعة مكروهة فاعدلوا عنها إن أمكن أو غيروا اسمها فإن معاني الأسماء مرتبطة بها مأخوذة منها حتى كأنها منها اشتقت ولذلك لما مر المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسيره بين جبلين فقيل ما اسمهما؟ [ص: 553] فقيل فاضح وفجر فعدل عنهما. ولما نزل الحسين رضي الله عنه بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال كرب وبلاء فكان ما كان. ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب قال من أين أنت؟ قالت من بني سعد: قال ما اسمك؟ قالت حليمة: قال بخ بخ سعد وحلم خصلتان فيهما غنى الدهر. وليس هذا من الطيرة المنهي عنها. ولما نزل الأشعث دير الجماجم ونزل الحجاج دير قرة قال استقر الأمر بيدي وتجمجم أمره والله لأقتلنه ونظيره في أسماء الآدميين ما في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل ما اسمك؟ قال: جمرة قال ابن من؟ قال ابن شهاب قال ممن؟ قال من الحرقة قال أين مسكنك؟ قال بحرة النار قال بأيها؟ قال بذات لظى. قال أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كذلك (واعتبروا الصاحب بالصاحب) فإن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والتعارف هو التشاكل المعنوي الموجب لاتحاد الذوق الذي يدرك ذوق صاحبه فذلك علة الائتلاف كما أن التناكر ضده ولذلك قيل فيه: ولا يصحب الإنسان إلا نظيره. . . وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد وقيل: انظر من تصاحب فقل من نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها ولهذا قال الإمام الغزالي تبعا لبعض الحكماء لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر حتى الطير ورأى بعضهم مرة غرابا مع حمامة فاستبعد المناسبة بينهما ثم تأمل فوجدهما أعرجين فإذا أردت أن تعرف من غابت عنك خلاله بموت أو غيبة أو عدم عشرة امتحن أخلاق صاحبه وجليسه بذلك وذلك يدل على كماله أو نقصه كما يدل الدخان على النار ولهذا قيل فيه: إذا أردت ترى فضيلة صاحب. . . فانظر بعين البحث من ندمائه فالمرء مطوي على علاته. . . طي الكتاب وتحته عنوانه وإذا صاحب الرجل غير شكله لم تدم صحبته (عد عن ابن مسعود) عبد الله مرفوعا (هب عنه) موقوفا. قال بعضهم: طرقه كلها ضعيفة لكن له شواهد كخبر الطبراني: اعتبروا الناس بإخوانهم الحديث: 1136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 1137 - (اعتدلوا في السجود) أي كونوا فيه متوسطين وأوقعوه على الهيئة المأمور بها من وضع أكفكم فيه على الأرض ورفع مرافقكم عنها وعن أجنابكم ورفع بطونكم عن أفخاذكم لأنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة بالأرض (ولا يبسط) بالجزم على النهي أي المصلي (ذراعيه) أي لا يبسطهما فينبسط (انبساط الكلب) يعني لا يفرشهما على الأرض في الصلاة فإنه مكروه لإشعاره بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة ومن ذلك التقرير علم أن المراد بالاعتدال هنا إيقاع السجود على وفق الأمر وجوبا وندبا كما تقرر لا الاعتدال الجبلي المطلوب في الركوع فإنه استواء الظهر والعنق والواجب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي وتمكين الجبهة مكشوفة بالأرض والتحامل عليها مع الطمأنينة فإذا حصل ذلك صحت صلاته وإن بسط ذراعيه ولم يجاف مرفقيه لكنه مكروه لهذا النهي والكلام من حيث التفريق في الذكر أما الأنثى فيسن لها الضم لأنه أستر لها كما مر. وقوله يبسط بمثناة فموحدة هو ما وقع في خط المؤلف تبعا للعمدة وغيرها وفي رواية يبتسط بزيادة مثناة فوقية بعد الموحدة وفيه إيماء إلى النهي عن التشبه بالحيوانات الخسيسة في الأخلاق والصفات وهيئة القعود ونحو ذلك (حم ق 4 عن أنس) بن مالك الحديث: 1137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 1138 - (أعتق) فعل ماض (أم إبراهيم) مارية القبطية سريته صلى الله عليه وسلم وهي بالنصب مفعول أعتق (ولدها) إبراهيم: أي أثبت لها حرمة الحرية وأطلق الولد لعدم الالتباس فإنها لم تلد غيره وأجمعوا على أن ولد الرجل من أمته ينعقد حرا. وما كان فيه من الخلاف بين الصدر الأول فقد انقرض فإذا أحبل الرجل الحر ولو كافرا أو محجورا عليه بسفه أو فلس أمته ولو محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو من يملك بعضها وهو موسر فوضعت ولدا [ص: 554] أو بعضه وإن لم تضع باقيه أو وضعت مضغة ظهر خلقها ولو للنساء عتقت بموته من رأس المال وإن قتلته أو أحبلها في مرض موته عند الشافعي (هـ قط ك هق عن ابن عباس) قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قال الذهبي في المهذب: فيه حسين بن عبد الله ضعفوه. وقال ابن حجر: فيه حسين ضعيف لكن له طريق عند قاسم بن أصبغ سندها جيد أه فلو عدل المصنف الطريق لكان أجود الحديث: 1138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 1139 - (أعتقوا) بفتح الهمزة (عنه) أي عمن وجبت عليه كفارة القتل (رقبة) أي عبدا أو أمة موصوفة بصفات الإجزاء في الكفارة (يعتق الله) بكسر القاف لالتقاء الساكنين فإنه مجزوم جواب الأمر (بكل عضو منها عضوا منه من النار) أي إن استحق دخولها زاد في رواية الترمذي: حتى الفرج بالفرج (د ك) في الكفارة وكذا ابن حبان والطبراني (عن وائلة) بن الأسقع. قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب (قوله أوجب: أي يعني النار بالعمل: أي ارتكب خطيئة استوجب بها دخول النار لقتله المؤمن عمدا عدوانا. لقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} أه) بالقتل أي استحقه به فذكره أه قال الحاكم صحيح على شرطهما (قوله على شرطهما: أعني على شرط البخاري ومسلم) وأقره الذهبي وفيه وجوب العتق في كفارة القتل فإن عدم رقبة مؤمنة كاملة مجزئة أو احتاجها للخدمة لزمه صوم شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام أو عن تتابعه ترتبت الكفارة في ذمته وفيه أن الرقبة لا بد من كونها مؤمنة لأن الكفارة منقذة من النار فلا تحصل إلا بمنقذة من النار وأشار بقوله حتى الفرج بالفرج: إلى غفران الكبائر المتعلقة بأعضائها كلها ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون العبد المعتق غير خصي الحديث: 1139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 1140 - (اعتكاف عشر) من الأيام: أي لبثها بنية في مسجد (في رمضان كحجتين وعمرتين) أي يعدل ثواب حجتين وعمرتين غير مفروضتين ولذلك اعتكف المصطفى صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط ثم كان الأخير وواظبه حتى مات والأوجه حمل العشر هنا على الأخير فإنه إذا اعتكفه متحريا ليلة القدر وقام لياليه كلها كأنه قد قام ليلة القدر التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر وذلك أكثر ثوابا من ثواب حجتين وعمرتين بلا ريب وفيه جواز ذكر رمضان بغير شهر (طب عن الحسين بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنهما رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيتمي: فيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك أه الحديث: 1140 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 1141 - (اعتموا) بفتح الهمزة وكسر المثناة فوق (بهذه الصلاة) صلاة العشاء. والباء للتعدية: أي ادخلوها في العتمة وهي ما بعد غيبوبة الشفق أو للمصاحبة: أي ادخلوها في العتمة ملتبسين بها. قال البيضاوي: أعتم الرجل: دخل في العتمة وهي ظلمة الليل أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعليه فلا يدل على أفضلية التأخير ويحتمل أنه من العتم الذي هو الإبطاء يقال أعتم الرجل إذا أخر أه (فإنكم قد فضلتم) بالبناء للمفعول (بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم) والمناسبة بين تأخيرها واختصاصها بنا المجوز لجعل الثاني علة للأول أنهم إذا أخروها منتظرين خروج النبي كانوا في صلاة وكتب لهم ثواب المصلي وفيه أن تأخير العشاء أفضل وإليه ذهب جمع منا فقالوا تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل لكن المفتى به خلافه لأدلة أخرى قال المؤلف وفي خبر أحمد والطبراني ما يدل على نسخ التأخير بالتعجيل. قال المصنف: وقوله فضلتم بها إلخ [ص: 555] يبطل نقل الإسنوي عن شرح مسند الشافعي للرافعي أن العشاء ليونس وقد أخرج الطحاوي عن عبد الله بن محمد ابن عائشة أن أول من صلى العشاء الأخرة نبينا أه وهو زلل فاحش أما أولا فلأن الرافعي لم يقل ذلك من عنده بل أورد فيه حديثا وبفرض أنه لم يرد به خبر فما الذي يصنعه بقول جبريل حين صلى به الخمس: هذا وقت الأنبياء من قبلك؟ فهل يسعه أن يقول أثر الطحاوي هذا الضعيف الذي صرح بعض الأئمة بعدم ثبوته يبطل خبر الصحيحين أيضا على أنه قد روى ابن سعد في: استمتعوا بهذا البيت: المار أن إبراهيم وإسماعيل أتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وأما ثانيا فإن تعبيره بقوله يبطل نقل الاسنوي ركيك بل سقيم فاسد فإنه إنما يبطل على زعمه منقوله لا نقله فإن ما نقله الاسنوي عن شرح المسند موجود فيه وجلالة الإمام الرافعي ورفعة محله أشهر من أن تذكر فالأدب معه متعين على كل من انتسب إلى مذهب الإمام الشافعي وأما ثالثا فلأن ظاهر حاله أنه يزعم أن هذا من عندياته وبنات أفكاره التي لم يسبق إليها ولم يعرج أحد عليها وهو قصور أو تقصير فقد تقدمه للكلام فيه العلامة الهروي وجمع صاروا إلى التوفيق بما حاصله أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أول من صلاها مؤخرا لها إلى ثلث الليل أو نحوه وأما الرسل فكانوا يصلونها عند أول مغيب الشفق ويدل لذلك بل يصرح به قوله في أثر الطحاوي نفسه العشاء الآخرة وبأن الرسل كانت تصليها نافلة لهم ولم تكتب على أممهم ومن صرح بذلك القاضي البيضاوي في شرح المصابيح فقال التوفيق بين قوله لم تصلها أمة قبلكم وقوله في حديث جبريل: هذا وقت الأنبياء من قبلك أن يقال إن صلاة العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب علينا أو يجعل هذا إشارة إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة بخلاف سائر الأوقات إلى هنا كلامه (د) في الصلاة وكذا البيهقي وأحمد والطبراني (عن معاذ) ابن جبل قال: استبطأنا النبي - أي انتظرناه - العتمة فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل ما يقول صلى فإنا لكذلك حتى خرج فقالوا له كما قالوا فذكره رمز المؤلف لحسنه الحديث: 1141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 1142 - (اعتموا) بكسر الهمزة وشد الميم: أي البسوا العمائم ندبا (تزدادوا حلما) بكسر فسكون: أي يكثر حلمكم ويتسع صدركم لأن تحسين الهيئة يبعث على الوقار والاحتشام وعدم الخفة والطيش والسفه وفي حديث أنه يسن إذا اعتم أن يرخى لها عذبة بين كتفيه (طب عن أسامة بن عمير) مصغر بن عامر الهذلي صحابي كوفي (طب) من حديث محمد ابن صالح بن الوليد عن بلال بن بشر عن عمران بن تمام عن أبي حمزة عن ابن عباس (ك) في اللباس من حديث عبد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن ابن عباس) وقال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبيد الله هذا تركه أحمد وغيره اه. قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني عن ابن عباس: فيه عمران بن تمام ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات وأورده ابن الجوزي في الموضوع اه. وتعقبه المصنف فلم يأت يطائل وبالجملة فطرقه كلها ضعيفة. أما طريق الطبراني فقد علمت قول الهيتمي فيهما وأما حديث الحاكم فقال الترمذي في العلل: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال عبيد الله بن أبي حميد ضعيف ذاهب الحديث لا أروي عنه شيئا اه. وأما وضعه فممنوع الحديث: 1142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 1143 - (اعتموا) ندبا (تزدادوا حلما والعمائم تيجان العرب) أي العمائم لهم بمنزلة التيجان للملوك لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفة رؤوسهم أو بالقلانس والعمائم فيهم قليلة وفيه كالذي قبله ندب لبس العمائم ويتأكد للصلاة ولا يعارضه قوله في الحديث المار: ائتوا المساجد حسرا ومعصبين لأن القصد به الحث على إتيان المساجد للصلاة كيف كان وأنه لاعذر في التخلف عنها بفقد العمامة وإن كان التعميم عند إمكانه أفضل كما مر وينبغي ضبط طولها [ص: 556] وعرضها بما يليق بحال لابسها عادة في زمانه ومكانه فإن زاد على ذلك كره وتتقيد كيفيتها بعادة أمثاله أيضا ولذلك انخرمت مروءة فقيه يلبس عمامة سوقي وعكسه وخرمها مكروه بل حرام على من تحمل شهادة لأن فيه إبطالا لحق الغير ولو اطردت عادة محل بعدمها أصلا لم ينخرم به المروءة على الأصح خلافا لبعضهم والأفضل في لونها البياض وصحة لبس المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لعمامة سوداء ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بها وقائع محتملة فلا ينافي عموم الإخبار بالأمر بلبس البياض (عد هب) كلاهما من حديث إسماعيل بن عمر أبي المنذر عن يونس بن أبي إسحاق عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن أسامة بن عمير) ثم قال - أعني البيهقي - لم يحدث به إلا إسماعيل بن عمر عن يونس بن أبي إسحاق اه وإسماعيل هذا ضعفوه ويونس أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ثقة قال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه وقال ابن خراش: في حديثه لين وقال ابن حزم: ضعفه يحيى القطان وأحمد ابن حنبل جدا اه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن له شاهدا وأصله قول ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني والترمذي في العلل المفردة وضعفه عن البخاري وقد صححه الحاكم فلم يصب. قال وله شاهد عند البزار عن ابن عباس ضعيف أيضا الحديث: 1143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 1144 - (اعتموا) بكسر المثناة وخفة الميم: أي صلوا العشاء في العتمة يقال أعتم الرجل إذا دخل في العتمة كما يقال أصبح إذا دخل في الصباح والعتمة ظلمة الليل وقال الخليل: العتمة من الليل ما بعد غيبوبة الشفق: أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعلى هذا لم يدل على أن التأخير فيه أفضل ويحتمل أن يقال إنه من العتم الذي هو الإبطاء يقال أعتم الرجل قراه إذا أخره ذكره كله القاضي البيضاوي وقيل إنما هو اعتموا: أي البسوا العمائم ويؤيده السبب الآتي وعليه ففيه أن التعمم من خصائص هذه الأمة وفيه الأمر بمخالفة من قبلنا من الأمم فيما لم يرد في شرعنا تقريره (خالفوا على الأمم قبلكم فإنهم وإن كانوا يصلون العشاء لكنهم كانوا لا يعتمون بها بل يقارنون مغيب الشفق وهذا مما يوهم ما قاله الجلال كما لا يخفى على أهل الكمال (هب عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف تابعي جليل (مرسلا) قال أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بثياب من الصدقة فقسمها بين أصحابه ثم ذكره الحديث: 1144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 1145 - (أعجز الناس) أي من أضعفهم رأيا وأعماهم بصيرة (من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى لاسيما عند الشدائد لتركه ما أمره الله به وتعرضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه وفيه قيل: لاتسألن بني آدم حاجة. . . وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب وفيه رد على من زعم أن الأولى عدم الدعاء (وأبخل الناس) أي أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل (من بخل بالسلام) على من لقيه من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم فإنه خفيف المؤنة عظيم المثوبة فلا يهمله إلا من بخل بالقربات وشح بالمثوبات وتهاون بمراسم الشريعة أطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام وحعله أبخل لكونه من بخل بالمال معذور في الجملة لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب الطبع والغريزة ففي بذله قهر للنفس وأما السلام فليس فيه بذل مال فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق فهو أبخل من كل بخيل (طس عن أبي هريرة) قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد قال المنذري وهو إسناد جيد قوي وقال الهيتمي رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثفة اه وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته الحديث: 1145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 [ص: 557] 1146 - (اعدلوا بين أولادكم في النحل) أي سووا بينهم في العطايا والمواهب. والنحل بضم النون وسكون المهملة: العطية بغير عوض مصدر نحلته من العطية أنحله كما في الصحاح والاسم النحلة بتثليث النون (كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر) لكم بالكسر الإحسان (واللطف) بضم فسكون الرفق بكم. فإن انتظام المعاش والمعاد إنما يدور مع العدل والتفاضل بينهم يجر إلى الشحناء والتباغض ومحبة بعضهم له وبغض بعضهم إياه وينشأ عن ذلك العقوق ومنع الحقوق (طب) وكذا ابن حبان (عن النعمان بن بشير) وإسناده حسن الحديث: 1146 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 1147 - (اعدى عدوك) يعني من أشد أعدائك عداوة لك والعدو يكون للواحد والجمع والمؤنث والمذكر وقد يثنى ويجمع ويؤنث (زوجتك التي تضاجعك) في الفراش (وما ملكت يمينك) من الأرقاء لأنهم يوقعونك في الاثم والعقوبة ولا عداوة أعظم من ذلك ولذلك حذر الله منهم بقوله {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم الآية} وليس المراد من هذه العداوة ما يفهمه كثير من أنها عداوة البغضاء بل هي عداوة المحبة الصادة عن الهجرة والجهاد وتعليم العلم واكتساب المال من غير حله وإنفاقه في اللذات والشهوات وأكثر ما يفوت من الكمالات الدينية فبسببهم ولا يعارضه ما مر من الأمر بالاحسان إليهن والحث على الوصية بهن وإخباره صلى الله عليه وسلم أنه يحب فاطمة والحسنين لأن المراد أنه يحسن إليهم ويتلطف بهم ويعاملهم بحسن الخلق ويحبهم ويحترس مع ذلك من إيقاعهم إياه فيما لا يسوغ شرعا. والعداوة من الحليلة والولد للرجل أعظم وأكثر وقوعا لنقص عقل المرأة والصغير وعدم إلتفاتهم إلى ما ينجي في الآخرة وقطع نظرهم على تحصيل اللذات والمشتهيات وقد يتفق أن يحمل الرجل زوجته أو ولده على تحصيل المال من غير حله وإنفاقه في شهوات النفوس فيكون عدوا لهما وقد يشتد شغف المرأة بالرجل فتكسب المال من غير حله لترضيه به وذلك كله نادر فلم ينظر إليه <تنبيه> قال الغزالي: لا تعلم ولدك وأهلك فضلا عن غيرهم مقدار مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن رأوه كثيرا لم تبلغ قط رضاهم وادفعهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا تهازلهم فيسقط وقارك (فر عن أبي مالك الأشعري) الصحابي المشهور الحديث: 1147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 1148 - (أعذر الله إلى امرئ) أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذرا يعتذر به كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به فالهمزة للسلب أو بالغ في العذر إليه عن تعذيبه حيث (أخر أجله) يعني أطاله (حتى بلغ ستين سنة) لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب المنية ومظنة انقضاء الأجل فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته ثم هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما يتوجه له على العبد وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له شيئا في الاعتذار يتمسك به وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه وقيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال دنو أجل وسوء عمل. قال القشيري: كان ببغداد فقيه يقرئ اثنين وعشرين علما فخرج يوما قاصدا مدرسته فسمع قائلا يقول: إذا العشرون من شعبان ولت. . . فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار. . . فقد ضاق الزمان على الصغار فخرج هائما على وجهه حتى أتى مكة فمات بها (خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا الحديث: 1148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 [ص: 558] 1149 - (أعربوا) بفتح همزة القطع وسكون المهملة وكسر الراء من أعرب بمهملتين فموحدة (القرآن) أي تعرفوا ما فيه من بدائع العربية ودقائقها وأسرارها وليس المراد الإعراب المصطلح عليه عند النحاة لأن القراءة مع اللحن ليست قراءة ولا ثواب له فيها (والتمسوا) اطلبوا وفي رواية للبيهقي: واتبعوا بدل التمسوا (غرائبه) أي معنى ألفاظه التي يحتاج البحث عنها في اللغة أو فرائضه وحدوده وقصصه وأمثاله ففيه علم الأولين والآخرين. قال الغزالي: ولا يعرفه إلا من طال في تدبر كلماته فكره وصفا له فهمه حتى تشهد له كل كلمة منه بأنه كلام جبار قهار وأنه خارج عن حد استطاعة البشر. وأسرار القرآن مخبأة في طي القصص والأخبار فكن حريصا على استنباطها ليكشف لك ما فيه من العجائب أه. وفيه أنه يجب أن يتعلم من النحو ما يفهم به القرآن والسنة لتوقف ما ذكر عليه (ش ك هب عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح عند جماعة. فرده الذهبي فقال: مجمع على ضعفه وتبعه العراقي فقال سنده ضعيف وقال الهيتمي: فيه متروك وقال المناوي: فيه ضعيفان الحديث: 1149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 1150 - (أعربوا الكلام) أي تعلموا إعرابه قيل: والمراد به هنا من يقابل اللحن (كي تعربوا القرآن) أي لأجل أن تنطقوا به سليما من غير لحن وروى المرهبي أن عمر مر بقوم رموا رشقا فأخطأوا فقال: ما أسوا رميكم فقالوا نحن متعلمين فقال: لحنكم علي أشد من سوء رميكم وهذا الحديث وما قبله لا يعارضه الحديث المار: إذا قرأ القارئ فأخطأ أو لحن إلخ لأنه فيمن عجز أو فقد معلما كما مر (ابن الأنباري) أبو بكر (في) كتاب (الوقف) والابتداء (والمرهبي في) كتاب (فضل العلم) كلاهما (عن أبي جعفر معضلا) هو أبو جعفر الأنصاري الذي قال: رأيت أبا بكر ورأسه ولحيته كأنهما جمر الغضا الحديث: 1150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 1151 - (أعرضوا) بفتح الهمزة وكسر الراء (الصواب بكسر فسكون فكسر أه) من العرض (حديثي على كتاب الله) أي قابلوا ما في حديثي من المأمورات والمنهيات وجميع الأحكام وجوبا أو ندبا على أحكام القرآن (فإن وافقه فهو) دليل على أنه (مني) أي ناشئ عني (وأنا قلته) أي وهو دليل على أنه مني وأني قلته: أي إذا لم يكن ذلك الخبر نسخا للكتاب وهذا لا يتأتى إلا لمن له منصب الاجتهاد في الأحكام (طب عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأصل: وضعف الحديث: 1151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 1152 - (اعرضوا علي رقاكم) جمع رقية بالضم وهي العوذة والمراد ما كان يرقى به في الجاهلية استأذنوه في فعله فقال اعرضوها علي أي لأني العالم الأكبر المتلقي عن معلم العلماء ومفهم الحكماء فلما عرضوا عليه قال (لا بأس بالرقى) أي هي جائزة (ما لم يكن فيه) أي فيما رقى به (شرك) أي شيء يوجب اعتقاد الكفر أو شيء من كلام أهل الشرك الذي لا يوافق الأصول الإسلامية فإن ذلك محرم ومن ثم منعوا الرقى بالعبراني والسرياني ونحو ذلك مما جهل معناه خوف الوقوع في ذلك قال ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الرقى بشروط ثلاثة: أن يكون بكلامه تعالى أو أسمائه أو صفاته وأن يكون بالعربي أو بما يعرف معناه وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى وفيه أن على المفتي أن يسأل المستفتي عما أبهمه في السؤال قبل الجواب (م د عن عوف بن مالك) قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله: كيف ترى في ذلك؟ فذكره وهذا استدركه الحاكم فوهم الحديث: 1152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 [ص: 559] 1153 - (أعرضوا) بهمزة مقطوعة مفتوحة وراء مكسورة من الإعراض يقال أعرضت عنه أضربت ووليت: أي ولوا (عن الناس) أي لا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم (ألم تر) استفهام إنكاري: أي ألم تعلم (أنك إن ابتغيت) بهمزة وصل فموحدة ساكنة فمثناة فوق المعجمة كذا بخط المصنف في الصغير وجعله في الكبير: اتبعت بفوقية فموحدة فمهملة من الاتباع والمعنى واحد ولعلهما روايتان (الريبة) بكسر الراء وسكون المثناة التحتية (في الناس) أي التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها (أفسدتهم) أي أوقعتهم في الفساد (أو كدت) أي قاربت أن (تفسدهم) لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم بدليل الخبر الآتي: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس الحديث. قال الحراني: والإعراض صرف الشيء إلى العرض التي هي الناحية (طب عن معاوية) بن أبي سفيان الأموي من مسلمة الفتح مات سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة وإسناده حسن ورواه عنه أيضا أبو داود بإسناد صحيح بلفظ: إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم. قال النووي: حديث صحيح الحديث: 1153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 1154 - (اعرفوا) بهمزة مفتوحة (الصواب بهمزة وصل مكسورة) من عرف الشيء إذا تحققه وتعلمه: أي اعرفوا أيها الناس ندبا (أنسابكم) جمع نسب وهو القرابة: أي تعرفوها وافحصوا عنها وتعلموها (تصلوا أرحامكم) أي لتصلوا أرحامكم أو لأن ذلك يبعث على صلة أرحامكم بالإحسان وبذل الود ونحو ذلك من صنوف البر (فإنه) أي الشأن (لاقرب) بضم القاف (بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة) في نفس الأمر (ولا بعد بها وإن كانت بعيدة) في نفس الأمر فالقطع يوجب النكران والإحسان يوجب العرفان قال البلقيني: أمر بمعرفة الأنساب وإنما تعرف بتظاهر الأخبار ولا يمكن في أكثرها العيان (الطيالسي) أبو داود (ك) في البر والصلة من حديث ابن عمرو الأموي (عن ابن عباس) قال ابن عمرو كنت عند ابن عباس فمت إليه رجل برحم بعيدة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم على شرط البخاري قال الذهبي: لكنه لم يخرج لأبي داود الطيالسي كذا في التلخيص وقال في المهذب إسناده جيد الحديث: 1154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 1155 - (أعروا) بفتح الهمزة وسكون المهملة وضم الراء (النساء) أي جردوهن من ثياب الزينة والخيلاء والتفاخر والتباهي ومن الحلي كذلك واقتصروا على ما يقيهن الحر والبرد فإنكم إن فعلتم ذلك (يلزمن الحجال) أي قعر بيوتهن وهو بمهملة وجيم ككتاب جمع حجلة بيت كالقبة يستر بالثياب له أزرار كبار: يعني إن فعلتم ذلك بهن لا تعجبهن أنفسهن فيطلبن البروز بل يخترن عليه المكث في داخل البيوت وأما إن وجدن الثياب الفاخرة والحلي الحسن فيعجبهن أنفسهن ويطلبن الخروج متبرجات بزينة ليراهن الرجال في الطرقات والنساء فيصفوهن لأزواجهن ويترتب على ذلك من المفاسد ما هو محسوس بل كثيرا ما يجر إلى الزنا وفيه حث على منع النساء من الخروج إلا لعذر وعلى عدم إكثار ثياب الزينة لهن والمبالغة في سترهن وفي رواية بدل الحجال: الحجاب - بالباء - والمعنى متقارب. [ص: 560] (طب) عن بكر بن سهل الدمياطي عن شعيب بن يحيى عن يحيى عن أيوب عن عمرو بن الحارث عن مجمع بن كعب (عن مسلمة بن مخلد) بفتح اللام الأنصاري الزرقي سكن مصر ووليها مدة وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال شعيب غير معروف وقال إبراهيم: لا أصل لهذا الحديث أه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه غير متعقب له فلعله لم يقف على تعقيب الحافظ ابن حجر بأن ابن عساكر خرجه من وجه آخر في أماليه وحسنه وقال بكر بن سهل. وإن ضعفه جمع لكنه لم ينفرد به كما ادعاه ابن الجوزي فالحديث إلى الحسن أقرب وأيا ما كان فلا اتجاه لحكم ابن الجوزي عليه بالوضع الحديث: 1155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 1156 - (أعز) بفتح فكسر (أمر الله) أي عظم طاعة الله وشدد في امتثال أمره واجتناب نهيه وأقم حدود الله في الكبير والصغير ولا تخش في الله لومة لائم بل تخلق بالإخلاص (يعزك الله) بضم أوله يقويك ويشدك ويكسوك جلالة تصير بها مهابا في القلوب مبجلا في العيون (فر عن أبي أمامة) وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي سبق عن الخطيب أنه وضاع والمأمون بن أحمد قال الذهبي: كذاب أه الحديث: 1156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 1157 - (أعزل) بفتح فسكون فكسر (الصواب بكسر فسكون: أمر من عزل) وفي رواية لمسلم: أخر (الأذى) بالمعجمة (عن طريق المسلمين) أي أزل من طريقهم ما يؤذيهم كشوك وحجر فإن تنحية ذلك من شعب الإيمان كما في عدة أخبار صحاح وحسان والأمر للندب وقد يجب ونبه بذلك على طلب إزالة كل مؤذ من إنسان أو حيوان وفيه تنبيه على فضل فعل ما ينفع المسلمين أو يزيل ضررهم وإن كان يسيرا حقيرا ويظهر أن المراد الطريق المسلوك لا المهجور وإن مر فيه على ندور وخرج بطريق المسلمين طريق أهل الحرب ونحوهم فلا يندب عزل الأذى عنها بل يندب وضعه فيها ويظهر أنه يلحق بهم طريق القطاع وإن كانوا مسلمين حيث اختصت بهم وقد يشمل الأذى قطاع الطريق والظلمة. لكن ذلك ليس إلا للإمام والحكام (م هـ) في البر (عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله علمني شيئا أنتفع به فذكره ولم يخرجه البخاري الحديث: 1157 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 1158 - (اعزل) أيها المجامع (عنها) عن أمتك ماءك بأن تنزع عند الإنزال فتنزل خارج الفرج دفعا لحصول الولد المانع للبيع. قال الحراني: والعزل في الأصل طلب الانفراد عما من شأنه الاشتراك (إن شئت) أن لا تحبل وذلك لا ينفعك (فإنه سيأتيها ما قدر لها) فإن قدر لها حمل حصل وإن عزلت أو عدمه لم يقع وإن لم تعزل والضمير للشأن وفيه مؤكدات: إن وضمير الشأن وسين الاستقبال. ومذهب الشافعي حل العزل عن الأمة مطلقا والحرة بإذنها بلا كراهة. وقال الثلاثة: له العزل عن الأمة لا الزوجة إلا بإذنها لما فيه من تفويت لذتها وهذا قاله لمن قال: لي جارية هي خادمتنا وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فذكره واختلف في علة النهي عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر. قال ابن حجر: والثاني هو الذي يقتضيه معظم الأخبار الواردة في ذلك. وقال إمام الحرمين: موضع المنع أن ينزع بقصد الإنزال خارج الفرج خوف العلوق ومتى فقد ذلك لم يمنع: أي فلو نزع لا بقصده فاتفق إنزاله خارج الفرج لم يتعلق به كراهة (م) في النكاح (عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري الحديث: 1158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 1159 - (اعزلوا أو لا تعزلوا) يعني لا فائدة في العزل ولا في تركه إذ (ما كتب الله تعالى) أي قدر (من نسمة) أي نفس (هي [ص: 561] كائنة) في علم الله (إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج فلا فائدة لعزلكم ولا لعدمه لأنه إن كان قدر الله خلقها سبقكم الماء من حيث لا تشعرون فلا ينفعكم العزل ولا خلاف بين أهل السنة أن الأمور تجري على قضاء وقدر وعلم سابق وكتاب متقدم وإن كان علقها بالأسباب فلاحظ الأسباب فيها لكنها علامات على وجود ما قدر أما إنه ينسب إليها تأثير وعمل فلا فمقصود الحديث السكوت تحت جريان المقادير والثقة بصنع الله فيما يريد (طب عن صرمة) بكسر فسكون (العذري) بعين مهملة مضمومة وذال معجمة: صحابي جليل. قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا كرائم العرب فرغبنا في البيع وقد اشتدت علينا العزوبة فأردنا أن نستمتع ونعزل فقال بعضنا لبعض ما ينبغي لنا أن نصنع لك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا حتى نسأله فسألناه فذكره. قال الهيتمي: فيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف وظاهر تخصيصه الطبراني بالعزو أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما بدأ بالعزو إليه مع أن الإمام في هذا الفن البخاري خرجه بمعناه في عدة مواضيع كالتوحيد والقدر والمحرمات. ومسلم وأبو داود في النكاح. والنسائي في العتق عن أبي سعيد قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ما عليكم ألا تفعلوا. ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أه والقانون أنه إذا كان في الصحيحين أو أحدهما ما يفي بمعنى حديث فالسكوت عنه والاقتصار على عزوه لغيره غير لائق لإيهامه الحديث: 1159 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 1160 - (اعط) بفتح أوله من أعطى وفي رواية أبي العالية أعطوا (كل سورة) من القرآن (حظها) نصيبها (من الركوع والسجود) ويحتمل أن المراد إذا قرأتم سورة فصلوا عقبها صلاة قبل الشروع في أخرى. ويحتمل أن المراد أوفوا القراءة حقها من الخشوع والخضوع اللذين هما بمنزلة الركوع والسجود في الصلاة وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا (ش) من حديث أبي العالية (عن بعض الصحابة) وسكت عليه عبد الحق مصححا له قال ابن القطان وهو كما ذكر وزعم ضعفه باطل الحديث: 1160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 1161 - (أعطوا أعينكم حظها من العبادة) قالوا يا رسول الله وما حظها منها قال (النظر في المصحف) يعني قراءة القرآن نظرا في المصحف فقراءته في المصحف أفضل من قراءته من حفظه وبهذا أخذ أكثر السلف. قال النووي: وهكذا قاله أصحابنا وليس على إطلاقه بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر من الحاصل من القراءة الحاصلة من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل. فإن استويا فمن المصحف أفضل. قال وهذا مراد الحديث (والتفكر فيه) أي تدبر آيات القرآن وتأمل معانيه والتفكر كما في القاموس وغيره: إعمال النظر في الشيء (والاعتبار عند عجائبه) من أوامره وزواجره ومواعظه وأحكامه وقصصه ووجوه بلاغته وبديع رموزه وإشاراته وعطف الاعتبار على التفكر لأنه نتيجته والعجائب جمع عجيبة والتعجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره واعلم أن الناس يتفاوتون في التدبر بحسب المعرفة والتقوى والفهم بالله والعارفون بالله لهم الحظ الأوفر من ذلك وتتفاوت التجليات والتنزلات على أسطحة قلوبهم حال تدبرهم بحسب مقاماتهم فالتدبر والخشوع مشرعة الأفكار السليمة فيشرب كل أحد منهم بحسب مشربه وهو منتهى الخشوع والخير كله حتى أن النحوي يأخذ منه أدلته وأمثلته. وقال ابن عربي: استنبطت منه بضعا وسبعين ألف علم (الحكيم) الترمذي في النوادر (هب عن أبي سعيد) الخدري وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قالوا سنده ضعيف الحديث: 1161 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 [ص: 562] 1162 - (أعطوا السائل) الذي يسأل التصدق عليه بصدقة غير مفروضة (وإن) لفظ رواية الموطأ ولو (جاء على فرس) يعني لا تردوه وإن جاء على حالة تدل على غناه كأن كان على فرس فإنه لو لم تدعه الحاجة إلى السؤال لما بذل وجهه وزعم أن المراد لا تردوه وإن جاء على فرس يطلب علفه وطعامه ركيك متعسف. قال الحراني: ولو في مثل هذا السياق تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها فكونه جاء على فرس يؤذن بغناه فلا يليق أن يعطى فنص عليه دفعا للتوهم وقال ابن حبان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السياق والمعنى أعطوه كائنا من كان ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته. ألا ترى أنه لا يحسن: أعطوا السائل ولو كان فقيرا أه ومقصود الحديث الحث على إعطاء السائل وإن جل ولو ما قل لكن إذا وجده ولم يعارضه ما هو أهم وإلا فلا ضير في رده كما يفيده قوله في الحديث المار؟ إذا رددت على السائل إلخ وقال في المطامح: قد تدخل لو في التعظيم كما هنا <فائدة> قال في العنوان قال بعض الأعيان ألزمني أحمد بن طولون صدقاته فقلت ربما مدت إلي اليد المطوقة بالذهب والسوار والمعصم والكم الناعم أفأمنع هذه الطبقة قال: هؤلا المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التفف احذر أن ترد يدا امتدت وأعط من استعطاك وكان يتصدق في كل أسبوع بثلاثة آلاف دينار (عد) في الكامل (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عمر بن يزيد الأزدي من حديثه وقال منكر الحديث وتبعه في الميزان. وقال السخاوي: سنده ضعيف. ورواه في الموطأ مرسلا عن زيد بن أسلم. قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرساله خلافا عن مالك. وقد روي من حديث الحسين بن علي مرفوعا وإسناده غير قوي الحديث: 1162 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 1163 - (أعطوا المساجد) ندبا مؤكدا (حقها) قال بعض الصحب: وما حقها يا رسول الله؟ قال (ركعتان) تحية المسجد إذا دخلته (قبل أن تجلس) فيه فإن جلست عمدا فاتتك لتقصيرك مع عدم الحاجة إلى الجلوس ويحصلان بفرض أو نفل وإن لم تنو وهذا في غير المسجد الحرام وأما المسجد الحرام فتحيته الطواف وقابل الجمع بالجمع في قوله أعطوا المساجد وأفرد تجلس لأنه خاطب به فردا وهو السائل الذي سأل ما حقها وفي بعض الروايات تجلسوا على الأصل (ش عن أبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو النعمان السلمي بفتحتين ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي ورمز المصنف لصحته الحديث: 1163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 1164 - (أعطوا الأجير أجره) أي كراء عمله (قبل أن يجف عرقه) أي ينشف لأن أجره عمالة جسده وقد عجل منفعته فإذا عجلها استحق التعجيل ومن شأن الباعة إذا سلموا قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى. إذ كان ثمن مهجته لا ثمن سلعته فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق أو عرق وجف وفيه مشروعية الإجارة والعرق بفتح المهملة والراء الرطوبة تترشح من مسام البدن (هـ) في الأحكام (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الرحمن بن يزيد ضعفوه وقال ابن طاهر أحد الضعفاء (ع عن أبي هريرة) قال الهيتمي: وفيه عبد الله بن جعفر المدني وهو ضعيف وقال الذهبي: ضعيف بمرة (طس عن جابر) قال الهيتمي: وفيه شرفي بن قطامي ومحمد بن زياد الراوي عنه ضعيفان (الحكيم) [ص: 563] الترمذي (عن أنس) بن مالك وهو عند الحكيم من رواية محمد بن زياد الكلبي عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عنه ذكر ذلك ابن حجر قال وأخطأ من عزاه للبخاري أه. وقال الذهبي: هذا حديث منكر وأقول: محمد ابن زياد الكلبي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال يحيى لا شيء وفي الميزان أخباري ليس بذاك وفي اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم وبشر بن الحسين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك. وفي اللسان كأصله عن ابن عدي عامة حديثه غير محفوظ وقال أبو حاتم: يكذب على ابن الزبير أه وبالجملة فطرقه كلها لا تخلو من ضعيف أو متروك لكن بمجموعها يصير حسنا الحديث: 1164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 1165 - (أعطي) بإثبات الياء خطابا لأسماء بنت أبي بكر (ولا توكي) بسكون الياء أي لا تدخري ولا تربطي الوكاء وهو الخيط يربط به (فيوكى عليك) بسكون الألف قال ابن حجر: هو عند البخاري بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل وفي رواية له: لا تحصي فيحصي الله عليك فأبرز الفاعل قال: وكلاهما بالنصب لكون جواب النهي بالفاء والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو هنا مجاز عن الإمساك فالمعنى لا تمسكي المال في الوعاء وتوكي عليه فيمسك الله فضله عنك كما أمسكت فضل ما أعطاك الله فإن الجزاء من جنس العمل ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب وفيه النهي عن منع الصدقة خشية النفاد وأنه أعظم الأسباب لقطع مادة البركة وأنه تعالى يثيب على العطاء بغير حساب (د عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت يا رسول الله ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه؟ فذكره. سكت عليه أبو داود فهو صالح الحديث: 1165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 1166 - (أعطيت جوامع الكلم) أي ملكة أقتدر بها على إيجاز اللفظ مع سعة المعنى بنظم لطيف لا تعقيد فيه يعثر الفكر في طلبه ولا التواء يحار الذهن في فهمه فما من لفظة يسبق فهمها إلى الذهن إلا ومعناها أسبق إليه وقيل أراد القرآن وقيل أراد أن الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الأمور المتقدمة جمعت له في الأمر الواحد والأمرين (واختصر) أي أوجز (لي الكلام) حتى صار ما أتكلم به كثير المعاني قليل الألفاظ وقوله (اختصارا) مصدر مؤكد لما قبله فهو الجامع لما تفرق قبله في الرسل من الكمال المخصوص بما لم يعطه أحد منهم من المزايا والإفضال فمما اختص به عليهم الفصاحة والبلاغة (ع عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب والدارقطني عن ابن عباس الحديث: 1166 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 1167 - (أعطيت سورة البقرة) أي إلا خواتيمها كما يشير إليه بل يعنيه قوله الآتي: وخواتيم سورة البقرة إلخ وفيه رد على من استكره أن يقال سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة (من الذكر الأول) أي عوضا من الذكر الأول قال الكلاباذي في بحره: هو الصحف العشرة والكتب الثلاثة ولم يطلع عليه من أكثر الترديد والاضطراب وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل أي فالبقرة جامعة لما في تلك الصحف والكتب من العلوم متضمنة لما فيها من المعارف (وأعطت) سورة (طه و) سور (الطوسين والحواميم من ألواح) الكليم (موسى) بن عمران أي عوضا منها كما تقرر فهي متضمنة لا فيها من الأحكام والمواعظ وغيرها. قال ابن حجر: وخص موسى لأن كتابه أوسع من الإنجيل حكما وغيره (وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة) وهي من قوله: آمن الرسول - إلى آخرها (من تحت العرش) أي [ص: 564] عرش الرحمن تقدس (والمفصل) سمى مفصلا لأن سوره قصار كل سورة كفصل من الكلام قيل طواله إلى سورة عم وأوساطه إلى الضحى. وقوله (نافلة) أي زيادة راجع للفاتحة والخواتيم والمفصل أي فما تضمنته الكتب المنزلة على الأنبياء قبله ولم ينزل مثلهن على أحد من الأنبياء وليس عائدا للمفصل وحده لما يأتي من التصريح بأن إعطاء الفاتحة وخواتيم البقرة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجزم به كثيرون وأما قوله في الحديث الآتي وفضلت بالمفصل فلا ينافي أنه فضل بغيره أيضا. وفيه أن من القرآن ما نزل نحوه على من قبله وفي بعض الآثار أن أول التوراة أول الأنعام وآخرها آخر هود وأن بعض القرآن أفضل من بعض. قال بعضهم: القرآن جامع لنبأ الأولين والآخرين فعلم الأمم الماضية علم خاص وعلم هذه الأمة علم عام وعلم أهل الكتاب قليل {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قرأ الحبر: وما أوتوا وعلم هذه الأمة كثير {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} (ك) في فضائل القرآن من حديث عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي أحد من بايع تحت الشجرة قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن عبيد الله قال أحمد تركوا حديثه الحديث: 1167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 1168 - (اعطيت آية الكرسي من تحت العرش) أي من كنز تحت العرش كما جاء مصرحا به هكذا في رواية وبقية الحديث: ولم يؤتها نبي قبلي أه ومن ثم قال المؤلف من خصائصه أنه أعطي من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص بالبسملة والفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والسبع الطوال والمفصل (تخ وابن الضريس) بضم الضاد المعجمة وشد الراء (عن الحسن) البصري (مرسلا) قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مسندا وهو عجيب فقد رواه الديلمي مسلسلا بقوله ما تركتها منذ سمعتها من حديث أبي أمامة عن علي كرم الله وجهه قال أبو أمامة: سمعت عليا يقول: ما أرى رجلا أدرك عقله في الإسلام يبيت حتى يقرأ هذه الآية {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} إلى {وهو العلي العظيم} فلو تعلمون ما هي أو ما فيها لما تركتموها على حال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت إلخ قال علي كرم الله وجهه: فما بت ليلة قط منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقرأها. قال أبو أمامة: وما تركتها منذ سمعتها من علي كرم الله وجهه ثم سلسله الباقون الحديث: 1168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 1169 - (أعطيت ما لم) نكرة موصوفة في محل المفعول الثاني (يعط) بالضم (أحد من الأنبياء قبلي) ظاهره أن كل واحدة مما ذكر لم تكن لأحد قبله (نصرت بالرعب) أي بخوف العدو مني يعني بسببه وهو الذي قطع قلوب أعدائه وأخمد شوكتهم وبدد جموعهم وزاد في رواية مسيرة شهر وفي أخرى شهرين (وأعطيت مفاتيح) جمع مفتاح بكسر أوله اسم للآلة التي يفتح بها وهو في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها بها ذكره ابن الأثير (خزائن الأرض) استعارة لوعد الله له بفتح البلاد. وهي جمع خزانة ما يخزن فيه الأموال مخزونة عند أهل البلاد قبل فتحها أو المراد خزائن العالم بأسره ليخرج لهم بقدر ما يستحقون فكلما ظهر في ذلك العالم فإنما يعطيه الذي بيده المفتاح بإذن الفتاح وكما اختص سبحانه بمفاتيح علم الغيب الكلي فلا يعلمها إلا هو خص حبيبه بإعطاء مفاتيح خزائن المواهب فلا يخرج منها شيء إلا على يده (وسميت أحمد) فلم يسم به أحد قبله حماية من الله لئلا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك في كونه هو المنعوت بأحمد في الكتب السابقة (وجعل لي التراب طهورا) أي مطهرا عند تعذر الماء حسا أو شرعا. قال ابن حجر: وذا ينصر القول بأن التيمم خاص بالتراب إذ لو جاز بغيره لما اقتصر عليه (وجعلت أمتي خير الأمم) بنص {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وشرف أمته من شرفه وليس المراد حصر [ص: 565] خصائصه في الخمسة المذكورة بدليل خبر مسلم: فضلنا على الأنبياء بست وفي رواية بسبع وفي أخرى أكثر ولا تعارض لاحتمال أنه اطلع أولا على بعض ما خص به ثم على الباقي أو أن البعض كان معروفا للمخاطب على أن مفهوم العدد غير حجة على الأصح واستدل به القرطبي على أن التيمم يرفع الحدث لتسويته بين التراب والماء في قوله طهورا وهو من أبنية المبالغة وهو قول لمالك ومشهور مذهبه أنه مبيح كمذهب الشافعي لا رافع <تنبيه> قال الحكيم الترمذي: إنما جعل تراب الأرض طهورا لهذه الأمة لأنها لما أحست بمولد نبيها انبسطت وتمددت وتطاولت وأزهرت وأينعت وافتخرت على السماء وسائر الخلق بأنه مني خلق وعلى ظهري تأتيه كرامة الله وعلى بقاعي يسجد بجبهته وفي بطني مدفنه فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهورا لأمته فالتيمم هدية من الله لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان (حم عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وهو غير صواب كيف وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل سيء الحفظ وإن كان صدوقا فالحديث حسن لا صحيح الحديث: 1169 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 1170 - (أعطيت فواتح الكلام) أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره وفي رواية مفاتح الكلم. قال الكرماني: أي لفظ قليل يفيد معنى كثيرا وهذا معنى البلاغة وشبه في الخبر المار ذلك القليل بمفاتيح الخزائن التي هي آلة الوصول إلى مخزونات متكاثرة (وجوامعه) التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعا كالقرآن في كونه جامعا فإنه خلقه (وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه (ش ع طب عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الديلمي ورمز المصنف لحسنه الحديث: 1170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 1171 - (أعطيت مكان التوراة) أي بدل ما فيها وكذا يقال فيما بعده وهي فوعلة لو صرفت من الورى وهو قدح الزناد من الزند استثقل اجتماع الواوين فقلبت أولاهما تاء قال الحراني: فهي تورية بما هي نور أعقب ظلام ما وردت عليه من كفر من دعى إليها من الفراعنة فكان فيها هدى ونور (السبع الطوال) بكسر الطاء جمع طويلة وأما بضمها فمفرد كرجل طوال وقال ابن الأثير: جمع طولى مثل الكبار في الكبرى وهذا البناء يلزمه الألف واللام والإضافة وأولها البقرة وآخرها براءة - بجعل الأنفال وبراءة واحدة - وغير ذلك (وأعطيت مكان الزبور المئين) بفتح الميم وكسر الهمزة فمثناة تحت ساكنة أي السور التي أولها ما يلي الكهف لزيادة كل منها على مئة آية أو التي فيها القصص أو غير ذلك (وأعطيت مكان الانجيل) من النجل وضع على زيادة إفعيل المزيد معنى ما وضعت له هذه الصيغة وزيادة يائها مبالغة في المعنى وأصل النجل استخراج خلاصة الشيء ومنه قيل للولد نجل أبيه كأن الانجيل استخلص خلاصة نور التوراة فأظهر باطن ما شرع في التوراة ظاهره فإن التوراة كتاب إحاطة الأمر الظاهر الذي يحيط بالأعمال وإصلاح أمر الدنيا وحصول الفوز من عاقبة يوم الآخرة فهو جامع إحاطة الأمر الظواهر والانجيل كتاب إحاطة الأمر الباطن يحيط بالأحوال النفسانية التي بها يقع لمح موجود الآخرة مع الاعراض عن إصلاح الدنيا بل مع هدمها والفرقان هو الكتاب الجامع المحيط بالظاهر والباطن (والمثاني) وهي السور التي آيها مئة أو أقل أو ماعدا السبع الطوال إلى المفصل: سمي مثاني لأنها أثنت السبع أو لكونها قصرت عن المئين وزادت على المفصل أو لأن المئين جعلت مبادئ والتي تليها مثاني ثم المفصل وقيل غير ذلك (وفضلت بالمفصل) بضم الميم وفتح الفاء ومهملة مشددة ويسمى المحكم وآخره سورة الناس اتفاقا وهل أوله الحجرات أو الجاثية أو القتال أو ق أو الصافات [ص: 566] أو الصف. أقوال رجح النووي وتبعه القاموس: الأول وله طوال وأوساط وقصار مفصلة في الفروع وغيرها (طب هب) وكذا أحمد وكأن المصنف ذهل عنه وإلا لقدمه في العزو إليه على عادته (عن واثلة) بكسر المثلثة ابن الأسقع قال الهيتمي: وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وضعفه النسائي وغيره أه وأقول فيه أيضا عمرو بن مرزوق أورده الذهبي في الضعفاء وقال كان يحيى بن سعيد لا يرضاه فنصيب الهيتمي لا يرضاه الجناية برأس عمران وحده خلاف الأنصار الحديث: 1171 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 1172 - (أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة) أولها: آمن الرسول (من كنز تحت العرش) قال الحافظ العراقي معناه أنها ادخرت له وكنزت له فلم يؤتها أحد قبله وكثير من آي القرآن منزل من الكتب السابقة باللفظ أو بالمعنى وهذه لم يؤتها أحد وإن كان فيه أيضا ما لم يؤت غيره لكن هذه خصوصية لهذه الأمة وهي وضع الأمر الذي على من قبل فلهذا قال (لم يعطها نبي قبلي) قال في المطامح: الله أعلم ما هذا الكنز ويجوز كونه كنز اليقين فهو كنز مخبوء تحت العرش أخرج منه سبحانه ثمانية مثاقيل من نور اليقين فأعطى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وزيد ذخيرة خصوصية للرسالة فلذلك وزن إيمانه بإيمان الخلق فرجح. إلى هنا كلامه وهو غريب (حم طب) وكذا الأوسط (هب عن حذيفة) بن اليماني (حم عن أبي ذر) قال الحافظ الهيتمي ورجال أحمد رجال الصحيح أه الحديث: 1172 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 1173 - (أعطيت ثلاث خصال) جمع خصلة ومر تعريفها ولا ينافيه خبر: أعطيت خمسا الآتي ولا خبر ستا ولا تبديل بعض الخصال ببعض في الروايات لاحتمال أنه أعطي الأقل فأخبر به ثم زيد فأخبر به وهكذا أو أنه أعطي أولا الأكثر فأخبر به ثم أخبر ببعضه بناء على المشهور من أن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر (أعطيت صلاة في الصفوف) كما تصف الملائكة عند ربها وكانت الأمم المتقدمة يصلون منفردين وجوه بعضهم إلى بعض وقبلتهم إلى الصخرة (وأعطيت السلام وهي تحية أهل الجنة) أي يحيي بعضهم بعضا به {تحيتهم فيها سلام} وكانت الأمم السابقة إذا لقي بعضهم بعضا انحنى له بدل السلام وفيه مؤنة فأعطينا تحية أهل الجنة فيا لها من منة (وأعطيت آمين) أي ختم الداعي قراءته أو دعاءه بلفظ آمين (ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم) أي لم يعط هذه الخصلة الثالثة كما يدل له قوله (إلا أن يكون الله) تعالى (أعطاها) نبيه (هارون) ثم بين وجهه بقوله (فإن موسى) أخاه (كان يدعو الله) تعالى (ويؤمن) على دعائه أخوه (هارون) كما دل عليه لفظ التنزيل حيث قال تعالى {قد أجيبت دعوتكما} وقال في مبتدأ الآية {وقال موسى ربنا} فدل على أن موسى هو الداعي وهارون يؤمن وسماه داعيا لأنه لتأمينه عليه مشارك له في الدعاء فالخصلتان الأولتان من خصوصيات هذه الأمة مطلقا والثالثة من خصوصياتها على غير هذين الأخوين (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (وابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) بن مالك الحديث: 1173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 1174 - (أعطيت خمسا) أي من الخصال قاله في تبوك آخر غزواته (لم يعطهن) الفعلان مبينان للمفعول والفاعل الله (أحد [ص: 567] من الأنبياء) أي لم تجتمع لأحد منهم أو كل واحدة لم تكن لأحد منهم (قبلي) فهي من الخصائص وليست خصائصه منحصرة في الخمس بل هي تزيد على ثلاث مئة كما بينه الأئمة والتخصيص بالعدد لا ينفي الزيادة ولا مانع من كونه اطلع أولا على البعض ثم على البقية كما مر (فإن قيل) ذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة قلنا إن ثبت فذاك والأكمل أنه إخبار عن زيادة مستقبلا عبر عنه بالماضي تحققا لوقوعه (نصرت) أي أعنت (بالرعب) بسكون العين المهملة وضمها الفرع أو الخوف مما يتوقع نزوله زاد أحمد: يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر) أي نصرني الله بإلقاء الخوف في قلوب أعدائي من مسيرة شهر بيني وبينهم من سائر نواحي المدينة وجعل الغاية شهرا إشارة إلى أنه لم يكن بين بلده وبين أحد من اعدائه مسافة أكثر من شهر إذ ذاك فلا ينافي أن ملك أمته يزيد على ذلك بكثير وهذا من خصوصية له ولو بلا عسكر ولا يشكل بخوف الجن وغيرهم من سليمان لأن المراد على الوجه المخصوص الذي كان عليه المصطفى من عدم العلم بالتسخير بل بمجرد الشجاعة والإقدام البشري وسليمان علم كل أحد أنها قوة تسخير وفي اختصاص أمته بذلك احتمالات رجح بعضهم منها أنهم قد رزقوا منه حظا وافرا. لكن ذكر ابن جماعة أنه جاء في رواية أنهم مثله (واعلم) أنه ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو كما ذكروه (وجعلت لي الأرض) زاد أحمد ولأمتي أي ما لم يمنع مانع (مسجدا) أي محل سجود ولو بغير مسجد وقف للصلاة فلا يختص بمحل بخلاف الأمم السابقة فإن الصلاة لا تصح منهم إلا في مواضع مخصوصة من نحو بيعة أو كنيسة فأبيحت الصلاة لنا بأي محل كان ثم خص منه نحو حمام ومقبرة ومحل نجس على اختلاف المذاهب تحريما وكراهة (وطهورا) أي مطهرا. وإن كان بمعنى الطاهر في قوله تعالى {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} إذ لا تطهر في الجنة فالخصوصية ههنا في التطهير لا في الطاهرية والمراد تراب الأرض كما جاء في رواية بلفظ وترابها طهورا وفي أخرى تربتها لنا طهورا بفتح الطاء فالتراب مطهر وإن لم يرفع وتقديم المشروط على شرطه لفظا لا يستلزم تقديمه حكما والواو لا تقتضي ترتيبا وفسر المسجد بقوله (فأينما) أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد (رجل) بالجر بالإضافة (من أمتي) بيان لرجل وفائدة بشارتهم بهذا الحكم التيسيري (أدركته) أي الصلاة في محل من الأرض (الصلاة) أية صلاة كانت. قال الزركشي: وجملة أدركته في محل خفض صفة لرجل وجواب الشرط قوله (فليصل) بوضوء أو تيمم ذكر ذلك لدفع توهم أنه خاص به وقدم النصر الذي هو الظفر بالأعداء لأهميته إذ به قيام الدين وثنى بجعل الأرض ذلك لأن الصلاة وشرطها أعظم المهمات الدينية وفي قوله فأيما إلى آخره إيماء إلى رد قول المهلب في شرح البخاري: المخصوص بنا جعل الأرض طهورا وأما كونها مسجدا فلم يأت في أثر أنها منعت منهم وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة. (وأحلت لي الغنائم) جمع غنيمة بمعنى مغنومة والمراد بها هنا ما أخذ من الكفار بقهر وغيره. فيعم الفيء إذ كل منهما إذا انفرد عم الآخر والمراد بإحلالها له أنه جعل له التصرف فيها كما يشاء وقسمتها كما أراد {قل الأنفال لله والرسول} أو المراد اختصاصه بها هو وأمته دون الأنبياء فإن منهم من لم يؤذن له بالجهاد فلم يكن له غنائم ومنهم المأذون الممنوع منها فتجئ نار فتحرقه إلا الذرية ويرجح الثانية قوله (ولم تحل) يجوز بناؤه للفاعل وللمفعول (لأحد) من الأمم السابقة وفائدة التقييد بقوله (قبلي) التنبيه على المخصوص عليه من الأنبياء وأنه أفضلهم حيث خص بما لم يخصوا (وأعطيت الشفاعة) العامة والخاصة الخاصتان به فاللام للعهد: أي عهد اختصاص وإلا فللجنس والمراد المختصة بي. قال النووي: له شفاعات خمس: الشفاعة العظمى للفصل وفي جماعة يدخلون الجنة بغير حساب وفي ناس استحقوا النار فلا يدخلونها وفي ناس دخلوا النار فيخرجون منها. وفي رفع درجات ناس في الجنة والمختص به من ذلك الأولى [ص: 568] والثانية ويجوز الثالثة والخامسة (وكان النبي يبعث إلى قومه) بعثة (خاصة) بهم فكان إذا بعث في عصر واحد نبي واحد دعى إلى شريعته قومه فقط ولا ينسخ بها شريعة غيره أو نبيان دعى كل منهما إلى شريعته فقط ولا ينسخ بها شريعة الآخر. وقال بعض المحققين: واللام هنا للاستغراق بدليل رواية وكان كل نبي فاندفع ما جوزه الإمام من أن يكون الخاصة مجموع الخمسة ولا يلزم اختصاص عموم البعثة لأن قوله وكل نبي صريح في الاختصاص واستشكل بآدم فإنه بعث لجميع بنيه وكذا نوح بعد خروجه من السفينة وأجيب بأجوبة أوضحها أن المراد البعثة إلى الأصناف والأقوام وأهل الملل المختلفة وآدم ونوح ليسا كذلك لأن بني آدم لم يكن ثم غيرهم ونوح لم يكن عند الإرسال إلا قومه فالبعثة خاصة بهم وعامة في الصورة لضرورة الانحصار في الموجودين حتى لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا لهم (وبعثت إلى الناس) أي أرسلت إليهم رسالة (عامة) فهو نعت لمصدر محذوف أو حال من الناس أي معممين بها أو من ضمير الفاعل: أي بعثت معمما للناس وفي رواية لمسلم بدل عامة كافة قال الكرماني أي جميعا وهو مما يلزمه النصب على الحالية والمراد ناس زمنه فمن بعدهم إلى يوم القيامة وقول السبكي من أولهم إلى آخرهم قال محقق غريب لا يوافقه من يعتد به ولم يذكر الجن لأن الإنس أصل ومقصود بالذات أو المتنازع فيه أو أكثر اعتناء أو الناس يشمل الثقلين بل خبر وأرسلت إلى الخلق يفيد إرساله للملائكة كما عليه السبكي وختم بالبعث العام كلامه في الخصائص ليتحقق لأمته الجمع بين خيري الدنيا والآخرة وفيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والرسل لما ذكر من أن كل نبي أرسل إلى قوم مخصوصين وهو إلى الكافة وذلك لأن الرسل إنما بعثوا لإرشاد الخلق إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام وكل من كان في هذا الأمر أكثر تأثيرا كان أفضل فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه القدح المعلي إذ لم يختص بقوم دون قوم وزمان دون زمان بل دينه انتشر في المشارق والمغارب وتغلغل في كل مكان واستمر استمداده على وجه كل زمان زاده الله شرفا على شرف وعزا على عز ما در شارق ولمع بارق فله الفضل بحذافيره سابقا ولاحقا (ق) في الصلاة وغيرها (ن) في الطهارة (عن جابر) بن عبد الله قال المصنف والحديث متواتر الحديث: 1174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 1175 - (أعطيت سبعين ألفا من أمتي) أمة الإجابة (يدخلون الجنة بغير حساب) أي ولا عقاب (وجوههم) أي والحال أن ضياء وجوههم (كالقمر ليلة البدر) أي كضيائه ليلة كماله وهي ليلة أربعة عشر (قلوبهم على قلب رجل واحد) أي متوافقة متطابقة في الصفاء والجلاء (فاستزدت ربي عز وجل) أي طلبت منه أن يدخل من أمتي بغير حساب زيادة على السبعين (فزادني مع كل واحد) من السبعين ألفا (سبعين ألفا) قال المظهر: يحتمل أن يراد به خصوص العدد وأن يراد به الكثرة ورجحه بعضهم قال ابن عبد السلام: وهذا من خصائصه ولم يثبت ذلك لغيره من الأنبياء (حم) وكذا أبو يعلى كلاهما (عن أبي بكر) الصديق قال الهيتمي: وفيهما المسعودي وقد اختلط وتابعيه لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 1175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 [تابع حرف الهمزة] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 1176 - [ص: 2] (أعطيت أمتي) أي أمة الإجابة (شيئا) نكره للتعظيم (لم يعطه أحد من الأمم) السابقة وذلك (أن يقولوا) يعني يقول المصاب (عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون) وهذا صريح في أن الاسترجاع من خصائص هذه الأمة وفيه أنه يسن لمن أصيب بميت أو في نفسه أو أهله أو ماله أن يقول ذلك وزاد الفقهاء أخذا من حديث آخر اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف علي خيرا منها (طب وابن مردويه) في تفسيره عن (ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن محمد الطحان وهو ضعيف. اه. لكن يعضده ما رواه ابن جرير والبيهقي في الشعب وغيرهما عن سعيد بن جبير لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم يعطه الأنبياء قبلهم ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول يا أسفي على يوسف - إنا لله وإنا إليه راجعون الحديث: 1176 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 1177 - (أعطيت قريش) القبيلة المعروفة ومر وجه تسميتها بذلك (ما لم يعط الناس) أي القبائل غيرهم قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال (أعطوا ما أمطرت السماء) أي النبات الذي ينبت بالمطر (وما جرت به الأنهار وما سالت به السيول) يحتمل أن المراد أن الله تعالى خفف عنهم التعب والنصب في معايشهم فلم يجعل زرعهم يسقى بمؤنة كالسوقي بل يسقى بماء المطر والأنهار والسيول من غير كلفة ويحتمل أن المراد أن الشارع أقطعهم ذلك في بلادهم وفي الحديث إيماء إلى أن الخلافة فيهم لتمييزهم على غيرهم بما أعطوا الحسن بن سفيان) في جزئه (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من حديث أبي الزاهرية (عن حلبس) بحاء مهملة مفتوحة ولام ساكنة وموحدة مفتوحة وسين مهملة: وزن جعفر وقيل هو بمثناة تحتية مصغرا صحابي قال أبو نعيم: يعد في الحمصيين وهذا هو المراد هنا ولهم أيضا حلبس بن زيد الضبي صحابي الحديث: 1177 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 1187 - (أعطي) بالبناء للمجهول (يوسف) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (شطر الحسن) أي حظا عظيما من حسن أهل الدنيا ولفظ رواية الحاكم: أعطي يوسف وأمه شطر الحسن. قال في الميزان متصلا بالحديث يعني سارة اه. فلا أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسير الراوي. ثم إن قلت هذا يخالفه ما في خبر الحاكم: إن الله قسم له من الجمال الثلثين وقسم بين عباده الثلث وكان يشبه آدم يوم خلقه الله فلما عصى آدم نزع منه النور والبهاء والحسن ووهب له الثلث من الجمال بالتوبة (1) فأعطى الله يوسف الثلثين. اه. قلت كلا لا منافاة لأن الشطر قد يطلق ويراد به الجزء من الشيء لا النصف وكم من نظير وبتأمل حديث الحاكم المذكور يعلم اندفاع قول ابن المنير والزركشي في حديث: أعطي يوسف شطر الحسن يتبادر إلى إفهام بعض الناس أن الناس يشتركون في الشطر الثاني وليس كذلك بل المراد أنه أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها (ش حم ع ك عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي. وقال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح وظاهر [ص: 3] صنيع المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد الشيخين وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد رواه مسلم في قصة الإسراء ولفظه فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن. ومن ثم عزا حديث الترجمة بنصه جمع لمسلم منهم السخاوي ثم رأيت المصنف نفسه قال في الدرر إنه في الصحيح من حديث الإسراء   (1) هذا لا يتفق مع قوله تعالى إن الله اصطفى آدم الآية فتدبر الحديث: 1187 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 1179 - (أعظم الأيام) أي أعظمها (عند الله يوم النحر) لأنه يوم الحج الأكبر وفيه معظم أعمال النسك (ثم يوم القر) ثاني يوم النحر لأنهم يقرون فيه أي يقيمون ويستحمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة ذكره الزمخشري. وقال البغوي: سمي به لأن أهل الموسم يوم التروية وعرفة والنحر في تعب من الحج فكان الغد من النحر قرأ اه. وفضلهما لذاتهما أو فيما يخصهما من وظائف العبادة والجمهور على أن يوم عرفة أفضل ثم النحر فمعنى قوله أفضل أي من أفضل كما يقال فلان أعقل الناس أي وأعلمهم (حم د ك) في الأضاحي (عن عبد الله بن قرط) بضم القاف الأزدي الثمامي بضم المثلثة وخفة الميم كان اسمه شيطانا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله شهد اليرموك وغيره واستعمله معاوية على حمص قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 1179 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 1180 - (أعظم) رواية ابن عدي إن أعظم (الخطايا) أي الذنوب الصادرة عن عمد يقال خطى إذا أذنب معتمدا. ذكره الزمخشري (اللسان الكذوب) أي الكثير الكذب لأن اللسان أكثر الأعضاء عملا وما من معصية إلا وله فيها مجال فمن أهمله مرخى العنان ينطق بما شاء من البهتان سلك به في ميدان الخطايا والطغيان وما ينجى من شره إلا أن يقيده بلجام الشرع (ابن لال) أبو بكر في حديث طويل جامع ثم الديلمي (عن ابن مسعود) وفيه الحسن بن عمارة قال الذهبي في الضعفاء متروك باتفاق (عد) عن يعقوب بن إسحاق عن أحمد بن الفرج عن أيوب بن سويد عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن ابن عباس قال كان من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قال ابن عدي: ولا أعلم يرويه عن الثوري غير أيوب. ورواه أيضا عن محمد بن إسحاق الوراق عن موسى بن سهل النسائي عن أيوب بن سويد عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس ثم قال ابن عدي وهذا إنما يرويه أيوب بهذا الإسناد اه الحديث: 1180 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 1181 - (أعظم العيادة أجرا) أي أكثرها ثوابا (أخفها) بأن يخفف القعود عند المريض فتطويل القعود عنده خلاف الأولى لأنه قد يتضرر به لاحتياجه إلى تعهد أهله له ويحتمل أن المراد بتخفيفها كونها غبا لا كل يوم فعلم أن العيادة - بالمثناة التحتية - كما ضبطه بعضهم لا بالموحدة وإن صح اعتباره بدليل تعقيبه ذلك في هذا الحديث نفسه بقوله والتعزية مرة هكذا هو بهذا اللفظ عند مخرجه البزار ومثله البيهقي في الشعب وكأن المصنف أغفله ذهولا فالعيادة بالمثناة والتعزية أخوان فلذلك فرق بينهما. وأما العبادة بالموحدة فلا مناسبة بينها وبين التعزية فمن جرى عليه فقد صحف وحرف جهلا أو غباوة (البزار) من حديث ابن أبي فديك (عن علي) أمير المؤمنين ثم قال - أعني البزار - وأحسب أن ابن فديك لم يسمع من علي أه وقد أشار المصنف بضعفه فإما أن يكون لانقطاعه ولكونه مع الانقطاع فيه علة أخرى الحديث: 1181 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 1182 - (أعظم الغلول) بضم المعجمة: أي الخيانة وكل من خان شيئا في خفاء فقد غل يغل غلولا كما في الصحاح وتبعوه فتفسير البعض له هنا بأنه الخيانة في الغنيمة غفلة عن تأمل الحديث (عند الله يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء [ص: 4] وكشف الغطاء (ذراع) أو دونه كما يفيده خبر: من غصب قيد شبر من أرض (من الأرض) أي إثم غصبه ذراع من الأرض كما بينه بقوله (تجدون الرجلين جارين) أي متجاورين (في الأرض أو الدار) أو نحوها (فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه) أي من حق جاره المسلم ومثله الذمي: أي مما يستحقه بملك أو وقف أو غيرهما (ذراعا) مثلا (فإذا اقتطعه) منه (طوقه) بالبناء للمجهول: أي يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق (من سبع أرضين) يعني يعاقب بالخسف فيصير ما اقتطعه وما تحته من كل أرض من السبع طوقا له ويعظم عنقه حتى يسع ذلك أو يتكلف أن يجعل له ذلك طوقا ولا يستطيع فيعذب به كما في خبر: من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة والتطويق تطويق الإثم أو المراد أن الظلم المذكور لازم له لزوم الطرق للعنق من قبيل {ألزمناه طائره في عنقه} (يوم القيامة) زاد في رواية في الكبير: إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الذي خلفها وهذا وعيد شديد يفيد أن الغصب كبيرة بل يكفر مستحله لكونه مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة وفيه إمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر وأن غصبها أعظم من غصب غيرها إذ لم يرد فيه مثل هذا الوعيد وأن من ملك أرضا ملك سفلها إلى منتهى الأرضين وله منع غيره من حفر بئر أو سرداب تحتها وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجر ومدر ومعدن وغيرها وله أن ينزل في الحفر ما شاء ما لم يضر ببناء جاره وأن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض إذ لو فتقت لاكتفى في حق الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها وأن الأرضين السبع طباق كالسماوات وغير ذلك (حم طب) وكذا ابن أبي شيبة عن أبي مالك الأشجعي التابعي قال ابن حجر: سقط الصحابي أو هو الأشعري فليحرر كذا رأيته بخطه ثم قال إسناده حسن انتهى والظاهر من احتماليه: الأول فإن أحمد خرجه عن أبي مالك الأشعري ثم خرجه بالإسناد نفسه عن أبي مالك الأشجعي فلعله أسقط الصحابي سهوا. قال الهيثمي: وإسناده حسن وذكر المؤلف أن تطويق الأرض المغصوبة رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة وغيرها متواترا وليس مراده هذا الحديث كما وهم بدليل أنه لما سرد من رواه من الصحابة لم يذكروا الأشجعي الحديث: 1182 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 1183 - (أعظم الظلم ذراع) أي ظلم أي غصب ذراع (من الأرض) أو نحوها (ينتقصه المرء من حق أخيه) في الإسلام وإن لم يكن من النسب وذكر الأخ للغالب فالذمي كذلك وشمل الحق ملك الرقبة وملك المنفعة (ليست حصاة أخذها) منه (إلا طوقها يوم القيامة) على ما تقرر وذكر الذراع والحصاة لينبه على أن ما فوق ذلك أبلغ في الإثم وأعظم في الجرم والصعوبة والعقوبة والقصد بذكر الحصاة ونحوها مزيد الزجر والتنفير من الغصب ولو لشيء قليل جدا وأنه من الكبائر (طب) عن ابن مسعود رمز المصنف لحسنه الحديث: 1183 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 1184 - (أعظم) لفظ رواية الشيخين فيما وقفت عليه إن أعظم (الناس أجرا) أي ثوابا وهو نصب على التمييز (في الصلاة أبعده) بالرفع خبر أعظم الناس (إليها ممشى) بفتح فسكون تمييز أي أبعدهم مسافة إلى المسجد لكثرة الخطا فيه المتضمنة للمشقة (فأبعدهم) أي أبعدهم ثم أبعدهم فالفاء هنا بمعنى ثم وأما قول الكرماني للاستمرار كلأمثل فالأمثل فمنعه العيني بأنه لم يذكر أحد من النحات أنها تجيء بمعناه واستثنى من أفضليته بعد الدار عن المسجد الإمام ومن [ص: 5] تعطل القريب لغيبته ولا يعارض هذا الحديث خبر فضل البيت القريب من المسجد على البعيد كفضل المجاهد على القاعد لأن هذا راجع لتعيين البقعة والأول للفعل (والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام) ولو في آخر الوقت (أعظم أجرا من الذي يصليها) في وقت الاختيار وحده أو مع الإمام بغير انتظار (ثم ينام) فكما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر فكذا طول الزمن للمشقة (وفائدة) ثم ينام الإشارة إلى الاستراحة المقابلة للمشقة التي في ضمن الانتظار ذكره جمع وقال الطيبي في قوله ثم ينام جعل عدم انتظاره نوما فيكون المنتظر وإن نام يقظان لأنه مراقب للوقت كمرابط منتهز فرصة المجاهدة وهذا بتضييع تلك الأوقات كالنائم فهو كأجير أدى ما عليه من العمل ثم مضى لسبيله (ق) في الصلاة (عن أبي موسى) الأشعري (هـ عن أبي هريرة) قال أبو موسى أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فذكره الحديث: 1184 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 1185 - (أعظم الناس هما) أي حزنا وغما وعزما وقوة (المؤمن) أي الكامل إذ هو الذي (يهتم بأمر دنياه) أي بتحصيل ما يقوم بمؤنته ومؤنة ممونه (وبأمر آخرته) من القيام بالطاعات وتجنب الحرام والشبهات فإن راعى دنياه أضر بآخرته وإن راعى آخرته أضر بأمر دنياه إذ هما ضرتان فاهتمامه بأموره الدنيوية بحيث لا يخل بشيء من المطلوبات الأخروية صعب عسير إلا على من سهله الله عليه ولا يعارضه الأخبار الواردة بذم الدنيا ولعنها وإن الدراهم والدنانير مهلكة لأن الكلام هنا في الاهتمام لما لابد منه في مؤنة نفسه ومن يعوله وذلك محبوب بل واجب فهو في الحقيقة من أمر الآخرة وإن كان من الدنيا صورة (هـ عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال في الميزان عن النسائي وغيره متروك وعن شعبة لأن أزني أحب إلي من أحدث عنه انتهى ورواه باللفظ المزبور عن أنس أيضا البخاري في الضعفاء وكان ينبغي للمصنف ذكره للتقوية وبه يصير حسنا لغيره الحديث: 1185 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 1186 - (أعظم الناس حقا على المرأة زوجها) حتى لو كان به قرحة فلحستها ما قامت بحقه ولو أمر أحد أن يسجد لأحد لأمرت بالسجود له فيجب أن لا تخونه في نفسها ومالها وأن لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب وأن لا تخرج إلا بإذنه ولو لجنازة أبويها (وأعظم الناس حقا على الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى فذكر الرجل وصف طردي (أمه) فحقها في الآكدية فوق حق الأب لما قاسته من المتاعب والشدائد في الحمل والولادة والحضانة ولأنها أشفق وأرأف من الأب فهي بمزيد البر أحق <تنبيه> قال بلال الخواص كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فألهمت أنه الخضر فقلت بحق الحق من أنت قال الخضر قلت ما تقول في مالك بن أنس قال إمام الأئمة قلت فالشافعي قال من الأوتاد قلت فأحمد قال صديق قلت فبشر قال لم يخلف بعده مثله قلت بأي وسيلة رأيتك قال ببرك لأمك وفيه أنه يلزم الرجل عند ضيق النفقة تقديم أمه على أبيه (ك عن عائشة) وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار وغيره الحديث: 1186 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 1187 - (أعظم الناس بركة) على زوجها (أيسرهن) وفي رواية أقلهن (مؤنة) قال العامري: أراد المرأة التي قنعت بالقليل من الحلال عن الشهوات وزينة الحياة الدنيا فخفت عنه كلفتها ولم يلتجئ بسببها إلى ما فيه حرمة أو شبهة فيستريح قلبه وبدنه من التعنت والتكلف فتعظم البركة لذلك وفي رواية بدله مهورا وفي أخرى صداقا وأقلهن بركة من هي بضد ذلك وذلك لأنه داع إلى عدم الرفق والله سبحانه وتعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله قال عروة أول شؤم المرأة [ص: 6] كثرة صداقها وفي خبر للديلمي تياسروا في الصداق إن الرجل ليعطى المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة <فائدة> روي أن عمر حمد الله ثم قال أن لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد أنه ساق أكثر من شيء ساقه نبي الله أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال فعرضت له امرأة فقالت يا أمير المؤمنين كتاب الله أحق أن يتبع أو قولك قال كتاب الله قالت قال تعالى {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} فقال عمر كل أحد أفقه من عمر ثم رجع المنبر فقال كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء فليفعل رجل في ماله ما أحب فرجع عمر عن اجتهاده إلى ما قامت عليه الحجة (حم ك) في الصداق (هب) كذا البزار (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الزين العراقي إسناده جيد انتهى وقال الهيثمي فيه ابن سخيرة وقال اسمه عيسى بن ميمون وهو متروك انتهى والمؤلف رمز لصحته فليحرر الحديث: 1187 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 1188 - (أعظم آية في القرآن) أي أكثرها ثوابا كما أشار إليه بعضهم بقوله أراد بالعظم عظم القدر بالثواب المترتب على قراءتها وإن كان غيرها أطول (آية الكرسي) (1) لما اشتملت عليه من أسماء الذات والصفات والأفعال ونفي النقص وإثبات الكمال ووقت به من أدلة التوحيد على أتم وجه في أحكم نظام وأبدع أسلوب وفضل الذكر والعلم يتبع المعلوم والمذكور وقد احتوت على الصفات صريحا وضمنا وكررت فيها الأسماء الشريفة ظاهرة ومضمرة تسع عشرة مرة ولم يتضمن هذا المجموع آية غيرها وهي خمسون كلمة على عدد الصلوات المأمور بها أولا في حضرة العرش والكرسي فكأنها مراقي لروح قاريها إلى ذلك المحل الأسمى الذي يعرج إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ولعل هذا سر ما ثبت أنه لا يقرب من قرأها عند النوم شيطان لأن من كان في حضرة الرحمن عار عن وسوسة الشيطان (وأعدل آية في القرآن) قوله سبحانه وتعالى: (إن الله يأمر) مستقبل بمعنى الدوام (العدل) بالتوسط في الاعتقاد كالتوحيد لا التعطيل والتشريك وفي العمل كالتعبد لا البطالة والترهب وفي الخلق كالجود لا البخل والتبذير (والإحسان) إلى الخلق أو المراد الأمر بالعدل في الفعل والإحسان في القول أو هما الإنصاف والتفضل أو التوحيد والعفو أو العدل استواء السر والعلانية والإحسان كون البر أحسن. ولابن عبد السلام كتاب سماه الشجرة رد فيه جميع الأحكام الشرعية إلى هذه الآية وأجراه في سائر الأبواب الفقهية (وأخوف آية في القرآن) قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة) أي زنة أصغر نملة أو هباء قيل كل مئة ذرة تزن حبة (خيرا يره) أي جزاءه أو في كتابه يسره أو يسوؤه أو عند المعاينة أو يعرف المؤمن عقاب شره بالبلايا والكافر ثواب خيره بالعطايا التي أوجدها في الدنيا (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) بشرط عدم الإحباط والمغفرة قال الصديق رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم إني راء يا رسول الله ما عملت من خير وشر قال ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة وجاء صعصعة بن ناجية جد الفرزدق للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية فقال حسبي حسبي وهي أحكم آية في القرآن وتسمى الجامعة الفاذة (وأرجى آية في القرآن: قوله تعالى (قل يا عبادي) [ص: 7] أفهم بالإضافة تخصيص المؤمنين كما هو عرف التنزيل (الذين أسرفوا) أي جاوزوا الحد (على أنفسهم) بالانهماك في المعاصي (لا تقنطوا) تيأسوا (من رحمة الله) مغفرته أولا وتفضله ثانيا (إن الله يغفر الذنوب جميعا) يسترها بعفوه ولو بلا توبة إذا شاء إلا الشرك. {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وما تقرر من أن الأولى أعدل والثانية أخوف والثالثة أرجى هو ما في هذا الخبر وأخذ به جمع من السلف والخلف وذهب آخرون إلى أن الأعدل والأخوف والأرجى آيات أخر وتمسكوا بموقوفات وآثار أخر وفي الإتقان في أرجى آية في القرآن بضعة عشر قولا وليس في ذلك ما يقاوم الحديث المشروح على ضعفه فهو أحسن شيء في هذا الباب ولذلك أثره في الكتاب وفيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض ومنع منه الأشعري والباقلاني وجماعة محتجين بأن تفضيل بعضهم على بعض يقتضي نقص المفضول ولا نقص في كلامه تعالى وأجازه قوم وقالوا هو راجع إلى أعظم أجر قارئ ذلك وتوسط ابن عبد السلام وقال كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره {قل هو الله أحد} أفضل من {تبت} وعليه بنى الغزالي كتابه المسمى بجواهر القرآن (الشيرازي) في الألقاب (وابن مردويه) في تفسيريه (والهروي) في فضائله أي فضائل القرآن كلهم (عن ابن مسعود) مرفوعا رمز المصنف لضعفه   (1) قال البيضاوي وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الإلهية فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الإلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته مقوم لغيره إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره ولذلك قال عليه الصلاة والسلام إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة وقال من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله الحديث: 1188 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 1189 - (أعظم الناس فرية) بالكسر أي كذبا (اثنان) أحدهما (شاعر يهجو) من الهجو (القبيلة) المسلمة (بأسرها) أي كلها لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه لأن القبيلة لا تخلو من عبد صالح فهاجي الكل قد تورط في الكذب على التحقيق فلذلك قال أعظم فرية (و) الثاني (رجل انتفى من أبيه) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الولد ولو أنثى وأراد بالأب من ولادة وإن علا ويظهر أن مثله الأم إذ لا فارق ويؤخذ منه أن ذلك كبيرة وبه صرحوا أما من هجا واحدا من قبيلة فإنه ليس أعظم الناس فرية وإن كان مفتريا أيضا إذ يحرم هجو المسلم ولو تعريضا وكذبا وصدقا أما الكافر فيجوز هجوه وكذا مسلم مبتدع ومتظاهر بفسقه ذكره أصحابنا ثم إن ما ذكر من سياق الحديث هو ما رأيته في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه في سنن ابن ماجه اعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجى القبيلة بأسرها ورجل انتفى من أبيه وزنى أمه أي جعلها زانية (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتابه الذي صنفه في (ذم الغضب هـ عن عائشة) وفيه عمرو بن مرة قال في الكاشف ثقة يرى الإرجاء ورواه عنها أيضا البيهقي في الشعب والديلمي بل رواه البخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولابن ماجه وسنده حسن الحديث: 1189 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 1190 - (أعف الناس قتلة) بكسر القاف (أهل الإيمان) أي هم أرحم الناس بخلق الله وأشدهم تحريا عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه إجلالا لخالقهم وامتثالا لما صدر عن صدر النبوة من قوله إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان واكتفوا من مسماه بلقلقة اللسان وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن وأبعد القلوب من الله القلب القاسي ومن لا يرحم لا يرحم والقتلة بالكسر هيئة القتل وهذا تهديد شديد في المثلة وتشويه الخلق (د هـ عن ابن مسعود) ورجاله ثقات الحديث: 1190 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 1191 - (اعقلها) أي شد ركبة ناقتك مع ذراعها بحبل (وتوكل) أي اعتمد على الله قاله لمن قال يا رسول الله أعقل ناقتي وأتوكل أو أطلقها [ص: 8] وأتوكل وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل الذي هو الاعتماد على الله وقطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها وفيه بيان فضل الاحتياط والأخذ بالحزم (ت عن أنس) واستغربه ثم حكى عن الفلاس أنه منكر وقال يحيى القطان حديث منكر وقال غيره فيه المغيرة بن أبي قرة السدوسي مجهول فهو معلول فعزو المصنف لمخرجه وسكوته عما عقبه به من القدح في سنده من سوء التصرف لكن قال الزركشي إنما أنكره القطان من حديث أنس وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عمرو بن أمية الضمري قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أرسل ناقتي وأتوكل قال اعقلها وتوكل وإسناده صحيح وقال الزين العراقي رواه ابن خزيمة والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد بلفظ قيدها وتوكل وبه يتقوى الحديث: 1191 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 1192 - (أعلم الناس) أي أكثرهم علما (من) أي عالم (يجمع علم الناس إلى علمه) أي يحرص على تعلم ما عندهم مضافا إلى ماعنده (وكل صاحب علم) نكره لمزيد التعميم (غرثان) أي جائع بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة فمثلثة يعني متلهف متعطش منهمك على استفادة ما عند غيره مما ليس عنده والمراد أنه لشدة حبه في العلم وحلاوته عنده وتلذذه بفهمه لا يزال طالبا تحصيله لا يشبع ولا يقنع ومن هذا دأبه يصير من أعلم الناس لشدة تحصيله للفوائد وضبطه للشوارد <تنبيه> قال الغزالي قال أبو يزيد ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا أنسى ما حفظ صار جاهلا إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى {وقد آتيناه من لدنا علما} مع أن كل علم من لدنه لكن بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل العلم اللدني الذي ينفتح في سر العالم من غير سبب مألوف من خارج انتهى (ع جابر) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعلم فذكره قال الهيثمي: فيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف جدا الحديث: 1192 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 1193 - (اعلم أنك) خطاب لكل من يتأتى توجيه الكلام إليه أو لمعين وهو ثوبان أو المراد العموم وإنما صدر بالأمر مؤكدا بأن حثا على التشمير إلى الإكثار من السجود الرافع للدرجات (لا تسجد لله سجدة) أي في صلاة منفردة كسجدة تلاوة أو شكر (إلا رفع الله لك بها درجة) أي منزلة عالية المقدار (وحط عنك بها خطيئة) يعني فأكثر من الصلاة لترفع درجاتك وتمحى عنك سيئاتك قال الجنبد: ليس من طلب الله يبذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يشفع له وأن يكون معه في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا وضع وجهي لخالقي في الليل والنهار وظمأ الهواجر ومقاعد أقوام ينتفون الكلام كما تنتقى الفاكهة (حم ع طب) عن أبي أمامة رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 1193 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 1194 - (اعلم) بصيغة الأمر أي اعرف قال في الصحاح علمت الشيء أعلمه علما عرفته فظاهره أن العلم هو المعرفة لكن فرق بأن المعرفة إدراك الجزيئات والعلم إدراك الكليات ولذلك لا يقال الله عارف كما يقال عالم (يا أبا مسعود) لفظ رواية مسلم وأبا داود بحذف حرف النداء (أن الله) وفي رواية أبا تمام والله إن الله (أقدر عليك منك على هذا الغلام) الذي تضربه أي أقدر عليك بالعقوبة من قدرتك على ضربه لكنه يحلم إذا غضب وأنت لا تقدر على الحلم إذا غضبت (م) عن أبي مسعود عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا خلفي اعلم [ص: 9] يا أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره فقلت يا رسول هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار وفي رواية كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو يقول اعلم إلى آخره فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية فسقط السوط من يدي هيبة له قال النووي رواه مسلم بهذه الروايات <تنبيه> قد اختلف الناس في حد العلم على أقاويل لا تكاد تحصى وذلك مشهور ومعروف وهنا ألفاظ تظن أنها مرادفة للعلم ينبغي بيانها الأول الشعور وهو أول مراتب وصول العلم إلى القوة العاقلة فهو إدراك من غير تثبت الثاني الإدراك وهو لغة الوصول واللحاق بالشيء وملاقاته ويسمى وصول العقل إلى المعقول إدراكا الثالث التصور وهو حصول صورة الشيء في العقل الرابع الحفظ وهو تأكد ذلك واستحكامه أو يصير بحيث لو زال لتمكنت القوة من استرجاعه. الخامس التذكر وهو محاولة القوة لاسترجاع ما زال من المعلومات السادس الذكر وهو فائدة التذكر السابع الفهم وهو يتعلق بلفظ المخاطب غالبا. الثامن الفقه وقال الإمام الرازي هو العلم بغرض المخاطب ولهذا قال تعالى في الكفار {لا يكادون يفقهون حديثا} أي لا يفقهون الغرض من الخطاب التاسع الدراية وهي المعرفة التي تحصل بعد رؤية وتقديم مقدمات. العاشر اليقين وهو أن يعلم الشيء وامتناع خلافه الحادي عشر الذهن وهو قوة النفس واستعدادها لاكتساب العلوم التي ليست بحاصلة. الثاني عشر الفكر وهو الانتقال من التصديقات الحاضرة والتصديقات المحضرة. الثالث عشر الحدس وهو الذي يميز به عمل الفكر وهو استعداد النفس لوجود المتوسط بين الطرفين المصير للنسبة المجهولة معلومة لأن كل مجهول لا يعلم إلا بواسطة مقدمتين معلومتين تنتج المطلوب الرابع عشر الذكاء وهو قوة الحدس وبلوغه الغاية الخامس عشر الفطنة وهو التنبه للشيء الذي قصد تعريفه. السادس عشر الكيس وهو استنباط الأنفع والأولى. السابع عشر الرأي وهو استحضار المقدمات وإجالة الخاطر فيها وفيما يعارضها وطلب استنتاجها علي الوجه المصيب وهو دلالة الفكر (م عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما فسمعت صوتا خلفي اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار الحديث: 1194 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 1195 - (اعلم يا بلال) ابن الحارث قال ما أعلم يا رسول الله قال اعلم (أنه) أي الشأن (من أحيا سنة من سنتي) أي علمها وعمل بها ونشرها بين الناس وحث على متابعتها وحذر من مخالفتها والسنة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام فقد تكون فرصا كزكاة الفطر وقد تكون غيره كعيد وجماعة وقال الأشرفي الظاهر يقتضي من سنتي بصيغة الجمع لكن الرواية بالإفراد وقال الطيبي: هو جنس شائع في أفراده وأحيا استعير للعمل بها وقوله (قد أميتت بعدي) أي تركت وهجرت استعارة أخرى وهي كالترشيح للاستعارة الأولى (كان له من الأجر مثل) أجر (من) أي كل إنسان مؤمن (عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا) لما كانت الجهة استوجبت بها المسبب الأجر والجزاء غير التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره (ومن ابتدع بدعة ضلالة) قال الأشرفي روي بالإضافة ويصح نصبه تعتا ومنعوتا وفيه إشارة إلى أن بعض البدع (1) غير ضلالة (لا يرضاها الله ورسوله) صفة شارحة لما قبلها (كان عليه مثل آثام من عمل بها) من الناس (لا ينقص ذلك من أوزار) جمع وزر وهو الإثم (الناس شيئا) قال البيضاوي: أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية لثواب ولا لعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب [ص: 10] والعقاب بها ارتباط المسببات بأسبابها وفعل ما له تأثير في صدوره يوجه (ت) وكذا ابن ماجه (عن ابن عمرو بن عوف) الأنصاري البدري حسنه الترمذي ورواه المنذري بأن فيه الكثير بن عبد الله بن عمرو وهو متروك واه لكن للحديث شواهد كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن   (1) أي في العادات وأما في العبادات فهي ضلالة قطعا للجمع بين النصوص الحديث: 1195 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 1196 - (اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله) قال بعض المخاطبين وكيف ذلك يا رسول الله قال (مالك ما قدمت) أي صرفته في وجوه القرب فصار أمامك تجازى عليه بعد موتك في الآخرة (ومال وارثك ما أخرت) أي ما خلفته بعدك فالذي تخلفه بعدك إنما هو لوارثك لهذا قال بعض العارفين قدموا بعضا ليكون لكم ولا تخلفوا كلا ليكون عليكم. قال الماوردي: وروي عن عائشة قالت ذبحنا شاة فتصدقنا بها فقلت يا رسول الله ما بقي منها إلا كتفها قال كلها بقي إلا كتفها فالحازم من عمد إلى ما زاد عن كفايته فيرى انتهاز الفرصة فيها فيضعها بحيث تكون له ذخرا معدا وغما مستجدا ومن يدخر المال لولده ونحوه من ورثته إشفاقا عليه من كد الطلب وسوء المنقلب استحق الذم واللوم من وجوه منها سوء الظن بخالقه في أنه لا يرزقهم إلا من جهته والثقة ببقاء ذلك على ولده مع غدر الزمان ومحنه ومنها ما حرم من منافع ماله وسلب من وفور حاله وقد قيل إنما مالك لك أو لوارثك أو للجانحة فلا تكن أشقى الثلاثة ومنها ما لحقه من شقاء حمقه وناله من عناء كده حتى صار ساعيا محروما وجاهدا مذموما ومن ثم قالوا رب مغبوط بمسرة هي داؤه ومحزون من سقم هو شفاؤه ومنها ما يؤخذ به من وزره وآثامه ويحاسب عليه من شقائه وإجرامه وكما حكي أن هشام بن عبد الملك لما ثقل بكى عليه ولده فقال جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب فعلم من هذا التقرير أن الحديث مسوق لذم من قتر على نفسه وعياله وشح بالمال أن ينفق منه في وجوه القرب وادخره لورثته. أما من وسع على عياله وتصدق قصدا بالمعروف ثم فضل بعد ذلك شيء فادخره لعياله فلا يدخل في الذنب بدليل خبر لأن تترك ورثتك أغنياء خير إلخ وقضيته أن من مات وخلف دينا لوارثه فلم يقبضه ثم مات الكل كان المطالب به في الآخرة الوارث لكن صرح أئمتنا بأن المطالب فيها صاحب الحق أولا (ن عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله اعلموا إلخ وهو في الصحيحين بنحوه الحديث: 1196 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 1197 - (أعلنوا النكاح) أي أظهروه إظهارا وفرقا بينه وبين غيره من المآدب وهذا نهي عن نكاح السر وقد اختلف في كيفيته فقال الشافعي: كل نكاح حضره رجلان عدلان وقال أبو حنيفة: رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن تواصوا بكتمانه وذهبوا إلى أن الإعلان المأمور به هو الإشهاد وقال المالكية نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على كتمانه وهو باطل فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الإشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد بالإعلان إذاعته وإشاعته بين الناس وإن الأمر للندب وأخذ منه ابن قتيبة وغيره أنه لا بأس بإظهار الملاعب في المآدب وساق سنده عن الخبر أنه لما ختن بنيه أرسل عكرمة ودعا الملاعبين وأعطاهم دراهم (حم حب طب حل ك) من حديث عامر بن عبد الله (عن) عبد الله (بن الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو الصحابي ابن الصحابي أمير المؤمنين أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة وأول شيء دخل جوفه ريق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان أطلس لا لحية له وكان صواما قواما عظيم المجاهدة بويع بالخلافة بمكة فحصره الحجاج وقتل مظلوما ورواه عنه هكذا البيهقي وقال تفرد به عامر هذا انتهى قال الذهبي: ولم يضعف ولا هو من رجال الكتب الستة. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 1197 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 [ص: 11] 1198 - (أعلنوا هذا النكاح) أشيعوا عقده وأذيعوه ندبا ولا تكتموه وليس المراد هنا الوطء بدليل تعقيبه بقوله (واجعلوه في المساجد) مبالغة في إظهاره واشتهاره فإنه أعظم محافل أهل الخير والفضل (واضربوا عليه بالدفوف) جمع دف بالضم ويفتح ما يضرب به لحادث سرور (فإن قلت) المسجد يصان عن ضرب الدفوف فيه فكيف أمر به (قلت) ليس المراد أنه يضرب به فيه بل خارجه والمأمور بجعله فيه مجرد العقد فحسب وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل حادث سرور ومذهب الشافعية أن الضرب به مباح مطلقا ولو بجلاجل وقد وقع الضرب به بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وأقره قال ابن حجر: واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن انتهى وما ذكره تقدمه إليه الحليمي فخص حله بالنساء وقد أطال السبكي في رده فلا فرق بين ضربه من امرأة أو رجل على الأصح الذي اقتضاه قول الحديث اضربوا (ت) في النكاح من حديث عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قال أعني الترمذي وعيسى هذا ضعيف انتهى وجزم البيهقي بصحته وقال ابن الجوزي ضعيف جدا وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف وقال الديلمي في تخريج أحاديث الهداية ضعيف لكن توبع ابن ماجه الحديث: 1198 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 1199 - (أعمار أمتي) أمة الدعوة لا أمة الإجابة كما هو بين ولكل مقام مقال (ما بين الستين) من السنين (إلى السبعين) أي ما بين الستين والسبعين وإنما عبر بإلى التي للانتهاء ولم يقل والسبعين الذي هي حق التعبير ليبين أنها لا تدخل إلا على متعدد لأن التقدير ما بين الستين وفوقها إلى السبعين فإلى غاية الفوقية لدلالة الكلام عليه وقال بعضهم معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا بلغ ستين وانتهاؤه سبعين (وأقلهم من يجوز ذلك) قال الطيبي: هذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال فإن منهم من لم يبلغ ستين وهذا من رحمة الله بهذه الأمة ورفقه بهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا فإن القرون السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك كان أحدهم يعمر ألف سنة وطوله ثمانون ذراعا وأكثر وأقل وحبة القمح ككلوة البقرة والرمانة يحملها عشرة فكانوا يتناولون الدنيا بمثل تلك الأجساد وفي تلك الأعمار فبطروا واستكبروا وأعرضوا عن الله {فصب عليهم ربك سوط عذاب} فلم يزل الخلق ينقصون خلقا ورزقا وأجلا إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم يأخذون أرزاقا قليلة بأبدان ضعيفة في مدة قصيرة كيلا يبطروا فذلك رحمة بهم قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان وغالب ما تكون بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر بالنقص ضعف القوة والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة لاستحالة رجوعه للحالة الأولى من القوة والنشاط (ت) عن أبي هريرة وقال حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه قال ابن حجر وهو عجيب منه فقد رواه في الزهد أيضا من طريق أخرى عن أبي هريرة وإليه أشار المصنف بقوله (ع عن أنس) قال وفيه عنده عبد الأعلى شيخ هشيم. وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان والحاكم بسند الترمذي الأول ومتنه وقال في الفتح سنده حسن الحديث: 1199 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 1200 - (اعمل لوجه واحد يكفيك) من الكفاية والفاعل المعمول له المدلول عليه بالفعل (الوجوه كلها) أي اعمل لله تعالى وحده خالصا لوجهه يكفيك جميع مهماتك في حياتك وبعد مماتك قال الغزالي اعمل لأجل من إذا عملت لأجله ووحدته بقصدك وطلبت رضاه بعملك أحبك وأكرمك وأغناك عن الكل ولا تشرك بعبادته عبدا حقيرا مهينا [ص: 12] لا يغني عنك شيء (عد فر عن أنس) وفيه أبو عبد الرحمن السلمي سبق أنه وضاع للصوفية ومحمد بن أحمد بن هارون قال الذهبي في الضعفاء متهم بالوضع ونافع بن هرمز أبو هرمز قال في الميزان كذبه ابن معين وتركه أبو حاتم وضعفه أحمد انتهى وبه يعرف أن سنده هلهل بالمرة فكان ينبغي للمصنف حذفه الحديث: 1200 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 1201 - (اعمل عمل من) وفي نسخة امرىء (يظن أن لا يموت أبدا واحذر حذر امرىء يخشى أن يموت غدا) أي قريبا جدا ولم يرد حقيقة الغد والمراد تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذر الموت بالفوت على عمل الدنيا وتأخير أمر الدنيا كراهة الاشتغال بها على عمل الآخرة وأما ما فهمه البعض أن المراد اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ويكون المراد الحث على عمارة الدنيا لينتفع من يجيء بعد والحث على عمل الآخرة فغير مرضي لأن الغالب على أوامر الشارع ونواهيه الندب إلى الزهد في الدنيا والتقليل من متعلقاتها والوعيد على البناء وغيره وإنما مراده أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قل حرصه وعلم أن ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه فإنه إن فاتني اليوم أدركته غدا فإني أعيش أبدا فقال النبي اعمل بعمل من يظن أنه يخلد فلا يحرص على العمل فيكون حثا على التقليل بطريق أنيق ولفظ رشيق ويكون أمره بعمل الآخرة على ظاهره فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزهد والتقلل لكن بلفظين مختلفين أفاده بعض المحققين لكن يعضد الأول خبر إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها وفيه تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزال عن ذهنه أن عليه من الله عينا كالئة ورقيبا مهيمنا وأجلا قريبا حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاما وأوفر تحفظا منه مع الملأ (هق عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه الديلمي أيضا ورمز لضعفه وذلك لأن فيه مجهولا وضعفا الحديث: 1201 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 1202 - (اعملوا) بظاهر ما أمرتم ولا تتكلوا على ما كتب لكم من خير وشر (فكل) أي كل من خلق (ميسر) أي مهيئ ومصروف (لما خلق له) أي لأمر خلق ذلك المرء له فلا يقدر البتة على عمل غيره فذو السعادة ميسر لعمل أهلها بحكم القدر الجاري عليه وإذا غلبت مادة الحكم واستحكمت في إنسان فإنما تيسر له عمل الخبث فكان مظهرا للأفعال الخبيثة التي هي عنوان الشقاء وحكم عكسه عكس حكمه <تنبيه> قال الغزالي بين بهذا الخبر أن الخلق مجاري قدر الله ومحل أفعاله وإن كانوا هم أيضا من أفعاله لكن بعض أفعاله محل لبعض وقوله اعملوا وإن جرى على لسان الرسول فهو فعل من أفعاله تعالى وهو سبب لعلم الخلق بأن العلم نافع وعلمهم من أفعال الله وهو سبب لحركة الأعضاء وهي أيضا من أفعاله تعالى لكن بعض أفعاله مسبب للبعض أي الأول شرط للثاني كخلق الحياة شرط لخلق العلم والعلم للإرادة بمعنى أو لا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ولا للإرادة إلا ذو علم فيكون بعض أفعاله سببا للبعض لا موجبا لغيره وهذا القول من الله سبب لوجود الاعتقاد والاعتقاد سبب للخوف والخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وهو سبب الوصول إلى جوار الرحمن وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له الأسباب التي تقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن لا يبعد عن سماع كلام الله ورسوله والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يتركه صار من حزب الشيطان {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} (طب عن ابن عباس وعن عمران بن حصين) قال قال رجل يا رسول الله أنعمل فيما جرت به المقادير وجفت به القلم أو شيء نستأنفه قال بل بما جرت به المقادير وجف به القلم قال ففيم العمل قال اعملوا إلخ قال الهيثمي رجاله تقات انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته وظاهر [ص: 13] عدوله للطبراني واقتصاره عليه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من السنة والأمر بخلافه فقد رواه الشيخان من حديث علي قال كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكث وجعل ينكث بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال اعملوا كل ميسر لما خلق له قال الطيبي: قوله مقعده أي محل قعوده وكنى عن كونه من أهل الجنة أو النار باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما لا يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار ومقعد من الجنة وإن ورد في حديث آخر هذا المعنى لأن التفصيل الآتي يأبى حمله على ذلك فيجب أن تكون الواو بمعنى أو قال: وقوله أفلا نتكل أي أفلا نعتمد على ما كتب لنا في الأزل ونترك العمل يعني إذا سبق القضاء لكل واحد منا بجنة أو نار فأي فائدة في السعي فإنه لا يرد القضاء والقدر فأجاب بقوله اعملوا وهو من أسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال والترك وأمرهم بامتثال ما يجب على العبد من امتثال أمر ربه وعبوديته عاجلا وتفويض الأمر إليه آجلا يعني أنتم عبيد ولابد لكم من العبودية بما أمرتم وإياكم والتصرف في الأمور الإلهية لآية {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فلا تجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي أمارات وعلامات ولا بد في الإيجاب من لطف الله أو خذلانه الحديث: 1202 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 1203 - (اعملوا فكل ميسر لما يهدى) يرشد (له من القول) الذي اقتضاه الله تعالى وقدره في الأزل وهو قوله تعالى {فريق في الجنة وفريق في السعير} فالعمل بحسب ما سبق في الأزل من التقدير كما دل عليه خبر القبضتين وقد سبق أن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد والخذلان ضده ولله كلية الخلق هدى وإضلالا وإظهارا لكلمته الجامعة الشاملة لمتقابلات الازدواج التي منتهاها قسمة إلى الدارين دار نور رحمني من اسمه العزيز الحليم ودار نار انتقامي من اسمه الجبار المنتقم {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون} (طب عن عمران بن حصين) رمز المصنف لضعفه الحديث: 1203 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 1204 - (اعملي) يا أم سلمة (ولا تتكلي) أي تتركي العمل وتعتمدي على ما في الذكر أو اعملي ولا تعتمدي على العمل فقد لا يقبل أو اعملي صالحا بجد واجتهاد لله وحده خالصا من شوب رياء أو إشراك فإنك لا تحتاجين مع ذلك إلى شفاعتي بدليل تعليله بقوله (فإن شفاعتي للهالكين من أمتي) أي أهل الكبائر المصرين عليها المفرطين في الأعمال من أمة الإجابة وفي رواية للاهين من أمتي قالوا حقيقة الإنسان لا تقتضي لذاتها سعادة ولا ضدها بل هي بأمور خارجية باقتضاء الحكمة الربانية فتلك الأمور معروضاتها حاصلة في القضاء إجمالا فما يقع من الأفراد تفصيل لذلك خيرا كان أو شرا ولا يمكن مخالفة التفصيل للإجمال (تتمة) قال في الحكم إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رهونات النفوس لا تتطلب منه أن يخرجك من حالة يستعملك فيما سواها فلو أرادك لاستعملك من غير إخراج ما أرادت همة سالك أن تقف إلا ودناتها هواتف الحقيقة الذي تطلبه أمامك (عد) وكذا الطبراني (عن أم سلمة) واسمها هند أورده ابن عدي في ترجمة عمرو بن مخرم وقال له بواطيل منها هذا الخبر أخرجه الطبراني من هذا الوجه بهذا اللفظ فقال الهيثمي فيه عمرو بن المخرم وهو ضعيف وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذفه ما عقب به من بيان حاله من سوء التصرف وبتأمل ما تقرر يعرف أن من جعل حديث الطبراني شاهدا لحديث لابن عدي فقد أخطأ لأن الطريق واحد والمتن واحد الحديث: 1204 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 1205 - (أعينوا) ندبا (أولادكم على البر) على بركم بالإحسان وعدم التضييق عليهم والتسوية بينهم في العطية (من [ص: 14] شاء استخرج العقوق من ولده) أي نفاه عنه بأن يفعل معه من معاملته باللطف والانصاف والإكرام ما يوجب عوده للطاعة ومن استعطافه بالإنعام ما يحمله على عدم المخالفة (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم انتهى الحديث: 1205 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 1206 - (أغبط) لفظ رواية الترمذي إن أغبط (الناس) اسم تفضيل مبني للمفعول من غبط أي أحقهم (عندي) بأن يغبط أي يتمنى مثل حاله ونص على العندية تأكيدا لاستحسان ذلك وجزما بأغبطية من هذا حاله (مؤمن) لفظ رواية الترمذي لمؤمن بزيادة اللام أي موصوف بأنه (خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي خفيف الظهر من العيال والمال بأن يكون قليلهما والغبطة تمني أن يكون لك مثل ماله ويدوم عليه ما هو فيه. قال الزركشي في اللآلىء: وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من متن الفرس ضرب به المصطفى صلى الله عليه وسلم المثل لقلة ماله وعياله انتهى (ذو حظ من صلاة) أي ذو نصيب وافر منها من مزيد النوافل والتجهد (وكان رزقه كفافا) أي كافا عن الحاجة يعني بقدر حاجته لا ينقص ولا يزيد بل يكفيه على وجه التقنع والتقشف لا التبسط والتوسع كما يفيده قوله (فصبر عليه) أي حبس نفسه على الفناعة به غير ناظر إلى توسع أبناء الدنيا في المطاعم والملابس ونحوها (حتى يلقى الله) أي إلى أن يموت فيلقاه (وأحسن عبادة ربه) بأن أتى بها بكمال الواجبات والمندوبات ونص على الصلاة مع دخولها فيها اهتماما بها لكونها أفضلها وخص الرب إشارة إلى أنه إذا أحسنها أحسن إليه بالقبول والتربية. ألا ترى إلى قوله في الحديث الآتي إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتصير مثل أحدا (وكان غامضا) بغين وضاد معجمتين أي خاملا لا يعرفه كل أحد وروي بصاد مهملة وهو فاعل بمعنى مفعول أي محتقرا (في أعين الناس عجلت منيته) أي كان قبض روحه سهلا لأن من كثر ماله وعياله شق عليه الموت لالتفاته إلى ما خلف وطموحه إلى طيب العيش ولذة الدنيا والمنية الموت وسمي منية لأنه مقدر بوقت مخصوص (وقل ترابه) بمثناة فوقية مضمومة مبدلة من أو ثم مثلثة أي ميراثه (وقلت) وفي رواية فقلت (بواكيه) لقلة عياله وهوانه عليهم وهو جمع باكية ومنه حديث " اللهم غبطا لا هبطا " أي أسألك منزلة أغبط عليها لا ما يهبطني فمن قلت بواكيه وشكرت مساعيه وأنطق الله الألسنة بالثناء فيه فخليق بأن يغبط وإنما كان قليل العيال والمال أغبط من غيره لأن الأولاد من أعدى أعداء الإنسان وكثرة المال تحمله على الطغيان فإن فرض عدمه فذلك ضار له بطول وقوفه للحساب عليه حتى يسبقه الفقير إلى الجنة بخمس مئة عام وإن فرض وجود عيال تحمل الرجل على فعل ممنوع شرعا وقد كفاه غيره مؤنتهم لكن ما يعرض من حادث سرور أو شرور يشغله الالتفات له عن التفرغ لعبادة ربه وفيه حث على الخفاء وعدم الشهرة قال في الحكم ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه وقيل لأعرابي من أنعم الناس عيشا قال أنا؟ قيل فما بال الخليفة فقال: وما العيش إلا في الخمول مع الغنى. . . وعافية تغدو بها وتروح والخمول واجب في ابتداء السلوك عند الصوفية محبوب في غيره وتختلف باختلاف المقامات فخمول المريد عزلته عن الناس وخروجه عن أوصافه النفسانية بحيث لم يبق له ملكا ولا سلكا ولا علما ولا عملا ولا جاها ولا وجهة ولا قولا ولا فعلا وعلى أساس هذا الخمول تبنى قلعة التحصن من جند عدو النفس الشيطانية وخمول السالك إخفاء أفعاله الحسنة المتقرب بها إلى الحق فإظهار ما يناقضها حرصا على الرقي والخلاص إلى مقام الصدق بالإخلاص وهذا التستر محمود عند ذوي الحقيقة معظم بين أهل الطريقة حتى قالوا الخمول نعمة وكل الناس تأباه والظهور نقمة وكل الناس [ص: 15] تتمناه والظهور يقطع الظهور وفيه حجة لمن فضل الفقير على الغني (حم ت) في الزهد (ك هب) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) قال الزركشي في اللآلىء بعد عزوه للترمذي: إسناده ضعيف وقال الصدر المناوي فيه على بن زيد وهو ضعيف الحديث: 1206 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 1207 - (أغبوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة وضم الموحدة المشددة (في العيادة) بمثناة تحتية أي في عيادة المريض قال الزمخشري: الإغباب أن تعوده يوما وتتركه يوما أي فلا تلازموا المريض كل يوم لما يجد من الثقل ومنه خير زر غبا تزدد حبا (وأربعوا) هو بقطع الهمزة مفتوحة وسكون المهملة وكسر الموحدة أي دعوه يومين بعد يوم الزيارة وعودوه في الرابع أصله من الربع في أوراد الإبل وهو أن ترد يوما وتترك يومين لا تسقى ثم تورد في الرابع هذا إذا كان صحيح العقل وإلا فلا يعاد وفي غير متعهده ومن يأنس به أو يشق عليه انقطاعه أما هو فيلازمه لفقد العلة وهي الثقل وفيه أنه تسن العيادة وكونها غبا أو ربعا بلا إطالة إن كان المريض مسلما وكذا ذمي لقرابة أو جوار ورجاء إسلام وإلا جازت ويحصل أصل سنة العيادة بمرة ولأكمل في كل ثالث أو رابع وما ذكر في سياق الخبر هو ما في نسخ الكتاب لكن رواه البيهقي في الشعب وغيره من حديث جابر أيضا بلفظ أغبوا في العيادة وأربعوا العيادة وخير العيادة أخفها إلا أن يكون مغلوبا فلا يعاد والتعزية مرة انتهى بنصه (ع) وكذا ابن أبي الدنيا والخطيب (عن جابر) قال الحافظ العراقي إسناده ضعيف الحديث: 1207 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 1208 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (ولو) كان الماء (كأسا) أي ملء كأس منه يباع (بدينار) يعني حافظوا على الغسل يومها ولو عز الماء فلم يمكن تحصيله للاغتسال إلا بثمن غال جدا لكون ملء كل كأس منه إنما يباع بدينار لأن ذلك يكفر ما بين الجمعتين ومن أبدل كأسا بكانت فقد صحف كما بينه عبد الحق وجعل في رواية الدرهم مكان الدينار قال الطيبي: وهذه الواو للمبالغة وقال أبو حيان: لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها الحال المتقدم تقديره اغتسلوا على كل حال وفيه ندب الغسل للجمعة فيكره تركه ووقته من الفجر عند الشافعية وتقريبه من ذهابه أفضل (عد) عن إبراهيم بن مرزوق عن حفص بن عمر بن إسماعيل الأبلي عن عبد الله بن المثنى عن عميه النضر وموسى عن أبيهما (عن أنس) ثم قال مخرجه ابن عدي أحاديث حفص عن أنس كلها إما منكرة المتن أو السند وهو إلى الضعيف أقرب وفي الميزان عن أبي هاشم كان كذابا ثم ساق له أحاديث هذا منها ومثله في اللسان (عن أبي هريرة) لكن (موقوفا) على أنس وهو شاهد للأول وبه رد المصنف على ابن الجوزي جعله الحديث موضوعا الحديث: 1208 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 1209 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (فإنه) أي الشأن (من اغتسل يوم الجمعة) أي ولو مع نحو جنابة (فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة) أي من الساعة التي صلى فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى وهذا يحتمل كونه جزاء الشرط وكونه دعاء (وزيادة) على ذلك (ثلاثة أيام) من التي بعدها هكذا جاء به مصرحا في رواية وذلك لتكون الحسنة بعشر أمثالها قال بعض الكاملين وفيه مناقشة لأن ظاهر حال المسلم الصحيح المقيم حضوره إلى الجمعة فلم يفضل له ثلاثة أيام لاستغراق الجمعة إذ ذاك إلا إذا حصل الفضل من أيام نحو سفر أو مرض انتهى وجاء في رواية لمسلم وابن ماجه زيادة ما لم تغش الكبائر قالوا: دل التقيد بعدم غشيانها على أن الذي يكفر هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا القيد وذلك لأن معنى ما لم تغش الكبائر أي فإنها إذ غشيت لا تكفر وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه [ص: 16] اجتناب الكبائر إذ اجتنابها بمجرده يكفر الصغائر كما نطق به القرآن ولا يلزم منه أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر ومن لا صغائر له يرجى أن يكفر عنه بقدر ذلك من الكبائر وإلا أعطي من الثواب بقدره وهو جار في جميع نظائره (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما الحديث: 1209 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 1210 - (اغتنم خمسا قبل خمس) أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء (حياتك قبل موتك) يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك فإن من مات انقطع عمله وفاته أمله وحق ندمه وتوالى همه فاقترض منك لك (وصحتك قبل سقمك) أي اغتنم العمل حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد (وفراغك قبل شغلك) أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان (وشبابك قبل هرمك) أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله (وغناك قبل فقرك) أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها ولهذا جاء في خبر سيجيء نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ <تنبيه> قال حجة الإسلام الدنيا منزل من منازل السائرين إلى الله تعالى والبدن مركب ومن ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم سفره وما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع إلى الله الذي هو السلوك (ك) في الرقاق (هب) عن ابن عباس قال الحاكم في مستدركه على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص واغتر به المصنف فرمز لصحته وهو عجيب ففيه جعفر بن برقان أورده الذهبي نفسه في الضعفاء والمتروكين وقال قال أحمد يخطئ في حديث الزهري وقال ابن خزيمة لا يحتج به. (حم في الزهد) قال الزين العراقي إسناد حسن (حل هب عن عمرو بن ميمون) ابن مهران الجوزي سبط سعيد بن جبير تابعي ثقة فاضل (مرسلا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه اغتنم إلى آخره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه لقول مغلطاي وغيره لا يجوز لحديثي عزو حديث في أحدها لغيره إلا لزيادة فائدة فيه أو بيان مافيه وليس كذلك فقد خرجه النسائي في المواعظ عن عمرو هذا باللفظ المزبور الحديث: 1210 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 1211 - (اغتنموا الدعاء) أي اجتهدوا في تحصيله وفوزوا به فإنه غنيمة (عند الرقة) بكسر الراء وشدة القاف أي عند لين القلب وخشوعه وقشعرير البدن بمشاهدة عظمة الله أو خوفا من عذابه أو حبا من كرمه أو غير ذلك مما يحدث الرقة وهو ضد القسوة التي هي علامة البعد عن الرب {فويل للقاسية قلوبهم} (فإنها رحمة) أي فإن تلك الحالة ساعة رحمة فإذا دعى العبد فيها كان أرجى للإجابة والدعاء عند الرقة يصدر عن القلب حالة رغبة ورهبة فتسرع الإجابة قال تعالى {يدعوننا رغبا ورهبا} أي عن قلب راغب راهب خاشع {وكانوا لنا خاشعين} (فر) وكذا القضاعي (عن أبي) بن كعب وفيه عمر بن أحمد أبو حفص ابن شاهين قال الذهبي قال الدارقطني: يخطىء وهو ثقة وشبابة بن سوار قال في الكاشف مرجيء صدوق وقال أبو حاتم لا يحتج به الحديث: 1211 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 1212 - (اغتنموا دعوة المؤمن المبتلى) أي في نفسه أو أهله أو ماله فإن دعاءه أقرب للقبول وأرجى للإجابة لكسر قلبه وقربه [ص: 17] من ربه لأنه تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه وفي ضمنه حث على التصدق عليه والإحسان إليه فإنه سبب إلى دعائه والكلام في غير المبتلى العاصي ببلائه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب الثواب (عن أبي الدرداء) وفيه الحسين بن الفرج قال الذهبي قال ابن معين كذاب يسرق الحديث وفرات بن سليم ضعيف جدا الحديث: 1212 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 1213 - (اغد) أي اذهب وتوجه والمراد كن (عالما) معلما للعلم الشرعي واحرص على نشر العلم ونفع الناس به وبقولي كن يعلم أنه ليس المراد حقيقة الذهاب كما وهم (أو متعلما) للعلم الشرعي ولو بأن ترحل لمن يعلمه وإن بعد محله وجوبا للواجب وندبا للمندوب فقد رحل الكليم عليه السلام للخضر لمزيد علم لا يجب لأنه كتب {له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء} (أو مستمعا) له (أو محبا) لواحد من هؤلاء (ولا تكن الخامسة فتهلك) قال عطاء وقال لي مسعر زدتنا خامسة لم تكن عندنا والخامسة أن تبغض العلم وأهله فتكون من الهالكين وقال ابن عبد الله البر: هي معاداة العلماء أو بغضهم ومن لم يحبهم فقد أبغضهم أو قارب وفيه الهلاك وقال الماوردي: من اعتقد أن العلم شين وأن تركه زين وإن للجهل إقبالا مجديا وللعلم إدبارا مكديا كان ضلاله مستحكما ورشاده مستبعدا وكان هو الخامس الهالك ومن هذا حاله فليس له في العدل نفع ولا في الاستصلاح مطعم ومن ثم قيل لبزرجمهر ما لكم لا تعاقبون الجهال قال إنا لا نكلف العمي أن يبصروا ولا الصم أن يسمعوا إلى هنا كلامه وقد وقع لنا هذا الحديث عاليا أخبرنا الشيخ الوالد تاج العارفين عن الشيخ الصالح معاذ عن قاضي القضاة شيخ الإسلام يحيى المناوي عن الحافظ الكبير شيخ الإسلام ولي الدين العراقي عن أبي الفرج عبد الرحمن أحمد القربي عن علي بن إسماعيل بن قريش عن إسماعيل بن غزوان عن فاطمة بنت سعد الخير عن أبي القاسم الطبراني عن محمد بن الحسين الأنماطي عن عبد الله بن جناد الحلبي عن عطاء بن مسلم عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه يرفعه وفيه بيان شرف العلم وفضل أهله والحث على تعلمه وتعليمه (والبزار) في مسنده (طس عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وبفتحها أيضا نفيع بضم النون وفتح الفاء وظاهر تخصيص الأوسط بالعزو أن الطبراني لم يخرجه إلا فيه والأمر بخلافه بل خرجه في معاجيمه الثلاثة قال الهيثمي ورجاله موثقون وتبعه السمهودي وهو غير مسلم فقد قال الحافظ أبو زرعة العراقي في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمس مئة من إملائه هذا حديث فيه ضعف ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وعطاء بن مسلم وهو الخفاف مختلف فيه وقال أبو عبيد عن أبي داود إنه ضعيف وقال غيره ليس بشيء الحديث: 1213 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 1214 - (اغدوا) اذهبوا وقت الغداة وهي أول النهار فليس معنى الغدو هنا معناه فيما قبله كما ظن (في طلب العلم) أي في طلب تحصيله بكرة النهار أي أوله (فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها) أي فيما تفعله في أول النهار أي سألته فأعطاني ذلك وفي القاموس الغدوة بالضم البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس (ويجعل) ربي (ذلك) أي حصول البركة (يوم الخميس) أي يجعل مزيد البركة في البكور في يوم الخميس فالبكور مبارك وهو يوم الخميس أكثر بركة وفيه أنه يندب أن يكون الجلوس لتعلم العلم أول النهار وأنه يندب الشروع في يوم تعلمه الخميس أو الإثنين خلاف ما عليه العرف العام الآن بيوم الأحد لكونه أول الأسبوع أو الأربعاء لكونه يوم النور وكان بعض من جمع بين العلم والولاية يوصي بالتأليف والقراءة يوم الإثنين والخميس والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ومعناه [ص: 18] هنا حصول الفهم وسهولة التحصيل ومصير ما يتعلم في أول النهار سيما يوم الخميس نافعا (طس عن عائشة) قال الهيثمي فيه أيوب بن سويد وهو يسرق الحديث الحديث: 1214 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 1215 - (اغدوا في طلب العلم فإن الغدو بركة ونجاح) قال حجة الإسلام المراد بالعلم في هذه الأخبار كلها العلم النافع المعروف للصانع والدال على طريق الآخرة فهو الذي نفعه عظيم وأجره عميم أوحى الله إلى داود تعلم العلم النافع قال ما العلم النافع قال أن تعرف جلالي وعظمتي وكبريائي وكمال قدرتي على كل شيء فهذا الذي يقربك إلي وقال علي كرم الله وجهه ما يسرني لو مت طفلا وأدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي فإن أعلم الناس بالله أشدهم خشية وأكثرهم عبادة وأحسنهم في الله نصيحة فمن طلب العلم ليصرف به الوجوه إليه ويجالس به الأمراء ويباهي النظراء ويتصيد الحطام فتجارته بائرة وصفقته خاسرة (خط عن عائشة) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال ففيه ضعفا الحديث: 1215 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 1216 - (اغزوا) أمر من الغزو وهو الجهاد (قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون التحتية مدينة عظيمة مشهورة خرج منها جماعة من العلماء في كل فن (فإنه) أي الغزو أو ذلك البعد المسمى بهذا الاسم (من أعلا أبواب الجنة) قال الرافعي يجوز رد الكناية إلى الغزو ويجوز ردها إلى قزوين والتذكير على تقدير الصرف إلى البلد والموضع بمعنى أن تلك البقعة مباركة مقدسة وأنها تصير في الآخرة من أشرف بقاع الجنة فلا يليق أن يكون مسكنا للكفار وأما علة جعل الضمير للغزو فالمراد أن غزو أهل ذلك البلد فاضل جدا يربو على فضل غزو غيرها من البلدان بحيث يوصل إلى استحقاق الدخول من أعلا أبواب الجنة وقد وقع غزوها وفتحت في زمن الصحابة وما ذكر من أنه الرواية فإنه هو الثابت الموجود في خط المؤلف لما في نسخ من إبدالها بأنها أصل له (ابن أبي حاتم والخليلي معا في) كتاب (فضائل قزوين عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن سلمان الكوفي عن رجل) من التابعين (مرسلا خط في فضائل قزوين عن بشر بن سلمان عن أبي السري عن رجل نسي أبو السري اسمه وأسند عن أبي زرعة) الرازي عبيد الله بن عبد الكريم الحافظ (قال ليس قي قزوين حديث أصح من هذا) أي ليس في الأخبار الواردة في فضل قزوين خبر أصح منه ولا يلزم من هذا كونه صحيحا ولا حسنا الحديث: 1216 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 1217 - (اغسلوا أيديكم) عند إرادة الشراب وإن كانت طاهرة (ثم اشربوا فيها) ندبا (فليس من إناء أطيب من اليد) وفي رواية بدله فإنها أنظف آنيتكم فيندب فعل ذلك ولو مع وجود الآنية ولا نظر لاستكراه المترفين المتكبرين لذلك وما استطابه الشارع فهو الطيب وهذا الفعل مأثور عن الأنبياء في الزمن الأول فقد روي أن عيسى عليه السلام كان له إناء يشرب فيه فرأى رجلا يشرب بيديه فما زال يشرب كذلك حتى رفع (هب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال مررنا على بركة فجعلنا نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تكرعوا أي لا تتناولوا الماء بالفم كالبهائم ولكن اغسلوا أيديكم فذكره وقال الحافظ ابن حجر إسناده ضعيف ولا ينافي النهي عن الكرع هنا ما في البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل على أنصاري وهو يحول الماء في حائطه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان عندك ماء بات الليلة في شنة وإلا كرعنا الحديث لأن النهي عن الكرع للتنزيه والفعل لبيان الجواز أو قصة الأنصاري قبل النهي أو النهي في حال الضرورة والفعل فيها الحديث: 1217 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 [ص: 19] 1218 - (اغسلوا ثيابكم) أي أزيلوا أوساخها (وخذوا من شعوركم) أي أزيلوا شعر الإبط والعانة وما طال من نحو شارب ولحية بقص أو غيره (واستاكوا) بما يزيل القلح في كل حال إلا بعد الزوال للصائم (وتزينوا) بالادهان وتحسين الهيئة ولبس ما لا خشونة فيه ولا يخل بالمروءة (وتنظفوا) بإزالة الروائح الكريهة واستعملوا الطيب ووقت ذلك عند الحاجة وهو مرة في كل أسبوع غالبا ويكره تأخيره عن أربعين يوما ثم علل ذلك بقوله (فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك) بل يهملون أنفسهم شعثا غبرا دنسة ثيابهم وسخة أبدانهم (فزنت نساؤهم) أي استقذرتهم فزهدت قربهم ورغبوا في أناس على ضد ذلك من الطهارة والنزاهة والتزين ومالت إليهم نفوسهن وطمحت لهم شهواتهن فسارعوا إلى الخنا فكان الزنا. وعلم منه أنه يسن للرجل أن ينظف ثوبه وبدنه ويدهن غبا ويكتحل وترا ويقلم أظفاره وينتف شعر إبطه إن أطاقه ويحلق عانته وينتف شعر أنفه ويقص من الشارب ما يبين به طرف الشفة بيانا ظاهرا والمرأة كالرجل ويتأكد للمتزوجة ما اقتضاه ظاهر الخبر من أن الندب في الرجل خاص بالمتزوج غير مراد (ابن عساكر) في ترجمة عبد الرحيم التميمي (عن علي) أمير المؤمنين قال المؤلف في الأصل وفيه عبد الله ابن ميمون القداح ذاهب الحديث انتهى وللأمر بالتنظيف شواهد والمنكر قوله فإن إلى آخره الحديث: 1218 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 1219 - (اغفر) أمر من الغفر وهو ستر الذنب أي اعف عمن لك عليه ولاية وقد صدر منه شيء يوجب التأديب ولم يكن حدا (فإن عاقبت فعاقب بقدر الذنب) أي إن لم تعف وكنت معاقبا فلا تتجاوز قدر الجرم ولا تتعدى حدود الشرع ولا تضرب ضربا مبرحا وإن لم يفد إلا هو (واتق الوجه) فلا تجعله محلا للمعاقبة بضرب ولا غيره لأنه تشوبه له فيحرم ضرب الوجه من كل آدمي وحيوان محترم كما مر وصدر بالعفو إشارة إلى الحث عليه وأن الحزم قهر النفس بقودها إليه لما هو مركوز في جبلة الإنسان من حب الانتقام والتكبر على جميع الأنام قال بعض العارفين ما من نفس إلا وهي مضمرة ما ظهره فرعون من قوله {أنا ربكم الأعلى} لكن فرعون وجد مجالا فأظهر حين استخف قومه وما من أحد إلا وهو يدعي ذلك مع خدمه وأتباعه ومن هو تحت قهره فإن غيظه عند تقصيرهم في حقه لا يصدر إلا عن إظهار الكبر ومنازعة الربوبية في رداء الكبرياء (طب وأبو نعيم في المعرفة) أي كتابه معرفة الصحابة (عن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي وهمزة وهو ابن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن أحد الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وكان من جلساء عمر قال قلت يا رسول الله إن أهلي عصوني فيم أعاقبهم قال تعفو ثلاثا فإن عاقبت إلخ كذا في رواية الطبراني وسبب تحديث جزء به أن عمه عيينة دخل على عمر فقال ها ابن الخطاب والله ما تعطينا الجذل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الجزء يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ثم ذكر هذا الخبر الحديث: 1219 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 1220 - (أغنى الناس) أي أكثرهم غنى (حملة القرآن) أي حفظة القرآن عن ظهر قلب العاملون بما فيه الواقفون عند حدوده ورسومه الآمرون بما أمر به الناهون هما نهى عنه ثم هذا الغنى يحتمل غنى النفس بمعنى أنهم يرون أن ما منحوه من تيسر حفظه هو الغنى الحقيقي وأن غني بالمال في جنب ذلك لا عبرة به لأنه غاد ورائح ويحتمل أن حفظه والعمل به يجلب الغنى بالمال (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) الحديث: 1220 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 [ص: 20] 1221 - (أغنى الناس حفظة القرآن) والمراد بهم (من جعله الله تعالى في جوفه) أي سهل له حفظه عن ظهر قلب مع العمل به كما تقرر قال أبو إسحاق الدمشقي كنت أمشي بالبادية وحدي فإذا أعييت رفعت صوتي بالقرآن فحمل عني ألم الجوع حتى قطعت مراحل كثيرة (ابن عساكر) في تاريخه أيضا (عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 1221 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 1222 - (افتتحت) وفي رواية لعلي فتتحت بلا ألف (القرى بالسيف) أي بالقتال به (وافتتحت المدينة) طيبة (بالقرآن) لأن الجهاد كما يكون تكلف الأسباب والعدد والآلات المتعبة الشاقة يكون بتعلق القلوب بكلام علام الغيوب فجمع الله لرسوله بين الأمرين وخصه بالجمع بين الجهادين الظاهر والباطن دعاء الأنصار إلى الله ليلة العقبة وتلى عليهم القرآن تلاوة بجمع همة وتوجه تام فانجذبت قلوبهم وانصدعت لهيبته فدخلوا في الدين طوعا بل قهرا فلما رجعوا إلى قومهم بالمدينة سرى ذلك السر إليهم فآمنوا قبل أن يعاينوه فأعظم بها من منقبة للأنصار (هب) من حديث الحسن بن محمد ابن زبالة عن مالك عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو زلل فقد قال الذهبي قال أحمد هذا حديث منكر إنما هذا من قول مالك وقد رأيت هذا الشيخ يعني ابن زبالة وكان كذابا انتهى وقال في الضعفاء قال ابن معين وأبو داود هو كذاب وفي الميزان هذا منكر وقال ابن حجر في اللسان إن هذا حديث معروف بمحمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك متهم وفي المطالب العالية تفرد برفعه محمد بن الحسن بن زبالة وكان ضعيفا جدا وإنما هو قول مالك فجعله ابن الحسن مرفوعا وأبرز له إسنادا انتهى والحديث أورده ابن الجوزي من حديث أبي يعلى عن عائشة وحكم بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الخطيب رواه بسند هو أصلح طرقه فكان عليه أن يؤثره هنا الحديث: 1222 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 1223 - (افترقت) بكسر الهمزة من الافتراق ضد الاجتماع (اليهود على إحدى) مؤنث واحد (وسبعين فرقة) بكسر الفاء وهي الطائفة من الناس (وتفرقت) هو بمعنى افترقت فمغايرة التعبير للتفنن (النصارى على اثنتين وسبعين فرقة) معروفة عندهم (وتفرقت أمتي) في الأصول الدينية لا الفروع الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم وأراد بالأمة من تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة (على ثلاث وسبعين فرقة) زاد في رواية كلها في النار إلا واحدة زاد في رواية لأحمد وغيره والجماعة أي أهل السنة والجماعة وفي رواية هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأصول الفرق ستة حرورية وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية وانقسمت كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنين وسبعين وقيل بل عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وواحدة نجادية وواحدة فرارية وواحدة جهمية وثلاث كرامية وقيل وقيل وقال المحقق الدواني وما يتوهم من أنه إن حمل على أصول المذاهب فهي أقل من هذه العدة أو على ما يشمل الفروع فهي أكثر توهم لا مستند له لجواز كون الأصول التي بينها مخالفة مقيد بها هذا العدد أو يقال لعلهم في وقت من الأوقات بلغوا هذا العدد وإن زادوا أو نقصوا في أكثر الأوقات. واعلم أن جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم تجد لها أصلا فلذلك سموا فرقا لأنهم فارقوا الإجماع وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع وهذه الفرق وإن تباينت مذاهبهم متفقون على إثبات الصانع وأنه الكامل مطلقا الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء (فإن قيل) ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة مع أن كل واحد من الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟ قلنا ليس ذلك بالادعاء والتثبت باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن جهابذة [ص: 21] هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحب والتابعين كالشيخين وغيرهما الثقات المشاهير الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم وتكفل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيرا ثم بعد النقل ينظر إلى من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع فيحكم بأنهم هم وفيه كثرة أهل الضلال وقلة أهل الكمال والحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم ما عليه الجماعة (4) وكذا الحاكم والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي في أسانيده جياد ورواه الحاكم من عدة طرق ثم قال هذه أسانيد تقوم بها الحجة وعده المؤلف من المتواتر الحديث: 1223 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 1224 - (افرشوا) بضم فسكون فضم ويجوز كسر الهمزة والراء وهي بصيغة الأمر من الفراش قال الحرائي وهو بساط يضطجع عليه للراحة (لي قطيفتي) بالقاف كساء له خمل وجمعه قطاف وقطف كصحاف وصحف وكانت قطيفته حمراء نجرانية يتعظى بها (في لحدي) إذا دفتموني قد فعل شقران مولاه ذلك إشارة إلى أنه كما فارق الأمة في بعض أحكام حياته فارقهم في بعض أحكام مماته التي منها ما أشار إليه بقوله (فإن الأرض) أي بطنها (لم تسلط على) أكل (أجساد الأنبياء) وحق لجسد عصمه الله عن البلى والتغير والاستحالة أن يفرش له في قبره لأن المعي الذي يفرش للحي لأجله لم يزل عنه الموت وليس الأمر في غيره على هذا النمط ومنه يعلم أن هذا لا يعارض مذهب الشافعي في كراهة وضع فرش تحت الميت لأن كلامهم في غير الأنبياء ممن يتغير ويلي وما في الاستيعاب من أنها أخرجت قبل إهالة التراب لم يثبت وعد المصنف الفرش له فيه من الخصائص ومراده أنه من خصائصه على أمته لا على الأنبياء بقرينة قوله فإن الأرض إلى أخره <تنبيه> قال أبو الحسن المالكي في شرح الترغيب حكمة عدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ومن ألحق بهم أن التراب يمر على الجسد فيطهره والأنبياء لا ذنب لهم فلم يحتج إلى تطهيره بالتراب (ابن سعد) محمد في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده حسن وله شواهد الحديث: 1224 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 1225 - (أفرض أمتي) أي أعرفهم بعلم الفرائض (زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري البخاري المدني أبو سعيد أو أبو خارجة روى عنه ابن عمر وأنس بن مالك وعروة وخلق وهو كاتب الوحي قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره إحدى عشرة سنة وكان حفظ قبل الهجرة سبع عشرة سورة فأعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال يا زيد تعلم لي كتاب اليهود فما مضى نصف شهر حتى حذق به وتعلم العبرانية والسريانية في سبع عشرة ليلة وكان من الراسخين في العلم وندبه الصديق لجمع الفرائض وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة وعده مسروق من الستة الذين هم أهل الفتوى من الصحابة وقد أخذ الشافعي بقوله في الفرائض لهذا الحديث ووافق اجتهاده اجتهاده قال القفال ما تكلم أحد في الفرائض إلا ووجد له القول في بعض المسائل هجره الناس إلا زيدا فإنه لم ينفرد بقول وما قال قولا إلا تبعه عليه جمع من الصحابة وذلك يقتضي الترجيح قال الماوردي وفي معنى الحديث أقوال أحدها أنه قاله حثا للصحب على منافسته والرغبة في تعليمه كرغبته لأنه كان منقطعا إلى تعلم الفرائض بخلاف غيره الثاني قاله تشريفا له وإن شاركه غيره فيه كما قال أقرؤكم أبي. الثالث خاطب به جمعا من الصحب كان زيد أفرضهم الرابع أراد به أن زيدا كان أشدهم عناية وحرصا عليه الخامس قاله لأنه كان أصحهم حسابا وأسرعهم جوابا وقد كان الصحب يعترفون له بالتقدم في ذلك وناهيك بتلميذه ترجمان القرآن فإنه أخذ عنه وبلغ من تعظيمه له أن زيدا صلى على جنازة أمه فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد خلي عنها يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [ص: 22] هكذا نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال هكذا نفعل بأهل بيت نبينا قال ابن الأثير كان زيد عثمانيا ولم يشهد مع علي شيئا من حروبه وكان يعظمه جدا ويظهر فضله. مات سنة اثنين أو ثلاث أو ثمان وأربعين أو إحدى أو خمس أو ست وخمسين ولما مات قال أبو هريرة مات حبر الأمة (ك) في الفرائض من حديث أبي قلابة (عن أنس) وصححه فاغتر به المصنف فرمز لصحته وفيه ما فيه فقد قال الحافظ ابن حجر قد أعل بالإرسال قال وضاع أبي قلابة من أنس صحيح إلا أنه قيل لم يسمع منه هذا وقد ذكر الدارقطني الإختلاف فيه على أبي قلابة في العلل ورجح هو وغيره إرساله انتهى لكن ذكر ابن الصلاح أن الترمذي والنسائي وابن ماجه رووه بإسناد جيد يلفظ أفرضكم زيد قال وهو حديث حسن الحديث: 1225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 1226 - (أفش) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) ندبا أي أظهره برفع الصوت أو بإشاعته بأن تسلم على من تراه تعرفه أم لا تعرفه فإنه أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب التودد مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع واعظام حرمات المسلمين ورفع التقاطع والتهاجر وهذا العموم خصه الجمهور بغير أهل الكفر والفجور قال ابن حجر وعكس أبو أمامة فأخرج عن الطبراني بسند جيد أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل الخصوص (وابذل) بموحدة فمعجمة (الطعام) أي أعطه وجد به للخاص والعام من كل محترم (واستحي من الله كما تستحي رجلا) أي من رجل (من رهطك ذي هيئة (1) وليحسن) بلام الأمر فمثناة تحت مفتوحة فحاء ساكنة فسين مضمومة (خلقك) قرنه بلام الأمر دون غيره مما ذكر معه إيماءا إلى أنه أس ما ذكر قبله وبعده وعماد الكل (وإذا أسأت) إلى أحد بقول أو فعل (فأحسن) إليه كذلك (فإن الحسنات يذهبن السيئات) أرشد إلى إيصال النفع بالقول والفعل فالقول كإفشاء السلام وفي معناه كل قول كشفاعة وتعليم خير وهداية ضال وإنذار مشرف ونحوها والفعل كالإطعام وفي معناه كل فعل ككسوة عار وسقي ظمآن ونحوها وختم بالأمر بالإحسان لما أنه اللفظ الجامع الكلي وفيه الحث على الجود والسخاء ومكارم الأخلاق وخفض الجناح للمسلمين والتواضع والحث على تآلف قلوبهم واحتماع كلمتهم وتواددهم واستجلاب ما يحصل ذلك والحديث يشتمل على نوعي المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها أو بدنية والسلام إشارة إليها (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله ثقات   (1) قوله ذي هيئة: كذا المصنف فلعل الراوية كذلك فتأمل في إعرابه ولعله جر للمجاورة: اه الحديث: 1226 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 1227 - (أفشوا) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) بينكم (تسلموا) من التنافر والتقاطع وتدوم لكم المودة وتجمع القلوب وتزول الضغائن والحروب فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن السلام يبعث على التحابب وينفي التقاطع قال الماوردي وقد جاء في كتاب الله تعالى ما يفيده قال الله تعالى {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فحكى عن مجاهد أن معناه ادفع بالسلام إساءة المسيء قال بعضهم وإفشاء السلام ابتداء يستلزم إفشاءه جوابا وقال ابن دقيق العيد استدل بالأمر بالإفشاء من قال بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما فيه من الحرج والمشقة فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين إذ لا قائل بأنه يجب على واحد دون الباقين وإذا سقط على هذه الصورة لم يسقط الاستحباب لأن العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى قال ابن حجر: وهذا البحث [ص: 23] ظاهر في حق من قال إن ابتداء السلام فرض عين لا كفاية إذا قلنا إنه واجب على واحد لا بعينه (خد ع هب حب) كلهم عن (البراء) بن عاوب قال ابن حبان صحيح وقال الهيثمي رواه عنه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات الحديث: 1227 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 1228 - (أفشوا السلام بينكم تحابوا) يحذف إحدى التائين للتخفيف أي تأتلف قلوبكم وفيه مصلحة عظيمة من اجتماع قلوب المسلمين وتناصرهم وتعاضدهم ولهذا قال بعضهم إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية وصدر هذا الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا إلى آخره وإفشاؤه نشره لكافة المسلمين من عرف ومن لم يعرف قال النووي الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته وأقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه (ك عن أبي موسى) قال الحاكم صحيح وتبعه المصنف فرمز لصحته الحديث: 1228 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 1229 - (أفشوا السلام فإنه) أي إفشاؤه المفهوم من أفشوا (لله تعالى رضى) أي هو مما يرضى الله به عن العبد بمعنى أنه يقبله ويثيبه عليه قال القيصري ومعنى سلام عليكم سلمت مني أن أضرك أو آذيك بظاهري وباطني والإفشاء الإظهار قال ابن العربي من فوائد إفشاء السلام حصول الألفة فتتآلف الكلمة وتعم المصلحة وتقع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها غير الحقود إلى الإقبال على قائلها (طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض متروك فرمز المصنف لحسنه غير مرضي الحديث: 1229 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 1230 - (أفشوا السلام) قال القاضي إفشاء السلام رفع الصوت به وإشاعته قال ويستثنى من ندب رفع الصوت بالسلام ما لو دخل مكانا فيه نيام فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان (كي تعلوا) أي يرتفع شأنكم فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه وأراد الرفعة عند الله (طب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وليس كما زعم فقد قال الحافظ المنذري إسناده جيد والهيثمي وغيره: إسناده حسن الحديث: 1230 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 1231 - (أفشوا السلام) أظهروه ودخل في عموم إفشائه من دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} ذكره ابن حجر وفي الأدب بسند حسن عن ابن عمر يستحب إذا لم يكن بالبيت أحد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (وأطعموا الطعام) قال العراقي المراد به هنا قدر زائد على الواجب في الزكاة سواء فيه الصدقة والهدية والضيافة والأمر للندب وقد يجب (واضربوا الهام) أي رؤوس الكفار جمع هامة بالتخفيف الرأس قال الزين العراقي اقتصر فيه على ضرب الهام لأن ضرب الرؤوس مفض للهلاك بخلاف بقية البدن قإنه تقع فيه الجراح ويبرأ صاحبها فإذا فسد الدماغ هلك صاحبه (تورثوا الجنان) التي وعد بها المتقون لأن أفعالهم هذه لما كانت تخلف عليهم الجنان فكإنهم ورثوها قال الطيبي: والحديث من باب التكميل كقوله تعالى {أشداء على الكفار رحماء بينهم} إذ تخصيص الهام بالضرب يدل على بطالتهم وشدة ضربتهم وقال بعضهم جمع المصطفى صلى الله عليه وسلم بين هذه القرائن المتعددة إشارة إلى جواز التسجيع لكن شرطه عدم التكلف والتصلف بدليل قوله في خبر آخر: أسجع كسجع الكهان. وذم المستشريق بإظهار فصاحتهم لصرف الوجوه إليهم وحاشى المصطفى صلى الله عليه [ص: 24] وسلم عن قصد ذلك بل إذا قصد البيان لدين الله سمح طبعه الزكي وعنصره العربي بترادف قرائن لكمال فصاحته بغير تكلف في استخراجها وهذا الحديث رواه أيضا العسكري عن عبد الله بن سلام بنحوه وزاد بيان السبب فقال لما قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله فقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت في الناس لأنظر فلما رأيته عرفت أنه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به أن قال يا أيها الناس أفشوا السلام إلخ (ت عن أبي هريرة) وقال حسن غريب انتهى الحديث: 1231 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 1232 - (أفشوا السلام) قال بعضهم والحكمة فيه أن ابتداء التلاقي وما ألحق به من مواطن مشروعية السلام ربما نشأ عنه خوف أو كبر من إحدى الجانبين فشرع نفيهما بالبداءة بتحية السلام إزالة للخوف وتحليا بالتواضع واستثنى بعضهم من طلب إفشاء السلام ما لو علم من إنسان أنه لا يرد عليه فلا يسلم عليه لئلا يوقعه في المعصية وتعقبه النووي بأن المأمورات الشرعيه لا تترك لمثل ذلك ولو نظرنا لذلك بطل إنكار كثير من المنكرات ورده ابن دقيق العيد بأن مفسدة توريط المسلم أشد من ترك مصلحة السلام سيما وامتثال الإفشاء يحصل مع غيره (وأطعموا الطعام) فإن فيه قوام البدن قال البيهقي يحتمل إطعام المحاويج ويحتمل الضيافة أو هما معا وللضيافة في التآلف والتحابب أثر عظيم (وكونوا إخوانا كما أمركم الله) بها من الإخاء في الله والحب فيه قال سبحانه وتعالى {إنما المؤمنون إخوة} قال أبو الدرداء فيما أخرجه الحكيم الترمذي عنه ما لكم عباد الله لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون بأمر الدنيا لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فنبرأ منكم (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه النسائي الحديث: 1232 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 1233 - (أفضل الأعمال) بعد الإيمان أي أكثرها ثوابا (الصلاة لوقتها) في رواية على وقتها واللام بمعنى في أو للإستقبال نحو {فطلقوهن لعدتهن} وأما خبر أسفروا بالفجر فمؤول كما مر (وبر الوالدين) في رواية ثم بدل الواو ووجهه ظاهر والصلاة أول وقتها أي المحافظة عليها المأمور به في آية {حافظوا على الصلوات} والمحافظة تكون بأدائها أول وقتها خوف فوت فضيلها وهذا حث على ندب المبادرة وخبر فصلى بي جبريل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله بيان للجواز واعلم أن الله تعالى قد عظم شأن الوالدين وقرن حقهما بحقه وشركه بواو العطف في قوله {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} لأن الله تعالى خلق الولد وصوره وأخرجه إلى الدنيا ضعيفا لا حيلة له ثم قيض له أبويه فتكفلا بتربيته لأنه لا قوام له بنفسه فلم يزالا يربيانه حتى أوصلاه إلى حد يقوم بنفسه ولو تركاه ونفسه هلك فكانا سبب تمام خلقه ونشأته فالله هو الخالق المصور حقيقة وهما المنشآن له مجازا فلذلك لا يقدر أحد أن يقوم أحد بحق أبويه فإن من كان سبب نشأتك كيف تفي بحقه أو تفي بشكره ولذلك قرن تعالى عقوقهما بالشرك به كما قرن طاعتهما بطاعته ولما كان الشرك لا يغفر عظم قدر العقوق لاقترانه به فمن بر والديه فقد بر ربه لان في برهما بره للإشتراك المتقدم ومن عقهما فقد عقه (م عن ابن مسعود) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل فقال الصلاة لوقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله الحديث: 1233 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 1234 - (أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها) لأنها أعظم الوصل بين العبد وربه وهي عماد الدين وعصام النبيين مشتملة [ص: 25] على ما لم يشتمل عليه غيرها من الكمالات ولهذا قال بعض أهل الكمال الصلاة طهرة للقلب واستفتاح لأبواب الغيوب تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار ثم ما أحسن تركيبها وما أبدع ترتيبها فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب وأخرى من فضة وملاطها المسك فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة ولبنة من ركوع ولبنة من سجود وملاطها التسبيح والتحميد (د ت عن أم فروة) الأنصارية صحابية لها حديث ويقال هي بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق رمز المصنف لصحته وكأنه ذهل عن قول الصدر المناوي وغيره فيه عبد الله بن عمر العمري غير قوي وقد تكلم فيه يحيى من جهة حفظه وعن قول الحافظ ابن حجر رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده اضطراب الحديث: 1234 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 1235 - (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها) <تنبيه> قال ابن الزملكاني: أطلق جمع أن الفضل في الأعمال الصالحة باعتبار كثرة الثواب وليس على إطلاقه بل إن كانت ذات هذا الوصف أو هذا العمل أشرف وأعلا فهو أفضل وقد يخص الله بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيبا فيه إما لنفرة النفس عنه أو لمشقته غالبا فرغب فيه بمزيد الثواب أو لأن غيره مما يكتفى فيه بداعي النفس والثواب عليه فضل فالإنصاف أن المفاضلة تارة تكون بكثرة الثواب وتارة بحسب الوصفين بالنظر إليهما وتارة بحسب متعلقاتهما وتارة بحسب ثمراتهما وتارة بأمر عرضي لهما ويجمع ذلك أنه قد يكون لأمر ذاتي وقد يكون لأمر عرضي فإذا حاولنا الكلام في التفضيل فلا بد من استحضار هذه المقدمة فتدبرها فلا بد من ملاحظتها فيما مر وفيما يأتي انتهى وتحصل المبادرة باشتغاله بأسبابها كطهارة وغيرها أول الوقت ثم يصليها ولا تشترط السرعة خلاف العادة ولا يضر التأخير لقليل أكل وكلامه شامل للعشاء وهو الأصح عند جمهور الشافعية وذهب كثير منهم إلى ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لحديث آخر ومحل ندب التعجيل ما لم يعارضه معارض مما هو مقرر في الفروع (وبر الوالدين) أي طاعتهما والإحسان إليهما فيما لا يخالف الشرع قال العراقي أخبر أن أفضل حقوق الله الصلاة لوقتها وأفضل حقوق العباد بعضهم على بعض بر الوالدين فهما أحق بالبر من جميع الأقارب (والجهاد في سبيل الله) بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله وإظهار شعائر دينه وقدم بر الوالدين لا لكونه أفضل من الجهاد لأن الجهاد وسيلة لإعلاء أعلام الإيمان وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه بل لتوقف حله على إذنهما وتوقفه عليه لا يوجب كونه أفضل منه وكم له من نظير أما طاعتهما فيما يخالف الشرع فليست من البر بل من الإثم فيجب على الإنسان أن يقاطع في دينه من كان به برا وعليه مشفقا هذا أبو عبيدة بن الجراح له المنزلة العالية في الفضل والأثر المشهور في الإسلام قتل أباه يوم بدر وأتى برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لله ورسوله حين بقي على ضلاله وانهمك في طغيانه ولم يعطفه عليه رحم ولا كفه عنه إشفاق وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر لكونها عنوان على ما سواها من الطاعات فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع فمن أهمل الصلاة مع كونها عماد الدين فهو لغيرها أهمل ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدوانهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك (خط عن أنس) رمز المصنف لضعفه الحديث: 1235 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 1236 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها أي بعد الفرائض كما ذكره في الحديث المار والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه (أن تدخل) أي إدخالك (على أخيك المؤمن) أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب (سرورا) أي سببا لانشراح صدره من جهة الدين والدنيا (أو تقضي) تؤدي (عنه دينا) لزمه أداؤه لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل (أو تطعمه) ولو (خبزا) فما فوقه من نحو اللحم أفضل وإنما خص الخبز لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الأخوان والأفضل إطعامه ما يشتهيه لقوله في الحديث الآتي من أطعم أخاه المسلم [ص: 26] شهوته والمراد بالمؤمن المعصوم الذي يستحب إطعامه فإن كان مضطرا وجب إطعامه ولا يخفى أن قضاء الدين وإطعام الجائع من جملة إدخال السرور على المديون والجائع فهو عطف خاص على عام اللاهتمام. قيل لابن المنكدر ما بقي مما يستلذ قال الإفضال على الإخوان (ابن أبي الدنيا) أبو بكر واسمه يحيى (في) كتاب (قضاء الحوائج) أي في الكتاب الذي ألفه في فضل قضاء حوائج الإخوان (هب عن أبي هريرة) فقال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الوليدة بن شجاع قال أبو حاتم لا يحتج به وعمار بن محمد مضعف (عد عن ابن عمر) ابن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال عمار فيه نظر وللحديث شاهد مرسل ثم ذكره والحاصل أنه حسن لشواهده الحديث: 1236 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 1237 - (أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد) أي التحبب (إلى الناس) حبا لله وفي الله كما يشير إليه خبر أفضل الأعمال الحب في الله والبغض فيه ولأنه بذلك تحصل الألفة الجامعة التي تنعطف القلوب عليها ويندفع المكروه بها والألفة تجمع الشمل وتمنع الذل ومن أمثالهم من قل ذل والجمع بينه وبين ما قبله من الأخبار أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كل أحد بما يوافقه ويليق به أو بحسب الحال أو الوقت أو السؤال وفيه إيماء إلى أن مخالطة الناس أفضل من العزلة <تنبيه> قال ابن حزم الفضل قسمان لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله تعالى بلا عمل وفضل مجازاة بعمل أما فضل الاختصاص من دون العمل فيشترك به جميع الخلق من ناطق وغيره وجماد وعرض كفضل الملائكة وفضل الأنبياء وفضل إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأطفال وناقة صالح وذبيح إبراهيم وفضل مكة والمدينة والمساجد على البقاع والحجر الأسود على الحجارة وشهر رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر وأما فضل المجازاة فلا يكون إلا للحي الناطق وهم الملائكة والإنس والجن والأقسام المستحق بها التفضيل في هذا القسم سبعة ماهية العمل وكميته وهي الفرض منه وكيفيته والكم والزمان والمكان والإضافة فالماهية أن يكون أحدهما في العمل يوفي فروضه والآخر لا يوفيها والكمية أن يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية والكيفية أن يوفي أحدهما بجميع حقوق العمل أو رتبه والآخر يأتي به لكن ينقص من رتبته والكم أن يستويا في الفرض ويتفاوتا في النفل والزمان كصدر الإسلام أو وقت الحاجة والمكان كالصلوات بالمسجد الحرام والإضافة كعمل من نبي ونتيجة الفضل بهذه الوجوه شيئان أحدهما تعظيم الفاضل على المفضول فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل وما كان يعمل والثاني علو الدرجة في الجنة إذ لا يجوز الحكم للمفضول بعلو الدرجة بها على الفاضل وإلا لبطل الفضل وهذا القسم يختص به الفاضل بفضل عمله. إلى هنا كلامه (الطبراني) في كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي هريرة) الحديث: 1237 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 1238 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها والمراد أفضل الأعمال الكسبية المطلوبة شرعا (الكسب من الحلال) اللائق لأن طلب الحلال فريضة بعد الفريضة كما سيجيء في خبر ويجيء في آخر إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال قال حجة الإسلام إذا كان الرجل معيلا محترفا للقيام بحق العيال فكسب الحلال أفضل من العبادة البدنية لكنه لا ينبغي أن يخلو وينفك عن ذكر الله تعالى (ابن لال) أحمد بن علي وكذا الديلمي (عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف وعطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه الحديث: 1238 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 1239 - (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده) لأن به فضلت الأنبياء على غيرهم وهم إنما تفاضلوا فيما بينهم بالعلم به لا بغيره [ص: 27] من الأعمال (ثم الجهاد ثم حجة مبرورة) أي مقبولة أو لم يخالطها إثم من الإحرام إلى التحلل الثاني أو لا رياء فيها أقوال رجح النووي ثانيها والحجة المبرورة (تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) عبارة عن المبالغة في سموها على جميع أعمال البر قال النووي وذكر هنا الحج بعد الإيمان وفي خبر آخر بدل الحج العتق في آخر بدأ بالصلاة فالبر فالجهاد وفي آخر السلامة من نحو يد ولسان واختلاف الأجوبة باختلاف الأحوال والأشخاص كما تقدم وقدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن لقصور نفع الحج غالبا وتعدي نفع الجهاد أو كان حيث كان الجهاد فرض عين وكان أهم منه حالتئذ وهذا الحديث له تتمة عند أحمد من حديث عمرو ابن العاص سياقه سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله وحج مبرور قال أكثرت يا رسول الله قال فلين الكلام وبذل الطعام وسماح وحسن خلق قال الرجل أريد كلمة واحدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب لا تتهم الله على نفسك انتهى (طب عن ماعز) في الصحابة متعدد فكان اللائق تمييزه وقيل إن هذا غير منسوب وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد إلا عند الطبراني وهو عجيب فقد خرجه أحمد في المسند قال الهيثمي بعد ما عزاه له وللطبراني رجال أحمد رجال الصحيح فاقتضى أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فكان ينبغي للمصنف عزوه إليه لكن الحديث له شواهد ترقيه إلى الصحة بل ادعى بعضهم تواتره فمنها ما رواه أحمد عن عبادة أن رجلا أتى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أي العمل أفضل قال إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله قال أريد أهون من ذلك قال السماحة والصبر قال أريد أهون من ذلك قال لا تتهم الله في شيء قضى لك به الحديث: 1239 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 1240 - (أفضل الأعمال العلم بالله) أي معرفة ما يجب له ويمتنع عليه من الصفات والسلوب والإضافات فالعلم بذلك أفضل الأعمال وأشرف العلوم وأهمها فإنه ما لم يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم يتصور علم فقه ولا حديث ولا تفسير فجميع العلوم متوقفة على علم الأصول وتوقفها عليه ليس بطريق الخدمة بل الإضافة والرئاسة ومن ثم عد رئيس العلوم كلها فمعرفة الله تعالى والعلم به أول واجب مقصود لذاته على المكلف لكن ليس المراد بالمعرفة الحقيقية لأن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر ولا العيانية لأنها مختصة بالآخرة عند مانعي الرؤية في الدنيا مطلقا أو لغير نبينا وهم الجلة الأكابر أو لأولي الرتب العلية وقليل ما هم ولا الكشفية فإنها منحة إلهية ولا نكلف بمثلها إجماعا بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر. وسبب الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أي الأعمال أفضل قال العلم بالله ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك فقال يا رسول الله إنما أسألك عن العمل فقال (إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره) لأن العبادة المعول عليها إنما هي ما كانت عن العلم به فأجل المقاصد وأهم المطالب وأعظم المواهب العلم بالله فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض شعور قال بعضهم لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم بالله والعلم بمواطن الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك إلا بالخلوة والرياضة والمجاهدة أو الجذب الإلهي (وأن [ص: 28] الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره) لأن العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون فلا تصح إذا عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط إجزائها. وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر فإن من نفد أمره فهو إلى العلم أحوج ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق انتهى قال ابن حجر وفيه أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أنس) قال الزين العراقي وسنده ضعيف انتهى فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءا إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره الحديث: 1240 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 1241 - (أفضل الأعمال الحب في الله) أي في ذات الله لا لشوب رياء ولا هوى (والبغض في الله) قال الطيبي في هنا بمعنى اللام في الحديث الآتي من أحب لله إشارة إلى الإخلاص لكن في هنا أبلغ أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} أي في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصا فمن أفضل الأعمال أن يحب الرجل الرجل للإيمان والعرفان لا لحظ نفساني كإحسان وأن يكرهه للكفر والعصيان لا لإيذائه له والحاصل أن لا يكون معاملته مع الخلق إلا لله ومن البغض في الله بغض النفس الأمارة بالسوء وأعداء الدين وبغضهما مخالفة أمرهما والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله بما أمر ونهى ومع أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم وهذا الحديث على وجازته من الجوامع ومن تدبره وقف على سلوك طريق الله وفناء السالك في الله. ثم إن قيل كيف يكون الحب في الله والبغض فيه أفضل من نحو الصلاة والصوم والجهاد؟ قلنا من أحب في الله يحب أنبياءه وأولياءه ومن شرط محبته إياهم أن يقفوا أثرهم ويطيع أمرهم قال القائل: تعصي الإله وأنت تظهر حبه. . . هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته. . . إن المحب لمن يحب مطيع وكذا من أبغض في الله أبغض أعداءه وبذل جهده في مجاهدتهم بالبنان واللسان. قال ابن رسلان: وفيه أنه يجب أن يكون للإنسان أعداء يبغضهم في الله كما له أصدقاء يحبهم في الله تعالى (د عن أبي ذر) قال الصدر المناوي: وفيه رجل مجهول الحديث: 1241 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 1242 - (أفضل الأيام) أي أيام الأسبوع. قال أبو البقاء: أصل أيام أيوام اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها (عند الله) العندية للتشريف (يوم الجمعة) لما له من الفضائل التي لم تجتمع لغيره فمنها أن فيه ساعة محققة الإجابة وموافقته يوم وقفة المصطفى صلى الله عليه وسلم واجتماع الخلائق فيه في الأقطار للخطبة والصلاة ولأنه يوم عيد كما في الخبر لموافقته يوم الجمع الأكبر والموقف الأعظم يوم القيامة ومن ثم شرع الاجتماع فيه والخطبة ليذكروا المبدأ والمعاد والجنة والنار ولهذا سن في فجره قراءة سورتي السجدة وهل أتى لاشتمالهما على ما كان ويكون في ذلك اليوم من خلق آدم والمبدأ والمعاد ولأن الطاعة الواقعة فيه أفضل منها في سائر الأيام حتى أن أهل الفجور يحترمون يومه وليلته ولموافقته يوم المزيد في الجنة وهو اليوم الذي يجتمع فيه أهلها على كثبان المسك فلهذه الوجوه فضلت وقفة الجمعة على غيرها لكن ما استفاض أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة باطل لا أصل له كما بينه بعض الحفاظ ثم الكلام في أفضل أيام الأسبوع أما أفضل أيام العام فعرفة والنحر وأفضلهما عند الشافعي عرفة لأن صيامه يكفر سنتين وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه فيه ولأن الحق سبحانه يباهي ملائكته بأهل الموقف وقيل الأفضل يوم النحر ففيه التضرع والتوبة وفي النحر الوفادة والزيادة (هب عن أبي هريرة) إسناده حسن الحديث: 1242 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 [ص: 29] 1243 - (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت) فإن من علم ذلك استوت سريرته وعلانيته فهابه في كل مكان واستحى منه في كل زمان والهيبة والحياء وثاقان لنفس العبد من كل ما ذكره الله سرا وجهرا وبطنا وظهرا فالنفس في هذه الأحوال الأربع تخشع لهيبته وتذل وتخمد شهواتها وتقل حركاتها فإذا كان من الله لعبده تأييد بهذين فقد استقام والمراد بذلك علم القلب لا علم اللسان فقد علم الموحدون أن الله معهم بالنص القرآني {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} الآية لأن الإيمان شهادة القلب لأنه سبحانه حي قائم موجود وإله واحد معبود فهذا هو الإيمان العام الذي من سلبه غير مؤمن ثم لشهود القلب مراتب ومن أفضلها شهوده لله في كل مكان يكون فيه العبد على أي حال كان من خلاء وملاء وسراء وضراء. ونعيم وبؤس وطاعة وعصيان فيكون في حال الخلاء مستحيا وفي هذا الملاء متوكلا وفي السراء حامدا وفي الضراء راضيا وفي الغنى بالإفضال وفي الإفلال بالصبر وفي الطاعة بالإخلاص وفي المعصية بطلب الخلاص (طب حل) من حديث نعيم بن حماد عن عثمان بن كثير عن محمد بن مهاجر عن عمرة عن ابن غنم (عن عباده بن الصامت) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث عروة ولم نكتبه إلا من حديث محمد بن مهاجر أه ونعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال وثقه أحمد وجمع وقال النسائي: غير ثقة وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع وقال أبو داود: عنده نحو عشرين حديثا لا أصل لها أه ومحمد بن مهاجر فإن كان هو القرشي فقال البخاري لا يتلبع على حديثه أو الراوي عن وكيع فكذبه جزرة كما في الضعفاء للذهبي وبه يتجه رمز المؤلف لضعفه الحديث: 1243 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 1244 - (أفضل الإيمان) أي من أفضل خصاله (الصبر) أي حبس النفس على كريه تتحمله أو عن لذيذ تفارقه وهو ممدوح مطلوب (والمسامحة) يعني المساهلة في رواية السماحة بدل المسامحة وذلك لأن حبس النفس عن شهواتها وقطعها عن لذاتها ومألوفاتها تعذيب لها في رضا الله وذلك من أعلى خصال الإيمان وبذل المال وغيره من المقتنيات مشق صعب إلا على من وثق بما عند الله واعتقد أن ما أنفقه هو الباقي فالجود ثقة بالمعبود من أعظم خصال الإيمان قال الزركشي: والسماحة تيسير الأمر على المسامح. وروى نحو ذلك عن الحسن وأنه قيل له ما الصبر والسماحة؟ فقال: الصبر عن محارم الله والسماحة بفرائض الله وفي الحديث وما قبله وما بعده أن من الإيمان فاضل ومفضول فيزيد وينقص إذ الأفضل أزيد وفي خبر: من سامح سومح له (فر عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي وفيه زيد العمى قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف متماسك (تخ عن عمير) مصغر عمر بن قتادة بن سعد (الليثي) صحابي من مسلمة الفتح وفي مسند أبي يعلى أنه استشهد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم قال قال رجل يا رسول الله ما أفضل الإيمان؟ فذكره وفيه شهر بن حوشب ورواه البيهقي في الزهد بلفظ: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصبر والسماحة قال الحافظ العراقي: ورواه أبو يعلى وابن حبان في الضعفاء من حديث جابر بلفظ: سئل عن الإيمان فذكره وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ: ما الإيمان؟ قال الصبر والسماحة وحسن الخلق. وإسناده صحيح. إلى هنا كلام الحافظ وبه يعرف أن إهمال المصنف لرواية البيهقي مع صحة سندها وزيادة فائدتها غير جيد الحديث: 1244 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 1245 - (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله) لا لغيره فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له (وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل) بأن لا تفتر عن النطق به فإن الذكر [ص: 30] مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش ومنشور الولاية قال وهب: أوحى الله إلى داود: أسرع الناس مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من ذكري. والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب فإن الذكر مع الغفلة ليس له كبير جدوى لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي (تحب لنفسك) من ذلك وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال (وتكره لهم ما تكره لتفسك) من المكاره الدنيوية والأخروية (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس على أن الأكمل بخلاف ذلك فقد قال الفضيل لابن عيينة: إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا الآية} وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف أذاء عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد (طب عن معاذ بن أنس) قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فذكره قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 1245 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 1246 - (أفضل الجهاد) أي من أفضل أنواع الجهاد بالمعنى اللغوي العام (كلمة حق) بالإضافة ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي: عدل: بدل حق وأراد بالكلمة الكلام وما يقوم مقامه كالخط (عند سلطان جائر) أي ظالم لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة غلبة خوفه ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر والمراد بالسلطان: من له سلاطة وقهر وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله ولا كذلك بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود: أو أمير جائر (تتمة) أصل الجهاد بالكسر لغة المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق على مجاهدة النفس وعلى تعلم أمور الدين ثم العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات وأما مجاهدة الكفار فباليد والمال والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب <فائدة> قال الدميري: دخل النور البكري على محمد بن قلاوون فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد وذكر الحديث. ثم قال له: وأنت ظالم فأمر بقطع لسانه فجزع واستغاث فشفع به بعض الأمراء. فقال السلطان: ما أردت إلا امتحان إخلاصه ثم نفاه (هـ عن أبي سعيد) الخدري وكذا رواه أبو داود والترمذي باللفظ المذكور من الوجه المزبور ولعل المصنف ذهل عن ذلك ثم إن فيه عند الكل عطية العوفي قال في الكاشف: ضعفوه (حم طب هب عن أبي أمامة الباهلي) قال عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال: أي الجهاد أفضل؟ فسكت فلما رمى الثانية سأله فسكت ثم سأله عند العقبة فوضع رجله في الغرز: أي الركاب ثم ذكره ثم قال أعني البيهقي: وإسناده لين قال: وله شاهد مرسل بإسناد جيد ثم ساقه عن الزهري بلفظ: أفضل الجهاد كلمة عدل عند [ص: 31] إمام جائر (حم ن هب) والضياء أيضا كلهم (عن طارق) بالمهملة والقاف (ابن شهاب) ابن عبد شمس البجلي الأحمسي له رؤية ورواية قال في الرياض: رواه النسائي بإسناد صحيح وكذا قال المنذري فالمتن صحيح الحديث: 1246 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 1247 - (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل) ذكر الرجل وصف طردي (نفسه) في ذات الله (وهواه) بأن يكفهما عن الشهوات ويمنعهما عن الاسترسال في اللذات ويلزمهما فعل الأوامر وتجنب المناهي فإنه الجهاد الأكبر والهوى اكبر أعدائك وهو ونفسك أقرب الأعداء إليك لما أن ذلك بين جنبيك والله يقول {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين بلونكم من الكفار} ولا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها وإذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك جهاد الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت شهيدا من الأحياء الذين عند ربهم يرزقون ولعمري إن جهاد النفس لشديد بل لا شيء أشد منه فإنها محبوبة وما تدعو إليه محبوب فكيف إذا دعيت إلى محبوب فإذا عكس الحال وخولف المحبوب اشتد الجهاد بخلاف جهاد أعداء الدين والدنيا ولهذا قال الغزالي: وأشد أنواع الجهاد الصبر على مفارقة ما هواه الإنسان وألفه إذ العادة طبيعة خامسة فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله ولا يقوى باعث الدين على قمعهما. فلذا كان أفضل الجهاد وقال أبو يزيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي حتى سقتها إليه وهي تضحك. <تنبيه> قال ابن عربي: العلل في طريق السالكين ليس لها محل إلا النفوس فقط لا حظ فيها للعقول ولا للبدن فإن دواء علل العقول اتخاذ الميزان الطبيعي وإزالة الفكر ومداومة الذكر ليس إلا وعلل البدن الأدوية الطبية وأما أمراض النفس فثلاثة: مرض في الأقوال كالتزام قول الحق فإن الغيبة حق وقد نهى عنها والنصيحة في الملاحق وهي نصيحة مذمومة وكالمن والتحدث بما لا يعني ونحو ذلك ومرض في الأفعال كالرياء والعجب ومرض في الأحوال كصحبة للأولياء ليشيع أنه منهم وهو في نفسه مع شهوته فمن عرف هذه العلل وأدواءها وخلص نفسه منها فقد نفعها وذلك أفضل الجهاد مطلقا فإنه فرض عين مطلقا (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول عجب وقد خرجه الحافظ أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله الحديث: 1247 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 1248 - (أفضل الحج العج) بفتح العين المهملة (والثج) أي أفضل أعمال الحج رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي كذا في الكشاف. قال الطيبي: أراد بهما الاستيعاب فبدأ بالإحرام الذي هو الإهلال وانتهى بالتحلل الذي هو إهراق دم الهدي فاكتفى بالمبتدأ والمنتهى عن سائر أعماله: يعني أفضل الحج ما استوعب جميع أعماله من أركان وشروط ومندوبات. قال ابن عبد السلام: وأفضل أركان الحج الطواف فهو أفضل من الوقوف لشبهه بالصلاة والعج رعف الصوت بالتلبية والثج إراقة الدم وكل سائل لكن سائل الحج هو الدم كما في العارضة (ت) في التفسير (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الضحاك بن عثمان قال أبو زرعة: ليس بقوي ووثقه ابن معين (هـ ك) في الحج (هق) كلهم (عن أبي بكر) الصديق وصححه الحاكم وأقره الذهبي في التلخيص وإنه لشيء عجاب مع أن فيه يعقوب بن محمد الزهري أورده هو - أعني الذهبي - في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة وغير واحد وفيه أيضا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة مشهور. قال ابن سعيد: ليس بحجة (ع عن ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي الحج أفضل؟ فذكره واستغربه الترمذي وهو معلول من طرقه الثلاثة. قال ابن حجر: حديث ابن ماجه عن ابن عمر فيه إبراهيم بن يزيد الجوزي وحديث الحاكم عن أبي بكر فيه [ص: 32] انقطاع بين المنكدر وعبد الرحمن بن يربوع نبه عليه الترمذي وحديث أبي يعلى عن ابن مسعود فيه الواقدي اه الحديث: 1248 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 1249 - (أفضل الحسنات) المتعلقة بحسن المعاشرة (تكرمة الجلساء) تفعلة من الكرامة ومن جملتها بسط الرداء والوسادة وإنما يكون من أفضل الحسنات إذا نويت امتثال الأمر الموالاة لله وفي الله فإنها من أوثق عرى الإيمان ومن تكرمة الجليس الإصغاء لحديثه كابن أبي رباح كان إذا حدثه شخص بحديث وهو يعلمه أصغى إليه إصغاء من لم يسمعه قط لئلا يخجل جليسه. قال حجة الإسلام: فيندب إكرام الصاحب والجليس ندبا مؤكدا وفيه إشارة إلى وصية آداب الصحبة فمنها كتمان السر وستر العيوب والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المراء فيه وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ويشكره على صنيعه في حقه ويذب عنه في غيبته وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس وينصحه باللطف والتعريض إن احيج. ويعفو عن زلته وهفوته ولا يعيبه ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته ويؤثر التحقيق عنه وينظر إلى حاجاته ويروح قلبه في مهماته ويظهر الفرح بما يسره والحزن بما يضره ويضمر مثل ما يظهره فيه ليكون صادقا في وده سرا وعلنا ويبدأه بالسلام عند إقباله ويوسع له في المجلس ويخرج له من مكانه ويشيعه عند قيامه ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه. وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به اه. وقال غيره: المجالسة وإكرام الجلساء أن يوسع للجليس ويقبل عليه ويصغي لحديثه ويتمكن من الجلوس معه غير مستوفز ولا يعبث بلحيته ولا خاتمه ولا يسبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات (القضاعي عن ابن مسعود) الحديث: 1249 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لأنها أقرب جار إليه والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام بذلك أفضل ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو داء شنيع والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون أفضل وأرجى إجابة ذكره بعض الأعاظم وفضل الدعاء يكون بحسب المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا ينافي أفضليته من جهة أخرى وقد تجتمع الجهات كلها (هـ ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة) وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته ذهولا عن تعقب الذهبي له بأن مباركا هذا واه اه. نعم رواه الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 1250 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر الربوبية لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو (العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: العفو أن يعفو عن الذنوب والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص وهي مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك. إلى هنا كلامه وقال الحكيم: العفو والعافية مشتق أحدهما من الآخر إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا وذكرهما في الحديث في الدارين إيذانا بأنهما يرجعان إلى شيء واحد فيقال في محل العقوبة عفا عنه وفي محل [ص: 33] الابتلاء عافاه ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي: كفى بالسلامة داء كما يأتي (فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت لن لكل نعمة تبعة ولكل ذنب نقمة في الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات تخلص هذا في العفو وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر الأمور من تدبير فكلما تنفس نفسا استمد منه وفيه السلامة والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها البلاء أعاذنا الله بكرمه ثم إن قلت: طلب سؤال العافية من الله يناقضه ما جاء في غير ما خبر: إن البلاء خير من النعيم فالجواب: أن البلاء خير ونعمة باعتبارين: أحدهما بالإضافة إلى ما هو أكبر منه إما في الدين والدنيا والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب فينبغي أن يسأل الله تعالى تمام النعمة في الدنيا والآخرة ودفع ما فوقه من البلاء ويسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر على أن يعطي على الشكر ما يعطيه على الصبر قاله حجة الإسلام <تنبيه> قال شيخنا العارف الشعراني: قال لي البرهان بن أبي شريف لا ينبغي لمن وقع في ذنب واحد طول عمره أن يسأل الله الرضا وإنما يسأله العفو فإذا حصل حصل الرضا كما أنه لا ينبغي أن يسأل الله أن يكون من الصالحين الكمل ورثة الأنبياء (حم وهناد) في الزهد (ت هـ عن أنس) وقال الترمذي حسن إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان أهو سلمة هذا ضعفه أحمد الحديث: 1251 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 1252 - (أفضل الدنانير) أي أكثرها ثوابا إذا أنفقت (دينار ينفقه الرجل على عياله) أي من يعوله وتلزمه مؤنته من نحو ولد وزوجة وخادم (ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله) أي التي أعدها للغزو عليها (ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل) يعني على رفقته الغزاة وقيل المراد بسبيله كل طاعة وقدم العيال لأن نفقتهم أهم ما يجب عليه تقديمه ثم دابة الجهاد لمزيد فضل النفقة عليها كما سيجيء بيانه في عدة أخبار ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجرا من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك وخص دابة الغزو وأصحابه الغزاة لأن النفقة عليهم أهم مما ينفق في الجهاد وأعظمه أجرا غالبا (حم م ت ن هـ عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الرياض ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ثوبان شيئا الحديث: 1252 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 1253 - (أفضل الذكر لا إله إلا الله) إذ لا يصح الإيمان إلا به ولأن فيه إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه وليس ذا في سواه من الأذكار ولأن للتهليل تأثيرا في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في الظاهر {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} فيفيد نفي عموم الإلهية بقوله " لا إله " ويثبت الواحد بقوله " إلا الله " ويعود الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن ويتولى على جوارحه ويجد حلاوة هذا من ذاق وقال بعض العارفين: إنما كانت أفضل لأنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شيء إذ لو ماثله شيء ما كان واحدا بل اثنين فصاعدا فما ثم ما يزنه إلا المعادل والمماثل ولا معادل ولا مماثل فذلك هو المانع للا إله إلا الله أن تدخل الميزان يوم القيامة فإن الشرك الذي يقابل التوحيد لا يصح وجوده من العبد مع وجود التوحيد فإن الإنسان إما مشرك وإما موحد فلا يزن التوحيد إلا الشرك ولا يجتمعان في ميزان أبدا فعليك بالذكر بها فإنه الذكر [ص: 34] الأقوى وله النور الأضوى والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه وحكمه (وأفضل الدعاء الحمد لله) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملها فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه والحمد على النعم طلب المزيد وفي الحديث القدسي إن الله يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وسيجيء حديث: الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده فنبه به على وجه تسمية الحمد دعاء وهو كونه محصلا لمقصود الدعاء فأطلق عليه دعاء مجازا لذلك فإن حقيقة الدعاء طلب الإنعام والشكر كفيل بحصول الإنعام للوعد الصادق بقوله {لئن شكرتم لأزيدنكم} وقال الطيبي: لعله جعل أفضل الدعاء من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه. قال: وقد يكون قوله الحمد لله: تلميح وإشارة إلى {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} وأي دعاء أفضل وأجمع وأكمل منه. قال المؤلف: دل هذا الحديث بمنطوقه على أن كلا من الكلمتين أفضل نوعه ودل بمفهومه على أن لا إله إلا الله أفضل من الحمد لله فإن نوع الذكر أفضل من نوعه. <تنبيه> قال الغزالي: ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله فإن النعم كلها من الله وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد لدخولهما فيه بل الرتبة الأولى من معارف الإيمان التقديس ثم إذا عرف ذاتا مقدسة يعرف أنه لا يقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة وينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل فلذلك ضوعف الحمد ما لم يضاعف غيره من الأذكار مطلقا <تنبيه> قال البدر الدماميني: لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه وإن ورد: أفضل العبادات أشقها لأن في الإخلاص في الذكر من المشقة سيما الحمد في حال الفقر ما يصير به أعظم الأعمال وأيضا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال فإن ثواب كلمة الشهادة مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة (تنبيه آخر) قال بعض العارفين: سميت كلمة الشهادة تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت أي إذا ذكر بما ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ولذلك كانت أفضل ما قاله النبييون كما في الخبر الآتي فأرفع الكلمات " لا إله إلا الله " وهي أربع كلمات نفي ومنفي وإيجاب وموجوب والأربعة الأسماء الإلهية أصل وجود العالم والأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام والأربعة العناصر أصل وجود المولودات والأربعة الأخلاط أصل وجود الحيوان والأربعة الحقائق أصل وجود الإنسان فالأربعة الإلهية: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والأربعة الطبيعية: الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة والأربعة العناصر: ركن النار والهواء والماء والتراب والأربعة الأخلاط: المرتان والدم والبلغم والأربعة الحقائق: الجسم والتغذي والحس والنطق فإذا قال عبده لا إله إلا الله على هذا التربيع كان لسان العالم ونائب الحق في النطق وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا فاستوعبت بهذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر العشرات والمئون والألوف ومن واحد إلى تسعة ثم بعد هذا يقع التركيب بما يخرجك من الآحاد إلى ما لا يتناهى وهو ما يتركب منها فلا إله إلا الله وإن انحصرت في هذا القدر في الوجود فجزاؤها لا يتناهى (ت) في الدعوات (ن) في اليوم والليلة في ثواب التسبيح (حب ك) في الدعوات (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 1253 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 1254 - (أفضل الرباط) هو في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب ثم شبه به الأفعال الصالحة (الصلاة) لأنها أفضل عبادة البدن بعد الإيمان ولفظ رواية الطيالسي: الصلاة بعد الصلاة فكأنه سقط من قلم المصنف (ولزوم [ص: 35] مجالس الذكر وما من عبد) أي مسلم (يصلي) فرضا أو نفلا (ثم يقعد في مصلاه) أي المحل الذي صلى فيه (إلا لم تزل الملائكة تصلي عليه) أي تستغفر له (حتى يحدث) أي ينتقض طهره بأي ناقض كان أو يحدث أمرا من أمور الدنيا وشواغلها (أو يقوم) من مصلاه ذلك متى قام (الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن أبي حميد فإن كان المدني فضعفوه أو الزهري فشبه المجهول كما في الضعفاء للذهبي الحديث: 1254 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 1255 - (أفضل الرقاب) أي للعتق (أغلاها ثمنا) بغين معجمة عند الجمهور وروي بمهملة أيضا ومعناها متقارب. قال النووي: هذا فيمن يعتق واحدة فلو أراد الشراء بألف للعتق فالعدد أولى وفارق السمينة في الأضحية: بأن القصد هنا فك الرقاب وثم طيب اللحم اه. قال ابن حجر: ويظهر اختلافه باختلاف الأشخاص والضابط أن الأفضل أيهما أكثر نفعا قل أو كثر وأخذ منه مالك ندب عتق كافرة هي أغلى ثمنا من مسلمة قلنا قد قيد في حديث آخر بالمسلمة (وأنفسها) بفتح الفاء أحبها وأكرمها (عند أهلها) أي ما اغتباطهم به أشد فإن عتق مثله إنما يقع غالبا خالصا {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وفيه أن من حق المتقرب إلى ربه أن يتفوق في اختيار ما يتقرب به بأن يكون بريئا من العيب يونق الناظرين وأن يتغالى بثمنه فقد ضحى عمر بنجيبة بثلاث مئة دينار (حم ق ن هـ عن أبي ذر) الغفاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الرقاب افضل؟ قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. قلت فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لآخر قلت فإن لم أفعل قال فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك اه (حم طب عن أبي أمامة) الباهلي. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات الحديث: 1255 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 1256 - (أفضل الساعات) أي ساعات التهجد والدعاء فيه (جوف الليل الآخر) روي بالنصب على الظرف أي الدعاء جوف الليل: أي ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل كما في النهاية وفي القاموس: جوف الليل الآخر ثلثه الأخير ولو حذف ذكر الآخر لكان جوف الليل وسطه وليس مرادا. قال بعض العارفين: فيناجي المصلي ربه في تلك الساعة بما يعطيه عالم الغيب والشهادة والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وهو خصوص دلالة بخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين من أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية والتقريب الروحاني وهو وقت نزول الحق تقدس من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف وخرج بالليل النهار فأفضل ساعاته للتعبد فيه أوله (طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين قديم الإسلام محقق الصحبة أبي نجيح السلمي يقال أسلم بعد أبي بكر وبلال وكان يقال هو ربع الإسلام سكن المدينة ثم نزل الشام الحديث: 1256 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 1257 - (أفضل الشهداء من سفك دمه) أي أسيل دمه وأهلك في أول دفعة أي قطرة من الدم (وعقر جواده) أي جرح فرسه وضربت قوائمه بالسيف وفي الصحاح: عقر الفرس بالسيف فانعقر: أي ضرب قوائمه. وقال الزمخشري: تقول إن بني فلان عقروا مراعي القوم إذا قطعوها وأفسدوها والجواد الفرس الجيد. قال الزمخشري: تقول فرس جواد من خيل جياد وأجاد فلان صار له فرس جواد والمراد أنه عقر جواده ثم استشهدا وقتلا معا فيكون له أجر نفسه وجواده وأما إن قتل ثم عقر جواده فإنما يكون له أجر نفسه وأما أجر جواده فلوارثه فلذلك كان الأول أفضل وتمسك به من فضل شهيد البر على شهيد البحر وعكسه البعض تمسكا بخير: من لم يدرك الغزو معنا [ص: 36] فليغزو في البحر فإن غزوة في البحر أفضل من غزوتين في البر (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه ورواه ابن حبان عن أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد من عقر جواده وأهرق دمه وله شواهد ترقيه إلى الصحة الحديث: 1257 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 1258 - (أفضل الصدقة) أي أعظمها أجرا قال الحراني: الصدقة الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب (أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وبالتشديد على إدغامها (وأنت صحيح) أي والحال أنك سليم من مرض مخوف (شحيح) أي حريص على الضنة بالمال وهو صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص فهو أبلغ منه فهو بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع وقيل هو وصف لازم من جهة الطبع (تأمل) بفتح المثناة فوق وبضم الميم (العيش) أي تطمع كذا هو في جامع الفصولين للمؤلف وهي لفظ رواية النسائي ورواية البخاري: الغنى: بغين معجمة مكسورة ثم وقفت على خط المؤلف فوجدته الغنى فتقول أترك مالي في بيتي لأكون غنيا وقد أعمر طويلا (وتخشى) أي والحال أنك تخشى (الفقر) أي تقول في نفسك لا تتلف مالك لئلا تصير فقيرا فمجاهدة النفس حينئذ على إخراج المال آية صحة القصد وقوة الرغبة فكان لذلك أفضل لأن المراد أن شح النفس هو سبب هذه الأفضلية (ولا تمهل) بالجزم نهي وبالرفع نفي فيكون مستأنفا وبالنصب عطف على تصدق وكلاهما خبر مبتدأ محذوف: أي أفضل الصدقة أن تتصدق بها حال صحتك على احتياجك لما في يدك ولا تؤخر (حتى إذا بلغت) الروح يدل عليه السياق (الحلقوم) بضم الحاء المهملة الحلق أي قاربت بلوغه أي الوصول إلى مجرى النفس عند الغرغرة ولم تبلغه بالفعل إذ لو بلغته لما صح تصرفه (قلت لفلان كذا ولفلان كذا) كناية عن الموصى به والموصى له: أي إذا وصلت هذه الحالة وعلمت أن المال صار لغيرك تقول للورثة أعطوا فلانا من مالي كذا واصرفوا لعمارة المسجد كذا (وقد كان لفلان) أي والحال أن المال في تلك الحالة صار متعلقا بالوارث فيبطله إن شاء فيما زاد على الثلث وقيل كناية عن المورث أي خرج عن تصرفه واستقلاله بما شاء من التصرف فليس له في وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان وهو كامل التصرف وحاصله أن الشح غالب في الصحة فالصدقة حينئذ أعظم أجرا وفيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وأن سخاءه في مرضه لا يمحو عنه سمة البخل ومعنى شحه بالمال أن يجد له وقعا في قلبه لما يرجوه من طول العمر ويخافه من حدوث الفقر {الشيطان يعدكم الفقر} وفيه التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية (حم ق د ن عن أبي هريرة) الحديث: 1258 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 1259 - (أفضل الصدقة) أي من أفضلها: وكذا يقال فيما يأتي (جهد) روي بضم الجيم وفتحها فبالضم الوسع والطاقة وهو الأنسب هنا وبالفتح المشقة والمبالغة والغاية (المقل) بضم فكسر أي مجهود وقليل المال: يعني قدرته واستطاعته وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة بالله والزهد فصدقته أفضل الصدقة وهو أفضل الناس بشهادة خبر: أفضل الناس رجل يعطي جهده والمراد بالمقل الغني القلب ليوافق قوله الآتي: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى أو يقال الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين فالمخاطب بهذا الحديث أبو هريرة وكان مقلا متوكلا على الله فأجابه بما يقتضيه حاله والمخاطب بالحديث الآتي حكيم بن حزام وكان من أشراف قريش وعظمائها وأغنيائها ووجوهها في الجاهلية والإسلام (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزمك مؤنته وجوبا فقدمه على التصدق تقديما للواجب على المندوب ولا يتناول ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما زاد على كفايتهم لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشارع (د) في الزكاة وسكت عليه وأقره المنذري [ص: 37] (ك) فيها (عن أبي هريرة) وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 1259 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 1260 - (أفضل الصدقة) قال الراغب: ما يخرج من المال تقربا كالزكاة لكن الصدقة في الأصل للمتطوع به والزكاة للواجب وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى الصدق في فعله (ما كان عن ظهر غنى) أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى فزاد لفظ ظهرا إشباعا للكلام وتمكينا وقيل هذا عبارة عن تمكن المتصدق عن غنى ما كقولهم هو على ظهر سير أي متمكن منه وتنكير غنى ليفيد أنه لا بد للمتصدق من غنى ما إما غنى النفس وهو الاستغناء عما بذل بسخاء نفس ثقة بالله كما كان للصديق وإما غنى مال حاصل في يده والأول أفضل اليسارين للخبر الآتي: ليس الغنى عن كثرة المال والعرض وإلا لما ندب له التصدق بجميع ماله ويترك نفسه وعياله في الجوع والشدة (واليد العليا) المعطية وقيل المتعففة (خير من السفلى) أي الآخذة ومحصول ما في الآثار إعلاء الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي المانعة والسائلة وقد تقرر أنه لا تدافع بين ذا وما قبله لأن في الصابرين على الإضافة المؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة والثاني فيمن ليس كذلك (وابدأ بمن تعول) قال الطيبي: يشمل النفقة على العيال وصدقتي الواجب والتطوع وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعليه كان الظاهر أن يؤتى بألف فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضا للترتيب إلى الذهن واهتماما بشأن الانفاق وفيه أن تبقية بعض المال أفضل من التصدق بكله ليرجع كلا على الناس إلا لأهل اليقين كالصديق وأضرابه ومحصوله أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين كما مر <تنبيه> قال الزمخشري: أصل العليا اسم لمكان مرتفع وليست بتأنيث الأعلى بدليل انقلاب الواو ياء ولو كانت صفة لقيل العلوى كالعشوى والقنوى والحذرى في تأنيث أفعالها ولأنها استعملت منكرة وأفعل التفضيل ومؤنثه ليسا كذلك (حم م ن عن حكيم بن حزام) ولد في جوف الكعبة وعاش مئة وعشرين سنة: ستين في الجاهلية وستين في الإسلام القرشي الشريف جاهلية وإسلاما الحديث: 1260 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 1261 - (أفضل الصدقة سقي الماء) لمعصوم محتاج وفسره في رواية الطبراني بأن يحمله إليهم إذا غابوا ويكفيهم إياه إذا حضروا وقال الهيثمي: إن رجال هذه الرواية رجال الصحيح ولا عطر بعد عروس وزاد أعني الطبراني في رواية أخرى سندها مجهول بعد قوله سقي الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة {أفيضوا علينا من الماء} قال الطيبي: وإنما كان أفضل لأنه أعم نفعا في الأجور الدينية والدنيوية ولذك امتن الله علينا بقوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتة ونسقيه} الآية. وإنما وصف الماء بالطهور ليشير إلى أن الغرض أنه أصل في الأثر أي إزالة الموانع من العبادة وباقي الأغراض تابعة اه. وأقول محل أفضليته التصدق به على غيره إذا عظمت الحاجة إليه كما هو الغالب في قطر الحجاز لقلة المياه فيه ومثله الطريق إليه للحجاج ونحو ذلك وإلا فالتصدق بنحو الخبز أفضل منه سيما زمن الغلاء والمجاعة (حم ن ده حب ك عن سعد بن عبادة) بضم المهملة السيد الجواد الرئيس قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الصدقة أعجب إليك؟ فذكره (ع عن ابن عباس) قال: قال سعد يا رسول الله: ماتت أم سعد فأي الصدقة أفضل؟ فذكره فحفر بئرا فقال هذه لأم سعد الحديث: 1261 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 1262 - (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما) أي شرعيا أو ما كان آلة له (ثم يعلمه أخاه المسلم) فتعليمك العلم لغيرك صدقة منك عليه بل هو من أفضل أنواع الصدقة لأن الانتفاع به فوق الانتفاع بالمال لأن المال ينفد والعلم باق [ص: 38] إلا أن إطلاق الصدقة على نحو هذا من قبل المجاز كما يشير إليه كلام العلامة الزمخشري في الفائق. وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها من تفسير وحديث وفقه وآلة ذكر: فرض كفاية (هـ) من حديث الحسن (عن أبي هريرة) قال المنذري: إسناده حسن لو صح سماع الحسن منه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير حسن الحديث: 1262 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 1263 - (أفضل الصدقة الصدقة على ذي رحم الكاشح) بشين معجمة فمهملة قال الزمخشري: هو الذي يضمر العداوة ويطوي عليها كشحه. أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك اه: يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجرا منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف (حم طب عن أبي أيوب) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وفيه الحجاج بن أرطاة ضعيف وقال الهيثمي فيه الحجاج بن أرطاة وحاله معروف وروياه أيضا (عن حكيم بن حزام) قال الهيثمي: وسنده حسن اه. ونقل ابن حجر في التخريج عن ابن طاهر أن سنده صحيح وأقره وما ذكر من أن الرواية عن أبي أيوب هو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع لكن ذكر ابن شاهين وابن منده وابن الأثير وغيرهم أنه عن أيوب بن بشير الأنصاري عن حكيم بن حزام وذكر ابن حجر في الإصابة أن رواية الطبراني في الكبير هكذا قال هذا الحديث خرجه ابن أحمد في زيادته والطبراني في الكبير من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن أيوب بن بشير عن حكيم بن حزام وذكر أنه معلول فلينظر (خد د ت عن أبي سعيد) الخدري (طب) عن أم كلثوم بنت عقبة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (ك عن أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة (بنت عقبة) بضم المهملة وسكون القاف ابن أبي معيط الأموية أخت عثمان لأمه وهي أول صحابية هاجرت من مكة فتزوجها زيد ثم الزبير ثم عبد الرحمن بن عوف قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 1263 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 1264 - (أفضل الصدقة) أي من أفضل الصدقة على المماليك (ما تصدق به) يجوز كونه ماضيا مبنيا للفاعل أو المفعول ويجوز كونه مضارعا مخففا على حذف إحدى التاءين ومشددا على إدغامها (على مملوك) آدمي أو غيره من كل معصوم (عند مالك) بالتنوين (سوء) لأنه مضطر وتحت قهر غيره والصدقة على المضطر أضعاف مضاعفة إذ المتصدق عليهم ثلاثة فقير مستغني عن الصدقة في ذلك الوقت وفقير محتاج مضطر فالصدقة على المستغني عنها وهو في حد الفقر صدقة والصدقة على المحتاج مضاعفة وعلى المضطر أضعاف مضاعفة فالمملوك عند مليك السوء انتظمت فيه ثلاث حالات: فهو فقير ومحتاج ومضطر فلذلك صار أفضل الكل ولا تدافع بين هذا الحديث وما قبله لاختلاف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان فقد يغرض من الحالات ما يعرض فيه بأفضلية تقديم المملوك على ذي الرحم بل قد يجب وشمل ذلك كل حيوان محترم محتاج إلى مؤنة أو دفع مؤذ من نحو حر أو برد (طس عن أبي هريرة) الذي وقفت عليه في معجمه الأوسط: ما من صدقة تصدق بها على مملوك عند ملك سوء اه ثم المصنف رمز لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: فيه بشير بن ميمون وهو ضعيف الحديث: 1264 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 1265 - (أفضل الصدقة) الصدقة التي تقع (في رمضان) لأن التوسعة فيه على عيال الله محبوبة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان وذلك لأنه تعالى وضع رمضان لإفاضة الرحمة على عباده أضعاف ما يفيضها [ص: 39] في غيره فكانت الصدقة فيه أفضل ثوابا منها في غيره وفيه ندب إكثار الصدقة فيه ومزيد الإنفاق على المحتاجين والتوسعة على عياله وأقاربه ومحبيه فيه وهو اسم لشهر معروف لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوالق شدة الحر ورمضه فيه فسمي (سليم) بالتصغير (الرازي) بفتح الراء وسكون الألف وآخره زاي نسبة إلى الري مدينة كبيرة مشهورة من بلاد الديلم وألحقوا الزاي بالنسب (في جزئه عن أنس) بن مالك قال ابن الجوزي: هذا لا يثبت فيه صدقة بن موسى قال ابن معين: ليس بشيء اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس بل خرجه الترمذي عن أنس المذكور كما في الفردوس وغيره عنه ولفظه: أفضل الصدقة صدقة رمضان الحديث: 1265 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 1266 - (أفضل صدقة اللسان الشفاعة) الموجود في أصل الشعب للبيهقي المقروء المتقنة: أفضل الصدقة صدقة اللسان قالوا يا رسول الله وما صدقة اللسان قال الشفاعة (تفك بها الأسير) أي يتخلص بسببها المأسور من العذاب أو الشدة كأنه قيل: أفضل صدقة اللسان الشفاعة لماذا: قال ليخلص بها الإنسان من الضيق (وتحقن) بفتح فسكون فكسر (بها الدم) أي تمنعه أن يسفك. قال الزمخشري: من المجاز حقنت دمه إذا حل به القتل فأنقذته (وتجر) أي تسحب (بها المعروف والإحسان إلى أخيك) في الإسلام أو توصل إليه بها الجميل (وتدفع عنه) بها (الكريهة) أي ما يكرهه ويشق عليه من النوازل الدنيوية {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} والواو بمعنى أو (طب هب عن سمرة) بضم الميم ابن جندب قال الهيثمي: فيه أبو بكر الهذلي ضعيف ضعفه أحمد وغيره وقال البخاري: ليس بالحافظ ثم أورد له هذا الخبر وأقول: فيه أيضا عند البيهقي مروان بن جعفر السمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الأزدي يتكلمون فيه الحديث: 1266 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 1267 - (أفضل الصدقة أن تشبع كبدا) بفتح فكسر أو فسكون (جائعا) أي أن تشبع ذا كبد جائع فوصف الكبد بوصف صاحبه على الإسناد المجازي وهو من جعل الوصف المناسب علة للحكم وفائدة العموم تتناول أنواع الحيوان والمؤمن والكافر أي المعصوم والناطق والصامت ونبه بالإشباع على جميع وجوه الإحسان من سقي الماء وغيره مما تشتد حاجته إليه (هب عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه هشام بن حسان وأورده الذهبي في الضعفاء وقال قال شعيب عن شعبة لم يكن يحفظ الحديث: 1267 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 1268 - (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) بالفتح أي العداوة والبغضاء والفرقة: يعني إصلاح الفساد بين القوم وإزالة الفتنة وإسكان الثائرة والنائرة والمستلزم إحياء النفوس غالبا وهي من حيث عموم نفعها أفضل من صدقة نفعها قاصر ومن ذلك ما لو كانت بين طائفتين فتنة فتحمل رجل مالا ليصلح بينهم أو أخذ من المياسير لذلك. قال ابن عربي: وإذا كان الله قد رغب بل أمر المسلمين إذا جنح الكفار إلى السلم فأجرى الصلح بين المتهاجرين من المسلمين فأعظم به من صدقة (طب) وكذا البزار (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال العراقي: فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف وقال المنذري: فيه ابن أنعم وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم الحديث: 1268 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 [ص: 40] 1269 - (أفضل الصدقة اللسان) أي صدقة اللسان يعني كل خير وبر يصدر من الأعضاء صدقة وصدقة اللسان أفضلها كما خصه بقوله في الحيث الآتي: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه فأفضل الصدقة الشفاعة والهداية إلى ما ينجي في الآخرة وتعليم الجاهل ونصرة الدين بإقامة الحجج والبراهين وغير ذلك وقيل أراد أفضل صدقة المرء على نفسه أن يحفظ لسانه لأنه لما كان هو الذي يوقع الإنسان في الهلاك كان حفظه عن الزلل المؤدي للعقاب كأنه صدقة منه عليه وهل يكب الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم وما ذكر من أن الرواية أفضل الصدقة اللسان هو ما وقفت عليه في خط المؤلف وفي عامة النسخ أفضل الصدقة حفظ اللسان فليحرر ثم راحعت مسند الفردوس الذي عزا المصنف الحديث إليه فوجدته: حفظ اللسان (فر) وكذا القضاعي (عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه حصيب بن جحدر. قال الذهبي كذبه شعبة والقطان الحديث: 1269 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 1270 - (أفضل الصدقة سر إلى فقير) أي إسرار بها إليه فهي أفضل من العلانية لبعدها عن الرياء {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (وجهد من مقل) أي بذل من فقير لأنه يكون بجهد ومشقة لقلة ماله وهو صعب شديد على من حاله الإقلال ومن ثم قال بشر: أشد الأعمال ثلاثة: الجود في القلة والورع في الخلوة وكلمة حق عند ما يخاف ويرجى (طب عن أبي أمامة) قال قلت يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ فذكره ورواه أحمد في حديث طويل قال الهيثمي وفيه علي بن زيد وهو ضعيف اه لكن له شواهد منها ما رواه أحمد في حديث طويل عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله الصدقة ما هي؟ قال أضعاف مضاعفة قلت فأيها أفضل؟ قال جهد من مقل أو سر إلى فقير. اه. وفيه أبو عمر الدمشقي متروك الحديث: 1270 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 1171 - (أفضل الصدقة المنيح) كأمير وأصله المنيحة فحذفت الهاء والمنيحة المنحة وهي العطاء هبة أو قرضا أو نحو ذلك قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال (أن تمنح الدراهم) أو الدنانير أي تقرضه أو تتصدق به أو تهبه (أو ظهر الدابة) أي أن تعير أخاك دابة ليركبها ثم يردها أو تجعل له درها ونسلها وصوفها (طب) وكذا أحمد (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو يعلى وزاد الدينار أو البقرة والبزار. قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح اه وظاهره أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 1171 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 1272 - (أفضل الصدقات ظل فسطاط) بضم الفاء وتكسر: أي خيمة يستظل بها المجاهد (في سبيل الله عز وجل) أي أن ينصب خباء للغزاة يستظلون فيه (أو منحة) بكسر الميم (خادم في سبيل الله) أي هبة خادم للمجاهد أو قرضه أو إعارته والخادم يقع على الذكر والأنثى كما سلف (أو طروقة فحل في سبيل الله) بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة أي مركوبة يعني ناقة أو فرس بلغت أن يطرفها الفحل يعطيه إياها ليركبها إعارة أو هبة. قال الطيبي وهذا عطف على منحة خادم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أي منحة ناقة وكان الظاهر أن يقال منحة فسطاس كما في القرينتين فوضع الظل موضعها لأن غاية منفعتها الاستظلال بها (حم ت) في الجهاد (عن أبي أمامة) الباهلي (ت عن عدي بن حاتم) صححه الترمذي وتبعه عبد الحق واعترضه ابن القطان بأن فيه القاسم بن أبي عبد الرحمن مختلف فيه قال [ص: 41] فحق الحديث أن يقال فيه حسن لا صحيح وأقول فيه أيضا الوليد بن جميل قال الذهبي قال أبو حاتم: روى عن الحسن أحاديث منكرة الحديث: 1272 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 1273 - (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة) لأن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع والصبح أفضل الخمس على ما اقتضاه هذا الحديث ونص عليه الشافعي لكن الأصح عند أصحابه أن أفضل الصلوات العصر إذ هي الوسطى على المعمول به الذي صح به الحديث من غير معارض ثم الصبح ثم العشاء ثم المغرب ثم الظهر على الأوجه للحديث الآتي وأفضل الجماعات جماعة الجمعة ثم الصبح ثم العشاء لامتياز الجمعة بخصائص ليست لغيرها وعظم المشقة في جماعة الصبح والعشاء ويعارضه خبر الطبراني عن عائشة: أفضل الصلاة عند الله صلاة المغرب ومن صلى بعدها ركعتين بنى الله له بيتا في الجنة والحديثان ضعيفان ويمكن تأويل الثاني بأنه بمعنى من (حل هب عن ابن عمر) بن الخطاب أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه الوليد بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن معين ليس بشيء الحديث: 1273 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 1274 - (أفضل الصلوات بعد المكتوبة) أي ولواحقها من الرواتب وما أشبهها مما يسن فعله جماعة إذ هي أفضل من مطلق النفل على الأصح (الصلاة في جوف الليل) فهي فيه أفضل منها في النهار لأن الخشوع فيه أوفر لاجتماع القلب والخلو بالرب {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ} {أمن هو قانت آناء الليل} ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق وللبدن أتعب وأنصب فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله ذكره الزمخشري وبالصلاة ليلا يتوصل إلى صفاء السرور ودوام الشكر وهي بعد نوم أفضل والمراد بالجوف هنا السدس الرابع والخامس فهما أكمل من بقيته لأنه الذي واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنه أشق الأوقات استيقاظا وأحبها راحة وأولاها لصفاء القلوب: وأقربها إلى الإجابة المعبر عنها في الأحاديث بالنزول (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان) المضاف محذوف أي أفضل شهور الصيام (شهر الله) قال الزمخشري: أضافه إليه عز اسمه تعظيما له وتفخيما كقولهم بيت الله وآل الله لقريش وخص بهذه الإضافة دون بقية الشهور مع أن فيها أفضل منه إجماعا لأنه اسم إسلامي فإن اسمه في الجاهلية صفر الأول وبقية الشهور متحدة الأسماء جاهيلة وإسلاما (المحرم) أي هو أفضل شهر يتطوع بصومه كاملا بعد رمضان فأما التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصوم عرفة وعشر الحجة ذكره الحافظ ابن رجب وذلك لأنه أول السنة المستأنفة وافتتاحها بالصوم الذي هو ضياء أفضل الأعمال وقال الزمخشري: خصه من بين الأشهر الحرم لمكان عاشوراء فأفضل الأشهر لصوم التطوع المحرم ثم رجب ثم بقية الأشهر الحرم ثم شعبان ولا يعارضه إكثار النبي صلى الله عليه وسلم صوم شهر شعبان دونه لأنه إنما علم فضل صوم المحرم آخرا ولعله لعارض وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة وهذا باعتبار الزمن فطريقة داود في المحرم أفضل من طريقته في غيره كذا وفق جمع وضعف والظاهر أن التطوع المطلق بالصوم أفضله المحرم كما أن أفضل النفل المطلق صلاة الليل وما صيامه تبع كصوم ما قبل رمضان وما بعده فليس من المطلق بل صومه تبع لرمضان ولذا قيل إن صوم ست شوال يلحق رمضان ويكتب معه بصيام الدهر فرضا فهذا النوع صومه أفضل التطوع مطلقا والمطلق أفضله المحرم اه (م عد) كلهم في الصوم (عن أبي هريرة) يرفعه (الروياني) بضم الراء وسكون الواو وفتح المثناة التحتية وبعد الألف نون نسبة إلى مدينة بناحية طبرستان واسمه محمد بن هارون الحافظ (في مسنده) المشهور قال ابن حجر: مسند الروياني ليس دون الست في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة كان أولى [ص: 42] من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير. إلى هنا كلامه (طب عن جندب) هو في الصحابة متعدد فكان ينبغي تمييزه ولم يخرجه البخاري قال المناوي: ووهم الطبراني في عزوه له الحديث: 1274 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 1275 - (أفضل الصلاة طول القنوت) أي أفضل الصلاة صلاة فيها طول القنوت: أي القيام أو أفضل أحوال الصلاة طول القيام: أي لأنه محل القراءة المفروضة وللقنوت أحد عشر معنى. قال النووي: والمراد هنا القيام اتفاقا بدليل رواية أبي داود " أي الأعمال أفضل قال طول القيام " وأخذ به أبو حنيفة والشافعية ففضلا تطويل القيام على تطويل السجود وعكس آخرون تمسكا بخبر أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وتوسط قوم فقالوا بالأول ليلا وبالثاني نهارا. قال الزين العراقي: وهذا في نفل لا يشرع جماعة وفي صلاة الفذ. أما إمام غير المحصورين فالمأمور بالنخفيف المشروع لخبر إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف. ثم إن ما ذكر من تفسير القنوت بالقيام هو ما عليه أهل النظر وذهب جمع من الصوفية إلى أن المراد به مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه والعبد إذا لاحظ العظمة بعين قلبه خشع لا محالة فيكون المراد أفضل الصلاة أكثرها خشوعا. وقالوا ولو كان المراد القيام لاستحال {قوموا لله قانتين} ألا ترى أنه أمر بالقيام ثم القنوت فالقنوت صفة فعل يحدث عن القيام وذهب آخرون منهم إلى ما عليه أهل النظر وعليه ابن عربي قال ولما كان المعقول من إطلاق لفظ القرآن على الكلام الإلهي الجامع والصلاة حالة جامعة بين العبد وربه وقعت المناسبة بين القرآن والصلاة فلا يقرأ فيها غير القرآن ولما كان القيام يشبه الألف من الحروف وعنه ظهرت جميع الحروف فهي الجامع لأعيانها كان القيام جامعا لأعيان الجزئيات من ركوع وسجود وقنوت فكانت القراءة من حيث كونها جمعا في القيام أنسب فإن القيام هو الحركة المستقيمة والاستقامة مأمور بها (حم م ت هـ) كلهم في الصلاة (عن جابر) بن عبد الله (طب عن أبي موسى) الأشعري (وعن عمرو بن عبسة) بن عامر أبو ابن خالد السلمي (وعن عمير) تصغير عمر (ابن قتادة) بفتح القاف ابن سعد (الليثي) روى عن ابنه سكن مكة ولم يخرج البخاري هذا الحديث الحديث: 1275 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 1276 - (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته) لأنه كما قال النووي أبعد عن الرياء وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة ويخرج الشيطان وعليه يمكن أن يخرج بقوله في بيته ببيت غيره ولو أمن من الرياء كذا في الفتح (إلا المكتوبة) أي المفروضة فإنها ليست في بيته أفضل بل في المسجد أفضل لأن الجماعة تشرع لها فهي في محلها أولى إلا في صورة مبينة في الفروع وظاهره بشمل كل نفل لكنه محمول عليه ما لا يشرع له التجميع وما لا يخص المسجد كالتحية كذا قرروه. قال ابن حجر: ويحتمل أنه أراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل التحية أو أنه لم يرد بالمكتوبة المفروضة بل ما تشرع فيه الجماعة وفيما وجب لعارض كمنذورة احتمال وأراد بالمرء جنس الرجل فخرج النساء بقرينة خبر مسلم وبيوتهن خير لهن (ن طب عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك الأنصاري البخاري كاتب الوحي قضية صنيع المصنف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما ساغ له العدول عنه لغيره على قانون الصناعي وهي ذهول فاحش فقد خرجاه معا باللفظ المذكور الحديث: 1276 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 1277 - (أفضل الصوم بعد رمضان شعبان) لأن أعمال العباد ترفع فيه في سنتهم (لتعظيم رمضان) أي لأجل تعظيمه [ص: 43] لكونه يليه فصومه كالمقدمة لصومه وهذا لعله قاله قبل أن يعلم فضل صوم محرم أو أن ذلك أفضل شهر يصام كاملا وهذا أفضل شهر يصام أكثره كما يشير إليه رواية صوم في شعبان أو أن ذاك أفضل شهر يصام مستقلا وهذا أفضل شهر يصام تبعا (وأفضل الصدقة صدقة رمضان) لأنه موسم الخيرات والعبادات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبرائيل فيعارضه القرآن (ت) واستغربه (هب) كلاهما من حديث صدقة بن موسى عن ثابت (عن أنس) قال الذهبي في المهذب صدقة ضعفوه الحديث: 1277 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 1278 - (أفضل الصوم صوم أخي) في النبوة والرسالة (داود كان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس كما مر وربما فوت بعض الحقوق هذا مع ما في فطر يوم من الرفق بالبدن وعدم إنهاكه وذكر بعض الشافعية أن من فعله فوافق فطره يوما يسن صومه كالإثنين والخميس يكون فطره فيه أفضل ليتم له فطر يوم وصوم يوم (و) كان (لا يفر إذا لاقى) أي ولأجل تقويه بالفطر كان لا يفر من عدوه إذا لاقاه للقتال فلو أنه سرد الصوم فربما أضعف قوته وأنهك جسمه ولم يقو على قتال الأبطال فصوم يوم وفطر يوم جمع بين القربتين والقيام بالوظيفتين فإن الله لم يتعبد عبده بالصوم خاصة فلو استفرغ جهده قصر في غيره فالأولى الإقتصار ليبقى بعض قوة لغيره كالجهاد (د ت ن عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 1278 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 1279 - (أفضل العباد درجة عند الله يوم القيامة الذاكرون الله) أي درجة الذاكرين الله (كثيرا) بالإخلاص قال الحبر: هم الذين يذكرونه دبر كل صلاة وغدوا وعشيا وفي المضاجع وعقب النوم وعقب الغدو والرواح وقال ابن الصلاح: من واظب على الأذكار المأثورة صباحا ومساءا وفي الأوقات المختلفة لكن في الأماكن المستفذرة يذكر بالقلب وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة ورأس كل سعادة بل هو كالحياة للأبدان والروح للإنسان وهل للإنسان غنى عن الحياة وهل له من الروح معدل وإن شئت قلت به لقاء الدنيا وقيام السماوات والأرض روينا عن مسلم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله والعبادة كما في الأساليب لغة التذلل والخضوع بالتقرب إلى المعبود وعرفا قال المتولي: فعل يكلف الله به عباده مخالف لما يميل إليه الطبع على سبيل الاستيلاء وقال الماوردي: ما ورد التعبد به قربة لله وقال صاحب التنبيه هنا تعبدنا به على وجه القربة والطاعة (حم ت عن ابن سعيد) الحديث: 1279 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 1280 - (أفضل العباد الفقه) قال الحكيم الترمذي الفقه الفهم وانكشاف الغطاء فإذا عبد الله بما أمر ونهى بعد أن فهمه انكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى فهي العبادة الخالصة المحضة وذلك لأن الذي يؤمر بشيء فلا يرى شيئه والذي ينهى عن شيء فلا يرى شيئا فهو في عمى فإذا رأى ذلك عمل على بصيرة وكان أقوى ونفسه بها أسخى ومن عمي عن ذلك فهو جامد القلب كسلان الجوارح ثقيل النفس بطيء التصرف وقوم غفلوا عن هذا فتراهم الشهر والدهر يقولون يجوز لا يجوز ولا تدري أصواب أم خطأ ثم تراه في حاجة أمره ونهيه في عوج فإقباله على نفسه حتى يكف عما لا يجوز خير له من إهماله وإقباله على إصلاح الناس (وأفضل الدين الورع) الذي هو كما قيل الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس مع كل طرفة والورع يكون في خواطر القلوب وسائر أعمال الجوارح وإنما كان أفضل [ص: 44] لما فيه من التخلي عن الشبهات وتجنب المحتملات وعبر في الفقه بالعبادة لأنه فعل من أفعال الجوارح الظاهرة كالعبادة وفي الورع بالدين لأن مرجعه إلى اليقين القلبي الذي به يدان الله تعالى (طب عن ابن عمر) ابن الخطاب وظاهر تخصيصه بالكبير يوهم أنه لا يوجد للطبراني إلا فيه وليس كذلك بل خرجه في معاجيمه الثلاثة وقد أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه كما قال المنذري ثم الهيثمي محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه الحديث: 1280 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 1281 - (أفضل العبادة الدعاء) لأنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود وترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان كذلك فهو من أفضل العبادات وأتمها وأكملها ذكره القاضي وهو ذهاب منه إلى حمل العبادة على المعنى الشرعي قال الطيبي: ولكن حملها على اللغوي لأن الدعاء إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة وما شرعت العبادة إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه وفيه رد على من كره الدعاء وقال تركه أفضل (ك) في الدعاء (عن ابن عباس) وقال مسلم {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عد عن أبي هريرة) و (ابن سعد) في الطبقات (عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لصحته الحديث: 1281 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 1282 - (أفضل العبادة) وفي رواية للبيهقي أفضل عبادة أمتي (قراءة القرآن) لأنه أفضل العلوم وأمها وأهمها ولهذا صرحوا بأن الإنسان يبدأ أولا بحفظه ثم بإتقان تفسيره ثم يحفظ من كل فن مختصرا ولا يشتغل بذلك عن تعهد دراسة القرآن فإنه أفضل الأذكار فالاشتغال بالقراءة أفضل من الاشتغال بسائر الأذكار إلا ما ورد فيه شيء مخصوص في وقت أو زمن مخصوص (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق يونس بن عبيد عن بعض أصحابه (عن أسير) بضم الهمزة وفتح السين وآخره راء كما ضبطه في أسد الغابة (ابن جابر) التميمي يعد في البصريين قال ابن الأثير في صحبته نظر قال في الإصابة وهو غير أسير بن جابر التابعي (السجزي في الإبانة عن أنس) ورواه أيضا أبو نعيم في فضائل القرآن عن النعمان بن بشير وأنس معا بلفظ أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن قال الحافظ العراقي وإسنادهما ضعيف الحديث: 1282 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 1283 - (أفضل العبادة انتظار الفرج) زاد في رواية من الله تعالى قال المظهري يعني إذا نزل بأحد بلاء فترك الشكايا صبرا وانتظر الفرج فذلك أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء وذلك لأن أشرف العبادات ولب الطاعات أن يتوجه القلب بهمومه كلها إلى مولاه فإذا نزل به ضيق انتظر فرجه منه لا من سواه وفي بعض الكتب الإلهية لأقطعن أمل من أمل سواي وألبسه ثوب المذلة بين الناس أتقرع بالفقر باب غيري وبابي خير لك؟ (طب) عن أنس قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه (القضاعي عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت وهذا الحديث لم يخرجه المؤلف في جامعه الكبير بل هنا وفي درر البحار عن البزار والبيهقي وضعفه قال الديلمي وفي الباب ابن مسعود وغيره الحديث: 1283 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 1284 - (أفضل العمل النية الصادقة) لأن النية لا يدخلها الرياء فيبطلها قال مالك بن دينار: رأيت رجلا في الطواف يقول اللهم قبلت حجاتي الأربع فاقبل هذه الحجة فقلت كيف عرفت أن الله قبلها قال أربع سنين كنت أنوي كل سنة أن أحج وعلم مني نيتي وحججت من عامي فأنا خائف أن لا يقبل مني فعلمت أن النية أفضل من العمل لأن العمل منقطع والنية دائمة وتصديقه أن أعمال السر مضاعفة والعمل سعي الأركان ألى الله والقلب ملك والأركان جنوده فلا يستوي سعي الملك وسعي جنوده والعمل يوضع في الخزائن والنية عنده لأنه الذكر الخقي والعمل موقوف على نهايته والنية [ص: 45] لا تحصى نهاياتها والعمل تحقيق الإيمان وإظهاره والنية فرع الإيمان بمنزلة ثمرة الشجرة والعمل موكل به الحفظة والنية لا يطلع عليها الحفظة والعمل في ديوان الملائكة والنية في ديوان الله والعمل ثوابه من الجنة والنية ثوابها من منازل القربة والعمل أجناس لا يشبه بعضها بعضا والنية تشمل جميع الأشياء وذلك إذا نوى بلوغ رضاه فرضاه لجميع الطاعات فهو في ذلك الوقت كالعامل بجميع الطاعات وهذه النية كلها للصادقين من عمال الله وقضية الحديث أن النية قسم من العمل وقضية قوله في الحديث الآتي نية المؤمن خير من عمله أنه قسيمه ولعله أراد هنا جميع الأعمال وهناك أعمال الجوارح الظاهرة <تنبيه> قال ابن الزملكاني الفضل هو الزيادة وإذا كان نسبة بين أمرين اقتضى اشتراكهما في العادة وليس للعقل في التفضيل الشرعي استقلال إذ ليس لقاعدة الحسن والقبح عندنا مجال بل الفضل يؤخذ من نص الشارع عليه والاستنباط من دليل يرجع إليه أو إجماع المعتبرين من الأمة فإن الشرع قد أوجب لاجماعهم العصمة فما لم يحكم الشرع بفضله لا يثبت تفضيله وكذا كل حكم شرعي لا يثبت إلا إذا كان في الشرع دليل له (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) الحديث: 1284 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 1285 - (أفضل العيادة) بمثناة تحتية أي زيارة المريض (أجرا سرعة القيام من عند المريض) أي أفضل ما يفعله العائد في العيادة أن يقوم سريعا فلا يمكث إلا بقدر فراق ناقة وذلك لأنه قد يبدو للمريض حاجة فيستحي من جلسائه وأخرج البيهقي عن سلمة بن عاصم قال دخلت على الفراء أعوده فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي ادن فدنوت فأنشدني: حق العيادة يوم بعد يومين. . . ولحظة مثل لحظ الطرف بالعين لا تبرمن مريضا في مسائله. . . يكفيك من ذاك تسأل ما بحرفين والكلام في غير متعهده ومن يشق عليه مفارقته (فر عن جابر) وفيه علي بن أحمد بن النضر قال الذهبي في الضعفاء قال الدارقطني ضعيف ومحمد بن يوسف الرقي قال الذهبي كذبه الخطيب وكان حافظا رحالا الحديث: 1285 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 1286 - (أفضل الغزاة في سبيل الله خادمهم) أي الذي يتولى خدمتهم في الغزاة مع كونه خرج بنية الغزو وهو من أهله ومثله في الأفضلية المخذل عنهم كنعيم الأشجعي الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحزاب خذل عنا فإن الحرب خدعة (ثم) بعده في الفضل الإنسان (الذي يأتيهم بالأخبار) أي بما كان من أمر العدو وما يتعلق بشأن الحرب (وأخصهم عند الله منزلة) أي أرفعهم درجة (الصائم) فرضا أو نفلا أو في الغزو كما يشير إليه السياق والكلام فيمن لم يضعفه الصوم عن نحو القتال وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الطبراني ومن استقى لأصحابه قربة في سبيل الله سبقهم إلى الجنة بسبعين درجة انتهى (طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال الهيثمي عنبسة بن مهران الحداد وهو ضعيف وأقول فيه أيضا يحيى بن المتوكل قال الذهبي وغيره ضعفوه فتعصيبه الجناية برأس عنبسة وحده ليس من الانصاف في شيء الحديث: 1286 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 1287 - (أفضل الفضائل) جمع فضيلة قال الراغب: وهي اسم لما يحصل به للإنسان مزية على الغير وهي أيضا اسم لما يتوصل به إلى السعادة ويضادها الرذيلة وقال في المفهم الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف [ص: 46] وعلو منزلة عند الحق أو الخلق والثاني لا عبرة به إلا إن أوصل إلى الأول وقال الغزالي في الميزان: أمهات الفضائل كثيرة تجمعها أربعة تشمل شعبها وأنواعها والأربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة فالحكمة فضيلة القوة العقلية والشجاعة فضيلة القوة الغضبية والعفة فضيلة القوة الشهوية والعدالة وقوع هذه القوى على الترتيب الواجب فيها وبها تتم جميع الأمور (أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك) لما فيه من المشقة ومجاهدة النفس وإرغامها ومكايدة الطبع لمياه إلى المؤاخذة والإنتقام (وتصفح عمن ظلمك) لأن ذلك أشق على النفس من سائر العبادات الشاقة فكان أفضل قال الراغب: فالعفو عمن ظلمك نهاية الحلم والشجاعة وإعطاء من حرمك غاية الجود ووصل من قطعك نهاية الإحسان وقال بعضهم من قابل الإساءة بالإحسان فهو أكمل أفراد الإنسان وهو المستحق لقصر وصف الإنسانية عليه حقيقة أو ادعاءا ومبالغة ومن ثمرات هذا الخلق صيرورة العدو خليلا أو صيرورته قتيلا وتنتكل بها سهام القدرة الإلهية تنقلا قال حجة الإسلام: رأيت في الإنجيل قال عيسى لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف والأذن بالأذن والآن أقول لكم لا تقابلوا الشر بالشر بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك <تنبيه> قال بعضهم: رأى ابن الخطاب - شيخ ابن عربي - ربه في النوم فقال يا رب علمني شيئا آخذه عنك بلا واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا ومن أساء إلى من أحسن إليه فقد بدل نعمة الله كفرا فقال يارب حسبي فقال حسبك (تنبيه آخر) قال ابن الزملكاني: الفضل لغة عبارة عن الزيادة وكلما زاد عن الإقتصاد فهو فضل لكنه يشمل المحمود والمذموم في أصل وضعه فإن الفضل منه محمود كفضل العلم على الجهل ومذموم كالإفراط في الصفات المحمودة حتى تخرج إلى صفة الذم كالسرف في العطاء وقد كثر استعمال الفضل عرفا في المحمود والفضول في المذموم والغالب استعماله في زيادة أحد أمرين على الآخر بعد اشتراكهما في أصل ما وقعت به المفاضلة إذا كانت تلك الزيادة فيما هو صفة كمال لذلك الشيء فقد تحصل الزيادة في الجسم وهي نقصان في المعنى ثم الفضيلة تارة تكون باعتبار ذاتي وتارة تكون باعتبار عرضي فالذي بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في آية {الرجال قوامون على النساء} والذي بالاعتبار العرضي فيما يمكن اكتسابه وقد يطلق الفضل على كل عطية لا تلزم المعطي (حم طب عن معاذ بن أنس) قال العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وتبعه المنذري فقال فيه زبان بن فايد ضعيف وأقول فيه أيضا ابن لهيعة وحاله معروف وسهل بن معاذ أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين الحديث: 1287 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 1288 - (أفضل القرآن الحمد لله رب العالمين) أي أعظم القرآن أجرا وأكثره مضاعفة للثواب قراءة سورة الحمد لله رب العالمين وهي الفاتحة بمعنى أن الله سبحانه جعل قراءتها في الثواب كقراءة أضعافها من سورة أخرى قال التوربشتي: وإنما كانت أفضل اعتبارا لعظم قدرها وتعريفا بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها ولاشتمالها على معان وفوائد كثيرة مع وجازة ألفاظها ولذلك سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء عليه والتعبد بالأمر وانهي والوعد والوعيد وغير ذلك وهذا ينبئك بتأويل ما عليه حجة الإسلام ومن على قدمه من أن بعض القرآن أفضل من بعض وردوا على من ذهب إلى المنع ولا حجة له عند التأمل في قوله التفضيل يوهم نقص المفضل عليه قال الغزالي: وإنما قال في الفاتحة أفضل وفي آية الكرسي سيدة لأن الجامع بين فنون الفضل وأنواعه يسمى أفضل إذ الفضل الزيادة والأفضل هو الأزيد والسؤدد رسوخ في معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى المتنوعة التي يتبعها سلئر المعارف فاسم السيادة بها أليق (ك هب عن أنس) ابن مالك الحديث: 1288 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 1289 - (أفضل القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة ولا يناقضه ما قبله أن الفاتحة أفضل لأن المراد [ص: 47] أن البقرة أفضل السور التي فصلت فيها الأحكام. ضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه من ذلك (أو أعظم آية منها آية الكرسي) لاحتوائها على أمهات المسائل ودلالتها على أنه سبحانه واحد متصف بالحياة قائم بنفسه مقوم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا يناسب الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح مالك الملك والملكوت ذو العظمة والجبروت مبدع الأصول والفروع ذا البطش الشديد الذي لا يشفع عنده إلا لمن أذن له العالم بالأشياء كلها واسع الملك والقدرة متعال عن أن يدركه وهم عظيم لا يحيط به فهم. والإخلاص أفضل لأن السورة لوقوع التحدي بها أفضل من الآية ولأن الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا وآية الكرسي اقتضته في خمسين (إن الشيطان) إبليس أو أعم (ليخرج من البيت) يعني المكان بيتا كان أو غيره من أجل (أن يسمع تقرأ فيه سورة البقرة) يعني بيأس من إغواء أهله لما يرى من جدهم واجتهادهم في الدين وخص سورة البقرة لكثرة أحكامها وأسماء الله فيها أو لسر علمه الشارع والسورة الطائفة من القرآن وأقلها ثلاث وواوها أصلية من سور البلد لإحاطتها بطائفة من القرآن مفرزة على حيالها أو محتوية على فنون رائعة من العلوم احتواء سور المدينة على ما فيها (الحارث) ابن أبي أسامة (وابن الضريس) بمعجمة فمهملتين مصغرا (ومحمد ابن نصر) المروزي بفتح الميم في كتاب الصلاة (عن الحسن) البصري مرسلا الحديث: 1289 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 1290 - (أفضل الكسب بيع مبرور) أي لا غش فيه ولا خيانة أو معناه مقبول في الشرع بأن لا يكون فاسدا أو مقبول عند الله بأن يكون مثابا عليه (عمل الرجل بيده) من نحو صناعة أو زراعة وقيد العمل باليد لكون أكثر مزاولته بها وخص الرجل لأنه المحترف غالبا لا لإخراج غيره وظاهر الحديث تساويهما في الأفضلية قال بعضهم وقد قيل له لا تتبع التكسب فيدنيك من الدنيا فقال لئن أدناني من الدنيا فقد صانني عنها (حم طب) من حديث جميع بن عمير (عن) خاله (أبي بردة بن نيار) ككتاب - الأنصاري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب فذكره وجميع هو ابن عمير التيمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء صدوق رموه بالكذب وفي الكاشف شيعي واه وقال البخاري فيه نظر فقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير باختصار وقال عن خاله أبي بردة والبزار كأحمد لكنه قال عن جميع بن عمير وجميع وثقه أبو حاتم وقال البخاري فيه نظر ورواه الطبراني في الكبير والأوسط باللفظ المزبور عن ابن عمرو وقال أعني الهيثمي ورجاله ثقات الحديث: 1290 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 1291 - (أفضل) وفي رواية أحب (الكلام) بعد القرآن كما في الهدي زاد في الرواية أربع أي أربع كلمات وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) إذ هي أفضل الكلام الآدميين ذكره النووي وقال القاضي المراد كلام البشر لأن الثلاث الأول وإن وجدت قي القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما فيه ولأنه روى في خبر أفضل الذكر بعد كتاب الله تعالى سبحان الله إلى آخره وقدم أبو حنيفة المقدم وفضل مالك الثاني ومر أنه المختار عند أصحابنا والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من تنزيه وتحميد وتوحيد وتمجيد ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالا وقيل ما يعم القبيلين والرابعة وإن لم توجد في القرآن بهذه الصيغة لكن فيه ما يفيد فائدتها وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود في استقلال كل من الجمل الأربعة لكنه حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال التي تنزه ذاته عما يوجب حاجة (1) أو نقصا ثم بصفات الإكرام وهي الثبوتية التي يستحق بها الحمد وأخرج الحكيم عن معاذ مرفوعا ألا أخبركم عن وصية نوح لابنه حين حضره الموت؟ قال: إني واهب [ص: 48] لك أربع كلمات هن قيام السماوات والأرض وهن أول كلمات دخولا على الله سبحانه وتعالى خروجا من عنده فاعمل بهن واستمسك حتى يلقاك وهي أن تقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله اكبر والذي نفس نوح بيده لو أن السماوات والأرضين وما فيهن وزن بها لوزنتهن قال الحكيم فنعم الواهب ونعم الموهوب له ونعمت المواهب فمن قام بها كان من الأولياء فإنها عماد الأعمال فبالتسبيح تطهر الأعمال وبالتقديس والتحميد تحط الأثقال وبالتهليل تقبل الطاعات وبالتكبير ترفع وتنال المثوبات وهذه الكلمات تطرق إلى مالك الملك وتسهل السبيل إليه وتشفع وتزبن وبهن يقرع الباب إذا وعت القلوب معانيها في الصدور وزينتها العقول لأفئدة القلوب وأشرقت أنوارها في الرؤيات من بين أودية الأفكار وعلى بصائر أسماع هواجس الإخلاص ثم يعلم من شأنه هنا لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه وقال ابن القيم: الثناء أفضل من الدعاء ولهذا عدلت الإخلاص ثلث القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن والثناء عليه وفلذا كان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أفضل الكلام بعد القرآن (حم عن رجل) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث سمرة أيضا بلفظ أفضل الكلام أربع سبحان الله إلى آخر ما هنا بل رواه مسلم في الأسماء والصفات والنسائي في يوم وليلة عن سمرة أيضا بلفظ أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت انتهى وقد مر ويجيء أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما فليس لحديثي عزوه لغيره   (1) [في الأصل حرفان غير مطبوعان: " عما يوجب؟ ؟ جة أو نقصا " وإن للمناوي عبارة طويلة مشابهة قبل هذا في شرح الحديث 215 - (أحب الكلام إلى الله) [ص: 173] فصححنا الحرفين هنا من تلك العبارة. دار الحديث] الحديث: 1291 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 1292 - (أفضل المؤمنين) أي المسلمين لأنه الملائم لقوله الآتي أفضل المؤمنين إيمانا (إسلاما من سلم المسلمون) والمسلمات المعصومون وكذا من له ذمة أو عهد معتبر (من لسانه ويده) أي من التعدي بأحدهما أي المسلم الممدوح المفضل على غيره من ضم إلى أداء حقوق الله حق المسلمين ولم يذكر الأول لفهمه بالأولى إذ من أحسن معاملة الناس أحسن معاملة ربه بالأولى فالمراد بمن سلم المسلمون منه من لم يؤذ مسلما بقول أو فعل وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها نحو البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء أو لأن الإيذاء باليد واللسان أكثر وقوعا فاعتبر الغالب قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا كان يمكن فيه المباشرة باليد وقدم اللسان لأن إيذاءه أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لحسان أهج المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل قال الشاعر: جراحات السنان لها التئام. . . ولا يلتام ما جرح اللسان قال البيضاوي: من لم يراع حكم الله في زمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إسلامه ولم تكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس فلعله لا يراعي ما بينه وبين الله فيخل بإيمانه وعلم ما تقرر أنه أراد باليد ما يشمل المعنوية كالاستعلاء وليس من الإيذاء إقامة حد وإجراء تعزير بل هو في الحقيقة إصلاح له وطلب للسلامة لهم ولو في الاستقبال واعلم أن الإسلام في الشرع يطلق على أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله تعالى {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} والثاني فوقه وهو أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان والاستسلام لله فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه لله رضى بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم (وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم ذكر حسن الخلق مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف [ص: 49] الباطنة والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في ذكر اليد واللسان مع الإسلام (وأفضل المهاجرين) من الهجر أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتتضي وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه على بابه يتكلف (من هجر ما نهى الله عنه) أي أفضل المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم الله عليه والهجرة ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن (وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشيء إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة النفس فقال {وجاهدوا في الله حق جهاده} فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة هذا بجنود الله من العلم والعقل وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة والغضب فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} (طب عن ابن عمرو) بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزا بينه وبين عمر ولم يعكس لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما في النصب فالتمييز بالألف الحديث: 1292 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 1293 - (أفضل المؤمنين) أي أكثرهم ثوابا أو أرفعهم درجة يعني من أفضلهم في ذلك (أحسنهم خلقا) بالضم لأن الله يحب الخلق الحسن كما ورد في السنن فمن عدم حسنه أو كماله أمر بالمجاهدة والرياضة ليصير محمودا أو كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل إذ هو يقتبس الفضائل ويجتنب الرذائل والعقل لسان الروح وترجمان العقل للبصيرة وقد طال النزاع بين القوم هل الخلق غريزي أو مكتسب والأصح أنه متبعض <تنبيه> قال الإمام الرازي من العلماء من قال إنما يجب القول الحسن والخلق الحسن مع المؤمنين أما مع الكفار والفساق فلا لأنه يجب لعنهم وذمهم والمحاربة معهم ولقوله تعالى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} ومنهم من ذهب إلى العموم وهو الأقوى لأن موسى وهارون مع جلالة منصبهما أمرا بالرفق واللين وتجنب الغلظة (هـ ك عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 1293 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 1294 - (أفضل المؤمنين إيمانا) عام مخصوص أي من أفضلهم لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسنن وذبوا عن الدين أفضل إيمانا من هذا ومن المجاهدين ونحوهم ممن مر ويجيء وكذا يقال فيما قبله وبعده (الذي إذا سأل) بالبناء للفاعل (أعطى) بالبناء للمفعول أي أعطاه الناس ما طلبه بيسر وسهولة محبة له واعتقادا فيه هذا هو المتبادر وأما ما في نسخ من بناء سئل للمفعول وأعطى للفاعل فلا يلائم ما بعده لأن المحدث بالأفضلية واحد وعلى النسخ الثانية يصير اثنين (وإذا لم يعط) بالبناء للمفعول (استغنى) بالله تعالى ولا يلح في السؤال ولا يبرم في المقال ولا يذل نفسه بإظهار الفاقة ويدنس عرضه بالتخلق بأخلاق المسكنة (خط عن ابن عمرو) بن العاص وكلام المصنف يؤذن بأن هذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما أبدى النجعة عازيا للخطيب وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه في الزهد من حديث ابن عمرو هذا بلفظ أفضل المؤمنين المقل الذي إذا سأل أعطي وإذا لم يعط استغنى الحديث: 1294 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 1295 - (أفضل المؤمنين رجل) مؤمن (سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء) أي سهل إذا باع أحدا شيئا [ص: 50] سهل إذا اشترى من غيره شيئا وسهل إذا قضى ما عليه سهل في مطالبته غيره بماله عليه ولا يمطل غريمه مع قدرته على الوفاء ولا يضيق على المقل ولا يلجئه لبيع متاعه بدون ثمن المثل ونحو ذلك والترغيب في المساهلة في التبايع قد يعارض خبر الديلمي ماكس عن درهمك وهذا صحيح وذاك منكر (طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 1295 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 1296 - (أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله) قال ابن حجر أراد بالمؤمن هنا من قام بما تعين عليه ثم حصل هذه الفضيلة لا أن المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الفروض العينية (بنفسه وماله) لما فيه من بذلهما لله مع النفع المتعدي قالوا ثم من يا رسول الله؟ قال (ثم) يلي المجاهد في الفضل (مؤمن) منقطع للتعبد (في شعب من الشعاب) بالكسر فرجة بين جبلين وليس بقيد بل مثال إذ الغالب على الشعاب الخلو من الناس فلذلك مثل به للعزلة والإنفراد (يتقي الله) أي يخافه فيما أمر ونهى (ويدع) أي يترك (الناس من شره) فلا يشاورهم ولا يخاصمهم بل ينفرد بمحل بعيد عنهم لأن من خالط الأنام قلما يسلم من ارتكاب الآثام وهذا صريح في تفضيل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو وغير ذلك وأما اعتزال الناس بالكلية فجعله الجمهور ومنهم النووي محله في زمن الفتنة أو فيمن لا يصبر على أذى الناس (حم ق ت ن هـ عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فذكره الحديث: 1296 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 1297 - (أفضل الناس مؤمن مزهد) بضم الميم وسكون الزاي وفتح الهاء قليل المال لأن ما عنده يزهد فيه لقلته فلم يطلبوا أسرها للغنى. . . ولم يسلموها لازدهادها أفاده الزمخشري فعلى هذا هو اسم مفعول أي مزهود فيه لقلة ماله فهو لفقره ورثائته لا يؤبه به ولا يلتفت إليه لكن نقل بعضهم عن المشارق أنه اسم فاعل من أزهد في الدنيا إذا تخلى عنها للتعبد وزهد المؤمن في الدنيا يبلغه أقصى المراتب في العقبى ومن ثم لما سئل عيسى عليه السلام عن رجلين مرا بكنز فتخاطاه أحدهما ولم يلتفت إليه وأخذه الآخر أيهما أفضل قال الذي تركه (فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي فثقة لكنه كان يطلب على التحديث أو الكاتب فقال الخطيب لم يكن في دبنه بذاك الحديث: 1297 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 1298 - (أفضل الناس رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان أي إنسان (يعطي جهده) بالضم أي وسعه بحسب ما يقدر عليه ومقصود الحديث أن صدقة المقل أفضل أي أكثر أجرا من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يظهر أثر نقصانه عليه وإن كثر والأعمال عند الله تتفاضل بتفاضل ما في القلوب لا بكثرتها وصورتها بل بقوة الداعي وصدق الفاعل وإخلاصه وإيثارا لله على نفسه فأين صدقة من آثر الله على نفسه برغيف هو قوته من صدقة من أخرج مئة ألف من ماله غيضا من فيض؟ فرغيف هذا ودرهمه في الميزان أفضل من مئة ألف من ذاك (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 1298 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 [ص: 51] 1299 - (أفضل الناس مؤمن بين كريمين) أي بين أبوين مؤمنين سخيين فيكون قد اجتمع له الإيمان والكرم وفيه وفي أبويه فلحيازته شرف الإيمان والكرم وفي أبويه من جهة نفسه ومن جهة أبويه صار أفضل أو بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه فهو بين مؤمنين هما طرفاه وهو مؤمن أو بين فرسين يغزو عليهما أو بين بعيرين يستقي عليهما ويعتزل الناس؟ أقوال وأصل الكرم من كرم نفسه أي نزهها وباعدها عن الدنس بشيء من مخالفة ربه (طب عن كعب بن مالك) قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل فذكره قال الهيثمي وفيه معاوية بن يحيى أحاديثه مناكير وأخرجه العسكري في الأمثال عن أبي ذر بأبسط من هذا ولفظه يوشك أن يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع أي عبد بن عبد وأفضل الناس مؤمن بين كريمين الحديث: 1299 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 1300 - (أفضل أمتي) أي من أفضلهم (الذين يعملون بالرخص) جمع رخصة وهي التسهيل في الأمر كالقصر والجمع في السفر ومسح الخف فالعمل بالرخص مطلوب لكن بشرط أن لا يتتبعها من المذاهب بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه وإلا أثم بل قيل فسق كما مر فالمراد بها هنا من يعمل بها أحيانا تارة وتارة فلا تعارض بين هذا وبين الحديث الآتي إن الله يحب أن يؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه (ابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا الديلمي (عن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الملك بن عبد ربه قال في الميزان منكر الحديث الحديث: 1300 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 1301 - (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي الله لأهل الجنة فيرونه (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم الله بها في التنزيل بقوله {والفجر وليال عشر} ولهذا سن الإكثار من التهليل والتكبير والتجميد فيه ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكا بأن اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام. وقال ابن القيم: الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض (البزار عن جابر) قال الهيثمي في موضع إسناده حسن وفي آخر رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته قيل ولا مثلهن في سبيل الله قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب الحديث: 1301 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 1302 - (أفضل سور القرآن) سورة (البقرة وأفضل آي القرآن آية الكرسي) لما اجتمع فيها من التقديس والتحميد والصفات الذاتية التي لم تجتمع في آية سواها وحيث كانت بهذه المثابة استحقت الوصف بالأفضلية هنا وبالسيدية في أخبار أخر (البغوي) أبو القاسم عبد الله وهو غير صاحب التفسير (في معجمه) أي معجم الصحابة له (عن ربيعة) ابن عمرو وقيل ابن الحارث الدمشقي وهو ربيعة بن القار (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي مختلف في صحبته وهو جد هشام بن القار وكان يفتي الناس زمن معاوية وقتل بمرج راهط وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره الحديث: 1302 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 [ص: 52] 1303 - (أفضل) أي أطيب (طعام الدنيا والآخرة اللحم) لأنه يقوي البدن ويزيده نضارة ويكثر الدم ويسخنه وأول شيء يأكله أهل الجنة إذا دخلوها زيادة كبد الحوت وأخذ بهذا بعضهم ففضله على اللبن وعكس آخرون وفيه رد على بعض الفرق الزائغة حيث حظر أكل اللحم كأبي العلاء المعري وكبعض الحكماء حيث قال يا أبناء الحكمة لا تجعلوا بطونكم قبورا للحيوان وكقول بعضهم تعذيب الحيوان ظلم ولا أفعله واللحم هو ما لحم بين أخفى ما في الحيوان من وسط عظمه وما انتهى إلى ظاهره من سطح جلده وغلب استعماله عرفا على رطبه الأحمر وهو هنا على أصل لغة لجميع اللحم الأحمر والشحم والأعصاب إلى الجلد وما اشتمل عليه بين الطرفين من أجزاء الرطوبات المأكولة ذكره الحراني (عق حل عن ربيعة بن كعب) بن مالك أبي فراس الأسلمي حجازي قال السخاوي أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي وهو ضعيف جدا قال العقيلي ولا يعرف هذا الحديث إلا به وهو غير محفوظ ولا يصح فيه شيء. وقال ابن حبان: عمرو يروي عن الثقات الطامات وأدخله ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بما حاصله أن له شواهدا وقد مر ويأتي أن الشاهد إنما يفيد في الضعيف لا الموضوع الحديث: 1303 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 1304 - (أفضل عبادة أمتي) أي من أفضلها (تلاوة القرآن) لأن لقارئه بكل حرف مئة عشر حسنات وبذلك يسمو على سائر العبادات قال الزركشي وهذا أي ما ذكر من كون الحرف منه بعشر حسنات من خصائصه على سائر الكتب المنزلة وظاهر الحديث أنه أفضل العبادات وإن كانت قراءته بغير فهم وأيد بأن أحمد بن حنبل رأى ربه في النوم فقال يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ قال بكلامي يا أحمد قال بفهم أو بغير فهم؟ قال بفهم وبغير فهم لكن رده بعضهم بأن المراد بتلاوته بغير فهم تلاوة العارفين فإن معاني القرآن تنزل عليهم حال التلاوة بغير فهم ولا فكر فيكون عين تلاوته عين تلك المعاني وإلا فشرط من يتقرب إلى الله بشيء فهم معناه ولو كان المراد بعدم الفهم ما يتبادر للذهن لصح أن يتقرب إلى الله بالجهل ولا قائل به (هب) وكذا أبو نعيم في فضائل القرآن (عن النعمان بن بشير) ورواه عنه أيضا الحاكم في التاريخ ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن المصنف رمز لضعفه وهو فيه تابع للحافظ العراقي حيث قال سندهما ضعيف انتهى وسببه أن فيه العباس بن الفضيل الموصلي أورده الذهبي في الضعفاء قال قال ابن معين ومسكين بن بكير قال الذهبي قال الحاكم له مناكير كثيرة وعباد بن كثير فإن كان الثقفي فقال الذهبي قال البخاري تركوه أو الرملي فقال ضعفوه ومنهم من تركه الحديث: 1304 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 1305 - (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن نظرا) أي في نحو مصحف أي فهي أفضل من قراءة عن ظهر قلب لأنها ذكر الله بالباطن تفكرا وبالظاهر تلاوة لكلامه الأزلي وبقراءته قوام جميع عباداته ومفترضاته وكأنه بتلاوته يخاطب ربه بأمره ونهيه ومواعظه وجميع العبادات تراد لإقامة ذكر الله وهو لبها قال بعض الصوفية كنت أكثر القراءة ثم اشتغلت بكتابة الأحاديث والعلم فقلت تلاوتي فنمت ليلة فرأيت قائلا يقول إن كنت تزعم حبي فلم جفوت كتابي؟ أما تدبرت ما فيه من لذيذ خطابي؟ فانتبهت فزعا وعدت إليه (الحكيم) الترمذي (عن عبادة) بن الصامت الحديث: 1305 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 1306 - (أفضل كسب الرجل ولده) أي الذي ينسب إليه ولو بواسطة (وكل بيع مبرور) أي سالم من نحو غش وخيانة (طب) من حديث وائل بن داود عن جميع بن عمير عن عمير وقال سعيد بن عمير (عن) خاله (أبي برزة بن نيار) [ص: 53] الأنصاري الصحابي وجميع بن عمير هو التميمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء رموه بالكذب انتهى وقال الهيثمي فيه جميع بن عمير ضعفه ابن عدي الحديث: 1306 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 1307 - (أفضل نساء أهل الجنة) <فائدة> ذكره الإيذان بأن هؤلاء الأربعة أفضل حتى من الحور العين ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط (خديجة بنت خويلد) تصغير خالد (وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم) قال الشارح العلقمي هي وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب لما فيهما من البضعة الشريفة أي وإن كان الخلفاء الأربعة أفضل من حيث جموع العلوم وكثرة المعارف ونصرة الدين (ومريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة والأولى أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن قال القرطبي ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من الله بالتكليف والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال فهي نبية خلافا لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي أفضل من الولي قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل <تنبيه> سئل السبكي هل قال أحد إن أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل (حم طب) عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم فقال أفضل إلخ. قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح (ك) في أخبار الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا الحديث مما لم يخرج في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عن عزوه لغيره والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي قال ابن حجر في الفتح بإسناد صحيح بلفظ أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية الحديث: 1307 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 1308 - (أفضلكم الذين إذا رؤا) أي بالبصر أو البصيرة (ذكر الله تعالى لرؤيتهم) أي عندها يعني أنهم في الاختصاص بالله بحيث إذا رؤا خطر الله تعالى ببال من رآهم لما فيهم من سيما العبادة وظهور المراقبة والفقر على شمائلهم أو أن من رآهم يذكر الله كما في خير سيجيء النظر إلي عبادة (الحكيم) الترمذي (عن أنس) الحديث: 1308 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 1309 - (أفطر الحاجم والمحجوم) الصائمان أي تعرضا للفطر إذ الحاجم عند المص لا يأمن وصول شيء من الدم جوفه والمحجوم يضعف قواه بخروج الدم فيؤول الحال لإفطاره. قال القاضي البيضاوي: ذهب إلى ظاهر الخبر جمع فقالوا بفطرهما منهم أحمد وذهب الأكثر للكراهة وصحة الصوم وحملوا الخبر على التشديد وذهب قوم إلى أنه منسوخ (حم د ن هـ حب ك) وكذا البيهقي كلهم في الصوم (عن ثوبان) وصححه ابن راهويه وابن المديني (و) قال المصنف (هو متواتر) قال الذهبي كابن الجوزي رواه بضعة عشر صحابيا وأكثرها ضعاف وأخذ به أحمد وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على عزوه لمن ذكر أنه مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه مع أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى البخاري عن الحسن عن غير واحد [ص: 54] من الصحابة هذه عبارته فيه وهي غير جيدة فإن البخاري إنما ذكره تعليقا الحديث: 1309 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 1310 - (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم) أي وشرب شرابكم (الأبرار) صائمين ومفطرين فمفاد هذه الجملة أعم مما قبلها (وصلت عليكم الملائكة) أي استغفرت لكم وهذا قاله لسعد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان وقيل بل إنه سعد بن عبادة ولا مانع من التعدد وأراد بالملائكة الموكلين بذلك بخصوصه إن ثبت وإلا فالحفظة أو المعقبات أو رافعي الأفعال أو الكل أو بعض غير ذلك وفيه أنه يندب بمن أفطر عنده صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو أقرب من جعلها خبرية وذلك مكافأة له على ضيافته إياه (هـ حب) عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن العوام قال أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد فذكره الحديث: 1310 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 1311 - (أف) قال الزمخشري: صوت إذا صوت به أعلم أن صاحبه متضجر كأنه أضجره ما رأى فيه من كشف العورات وتنجس المياه والقذارة فتأفف به وقال الراغب: أصل الأف كل مستقذر من نحو وسخ وقلامة ظفر ويقال لكل مستخف به استقذارا له وقال ابن حجر: أف بشد الفاء وضم أوله يستعمل جوابا عما يستقذر وفيه عشر لغات بل في الارتشاف فيها أربعون (للحمام) أي لدخوله كيف لا وهو (حجاب لا يستر) داخله (و) ماؤه (ماء لا يطهر) بضم أوله وفتح الطاء وشد الهاء وكسرها لكونه مستعملا غالبا إذ غالب من يدخله لا يعرف الاغتراف وحمله على المعنى اللغوي غير جيد (لا يحل لرجل أن يدخله) عند الحاجة إلى دخوله (إلا) مستترا (بمنديل) يستر جميع عورته عمن يحرم عليه النظر إليها (مر) بصيغة الأمر (المسلمين لا يفتنون نساؤهم) أي يفعلوا ما يؤدي إلى الافتتان بنسائهم وذلك بتمكينهن من الدخول إلى الحمام ونظر بعضهن إلى عورة بعض وربما وصف بعضهن بعضا للأجانب فتقع المراسلة فيقع الزنا (الرجال قوامون) أي أهل قيام (على النساء) قيام الولاة على الرعايا فيؤدبوهن ويأخذون على أيديهن فيما يجب عليهن وفي أنفسهن فحق عليهم أن يمنعوهن مما فيه فتنة منهن أو عليهن (علموهن) الأحكام الشرعية والآداب المرعية التي منها قصرهن في البيوت وعدم دخولهن الحمامات أفرد الخطاب أولا لأنه وقع لمعين ثم جمعه إشارة إلى عدم اختصاص الحكم بالمعين (ومروهن بالتسبيح) أي بلزوم قول سبحان الله أو بالصلاة لأنها تسمى سبحة ثم هذا سياق ما رأيته في نسخ هذا الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ صحيحة من الشعب بعد قوله لا يظهر بنيان المشركين ومرج الكفار ومرج الشيطان ثم قال لا يحل إلخ فسقط من قلم المصنف هذه الجملة الوسطى (هب) عن عائشة ثم قال أعني البيهقي عقبة هذا منقطع انتهى بلفظه فاقتصار المصنف على الرمز لضعفه غير كاف ووجه الانقطاع أن عبيد الله بن جعفر رواه عن عائشة بلاغا ثم إن فيه مع الانقطاع ابن لهيعة وغيره الحديث: 1311 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 1312 - (أفلح) بصيغة الماضي (من رزق) بالبناء للمفعول (لبا) بضم اللام وبالباء الموحدة المشددة يعني فاز وظفر من رزقه الله عقلا راجحا اهتدى به إلى الإسلام وفعل المأمور وتجنب المنهي وكلما كان العقل في العبد أوفر فسلطان الدلالة فيه على الرشد والنهي عن الغي أنفذ وأظهر ولذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له عن رجل شدة اجتهاده وعبادته سأل عن عقله لأنه مناط الفلاح والعقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب الله ومكروهه [ص: 55] والعقل نور خلقه الله وقسمه بين عباده على قدر مشيئته فيهم وعلمه بهم وأول ما فات ابن آدم من دينه العقل فإن كان ثابت العقل يكون خاشع القلب لله متواضعا بريئا من الكبر قائما على قدميه ينظر إلى الليل والنهار يعلم أنهما في هدم عمره لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل لعلمه أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان قال بعض العارفين ما قسم الله لخلقه أفضل من العقل واليقين قال الراغب: والفلاح الظفر وإدراك البغية أربعة أشياء بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل وقال الزمخشري: المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والمفلج بالجيم مثله انتهى وقال بعضهم ليس شيء أجمع لخصال الخير من خصال الفلاح واللب العقل الخالص من الشوائب سمي به لأنه خالص بما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس (تخ طب عن قرة) بضم القاف وشد الراء (ابن هبيرة) ابن عامر القشيري من وجوه الوفود قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا إنه كان لنا أرباب نعبدهن فودعناهن فذكره قال الهيثمي فيه راو لم بسم وبقية رجاله ثقات الحديث: 1312 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 1313 - (أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا) أي قدر الكفاية بغير زيادة ولا نقص يقال ليتني أنجو منك كفافا أي رأسا برأس لا أرزا منك ولا تزرأ مني وحقيقته أكف عنك وتكف عني وقد يبنى على الكسر فيقال دعني كفاف قال: فليت حظي من يداك الصافي. . . والنفع أن تتركني كفاف ذكره كله الزمخشري (وقنع به) أي رضى باليسير من ذلك والفلاح الظفر وإدراك البغية مما يطلب به الحياة الدنيوية أو مما يفوز به في الآخرة قال النووي: قد يحتج به من يفضل الفقر على الغنى واعترض بأنه ليس فيه ما يقتضي تفضيل صاحب الكفاف وإنما وصفه بالفلاح وهو معلق على القناعة والرضا والمعلق على المجموع لا يوجد بدون وجود ذلك المجموع لكن ينضم لهذا ما يترجح به (طب ك) في الأطعمة (عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الأوسي وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 1313 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 1314 - (أفلحت يا قديم) بالقاف تصغير مقدام وهو المقدام بن معد يكرب تصغير ترخيم (إن مت ولم تكن أميرا) أي والحال أنك لست أميرا على قوم فإن خطب الولاية شديد وعاقبتها في الآخرة وخيمة بالنسبة لمن لم يثق بأمانة نفسه وخاف عدم القيام بحقها أما المقسطون فعلى منابر من نور يوم القيامة (ولا كاتبا) على نحو جزية أو صدقة أو خراج أو إرث أو وقف وهو منزل على نحو ما قبله (ولا عريفا) أي قيما على نحو قبيلة تلي أمرهم وتعرف الأمير حالهم فعيل بمعنى فاعل ويسمى نقيبا وهو دون الرئيس وموضعه ما ذكر فيما قبله (د) من حديث صالح بن يحيى (عن المقدام) بكسر الميم (ابن معد يكرب) قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على منكبي ثم قال أفلحت إلى آخره قال البخاري صالح بن يحيى فيه نظر وقال الذهبي قال موسى بن هارون صالح لا يعرف ولا أبوه ولا جده لكن قال المنذري عقب تخريجه الحديث فيه كلام لا يقدح الحديث: 1314 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 1315 - (أفلا استرقيتم له) أي طلبتم له رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة (فإن ثلث منايا أمتي من العين) أي كثيرا من مناياها يكون من تأثير عين العائن فإن العين حق ولم يرد الثلث حقيقة بل التكثير والمبالغة وهذا نص على حل الرقية ولو بغير أسماء الله وكلامه وصفاته لإطلاق الخبر بشرط معرفة معناها وخلوها عما يخالف الشرع وعلى خلافه تحمل أخبار النهي كما مر (الحكيم عن أنس) الحديث: 1315 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 [ص: 56] 1316 - (إقامة حد من حدود الله) على من فعل موجبه وثبت عليه (خير من مطر أربعين) وفي رواية ثلاثين (ليلة) في بلاد الله تعالى لأن في إقامتها زجرا للخلق عن المعاصي وسببا لفتح أبواب السماوات للمطر وفي العفو عنها والتهاون بها انهماكا لهم في الإثم وسببا لأخذهم بالجدب والسنين ولأن إقامتها عدل وخير من المطر أو المطر يحيي الأرض والعدل يحيي أهلها ولأن دوام المطر قد يفسد وإقامتها صلاح محقق وخوطبوا به لأنهم لا يسترزقون إلا بالمطر {وفي السماء رزفكم وما توعدون} (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن سنان الحمصي ضعفوه وقال البخاري منكر الحديث وساق له في الميزان من مناكيره هذا الخبر وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه القزويني تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن جرير مرفوعا بلفظ ثلاثين ورواه ابن حبان بلفظ أربعين الحديث: 1316 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 1317 - (اقبلوا الكرامة) هي ما يفعل بالإنسان أو يعطاه على وجه الإكرام ومنه خبر أنه أكرم جرير بن عبد الله لما قدم عليه فبسط له رداءه وعممه بيده وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (وأفضل الكرامة) التي يكرم بها أخاه الزائر مثلا (الطيب) بأن يعرضه عليه ليتطيب منه أو يهديه له (أخفه محملا وأطيبه رائحة) أي هو أخف الأشياء حملا فلا كلفة في حمله وأطيب الأشياء ريحا عند الآدميين وعند الملائكة فيتأكد إتحاف الإخوان به وقبول المهدي إليه إياه ومن ثم كره العلماء رده (قط في الأفراد طس عن زينب بنت جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة أم المؤمنين الأسدية وأمها أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث أو خمس بعد أن قضى زيدا منها وطرا وهي أول أزواجه لحوقا به ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 1317 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 1318 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال: أي الخليفتين اللذين يقومان (من بعدي: أبو بكر وعمر) أمره بمطاوعتهما يتضمن الثناء عليهما ليكونهما أهلا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين بعده وسبب الحث على الإقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخيور السنية فكأنهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيبة في نفسها لكنها معطلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضاة فلما أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتا حسنا فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان (فإن قلت) حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة؟ (قلت) كان لعذر ثم بايع وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيين وميتين (فإن قلت) هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنه لم ينص على خلافه أحد (قلت) مرادهم لم ينص نصا صريحا وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الإقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك (حم ت) في المناقب وحسنه (هـ) من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي (عن حذيفة) بن اليمان قال ابن حجر: اختلف فيه على عبد الملك وأعله أبو حاتم وقال البزار كابن حزم لا يصح لأن عبد الله لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة لكن له شاهد. اه. وقد أحسن المصنف حيث عقبه بذكر شاهده فقال: الحديث: 1318 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 1319 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال (من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار) بن ياسر: أي سيروا بسيرته [ص: 57] واسترشدوا بإرشاده فإنه ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما كما ياتي في حديث (وتمسكوا بعهد ابن مسعود) عبد الله أي ما يوصيكم به قال التوربشتي: أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإنه أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها قائلا: ألا نرضى لدنيانا من رضيه لديننا نبيينا كما يومىء إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه (ت) وحسنه (عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة) قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لا أدري ما قدر بقائي فيكم ثم ذكره (عد عن أنس) ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور قال الذهبي وسنده واه الحديث: 1319 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 1320 - (اقتربت الساعة) أي دنا وقت قيامها وإذا اقترب وقت ما يكون فيها من حساب وثواب وعقاب وغير ذلك ونحوه {واقترب الوعد الحق} الساعة واقترابها إقبالها إلينا في كل لحظة بتقريب الآجال ونحن نقرب منها بقطع مسافة الأعمار وإنما يدرك قربها بتكامل أنوار الإيمان ومن ضعف إيمانه بحب الدنيا قربت منه بصورتها فازداد حرصا عليها لعماه عن عاقبتها والساعة في الأصل تقال على جزء قليل من نهار أو ليل ثم استعيرت ليوم القيامة: أعني الوقت التي تقوم فيه وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم ولقلته سمي ساعة (ولا تزداد منهم) يعني من الناس الحريصين على الاستكثار من الدنيا كما يفيده الخبر الآتي (إلا قربا) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من معجم الطبراني والحلية إلا بعدا وكلاهما له وجه صحيح. فالمعنى على الوجه الأول أنهم كلما مر بهم زمن وهم متمادون في غفلتهم ازداد قربها منهم وعلى الثاني أنها كلما اقتربت ودنت كلما تناسوا قربها وعملوا عمل من الساعة أخذت في البعد عنه لما على قلوبهم من الأكنة والأغطية وعلى أبصارهم وبصائرهم من الأغشية بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون عنه لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أن الجزاء كائن للمحسن والمسيء وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا من سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم وما تزيدهم فنون الموعظة التي أحق الحق وأحد الحد إلا لهوا ولعبا وشحا وحرصا وتناسيا للساعة كأنها ولت عنهم دبارا وتناءت عنهم فرارا (طب عن ابن مسعود) قال المنذري: رواته يحتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. اه. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه قصور أو تقصير وإنما كان حقه الرمز لصحته الحديث: 1320 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 1321 - (اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا) شحا وإمساكا لعماهم عن عاقبتها (ولا يزدادون من الله إلا بعدا) أي من رحمته لأن الدنيا مبعدة عن الآخرة لأنه يكرهها ولم ينظر إليها منذ خلقها والبخيل مبغوض إلى الله مبعود عنه لا يقال كيف وصف الساعة بالاقتراب وقد عددون هذا القول أكثر من ألف عام لأنا نقول هي مقتربة عند الله {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} ولأن كل آت آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه قريب ولأن ما بقي من الدنيا أقل مما سلف منها بدليل انبعاث خاتم النبيين الموعود ببعثه آخر الزمان. وبالجملة فهذه الأخبار الشافية الكافية مسوقة للبيان أنه لابد من طي البساط ورفع السماط وتبديل الأرض في الطول والعرض وتخريب العامر وتحريك الزاهر وشق الأثواب وطرق الأبواب وسفك الدماء وهتك النساء وشقاق العلماء وخلاف الأمراء أو قيام السيف في الشتاء والصيف وسوء الحال ورفض المال وارتفاع الصبيان ثم الصلبان وسقوط الفرسان وهبوط العربان لنفوذ القضاء والقدر كما جاء في الخبر: إذا نزل القضاء عمي البصر (ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) وقال [ص: 58] صحيح وشنع عليه الذهبي بأنه خبر منكر وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني وأبهمه ابن الجوزي. فأنى له الصحة؟ الحديث: 1321 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 1322 - (اقتلوا الحية) قال في الكشاف اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والكبير والصغير (والعقرب وإن كنتم في الصلاة) أي وترتب على القتل بطلانها. قال الزين العراقي: وهذا محمله على الندب أو الإباحة وصرفه عن الوجوب خبر أبي يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة بأسا قال الحكيم لأن الحية أظهرت العداوة لنا وكانت وكلت بخدمة آدم في الجنة فخانته وأمكنت عدو الله من نفسها حتى صيرته سببا لدخول الجنة في إغوائه فلما أهبطوا إلى الأرض تأكدت العداوة منها لآدم وولده والعقرب من لواحقها وأتباعها (طب عن ابن عباس) فيه أمران: الأول أنه يوهم أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف فقد خرجه أبو داود وكذا الحاكم بلفظ: اقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم. الثاني أنه لم يرمز له بتضعيف ولا غيره فاقتضى سلامته من العلل وليس كما أوهم فقد جزم خاتمة الحفاظ ابن حجر بضعف سنده في تخريج الهداية الحديث: 1322 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 1323 - (اقتلوا الأسودين) سماهما بالأسودين تغليبا كالعمرين. قال الجوهري: الأسود العظيم من الحيات وفيه سواد وضم العقرب إليها تغليبا كإطلاقه الأسودين على التمر والماء والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معا باسم الأشهر والأمر للندب أو الإباحة لا للوجوب ما لم يتعرض ولم يخفها على نفسه ولا على غيره (وإلا فللوجوب) حتى (في الصلاة) قالوا: وما الأسودان؟ قال (الحية والعقرب) ويلحق بهما كل ضار كزنبور وفيه حل العمل القليل في الصلاة وأن ولاء الفعل مرتين في آن لا يفسدها إذ قتلهما إنما يكون غالبا بضربة أو ضربتين فإن تتابع وكثر أبطل كذا قيل وأنت خبير بأن الحديث لا يفيد ذلك لجواز أن يكون أمر بالقتل في الصلاة وإن أبطلها؟ وكم له نظير؟ ثم رأيت بعض المحققين قال الحق فيما يظهر الفساد إذا تتابع وكثر والأمر بالقتل لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوا في إنقاذ الغريق ونحوه بل أثره في دفع لإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراما (د ت) وكذا النسائي وكأنه أغفله ذهولا (حب ك عن أبي هريرة) حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود ولكن قال الحافط ابن حجر إسناده ضعيف وفي مسلم له شواهد الحديث: 1323 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 1324 - (اقتلوا الحيات كلهن) أي بسائر أنواعهن في كل حال وزمان ومكان وظاهره ولو غير مؤذيات: أي ولو في حال الإحرام كما يؤذن به كلمة التعميم لكن نهى في حديث عن قتل ذات البيوت التي لا تضر (فمن خاف) من قتلهن (ثأرهن) بمثلثة وهمزة ساكنة (فليس منا) أي من جملة ديننا أو العاملين بأمرنا يعني ليس من أهل طريقنا من يهاب الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن خوفا من أن يطلب بثأرهن أو يؤذي من قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينون به. ذكره الزمخشري والمراد الخوف المتوهم. أما لو غلب على ظنه حصول ضرر منهن فلا ملام عليه بل يلزمه ترك قتلهن ووهم شارح وهنا <تنبيه> قال المنذري: ذهب قوم إلى قتل الحيات أجمع في الصحراء والبيوت في المدينة وغيرها ولم يستثنوا نوعا ولا جنسا ولا موضعا تمسكا بهذا الحديث. وقال قوم إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه وقال قوم تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه فإن بدين - أي ظهرن - بعد الإنذار قتلهن وقال مالك يقتل ما وجد منها بالمساجد وقال قوم لا تنذر إلا حيات المدينة فقط ويقتل ما عداها مطلقا وقال قوم [ص: 59] يقتل الأبتر ذو الطفيتين بغير إنذار بالمدينة وغيرها. قال: ولكل من هذه الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر (د) في الأدب (ن) في الجهاد (عن ابن مسعود) عبد الله (طب عن جرير) بن عبد الله (وعن عثمان بن أبي العاص) الثقفي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف مات سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري: رواته ثقات لكن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه الحديث: 1324 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 1325 - (اقتلوا) وجوبا (الحيات) بسائر أنواعها حتى في الحرم وحال الإحرام (اقتلوا ذا الطفيتين) تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء: ما بظهره خطان أسودان وقيل: أبيضان. والطفية في الأصل خوصة المقل فشبه الخطين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (والأبتر) الذي يشبه مقطوع الذنب لقصر ذنبه (فإنهما يطمسان) يعميان (البصر) أي بصر الناظر إليهما أو من نهشته والطمس استئصال أثر الشيء وفي رواية لمسلم بدل يطمسان يلتمسان: أي يطلبان يعني يخطفان (ويسقطان) كذا رأيته في نسخ والذي وقفت عليه في الصحيحين ويستسقطان بسينين ونص على هذين مع دخولهما في الحيات اهتماما بقتلهما لكونهما يطمسان ويسقطان أو لأن الشيطان لا يتمثل بهما قالوا ومن الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على إنسان مات فورا وآخر إذا سمع صوته مات وذكروا في خواص بعض الأفعى أن الجنين يسقط عند موافقة النظرين (الحبل) أي الحمل عند نظر الحامل إليهما بالخاصية لبعض الأشخاص جعل ما يفعلانه بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد وفي رواية لمسلم الحبالى بدل الحبل (حم ق د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب يقول اقتلوا الحيات والكلاب. إلى آخر ما هنا. هكذا ذكر الكلاب في صحيح مسلم وفي رواية للشيخين قال عبد الله بينا أنا طارد حية لأقتلها فناداني لا تقتلها فقلت رسول الله أمر بقتل الحيات. قال نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر الحديث: 1325 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 1326 - (اقتلوا الوزغ) بفتح الواو والزاي معروف سمي به لخفته وسرعة حركته (ولو) كان (في جوف الكعبة) لأنه من الحشرات المؤذيات ولاستقذاره ونفرة الطبع عنه ولما قيل أنه يسقي الحيات ويمج في الإناء. وفي البخاري في باب {واتخذ الله إبراهيم خليلا} الأمر بقتله وقال: كان ينفخ النار على إبراهيم وفي عائشة عن أحمد وابن ماجه لما ألقي إبراهيم في النار لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ النار عليه فأمر المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلها قال البيضاوي: قوله كان ينفخ على إبراهيم بيان لخبث هذا النوع وفساده وأنه بلغ في ذلك مبلغا استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها الخليل وسعى في اشتعالها وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية وفي الصحيح أن من قتله في أول ضربة له كذا وكذا حسنة ومن قتله في الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتله في الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية. قال ابن عبد السلام: وكثرة الحسنات في الأولى لأنه إحسان في القتل فدخل في خبر: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة أو لأنه مبادرة إلى الخير فدخل في {فاستبقوا الخيرات} وروى الحاكم وصححه عن ابن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون (تتمة) ذكر بعض الحكماء أن الوزغ لا يدخل بيتا فيه زعفران وأنه أصم وأنه يبيض ويقال لكبارها سام أبرص بتشديد الميم (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عمرو بن قيس المكي وهو ضعيف الحديث: 1326 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 [ص: 60] 1327 - (اقتلوا شيوخ المشركين) أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس ولم يرد الهرم الذي لا قوة له ولا رأي فإن فرض بقاء الرأي قتل لأن ضرر رأيه أشد من ضرر مقاتلته وعلى خلافه يحمل حديث أنس لا تقتلوا شيخا فانيا (واستبقوا) وفي رواية واستحيوا (شرخهم) أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم جمع شارخ بشين وخاء معجمتين كصحب أو مصدر نعت به ومعناه بدو الشباب ونضرته فيستوي فيه الواحد والجمع كالصوم والعدل وإطلاق الحديث شامل للراهب فيقتل وإن لم يقاتل وعليه الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك لا ويحرم قتل الصبيان وكذا النساء إذا لم يقاتلوا بل يسبيهم الإمام ويسترقهم (حم هـ ت) في الجهاد (عن سمرة) بن جندب قال الترمذي حسن صحيح غريب الحديث: 1327 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 1328 - (اقرأ القرآن على كل حال) قائما وقاعدا وراقدا وماشيا وغيرها (إلا وأنت جنب) أي أو حائض أو نفساء بالأولى فإنك لا تقرأ وأنت كذلك فتحرم قراءتك شيئا منه وأنت كذلك بقصدها قال الغزالي: فيه إشارة إلى طلب استغراق الأوقات بالقرآن فإنك إذا وفيت القراءة ولزمتها وجدت لذة المناجاة واستأنست بكلام الله واستوحشت من كلام الخلق كان موسى إذا رجع من المناجاة استوحش من الناس ويجعل إصبعيه في أذنيه لئلا يسمع كلامهم وكأن كلامهم عنده في ذلك الوقت كأصوات الحمير وعليه قال شيخنا: اتخذ الله صاحبا. . . وذر الناس جانبا (أبو الحسن بن صخر في فوائده) الحديثية (عن علي) أمير المؤمنين: قال في المطامح: غريب ضعيف الحديث: 1328 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 1329 - (اقرأ القرآن) اسم علم خاص بكلام الله (في كل شهر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة جزءا من ثلاثين (اقرأه في) كل (عشرين ليلة) في كل يوم وليلة ثلاثة أحزاب (اقرأه في عشر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة ستة أحزاب (اقرأه في سبع) أي في كل أسبوع (ولا تزد على ذلك) فإن قارئه ينبغي أن يتفكر في معانيه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وتدبر ذلك لا يحصل في أقل من أسبوع: وأنى به؟ ومن ثم رأى جمع قراءته في الأسبوع من الورد الحسن. قال في الأذكار: وهذا فعل الأكثر من السلف. قال الدماميني: ولهذا الحديث منع كثير من العلماء الزيادة على السبع. اه واختار النووي اختلاف القدر باختلاف الأشخاص بالنسبة لسريع الفهم وغيره قال فمن كان من ذوي الفهم وتدقيق الفكر يندب له الاقتصار على القدر الذي لا يخل به المقصود من التدبر واستنباط المعاني وكذا من له شغل بعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يندب له الاقتصار على قدر لا يخل بما هو فيه ومن يكن كذلك فالأولى له الإكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة. اه. وإنما اختلفت الأحاديث لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يأمر كل إنسان بما يناسب حاله <تنبيه> المراد بالقرآن هنا كله ولا يعارضه أن القصة وقعت قبل موت المصطفى صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل نزول بعض القرآن الذي تأخر نزوله لأنه العبرة بما دل عليه الإطلاق. ذكره ابن حجر وغيره (ق د عن ابن عمر) بن الخطاب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن؟ قلت بلى ولم أرد به إلا الخير قال فصم صوم داود فإنه كان أعبد الناس واقرأ القرآن في كل شهر. قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: اقرأه في كل عشرين قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل عشر قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك قال ابن عمر فشددت فشد علي الحديث: 1329 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 [ص: 61] 1230 - (اقرأ القرآن في كل أربعين ليلة) ليكون حصة كل يوم نحو مائتي وخمسين آية وذلك لأن تأخيره أكثر منها يعرضه للنسيان والتهاون به وقد عهد ورد الأربعين أشياء كثيرة كخلق النطفة لأربعين فعلقة فمضغة لمثلها وبين النفختين أربعين ومكث آدم في طينته وميعاد موسى وسلطان الدجال وغالب النفاس وتمام الرباط وبلوغ الأشد إلى غير ذلك إلا أن قراءته في أربعين: مدة الضعفاء ثم يرتقي الحال بسبب القوة إلى ثلاث (ت عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه الحديث: 1230 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 1332 - (اقرأ القرآن في ثلاث) أي بأن تقرأ في كل يوم وليلة ثلثه (إن استطعت) قراءته في الثلاث مع ترتيل وتدبر وإلا فاقرأه في أكثر ومن ثم قال ابن مسعود: من قرأه في أقل من ثلاث فهو راجز وكره ذلك معاذ. وقال القسطلاني: وأخبرني شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف أنه كان يقرأ خمسة عشر ختمة في اليوم والليلة. وفي الإرشاد أنه النجم الأصبهاني رأى رجلا من اليمن ختم في شوط أو أسبوع وهذا لا يتسهل إلا بفيض رباني ومدد رحمني. اه. وأخبرني بعض الثقات أن شيخنا العارف عبد الوهاب الشعراني ختم بين المغرب والعشاء ختمتين ثم رأيته ذكر في كتاب الأخلاق ما نصه ومنها عمل أحدهم على تحصيل مقام غلبة الروحانية على الجسمانية حتى يصير يقرأ في اليوم والليلة كذا وكذا ختما ويقرأ مع من غلبت روحانيته على جسمانيته فلا يتخلف عنه ويحتاج صاحب هذا المقام إلى ورع شديد وطاعة كثيرة ليحصل له تلطيف الكشائف وإلا فلا يقدر يستعجل في القراءة مع من ذكر بل يصير كأنه يسحب صخرا على الأرض خلف طائر فمن فهم هذا عرف سر أمره تعالى للمصطفى صلى الله عليه وسلم بترتيل القرآن فإن روحانيته تغلب جسمانيته فإذا قرأ لا يلحقه أحد لانطواء الألفاظ في نطق الأرواح وأخبر الشيخ علي المرصفي أنه قرأ في أيام سلوكه في يوم وليلة ثلاث مئة ألف ختم وستين ألف ختم كل درجة ألف ختم اه. ومن على هذا المقام شيخنا شيخ الإسلام زكريا فكان إذا قرأنا معه لا نلحقه وكذا الشيخ نور الدين الشوني لغلبة روحانيتهما على جسمانيتهما. إلى هنا كلامه (حم طب عن سعد بن المنذر) له صحبة وهو أنصاري عقبي بدري كان يقرأ القرآن في ثلاث الحديث: 1332 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 1331 - (اقرأ القرآن في خمس) أخذ به جمع من السلف فاستحبوا الختم في كل خمس ومنهم علقمة بن قيس ولو تعارض الإسراع والترتيل روعي الترتيل عند الجمهور. قال ابن حجر: والتحقيق أن لكل منهما جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكنات الواجبات. ولا يمنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة ثمينة ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحدة وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات وقد يكون بالعكس (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لضعفه الحديث: 1331 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 1333 - (اقرأ القرآن ما نهاك) عن المعصية وأمرك بالطاعة: أي ما دمت مؤتمرا بأمره منتهيا بنهيه ورجزه (ف) إنك (إذا لم ينهك فلست) في الحقيقة (بقارئ) وفي نسخ فلست تقرأه أي لإعراضك عن متابعته فلم تظفر بفوائده وعوائده فيعود حجة عليك أو خصما غدا فقراءته بدون ذلك لقلقة لسان بل جارة إلى النيران إذ من لم ينته بنهيه وينزجر بزجره فقد جعله وراء ظهره ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة فلا بد لقارئه من الاهتمام بامتثال أوامره ونواهيه وكما أن أمور الدنيا لا تحصل إلا بقدر عزائمهم فأمر الأخرى لا يحصل إلا بأشد [ص: 62] عزيمة وأجمع شكيمة فلا يقرأه من لم يقبل عليه بكليته ظاهره ويجمع اهتمامه به بكليته باطنه {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة} {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} فشرط على قارئه اهتمام القلب بتفهمه وإقبال الحس على استماعه وتدبره. قال بعضهم: القارئ يلعن نفسه ولا يدري يقرأ {ألا لعنة الله على الظالمين} وهو ظالم {ألا لعنة الله على الكاذبين} وهو منهم <فائدة> سئل جدي شيخ الإسلام يحيى المناوي رحمه الله: هل الاهتزاز في القرآن مكروه أو خلاف الأولى؟ فأجاب بأنه في غير الصلاة غير مكروه ولكن خلاف الأولى ومحله إذا لم يغلب الحال واحتاج إلى نحو النفي في الذكر إلى جهة اليمين والإثبات إلى جهة القلب وأما في الصلاة فمكروه إذا قل من غير حاجة. وينهى إذا كثر أن يكون كتحريك الحنك كثيرا من غير أكل وأن الصلاة تبطل به والله أعلم انتهى بنصه (فر) وكذا القضاعي (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الزين العراقي: وسنده ضعيف وظاهره أنه لم يره لأقدم من الديلمي ولا أحق بالعزو إليه منه وهو عجب فقد خرجه أبو نعيم والطبراني وعنهما أورده الديلمي مصرحا فإهماله لذينك واقتصاره على ذا غير سديد ثم إن فيه إسماعيل بن عياش. قال الذهبي في الضعفاء ليس بقوي عن عبد العزيز بن عبد الله. قال الذهبي روى عنه ابن عياش فقط وقد قال الدارقطني متروك عن شهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج به الحديث: 1333 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 1334 - (اقرأ المعوذات) الفلق والناس ذهابا إلى أن أفل الجمع اثنان أو والإخلاص تغليبا (في دبر) بضم الدال والموحدة (كل صلاة) من الخمس فيه ندب قراءتها بعد التسليم من كل صلاة لأنه لم يتعوذ بمثلها. فإذا تعوذ المصلي بها كان في حراستها حتى تأتي صلاة أخرى (د حب عن عقبة بن عامر) وصححه ابن حبان ورواه عنه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد أبي داود به من بين الستة غير جيد الحديث: 1334 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 1335 - (اقرأ القرآن بالحزن) بالتحريك: أي بترقيق الصوت والتخشغ والتباكي وذلك إنما ينشأ عن تأمل قوارعه وزواجره ووعده ووعيده فيخشى العذاب ويرجو الرحمة. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في مختصر المزني: وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا. اه. قال أهل اللغة: حدرها درجها وعدم تمطيطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد قال ابن حجر: حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثاء ولا شك أن لذلك تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع (فإنه نزل بالحزن) أي نزل ناعيا على الكافرين شناعة صفتهم وسماجة حالتهم وبلوغهم الغاية القصوى في اللجاج في الطغيان واستشرابهم في الضلال والبهتان وقولهم على الله ما لا يعلمونه ولا يليق به من الهذيان ونيط بذلك الإنذار والوعيد بعذاب عظيم وأول ما نزل من القرآن آية الإنذار عند جمع وهي {يا أيها المدثر قم فأنذر} وكما أنه نزل بالحزن على المشركين نزل بالرحمة على المؤمنين وتصح إرادته هنا لكن يكون استعماله الحزن ليس على الحقيقة بل من قبيل المجاز. قال العلامة الزمخشري: صوت حزين رخيم وقال بعض المحققين: قد يطلقون الحزين ويريدون به ضد القاسي مجازا. قال الغزالي: وجه اختيار الحزن مع القراءة أن يتأمل فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود ثم يتأمل القارىء ما فيه تقصيره من أوامره وزواجره فيحزن لذلك لا محالة فيبكي ويخشع فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد الحزن فإن ذلك من أعظم المصائب. اه. <تنبيه> أفاد هذا التقرير أنه ليس المراد بقراءته بالحزن ما اصطلح الناس عليه في هذه الأزمان من قراءته بالأنغام فإنه مذموم وقد شدد بعض العارفين النكير على فاعله وقال إن حضرة الحق جل وعلا حضرة هيبة وبهت وتعظيم فلا يناسبها إلا الخشوع والخضوع والدعوة من شدة الهيبة كما يعرفه من دخل حضرة الحق تعالى فإنه يرى ثم كل [ص: 63] ملك لو وضع قدمه في الأرض ما وسعته ولو بلغ السماوات والأرض في بطنه لنزلت من حلقه ومع ذلك فهو يرعد من هيبة الله تعالى كالقصبة في الريح العاصف: فسبحان من حجبنا عن شهود كمال عظمته رحمة بنا فإنه لو كشف لنا عن عظمة ما فوق طاقتنا لاضمحلت أبداننا وذابت عظامنا ولو استحضر القارىء عظمة ربه حال قراءته ما استطاع أن يفعل ذلك (ع طس حل عن بريدة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف. اه. وفي الميزان قال ابن عدي كان يسرق الحديث وفي اللسان ضعفه البزار أقول فيه أيضا غون بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين لا شيء وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إلى جبر ضعفه فمن خرجه العقيلي في الضعفاء وابن مردويه في تفسيره وغيرهم الحديث: 1335 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب أو المعنى اقرؤوا ما دمتم متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره وإذا اختلفتم في فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال والجدال يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل. قال الزمخشري. قال ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل: إلى هنا كلامه. وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم (حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد الله البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ الحديث: 1336 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن (يأتي يوم القيامة شفيعا) أي شافعا (لأصحابه) بأن يتصور بصورة يراها الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين. سميتا به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء الله تعالى فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها يوم القيامة والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضيء الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلا منهما مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم الأفضل؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل لذكره أولا مجملا ثم ثانيا مفصلا وكما جعل علما في الكرم والفضل جعلا علما في الإنارة وفيه جواز قول سورة كذا ورد على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا (فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما (يوم القيامة) قال النووي: أطلق اسمهما على هذا الذي يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما أظل الإنسان. قال القاضي: ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء: إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما (صواف) باسطات أجنحتها [ص: 64] متصلا بعضها ببعض جمع صافة وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن ولا للترديد من بعض الرواة كما قيل لاتساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين. ذكره القاضي. وقال الطيبي: إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة إذ الأول عام في كل أحد والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه (اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص عم أولا بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة وأفرد ثالثا البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيها على أن لكل مهنما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة: أي زيادة ونماء (وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها البطلة) بفتح الباء والطاء: السحرة: تسمية لهم باسم فعلهم لأن ما يأتون به باطل وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل. وقيل البطالة أهل البطالة الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم أو المراد سحرة البيان من قوله إن من البيان لسحرا أي أنهم لا يستطيعونها من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن القرآن مخلوق قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقا ورد بأنه جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة وهذا لا غبار عليه <تنبيه> قال القونوي: قوله في الحديث يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان إلخ: كناية عن أرواح صور الحروف والكلمات فإنه قد ثبت شرعا وكشفا أن ما ثم صورة إلا ولها روح فتارة تخفى آثار الروح في الصورة بالنسبة لأكثر الناس وتارة تظهر بشرط تأييد روح تلك الصورة بمدد يتصل من روح آخر وصور الأعمال والأقوال أعراض لا ترتفع ولا تبقى إلا بأرواحها المصاحبة لها والمتأيدة بأرواح العمال ونياتهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم الصحيحة المطابقة لما الأمر عليه وللحروف والكلمات من حيث أفرادها ومن حيث تركيبها خواص تظهر من أرواحها بواسطة صورها تلفظ وكناية شهد بذلك الأولياء عن شهود محقق وتجربة مكررة (حم م) في الصلاة (عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 1337 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 1338 - (اقرأوا القرآن واعملوا به) بامتثال أمره وتجنب نهيه (ولا تجفوا عنه) أي لا تبعدوا عن تلاوته (ولا تغلوا فيه) تجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه بأن تتأولوه بباطل أو المراد لا تبذلوا جهدكم في قراءته وتتركوا غيره من العبادات فالجفاء عنه التقصير والغلو التعمق فيه وكلاهما شنيع وقد أمر الله بالتوسط في الأمور فقال {لم يسرفوا ولم يقتروا} (ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به) أي لا تجعلوه سببا للإكثار من الدنيا ومن الآداب المأمور بها: القصد في الأمور وكلا في طرفي قصد الأمور ذميم. وقال الطيبي: يريد لا تجفوا عنه بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا [ص: 65] بتأويله وتفسيره. ولا تغلوا فيه بأن تبذلوا جهدكم في قراءته وتجويده من غير تفكر كما قال في الحديث الآخر لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث (حم ع طب) عن (عبد الرحمن بن شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن عمرو بن يزيد الأنصاري أحد النقباء فقيه حمصي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات. وقال ابن حجر في الفتح سنده قوي الحديث: 1338 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 1339 - (اقرأوا القرآن بلحون العرب) أي تطريبها (وأصواتها) أي ترنماتها الحسنة التي لا يختل معها شيء من الحروف عن مخرجه لأن القرآن لما اشتمل عليه من حسن النظم والتأليف والأسلوب البليغ اللطيف يورث نشاطا للقارىء لكنه إذا قرىء بالألحان التي تخرجه عن وضعه تضاعف فيه النشاط وزاد به الإنبساط وحنت إليه القلوب القاسية وكشف عن البصائر غشاوة الغاشية (وإياكم ولحون أهل الكتابين) أي احذروا لحون اليهود والنصارى (وأهل الفسق) من المسلمين يخرجون القرآن عن موضعه بالتمطيط بحيث يزاد حرف أو ينقص حرف فإنه حرام إجماعا كما ذكره النووي في التبيان بدليل قوله (فإنه) أي الشأن (سيجيء بعدي قومي يرجعون) بالتشديد. أي يرددون (بالقرآن) ومنه ترجيع الأذان وهو تفاوت ضروب الحركات في الصوت وهو المراد بقوله (ترجيع الغناء) أي أهل الغناء (والرهبانية) يعني رهبانية النصارى (والنوح) أي أهل النوح (لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الغلصمة وهي مجرى النفس (مفتونة قلوبهم) بنحو محبة الشبان والنساء (وقلوب من يعجبه شأنهم) فإن من أعجبه شأنهم فمآل مصيره منهم. وفي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قرأ في يوم الفتح - فتح مكة - سورة الفتح فرجع فيها. وقال العارف المرسي: دخل بعض الصحب على اليهود فسمعهم يقرؤون التوراة فتخشعوا - أي بعض الصحب - فأنزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} فعوتبوا إذ تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله فما الظن بمن أعرض عن كتابه وتخشع بالملاهي والغناء؟ . اه. وعلم مما تقرر انه لا تلازم بين التلحين المذموم وتحسين الصوت المطلوب وأن التلحين المذموم والأنغام المنهي عنها هو إخراج الحروف عما يجوز له في الأداء كما يصرح به كلام جمهور الأئمة ومنهم الإمام أحمد فإنه سئل عنه في القرآن فمنعه فقيل له: لم؟ فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: أيعجبك أن يقال لك يا محآمد؟ <تنبيه> قال ابن عربي: من لم يطربه سماع القرآن بغير ألحان فليس على شيء وقد كان أؤلئك الرجال لا يقولون بالسماع المقيد بالنغمات لعلو هممهم ويقولون بالسماع المطلق فإنه لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني وهو السماع الروحاني الإلهي وهو سماع الأكابر والسماع المقيد إنما يؤثر في أصحاب النغم وهو السماع الطبيعي فإذا ادعى مدع أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا المعنى ما تحركت ويدعي أنه خرج عن حكم الطبيعة في السبب المحرك فيتأمل في أمره. وقد رأينا من ادعى ذلك فكان سريع الفضيحة وذلك أنه إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا سرت الأرواح في الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية بحكم اسستدارة الفلك فالدور مما يدلك على السماع الطبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك بل عن الروح المنفوخ فيه وهي متحيزة فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري وإنما التحريك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعي والفلك فإذا دار هذا المدعي وقفز إلى فوق وغاب عن احساسه فقل له ما حركك إلا حسن النغمة والطيع حكم على حيوانيتك فلا فرق بينك وبين الجمل في تأثير النغمة فيه فيعز عليه هذا ويقول ما عرفتني فأسكت عنه ساعة ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى واتل عليه آية من القرآن تتضمن المعنى الذي حركه فيأخذ معك فيه ولا يتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا فناء بل يستحسنه ويقول هو معنى جليل فيفتضح فقل [ص: 66] له هذا المعنى هو الذي حركك في السماع البارحة بإجابة القوال في شعره بنغمته فلأي معنى سرى فيك ذاك ولم يسر فيك من سماع كلام الحق بل كنت البارحة يتخبطك الشيطان من المس والسماع الإلهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه لا غير ويغيبه عن احساسه ولا تصدر منه حركة أصلا هبه من الكبار والصغار فعلم أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية والهيمان الإلهي يضجعه فقط لأن الإنسان خلق من تراب وقيامه وقعوده يبعده عن أصله الذي نشأ منه فإذا جاءه الوارد الإلهي وهو صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسمه بحكم العرض وروحه المدبر هو الذي يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق من للبدن من يحفظ عليه قيامه وقعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض فإذا فرغ التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده وهذا سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم وما سمع من نبي قط انه تخبط عند نزول الوحي. ولا اهتز ولا دار ولا غاب عن إحساسه وكذا الوارد الإلهي لا يغيره عن حاله ولا إحساسه (طس هب) من حديث بقية عن الحصين الفزاري عن أبي محمد (عن حذيفة) قال ابن الجوزي في العلل حديث لا يصح وأبو محمد مجهول وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم أه قال الهيثمي فيه راو لم يسم وفي الميزان تفرد عن أبي حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر. اه. ومثله في اللسان الحديث: 1339 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 1340 - (اقرأوا القرآن) أي ما تيسر منه (فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن) أي حفظه وتدبره وعمل بما فيه فمن حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واع له. قال سهل: علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي حب السنة وعلامة حبها حب الآخرة وعلامة حبها بغض الدنيا وعلامة بغضها أن لا يتناول منها إلا البلغة (تمام) في فوائده (عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 1340 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 1341 - (اقرأوا القرآن وابتغوا به الله تعالى) على الكيفية التي يسهل على ألسنتكم النطق بها مع اختلافها فصاحة ولكنة ولثغة بلا تكلف ولا مشقة ولا مبالغة (من قبل أن يأتي قوم) أي قرون متتالية (يقيمونه إقامة القدح) بكسر القاف: السهم الذي يرمي به (يتعجلونه) أي يطلبون بقراءته العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيه ولفظ رواية أحمد يتعجلان أجره (ولا يتأجلونه) أي لا يريدون به الآجلة وهو جزاء الآخرة فمن أراد بها الدنيا فهو متعجل وإن ترسل في قراءته ومن أراد به الآخرة فهو متأجل ومن أسرع في قراءته بعد إعطاء الحروف حقها. ومن قال أن المراد يتعجلون العمل بالقرآن ولا يؤخرونه فكأنه لم يتأمل السوق إذ الخبر مسوق لذم أؤلئك الآتين وأما إرادة مدحهم فبعيد عن المقام وهذه معجزة لوقوع ما أخبر به (حم د عن جابر) بن عبد الله قال الديلمي وفي الباب سهل بن سعد وأنس الحديث: 1341 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 1342 - (اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم) أي في أماكنكم التي تسكنوها: بيتا أو خلوة أو خباء أو غيرها (ولا تجعلوها قبورا) أي كالمقابر الخالية عن الذكر والقراءة بل اجعلوا لها نصيبا من الطاعة (ومن قرأ سورة البقرة) بكاملها أي في أي محل كان أو في بيته وهو ظاهر السياق لكن لعل المراد الإطلاق (توج بتاج) أي في القيامة أو في الجنة حقيقة أو توضع عليه علامة الرضا يوم فصل القضاء أو بعد دخولها. والتاج ما يصنع للملوك من ذهب وجوهر. [ص: 67] قال الطيبي: ذكر التاج كناية عن الملك والسيادة كما يقال قعد فلان على السرير كناية عنه (هب عن الصلصال) بمهملتين بينهما لام: أبي الغضنفر (بن الدهلمس) بدال مهملة ثم لام ثم ميم مفتوحات قال الذهبي: صحابي له حديث عجيب المتن والإسناد. اه. وأشار به إلى هذا الحديث ثم أن فيه أيضا أحمد بن عبيد قال ابن عدي صدوق له مناكير الحديث: 1342 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 1343 - (اقرأوا سورة هود يوم الجمعة) فإنها من أفضل سور القرآن فيناسب قراءتها في أفضل أيام الأسبوع. قال الغزالي عن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من تدبرها (هب عن كعب) الأحبار (مرسلا) رمز المصنف لضعفه ولعله من قبيل الرجم بالغيب فقد قال الحافظ ابن حجر حديث مرسل وسنده صحيح هكذا جزم به في أماليه ثم قال وأخرجه ابن مردويه في التفسير من وجه آخر عن مسلم بن إبراهيم فكأنه ظن أن كعبا صحابي وليس كذلك بل كعب الأحبار. إلى هنا كلام ذلك الإمام. إذا قالت حذامي فصدقوها الحديث: 1343 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 1344 - (اقرأوا على موتاكم) أي من شارفه الموت منكم إذ الميت لا يقرأ عليه (يس) ليسمعها فيجريها على قلبه لأن الإنسان حينئذ ضعيف القوى والأعضاء ساقط المنعة والقلب أقبل على الله بكليته فيقرأ عليه ما يزيده قوة ويشد تصديقه ويقوى يقينه: يس مشتملة على أحوال البعث والقيامة وأحوال الأمم وبيان خاتمتهم وإثبات القدر وإن أفعال العباد مستندة إليه تعالى وإثبات التوحيد ونفي الضد والند وإمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحضور في العرصات والحساب والجزاء والمرجع والمآل بعد الحساب وغير ذلك فبقراءتها يتجدد له ذكر تلك الأحوال ويتنبه على أمهات أصول الدين ويتذكر ما أشرف عليه من أحوال البرزخ والقيامة. واخذ ابن الرفعة بظاهر الخبر فصحح أنها تقرأ عليه بعد موته والأولى الجمع. وتمام الحديث كما بينه الديلمي: ونزل مع كل آية ثمانون ملكا واستدل به بعض الحنفية على أن للمرء أن يجعل ثواب عمله لغيره قراءة وصلاة وصدقة وحجا قال وخالف المعتزلة وبعض منا لأن الثواب هو الجنة وليس له جعلها لغيره ولآية {وإن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال ولنا ظاهر الحديث وتضحيته عليه الصلاة والسلام عن أمته وإخباره عن استغفار الملائكة للمؤمنين وأولت الآية بأنها نسخت بآية {ألحقنا بهم ذريتهم} وأنها خاصة بقول إبراهيم وموسى أو المراد الكافر. قال ابن الهمام: وأولى من النسخ تقييده بما يهبه العامل أما أولا فلأنه لم يبطل بعد الإرادة وإما ثانيا فلأنها من قبيل الإخبار ولا نسخ فيها وما يتوهم من أنه أخبر في شرع أنه لا ثواب لغير عامل ثم جعله لمن بعدهم من أهل شرعنا مرجعه إلى تقييد الأخبار لا النسخ وجعل اللام بمعنى على بعيد. أه: قال بعضهم أعني الحنفية وكون الإنسان يجعل ما وعد به من الثواب لغيره جائز بلا مراء قال ولو دفع الحي أو وارث ميت شيئا من الدنيا لمن يجعل ذلك له ينبغي أن يصح وأما جعل ثواب فرضه لغيره فيحتاج إلى نقل (حم د هـ) في الجنائز (حب ك عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف (بن يسار) ضد اليمين المزني قال النووي في الأذكار: إسناده ضعيف فيه مجهولان لكن لم يضعفه أبو داود. وقال ابن حجر: أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه ويسمى بالنهدي. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن وقال لا يصح في الباب حديث. اه <فائدة> قال ابن العربي: تتأكد قراءة يس. وإذا حضرت موت أحد فأقرأ عنده يس فقد مرضت وغشي على وعددت من الموتى فرأيت قوما كرش المطر يريدون أذيتي ورأيت شخصا جميلا طيب الرائحة شديدا دفعهم عني حتى قهرهم فقلت من أنت قال سورة يس فأفقت: فإذا بأبي عند رأسي وهو يبكي ويقرأ يس وقد ختمها الحديث: 1344 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 [ص: 68] 1345 - (اقرأوا على من لقيتم من أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة كما هو بين (بعدي السلام الأول فالأول إلى يوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر هذا طرف من حديث أخرجه البزار وابن منيع والحاكم وغيرهم. قال البعض يقال في الرد عليه وعليه الصلاة والسلام أو وعليه السلام لأنه رد سلام التحية لا إنشاء السلام المقول فيه بكراهة إفراده (الشيرازي) أبو بكر (في الألقاب عن أبي سعيد) الخدري قال جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ونحن ثلاثون رجلا فودعنا وسلم علينا ودعى لنا ووعظنا وقال اقرأوا فذكره الحديث: 1345 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 1346 - (اقرأني جبريل القرآن على حرف) أي لغة أو وجه من الإعراب (فراجعته) أي فقلت له إن ذلك تضييق قأقرأني إياه على حرفين (فلم أزل أستزيده) أي أطلب منه أن يطلب لي من الله الزيادة على الحرف توسعة وتخفيفا ويسأل جبريل ربه ويزيده في الحروف (فيزيدني) حرفا حرفا (حتى انتهى إلى سبعة أحرف) أي سبعة أوجه أو لغات تجوز القراءة بكل منها وليس المراد أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه والإختلاف اختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتنافر وتناقض. إذ هو محال في القرآن وذلك يرجع إلى سبعة وذلك إما في الحركات من غير تغيير في المعنى والصورة نحو النحل أو بتغيير في المعنى فقط نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات} وأما في الحروف بتغيير في المعنى لا في الصورة أو عكسه وإما بتغييرهما وإما في التقديم والتأخير نحو {فيقتلون ويقتلون} أو في الزيادة والنقص نحو أوصى ووصى وفي المراد بالسبعة في هذا الحديث وما أشبهه نحو أربعين قولا قال البعض أقربها أن المراد سبعة لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة وقال الطيبي: أصحها أن المراد كيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد وهمز وتليين لأن العرب مختلفة اللغات فيسر عليهم ليقرأ كل بموافقة لغته (حم ق عن ابن عباس) الحديث: 1346 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 1347 - (أقرب العمل) من القرب وهو مطالعة الشيء حسا أو معنى (إلى الله عز وجل) أي إلى عظيم رحمته وجزيل ثوابه (الجهاد في سبيل الله) أي قتال العدو لإعلاء كلمة الله وقد يراد الأصغر أيضا (ولا يقاربه شيء) لما فيه من الصبر على بذل الروح في رضى الرب: وأي شيء يضاهي ذلك أو يقاربه؟ (تخ عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الحديث: 1347 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 1348 - (أقرب ما) مبتدأ حذف خبره لسد الحال مسده (يكون العبد من ربه وهو ساجد) أي أقرب ما يكون من رحمة ربه حاصل في كونه ساجدا كذا قرره بعضهم. وقال الطيبي: التركيب من الإسناد المجازي أسند القرب إلى الوقت وهو للعبد مبالغة والمفضل عليه محذوف تقديره أن للعبد حالتين في العبادة حالة كونه ساجدا وحالة كونه متلبسا بغير السجود فهو حالة سجوده أقرب إلى ربه من نفسه في غير تلك الحالة (فأكثروا الدعاء) أي في السجود لأنها حالة غاية التذلل وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والإفتقار عرف أن ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار فالسجود لذلك مظنة الإجابة ومن ثم حث على الدعاء فيه بقوله فأكثروا إلخ. وفي تعميم الدعاء وعدم تخصيصه بنوع ولا غيره رد على من منعه في المكتوبة بغير قرآن كطاوس وجاء في رواية بدل قوله فأكثروا الدعاء واجتهدوا فيه في الدعاء فقمن [ص: 69] أن يستجاب لكم وقمن بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق والأمر بالإكثار من الدعاء في السجود ويشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما جاء في خبر الترمذي: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله <تنبيه> قال ابن عربي: لما جعل الله الأرض لنا ذلولا نمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا تطؤها بها وذلك غاية الذلة فأمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا وهو الوجه وأن نمرغه عليها جبرا لانكسارها بوضع الذليل عليها الذي هو العبد فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها وقد قال الله تعالى " أنا عند المنكسرة قلوبهم " فلذلك كان العبد في تلك الحالة أقرب إلى الله تعالى من سائر أحوال الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار الأرض من ذلتها (م د ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 1348 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 1349 - (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر) قال الطيبي: يحتمل أن يكون قوله في جوف الليل حالا من الرب أي قائلا في جوف الليل من يدعوني فأستجب له سدت مسد الخير أو من العبد أي قائما في جوف الليل داعيا مستغفرا على نحو قولك ضربي زيدا قائما ويحتمل أن يكون خبرا لأقرب وقوله الآخر: صفة لجوف على أن ينصف الليل ويجعل لكل نصف جوف والقرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداؤه يكون من الثلث الأخير أه وقال هنا أقرب ما يكون الرب من العبد وفيما قبله أقرب ما يكون العبد من ربه: لأن قرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله) ينخرط في زمرة الذاكرين لله ويكون له مساهمة معهم (في تلك الساعة فكن) وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكرا فكن إذ الأولى فيها صيغة عموم شاملة للأنبياء والأولياء فيكون داخلا فيهم <تنبيه> قال حجة الإسلام في الجواهر عمدة الطريق الملازمة والمخالفة فالملازمة لذكر الله والمخالفة لما يشغل عنه وهذا هو السفر إلى الله وليس في هذا السفر حركة من جانب المسافر ولا المسافر إليه ولا هما معا أما سمعت {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} بل الطالب والمطلوب كصورة حاضرة مع مرآة لكن لا تنجلى على المرآة لصدأ في وجهها فمتى صقلت تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إلى المرآة ولا بحركة المرآة إلى الصورة بل بزوال الحجاب فالله سبحانه متجل بذاته لا يخفى إذ يستحيل اختفاء النور وبالنور يظهر كل خفي {الله نور السماوات والأرض} وإنما خفي النور على الحدقة لكدورة في الحدقة أو لضعف فيها لا تطيق احتمال النور العظيم الباهر كما لا تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش فما عليك إلا أن تشفي عن قلبك كدورته وتقوي حدقته فإذا هو فيها كالصورة في المرآة حتى إذا عاقصك تجليه ولم تثبت قدمك فيه بادرت وقلت أنا فيه وأنا الحق سبحاني وقد تدرع باللاهوت ناسوتي إلا أن يثبتك الله بالقول الثابت فتعرف أن الصورة ليست في المرآة بل تجلت لها وما حلت فيها ولو حلت لما تصور أن تتجلى صورة واحدة لمزايا كثيرة في حالة واحدة بل كان إذا حلت في مرآة ارتحلت عن غيرها وهيهات فإنه تعالى يتجلى لجملة من العارفين دفعة نعم يتجلى في بعض المرايا أصح وأظهر وأقوم وأوضح وفي بعضها أخفى أميل إلى الاعوجاج عن الاستقامة وذلك بحسب صفايا المرايا وصقالتها وصحة استدارتها واستقامة بسط وجهها ولذا قال في الخبر إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة ومعرفة السلوك والوصول إليه بحر عميق (ت ن ك عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين. قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي والبغوي الحديث: 1349 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 1350 - (أقروا الطير على مكناتها) بفتح الميم وكسر الكاف وشد النون أو تخفف جمع مكنة: أي أقروها في أوكارها [ص: 70] فلا تنفروها عن بيضها ولا تزعجوها عنه ولا تتعرضوا لها فالمراد: أماكنها من قولهم: الناس على مكاناتهم أي منازلهم ومقاماتهم أو جمع مكنة بضم الميم والكاف بمعنى التمكن: أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير بها كان أحدهم إذا سافر نفر طيرا فإن طار يمينا تفاءل وإن طار شمالا تشاءم ورجع (د) في العقيقة (ك) في الذبائح من حديث سباع بن ثابت (عن أم كرز) بضم فسكون الكعبية الخزاعية المكية الصحابية قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال سباع لا يكاد يعرف وأورد له هذا الخبر الحديث: 1350 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 1351 - (أقسم الخوف) أي حلف. والخوف فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته كما مر وهو قسم بلسان الحال فهو من الإسناد المجازي على وجه الاستعارة (والرجاء) ثقة الموجود بالكريم الودود أو رؤية الجلال بعين الجمال أو قرب القلب من ملاطفة الرب تبارك وتعالى أو غير ذلك (أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا) بتساو أو تفاوت (فيربح) بالفتح في القاموس راحت الريح الشيء تراحه أصابته (ريح النار) لأنه على سنن الاستقامة ومن كان منهجه منهجا فجزاؤه النعيم الدائم والسعد القائم (ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيربح ريح الجنة) حين يجد ريحها من اجتمع فيه الخوف والرجاء لأن انفراد الخوف يقتضي القنوط وانفراد الرجاء لا يأمن المكر صاحبه فلا بد للسعادة من اجتماعهما ولذا قيل: الخوف والرجاء كالجناحين للسير إلى الله تعالى فلا يمكن السير إلا بهما. قال الغزالي: وإذا كان مدار العبودية على أمرين القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية وذا لا يتم مع هذه النفس الأمارة إلا بترغيب وترهيب فإن الدابة الحرون تحتاج إلى قائد يقودها وسائق يسوقها وإذا وقفت في مهواة ربما تضررت من جانب ويلوح لها بالشعير من جانب حتى تنهض وتخلص فكذا النفس دابة حرون وقعت في مهواة الدنيا فالخوف سوطها وسائقها والرجاء شعيرها وقائدها فلذا يلزم العبد أن يشعر النفس بالخوف والرجاء وإلا فلا تساعده النفس الجموح على الطاعة فعليك بالتزام هذين معا يسهل عليك احتمال المشقة ولكن ينبغي غلبة الخوف على الرجاء في الصحة ليكثر العمل وفي المرض عكسه لأن الوفادة إلى ملك كريم ورب رؤوف رحيم (هب) عن واثلة بكسر المثلثة (بن الأسقع) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح القاف. وروى نحوه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس ولفظهم: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك؟ فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب مؤمن في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف الحديث: 1351 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 1352 - (اقضوا الله) حقه اللازم لكم من الفروض وغيرها (فالله أحق بالوفاء) له بالإيمان والطاعة وأداء الواجبات وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه الإتيان بكلمتي الشهادة وآخرها الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره وهذا التقدير لا يعكر عليه خصوص السبب الآتي لما عرف أن العبرة بعموم اللفظ (خ عن ابن عباس) قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ ثم ذكره الحديث: 1352 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 1353 - (أقطف القوم دابة أميرهم) أي هم يسيرون بسير دابته فيتبعونه كما يتبع الأمير أو المراد أن الأمير كثير الرفقة [ص: 71] المقدم فيهم أن يقارب خطو دابته فيكون بين البطء والإسراع لئلا ينقطع الضعيف والعاجز في السير. في النهاية القطاف: تقارب الخطى في سرعة من القطف وهو القطع. وفي المصباح: قطف الدابة أعجل مسيره مع تفاوت الخطى وفيه تنبيه على الإرشاد إلى رفق التابع بالمتبوع ورعاية حاله في السير وغيره (خط معاوية بن قرة) بضم القاف وشد الراء: ابن إياس - بكسر الهمزة وفتح التحتية مخففة - ابن هلال المزني البصري (مرسلا) كان عالما عاملا ولد يوم الجمل ومات سنة ثلاث عشرة ومئة الحديث: 1353 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 1354 - (أقل ما يوجد في أمتي في آخر الزمان درهم حلال وأخ) يعني صديق وفي رواية أو أخ (يوثق به) وقد وجد ذلك في هذا الزمان وقبله بعصور. قال الزمخشري: والصديق هو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك وهو أعز من بيض الأنوق. وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال اسم لا معنى له حيوان غير موجود وقال: بمن يثق الإنسان فيما ينوبه. . . ومن أين للبحر الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلا أقلهم. . . ذئابا على أجسادهن ثياب وقال الماوردي: قال الكندي: الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك. وقال بعضهم: جربت الإخوان فرأيت بعضهم كعقرب وبعضهم كحية وبعضهم كسبع وبعضهم كذئب وغيرها من أضاف القواتل فمن لادغ أي قاتل مع لين ملمسه كالحية ومن لاسع كعقرب. ومن مراوغ كثعلب ومن مهارش ككلب ومن مختال كذئب ومن مختال كفهد ومن غبي كدب ومن شديد الغضب والبأس كأسد ومن بليد كحمار ومن حقود كجمل وما أمثل نفسي بينهم إلا كفرخ بلا ريش أو كطير بلا جناح وهم يتساقطون علي بالأذى كتساقط الذباب على العسل والكلاب على الجيفة. وما أحسن قول الطغرائي في لاميته عفي عنه: أعدي عدوك أدنى من وثقت به. . . فحاذر الناس واصحبهم على دخل فإنما رجل الدنيا وواحدها. . . من لا يعول في الدنيا على رجل إلى آخر ما قال ولله در الواسطى حيث يقول: دع الناس طرا واصرف الود عنهم. . . إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح ولا تبغ من دهر تكاثف زيغه. . . صفاء بنيه فالطباع جوامح وشيئآن معدومان في الأرض درهم. . . حلال وخل في الحقيقة ناصح ولهذا قال هشام بن عبد الملك ما بقي علي شيء من لذات الدنيا إلا نلته إلا شيئا واحدا: أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه. أخرج ابن عساكر في تاريخه قال رجاء بن حيوة: من لا يؤاخ إلا من لا عيب قيه قل صديقه ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: هذا لا يصح قال يحيى: يزيد بن سنان أحد رجاله غير ثقة وقال النسائي متروك الحديث. اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه الحديث: 1354 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 1355 - (أقل أمتي أبناء السبعين) أي البالغين من أمتي هذا القدر من العمر هم أقلهم فإن معترك المنايا ما بين الستين والسبعين فمن جاوز السبعين كان من الأقلين. قال الحكيم: هذا من جملة رحمة الله على هذه الأمة وعطفه عليهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاذ الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا ولا يتندسوا فإن القرون الماضية كانت أعمارهم وأجسادهم على الضعف منا كان أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه ثمانون باعا فيتناولون الدنيا [ص: 72] بمثل هذه الصفة على مثل تلك الأجساد وفي مثل تلك الأعمار فأشروا وبطروا واستكبروا فصب الله عليهم سوط عذاب {إن ربك لبالمرصاد} (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن ربيعة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال لا يعرف وكامل أبو العلاء خرجه ابن حبان الحديث: 1355 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 1356 - (أقل أمتي الذين يبلغون السبعين) كذا هو في النسخ المتداولة بتقديم السين. قال الهيثمي ولعله التسعين بتقديم التاء (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن راشد السماك قال الذهبي في الضعفاء قال النسائي متروك الحديث: 1356 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 1357 - (أقل الحيض ثلاث) بغير تاء لحذف المعدود (وأكثره عشرة) وبهذا قال سفيان الثوري قال الحراني: الحيض معاهدة اندفاع الدم العفن الذي هو في البدن بمنزلة القول والعذرة في فضلة الطعام والشراب من الفرج (طب عن أبي أمامة) وفيه أحمد بن بشير الطيالسي قال في الميزان لينه الدارقطني والفضل بن غانم قال الذهبي قال يحيى ليس بشيء ومشاه غيره والعلاء بن الحارث قال البخاري منكر الحديث الحديث: 1357 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 1358 - (أقل) وفي رواية أقلل أمر بالتقليل قل الشيء يقل قلة: إذا صار قليلا وأقله غيره يقله: إذا جعله قليلا (من الذنوب) أي من فعلها (يهن عليك الموت) فإن شدائد الموت قد تكون بكثرة الذنوب وأنت إذا أقللت منها استنار قلبك ودعيت إلى الخدمة وصلحت للمناجاة فتذوق لذة العبادة فتبلغ مرتبة القرب وتفاض عليك الخلع والكرامات فتصير بشخصك في الدنيا وقلبك في العقبى فتنظر البريد يوما فيوما حتى تمل الخلق وتستقذر الدنيا وتحن إلى الموت وفي التعبير بأقل إشارة إلى أن الترك وظيفة المعصوم ومن على قدمه ثم لا يعارض عموم هذا ما سيأتي لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون الحديث. لعدم دلالته على عدم إتيانه مع قصد ترك القنوط (وأقل من الدين) بقرض أو غيره (تعش حرا) أي لا ولاء عليك لأحد وتنجو من رق صاحب الحق والتذلل له فإن له مقالا وتحكما أو حرا من الطبع في مواساة الناس بما يقضي عنك أو بما يشفع في إمهالك والطمع رق عاجل سيما إن كان في غير مطمع وعبر بالإقلال دون الترك لأنه لا يمكن غالبا التحرز عن الاستدانة بالكلية قال الراغب: والحرية ضربان الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو الحر بالحر والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص والشره على الأمور الدنيوية وإلى العبودية التي تضاد ذلك ومن ثم قيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق (هب) وكذا القضاعي (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي رجلا وهو يقول أقل إلى آخره. وظاهر صنيعه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه. في إسناده ضعيف. اه. فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه من كلامه ما عقبه به من بيان علته غير مرضي وإنما ضعفوا إسناده لأن فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه وقد ضعفهما الدارقطني وغيره. وقال ابن حبان يروي عن أبيه نسخة كلها موضوعة. اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي بلفظ: أقل من الدين تعش حرا وأقل من الذنوب يهن عليك الموت وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس وقال حديث لا يصح الحديث: 1358 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 1359 - (أقل) ندبا وإرشادا (الخروج) أي من الخروج من محلك (بعد هدأة) بفتح فسكون (الرجل) بكسر فسكون: أي بعد سكون الناس عن المشي في الطريق ليلا والهدوء السكون (فإن لله تعالى دواب ينبثهن) أي يفرقهن وينشرهن [ص: 73] (في الأرض تلك الساعة) أي بالليل فإذا خرجتم تلك الساعة فإما أن تؤذوهم أو يؤذوكم: أي يؤذي بعضكم بعضهم وبعضهم بعضكم فالأحوط الأسلم الكف عن الانتشار ساعتئذ. وعبر بقوله أقل دون لا تخرج إشارة إلى أن الخروج لما لابد منه مأذون فيه فالمأمور بالكف عنه ما عنه بد فحسب (ك) في الأدب (عن جابر) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا أحمد وأبو داود الحديث: 1359 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 1360 - (أقل الدخول على الأغنياء) بالمال (فإنه) أي إقلال الدخول عليهم (أحرى) أي أجدر وأليق (أن لا تزدروا) وتحتقروا وتنتقصوا (نعم الله عز وجل) التي أنعم بها عليكم لأن الإنسان حسود غيور بالطبع فإذا نظر إلى ما من الله به على غيره حملته الغيرة والحسد والكفران والسخط وعبر بأفلوا دون لا تدخلوا لأنه قد تدعو إلى الدخول حاجة ولهذا قال ابن عون: صحبت الأغنياء فلم أر أحدا أكثرهما مني. أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي وصحبت الفقراء فاسترحت. وفي الحديث ندب التقليل من الدنيا والاكتفاء بالقليل كما كان عليه السلف ومن مفاسد مخالطة الأغنياء الاستكثار من الدنيا والتشبه بهم في جمع الحطام والاشتغال بذلك عن عبادة الرب المالك (حم د ن عن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين وشد الخاء المعجمتين: ابن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور الحاكم وصححه وأقره الذهبي لكن جابر بن يزيد أحد رجاله قال أبو زرعة: لا أعرفه الحديث: 1360 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 1361 - (أقلي) خطاب لعائشة والحكم عام (من المعاذير) أي لا تكثري من إبداء الأعذار لمن تعتذرين إليه لأنه قد يورث ريبة أو تهمة أو يجدد حادثا كما أن المعتذر إليه لا ينبغي أن يكثر من العتاب كما قيل: إلى كم يكون العتب في كل ساعة. . . ولم لا تملين القطيعة والهجرا رويدك إن الدهر فيه كفاية. . . لتفريق ذات البين فانتظر الدهرا (فإن قلت) لم قال أقلي ولم يقل لا تعتذري (قلت) لما أن ترك الاعتذار بالكلية غير لائق لما فيه من الاستهانة بشأن الصديق وقلة المبالاة به ومن ثم قالت الحكماء: ترك الاعتذار دليل على قلة الاكتراث بالصديق فأشار إلى أن الأولى التوسط بين حالتي تركه وفعله (فر عن عائشة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه محمد بن عمار بن حفص قال الذهبي لينه البخاري وحارثة بن محمد تركوه الحديث: 1361 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 1362 - (أقم الصلاة) عدل أركانها واحفظها عن وقوع زيغ في أفعالها من أقام العود إذا قومه وقامت السوق (وأد الزكاة) إلى مستحقيها (وصم رمضان) حيث لا عذر من مرض أو سفر (وحج البيت) الكعبة (واعتمر) أي ائت بالعمرة إن استطعت إلى ذلك سبيلا (وبر والديك) أي أحسن إليهما وأمك آكد (وصل رحمك) أي قرابتك وإن بعدت (وأقر (1) الضيف) الذي نزل بك (وأمر بالمعروف) أي بما عرف من الطاعة والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل (وانه عن المنكر) [ص: 74] أي ما أنكره الشرع من المعاصي والفواحش (وزل مع الحق حيث زال) أي در معه كيفما دار وفيه حجة لمن ذهب لوجوب العمرة (تخ ك) في البر والصلة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته وما درى أن الذهبي رد على الحاكم تصحيحه بأن فيه محمد بن سليمان بن مسمول ضعيف   (1) في المصباح قريت الضيف أقريه من باب رمي قرى بالكسر والقصر اه الحديث: 1362 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 1363 - (أقيلوا) أيها الأئمة: من الإقالة وهي الترك (ذوي الهيئات) جمع هيئة قال القاضي: وهي في الأصل صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة فتصير بسببها مقول عليها أنها واحدة ثم أطلق على الخصلة فيقال لفلان هيئات أي خصال والمراد هنا أهل المروءة والخصال الحميدة التي تأتي عليهم الطباع وتجمع بهم الإنسانية والألفة أن يرضوا لأنفسهم بنسبة الفساد والشر إليها (عثراتهم) زلاتهم: أي ذنوبهم. وهل هي الصغائر أو أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع؟ وجهان للشافعية وكلام ابن عبد السلام مصرح بترجيح الأول فإنه عبر بالصغائر ويقال لا يجوز تعزير الأولياء على الصغائر وزعم سقوط الولاية بها جهل قبيح ونازعه الأذرعي بما ليس بصحيح (إلا الحدود) أي إلا ما يوجب الحدود إذا بلغت الإمام وإلا الحقوق البشرية فإن كلا منهما يقام فالمأمور بالعفو عنه هفوة أو زلة لا حد فيها وهي من حقوق الحق فلا يعزر عليها وإن رفعت إليه. نعم يندب لمن جاءه نادم أقر بموجب حد أن يأمره بستر نفسه ويشير إليه بالكتم كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكما لم يستفصل من قال: أصبت حدا فأقمه علي. قال البيضاوي: وقوله إلا الحدود إن أريد بالعثرات صغائر الذنوب وما يندر عنهم من الخطايا فالاستثناء منقطع أو الذنوب مطلقا وبالحدود ما يوجبها فالاستثناء متصل. وخرج بذوي الهيئات من عرف بالأذى والعناد بين العباد فلا يقال له عثار بل تضرم عليه النار (حم خدد) وكذا النسائي كلهم (عن عائشة) قال المنذري: وفيه عبد الملك بن زيد العدوي ضعيف وقال ابن عدي: الحديث منكر بهذا الإسناد. قال أعني المنذري: وروي من أوجه أخر ليس منها شيء يثبت. وقال في المنار في إسناد أبي داود انقطاع وأطال في بيانه. والحاصل أنه ضعيف وله شواهد ترقيه إلى الحسن ومن زعم وضعه كالقزويني أفرط أو حسنه كالعلائي فرط الحديث: 1363 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 1364 - (أقيلوا) أيها الحكام وأصحاب الحقوق ندبا (السخي) أي الكريم الذي لا يعرف الشر كما أشار إليه نص الشافعي رضي الله عنه (زلته) الواقعة منه على سبيل الندور (فإن الله آخذ بيده) أي ملاحظ له بالرحمة والعطف (كلما عثر) بعين مهملة ومثلثة زل يقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم. وفي إفهامه أن البخيل لا تقال عثرته وأن الظالم بوضع المنع موضع البر لا يأخذ الكريم بيده إذا عثر بل يرديه في النار {وما للظالمين من أنصار} (الخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف في ذلك (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: ليث بن سليم مختلف فيه ورواه الطبراني وأبو نعيم من حديث ابن مسعود بنحوه بسند ضعيف رواه ابن الجوزي في الموضوع من طريق الدارقطني اه. وفي الميزان لا يصح في هذا شيء الحديث: 1364 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 1365 - (أقيموا) وجوبا (حدود الله) أيها الحكام إذا بلغتكم وثبت مقتضيها لديكم (في البعيد والقريب) في القوي والضعيف وأبعد من قال البعد والقرب في النسب (ولا تأخذكم في الله لومة لائم) عطف على أقيموا تأكيدا للأمر ويجوز كونه خبرا بمعنى النهي سواء كان في الغزو أم غيره ويكفي العموم حجة ومن خص الغزو طولب بحجة فالواجب علينا أن نتصلب في دين الله ونستعمل الجد والمتانة فيه ولا يأخذنا اللين والهوان في دين الله في استيفاء حدوده بل نسوي بين البعيد والقريب والبغيض والحبيب وكفى برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حيث قال لو سرقت [ص: 75] فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لقطعتها. قال ابن حجر كالقرطبي: يندب الستر على المسلم ما لم يبلغ الإمام (هـ عن عبادة) ابن الصامت قال الذهبي: إسناده واه جدا وقال المنذري: رواته ثقات إلا أن ربيعة بن ماجد لم يروه عنه إلا أبو صادق الحديث: 1365 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 1366 - (أقيموا الصفوف) أي سووها في الصلاة (وحاذوا بالمناكب) أي اجعلوا بعضها في محاذاة بعض بحيث يصير منكب كل من المصلين مسامتا لمنكب الآخر فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد (وأنصتوا) لقراءة إمامكم ندبا وإن كنتم لا تسمعون قراءته لكون الصلاة سرية أو جهرية وثم مانع كبعد أو لغط على ما يقتضيه هذا اللفظ ووجهه بقوله (فإن أجر المنصت الذي لا يسمع) قراءة الإمام (كأجر المنصت الذي يسمع) قراءته ولا أدري من أخذ بقضية هذا من المجتهدين فأما مذهب الشافعية فهو إن سمع المأموم قراءة إمامه أنصت له وإلا فلا <تنبيه> قال ابن عربي: إنما شرعت الصفوف في الصلاة ليتذكر الإنسان بها وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة في ذلك الموطن المهول والشفعاء من الأنبياء والملائكة والمؤمنين بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف وصفوفهم في الصلاة كصفوف الملائكة عند الله وقد أمرنا الحق تعالى أن نصطف في الصلاة كما تصف الملائكة وإن كانت الملائكة لا يلزم من خلل صفها - لو اتفق أن يدخلها خلل: أعني ملائكة السماء - دخول الشياطين لأن السماء ليست بمحل لهم وإنما يتراصون لتناسب الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض فتنزل متصلة إلى صفوف المصلين فتعمهم تلك الأنوار فإن كان في صف المصلين خلل دخلت فيه الشياطين أحرقتهم تلك الأنوار (عب عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) الفقيه العمري. قال ابن عجلان: ما هبت أحدا مثله وقال الأعرج لا يريني الله يومه (وعن عثمان بن عفان موقوفا) عليه الحديث: 1366 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 1367 - (أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة) جاء بيانه في خبر كيف تصف الملائكة؟ قال: يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون (وحاذوا) قابلوا (بين المناكب) أي اجعلوا منكب كل مسامتا لمنكب الآخر (وسدوا الخلل) بفتحتين: الفرج التي في الصفوف (ولينوا) بكسر فسكون من لان يلين لينا فهو لين. ومنه خبر: خياركم ألينكم مناكب فأفعل التفضيل لا يستعمل إلا من ثلاثي (بأيدي إخوانكم) أي إذا جاء من يريد الدخول في الصف فوضع يده على منكبه لان وأوسع له ليدخل. ومن زعم أن معنى لين المنكب السكون والخشوع فقد أبعد (ولا تذروا) لا تتركوا (فرجات) بالتنوين جمع فرجة وهي كل فرجة بين شيئين (للشيطان) إبليس أو أعم. وفيه إيماء إلى منع كل سبب يؤدي لدخوله كما أمر بوضع يده على فيه عند التثاؤب (ومن وصل صفا) بوقوفه فيه (وصله الله) برحمته ورفع درجته وقربه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار (ومن قطع صفا) بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من بالصف فرجة بلا حاجة (قطعه الله) أي أبعده من ثوابه ومزيد رحمته إذ الجزاء من جنس العمل فيسن انضمام المصلين بعضهم لبعض ليس بينهم فرجة ولا خلل كأنهم بنيان مرصوص <تنبيه> قال ابن حجر: قد ورد الأمر بتعديل الصف وسد خلله والترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة أجمعها هذا [ص: 76] الحديث (حم د طب عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه ابن خزيمة والحاكم الحديث: 1367 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 1368 - (أقيموا الصفوف في الصلاة) عدلوها وسووها باعتدال القائمين بها: من أقام العود إذا قومه. ذكره القاضي قال أبو زرعة: والأمر للندب بدليل قوله (فإن إقامة الصف من حسن) تمام إقامة (الصلاة) إذ لو كان فرضا لم يجعله من تمام حسنها لأن حسن الشيء وتمامه أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وثبت قوله تمام في رواية البخاري لأبي الوقت وإنما أمر به لما فيه من حسن الهيئة وعدم تخلل الشياطين بينهم وتمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم. والمراد بالصف الجنس ويدخل فيه استواء القائمين على سمت والتلاصق وتتميم الصفوف المقدمة الأول فالأول (م عن أبي هريرة) ورواه عنه البخاري في آخر حديث ولفظه: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين وأقيموا الصف في الصلاة إلى آخره الحديث: 1368 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 1369 - (أقيموا صفوفكم) سووها (فو الله لتقيمن) بضم الميم أصله لتقيمون (صفوفكم أو ليخالفن الله) أي ليوقعن الله المخالفة (بين قلوبكم) قال البيضاوي: اللام فيه التي يتلقى بها القسم وهنا القسم مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة وأو للعطف. ردد بين تسويتهم صفوفهم ومن هو كاللازم لنقيضها وهو اختلاف القلوب فإن تقدم الخارج عن الصف يفوت على الداخل وذلك يجر إلى الضغائن بينهم فتختلف قلوبهم واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجوه المعبر به في خبر سيجيء بإعراض بعضهم عن بعض وهذا جزاء من جنس العمل كخبر من قتل نفسه بحديدة عذب بها. وقال النووي: الظاهر أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجه فلان إذا ظهر على وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن اه: وقال الطيبي: الوجه أن المراد باختلاف الوجوه اختلاف الكلمة وتهييج الفتن ولعله أراد الفتن التي وقعت بين الصحابة اه. وتسوية الصفوف سنة مؤكدة وصرفه عن الوجوب الدال عليه الوعيد على تركه الإجماع فهو من باب التغليظ والتشديد تأكيدا أو تحريضا على فعلها وفيه جواز الحلف بالله لغير ضرورة (د عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه الحديث: 1369 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 1370 - (أقيموا) سووا (صفوفكم) أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي (وتراصوا) بضم المهملة المشددة: أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم (فإني) الفاء للسببية (أراكم) رؤية حقيقية (من وراء ظهري) أي من خلفي بأن خلق الله له إدراكا من خلفه كما يشعر بذلك التعبير بمن الابتدائية فمبدأ الرؤية من خلف. قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى سبب الأمر: أي إنما أمرت لتحققي منكم خلافه. والقول بأنه كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب متعقب بالرد. قال ابن حجر: وفي حديث النعمان عند مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما كاد أن يكبر. قال القونوي: وفي الأحاديث إشعار بأن هذا الحال كان مخصوصا بالصلاة فإن لم يرد أن هذا الحال كان مستصحبا وذلك لأن حضرة الحق التامة والمحاذاة الكاملة المستلزمة لعموم نور الحق جميع جهاته في الصلاة وأذاعت المقابلة وصححت المحاذاة كمال اكتساب النور (خ ن عن أنس) بن مالك قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ثم ذكره وفي رواية للبخاري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه الحديث: 1370 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 [ص: 77] 1371 - (أقيموا صفوفكم) باعتدال القائمين بها على سمت واحد وبسد الخلل منها (وتراصوا) بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل. قال ابن حجر: ويحتمل كونه تأكيدا لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وفي قبضته (إني لأرى) بلام الابتداء لتأكيد مضمون الجملة (الشياطين) أي جنسهم (بين صفوفكم) يتخللونها (كأنهم غنم عفر) أي بيض ليس بياضها بناصع قالوا: ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم الصف في الصلاة كصفوف الملائكة وفيه جواز القسم بما ذكر أو نحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى ويكون يمينا أطلق أو نوى الله. قال الشافعية: ولو قال قصدت غيره لم يدين (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) بن مالك الحديث: 1371 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 1372 - (أقيموا الركوع والسجود) أي أكملوهما وفي رواية أتموا (فو الله إني لأراكم) بقوة إبصار أدرك بها ولا يلزم رؤيتنا ذلك وإنما خص نفسه بالذكر ولم يسنده للحق لبعثه شهيدا عليهم وحضا لهم على مقام الإحسان (من بعدي) وفي نسخ من بعد ظهري كما يفسره ما قبله: يعني بخلق حاسة باصرة فيه وقد انخرقت له العادة بأعظم من ذلك فلا مانع له من جهة العقل وقد ورد به الشرع فوجب قبوله ومن حمله على بعد موتي فقد خالف الظاهر (إذا ركعتم وإذا سجدتم) حث على الإقامة ومنع عن التقصير فإن تقصيرهم إذا لم يخف على الرسول فكيف يخفى على من أرسله وكشف له وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة وحثهم على طاعته (ق عن أنس) بن مالك الحديث: 1372 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 1373 - (أقيموا الصلاة) أخبر بأقيموا دون صلوا إشارة إلى أن المطلوب أن يكون همك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم (وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا) إن استطعتم إلى ذلك سبيلا (واستقيموا) دوموا على تلك الطاعة واثبتوا على الإيمان (يستقم بكم) بالبناء للمفعول: أي فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع الخلق وهذا إشارة إلى طلب قطع كل ما سوى الله عن مجرى النظر (طب عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي وفيه عمران القطان استشهد به البخاري وضعفه آخرون الحديث: 1373 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 1374 - (أكبر الكبائر الإشراك بالله) يعني الكفر. وآثر لفظ الإشراك لغلبته في العرف (وقتل النفس) المحترمة بغير حق (وعقوق الوالدين) أو أحدهما بقطع صلتهما أو مخالفتهما في غير معصية قال ابن العربي: جعل بر الأصل ثاني التوحيد كما جعله في ضمن حق الله في حديث رضى الرب في رضى الوالد وناهيك بذلك (وشهادة الزور) أي الشهادة بالكذب يتوصل بها إلى باطل وإن قل وظاهر التركيب يقتضي حصر الكبائر فيها وليس بمراد بل ذكر الأربعة من قبيل ذكر البعض الذي هو أكبر كما سبق. والكفر أكبر مطلقا ثم القتل والباقي على معنى من (خ عن أنس) بن مالك الحديث: 1374 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 1375 - (أكبر الكبائر حب الدنيا) لأن حبها رأس كل خطيئة كما يأتي في خبر فهي أصل المفاسد ولأنها ضرة الآخرة [ص: 78] فمهما أرضيت هذه أغضبت هذه كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعد زمن الآخر وهما كقدحين أحدهما مملوءا فبقدر ما يصب في الآخر حتى يمتلئ يفرغ من الآخر قال الحسن البصري: ومن علامة حب الدنيا أن يكون دائم البطنة قليل الفطنة همه بطنه وفرجه فهو يقول في النهار متى يدخل الليل حتى أنام ويقول في الليل متى أصبح من الليل حتى ألهو وألعب وأجالس الناس في اللغو وأسأل عن حالهم (فر عن ابن مسعود) رمز لضعفه ووجهه أن فيه حمد بن أبو سهيل قال في الميزان طعن ابن منده في اعتقاده الحديث: 1375 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 1376 - (أكبر الكبائر سوء الظن بالله) فهو أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر لأنه يؤدي إليه {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} والله تعالى عند ظن عبده به لكن كما يجب على العبد إحسان الظن بربه يجب عليه أن يخاف عقابه ويخشى عذابه فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين طريق الأمن وطريق اليأس وطريق الرجاء والخوف هو العدل بينهما فمتى فقدت الرجاء وقعت في طريق الخوف ومتى فقدت الخوف وقعت في طريق الأمن {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} فطريق الاستقامة ممتد بينهما فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت فيجب أن تنظر إليهما جميعا وتركب منهما طريقا دقيقا وتسلكه. نسأل الله السلامة (واعلم) أن النفس إذا كانت ذات شره وشهوة غالية فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق فأظلمت الصدر فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف فصار الصدر مظلما وجاءت النفس بهواجسها وتخليطها واضطربت فظن العبد أن الله لا يعطف عليه ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه ونحو ذلك وهذا من سوء الظن بالله وصل إلى حال اليأس من الرحمة ووقع في القنوط كفر (فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لضعفه وظاهر صنيعه أن الديلمي أسنده والأمر بخلافه بل بيض له ولم يذكر سندا وقال ابن حجر في الفتح خرجه ابن مردويه عن ابن عمر يرفعه بسند ضعيف الحديث: 1376 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 1377 - (أكبر أمتي) أي من أعظمهم قدرا (الذين لم يعطوا فيبطروا) أي يطغوا عند النعمة (ولم يقتر) أي يضيق (عليهم) في الرزق (فيسألوا) الناس: يعني الذين ليسوا بأغنياء إلى الغاية ولا فقراء إلى الغاية وهم أهل الكفاف والمراد من أكبرهم أجرا لشكرهم على ما أعطوا وصبرهم على الكفاف (تخ والبغوي) أبو القاسم (وابن شاهين) الأنصاري كلاهما في الصحابة من طريق شريك بن أبي عز (عن الجذع) ويقال ابن الجزع (الأنصاري) قال أبو موسى لا أدري هو ثعلبة بن زيد أو آخر. قال ابن حجر: قلت بل هو غيره الحديث: 1377 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 1378 - (اكتحلوا بالإثمد) الحجر المعدني المعروف وقيل كحل أصبهاني أسود (المروح) بالبناء للمفعول: أي المطيب بنحو مسك كأنه جعل له رائحة بعد أن لم تكن (فإنه يجلو البصر) أي يزيد نور العين (وينبت الشعر) أي شعر الأهداب جمع هدب وإنبات شعرها مرمة للعين لأن الإشعار ستر الناظر ولولاها لم يقو الناظر على النظر فإنما يعمل ناظر العين من تحت الشعر فالكحل ينبته وهو مرمته وأما جلاء البصر فإنه يذهب بغشاوته وما يتحلب من الماق ومن فضول الدموع والبلة طبيعية ينشفه الإثمد ويمنع الغشاء والغين عن الحدقة. قال ابن محمود شارح أبي داود وتحصل سنة الإكتحال بتوليه بنفسه وفعل غيره بأمره وينشأ عنه جواز الوكالة في العبادة. اه. وأقول القياس الحصول ولو بلا أمر حيث قارنت نيته فعل غيره كما لو وضأه غيره بغير إذنه أولى (حم عن أبي النعمان الأنصاري) [ص: 79] لم أره في أسد الغابة ولا في التجريد والذي فيهما أبو النعمان الأزدي وأبو النعمان غير منسوب. فليحرر الحديث: 1378 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 1379 - (أكثر أهل الجنة البله) بضم فسكون: أي الغافلون عن الشر المطبوعون على الخير أو الذين خلوا عن الدهاء والمكر وغلبت عليهم سلامة الصدر وهم عقلاء قال الزبرقان خير أولادنا الأبله العقول وقال: ولقد لهوت بطفلة ميالة. . . بلهاء تطلعني على أسرارها قال الزمخشري في صفة الصلحاء: هينون لينون غير أن لا هوادة في الحق ولا دهانة بله خلان غوصهم على الحقائق يعمر الألباب والأذهان وذلك لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها فأقبلوا على آخرتهم فشغلوا بها فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهلها. وقال الغزالي: الأبله البليد في أمور الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بعلوم الدنيا والآخرة جميعا وهما علمان متنافيان. فمن صرف عنايته إلى أحدهما قصرت بصيرته عن الأخرى على الأكثر ولذلك ضرب علي كرم الله وجهه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما كفتي ميزان وكالمشرق والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى ولذلك ترى الأكياس في علم الدنيا وفي علم الطب والهندسة والحساب والفلسفة جهالا في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالا بعلوم الدنيا غالبا لعدم وفاء قوة العقل بهما فيكون أحدهما مانعا من الكمال في الثاني (1) ولذلك قال الحسن: أدركنا أقواما لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوكم لقالوا شياطين فمهما سمعت أمرا غريبا من أمور الدين الذين جحده أهل الكياسة أو في سائر العلوم فلا ينفرنك جحودهم عن قبولها إذ من المحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في الغرب فكذا مجرى أمر الدنيا والآخرة فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن سخره الله لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس أما قلوب غيرهم فإذا اشتغلت بأمر الدنيا انصرفت عن الآخرة وعكسه اه (البزار) في مسنده (عن أنس) وظاهر صنيع المصنف أن البزار خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل ضعفه فعزوه له مع حذف ما عقبه به من تضعيفه غير سديد ووجه ضعفه ما قال الهيثمي إن فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح وغيره. وقال الزين العراقي في هذا الحديث قد صححه الدارقطني في التذكرة وليس كذلك فقد قال ابن عدي إنه منكر وسبقه له ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن عدي حديث منكر وقال الدارقطني تفرد به سلامة عن عقيل وهو ضعيف   (1) [إلا في النادر القليل ممن وهبه الله عقلا خارقا ودينا صافيا وقلبا منيرا والنادر لا حكم له. وذلك كله كما قال الغزالي في الغالب فقط وهو أيضا بشأن من طلب النبوغ في هذه العلوم فيضطر لتكريس ذهنه وجميع قواه لذلك أما بشأن غيره فالأمر بالعكس حيث يتصف المتمسك بالشريعة والمحب للآخرة بما لا يتصف به غيره من مقومات النجاح الباهر كالإخلاص في القصد وفي النصح وكقوة الهمة وتأييد المولى العزيز كما هو مشاهد بين الصغار والكبار من المدارس إلى المهن على اختلافها فليتنبه (وانظر شرح الحديث 4187) دار الحديث] الحديث: 1379 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 1380 - (أكثر خرز الدنيا) لفظ رواية أبي نعيم: أكثر خرز أهل الجنة وهو كذلك في نسخ (العقيق) بفتح العين المهملة وقافين أولهما مكسورة بينهما مثناة تحتية: أي هو أكثر حليهم الذين يحلون به ويحتمل أن المراد أنه أكثر خرزها الملقى في عرصاتها بمنزلة الحصى والرمال في الدنيا (حل) من حديث محمد بن الحسن بن قتيبة عن عبيد بن الغازي عن مسلم بن عبد الله الزاهد عن القاسم بن معين عن أخته أمينة عن عائشة بنت سعد (عن عائشة) أم المؤمنين هكذا رواه في نسخ ابن الحلية وفي بعضها بدل سالم مسلم بن ميمون الخواص الزاهد فأما مسلم بن عبد الله فقال في الميزان وهاه ابن حبان قال وله بلايا منها هذا الحديث وقال ابن الجوزي: هو كذاب وأما مسلم بن ميمون فعده الذهبي من الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن حبان بطل الاحتجاج به وقال أبو حاتم لا يكتب حديثه وقال غيره له مناكير ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال السخاوي طرق العقيق كلها ضعيفة واهية الحديث: 1380 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 1381 - (أكثر خطايا ابن آدم من) وفي رواية في (لسانه) لأنه أكثر أعضائه عملا وهو صغير جرمه عظيم جرمه فمن [ص: 80] أطلق عذبة لسانه مرخى العنان ملك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع (طب هب) من حديث أبي وائل (عن ابن مسعود) قال ارتقى ابن مسعود الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم. ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره. قال المنذري: رواة الطبراني رواة الصحيح وإسناد البيهقي حسن وقال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده حسن وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لضعفه الحديث: 1381 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 1382 - (أكثر عذاب القبر من) وفي رواية في (البول) أي من عدم التنزه منه لأن عدم التنزه منه يفسد الصلاة وهي عماد الدين وأفضل الأعمال وأول ما يحاسب عليه العبد فعذاب القبر حق عند أهل السنة وهو ما نقل متواترا فيجب اعتقاده ويكفر منكره. وقال الولي العراقي: وإنما كان أكثر عذاب القبر منه دون غيره من النجاسات لأن وقوع التقصير فيه أكثر لتكرره في اليوم والليلة ويحتمل أن يقال نبه بالبول على ما سواه فجميع النجاسات في معناه. اه. وفيه وجوب إزالة النجاسة لأن الوعيد لا يكون إلا على الواجب بل على كبيرة (حم هـ ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال الضياء المقدسي سنده حسن. قال مغلطاي: وما علم أن الترمذي سأل عنه البخاري فقال حديث صحيح. اه. وقال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له علة. قال المنذري وهو كما قال وأقره الذهبي الحديث: 1382 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 1383 - (أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل) أي الافتتان برجل زائغ (يتأول القرآن) أي شيئا من أحكامه أو غيرهما بتأويل باطل بحيث (يضعه على غير مواضعه) كتأويل الرافضة {مرج البحرين يلتقيان} أنهما علي وفاطمة {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين وكتأويل بعض المتصوفة {من ذا الذي يشفع عنده} أن المراد من ذي يعني النفس وتأويل المبتدعة مسطورة مشهورة فليراجعه من أراد (ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره) يعني الخلافة وهناك من هو مستجمع لشروطها وليس بمستجمع لها فإن فتنته شديدة لما يسفك بسببه من الدماء وينهب من الأموال ويستباح من الفروج والمحارم (طس عن عمر) ابن الخطاب وكلامه يوهم أنه غير معلول وليس بمقبول فقد أعله الهيثمي بأن فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو متروك الحديث: 1383 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 1384 - (أكثر منافقي أمتي قراؤها) أي الذين يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه فكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة. ذكره ابن الأثير. وقال الزمخشري: أراد بالنفاق الرياء لأن كلا منهما إرادة ما في الظاهر خلاف ما في الباطن. اه. وبسطه بعضهم فقال: أراد نفاق العمل لا الاعتقاد ولأن المنافق أظهر الإيمان بالله لله وأضمر عصمة دمه وماله. والمرائي أظهر بعلمه الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا والقارئ أظهر أنه يريد الله وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب ويرى نفسه أهلا له وينظر إلى عمله بعين الإجلال فأشبه المنافق واستويا في مخالفة الباطن <تنبيه> قال الغزالي: أحذر من خصال القراء الأربعة: الأمل والعجلة والكبر والحسد قال وهي علل تعتري سائر الناس عموما والقراء خصوصا ترى القارئ يطول الأمل فيوقعه في الكسل وتراه يستعجل على الخير فيقطع عنه وتراه [ص: 81] يحسد نظراءه على ما أتاهم الله من فضله فربما يبلغ به مبلغا يحمله على فضائح وقبائح لا يقدم عليها فاسق ولا فاجر ولهذا قال النووي: ما أخاف على ذمي إلا القراء والعلماء فاستنكروا منه ذلك فقال ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي. وقال عطاء: احذروا القراء واحذروني معهم فلو خالفت أودهم لي في رمانة أقول أنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر. وقال الفضيل لابنه: اشتروا دارا بعيدة عن القراء. ما لي والقوم إن ظهرت مني زلة قتلوني وإن ظهرت علي حسنة حسدوني ولذلك ترى الواحد منهم يتكبر على الناس ويستخف بهم معبسا وجهه كأنما يمن على الناس بما يصلي زيادة ركعتين أو كأنما جاءه من الله منشور بالجنة والبراءة من النار أو كأنه استيقن السعادة لنفسه والشقاوة لسائر الناس ثم مع ذلك يلبس لباس المتواضعين ويتماوت وهذا لا يليق بالتكبر والترفع ولا يلائمه بل ينافيه لكن الأعمى لا يبصر (حم طب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال في الميزان إسناده صالح (حم طب عن عقبة بن عامر طب عد عن عصمة بن مالك) قال الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وقال الهيثمي أحد أسانيد أحمد ثقات سند الطبراني فيه الفضل بن المختار ضعيف الحديث: 1384 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 1385 - (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) وفي رواية بالنفس وفسر بالعين وذلك لأن هذه الأمة فضلت باليقين على سائر الأمم فحجبوا أنفسهم بالشهوات فعوقبوا بآفة العين فإذا نظر أحدهم بعين الغفلة كانت عينه أعظم والذم له ألزم {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} فلما فضلهم الله باليقين لم يرض منهم أن ينظروا إلى الأشياء بعين الغفلة وتتعطل منة الله عليهم وتفضيله لهم. ذكره الحكيم (الطيالسي) أبو داود (تخ والحكيم) الترمذي (والبزار) في مسنده والضياء في المختارة كلهم عن جابر بن عبد الله قال الحافظ في الفتح سنده حسن وتبعه السخاوي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للبزار رجاله رجال الصحيح خلا طلب ابن حبيب ابن عمرو وهو ثقة الحديث: 1385 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 1386 - (أكثر الناس ذنوبا) وفي رواية أكثرهم خطايا (يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء وكشف الحقائق (أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه) أي شغله بما لا يعود عليه نفع أخروي لأن من كثر كلامه كثر سقطه وجازف ولم يتحر فتكثر ذنوبه من حيث لا يشعر وفي حديث معاذ: وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي خبر الترمذي مات رجل فقيل له أبشر بالجنة فقال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا تدري فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يخل بما يعنيه والإكثار من ذلك عده القوم من الأغراض النفسانية والأمراض القلبية التي التداوي منها من الفروض العينية. وعلاجه أن يستحضر أن وقتك أعز الأشياء عليك فتشغله بأعزها وهو الذكر وفي ذكر يوم القيامة إشعار بأن هذه الخصلة لا تكفر عن صاحبها بما يقع له من الأمراض والمصائب (ابن لال) أبو بكر (وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه (السجزي في) كتابه (الإبانة) عن أصول الديانة (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (عن سلمان) الفارسي الأسلمي عظيم الشأن من أهل بيعة الرضوان (موقوفا) عليه رمز المصنف لضعفه وفيه كلامان الأول أنه قد انجبر بتعدد طرقه كما ترى وذلك يرقيه إلى درجة الحسن بلا ريب وقد وقع له الإشارة إلى حسن أحاديث هذا الكتاب أوهى إسنادا [ص: 82] من هذا بمراحل لاعتضاده بما دون ذلك الثاني أن له طريقا جيدة أغفلها فلو ذكرها واقتصر عليها أو ضم إليها هذا لكان أصوب وهي ما رواه الطبراني بلفظ: أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل. اه. قال الهيثمي ورجاله ثقات. اه والخلف لفظي بين الحديثين عند التدقيق فضربه عن الطريق الموثقة وعدوله إلى المعللة ورمزه لتضعيفها من ضيق العطن كما لا يخفى على ذوي الفطن الحديث: 1386 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 1387 - (أكثر من أكلة كل يوم سرف) تمامه عند مخرجه البيهقي: والله لا يحب المسرفين. اه. وذلك لأن الأكلة فيه كافية لما دون الشبع وذلك أحسن لاعتدال البدن وأحفظ للحواس الظاهرة والباطنة. ومن علامات الساعة ظهور السمن في الرجال وما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه وما دخلت الحكمة معدة ملئت طعاما والمؤمن يأكل في معاء واحد والكافر في سبعة. وقال الحسن البصري: وددت أني أكلت أكلة من حلال فصارت في جوفي كالأجرة فإنه بلغني أنها تقيم في الماء ثلاث مئة سنة. وأخرج ابن الأنباري أن ابن العاص قال لمعاوية يوم الحكمين: أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم وما مضت عزمة رجل قط بات بطينا <تنبيه> قال ابن العربي: للجوع حال ومقام فحاله الخشوع والخضوع والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الرديئة. هذا حال الجوع للسالكين أما حاله للمحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة والتنزه عن أوصاف البشرية بالعزة الإلهية والسلطان الرباني ومقامه المقام الصمداني وهو مقام عال له أسرار وتجليات فهذا فائدة الجوع للمريد لا جوع العامة فإنه جوع صلاح المزاج وتنعيم البدن بالصحة فقط. والجوع يورث معرفة الشيطان. اه (هب عن عائشة) وفيه ابن لهيعة الحديث: 1387 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 1388 - (أكثرت عليكم) في استعمال (السواك) أي في شأنه وأمره وبالغت في تكرير طلبه منكم. وحقيق أن أفعل أو في إيراد الأخبار بالترغيب فيه وحقيق أن تطيعوا أو أطلت الكلام فيه وحق له ذلك لكثرة فوائده وجموم فضائله فمنها كما في الرونق: أنه يطهر الفم ويرضي الرب ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق ويذكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ بالشيب ويسوي الظهر ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت وغير ذلك قالوا: والحث عليه بتناول الفعل عند كل الصلوات والجمعة أولاها لأنه يوم ازدحام فشرع فيه تنظيف الفم تطيبا للنكهة الذي هو أقرب من الغسل <تنبيه> حكى الكرماني أنه روى بصيغة المجهول قال الطيبي: وفائدة هذا الأخبار مع كونهم عالمين إظهار الاهتمام بشأنه وتوخي ملازمتهم إياه لكونه مطهرة للفم مرضاة للرب (خ ن عن أنس) بن مالك الحديث: 1388 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 1389 - (أكثر أن تقول سبحان الملك القدوس) المنزه عن سمات النقص وصفات الحدوث (رب الملائكة والروح) عطف خاص على عام وهو جبريل أو ملك أعظم خلقا أو حاجب الله الذي يقوم بين يديه أو ملك له سبعون ألف وجه ولكل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله بها يخلق مع كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة أخرجه ابن جرير عن علي بسند ضعيف (جللت) أي عممت وطبقت (السماوات والأرض بالعزة) أي بالقوة والغلبة (والجبروت) فعلوت من الجبر وهو القهر وهذا الحديث قد بوب عليه في الأذكار: باب ما يقوله من بلي بالوحشة (ابن [ص: 83] السني والخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف فيها (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن البراء) بن عازب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يشكو إليه الوحشة فقال أكثر. إلخ فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب الحديث: 1389 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 1390 - (أكثر من الدعاء فإنه يرد القضاء المبرم) أي المحكم: يعني بالنسبة لما في لوح المحو والإثبات أو لما في صحف الملائكة لا للعلم الأزلي فإنه لا زيادة فيه ولا نقص. قال القاضي: والقضاء هو الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص والقدر تعلق تلك الأشياء بالإرادة في أوقاتها. اه. وابرام الشيء إحكامه. قال في الصحاح: أبرم الشيء أحكمه قال الزمخشري: ومن المجاز أبرم الأمر وأمر مبرم (أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أنس) وفيه عبد الله بن عبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء. وقال قال ابن معين ليس بشيء ورقم علامة الشيخين ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لأبي الشيخ مع وجود لبعض المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس المذكور الحديث: 1390 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 1391 - (أكثر من السجود) أي من تعدده بالإكثار من الركعات أو من إطالته والأول هو الملائم لقوله (فإنه) أي الشأن (وليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة) صحيحة (إلا رفعه الله بها درجة في الجنة) التي هي دار الثواب (وحط عنه بها خطيئة) أي محا عنه بها ذنبا من ذنوبه فلا يعاقبه عليه ولا بدع في كون الشيء الواحد يكون رافعا ومكفرا كما سبق ويجيء (ابن سعد) في الطبقات (حم) كلاهما (عن أبي فاطمة) الحديث: 1391 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 1392 - (أكثر) يا عباس (الدعاء بالعافية) أي بدوامها واستمرارها عليك فإن من كملت له العافية علق قلبه بملاحظة مولاه وعوفي من التعلق بسواه. قال الديلمي وهذا قاله لعمه حين قال يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله (ك عن ابن عباس) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: يا عم أكثر إلخ ورواه عنه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي وفيه عند هلال بن جناب وهو ثقة وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات الحديث: 1392 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 1393 - (أكثر الصلاة) النافلة التي لا تشرع لها جماعة (في بيتك) أي في محل سكنك بيتا أو غيره (يكثر خير بيتك) لعود بركتها عليك (وسلم على من لقيت من أمتي) أمتي الإجابة (تكثر حسناتك) بقدر إكثارك السلام على من لقيته منهم عرفته أم لم تعرفه فالسلام سنة مؤكدة محثوث عليها (هب عن ابن عباس) الذي وقفت عليه في الشعب إنما هو عن أنس ثم إن فيه محمد بن يعقوب الذي أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير وعلي بن الجند قال في الذيل قال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم خبره موضوع وفي اللسان كأصله نحوه وعمرو بن دينار متفق على ضعفه الحديث: 1393 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 1394 - (أكثر من) قول (لا حول) أي تحويل للعبد عن معصية الله (ولا قوة) على طاعته (إلا بالله) أي إلا بأقداره وتوقيفه [ص: 84] (فإنها) أي الحوقلة (من كنز الجنة) يعني لقائلها ثواب نفيس مدخر في الجنة فهو كالكنز في كونه نفيسا مدخرا لاحتوائها على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة عنه وأثبت لله وحده على سبيل الحصر لم يخرج عن ملكه وملكوته (ع طب عن أبي أيوب) الأنصاري الحديث: 1394 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 1395 - (أكثر ذكر الموت) في كل حال وعند نحو الضحك وعروض العجب وما أشبه ذلك آكد (فإن ذكره يسلبك) من السلو وهو الترك بلا ندامة وفي تذكرة القرطبي قيل يا رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال نعم من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة. وقال السدي في قوله تعالى {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} أي أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا (عما سواه) لأن من يذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاءه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب عليه من طلب الآجلة. قال الراغب: والذكر وجود الشيء في القلب أو في اللسان: وذلك أن الشيء له أربع وجودات: وجوده في ذاته ووجوده في قلب الإنسان ووجوده في لفظه ووجوده في كتابته فوجوده في ذاته سبب لوجوده في القلب ووجوده في القلب سبب لوجوده في اللسان ولوجوده في الكتابة. وقد يقال للوجودين أي الوجود في القلب والوجود في اللسان الذكر ولا اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن عن ذكر في القلب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذكر الموت) أي كتابه المصنف فيما ورد من ذلك (عن سفيان) الثوري أحد أعلام الأمة وزهادها قالوا لم ير مثله (عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمهملة ابن الحارث القاضي (مرسلا) ولاه عمر قضاء الكوفة سمع عمرو وعليا فهو تابعي الحديث: 1395 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 1396 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع أما بمهملة فمعناه مزيل الشيء من أصله (اللذات الموت) بجره عطف بيان وبرفعه مبتدأ محذوف وبنصبه بتقدير أعني. قال الطيبي: شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما عليه من التردد إلى دار القرار وفيه ندب ذكر الموت بل أكثريته لأنه أزجر للمعصية وأدعى للطاعة (ت ن هـ ل هب عن أبي هريرة طس حل هب عن أنس) بن مالك (حل) عن عمر بن الخطاب الحديث: 1396 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 1397 - (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا) يعني المنافقين ومن ألحق بهم فمن استولت عليهم الغفلات واستغرق في اللذات وترك الآخرة وراء ظهره وانهمك في فسقه في سره وجهره وإن مكثر الذكر (مجنون) وفي رواية لعبد بن حميد حتى يقال إنه مجنون أي لا تلتفتوا لعذلهم الناشئ عن مرض قلوبهم لعظم فائدة الذكر إذ به يستنير القلب ويتسع الصدر ويمتلئ فرحا وسرورا وشرف الذكر تابع لشرف المذكور وشرف العلم تابع لشرف المعلوم وشرف الشيء بسبب الحاجة إليه وليست حاجة الأرواح بشيء أعظم من ذكر بارئها والابتهاج به <تنبيه> قال في الأذكار لا إله إلا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة الأجلة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول إلا إله إلا الله لأهل الخلوة وأمرهم بالمداومة عليها وقالوا أنفع علاج في ذكر الوسوسة الإقبال على ذكر الله وإكثاره وأخذ المؤلف من هذا الحديث ونحوه أن ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل [ص: 85] لا كراهة فيه (1) ذكره في فتاويه الحديثية وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي به بين الأحاديث الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الإسرار بها (حم ع حب ك هب عن سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع لتصحيح الحاكم له وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في أماليه على كونه حسنا وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى فيه دراج ضعفه جمع وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات   (1) هذا مردود بقوله صلى الله عليه وسلم جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم. الحديث الحديث: 1397 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 1398 - (أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون) أي إلى أن يقول إن إكثاركم لذكره إنما هو رياء وسمعة لا إخلاصا يعني أكثروا ذكره وإن رموكم بذلك فإنه لا يضركم كيدهم شيئا والله مع الصابرين الذاكرين (ص حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (هب عن أبي الجوزاء) بفتح الجيم وسكون الواو وبالزاي واسمه أوس بفتح الهمزة وسكون الواو ابن عبد الله الربعي بفتح الراء المشددة والموحدة تابعي كبير الحديث: 1398 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 1399 - (أكثروا ذكر هاذم اللذات) قال الغزالي: أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله (فإنه) أي الموت (لا يكون في كثير) من الأمل والدنيا (إلا قلله) أي صيره قليلا (ولا في قليل) من العمل (إلا أجزله) أي صيره جليلا عظيما كثيرا فإن العبد إذا قرب من نفسه موته وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر قالوا هذا الحديث كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإنه من ذكر الموت حقيقة ذكره نقص لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها أجلا وزهده فيما كان حقيقة منها يؤمل لكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام أكثروا إلى آخره مع قوله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} ما يكف السامع له ويشف الناظر فيه ومن ثم قال معبد الجهيني نعم مصلحة القلب ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويكف عزب التمني ويهون المصائب ويحول بين القلب والطغيان وقال الحكماء من ذكر المنية نسي الأمنية وقال الحافظ وجد مكتوبا على حجر لو رأيت يسير ما بقي من عمرك لزهدت في ما ترجو من أملك ولرغبت في الزيادة من عملك وأقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك غدا ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وتبرأ منك القريب وانصرف عنك الحبيب وقال التميمي: شيئان قطعا عني لذة النوم ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل وكان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقراء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة وكان النووي إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياما فإن سئل عن شيء قال لا أدري لا أدري وذكر عند المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل فأثنى عليه فقال كيف ذكره للموت فلم يذكر ذلك منه فقال ما هو كما تقولون وقال اللفاف: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة ومن نسيه عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته فيا للموت من وعد ما أصدقه ومن حاكم ما أعدله فكفى بالموت مفرحا للقلوب ومبكيا للعيون ومفرقا للجماعة وهاذما للذات وقاطعا للأمنيات (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مر النبي صلى الله وسلم بمجلس من مجالس الأنصار وهم يمزحون ويضحكون فذكره رمز المصنف لحسنه والأمر بخلافه فقد قال ابن الجوزي حديث لا يثبت الحديث: 1399 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 [ص: 86] 1400 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع وبمهملة مزيل وليس مرادا هنا كذا في روض السهيلي قال ابن حجر وفي ذا النفي نظر (اللذات) الموت (فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه) قال العسكري لو فكر البلغاء في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لعلموا أنه أتى بهذا القليل على كل ما قيل في ذكر الموت ووصف به نظما ونثرا ولهذا كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الموت يقطر جلده دما قيل ولا يدخل ذكر الموت بيتا إلا رضي أهله بما قسم لهم وقال أبو نواس ألا يا ابن الذين فنوا وماتوا. . . أما والله ما ماتوا لتبقى وقال أبو حمزة الخراساني: من أكثر ذكر الموت حبب إليه كل باق وبغض إليه كل فان. وقال القرطبي: ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة إلى الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالين ضيق وسعة ونعمة ومحنة فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت يسهل عليه ما هو فيه من الاغترار بها والركون إليها. وقال الغزالي: الموت خطر هائل وخطب عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل مشغول بالشهوات فلا ينجع ذكره فيه فالطريق أن يفرغ قلبه عن كل شيء إلا ذكر الموت الذي هو بين يديه كمن يريد السفر فإذا باشر ذكر الموت قلبه أثر فيه فيقل حركته وفرحه بالدنيا وينكسر قلبه وأنفع طريق فيه أن يذكر أشكاله فيتذكر موتهم ومصرعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في أحوالهم ومناصبهم التي كانوا عليها في الدنيا ويتأمل كيف محى التراب حسن صورهم وتبددت أجزاؤهم في قبورهم ويتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وخلت مجالسهم وانقطعت آثارهم (حب هب عن أبي هريرة) قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس وهم يضحكون فذكره وفيه عبد العزيز بن مسلم أي المدني أورده الدارقطني والذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال لا يعرف ومحمد بن عمرو بن علقمة ساقه فيهم أيضا وقال قال الجرجاني غير قوي وقواه غيره (البزار عن أنس) قال الهيثمي كالمنذري وإسناده حسن انتهى وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لصحته الحديث: 1400 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 1401 - (أكثروا ذكر الموت فإنه) أي ذكره (يمحص الذنوب) أي يزيلها (ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم) وذلك لأن نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعا لكل لذة حائلا بينه وبين كل أمينة ورآها أنفاسا معدودة وأوقاتا محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته فزهد في أمنيته ورضي بأدنى عيشته <تنبيه> قد أخذ بعض الشعراء هذا الحديث فقال: ماذا تقول وليس عندك حجة. . . لو قد أتاك منغص اللذات ماذا تقول إذا حللت محلة. . . ليس الثقات من أهلها بثقات وقال آخر: اذكر الموت هاذم اللذات. . . وتجهز لمصرع سوف يأتي (ابن أبي الدنيا) في ذكر الموت (عن أنس) قال الحافظ العراقي إسناده ضعيف جدا وفي الباب عن أبي سعيد عند [ص: 87] العسكري وغيره قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوجد الناس يكثرون فذكره الحديث: 1401 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 1402 - (أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر) أي ليلة الجمعة ويومها قدم الليلة على اليوم لسبقها في الوجود ووصفها بالغراء لكثرة الملائكة فيها وهم أنوار لخصوصيتها بتجل خاص واليوم بالأزهر لأنه أفضل أيام الأسبوع هذا قصارى ما قيل في توجيهه وأقول إنما سمي أزهر لأنه يضيء لأهله لأجل أن يمشوا في ضوئه يوم القيامة يرشد إلى ذلك ما قال الحاكم عن أبي موسى مرفوعا إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيأتها وتبعث الجمعة زهراء منيرة لأهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم يسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان لا يطرفون تعجبا حتى يدخلون الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون قال الحاكم خبر شاذ صحيح السند وأقره الذهبي (فإن حلاتكم تعرض علي) وكفى بالعبد شرفا ونبلا وفخرا ورقعة وقدرا أن يذكر اسمه بالخير بين يديه صلى الله عليه وسلم وتتمته كما في شرح مسند الشافعي للرافعي وغيره قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي بليت فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أي لأن أجسادهم نور والنور لا يتغير بل ينتقل من حالة إلى حالة (هب عن أبي هريرة عد عن أنس) بن مالك (ص) في سننه (عن الحسن) البصري (وخالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف (مرسلا) فقيه كبير ثبت مهاب مخلص يسبح في اليوم والليلة أربعين ألف تسبيحة ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال الحاقظ العراقي وفيه عبد المنعم بن بشير ضعفه ابني معين وحبان وقال إبن حجر: متفق على ضعفه الحديث: 1402 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 1403 - (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها) وذكر أبو طالب أن أقل الأكثرية ثلاث مئة مرة والوارد في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ألفاظ كثيرة أشهرها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم (هـ عن أبي الدرداء) تتمته قلت وبعد الموت قال وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال الدميري رجاله ثقات الحديث: 1403 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 1404 - (أكثروا من الصلاة علي في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي) والمراد أمة الإجابة (تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة) فإن قلت هذا العرض مقيد بكل جمعة وما سبق مطلق فكيف الجمع قلنا إما أن يحمل المطلق على المقيد إن صحت الطرق أو يقال العرض يوم الجمعة على وجه خاص وقبول خاص لأنه أفضل الأيام بالنسبة لأيام الأسبوع (هب) من حديث مكحول (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الذهبي في المهذب بأن مكحولا لم يلق أبا أمامة فهو منقطع الحديث: 1404 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 1405 - (أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا) أي بأعماله التي منها الصلاة باستحقاق رفعة [ص: 88] درجته وعلو منزلته (أو شافعا) شفاعة خاصة اعتناءا به (يوم القيامة) ووجه مناسبة الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها أن يوم الجمعة سيد الأيام والمصطفى سيد الأنام فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير تناله أمة في الدارين فإنما هو بواسطته وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة وهي بعثهم إلى قصورهم ومنازلهم في الجنة وكما أن لهم عيد في الدنيا فكذا في الآخرة فإنه يوم المزيد الذي يتجلى لهم الحق تعالى فيه وهذا حصل لهم بواسطة المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن شكره إكثار الصلاة عليه فيه (هب عن أنس) رمز المصننف لحسنه وليس كما قال فقد قال الذهبي: الأحاديث في هذا الباب عن أنس طرقها ضعيفة وفي هذا السند بخصوصه درست بن زياد وهاه أبو زرعة وغيره ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره متروك الحديث: 1405 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 1406 - (أكثروا الصلاة علي فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم) أي هي سبب لمغفرتها وعدم المواخذة بجرائمها (واطلبوا لي الدرجة الوسيلة فإن وسيلتي عند ربي شفاعتي) وفي نسخ شفاعته فليحرر. (لكم) أي لأهل النار من عصاة المؤمنين بمنع العذاب أو منع دوامه ولأهل الجنة برفع الدرجات وإجزال المثوبات (ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن ابن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنهما الحديث: 1406 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 1407 - (أكثروا من الصلاة على موسى) كليم الله وعلل ذلك بقوله (فما رأيت) أي علمت (أحدا من الأنبياء أحوط على أمتي) أي أكثر ذبا (منه) عنهم وأجلب لمصالحهم وأشفق عليهم وقد اهتم شأن هذه الأمة وأمر ليلة الإسراء لما فرض الله الصلاة عليهم خمسين بمراجعته المرة بعد المرة حتى صارت خمسا قال الفخر الرازي السبب في هذه الصلاة أن روح الإنسان ضعيفة لا تستعد لقبول الأنوار الإلهية فإذا استحكمت العلاقة بين روحه وأرواح الأنبياء فالأنوار الفائضة من عالم الغيب على أرواح الأنبياء تنعكس على أرواح المصلين عليهم بسبب إنعكاس مثال الشمس والطست المملوء ماء (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك الحديث: 1407 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 1408 - (أكثروا في الجنازة قول لا إله إلا الله) أي أكثروا حال تشييعكم للموتى من قولها سرا فإن بركة كلمة الشهادة تعود على الميت والمشيعين وهذا بظاهره يعارضه ما ذكره الشافعية من أفضلية السكوت والتفكير في شأن الموت وأهوال الآخرة (فرعن أنس) بن مالك بسند فيه مقال الحديث: 1408 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 1409 - (أكثروا من قول القرينتين) وهما (سبحان الله وبحمده) فإنهما يحطان الخطايا ويرفعان الدرجات كما يجىء في خبر والقرين الذي لا يفارق (ك في تاريخه عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه جماعة من رجال الشيعة كلهم متكلم فيهم الحديث: 1409 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 [ص: 89] 1410 - (أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله) أي أكثروا النطق بها على مطابقة القلب (قبل أن يحال بينكم وبينها) بالموت فلا تسطيعون الإتيان بها وما للعمر إذا ذهب مسترجع ولا للوقت إذا ضاع مستدرك (ولقنوها موتاكم) أي لا إله إلا الله فقط يعني من حضره الموت فيندب تلقينه لا إله إلا الله ولا يلقن محمد رسول الله خلافا لجمع ويلقن كلمة الشهادة مرة فقط بلا إلحاح ولا يقال له قل بل يذكرها عنده (ع عد) وكذا الخطيب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وتقدمه الحافظ العراقي مبينا لعلته فقال فيه موسى بن وردان مختلف فيه انتهى ولعله بالنسبة لطريق ابن عدي. أما طريق أبي يعلى فقد قال الحافظ الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير ضمام بن إسماعيل وهو ثقة انتهى وبذلك يعرف أن إطلاق رمز المصنف لضعفه غير جيد الحديث: 1410 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 1411 - (أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنوز الجنة) أي ثوابها نفيس مدخر في الجنة كما يدخر الكنز ويحفظ في الدنيا قال الأكمل إنما طريقه التشبيه شبه أنفس ثواب مدخر في الجنة بأنفس مال مدخر تحت الأرض في أن كل واحد منهما معد للانتفاع به بأبلغ انتفاع (عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف الحديث: 1411 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 1412 - (أكثروا من تلاوة القرآن في بيوتكم) أي أماكنكم التي تسكنوها بيتا أو غيره (فإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره ويكثر شره ويضيق على أهله) أي يضيق رزقه عليهم لأن البركة والنماء وزيادة الخير تابعة لكتاب الله فحيثما كان كانت وذلك بين العارفين كالمحسوس (خط في الأفراد عن أنس) ابن مالك (وجابر) ابن عبد الله ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده من حديث عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسلم عن سعيد بن يزيع وضعفه فرمز لحسنه غير حسن الحديث: 1412 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 1413 - (أكثروا من غرس الجنة فإنه عذب ماؤها طيب ترابها) بل هو أطيب الطيب إذ هو المسك والزعفران (فأكثروا من غراسها) وهو قول (لا حول ولا قوة) أي لا حركة ولا حيلة (إلا بالله) أي إلا بمشيئته وأقداره وتمكينه (طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي وفيه عقبة بن علي وهو ضعيف الحديث: 1413 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 1414 - (أكذب الناس) أي من أكثرهم كذبا (الصباغون والصواغون) صباغوا الثياب وصاغة الحلي لأنهم يمطلون بالمواعيد الكاذبة أو الذين يصبغون الكلام ويصوغونه أي يغيرونه ويزينونه بلا أصل وإرادة الحقيقة أقرب (حم عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في المهذب فيه فرقد السنجي وثقه ابن معين وقال أحمد ليس بقوي وقال الدارقطني وغيره ضعيف انتهى وقال السخاوي سنده مضطرب ولهذا أورده ابن الجوزي في العلل وقال [ص: 90] لا يصح وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه من هذا الوجه الحديث: 1414 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 1416 - (أكرم الناس) عند الله (أتقاهم) لأن أصل الكرم كثرة الخير فلما كان المتقي كثير الخير والفائدة في الدنيا وله الدرجات العليا في الآخرة كان أعم الناس كرما فهو أتقاهم فلا عبرة بظاهر الصور {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فرب حقير أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا (خ عن أبي هريرة) قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم وظاهر إفراد المصنف للبخاري بالعزو تفرد به عن صاحبه وهو عجيب فقد خرجه مسلم في المناقب عن أبي هريرة المذكور باللفظ المسطور ولفظه قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الإسلام إذا فقهوا الحديث: 1416 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 1415 - (أكرم المجالس) أي أشرفها (ما استقبل به القبلة) فيسن استقبالها في الجلوس للعبادات سيما الدعاء وأخذ منه النووي وغيره أن يسن للمدرس ونحوه أن يستقبل عند التدريس القبلة إن أمكن قال الواحدي القبلة الوجهة وهي الفعلة من المقابلة وأصل القبلة لغة الحالة التي يقابل الشخص غيره عليها لكنها الآن صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة وقال الهروي سميت قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله (طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري ورواه عنه أيضا أبو يعلى قال السمهودي وفي إسناد كل منهما متروك انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه الحديث: 1415 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 1417 - (أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) أي أكرمهم أصلا يوسف فإنه جمع شرف النبوة وشرف النسب وكونه ابن ثلاثة أنبياء متناسقة فهو رابع نبي في نسق واحد ولم يقع ذلك لغيره وضم له أشرف علم الرؤيا ورئاسة الدنيا وحياطة الرغبة وشفقته عليهم وقد يوجد في المفضول مزايا لا توجد في الفاضل فلا ينافي كون غيره أكرم على ربه منه وقول القاضي المراد أكرم الناس الذين هم أهل زمانه غير سديد لأن ما أطبقوا عليه منه التوجيه المذكور أعني قولهم لأنه جمع إلى آخره لا يلائمه (ق عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس فذكره قال الهيثمي وفيه عنده بقية مدلس وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورواه الطبراني عن أبي الأحوص وزاد بعد إسحاق ذبيح الله وبعد إبراهيم خليل الله الحديث: 1417 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 1418 - (أكرم شعرك) بصونه من نحو وسخ وقذر وإزالة ما اجتمع فيه من نحو قمل (وأحسن إليه) بترجيله ودهنه افعل ذلك عند الحاجة أو غبا ومن إكرامه دفن ما انفصل منه. قال في الفردوس كان لأبي قتادة جمة خشنة جعدة فكان يدهن في اليوم مرتين (ن عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي وابن منيع الحديث: 1418 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 1419 - (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) بأن تعلموهم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق وتخرجوهم في الفضائل وتمرنوهم على المطلوبات الشرعية ولم يرد إكرامهم بزينة الدنيا وشهواتها والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا واجتماع خصال الخير أو وضع الأشياء موضعها أو الأخذ بمكارم الأخلاق أو الوقوف مع كل مستحسن أو تعظيم من فوقك والرفق [ص: 91] بمن دونك أو الظرف وحسن التنازل أو مجالسة الخلق على بساط الصدق ومطالعة الحقائق بقطع العلائق قال بعض العارفين: الأدب طبقات فأكثر طبقات أدب أهل الدنيا في الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأشعار العرب وأدب أهل الدين رياضة النفس وترك الشهوات وأدب الخواص طهارة القلوب (هـ) وكذا القضاعي (عن أنس) وفيه سعيد ابن عمارة قال الذهبي قال الأزدي متروك عن الحارث بن النعمان قال في الميزان قال البخاري منكر الحديث ثم ساق له من مناكيره هذا الخبر الحديث: 1419 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 1420 - (أكرموا حملة القرآن) أي حفظته عن ظهر قلب بالإجلال والإحسان (فمن أكرمهم فقد أكرمني) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي ومن أكرمني فقد أكرم الله ألا فلا تنقصوا حملة القرآن حقوقهم فإنهم من الله بمكانة كاد حملة القرآن أن يكونوا أنبياء إلا أنهم لا يوحى إليهم انتهى بحروفه فحذفه غير جيد (فر) وكذا الدارقطني وعنه من طريقه خرجه الديلمي مصرحا فإهماله الأصل وعزوه للفرع غير لائق (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أعني الديلمي غريب جدا من رواية الأكابر عن الأصاغر انتهى قال السخاوي وفيه من لا يعرف وأحسبه غير صحيح انتهى وأقول فيه خلف الضرير أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن الجوزي روى حديثا منكرا كأنه يشير إلى هذا الحديث: 1420 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 1421 - (أكرموا المعزى) بكسر الميم وتفتح بالقصر والمد من الغنم خلاف الفنان (وامسحوا برغامها) بفتح الراء وبغين معجمة والأشهر مهملة فعلى الأول المراد مسح التراب عنها إذ الرغام بالفتح التراب وعلى الثاني ما يسيل من أنفها من نحو مخاط والأمر فيه للإصلاح والإرشاد (فإنها من دواب الجنة) أي نزلت منها أو تدخلها بعد الحشر أو من نوع ما في الجنة بمعنى أن في الجنة أشباهها وشبيه الشيء يكرم لأجله (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك انتهى ورواه عنه أيضا الديلمي بنحوه الحديث: 1421 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 1422 - (أكرموا المعزى وامسحوا الرغم عنها) رعاية وإصلاحا لها (وصلوا في مراحها) بضم الميم مأواها ليلا والأمر للإباحة (فإنها من دواب الجنة) على ما تقرر فيما قبله وجاء في أخبار أن الضأن كذلك وإنما أفرد المعزى هنا لأنه سئل عنها فذكره (عبد بن حميد) بغير إضافة كما مر (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 1422 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 1423 - (أكرموا الخبز) بسائر أنواعه لأن في إكرامه الرضى بالموجود من الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة وقول غالب القطان من كرامته أن لا ينتظر به الأدم غير جيد لما سبق أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ الصحة ومن كلام الحكماء الخبز يباس ولا يداس قال بعضهم ومن إكرامه أن لا يوضع الرغيف تحت القصعة ومن ثم أخرج الترمذي عن سفيان الثوري أنه كان يكره ذلك وكره بعض السلف أيضا وضع اللحم والآدام فوق الخبز قال زين الحفاظ العراقي وفيه نظر ففي الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع ثمرة على كسرة وقال هذه أدام هذه وقد يقال المكروه ما يلوثه ويقذره أو يغير رائحته كالسمك واللحم وأما التمر فلا يلوث ولا يغير (ك هب عن عائشة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفيه قصة ورواه البغوي في معجمه وابن قتيبة في غريبه عن ابن عباس ورواه ابن الصلاح [ص: 92] في طبقاته عن ابن عبدان بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ أكرموا الخبز فإن الله تعالى سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر الحديث: 1423 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 1424 - (أكرموا الخبز فإن الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله) لفظ رواية الطبراني فيما ذكره المؤلف عنه في الموضوعات فمن أكرم الخبز فقد أكرم الله فليحرر وإكرامه أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار قال الغزالي: وروى أن عابدا قرب إلى بعض إخوانه رغفانا فجعل يقلبها ليختار أجودها فقال له العابد: مه أي شيء تصنع أما علمت أن في الرغيف الذي رغبت عنه كذا وكذا حكمة وعمل فيه كذا وكذا صانع حتى استدار من السحاب الذي يحمل الماء والماء الذي يسقي الأرض والرياح وبني آدم والبهائم حتى صار إليك ثم بعد ذلك تقلبه أنت ولا ترضى به قال الغزالي: وفي الخبر لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل به ثلاث مئة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملائكة الهواء وداوب الأرض وآخر ذلك الخباز {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وروى الدارقطني عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقطع الخبز بالسكين وقال أكرموه فإن الله تعالى قد أكرمه قال الدارقطني تفرد به نوح بن مريم وهو متروك (طب عن أبي سكينة) نزيل حمص أو حماه ويقال اسمه محلم بن سوار قال الذهبي والأظهر أن حديثه مرسل انتهى وقال الهيثمي فيه خلف بن يحيى قاضي السربي وهو ضعيف وأبو سكينة قال ابن المدائني لا صحبة له وقال غيره فيه خلف بن يحيى قاضي الري قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب انتهى وأورده المصنف في الموضوعات كابن الجوزي الحديث: 1424 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 1425 - (أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء) يعني المطر (وأخرجه من بركات الأرض) أي من نباتها وذلك لأن الخبز غذاء البدن والغذاء قوام الأرواح وقد شرفه الله وجعله من أشرف الأرزاق وأنزله من بركات السماء نعمة منه فمن رمى به أو طرحه مطرح الرفض والهوان فقد سخط النعمة وكفرها وإذا جفا العبد نعمة نفرت منه وإذا نفرت منه لم تكد ترجع قال بعض العارفين: الدنيا ظئر والآخرة أم ولكل بنون يتبعونها فإذا جفوت الظئر نفرت وأعرضت وإذا جفوت الأم عطفت لأن الظئر ليس لها عطف الأمهات وهذه النعمة تخرج من هذه الأرض المسخرة فهي كالظئر تربيك (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن الحجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم (ابن عكاظ) ابن خالد بن نويرة (السلمي) النهري له بالمدينة مسجد ودار وهو والد نصر الذي نفاه عمر لحسنه (ابن منده) في تاريخ الصحابة وكذا المخلص والبغوي كلهم (عن عبد الله بن بريدة) تصغير بردة وهو أبو سهل الأسلمي قاضي مرو وعالمها (عن أبيه) بريدة بن الحصيب ورواه أبو نعيم في المعرفة والحلية قال السخاوي وكل هذه الطرق ضعيفة مضطربة وبعضها أشد في الضعف من بعض وقال الغلابي عن ابن معين أول هذا الحديث حق وآخره باطل وأورد المؤلف الحديث في الموضوعات تبعا لابن الجوزي الحديث: 1425 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 1426 - (أكرموا الخبز فإنه من بركات السماء) أي مطرها (والأرض) أي نباتها (من أكل ما سقط من السفرة) أي من فتات الخبز (غفر له) يعني محى الله عنه الصغائر فلا يعذبه عليها أما الكبائر فلا دخل لها هنا كما سيجيء له نظائر والسفرة [ص: 93] بالضم طعام يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة كذا ذكره في الصحاح وفى المصباح السفر طعام يصنع للمسافر وسميت الجلدة التي يوضع عليها سفرة مجازا وفي الأساس أكلوا السفرة وهي طعام السفر انتهى. وهذا يفهم أن ما يبسط ليوضع عليه الطعام لا يسمى سفرة إلا إذا كان طعام السفر ولكن الظاهر أنهم توسعوا فيه فأطلقوه على ما يبسط ليوضع فوقه مطلق الطعام وبذلك يتبين أن المغفرة الموعودة ليست مقصورة على لفظ ساقط سفرة السفر بل يشمل طعام الحاضر فتدبر (فائدة مهمة) أخرج أبو يعلى عن الحسن بن علي أنه دخل المتوضأ فأصاب لقمة أو قال كسرة في مجرى الغائط والبول فأخذها فأماط عنها الأذى ثم غسلها نعما ثم دفعها لغلامه فقال له ذكرني بها إذا توضأت فلما توضأ قال ناولنيها قال أكلتها قال اذهب فأنت حر قال لأي شيء قال سمعت فاطمة تذكر عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أخذ لقمة أو كسرة من مجرى الغائط والبول فأماط عنها الأذى وغسلها نعما أي جيدا ثم أكلها لم تستقر في بطنه حتى يغفر له فما كنت لاستخدم رجلا من أهل الجنة قال الهيثمي رجاله ثقات (طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن أم حرام) بحاء وراء مهملتين الأنصاري صحابي جليل ممن صلى إلى القبلتين قال الهيثمي فيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي لم أعرفه قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه غياث بن إبراهيم وضاع وتابعه عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي وهو كذاب انتهى وأقره على وضعه المؤلف في مختصر الموضوعات وفي الميزان عن ابن حبان أن عبد الملك هذا يسرق الحديث ثم أورد له هذا الخبر انتهى ورواه عنه أيضا البزار وابن قانع وغيرهم وطرق الحديث كلها مطعون فيها لكن صنيع الحافظ العراقي يؤذن بأنه شديد الضعف لا موضوع وأمثل طرقه الأول الحديث: 1426 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 1427 - (أكرموا العلماء) لعلمهم بأن تعاملوهم بالإجلال والإعظام وتوفوهم حقهم من التوقير والاحترام (فإنهم) حقيقيون بالإكرام إذ هم (ورثة الأنبياء) أراد به ما يشمل الرسل كما هو بين والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم قال بعض العارفين إنما يرث الإنسان أقرب الناس له رحما ونسبا وعملا فلما كان العلماء أقرب الناس إليهم وأجرأهم على عملهم ورثوهم حالا وفعلا وقولا وعملا ظاهرا وباطنا فعلم أنه إنما ينال هذا المنصب من عمل بعلمه فالعاملون به يستحقون الإكرام والإعظام لأنهم من الخلق أسراره وعلى الأرض أنواره وللدين أوتاد وعلى أعداء الله أجناد فهم لله أولياء وللأنبياء خلفاء {أولئك حزب الله} (تتمة) قال بعض العارفين: العلوم منحصرة في ثلاث علم يتعلق بالدنيا وأسبابها وما يصلح فيها وعلم يتعلق بالآخرة وما يوصل إليها وعلم يتعلق بالحق علم أذواق وشرب فالأنبياء جمعوا هذه العلوم ثم ورثها عنهم من تأهل لرتبة الوراثة وما عداهم فإنما يتعلق بالبعض (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 1427 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 1427 - (أكرموا العلماء) العاملين (فإنهم ورثة الأنبياء فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله) وجه أمره بإكرامهم في هذا وما قبله أن ما من أحد نال مقام الوراثة إلا وتعظم عداوة الجهال له لعلمهم بقبيح فعلهم وإنكارهم لما وافق الهوى منه ومن الجهال من يبعثه على عداوة العالم الحسد والبغي فيكره أن يكون لأحد عليه شفوف منزلة واختصاص بمزية (خط) في ترجمة أحمد البلخي من رواية ابن المكندر (عن جابر) قال الزيلعي كابن الجوزي حديث لا يصح فيه الحجاج بن حجرة قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال الدارقطني يضع الحديث انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه الحديث: 1427 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 1429 - (أكرموا بيوتكم) أي منازلكم التي تسكنوها وتأوون إليها (ببعض صلاتكم) أي بشيء من صلاتكم الناقلة فيها [ص: 94] (ولا تتخذوها قبورا) أي لا تجعلوها كالقبور في كونها خالية من الصلاة فيها معطلة عن الذكر والعبادة كالقبر المعطل عنها (عب وابن خزيمة) في صحيحه (ك) في صلاة التطوع عن عبد الله بن فروخ عن ابن جريج (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته وليس كما زعم وغره قول الحاكم ابن فروخ صدوق وما درى أن الذهبي تعقبه بقول ابن عدي إن أحاديثه غير محفوظة الحديث: 1429 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 1430 - (أكرموا الشعر) ندبا بترجيله ودهنه من نحو رأس ولحية وإزالته من نحو إبط وعانة (البزار) في مسنده (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس وهو متروك ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وفيه خالد بن إياس قال الذهبي في الضعفاء ترك وليس بالساقط الحديث: 1430 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 1431 - (أكرموا الشهود) العدول بالملاطفة وإلانة القول لهم (فإن الله يستخرج بهم الحقوق) لأربابها (ويدفع بهم الظلم) إذ لولاهم لتم للجاحد ما أراده من ظلم صاحب الحق وأكله ماله بالباطل قال بعضهم لما صانوا دينهم ومروءتهم بكف أذى من شهدوا عليه بالحق حق توقيرهم وإكرامهم وحرمت إهانتهم ووجب احترامهم وفي رواية فإن الله يجيء بدل يستخرج والحديث وارد فيمن ظهرت عدالته منهم وقد غلب على أكثر أهل هذه الطائفة الفساد والإفساد حتى قال سفيان الثوري الناس عدول إلا العدول وقال ابن المبارك هم السفلة وأنشد: قوم إذا غضوا كانت رماحهم. . . بث الشهادة بين الناس بالزور هم السلاطين إلا أن حكمهم. . . على السجلات والأملاك والدور وقال آخر: احذر حوانيت الشهود. . . الأخسرين الأرذلينا قوم لئام يسرقون. . . ويحلفون ويكذبونا وقال آخر: إياك أحفاد الشهود فإنما. . . أحكامهم تجري على الحكام قوم إذا خافوا عداوة قادر. . . سفكوا الدما بأسنة الأقلام فالحديث وارد فيمن ملك منهم ما أمر به وتجنب ما نهى عنه وقليل ما هم وقد غلب على شهود المحاكم في زماننا الآن التنازع إلى التحمل وذلك مذموم يأخذ الأجرة على الأداء وذلك حرام وقسمة ما يحصل لهم بينهم كل يوم وذلك منهم كما قال السبكي شركة أبدان وهي غير جائزة مع الجهل المفرط تجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام وأما شهود القسمة فمن قسم النار نسأل الله العافية (البانياسي) بفتح الموحدة التحتية وكسر النون ومثناة تحتية وآخره سين مهملة نسبة إلى بانياس بلدة من بلاد فلسطين (في جزئه) المشهور (خط) في ترجمة عبد الرحمن بن عبيد الهاشمي (وابن عساكر) في تاريخه في ترجمة عبد الصمد العباسي كلهم من حديث عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس (عن) جده (ابن عباس) ثم قال أعني الخطيب فيما حكاه ابن الجوزي تفرد به عبيد الله بن موسى وقد ضعفوه انتهى وقال ابن عساكر قال العقيلي حديث غير محفوظ وفي الميزان عنه حديث منكر ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة انتهى وجزم الصغاني بوضعه ولم يستدركه عليه العراقي وحكم المؤلف في الدرر بأنه منكر الحديث: 1431 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 1432 - (أكرموا عمتكم النخلة) قال الولي العراقي المراد بإكرامها سقيها وتلقيحها والقيام عليها وتعهدها ثم بين وجه [ص: 95] تسميتها عمة بقوله (فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم) التي خلق منها آدم فهي بهذا الاعتبار عمة الإنسان من نسبه وهذا كما ترى نص صريح يبطل قول فخر الإسلام في البحر المراد عمتكم بخيرها انتهى قال ابن عربي: لما خلق الله آدم وفضلت من خميرة طينته فضلة خلق الله منها النخلة فهي لآدم أخت ولنا عمة وسماها الشرع عمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من الطيبة بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفاء فمد الله من تلك السمسمة أرضا واسعة الفضاء فيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره قال بعضهم والنخلة أقرب الأشجار إلى الآدمي ولهذا اختصت بأنها لا تحمل قيستقيم ثمرها حتى تلقح من الفحول كمني الرجال لا ينعقد الولد إلا بوجوده مع ماء الإناث ورائحته أشبه شيء برائحة المني (وليس من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة) أي من جنس شجرة (ولدت تحتها مريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن وهي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا ولهذا أعلم الله بمزيتها في التنزيل على سائر الأشجار في قوله {في جنات وعيون وزروع} ونخل والجنة تتناول النخل تناولا أوليا كما تتناول النعم الإبل كذلك من بين الأنعام فلم يكنف بذلك بل خصها تنبيها على تفرده عنها بمزيد فضل عليها (فأطعموا نساءكم الولد) بضم الواو وتشديد اللام (الرطب) ندبا أو إرشادا (فإن لم يكن) أي فإن لم يتيسر (رطب) لفقد أو عزة وجود (فتمر) أي فيقوم مقامه تمر فإنه كاف فإنه كاف فإنه كان طعام مريم لما ولدت عيسى عليه السلام ولو علم الله طعاما خيرا لها من التمر لأطعمها إياه أخرجه ابن عساكر وفي خبر من كان طعامها في نفاسها تمرا جاء ولدها حليما (ع) عن شيبان بن فروخ عن مسرور بن سعيد التميمي الأوزاعي عن عروة بن دويم اللخمي عن علي (وابن حاتم) في العلل (عق) بالسند المذكور ثم قال هو غير محفوظ لا يعرف إلا بمسرور (عد) من الوجه المذكور وقال هذا منكر عن الأوزاعي وعزوه عن علي مرسل ومسرور غير معروف لم نسمع به إلا في هذا الحديث (وابن السني) أبو بكر (وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) النبوي عن أبي بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني عن شيبان عن مشروق الأوزاعي عن عروة بن دويم عن علي ثم قال أبو نعيم غريب من حديث الأوزاعي عن عروة تفرد به مسرور بن سعيد انتهى. وظاهر كلام المؤلف أن أبا نعيم لم يخرجه في الحلية وإلا لما عزاه له في الطب وليس كذلك بل خرجه فيه باللفظ المذكور من هذا الوجه (وابن مردويه) في التفسير من هذا الوجه كلهم (عن علي) أمير المؤمنين. قال الهيثمي بعد عزوه لأبي يعلى: فيه مسرور بن سعيد وهو ضعيف أورده ابن الجوزي في الموضوع ويقال مسرور منكر الحديث وأورده من حديث ابن عمر قال فيه جعفر بن أحمد وضاع اه. ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن لأوله ولآخره شاهدا فالحديث في سنده ضعف وانقطاع الحديث: 1432 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 1433 - (اكفلوا) قال الزمخشري: الكفالة من الكفل وهي حياطة الشيء من جميع جهاته حتى يصير عليه كالفلك الدائر (لي) أي لأجل أمري الذي أمرتكم به عند الله (ست خصال) أي فعلها والدوام عليها (أكفل لكم الجنة) أي دخولها قيل وما هي قال (الصلاة والزكاة والأمانة) أي أداء الثلاثة لوقتها وتوفيتها لمستحقها (والفرج) بأنه تصونوه عن الوطء المحرم (والبطن) بأنه تحترزوا عن أن تدخلوا فيه مأكولا أو مشروبا لا يحل تناوله شرعا (واللسان) بأنه تكفوه عن النطق بما حرمه الشارع وكأنه لم يذكر باقي أركان الإسلام لدخولها في [ص: 96] الأمانة أو أن المخاطبين بذلك قوم مخصوصون تفرس فيهم التساهل في هذه الخصال بخصوصها وجاء في أحاديث أخرى زيادة على الست ونقصان باعتبار حال المأمور (طس) وكذا في الصغير (عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أمته: اكفلوا لي إلخ. قال المنذري: إسناده لا بأس به وقال الهيثمي: فيه حماد الطائي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 1433 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 1434 - (أكل اللحم) أي لصحيح البدن قويم المزاج (يحسن الوجه) أي يكسبه نضارة وإشراقا وحسنا (ويحسن الخلق) بالضم لزيادته في اعتدال المزاج وكلما اعتدل ومال عن طرفي الإفراط والتفريط توفر حسن الخلق وانحراف الأمزجة مما يسوء الخلق ويضيق الصدر وفي رواية زيادة على ذلك: ويطيب النفس وهل أل في اللحم للجنس أو للعهد والمعهود ما لا ضرر فيه كلحم الغنم والطير والإبل والبقر؟ الظاهر الأول لقول الأطباء: اللحوم كلها حارة رطبة كثيرة الغذاء مولدة للدم محسنة للون ولا غذاء أشبه بها لبدن الإنسان اه. وضرر لحم نحو الإبل والبقر يندفع بتعديلها ببعض المصلحات نعم ينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم لما جاء في بعض الأخبار أن له ضراوة كضراوة الخمر (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 1434 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 1435 - (أكل كل ذي ناب) يعدو به ويصول (من السباع) كأسد ونمر وذئب ومثله كل ذي مخلب من الطير (حرام) بخلاف غير العادي كثعلب فمن للتبعيض ويصح جعلها للجنس إذ المراد بأن يعدو به كما تقرر بقرينة تعبيره بقوله كل ذي ناب ولم يقل كل سبع تنبيها على الافتراس والتعدي وإلا فلا فائدة لذكر الناب إذ السباع كلها ذو أنياب ثم هذا لا ينافيه آية {قل لا أجد فيما أوحى إلي} لأنها مكية وخبر التحريم بعد الهجرة. قال ابن سينا: ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن (هـ عن أبي هريرة) قضية عدول المصنف واقتصاره عليه أنه لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول عجيب فقد خرجه سلطان الفن باللفظ المزبور من حديث أبي ثعلبة ونقله عنه جمع منهم الديلمي وغيره الحديث: 1435 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 1436 - (أكل الليل أمانة) أي الأكل فيه للصائم أمانة في حقه إذ لا يطلع عليه إلا الله فعليه بذل الجهد في تحري الإمساك من الفجر الصادق فإن ظن بقاء الليل بالاجتهاد جاز له الأكل وكذا إن لم يجتهد بل هجم لكن يكره له ذلك فإن بان أكله نهارا لزمه القضاء وإن أشكل فلا. ذكره الشافعية (أبو بكر بن داود (1) في جزء من حديثه فر) كلاهما (عن أبي الدرداء) وفيه بقية بن الوليد وقد سبق ويزيد بن حجر مجهول   (1) [في شرح المناوي: " أبو بكر بن داود " بدل " أبو بكر بن أبي داود " فليراجع. دار الحديث] الحديث: 1436 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 1437 - (أكل السفرجل) مربى وغير مربى وهي ثمر شجرته معروفة يشبه التفاح (يذهب بطخاء القلب) أي يزيل الثقل والغثيان والغيم الذي على القلب كغيم السماء قال ابن الأنباري وغيره: الطخاء الثقل والظلمة أو ثقل وغشى أو ظلمة وغيم وفي الأساس: ليلة طخياء مظلمة. قال الأطباء: وهو يقوي المعدة ويمنعها من قبول الفضلات ويعيد الشهوة المفقودة ويقوي القلب والدماغ ويطفئ غلبة الدم في الوجه ويمنع الغثيان ويسكن وهج المعدة ويطيب النكهة لكنه يضر العصب (القالي) بالقاف أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (في أماليه) الأدبية الشعرية (عن أنس) وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه على سنده كما بيض لخبر: أكل التين أمان من القولنج الحديث: 1437 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 [ص: 97] 1438 - (أكل الشمر) بالتحريك هو معروف (أمان من) حدوث (القولنج) بضم القاف وفتح اللام وهو تعقد الطعام في الأمعاء فلا ينزل فيصعد بسببه بخار إلى الدماغ فقد يفضي إلى الهلاك. قال الأطباء: وهو محلل للرياح الغليظة شديد النفع من وجع الجنبين نافع من الأخلاط التي في المعدة ويدفع حرقة المعدة من البلغم الحامض ويشفي وجع الكلى والمثانة وينفع من نهش الهوام وهو بستاني وبري والظاهر إرادتهما في الحديث معا (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) الحديث: 1438 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 1439 - (أكلفوا) أي أولعوا وأحبوا (من العمل ما تطيقون) الدوام عليه من الطوق وهو ما يوضع في العنق حلية فيكون ما يستطيعون من الأفعال طوقا لهم في المعنى (فان الله لا يمل حتى تملوا) يعني لا يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عنه باسم الملال من تسمية الشيء باسم سببه أو المراد لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه (وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) فالقليل الدائم أحب إليه من الكثير المنقطع فأمرهم بالاقتصاد في الطاعة لئلا يطيعوا باعث الشغف فيحملوا أنفسهم فوق ما يطيقون فيؤدي لعجزهم عن الطاعة أو قيامهم بها بتكلف (حم د ن عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد الصحيحين وليس كذلك فقد قال الحافظ العراقي متفق عليه الحديث: 1439 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 1440 - (أكمل المؤمنين) أي من أتمهم (إيمانا) تمييز (أحسنهم خلقا) بالضم لأن هذا الدين مبني على السخاء وحسن الخلق ولا يصلح إلا بهما فكمال إيمان الإنسان ونقصه على قدر ذلك ولا يناقضه ما سلف أنه جبلي غريزي لأنه وإن كان سجية أصالة لكن يمكن اكتساب تحسينه بنحو نظر في أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والحكماء ثم بتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها إلى تحليها بالكمال ومعالي الأحوال وحينئذ فيثاب على تلك الأخلاق لكونها من كسبه (حم د حب ك) وصححه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في أماليه حديث صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث المتواترة إلى البخاري وعده من المتواتر ورواه البزار من حديث أنس بسند رجاله ثقات وزاد فيه: وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة والطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد بسند فيه مجهول وزاد: الموطئون أكنافا الذين يألفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف الحديث: 1440 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 1441 - (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم قال الحليمي: دل على أن حسن الخلق إيمان وعدمه نقصان إيمان وأن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم فبعضهم أكمل إيمانا من بعض. ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا لكونه أكملهم إيمانا (وخياركم خياركم لنسائهم) أي من يعاملهن بالصبر على أخلاقهن ونقصان عقلهن وطلاقة الوجه والإحسان. وكف الأذى وبذل الندى وحفظهن من مواقع الريب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس معاشرة لعياله وهل المراد بهن حلائل الرجل من زوجة وسرية أو أصوله وفروعه وأقاربه أو من في نفقته منهن أو الكل؟ والحمل على الأعم أتم (ت حب عن أبي هريرة) [ص: 98] قال الترمذي حسن صحيح وقال ابن حبان صحيح وكذا الحاكم الحديث: 1441 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 1442 - (الله الله في) حق (أصحابي) أي اتقوا الله فيهم ولا تلمزوهم بسوء: أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص (لا تتخذوهم غرضا) بمعجمة هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمي الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ (بعدي) أي بعد وفاتي. قال في الصحاح: الغرض الهدف الذي يرمى إليه (فمن أحبهم فبحبي أحبهم) أي فبسبب حبهم إياي أو حبي إياهم أي إنما أحبهم لحبهم إياي أو لحبي إياهم (ومن أبغضهم فببغضي) أي فبسبب بغضه إياي (أبغضهم) يعني إنما أبغضهم لبغضه إياي ومن ثم قال المالكية يقتل سابهم (ومن آذاهم) بما يسوءهم (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) ولا يضره ذلك بشهادة: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني (ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) أي يسرع انتزاع روحه أخذة غضبان منتقم عزيز مقتدر جبار قهار {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} ووجه الوصية نحو البعدية وخص الوعيد بها لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم زعما منهم الحب لبعض آخر وهذا من باهر معجزاته وقد كان في حياته حريصا على حفظهم والشفقة عليهم. أخرج البيهقي عن ابن مسعود: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. وإن تعرض إليهم ملحد وكفر نعمة قد أنعم الله بها عليهم فجهل منه وحرمان وسوء فهم وقلة إيمان إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا فإذا جرح النقلة دخل في الآيات والأحاديث التي بها ذهاب الأنام وخراب الإسلام إذ لا وحي بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ (تتمة) اختلف في ساب الصحابي فقال عياض: قال الجمهور يعزر وبعض الماليكة يقتل وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين وجهين وقواه السبكي فيمن كفر الشيخين ومن كفر من صرح المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر به وأطلق الجمهور التعزير (ت) في المناقب (هـ عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء واستغربه. قال الصدر المناوي: وفيه عبد الرحمن بن زياد قال الذهبي لا بعرف وفي الميزان: في الحديث اضطراب الحديث: 1442 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 1443 - (الله الله) أي اتقوا الله وخافوه (فيما ملكت أيمانكم) من الأرقاء وكل ذي روح (ألبسوا ظهورهم) ما يستر عورتهم ويقيهم الحر والبرد على الوجه اللائق (وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول) أي تجنبوا مخاطبتهم ومعاتبتهم الغلظة والفظاظة ومن ذلك أن لا يقول أحدكم عبدي ولا أمتي وهذا قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم في مرض موته واللين ضد الخشونة. وتلين تملق كذا في الصحاح. قال الزمخشري: من المجاز: رجل في ليان من العيش ورجل لين الجانب ولان لقومه وألان لهم جناحه {فيما رحمة من الله لنت لهم} وهو لين الأعطاف وطيء الأكتاف ولاين أصحابك ولا تخاشنهم وتلين له تملق (ابن سعد) في الطبقات (طب) وكذا ابن السني (عن كعب بن مالك) قال عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال فسمعته يقول فذكره. قال الهيثمي: فيه عبد الله بن زحر وعلي [ص: 99] بن زيد وهما ضعيفان وقد وثقا اه وقال الذهبي عبد الله ضعيف وله صحيفة واهية الحديث: 1443 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 1444 - (الله الله) اتقوا الله وخافوه كثيرا (فيمن ليس له) ناصر أو ملجأ (إلا الله) كيتيم وغريب ومسكين وأرملة فتجنبوا أذاه وأكرموا مثواه وتحملوا جفوته وتكلفوا مؤنته فإن المرء كلما قلت أنصاره وأعوانه كانت رحمة الله له أكثر وعنايته به أشد وأظهر {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (عد عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وهو مما بيض له الديلمي الحديث: 1444 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 1445 - (الله الطبيب) أي هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء وهذا قاله لوالد أبي رمثة حين رأى خاتم النبوة وكان ناتئا فظنه سلعة تولدت من الفضلات فرد المصطفى صلى الله عليه وسلم كلامه بإخراجه مدرجا منه إلى غيره يعني ليس هذا علاجا بل كلامك يفتقر إلى العلاج حيث سميت نفسك طبيبا والله هو الطبيب وإنما أنت رفيق ترفق بالمريض وتتلطف به وله فهو من الأسلوب الحكيم في فن البديع. وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والداء والقادر على الصحة والشفاء وليس ذلك إلا الله لكن تسمية الله بالطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت المداوي أنت الطبيب سائغ ولا يقال يا طبيب كما يقال يا حكيم لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف (د) وكذا النسائي خلافا لما يوهمه كلامه من تفرد أبي داود به من بين الستة (عن أبي رمثة) بكسر فسكون ففتح البلوى أو التيمي أو التميمي اسمه رفاعة بن يثربي أو عكسه أو عمارة بن يثربي أو حبان بن وهب أو جندب أو حبيب أو غير ذلك صحابي مات بأفريقية. قال دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأى أبي الذي بظهره فقال دعني أعالجه فإني طبيب فذكره الحديث: 1445 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 1446 - (الله مع القاضي) بعونه وإرشاده وإسعافه وإسعاده (ما لم يجر) في حكمه: أي يتعمد الظلم فيه (فإذا جار) فيه (تخفى) أي قطع (عنه) تسديده وتوفيقه (ولزمه الشيطان) يغويه ويضله ليخزيه غدا ويذله لما أحدثه من الجور وارتكبه من الباطل وتحلى به من خبيث الشمائل وقبيح الرذائل. قال ابن العربي: القاضي يقضي بالحق ما كان الله معه فإذا تركه جار فالأمر أولا بيد الله يبدأ عن بداية المقادير وحكمه بالتقدير وملكه للتدبير تحقيقا للخلق وتوحيدا وقد يخبر عن مآل حالهم تخويفا وإنذارا بالمعاملات التي جعلها لأهل الفوز وأهل الهلكة وهو الحكيم الخبير. قال ابن بطال: دل الحديث على أن القضاء بالعدل من أشرف الأعمال وأجل ما يتقرب به إلى الملك المتعال وأنه بالجور بضد ذلك {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} قال ابن حجر: وفي الحديث ترغيب في ولاية القضاء من استجمع شروطه وقوي على إعمال الحق ووثق من نفسه بعدم الجور ووجد للحق أعوانا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق للمستحق وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس وكل ذلك من آكد القربات ولذلك تولاه الأنبياء فمن بعدهم من الخلفاء الراشدين وكذلك اتفقوا على أنه فرض كفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه فقد أخرج البيهقي بسند قوي أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء وبسند آخر قوي أن عمر استعمل ابن مسعود على القضاء وإنما فر منه من فر خوف العجز أو عدم المعين ومن ثم كان السلف يمتنعون منه أشد امتناع <تنبيه> سأل ابن شاهين الجنيد عن معنى مع فقال على معنيين: مع الأنبياء والأولياء بالنصرة والكلاءة {إنني معكما أسمع وأرى} ومع العامة بالعلم والإحاطة {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} فقال ابن شاهين: مثلك [ص: 100] يصلح دالا للأمة على الله (ت) واستغربه (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو وبالفاء مقصور: علقمة بن خالد المدني ظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه ابن ماجه أيضا كما ذكره ابن حجر قال: صححه ابن حبان والحاكم الحديث: 1446 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 1447 - (الله ورسوله مولى من لا مولى له) أي حافظ وناصر من لا حافظ ولا ناصر له فحفظ الله لا يفارقه وكيف يفارقه مع أن الله وليه وحافظه وناصره فمن كان الله مولاه فلا يذل ولا يخزى فنعم المولى ونعم النصير. قال الفخر الرازي: من كان ربه هاديه لا يضل ومن كان ربه معينه لا يشقى ومن كان ربه مولاه لا يضيع (والخال وارث من لا وارث له) زاد في رواية يفك عائه أي عائنه يعني ما يلزمه وما يتعلق به من الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة هذا عند من يورث الخال ومن لا يورثه يقول معناه إنها طعمة أطعمها الخال لا أن يكون وارثا كذا قرره ابن الأثير (ت هـ عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه رمز المصنف لصحته وليس كما قال فإن الترمذي إنما حسنه فقط. قال في المنار: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه حكيم بن حكيم وهو ابن أخي عمرو بن حنيف لا تعرف عدالته وإن روى عنه جمع الحديث: 1447 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 1448 - (اللهم) الميم عوض من ياء ولذا لا يجتمعان وهو من خصائص هذا الاسم لدخولها عليه مع لام التعريف كما خص بالباء في القسم وقطع همزته في يا الله وقيل أصله يا الله أمنا بخير فخفف بحذف حرف النداء ذكره القاضي البيضاوي <فائدة> قال في النهاية: اللهم على ثلاثة أنحاء: أحدها أن يراد به النداء المحض كقولك اللهم ارحمنا. الثاني أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السائل يقول لك القائل أزيد قائم فتقول اللهم نعم أو اللهم لا. الثالث أن يستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعني ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونا بعدم الدعاء قليل (لا عيش) أي لا عيش كاملا أو باقيا أو معتبرا أو هنيئا (إلا عيش) الدار (الآخرة) لا هذا العيش الفاني الزائل لأن الآخرة باقية لا تزول وعيشها لا يعتريه اضمحلال ولا ذبول وعيش الدنيا وإن كان محبوبا للنفوس معشوقا للقلوب ظل زائل وسحابة صيف لا يرجى دوامها والعيش الحياة قال الرافعي: والقصد بذلك فطم النفس عن الرغبة في الدنيا وحملها على الرغبة في الآخرة وتحمل أثقال مساعيها وهذا لابن رواحة وتتمته فأكرم الأنصار والمهاجرة تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو من مشطور الرجز والممتنع عليه إنشاء الشعر لا إنشاده على أن الخليل لم يعد مشطور الرجز شعرا وقال بعضهم: هذه الكلمة قالها في أسر أحواله لما رأى جمع المسلمين بعرفة وفي أشدها عند حفر الخندق وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته: فاغفر للأنصار والمهاجرة ولفظ البخاري في باب التحريض على القتال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجزع قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا فقال اللهم إلخ الحديث: 1448 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 1449 - (اللهم) أصله يا الله حذفت ياؤه وعوض عنها الميم وشددت لتكون على حرفين كالمعوض عنه وقد يقال فيه لاهم بحذف أل (اجعل رزق) وفي رواية للعسكري: عيش (آل محمد) زوجاته ومن في نفقته أو هم مؤمنو بني هاشم والمطلب أو أتقياء أمته والحمل على الأعم أتم (في الدنيا قوتا) وفي رواية: كفافا: أي بلغة تسد رمقهم وتمسك [ص: 101] قوتهم بحيث لا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسألة والحاجة ولا يكون فيهم فضول يصل إلى ترفه وتبسط ليسلموا من آفات الغنى والفقر والكفاف ما لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة والقوت ما يسد به الرمق سمي قوتا لحصول القوة به سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم طريق الاقتصاد المحمود فإن كثرة المال تلهي وقلته تنسي فما قل منه وكفى خير مما كثر وألهى وفي دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم به إرشاد لأمته كل الإرشاد إلى أن الزيادة على الكفاف بكثير لا ينبغي أن يتعب العاقل في طلبه لكونه لا خير فيه وحكم الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فمنهم من يعتاد الرياضة حتى إنه يأكل في كل أسبوع مرة فكفافه وقوته تلك المرة في كل أسبوع ومنهم من يعتاد الأكل في كل يوم مرة أو مرتين فكفافه ذلك لأنه إن تركه ضره ومنهم كثير العيال فكفافه ما يسد رمق عياله ومنهم من يقل عياله فلا يحتاج إلى زيادة فقدر الكفاف غير مقدر ومقداره غير معين لكن المحمود ما يحصل به القوة على الطاعة والاشتغال به على قدر الحاجة وقوله: إني أسألك غناك وغنى مولاي المراد غنى يدفع الفاقة فقط فلا يخالفه ما هنا وقوله: " اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني " لم يرد به ما يزيد على الكفاف <فائدة> قال ابن عربي: اللهم هو اسمه المدعو به الذي قلما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بسواه إلا أن يكون تلقينا لمتعلم أو نطقا عن مقتضى حال يرجع إلى إيقاع نفع ذلك إعرابا عن حالهم وذلك هو الاسم الأعظم (م ت هـ عن أبي هريرة) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم بل رواه البخاري في الرقائق الحديث: 1449 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 1450 - (اللهم اغفر للمتسرولات) أي للابسات السراويلات (من) نساء (أمتي) أمة الإجابة. وفي رواية: للمتسرولات من النساء وإنما دعا لهن بذلك لأنهن لما حافظن على ما أمرهن به من الستر قابلهن بالدعاء لهن بالغفر الذي أصله الستر فذاك ستر العورات وذا ستر الخطيات وجعله كناية عن حفظ الفروج خلاف الظاهر (البيهقي في الأدب) أي في كتاب الأدب له وكذا البزار (عن علي) أمير المؤمنين قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسقطت امرأة عن دابة فأعرض عنها بوجهه فقيل إنها متسرولة فذكره رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه إبراهيم بن زكريا الضرير قال في الميزان عن أبي حاتم حديثه منكر وعن ابن عدي: حدث بالبواطيل قال: ومن بلاياه هذا الخبر وساقه ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال المتهم به إبراهيم هذا وتعقبه المؤلف بأن الذي قال فيه ابن عدي هذا القول هو إبراهيم بن زكريا العجلي وهذا إبراهيم بن زكريا الواسطي وهو ثقة الحديث: 1450 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 1451 - (اللهم اغفر للحاج) أي حجا مبرورا (ولمن استغفر له الحاج) قاله ثلاثا وهو تشريف عظيم للحاج فيتأكد طلب الاستغفار من الحاج ليدخل في دعاء المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وظاهره ندب طلب الاستغفار منه في سائر الأوقات لكن في الإحياء عن الفاروق ما محصوله: إن غاية طلبه إلى عشرين من ربيع الأول أي فإن تأخر وصوله إلى وطنه عنها فإلى وصوله كما ذكره ابن رجب (هب) وكذا الحاكم ومن طريقه أورده البيهقي والخطيب (عن أبي هريرة) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وتعقبه بأن فيه شريكا القاضي ولم يخرج له مسلم إلا في المتابعات الحديث: 1451 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 1452 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل) قال الحراني: اسم عبودية لأن إيل اسم الله في الملأ الأعلى وهو يد بسط لروح الله في القلوب بما يحييها الله من روح أمره إرجاعا إليه في هذه الدار قبل إرجاع روح الحياة بيد القبض من عزرائيل [ص: 102] (وميكائيل) اسم عبودية أيضا وهو يد بسط للأرزاق المقيمة للأجسام (وإسرافيل) وهو بسط يد للأرواح التي بها الحياة قال الجزولي في شرح الرسالة: إنه إنما سمي إسرافيل لكثرة أجنحته وميكائيل لأنه موكل بالمطر والنبات يكيله ويزنه (ومحمد) الذي هو روح الأرواح (نعوذ) أي نعتصم (بك من النار) أي من عذابها فوجه تخصيص الأملاك الثلاثة أنها أشرف الملائكة وأنها الموكلة بالحياة وعليها مدار نظام هذا الوجود فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب وميكائيل بالقطر والنبات الذي هو حياة الأرض والحيوان وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى الأشباح فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح الموكلة بالحياة له تاثير كبير في حصول المطلوب وهذا كما ترى أدق من قول البعض خص هؤلاء لكمال اختصاصهم واصطفائهم وكونهم أفضل الملائكة والأول والأخير أفضل من الثاني وفي التفضيل بينهما أقوال: ثالثها الوقف (طب ك) في المناقب وكذا ابن السني في عمل اليوم والليلة (عن والد أبي المليح) واسمه عامر بن أسامة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر فسمعته يقول: اللهم. . . إلخ ثلاثا. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب الحديث: 1452 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 1453 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) وهو ما لم يؤذن في تعلمه شرعا أو ما لا يصحبه عمل أو ما لا يهذب الأخلاق الباطنة فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة ويفوز بها إلى الثواب الآجل وأنشد: يا من تقاعد عن مكارم خلقه. . . ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة من لم يهذب علمه وأخلاقه. . . لم ينتفع بعلومه في الآخرة وقدم العلم على العمل لأن العمل بدون علم ضلال (وعمل لا يرفع) إلى الله رفع قبول لفقد نحو إخلاص ومصاحبة نحو رياء (ودعاء لا يستجاب) أي لا يقبله الله وإنما استعاذ من ذلك لأن العلم إذا لم ينفع لا يخلص صاحبه منه كفافا بل يكون وبالا والعمل إذا لم يرفع كان مردودا على فاعله مغضوبا عليه. والدعاء إذا لم يقبل دل على غل في صدر صاحبه (حم حب ك عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته الحديث: 1453 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 1454 - (اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى اجعلني منهم قال في الصحاح: الحشر الجمع والزمرة بالضم الجماعة قال اليافعي: وناهيك بهذا شرفا للمساكين ولو قال احشر المساكين في زمرتي لكفاهم شرفا وكيف وقد قال واحشرني في زمرتهم ثم أنه لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل إلى الإخبات والتواضع ذكره البيهقي وجرى على قضيته حجة الإسلام حيث قال: استعاذته من الفقر لا تنافي طلب المسكنة لأن الفقر مشترك بين معنيين: الأول الافتقار إلى الله والاعتراف بالذلة والمسكنة له والثاني فقر الاضطرار وهو فقد المال المضطر إليه كجائع فقد الخبز فهذا هو الذي استعاذ منه. والأول هو الذي سأله اه وسئل الشيخ زكريا عن معنى هذا الحديث فقال: معناه طلب التواضع والخضوع وأن لا يكون من الجبابرة المتكبرين والأغنياء المترفين اه ومنه أخذ السبكي قوله المراد استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر فإنه أغنى الناس بالله (وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) يعني من لم يرزق سعة في الدنيا بل كان فقيرا معدما وهو مع ذلك مقارف للذنوب لا يرعوي ولا يتوب وفارق الدنيا وهو مصر على هذا الحال لم يدركه العفو فهو [ص: 103] أشقى من كل شقي من المؤمنين بلا إشكال لأنه معذب في الدارين (ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري وقال صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن ضعفه في الميزان وزعم ابن الجوزي وتيمية وضعه. قال ابن حجر: وليس كذلك بل صححه الضياء في المختارة وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: أساء ابن الجوزي بذكره له في الموضوعات وقال المؤلف أسرف وقال ابن حجر مرة أخرى: أسرف ابن الجوزي بذكره في الموضوع وكأنه أقدم عليه بما رآه مباينا للحال التي مات عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفيا الحديث: 1454 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 1455 - (اللهم إني أسألك من الخير كله) أي بسائر أنواعه وجميع وجوهه (ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) طلبه الخير لا ينافي أنه أعطي منه ما لم يعطه غيره لأن ما منحه من صفات الكمال إنما هو بالنسبة للمخلوقات فهو كمال نسبي والكمال المطلق لله وكل صفة من صفات الحوادث قابلة للزيادة والنقص ومن ثم أمر بطلب الزيادة في العلم {وقل ربي زدني علما} ولذا جاز الدعاء عند الختم بنحو: اللهم اجعله زيادة في شرفه لأنه وإن كان كامل الشرف فكماله نسبي والازدياد فيه متصور بخلاف صفاته تعالى كمالها في ذاتها لا يقبل زيادة ولا نقصانا (الطيالسي طب) أبو داود (عن جابر بن سمرة) بن جندب الحديث: 1455 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 1456 - (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها) أي اجعل آخر كل عمل لنا حسنا فإن الأعمال بخواتيمها وعاقبة كل شيء آخره كما قال في الصحاح وغيره (وأجرنا من خزي الدنيا) رذائلها ومصائبها وغرورها وغدرها (وعذاب الآخرة) زاد الطبراني في روايته من كان ذلك دعاءه مات قبل أن يصيبه البلاء. اه. قال في الكشاف: والخزي الهوان وهذا من جنس استغفار الأنبياء مما علموا أنهم مغفور لهم. قال ابن عربي: والدار الآخرة الجنة والنار اللتين أعدهما الله لعباده السعداء والأشقياء. سميت آخرة لتأخر خلقها عن الدنيا بتسعة آلاف سنة مما تعدون (حم حب ك عن بسر بن أرطأة) كذا وقفت عليه بخط المؤلف هنا وهو ذهول وإنما هو ابن أبي أرطأة كما بينه الحافظ ابن حجر فقال في الإصابة: الأصح ابن أبي أرطأة. قال ابن حبان: ومن قال ابن أرطأة فقد وهم اه. ثم رأيت المصنف ذكره في أواخر هذا الكتاب على الصواب كما رأيته بخطه أيضا في خبر لا تقطع الأيدي في السفر ولولا الوقوف على خطه لظنناه من تحريف النساخ ولكن الإنسان محل النسيان وأول ناس أول الناس وبسر: بضم الموحدة التحتية وسكون المهملة ثم راء العامري القرشي مختلف في صحبته ولاه معاوية اليمن فأفسد وعتا وتجبر وضل قال ابن عساكر: له بها آثار غير محمودة وقتل عبد الرحمن وقثم ابني عبد الله بن عباس وخلفا حتى من لم يبلغ الحلم: كولد زينب بنت فاطمة بنت علي كرم الله وجهه وقال يحيى: كان بسر رجل سوء وأهل المدينة ينكرون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم اه ملخصا وقد رمز المصنف لصحته وقد عرفت حال بسر أما من دونه فموثوقون في بعض طرقه المذكورة لا كلها قال الحافظ الهيثمي: رجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات الحديث: 1456 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 1457 - (اللهم بارك لأمتي) أمة الإجابة (في بكورها) في شرح السقط أول اليوم الفجر وبعده الصباح فالبكرة فالضحى فالضحوة فالهاجرة فالظهر فالرواح فالمساء فالعصر فالأصيل فالعشاء الأول فالعشاء الآخر وذلك عند مغيب [ص: 104] الشفق. قال النووي في رؤوس المسائل: يسن لمن له وظيفة من نحو قراءة أو علم شرعي وتسبيح أو اعتكاف أو صنعة فعله أول النهار وكذا نحو سفر وعقد نكاح وإنشاء أمر لهذا الحديث (حم 4 حب عن صخر) بفتح المهملة وسكون المعجمة ابن وداعة (الغامدي) بغين معجمة ودال مهملة الأرذي حجازي سكن الطائف. قال الترمذي عن البخاري: لا أعرف له غير هذا الحديث اه. وفي التقريب كأصله: صخر صحابي مقل لم يرو عنه إلا عمارة بن حديد وفي العلل لابن الجوزي هذا يرويه عمارة بن حديد عن صخر. قال أبو حاتم: عمارة مجهول. وقال أبو زرعة لا يعرف ولما قال عبد الحق هو من طريق أبي داود حسن قال ابن القطان: هذا خطأ ففيه عمارة بن حديد مجهول لا يعرف (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: وله عنه ثلاث طرق في أولها إبراهيم بن سالم قال ابن عدي منكر الحديث غير معروف وفي الثاني محمد بن عبد الرحمن قال يحيى لا شيء وقال النسائي متروك وفي الثالث محمد بن الفضل قال أحمد حديثه حديث أهل الكذب (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عمرو بن مشاور وهو ضعيف ولابن الجوزي له عنه أربع طرق في الأول والثاني عمرو بن مشاور قال ابن حبان يروي المناكير وأبو حمزة قال الدارقطني عن أحمد ويحيى: ليس بشيء وفي الثالث الحسين بن علوان كذبه يحيى والرابع عبد الصمد بن موسى الهاشمي ضعفوه (وعن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه علي بن عابس وهو ضعيف قال الدارقطني: تفرد به علي بن عابس عن العلاء قال يحيى ليس بشيء وقال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق الترك (وعن عبد الله بن سلام) بالتخفيف ابن الحارث بن يوسف الإسرائيلي كان اسمه الحصين فسماه المصطفى صلى الله عليه وسلم عبد الله وشهد له بالجنة وكان من علماء الصحابة: صحابي كبير شهد المصطفى صلى الله عليه وسلم له بالجنة مات سنة ثلاث وأربعين. قال الهيثمي: وفيه هشام بن زياد وهو متروك (وعن عمران بن حصين) قال الهيثمي: وفيه العلاء بن بركة وهو متروك (وعن كعب بن مالك) قال الهيثمي: وفيه عمارة بن هارون وهو متروك وقال ابن الجوزي: يرويه عن كعب عمارة بن هارون وقد قال أبو حاتم متروك (وعن النواس) بنون فواو مشددتين فمهملة بعد الألف (ابن سمعان) كشعبان الكلابي صحابي سكن الشام وقال الهيثمي: وفيه عمارة بن هارون وهو متروك وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على هؤلاء أنه لم يرو إلا عنهم وليس كذلك فقد زاد ابن الجوزي كغيره فرواه عن آخرين: علي أمير المؤمنين وبقية العبادلة وجابر وأبي هريرة وسهل بن سعد وأبي رافع وعمارة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة بن الحصيب وواثلة ونبيط بن شرط وأبو ذر وأنس والعرس بن عميرة وعائشة وضعفها أعني ابن الجوزي كلها وقال لا يثبت منها شيء وقال أبو حاتم: لا أعلم فيه حديثا صحيحا. قال ابن حجر: وقد اعتنى بعض الحفاظ - يعني المنذري - يجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين الحديث: 1457 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 1458 - (اللهم بارك لأمتي في بكورها) في رواية ابن السكن: في بكورهم (يوم الخميس) في رواية البزار: يوم خميسها وفي رواية للطبراني: واجعله يوم الخميس وفيه خلقت الملائكة المدبرات للعالم. قال القزويني: يوم مبارك سيما بطلب الحاجة وابتداء السفر وكان صخر لا يسافر إلا فيه فأثرى وكثر ماله (هـ) وكذا البزار (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: تفرد به محمد بن أيوب بن سويد عن أبيه ومحمد. قال ابن حبان: يروي الموضوع لا يحل الاحتجاج به وأبو أيوب قال ابن المبارك: ارم به وقال يحيى: ليس بشيء اه وسأل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة قال الحافظ العراقي: وروى بدل الخميس السبت. قال: وكلاهما ضعيف وقال في محل آخر أسانيدها كلها ضعيفة الحديث: 1458 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 [ص: 105] 1459 - (اللهم إنك سألتنا من أنفسنا) بيان في مقام التأكيد (ما لا نملكه) أي نستطيعه جلبا أو نفعا (إلا بك) أي بإقدارك وتمكينك وتوفيقك وذلك المسؤول هو لزوم فعل الطاعات وتجنب المعاصي والمخالفات (اللهم فأعطنا منها ما) أي توفيقا نقتدر به على فعل الذي (يرضيك عنا) من الرضى خلاف السخط وهما من صفات الذات. قال الحرائي: الرضى وصف المقر لما يريد فكل واقع بإرادة لا يكون رضى إلا أن يستدركه الإقرار فإن تعقبه الرفع والتغيير فهو مراد غير رضى ومقصود الحديث الاعتذار عما دق من وسائس النفوس وفيه بيان أن الأمور كلها منه تعالى مصدرها وإليه مرجعها فلا تملك نفس لنفس شيئا إذ ليس لغيره وجود حقيقة حتى ينسب إليه إعطاء أو منع وهو الموجود المحقق القائم بنفسه وقائم على كل نفس بما كسبت وكل قائم فقيامه به ومن أثبت نفسه معه فهو الأعمى المنكوس ولو عرف لعلم أنه من حيث هو لا ثبات له ولا وجود وإنما وجوده من حيث أوجد لا من حيث وجد. وفرق بين الموجود وبين الموجد وليس في الوجود إلا موجود واحد فالموجود حق والموجد باطل من حيث هو هو والموجود قائم وقيوم والموجد هالك وفان (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه أيضا باللفظ المذكور المستغفري في الدعوات. قال الحافظ العراقي: وفيه ولهان بن جبير ضعفه الأزدي. قال المصنف: وهذا الحديث متواتر الحديث: 1459 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 1460 - (اللهم اهد قريشا) أي دلها على طريق الحق وهو الدين القيم أي دين الإسلام وهذا إن كان صدر قبل إسلامهم جميعا فظاهر أو بعده فالمراد ثبتهم على ذلك والهداية دلالة بلطف وتستعمل في غيره تهكما (فإن عالمها) أي العالم الذي ينشأ من أهل تلك القبيلة (يملا طباق الأرض علما) أي يعم الأرض بالعلم حتى تكون طبقا لها مغطيا لجميعها والبطن كل غطاء لازم على الشيء. ذكره ابن الأثير. قال بعض المحققين: وليس هذا بإخبار عن علو عالمها لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم. لكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لما غاظوني وأذوني بل أدعوك أن تهديهم لأجل أحكام إحكام دينك يبعث ذلك العالم الذي هو من سلالتها فتدبر. ثم ذلك العالم القرشي نزله أحمد وغيره على الشافعي فلا أحد بعد تصرم عصر الصحب اتفق الناس على تقديمه علما وعملا وأنه من قريش سواه وقد تأيد ذلك بانقياد الخلق بقوله ومعتقده نحو ثمان مئة سنة بعده تطلع الشمس وتغرب ومذهبه باقي لا يتصرم واسمه في سمو لا يتقهقر بل يتقدم (اللهم كما أذقتهم عذابا) وفي رواية نكالا بالقحط والغلاء والقتل والقهر وغيرها (فأذقهم نوالا) أي إنعاما وعطاءا وفتحا من عندك وعبر بالذوق بقلة الزمن فيهما {قل متاع الدنيا قليل} قال السمهودي: كل ما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأخص يثبت للأعم ولا عكس وتقديما لهم على غيرهم وشرفا (خط وابن عساكر) في التاريخ من حديث وهب بن كيسان (عن أبي هريرة) قال السخاوي: وروايته عن وهب فيه ضعف. اه. قال الزين العراقي: وله شاهد رواه أبو داود والطيالسي من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ: لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما. اللهم إنك أذقت أولها عذابا فأذق آخرها نوالا وذكر البيهقي في المدخل أنه ورد هذا الحديث من حديث علي وابن عباس ورواه البزار من حديث العباس أيضا مرفوعا بلفظ: اللهم فقه قريشا في الدين وأذقهم من يومي هذا إلى آخر الدهر نوالا فقد أذقتهم نكالا. قال البزار: حديث حسن صحيح وفي الباب عدي بن حاتم رواه عنه الطبراني في حديث طويل. قال الهيثمي: السلوفي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 1460 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 [ص: 106] 1461 - (اللهم إني أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين فبقيت الواو ساكنة أي أستجير وأعتصم (بك من جار السوء) أي من شره (في دار المقامة) الإقامة فإنه هو الشر الدائم والأذى الملازم (فإن جار البادية يتحول) فمدته قصيرة يمكن تحملها فلا يعظم الضرر فيها وفي رواية الطبراني جار السوء في دار الإقامة قاصمة الظهر وقد ينزل بسببه البلاء فيعم الصالح والطالح. قال الحرائي: والعوذ اللجأ من مخوف لكاف يكفيه (ك عن أبي هريرة) وقال صحيح فتبعه المصنف فرمز لصحته الحديث: 1461 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 1462 - (اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا) أي إذا أتوا بعمل يحسن قرنوه بالإخلاص فيترتب عليه الجزاء فيستحقون الجنة فيستبشرون بها كما قال {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فهو كناية تلويحية (وإذا أساءوا استغفروا) أي طلبوا من الله مغفرة ما فرط منهم ومن ثم قال بعضهم: خير الذنوب ذنب أعقب توبة. وشر الطاعات طاعة أورثت عجبا والمصطفى صلى الله عليه وسلم معصوم عن الإساءة وإنما هذا تعليم للأمة أرشدهم إلى أن يأتي الواحد منهم بهذا الدعاء الذي هو عبارة عن أن لا يبتليه بالاستدراج ويرى عمله حسنا فيهلك {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقوله من الذين إلخ أبلغ من أن يقول اجعلني أستبشر إذا أحسنت وأستغفر إذا أسأت كما تقول فلان من العلماء فيكون أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعرفة مساهمته لهم في العلم. ذكره الزمخشري (هـ هب عن عائشة) فيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه الحديث: 1462 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 1463 - (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى) أي نهاية مقام الروح وهي الحضرة الواحدية فالمسؤول إلحاقه بالمحل الذي ليس بينه وبينه أحد في الاختصاص والقول بأن المسؤول إلحاقه بالملائكة والملائكة الذين يسكنون أعلى عليين منع بأنه لو أراد الرفقاء بلفظ رفيق لقال الأعلين ليكون بمعنى الجماعة وبأن قدره فوق قدرهم ومحله من عليين فوق محلهم فكيف يسأل اللحوق بهم؟ نعم إن أراد به قال قائله محلهم الذي تحصل فيه مرافقتهم في الجملة ليكون يجمعهم على اختلاف درجاتهم وهو الجنة أو السماء فلا مانع (ق ت) من حديث عبد الله بن الزبير (عن عائشة) أنها أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه وهو يقول اللهم إلخ فهذا آخر ما تكلم به آخرية مطلقة وما عداه آخريته نسبية الحديث: 1463 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 1464 - (اللهم من ولى من أمر أمتي) أمة الإجابة ولا مانع من إرادة الأعم هنا (شيئا) من الولاية كخلافة وسلطنة وقضاء وإمارة ونظارة ووصاية وغير ذلك نكره مبالغة في الشيوع وإرادة للتعميم (فشق عليهم) أي حملهم على ما يشق عليهم أو أوصل المشقة إليهم بقول أو فعل فهو من المشقة التي هي الإضرار لا من الشقاق الذي هو الخلاف قال في العين: شق الأمر عليه مشقة أضر به (فأشقق عليه) أي أوقعه في المشقة جزاءا وفاقا (ومن ولى من أمر أمتي [ص: 107] شيئا فرفق بهم) أي عاملهم باللين والإحسان والشفقة (فارفق بهم) أي افعل به ما فيه الرفق له مجازاة له بمثل فعله وهذا دعاء مجاب وقضيته لا يشك في حقيقتها عاقل ولا يرتاب فقلما ترى ذا ولاية عسف وجار وعامل عيال الله بالعتو والاستكبار وإلا كان آخر أمره الوبال وانعكاس الأحوال فإن لم يعاقب بذلك في الدنيا قصرت مدته وعجل بروحه إلى بئس المستقر سقر ولهذا قالوا: الظلم لا يدوم وإن دام دمر والعدل لا يدوم وإن دام عمر وهذا كما ترى أبلغ زجر عن المشقة على الناس وأعظم حث على الرفق بهم وقد تظاهرت على ذلك الآيات والأخبار (م) في المغازي (عن عائشة) ورواه عنها أيضا النسائي في السير وسببه أن ابن شماسة دخل على عائشة فقالت ممن أنت؟ قال من مضر. قال كيف وجدتم ابن خديج في غزاتكم؟ قال خير الأمير. قالت إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: فذكرته <تنبيه> قال في الأذكار: ظاهر الحديث جواز الدعاء على الظلمة ونحوهم وأشار الغزالي إلى تحريمه وجعله في معنى اللعن. اه. قال الحافظ: والأولى حمل كلام الغزالي على الأولى وأما الأحاديث فتدل على الجواز الحديث: 1464 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 1465 - (اللهم إني أعوذ بك) قال الطيبي: استعاذ مما عصم منه ليلتزم خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وليقتدى به وليبين صفة الدعاء والباء للإلصاق المعنوي للتخصيص كأنه خص الرب بالاستعاذة وقد جاء في الكتاب والسنة: أعوذ بالله ولم يسمع: بالله أعوذ لأن تقديم المعمول تفنن وانبساط والاستعاذة حال خوف وقبض بخلاف الحمد لله ولله الحمد لأنه حال شكر وتذكير إحسان ونعم (من شر ما عملت) أي من شر عمل يحتاج فيه إلى العفو (ومن شر ما لم أعمل) أي بأن تحفظني منه في المستقبل أو المراد شر عمل غيره {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} أو ما ينسب إليه افتراء ولم يعمله وتقديم الميم على اللام فيهما هو ما في مسلم وغيره وعكسه والواقع لحجة الإسلام في الإحياء متعقب بالرد نعم جاء في خبر مرسل (م د ن هـ) كلهم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 1465 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 1466 - (اللهم أعني على غمرات الموت) شدائده جمع غمرة وهي الشدة وفي أصول صحيحة سكرات (أو) شك من الراوي وفي نسخة بالواو (سكرات الموت) جمع سكرة بسكون الكاف وهي شدة الموت الذاهبة بالعقل ذكره الزمخشري وهي تزيد على الغمرات بزيادة الألم وفي رواية لابن أبي الدنيا اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل اللهم أعني على الموت وهونه علي. وقال ابن عربي: السكر الضيق المانع من الإطلاق في التصرفات فالمراد ضيق الموت وكربه. قال الراغب: والسكر حالة تعرض بين المرء وقلبه وأكثر ما يستعمل في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق والألم أي والأخير هو المراد هنا. قال القرطبي: تشديد الموت على الأنبياء تكميل لفضائلهم ورفع لدرجاتهم وليس نقصا ولا عذابا (ت هـ ك) وكذا النسائي في يوم وليلة كلهم (عن عائشة) قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت وعنده قدح ماء وهو يدخل يده فيه ثم يمسح وجهه ويقول ذلك وقال ابن العربي: إن الباري بقدرته وحكمته يخفف إخراج الروح ويشدده بحسب حال العبد فتارة يشدده عذابا وذلك على الكافر وتارة كفارة وذلك على المذنب وتارة رفعة درجات وزيادة حسنات وذلك في الولي وتارة حجة على الخلق وتسلية وقدوة وأسوة كما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم منه الحديث: 1466 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 1467 - (اللهم زدنا) من خير الدارين: أي من العلوم والمعارف (ولا تنقصنا) أي لا تذهب منا شيئا (وأكرمنا) بالتقوى (ولا تهنا) أصله تهوننا نقلت كسرة الواو للهاء وحذفت الواو لسكونها وسكون النون الأولى وأدغمت [ص: 108] الأولى في الثانية (وأعطنا ولا تحرمنا) قال القاضي والطيبي: عطف الأوامر على النواهي تأكيدا ومبالغة وتعميما وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ إرادة لإجرائها مجرى: فلان يعطي ويمنع مبالغة (وآثرنا) بالمد اخترنا بعنايتك وإكرامك (ولا تؤثر) تختر (علينا) غيرنا فتعزه وتذلنا: يعني لا تغلب علينا أعداءنا (وأرضنا) بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر والتحمل والقنع بما قسمت لنا من الرزق وذلك أن الله دبر لعبده قبل أن يخلقه شأنه من الرزق والأحوال والآثار وكل ذلك مقدر مؤقت يبرزه له في وقته كما قدره والعبد ذو شهوات وقد اعتادها وتخلق بها ودبر الله لعبده غير ما تخلق به من الشهوات فمرة سقم ومرة صحة ومرة غنى ومرة فقر وعسر وذل ومكروه ومحبوب فأحوال الدنيا تتداوله لا ينفك عن قضائه والعبد يريد ما وافقه واشتهاه وتدبير الله فيه غير ذلك فإذا رزق العبد الرضا بالقضاء استقام قلبه فترك جميع إرادته لمشيئة الله ينتظر ما يبرز له من تدبيره في جميع أحواله فيتلقاه بانشراح قلب وطيب نفس فيصير راضيا مرضيا والمصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من رزق الرضا وليس للشهوات ولا للشيطان عليه سلطان وإنما ذكر ذلك على طريق الإرشاد والتعليم للأمة وقال الطيبي: ويلوح من هذا الدعاء تباشير الإرادة والاستبشار والفوز بالمباغي ونيل الفلاح في الدنيا والعقبى. ولعمري إنه من جوامع الكلم (وارض عنا) بما نقيم من الطاعة القليلة التي في جهدنا. قال بعض الأكابر: من أيقن بحسن اختيار الله له لم يسره أن يكون على غير الحال التي هو عليها فكل راض مرضي عنه فاقتضت هذه السنة العلمية مضمون قوله تقدس {ارجعي إلى ربك راضية مرضية} فمن رجعت إلى ربه معرفته وذهبت نكرته اطمئن في الأوقات وغنم في مقاومة مقابلاتها الرضى واستقر في جنته وقته فكان هذا حاله عاجلا وذاك خطابه آجلا فقال الراغب: منزلة الرضى أشرف المنازل بعد النبوة فمن رضي عن الله فقد رضي الله عنه لقوله تعالى {رضي الله عنهم ورضوا عنه} فجعل أحد الرضاءين مقرونا بالآخر فمن بلغ هذه المنزلة فقد عرف خساسة الدنيا واطلع على جنة المأوى وخطب مودة الملأ الأعلى وحظي بتحيتهم المعينة بقوله {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} (ت ك) في الدعاء (عن عمر) بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل فنزل عليه فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فذكره. صححه الحاكم الحديث: 1467 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 1468 - (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب (ومن دعاء لا يسمع) أي لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع (ومن نفس لا تشبع) من جمع المال أشرا وبطرا أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة (ومن علم لا ينفع) أي لا يعمل به أو لا يهذب الأخلاق الباطلة فيسري إلى الأفعال الظاهرة (أعوذ بك من هؤلاء الأربع) قال الطيبي: في كل من القرائن إشعار بأن وجوده مبني على غايته والغرض الغاية فإن تعلم العلم إنما هو للنفع به فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافا بل يكون وبالا وإن القلب إنما خلق ليخشع لبارئه فإذا لم يخشع كان قاسيا يستعاذ منه {فويل للقاسية قلوبهم} وإنما يعتد بالنفس إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود فإذا كانت نهمة لا تشبع كانت أعدى عدو للمرء فهي أهم ما يستعاذ منه وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه (فإن قلت) قد علم من صدر الكلام الاستعاذة مما ذكر فما فائدة قوله: أعوذ بك من هؤلاء الأربع؟ (قلت) أفاد به التنبيه على توكيد هذا [ص: 109] الحكم وتقويته وفيه جواز تشجيع الدعاء. قال حجة الإسلام: والمكروه التكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة قال ابن حجر: هذا كان يصدر منه من غير قصد إليه ولذلك جاء في غاية الإنسجام (ت ن عن ابن عمرو) بن العاص (د ن هـ ك عن أبي هريرة ن عن أنس) قال الترمذي: حسن غريب وأخرج مسلم نحوه بأتم منه وأكثر فائدة فلو أثره المصنف لكان أحسن الحديث: 1468 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 1469 - (اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك) كالملائكة والأنبياء والأصفياء لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا إصلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه. قال ابن القيم: وهذا إشارة إلى أن من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل. واعلم أن كل حب لا يحكم على صاحبه بأن يصمه عن كل مسموع سوى كلام محبوبه ويعميه عن كل منظور سوى وجه محبوبه ويخرجه عن كل كلام إلا عن ذكر محبوبه وعن ذكر من يحب محبوبه ويختم على قلبه فلا يدخل سوى حب محبوبه ويرى قفله على خزانة خياله فلا يتخيل سوى صورة محبوبه أما عند رؤية تقدمته أو عن وصف ينشأ منه الخيال صورة فيكون كما قيل: خيالك في عيني وذكرك في فمي. . . ومثواك في قلبي فأين تغيب فيه يسمع وبه يبصر وله يتصور وبه يتكلم وله يكلم فليس من الحب في شيء (اللهم وما رزقتني مما أحب فأجعله قوة لي فيما تحب) لأصرفه فيه سأل الله تعالى أن يجعل ما رزقه من القوة والقوى الجسمانية والروحانية العلمية أو العملية مقويا له على ما يرضيه (وما زويت عني) أي صرفت عني ونحيت عني. قال القاضي: أصل الزي والجمع والقبض (مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب) يعني اجعل ما نحيته عني من محابي عونا على شغلي بمحابك وسببا لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغلني عن عبادتك وذلك لأن الفراغ خلاف الشغل فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ لحساب ربه كان ذلك الفراغ عونا له على الاشتغال بطاعة الله وقد حرر الله أسرار نبينا كالأنبياء من رق الأغيار وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الأثار لا يحبون إلا إياه ولا يشغلون بسواه <تنبيه> قال ابن عربي: ألطف ما في الحب ما وجدته وهو أن تجد عشقا مفرطا وهوى وشوقا مقلقا وغراما ونحولا وسهر أو منع لذة طعام ولا تدري فيمن ولا بمن ولا يتعين لك محبوبك ثم بعد ذلك يبدو لك تجلي في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصا فيتعلق ذلك الوجد به أو تذكر شخصا فتجد الميل إليه فتعلم أنه صاحبك وهذا من أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغيب فلا تدري بمن هامت ولا فيمن هامت ولا ما هامها ويجد الناس ذلك في القبض والبسط الذي لا يعرف سببه فبعده يأتيه ما يحزنه أو يسره فيعرف أن ذلك له وذلك لاستشراف النفس على الأمور قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة وهي مقدمات التكوين (تتمة) قد انطوى تحت هذا الحديث عدة مقامات مقام الحب ومقام التوحيد ومقام الصبر ومقام الشكر ومقام الرضى ومقام التسليم ومقام الأنس ومقام البسط ومقام التمكين وغير ذلك ولم يجتمع مثلها في حديث قصير إلا قليلا (ت) في الدعوات (عن عبد الله بن يزيد) بمثناتين تحتيتين من الزيادة (الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة قبيلة معروفة صحابي صغير شهيد الحديبية ابن سبع عشر وولى الكوفة لابن الزبير قال الترمذي: حسن غريب. قال ابن القطان: ولم يصححه لأن رواته ثقات إلا سفيان بن وكيع فمتهم بالكذب وترك الرازياني حديثه بعد ما كتبناه وقيل لأبي زرعة أكان يكذب؟ قال نعم الحديث: 1469 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 [ص: 110] 1470 - (اللهم اغفر لي ذنبي) أي ما لا يليق أو المراد إن وقع والعبد لا يأتي بما هو اللائق بجلال كبرياء الله ومنه ما عبدناك حق عبادتك فسمى هذا القصور بالنسبة لكمال القرب ذنبا مجازا (ووسع لي في داري) محل سكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويشتت الأمتعة ويجلب الهم ويشغل البال أو المراد القبر: إذ هو الدار الحقيقية وعلى الأول فالمراد التوسعة بما يقتضيه الحال لا الترفه والتبسط في الدنيا بل إنما يسأل حصول قدر الكفاية لا أزيد ولا أنقص. ولهذا قال بعض الحكماء: إما أن تتخذ لك دارا على قدر نجواك وتخبر على قدر دارك وإلا فهو سرف أو تقتير (وبارك لي في رزقي) أي اجعله مباركا محفوفا بالنماء والزيادة في الخير ووفقني بالرضى بما قسمته منه وعدم التلفت إلى غيره مع أني لا أنال إلا ما رزقتني وإن جهدت وهذا كان يقوله بعد الوضوء عقب أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أحمد والطبراني عن رجل من الصحابة وزاد فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهن فقال وهل تركن من شيء ورواه النسائي وابن السني عن أبي موسى قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو يقول فذكره وترجم عليه ابن السني بباب ما يقوله بين ظهراني وضوئه والنسائي بباب ما يقول بعد فراغ وضوئه قال في الأذكار: إسناده صحيح الحديث: 1470 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 1471 - (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) أي ذهابها مفرد في معنى الجمع يعم النعم الظاهرة والباطنة والنعمة كل ملائم تحمد عاقبته ومن ثم قالوا لا نعمة لله على كافر بل ملاذه استدراج. والاستعاذة من زوال النعم تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي لأنها تزيلها. ألا ترى إلى قوله: إذا كنت في نعمة فارعها. . . فإن المعاصي تزيل النعم (وتحول عافيتك) أي تبدلها ويفارق الزوال التحول كما قاله الطيبي بأن الزوال يقال في كل شيء ثبت لشيء ثم فارقه لفظ رواية أبي داود وتحويل بزيادة مثناة تحتية. والتحويل تغيير الشيء وانفصاله عن غيره فكأنه سأل دوام العافية وهي السلامة من الآلام والأسقام (وفجاءة) بالضم والمد وتفتح وتقصر بغنة (نقمتك) بكسر فسكون: غضبك وعقوبتك (وجميع سخطك) بالتحريك: أي سائر الأسباب الموجبة لذلك وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها (م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري الحديث: 1471 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 1472 - (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) كحقد وبخل وحسد وجبن ونحوها ولا مانع من إرادة السبب والمسبب معا لأن المسبب قد يحصل فيعفى عنه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وهذا مقول على منهج التعليم لغيره (والأعمال) الكبائر من نحو قتل وزنا وشرب خمر وسرقة ونحوها. قال بعض حكماء الإسلام: وهذه المنكرات منها ما لا ينفك منه غير المعصوم في متقلبه ومنها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا عليها متعارفا وذكر هذا مع عصمته تعليم لأمته كما سبق (و) منكرات (الأهواء) وهي الزيغ والانهماك في الشهوات جمع هوى مقصور هوى النفس وهو ميلها إلى المستلذات والمستحسنات عندها لأنه يشغل عن الطاعة ويؤدي إلى الأشر والبطر (والأدواء) من نحو جذام وبرص وسل واستسقاء وذات جنب ونحوها فهذه كلها بوائق الدهر فيقول أعوذ بك من بوائق [ص: 111] الدهر. قال الطيبي: والإضافة إلى القرينتين الأوليين من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال الراغب: والإنكار ضد العرفان والمنكر كل فعل يتوقف في استقباحه واستحسانه العقول ويحكم بقبحه الشرع. وقال زين العرب منكر الخلق ما لم يعرف حسنه من جهة الشرع قال الحكيم: إنما استعاذ من هذه الأربع لأن ابن آدم لا ينفك منها في متقلبه ليلا ونهارا وبها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا غير متعارف فيما بينهم فذاك الذي يشار إليه في بالأصابع في ذلك الأمر ومنه يعظم الوبال. قال الرشيدي: وعطف العمل على الخلق والهوى على العمل والداء عليها وإن كل الكل على الأول: من باب الترقي في الدعاء إلى ما يعم نفعه (ت طب ك عن عم زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة هو قطبة بن مالك. قال الترمذي حسن غريب الحديث: 1472 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 1473 - (اللهم متعني) انفعني زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين وقيل العمرين وانتصر له بخير: هذان السمع والبصر ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وخذ منه بثأري) أشار به إلى قوة المخالفين حثا على تصحيح الالتجاء والصدق في الرغبة (ت ك عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ذلك. ورواه البيهقي عن ابن جرير الحديث: 1473 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 1474 - (اللهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك) لأن النفس إذا أحبت الموت آنست بربها ورسخ يقينها في قلبها وإذا نفرت منه نفر اليقين فانحط المرء عن منازل المتقين ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وعكسه بعكسه (طب عن أبي مالك الأشعري) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيثمي فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف الحديث: 1474 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 1475 - (اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي) قال الزمخشري: وهو كل ولي كالأب والأخ وابن الأخ والعم وابنه والعصبة كلهم. وعد في القاموس من معانيه التي يمكن إرادتها هنا الصاحب والقريب والجار والحليف والناصر والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر. والمراد بالغنى الذي سأله غنى النفس لا غنى المال وسعة الحال كما قاله بعض أهل الكمال. قال ابن عطاء الله: لا يصح الغنى إلا بوجود الفقر لأن كل من افتقر إلى الله استغنى به ومن استغنى بالله بواسطة فقره إليه فغناه لا يماثله غنى أبدا (طب عن أبي صرمة) بكسر المهملة وسكون الراء: الأنصاري المازني بدري شاعر مجيد واسمه مالك بن قيس وقيل قيس بن صرمة ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا إسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة الأنصاري وهي ثقة الحديث: 1475 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 1476 - (اللهم اجعل فناء أمتي) أمة الإجابة وقول الزركشي أراد أمة الدعوة تعقبه ابن حجر (قتلا في سبيلك) أي في قتال أعدائك لإعلاء دينك (بالطعن) بالرمح (والطاعون) وخز أعدائهم من الجن: أي اجعل فناء غالب أمتي بهذين أو بأحدهما. قال بعضهم: دعى لأمته فاستجيب له في البعض أو أراد طائفة مخصوصة أو صفة مخصوصة كالخيار فلا تعارض بينه وبين الخبر الآتي: إن الله أجاركم من ثلاث أن يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا. الحديث. قال القرطبي: [ص: 112] جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو وقال بعض علمائنا الصحيح بأو والروايتان صحيحتا المعنى وبيانه أن مراده بأمته صحبه خاصة لأنه دعا لجميع أمته أن لا يهلكهم بسنة عامة ولا يسلط أعداءهم عليهم فأجيب فلا تذهب بيضتهم ولا معظمهم بموت عام ولا بعدو على مقتضى دعائه هذا والدعاء المذكور هنا يقتضي أن يفنوا كلهم بالقتل والموت عام فتعين صرفه إلى أصحابه لأن الله اختار لمعظمهم الشهادة بالقتل في سبيل الله بالطاعون الواقع في زمنهم فهلك به بقيتهم فقد جمع لهم الله الأمرين فالواو على أصلها من الجمع أو تحمل على التقسيمية قال الراغب: نبه بالطعن على الشهادة الكبرى وهي القتل في سبيل الله وبالطاعون على الشهادة الصغرى. وهذا الحديث هو المشار إليه في خبر آخر يقوله: الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم قال العلماء أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحصل لأمته أرفع أنواع الشهادة وهو القتل في سبيل الله بأيدي أعدائهم إما من الإنس وإما من الجن. وهذا الحديث مكي دعى به المصطفى صلى الله عليه وسلم عند خروجه مهاجرا وهو بالغار (حم طب عن أبي بردة) بن أبي موسى (الأشعري) اسمه الحارث أو عمارة أو عامر: سمع عليا وعائشة وولى قضاء الكوفة ورواه عنه أيضا الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور وصححه وأقره عليه الذهبي بل رواه باللفظ المذكور. قال الهيثمي: رجاله ثقات. اه. فلو عزاه المصنف له لكان أحسن على عادته في البداءة في العزو إليه وما أراه إلا ذهل عنه قال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن أبي موسى هذا هو العمدة في هذا الباب فإنه يحكم له بالصحبة لتعدد طرقه إليه الحديث: 1476 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 1477 - (اللهم إني أسألك) أي أطلب منك (رحمة من عندك) أي ابتداء من غير سبب وقال القاضي: نكر الرحمة تعظيما لها دلالة على أن المطلوب رحمة عظيمة لا يكتنه كنهها ووصفها بقوله من عندك مزيدا لذلك التعظيم لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصفه لقوله {وآتيناه من لدنا علما} (تهدي بها) أي ترشد (قلبي) إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي. وأجناس الهداية خمسة مترتبة وهي إضافة قوي يتمكن بها من الاهتداء ونصب الدلائل وإرسال الرسل والكشف والتوفيق والأخير هو الممنوع عن نحو الظالمين أينما وقع في القرآن (وتجمع بها أمري) أي تضمه بحيث لا أحتاج إلى أحد غيرك (وتلم) أي تجمع وتضم (بها شعثي) ما تفرق من أمري ملتئما غير متفرق وهو من اللم الجمع يقال لممت الشيء جمعته ومنه خبر تأكل لما وتوسع ذما: أي تأكل كثيرا مجتمعا (وتصلح بها غائبي) أي ما غاب عن باطني بالإيمان والأخلاق المرضية والملكات الرضية (وترفع بها شاهدي) أي ظاهري بالأعمال الصالحة والهيئات المطبوعة والخلال الجميلة: فالمراد تعميم الباطن وإصلاح الظاهر أو أراد بها في الأخرى بالرضا والكون مع الملأ الأعلى وفي الدنيا بالفوز والنصر على الأعداء وفيه حسن مقابلة بين الغائب والشاهد (وتذكي بها عملي) أي تزيده وتنميه وتطهره من أدناس الرياء والسمعة (وتلهمني بها رشدي) أي تهديني بها إلى ما يرضيك وتقربني إليك زلفى والإلهام أن يلقى الله في النفس أمرا يبعثه على فعل أو ترك وهو نوع من الوحي يختص الله به من يشاء من عباده قال الراغب: ورشد الله تعالى للعبد تسديده ونصرته يكون بما يخوله من الفهم الثاقب والسمع الواعي والقلب المراعي وتقيض المعلم الناصح والرفيق الموافق وإمداده من المال بما لا يقعد به عن معزاة قلبه ولا يشغل عنه كثرته ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفاهة السفهاء وعن الغض منه من جهة الأغنياء وأن يخوله من كبر الهمة وقوة العزيمة ما يحفظه عن التسبب بالأسباب الدنيئة والتأخير عن بلوغ كل منزلة سنية (وترد بها ألفتي) بضم الهمزة وكسرها مصدر بمعنى اسم مفعول: أي أليفي أو مألوفي: أي ما كنت آلفه (وتعصمني) أي تمنعني وتحفظني (بها من كل سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني والعصمة عندنا على ما حكم بها أصلنا من إسناد الحوادث ابتداء إلى الله أن لا يخلق في المرء ذنبا وعند الحكماء على ما ذهبوا إليه من قولهم بالإيجاب واعتبار الاستعداد القابل ملكة نفسانية تمنع من الفجور وعلى الأول. قال الراغب: العصمة فيض إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير ويجنب الشر حتى يصير كمانع له من باطنه وإن [ص: 113] لم يكن منعا محسوسا وليس ذلك بمانع ينافي التكليف كما توهمه بعض من المتكلمين (اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر) أي جحد لدينك فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات الشكوك واضمحلت منه غيوم الريب (ورحمة) أي عظيمة جدا بحيث (أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي علو القدر فيهما ورفع الدرجات إنما هو برحمة المتعال لا بحلائل الأعمال (اللهم إني أسألك الفوز في القضاء) أي الفوز باللطف فيه (ونزل) بضم النون والزاي وأصله حصول المطلوب ومنه {أذلك خير نزلا} (الشهداء) لأنه محل المنعم عليهم وهو وإن كان أعظمهم منزلة وأعلا منهم مرتبة لكنه ذكر للتشريع لأمته (وعيش السعداء) أي الذين قدرت لهم السعادة والمراد السعادة الأخروية لأنه كان من أكثر الناس تقللا من الدنيا وأزهد الناس مطلقا (والنصر على الأعداء) أي الظفر بهم والمراد أعداء الدين قال الراغب: والنصر من الله معونة الأنبياء والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلا وآجلا وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعينه تارة من داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في قلوب الأعداء وعليه قوله {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا} الآية (اللهم إني أنزل بك) أي أسألك قضاء (حاجتي) أي ما أحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة (فإن قصر) بالتشديد (رأيي) أي عجز عن إدراك ما هو الأنجح الأصلح. قال الراغب: والرأي إجالة الخاطر في رؤية ما يريده وقد يقال للقضية التي تثبت عن رأي الرائي (وضعف عملي) عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال (افتقرت إلى رحمتك) أي احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك التي وسعت كل شيء (فأسألك) أي فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب منك (يا قاضي الأمور) أي حاكمها ومحكمها. وفيه جواز إطلاق القاضي على الله تعالى (ويا شافي) مداوي (الصدور) يعني القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك الأبد (كما تجير) أي تفصل وتحجز (بين البحور) وتمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر مع الاتصال وتكفه من البغي عليه مع الالتصاق (أن تجيرني) تمنعني (من عذاب السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني (ومن دعوة الثبور) النداء بالهلاك (ومن فتنة القبور) فتنة سؤال منكر ونكير بأن ترزقني الثبات عند السؤال قال الزمخشري: فإن قلت كيف يمكن أن يجعل نبيه في السعير حتى يطلب أن يجيره منه (قلت) يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا للرب وإخباتا له اه. وبه يعرف أنه لا دلالة في الخبر على سؤال الأنبياء في القبر (اللهم ما قصر عنه رأيي) أي اجتهادي في تدبيري (ولم تبلغه نيتي) أي تصحيحها في ذلك الشيء المطلوب (ولم تبلغه مسألتي) إياك (من) كل (خير وعدته أحدا من خلقك) أن تفعله مع أحد من مخلوقاتك من إنس وجن وملك ولفظ رواية البيهقي عبادك بدل خلقك والإضافة للتشريف (أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك) أي من غير مسابقة وعد له [ص: 114] بخصوصه فلا يعد ما قبله تكرارا كما قد يتوهم (فإني راغب) أطلب منك بجد واجتهاد (إليك فيه) أي أجتهد في حصوله منك لي (وأسألك) زيادة على ذلك (من رحمتك) التي لا نهاية لسعتها (يا رب العالمين) الخلق كلهم وذكره تتميما لكمال الاستعطاف والابتهال وحذف حرف النداء في بعض الروايات (اللهم يا ذا الحبل الشديد) قال ابن الأثير: يرويه المحدثون بموحدة والمراد القرآن أو الدين أو السبب ومنه {واعتصموا بحبل الله جميعا} وصفه بالشدة لأنه من صفات الحبال والشدة في الدين الثبات والاستقامة. وصوب الأزهري كونه بمثناة تحتية وهو القوة واقتصر عليه الزمخشري جازما حيث قال: الحيل هو الحول أبدل واوه ياء وروى الكسائي لا حيل ولا قوة إلا بالله والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد من قوله تعالى {وأكيد كيدا} . {ومكروا ومكر الله} وقيل ذا القوة لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة. اه. (والأمر الرشيد) السديد الموافق لغاية الصواب (أسألك الأمن) من الفزع والأهوال (يوم الوعيد) أي يوم التهديد وهو يوم القيامة (والجنة) أي وأسألك الفوز بها (يوم الخلود) أي يوم إدخال عبادك دار الخلود: أي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار وذلك بعد فصل القضاء وانقضاء الأمر (مع المقربين) إلى الحضرات القدسية (الشهود) أي الناظرين إلى ربهم المشاهدين لكمال جماله (الركع السجود) أي المكثرين للصلاة ذات الركوع والسجود (الموفين بالعهود) أي بما عاهدوا عليه الحق والخلق (إنك رحيم) أي موصوف بكمال الإحسان بدقائق النعم (ودود) شديد الحب لمن والاك (وإنك) رواية البيهقي وأنت (تفعل ما تريد) فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم لا مانع لما أعطيت وقد وصف الله نفسه بالاختيار وأنه على كل شيء قدير وأنه فعال لما يريد وأنه لا مكره له وهو الصادق في قوله وما حكم به فقد ترتبت الأمور ترتيب الحكمة فلا معقب لحكمه فهو في كل حال يفعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي فعل حكيم عادل بالمراتب فتأتيه أسئلة السائلين وما يوافق توقيت الإجابة في عين ما سألوه فيه وقد تقرر أنه لا مكره له فلا بد من التوقف عند ذلك السؤال لمناقضته إذا أجابه ترتيب الحكمة فلذلك قال وإنك تفعل ما تريد (اللهم اجعلنا هادين) أي دالين الخلق على ما يوصلهم إلى الحق (مهتدين) إلى إصابة الصواب غي القول والعمل قال ابن القطان: قوله هادين مهتدين فيه تقديم وتأخير لأن الإنسان لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى. قال ابن حجر: وليست هنا صيغة ترتيب (غير ضالين) عن الحق (ولا مضلين) لأحد من خلقك (سلما) بكسر السين المهملة أي صلحا (لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون (وعدوا) لفظ رواية البيهقي حربا بدل عدوا (لأعدائك) ممن اتخذ لك شريكا أو ندا أو فعل معك ما لا يليق بكمالك (نحب بحبك) أي بحسب حبك (من أحبك) حبا خالصا وفي رواية البيهقي نحب بحبك الناس (ونعادي بعداوتك) أي بسبب عداوتك (من خالفك) أي خالف أمرك وهذا ناظر إلى أن من كمال الإيمان الحب في الله والبغض في الله (اللهم هذا الدعاء) أي هذا ما أمكننا من الدعاء فقد أتينا به ولم نأل جهدا وهو مقدورنا (وعليك) الإجابة فضلا منك ولا وجوبا (وهذا الجهد) بالضم وتفتح الوسع والطاقة (وعليك التكلان) بضم التاء الاعتماد ومن توكل على الله أسكن قلبه الحكمة وكفاه كلامهم وأوصله إلى كل محبوب [ص: 115] (اللهم اجعل لي نورا في قلبي) أي نورا عظيما فالتنوين للتعظيم وقدم القلب لأنه مقر للتفكر في آلاء الله ومصنوعاته والنور ما يتبين به الشيء (ونورا في قبري) أستضيء به في ظلمة اللحد (ونورا بين يدي) أي يسعى أمامي (ونورا من خلفي) أي من ورائي ليتبعني اتباعي ويقتدي في أشياعي. قال الحراني: والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه فينطمس عن حواس إقبال شهوده (ونورا عن يميني ونورا عن شمالي ونورا من فوقي ونورا من تحتي) يعني اجعل النور يحفني من الجهات الست (ونورا في سمعي ونورا في بصري) لأن السمع محل السماع لآياتك والبصر محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادة ذلك تزداد المعارف (ونورا في شعري ونورا في بشري) أي ظاهر جلدي (ونورا في لحمي) الظاهر والباطن (ونورا في دمي ونورا في عظامي) نص على هؤلاء لأن اللعين يأتي الناس في هذه الأعضاء فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة. قال القاضي: معنى طلب النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتعرى عن ظلم الجهالة والمعاصي طلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم وأن يكون جميع ما يتصدى ويعرض له سببا لمزيد علمه وظهور أمره وأن يحيط به يوم القيامة فيسعى خلال النور كما قال تعالى في حق المؤمنين {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} ثم لما دعى أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا يهتدي به إلى كماله وأن يحيط به من جميع الجوانب فلا يخفى عليه شيء ولا ينسد عليه طريق: دعا أن يجعل له نورا به يستضيء الناس ويهتدون إلى سبل معاشهم ومعادهم في الدنيا والآخرة فدعا بإثبات النور فيها والمراد استعمالها بالصواب (اللهم أعظم لي نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها وهذا دعاء بدوام ذلك لأنه حاصل له وهو تعليم لأمته وفي رواية بدل اجعل لي نورا اجعلني نورا قال ابن عربي: دعا بجعل النور في كل عضو وكل عضو له دعوة بما خلقه الله عليه من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها ولما علم المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى ينفر الظلمة دعوة كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما قال اجعلني نورا يقول اجعلني نورا يهتدي بي كل من رآني في ظلمات بر وبحر فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم منه وهذا منحة في أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب قال في الحكم النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر عبدا أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار (سبحان الذي تعطف بالعز) أي تردى به بمعنى أنه اتصف بأنه يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء لأن العزة كما قال الحراني: الغلبة على كلية الظاهر والباطن ولفظ رواية السهيلي لبس العز بدل تعطف بالعز قال الزمخشري: العطاف والمعطف كالرداء والمردأ واعتطفه وتعطفه كارتداء وترداه وعطف الثوب رداؤه وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل وهما جانبا عنقه وهذا من المجاز المحكي نحو نهاره صائم والمراد وصف الرجل بالصوم ووصف الله بالعز ومثله قوله: يجر رباط الحمد في دار قومه أي هو محمود في قومه (وقال به) أي غلب به على كل عزيز وملك عليه أمره من القبل وهو الملك الذي ينفذ قوله فيما يريد انتهى ذكره الزمخشري وفي الروض الأنف قد صرفوا من القيل فعلا فقالوا قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه الذي رواه عنه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال به أي ملك به وقهر هكذا [ص: 116] فسره الهروي في الغريبين انتهى بنصه وبه يعرف أن تفسير صاحب النهاية ومن على قدمه قال به بأحبه واختص به غير جيد (سبحان الذي لبس المجد) أي ارتدى بالعظمة والكبرياء والشرف والكرم. قال الزمخشري: ومن المجاز مجد الرجل عظم كرمه فهو ماجد ومجيد وله شرف ومجد وتمجد الله بكرمه وعباده يمجدونه وهو أهل التماجيد وأمجد الله فلانا ومجده كرم فعاله انتهى ولذلك حسن تعقيبه بقوله (وتكرم به) أي تفضل وأنعم على عباده (سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له) أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس (سبحان ذي الفضل) قال الزمخشري: الفضل ما يتفضل به زيادة على الثواب والفضل والفاضلة والإفضال ولفلان فواضل في قومه وفضول (والنعم) جمع نعمة وهي كل ملائم تحمد عاقبته (سبحان ذي المجد والكرم) زاد البيهقي سبحان الذي أحصى كل شيء علمه سبحان ذي المن سبحان ذي الطول (سبحان ذي الجلال والإكرام) قال في الكشاف معناه الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك أو من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده وهذه من عظيم صفات الله تعالى وقال السيد: المراد بصفات الجلال التنزه عن سمات النقصان وفيه كما قال الغزالي: إن المنهي عنه من السجع ما كان بتكلف فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة بخلاف الكلمات المتوازنة الخالية عن التكلف (ت ومحمد ابن نصر في) كتاب (والصلاة طب والبيهقي في) كتاب (الدعوات) كلهم من حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه (عن) جده عبد الله (بن عباس) لكن بزيادة ونقص قال: بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ممسيا وهو في بيت خالتي ميمونة فقام فصلى من الليل فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال اللهم إني أسألك إلى آخره وداود هذا عم المنصور ولي المدينة والكوفة للسفاح حدث عنه الكبار كالنوري والأوزاعي ووثقه ابن حبان وغيره وقال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب إنما يجدث بحديث واحد كذا روى عثمان بن سعيد عنه وقد أرده ابن عدي في الكامل وساق له بضعة عشرة حديثا ثم قال عندي لا بأس بروايته عن أبيه عن جده احتج به مسلم وخرج له الأربعة الحديث: 1477 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 1478 - (اللهم لا تكلني) أي لا تصرف أمري (إلى نفسي) أي لا تسلمني إليها وتتركني هملا (طرفة عين) أي تحريك جفن وهو مبالغة في القلة (ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني) قد علم أن ذلك لا يكون ولكنه أراد أن يحرك همم أمته إلى الدعاء بذلك. قال الحليمي: وهذا تعليم منه لأمته أنه ينبغي كونهم مشفقين من أن يسلموا الإيمان أو التوفيق للعمل فإن من سلب التوفيق لم يملك نفسه ولم يأمن أن يضيع الطاعات ويتبع الشهوات فينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا الخوف من همه (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه إبراهيم بن يزيد الحرذي وهو متروك الحديث: 1478 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 1479 - (اللهم اجعلني شكورا) أي كثير الشكر لك. قال الغزالي: والشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع فهو نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من قال الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل اللسان وقول بعضهم: الشكر اعتكاف على بساط الشهود بإدامة الحرمة جامع لأكثر معاني الشكر لا يشذ منه إلا عمل اللسان (واجعلني صبورا) أي لا أعاجل بالانتقام أو المراد الصبر العام (واجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا) استوهب ربه أن يعظمه في عيون الخلق ليسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها [ص: 117] من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب ومعاناة أهوال الحروب (البزار) في مسنده (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن الخصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية ثم تحتية ثم موحدة قال الهيثمي فيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف لكن حسن البزار حديثه الحديث: 1479 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 1480 - (اللهم إنك لست بإله استحدثناه) أي طلبنا حدوثه أي تجدده بعد أن لم يكن (ولا برب ابتدعناه) أي اخترعناه على غير مثال سبق والباء فيه لتأكيد النفي وفي نسخ استحدثناك وابتدعناك بالكاف بدل الهاء (ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه وننذرك) أي نتركك (ولا أعانك على خلقنا) أي إيجادنا من العدم (أحد غيرك فنشركه) فيك أي في عبادتك والالتجاء إليك فإنك المتفرد بالخلق والإيجاد والتقدير (تباركت) تقدست وتنزهت (وتعاليت) تمامه عند مخرجه الطبراني قال كعب وهكذا كان نبي الله داود يدعو (طب عن صهيب) قال الهيثمي وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك الحديث: 1480 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 1481 - (اللهم إنك تسمع كلامي) أي لا يعزب عنك مسموع وإن خفي بغير جارحة (وترى مكاني) إن كنت في ملاء أو خلاء (وتعلم سري) وفي نسخة سريرتي (وعلانيتي) أي ما أخفي وما أظهر (لا يخفى عليك شيء من أمري) تأكيد لما قبله لدفع توهم المجاز والتخصيص. قال الحراني: الإخفاء تغييب الشيء وأن لا يجعل عليه علم يهتدي إليه من جهته والغرض من ذلك الإجابة والقبول (وأنا البائس) الذي اشتدت ضرورته (الفقير) أي المحتاج إليك في سائر أحواله وجميع أموره (المستغيث) أي المستعين المستنصر بالله فاكشف كربتي وأزل شدتي يقال أغاثه الله إذا أعانه واستغاث به فأغاثه وأغاثهم الله كشف شدتهم (المستجير) بالجيم الطالب منك الأمان من عذابك (الوجل) أي الخائف (المشفق) أي الحذر قال في المصباح: أشفقت من كذا بالألف حذرت. وقال الزمخشري: تقول أنا مشفق من هذا أي خائف منه خوفا يرق القلب ويبلغ منه مبلغا (المقر المعترف بذنبه) عطف تفسير ففي الصحاح كغيره أقر بالحق اعترف به وقال الزمخشري: أقر على نفسي بالذنب أعترف (أسألك مسألة المسكين) أي الخاضع الضعيف سمي مسكينا لسكونه إلى الناس وهو بفتح الميم في لغة بني أسد وبكسرها عند غيرهم (وأبتهل إليك ابتهال المذنب) أي أتضرع إليك تضرع من أخجلته مقارفة الذنوب إلى الله تضرع. وفي الصحاح كغيره الابتهال التضرع. وقال الزمخشري: ابتهل واجتهد في الدعاء اجتهاد المبتهلين (الذليل) أي الضعيف المستهان به (وأدعوك دعاء الخائف المضطر) وفي نسخ الضرير وهو بمعناه بين بهذا أن العبد وإن علت منزلته فهو دائم الاضطرار لأن الاضطرار تغطية حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمده كما أن الحق هو الغني أيضا فالعبد مضطر إليه أبدا ولا يزايله هذا الاضطرار في الدنيا ولا في الآخرة حتى لو دخل الجنة فهو محتاج إليه فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق أن لا يختلف حكمها لا في الغيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره وقد عيب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار فلما زالت زال اضطرارهم ولما لم تقبل عقول العامة [ص: 118] إلى ما تعطيه حقيقة وجودهم سلط الله عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته (من خضعت لك رقبته) أي نكس رأسه رضى بالتذلل إليك وفي الصحاح الخضوع: التطامن والتواضع وقال الزمخشري: خضع لله خضوعا تطامن وقوم خضع ناكسوا الرؤوس ورجل أخضع راضي بالذل (وفاضت) سالت (لك عبرته) بفتح العين أي سال لك من الفرق دموعه وفي الصحاح فاض الماء كثر حتى سال على ضفة الوادي والعبرة بالفتح تحلب الدمع وبالكسر الاعتبار وفي القاموس العبرة بالفتح الدمعة قبل أن تفيض وتردد البكاء في الصدر (وذل لك جسمه) أي انقاد بجميع أركانه الظاهرة والباطنة (ورغم لك أنفه) أي لصق بالتراب وفي الصحاح الرغام بالفتح التراب وأرغم أنفه ألصقه بالتراب. وقال الزمخشري: من المجاز ألصقه بالرغام إذا أذله وأهانه ومنه رغم أنفه وأرغمه الله وفي النهاية أصل رغم أنفه لصق بالتراب ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره (اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا) أي تبعا خائبا قال الزمخشري: من المجاز أشقى من رائض مهر أي أتعب منه ولم يزل في شقاء من أمره في تعب (وكن بي رؤوفا رحيما) أي عطوفا شفوقا (يا خير المسؤولين ويا خير المعطين) أي يا خير من طلب منه ويا خير من أعطى قال في الصحاح: السؤال ما يتساءله الإنسان. وقال الزمخشري: سألته حاجة وأصبت منه سؤلي طلبتي فعل بمعنى مفعول كعرف ونكر وقال: ومن المجاز هو مسألتي من الدنيا واللهم أعطنا سؤالاتنا وتعلمت مسألة ومسائل أستعير المصدر للمفعول (طب عن ابن عباس) قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عشية عرفة اللهم. . . إلى آخر ما ذكر. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه يحيى بن صالح الأملي وقال العقيلي له مناكير وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 1481 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 1482 - (اللهم أصلح ذات بيننا) أي الحال التي يقع بها الاجتماع (وألف بين قلوبنا) أي اجعل بينها الإيناس والمودة والتراحم لتثبت على الإسلام وتقوى على مقاومة أعدائك ونصر دينك (واهدنا سبل السلام) أي دلنا على طريق السلامة من الآفات أو على طرق دار السلام الجنة (ونجنا من الظلمات إلى النور) أي أنقذنا من ظلمات الدنيا إلى نور الآخرة أو من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة (وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي بعدنا عن القبائح الظاهرة والباطنة فإنا عاجزون عن التنقل منها ورفع الهمم عن مواقعها وإن اجتهدنا بما جبلنا عليه من الضعف وتسلط الشيطان علينا فلا قوة لنا إلا بك (اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا) طلب التوبة أثر الحسنة كما هو مطلب العارفين بالله ثم علل طمعه في ذلك بأن عادته تعالى التطول والتفضل فقال (إنك أنت التواب) أي الرجاع بعباده إلى مواطن النجاة بعدما سلط عليهم عدوهم بغوايتهم ليعرفوا فضله عليهم وعظيم قدرته ثم اتبعه وصفا هو كالتعليل له فقال (الرحيم) أي المبالغ في الرحمة لعبادك (واجعلنا شاكرين لنعمتك) أي إنعامك (مثنين بها قابلين لها وأتمها علينا) [ص: 119] سأل التوفيق لدوام الشكر لأن الشكر قيد النعم فيه تدوم وتبقى وبتركه تزول وتحول قال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} قال {لئن شكرتم لأزيدنكم} فالحق تقدس إذا رأى عبده قام بحق نعمته بالدوام على شكرها من بأخرى رآه لها أهلا وإلا قطع عنه ذلك (طب) وكذا في الأوسط (ك عن ابن مسعود) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء قال الهيثمي وإسناد الكبير جيد انتهى ومن ثم آثره المصنف الحديث: 1482 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 1483 - (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي) قدم إليك ليفيد الاختصاص أي أشكو إليك لا إلى غيرك فإن الشكوى إلى الغير لا تنفع (وقلة حيلتي وهواني على الناس) أي احتقارهم إياي واستهانتهم واستخفافهم بشأني واستهزاؤهم بي (يا أرحم الراحمين) والشكوى إليه سبحانه لا تنافي أمره بالصبر في آي التنزيل فإن إعراضه عن الشكوى لغيره وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر والله سبحانه وتعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه (إلى من تكلني) تفوض أمري (إلى عدو يتجهمني) بالتشديد أي يلقاني بغلظة ووجه كريه؟ قال الزمخشري: وجه جهم غليظ وهو البأس الكريه ويوصف به الأسد وتجهمته وجهمته استقبلته بوجه مكفهر وقبل هو أن يلغظ الرجل له في القول ومن المجاز الدهر يتجهم الكرام وتجهمني أملي إذا لم تصبه (أم إلى قريب ملكته أمري) أي جعلته متسلطا على إيذائي ولا أستطيع دفعه (إن لم تكن ساخطا علي) في رواية إن لم يكن بك سخط علي وفي أخرى بدل سخط غضب (فلا أبالي) بما يصنع بي أعدائي وأقاربي من الإيذاء طلبا لمرضاتك (غير أن عافيتك) التي هي السلامة من البلايا والأسقام وهي مصدر جاء على فاعله (أوسع لي أعوذ بنور وجهك) أي ذاتك (الكريم) أي الشريف والكريم يطلق على الشريف النافع الذي يدوم نفعه (الذي أضاءت له السماوات والأرض) جمع السماوات وأفرد الأرض لأنها طبقات متفاضلة بالذات مختلفة بالحقيقة (وأشرقت له الظلمات) أشرقت على البناء المفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرفها الله كما تقول ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا ذكره كله الزمخشري قال في الحكم: الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو قبله أو عنده أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الأثار (وصلح) بفتح اللام وتضم (عليه أمر الدنيا والآخرة) أي استقام وانتظم والصلاح ضد الفساد وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير والصواب والصلح اسم منه وهو التوفيق كما في المصباح (أن تحل علي غضبك) أي تنزله بي أو توجبه علي. قال في المختار كأصله حل العذاب يحل بالكسر حلا أي وجب ويحل بالضم حلولا نزل وقرىء بهما قوله تعالى {فيحل عليكم غضبي} (أو تنزل علي سخطك) أي غضبك هو من عطف الرديف (ولك العتبى حتى ترضى) أي أسترضيك حتى ترضى يقال استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني (ولا حول ولا قوة إلا بك) استعاذ بهذا بعد الاستعاذة بذاته تعالى إشارة إلى أنه لا توجد قابضة حركة ولا قابضة سكون في خير وشر إلا بأمر التابع لمشيئته {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} وهذا يسمى دعاء الطائف وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب اشتد أذى قومه له فخرج إلى الطائف رجاء أن يأووه وينصروه فأذاقوه أشد [ص: 120] من قومه ورماه سفهاؤهم بالحجارة حتى دميت قدماه وزيد مولاه يقيه بنفسه حتى انصرف راجعا إلى مكة محزونا فدعى بهذا فعند ذلك أرسل إليه ربه ملك الجبال فسأله أن يطبق على قومه الأخشبين فقال: بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده (طب) عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الحديث: 1483 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 1484 - (اللهم واقية كواقية الوليد) أي المولود كما فسره به راوي الخبر ابن عمر فهو فعيل بمعنى مفعول أي كلاءة وحفظا ككلاءة الطفل المولود وحفظه. قال العسكري: أراد ما يقيه الله من الحشرات وما يدب على الأرض من الهوام وما يدفع عنه مع قلة دفعه عن نفسه وجهله بتوقي المتالف والمعاطب وقيل المراد بالوليد موسى {ألم نر بك فينا وليدا} أي كما وقيت موسى شر فرعون وهو في حجره فقني شر قومي وأنا بين أظهرهم والوقاية بالكسر الصيانة. وقال الزمخشري: والوليد الصبي الصغير لأنه لا يبصر المعاطب وهو يتعرض لها ثم يحفظه الله أو لأن القلم مرفوع عنه فهو محفوظ من الآثام وذلك لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما ترك اختياراته وأمات في مخالفتها شهواته ولذاته ذهل عن أوصافه وشغل بمحبة محبوبه عن نفسه وصفاته فهو لا يخير في أحكام مولاه بل فوض أمره إليه وأقبل بكليته عليه وطلب منه أن يصرفه في مشيئته ومحابه ويحوطه بعصمته (ع عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات الحديث: 1484 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 1485 - (اللهم كما حسنت) وفي رواية أحسنت (خلقي) أوله (فحسن خلقي) بضمتين أي لأقوى على أثقال الخلق وأتخلق بتحقيق العبودية والرضا بالقدر ومشاهدة الربوبية. قال الطيبي: ويحتمل أن يراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه. وفيه إشارة إلى قول عائشة كان خلقه القرآن وأن يكون قد طلب المزيد والثبات على ما كان وتمسك به من قال إن حسن الخلق غريزي لا مكتسب والمختار أن أصول الأخلاق غرائز والتفاوت في الثمرات وهو الذي به التكليف (حم) وكذا ابن حبان (عن ابن مسعود) قال الزين العراقي ووهم من زعم أنه أبو مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال اللهم إلى آخره قال المنذري رواته ثقات الحديث: 1485 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 1486 - (اللهم احفظني بالإسلام قائما) أي حالة كوني قائما وكذا يقال فيما بعده (واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا) أراد في جميع الحالات. قال الطيبي: يحتمل أن المراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} وأن يكون طلب المزيد والثبات على ما كان (ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا) أي لا تنزل بي بلية يفرح بها عدوي وحاسدي وفي الصحاح الشماتة الفرح ببلية العدو والحسد تمني زوال نعمة المحسود (اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) جمع مخزن كمجلس ما يخزن فيه الشيء قال ابن الكمال كغيره واليد مجاز عن القوة المتصرفة ولا يخفى وجه التجوز على من له قدم راسخ في علم البيان وتشبيها باعتبار تنوع التصرف في العالمين عالم الشهادة المسمى بعالم الملك وعالم الغيب المسمى بعالم الملكوت ومن هنا ظهر وجه قوله سبحانه {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} أي لما خلقته ذا حظ من عالمي الملك والملكوت وفيه إشارة إلى جهة فضل آدم على من أمر بالسجود له ممن لا حظ لهم من أحد من العالمين المذكورين (ك عن [ص: 121] ابن مسعود) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول اللهم إلخ وزاد البيهقي في الدعوات من طريق هاشم بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه وسأله أن يأمر له بوسق تمر فقال: إن شئت أمرت لك وإن شئت علمتك كلمات خيرا لك منه فقال: علمنيهن ومر لي بوسق فإني ذو حاجة إليه قال: أفعل وقال: قل اللهم احفظني إلخ الحديث: 1486 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 1487 - (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك) بكسر الجيم جمع موجبة وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الرحمة أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا فالحق لا يجب عليه شيء (وعزائم مغفرتك) أي مؤكداتها أو موجباتها جمع عزيمة يعني أسألك أعمالا بعزم تهب بها مغفرتك قال الراغب: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر (والسلامة من كل إثم) يوجب عقابا أو عتابا أو نقص درجة أو غير ذلك قال العراقي: وهذا مصرح بحل سؤال العصمة من كل ذنب ولا اتجاه لاستشكاله بأنها إنما هي لنبي أو ملك لأنها في حقهما واجبة ولغيرهما جائزة وسؤال الجائز جائز لكن الأدب في حقنا سؤال الحفظ لا العصمة (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء الطاعة والخير قال الزمخشري: ومن يبر ربه يطيعه (والفوز بالجنة والنجاة من النار) سبق أنه وإن كان محكوما له بالفوز والنجاة لكنه قصد التشريع لأمته والتعليم لهم (ك عن ابن مسعود) قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إلخ الحديث: 1487 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 1488 - (اللهم أمتعني بسمعي وبصري حتى تجعلهما الوارث مني) أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى أو اجعل تمتعي بهما في مرضاتك باقيا فذكره بعد انقضاء أجلنا وانقطاع عملنا (وعافني في ديني وفي جسدي وانصرني ممن ظلمني) من أعداء دينك (حتى تريني فيه ثأري) أي تهلكه وفي الصحاح الثأر الدخل يقال ثأر القتيل بالقتيل أي قتل قاتله (اللهم إني أسلمت نفسي) أي ذاتي (إليك) يعني جعلت ذاتي طائعة لحلمك منقادة لك في كل أمر ونهي (وفوضت) أي رددت (أمري إليك) أي حكمك (وألجأت ظهري إليك) أي أسندته إليك كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم لا سند يتقوى به سواه وخص الظهر لجري العادة بأن المرء يعتمد بظهره إلى ما يسند إليه (وخليت) بخاء معجمة أي فرغت (وجهي) أي قصدي (إليك) يعني براءته من الشرك والنفاق وعقدت قلبي على الإيمان (لا ملجأ) بالهمز ويترك للازدواج مع قوله (ولا منجا) فهذا مقصور لا يجوز مده ولا همزه إلا بقصد المناسبة للأول أي لا مهرب ولا مخلص ولا ملاذ لمن طلبته (منك إلا إليك) فأموري الداخلة والخارجة مفتقرة إليك (آمنت برسولك الذي أرسلت) يعني نفسه أو المراد بكل رسول أرسلته أو وقع منه ذلك تعليما للغير (وبكتابك الذي أنزلت) أي أنزلته يعني القرآن أو كل كتاب سبق على ما سبق هكذا فسر القاضي الحديث وقال الطيبي: في هذا النظم عجائب وغرائب [ص: 122] لا يعرفها إلا الثقات من أهل البيان فقوله أسلمت نفسي إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إشارة إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق وقوله فوضت إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وقوله ألجأت بعد فوضت إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره من الأسباب الداخلة والخارجة ثم قوله رغبة ورهبة منصوبات على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وملجأ مهموز ومنجا مقصور همز للازدواج وقوله آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم في قوله أسلمت إلخ ورسولك الذي أرسلت تخصيص من التخصيص فعلى هذا قوله رغبة ورهبة إليك من باب قوله متقلدا سيفا ورمحا وفي رواية للبخاري بدل رسولك نبيك قال الخطابي: فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى. قال: ويحتمل أن يكون أشار بقوله نبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا. وقال غيره: لا حجة فيه على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى وكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان مرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده وذكر احترازا ممن أرسل من غير نوبة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول أو لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا. قال ابن حجر: فعلى هذا قول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه (ك في الدعاء عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو كذلك على الجملة وإلا ففي البخاري ومسلم نحوه مفرقا بزيادة ونقص الحديث: 1488 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 1489 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) بسكون الجيم سلب القوة وتخلف التوفيق إذ صفة العبد العجز وإنما يقوى بقوة يحدبها الله فيه فكأنه استعاذ به أن يكله إلى أوصافه فإن كل من رد إليها فقد خذل (والكسل) التثاقل والتراخي مما ينبغي مع القدرة أو هو عدم انبعاث النفس لفعل الخير والعاجز معذور والكسلان لا ومع ذلك هو حالة رؤية ولو مع عذر فلذا تعوذ منه (والجبن) بضم فسكون الخور عن تعاطي الحرب خوفا على المهجة وإمساك النفس والضن بها عن إتيان واجب الحق (والبخل) منع السائل المحتاج عما يفضل عن الحاجة (والهرم) كبر السن المؤدي إلى تساقط القوى وسوء الكبر ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبط في الرأي وقال الموفق البغدادي: هو اضمحلال طبيعي وطريق للفناء ضروري فلا شفاء له (والقسوة) غلظ القلب وصلابته (والغفلة) غيبة الشيء عن البال وعدم تذكره واستعمل في تاركه إهمالا وإعراضا كما في قوله سبحانه {وهم في غفلة معرضون} (والعيلة والذلة) بالكسر الهوان على الناس ونظرهم إلى الإنسان بعين الاحتقار والاستخفاف به (والقلة) بالكسر قلة البصر أو قلة الأنصار أو القلة في أبواب الخير وخصال البر أو قلة المال بحيث لا يجد كفافا من قوت فيعجز عن وظائف العبادة (والمسكنة) قلة المال وسوء الحال (وأعوذ بك من الفقر) أي فقر النفس لا ما هو المتبادر من معناه من إطلاقه على الحاجة الضرورية فإن ذلك يعم كل موجود {با أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} وأصله كسر فقار الظهر (والكفر) عنادا أو جحدا أو نفاقا وأورده عقب الفقر لأنه قد يفضي إليه (والفسوق) الخروج عن الاستقامة والجور ومنه قيل للعاصي فاسق (والشقاق) مخالفة الحق بأن يصير كل من المتنازعين في شق أي ناحية كان كل فريق يحرص على ما يشق على الآخر [ص: 123] (والنفاق) الحقيقي أو المجازي (والسمعة) بضم فسكون التنويه بالعمل ليسمعه الناس (والرياء) بكسر الراء والمد ومثناة تحتية إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوه فالسمعة أن يعمل لله خفية ثم يتحدث بها تنويها والرياء أن يعمل لغير الله وذكر هذه الخصال لكونها أقبح خصال الناس فاستعاذته منها إبانة عن قبحها وزجر للناس عنها بألطف وجه وأمر بتجنبها بالالتجاء إلى الله (وأعوذ بك من الصمم) بطلان السمع أو ضعفه. قال القاضي: وأصله صلابة من اكتناز الأجزاء ومنه قيل حجر أصم وقناة صماء سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ كنزا لا تجويف فيه يشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه (والبكم) بالتحريك الخرس أو أن يولد لا ينطق ولا يسمع والخرس أن يخلق بلا نطق (والجنون) زوال العقل (والجذام) علة تسقط الشعر وتفتت اللحم وتجري الصديد منه (والبرص) علة تحدث في الأعضاء بياضا رديئا (وسيء الأسقام) الأمراض الفاحشة الرديئة المؤدية إلى قرار الحميم وقلة الأنيس أو فقده كالاستسقاء والسل والمرض المزمن وهذا من إضافة الصفة للموصوف أي الأسقام السيئة قال التوربشتي ولم يستعذ من سائر الأسقام لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه على نفسه بالصبر خفت مؤنته كحمى وصداع ورمد وإنما استعاذ من السقم المزمن فينتهي صاحبه إلى حال يفر منه الحميم ويقل دونه المؤانس والمداوي مع ما يورث من الشين وهذه الأمراض لا تجوز على الأنبياء بل يشترط في النبي سلامته من كل منفر وإنما ذكرها تعليما للأمة كيف تدعو (ك والبيهقي في) كتاب (الدعاء عن أنس) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إلى آخره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 1489 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 1490 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع) الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) المضاجع لأنه يمنع استراحة البدل ويحلل المواد المحمودة بلا بدل ويشوش الدماغ ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة ويضعف البدن عن القيام بالطاعة والمراد الجوع الصادق وآيته أن تكتفي نفسه بالخبز بلا آدم ذكره كله القاضي. وقال الطيبي: خص الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذي يلازمه ليلا ونهارا ومن ثم حرم الوصال ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات سيما قيام التهجد والبطانة بالخيانة لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير فهي وإن كانت بطانة لحاله لكن يجري سريانه إلى الغير مجرى الظهارة وسئل بعضهم كيف تمدح الصوفية بالجوع مع استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه فقال: إنما مدحوا الجوع المشروع لكونه مطلوبا للسالك ليخرج عن تحكم الشهوات البهيمية فيه فإذا خرج عنها نار هيكله وأدرك بالنور الحق والباطل وحينئذ يكون جوع مطيته الحاملة له إلى حضرة مولاه ظلم لها ونظيره الإيثار فإنه إنما مدح ليتخلص من ورطة الشره والحرص الكامن في طبعه وبخروجه لم يبق ما يخاف منه فيطالب حينئذ بالبداءة لنفسه لكونها أقرب جار إليه وإليه أشار بخبر ابدأ بنفسك وأنشدوا في مدح الجوع في أول السلوك الجوع موت أبيض. . . وهو من أعلام الهدى. . . ما لم يؤثر خلا فهو دواء هودا. . . فاحكم به تكن به. . . موقفا مسددا [ص: 124] وأنشدوا في ذم الجوع غير المشروع: جوع العوائد محمود فلست أرى. . . فيما أراه من استعماله بأسا الجوع بأس ضجيع العبد جاء به. . . لفظ النبي فلا ترفع به رأسا جوع الطبيعة مذموم وليس يرى. . . فيه المحقق بالرحمن إيناسا أي جوع الأكابر اضطرار لا اختيار لوجوب العدل عليهم في رعاياهم حتى انقادت ولم يكن الجوع مطلوبا لها إلا حال عتوها وأنفتها عن الطاعة فهو كان عقوبة لها من باب {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} (ومن الخيانة) مخالفة الحق بنقض العهد في السر (فإنها بئست البطانة) بالكسر أي بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة قال في المغرب بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب. وقال الراغب: تستعار البطانة لمن تخصه بالإطلاع عليه باطن أمرك. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع وغير ذلك (ومن الكسل والبخل والجبن) قال الطيبي: الجود إما بالنفس أو بالمال ويسمى الأول شجاعة والثاني سخاوة ويقابلها البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا في متناه في النقص (ومن الهرم وأن أرد إلى أرذل العمر) أي إلى آخره في حال الهرم والخوف والعجز والضعف وذهاب العقل والأرذل من كل شيء الرديء منه. قال الطيبي: المطلوب عند المحققين من العمر التفكير في آلاء الله ونعمائه تعالى من خلق الموجودات فيقيموا بموجب الشكر بالقلب والجوارح والخوف والفاقد لهما فهو كالشيء الرديء الذي لا ينتفع به. فينبغي أن يستعاذ منه (ومن فتنة الدجال) محنته والفتنة الامتحان والاختبار استعيرت لكشف ما يكره والدجال فعال بالتشديد من الدجل التغطية سمي به لأنه يغطي الحق بباطله (وعذاب القبر) عقوبته ومصدره التعذيب فهو مضاف للفاعل ومجازا أو هو من إضافة المظروف أظرفه أي ومن عذاب في القبر أضيف للقبر لأنه الغالب وهو نوعان دائم ومنقطع (ومن فتنة المحيا) بفتح الميم ما يعرض للمرء مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها والجهالات أو هي الابتلاء مع زوال الصبر (والممات) أي ما يفتن به عند الموت أضيفت له لقربها منه أو المراد فتنة القبر أي سؤال الملكين والمراد من شر ذلك. قال الكمال: والجمع بين فتنة الدجال وعذاب القبر وبين فتنة المحيا والممات من باب ذكر العام بعد الخاص (اللهم إنا نسألك) أي نطلب منك ونتضرع إليك (قلوبا أواهة) أي متضرعة أو كثيرة الدعاء أو كثيرة البكاء (مخبتة) أي خاشعة مطيعة متواضعة (منيبة) راجعة إليك بالتوبة مقبلة عليك (في سبيلك) أي الطريق إليك (اللهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) حتى يستوي المذنب التائب والذي لم يذنب قط في منال رحمتك (ومنجيات أمرك) أي ما ينجى من عقابك ويصون عن عذابك (والسلامة من كل إثم) معصية (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء خير وطاعة (والفوز بالجنة والنجاة من النار) عذابها وسبق أن هذا مسوق للتشريع وفيه دليل على ندب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه يتمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى بوقوعه. قال ابن بطال: وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. قال ابن حجر: قد سئل عنه قديما ابن وهب فقال إنه باطل (ك) في الدعاء (عن ابن مسعود) وقال صحيح الإسناد قال الحافظ العراقي: وليس كما قال إلا أنه ورد في أحاديث جيدة الإسناد الحديث: 1490 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 [ص: 125] 1491 - (اللهم اجعل أوسع رزقك) هو نوعان ظاهر للأبدان كالقوت وباطن للقلوب والنفوس كالمعارف ويرشح الأول قوله (علي عند كبر سني وانقطاع عمري) أي إشرافه على الانقطاع والرحيل من هذه الدار فإن الإنسان عند الشيخوخة قليل القوة ضعيف الكد عاجز عن السعي فإذا وسع الله عليه رزقه حين ذلك كان عونا له على العبادة (ك) عن سعدوية عن عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللهم إلى آخره قال الحاكم حسن غريب ورده الذهبي بأن عيسى متهم أي بالوضع ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه نعم رواه الطبراني بسند قال فيه الهيثمي إنه حسن وبه تزول التهمة الحديث: 1491 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 1492 - (اللهم إني أسألك العفة) بالكسر العفاف يعني التنزه عما لا يباح والكف عنه (والعافية في دنياي وديني) ويندرج تحته الوقاية من كل مكروه (وأهلي ومالي اللهم استر عورتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحيي من ظهوره وهذا وما أشبهه تعليم للأمة (وآمن روعتي) من الروع بالفتح الفزع وفي رواية عوراتي وروعاتي بلفظ الجمع وفيه من أنواع البديع جناس القلب (واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك) وفي رواية وأعوذ بعظمتك (أن أغتال) بضم الهمزة أي أهلك. قال الراغب: الغول إهلاك الشيء من حيث لا يحس به (من تحتي) أي أدهى من حيث لا أشعر بخسف أو غيره استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من نحو نكبة وفتنة إنما يصله من أحدها وتخصيص جهة السفل بقوله وأعوذ بعظمتك إلى آخره إدماج بمعنى قوله تعالى {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب} وما أحسن قوله بعظمتك في هذا المقام (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه يونس بن حبان وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو تقصير أو قصور فقد خرجه أبو داود وابن ماجه وكذا الحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح انتهى فاقتصار المصنف على البزار خلاف اللائق الحديث: 1492 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 1493 - (اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي) أي يلابسه ويخالطه فإن الإيمان إذا تعلق بظاهر القلب وأحب الدنيا والآخرة وإذا بطن الإيمان سويد القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ذكره حجة الإسلام (حتى أعلم) أجزم وأتيقن (إنه لا يصيبني إلا كتبت لي) أي قدرته علي في العلم القديم الأزلي أو في اللوح المحفوظ (ورضني من المعيشة بما قسمت لي) أي وأسألك أن ترزقني الرضا بالذي قسمته لي وفي نسخة ورضني بما قسمت لي أي أعطني الرضا بما قسمت لي من الرزق فلا أسخطه ولا أستقله. قال الشاذلي: من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إلى الله عند النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة فقد صحت ولايته لله ورسوله والمؤمنين {ومن يتول الله والذين آمنوا فإن حزب الله هم [ص: 126] الغالبون} وقال الغزالي: من لم يرض بالقضاء يكن مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشيء من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس للإنسان إلا قلب واحد <تنبيه> قال ابن عربي: لا يلزم الراضي بالقضاء الرضا بالمقضي فالقضاء حكم الله وهو الذي أمرنا بالرضا به والمقضي المحكوم به فلا يلزم الرضا به (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف الحديث الحديث: 1493 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 1494 - (اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) من الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأته (دعاك لأهل مكة) علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان (بالبركة) بقوله {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} . الآية. ولمكة أسماء كثيرة جمعها صاحب القاموس في مؤلف مستقل وفي تاريخ القطب أن من خواص اسمها أنه إذا كتب بدم الرعاف على جبين المرعوف مكة وسط البلاد والله رؤوف بالعباد انقطع الدم (وأنا محمد عبدك ورسولك) لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه أيضا خليل كما في خبر اتخد الله صاحبكم خليلا تواضعا ورعاية للأدب حيث لم يساو نفسه بأبيه (أدعوك لأهل المدينة (1) - طيبة - أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) أي فيما يكال بهما بركة (مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) أي أدعوك لهم بضعف ما دعاك إبراهيم لمكة والمد مكيال معروف وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق والصاع خمسة أرطال وثلث عند أهل الحجاز وثمانية أرطال عند أهل العراق (ت عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا عن أبي قتادة قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح   (1) لفظ المدينة صار علما بالغلبة على طيبة فإذا أطلق انصرف إليها الحديث: 1494 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 1495 - (اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما وإني حرمت المدينة) أي جعلتها حراما (ما بين مأزميها) تثنية مأزم بالهمز وزاي مكسورة الجبل أو المضيق بين الجبلين وحرمتها (أن لا يراق فيها دم) أي لا يقتل فيها آدمي معصوم بغير حق (ولا يحمل فيها سلاح لقتال) عند فقد الاضطرار (ولا تخبط) أي تضرب (فيها شجرة) قال في الصحاح: خبط الشجرة ضربها بالعصى ليسقط ورقها (إلا لعلف) بسكون اللام ما تأكله الماشية (اللهم بارك لنا في مدينتنا) أي أكثر خيرها (اللهم بارك لنا في صاعنا) أي فيما يكال بصاع مدينتنا (اللهم بارك لنا في مدنا) أي فيما يكال به ثم يحتمل كون البركة دينية وتكون بمعنى الثبات أي ثبتنا في أداء حقوق الحق المتعلقة بهذه المقادير وكونها دنيوية وتكون بمعنى الزيادة حيث يكفي المد لمن لا يكفيه في غيرها ويحتمل الأمران معا (اللهم اجعل مع البركة) التي في غيرها (بركتين) فيها فتصير البركة فيها مضاعفة (والذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (ما من المدينة شعب) بكسر الشين فرجة نافذة بين جبلين (ولا نقب) بفتح النون وسكون القاف طريق [ص: 127] بين جبلين (إلا عليه ملكان) بفتح اللام (يحرسانها) من العدو (حتى تقدموا إليها) أي من سفركم هذا وكان هذا القول حين كانوا مسافرين للغزو وبلغهم أن بعض الطوائف يريد الهجوم عليها أو فعل وتمسك بهذا الخبر وما قبله من ذهب إلى تفضيل المدينة على مكة وقال: التضييق شامل للأمور الدينية أيضا (م عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 1495 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 1496 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم) أي ما يأثم به الإنسان أو ما فيه أو ما يوجب الإثم أو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم (والمغرم) أي مغرم الذنوب والمعاصي أو هو الدين فيما لا يحل أو فيما يحل لكن يعجز عن وفائه أما دين احتاجه وهو يقدر على أدائه فلا استعاذة منه أو المراد الاستعاذة من الاحتياج إليه واستعاذته تعليم لأمته وإظهار للعبودية والافتقار وفي حديث صحيح قال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله قال: الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف (ومن فتنة القبر) التحير في جواب منكر ونكير (وعذاب القبر) عطف عام على خاص فعذابه قد ينشأ عنه فتنة بأن يتحير فيعذب لذلك وقد يكون لغير ما كان يجيب بالحق ولا يتحير ثم يعذب على تفريطه في بعض المأمورات أو المنهيات كإهمال التنزه عن البول (ومن فتنة النار) سؤال خزنتها وتوبيخهم كما يشير إليه {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها} الآية (وعذاب النار) أي إحراقها بعد فتنتها كذا قرر بعضهم وقال الطيبي: قوله فتنة النار أي فتنة تؤدي إلى عذاب النار وإلى عذاب القبر لئلا يتكرر إذا فسر بالعذاب (ومن شر فتنة الغنى) أي البطر والطغيان والتفاخر وصرف المال في المعاصي (وأعوذ بك من فتنة الفقر) حسد الأغنياء والطمع في مالهم والتذلل لهم بما يدنس العرض ويسلم الدين ويوجب عدم الرضا بما قسم ذكره البيضاوي. وقال الطيبي: الفتنة إن فسرت بالمحنة والمصيبة فشرها أن لا يصير الرجل على لأوائها ويجزع منها وإن فسرت بالامتحان والاختبار فشرها أن لا يحمد في السراء ولا يصبر في الضراء وذكر لفظ شر في الفقرة الأولى دون الثانية وهو ما وقع في هذه الرواية وجاء في رواية إثباتها فيهما وفي أخرى حذفها فيهما (ومن فتنة المسيح) بفتح الميم وخفة السين وبحاء مهملة سمي به لكون إحدى عينيه ممسوحة أو لمسح الخير منه فعيل بمعنى مفعول أو لمسحه الأرض أو قطعها في أمد قليل فهو بمعنى فاعل وقيل هو بخاء معجمة ونسب قائله إلى التصحيف (الدجال) احتراز عن عيسى عليه السلام من الدجل الخلط أو التغطية أو الكذب أو غير ذلك وهو عدو الله المموه واسمه صافن وكنيته أبو يوسف وهو يهودي وإنما استعاذ منه مع كونه لا يدرك نشرا لخبره بين أمته جيلا بعد جيل لئلا يلتبس كفره على مدركه (اللهم اغسل) أزل (عني خطاياي) أي ذنوبي لو فرض أن لي ذنوبا (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام جمع بينهما مبالغة في التطهير أي طهر بي منها بأنواع مغفرتك وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا والثلج يذوب (ونق) بفتح النون وشد القاف (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها باستقامته (من الخطايا) تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) بفتح الدال والنون أي الوسخ وفي رواية لمسلم من الدرن (وباعد) أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين هنا دون ما بعده لأن العطف [ص: 128] على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض أي ذنوبي والخطىء بالكسر الذنب (كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق) موضع الشروق وهو مطلع الأنوار (والمغرب) أي محل الأفول وهذا مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امح ما حصل من ذنوبي وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعها حتى لا يبقى لها اقتراب مني بالكلية فما مصدرية والكاف للتشبيه وموقع التشبيه أن إلتقاء المشرق والمغرب محال فشبه بعد الذنب عنه ببعد ما بينهما والثلاثة إشارة لما يقع في الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي والنبي معصوم وإنما قصد تعليم الأمة أو إظهار العبودية (ق) في الدعوات (ت) بتقديم وتأخير (ن هـ) مختصرا كلهم (عن عائشة) وخرجه الحاكم بزيادة الحديث: 1496 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 1497 - (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمت منه وما لم أعلم) الآجل على فاعل خلاف العاجل في الصحاح الآجل والآجلة ضد العاجل والعاجلة (وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هذا من جوامع الكلم والدعاء وأحب الدعاء إلى الله وأعجبه إليه الجوامع. قال الراغب: وفيه تنبيه على أن حق العاقل أن يرغب إلى الله أن يعطيه من الخيور ما فيه مصلحته مما لا سبيل بنفسه إلى اكتسابه وأن يبذل جهده مستعينا بالله في اكتساب ماله كسبه نافقا عاجلا وآجلا ومطلقا وفي كل حال وفي كل زمان ومكان قال: والخير المطلق هو المختار من أجل نفسه والمختار غيره لأجله وهو الذي يتشوفه كل عاقل (اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) قال الحليمي: هذا من جوامع الكلم التي استحب الشارع الدعاء بها لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير وتعوذ به من كل شر ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قصر في النظر لنفسه (وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا) لا يعارضه الخبر الآتي عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان له خيرا لأن المراد هنا طلب دوام شهود القلب أن كل واقع فهو خير وينشأ عن ذلك الرضا ومن جعل الرضا غنيمته في كل كائن من أوقاته وافق النفس أو خالفها لم يزل غانما بما هو راض بما أوقع الله له وأقام من حكمته {أليس الله بأحكم الحاكمين} {الذي أحسن كل شيء خلقه} (هـ) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة بالجوامع الكوامل قولي اللهم إلى آخره ورواه عنها أيضا البخاري في الأدب وأحمد والحاكم وصححه الحديث: 1497 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 1498 - (اللهم إني أسألك باسمك الطاهر) الأنفس الأقدس المنزه عن كل عيب ونقص (الطيب) النفيس. قال الزمخشري: تقول صائد مستطيب بطلب الطيب النفيس من الصيد ولا يرضى بالدون وفي الصحاح الطيب ضد الخبيث (المبارك) أي الزائد خيره والعميم فضله (الأحب إليك) من سائر الأسماء (الذي إذا دعيت به أجبت) الداعي إلى ما سأله [ص: 129] (وإذا سئلت به أعطيت) السائل سؤله (وإذا استرحمت به) أي طلب أحد منك أن ترحمه وأقسم عليك به (رحمت) أي رحمته (وإذا استفرجت به) أي طلب منك الفرج (فرجت) عمن استفرج به ولم ترده خائبا وهذا خرج جوابا لسائل سأله أن يعلمه دعاءا جامعا يدعو به (هـ عن عائشة) وبوب عليه باب اسم الله الأعظم الحديث: 1498 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 1499 - (اللهم من آمن بي وصدقني) بما جئت به من عندك وهذا قريب من عطف الرديف (وعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأقلل ماله وولده) لأن من كان مقلا منهما يسهل عليه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التباين والتضاد ومن ثم قال ابن مسهر: نعمة الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط منها والله سبحانه لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلا لإثانة أحبابه وإن كانت معجلة فقد تكون قساوة في القلب أو جمودا في العين أو تعويقا عن طاعة أو وقوعا في ذنب أو فترة في الهمة أو سلب لذة خدمة وذهب ابن عربي إلى أن المراد بإقلال ذلك وبإعدامه أو أخذه في رواية أخرى أخذ ذلك من قلبه مع وجوده عنده وأنه يؤثر حب الله على حب هؤلاء (وحب إليه لقاءك) أي حبب إليه الموت ليلقاك ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (وعجل له القضاء) أي الموت (ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره) لتكثر عليه أسباب العقاب والمال والأهل بل والأعضاء حتى العين التي هي أعزها قد تكون سببا لهلاك الإنسان في بعض الأحيان. قال الجنيد: إذا أحب الله عبدا لم يذر له مالا ولا ولدا لأنه إذا كان ذلك له أحبه فتتشعب محبته لربه وتتجزأ وتصير مشتركة بين الله وغيره " والله لا يغفر أن يشرك به " وهو تعالى قاهر لكل شيء فربما أهلك شريكه وأعدمه ليخلص قلب عبده لمحبته وحده. وقال الحراني: خلق الله الدنيا دار بلاء فجعل التقلل منها رحمة وجعل الاستكثار منها نقمة. وقال الغزالي: كل ما يزيد على قدر القوت فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلب فلو وجد مئة دينار مثلا على الطريق انبعث من قلبه عشر شهوات تحتاج كل واحدة إلى مئة دينار فلا يكفيه ما وجده بل يحتاج إلى تسع مئة أخرى فقد كان قبل وجود المئة مستغنيا فالآن وجد مئة وظن أنه صار بها غنيا وقد صار محتاجا إلى تسع مئة أخرى يشتري دارا يعمرها وجارية وأثاثا وثيابا فاخرة وكل من ذلك يستدعي أشياء أخر تليق به وكل ذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم (تتمة) قال شيخنا العارف بالله الشعراني: اعتقادنا أن الأولياء لو كان أهل الدنيا كلهم أولاد أحدهم أو مال أهل الدنيا كله ماله ثم أخذه الله دفعة واحدة ما تغيرت منهم شعرة بل يفرحون أشد الفرح. قال: وقد ذقنا ذلك فأحب ما إلى يوم يموت ولدي إظهار الرضا بالقضاء محبة للثواب. وقال النور المرصفي: ما أحد من الأولياء إلا ويقدم ما فيه رضا الله على نفسه فأحب ما إليه يوم موت ولده الصالح. بلغنا أن الفضيل بن عياض مكث ثمانين سنة لا يضحك إلا يوم مات ولده فإنه ضحك فقيل له فيه فقال: إن الله أحب أمرا فأحببته ثم إن ذا لا يعارضه خبر البخاري أنه دعا لأنس بتكثير ماله وولده لأن فضل التقلل من الدنيا والولد يختلف باختلاف الأشخاص كما يشير إليه الخبر القدسي " إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى إلخ " فمن الناس من يخاف عليه الفتنة بها وعليه ورد هذا الخبر ومنهم من لا يخاف عليه كحديث أنس وحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما [ص: 130] يصلحه ويليق به فسقط قول الداودي هذا الحديث باطل إذ كيف يصح وهو صلى الله عليه وسلم يحث على النكاح والتماس الولد وكيف يدعو لخادمه أنس بما كرهه لغيره <تنبيه> قال الغزالي: من لم يسلك طريق الآخرة أنس بالدنيا وأحبها فكان له ألف محبوب فإذا مات نزلت به ألف مصيبة دفعة واحدة لأنه يحب الكل وقد سلب عنه بل هو في حياته على خطر المصيبة بالفقر والهلاك. وحمل إلى ملك قدح مرصع بجوهر لا نظير له ففرح به وبعض الحكماء عنده فقال: كيف ترى فقال: أراه مصيبة إن انكسر أو فقر كان مصيبة وإن سرق كنت فقيرا إليه وقد كنت قبل حمله إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر فأسف الملك وقال ليته لم يحمل إلينا (هـ عن عمرو بن غيلان) بن سلمة (النقفي) قال الحافظ ابن حجر مختلف في صحبته. قال المؤلف في فتاويه وبقية رجاله ثقات (طب عن معاذ بن جبل) قال الهيثمي وفيه عمرو بن واقد وهو متروك انتهى وسبقه في الميزان فقال عمرو بن واقد قال البخاري منكر الحديث والدارقطني متروك والنسائي يكذب ثم ساق من مناكيره أخبارا هذا منها الحديث: 1499 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 1500 - (اللهم من آمن بك) أي صدق بأنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (وشهد أني رسولك) إلى الثقلين (فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك) فيتلقاك بقلب سليم وخاطر منشرح ولا ينهمك في شيء من قضائك ويعلم أنه ما من شيء قدرته إلا وله وفيه خيور كثيرة دينية فيحسن ظنه بك (وأقلل له من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها ليتجافى بالقلب عن دار الغرور ويميل به إلى دار الخلود (ومن لم يؤمن ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر له من الدنيا) وذلك هو غاية الشقاء فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها فتصير كالسجن له وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن. <تنبيه> قال في الحكم: ورود الفاقات أعياد المريدين الفاقات بسط المواهب إن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك {إنما الصدقات للفقراء} تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه تحقق بذلك يمدك بعزه تحقق بعجزك يمدك بقدرته تحقق بضعفك يمدك بحوله (طب عن فضالة بن عبيد) قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 1500 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 1501 - (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر) أي الدوام على الدين والاستقامة بدليل خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقول ثبت قلبي على دينك أراد الثبات عند الاحتضار أو السؤال بدليل خبر أنه كان إذا دفن الميت قال سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ولا مانع من إرادة الكل. ولهذا قال الوالي: الثبات التمكن في الموضع الذي شأنه الاستزلال وأسألك عزيمة الرشد وفي رواية العزيمة على الرشد قال الحرالي: وهو حسن التصرف في الأمر والإقامة عليه بحسب ما يثبت ويدوم. وقال الطيبي: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر وقال غيره: العزيمة القصد الجازم المتصل بالفعل وقيل استجماع قوى الإرادة على الفعل والمكلف قد يعرف الرشد ولا عزم له عليه فلذلك سأله قال الطيبي: فإن قلت من حق الظاهر أن يقدم العزيمة على الثبات لأن قصد القلب مقدم على الفعل والثبات عليه (قلت) تقديمه إشارة إلى أنه المقصود بالذات لأن الغايات مقدمة في الرتبة وإن كانت مؤخرة في الوجود (وأسألك شكر نعمتك) [ص: 131] أي التوفيق لشكر إنعامك (وحسن عبادتك) أي التوفيق لإيقاع العبادة على الوجه الحسن المرضي شرعا (وأسألك لسانا صادقا) أي محفوظا من الكذب وفي رواية قلبا سليما أي خاليا من العقائد الفاسدة والميل إلى اللذات والشهوات العاجلة ويتبع ذلك الأعمال الصالحة إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح كما أن صحة البدن عبارة عن حصول ما ينبغي عن استقامة المزاج والتركيب والاتصال ومرضه عبارة عن زوال أحدها (وقلبا حليما) بحيث لا يقلق ولا يضطرب عند هيجان نار الغضب وغيره من النوازل (وأعوذ بك من شر ما تعلم) أي ما تعلمه أنت ولا أعلمه أنا (وأسألك من خير ما تعلم) قال الطيبي: وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف ومن يجوز كونها زائدة أو بيانية والمبين محذوف أي أسألك شيئا هو خير ما تعلم أو تبعيضة سأله إظهارا لهضم النفس وأنه لا يستحق إلا قليلا من الخير وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر وطلب كل خير وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار فقال (وأستغفرك مما تعلم) أي أطلب منك أن تغفر لي ما علمته مني من تقصير وإن لم أحط به علما (إنك أنت علام الغيوب) أي الأشياء الخفية الذي لا ينفذ فيها ابتداء الأعم اللطيف الخبير وفي بعض الروايات قيل يا رسول الله أنستغفر مما لا نعلم قال وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمة يقلبه كيف يشاء والله يقول {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} (ت ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه قال الحافظ العراقي: قلت بل هو منقطع وضعيف الحديث: 1501 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 1502 - (اللهم لك أسلمت وبك آمنت) أي لك انقدت وبك صدقت. قال النووي: فيه إشارة إلى الفرق بين الإسلام والإيمان (وعليك توكلت) أي عليك لا على غيرك اعتمدت في تفويض أموري (وإليك أنبت) أي رجعت وأقبلت بهمتي (وبك خاصمت) أي بك أحتج وأدفع وأخاصم (اللهم) إني أعوذ بعزتك أي بقوة سلطانك (لا إله إلا أنت أن تضلني) أي تهلكني بعدم التوفيق المرشاد والتوفيق على طرق الهداية والسداد وفي الصحاح ضل الشيء ضاع وهلك وضله إذا لم يوفقه للرشاد انتهى وكلمة التهليل معترضة (أنت الحي القيوم) أي الدائم القائم بتدبير الخلق (الذي لا يموت) بلفظ الغائب للأكثر وفي بعض الروايات بلفظ الخطاب أي الحي الحياة الحقيقية التي لا يجامعها الموت بحال (والجن والإنس يموتون) عند تقضي آجالهم وكلمة تضلني متعلقة بأعوذ أي من أن تضلني وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة واستغنى عن ذكر عائد الموصول لأن نفس المخاطب هو المرجوع إليه ليحصل الارتباط ومثله أنا الذي سمتني أمي حيدرة ولا حجة فيه لمن استدل به على عدم موت الملائكة لأنه مفهوم لقب ولا عبرة به وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله {كل شيء هالك إلا وجهه} مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن بجامع ما بينهم من الاجتنان عن عيون الناس والحياة حقيقة في القوة الحاسة أو ما يقتضيها وبه سمي الإنسان حيوانا مجازا في القوة النامية لأنها من طلائعها ومقدماتها وفيما يخص الإنسان من الفضائل كالعلم والعقل والإيمان من حيث أنها كمالاتها ومتمماتها والموت بإزائها وإذا وصف بها البارىء أريد بها صحة اتصافه بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة (م) في الدعوات (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن هذا من مفردات [ص: 132] مسلم عن صاحبه وليس كذلك فقد رواه البخاري في التوحيد عن ابن عباس الحديث: 1502 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 1503 - (اللهم لك الحمد كالذي نقول) بالنون أي كالذي نحمدك به من المحامد (وخيرا مما نقول) بالنون أي مما حمدت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (اللهم لك) لا لغيرك (صلاتي ونسكي) عبادتي أو ذبائحي في الحج والعمرة ونص عليه لأن ذبائح الجاهلية كانت بأسماء أصنامهم (ومحياي) حياتي (ومماتي) موتي أي لك ما فيها من سائر أعمالي والجمهور على فتح ياء محياي وسكون ياء مماتي ويجوز الفتح والإسكان فيهما (وإليك مآبي) أي منقلبي ومرجعي (ولك رب تراثي) بتاء ومثلثة ما يخلفه الإنسان لورثته من بعده وتاؤه بدل من واو فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا أنه ما يورث وأن ما يخلفه غيره لورثته يخلفه هو صدقة لله سبحانه وفي الخبر إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما نركناه فهو صدقة (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) استعاذ منه لأنه أول منزل من منازل الآخرة فسأل الله أن لا يتلقاه في أول قدم يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه (ووسوسة الصدر) أي حديث النفس بما لا ينبغي وأضافها للصدر لأن الوسوسة في القلوب التي في الصدور (وشتات الأمر) أي تفرقته وتشعبه وفي الصحاح أمر شتت بالفتح أي متفرق وقال الزمخشري: تقول فرقهم البين المشتت وتفرقوا شتتا وأشتاتا (اللهم إني أسألك من خير ما تجىء به الرياح وأعوذ بك من شر ما تجىء به الريح) سأل الله خير المجموعة لأنها للرحمة وتعوذ به من شر المفردة لأنها للعذاب على ما جاء به الأسلوب في كلام علام الغيوب قال الزمخشري: وعين الريح واو لقولهم أرواح ورويحة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح ويصدقه مجيء الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص العذاب (ت هب عن علي) أمير المؤمنين قال كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم إلى آخره قال أعني الترمذي وليس إسناده بقوي الحديث: 1503 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 1504 - (اللهم عافني في جسدي) أي سلمني من المكاره فيه لئلا يشغلني شاغل أو يعوقني عائق عن كمال القيام بعبادتك (وعافني في بصري) كذلك (واجعله الوارث مني) بأن يلازمني حتى عند الموت لزوم الوارث لمورثه (لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين) أي الوصف بجميع صفات الكمال وسائر نعوت الجمال لله وحده على كل حال (ت ك عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في الدعوات قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول فذكرته الحديث: 1504 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 1505 - (اللهم اقسم لنا) أي اجعل لنا قسمة ونصيبا (من خشيتك) أي خوفك والخشية الخوف أو خوف مقترن بتعظيم (ما يحول) أي يحجب ويمنع (بيننا وبين معاصيك) لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي فإذا قل الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من [ص: 133] علامة الشقاء ومن ثم قالوا المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالعقل والبدن والدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة بدليل خبر: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته (ومن اليقين) أي وارزقنا من اليقين بك وبأنه لا راد لقضائك وقدرك (ما يهون) أي يسهل (علينا مصائب الدنيا) بأن نعلم أن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب مثوبة وأنك لا تفعل بالعبد شيئا إلا وفيه صلاحه (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا) قال القاضي: الضمير في اجعل للمصدر اجعل الجعل والوارث هو المفعول الأول ومنا في محل المفعول الثاني بمعنى اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة عنا أو الضمير للتمتع ومعناه اجعل تمتعنا بها باقيا عنا موروثا لمن بعدنا أو محفوظا لنا ليوم الحاجة وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان ومنا صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى وراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له (واجعل ثأرنا على من ظلمنا) أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما في الجاهلية أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك به ثأرنا (وانصرنا على من عادانا) أي ظفرنا عليه وانتقم منه (ولا تجعل مصيبتنا في دينينا) أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل حرام واعتقاد سوء وفترة في عبادة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فإن ذلك سبب للهلاك وفي إفهامه أن قليل الهم بما لا بد منه من أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب (ولا مبلغ علمنا) بحيث تكون جميع معلوماتنا الطرق المحصلة للدنيا والعلوم الجالية لها بل ارزقنا علم طريق الآخرة (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي لا تجعلنا مغلوبين للظلمة والكفرة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين أو من لا يرحمنا من ملائكة العذاب في القبر والنار وغيرهما ذكره كله القاضي. قال الطيبي: فإن قلت بين لي تأليف هذا النظم وأي وجه من الوجوه المذكورة أولى قلت أن تجعل الضمير للتمتع والمعنى اجعل ثأرنا مقصورا على من ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وتحمل من لا يرحمنا علي ملائكة العذاب في القبر وفي النار لئلا يلزم التكرار فتقول إنما خص البصر والسمع بالتمتع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفته تعالى وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المقصوصة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرا من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة العالمين فسأل بقاء ذلك ليستن بسنته بعده فقال: واجعل ذلك التمتع وارثا باقيا منا (ت) في الدعوات (ك) وقال صحيح على شرط البخاري (عن ابن عمر) بن الخطاب قال:: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات قال الترمذي حديث حسن وأقره النووي ورواه عنه أيضا النسائي وفيه عبد الله بن زجر ضعفوه قال في المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح الحديث: 1505 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 1506 - (اللهم انفعني بما علمتني) بالعمل بمقتضاه خالصا لوجهك (وعلمني ما ينفعني) لأرتقي منه إلى عمل زائد على ذلك [ص: 134] (وزدني علما) مضافا إلى ما علمتنيه وهذه إشارة إلى طلب المزيد في السير والسلوك إلى أن يوصله إلى مخدع الوصال وبه ظهر أن العلم وسيلة للعمل وهما متلازمان ومن ثم قالوا: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم (الحمد لله على كل حال) من أحوال السراء والضراء وكم يترتب على الضراء من عواقب حميدة ومواهب كريمة يستحق الحمد عليها {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} قال في الحكم: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذاك لقصور نظره. وقال الغزالي: لا شدة إلا وفي جنبها نعم لله فليلزم الحمد والشكر على تلك النعم المقترنة بها قال عمر رضي الله تعالى عنه: ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيها أربع نعم إذ لم تكن في ديني وإذ لم أحرم الرضا وإذ لم تكن أعظم وإذ رجوت الثواب عليها. وقال إمام الحرمين: شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأنها نعم بالحقيقة بدليل أنها تعرض العبد لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة وأغراض كريمة تتلاشى في جنبها شدائد (وأعوذ بالله من حال أهل النار) في النار وغيرها. قال الطيبي: وما أحسن موقع الحمد في هذا المقام ومعنى المزيد فيه {ولئن شكرتم لأزيدنكم} وموقع الاستعاذة من الحال المضاف إلى النار تلميحا إلى القطيعة والبعد وهذا الدعاء من جوامع الكلم التي لا مطمح وراءها (ت) في الدعوات (هـ) في السنة والدعاء (ك) في الأدعية (عن أبي هريرة) وقال الترمذي غريب. قال المناوي: وفيه موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن الزهري وموسى ضعفه النسائي وغيره ومحمد بن ثابت لم يروه عنه غير موسى (هـ) قال الذهبي مجهول الحديث: 1506 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 1507 - (اللهم اجعلني أعظم شكرك) أي وفقني لإكثاره لأكون قائما بما وجب علي من شكر نعمائك التي لا تحصى (وأكثر ذكرك) القلبي واللساني (وأتبع نصيحتك) بامتثال ما يقربني إلى رضاك ويبعدني عن غضبك (وأحفظ وصيتك) بالمداومة على فعل المأمورات وتجنب المنهيات أو المذكورة في قوله تعالى {ولقد وصينا اللذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم} الآية فإنها للأولين والآخرين وهي التقوى أو بالتسليم لله العظيم في جميع الأمور والرضا بالمقدور على ممر الدهور (ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد من طريق أبي سعيد المدني قال الهيثمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 1507 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 1508 - (اللهم إني أسألك) أطلب منك (وأتوجه إليك بنبيك محمد) صرح باسمه مع ورود النهي عنه تواضعا لكون التعليم من جهته (نبي الرحمة) أي المبعوث رحمة للعالمين (يا محمد إني توجهت بك) أي استشفعت بك (إلى ربي) قال الطيبي: الباء في بك للاستعانة وقوله إني توجهت بك بعد قولك أتوجه إليك فيه معنى قوله تعالى {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (في حاجتي هذه لتقضى لي) أي ليقضيها ربي لي بشفاعته سأل الله أولا أن يأذن لنبيه أن يشفع له ثم أقبل على النبي ملتمسا شفاعته له ثم كر مقبلا على ربه أن يقبل شفاعته والباء في بنبيك للتعدية وفي بل للاستعانة وقوله (اللهم فشفعه في) أي اقبل شفاعته في حقي ولتقضى عطف على أتوجه إليك بنبيك أي اجعله شفيعا لي فشفعه وقوله اللهم معترضة وما ذكر من أن سياق الحديث هو هكذا هو ما في نسخ الكتاب ووجهه ظاهر وفي المشكاة كأصلها لتقضي لي حاجتي وعليه قال الطيبي: إن قلت ما معنى لي وفي؟ قلت معنى لي كما في قوله تعالى {رب اشرح لي صدري} أجمل أولا ثم فصل ليكون أوقع في النفس ومعنى في كما في قول الشاعر:. . . يجرح في عراقيبها نصلي. . . أي أوقع القضاء في حاجتي واجعلها مكانا له ونظير الحديث قوله تعالى {وأصلح لي في ذريتي} انتهى. قال ابن عبد السلام: ينبغي كون هذا مقصورا على [ص: 135] النبي لأنه سيد ولد آدم وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته وأن يكون مما خص به تنبيها على علو رتبته وسمو مرتبته. قال السبكي: ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف (1) ولا من الخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثله انتهى وفي الخصائص يجوز أن يقسم على الله وليس به ذلك لأحد ذكره ابن عبد السلام لكن روى القشيري عن معروف الكرخي أنه قال لتلامذته إذا كان لكم إلى الله حاجة فأقسموا عليه به فإني الواسطة بينكم وبينه الآن وذلك بحكم الوراثة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (ت هـ ك عن عثمان بن حنيف) بمهملة ونون مصغر بن وهب الأنصاري الأوسي المدني شهد أحدا وما بعدها ومسح سواد العراق وقسط وولى البصرة لعلي وكان من الأشراف قال: إن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا الله أن يعافيني فقال إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت قال فادعه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي   (1) [أما بشأن قوله أنه لم ينكر التوسل أحدا من السلف فيكفي عليه دليلا رواية الترمذي وابن ماجه والحاكم لهذا الحديث وحكم الحاكم أنه صحيح على شرط البخاري ومسلم وتلقي الأمة له بالقبول والتطبيق مئات من السنين دون أي تردد في ذلك القبول أما بشأن صحة إمكان استعمال هذا الدعاء على ممر الأجيال بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أجل وأصوب حكم حول ذلك الأمر (الذي هو من أمور العقيدة) بلا منازع على الإطلاق هو الصحابي عثمان بن حنيف نفسه حيث قد علمه أيضا لأحدهم أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه وقضيت حاجته وكان هذا سببا لرواية الحديث فليتنبه. ولا عبرة لكلام من خالف الصحابة في أمور العقيدة كانوا من كانوا وإن كان لهم في أمور أخرى إسهام وفضل كبيرين على الأمة الإسلامية كابن تيمية رحمه الله وتجاوز عنا وعنه أخطاءنا برحمته آمين. دار الحديث] الحديث: 1508 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 1509 - (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني) أي نطقي فإن أكثر الخطايا منه وهو الذي يورد المرء في المهالك وخص هذه الجوارح لما أنها مناط الشهوة ومثار اللذة (ومن شر قلبي) يعني نفسي والنفس مجمع الشهوات والمفاسد بحب الدنيا والرهبة من الخلق وخوف فوت الرزق والأمراض القلبية من نحو حسد وحقد وطلب رفعة وغير ذلك (ومن شر منيي) من شر شدة الغلمة وسطوة الشهوة إلى الجماع الذي إذا أفرط ربما أوقع في الزنا أو مقدماته لا محالة فهو حقيق بالاستعاذة من شره وخص هذه الأشياء بالاستعاذة لأنها أصل كل شر وقاعدته ومنبعه كما تقرر (د) وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه كلام المصنف من تفرد ابن داود عن السنة (ك) كلهم (عن شكل) بشين معجمة وكاف مفتوحتين ابن حميد العبسي له صحبة ولم يرو عنه إلا ابنه. قال البغوي: ولا أعلم له غير هذا الحديث قال شكل قلت يا رسول الله علمني تعوذا أتعوذ به فأخذ بكفي فذكره قال الترمذي حسن غريب الحديث: 1509 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 1510 - (اللهم عافني في بدني) من الأسقام والآلام (اللهم عافني في سمعي) أي القوة المودعة في الجارحة وإرادة الاستماع بعيدة (اللهم عافني في بصري) خصهما بالذكر بعد ذكر البدن لأن العين هي التي تنظر آيات الله المثبتة في الآفاق والسمع يعني الآيات المنزلة فهما جامعان لدرك الآيات العقلية والنقلية وإليه سر قوله في حديث آخر اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت) فلا يستعاذ من جميع المخاوف والشدائد إلا بك أنت والقصد باستعاذته من الكفر مع استحالته من المعصوم أن يقتدي به في أصل الدعاء وقرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر إليه (د ك عن أبي بكرة) ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة وقال أعني النسائي فيه جعفر بن ميمون ليس بقوي الحديث: 1510 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 1511 - (اللهم إني أسألك عيشة) بكسر العين حياة (نقية) أي زكية راضية مرضية (وميتة) بكسر الميم وسكون التحتية وهي [ص: 136] حالة الموت (سوية) بفتح فكسر مشددا أي معتدلة فلا أرد إلى أرذل العمر ولا أقاسي مشاق الهرم وفي الصحاح استوى اعتدل واستوى الرجل انتهى شبابه. وقال الزمخشري رحمه الله: تقول رزقك الله ولدا سويا لا داء به ولا عيب و {مكانا سوى} وسط بين الحديث (ومردا غير مخز) بضم الميم وبالزاي أي مرتجعا إلى الآخرة غير مخز بضم فسكون وفي رواية مخزي بإثبات الياء المشددة أي غير مذل ولا موقع في بلاء. قال الزمخشري: تقول ارتد هبته ارتجعها وخزي خزيا ومخزاه ذل (ولا فاضح) أي كاشف للمساوي والعيوب وفي الصحاح فضحه كشف مساويه. وقال الزمخشري: تقول إذا كان العذر واضحا كان العتاب فاضحا وهذا الدعاء قطعة من دعائه يومي العبد كما رواه الطبراني عن ابن مسعود (البزار) في مسنده واللفظ له (طب ك) من حديث خلاد بن يزيد الجعفي عن شريك عن الأعمش عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به قال الحاكم على شرط مسلم وتعقبه الذهبي فقال: خلاد ثقة لكن شريك ليس بحجة انتهى. قال الهيثمي: إسناد الطبراني جيد الحديث: 1511 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 1512 - (اللهم إن قلوبنا وجوارحنا بيدك) أي في تصرفك تقلبها كيف تشاء (لم تملكنا منها شيئا فإذا) وفي نسخ فإن بالنون (فعلت ذلك بهما فكن أنت وليهما) أي متوليا حفظهما وتصريفهما المتصرف فيهما في مرضاتك وإبعادهما عن مواقع سخطك ومهالك مخالفتك (حل عن جابر) الحديث: 1512 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 1513 - (اللهم اجعل لي في قلبي نورا) أي عظيما كما يفيده التنكير ويدل له خبر إذا سأل أحدكم ربه فليعظم المسألة (وفي لساني) يعني نطقي (نورا) استعارة للعلم والهداية فهو على وزان {فهو على نور من ربه} {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} (وفي بصري نورا) ليتحلى بأنوار المعارف وتتجلى له صفوف الحقائق فهو راجع إلى البيان والهداية {يهدي الله لنوره من يشاء} (وفي سمعي نورا) ليصير مظهرا لكل مسموع ومدركا لكل كمال لا مقطوع ولا ممنوع وخص القلب والسمع والبصر بنفي الظرفية لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله ونعمائه ومكانها ومعدنها والبصر مسارح آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس ومحلها والأسماع مراسي ألواح وحي الله ومحط آياته المنزلة على أوليائه (وعن يميني نورا وعن يساري نورا) خصهما بعن إيذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من اتباعه (ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وعن أمامي نورا ومن خلفي نورا) لأكون محفوفا بالنور من سائر الجهات فكأنه سأل أن يزج به في النور زجا لتتلاشى عنه الظلمات وتنكشف له المعلومات ويشاهد بكل جارحة منه بسائر المبصرات. وقال الأكمل: النور الذي عن يمينه هو المريد له والذي عن يساره نور الوقاية والذي خلفه الذي يسعى بين يديه اتباعه والذي فوقه تنزل روحي إلهي بعلم غريب لم يسبقه خبر ولا نظر يعطيه نظر وهو الذي يعطى من العلم بالله ما لا ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيماني نوراني (واجعل لي في نفسي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها (وأعظم لي نورا) أي أجزل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه [ص: 137] لأكون دائم السير والترقي في درجات المعارف فالمستنير بنور المعارف لا ينقطع مسيره ولا يضل سبيله فالقصد طلب مزيد النور ليدوم السير ويتضاعف الترقي وقيل أراد نورا عظيما جامعا للأنوار كلها التي ذكرها وغيرها كأنوار الأسماء الإلهية وأنوار الأرواح وقال الطيبي رحمه الله معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن الظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان رأى أنه قد أحاطت به خطيئة ظلمات الحيلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من ميزان الشهوات من جوانبه ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض لم ير للتخليص منها مساغا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل مسافة تلك الظلمات إرشادا للأمة وتعليما لهم وكل هذه الأنوار راجعة إلى هداية وبيان وضياء للحق وإلى مطالع هذه الأنوار قوله {الله نور السماوات والأرض - إلى قوله - نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء} وإلى أودية تلك الظلمات تلمح قوله {أو كظلمات في بحر لجي - إلى قوله - ظلمات بعضها فوق بعض} وقوله {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} اللهم إنا نعوذ بك من شر تلك الظلمات ونسألك هذه الأنوار (حم ق عن ابن عباس) الحديث: 1513 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 1514 - (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) أي الذي هو حافظ لجميع أموري فإن من فسد دسنه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) أي بإعطاء الكفاف فيما يحتاج غليه وكونه حلالا معينا على الطاعة (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) أي ما أعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف ذكره ابن الأثير قال الحرالي: قد جمع في هذه الثلاثة صلاح الدنيا والدين والمعاد وهي أصول مكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها فاستقى في هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند غاياتها فإصلاح الدين بالتوفيق لإظهار خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لعرض النفس والبدن إلا بالتطهر منه واستعمال الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته لتقويتها وإصلاح المعاد بخوف الزجر والنهي التي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناها وخوف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناها والمقصود بالزجر والنهي الردع عما يضر في المعاد إلا أن الردع على وجهين خطاب لمعرض ويسمى زجرا كما يسمى في حق البهائم وخطاب المعتل على التفهم ويسمى نهيا فكان الزجر يزيغ الطبع والنهي يزيغ العقل انتهى (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أي اجعل حياتي زيادة سبب طاعتي (واجعل الموت راحة لي من كل شر) أي اجعل موتي سبب خلاصي من مشقة الدنيا والتخلص من غمومها وهمومها لحصول الراحة. قال الطيبي: وهذا الدعاء من جوامع الكلم (م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 1514 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 1515 - (اللهم إني أسألك الهدى) أي الهداية إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم والتقى الخوف من الله والحذر من مخالفته والعفاف الصيانة عن مطامع الدنيا والغنى غنى النفس والاستغناء عن الناس. قال الطيبي: أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهدى إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكلما يجب أن يتقى منه من شرك ومعصية وخلق ديني (م ت هـ) كلهم في الدعوات (عن ابن مسعود) ولم يخرجه البخاري الحديث: 1515 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 1516 - (اللهم استر عورتي) أي ما يسوؤني إظهاره (وآمن روعتي) خوفي وفزعي (واقض عني ديني) بأن تقدرني على وفائه والقضاء لغة على وجوه ترجع إلى انقضاء [ص: 138] الشيء وتمامه (طب عن خباب) بن الأرت الخزاعي التميمي من السابقين الأولين سبي في الجاهلية فبيع بمكة قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه الحديث: 1516 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 1517 - (اللهم اجعل حبك) أي حبي لك (أحب الأشياء إلي) وذلك يستلزم الترقي في مدارج معرفة الحق ومطالعة كمال جماله فكلما ازدادت المعرفة تضاعفت الأحبية (واجعل خشيتك) خوفي منك المقترن بكمال التعظيم (أخوف الأشياء عندي) بأن تكشف لي من صفات الجمال ما يستلزم كمال الخوف (واقطع عني حاجات الدنيا) أي امنعها وادفعها (بالشوق إلى لقائك) أي بسبب حصول الشوق إلى النظر إلى وجهك الكريم الذي هو أرفع درحات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم بالله أشدهم له شوقا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم طويل الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله وأقربهم قربا وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب روي عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق (1) قميصه من شدة الشوق. قال حجة الإسلام: لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت أنها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت جنة المعرفة ورياضتها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف يعجب منك ومن عكوفك على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ويتفاوتون في ذلك ولذلك سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم من المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسية شتان ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول: لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف (وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم) أي فرحتهم بما أتيتهم منها. قال الزمخشري: من المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر بعيني أن أراك وهو في قرة من العيش في رغد وطيب (فأقر عيني من عبادتك) أي فرحني بها وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد والباكي جزعا يخرج من عينيه ماء سخن من كبده. قال الحليمي: هذا قاله تذللا وإشفاقا على نفسه من الطغيان والاشتغال بالمال عن طاعة الرحمن وهو معصوم من ذلك لكن الكل يغلب عليهم مقام الخوف (حل عن الهيثم بن مالك الطائي) أي محمد الشامي الأعمى   (1) هذا لا يتفق مع جلالة سيدنا موسى عليه السلام فتدبر الحديث: 1517 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 1518 - (اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين) قالوا يا رسول الله وما الأعميان قال (السيل والبعير الصؤول) فعول من الصيول وهي الحملة والوثبة والعمى عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة قال ابن الأثير: سماها أعميين لما يصيب من يصيبانه من الحيرة في أمره وأنهما إذا وقعا لا يتقيان موضعا ولا يتجنبان شيئا كالأعمى الذي لا يدري أين يسلك فهو يمشي حيث أدته رجله (طب) من حديث عبد الرحمن بن عثمان عن أبيه (عن) أمه (عائشة بنت القدامة) بن مظعون الجمحية قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي وهو ضعيف وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال ضعيف يهولني كثرة ما يسند الحديث: 1518 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 [ص: 139] 1519 - (اللهم إني أسألك الصحة) أي العافية من الأمراض والعاهات والصحة ذهاب المرض كما في القاموس وهذه رواية الطبراني ورواية البزار العصمة بدل الصحة فما أوهمه المصنف من تطابقهما على اللفظ المزبور غير صواب (والعفة) عن المحرمات والمكروهات وما يخل بكمال المروءة (والأمانة) ضد الخيانة (وحسن الخلق) بضم اللام أي مع الخلق (والرضا بالقدر) أي مما قدرته علي في الأزل وهذا تعليم لأمته وتمرين للنفس على الرضا بالقضاء وذلك لأمرين: الأول أن يتفرغ العبد للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشيء من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس له إلا قلب واحد وقد امتلأ من الهموم وما كان وما يكون فأي محل فيه لذكر العبادة وفكر الآخرة ولقد صدق شقيق في قوله حسرة الأمور الماضية وتدبير الآتية ذهبت ببركة الساعات. الثاني خطر ما في السخط من مقت الله وغضبه مع أنه لا فائدة لذلك إذ القضاء نافذ ولا بد منه رضى العبد أم سخط (البزار) في مسنده (طب عن ابن عمرو) وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف الحديث وبقية رجال أحد الإسنادين رجال الصحيح الحديث: 1519 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 1520 - (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء) أي القبح والفحش أو يوم المصيبة أو نزول البلاء أو يوم الغفلة بعد المعرفة (ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء) مفرد الصحابة بفتح الصاد ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا (ومن جار السوء في دار المقامة) زاد في رواية فإن جار البادية يتحول والمقامة بالضم الإقامة كما في الصحاح قال: وقد تكون بمعنى القيام لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح أو من أقام يقيم فمضموم وقوله تعالى {لا مقام لكم} أي لا موضع لكم وقرىء {لا مقام لكم} بالضم أي لا إقامة لكم انتهى وفي المصباح أقام بالموضع إقامة اتخذه موطنا (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي رجاله ثقات وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت وهو ثقة الحديث: 1520 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 1521 - (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي بما يرضيك عما يسخطك فقد خرج العبد هنا عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبة فهذا لله ثم الذي لنفسه من هذا الباب قوله (وبمعافاتك من عقوبتك) استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه لأنه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حقوق غيره (وأعوذ بك منك) أي برحمتك من عقوبتك فإن ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذي سبب الأسباب الذي يستفاد به منها خلقا وكونا وهو الذي يعيذ منها ويدفع شرها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذي حرك الأنفس والأبدان وأعطاها قوى التأثير وهو الذي أوجدها وأعدها وأمدها وهو الذي يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين قواها وتأثيرها فتأمل ما تحت قوله أعوذ بك منك من محضر التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وتكميل التوكل عليه وإفراده بالاستعانة وغيرها (لا أحصي ثناء عليك) في مقابلة نعمة واحدة من نعمك {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} والغرض منه الاعتراف بتقصيره عن أداء ما أوجب عليه من حق الثناء عليه تعالى (أنت كما أثنيت على نفسك) بقولك {فلله الحمد رب السماوات [ص: 140] ورب الأرض رب العالمين} وغير ذلك مما حمدت به نفسك به وهذا اعتراف بالعجز عن التفصيل وأنه غير مقدور فوكله إليه سبحانه وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه إذ الثناء تابع للمثنى عليه فكل ثناء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أجل ذكره القاضي. وقال الغزالي: وقوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك صفتان مبنيتان على مشاهدة الأفعال ومصادرها منه تعالى فقط فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله بفعله من فعله ثم رأى ذلك نقصا في التوحيد فاقترب ودنا عن مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات فقال أعوذ منك وهذا إقرار منه إليه من غير رؤية فعل وصفة بل رأى نفسه فارا منه إليه ففني عن مشاهدة نفسه ثم اقترب فقال أنت إلى آخره فقوله لا أحصي خبر عن فناء نفسه وخروجه عن مشاهدته وقوله أنت كما أثنيت إلى آخره بيان لكونه هو المثني والمثنى عليه وأن الكل منه بدأ وإليه يعود وكل شيء هالك إلا وجهه فكان أول مقامه نهاية مقام الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله (م 4) ولم يخرجه البخاري (عن عائشة) قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول ذلك الحديث: 1521 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 1522 - (اللهم لك الحمد شكرا) على نعمائك التي لا تتناهى (ولك المن فضلا) أي زيادة وهذا قاله حين بعث بعثا من الأنصار وقال إن سلمهم الله وغنمهم فإن لله علي في ذلك شكرا فلم يلبثوا أن جاؤوا وغنموا وسلموا فقيل له سمعناك تقول إن سلمهم الله وغنمهم فلله علي شكر قال قد فعلت قلت اللهم لك الحمد إلى آخره. فرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك وشكره عليه ليس من حيث حصول الغنيمة التي هي نعمة ولا من حيث الإنعام بل من حيث المنعم وعنايته به وإقداره على التوصل إلى القرب وهذا كان حال المصطفى لا يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله وتصده عن سبيله لأنه لا يريد النعمة لكونها لذيذة ملائمة بل من حيث إعانتها على الآخرة ولذلك قال الشبلي: الشكر رؤية المنعم له النعمة والقلب لا يلتذ حال الصحة إلا بذكر الله ومعرفته ولقائه وإنما يلتذ بغيره إذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما يجد المريض الحلو مرا والعمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم يتعلق بالقلب بأن يضمر الخير لكافة الخلق وباللسان بأن يظهر الشكر بالتحميد والجوارح باستعمال نعم الله في طاعته (طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة وسكون الجيم الأنصاري المدني. قال الهيثمي: فيه سليمان بن سالم المدني وهو ضعيف وذكره في محل آخر وقال فيه عبد الله بن شبيب متهم ذو مناكير الحديث: 1522 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 1523 - (اللهم إني أسألك التوفيق) الذي هو خلق قدرة الطاعة (لمحابك) بالتشديد أي ما تحبه وترضاه (من الأعمال) الصالحة لأترقى في الأفضل فالأفضل منها وتروم إلى المراقبة والإقبال قال بعض العارفين: من أقبل على الله ألف سنة وعقل عنه سنة كان ما فاته أكثر مما ناله لأن من حصل له الوصول نال غاية المقصود فلم يفته شيء ومن فاته المقصود المعبود فاته كل شيء (وصدق التوكل عليك) أي إخلاصه ومطابقته للواقع من الأعمال (وحسن الظن بك) أي يقينا جازما يكون سببا لحسن الظن بك لقوله أنا عند ظن عبدي بي انظر إلى هذه الثلاث المسؤولة كيف يشبه بعضها بعضا فكأنه نظام واحد سأله التوفيق لمحابه ومحابه في الغيب لا تدري فربما كان محابه في شيء هو الظاهر دون غيره فإذا استقبل النفس به واحتاج إلى إيثاره على ما هو في الظاهر أعلا تردد في النفس سؤاله وصدق التوكل والتوكل هو التفويض إليه واتخاذه وكيلا في سائر أموره فسأله صدق ذلك وصدقه أنه إذا استقبلك أمر هو عندك أدون فوفقك لهذا الأدون وهو مختاره أن لا تتردد فيه وتمر فيه مسرعا ثم قال أسألك حسن الظن بك فإن النفس إذا دخلت في الأدون دخل سوء الظن من قبلها تقول لعلي مخذول فيها فسأله حسن الظن حتى لا تأخذه الحيرة من ربه فيخاف الخذلان (حل) عن محمد بن نصر الحارثي من حديث حسين [ص: 141] الجعفي عن يحيى بن عمر (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تابعي ثقة جليل (مرسلا) ثم قال لم يروه عن الأوزاعي فيما أعلم إلا محمد بن النضر ولا عنه إلا يحيى تفرد به الحسن (الحكيم عن أبي هريرة) قال أعني الحكيم وهذا باب غامض يخفى على الصادقين وإنما ينكشف للصديقين انتهى وفيه عمر بن عمرو وفيه كلام الحديث: 1523 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 1524 - (اللهم افتح مسامع قلبي) أي آذانه جمع مسمع كمنبر الأذن كما في الصحاح (لذكرك) ليدرك لذة ما نطق به كل لسان ذاكر وأن كل قلب لم يدرك لذة الذكر فهو كالميت بل الميت خير منه. كان رجل في بني إسرائيل أقبل على الله ثم أعرض عنه فقال يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني فأوحى إلى نبي ذلك الزمان قل لفلان كم عاقبتك ولم تشعر ألم أسلبك حلاوة ذكري ولذة مناجاتي (وارزقني طاعتك) أي كمال لزوم أوامرك (وطاعة رسولك) النبي الأمي الذي أوجبت علينا طاعته وألزمتنا متابعته (وعملا بكتابك) القرآن أي العمل بما فيه من الأحكام فإن من وفق لفهم أسراره وصرف إليه عنايته اكتفى به عن غيره ودله على كل خير وحذره من كل شر وهو الكفيل بذلك على أتم الوجوه وفيه أسباب الخير والشر مفصلة مبينة {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (طس) من حديث الحارث الأعور (عن علي) أمير المؤمنين قال الحارث دخلت على علي بعد العشاء فقال ما جاء بك الساعة قلت إني أحبك قال الله آلله قلت نعم والله قال ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم افتح إلى آخره قال الهيثمي الحارث ضعيف الحديث: 1524 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 1525 - (اللهم إني أسألك صحة في إيمان) يعني في بدني مع تمكن التصديق من قلبي ويحتمل أن معناه أسألك صحة إيماني أي قوة إيقاني (وإيمانا في حسن خلق) بالضم أي وأسألك إيمانا يصحبه حسن خلق (ونجاحا) أي حصولا للمطلوب (يتبعه فلاح) أي فوز ببغية الدنيا والآخرة (ورحمة منك وعافية) من البلايا والمصائب (ومغفرة منك) أي سترا للعيوب (ورضوانا) منك يعني فإنه مناط الفوز بخير الدارين قال الحرالي: وهو بكسر الراء وضمها اسم مبالغة في معنى الرضا (طس ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان الخير فقال إن رسول الله يريد أن يمنحك كلمات تسألهن الرحمن ترغب إليه فيهن وتدعو بهن في الليل والنهار قل اللهم إلى آخره قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 1525 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 1526 - (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك) فإنها سبب كل خير وسعادة في الدارين وقد أثنى الله في التنزيل على المتقين {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} ووعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء بقوله {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وبالنصر والتأييد بقوله {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} وقوله {والله مع المتقين} ولا سعادة أعظم من هذه المعية (ولا تشقني بمعصيتك) قاله مع كونه معصوما اعترافا بالعجز وخضوعا لله وتواضعا لعزته وتعليما لأمته (وخر لي في قضائك) فإنك لا تفعل بي إلا ما هو الأوفق والأصلح لي أي اجعل لي خير الأمرين فيه. قال الزمخشري: تقول استخرت الله في كذا فخار لي أي طلبت منه خير الأمرين فاختاره لي (وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت) فإن الخير كله في الرضا والتسليم. قال العارف الشاذلي: [ص: 142] ترددت هل ألزم القفار للطاعة والأذكار أو أرجع إلى الديار لصحبة الأخيار فوصف لي شيخ برأس جبل فوصلت لغاره ليلا فبت ببابه فسمعته يقول اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك ففعلت فرضوا وأنا أسألك عني اعوجاج الخلق حتى لا يكون لي ملجأ إلا أنت فقلت يا نفس انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ فأصبحت فدخلت عليه فأرهبت من هيبته فقلت كيف حالكم فقال إني أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو من حر التدبير والاختيار فقلت أما شكواي من حرهما فذقته وأما شكواي من بردهما فلماذا قال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله تعالى قلت سمعتك الليلة تقول كذا فتبسم وقال عوض ما تقول سخر لي خلقك قل كن لي تراه إذا كان لك لا يفوتك شيء فما هذه الجبانة (واجعل غناي في نفسي) فإن الغنى بالحقيقة إنما هو غنى النفس لا المال (وأمتعني) انفعني زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين وقيل العمرين وانتصر له بحديث هذان السمع والبصر ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني) ظفرني (على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وأرني فيه ثأري) أشار به إلى قوة المخالفين وحث على تصحيح الالتجاء وصدق الرغبة هذا عصارة ما قرره محققوا أهل الظاهر وقال بعض الصوفية: المتعة بالبصر استعماله فيما له ركب في العين فإنه تعالى جعله في الجسد بمكان عال ومحل رفيع ألا ترى أنه جاء في حديث إن العبد يؤخذ منه يوم القيامة بنعمة البصر فيستفرغ حسناته وتبقى سائر النعم عليه مع السعة ومن رفيع درجة البصر إلى جميع الجوارح أنه ينظر إلى الله في داره يوم الزيادة وبه ينظر إلى الغير في الدنيا فالعين قالب البصر والبصر من نور الروح والروح مسكنه الدماغ ثم بث في جميع البدن بشرا وشعرا فالروح نور والعقل نور والمعرفة نور ولكل نور بصر وبصر القلب متصل ببصر الروح ولطاقة الروح ما دق منه وصفاه وهو في العين وإذا نظر ناظر إلى حدقة عين أبصر تلك اللطافة والرقة في الحدقة في ذلك السواد فتلك لطافة الروح فالإمتاع بالبصر أن يرى عجائب صنع الله في تدبيره في الدارين ويرى كل شيء كما خلقه الله فسأله الإمتاع بسمعه وبصره ليتقرب إلى الله بما ينظره ويسمعه وسأله أن يجعلهما الوارث منه معناه أن يختم له بالنبوة والتوحيد وأن لا يسلبه ذلك (وأقر بذلك عيني) أي فرحني بالانتقام منه (طس عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بهذا الدعاء. قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن خيثم بن عراك وهو متروك الحديث: 1526 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 1527 - (اللهم الطف) ارفق (بي في تيسير كل عسير) أي تسهيل كل صعب شديد (فإن تيسير كل عسير عليك يسير) فإنك خالق الكل ومقدر الجميع (وأسألك اليسر) أي سهولة الأمور وحسن انقيادها (والمعافاة في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: المعافاة أن يعفو الرجل عن الناس وأن يعفوا هم عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك وقيل يغنيهم عنك ويغنيك عنهم ويصرف أذاهم عنك وعكسه (طس عن أبي هريرة) قال لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة شيعه وزوده هذه الكلمات. قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم انتهى وأورده في الميزان في ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن وقال إسناده مظلم الحديث: 1527 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 1528 - (اللهم اعف عني) أي امح ذنوبي (فإنك عفو كريم) أي فإنك ذو فضل وذو كرم تحب الإفضال والإنعام والعفو [ص: 143] الفضل ومنه {قل العفو} أي الفضل وما لا يجهد المنفق إنفاقه أصله من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه ومنه {حتى عفوا} أي كثروا (طس عن أبي سعيد) الخدري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني دعاء أصيب به خيرا فقال ادن فدنا حتى كادت ركبته تمس ركبته فقال قل اللهم إلى آخره. قال الهيثمي: فيه يحيى بن ميمون التمار وهو متروك الحديث: 1528 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 1529 - (اللهم طهر قلبي من النفاق) أي من إظهار خلاف ما في الباطن وهذا قاله تعليما لغيره كيف يدعو (وعملي من الرياء) بمثناة تحتية أي حب إطلاع الناس على عملي (ولساني من الكذب) ونحوه من الغيبة والنميمة زاد في الإحياء وفرجي من الزنا (وعيني) بالتثنية والإفراد (من الخيانة) أي النظر إلى ما لا يجوز (فإنك تعلم خائنة الأعين) مصدر بمعنى الخيانة أي الرمز بها أو النظرة بعد النظرة أو مسارقة النظر إلى ما نهى عنه أو تقديره الأعين الخائنة على التقديم (وما تخفي الصدور) أي الوسوسة أو ما تضمر من أمانة أو خيانة وهذا قاله المصطفى مع أن ذاته الشريفة جبلت على الطهارة ابتداء ونزعت من قلبه علقة الشيطان وأعين على شيطانه فأسلم تشريفا من قبيل قوله {وثيابك فطهر} وكانت ثيابه طاهرة على كل تأويل لكن هذا مقتضى الحكمة في تكليف البشرية وهو عليه الصلاة والسلام المشرع المربي فعمل على ما تقتضيه البشرية <تنبيه> في هذا الخبر إيماء إلى الحث على تطهير القلوب التي هي محل نظر الحق. قال القونوي: وطهارة باطن الإنسان أعني قلبه بسبب قلة التعشقات والتعلقات أو ذهابها ما خلا تعلقه بالحق وبسبب قلة خواص الكثرة والصفات الإمكانية سيما أحكام مكانات الوسائط والسلامة من ضرب الأحكام والخواص المنبه عليها من قبل والمودعة في الأشياء المذكورة وكدورة القلب والحرمان والحجب ونحوها تكون بالصفة المقابلة لهذه ولكثرة الأحكام الإمكانية وخواص إمكانات الوسائط وكثرة التعلقات والانصباغ بالخواص والأحكام المضرة المودعة في الأشياء التي هي مظاهر النجاسة المعنوية وكما أن طهارة القلوب مما ذكر توجب مزيد الرزق المعنوي فكذا الطهارة الظاهرة الصورية توجب مزيد الرزق الحسي ومن جمع بين الطهارتين فاز بالرزقين (الحكيم) في النوادر (خط) كلاهما (عن أم معبد) بنت خالد (الخزاعية) الكعبية عاتكة التي نزل عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال الحافظ العراقي سنده ضعيف الحديث: 1529 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 1530 - (اللهم ارزقني عينين هطالتين) أي بكايتين ذرافتين بالدموع وقد هطل المطر يهطل إذا تتابع (يشفيان) أي يداويان (اللهم ارزقني بذروف الدموع) أي يسيلان الدموع وفي الصحاح ذرف الدمع إذا سال وذرفت عينه سال دمعها. وقال الزمخشري: سالت مذارف عينه أي مدامعها وسمعت من يقول رأيت دمعه يتذارف انتهى (من خشيتك) من شدة خوفك (قبل أن تكون الدموع دما) من هول الموقف وما بعده (والأضراس) جمع ضرس وهو السن وهو مذكر ما دام له هذا الاسم لأن الأسنان كلها إناث الأضراس فإن قيل فيه سن فهو مؤنث (جمرا) من شدة العذاب يوم المآب وهذا إنما يكون محض تعليم للأمة وأما هو فأعظم الآمنين الفرحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الكبير وفي الدعاء وأبو نعيم في الحلية قال الحافظ العراقي وإسناده حسن الحديث: 1530 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 [ص: 144] 1531 - (اللهم عافني في قدرتك) أي بقدرتك أو فيما قضيت لي به وقدرت (وأدخلني في جنتك) أي ابتداء من غير سبق عذاب وفي نسخ بدل جنتك رحمتك (واقض أجلي في طاعتك) أي اجعل انقضاء أجلي حال كوني ملازما على طاعتك (واختم لي بخير عملي) فإن الأعمال بخواتيمها (واجعل ثوابه الجنة) يعني رفع الدرجات فيها وإلا فالدخول بالرحمة لا بالعمل كما قال: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وفيه أن طلب الجنة لا ينافي الكمال (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 1531 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 1532 - (اللهم أغنني بالعلم) أي علم طريق الآخرة إذ ليس الغنى إلا فيه وهو القطب وعليه المدار فإن العلم والعبادة جوهران لأجلهما كان كل ما ترى وتسمع من تصنيف المصنفين وتعليم المعلمين ووعظ الواعظين ونظر الناظرين بل لأجلهما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل بل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فيهما من الخلق {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} وكفى بهذه الآية دليلا على شرف العلم سيما علم معرفة الله والعلم أشرف الجوهرين وأفضلهما فمن أوتي العلم فهو الغني بالحقيقة وإن كان فقيرا من المال ومن حرم العلم سيما علم المعرفة والتوحيد فهو الفقير بالحقيقة وإن كان غنيا بالمال ولهذا قال: من عرف الله فلم تغنه. . . معرفة الله فذاك الشقي (وزيني بالحلم) أي اجعله زينة لي فإنه لا زينة كزينته (وأكرمني بالتقوى) لأكون من أكرم الناس عليك {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (وجملني بالعافية) فإنه لا جمال كجمالها وخص سؤال الأكرم بالتقوى لأنه أساس كل خير وعماد كل فلاح وسبب لسعادة الدنيا والعقبى ولقد صدق القائل: من أتقى الله فذاك الذي. . . سبق له المتجر الرابح وقال عفي عنه: ما يصنع العبد بغير التقى. . . والعز كل العز للمتقي وهب أن الإنسان تعب جميع عمره وجاهد وكابد أليس الشأن كله في القبول {إنما يتقبل الله من المتقين} فمرجع الأمر كله للتقوى (ابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الإمام الرافعي أيضا الحديث: 1532 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 1533 - (اللهم إني أسألك من فضلك) أي سعة جودك (ورحمتك) التي وسعت كل شيء (فإنه لا يملكهما إلا أنت) أي لا يملك الفضل والرحمة غيرك فإنك مقدرهما ومرسلهما فلا يطلبان إلا منك (طس عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية قال ابن مسعود أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد فقال اللهم إني أسألك إلى آخره فأهديت له شاة مصلية فقال هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة انتهى. قال أبو نعيم غريب من حديث مسعر وزبيد تفرد به زياد البرجمي الحديث: 1533 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 1534 - (اللهم حجة) أي أسألك حجة مبرورة وساقه في الإصابة بلفظ اللهم اجعلها حجة (لا رياء فيها ولا سمعة) بل تكون خالصة لوجهك الكريم مقاربة إلى حضرة مجدك العظيم وفيه إبانة لعظيم فضل الحج ورفيع شرفه وذم للرياء وتقبيح للسمعة وإنما هي في غاية الشناعة كيف وهما محبطان للعمل موقعان في الخطل والزلل (هـ عن أنس) قال حج [ص: 145] النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي أربع دراهم أو لا تساوي ثم قال فذكره وذلك لشدة تواضعه الحديث: 1534 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 1535 - (اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر) أي إنسان يظهر المحبة والوداد وهو في باطن الأمر محتال مخادع وفي الصحاح المكر الاحتيال والخداع (عيناه ترياني) أي ينظر إلي بهما نظر الخليل لخليله خداعا ومداهنة (وقلبه يرعاني) أي يراعي إيذائي وهو له بالمرصاد (إن رأى حسنة) أي علم مني بفعل حسنة فعلتها (دفنها) أي سترها وغطاها كما يدفن الميت (وإن رأى سيئة) أي علم مني بفعل سيئة زللت بها (أذاعها) نشرها وأظهر خبرها بين الناس قيل أراد الأخنس بن شريق - كان حلو المنطق - إذا لقي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ألان له القول وادعى محبته وقال يعلم الله أني صادق وقيل عامة في المنافقين كانت تحلو له ألسنتهم وقلوبهم أمر من الصبر وقد أخذ قعنب الشاعر معنى هذا الحديث فنظمه في قصيدة فقال: إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا. . . مني وإن سمعوا من صالح دفنوا قال الماوردي: وليس من كان هذا حاله من الخلان بالحقيقة بل هو من الأعداء المحذورين وإنما يداجي بالمودة استكفافا لشره وتحرزا من مكاشفته فأدخله في عداد الخلاف بالمظاهرة والمساترة وفي الأعداء عند المكاشفة والمجاهرة وقد قال الحكماء: مثل العدو الضاحك إليك كالحنظلة الخضرة أوراقها القاتل مذاقها وفي حكم الفرس لا تغترن بمقاربة العدو فإنه كالماء وإن أطيل إسخانه بالنار لم يمنع من إطفائها (ابن النجار) في تاريخه (عن سعيد) ابن أبي سعيد كيسان (المقبري) بميم مفتوحة وقاف ساكنة ثم باء موحدة مثلثة سمي به لأنه كان يسكن المقابر أو ينزل بنواحيها (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وعائشة وقال أحمد لا بأس به الحديث: 1535 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 1536 - (اللهم اغفر لي ذنوبي) جمع ذنب والذنب ما له تبعة دنيوية أو أخروية مأخوذ من الذنب ولما كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاتبا يترك ما هو الأولى تأكيدا لعصمته أطلق عليه اسم الذنب (وخطاياي) أي استرها وقضية العطف أن الخطايا غير الذنوب (كلها) أي صغيرها وكبيرها (اللهم انعشني) أي ارفعني وقو جأشي وفي الصحاح نعشه الله رفعه وبابه قطع ولا يقال أنعشه. قال الزمخشري: من المجاز نعشه فانتعش إذا تداركه من ورطة وانتعش نعشك الله ونعشني نعشه كريم والكريم ينعش الناس قال ومن المجاز مول لبيد: ومنى على السباق لفظ ونعمة. . . كما نعش الدكداك صوت البوارق (واجبرني) أي سد مفاقري قال في الصحاح الجبر أن تغني الرجل من فقر أو تصلح عظمه من كسر وجبر الله فلانا سد مفاقره وجبر مصيبته رد عليه ما ذهب منه أو عوضه (واهدني لصالح الأعمال) أي للأعمال الصالحة (والأخلاق) جمع خلق بالضم وهو الطبع والسجية وجمعه باعتبار مخالقته الناس ومجاملتهم كما أشار إليه خبر وخالق الناس بخلق حسن (فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها) عني (إلا أنت) لأنك المقدر للخير والشر فلا يطلب جلب الخير إلا منك ولا دفع الشر إلا منك وحدك وفيه حذف تقديره واصرف عني سيء الأعمال فإنه لا يهدي إلخ (طب عن أبي أمامة) قال: ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سمعته يقول ذلك قال الهيثمي ورجاله وثقوا الحديث: 1536 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 [ص: 146] 1537 - (اللهم بعلمك الغيب) الباء للاستعطاف والتذلل أي أنشدك بحق علمك ما خفي على خلقك مما استأثرت به (وقدرتك على الخلق) أي جميع المخلوقات من إنس وجن وملك وغيرها (أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي) عبر بما في الحياة لاتصافه بالحياة حالا وبإذا الشرطية في الوفاة لانعدامها حال التمني أي إذا آل الحال أن تكون الوفاة بهذا الوصف فتوفني (اللهم وأسألك خشيتك) عطف على محذوف واللهم معترضة (في الغيب والشهادة) أي في السر والعلانية أو المشهد والمغيب فإن خشية الله رأس كل خير والشأن في الخشية في الغيب لمدحه تعالى من يخافه بالغيب (وأسألك كلمة الإخلاص) أي النطق بالحق (في الرضا والغضب) أي في حالتي رضا الخلق مني وغضبهم علي فيما أقوله فلا أداهن ولا أنافق أو في حالتي رضاي وغضبي بحيث لا تلجئني شدة الغضب إلا النطق بخلاف الحق ككثير من الناس إذا اشتد غضبه أخرجه من الحق إلى الباطل (وأسألك القصد) أي التوسط (في الغنى والفقر) وهو الذي ليس معه إسراف ولا تقصير فإن الغنى يبسط اليد ويطفىء النفس والفقر يكاد أن يكون كفرا فالتوسط هو المحبوب المطلوب (وأسألك نعيما لا ينفد) أي لا ينقضي وذلك ليس إلا نعيم الآخرة (وأسألك قرة عين) بكثرة النسل المستمر بعدي أو بالمحافظة على الصلاة لقوله وجعلت قرة عيني في الصلاة (لا تنقطع) بل تستمر ما بقيت الدنيا وقيل أراد قرة عينه أي بدوام ذكره وكمال محبته والأنس به. قال بعضهم: من قرت عينه بالله قرت به كل عين (وأسألك الرضا بالقضاء) أي بما قدرته لي في الأزل لأتلقاه بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته خير فلي فيه خير. قال العارف الشاذلي: البلاء كله مجموع في ثلاث خوف الخلق وهم الرزق والرضا عن النفس والعافية والخير مجموع في ثلاث الثقة بالله في كل شيء والرضا عن الله في كل شيء واتقاء شرور الناس ما أمكن (وأسألك برد العيش بعد الموت) برفع الروح إلى منازل السعداء ومقامات المقربين والعيش في هذه الدار لا يبرد لأحد بل محشو بالغصص والنكد والكدر ممحوق بالآلام الباطنة والأسقام الظاهرة (وأسألك لذة النظر إلى وجهك) أي الفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الكمال الحقيقي قيد النظر باللذة لأن النظر إلى الله إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة أو نظر لطف وجمال في الجنة إيذانا بأن المسؤول هذا (والشوق إلى لقائك) قال ابن القيم: جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه ولما كان كلامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال (في غير ضراء مضرة) قال الطيبي: متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة الأخيرة وهي الشوق إلى لقائك. سأل شوقا إليه في الدنيا بحيث يكون في ضراء غير مضرة أي شوقا لا يؤثر في سلوكي وإن ضرني مضرة ما قال: إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا. . . تقولين لولا الهجر لم يطب الحب وإن قلت كربي دائم قلت إنما. . . يعد محبا من يدوم له كرب ويجوز اتصاله بقوله أحيني إلى آخره. ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يصبر عليه (ولا فتنة مضلة) أي موقعة [ص: 147] في الحيرة مفضية إلى الهلاك. وقال القونوي: الضراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم والشهود (اللهم زينا بزينة الإيمان) وهي زينة الباطن ولا معول إلا عليها لأن الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وهي أعظمها قدرا وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العقبى ولما كان كمال العبد في كونه عالما بالحق متبعا له معلما لغيره قال (واجعلنا هداة مهتدين) وصف الهداة بالمهتدين لأن الهادي إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح كونه هاديا لغيره لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا يشعر وهذا الحديث أفرد بالشرح (ن ك) وأحمد (عن عمار بن ياسر) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الحديث: 1537 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 1538 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار) جهنم (ومن عذاب القبر) قال عياض: تخصيصهم بربوبيته وهو رب كل شيء من إضافة العظيم له دون ما قد يحتقر عند الدعاء مبالغة في التعظيم ودليلا على القدرة والملك وأشباهه كثير. وقال القرطبي: خصهم لانتظام هذا الوجود بهم (ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد والبيهقي الحديث: 1538 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 1539 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) ثقله وشدته وذلك حيث لا قدرة على وفائه سيما مع الطلب وفي خبر أو أثر: ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود (وغلبة العدو) من يفرح بمصيبته ويحزن بمسرته وقد يكون من الجانيين أو من أحدهما (وشماتة الأعداء) فرحهم ببلية تنزل بعد وهم كما قال تعالى حكاية عن هارون {ولا تشمت بي الأعداء} وختم بهذه الكلمة البديعة لكونها جامعة متضمنة لسؤال الحفظ عم جميع المعاصي <تنبيه> قال بعضهم: العداوة مأخوذة من عدا فلان عن طريق فلان أي جاوزه ولم يوافقه فيما يحب. قالوا: وأصل ذلك أن الخلق يوم أخذ الميثاق كانوا على صفات فمن كان وجها لوجه فمحال أن تقع بينهما عداوة ومن كان ظهرا لظهر فمحال أن تقع بينهما صداقة ومن كان وجها لظهر فصاحب الوجه محب وصاحب الظهر مبغض ومن كان جنبا لجنب أو بازورار فبحسب ذلك ومن شهد ذلك أقام للناس المعاذير وإن كانوا مذمومين بعداوتهم شرعا. قال البرهان: لكن من شأن الكمل إثبات الخلق مع الحق (تنبيه آخر) قال بعض الكاملين إنما حسن الدعاء بدفع شماتة الأعداء لأن من له صيت عند الناس وتأمل وجد نفسه بينهم كبهلوان يمشي على حبل عال بقبقاب وجميع الأقران والحساد واقفون ينتظرون متى يزلق فيشمتون به ومن أشق ما على الزالق أن يغلب عليه رعاية مقامه عند الخلق فإنه يذوب قهرا بخلاف من يراعي الحق فإن الأذى يخف عليه ولو أظهروا كلهم الشماتة فلذلك خف على العارف أمر شماتة عدوه وثقل على المحجوب وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك خوفا على اتباعه من التفرقة وقلة انتفاع المؤلفة إذ قل تعظيمه لا لكونه يتأثر مراعاة لحظ نفسه لعصمته من ذلك (ت ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أحمد والطبراني أيضا الحديث: 1539 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 1540 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو) أي تسلطه (ومن بوار الأيم) أي كسادها والأيم من لا زوج لها بكرا أو ثيبا مطلقة أو متوفى عنها وبوارها أن لا يرغب فيها أحد. وفي المصباح بار الشيء هلك وبار كسد على الاستعارة لأنه إذا ترك صار غير منتفع به فأشبه الهالك وقال الزمخشري: بارت البيعات كسدت وسوق بائرة وبارت الأيم إذا لم يرغب فيها (ومن فتنة المسيح الدجال) التي لا فتنة أكبر منها ولا بلاء أبشع منها (قط في الأفراد [ص: 148] طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عباد بن زكريا ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 1540 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 1541 - (اللهم إني أعوذ بك من التردي) السقوط من عال كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر والتردي تفعل من الردى وهو الهلاك (والهدم) بسكون الدال أي سقوط البناء ووقوعه على الشيء. قال القاضي: وروي بالفتح وهو اسم ما انهدم منه وفي النهاية الهدم محركا البناء المهدوم وبالسكون الفعل (والغرق) بكسر الراء كفرح الموت بالغرق وقيل بفتح الراء (والحرق) بفتح الحاء والراء الإلتهاب بالنار استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل بدينه ولأنه يعد فجأة ومؤاخذة أسف كما يأتي ذكره القاضي. وقال الطيبي: استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها أما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أنه تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة وكان الفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أنها متمني كل مؤمن ومطلوبه وقد يجب عليه توخي بهجة الشهادة والتحري لها بخلاف التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرز عنها ولو سعى فيها عصى (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان) أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي (عند الموت) بنزعاته التي تزل بها الأقدام وتصرع العقول والأحلام وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة قبله أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له بسوء والعياذ بالله وهذا تعليم للأمة فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال سائر الأنبياء على هذا المنوال. قال القاضي: تخبيط الشيطان مجاز عن إضلاله وتسويله (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا) عن الحق أو عن قتال الكفار حيث حرم الفرار وهذا تعليم للأمة (وأعوذ بك أن أموت لديغا) فعيل بمعنى مفعول واللدغ بدال مهملة وغين معجمة يستعمل في ذوات السم كحية وعقرب وبعين مهملة وذال معجمة يستعمل في الإحراق بنار كالكي وأما اللدع بمهملتين واللذغ بمعجمتين فما خلا عن ذكره زبر اللغة المتداولة كالصحاح واللسان والقاموس والأساس والمصباح (ن ك عن أبي اليسر) بمثناة تحتية وبسين مهملة مفتوحة وراء واسمه كعب بن عمر أسلم يوم الفتح وقتل يوم اليمامة سبعة منهم محكم اليمامة ورواه عنه أيضا أبو داود في الصلاة فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد النسائي به عن الستة غير صحيح الحديث: 1541 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 1542 - (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) قال البيضاوي: وجه الله مجاز عن ذاته عز وجل تقول العرب أكرم الله وجهك بمعنى أكرمك والكريم الشريف النافع الذي لا ينفد عطاؤه (واسمك العظيم) أي الأعظم من كل شيء (من الكفر) بسائر أنواعه (والفقر) فقر المال أو فقر النفس على ما سبق وذا تعليم لأمته. قيل: وهذا يعارض لا يسأل بوجه الله إلا الجنة. وأجيب: بأن الاستعاذة من الكفر سؤال الجنة (طب في السنة) أي في كتاب السنة له (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق شقيق عائشة حضر بدرا مع الكفار ثم أسلم وكان من أشجع قريش وأرماهم بسهم تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح وقال الهيثمي فيه من لم أعرفهم الحديث: 1542 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 1543 - (اللهم لا يدركني زمان) أي أسألك أن لا يدركني زمان أي لا يلحقني [ص: 149] ولا يصل إلي زمان أي عصر أو وقت (ولا تدركوا زمانا) يعني وأسأل الله أن لا تدركوا زمانا (لا يتبع فيه العليم) أي لا ينقاد له أهل ذلك الزمان ويتبعونه فيما يقول إنه الشرع (ولا يستحي فيه من الحليم) باللام أي العاقل المتثبت في الأمور (قلوبهم) يعني قلوب أهل ذلك الزمان (قلوب الأعاجم) أي قلوبهم بعيدة من الخلاق مملوءة من الرياء والنفاق (وألسنتهم ألسنة العرب) متشدقون متفصحون متفيهقون يتلونون في المذاهب ويروغون كالثعالب قال الأحنف: لأن ابتلى بألف جموح لجوج أحب إلي من ابتلى بمتلون والمعنى اللهم لا تحييني ولا أصحابي إلى زمن يكون فيه ذلك (حم عن سهل بن سعد) الساعدي (ك عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: سنده ضعيف وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 1543 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 1544 - (اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون) أي يجيئون (من بعدي) قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحا في حضوره ذكره الحرالي ثم بين مراده بخلفائه بقوله الذين (يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس) فهم خلفاؤه على الحقيقة وبين بهذا أنه ليس مراده هنا الخلافة التي هي الإمامة العظمى وهذه منقبة لأهل الحديث العالمين العاملين أعظم بها من منقبة والأحاديث جمع حديث وتقدم أنه في عرف الشرع ما يضاف إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا والسنن جمع سنة وهي الطريقة والمراد بها في عرف الشرع الطريقة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتحراها فهما إلى الترادف أقرب وقد يقال أراد بها هنا الطريقة المسلوكة في الدين وإن كان من كلام التابعين فمن بعدهم من المجتهدين فيدخل فيه الفقهاء (طس عن علي) أمير المؤمنين ثم قال مخرجه الطبراني تفرد به أحمد بن عيسى أبو طاهر العلوي الهاشمي قال الزين العراقي وأحمد هذا قال الدارقطني كذاب انتهى وفي الميزان هذا حديث باطل وأحمد كذاب انتهى فكان ينبغي حذفه من الكتاب الحديث: 1544 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 1545 - (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء) أي الامتحان بهن والابتلاء بمحبتهن وإنما يستعاذ من فتنتهن لأنها أضر الفتن وأعظم المحن وسيجيء في الكتاب حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (وأعوذ بك من عذاب القبر) هذا تعليم للأمة (الخرائطي في) كتابه (اعتلال القلوب عن سعد) بن أبي وقاص الحديث: 1545 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 1546 - (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة) بكسر القاف قلة المال التي يخاف منها قلة الصبر على الإقلال وتسلط الشيطان بذكر تنعم الأغنياء أو المراد القلة في أبواب البر وخصال الخير أو قلة العدد والمدد أو الكل (وأعوذ بك من أن أظلم (1)) بالبناء للفاعل أي أجور أو أعتدي أو أظلم بالبناء للمفعول والظلم وضع الشيء بغير محله وفي المثل من استرعى الذئب ظلم وفيه ندب الاستعاذة من الظلمة (2) (د ن هـ ك عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود [ص: 150] ولم يعترضه المنذري   (1) أي أحدا من المسلمين والمعاهدين ويدخل فيه ظلم نفسه بمصية الله (2) أي والظلم وأراد بهذه الأدعية تعليم أمته الحديث: 1546 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 1547 - (اللهم إني أعوذ بك من الجوع) أي من ألمه وشدة مصابرته (فإنه بئس الضجيع) أي النائم معي في فراش واحد قلما كان يلازم صاحبه في المضجع سمي ضجيعا (وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ومن ثم قيل أفحش الزمانة عدم الأمانة وقال الأحنف: الزم الأمانة يلزمك العمل وقيل الخيانة خزي وهوان {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ورب حيلة على صاحبها وبيله والبطانة بكسر الباء خلاف الظهارة ثم استعيرت لمن يخصه الرجل بالإطلاع على باطن أمره والتبطن الدخول في الأمر فلما كانت الخيانة أمرا يبطنه الإنسان ويستره ولا يظهره سماها بطانة (د ن ك عن أبي هريرة) وأعله المناوي وغيره بأن فيه محمد بن عجلان وإنما خرج له مسلم في الشواهد قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح الحديث: 1547 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 1548 - (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق (1)) ككتاب النزاع والخلاف أو التعادي إن كلا منهما يكون في شق أي في ناحية أو هو العداوة (والنفاق) نفاق العمل (وسوء الأخلاق) لأن صاحب سوء الخلق لا يفر من ذنب إلا وقع في آخر والأخلاق السيئة من السموم القاتلة والمهلكات الرائعة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين المخرطة لصاحبها في سلك الشيطان الرجيم اللعين وهي الأبواب المفتحة من القلب إلى نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فحق لها أن يستعاذ منها (د) في الصلاة (ن) في الاستعاذة (عن أبي هريرة) وفيه بقية وعبارة ابن عبد الله بن أبي سليك لا يعرف حاله   (1) استعاذ صلى الله عليه وسلم من الشقاق لأنه يؤدي إلى المقاطعة والمهاجرة الحديث: 1548 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 1549 - (اللهم إني أعوذ بك من البرص) داء معروف وقيل للقمر أبرص للنكتة التي فيه وسام أبرص سمي به تشبيها بالبرص والبريص الذي يلمع لمعان الأبرص ويقارب البصيص ذكره الراغب (والجنون والجذام) استعاذته منها تعليم للأمة وإظهار للعبودية (ومن سيء الأسقام (1)) نص على تلك الثلاثة مع دخولها في الأسقام لكونها أبغض شيء إلى العرب ولهم عنها نفرة عظيمة ولهذا عدوا من شروط الرسالة السلامة من كل ما ينفر الخلق ويشوه الخلق (حم د ن عن أنس) قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود بإسناد صحيح   (1) أي الأسقام السيئة أي الرديئة كالسل والاستسقاء وذات الجنب الحديث: 1549 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 1550 - (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية ضعف بالكسر قال في القاموس ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه والضعف المثل إلى ما زاد ويقال ولك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير محصورة: أي اللهم اجعل بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) الدنيوية بدليل قوله في الخبر الآتي اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا أو الأخروية أو هما على ما مر لكن هذا في غير ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة قال النووي: حصلت البركة في نفس الكل بخيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وذا محسوس عند ساكنيها (حم ق عن أنس) بن مالك الحديث: 1550 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 1551 - (اللهم رب الناس) أي الذي [ص: 151] رباهم بإحسانه وعاد عليهم بفضله وحذف حرف النداء إشهارا بما له من القرب لأنه في حضرة المراقبة (مذهب) بضم فسكون مزيل (الباس) شدة المرض (إشف) ابرىء (أنت) لا غيرك (الشافي) المداوي من المرض المبرئ ومنه فيه جواز تسمية الله بما ليس في القرآن إذا ورد به خبر صحيح كما هنا وهو القول الذي عليه التعويل قال القرطبي: الشافي اسم فاعل من شفاء وأل فيه بمعنى الذي وليس باسم الله (لا شافي إلا أنت) فيه أن كل ما يقع في التداوي إنما ينجع بتقدير الله (اشف شفاء) مصدر منصوب باشف وقد يرفع خبر مبتدأ أي هو (لا يغادر) بغين معجمة لا يترك وفائدته أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر (سقما) بضم فسكون وبفتحتين مرضا ولا يشكل الدعاء بالشفاء مع أن المرض كفارة لأن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لحصولهما بأول المرض وبالصبر عليه والداعي ما يحصل له مطلوبه أو يعوضه (حم ق س 3 عن أنس) بن مالك الحديث: 1551 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 1552 - (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة) يعني الصحة والكفاف والعفاف والتوفيق للخير (وفي الآخرة حسنة) يعني الثواب والرحمة (وقنا) بالعفو والمغفرة (عذاب النار) الذي استحقيناه بسوء أعمالنا. وقول علي كرم الله وجهه: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحور وعذاب النار امرأة السوء وقول الحسن: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة ومعنى وقنا عذاب النار احفظنا من كل شهوة وذنب يجر إليها: أمثلة للمراد بها (ق عن أنس بن مالك) قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟ قال نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فجعله لي في الدنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن لا نطيقه أو لا نستطيعه أولا قلت: اللهم آتنا إلخ؟ قال فدعا الله به فشفاه الله الحديث: 1552 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 1553 - (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) ليس العطف لاختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى كما ظن بل الهم إنما يكون في أمر متوقع والحزن فيما وقع والهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان فهو أشد من الحزن وهو خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم فافترقا. وقال القاضي: الفرق بين الهم والحزن أن الحزن على الماضي والهم للمستقبل وقيل الفرق بالشدة والضعف فإن الهم من حيث إن تركيبه أصل في الذوبان يقال أهمني المرض بمعنى أذابني وسنام مهموم مذاب وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه ببدنه أبلغ وأشد من الحزن الذي أصله الخشونة (والعجز) القصور عن فعل الشيء وهو ضد القدرة وأصله التأخر عن الشيء وصار في التعارف اسما للقصور عن فعل الشيء وللزومه الصعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها (والكسل) التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية (والبخل والجبن وضلع الدين) بفتحتين ثقله الذي يميل بصاحبه عن الاستواء والضلع بالتحريك الاعوجاج (وغلبة الرجال) شدة تسلطهم بغير حق تغلبا وجدلا فالإضافة للفاعل أو هيجان النفس من شدة الشق فالإضافة للمفعول. قال ابن القيم: كل اثنين منها قرينتان فالهم والحزن قرينتان إذ المكروه الوارد على القلب إن كان من مستقبل يتوقعه أحدث الهم أو من ماض أحدث الحزن والعجز والكسل قرينتان فإن تخلف العبد عن أسباب الخير إن كان لعدم قدرته فالعجز أو لعدم إرادته فالكسل والجبن والبخل قرينتان فإن عدم النفع إن كان ببدنه فالجبن أو بماله فالبخل وضلع الدين وقهر الرجال قرينتان فإن استعلا الغير عليه إن كان بحق فضلع الدين أو بباطل فقهر الرجال <تنبيه> قال بعض العارفين: يجب التدقيق في فهم كلام النبوة ومعرفة [ص: 152] ما انطوى تحته من الأسرار ولا تقف مع الظاهر فالمحقق ينظر ما سبب حصول القهر من الرجال فيجده من الحجاب عن شهود كونه سبحانه هو المحرك لهم حتى قهروه فيرجع إلى ربه فيكفيه قهرهم والواقف مع الظاهر لا يشهده من الحق بل من الخلق فلا يزال في قهر ولو شهد الفعل من الله لزال القهر ورضي بحكم الله فما وقعت الاستعاذة إلا من سبب القهر الذي هو الحجاب (حم ق ن) كلهم (عن أنس) بن مالك بألفاظ متقاربة واللفظ للبخاري الحديث: 1553 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 1554 - (اللهم أحييني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) يوم القيامة هكذا هو ثابت في الأصول أراد بالمسكنة هنا مسكنة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر كما سبق وقال ابن حجر: أراد بفرض ثبوته أن لا يتجاوز الكفاف <تنبيه> تمام الحديث عند الترمذي فقالت عائشة لم يا رسول الله قال لأنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي مسكينا ولو بشق تمرة يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة انتهى بنصه (عبد بن حميد هـ) كلاهما (عن ابن سعيد) الخدري (طب والضياء) المقدسي في المختارة كلاهما (عن عبادة) بن الصامت وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر كالزركشي وأطال الحديث: 1554 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 1555 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) ترك ما يجب فعله من أمر الدنيا (والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر) وما فيه من الأهوال الفظيعة والأشكال الشنيعة سأله إرشادا لأمته ليقتدوا به في سؤاله لينجو منه (وأعوذ بك من فتنة المحيا) الابتلاء مع عدم الصبر والرضى والوقوع في الآفات والإصرار على الفساد وترك متابعة طريق الهدى (و) من فتنة (الممات) سؤال منكر ونكير مع الحيرة والخوف وهذا تعليم للأمة كما مر غير مرة (حم ق 3 عن أنس) بن مالك الحديث: 1555 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 1556 - (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) أي عقوبته (وأعوذ بك من عذاب النار) نار جهنم تعميم بعد تخصيص كما أن تالييه تخصيص بعد تعميم وهو قوله (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) قال القاضي: المحيا مفعل من الحياة والممات مفعل من الموت وفتنة المحيا ما يعتري الإنسان حال حياته من البلاء والمحن وفتنة الممات شدة سكرة الموت وسؤال القبر وعذابه (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) فإنها أعظم الفتن وأشد المحن ولذلك لم يبعث الله نبيا إلا حذر أمته منه وفيه ندب التعوذ مما ذكر بعد الفراغ من التشهد أي الأخير كما صرح به في رواية مسلم بخلاف الأول لبنائه على التخفيف خلافا لمن زعم أنه فيهما وكأنه لم يطلع على رواية مسلم وفيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة وذكرت فتنة المسيح مع شمول فتنة المحيا والممات لها لعظمها وكثرة شرها أو لكونها تقع في محيا جماعة مخصوصة وهم الموجودون حال خروجه (خ ن عن أبي هريرة) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد - أي الأخير - فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إلخ الحديث: 1556 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 [ص: 153] 1557 - (اللهم إني أتخذ عندك عهد (1)) أي وعدا وعبر به عنه تأكيدا وإشعارا بأنه من المواعيد التي لا يتطرق إليها الخلف كالمواثيق ولذا أستعمل فيه الخلف فقال (لن تخلفنيه) للمبالغة وزيادة التأكيد ذكره القاضي. وقال التوربشتي: العهد هنا الإيمان أسألك إيمانا لن تجعله خلاف ما أرتجيه فوضع الاتخاذ موضع السؤال تحقيقا للرجاء. وقال الطيبي: أصله طلبت منك حاجة تسعفي إياها ولا تخيبني فيها فوقع العهد الموثق محل الحاجة مبالغة في تحقيق قضائها ووضع لن تخلفنيه محل لا تخيبني نظرا إلى أن الألوهية منافية لخلف الوعد (فإنما أنا بشر) أي خلق إنسان قدمه تمهيدا لعذره أي يصدر مني ما هو من لوازم البشرية من الغضب ثم شرع يبين ويفصل ما التمسه بقوله (فأيما مؤمن) الفاء جواب شرط محذوف أي إن كنت سببت مؤمنا فأيما مؤمن (آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته) تعزيرا له (فاجعلها) أي الكلمات المفهمة شتما أو نحو لعنة (صلاة) أي رحمة وإكراما وتعطفا (وزكاة) أي طهارة من الذنوب (وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) ولا تعاقبه بها في العقبى والمراد أسألك أن تجعله خلاف ما يراد منه بأن تجعل ما بدا مني تطهيرا ورفع درجة للمقول له ذلك. واعلم أن الذي رأيته في نسخ الكتاب أثبت أو في شتمته وما بعده وفي المصابيح بغير عطف وعليه قال القاضي: قابل أنواع الفظاظة والإيماء بما يقابلها من أنواع التعطف والألطاف وعد الأقسام الأول متناسية بغير عطف وذكر ما يقابلها بالواو لما كان المطلوب معارضة كل واحدة من تلك بهذه فإن قيل يجيء أنه لم يكن لعانا (2) وأن صيغة المبالغة في مقام المدح يقتضي تفي أصل الفعل فما فائدة هذا مع كون الشتم واللعن من الفحش وهو غير فاحش؟ فالجواب أن المعنى إن وقع مني ذلك فاجعله كذا ولا مانع من فرض ما لا يقع إلا نادرا (ق) في الدعوات (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة واللفظ لمسلم أقرب   (1) سببه كما في مسلم من حديث عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما بشر فأي المسلمين إلخ (واستشكل هذا بأنه لعن جماعة كثيرة منهم المصور والعشار ومن ادعى إلى غير أبيه والمحلل والسارق وشارب الخمر وآكل الربا وغيرهم فيلزم أن يكون لهم رحمة وطهورا وأجيب بأن المراد هنا من لعنه في حال غضبه بدليل ما جاء في رواية فأيما رجل لعنته في غضبي وفي رواية لمسلم إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا أما من لعنه ممن فعل منهيا عنه فلا يدخل في ذلك. فإن قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها أهل؟ أجيب بأن المراد بقوله ليس لها بأهل أي عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه فكأنه يقول من كان في باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله هي طهورا وزكاة. وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظاهر وحساب الناس في البواطن على الله اه الحديث: 1557 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 1558 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والعجز والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة الدجال اللهم آت) أعط (نفسي تقواها) أي تحرزها عن متابعة أهوى وارتكاب الفجور ذكره القاضي. وقال الطيبي: ينبغي أن تفسر التقوى بما يقابل الفجور كما في آية {فألهمها فجورها وتقواها} وهي الاحتراز عن متابعة الهوى والفواحش لأن الحديث كالتفسير والبيان للآية فدل قوله آت على أن الإلهام في الآية هو خلق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات (وزكها) طهرها من كل خلق ذميم (أنت خير من زكاها) أي من جعلها زاكية يعني لا مزكي لها إلا أنت فإنه تعالى هو الذي يزكي النفوس فتصير زاكية أي عاملة بالطاعة فالله هو المزكي والعبد هو المتزكي. قال الطيبي: فإسناد التزكية إلى [ص: 154] النفس في الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل كما زعمه المعتزلة لأن الخبر به يقتضي المناسبة المشاركة بين كسب العبد وخلق القدرة فيه قال الحراني: والتزكية اكتساب الزكاة وهي نماء النفس بما هو لها وهو بمنزلة الغذاء للجسم (أنت وليها) التي يتولاها بالنعمة في الدارين (ومولاها) سيدها وهذا استئناف على بيان الموجب وأن إيتاء التقوى وتصليح التزكية فيها إنما كان لأنه هو المتولي أمرها وربها ومالكها فالتزكية إن حملت على تطهير النفس عن الأفعال والأقوال والأخلاق الذميمة كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهرة ما كان مكمنا في الباطن وإن حملت على الإنماء والإعلان بالتقوى كانت تحلية بعد التخلية فإن المتقي شرعا من اجتنب النواهي وأتى بالأوامر (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي علم لا أعمل به ولا أعلمه ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي أو علم لا يحتاج إليه في الدين ولا في تعلمه إذن شرعي ذكره المظهري (ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع) أي لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصا أو المراد به النهمة وكثرة الأكل (ومن دعوة لا يستجاب لها) قال العلائي: تضمن الحديث الاستعاذة من دنيء أفعال القلوب وفي قرنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع وفيه أن السجع لا يذم لكن إذا حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر بل لكمال فصاحة والتكلف مذموم (حم عبد بن حميد م) في الدعوات (ن) في الاستعاذة (عن) ابن عمرو أو عامر أو عمارة أو أنيسة (زيد بن أرقم) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح القاف غير منصرف بن زيد بن قيس الخزرجي شهد الخندق وما بعدها ورواه عنه أيضا الترمذي مختصرا قال عبد الله بن الحرث قلنا لزيد علمنا فقال لا أعلمكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا فذكره الحديث: 1558 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 1559 - (اللهم اغفر لي خطيئتي) أي ذنبي (وجهلي) أي ما لم أعلمه (وإسرافي في أمري) أي مجاوزتي الحد في كل شيء (وما أنت أعلم به مني) مما علمته وما لم أعلمه (اللهم اغفر لي خطئي وعمدي) وهما متقابلان (وهزلي وجدي) هما متضادان (وكل ذلك عندي) ممكن أي موجود أي أنا متصف بهذه الأمور فاغفرها لي قاله تواضعا أو أراد ما وقع سهوا أو ما قبل النبوة أو محض مجرد تعليم لأمته (اللهم اغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت من التقدمة وهي وضع الشيء قداما وهي جهة القدام الذي هو الإمام فالتجاه أي قبالة الوجه قاله الحراني (وما أخرت) عنه (وما أسررت) أي أخفيت (وما أعلنت) أظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني قاله تواضعا وإجلالا لله تعالى أو تعليما لأمته وتعقب في الفتح الأخير بأنه لو كان للتعليم فقط كفى فيه أمرهم بأن يقولوا فالأولى أنه للمجموع (أنت المقدم) أي بعض العباد إليك بتوفيق الطاعة أو أنت المقدم لي بالبعث في الآخرة (وأنت المؤخر) بخذلان بعضهم عن التوفيق فتؤخره عنك أو أنت المؤخر لي بالبعث في الدنيا أو أنت الرافع والخافض أو المعز والمذل (وأنت على كل شيء قدير) أي أنت الفعال لكل ما تشاء ولذا لم يوصف به غير الباري ومعنى قدرته على الممكن الموجود حال وجوده أنه إن شاء أبقاه وإن شاء أعدمه ومعنى قدرته على المعدوم حين عدمه أنه إن شاء إيجاده أوجده وإلا فلا وفيه أن مقدور العبد مقدور لله حقيقة لأنه شيء (ق) في الدعوات [ص: 155] (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه البيهقي وغيره أيضا الحديث: 1559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 1560 - (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (لك مماتها ومحياها) أي أنت المالك لإحيائها ولإماتتها أي وقد ثبت أنه لا مالك لهما غيرك (فإن أحييتها فاحفظها) أي صنها عن التورط فيما لا يرضيك (وإن أمتها فاغفر لها) ذنوبها فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (اللهم إني أسألك) أطلب منك (العافية) السلامة في الدين من الافتنان وكيد الشيطان والدنيا من الآلام والأسقام. وختم المصنف الأدعية بهذا الدعاء لمناسبته لافتتاحها بخبر لا عيش إلا عيش الآخرة من حديث خالد بن عبد الله بن الحرث (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه النسائي أيضا قال خالد سمعت عبد الله بن الحرث يحدث عن ابن عمر أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول ذلك فقال له رجل سمعت هذا من عمر فقال من خير من عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث: 1560 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 1561 - (ألبان البقر شفاء) من الأمراض السوداوية والغم والوسواس ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق البدن باعتدال وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من كل سم ولدغ حية وعقرب وتفصيله في الطب (وسمنها دواء) إذ هو ترياق السموم المشروبة كما في الموجز وغيره (ولحومها داء) مضرة بالبدن جالبة للسوداء. قال في الإرشاد: عسير الهضم يولد أخلاطا غليظة وأمراضا سوداوية كسرطان وجرب وقوبا وجذام وداء الفيل وحمى الربع ويغلظ الطحال (طب عن ملكية) بالتصغير (بنت عمرو) الزيدية أو السودية الجعفية قال في التقريب كأصله يقال لها صحبة ويقال تابعية من الطبقة الثالثة ورواه عنها البهيقي أيضا وفيه ضعف الحديث: 1561 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 1562 - (البس) ندبا (الخشن الضيق) من الثياب ونحوها (حتى لا يجد العز) يعني الكبر والأشر والبطر والترفع على الناس (والفخر) ادعاء العظمة والشرف (فيك مساعا) أي مدخلا فلا تكن كمن قيل فيه ثوب رقيق نضيف وجسم خبيث سخيف وأشار بقوله حتى إلخ إلى أن سر الأمر بلبسه وقصد كسر النفس وفطمها عن زي الخيلاء والفخر فلا يعارضه قول الفقهاء يكره لبس الخشن لغير مصلحة لأن لبسه بذلك القصد مصلحة. وقيل لإياس بن معاوية: إنك لا تبالي ما لبست قال: لئن ألبس ثوبا يقي نفسي أحب إلي من أن ألبس ثوبا أقيه بنفسي قال الغزالي: روي أن عيسى عليه السلام توسد حجرا فمر به إبليس وقال: يا عيسى رغبت في الدنيا فأخذه من تحت رأسه ورماه به وقال: هذا لك مع الدنيا. ورأى العارف الرفاعي رضي الله تعالى عنه فقيرا يهندم ثوبه ويصفف عمامته على التناسب فقال: يا ولدي هذا خروج عن طريق الإرادة ومن كلامهم إذا رأيت المريد في زيه لبق فاعلموا أنه عن الاستقامة زلق (ابن مئدة) الحافظ أبو القاسم في الصحابة من طريق بقية عن حسان بن سليم عن عمرو بن سلمة (عن أنيس) بن الضحاك وظاهر صنيعه أنه لم يره لأحد من المشاهير وليس كذلك فقد خرجه أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر يا أبا ذر البس إلخ ثم قال أعني ابن مئدة غريب وفيه إرسال انتهى. وحكاه ابن حجر عنه وأقره. قال أبو حاتم: وأنيس هذا لا يعرف قال ابن حجر وجزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم اغد يا أنيس على امرأة هذا. الحديث الحديث: 1562 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 1563 - (البسوا) بفتح الموحدة (الثياب البيض) يعني آثروا ندبا الملبوس الأبيض في كل زمن [ص: 156] على غيره من نحو ثوب وعمامة ورداء وإزار وغيرها حيث لا عذر (فإنها أطهر) لأنها تحكي ما يصيبها من النجس عينا وأثرا (وأطيب) لغلبة دلالتها على التواضع والتخشع وعدم الكبر والعجب فجعله من عطف أحد الرديفين على الآخر قصور ولهذه الأطيبية ندب إيثارها في المحافل كشهود جمعة وحضور مسجد ولقاء الملائكة ولذلك فضلت في التكفين كما قال (وكفنوا فيها موتاكم) ندبا مؤكدا ويكره التكفين في غير أبيض (حم ت) في اللباس (ن) في الزينة (هـ) في اللباس (ك) فيه كلهم (عن سمرة) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 1563 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 1564 - (التمس) أيها الطالب للتزويج شيئا تجعله صداقا (ولو) كان إنما تجد (خاتما) كأنه قال التمس شيئا على كل حال وإن قل فإنه لما أمر بالالتماس أمرا مطلقا خشي توهم خروج خاتم الحديد عن الملتمسات فأكد دخوله فيها بالواو المدخلة ما بعدها فيما قبلها فنصب بإضمار فعل دل عليه ما قبله. قال التوربشتي: وخاتم الحديد وإن نهى عن التختم به لكنه لم يدخل بذلك في جملة ما لا قيمة له وفي بعض نسخ مسلم ولو خاتم أي ولو هو خاتم أو ولو فص خاتم (من حديد) وفيه أنه ينبغي أن لا يعقد نكاح إلا بصداق لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لو طلقت قبل دخول وأنه غير مقدر فيجوز بأقل متمول أو خاتم الحديد غالية القلة فهو رد على مالك في جعله أقله ما يجب فيه القطع وأبي حنيفة عشرة دراهم وحل نكاح المعسر واتخاذ خاتم حديد وغير ذلك (تتمة) قال في شرح اللمع سمي الحديد حديدا لأن الحد لغة المنع وهو يمنع من وصول السلاح إلى البدن وسمي البواب والسجان حدادا لمنعه من في المحل من الخروج (حم ق د عن سهل بن سعد) ظاهره أنه لم يخرجه من الستة إلا الثلاثة والأمر بخلافه بل رواه الجماعة كلهم بألفاظ متقاربة الحديث: 1564 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 1565 - (التمسوا الجار قبل الدار) أي قبل شرائها هكذا جاء في رواية القضاعي يعني اطلبوا حسن سيرته وابحثوا عنها. وقال الراغب: قيل لرابعة ألا تسألين الله الجنة فقالت: الجار ثم الدار (والرفيق قبل الطريق) أي أعد لسفرك رفيقا قبل الشروع فيه فإن لكل مفازة غربة وفي كل غربة وحشة وبالرفيق تذهب الوحشة ويحصل الأنس ومن ثم قيل ما أضيق الطريق على من لم يكن له رفيق ثم إنه ليس كل رفيق يكفي في الرفقة بل لابد من المشاكلة والمجانسة ومن ثم قيل انظر من ترافق أو تجالس فقل نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها ومما يعزى لعلي كرم الله وجهه: لا تصحب أخا الجهل. . . وإياك وإياه. . . فكم من جاهل أردى. . . حليما حين آخاه يقاس المرء بالمرء. . . إذا ما المرء ما شاء. . . وللشيء على الشيء. . . مقاييس وأشباه وللقلب على القلب. . . دليل حين يلقاه قال الكمال: والالتماس الطلب مع التساوي بين الآمر والمأمور في الرتبة وذهب الصوفية إلى أن المراد بالرفيق الشيخ الذي يؤخذ عنه والطريق ما يمشي فيه السالك ويقطعه بالمعاملات والمقامات والأحوال والمعارف لأن في المعارف والأحوال الإسفار عن أخلاق المسافرين ومراتب العلم ومنازل الأسماء والحقائق ولذلك استحقت هذا اللقب ولما كان الإنسان مجموع العالم ونسخة الحضرة الإلهية التي هي ذات وصفات وأحوال احتاج إلى مطرق يطرق له السلوك إليها والسفر فيها ليرى العجائب ويقتني العلوم والأسرار فإنه سفر تجارة والمطرق الرفيق الذي هو الشيخ والطريق هي الشريعة فمن سافر بغير رفيق ثقة ضل وأضل ومن سافر بشيخ ثقة وصل إلى الحقيقة (طب) من حديث عثمان بن عبد الله الطرائقي عن أبان بن مجير عن سعيد بن معروف (عن) أبيه (رافع بن خديج) بفتح المعجمة الحارثي الأنصاري الأوسي وكذا رواه عنه ابن أبي خيثمة والأزدي والعسكري والخطيب في الجامع وعثمان هذا قال [ص: 157] ابن خير كذاب وفي الميزان في ترجمة سعيد هذا قال الأزدي لا تقوى به حجة وأبان متروك ثم ساق الخبر وقال الكمال ابن أبي شريف رضي الله عنه الحديث منكر ساقه الأزدي في ترجمة سعيد وقال لا يقوم به حجة لكن الحل فيه ليس عليه بل على أبان فإنه متروك وسعيد وأبوه لم يخرج لهما في السنة ولا فيما ذيل عليه الحديث: 1565 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 1566 - (التمسوا الخير) اطلبوه (عند حسان الوجوه) حال طلب الحاجة فرب حسن الوجه ذميمة عند الطلب وعكسه قال ابن رواحة أو حسان: قد سمعنا نبينا قال قولا. . . هو لمن يطلب الحوائج راحه اغدوا واطلبوا الحوائج ممن. . . زين الله وجهه بالصباحه (طب عن أبي حفصة) بمعجمة ثم مهملة الكندي وهو جد يزيد بن خصيفة قال الهيثمي رواه الطبراني من طريق يحيى بن زيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه وكلاهما ضعيف الحديث: 1566 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 1567 - (التمسوا الرزق بالنكاح) أي التزوج فإنه جالب للبركة جار للرزق موسع إذا صلحت النية. قال الزمخشري: والرزق الحظ والنصيب مطعوما أو مالا أو علما أو ولدا أو غيرها. قال في الإتحاف: هذا الخبر وخبر تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال يدل على ندب التزويج للفقير ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ندبه قدرته على المؤنة والأوجه أن الناس أقسام قسم واجد وقسم غير واجد وهو واثق لله وقسم غير واثق وليس له ثقة فيستحب للواثق دون غيره (فر) من حديث مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح (عن ابن عباس) ومسلم بن خالد. قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري وأبو زرعة منكر الحديث قال السخاوي وشيخه ضعيف لكن له شواهد عن ابن عباس الحديث: 1567 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 1568 - (التمسوا الساعة التي ترجى من يوم الجمعة) أي التي ترجى إجابة الدعاء فيها (بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) أي سقوط جميع القرص وقد اختلف فيها على أقوال أحدها أنها كانت ثم رفعت. الثاني أنها موجودة لكن في جمعة واحدة في السنة. الثالثة أنها مخفية في جميع اليوم كليلة القدر في العشر. الرابع أنها تنتقل في يومها ولا تلزم ساعة معينة ورجحه الغزالي والطبري. الخامس إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة. السادس من الفجر إلى الشمس. السابع مثله وزاد من العصر إلى المغرب. الثامن مثله وزاد ما بين نزول الإمام من المنبر إلى أن يكبر. التاسع أول ساعة بعد طلوع الشمس. العاشر عند طلوع الشمس. الحادي عشر ما بين ارتفاع الشمس من شبر إلى ذراع. الثاني عشر في آخر ساعة ثالثة من النهار. الثالث عشر من الزوال إلى مصير الظل نصف ذراع. الرابع عشر إلى أن يصير الظل ذراعا. الخامس عشر إذا زالت الشمس. السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة. السابع عشر من الزوال إلى دخول الإمام المحراب. الثامن عشر منه إلى خروج الإمام. التاسع عشر من الزوال إلى الغروب. العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة. الحادي والعشرون عند خروج الإمام. الثاني والعشرون ما بين أن يحرم السعي إلى أن يحل. الثالث والعشرون ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة. الرابع والعشرون ما بين جلوسه على المنبر إلى انقضاء الصلاة. الخامس والعشرون عند التأذين والإحرام والإقامة. السادس والعشرون من افتتاح الخطبة إلى فراغها. السابع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة. الثامن والعشرون عند الجلوس بين الخطبتين. التاسع والعشرون عند نزول الإمام من المنبر. الثلاثون حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه الحادي والثلاثون من إقامة الصلاة إلى تمامها. [ص: 158] الثاني والثلاثون في الساعة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة. الثالث والثلاثون من العصر إلى الغروب. الرابع والثلاثون في صلاة العصر. الخامس والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار. السادس والثلاثون بعد العصر مطلقا. السابع والثلاثون من وسط النهار إلى قرب آخره. الثامن والثلاثون من الاصفرار إلى الغروب. التاسع والثلاثون آخر ساعة من العصر. الأربعون بعد العصر مطلقا. الحادي والأربعون من حين يغيب بعض القرص إلى تكامل الغروب. وصوب النووي أنها ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وفائدة إبهامها كليلة القدر الحث على إكثار الصلاة والدعاء ولو تعينت لاتكل الناس وتركوا ما عداها (ت) في الجمعة (عن أنس) وفال غريب ومحمد بن أبي حميد أحد رواته مضعف من قبل حفظه يقال له حماد بن أبي حميد ويقال إبراهيم الأنصاري وهو منكر الحديث انتهى. وقال ابن حجر في الفتح إسناده ضعيف الحديث: 1568 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 1569 - (التمسوا) اطلبوا فاستعير للطلب اللمس (ليلة القدر) أي القضاء والحكم بالأمور سميت به لعظم منزلتها وقدرها وشرفها ولما تكتبه فيها الملائكة من الأقدار التي تكون منها إلى السنة القابلة والقدر والتقدير إظهار كمية الشيء أو لأن من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر ولأن الطاعة لها قدر زائد فيها (في أربع وعشرين) أي ليلة وهذا مذهب الحبر وبلال والحسن وقتادة قال الحرالي: ويحصل الاطلاع عليها بكشف خاص لأهل الخلوة أو آيات بينة لأهل التبصرة أو بأية بادية لأهل المراقبة كلا على وجه حكمته وخلوته واستغراق ذكره في صومه (محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب الصلاة عنه (عن ابن عباس) الحديث: 1569 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 1570 - (التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) لا يناقضه الأمر بالتماسها في أربع وعشرين وغيره لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما فذهب كل واحد من الصحب بما سمعه أو رآه هو ولم يؤذن له في الكشف عنه قال الشافعي رضي الله عنه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجيب على نحو ما يسأل يقال له نلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا فعلى هذا تنوع إخبار كل فريق من العلم انتهى وميله رضي الله تعالى عنه إلى أنها ليلة الحادي أو الثالث وعشرين وأنها تلزم ليلة بعينها وذهب الأكثر إلى سبع وعشرين ويحتمل أن فريقا منهم علمها بتوقيف ولم يؤذن له بالكشف لما في عدم تعينها للعموم من حكمة بالغة ليزدادوا جدا واجتهادا في التحري (طب عن معاوية) بن أبي سفيان بن حرب قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 1570 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 1571 - (التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان) قال الطيبي: يحتمل ليلة تسع وعشرين أو السلخ رجحنا الأول لقرينة الأوتار انتهى وأنت خبير بأنه ليس في اللفظ ما يحتمل ليلة تسع أصلا فهذا الاحتمال فيه إشكال قال في شرح المهذب وليلة القدر من خصائصنا قال وأجمع من يعتد به على دوامها ووجودها إلى آخر الدهر ويراها ويتحققها من شاء الله من بني آدم كل سنة في رمضان وإخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصى وقول المهلب لا تمكن رؤيتها حقيقة غلطة وحكمة إخفائها كما في الكشاف أن من أرادها أحيا ليالي كثيرة طلبا لموافقتها فتكثير عبادته وأن لا يتكل الناس على إصابة الفضل فيها فيفرطوا فيها (ابن نصر) محمد في الصلاة (عن معاوية) بن أبي سفيان يرفعه <فائدة> قال السهروردي تبعا للحكيم الترمذي: خلق الله بحرا تحت العرش سماه بحر الحياة وجعل فيه حياة كل شيء وجمع أرزاق الخلق في ذلك البحر فإذا كان ليلة القدر أخرج أرزاق جميع المرتزقة من خلقه في تلك الليلة إلى مثلها من قابل فإذا نفد ذلك البحر نفخ في الصور وإليه الإشارة بقوله تعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون} ثم أقسم [ص: 159] {فورب السماء والأرض إنه لحق} الحديث: 1571 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 1572 - (ألحدوا) أي شقوا جانب القبر مما يلي القبلة شقا وضعوا فيه الميت. قال النووي: وهو بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطعها وكسر الحاء (ولا تشقوا) أي لا تحفروا في وسطه وتبنوا جانبيه وتسقفوه من فوقه (فإن اللحد لنا) أي هو الذي نؤثره ونختاره (والشق لغيرنا) (1) أي هو اختيار من قبلنا من الأمم واستفدنا أن اللحد فضل وليس فيه النهي عن الشق. قال الطيبي: ويحتمل أن ضمير الجمع نفسه أي أوثر لي اللحد وهو إخبار عن الكائن فيكون معجزة. اه. ولا يخفى تكلفه (حم) وكذا الطيالسي (عن جرير) بن عبد الله وفيه عثمان بن عمير أورده الذهبي في الضعفاء   (1) [واستدلال المناوي هو من سياق الحديث الذي يفهم منه أن اللحد هو الذي نؤثره والشق هو اختيار غيرنا من الأمم فقد اشترط العلماء للتحريم إما النص على الحرمة كقول " حرم عليكم " وإما الوعيد بالعقاب بشرط صحة الحديث وكونه قطعي الدلالة أي لا يقبل احتمالا آخرا وهذان الشرطان غير موجودان في هذا الحديث. وانظر الحديث 1422 و 2964 بشأن ورود صيغة الأمر لغير الوجوب. دار الحديث] الحديث: 1572 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 1573 - (ألحد لآدم) أي عمل له شق في جانب القبر ليوضع فيه عند موته (وغسل) بعد موته (بالماء وترا) أي ثلاثا أو خمسا أو تسعا وصلى عليه ووضع في لحده (فقالت الملائكة) أي من حضره منهم أو من في الأرض منهم ويحتمل العموم أي قال بعضهم لبعض (هذه سنة ولد آدم من بعده) أي كل من مات منهم يفعل ذلك وقولهم ذلك يحتمل كونه ناشئا عن اجتهاد أو أن ثبوت الحكم للأصل يستنبع الفرع ويحتمل بأمر إلهي أو رأوه في اللوح المحفوظ أو في صحفهم أو في غير ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي) بن كعب ورواه عنه الديلمي الحديث: 1573 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 1574 - (الحقوا الفرائض) أي الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما (بأهلها) أي من يستحقها بنص التنزيل في رواية اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله على وفق ما أنزل الله في كتابه (فما بقي فهو الأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولي بالسكون القرب بأي فهو الأقرب (رجل) من عصبات الميت (ذكر) احتراز عن الخنثى فإنه لا يجعل عصبة ولا صاحب فرض جزما بل يعطى أقل النصيبين وقيل ذكر ذكر بعد رجل لسان أن العصبة ترث ولو صغارا ردا على الجاهلية حيث لم يعطوا إلا من في حد الرجولية والمحاربة وقيل ذكر وصف الأولى لا لرجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال هو لقريب الميت ذكر من قبل رجل وصلب لا من بطن ورحم فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت فأفاد به نفي الإرث عن الأولى من قبل الأم كالخال ذكره السهيلي. قال الطيبي: وأوقع الموصوف مع الصفة كأنه قيل فما بقي فهو لأقرب عصبة (حم ق ت عن ابن عباس) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا الثلاثة والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم المناوي للجماعة إلا ابن ماجه الحديث: 1574 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 1575 - (الزم) بكسر فسكون ففتح (بيتك) أي محل سكنك بيتا أو خلوة أو غيرهما قاله لرجل استعمله على عمل فقال يا رسول الله خر لي فعلي هذا فالمراد بلزوم البيت الانجماع عن الناس والعزلة واحتج به من ذهب إلى ان العزلة أفضل من مخالطة الناس وذهب جمع إلى عكسه والمسألة مشهورة فيها كتب مفردة من الجانبين ورجح ابن أبي حمزة أفضلية العزلة لأهل البداية دون غيرهم أخذا من خلوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا بغار حراء وتأويل البعض الزم بيتك: قلبك - متكلف. <فائدة> قال بعض الحكماء إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب فيه الفرات بن أبي الفرات قال في الميزان عن ابن معين ليس بشيء وعن ابن عدي الضعف بين على رواياته ثم أورد له هذا الخبر انتهى. وذكر نحوه الحافظ العراقي الحديث: 1575 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 [ص: 160] 1576 - (الزم) ندبا (نعليك قدميك) بأن لا تخلعهما لإرادة الجلوس لنحو الصلاة (فإن خلعتهما) ولا بد (فاجعلهما) ندبا (بين رجليك ولا تجعلهما) أي ولا ينبغي أن تجعلهما (عن يمينك) صونا لها عما هو محل الأذى والقذر (ولا عن يمين صاحبك) يعني مصاحبك في الجلوس (ولا وراءك) أي وراء ظهرك (فتؤذي) أي لئلا تؤذي بهما (من خلفك) من الناس فإن فعلت ذلك بقصد الإضرار أثمت قطعا وبدونه خالفت الأدب (هـ عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن المحاربي أورده الذهبي في الضعفاء ووثق الحديث: 1576 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 1577 - (الزموا هذا الدعاء) أي داوموا عليه وهو (اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر) أي رضاك الأعظم الأفخم الذي يغلب سخطك (فإنه اسم من أسماء الله) التي إذا سئل بها أعطى وإذا دعي بها أجاب قال الحليمي: ويؤخذ من هذا أنه ينبغي للمرء أن يدعوه بأسمائه الحسنى ولا يدعوه بما لا يخلص ثناء وإن كان في نفسه حقا. قال تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} والرضوان بكسر الراء وضمها لغة قيس وتميم بمعنى الرضا وهو خلاف السخط وفي الاسم الأعظم أقوال لا تكاد تحصى أفردها خلق بالتأليف (البغوي وابن قانع) كلاهما في معجم الصحابة (طب) كلهم (عن حمزة بن عبد المطلب) بن هاشم أبي يعلى أو أبي عمارة كني بابنته وهو خال الزبير وأمه بنت عم آمنة أم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي هالة بنت أهيب الحديث: 1577 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 1579 - (ألظوا بياذا الجلال والإكرام) بفتح الهمزة وكسر اللام وبظاء معجمة مشددة أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها كذا في الرياض وفي رواية سندها قوي من حديث ابن عمر ألحوا بحاء مهملة ثقيلة وكل منها بفتح الهمزة وكسر اللام ومعناها متقارب ذكره ابن حجر وأيما كان فالمراد دوموا على قولكم ذلك في دعائكم واجعلوه هجيراكم لئلا تركنوا أو تطمئنوا لغيره قال الزمخشري: ألظ وألب وألج أخوات في معنى اللزوم والدوام ويقال ألظ المطر بمكان كذا أو أتتني ملظتك أي رسالتك التي ألححت فيها قال: وبلغ بني سعد بن بكر ملظة. . . رسول امرىء بادي المودة ناصح ويقال فلان ملظ بفلان وذلك إذا رأيته لا يسكن عن ذكره ويقال للغريم اللزوم ملظ على مفعل إلى هنا كلامه ومعنى ذا الجلال استحقاقه وصف العظمة ونعت الرفقة عزا وتكبرا عن نعت الموجودات فجلاله صفة استحقها لذاته والإكرام أخص من الإنعام إذ الإنعام قد يكون على غير المكرم كالعاصي والإكرام لمن يحبه ويعزه ومنه سمي ما أكرم الله به أولياءه مما يخرج عن العادة كرامات فندب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الإكثار من قولك يا ذا الجلال في الدعاء ليستشعر القلب من دوام ذكر اللسان ويقر في السر تعظيم الله وهيبته ويمتلىء الصدر بمراقبة جلاله فيكرمه في الدنيا والآخرة (ت عن أنس) بن مالك (حم ق ك) وصححه كلهم من طريق يحيى بن حسان [ص: 161] شيخ من أهل بيت المقدس (عن ربيعة بن عامر) بن نجاد يعد في أهل فلسطين قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفي الإصابة عن ابن عبد البر لا يعرف لربيعة هذا إلا هذا الحديث من هذا الوجه الحديث: 1579 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 1578 - (الزموا الجهاد) أي محاربة الكفار لإعلاء كلمة الجبار (تصحوا) أي فإن لزومه يورث صحة الأبدان (وتستغنوا) بما يفتح الله عليكم من الفيء والغنيمة وفي إفهامه أن عدم ملازمته يوهن ويفقر وذلك لأن الكف عنه يقوي العدو ويسلطهم على إهلاك أموال المسلمين ودمائهم (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف الحديث: 1578 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 1580 - (ألق) ندبا (عنك) أيها الجائي إلينا وقد أسلم (شعر الكفر) أي أزله بحلق وغيره كقص ونورة والحلق أفضل قال القاضي: والإلقاء طرح الشيء وهو شامل لشعر الرأس وغيره كشارب وإبط وعانة وقيس به قلم ظفر وغسل ثوب وما يلي جسده أكد فإن لم يكن له شعر أمر الموسى عليه كالحج. قال في المطامح: وأخذ منه الصوفية حلق رأس المريد إذا تاب وهو بدعة (ثم) وفي رواية بالواو (اختتن) وجوبا إن أمنت الهلاك وخطاب الواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوص وحلمه على الندب في إلقاء الشعر لا يستلزم حمله عليه في الختن وإنما وجب ختانه لأنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر ويحل كشف العورة له بلا ضرورة وأراد هنا الذكر المحقق وقيس به الأنثى أما خنثى مشكل فلا (حم د) من رواية ابن جريج قال أخبرت عن عثيم تصغيرعثمان (بن) كثير بن (كليب) الصحابي الحضرمي أو الجهني عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال الق إلخ قال ابن حجر في التخريج فالصحابي كليب وإنما نسب عثيم في الإسناد إلى جده وقد وقع مبنيا في رواية الواقدي قال ابن القطان فيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان وقال الذهبي هذا منقطع وقال في الفتح سند الحديث ضعيف الحديث: 1580 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 1581 - (ألهم إسماعيل) الذي وقفت عليه في أصول قديمة صحيحة من شعب البيهقي والمستدرك وتلخيصه للذهبي بخطه إبراهيم بدل إسماعيل فليحرر وإنما نشرحه على لفظ إسماعيل (هذا اللسان العربي إلهاما) من الله تعالى أي ألهم الزيادة في بيانه وإيضاح تبيانه بعد ما تعلم العربية من أهل جرهم ولم تكن لسان أبويه كما يشعر به في البخاري في نزول أمه مكة ومرور رفقة من جرهم فتعلم منهم فالأولية في الخبر الآتي أول من فتق لسانه بالعربية إسماعيل فالمراد بها الأولية المقيدة بزيادة البيان وأحكام إفصاح ذلك اللسان لا الأولية المطلقة فإنها ليعرب بن قحطان (ك هب عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم واعترضه الذهبي بأن مداره على إبراهيم بن إسحاق الغسيلي وكان يسرق الحديث انتهى وقال البيهقي عقب إيراده المحفوظ مرسل الحديث: 1581 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 1582 - (ألهوا) بضم فسكون فضم (والعبوا) عطف تفسير أي فيما لاحرج فيه (فإني أكره أن يرى) بالبناء للمجهول (في دينكم) بالبناء للمجهول أيها المسلمون (غلظة) شدة وفظاظة. قال الزمخشري: وأصل اللهو كل باطل ألهى عن خير وعما يعني والغلظة مثلثة الغين الفظاظة كما في الصحاح قال الزمخشري: من المجاز {أخذنا منهم ميثاقا غليظا} {وليجدوا فيكم غلظة} وما أغلظ طباعهم وأغلظ له في القول (هب عن المطلب) بتشديد المهملة (بن عبد الله) ابن حنظل المخزومي ثم قال أعني البيهقي هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع إلى اللهو المباح انتهى وفيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان وعمرو ابن أبي عمرو مولى المطلب أورده أيضا في الضعفاء وقال لينه يحيى وقال أحمد لا بأس به الحديث: 1582 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 [ص: 162] 1583 - (إليك) لا لغيرك كما يؤذن به تقديمه (انتهت الأماني) جمع أمنية وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل من منا إذا قدر ولذلك تطلق على الكذب وعلى ما يتمنى. وقيل هي توقع القلب أمرا يرجو حصوله (يا صاحب العافية) هكذا أورد المصنف هذا الحديث بهذا اللفظ كما في هذا الموضع ولعل إيراده هكذا ذهول أو سبق قلم فإن لفظ الحديث كما رواه القضاعي وغيره اللهم إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية فهو مصدر بلفظ اللهم والخطاب فيه لله تعالى والمعنى وقفت عليك الأمنية فلا تسأل غيرك كذا فسره به في الفردوس قال الحافظ البغدادي فانتهاؤها إليه سبحانه من وجهين أحدهما فرض التوحيد وهو أن كل متمن لا يصل إلى أمنيته إلا بإرادته سبحانه وقوله إليك إلخ أي الخواطر تبعث إلى الأسباب فتجيب فتشاهد القلوب بصفاء التوحيد عجزها فتسير الأماني عنها حتى تجاوزها إلى سببها فيعكف الهم بين يديه وهذا حال أكثر عوام المؤمنين. الثاني وهو للخواص أنهم شرعوا في قطع الأماني عن الدنيا والأخرى وسارت قلوبهم بأمانيها إلى مولاهم لما دعا {ففروا إلى الله} {وأن إلى ربك المنتهى} فلا إرادة لهم إلا في خدمته ولا تعلق لهم إلا به قوله يا صاحب العافية: أي أنت القادر على العافية من كل بلية ومن سقم وعلاقة ومن كل أمنية لا ينتهى إليها وهم. وفي الشعب عن ابن أدهم إذا أردت أن تعرف الشيء بفضله فاقلبه بضده فاذا أنت عرفت فضل ما أوتيت فاقلب العافية بالبلاء تعرف فضل العافية وقيل لبشرالحافي: بأي شيء تأكل الخبز قال: أذكر العافية وأجعلها إداما (طس هب عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي نفسه عقب تخريجه في إسناده ضعف انتهى. وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: إسناده حسن الحديث: 1583 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 1584 - (أما) بتخفيف الميم (إن) بكسر الهمزة إن جعلت إما بمعنى حقا (1) وبفتحها إن جعلت استفتاحية (ربك يحب المدح) وفي رواية الحمد وهذا قاله للأسود بن سريع حين قال يا رسول الله مدحت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال له أما إن إلخ (حم خد ن ك عن الأسود بن سريع) بفتح السين التميمي السعدي صحابي نزل البصرة ومات في أيام الجمل قال الهيثمي أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح   (1) هذا سهو والصواب العكس لأن إن تكسر بعد أداة الاستفتاح كقوله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} وتفتح بعد حقا كقول الشاعر: أحقا أن جيرتنا استقنوا. كما في مغني اللبيب والظاهر أن السهو وقع من أول ناسخ فعممت النسخ به وإلا فليس مثل هذا مما يخفى على المناوي اه الحديث: 1584 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 1585 - (أما إن كل بناء) من القصور المشيدة والحصون المانعة والغرف المرتفعة وهو (وبال على صاحبه) أي سوء عقاب وطول عذاب في الآخرة لأنه إنما يبنيها لذلك رجاء التمكن في الدنيا والتشبيه بمن يتمنى الخلود فيها مع ما فيه من اللهو عن ذكر الله والتفاخر والتطاول على الفقراء وقد ذم الله فاعليه بقوله {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} (إلا ما لا إلا ما لا) بد منه لوقاية حر وبرد وستر عيال ودفع لص ونحو ذلك مما لا غنى له عنه ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فرب بناء ليس وبالا على إنسان وبال على غيره والأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات (د عن أنس) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة مشرفة فقال ما هذه قالوا لفلان فسكت حتى جاء فأعرض عنه فشكا لأصحابه فأخبر الخبر فهدمها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرها فسأل فقالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك فأخبرناه فهدمها فذكره قال ابن حجر رجاله موثوقون إلا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي غير معروف وله شواهد عن وائلة عند الطبراني الحديث: 1585 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 1586 - (أما إن كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان في مسجد أو أو أو) أي أو كان في مدرسة مثلا أو كان [ص: 163] في رباط أو كان في خان مسبل ونحو ذلك مما يقصد به البر والإحسان كصهريج وبئر وقنطرة وحوض وغير ذلك مما قصد ببنيانه التقرب إلى الله وما عدا ذلك فهو مذموم شرعا وعرفا. مر حكيم على بناء فقيل له كيف تراه قال بناء شديد وأمل بعيد وعيش زهيد وقيل: خلق ابن آدم من تراب فهمته في التراب وخلقت المرأة من الرجل فهمتها في الرجل <تنبيه> قال الداودي: ليس الغرس كالبناء لأن من غرس ونيته طلب الكفاف أو لفضل ما ينال منه ففي ذلك الفضل لا الإثم. وقال ابن حجر: لاشك أن في الغرس من الأجر من أجل ما يؤكل منه ما ليس في البناء وإن كان في بعض البناء ما فيه أجر كالذي يحصل نفعه بغير الباني فإنه يحصل للباني به الثواب (حم هـ عن أنس) بن مالك الحديث: 1586 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 1587 - (أما إنك) أيها الرجل كالذي لدغته عقرب (لو قلت حين أمسيت) أي دخلت في المساء (أعوذ بكلمات الله التامات) أي التي لا نقص ولا عيب فيها وفي رواية كلمة بالإفراد قال الحكيم وهما بمعنى فالمراد بالجمع الجملة وبالواحدة ما تفرق في الأمور والأوقات ووصفها بالتمام إشارة إلى كونها خالصة من الريب والشبه {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا} (من شر ما خلق) أي من شر خلقه وهو ما يفعله المكلفون من إثم ومضارة بعض لبعض من نحو ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغيرها من نحو لدغ ونهش وعض (لم تضرك) بأن يحال بينك وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه قال الحكيم: وهذا مقام من يقي له التفات لغير الله أما من توغل في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجىء إلا إليه والنبي لما ترقى عن هذا المقام قال أعوذ بك منك والرجل المخاطب لم يبلغ ذلك (م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه أيضا عنه النسائي في يوم وليلة ولم يخرجه البخاري الحديث: 1587 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 1588 - (أما أنه) أي من لدغته عقرب فلم ينم ليلته (لو قال حين أمسى) في تلك الليلة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره لدغ عقرب حتى يصبح) لأن الأدوية الإلهية تمنع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يضر والدواء الطبيعي إنما ينجع بعد حصول الداء <تنبيه> قال العارف ابن عربي: شرط تأثير خواص الحروف أن يستحضرها حال الرقم أو اللفظ في وهمه وخياله ويتصورها فتفعل بالاستحضار وإن عرى عن الاستحضار كان خيالا لا يعمل وإذا صحبه الاستحضار عمل فإنه مركب من استحضار ونطق أو رقم وكثير لم يتفطنوا لمعنى الاستحضار وهذا العلم يسمى علم الأولياء وبه تظهر أعيان الكائنات فإذا استحكم سلطان استحضار الحروف واتخذ المستحضر لها بها ولم يبق فيه متسع لغيرها ويعلم ما هي خاصيتها حتى يستحضرها من أجل ذلك فيرى الأثر على الأثر فهذا شبيه بالفعل بالهمة وإن لم يعلم ما يعطيه فإنه يقع الفعل في الوجود ولا علم له به وكذا سائر أشكال الحروف في كل مرتبة وهذا الفعل بالحرف المستحضر يعبر عنه بعض من لا علم له بالهمة والصدق وليس كذلك وإن كانت الهمة روحا للحرف المستحضر لا عين الشكل المستحضر وإذا علمت خواص الكلمات وقع الفعل بها علما لكاتبها أو المتلفظ بها بشرطه وإن لم يعين ما هي مرتبطة به من الانفعالات وقد رأينا من قرأ آية من القرآن وما عنده خبر فرأى أمرا غريبا حدث وكان ذا فطنة فرجع في تلاوته لينظر بأية آية حصل ذلك فلم ير ذلك الأثر حتى عاودها مرارا فتحققه فاتخذها لذلك الانفعال وصار كلما أراد رؤية [ص: 164] ذلك الانفعال تلى الآية فيظهر ذلك الأثر وهو علم شريف لكن السلامة فيه عزيزة فالأولى تركه فإنه من العلم الذي اختص الله به أولياءه في الجملة وإن كان عند بعض الناس منه قليل لكن من غير الطريق الذي يناله الصالحون ولهذا يشقى به من هو عنده ولا يسعد (هـ عن أبي هريرة) قال لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلة فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا لدغته عقرب فلم ينم فذكره الحديث: 1588 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 1589 - (أما إن العريف) كعظيم: القيم على قومه يسوسهم ويحفظ أمورهم ليعرف بها من فوقه عند الحاجة (يدفع في النار دفعا) أي يدفعه الزبانية في نار جهنم دفعا شنيعا فظيعا وهذا تحذير من التعرض للرياسة والتحرز عنها ما أمكن لأنه إذا لم يقم بحقها استحق العقوبة والغالب على العرفاء الاستطالة وتعدي الحد وترك الإنصاف والعرافة أولها سلامة وأوسطها ندامة وآخرها عذاب يوم القيامة (طب) من حديث مودود بن الحارث عن أبيه عن جده (عن يزيد بن سيف) بن جازية اليربوعي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن رجلا من بني تميم ذهب بمالي كله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس عندي ما أعطيكه هل لك أن تعرف إلى قومك قلت لا قال أما إلخ قال الهيثمي مودود وأبوه لم أجد أحدا ترجمهما الحديث: 1589 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 1590 - (أما بلغكم) أيها القوم الذين قد وسموا الحمار في وجهه (أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها) أي دعوت عليه باللعنة وهي الطرد والإبعاد عن الرحمة فكيف فعلتم ذلك به مع أن النهي للتحريم واقترانه باللعن يدل على التغليظ وكونه كبيرة فإنه تعذيب بلا طائل (أو ضربها) أي ولعنت من ضربها (في وجهها) لأن الوجه لطيف فربما شانه وشوهه وربما آذى الحواس أو بعضها فيحرم فعل ذلك بكل دابة محترمة وهو في الآدمي أشد. قال في الصحاح: وسمه إذا أثر فيه بسمة وكما قال الزمخشري: ومن المجاز وسمه بالهجاء (د عن جابر) بن عبد الله الحديث: 1590 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 1591 - (أما) في رواية ألا (ترضى) يا عمر بن الخطاب (أن تكون لهم) في رواية لهما يعني كسرى وقيصر (الدنيا) أي نعيمها والتمتع بزهرتها ونضرتها ولذتها (ولنا الآخرة) أيها الأنبياء والمؤمنون ولم يقل لي مع كون السؤال عن حاله إشارة إلى أن الآخرة لأتباعه وهذا قاله لعمر وقد رآه عمر على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه مرط وعند رأسه إهاب معلقة فقال: كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله هكذا فذكره وزاد في رواية يا ابن الخطاب أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وذلك لأنه شاهد بعين الفؤاد موعود الجزاء فاستوى عنده ذهبها وترابها فترك الفاني للباقي على يقين ومشاهدة وآثر الصبر بحبس النفس عما تشتهيه طبعا مما هو محلل لها شرعا فلذا قال ما قال فتدبر شأن أهل الكمال (ق هـ عن عمر) بن الخطاب الحديث: 1591 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 1592 - (أما ترضى إحداكن) أيها النساء (أنها إذا كانت حاملا من زوجها بولد) ومثلها الأمة من سيدها (وهو عنها راض) أي والحال أنه راض عنها بأن كانت مطيعة له فيما يحل شرعا (أن لها) أي بأن لها مدة حملها (مثل أجر الصائم) بالنهار (القائم) بالليل (في سبيل الله) أي في الجهاد (وإذا أصابها الطلق) أي ألم الولادة (لم يعلم أهل السماء [ص: 165] والأرض) من إنس وجن وملائكة وغيرهم (ما أخفي لها) عند الله تعالى (من قرة أعين) جزاء لها على تحملها مشقة حملها وصبرها على شدائد المخاض ومحافظتها على رضا بعلها (فإذا وضعت) حملها (لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمص (1)) أي المولود (من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة) تكتب لها في صحيفتها لتجازى عليها يوم القيامة. قال في الصحاح: والجرعة من الماء بالضم حسوة منه. وقال الزمخشري: جرعت الماء واجترعته بمرة وتجرعته شيئا بعد شيء ومن المجاز تجرع الغيظ (فإن أسهرها) أي المولود (ليلة) فلم يدعها تنام لصياحه وعدم نومه (كان لها مثل أجر سبعين رقبة) أي نفسا (تعتقهم في سبيل الله تعالى) لله تعالى وقياس نظائره أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد (سلامة) أي يا سلامة حاضنة ولدنا إبراهيم التي خاطبناها بذلك كله لتخبر به النساء اللاتي أرسلنها تسأل عما سيجىء (تدرين) أصله أتدرين أي أتعلمين (من أعني بهذا) الجزاء الموعود المبشر به من النساء (الممتنعات (2) الصالحات المطيعات لأزواجهن اللواتي لا يكفرن العشير) أي الزوج أي لا يغطين إحسانه إليهن ولا يجحدن إفضاله عليهن والعشير المعاشر أو الزوج كما في الصحاح. وقال الزمخشري: زوج المرأة عشيرها والكفر الستر والتغطية ومنه. . . في ليلة كفر النجوم غمامها (الحسن بن سفيان) في مسنده عن هشام بن عمار عن أبيه عمار بن نصر عن عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عن سلامة (طس) عن محمد بن أبي زرعة عن هشام بن عمار عن أبيه عن عمرو عن أنس عن سلامة (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن سلامة) المرأة (حاضنة السيد إبراهيم) ابن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت قلت يا رسول الله إنك تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء فذكره وهشام بن عمار سبق أن فيه مقالا وأبوه عمار بن نصر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال قال ابن عساكر أحاديثه تدل على لينه عن عمرو بن سعد الخولاني قال الذهبي في الذيل: اتهم بالوضع وأورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات. وقال قال ابن حبان عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس لا يحل ذكره في الكتب إلا على جهة الاعتبار للخواص   (1) مبني للفاعل ويجوز بناؤه للمفعول اه (2) قوله الممتنعات يجوز رفعه ونصبه أي أعني أو هن الحديث: 1592 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 1593 - (أما كان يجد هذا) الرجل الشعث الذي تفرق شعره وثار (ما يسكن به) بضم أوله وشد الكاف (رأسه) أي شعر رأسه (1) أي يضمه ويلينه من زيت فعبر بالسكون عن ذلك (أما كان يجد هذا) الرجل الذي ثيابه وسخة دنسة (ما يغسل به ثيابه) من نحو غاسول أو صابون (2) والاستفهام للإنكار أي كيف لا يتنظف ويحسن هيئته مع تيسر تحصيل الدهن والصابون أو ما يقوم مقامه مع أنه عام الوجود سهل التحصيل خفيف المؤنة والمنة. قال الطيبي: أنكر عليه بذاذته لما يؤدي إلى ذلته وأما خبر البذاذة من الإيمان فإثبات للتواضع للمؤمن كما ورد المؤمن متواضع وليس بذليل وله العزة دون الكبر ومنه حديث أبي بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء وحينئذ فيندب التنظف مؤكدا وقد [ص: 166] كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحافظ على النظافة وكان يربط على بطنه الحجر من الجوع ولا يترك الطيب ويتعهد أحوال نفسه لا يفارقه في الحضر ولا في السفر المرآة والسواك والمقراض وكان إذا أراد الخروج للناس نظر في ركوة فيها ماء فيسوي من لحيته وشعر رأسه (حم د حب ك عن جابر) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلا ثائر الشعر فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وقال العراقي إسناده جيد   (1) فيه استحباب تنظيف شعر الرأس بالغسل والترجيل بالزيت ونحوه وكان صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ويرجله غبا ويأمر به وقال من كان له شعر فليكرمه (2) فيه طلب النظافة من الأوساخ الظاهرة على الثوب والبدن قال الشافعي ومن نظف ثوبه قل همه وفيه الأمر بغسل الثوب ولو بماء فقط الحديث: 1593 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 1594 - (أما يخشى) أي يخاف وفي رواية ألا يخشى (أحدكم) أيها المقتدون (إذا رفع رأسه) أي من السجود فهو نص في السجود لحديث أبي داود الذي يرفع رأسه والإمام ساجد وألحق به الركوع لكونه في معناه ونص على السجود لمزيد مزيته فيه إذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية الخضوع المطلوب كذا في الفتح ورده في العمرة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود لأن الحكم فيهما سواء (قبل) مع (الإمام) رأسه زاد في رواية ابن خزيمة في صلاته (أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع تعديا (رأس حمار) وفي رواية ابن حبان كلب (أو) للشك (يجعل الله صورته صورة حمار) حقيقة بناء على ما عليه الأكثر من وقوع المسخ في هذه الأمة أو مجازا عن البلادة الموصوف بها الحمار فاستعير ذلك للجاهل حيث لم يعلم أن الإئتمام المتابعة ولا يتقدم التابع على المتبوع أو أنه يستحق به من العقوبة في الدنيا. هذا ولا يلزم من الوعيد الوقوع وارتضى حجة الإسلام الثاني ورد ما عداه بأن تحويل رأس المقتدي من حيث الشكل لم يكن قط ولا يكون بل المراد قلب معنوي وهو مصيره كالحمار في معنى البلادة إذ غاية الحق الجمع بين الإقتداء والتقدم فعلم أنه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ لكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية قال القرطبي: وفيه ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب (ق عد) في الصلاة (عن أبي هريرة) الحديث: 1594 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 1595 - (أما يخشى أحدكم) أيها المصلون (إذا رفع رأسه) من الركوع أو السجود (في الصلاة) قبل إمامه (أن لا يرجع إليه بصره) بأن يعمى قبل رفع رأسه ثم لا يعود إليه بصره بعد ذلك وهذا زجر وتهويل ولا مانع من أن يراد بالبصر البصيرة وفيه كالذي قبله منع تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود وألحق به بعضهم التقدم عليه في الخفض بل أولى لأن الاعتدال والقعود بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا وجبت الموافقة في الوسيلة ففي المقصد أولى ونوزع بأن الرفع منهما يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد منه في الوسائل قيل وفيه أيضا جواز المقارنة ومنع بأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها قال ابن بزيرة واستدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ وهو مذهب رديء مبني على ترهات وأباطيل. (تتمة) قال في الفيض: ليس للتقدم على الإمام سبب إلا الاستعجال ودواؤه أنه يستحضر أنه لا يسلم قبله (حم م هـ عن جابر بن سمرة) بضم الميم وتسكن تخفيفا الحديث: 1595 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 1596 - (أما والله) صدره بكلمة التنبيه التي هي من طلائع القسم ومقدماته وقرنه بالقسم لتحقيق ما بعده وإثباته في خلد السامع وردا على من عاند في كفره بعدما صار على جلية من أمره (إني لأمين في السماء) قدم السماء لعلوها ورمز إلى أن [ص: 167] شهرته بهذه الصفة عند العالم العلوي لا خلاف فيه (أمين في الأرض) أي في نفس الأمر وعند كل عالم بحاله وذا على وزن {فورب السماء والأرض إنه لحق} وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعى في الجاهلية الأمين وإذا أطلقوه لا يعنون به إلا هو وفيه حل مدح المرء نفسه بهذا الوصف للتأكيد (طب عن ابن رافع) قال أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود يقول له أسلفني رغيفا إلى رجب فقال لا إلا برهن فذكره صلى الله عليه وسلم وزاد البزار اذهب بدرعي الحديد إليه الحديث: 1596 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 1597 - (أما علمت) يا عمرو الذي جاء إلينا يبايعنا وقد أراد وقوع المبايعة على اشتراط المغفرة (أن الإسلام يهدم ما كان قبله) من الكفر والمعاصي أي يسقط ويمحو أثره ويرفع خبره (وأن الهجرة) من أرض الكفر إلى بلاد الإسلام (تهدم) أي تمحو والمراد بالهجرة ما كان قبل الفتح (ما كان قبلها) من الخطايا المتعلقة بحق الحق تعالى من العقوبات أما الحق المالي كزكاة وكفارة يمين ففي سقوطها خلاف بين العلماء (وأن الحج يهدم ما كان قبله) الحكم فيه كسابقيه لكن ورد في خبر أنه يكفر حتى الدماء والمظالم أخذ به جمع. وإنما ذكر الهجرة والحج مع الإسلام تأكيدا في بشارته وترغيبا في متابعته وفيه عظم موقع كل من الثلاثة وأن كل واحد بمفرده يكفر ما قبله ذكره شارحون. وقال الطيبي: فيه وجوه من التأكيد تدل على أن حكم الهجرة والحج حكم الإسلام أحدهما أنه من أسلوب الحكيم فإن غرض عمرو من إبائه عن المبايعة الآتي بيانه ما كان إلا حكم نفسه في إسلامه والهجرة والحج زيادة في الجواب فكأنه قال: لا تهتم بشأن الإسلام وحده وأنه يهدم ما قبله فإن الحج والهجرة كذلك " الثاني " أن همزة إما فيها معنى النفي وما نافية فإذا اجتمعا دلا على التقرير سيما وقد اتبعا بقوله علمت إيذانا بأن ذلك أمر لا نزاع فيه ولا ينبغي أن يرتاب فيما يتلوهما " الثالث " لفظ يهدم فإنه قرينة الاستعارة المكنية شبه الخصال الثلاث في قلعها الذنوب من محلها بما يهدم البناء من أصله ثم أثبت للإسلام ما يلائم المشبه به من الهدم " الرابع " الترقي فإن قوله الحج يهدم ما قبله أبلغ في إرادة المبالغة من الهجرة لأنه دونها فإذا هدم الحج الذنوب فبالأولى أن يهدمها الهجرة لأنها مفارقة الوطن والأحباب " الخامس " تكرير يهدم في كل من الخصال دلالة على استقلال كل منهما بالهدم (م) من حديث ابن شماسة (عن عمرو بن العاص) قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ولده يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك بكذا فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أين كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا للمصطفى صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون استمكنت منه فقتلته فلو مت على ذلك كنت من أهل النار فلما جعل الله في قلبي الإسلام أتيته فقلت ابسط يمينك أبايعك فبسطها فقبضت يدي قال مالك قلت أشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لي فذكره فما كان أحد أحب إلي ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ولو مت على تلك الحالة رجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري حالي فيها الحديث: 1597 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 1598 - (أما إنكم) قال ابن مالك في شرح الكافية: يجوز كسر إن بعد أما مقصودا بها معنى ألا الاستفتاحية وإن قصد بها معنى حقا فتحت انتهى والمعنى أيها الناس الذين جلستم عند مصلانا تكشرون أي تضحكون (لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى) من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك (الموت) بجره عطف بيان ورفعه خبر مبتدأ محذوف ونصبه بتقدير أعني (فأكثروا ذكر هاذم اللذات) الموت (فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه) أي حقيقة والذي خلق الكلام في لسان [ص: 168] الإنسان قادر على أن يخلقه في الجماد ولا يلوم من ذلك سماعنا له ويحتمل أن المراد أن يقول ذلك بلسان الحال (فيقول أنا بيت الغربة) فالذي يسكنني غريب (وأنا بيت الوحدة) فمن حل بي وحيد (وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود) فمن سكنني أكله التراب والدود ومن ثم قال حكيم: اجعل قبرك خزانتك احشها من كل عمل صالح ما أمكنك ليؤنسك (فإذا دفن العبد المؤمن) أي المطيع لله تعالى كما يدل عليه ذكره الفاجر والكافر في مقابلته (قال له القبر مرحبا وأهلا) أي لقيت رحبا وأهلا (أما) بالتخفيف (إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلى) لما أنك مطيع لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إلي) أي انتقلت من الدنيا إلي. قال في المصباح: صار زيد غنيا انتقل إلى حالة الغنى بعد أن لم يكن عليها وصار العصير خمرا كذلك وصار الأمر إلى كذا رجع إليه (فسترى صنيعي بك) فإني محسنه جدا وقضية السين أن الاتساع وما بعده مما يأتي يتأخر عن الإقبار (فيتسع مد بصره) أي بقدر ما يمتد إليه بصره (ويفتح له باب إلى الجنة) يعني تفتحه له الملائكة بإذن الله أو ينفتح بنفسه بأمر الله (وإذا دفن العبد الفاجر) أي المؤمن الفاسق (أو الكافر) بأي كفر كان (قال له القبر) بلسان الفال أو الحال على ما سبق (لا مرحبا ولا أهلا) بك (أما) بالتخفيف (إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي) لما أنك عاص لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه) أي ينضم (حتى يلتقي عليه) بشدة وعنف (وتختلف أضلاعه) من شدة الضغط وقضية هذا الحديث أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق وأن المؤمن المطيع لا ينضم عليه وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ وقوله لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد خلافه ويمكن الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعا والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره (ويفيض له سبعون تنينا) أي ثعبانا (لو أن واحدا منها نفخ في الأرض) أي على ظهرها بين الناس (ما أنبتت شيئا) من النبات (ما بقيت الدنيا) أي مدة بقائها (فينهشنه) بشين معجمة وقد تهمل والنهش القبض على اللحم ونثره (ويخدشنه) أي يخرجنه قال في المصباح خدشته خدشا جرحته في ظاهر الجلد (حتى يفضي به إلى الحساب) أي حتى يصل إلى يوم القيامة والإفضاء الوصول. قال في المصباح: أفضيت إلى الشيء وصلت إليه (إنما القبر روضة من رياض الجنة) حقيقة لما يتحف المؤمن به من الريحان وأزهار الجنان أو مجازا عن خفة السؤال على المؤمن وأمنه وراحته وسعته كما يقال فلان في الجنة إذا كان عيشه رغدا (أو حفرة من حفر النار) حقيقة أو مجازا على ما تقرر فيما قبله والقبر واحد القبور. قال في المختار: وهو مما أكرم به بنو آدم [ص: 169] وقال الزمخشري: تقول نقلوا من القصور إلى القبور ومن المنابر إلى المقابر والخفرة قال في الصحاح بالضم واحدة الحفر. وقال الزمخشري: حفر النهر بالمحفار واحتفره ودلوه في الحفرة والحفيرة وهو القبر <تنبيه> ظاهر هذا الخبر أن عذاب القبر غير منقطع وفي كثير من الأخبار والآثار ما يدل على انقطاعه والظاهر اختلافه باختلاف الأشخاص (ت عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه (أما) بالتشديد وكذا ما بعده الحديث: 1598 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 1599 - (أما أنا فلا آكل متكئا) أي متمكنا معتمدا على وطاء تحتي أو مائلا إلى أحد شقي ومن فهم أن المتكئ ليس إلا المائل إلى أحدهما فقد وهم إذ كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ وفي إفهام قوله أما أنا جعل الخيار لغيره على معنى أما أنا أفعل كذا وأما غيري فبالخيار فربما أخذ منه أنه غير مكروه لغيره (ت عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة السوائي وقد سبق وظاهر صنيعه أن ذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه في منن الشفاء للبخاري الحديث: 1599 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 1600 - (أما أهل النار) في أكثر نسخ مسلم أهل النار بحذف أما وعليه فالفاء في فإنهم الآتية زائدة (الذين هم أهلها) أي المختصون بالخلود فيها المستوجبون لعذاب الأبد وفيه إيذان بأنه لا يسمى أهل النار إلا الكفار (فإنهم لا يموتون فيها) موتا يريحهم (ولا يحيون) فيها حياة تريحهم كما قال تعالى {لا يموت فيها ولا يحيى} وهذا مذهب أهل السنة أن النعيم والعذاب دائم (ولكن ناس) من المؤمنين (أصابتهم النار بذنوبهم) في رواية بخطاياهم (فأماتتهم) بتاءين أي النار وفي رواية لمسلم فأماتهم الله (إمانة) أي بعد أن يعذبوا ما شاء الله وهي إماتة حقيقية وقيل مجازية عبارة عن ذهاب الإحساس بالألم ورجح الأول تأكيده بالمصدر وفائدة النار مع عدم الإحساس بعذابها حصول التأديب بصرفهم عن نعيم الجنة تلك المدة ثم يحبسون في النار بلا إحساس ما شاء الله كالمسبحون بدار عذاب الملك والإيمان على باب النار ينتظرهم (حتى إذا) بعثهم الله من تلك النوبة قد (صاروا فحما) أي كالحطب الذي أحرق حتى اسود في الصحاح الفحم معروف قال في المصباح: وقد تفتح الحاء وفحمت وجهه بالتثقيل سودته بالفحم (أذن) بالبناء للمفعول والفاعل الله تعالى (بالشفاعة) فيهم فحملوا وأخرجوا (فجيء بهم) أي فتأتي بهم الملائكة إلى الجنة بإذن ربهم (ضبائر ضبائر) بفتح الضاد المعجمة نصب على الحال هكذا وقعت مكررة في الروايات أي يحملون كالأمتعة جماعات منفردين في تفرقة عكس أهل الجنة فإنهم يدخلون يتحاذون بالمناكب لا يدخل آخرهم قبل أولهم ولا عكسه كما في خبر. وهؤلاء يدخلون متفرقين إظهارا لأثر المخالفة عليهم ومع ذلك ففصل الله شملهم والضبائر جمع ضبارة بفتح الضاد المعجمة وكسرها الحزمة. قال في المصباح: ضبر الفرس جمع قوائمه وعنده إضبارة من كيت بكسر الهمزة جماعة وهي الحزمة انتهى (فبثوا) بباء موحدة مضمومة ثم مثلثة أي فرقوا (على أنهار الجنة) أي على حافاتها (ثم قيل) أي قالت الملائكة بأمر الله أو قال الله (يا أهل الجنة أفيضوا) صبوا (عليهم) من الماء ماء الحياة فيفيضون منه فيحيون (فينبتون نبات الحبة) ولفظ رواية مسلم فينبتون منه كما تنبت الحبة وهو بكسر الحاء وشدة الموحدة حب الرياحين والعشب وبزر البقول ونحوه مما ينبت في البرية والصحراء ما ليس بقوت يكون (في حميل السيل) بفتح الحاء وكسر الميم ما حمله السيل من نحو طين أو غثاء في معناه محمول السيل وزعم إرادة حب البقلة الحمقاء وهي الرجلة لأنها تنبت سريعا على جانب السيل فيتلفه السيل ثم تنبت فيتلفه وهكذا ولهذه سميت بالحمقاء كأنه لا تمييز لها يرده رواية البخاري فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل [ص: 170] ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية وبقلة الحمقاء ليست صفراء وإنما كانت صفراء لأنها أحسن ألوان الرياحين ولهذا تسر الناظرين وسيد رياحين الجنة الحناء وهو أصفر والمراد التشبيه في سرعة النبات وطراوته وحسن لونه وضعف النبات فهو كناية عن سرعة نباتهم وحسن ألوانهم وضعف حالهم ثم يشتد قواهم بعد ويصيرون إلى منازلهم شبه سرعة عود إنباتهم بسرعة نباتها وفي خبر يكتب على جباههم هؤلاء عتقاء الرحمن قيل وماء الحياة معنوي ولا مانع من كونه حسيا وفيه رد على المرجئة حيث أفاد دخول طائفة من الأمة النار وعلى المعتزلة لدلالته على عدم تخليد العاصي فيها (حم م هـ عن أبي سعيد) الخدري قال العارف ابن عربي رضي الله عنه وهو صحيح كشفا الحديث: 1600 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 1601 - (أما أول أشراط الساعة) أي علاماتها التي يعقبها قيامها (فنار تخرج من المشرق) أي جهة شروق الشمس (فتحشر الناس) أي تجمعهم مع السوق (إلى المغرب) قيل لعله أراد نار الفتن وقد وقعت كفتنة التتار سارت من المشرق إلى المغرب وقيل بل تأتي واستشكل جعل النار أول العلامات بأن بعثة نبينا من الأشراط والنار لم تتقدمه وفي خبر أول الآيات طلوع الشمس من مغربها (وأجيب بأن) بعض علاماتها علامات لقربها وبعضها علامة غاية قربها وبعضها علامة وقوعها ومن الأول البعثة ومن الثاني النار والدخان والدجال ويأجوج ومأجوج والثالث طلوع الشمس وخروج الدابة سمي أولا لأنه مبدأ ذلك القسم (وأما أول ما) أي طعام (يأكله أهل الجنة) أي فيها (فزيادة كبد حوت) أي زائدته وهي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد وهي ألذه وأهناه وأمرأه (1) (وأما شبه الولد أباه) تارة (وأمه) تارة أخرى (فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة) في النزول والاستقرار في رحمها (نزع إليه) أي نزع إلى الرجل (الولد) بنصبه على المفعولية أي جذب السبق إليه الولد (وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع) أي الولد (إليها) أي إلى المرأة. قال في الصحاح: نزع إلى أبيه في الشبه أي ذهب وفي المصباح نزع إلى الشيء ذهب إليه وإلى أبيه ونحوه أذهبه أشبهه (حم خ ن عن أنس) قال بلغ ابن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاثة لا يعلمها إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ومن أي شيء ينزع الولد إلى أخواله فقال النبي صلى الله عليه وسلم خبرني بهن آنفا جبريل ثم ذكره فأسلم   (1) والحكمة في ذلك أنها أبرد شيء في الحوت فبأكلها تزول الحرارة التي حصلت للناس في الموقف الحديث: 1601 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 1602 - (أما صلاة الرجل في بيته) أي في محل إقامته من بيت أو خلوة أو غيرهما (فنور) أي منورة للقلب بحيث يشرق فيه أنوار المعارف والمكاشفات وتكون نورا يوم القيامة في تلك الظلم (فنوروا بها بيوتكم) فإنها تمنع المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به (حم هـ عن عمر) بن الخطاب الحديث: 1602 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 1603 - (أما) بالتشديد (في ثلاثة مواطن) أي أماكن من يوم القيامة. قال في الصحاح: الوطن محل الإنسان والموطن المشهد من مشاهد الحروب. وقال الزمخشري: من المجاز هذه أوطان الإبل لمرابضها وثبت في موطن القتال ومواطنه وهي مشاهدة (فلا يذكر أحد أحدا) لعظم هولها وشدة روعها (عند الميزان (1)) أي إذا وضع لوزن الأعمال [ص: 171] (حتى يعلم) الإنسان (أيخف ميزانه) فيكون من الهالكين (أم يثقل) فيكون من الناجين (وعند الكتاب) أي نشر صحف الأعمال (حين يقال هاؤم (2) اقرؤوا كتابيه (3) حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره) قال ابن السائب: تلوى يده خلف ظهره ثم يعطى كتابه وقيل تنزع من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطاه قال ابن رسلان: وظاهره أن من يؤتى كتابه بشماله قسمان قسم يؤتاه بشماله لا من وراء ظهره وقسم بشماله من ورائه وقال غيره: يعطى المؤمن العاصي كتابه بشماله والكافر من ورائه (وعند الصراط) الجسر الممدود على متن جهنم ليمر الناس عليه (إذا وضع بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء أي على ظهرها أي وسطها كالجسر فزيدت الألف والنون للمبالغة والياء لصحة دخول بين على متعدد وقيل لفظ ظهراني مقحم (حافتاه كلاليب (4)) جمع كلاب بالضم أو كلوب بالفتح وشد اللام فيهما حديدة معوجة الرأس أو عود في رأسه اعوجاج (كثيرة وحسك) جمع حسكة شوكة صلبة معروفة تسمى شوك السعدان تشبه حلمة الثدي (كثير يحبس الله بها من يشاء من خلقه) يعني يعوق من شاء ويصرعه بكلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار (حتى يعلم أينجو أم لا) قال الحليمي: في الحديث إشعار بأن للمارين عليه مواطئ الأقدام فما ورد من أنه أدق من الشعر معناه أن يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي ولا يعلم حدود ذلك إلا الله لخفائها وغموضها وقد اعتيد ضرب المثل للغامض الخفي بدقة الشعر وأنه أحد من السيف معناه أدق دقيق اه. وهذا كله إلهاب وتهييج وتذكير للمرء بما أمامه من القدوم على أهوال لا يخلصه منها إلا لطف الرحمن (د) في السنة (ك) في الأهوال (عن عائشة) قالت ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قالت ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فذكره قال الحاكم على شرطهما لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة اه. ورواه أحمد رضي الله تعالى عنه بأتم من هذا وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي   (1) قال النووي وهي واحدة ذات لسان وكفتين وكفة الحسنات من نور وكفة السيئات من ظلمة (2) هاؤم اسم فعل بمعنى خذوا (3) كتابيه تنازعه هاؤم واقرؤوا فهو مفعول اقرؤوا لأنه أقرب العاملين ولأنه لو كان مفعول هاؤم لقيل اقرؤه إذ الأولى إضماره حيث أمكن أي يقول ذلك الناجي لجماعته لما يحصل له من السرور والظاهر أن قوله هاؤم إلخ معترض بين قوله وعند الكتاب وقوله حتى يعلم إلخ (4) أي هما نفسهما كلاليب وهو أبلغ من كونهما فيهما الحديث: 1603 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 1604 - (أما بعد) قال الطيبي: أما وضع للتفصيل فلا بد من التعدد ونقل عن أبي حاتم أنه لا يكاد يوجد في التنزيل أما وما بعدها إلا وتثنى وتثلث كقوله تعالى {أما السفينة وأما الجدار} وعامله مقدر أي مهما يكن بعد تلك القضية (فإن أصدق) وفي رواية بدله خير (الحديث كتاب الله) اقتباس من قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} فهو لإعجازه وإفهامه ما اشتمل عليه من أخبار الأمم والأحكام والمواعظ ومنفعة الخلق وتناسب الألفاظ وتناسقها في التخير والإصابة وتجاذب نظمه وتآليفه في الإعجاز والتبكيت أحسن حديث (وإن أفضل) وفي رواية وإن خير (الهدي هدي محمد) بفتح الهاء وسكون الدال فيهما أي أحسن الطرق طريقته وسمته وسيرته من هدى هديه سار بسيرته وجرى على طريقته ويقال فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب ومنه خبر " اهتدوا بهدي عمار " وبضم ففتح فيهما وهو بمعنى الدعاء والرشاد ومنه {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} إن هذا القرآن يهدي. وقال القاضي: هو من تهادت المرأة في مشيها إذا تبخترت ولا يكاد يطلق إلا على طريقة حسنة وسنة مرضية ولامه للاستغراق لأن أفعل [ص: 172] التفضيل لا يضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود وهو تفضيل دينه وسنته على جميع السنن والأديان (وشر الأمور محدثاتها) جمع محدثة بالفتح وهي كما سبق ما لم يعرف من كتاب ولا سنة ولا إجماع. قال القاضي: روي شر الأمور بالنصب عطف على اسم إن وهو الأشهر وبالرفع عطف على محل إن مع اسمه (وكل بدعة ضلالة) أي وكل فعلة أحدثت على خلاف الشرع ضلالة لأن الحق فيما جاء به الشارع فما لا يرجع إليه يكون ضلالة إذ ليس بعد الحق إلا الضلال (وكل ضلالة في النار) فكل بدعة فيها وقد سبق ذا موضحا بما منه أن المراد بالمحدث الذي هو بدعة وضلالة ما لا أصل له في الشرع والحامل عليه مجرد شهوة أو إرادة بخلاف محدث له أصل فيه إما بحمل النظير على نظيره أو لغير ذلك وقوله وكل إلى آخره عام مخصوص (أتتكم الساعة بغتة) بنصبه على المفعولية وجوز رفعه. قال في الكشاف: الساعة القيامة سميت به لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وبديهة كما تقول في ساعة لمن تستعجله وجرت علما لها كالنجم للثريا والكوكب للزهرة (بعثت أنا والساعة هكذا) وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى. قال القاضي: يحتمل أنه تمثيل لمقارنتها وأنه ليس إصبع أخرى كما لا شيء بينه وبين الساعة ويحتمل أنه تقريب لما بينهما في المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الأصبعين تقريبا لا تحديدا (صبحتكم الساعة ومستكم) أي توقعوا قيامها فكأنكم بها وقد فجأتكم على بغتة صباحا أو مساء فبادروا إلى التوبة لتسقط عنكم المعاصي وازهدوا في الدنيا ليخف حسابكم وتذكروا الآخرة وأهوالها وما هو إلا من نفس إلى نفس فتصيرون إليها {إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين} (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) أي أحق. كان إذا احتاج لنحو طعام وجب على صاحبه بذله له {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (من ترك مالا فلأهله) الذين يرثونه (ومن ترك دينا) عليه لم يوفه في حياته (أو ضياعا) بفتح الضاد أي عيالا وأطفالا (فإلي وعلي) أي فأمر كفاية عياله إلي وعلي قضاء دينه فهو لف ونشر غير مرتب (وأنا ولي المؤمنين) جميعا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يصلي على مدين مات ولم يخلف وفاء زجرا للناس عن الاستدانة وإهمال الوفاء فلما فتح الله تعالى على المسلمين قال: من ترك دينا فعلي وفاؤه أي قضاؤه وهل كان يقضيه تكرما أو وجوبا؟ وجهان الأصح الثاني ثم قيل إن ذا من خصائصه وقيل بل يقضى في كل زمن من المال وفيه أنه يسن أن يقال في الخطب أما بعد (حم م ن هـ عن جابر) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول أما بعد إلى آخره الحديث: 1604 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 1605 - (أما بعد) أي حمد الله والثناء عليه قال عياض: هي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه من حمد وثناء والانتقال إلى ما يريد التكلم فيه ويعوض عنها لفظتين هذا ولما كان كذا وأول من قالها داود أو يعقوب أو يعرب بن قحطان أو كعب بن لؤي أو سحبان أو وائل أو قس بن ساعدة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة للأولية المحضة والبقية بالنسبة إلى العرف خاصة ثم يجمع بينهما بالنسبة إلى القبائل (فو الله إني لأعطي) بلام بعدها همزة مضمومة فعين ساكنة فطاء مكسورة بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي (الرجل وأدع) بفتح الهمزة والدال أي اترك (الرجل) الآخر فلا أعطيه شيئا (والذي أدع) إعطاءه (أحب إلي من الذي أعطى) عائد الموصول محذوف (ولكن) وفي رواية للبخاري ولكني (أعطي أقواما لما) بمسر اللام (أرى) [ص: 173] من نظر القلب لا من نظر العين (في قلوبهم من الجزع) بالتحريك أي الضعف عن تحمل ما نزل بهم من الإملاق (1) (والهلع) بالتحريك أيضا شدة الجزع أو أفحشه أو هما بمعنى وهو شدة الحرص فالجمع للاطناب (وأكل أقواما) بفتح الهمزة وكسر الكاف (إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى) النفسي (والخير) الجبلي الداعي إلى التصبر والتعفف عن المسألة والشره (منهم) أي من الأقوام الذين لهم غنى النفس (عمرو بن تغلب) بفتح المثناة فوق وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بالتحريك وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة وأما في الدنيا فتقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية وأن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع وأن المنع قد يكون خيرا للممنوع {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} واستئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه والاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه (خ عن عمرو بن تغلب) هذا قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين تركوا عتبوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال عمرو: فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم (2) انتهى   (1) أي الفقر (2) أي ما أحب أن لي بدل كلمته النعم الحمر وهذه صفة تدل على قوة إيمانه ويكفيه هذه المنقبة الشريفة الحديث: 1605 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 1606 - (أما بعد) قال القاضي: أما حرف يذكر لفصل الخطاب ويستدعي جوابا صدر بالفاء الجزائية لما فيها من معنى الشرط. قال سيبويه: إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك قلت مهما يكن من شيء فزيد منطلق (فما) وفي رواية البخاري ما بدون فاء في الجواب. قال الزركشي: وهو عتد اللغويين نادر (بال أقوام) أي ما حالهم أي أهل بريرة. أرادت عائشة شراءها منهم وتعتقها فشرطوا كون الولاء لهم ولم يشرط الله في كتابه ذلك فخطب فنبه على تقبيح فعلهم حيث (يشترطون شروطا) جمع شرط وهو إلزام الشيء والتزامه (ليست في كتاب الله) أي في حكمه الذي كتب على عباده وشرعه لهم (ما كان من شرط ليس في كتاب الله) أي ليس في حكمه الذي يتعبد به عباده من كتاب أو سنة أو إجماع فليس المراد الفرقان لأن كون الولاء للمعتق ليس منصوصا في القرآن وقال ابن خزيمة: أي ليس في حكمه جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط في البيع (فهو باطل وإن كان مئة شرط) مبالغة وتأكيدا لأن العموم في قوله ما كان من شرط إلى آخره دل على بطلان جميع الشروط وإن زاد على المئة فالعدد خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت (قضاء الله) المشروط أي حكمه (أحق) باتباع من غيره يعني هو الحق لا غيره (وشرط الله أوثق) أي هو القوي وما سواه باطل واه فافعل لا تفضيل فيه في الموضعين إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (وإنما الولاء لمن أعتق) لا إلى غيره من مشترط أو غيره فهو منفي عنه شرعا وفيه أنه لا ولاء لمن أسلم على يده رجل أو خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط خلافا لإسحاق (ق 4 عن عائشة) وهي قصة بريرة المشهورة الحديث: 1606 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 [ص: 174] 1607 - (أما بعد) أي بعد الحمد والثناء (فما بال العامل) أراد به عبد الله بن اللتيبة بضم اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة وياء النسب استعمله على عمل فجاء حين فرغ فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي فخطب موبخا له على تأويله الفاسد مبينا له بطلان رأيه الكاسد فقال (نستعمله) أي نوليه عاملا (فيأتينا) عند انتهاء عمله (فيقول هذا من عملكم) أهدي إلي لخاصة نفسي (أفلا قعد) في رواية للبخاري فهلا جلس (في بيت أبيه وأمه فنظر) بضم النون ولأبي ذر بفتحها (هل يهدى له) بالبناء للمفعول (أم لا فوا الذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتدبيره (لا يغل أحدكم) بغين معجمة مضمومة من الغلول وهي الخيانة في الغنيمة (منها) أي الصدقة (شيئا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على عنقه) {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} (إن كان بعيرا جاء به) يومها (له رغاء) بضم الراء والتخفيف ومد له صوت (وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار) بضم أوله المعجم صوت (وإن كانت شاة جاء بها تيعر) بمثناة فوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فمهملة صوت شديد (فقد بلغت) بشد اللام أي بلغت حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم وبقية الحديث ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه وفيه أن الإمام يخطب في الأمر المهم واستعمال أما بعد في الخطبة ومحاسبة المؤتمن ومنع العامل من قبول الهدية ممن له عليه حكم وإبطال كل طريق يتوصل به من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ مع وجود الفاضل وأن من وجد متأولا خطأ يشهر خطأه ليحذر (حم ق د عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد (الساعدي) بكسر العين المهملة وذكر البخاري أن هذه الخطبة كانت عشية بعد الصلاة الحديث: 1607 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 1608 - (أما بعد ألا أيها الناس) الحاضرون أو أعم (فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي) يعني ملك الموت (فأجيب) أي أموت كنى عنه بالإجابة إشارة إلى أنه ينبغي تلقيه بالقبول كأنه مجيب إليه باختياره (وأنا تارك فيكم ثقلين) سميا به لعظم شأنهما وشرفهما (أولهما كتاب الله) قدمه لأحقيته بالتقدم (فيه الهدى) من الضلال (والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل) أي أخطأ طريق السعادة وهلك في ميادين الحيرة والشقاوة (فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فإنه السبب الموصل إلى المقامات العلية والسعادة الأبدية (وأهل بيتي) أي وثانيهما أهل بيته وهم من حرمت عليهم الصدقة من أقربائه قال الحكيم: حض على التمسك بهم لأن الأمر لهم معاينة فهم أبعد عن المحنة وهذا عام أريد به خاص وهم العلماء العاملون منهم فخرج الجاهل والفاسق وهم بشر لم يعروا عن شهوات الآدميين ولا عصموا عصمة النبيين وكما أن كتاب الله منه ناسخ ومنسوخ فارتفع الحكم بالمنسوخ هكذا ارتفعت القدرة بغير علمائهم الصلحاء وحث على الوصية بهم لما علم مما سيصيبهم بعده من البلايا والرزايا انتهى. (أذكركم الله في أهل بيتي) أي في الوصية بهم واحترامهم وكرره ثلاثا للتأكيد. قال الفخر الرازي: جعل الله تعالى أهل بيته مساوين له في خمسة أشياء في المحبة [ص: 175] وتحريم الصدفة والطهارة والسلام والصلاة ولم يقع ذلك لغيرهم (تتمة) قال الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السبطين ورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتنع بما خلفه الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه (حم وعبد بن حميد م) في المناقب كلهم (عن زيد بن أرقم) قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد فذكره وتتمته في مسلم من عدة طرق لفظه في أحدها قيل لزيد أليس نساؤه من أهل بيته قال ليس نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده وفي رواية له إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة الحديث: 1608 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 1609 - (أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله) القرآن لأنه يستحيل الكذب في خبره وإنما تكذب الظنون في فهم خطابه وإنما ينتفي الريب عن سامعه بقدر قوة إيمانه ومتانة إبقائه وسماه حديثا لنزوله منجما لا لكونه ضد القديم (وأوثق العرى كلمة التقوى) كلمة الشهادة إذ هي الوفاء بالعهد ومعنى إضافتها إلى التقوى انها سبب التقوى وأسها وقيل كلمة أهل التقوى ذكره في الكشاف وقوله اوثق العرى من باب التمثيل مثلت حال المتقي بحال من أراد التدلي من شاهق فاحتاط لنفسه بتمسكه بعروة من حبل متين مأمون انقطاعه (وخير الملل ملة إبراهيم) الخليل ومن ثم أمر صلى الله عليه وسلم باتباعها {أن اتبع ملة إبراهيم} (وخير السنن سنة محمد) صلى الله عليه وسلم وهي قوله أو فعله أو تقريره لأنها أهدى من كل سنة وأقوم من كل طريقة (وأشرف الحديث ذكر الله) لأن الشيء يشرف بشرف من هو له (وأحسن القصص هذا القرآن) لأنه برهان ما في سائر الكتب ودليل صحتها لأنه معجزة وليس تلك بمعجزة فهي مفتقره إلى شهادته على صحة ما فيها افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة ذكره الزمخشري (وخير الأمور عوازمها (1) وشر الأمور محدثاتها) بضم فسكون جمع محدثة (2) وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سنة ولا إجماع (وأحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة السمت والطريقة والسيرة أي خير السيرة والطريقة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقته وروي أيضا بضم الهاء وفتح الدال ومعناه الدلالة والرشاد (هدي الأنبياء) لأنه تعالى تولى هدايتهم وتأديبهم وعصمتهم عن الضلال والإضلال والهدي بضم الهاء وفتح الدال والقصر الارشاد واللام في الهدي للاستغراق لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود (وأشرف الموت قتل الشهداء) لأنه في الله ولإعلاء كلمة الله فأعقبهم الحياة بالله ولهذا نهى الله الخلق عن إطلاق الموت عليهم (وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى) أي الكفر بعد الإسلام فهو العمى على الحقيقة (وخير العلم ما نفع) وفي رواية بدل العلم العمل بأن صحبه إخلاص فإن العلم الذي لا ينفع لا خير فيه لصاحبه بل هو وبال عليه [ص: 176] (وخير الهدى ما اتبع) بالبناء للمجهول أي اقتدي به كنشر العلم للمريدين وتهذيب المشايخ لأحوال السالكين وهي سيرة المرسلين وشر العمى عمى القلب لأن عماه يفقد نور الإيمان بالغيب فيثمر الغفلة عن الله والآخرة {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} فعمى البصيرة أشد من عمى البصر لأنه عظيم الضرر {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (واليد العليا خير من اليد السفلى) أي اليد المعطية خير من اليد الآخذة (3) (وما قل) من الدنيا (وكفى) الإنسان لمؤنته ومؤنة من عليه مؤنته (خير مما كثر وألهى) عن الله والدار الآخرة لأن الاستكثار من الدنيا يورث الهم والغم وقسوة القلب وشدة الحرص وينسي الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة (وشر المعذرة حين يحضر الموت) فإن العبد إذا اعتذر إلى الله بالتوبة عند احتضاره ووقوعه في الفزع لا يفيده فمراده الاعتذار عند الغرغرة ومعاينة ملك الموت وهي حالة كشف الغطاء واليأس من البقاء {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} (وشر الندامة) أي الحزن. وقال الراغب: الندم التحسر على ما فات (يوم القيامة) فإنها لا تنفع يومئذ ولا تفيد. (ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا) بفتح أو ضم المهملة كذا ذكره بعضهم وقال العسكري: الصواب بضمتين ونصبه على الظرف أي بعد فوت الوقت (ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا) أي تاركا للإخلاص كأن قلبه هاجر للسانه {يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} لا يدعوهم إلى موافقة العاملين إلا استقباح المذمة من الناس والسطوة من السلطان أو العيب من الإخوان والجيران {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} (وأعظم الخطايا اللسان الكذوب) وهو الذي تكرر كذبه حتى صار صفة له حتى يأتي بالكبائر كلها كالقذف والبهتان وشهادة الزور وغيرها وربما أفضى إلى الكفر فإن اللسان أعظم عملا من سائر الجوارح فإذا تعود الكذب أورد صاحبه المهالك. (وخير الغنى غنى النفس) فإنه الغنى على الحقيقة وفقير النفس لا يزال في هم وغم على تحصيل الدنيا والحرص على جمعها بقوله أخاف الفقر في الكبر وغير ذلك (وخير الزاد) إلى الآخرة (التقوى) {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال الغزالي: جمعت خيرات الدنيا والآخرة تحت هذه الخصلة التي هي التقوى وتأمل ما في القرآن من ذكرها كم علق بها من خير ووعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة ومدار العبادة على ثلاثة أصول: الأول: التوفيق والتأييد وهو للمتقين قال الله تعالى {أن الله مع المتقين} . الثاني: إصلاح العمل واتقاء التقصير وهو للمتقين. قال الله تعالى {يصلح لكم أعمالكم} . الثالث: قبول العمل وهو للمتقين قال الله تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين} فالتقوى هي الجامعة للخيرات الكافية للمهمات الرافعة للدرجات (ورأس الحكمة مخافة الله) أي الخوف منه أصلها واسمها فمن لم يخف الله فباب الحكمة عليه مسدود (وخير ما وقر في القلب اليقين) أي خير ما سكن فيه نور اليقين فإنه المزيل لظلمة الريب. قال الزمخشري: من المجاز وقر في قلبه كذا وقع وبقي أثره وكلمته وقرت في إذنه ثبتت (والارتياب) أي الشك في شيء مما جاء به الرسول (من الكفر) بالله تعالى (والنياحة من عمل الجاهلية) أي النوح على الميت بنحو واكهفاه واجبلاه من عادة الجاهلية وقد جاء الإسلام بتحريمه (والغلول) أي الخيانة الخفية (من جثا جهنم) جمع جثوة بالضم الشيء المجموع كذا في النهاية وفي التقريب الجثوة مثلثة الحجارة المجموعة وقيل معنى [ص: 177] من جثاء جهنم من جماعتها وفي رواية للقضاعي من جمر جهنم. قال شارحه: لأن الغلول يصير على الغال جورا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي غل شملة إنها تضرم عليه نارا (والكنز) أي المال الذي لم تؤد زكاته (كي من النار) أي يكوي صاحبه في نار جهنم (والشعر) بكسر الشين الكلام المقفى الموزون قصدا (من مزامير إبليس) أي الشعر المحرم لا الجائز (والخمر جماع الإثم) أي مجمعه ومظنته والجماع اسم لما يجمع ويضم يقال هذا الباب جماع الأبواب من جمعت الشيء ضممته كالكفات من كفت الشيء إليه إذا ضمه وجمعه ذكره الكشاف. وفي الفائق جماع كل شيء مجمتمع أصله يقال لما اجتمع في الغصن من النور هذا جماع الثمر (والنساء حبالة الشيطان) أي مصائده وفخوخه واحدها حبالة بالكسر وهي ما يصاد بها من أي شيء كأن دعى رجل إلى قتل نفس فأبى ثم إلى الزنا فأبى ثم إلى الخمر فشرب فزنا فقتل وقيل ما أيس الشيطان من آدمي من قبل النساء ومن ثم قال سليمان عليه الصلاة والسلام: امش وراء الأسد ولا تمش وراء المرأة وسمع عمر رضي الله عنه تعالى امرأة تقول: إن النساء رياحين خلقن لكم. . . وكلكم يشتهي شم الرياحين فقال: إن النساء شياطين خلقن لنا. . . نعوذ بالله من شر الشياطين وقال بعض الحكماء: إياك ومخالطة النساء فإن لحظات المرأة سهم ولفظها سم (والشباب شعبة من الجنون) لأن الجنون يزيل العقل وكذا الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والإقبال على المضار لحداثة السن سيما مع الجدة إن الشباب والفراغ والجده. . . مفسدة للمرء أي مفسدة (وشر المكاسب كسب الربا) أي التكسب به لأن درهما منه أشد من ثلاث وثلاثين زينة كما يجىء في أخبار (وشر المآكل أكل مال اليتيم) ظلما {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} (4) ولذا كان من أكبر الكبائر (والسعيد من وعظ بغيره) أي السعيد من تصفح أفعال غيره فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها قال: إن السعيد له من غيره عظة. . . وفي التجارب تحكيم معتبر وقال حجة الإسلام: المراد أن الإنسان يشاهد من خبائث من اضطر إلى مرافقته وأحواله وصفاته ما يستقبحه فيجتنبه وقيل لعيسى عليه الصلاة والسلام من أدبك فقال ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فجانبته. قال الحجة: ولقد صدق فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن مؤدب فاطلع في القبور واعتبر بالنشور وانظر إلى مصارع آبائك وفناء إخوانك ومن أمثالهم كم قذف الموت في هوة من جمجمة من هوة وكفى بالموت واعظا ونظر الحسن رضي الله عنه إلى ميت يقبر فقال: والله إن أمرا هذا أوله لحري أن يخاف آخره وإن أمرا هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله. وقال مطرف: أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه. وقال الحكماء: للباقين بالماضين معتبرا وللآخرين بالأولين مزدجر والسعيد من لا يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع. وقالوا: السعيد من اعتبر بأمه واستظهر لنفسه والشقي من جمع لغيره وبخل على نفسه (والشقي من شقي في بطن أمه) فلا اختيار للسعيد في تحصيل السعادة ولا اقتدار للشقي على تبديل الشقاوة. قال ابن الكمال: ومعنى الحديث أن السعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز [ص: 178] ضرورة السعادة كما دل عليه خبر كل مولود يولد على الفطرة (وإنما يصير أحدكم) إذا مات (إلى موضع أربع أذرع) وهو اللحد وانظر إلى ما تصير وفيم تسكن وقيل في آية {وكان تحته كنز لهما} هو لوح من ذهب فيه: عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن يعرف النار كيف يضحك ولمن يعرف الدنيا وتحويلها كيف يطمئن إليها؟ وقال ثابت: أي عبد أصعب حالا ممن يأتيه ملك الموت وحده ويقبر بلحده وحده وقيل لبشر بن الحارث: عظنا قال: ما أقول فيمن القبر مسكنه والصراط جوازه والقيامة موقفه والله مسائله فلا يعلم إلى جنة فيهنئ أم إلى نار فيعزى (والأمر بآخره) بالمد إنما الأعمال بخواتيمها (وملاك العمل) بكسر الميم وفتحها أي قوامه ونظامه وما يعتمد عليه فيه (خواتمه) وأصل الملاك استحكام القدرة ومعناه أن أحكام عمل الخير وثباته موقوفة على سلامة عاقبته إنما الأعمال بالخواتيم قفد يبتدىء بالصلاة وغيرها بنية خالصة ثم يعرض له آفة تمنع صحته أو تبطل أجره من نحو عجب أو رياء أو عزم على تركه فإن لم يعرض آفة قبل تمامه أو عرضت وردها بالعلم وختم بما بدأ استحكم عمله باستدراكه ما فرط في الأثناء بإخلاص خاتمته. قال ابن بطال: في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجيا أعجب وكسل وإن كان هالكا زاد عتوا فحجب عنه ذلك ليكون بين خوف ورجاء. إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا سوى مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة كما سيجىء في الخبر (وشر الروايا (5) روايا الكذب وكل ما هو آت) من الموت والقيامة والحساب والوقوف (قريب) وأنت سائر على مراحل الأيام والليالي إليه {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا} فالجاهل يراه بعيدا لعمى قلبه والمؤمن الكامل يراه بنور إيمانه قريبا كأنه يعاينه فبذل دنياه لأخراه وسلم نفسه لمولاه فلا تغرنك الدنيا فجديدها عما قليل يبلى ونعيمها يفنى ومن لم يتركها اختيارا فعما قريب يتركها اضطرارا ومن لم تزل نعمته في حياته زالت بمماته قال ابن عطاء رضي الله عنه: لا بد لهذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه فالعاقل من كان بما هو أبقى أوثق منه بما هو يفنى. وقال بعض الحكماء: من كان يؤمل أن يعيش غدا فهو يؤمل أن يعيش أبدا. قال الماوردي: ولعمري إنه صحيح إذ كل يوم غدا فإذا يفضى به الأمل إلى الفوت من غير ويؤديه الرجاء إلى الإهمال بغير تلاف. وقال الحكماء: لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة فإن الدهر خائن وكل ما هو آت كائن (وسباب المؤمن) بكسر السين المهملة أي سبه وشتمه (فسوق) أي فسق (وقتال المؤمن) بغير حق (كفر) إن استحل قتله بلا تأويل سائغ (وأكل لحمه من معصية الله) أي غيبته وهي ذكره بما يكرهه حرام {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} (وحرمة ماله كحرمة دمه) فكما يمتنع سفك دمه بغير حق يمتنع أخذ شيء من ماله بغير حق. قال في الكشاف: الحرمة ما لا يحل هتكه (ومن يتأل على الله) أي يحكم عليه ويحلف كقوله والله ليدخلن فلان النار من الألية وهي اليمين (يكذبه) بأن يفعل خلاف ما حلف عليه مجازاة له على جراءته وفضوله (ومن يغفر يغفر الله له) أي ومن يستر على أخيه فضيحة اطلع عليها يستر الله ذنوبه فلا يؤاخذه بها (ومن يعف) أي عن الجاني عليه (يعف الله عنه) أي ومن يمحو أثر جناية غيره يمحو الله سيئاته جزاءا وفاقا (ومن يكظم الغيظ) أي يرده ويكتمه مع قدرته على إنفاذه (يأجره الله) أي يثيبه الله لأنه [ص: 179] محسن يحب المحسنين وكظم الغيظ إحسان. قال الزمخشري: كظم البعير جرته ازدردها وكف عن الاجترار وكظم القربة ملأها وشد كظم الباب سده ومن المجاز كظم الغيظ وعلى الغيظ انتهى (ومن يصبر على الرزية) أي المصيبة احتسابا لله (يعوضه الله) عنها خيرا مما فاته منها (ومن يتبع الشمعة يسمع الله به) قال في الفردوس: قال العسكري هكذا يروى من هذا الطريق الشمعة بشين معجمة وهي المزاح والضحك ومنه امرأة شموع كثيرة الضحك والمعنى أن من عبث بالناس واستهزأ بهم يعبث به ويستهزأ منه ومن رواه بسين مهملة أراد من يرائي بعمله يفضحه الله (ومن يصبر يضعف الله له) الثواب أي ثوابه جزاء صبره أي يؤته أجره مرتين (ومن يعص الله يعذبه الله) إن شاء وإن شاء عفى عنه فهو تحت المشيئة (اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي) المراد أمة الإجابة وكرره ثلاثا لأن الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء (أستغفر الله لي ولكم) هذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال وفيه أنه ينبغي للإنسان إذا دعا لغيره أن يبدأ بنفسه (البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (وابن عساكر) في تاريخه (عن عقبة بن عامر الجهني) قال خرجنا في غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس كرمح فقال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال: يا رسول الله ذهب بي الذي ذهب بك فانتقل غير بعيد ثم صلى ثم حمد الله ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد إلى آخره (أبو نصر) عبد الله بن سعيد (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم نسبة لسجستان على غير قياس (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة له (عن أبي الدرداء) مرفوعا (ش) وكذا أبو نعيم في الحلية والقضاعي في الشهاب قال بعض شراحه حسن غريب (عن ابن مسعود موقوفا) ورواه العسكري والديلمي عن عقبة   (1) أي فرائضها التي فرض الله على الأمة فعلها (2) أي ما أحدث من البدع بعد الصدر الأول (3) أي إذا لم يكن الآخذ محتاجا لخبر ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا (4) قوله في بطونهم أي ملئها نارا لأنه يؤول إليها وسيصلون بالبناء للفاعل أي يدخلون سعيرا أي نارا شديدة (5) الروايا بفتح الراء المهملة جمع راوية بمعنى ناقل وفي حديث: والراوية أحد الشانمين: أي وشر النافلين نافلي الكذب الحديث: 1609 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 1610 - (أما بعد فإن الدنيا) في الرغبة والميل إليها وحرص النفوس عليها كالفاكهة التي هي (خضرة) في المنظر (حلوة) في المذاق وكل منهما يرغب فيه منفردا فكيف إذا اجتمعا وقال الأكمل الحلو ما يميل إليه الطبع السليم والأخضر الطري الناعم وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها حسن المنظر يعجب الناظر (وإن الله مستخلفكم فيها) أي جاعلكم خلفا في الدنيا (فناظر كيف تعملون) يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله خلقها وخولكم إياها وخولكم الاستمتاع فيها وجعلكم خلفا بالتصرف فيها فليست هي بأموالكم حقيقة بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء فناظر هل تتصرفون فيها على الوجه الذي يرضى به المستخلف أو لا والمراد مستخلفكم فيما كان بأيدي من قبلكم بتوريثكم إياهم فناظر هل تعتبرون بحالهم أو لا وكيفية النظر من المتشابه نؤمن بأنه يصير ولا تشتغل بكيفيته والحديث مسوق للحذر من زخرف الدنيا وزهرتها (فاتفوا الدنيا واتقوا النساء) خصص بعد ما عمم إيذانا بأن الفتنة بهن أعظم الفتن الدنيوية فإنه سبحانه أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أما في طلابها ومؤثريها على الآخرة سبعة أشياء أعظمها النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهوتها وأعظمها فتنة وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن إبليس لقي موسى عليه الصلاة والسلام فقال يا موسى إن لك علي حقا إياك أن تجالس أمرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها انتهى. ومن ثم قال (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) يريد قتل النفس التي أمر [ص: 180] بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة واسم المقتول عاميل قتله ابن أخيه أو عمه ليتزوج ابنته أو زوجته. وقال في المطامح: يحتمل كونه أشار إلى قصة هاروت وماروت لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته وبسببهن هلك كثير من العلماء (ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) أي متفرقة قال في الصحاح: أمر شتت بالفتح أي متفرق وشتته فرقه وقوم شتى وأشتاتا أي متفرقون وقال الزمخشري: تقول تفرقوا شتى وأشتاتا (منهم من يولد ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا) وهذا الفريق هم سعداء الدنيا والآخرة (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا) وهذا القسم هم أهل الشقاوة (ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا) أي يسبق عليه الكتاب فيختم له بالكفر (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا) أي يختم له بالإيمان فيصير من أهل السعادة (ألا إن الغضب جمرة توقد) أي تتوقد فحذف إحدى التاءين للتخفيف (في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه) عند الغضب (وانتفاخ أوداجه) جمع ودج بفتح الدال وتكسر وهو عرق الاخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة ويسمى الوريد أيضا وذلك لأن الله خلقه من نار وعجنه بطينة الإنسان فمهما نوزع في شيء من الأغراض اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعلى البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين فيحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها وإذا تكيف بهذه الحالة ارتعدت أطرافه واضطربت حركاته وأزبدت أشداقه واحمرت أحداقه وخرج عن حيز الاعتدال حتى لو رأى نفسه سكن غضبه حياء من قبح صورته ولو كشف له عن باطنه لرآه أقبح من ظاهره فإنه عنوانه الناشىء عنه. قال الغزالي: قال بعض الأنبياء لإبليس بأي شيء تغلب ابن آدم قال آخذه عند الغضب وعند الهوى وظهر إبليس لراهب فقال له أي أخلاق بني آدم أعون لك قال الحدة فإذا كان العبد حديدا قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة (فإذا وجد أحدكم) في نفسه (شيئا من ذلك) يعني من بوادر الغضب (فالأرض الأرض) أي فليضطجع بالأرض ويلصق نفسه فيها لتنكسر حدته وتذهب حدة غضبه وفي رواية فليلزق بالأرض وفي أخرى فليجلس ولا يعدو به الغضب فيجلسه في نفسه ولا يعديه إلى غيره بإيذائه والانتقام منه ولاستحالة هذا المعنى في حقه تعالى كان غضبه هو إرادة الانتقام فتكون صفة ذات أو الانتقام نفسه فتكون صفة فعل (ألا إن خير الرجال) ذكر الرجال وصف طردي والمراد الآدميين ذكورا أو إناثا (من كان بطيء الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان) بعكس ذلك (سريع الغضب بطيء الرضا فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء الفيء) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفيء فإنها بها) أي فإن إحدى الخصلتين تقابل الأخرى فلا يستحق مدحا ولا ذما ومن هنا قال الراغب والغزالي في الغضب نار تشتعل والناس مختلفون فيه فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطيء الوقود بطيء الخمود وبعضهم سريع [ص: 181] الوقود بطيء الخمود وبعضهم بالعكس وهو أحمدهم ما لم يفض به إلى زوال حميته وفقد غيرته واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حارا يابسا يكثر غضبه ومن كان بخلافه يقل وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيتحدث بأدنى ما يسمعه ككلب يسمع حسا فيعوي قبل أن يعرف ما هو فأسرع الناس غضبا الصبيان والنساء وأكثرهم ضجرا الشيوخ وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من كظم الغيظ. (ألا إن خير الناس التجار) بضم التاء جمع تاجر (من) أي تاجر (كان حسن القضاء) أي الوفاء لما عليه من ديون التجارة ونحوها (حسن الطلب) أي سهل التقاضي يرحم المعسر وينظره ولا يضايق الموسر في الأشياء التافهة ولا يلجئه إلى الوفاء في وقت معين ولا من مال معين (وشر التجار من كان سيء القضاء) أي لا يوفي لغريمه دينه إلا بكلفة ومشقة وتماطل مع يساره (سيء الطلب) أي ملح على مديونه بالطلب من غير مرحمة ولا شفقة بل بصعوبة مع علمه باعساره إذ ذاك (فإذا كان الرجل) التاجر وذكر الرجل وصف طردي لأن غالب المتجر إنما يتعاناه الرجال لا لإخراج النساء (حسن القضاء سيء الطلب أو كان) بعكسه (سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها) أي فإحدى الخصلتين تقابل بالأخرى نظير ما تقدم ويجري ذلك كله في كل من له حق أو عليه حق وإنما خص التجار لأكثرية القضاء والتقاضي فيما بينهم (ألا إن لكل غادر لواء) أي ينصب له (يوم القيامة) لواء حقيقة (بقدر غدرته) فإن كانت كبيرة نصب له لواء كبير وإن كانت صغيرة فصغير وفي خبر أنه يكون عند إسته وقيل اللواء مجاز والمراد شهرة حاله وإذاعته بين الملأ في ذلك الموقف الأعظم (ألا وإن أكبر الغدر غدر أمير عامة) بالإضافة (ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه) فإن ذلك يجب عليه وليست مهابة الناس عذرا في التخلف بشرط سلامة العاقبة (ألا إن أفضل الجهاد) أي أنواعه (كلمة حق) يتكلم بها كأمر بمعروف أو نهي عن منكر (عند سلطان جائر) أي ظالم فإن ذلك أفضل من جهاد العدو لأنه أعظم خطرا كما سلف تقريره عما قريب (ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) يعني ما بقي من الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها فهي ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وإذا كانت بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه كانت خليقة بأن توصف بالقلة ذكره الزمخشري (حم ت ك هب) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العصر ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وكان فيما قال أما بعد إلى آخره وفيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ويحيى ليس بشيء الحديث: 1610 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 1611 - (أمامكم) بفتح الهمزة (حوض) كي تردونه يوم القيامة قيل هو الكوثر والأظهر أنه غيره وهل هو بعد الصراط وقبله قولان وجمع بالتعدد (كما بين جرباء) بفتح الجيم وسكون الراء وموحدة يقصر ويمد قرية بالشام (وأذرح) بفتح [ص: 182] الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وحاء مهملة قرية بالشام أيضا وفي الحديث حذف بينته رواية الدارقطني وهو ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وبين جرباء وأذرح. فالمسافة بين المدينة وبينهما ثلاثة أيام لا بينهما وقد غلط من قال بينهما ثلاثة أيام كما بينه صاحب القاموس اقتداء ببعض الأعلام لأن بين جرباء وأذرح ميل بل أقل بل الواقف في هذه ينظر هذه كما حرره بعض الثقات (خد عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الطبراني نحوه الحديث: 1611 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 1612 - (أمان لأهل الأرض من الغرق) بفتح الراء مصدر (القوس) أي ظهور القوس المسمى بقوس قزح. قال ابن القيم: سمي به لأنه أول ما رؤي في الجاهلية على جبل قزح بالمزدلفة أو لأن قزح اسم شيطان ويوضح المراد بقوله القوس ما رواه السدي أن عليا رضي الله عنه نظر إلى السماء فرأى قوس قزح فقال ما هذا؟ قالوا قوس قزح قال لا تقولوا هذا قولوا قوس الله وأمان من الغرق وفي أجوبة علي كرم الله وجهه لابن الكواء أن القوس علامة كانت بين نوح وربه أمان لأهل الأرض من الغرق (وأمان لأهل الأرض) أي كلهم أو المراد جزيرة العرب (من الاختلاف) تفرق الكلمة والفتن (الموالاة) المناصرة والموادة (لقريش) (1) القبيلة المعروفة أي ما داموا على سنن الاستقامة ومنهج العدالة كما يفيده قوله في الحديث المار استقيموا لقريش ما استقاموا لكم إلى آخره (فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا) أي المخالفون (حزب ابليس) أي جنده {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (قريش أهل الله) أي المؤمنون منهم خواص عباده أضيفوا إليه تشريفا (طب) عن أحمد الابار عن إسحاق بن سعيد بن الأركون عن خليد بن دعلج عن عطاء عن ابن عباس (ك) في المناقب عن مكرم عن الابار عن إسحاق بن الأركون عن خليد عن قتادة عن عطاء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه واه وفي إسناده ضعيفان ابن الأركون وخليد انتهى. وحكم ابن الجوزي بوضعه ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شاهدا من كلام ابن عباس   (1) قال الحكيم أراد بقريش أهل الهدى منهم وإلا فبنو أمية وأضرابهم حالهم معروف وإنما الحرمة لأهل التقوى الحديث: 1612 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 1613 - (أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا البحر) في رواية الطبراني بدله السفينة وفي رواية ابن مردويه سفينة وفي رواية الفلك لكن لفظ رواية ابن السني التي عزى المؤلف إليها ركبوا ولم يذكر بحرا ولا سفينة كما ذكره النووي (أن يقولوا) أي يقرؤوا عند دخول السفينة أو عند سيرها قوله تعالى (بسم الله مجريها ومرساها) أي حيث تجري وحيث ترسي (الآية) أي إلى آخرها وقوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره الآية) بكمالها أي إلى {تشركون} وترجم عليه النووي في الأذكار باب ما يقوله إذا ركب سفينة وساق الحديث عازيا لابن السني ثم قال عقبه هكذا هو في النسخ إذا ركبوا لم يقل السفينة ونقل بعضهم عن ابن عباس من قرأ الآيتين فعطب أو غرق فعلي ذلك (ع وابن السني) من طريق أبي يعلى المذكور قال حدثنا أبو يعلى أنبأنا جنادة حدثنا يحيى بن العلاء أنبأنا مروان بن سالم أنبأنا طلحة العقيلي (عن الحسين) بن علي يرفعه قال ابن حجر وجنادة ضعيف وشيخه أضعف منه وشيخ شيخه كذلك بالاتفاق فيهما وطلحة مجهول انتهى وفي الميزان يحيى بن العلاء قال أحمد كذاب يضع الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها الحديث: 1613 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 1614 - (أم القرآن) الفاتحة سميت به لكونها مفتتح القراءة قال الخليل كل شيء ضم إليه ما يليه سمي أما وهي مشتملة على [ص: 183] كليات معاني القرآن وهو الثناء على الله والمعاش وهو العبادة والمعاد وهو الجزاء وقال القاضي: سماها أما (1) لأنها بينة في نفسها مبينة لما عداها من المتشابهات فهي كالأصل له (هي السبع المثاني) اللام للعهد قال تعالى {وقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} سميت سبعا لأنها سبع آيات باعتبار عد البسملة آية وهو المتصور والمثاني لتكررها في الصلاة أو الإنزال أو لأن غيرها يضم إليها أو لتكرر مضمونها في السور أو مقاصدها جمع مثنى أو مثناة من التثنية بمعنى التكرار فتكرر على مرور الأوقات فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس وقيل جمع مثنى بمعنى الثناء كالمحمدة بمعنى الحمد لاشتمالها على الثناء فهي تثني على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أو لأنها أبدا تدعو بوصفها المعجز إلى غرابة النظم وغزارة المعنى إلى الثناء عليها ثم على من يتعلمها ويعمل بها ولا اختلاف بين قوله في الحديث السبع المثاني وقوله في القرآن سبعا من المثاني لأن من للبيان ذكره التوربشتي (والقرآن العظيم) عطف على السبع عطف صفة الشيء على صفة أخرى له فليس هو من عطف الشيء على نفسه أو عطف على أم القرآن وإفراد الفاتحة بالذكر في الآية مع كونها جزءا من القرآن يدل على مزيد اختصاصها بالفضيلة وفيه رد كما قال السهيلي على الحسن وابن سيرين في كراهة تسمية الفاتحة بذلك (خ عن أبي بكر) الصديق   (1) واستشكل بأن كثيرا من السور مشتمل على هذه المعاني مع أنها لم تسم بأم القرآن وأجيب بأنها سابقة على غيرها وضعا بل نزولا عند الأكثر فنزلت من تلك السور منزلة مكة من جميع القرى حيث مهدت أولا ثم دحيت الأرض من تحتها وكما سميت أم القرى سميت هذه أم القرآن على أنه لا يلزم اطراد وجه الشبه الحديث: 1614 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 1615 - (أم القرآن) قال الحرالي سميت به لأنها له عنوان وهو كله لها بسط وتبيان وقال القاضي: لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله وذكر الذات والصفات والأفعال والتعبد بالأحكام والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد وقصة الغابرين من العصاة والمطيعين (عوض من غيرها) من القرآن وغيره (وليس غيرها منها عوض) وحينئذ فلا يقوم مقامها في الصلاة سورة من القرآن غيرها عند القدرة ولذلك لم يكن لها في الكتب الإلهية عديل (قط) وتقدمه إليه الكرماني (ك عن عبادة) بن الصامت وصححه قال ابن القطان ولا ينبغي تصحيحه ففيه محمد بن خلاد لا يعرف من حاله ما يعتمد عليه وعميد يروي مناكير منها هذا الخبر الذي لا يعرف إلا من روايته الحديث: 1615 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 1616 - (أم الولد حرة) أي حكمها حكم الحرة في كونها لا تباع ولا ترهن ولا توهب ولا يتصرف فيها بإزالة ملك (1) (وإن كان) الولد (سقطا) لم تنفخ فيه الحياة بل ولو كان مخططا خفي التخطيط بحيث لا يعرفه إلا القوابل وهذا مجمع عليه الآن وما كان من خلاف فيه من الصدر الأول فقد مضى وانقضى (طب عن ابن عباس) وفيه الحسين بن عيسى الحنفي قال الذهبي في الضعفاء له مناكير عن الحكم بن إبان قال ابن المبارك ارم به ووثقه غيره ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عباس قال الفرياني في اختصار الدارقطني وفيه الحسين بن عيسى الحنفي ضعيف قال ابن عدي عامة أحاديثه غرائب وفي بعضها مناكير وشيخه الحكم بن إبان قال ابن المبارك أرم   (1) ويصح بيعها إذا اشترت نفسها أو كانت مرهونة أو جانية تعلق برقبتها مال وكان المالك فيهما معسرا حال الاستيلاد الحديث: 1616 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 1617 - (أم ملدم) مفعل من لدمه إذا لطمه ويروى بالذال المعجمة من لذم بمعنى الزم وهي الحمى (تأكل) مضارع أكل (اللحم) أي إذا لازمت الإنسان أنحلته (وتشرب الدم) يعني تحرقه (بردها وحرها من جهنم) أي بدل من جهنم لمن أصابته من المؤمنين كما يوضحه خبر الحمى حظ المؤمن من النار فليس المعنى على الغشية كما قد يتوهم. قال الزمخشري: العرب تقول الحمى أنا أم ملدم آكل اللحم وأمص الدم قال المصنف ولذلك كانت شهادة وحصل المؤمن منها على الحسنى وزيادة وقد جاءت إلى خدمة [ص: 184] المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم واستأذنت بالباب وهي واقفة لديه وسألته يبعثها إلى أحب قومه فبعثها إلى الأنصار لأنهم ذوو النهى وأولوا الأبصار لتكون وقاء ووقاء لهم من النار (طب عن شبث) بشين معجمة وموحدة فمثلثة (ابن سعيد) البلوي شهد فتح مصر وله صحبة قال الهيثمي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس الحديث: 1617 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 1618 - (أم أيمن) بركة حاضنة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم ودايته وهي أم أسامة بن زيد (أمي بعد أمي) أي في الاحترام وفي حضنها إياه فإن أمه ماتت وهو ابن ست أو سبع أو ثمان سنين فاحتضنته أم أيمن. قال الزمخشري: جعلها أما لأن الداية تدعى أما لقيامها مقام الأم انتهى ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر (ابن عساكر) في التاريخ في ترجمة أسامة بن زيد (عن سليمان بن أبي شيخ مرسلا معضلا) (1)   (1) هو ما سقط من اثنان من أي موضوع كان وإن تعددت المواضع سواء كان الساقط الصحابي أو التابعي أم غيرهما الحديث: 1618 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 1619 - (أمتي يوم القيامة غر) بضم المعجمة وشد الراء جمع أغر أي ذووا غرة (من السجود) أي من أثر السجود في الصلاة قال تعالى {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} نصب على الظرفية (محجلون من الوضوء) أي من أثر وضوئهم في الدنيا وقد سجدت الأمم قبلهم فلم يظهر على جباههم وتطهروا فلم يظهر على أطرافهم من ذلك شيء فتلك إشارة هذه الأمة في الموقف يعرفون بها. ذكره الحكيم وهذا لا تدافع بينه وبين خبر الشيخين الآتي إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وما ذاك إلا لأن المؤمن يكسى في القيامة نورا من أثر السجود ونورا من أثر الوضوء نور على نور فمن كان أكثر سجودا أو أكثر وضوءا في الدنيا كان وجهه أعظم ضياء وأشد إشراقا من غيره فيكونون فيه على مراتب من عظم النور والأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو أدخل سراج في بيت ملأه نورا فإذا أدخل فيه آخر ثم آخر امتلأ بالنور من غير أن يزاحم الثاني الأول ولا الثالث الثاني وهكذا؟ والوضوء هنا بالضم وجوز ابن دقيق العيد الفتح على أنه الماء وجوز في من أن تكون سببية أو لابتداء الغاية قال الراغب: والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما دين أو زمان أو مكان سواء كان الجامع تسخيرا أو اختيارا وأصل الغرة لمعة بيضاء بجبهة الفرس ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه هذه الأمة والتحجيل بياض في ثلاث من قوائم الفرس أصله الحجل بكسر الحاء الخلخال والمراد به أيضا هنا النور. ذكره جمع وقال الأشرف: غر جمع أغر وهو الأبيض الوجه والمحجل من الدواب ما قوائمه بيض مأخوذ من الحجل وهو القيد كأنه مقيد بالبياض وأصله في الخيل ومعناه إذا دعوا إلى الجنة كانوا على هذا الشبه وتمسك به الحليمي على أن الوضوء من خصائصنا وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن في البخاري في قصة سارة قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب قام فتوضأ قال: فالظاهر أن الخاص بنا الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء قال: وقد صرح بذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال: سيما ليت لأحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وقد اعترض بعضهم على الحليمي بخبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال كون الوضوء من خصائص الأنبياء دون الأمم إلا هذه الأمة إلى هنا كلام الحافظ وتقدمه إليه الكرماني وقد انتهبه سميه الشهاب ابن حجر الهيثمي ولنفسه عزاه ولا قوة إلا بالله (ت عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة وقال حسن صحيح غريب الحديث: 1619 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 1620 - (أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير) من آخرها (أو آخرها) خير من أولها لتقارب أوصافهم وتشابه أفعالهم كالعلم والجهاد والذب عن بيضة الإسلام وقرب نعوت بعضهم من بعض في ظواهرهم فلا يكاد يميز الناظر بينهم وإن [ص: 185] تفاوتوا في الفضل في نفس الأمر فيحكم بالخير لأولهم وآخرهم ولذا قيل هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ثم إن هذا لا يناقضه خبر خير الناس قرني لأنهم إنما كانوا خيرا لأنهم نصروه وآووه وجاهدوا معه وقد توجد نحو هذه الأفعال آخر الزمان حين يكثر الهرج وحتى لا يقال في الأرض الله. قال الكلاباذي وغيره: وأما خبر خير الناس قرني فخاص بقوم منهم والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم وأما سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل أواخر هذه الأمة كالذين ينصرون المسيح ويقاتلون الدجال فهم أنصار النبي وإخوانه اه <تنبيه> الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك فإنه مجمل يطلق تارة ويراد بها كل من كان مبعوثا إليهم نبي آمنوا به أو لم يؤمنوا ويسمون أمة الدعوة وأخرى ويراد بهم المؤمنون به المذعنون له وهم أمة الإجابة وهذا المراد هنا (ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن عثمان) بن عفان بن العاص الأموي (مرسلا) قال الذهبي وهو ثقة الحديث: 1620 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 1621 - (أمتي) المجتمعون على ملتي (أمة مرحومة) أي من الله أو بعضهم لبعض (مغفور لها) من بارئها (متاب عليها) أي يتوب الله عليها ولا بتركها مصرة على الذنب ذكره المؤلف لأنهم جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا مع اجتماعهم على الإيمان والصلاة وأذاقهم الله بأسهم بينهم يقتل بعضهم بعضا وكفارة لما اجترحوه وأخرج ابن عساكر عن وهب في الزبور يا داود سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد سيد صادق ولا أغضب عليه ولا يغضبني وأمته مرحومة أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم كالأنبياء <تنبيه> قال الزركشي: ما كان مجتمعا في المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقا في أمته بدليل أنه كان معصوما وأمته إجماعها معصوم وقد أكمل الله عليهم النعمة وجعلهم شهداء على الأمم قبلهم وحكم أنهم خير أمة أخرجت للناس فلا فضل يوازي فضلهم وهم الآخرون السابقون يوم القيامة أكثر أهل الجنة وإن كانوا في الأمم كالشامة (الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أنس) قال ابن الجوزي: قال النسائي هذا حديث منكر اه ورواه عنه الطبراني في الأوسط وزاد تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحص عنها باستغفار المؤمنين لها اه قال الهيثمي: فيه شيخ الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذاب الحديث: 1621 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 1622 - (أمتي هذه) أي الموجودين الآن كما عليه ابن رسلان وهم قرنه ويحتمل إرادة أمة الإجابة (أمة مرحومة) أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة موسومة بذلك في الكتب المتقدمة (ليس عليها عذاب في الآخرة) بمعنى أن من عذب منهم لا يحس بألم النار لأنهم إذا دخلوها أميتوا فيها وزعم أن المراد لا عذاب عليها في عموم الأعضاء لكون أعضاء الوضوء لا تمسها النار تكلف مستغنى عنه (إنما عذابها في الدنيا الفتن) التي منها استيفاء الحد ممن يفعل موجبه وتعجيل العقوبة على الذنب في الدنيا أي الحروب والهرج فيهما بينهم (والزلازل) جمع زلزلة وأصلها تحرك الأرض واضطرابها من احتباس البخار فيها لغلظه أو لتكاثف وجه الأرض ثم استعملت في الشدائد والأهوال. قال الومخشري: تقول العرب جاء بالإبل يزلزلها يسوقها بعنف وأصابته زلازل الدهر شدائده انتهى. (والقتل والبلايا) لأن شأن الأمم السابقة يجري على طريق العدل وأساس الربوبية وشأن هذه الأمة يجري على منهج الفضل والألوهية فمن ثم ظهرت في بني إسرائيل النياحة والرهبانية وعليهم في شريعتهم الأغلال والآصار وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية ففك عنهم الأغلال ووضع عنهم الآصار (د طب ك هب عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الصدر المناوي رضي الله عنه وفيه نظر فإن في سند أبي داود والحاكم وغيرهما المسعودي عبد الرحمن [ص: 186] ابن عبد الله الهذلي استشهد به البخاري قال ابن حبان اختلط حديثه فاستحق الترك وقال العقيلي تغير فاضطرب حديثه الحديث: 1622 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 1623 - (أمثل ما تداويتم به) أي أنفعه وأفضله (الحجامة) لمن احتمل ذلك سنا ولاق به قطرا ومرضا (والقسط) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب (البحري) بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء: القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفا بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك (مالك) الإمام المشهور في الموطأ (حم ق ت ن عن أنس) بن مالك الحديث: 1623 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 1624 - (امرؤ القيس) سليمان بن حجر الملك الضليل عظيم شعراء الجاهلية (صاحب لواء الشعر) أي حامل راية شعراء الجاهلية والمشركين. قال دعبل: ولا يقود الناس إلا أميرهم ورئيسهم (إلى النار) لأنه زعيمهم وعظيمهم في الدنيا فيكون قائدهم في العقبى. قال ابن سلام: ليس لكونه قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء ابتدعها فاتبعوه عليها واقتدوا به فيها وأخرج ابن عساكر أنه ذكر امرؤ القيس للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار. قال أبو عبيد: سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها فاستحسنوها وتبعهم فيها الشعراء منها استباق صحبه والبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه النساء بالظباء البيض والخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى هذا لواء الشهرة في الذم وتقبيح الشعر كما أن ثم ألوية للعز والمجد والإفضال كما يجيء أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده لواء الحمد فثم ألوية خزي وفضيحة قال الزبير بن بكار: قيل لحسان بن ثابت من أشعر الناس قال النابغة قال ثم من قال حسبك بي مناضلا قيل فأين أنت عن امرؤ القيس قال لنا إنما أنا في ذكر الأنس (حم) وكذا البزار كلاهما من حديث هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه أبو الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. اه. وأقول أبو الجهم ضعيف جدا قال الذهبي في الضعفاء أبو الجهم عن الزهري قال أبو زرعة واهي الحديث الحديث: 1624 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم (لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي: وأشعر المراقسة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر: افتتح الشعر بامرىء القيس وختم بذي الرمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير [ص: 187] إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعرا فقال أبوه هذا ليس با بني إذ لو كان كذلك لقال شعرا فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. . . بسقط اللوا بين الدخول فحومل فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقا وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال: أجارتنا إن المزار قريب. . . وإني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان ههنا. . . وكل غريب للغريب نسيب قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل. فقال: يتمنى المرء في الصيف الشتاء. . . حتى إذا جاء الشتاء أنكره فهو لا يرضى بحال واحد. . . قتل الإنسان ما أكفره وقال: اقتربت الساعة وانشق القمر. . . من غزال صاد قلبي ونفر وقال: إذا زلزلت الأرض زلزالها. . . وأخرجت الأرض أثقالها تقوم الأنام على رسلها. . . ليوم الحساب ترى حالها يحاسبها ملك عادل. . . فإما عليها وإما لها (أبو عروية في) كتاب (الأوائل) له (وابن عساكر) في تاريخه من حديث الحسين بن فهم عن يحيى بن أكثم (عن أبي هريرة) قال يحيى: قال لي المأمون: أريد أن أحدث فقلنا: من أولى بهذا منك فصعد المنبر فأول حديث حدثنا هذا ثم نزل فقلنا: كيف رأيت مجلسنا قلت: أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة قال: وحياتك ما رأيتم له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الحلقات والمحابر اه. والحسين بن فهم أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال الحاكم ليس بقوي ويحيى بن أكثم قال الأزدي يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد: كانوا لا يشكون أنه يسرق الحديث. <تنبيه> قال القرطبي: هذا الحديث وما قبله يدل على أن من كان إماما دراسا في أمر ما هو معروف به فله لواء يعرف به خيرا كان أو شرا فللأولياء الصالحين ألوية تنويه وإكرام وإفضال كما أن للظالمين فضيحة وخزي ونكال الحديث: 1625 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 1626 - (امرأة ولود) أي تزوج امرأة كثيرة الولادة غير حسناء كما يدل عليه تقييده بالحسن في مقابله وتعرف البكر بأقاربها (أحب إلى الله تعالى) أي أفضل عنده (من) تزوج (امرأة حسناء لا تلد) لعقمها (إني مكاثر بكم) تعليل للترغيب في نكاح الولود وإن لم تكن جميلة وتجنب العقيم وإن كانت في نهاية الجمال (الأمم) السالفة (يوم القيامة) أي أغاليهم بكم كثيرة وهذا حث عظيم على الحرص على تكثير الأولاد وفي ضمنه نهى عن العزل وتوبيخ على فعله وأنه ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات النفسانية (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق محمد بن سوقة ميمون بن أبي شبيب (عن حرملة بن النعمان) الحديث: 1626 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 [ص: 188] 1627 - (أمر النساء) في التزويج أي ولاية العقد (إلى آبائهن) أي الأب وأبيه وإن علا (ورضاهن السكوت) أي رضى البكر البالغ منهن سكوتها إذا زوجها الأب أو الجد بولاية الإجبار حيث لم يقترن السكوت بنحو بكاء وفي غير ذلك لا بد من إذنها بالنطق (طب خط عن أبي موسى) الأشعري وفيه علي بن عاصم قال الذهبي قال النسائي متروك وضعفه جمع الحديث: 1627 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 1628 - (أمرا) سوغ الابتداء به تنوينه المفيد للتعظيم أي عظيم والخبر قوله (بين أمرين) أي بين طرفي الإفراط والتفريط كما قال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} الآية (وخير الأمور أوساطها) أي الذي لا ترجيح لأحد جانبيه على الآخر لأن الوسط العدل الذي نسبته الجوانب كلها إليه سواء فهو خيار الشيء والعدل هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط والآفات إنما تطرق إلى الافراط والأوساط محمية بأطرافها قال: كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت. . . بها الحوادث حتى أصبحت طرفا ومالك الوسط محفوظ الغلط ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور الموقع في الضلال عن القصد. قيل: دخل عمر بن عبد العزيز على عبد الملك فتكلم فأحسن فقال ابنه: هو كلام أعد لهذا المقام ثم دخل بعد أيام فسأله عبد الملك عن نفقته فقال: الحسنة بين السيئتين يريد الآية فقال عبد الملك لابنه: أهذا مما أعده آنفا (حب عن عامر بن الحارث بلاغا) أي قال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه البيهقي في السنن عنه أيضا وقال الذهبي في المهذب هو منقطع أيضا وعمرو بن الحارث في التابعين والصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه الحديث: 1628 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 1629 - (أمر الدم) أي أسله واستخرجه قال القاضي إمرار الدم إسالته وإجراؤه بشدة وهلى هذا فقوله أمر بكسر الميم وشدة الراء من أمر أي أجرى وقول الخطابي هو غلظ والصواب سكون الميم وخفة الراء من أمرى يمري وهو الغلظ لأن أصله أمرر براءين كما هو رواية ابن داود وقال شراحه أي اجعله يمر أي يذهب وحينئذ فمن شدد أدغم فلا غلط (بما شئت) مخصوص بما استثناه في حديث رافع بقوله ليس السن والظفر ذكره البيضاوي (واذكر اسم الله عز وجل) أي على الذبح ندبا بأن تقول بسم الله فقط ويزيد في الأضحية والله أكبر اللهم هذا منك وإليك فتقبل مني وترك التسمية عمدا مكروه والذبيحة حلال (حم د هـ ك عن عدي بن حاتم) قال: قلت يا رسول الله إنا نصيد فلا نجد سكينا إلا الظرازة وشقة العصا فذكره والظرازة جمع ظرز الحجر الصلب محددا وشقة العصا ما شق منها وهو محدد الحديث: 1629 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 1630 - (أمرت) أي أمرني الله إذ لا آمر سواه وحذف الفاعل تعظيما وتفخيما (أن) أي بأن (أقاتل) وحذف الجار من أن غير عزيز (الناس) أي بمقاتلة الناس وهذا عام خص منه من أقر بالجزية (حتى) أي إلى أن (يشهدوا) ويقروا ويبينوا أن (لا إله إلا الله) استثناء من كثرة متوهمة وجودها محال إذ مفهوم الإله كلي (وأني رسول الله) غاية لقتالهم فكلمة التوحيد هي التي خلق الحق الخلق لها وهي العبارة الدالة على الإسلام فكل من تلفظ بها مع الإقرار بالرسالة المحمدية فمسلم وظاهره بل صريحه أن قائلها مسلم وإن قلد بالمعنى الآتي في مبحث الإيمان. قال النووي رضي الله عنه وهو مذهب المحققين واشتراط معرفة أدلة المتكلمين خطأ وفي رواية للشيخين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة (فإذا) آثرها على إن مع أن المقام لها لأن فعلهم متوقع لأنه علم إصابة بعضهم فغلبهم لشرفهم أو تفاؤلا نحو غفر الله لك (قالوها) أي كلمة الشهادتين والتزموا أحكامها (عصموا) حفظوا (مني دماءهم وأموالهم) أي منعوها إذ العصمة المنعة والاعتصام [ص: 189] الاستمساك افتعال منه فلا يحل سفك دمائهم ولا أخذ أموالهم وهي كلما صح إيراد نحو البيع عليه وأريد به هنا ما هو أعم ليشمل الاختصاص (إلا بحقها) أي الدماء والأموال يعني هي معصومة إلا عن حق يجب فيها كقود وردة وحد ترك صلاة وزكاة بتأويل باطل وحق آدمي فالباء بمعنى عن أو من أي فقد عصموها إلا عن حقها أو من حقها أو إلا بحق كلمة التوحيد وحقها ما تبعها من الأفعال والأقوال الواجبة التي لا يتم الإسلام إلا بها فالمتلفظ بكلمة التوحيد يطالب بهذه الفروض بعد ففائدة النص عليه دفع توهم أن قضية جعل غايته المقاتلة وجود ما ذكر أن من شهد عصم دمه وإن جحد الأحكام وقول أبي حنيفة إن تارك الصلاة كسلا لا يقتل لظاهر هذا الحديث ولخبر لا يحل دم امرىء مسلم ولأنها أمانة بينه وبين الله ولأنها عبادة تقضى وتؤدى كصوم وزكاة وحج ولأن الاختلاف شبهة تدرأ بها الحدود ورد الأول بقوله في الحديث إلا بحقها والصلاة من حقها والثاني أن خلف الخارج بالثلاث أمرا آخر والثالث بالنقص بالعفة فإنها أمانة ويرجم بتركها وترك الصلاة أعظم والرابع بأن استيفاء الصوم وكل عبادة ممكن بخلاف الصلاة كالإيمان ولأنه يقتل بفعل منهي عنه كزنا المحصن فيقتل بترك ما أمر به ولأن كسل الاستهانة يبيح القتال ولأن الصلاة والإيمان يشتركان في الاسم والمعنى فكما يقتل بترك الإيمان يقتل بترك الصلاة والخامس بأنه لا شبهة للقاطع وإن سلم فضعيفة ومثلها مطروح لا يسقط استحقاق القتل عنه إذ لم يعد بالاستتابة ومن قتله قبلها عذر ثم دليلنا النص المزبور فإنه يدل على أنه كافر واستحق عقوبة الكافر فالأول منتف فتعين الثاني والجمع أولى وتاركها كسلا بالنسبة إلى تاركها جحودا غير معصوم بالنسبة إلى فاعلها ثم الحكم عليهم بما ذكر إنما هو باعتبار الظاهر أما باعتبار الباطن فأمرهم ليس إلى الخلق بل (حسابهم على الله) فيما يسرونه من كفر ومعصية يعني إذا قالوها بلسانهم وباشروا الأفعال بجوارحهم قنعت منهم به ولم أفتش عن قلوبهم وعلى بمعنى اللام فما أوهمه العلاوة من الوجوب غير مراد ولئن سلم فهو للتشبيه أي هو كالواجب في تحقق الوقوع فالعصمة متعلقة بأمرين كلمة التوحيد وحقها أي حق الدماء والأموال على التقديرين والحكم إذا تعلق بوجوده شرطان لا يقع دون استكمال وقوعهما وصدره بلفظ الأمر إيذانا بأن الفعل إذا أمر به من جهة الله لا يمكن مخالفته فيكون آكد من فعل مبتدأ من الإنسان. قال الرافعي: وبين الشافعي أن الحديث نخرجه عام ويراد به الخاص والقصد به أهل الأوثان وهو أصل من أصول الإسلام (تتمة) ذكر الفخر الرازي عن بعضهم هنا أنه تعالى جعل العذاب عذابين أحدهما السيف من يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار في غلاف لا ترى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا الله أدخلنا السيف في الغمد الذي يرى ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا إله إلا الله أدخلنا سيف عذاب الآخرة في غمد الرحمة حتى يكون واحد الواحد لا ظلم ولا جور (ق 4 عن أبي هريرة) قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما كيف تقاتل الناس وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أمرت إلخ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه (وهو متواتر) لأنه رواه خمسة عشر صحابيا الحديث: 1630 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 1631 - (أمرت) أمرا ندبيا (بالوتر) أي بصلاته بعد فعل العشاء وقبل الفجر (والأضحى) أي بصلاة الضحى وبالتضحية (ولم يعزم) كل منهما (على) أي لم يفرض ولم يوجب علي وعزائم الله تعالى فرائضه التي أوجبها يقال عزمت عليك أي [ص: 190] أمرتك أمرا جدا فهذا الحديث يعارضه ما يأتي من رواية البيهقي وغيره مرفوعا ثلاث هن علي فريضة (1) ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى وكلا الخبرين ضعيف والشافعي رضي الله تعالى عنه وجمهور أصحابه على الوجوب لكن ذهب بعضهم إلى عدمه تمسكا بأن الخصائص لا تثبت إلا بحديث صحيح (قط عن أنس) قضية تصرف المؤلف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل تعقبه ببيان علته فقال هو من رواية بقية وقد تقدم تدليسه وتليينه عن عبد الله بن محرز وضعفه غير واحد وقال منكر الحديث وقال ابن أبي شبيبة متروك انتهى وقال الذهبي إسناده واه   (1) ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى لا أكثره وقياسه في الوتر كذلك ووجوب هذه الثلاثة عليه صلى الله عليه وسلم صححه الفيخان وغيرهما وهو خصوصية له صلى الله عليه وسلم الحديث: 1631 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 1632 - (أمرت بيوم الأضحى عيدا) قال الطيبي: عيدا منصوب بفعل مقدر تفسيره ما بعده أي اجعله عيدا وقال ابن رسلان: فيه حذف تقديره بالأضحية في يوم الأضحى إذ لا يصح الكلام إلا به إذ أمرت يتعلق الأمر فيه بالأضحية لا باليوم وفهم التقدير من إضافة يوم إليه انتهى. والمراد الأمر الندبي (جعله الله لهذه الأمة) تمامه كما في أبي داود فقال رجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: لا ولكن تأخذ من شعرك وتقص من شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله وفيه أن عيد الأضحى من خصائصنا وكذا الفطر كذا قيل وقد تمسك بظاهر الحديث قوم منهم داود كابن سيرين فذهبوا إلى اختصاص النحر باليوم العاشر دون ما بعده (حم د ن ك عن ابن عمرو) بن العاص وصححه ابن حبان وغيره الحديث: 1632 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 1633 - (أمرت) على لسان جبريل بالإلهام أو الرؤيا (بالسواك) بكسر السين الفعل ويطلق على العود ونحوه (حتى خشيت أن يكتب علي) أي يفرض وفيه حجة لمن ذهب إلى عدم وجوب السواك عليه قال الزين العراقي: والخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح (حم عن وائلة) بن الأسقع قال في شرح التقريب سنده حسن وقال المنذري والهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه الحديث: 1633 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 1634 - (أمرت) أي أمرني الله قال القاضي: إذا قال الرسول أمرت فهم أن الله تعالى أمره وإذا قاله الصحابي فهم أن الرسول أمره فإن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم أن الرئيس أمره (بالسواك حتى خفت على أسناني) أراد ما يعم الأضراس واعلم أن لفظ رواية الطبراني في الكبير والأوسط فقد أمرت إلخ ولم أر فيه أمرت مجردا فإن كان فيه غير مظنته وإلا فإثبات المصنف له في هذا الحرف وهم (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب وفيه كلام الحديث: 1634 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 1635 - (أمرت بالنعلين) أي بلبسهما خشية تقذر الرجلين (والخاتم) أي بلبسه في الإصبع وباتخاذه للختم فيه فلبس النعلين مأمور به ندبا خشية تنجس القدمين أو تقذيرهما وكذا الخاتم ولو لغير ذي سلطان خلافا لبعض الأعيان (الشيرازي في) كتاب (الألقاب خد خط) في ترجمة وكيع بن سفيان (والضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني الكبير والأوسط (عن أنس) قال الخطيب وتبعه ابن الجوزي ولم يروه عن يونس بن زيد إلا عمر بن هارون وعمر تركه أحمد وابن مهدي وقال ابن حبان يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم انتهى. وقال الهيثمي: فيه [ص: 191] عمرو بن هارون البلخي وهو ضعيف وفي الضعفاء للذهبي عمرو تركوه وكذبه ابن معين انتهى وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي والخطيب خرجاه وسكتا عليه وهو غير صواب فأما الخطيب فقد سمعت ما قال وأما ابن عدي فخرجه وقال هو باطل فإنه أورده في ترجمة ابن الأزهر وقال إنه باطل فاقتصار المصنف على عزوه تلبيس فاحش الحديث: 1635 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 1636 - (أمرت أن) بضم الهمزة مبنيا للمفعول أي أمرني الله بأن (أبشر خديجة) بنت خويلد زوجته (ببيت في الجنة) أعد لها (ومن قصب) بفتح القاف والصاد يعني قصب اللؤلؤ هكذا جاء مفسرا في رواية الطبراني في الأوسط وله فيه أيضا من القصب المنظومة بالدر واللؤلؤ والياقوت انتهى وقال هنا أيضا من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان. قال ابن حجر: وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها انتهى (لا صخب فيه) أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب (ولا نصب) أي لا تعب أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب ينغصها ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل زيادة بعد الجزاء على أعمالها (فإن قيل) كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام (فالجواب) أن البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في لسانهم فلما كانت خديجة رضي الله عنها أول من بنى بيتا في الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد لها وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة (حم حب ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي: أحمد رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع الحديث: 1636 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 1637 - (أمرت) بالبناء للمفعول والآمر هو الله تعالى قال القاضي: عرف ذلك بالعرف والأمر للوجوب في أحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهما والثاني أنه للندب لأن المعطوف على اسجد مندوب اتفاقا ولأنه عليه السلام اقتصر على الجبهة في قصة رفاعة انتهى وبقوله عرفا سقط النزاع فيه يخلوه من صيغة أفعل (أن أسجد على سبعة أعظم) سمي كل واحد عظما نظرا للجملة وإن اشتمل كل على عظام فهو من تسمية الكل باسم البعض وفي رواية على سبعة أعضاء وفي أخرى آراب جمع إرب بكسر فسكون وهو العضو ثم أبدل من ذلك قوله (على الجبهة) فعلى الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي أسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء ذكره الكرماني دافعا به ما عساه يقال كيف يكون حرفا واحدا بمعنى واحد متعلق بفعل واحد مكررا قال الشافعية: ويكفي جزء منها ويجب كشفه (واليدين) أي باطن الكفين لئلا يدخل تحت المنهي من افتراش السبع ويدل له رواية مسلم بلفظ الكفين (والركبتين وأطراف) أصابع (القدمين) بأن يجعل قدميه قائمتين على بطن أصابعهما وعقبيه مرتفعتين ليستقبل بظهور قدميه القبلة فلو أخل المصلي بواحدة من السبعة بطلت صلاته قطعا في الجبهة وعلى الأصح في البقية عند الشافعية وهو مذهب أحمد ويكفي وضع جزء من كل منها (ولا نكفت) بكسر الفاء وبالنصب أي لا نضم [ص: 192] ولا نجمع فهو بمعنى ولا نكف ومنه {ألم نجعل الأرض كفاتا} (الثياب) عند الركوع والسجود في الصلاة (ولا الشعر) الذي للرأس والأمر بعدم كفهما للندب وإن كان الأمر بالسجود على السبعة للوجوب فالأمر مستعمل في معنييه وهو جائز عند الشافعي رضي الله عنه قال الطيبي: جمع الحديث بعضا من الفرض والسنة والأدب تلويحا إلى إرادة الكل <تنبيه> جاء في حكمة النهي عن كف الشعر أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة ففي سنن أبي داود بإسناد قال ابن حجر جيد أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي وقد غرز ضفيرته في قفاه فخلعها وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك مقعد الشيطان ولا يجب كشف غير الجبهة بل يكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة ذكره ابن دقيق العيد قال في الفتح وفيه نظر (ق د ن هـ عن ابن عباس) ورواه عند أيضا أحمد وغيره الحديث: 1637 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 1638 - (أمرت بالوتر وركعتي الضحى ولم تكتبا) أي تفرضا وفي نسخة ولم يكتب بمثناة تحت بغير ألف أي ذلك وفيه أن ذلك من خصائصه على أمته (حم عن ابن عباس) قال في المطامح: فيه جابر الجعفي كذاب وقال الذهبي واه قال ابن حجر لكن له متابع آخر من رواية وضاح بن يحيى عن مندل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة قال ابن حبان وضاح لا يجتمع به يروي أحاديث كلها معمولة ومندل ضعيف الحديث: 1638 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 1639 - (أمرت بقرية) أي أمرني الله بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو باستيطانها إن كان قاله بالمدينة ذكره السمهودي (تأكل القرى) أي تغلبها في الفضل حتى يكون فضل غيرها بالنسبة إليها كالعدم لاضمحلالها في جنب عظيم فضلها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها أو الحرب بأن يظهر أهلها على غيرهم من القرى فيفنون ما فيها فيأكلونه تسلطا عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فاستعير الأكل لافتتاح البلاد وسلب الأموال وجلبها إليه (يقولون يثرب) أي تسميها الناس بذلك باسم رجل من العمالقة نزلها أو غيره وبه كانت تسمى قبل الإسلام (وهي) أي والحال أن اسمها اللائق إنما هو (المدينة) إذ هم كانوا يقولون ذلك والاسم المناسب الحقيق بأن تدعى به هو المدينة فإنها تليق أن تتخذ دار إقامة وأما يثرب فمكروه بما يؤول إليه التثريب. والتثريب الفساد والتوبيخ والملامة قال النووي رضي الله تعالى عنه فيكره تسميتها به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح وتسميتها في القرآن بيثرب إنما هو حكاية قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي (تنفي الناس) أي شرارهم وهمجهم يدل عليه التشبيه بقوله (كما ينفي الكير) فإنه ينفي (خبث الحديد) رديئه والكور بضم الكاف موقد النار من حانوت نحو حداد والكير بالكسر زقه الذي ينفخ فيه والمراد ما بني من طين والخبث يفتحتين ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية وبضم فسكون الشيء الخبيث جعل مثل المدينة وساكنيها مثل الكير ما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب كما كان في زمن عمر رضي الله عنه حيث أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والاحتساب فزعم عياض أن ذا مختص بزمنه غير صواب قيل وفيه أنها أفضل من مكة ورجح واعترض (ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي الحديث: 1639 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 1640 - (أمرت الرسل) الظاهر أن المراد به ما يشمل الأنبياء (أن لا تأكل إلا طيبا) أي حلالا متيقن الحل فلا تأكل [ص: 193] حراما ولا ما فيه شبهة وإن جاز الثاني لغيرهم لأنهم لسمو مقامهم يشدد عليهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا ناظر إلى قوله تعالى {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} (ولا تعمل إلا صالحا) فلا يفعلون غير صالح من كبيرة ولا صغيرة عمدا أو سهوا قبل النبوة أو بعدها لعصمتهم قال حكيم لآخر: أوصني. قال: اعمل صالحا وكل طيبا (ك) في الأطعمة (عن أم عبد الله بنت أوس) الأنصاري (أخت شداد بن أوس) قالت: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره فرد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أنى لك هذا قالت من شاة لي قال أنى لك الشاة قالت اشتريتها من مالي فشرب فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي بأن أبا بكر بن أبي مريم راويه واه انتهى ورواه أيضا الطبراني باللفظ المزبور وفيه أيضا ابن أبي مريم الحديث: 1640 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 1641 - (أمرنا) بالبناء للمفعول أي أنا وأمتي (بإسباغ الوضوء) أي بإكماله على ما شرع فيه من السنن لا إتمام فروضه فإنه غير مخصوص بهم فإن إتمامه على غيرهم أيضا على ما عليه التعويل وما تقرر من أن المأمور هو وأمته هو ما قرره جمع لكن الأوجه أن المراد الأنبياء كما أفصح به في خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي. قال المؤلف في الخصائص: لم يكن الوضوء إلا للأنبياء دون أممهم (الدارمي) في مسنده (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 1641 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 1642 - (أمرنا بالتسبيح في أدبار الصلوات) أي أعقاب الصلوات المفروضة بحيث ينسب إليها عرفا والأمر هنا للندب (ثلاثا وثلاثين تسبيحة) أي قول سبحان الله (وثلاثا وثلاثين تحميدة) أي قول الحمد لله (وأربعا وثلاثين تكبيرة) أي قول الله أكبر بدأ بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص عنه تعالى ثم بالتحميد لتضمنه إثبات الكمال له ثم بالتكبير لإفادته أنه أكبر من كل شيء وإفراد كل من الثلاثة أولى من جمعها وثواب العدد المذكور يحصل وإن زاد عليه على الأصح المنصور (1) (طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن وقال صحيح   (1) فيه زيادة على المشروع وقد قال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد الحديث: 1642 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 1643 - (أمرني جبريل) أي عن الله تعالى (أن) أي بأن (أكبر) أي أن أقدم الأكبر في السن في مناولة السواك وترجم له البخاري " باب دفع السواك إلى الأكبر " وذكر فيه فقيل لي كبر قال شراحه قائل ذلك جبريل عليه السلام وقوله كبر أي قدم الأكبر في السن ورواه في الغيلانيات بلفظ أمرني جبريل أن أقدم الأكابر وخرجه أحمد والبيهقي بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال إن جبريل أمرني أن أكبر وروى أبو داود بإسناد قال النووي صحيح وابن العراقي رد على من نازع الراجح صحته عن عائشة رضي الله عنها أوحي الله إلي في فضل السواك أن أكبر وبذلك يعلم أن حمل التكبير على قول الله أكبر في العيدين غير قويم وفيه أن السن من الأوصاف التي يقدم بها فيستدل به في أبواب كثيرة من الفقه سيما في مورد النص وهو الإرفاق بالسواك ثم يطرد في جميع وجوه الإكرام كركوب وأكل وشرب وانتعال وطيب ومحله ما إذا لم يعارض فضيلة السن أرجح منها وإلا قدم الأرجح كإمامة الصلاة والإمامة العظمى وولاية النكاح وإعطاء الأيمن في الشرب ولا منافاة بين ذلك والحديث لأنه لم يدل على أن السن يقدم به على كل شيء بل إنه شيء يحصل به التقديم قال الحكيم: السواك من حق الأسنان. [ص: 194] لأنه يشد اللثة ويذهب الحفر فأكبرهم سنا أقدمهم خروج أسنان ومن كان أقدم فهو أحق (الحكيم) الترمذي (حل) من حديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن المؤلف لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجب فقد خرجه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور الحديث: 1643 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 1644 - (امسحوا) جوازا (على الخفين) في الوضوء حضرا وسفرا ولو بلا حجة ولم ينسخ ذلك حتى مات وقد بلغت أحاديث المسح التواتر حتى قال الكمال بن الهمام قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر قال ابن تيمية: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي هو عليها بل إن كانت رجلاه في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما وإلا غسل قدميه ولم يلبس الخف قال وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل (والخمار) أي وامسحوا على الخمار أي العمامة كما في النهاية قال: لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يمكنه نزعها كل وقت فتصير كالخفين لكن لا بد من مسح بعض الرأس ثم يكمل عليها. <تنبيه> عدوا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته المسح على الخف (حم) من حديث مكحول بن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل (عن بلال) بن رباح بموحدة مولى أبي بكر قال مكحول: كان الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن فذكر المسح على الخفين فمر بهما بلال المؤذن فسألاه عن ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول فذكره الحديث: 1644 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 1645 - (امسح) ندبا (رأس اليتيم) أل فيه للعهد الذهني على وزان {وأخاف أن يأكله الذئب} والمراد بعض من الحقيقة غير معينة ولهذا كان في المعنى كالنكرة إذ ليس المراد يتيما معينا ولا كل فرد من أفراد اليتامى ولا ذئبا معينا ولا كل ذئب (هكذا إلى مقدم رأسه) أي من المؤخر إلى المقدم (ومن) كان (له أب هكذا إلى مؤخر رأسه) أي من المقدم إلى المؤخر والأمر للندب لا للوجوب كما تقرر (خط) في ترجمة محمد بن سليمان الهاشمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ثم قال الخطيب: لا يعرف لمحمد بن سليمان غير هذا الحديث. وقال ابن القطان: هو محمد بن سليمان عن أبيه عن جده الأكبر ابن عباس وسليمان لا يعرف حاله في الحديث وكان أمير البصرة وجاء في حديث البزار عن ابن عباس أنه وضع كفه على مقدم رأس اليتيم مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه ثم أحدرها إلى مقدم أوائل جبهته ومن كان له أب وضع كفه على مقدم رأسه مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه. ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه لكنه قال إذا لقيتم الغلام يتيما فامسحوا رأسه هكذا إلى قدام فإذا كان له أب فامسحوا رأسه هكذا إلى خلف من مقدمته قال الحافظ العراقي وفيه محمد بن سليمان بن علي ضعيف الحديث: 1645 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 1646 - (أمسك عليك) يا كعب بن مالك الذي جاءنا تائبا معتذرا عن تخلفه عن غزوة تبوك مريدا للانخلاع من جميع ماله صدقة (بعض مالك) وانخلع عن بعضه بأن تتصدق به (فهو خير لك) من التصدق بكله لئلا تتضرر بالفقر وعدم الصبر على الفاقة فالتصدق بجميع المال غير محبوب إلا لمن قوي يقينه كالصديق ومن قاربه ممن له شدة صبر وكمال وثوق وقوة توكل وقليل ما هم فلذلك منع كعبا من التصدق بجميع ماله دون أبي بكر رضي الله عنه وفيه دلالة على صحة التصدق بالمشاع إذ لم يفرق فهو حجة على مانعه (ق 3 عن كعب بن مالك) قلت: يا رسول الله إن من توبتي [ص: 195] أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله فذكره الحديث: 1646 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 1647 - (امش) يعني اذهب وخص المشي لكونه أولى (ميلا) ثلاثة فراسخ (عد مريضا) مسلما (امشي) بدل مما قبله (ميلين أصلح بين اثنين) رجلين أو فئتين يعني حافظ على فعل ذلك ولو كان عليك فيه مشقة كأن يمشي إلى محل بعيد فإنه قربة مؤكدة ينبغي الاعتناء بها لمزيد فضلها (امش ثلاث أميال زر أخا في الله) تعالى وإن لم يكن من النسب وبين به أن الثالث أفضل وأهم وأكد من الثاني وأن الثاني أفضل من الأول والأمر في الكل للندب فالميل للتكثير والمراد امش مسافة طويلة لعيادة المريض وامش ولو ضعفها للصلح وامش ولو ضعفيها للزيارة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر الفرشي (في الكتاب) فضل زيارة (الإخوان عن مكحول) الدمشقي (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجب فقد خرجه البيهقي عن أبي إمامة لكن فيه علي بن يزيد الألهاني قال البخاري منكر الحديث وعمر بن واقد متروك الحديث: 1647 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 1648 - (امشوا أمامي) أي قدامي (خلوا) فرغوا (ظهري للملائكة) ليمشوا خلفي وهذا كالتعليل للأمر بالمشي أمامه وبه يعرف أن غيره من الأمة ليس مثله في ذلك لفقد المعنى المعلل به ومن ثم عد ذلك من خصائصه ولهذا صرحوا بأن الطالب إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل وورائه نهارا إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك لنحو زحمة. قال المؤلف: ومن خصائصه سير الملائكة معه حيث سار يمشون خلف ظهره (ابن سعد) في الطبقات (عن جابر) بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه امشوا إلى آخره ورواه عنه أيضا بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية وقال تفرد به الجارود بن يزيد عن سفيان الحديث: 1648 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 1649 - (امط) أزل ندبا (الأذى عن الطريق) من نحو شوك وحجر وكل ما يؤذي السالك فيه (فإنه لك صدقة) أي تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة فإنه تسبب إلى سلامة من يمر عليه من الأذى فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم الإمساك عن الشر صدقة على النفس فإماطته مندوبة ندبا مؤكدا والظاهر أن المراد الطريق المسلوك أما المهجور فليس مثله في أصل الندب أو تأكده وأنه لو كان الطريق مختصا بنحو قطاع أو حربيين أنه لا يندب فيه ذلك بل لو قيل يطلب أن يلقى فيه ما يؤذي لكان قريبا (خد عن أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة الأسلمي فضلة بن عبيد على الصحيح مات سنة ستين وكذا رواه عنه الديلمي كالطبراني الحديث: 1649 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 1650 - (أمك) (1) قال ابن السيد: سميت أما لأنها أصل الولد وأم كل شيء أصله كما قالوا لمكة أم القرى (ثم أمك ثم أمك) بنصب الميم في الثلاثة أي قدمها في البر يا من جئتنا تسأل عمن تبر أولا. قال الزين العراقي: هذا هو المعروف في الرواية فهو من قبيل {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ويجوز الرفع هنا كما قرئ به ثم لكن يرجح النصب قوله الآتي ثم أباك إلا أن يقال إنه جاء على لغة القصر انتهى. والخطاب وإن كان لواحد لكنه عام وكرره للتأكيد أو إشعارا بأن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما تكابده وتعانيه من المشاق والمتاعب في الحمل والفصال في تلك المدة المتطاولة فهو [ص: 196] إيجاب للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكير لحقها العظيم مفردا إذ لها من الحقوق مالا يقام به كيف وبطنها له وعاء وحجرها له حواء وثديها له سقاء (ثم) قدم (أباك) فهو بعد الأم وقوله ثم أباك قال في الرياض: نصب بفعل محذوف أي ثم برأ أباك قال في رواية ثم أبوك قال: وهذا واضح وقد حكى في الرعاية الإجماع على تقديمها عليه قال ابن بطال: وهذا إذا طلبا فعلا في وقت واحد ولم يمكن الجمع وإلا وجب لأن فضل النصرة أهم ما يجب رعايته بعد فضل التربية (ثم) بعد الأب وأبيه أن علا قدم (الأقرب) منك (فالأقرب) فتقدم الأب فالأولاد فالأخوة والأخوات فالمحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات قال الزين العراقي: وجاء في حديث بعد الأب ثم أختك وأخاك وهل يؤخذ من تقديمه الأخت رجحان حقها في الصلة على الأخ كما ذكر في الأم أو هما سواء وإنما قدمها لمناسبة قوله أمك ثم أباك كل محتمل والأول أقرب وأراد بالبر ترك العقوق وكما أن العقوق له مراتب فالبر كذلك انتهى. ويؤخذ مما تقرر أن الكلام في غير النفقة أما هي فيقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأم ثم الأب <تنبيه> من كلامهم الأب أعرف وأشرف والأم أرحم وأرأف قال في شرح النوابغ: وحكمة كون الأم أشفق على الولد من الأب أن خروج ماء المرأة من قدامها من بين ثدييها قريبا من القلب وموضع المحبة القلب والأب خروج مائه من وراء الظهر قال الإمام المرغيناني: وإنما نسب الولد إلى الأب مع أنه خلق من مائهما لأن ماء الأم يخلق منه الحسن والجمال والسمن والهزال وهذه الأشياء لا تدوم بل تزول وماء الرجل منه العظم والعصب والعروق ونحوها وهي لا تزول في عمره فلذلك نسب إليه دونها. وقال الحكيم: إنما صيرنا الحكم للأب لأن أصل الجسد من مائه لأن العظم والعصب والعروق منه ومن الأم اللحم والدم والشعر والجلد ونحوها والعظم نحوه إذا ذهب ذهب الجسد واللحم كسوة قال تعالى {فكسونا العظام لحما} فلذلك العصوبة والولاية له دونها (حم ت د) كلهم (عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة ابن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم. قال الترمذي: حسن صحيح. (هـ عن أبي هريرة) قال: قلت يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة فذكره وهو في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك   (1) وسببه كما في الترمذي عن بهز بن حكيم قال حدثني أبي عن جدي قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك فذكره وأبر بفتح الهمزة والياء الموحدة وتشديد الراء مع الرفع أي من أحق بالبر الحديث: 1650 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 1651 - (أملك يدك) أي اجعلها مملوكة لك فيما عليك وباله وتبعته واقبضها عما يضرك وابسطها فيما لا ينفعك. قال الطيبي: هذا وما بعده من أسلوب الحكيم سأله رجل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب زيادة في التقرير والتقريع (تخ عن أسود) ضد أبيض (بن أصرم) المحاربي عداده في أهل الشام وروايته فيهم ورواه عنه أيضا الطبراني. قال الهيثمي: وإسناده حسن الحديث: 1651 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 1652 - (أملك عليك) يا من سألت منا النجاة (لسانك) بأن لا تحركه في معصية بل ولا في فيما لا يعنيك فإن أعظم ما تطلب استقامته بهذا القلب اللسان فإنه الترجمان وقد سبق أن اللسان فاكهة الإنسان وإذا تعود اللسان صعب عليه الصبر عنها فبعد عليه النجاة منها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع عن استناده إلى وسادة حرير أو قعوده عليه في نحو وليمة لحظة واحدة ولسانه يفري في الأعراض غيبة ونميمة وتنقيصا وإزراءا ويرمي الأفاضل بالجهل ويتفكه بأعراضهم ويقول على ما لا يعلم وكثيرا ممن نجده يتورع عن دقائق الحرام كقطرة خمر ورأس إبرة من نجاسة ولا يبالي بمعاشرة المرد والخلوة بهم وما هنالك وما هو إلا كأهل العراق السائلين ابن عمر عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين رضي الله تعالى عنه (ابن قانع) أحمد في المعجم (طب عن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل وهو الذي [ص: 197] أجارته أم هانئ يوم الفتح وقيل غيره مات بالشام مرابطا قال قلت يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به فذكره. قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين إحداهما جيد الحديث: 1652 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 1653 - (أملك عليك لسانك) أي احفظه وصنه لعظم خطره وكثرة ضرره. قال ذو النون رضي الله عنه: أصوم الناس لنفسه أملكهم للسانه. وقال ابن مسعود أو عمر: ما على الأرض أحوج إلى طول سجن من اللسان. قال حجة الإسلام رضي الله عنه: معنى حفظ اللسان من الكذب فلا ينطق به في جد ولا هزل لأنه إن نطق به هزل تداعى إلى الجد والخلف بالوعد بل ينبغي أن يكون إحسانك فعلا بلا قول والغيبة فإنها أشد من ثلاثين زنية والمراد الجدال والمنافسة وتزكية النفس واللعن والدعاء على الخلق والمزاح والسخرية والاستهزاء بالخلق ونحو ذلك انتهى. قال بعض الحكماء: لا شيء أحق بالسجن من اللسان وقد جعله خلف الشفتين والأسنان ومع ذلك يكثر القول ويفتح الأبواب (وليسعك بيتك) سيما في زمن الفتن. قال الطيبي: الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على المخاطبة أي تعرض لما هو سبب لزوم البيت من الاشتغال بالله والمؤانسة بطاعته والخلو عن الأغيار (وابك على خطيئتك) أي ذنوبك ضمن بكى معنى الندامة وعداه بعلى أي اندم على خطيئتك باكيا فإن جميع أعضاءك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق ذلق تفضحك به على ملإ من الخلق {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (تتمة) قال في الحكم: ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل فيها ميدان فكره كيف يشرق القلب وصور الأكوان منطبع في مرآته أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته أم كيف يطمع من يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته. <فائدة> قال ابن الحاج: عذل بعضهم عن الانعزال في خلوته فقال: وجدت لساني كلبا عقورا قل أن يسلم منه من خالطه فحبست نفسي ليسلم المسلمون من آفاته (ت) في الزهد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ما النجاة فقال: أملك إلخ وهذا الجواب من أسلوب الحكيم سأل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأولى وكان حق الظاهر أن يقول حفظ اللسان فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب مزيدا للتقرير والاهتمام كذا قاله المصنف تبعا لعبد الحق في أحكامه. قال ابن القطان: وهو خطأ إنما هو عن أبي أمامة وسكت عنه والترمذي إنما قال حسن وهو إلى الضعف أقرب فإنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال في المنار وكلهم متكلم فيه الحديث: 1653 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1654 - (املكوا العجين) أي أنعموا عجنه وأجيدوه (فإنه أعظم للبركة) أي أكثر لزيادة الخير والنمو فيه يقال ملكت العجين وأملكته إذا أنعمت عجنه وأجدته. قال ابن الأثير: أراد أن خبزه يزيد بما يحتمل من الماء بجودة العجن انتهى. وفي رواية ذكرها في النهاية املكوا العجين فإنه أحد الربيعين (عد عن أنس) ظاهر كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة سلامة بن روح الأبلي وقال: قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو زرعة: منكر الحديث الحديث: 1654 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1655 - (أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون) أي هم حافظون عليهم دخول الوقت لأجل الصلاة والصوم فيه فمتى قصروا فيما عليهم من رعاية الوقت بتقدم أو تأخر فقد خانوا ما ائتمنوا عليه من أوقات الصلوات وما يتبعها من وظائف العبادات (هق عن أبي محذورة) الجمحي المكي المؤذن أوس وقيل سمرة الحديث: 1655 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1656 - (أمنع الصفوف) أي أحوطها وأحرزها (من الشيطان) أي من وسوسته (الصف الأول) أي الذي يلي الإمام ولعله لكثرة الملائكة حول الإمام فبذلك يضعف سلطان الشيطان وهذا مسوق للحث على تأكد الاهتمام بإيثاره والمحافظة على ملازمته (أبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن جعفر في الثواب وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سنان قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو داود وابن خراش وقال الدارقطني لا بأس به وحكيم بن سيف قال أبو حاتم صدوق ولا يحتج به ووثق وهشام أبو المقدام قال النسائي وغيره متروك الحديث: 1656 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1657 - (أمنوا) بالتشديد أي قولوا آمين ندبا (إذا قرئ) بالبناء للمفعول وفي نسخة للفاعل أي قرأ الإمام في الصلاة أو قرأ أحدكم خارجها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) أي إذا انتهى في قراءته إلى ذلك وورد في غير ما حديث تعليله بأن الملائكة تؤمن على قراءته فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له (ابن شاهين) عمر (في السنة) أي في كتاب السنة له (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 1657 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1658 - (أميران) تثنية أمير وهو صاحب الأمر والولي وكل من ترغب في مشاورته أو مؤامرته فهو أميرك (وليسا بأميرين) الإمرة المتعارفة وهما (المرأة تحج مع القوم) الحجاج (فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها) واستنبط منه شافعيون أن على أمير الحاج الإمساك عن الرحيل عن مكة لأجل حائض لم تطف للإفاضة ولم ترد الإقامة بمكة. قال المحب الطبري: كالمجموع سكت عنه أصحابنا وهو مذهب مالك ويلزم الجمال حبس الجمال لها أكثر مدة الحيض (والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها) يعني لا ينبغي له أن يرجع حتى يستأذنهم وانتزع منه بعض العلماء أنه لا يجوز له الانصراف بدون إذن ولي الميت وحكى عن مالك وقيده بعض أتباعه بما إذا لم يطل وذهب الجمهور إلى خلافه محتجين بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم جعل لمن لم يشهد الدفن قيراطا فدل على جواز الانصراف قبل الدفن بغير إذن وأقول ما استدلوا به لا ينهض شبهة فضلا عن حجة إذ ليس في خبر القيراط ما يؤذن بأن شرطه أن لا ينصرف إلا بإذن وبفرض تسليمه فالجهة منفكة (المحاملي) بفتح الميم والحاء وسكون الألف وكسر الميم نسبة إلى المحامل التي تحمل الناس في السفر وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي سمع البخاري والدروقي وابن الصباح وخلقا وعنه الطبراني والدارقطني وغيرهما. قال السمعاني: ثقة كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة (في أماليه) الحديثية وكذا البزار وأبو نعيم والديلمي كلهم (عن جابر) قال في الميزان تفرد به عمرو بن عبد الغفار الفقيمي وعمرو متهم بالوضع وقد سرقه آخر من الفقيمي أو الفقيمي سرقه منه وقال ابن القطان عمرو متهم بالوضع وخرجه العقيلي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قال في المطامح: ومداره على أبي سفيان وغيره من الضعفاء الذين لا يحتج بهم الحديث: 1658 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1659 - (إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنا) (1) ظلما يعني سألته أن يقبل توبته فامتنع أشد امتناع قال ذلك (ثلاثا) أي [ص: 199] كرره ثلاث مرات للتأكيد هذا إن كان ثلاثا من لفظ الصحابي فإن كان من الحديث فالمعنى سألته ثلاث مرات فامتنع وفي رواية للخطيب ما يقتضي الأول وهذا يخرج مخرج الزجر والتهويل كأنه علم أن ذلك القاتل ليس ممن أناب حق الإنابة أو المراد من استحل القتل ظلما (حم ن ك عن عقبة بن مالك) الليثي له صحبة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية فقال: إني مسلم فلم ينظر إليه فقتله فنمى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فأتاه القاتل وهو يخطب فقال ما قال الذي قال إلا تعوذا فأعرض ثم أخذ خطبته فقال الثالثة فأقبل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تعرف المساء في وجهه فقال: إن الله إلى آخره قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير بشر بن عاصم الليثي وهو ثقة. وقال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الذهبي في الكبائر على شرط مسلم   (1) [إذ هو كفر كمن استحل شرب الخمر أو منع الزكاة أو ترك الصلاة. دار الحديث] الحديث: 1659 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 1660 - (إن الله أبى لي أن أتزوج) امرأة أو (أزوج) من أهلي امرأة (إلا من أهل الجنة) يعني منعني من مصاهرة من يختم له بعمل أهل النار فيخلد فيها وهذه بشارة جليلة لأصهاره (ابن عساكر) في التاريخ (عن هند بن أبي هالة) التميمي ولد خديجة قتل مع علي رضي الله تعالى عنه يوم الجمل شهد أحدا وغيرها وإسناده ضعيف لكن يعضده خبر الحاكم وغيره سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج مني أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة الحديث: 1660 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 1661 - (إن الله تبارك وتعالى) قال التوربشتي: تبارك تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع وتبارك أي بارك مثل قاتل لكن فاعل يتعدى وتفاعل لا يتعدى ومعناه تعالى وتعظم وكثرت بركاته في السماوات والأرض إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات وذلك تنبيه على اختصاصه سبحانه بالخيرات الإبداعية والبركات المتوالية (اتخذني خليلا) قال الحرالي: من المخاللة وهي المداخلة فيما يقبل التداخل حتى يكون كل واحد خلال الآخر وموقع معناها الموافقة في وصف الرضى والسخط فالخليل من رضاه رضى خليله وفعاله فعاله وهذه رتبة لا تنال بجد ولا اجتهاد (كما اتخذ إبراهيم خليلا) لأن الله تعالى لما علم من كل منهما أحوالا بديعة وأسرارا غريبة عجيبة وصفات قد رضيها أهلهما لمخاللته ومخالطته. قال ابن القيم: وما ظنه بعض المخالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل ومحمد حبيب فمن جهله فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة (وأن خليلي) من البشر (أبو بكر) (1) وأما خبر لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر فقاله قبل العلم وفي رواية لابن ماجه بعد: {كما اتخذ الله إبراهيم خليلا} فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين خليلين وفي رواية للحاكم علي بدل العباس وفي الكل مقال (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال: فيه يحيى الحماني وهو ضعيف وأقول لم أر يحيى في سنده فلعله في محل آخر وإنما رأيت فيه عبيد الله بن زحر ومر أن الذهبي قال له صحيفة واهية   (1) أي الصديق رضي الله عنه فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء الحديث: 1661 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 1662 - (إن الله تعالى) حال لازمة أي متعاليا عما لا يليق بعلى جناب قدسه (أجاركم) حماكم ومنعكم وأنقذكم وحفظكم (من ثلاث خلال) أي خصال: الأولى (أن لا يدعو عليكم نبيكم) كما دعي نوح على قومه (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعا) أي بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء لأمته واختبأ دعوته المجابة لأمته يوم القيامة والثانية (أن لا يظهر) [ص: 200] بضم أوله وكسر ثالثه (أي لا يغلب أهل) دين (الباطل) وهو الكفر وإن كثر أنصاره (على) دين (أهل الحق) وهو الإسلام وإن قلت أعوانه فلا يغلب الحق بحيث يمحقه ويطفىء نوره قال التوربشتي: ولم يكن ذلك بحمد الله مع ما ابتلينا به من الأمر الفادح والمحنة العظمى بتسلط الأعداء علينا ومع استمرار الباطل فالحق أبلج والشريعة قائمة لم تخمد نارها ولم يندرس منارها وقال القاضي: المراد بالظهور الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله بالكلية ولعله أراد به أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا على الدين ولم يكن غرض سواه لم تظفر الكفار على المسلمين انتهى ومن ذهب إلى أن المراد لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق مطلقا يحتاح لحمله على الظهور وكل الظهور وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى إلا الإسلام أو خروج المهدي وقيل المراد إظهار الحق بالحجج والبراهين والقصد أن أهل الباطل وإن ظهروا فمآل أمرهم إلى الأفول والخمول والثالثة (أن لا تجتمعوا على ضلالة) قال الطيبي: حرف النفي في القرائن زائد كقوله تعالى {ما منعك ألا تسجد} وفائدته توكيد معنى الفعل وتحقيقه وذلك لأن الإجارة لا تستقيم إلا إذا كانت الخلال مثبتة لا منفية وفيه أن إجماع أمته حجة وهو من خصائصهم وقضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فهؤلاء أجاركم الله منهن وأن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن منه كالزمكة ويأخذ الكافر فينتفخ والثانية الدابة والثالثة الدجال هكذا ساقه الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر وتبعه الكمال بن أبي شريف مختصره فليعتمد (د) في الفتن وكذا الطبراني وغيره (عن أبي مالك الأشعري) قال في المنار: هذا الحديث منقطع ثم اندفع في بيانه وأطال وقال المناوي: فيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه وقال المنذري أبوه تكلم فيه غير واحد وقال ابن حجر في إسناده انقطاع وله طرق لا يخلو واحد منها من مقال وقال في موضع آخر سنده حسن فإنه من رواية ابن عياش عن الشاميين وهي مقبولة وله شاهد عند أحمد رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسم وقال في تخريج المختصر اختلف في أبي مالك راوي هذا الحديث من هو فإن في الصحب ثلاثة يقال لكل منهم أبو مالك الأشعري أحدهم راوي حديث المعازف وهو مشهور بكنيته وفي اسمه خلف. الثاني الحارث بن الحارث مشهور باسمه أكثر. الثالث كعب بن عاصم مشهور باسمه دون كنيته حتى قال المزني في ترجمته لا يعرف له كنية وتعقب بأن الشيخين والنسائي كنوه وذكر المزي هذا الحديث في ترجمة الثاني. قال الحافظ: وصح لي أنه الثالث لأن ابن أبي عاصم لما خرج الحديث المذكور عن محمد بن عوف قال في سياق سنده عن كعب بن عاصم الأشعري بدل أبي مالك الأشعري فدل على أنه هو إلا أن يكون ابن أبي عاصم تصرف في التسمية بظنه وهو بعيد الحديث: 1662 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 1663 - (إن الله احتجر التوبة) منعها والحجر المنع وفي رواية للبيهقي احتجب وفي رواية له حجب (عن كل صاحب بدعة) وإن كان زاهدا متعبدا فعاقبته خطرة جدا والمراد بالبدعة هنا أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه نظرا وتقليدا فإذا قرب موته فظهرت له ناصية ملك الموت اضطرب قلبه بما فيه وانكشف له بطلان بعض معتقده وكان قاطعا به فيكون سببا لبطلان بقية اعتقاداته أو شكه فيها فإن خرجت روحه قبل أن يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فهو من أهل النيران (ابن فيد) وفي نسخ ابن فيل أي في جزئه كما في الكبير (طب هب والضياء) في المختارة (عن أنس) الحديث: 1663 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 1664 - (إن الله إذا أحب عبدا جعل رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد عليها فيطغيه ولا ينقص عنها فيؤذيه فإن الغنى مبطرة مأشرة والفقر مذلة مأسرة. قال الغزالي رحمه الله تعالى: مر موسى عليه الصلاة والسلام برجل نائم على التراب متوسدا لبنة وهو متزر بعباءة فقال: يا رب عبدك هذا في الدنيا ضائع قال أما علمت أني إذا نظرت إلى عبدي بوجهي كله زويت [ص: 201] عنه الدنيا وقالوا قل من تكثر عليه الدنيا وإلا وتكثر غفلته عن الله لأن العبد كلما كان أكثر حاجة إلى الله كان الحق على باله بخلاف ما لو أعطاه قوت سنة مثلا فإن غفلته تكثر (أبو الشيخ [ابن حبان] ) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفوه وعلي بن هاشم غال في التشيع وعبيد الله بن الوليد ضعفوه الحديث: 1664 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 1665 - (إن الله تعالى) تفاعل من علو القدر والمنزلة هنا وأصل تفاعل التعاطي العقل كتخاشع وكذا تفعل كتكبر وهما في حق الباري تعالى بمعنى التفرد لا بمعنى التعالي ذكره العكبري (إذا أحب إنفاذ) بمعجمة (أمر) أي أراد إمضاءه (سلب كل ذي لب لبه) حتى لا يدرك به مواقع الصواب ويتجنب ما يوقعه في المهالك والأعطاب فهو إشارة إلى أن قضاء الله لا بد من وقوعه ولا يمنع منه عقل ولا غيره (أنشد غلام ثعلب) إذا أراد الله أمرا بامرئ. . . وكان ذا رأي وعقل وبصر. . . وحيلة يعملها في كل ما يأتي به محتوم أسباب القدر. . . أغراه بالجهل وأعمى عينه. . . وسل منه عقله سل الشعر حتى إذا أنفذ فيه حكمه. . . رد عليه عقله ليعتبر (خط) وكذا أبو نعيم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل أعله بلاحق بن حسين وقال إنه يضع وقال في موضع آخر كان كذابا إذ كان يضع الحديث على الثقات ويسند المراسيل انتهى فعزوه له مع حذف ما عقبه به من هذه العلة التي هي أقبح العلل غير صواب الحديث: 1665 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 1666 - (إن الله إذا أراد إمضاء أمر نزع) أي قلع وأذهب (عقول الرجال) أي الكاملين في الرجولية الراسخين في العقل فلذا لم يقل الناس مثلا (حتى يمضي أمره فإذا أمضاه رد إليهم عقولهم) ليعتبروا بهم (ووقعت الندامة) منهم على ما كان فإذا أنت أحكمت باب اليقين وجزمت بأنه لا بد من وقوع القضاء المبرم هان عليك الأمر وارتفعت الندامة ورضيت النفس بما أصابها هذا هو الكمال ومن لم يصل إليه فليستعمل الصبر ويمرن نفسه على الرضى بالقضاء وينتظر وعد الله بأن عليه صلوات من الله ورحمة وفي الصبر خير كثير (تنبيهات) قال بعضهم لا بد للعبد من إسدال الحجاب عليه حتى يقع في المعصية وإلا فعصيانه ربه مع الكشف وشهوده أنه يراه لا يكون أبدا وهذا من رحمته تقدس بعصاة الموحدين فإن مجاهرة الحق بمحرم مع شهود أنه يراه قلة احترام للجناب الإلهي يوجب تشديد العقاب <فائدة> سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الهدهد كيف ينظر الماء تحت الأرض ولا يرى الفخ تحت التراب قال إذا جاء القضاء عمي البصر فصار ذلك من الأمثال عند العرب (أبو عبد الرحمن السلمي في) كتابه (سنن الصوفية) الذي وضعه لهم (عن جعفر بن محمد) الصادق وأمه فروة بنت القاسم بن محمد وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فكان يقول ولدني الصديق مرتين وثقه ابن معين وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ما رأيت أفقه منه (عن أبيه) محمد الصادق (عن جده) وسبق عن الخطيب أن السلمي هذا وضاع لكن فيه نزاع الحديث: 1666 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 1667 - (إن الله تعالى إذا أنزل سطواته) جمع سطوة (1) قهره وشدة بطشه وفي رواية ابن حبان سطوته بالإفراد (على أهل نقمته) أي المستوجبين لها (فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ثم يبعثون على) حسب (نياتهم وأعمالهم) [ص: 202] أي بعث كل واحد منهم على حسب أعماله من خير وشر فإن كانت نيته وعمله صالحة فعقباه صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق فالصالح ترفع درجاته والطالح تسفل دركاته فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب والعقاب بل يجازى كل واحد بعمله على حسب نيته ومن الحكم العدل أن أعمالهم الصالحة إنما يجازون عليها في الآخرة أما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء فهو تكفير لما قدموه من عمل سيء والنقمة عقوبة المجرم والفعل من نقم بالفتح والكسر ذكره القاضي وذهب ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اه. وذهب بعضهم إلى التعميم تمسكا بآية {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} وأخذ منه مشروعية الهرب من الكفار والظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس في التهلكة (هب عن عائشة) وهو صحيح ورواه عنها أيضا ابن حبان في صحيحه بلفظ إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم   (1) يقال سطا عليه يسطو سطوا قهره وأذله وهو البطش بشدة اه الحديث: 1667 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 1668 - (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة) وهي كل ملائم تحمد عاقبته كما سبق (يحب أن يرى أثر النعمة عليه) لأنه إنما أعطى عبده ما أعطاه ليبرزه إلى جوارحه ليكون مهابا بها مكرما فإذا منعه فقد ظلم نفسه وضيعها (ويكره البؤس) وهو شدة الحال والفاقة والذلة (والتباؤس) إظهار الفقر وشدة الحاجة (ويبغض السائل الملحف) أي الملازم الملح (ويحب الحيي العفيف) أي المنكف عن الحرام والسؤال للناس (المتعفف) أي المتكلف العفة قال الحرالي: التعفف تكلف العفة وهو كف ما يبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه وفيه أنه يندب لكل أحد بل يتأكد على من يقتدي به تحسين الهيئة والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بجميع أنواعه لكن التوسط نوعا من ذلك بقصد التواضع لله تعالى أفضل من الأرفع إلا إن قصد به إظهار النعمة والشكر عليها كما اقتضاه هذا الحديث والتوسعة على العيال لكن بغير تكلف كقرض لحرمته على فقير جهل المقرض إلا إذا كان له ما يتيسر الوفاء منه إذا طولب (هب عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب إسناده جيد الحديث: 1668 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 1669 - (إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى) أي أعلم ملائكته فيثنون عليه ثم يقذف ذلك في قلوب أهل الأرض فيثنون (عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله) يعني أنه يقدر له التوفيق لفعل الخير في المستقبل ويثني عليه به قبل صدوره منه بالفعل. قال في الكشاف في تفسير {ولينصرن الله من ينصره} وعن عثمان هذا والله ثناء قبل بلاء يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا. إلى هنا كلامه وقال الصوفية الجناية لا تضر مع العناية وفي تفسير البغوي أن داود عليه السلام سأل الله أن يريه الميزان فأراه كل كفة كما بين المشرق والمغرب فقال: يا رب ومن يستطيع يملأ هذه حسنات؟ فقال: يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأتها بتمرة (وإذا سخط على العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الشر لم يعمله) هذا ينبئك بأن الثناء من الله على عبده بسريرته فيما بينه وبينه وبما قسم له بعد لأن الخلق إنما عاينوا علانية والحق يثني عليهم بما غاب عنهم وبما [ص: 203] سيكون منه وإنما يثني عليه بأضعاف ما لم يعمله لما سيكون منه وذلك لأنه كما بين الرزق تفاوت في القسمة بين الثناء والثناء فقسمة الرزق على التدبير في الظاهر وقسمة الثناء ومقابلة على منازل العباد عند خالقهم في الباطن قال ابن أقبرس: الثناء أعم من المدح والحمد ومقتضاه كونه ذكرا لسانيا كالمدح والحمد أو لسانيا وخارجيا كالشكر وكل ذلك محال عليه تعالى فالثناء منه بضرب تجوز وفيه حجة لمن قال إن الثناء استعمل في الخير والشر (تتمة) قال الدقاق رحمه الله تعالى: مر بشر بجمع من الناس فقالوا هذا رجل لا ينام الليل ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة فبكى وقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة ولا صمت يوما لم أنظر من ليلته ولكن الله يلقي في القلوب أكبر مما يفعله العبد تفضلا وتكرما (حم حب) وكذا أبو يعلى (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح الحديث: 1669 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 1670 - (إن الله إذا قضى على عبد قضاء) أي مبرما من سعادة أو شقاوة (لم يكن لقضائه مرد) أي راد يعني ليس هم كملوك الدنيا بحال بينهم وبين بعض ما يريدونه لشفاعة أو غيرها فمن قضى له بالسعادة فهو من أهلها وبالشقاوة فمن أهلها لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهو القادر على كل شيء وغيره عاجز عن كل شيء وأما خبر الدعاء يرد القضاء فمحله في غير السعادة والشقاوة وهو الذي قيل فيه للمصطفى صلى الله عليه وسلم {ليس لك من الأمر شيء} <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه: القدرة من شرطها الإيجاد إذا ساعدها القضاء والإرادة فإياك والعادة وكلما أدى إلى نقص الألوهية مردود ومن جعل في الوجود الحادث ما ليس بمراد الله فهو عن المعرفة مردود مطرود وباب التوحيد في وجهه مسدود (ابن قانع) في معجمه (عن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة (ابن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم وقيل بفتح المهملة وكسر الميم الكندي الشامي قال في الكاشف مختلف في صحبته وجزم ابن سعد بأن له وفادة وهو ضعيف مات بصفين الحديث: 1670 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 1671 - (إن الله إذا أراد بالعباد نقمة) بكسر أوله عقوبة (أمات الأطفال وعقم النساء) أي منع المني أن ينعقد في أرحامهن ولذا قال في الصحاح: أعقم الله رحمها فعقمت إذا لم تقبل الولد ورحم معقومة أي مسدودة لا تلد (فتنزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم) لأن سلطان الانتقام إذا ثار حنت الرحمة في محلها بين يدي الله تعالى حنين الوالهة فتطفئ تلك الثائرة فإذا لم يكن فيهم مرحوم ثار السلطان بالعقوبات واعتزلت الرحمة فحلت بهم النقمة فافهم أسرار كلام الشارع (1) . وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر بمعناه من غير عزو ثم قال: ليس له أصل وعموم حديث مسلم الآتي العجب أن ناسا من أمتي إلخ يرده وقد شوهدت السفينة ملآى من رجال ونساء وأطفال تغرق فيهلكون جميعا ومثله الدار الكبيرة تحترق والرفقة الكثيرة يخرج عليها القطاع فيهلكون جميعا أو أكثرهم والبلد تهجمها الكفار فيبذلون السيف في المسلمين وقد وقع ذلك من الخوارج فالقرامطة فالتتر والله المستعان. إلى هنا كلامه. ومما يقوي ما رواه خبر البخاري أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث (الشيرازي في) كتاب (الألقاب له عن حذيفة) بن اليمان (وعمار بن ياسر معا) دفع به توهم أنه عن واحد منهما على الشك   (1) فينبغي التلطف بالأطفال والشفقة عليهم فإن دعت الحاجة إلى التأديب فالتأديب أولى من تركه اه الحديث: 1671 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 1672 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يهلك عبدا) من عباده (نزع منه الحياء) منه تعالى أو من الخلق أو منهما جميعا (فإذا [ص: 204] نزع منه الحياء لم تلقه) أي لم تجده (إلا مقيتا) فعيل بمعنى فاعل أو مفعول من المقت وهو أشد الغضب (ممقتا) بالتشديد والبناء للمجهول أي مبغوضا بين الناس كثيرا مغضوبا عليه عندهم وحاصله يبغض الناس ويبغضونه جدا (فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا) أي إلا موسوما بذلك (نزعت منه الأمانة) وأودعت فيه الخيانة (فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا) فيما جعل أمينا عليه (مخونا) بالتشديد والبناء للمجهول أي منسوبا إلى الخيانة بين الناس محكوما له بها عندهم إذا صار بهذا الوصف (نزعت منه الرحمة) التي هي رقة القلب والعطف على الخلق (فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما) أي مطرودا وأصل الرجم الرمي بالحجارة فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم (ملعنا) بضم الميم وفتح اللام والتشديد أي مطرودا عن منازل الأخيار ودرجات الأبرار أو يلعنه الناس كثيرا وإذا صار كذلك (نزعت منه ربقة الإسلام) بكسر الراء وقد تفتح وسكون الموحدة التحتية أصلها عروة في حبل يجعل في عنق الدابة يمسكها استعير للإسلام يعني ما يشد به نفسه من عرى الإسلام أي ما حدوده وأحكامه قال الحكيم: بين به أن الحجاب الأعظم حجاب الحياء وتلك الحجب فروعه انتهى وبه عرف أن الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن لا حياء ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال ومن ثم ورد في خبر إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي: أي حياء مذموما (هـ عن ابن عمر) ابن الخطاب وضعفه المنذري الحديث: 1672 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 1673 - (إن الله تعالى إذا أحب عبدا) أي رضي عنه وأراد به خيرا وهداه ووفقه (دعا جبريل) أي أذن له في القرب من حضرته (فقال) له (إني أحب فلانا فأحببه) أنت يا جبريل وهو بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة على الفك (فيحبه جبريل) فالضمير في نادى إلى الله تعالى يعني إذا أراد الله تعالى إظهار محبة عبد يعلمها أولا (ثم ينادي) أي جبريل (في السماء) أي في أهلها (فيقول إن الله) وفي رواية بدون يقول وعليها هو بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين على أن في النداء معنى القول (يحب فلانا فأحبوه) بتشديد الموحدة أنتم (فيحبه أهل السماء) أي الملائكة (ثم يوضع له القبول في) أهل (الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم ذكره الزمخشري. قال بعضهم: وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه: وإذا وقع النداء بمحبته قبلته جميع البواطن وإن أنكرته الظواهر من بعض الناس فلأغراض قامت بهم وهم في هذا كسجودهم لله كل من في العالم ساجد وكثير من الناس ما قال كلهم وهكذا حال هذا العبد تحبه بقاع الأرض كلها وجميع ما فيها وكثير من الناس على أصلهم في السجود لله تعالى وفي تاريخ الخطيب في ترجمة خير النساج عنه إذا أحبك ذلك وعافاك وإذا أحببته أتعبك وأبلاك. قال ابن الأثير: والقبول بفتح القاف المحبة والرضى بالشيء وميل النفس إليه. قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: لا تستبعد رضى الله عن العبد مما يغضب به على غيره ألا ترى إلى قول موسى عليه [ص: 205] الصلاة والسلام {إن هي إلا فتنتك} {ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون} وهذا من غير موسى عليه السلام من سوء الأدب لكن من أقيم مقام الأنس يتلاطف ويحتمل ولم يحتمل من يونس عليه الصلاة والسلام ما دون ذلك لكونه أقيم مقام القبض والهيبة فعوقب بما عوقب به وذلك الاختلاف إما لاختلاف المقامات أو لما سبق في الأزل من التفاضل. وانظر كيف احتمل إخوة يوسف عليه السلام ما فعلوه بيوسف عليه السلام ولم يحتمل للعزيز كلمة واحدة سأل عنها في القدر وكان بلعم بن باعوراء من أكابر العلماء فأكل الدنيا بالدين فلم يحتمل له ذلك وكان آصف من المسرفين فعفى عنه أوحى الله إلى سليمان عليه الصلاة والسلام يا رأس العابدين ويا محجة الزاهدين إلى كم يعصيني ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه لئن أخذته لأتركنه مثلة لمن معه ونكالا لمن بعده فخرج آصف حتى علا كثيبا ثم رفع رأسه وقال إلهي وسيدي أنت أنت وأنا أنا فكيف أتوب إن لم تتب علي وكيف أعتصم إن لم تعصمني فأوحى الله إليه صدقت يا آصف قد تبت عليك وأنا التواب الرحيم. قال الغزالي رضي الله عنه: هذا كلام مدل به عليه وهارب منه إليه فهذه سنة الله في عباده بالتقديم والتأخير على ما سبقت به المشيئة الأزلية (وإذا أبغض عبدا) أي أراد به شرا أو أبعده عن الهداية (دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل) يحتمل أن يريد عدم استغفاره له وعدم دعائه له ويحتمل إرادة المعنى الحقيقي وهو عدم الميل القلبي والنفرة منه (ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض) أي فيبغضه أهل الأرض جميعا فلا تميل إليه قلوبهم بل تميل عنه وينظرون إليه بعين النقص والإزراء وتسقط مهابته من النفوس وإعزازه من الصدور من غير صدور إيذاء منه لهم ولا جناية عليهم. وقيل: إن بغضه يلقى في الماء فلا يشربه أحد إلا أبغضه (1) <تنبيه> قال في الحكم: إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق العمل فيك ونسبه إليك لا نهاية لمذامك إذا أرجعك إليك ولا تفرغ مدابحك إن أظهر جوده عليك لو أنك لا تصل غليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبدا إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه (م) في الأدب (عن أبي هريرة) زاد الطبراني ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {سيجعل لهم الرحمن ودا} ورواه البخاري بدون ذكر البغضاء   (1) قال العلماء محبة الله لعبده إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وبغضه إرادته عقابه وشقاوته ونحوه وجب جبريل والملائكة يحتمل وجهين أحدهما استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم له والثاني أنه على ظاهره المعروف من الخلق وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب ذلك كونه مطيعا لله محبوبا له ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه الحديث: 1673 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 1674 - (إن الله إذا أطعم نبيا طعمة) بضم الطاء وسكون العين المأكلة يقال جعلت هذه الضيعة طعمة فلان والطعمة أيضا وجه المكسب يقال فلان عفيف الطعمة وخبيث الطعمة إذا كان رديء الكسب وأما ضبط الكمال ابن أبي شريف رضي الله تعالى عنه الطعمة هنا بكسر الطاء وسكون العين وفتح الميم فلا يظهر وجهه وزاد في رواية بعد قوله طعمة ثم قبضه والمراد هنا الفيء ونحوه (فهي للذي يقوم) بالخلافة (من بعده) أي يعمل فيها ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعمل لا أنها تكون له ملكا كما ظن فلا تناقض بينه وبين خبر ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي صدقة ذكره ابن جرير. قال: وفيه أن من كان مشتغلا بشيء من مصالح المسلمين كعالم وقاض وأمير له أخذ الرزق من الفيء على اشتغاله به وأنه مع ذلك مأجور وفيه رد على من حرم على القسام آخذ الأجر انتهى. وقال ابن حجر: تمسك بالحديث من قال إن سهم المصطفى صلى الله عليه وسلم يصرفه له والفاضل يصرفه في المصالح وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه [ص: 206] يصرف للمصالح وهو لا ينافي ما قبله وقال مالك يجتهد فيه الإمام وأحمد يصرف في الخيل والسلاح وفي وجه يرد إلى الأربعة قال ابن المنذر: كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي رضي الله تعالى عنه وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يرد مع سهم القربى إلى الثلاثة (د) وكذا أحمد وكأنه أهمله لذهول فإنه محافظ على العزو له وتقدمه فيه حتى على الشيخين من طريق أبي الطفيل (عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال أبو الطفيل: أرسلت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله قال: لا بل أهله قالت: فأين سهمه قال: سمعته يقول فذكره قال ابن حجر رحمه الله: فيه لفظة منكرة وهي قوله بل أهله فإنه معارض للحديث الصحيح أنه قال لا نورث انتهى وقال في تخريج المختصر: رجاله ثقات أخرج لهم مسلم لكنه شاذ المتن لأن ظاهره إثبات كون النبي صلى الله عليه وسلم يورث وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة انتهى وفيه محمد بن فضيل أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به وقال أبو حاتم كثير الخطأ والوليد بن جميع قال ابن حبان فحش تفرده فبطل الاحتجاج به الحديث: 1674 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 1675 - (إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة) قال ابن الكمال: إذا ذكر الرحمة خصوصا في مقابلة الهلاك يراد بها الإمهال والتأخير والأمة في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة ولهذا قال (من عباده) جمع عبد وهو الإنسان (قبض نبيها) أي أخذه بمعنى توفاه قال في الأساس: ومن المجاز قبض فلان إلى رحمة الله تعالى. قال المولى ابن الكمال: وتقدير المضاف هنا من ضيق العطن (قبلها) أي قبل قبضها (فجعله لها فرطا) بفتحتين بمعنى الفارط المتقدم إلى الماء ليهيء السقي في القاموس يقال للواحد والجمع وما تقدمك من أجر وعمل قال التلمساني: السابق ليزيل ما يخاف منه ويأخذ الأمن للمتأخر الطيبي يريد أنه شفيع يتقدم قال بعض المحققين: والظاهر منه المرجو أن له صلى الله عليه وسلم شفاعة ونفعا غير مأمنه يوم القيامة فإنها لا تتفاوت بالموت قبل أو بعد ولأن الفرط يهيء قبل الورود يؤيده ما نقل من حضوره عند الموت والميت ونحوه وإن احتمل أن يكون المراد يوم القيامة ولا خفاء في أن قوله فجعله إلخ إشارة إلى علة التقدم فما قيل من أنهم إذا ماتوا انقطع عملهم أو الخير في بقائهم نسلا بعد نسل مستغنى عنه مع أن فيه ما فيه (وسلفا بين يديها) وهو المقدم وكل عمل صالح قدمته أو الفرط والمقدم من الآباء والأقرباء كذا في القاموس قال البعض وهو من عطف المرادف أو أعم وفائدة التقديم الإنس والاطمئنان وقلة كربة الغربة ونحو ذلك إذا بلغت بلدا مخوفا ليس لك بها أنيس وقيل الأجر لشدة المصيبة وقد ظهر أن الاقتصار على الأجر المذكور من القصور انتهى وفي الكشاف في تفسير {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منها توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوزه وداناه قال ابن الكمال: وقد جرت هذه العبارة هنا على سنن ضرب من المجاز وهو الذي يسميه أهل اللسان تمثيلا (وإذا أراد هلكة أمة) بفتح الهاء واللام هلاكها (عذبها ونبيها حي) أي وهو مقيم بين أظهرها قيدها في قيد الحياة (فأهلكها) الفاء للتعقيب (وهو ينظر) أي والحال أن نبيها ينظر إلى إهلاكهم قال الجوهري: النظر تأمل الشيء بالعين (فأقر عينه) الفاء للتفريع أي فرحه الله وبلغه الله أمنيته. وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد فيقر (بهلكتها) في حياته (حين كذبوه) في دعواه النبوة والرسالة (وعصوا أمره) بعدم إتباع ما جاء به عن الله وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة [ص: 207] لأنه يكون مصيبة عظيمة لهم ثم يتمسكون بشرعه بعده فتضاعف أجورهم وأما هلكة الأمة قبل نبيها فإنما يكون بدعائه عليهم ومخالفتهم أمره كما فعل بقوم نوح عليه السلام فالمراد من الأمة الأولى أمة الإجابة وبالثانية أمة الدعوة وفيه بشرى عظيمة لهذه الأمة حيث كان قبضه رحمة لهم كما كان بعثه كذلك (م) في فضائل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (عن أبي موسى الأشعري) قال القرطبي وغيره وهذا من الأربعة عشر حديثا المنقطعة (1) الواقعة في مسلم لأنه قال في أول سنده حدثنا عن أبي أسامة   (1) قلت وليس هذا حقيقة الانقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرغباني قال ثنا إبراهيم بن سعد الجوهري هذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده الحديث: 1675 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 1676 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق) وفي نسخة يجعل (عبدا للخلافة) هي المرتبة التي يصلها من يقوم مقام الذاهب أي من تقدمه (مسح يده على جبهته) يعني ألقى عليه المهابة والقبول ليتمكن من إنفاذ الأوامر ويطاع فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل التهيء لمراتب الاستعداد وإيداع القابل فيه من رب العباد محال فمسح الجبهة كناية عن ذلك. قال الراغب: والخلافة والنيابة عن الغير لغيبة المنوب عنه أو موته أو عجزه أو تشريف المستخلف وعلى الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض (خط عن أنس) قضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه وهو تلبيس فاحش فإنه خرجه وأعله فقال عقبة مغيث بن عبد الله أي أحد رجاله ذاهب الحديث انتهى الحديث: 1676 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 1677 - (إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح يده على ناصيته) أي مقدم رأسه ولفظ رواية الحاكم مسح على ناصيته بيمينه (فلا تقع عليه عين) أي لا تراه عين إنسان (إلا أحبته) وفي نسخة أحبه بالتذكير على إرادة صاحبها ومن لازم محبة الخلق له امتثال أوامره وتجنب نواهيه وتمكن هيبته من القلوب وإجلاله في الصدور. ثم إن بعضهم قد حمله على ظاهر هذا الخبر فحمل الخليفة على الإمام والذي عليه أهل الحقيقة أن المراد به القائم بالحجة من أهل علم الظاهر والباطن أي ظهر بأسماء الحق على تقابلها قال ابن عطاء الله: من أراد الله به كونه داعيا إليه من أوليائه فلا بد من إظهاره للعباد ثم لا بد أن يكسوه الحق كسوتين الجلالة والبهاء فالجلالة لتعظمه العباد فيقفوا على حدود الأدب ويمتثلوا أمره ونهيه ويقوموا بنصره والبهاء ليجملهم في قلوب عباده فينظرون إليهم بعين المحبة ليبعث الهمم على الانقياد إليهم {وألقيت عليك محبة مني} ثم إن العالم وإن كان مشحونا بالعلوم والمعارف لا يقبل كلامه إلا إن أذن الله له في الكلام فإذا أذن له فيه بهت في مسامع الخلق عبارته وجلت إشارته وخرج كلامه وعليه كسوة وحلاوة ومن لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى أن الرجلين ليتكلمان بالكلمة الواحدة فيقبل من أحدهما ويرد على الآخر <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله عنه: إذا أعطي الإنسان التحكم في العالم فهي الخلافة فإذا شاء تحكم وظهر كعبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وإن شاء سلم وترك التصرف لربه في عباده مع التمكن منه كابن شبل رضي الله عنه إلا أن يقترن به أمر إلهي كداود عليه الصلاة والسلام فلا سبيل إلى رد الأمر وكعثمان رضي الله عنه الذي لم يخلع ثوب الخلافة حتى قتل لعلمه بما ألحق فيه ونهي المصطفى صلى الله عليه وسلم له عن ذلك وحينئذ يجب الظهور ولا يزال مؤيدا ومن لم يؤمن به فهو مخير إن ظهر ظهر بحق وإن استتر استتر بحق والستر أولى وفي هذه الدار إعلاء فمن أمر بالظهور فهو كالرسول وغيره كالنبي (ك) عن أبي بكر بن أبي دارم عن محمد بن هارون عن موسى بن عبد الله الهاشمي عن يعقوب بن جعفر عن أبيه عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ثم قال [ص: 208] الحاكم رواته هاشميون معروف بشرف الأصل. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الأطراف إلا أن شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ الحديث: 1677 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 1678 - (إن الله تعالى إذا أنزل عاهة) أي بلاء (من السماء) أي من جهتها (على أهل الأرض) أي ساكنيها من إنس وجن وغيرهما (صرفت) بالبناء للمفعول أي صرفها الله (عن عمار المساجد) قال الحكيم: ليس عمارها كل من أنفق على مسجد فبناه أو من رمه بل من عمرها بذكره (1) وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله أما من عمرها وهو منكب على دنياه معرض عن خدمة مولاه فلا يستحق هذا الإكرام نفسه فضلا عن الدفع عن غيره لآجله وإن عمر ألف مسجد قال القاضي: عامر كل شيء حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال ومنه سمي الساكن والمقيم في البلد عامرا يقال عمرت المكان إذا أقمت فيه وسمي زوار البيت عمارا (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وكذا رواه عنه في النوادر   (1) كصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومذاكرة علم قال بعضهم: ويؤخذ منه أن من عمل صالحا فقد أحسن إلى جميع الناس أو سيئا فقد أساء إلى جميعهم لأنه تسبب في نزول البلاء والبلاء عام والرحمة خاصة الحديث: 1678 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 1679 - (إن الله تعالى إذا غضب على أمة ولم ينزل بها) أي والحال أنه لم ينزل بها (عذاب خسف) بالإضافة أي ولم يعذبها بالخسف بها ومن زعم أن المراد بالخسف هنا النقصان والهوان فقد خالف الظاهر (ولا مسخ) أي ولم يعذبها بمسخ صورها قردة أو خنازير أو نحوهما (غلت أسعارها) أي ارتفعت أسعار أقواتها أي (ويحبس) أي يمسك ويمنع (عنها أمطارها) فلا يمطرون وقت الحاجة إلى المطر (ويلي عليها أشرارها) أي يؤمر عليه أشرهم سيرة وأقبحهم سريرة فيعاملونهم بالظلم والجور والعسف والقسوة والفظاظة والغلظة. قال القاضي: والمراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنيهما (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه الديلمي بأوضح من هذا ولفظه إن الله تعالى إذا غضب على أمة ثم لم ينزل عليها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارتها وحبس عنها أمطارها ولم تغزر أنهارها ولم تربح وسلط عليها أشرارها اه الحديث: 1679 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 1680 - (إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك) أي عن عظمة جثة ديك من خلق الله تعالى يعني عن ملك في صورة ديك وليس بديك حقيقة كما يصرح به قوله في رواية إن لله تعالى ملكا في السماء يقال له الديك إلخ (قد مرقت رجلاه الأرض) أي وصلتا إليها وخرقتاها من جانبها الآخر قال في الصحاح مرق السهم خرج من الجانب الآخر (وعنقه مثنية تحت العرش) أي عرش الإله (وهو يقول) أي هجيراه وشعاره قوله (سبحانك ما أعظمك) زاد في رواية الطبراني ربنا (فيرد عليه) أي فيجيبه الله الذي خلقه بقوله (لا يعلم ذلك) أي لا يعلم عظمة سلطاني وسطوة انتقامي (من حلف بي كاذبا) (1) فإنه لو نظر إلى كمال الجلال وتأمل بعين بصيرته في عظم المخلوقات الدالة على عظم الخالق لم [ص: 209] يتجرأ على اسمه ويقسم به على خلاف الواقع فالجرأة على اليمين الكاذبة إنما تنشأ عن كمال الجهل بالله تعالى ومن ثم كانت اليمين الغموس من أكبر الكبائر وإن كانت على قضيب من أراك (أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن محمد بن العباس عن الحسن بن الربيع عن عبد العزيز بن عبد الوارث عن حرب (طس) عن محمد بن العباس عن الفضل بن سهل عن إسحاق السلولي عن إسرائيل عن معاوية عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة (ك) في الأيمان من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني رجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد بن العباس بن سهل الأعرج لم أعرفه وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح ولم يستثن   (1) فأزجر شيء وأمنعه عن اليمين الكاذبة استحضار هذا الحديث الحديث: 1680 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 1681 - (إن الله استخلص هذا الدين لنفسه) وناهيك به تفخيما لرتبة دين الإسلام فهو حقيق بالإتباع لعلو رتبته عند الله في الدارين (ولا يصلح لدينكم إلا السخاء (1)) بالمد الكرم فإنه لا قوام لشيء من الطاعات إلا به (2) (وحسن الخلق) بالضم السجية والطبع (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فزينوا) من الزين ضد الشين (بهما دينكم) زاد في رواية ما صحبتموه فالسخاء السماح بالمال وحسن الخلق السماح بالنفس فمن سمح بهما أصغت إليه القلوب ومالت إليه النفوس وتلقت ما يبلغه عن الله. قال الزمخشري: معنى ذلك أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشا رافقا كما قال تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} والمعرض عن الدين مسبول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى ازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحالته مظلمة اه. وقال الحكيم: الإسلام بني اسمه على السماحة والجود لأن الإسلام تسليم النفس والمال لحقوق الله وإذا جاء البخل فقد ذهب بذل النفس والمال ومن بخل بالمال فهو بالنفس أبخل ومن جاد بالنفس فهو بالمال أجود فلذلك كان البخل يمحق الإسلام ويبطله ويدرس الإيمان وينكسه لأن البخل سوء ظن بالله وفيه منع لحقوقه وعليه الاعتماد دون الله ولذلك جاء في خبر ما محق الإسلام محق البخل شيء قط وكما أن في السخاء الخير كله ففي البخل الشر كله قال الحرالي: كل ما اجتمعت فيه استقباحات الشرع والعقل والطبع فهو فحش وأعظمها البخل الذي هو أدوأ داء وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة ويلازمه ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله (3) (طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك اه وله طرق عند الدارقطني في المستجاد والخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد وغيره أمثل من هذا الطريق وإن كان فيها أيضا لين كما بينه الحافظ العراقي فلو جمعها المصنف أو آثر ذلك لكان أجود   (1) أي التلطف بالناس والرفق بهم وتحمل أذاهم وكف الأذى عنهم (2) وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا والثانية سخى من باب تعب والثالثة سخو من باب قرب (قال في ذيل لب الألباب في الأنساب الحرالي بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبعد الألف لام نسبة إلى حرالة من أعمال مرسية بالأندلس منها أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن المفسر وفي القاموس حرالة مشدد اللام بلد بالمغرب أو قبيلة بالبربر منها علي بن أحمد بن الحسن ذو التصانيف المشهورة وفي تفسير البقاعي: الحرالي بمهملتين مفتوحتين ومد وتشديد اللام اه وقد سبق أن كتب " الحراني " في بعض مواضع تقدمت وهو خطأ والصواب " الحرالي " باللام اه الحديث: 1681 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 [ص: 210] 1682 - (إن الله اصطفى) اختار واستخلص (كنانة) بكسر الكاف عدة قبائل أبوهم كنانة بن خزيمة (من ولد إسماعيل) فيه فضل إسماعيل عليه السلام على جميع ولد إبراهيم عليه السلام حتى إسحاق عليه السلام ولا يعارضه {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وفي الروض الأنور كان لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ستة بنين سوى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام وعبر هنا بولد وفيما يجيء بلفظ نبي: إشعارا بأنه أفضل الأفضل لأن لفظ نبي مختص بالذكور بخلاف الولد ومن ثم لو أوصى لولده دخل البنات ولبنيه لا (واصطفى قريشا من كنانة) لأن أبا قريش مضر بن كنانة. قال ابن حجر: وهذا ذكره لإفادة الكفاءة والقيام بشكر النعم ونهيه عن التفاخر بالآباء موضعه مفاخرة تفضي لتكبر أو احتقار مسلم (واصطفى من قريش بني هاشم) وهاشم هو ابن عبد مناف (واصطفاني من بني هاشم) فإنه محمد بن عبد الله بن الله بن عبد المطلب بن هاشم ومعنى الاصطفاء والخيرة في هذه القبائل ليس باعتبار الديانة بل باعتبار الخصال الحميدة وفيه أن غير قريش من العرب ليس كفؤا لهم ولا غير بني هاشم كفؤا لهم أي إلا بني المطلب وهو مذهب الشافعية. قال ابن تيمية: وقد أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم وأن قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الناس نفسا ونسبا وليس فضل العرب فقريش فبني هاشم بمجرد كون النبي منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور (م ت) في المناقب عن (واثلة) ابن الأسقع ولم يخرجه البخاري وخرجه عنه أبو حاتم وغيره قال ابن حجر: وله طرق جمعها شيخنا العراقي في محجة القرب في محبة العرب الحديث: 1682 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 1683 - (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم) وكانوا ثلاثة عشر (إسماعيل) إذ كان نبيا رسولا إلى جرهم وعماليق الحجاز (واصطفى من ولد إسماعيل كنانة) بن ثابت (واصطفى من كنانة قريشا) بن النضر (واصطفى من قريش بني هاشم) فهو أفضلهم وأخيرهم (واصطفاني من بني هاشم) (1) . فأودع ذلك النور الذي كان في جبهة آدم عليه السلام في جبهة عبد المطلب ثم ولده وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية. واعلم أن بني إسماعيل بالأخلاق الكرام فضلوا لا باللسان العربي فحسب إذ هم أزكى الناس أخلاقا وأطيبهم نفسا يدل عليه دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال {واجعلنا مسلمين لك} ثم قال {ومن ذريتنا} فإنما سأل في ذرية إسماعيل خاصة. ألا ترى لتعقيبه بقوله {وابعث فيهم رسولا منهم} <تنبيه> قال ابن تيمية: قضية الخبر أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق ومعلوم أن ولد إسحاق وهم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بالأولى وهذا جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل عليه السلام هو المصطفى من ولد إبراهيم وأن بني كنانة هم المصطفون من بني إسماعيل وليس فيه ما يقتضي أن ولد إسماعيل أيضا مصطفون على غيرهم إذا كان [ص: 211] أبوهم مصطفى وبعضهم مصطفى على بعض فيقال لو لم يكن ذا مقصود لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل فائدة إذ كان اصطفاؤه لم يدل على اصطفاء ذريته إذ على هذا التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحاق (ت) في المناقب (عن واثلة) بن الأسقع ثم قال الترمذي حديث صحيح   (1) وبالمصطفى شرفت بنو هاشم وقال بعضهم في تفضيل الولد على الوالد: كم من أب قد علا بابن ذرى شرف. . . كما علا برسول الله عدنان الحديث: 1683 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 1684 - (إن الله اصطفى من الكلام أربعا) وهي قول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهي مختار الله من جميع كلام الآدميين (فمن قال) أي دبر الصلاة أو غيرها (سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال الله أكبر مثل ذلك ومن قال لا إله إلا الله مثل ذلك ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه) (1) يحتمل أن المراد به قصدية الإنشاء أو الإخبار أو قالها لا من جهة نعمة تجددت أو نقمة اندفعت (كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة) وفي رواية أن الله اصطفى لملائكته من الكلام أربعا إلخ. قال الطيبي: لمح به إلى قوله تعالى {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} ويمكن أن تجعل هذه الكلمة مختصرة من قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لما مر أن سبحان الله تنزيه لذاته عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى قوله لا إله إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد لله لأن الإضافة بمعنى اللام في الحمد ومستلزم بمعنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله ومن الله وليس من غيره فلا يكون أحد أكبر منه ولا يلزم منه أن يكون التسبيح أفضل من التهليل إذ التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولأن نفي التهليل في قوله لا إله نفي لمصححاتها من الخالقية والرازقية وكونه مثيبا ومعاقبا من الغير وقوله إلا الله إثبات له ويلزم منه نفي ما يضاد الإلهية ويخالفها من النقائص فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تقديس فإذا اجتمعا دخلا في مفهوم الطرد والعكس. إلى هنا كلام الطيبي. وأخذ منه بعضهم أن الحمد أفضل من التسبيح لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال. والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وادعى بعضهم أن الحمد أكثر ثوابا من التهليل ورد بأن في خير البطاقة المشهور ما يفيد أن لا إله إلا الله لا يعدلها شيء (حم ك) في الدعاء والذكر (والضياء) في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح   (1) أي لأن الحمد لا يقع غالبا إلا بعد سبب كأكل أو شرب أو حدوث نعمة فكأنه وقع في مقابلة ما أسدي إليه فلما حمد لا في مقابلة شيء زاد في الثواب الحديث: 1684 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 1685 - (إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام) أي بالتكليم له وهو في الأرض (1) وأما محمد فوقع له ذلك في العالم العلوي [ص: 212] فتلك هي المختصة بموسى. ذكره بعض المحققين (وإبراهيم بالخلة) أي بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله كما مر ذلك مبينا (ك) في كتاب الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي   (1) أي بلا واسطة والكلام الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله حقيقة لا مجازا فلا يكون محدثا فلا يوصف بأنه محدث بل هو قديم لأنه الصفة الأزلية الحقيقية وهذا ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وقالوا كما لا يتعذر رؤية ذاته تعالى مع أنه ليس جسما ولا عرضا كذلك لا يتعذر سماع كلامه مع أنه ليس حرفا ولا صوتا وذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني أن موسى إنما سمع صوتا دالا على كلام الله أي دالا على ذلك المعنى لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم وأما نفس المعنى المذكور فيستحيل سماعه لأنه يدور مع الصوت فالقول بسماع ما ليس من جنس الحروف والأصوات غير معقول الحديث: 1685 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 1686 - (إن الله اطلع على أهل بدر) الذين حضروا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بقصد إعلاء كلمة الجبار وهم ثلاث مئة وثلاثة أو أربعة عشر رجل (1) يعني نظر الله إليهم نظرة رحمة وعطف وقد ارتقوا إلى مقام يقتضي الإنعام عليهم بمغفرة ذنوبهم السابقة واللاحقة (فقال) لهم (اعملوا ما شئتم) أن تعملوا (فإني قد غفرت لكم) ذنوبكم (2) أي سترتها فلا أؤاخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم والتنويه بإكرامهم والإعلام بتشريفهم وإعظامهم لا الترخيص لهم في كل فعل كما يقال للمحب افعل ما شئت أو هو على ظاهره والخطاب لقوم منهم على أنهم لا يقارفون بعد بدر ذنبا وإن قارفوه لم يصروا بل يوفقون لتوبة نصوح فليس فيه تخييرهم فيما شاؤوا وإلا لما كان أكابرهم بعد ذلك أشد خوفا وحذرا مما كانوا قبله وبذلك سقط ما قيل إن هذا سقط من المشكل لأنه إباحة مطلقة وهو خلاف عقد الشرع وأما الجواب بمثل أن المراد الأعمال الماضية لا المستقبلة فكما أنه لا يلائم السياق يدفعه لفظ اعملوا (ك عن أبي هريرة) وراوه عنه أيضا أحمد وأبو داود باللفظ المزبور فاقتصار المؤلف على الحاكم غير جيد وفي الباب علي وابن عمر وغيرهما ورواه البخاري بلفظ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال إلخ قالوا والترجي في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم للوقوع   (1) وخرج صلى الله عليه وسلم يقصد العير فأتاه الخبر بأنها قد سبقت ونزل جبريل وقال إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا وكان العير أحب إليهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجاهدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار فقال سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه ذلك وقال سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم (2) قال القرطبي هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه فقد أظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا وإن قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة الحديث: 1686 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 [ص: 213] 1687 - (إن الله تعالى أعطاني فيما من به علي) أن قال لي أو قائلا ففيه التفات (إني أعطيتك فاتحة الكتاب) أم القرآن (وهي من كنوز عرشي) أي المخبوءة المدخرة تحته (ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) أي قسمين فإن كل ما ينقسم قسمين يسمى أحدهما نصفا وإن كان بينهما تفاوت كما يقال الإيمان هو العلم والعمل نصف الإيمان ولا يدل ذلك أن العمل يساوي العلم ذكره الغزالي ويأتي وجه التقسيم في الأحاديث القدسية (ابن الضريس) بضم المعجمة وشد الراء الحافظ يحيى البجلي (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 1687 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 1688 - (إن الله أعطاني السبع مكان التوراة وأعطاني الراءات) أي السور التي امتازت بالراء فكأن الراء هي التي عينتها ولم يقل المرء اللمراءات لثقله وعدم إلفه (إلى الطواسين مكان الإنجيل) قال البقاعي: تأخيره في الذكر يفيد تعظيمه بأن ما قبله مقدمات لتلقيه انتهى وظاهره أنه أفضل من التوراة وفي كلام جمع ما يخالفه (وأعطاني ما بين الطواسين) أي مع الطواسين وما بعدها (إلى الحواميم مكان الزبور وفضلني) على أصحاب هؤلاء الكتب المنزلة (بالحواميم) أي بإعطائي زيادة عليهم الحواميم (والمفضل ما قرأهن نبي قبلي) ما أنزلت على نبي من قبلي فقرأهن فهن من خصوصياته على الأنبياء (محمد بن نصر) المروزي في كتاب الصلاة (عن أنس) بن مالك وإسناده ضعيف لكن مما يشهد له الحديث: 1688 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 1689 - (إن الله أعطى موسى الكلام) أي التكليم بمعنى أنه خصه به وهو في الأرض كما مر (وأعطاني الرؤية) لوجهه تقدس بعيني بصري يعني خصه بها في مقابلة ما خص به موسى (وفضلني) عليه (بالمقام المحمود) الذي يحمده فيه الأولون والآخرون يوم القيامة (والحوض المورود) الذي يرده الخلائق في المحشر وإشعاره بأن الحوض من خصوصياته غير مراد لما سيجيء في خبر إن لكل نبي حوضا فتعين أن الخصوصية في الكوثر لا في مطلق الحوض (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) ورواه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال الذهبي قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن الجوزي الحديث موضوع فيه الكريمي الحديث: 1689 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 1690 - (إن الله افترض صوم رمضان) على هذه الأمة بقوله {كتب عليكم الصيام فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وكان كتبه على أهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده فجعلوه خمسين وقيل وقع في برد وحر شديد فجعلوه بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين كفارة للتحويل وبالجملة فالصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ذكره الزمخشري (وسننت لكم قيامه) أي جعلت لكم الصلاة فيه ليلا سنة (فمن صامه وقامه) سالما من المعاصي قولا وفعلا (إيمانا) أي تصديقا بأنه حق وطاعة (واحتسابا) لوجهه تعالى لا رياء (ويقينا) تأكيدا لقوله [ص: 214] إيمانا أو أراد احتسابا مجزوما به (كان كفارة لما مضى) من ذنوبه والمراد الصغائر ما اجتنبت الكبائر كما سيجيء نظائره. وقال ابن عطاء الله: وقد رأينا فنظرنا كل مأمور به أو مندوب من الشارع يستلزم الجمع على الله وكل منهي عنه أو مكروه يتضمن التفرقة عنه فإذا مطلوبه من عباده وجود الجمع عليه لكن الطاعات هي أسباب الجمع ووسائله فلذلك أمر بها والمعصية أسباب التفرقة ووسائلها فلذا نهى عنها (ن هب عن عبد الرحمن بن عوف) وإسناده حسن الحديث: 1690 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 1691 - (إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني وأن أؤدبكم مما أدبني) لأني بعثت كالأنبياء طبيبا للأمراض القلبية والأخلاق الوحشية (إذا قمتم على أبواب حجركم) جمع حجرة (فاذكروا اسم الله) أي قولوا بسم الله والأكمل إكمال البسملة فإنكم إذا ذكرتم ذلك (يرجع الخبيث) أي الفاسد المفسد الشيطان الرجيم (عن منازلكم) أي مساكنكم (وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام) ليأكله (فليسم الله) أي فليقل بسم الله الرحمن الرحيم (حتى لا يشارككم الخبيث) إبليس أو أعم (في أرزاقكم) فإنكم إذا لم تسموا أكل معكم. قال الحراني: وذلك لأن كل شيء لله فما تناوله الإنسان باسمه أخذه بإذنه وما تناوله بغير اسمه أخذه على غير وجهه بغير إذنه فيشاركه الشيطان في تناوله فيتبعه المتناول معه في خلواته {وشاركهم في الأموال والأولاد} . (ومن اغتسل) منكم (بالليل) أي فيه (فليحاذر عن) أي عن كشف (عورته فإن لم يفعل) بأن لم يستر عورته (فأصابه لمم) طرف من الجنون كما في الصحاح (فلا يلومن إلا نفسه ومن بال في مغتسله) أي المحل المعد للاغتسال فيه (فأصابه الوسواس) أي مما تطاير من البول والماء (فلا يلومن إلا نفسه) إذ هو فاعل السبب (وإذا رفعتم المائدة) التي أكلتم عليها (فاكنسوا ما تحتها) من فتات الخبز وبقايا الطعام (فإن الشياطين يلتقطون ما تحتها) من ذلك (فلا تجعلوا لهم نصيبا في طعامكم) أي لا ينبغي ذلك فإنهم أعداؤكم قال الحكيم: الشيطان ممنوع من مشاركة المؤمن في مطعمه ومشربه وملبسه وسائر أموره ما دام يسمي الله على كل حال فإذا ترك التسمية وجد فرصة فشاركه حتى في ضحكه. وفيه أن من حق الصالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن المتصلين به وأن يحظيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في ذلك وأن شأن الأدب والاهتمام به متعين وقد تطابقت على ذلك الملل <تنبيه> كان المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة شفوقا ولله ناصحا وبالمؤمنين رحيما {عزيز عليه ما عنتم} الآية حريص على المؤمنين أن يوصلهم إلى الإيمان مع زينة الإسلام وبهاء الإيمان فعلمهم تناول الطعام والشراب واللباس وغير ذلك من كل ما للنفس فيه حق وقال في التنزيل {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فطهره الله وأدبه وأحيا قلبه فقبل أدبه فصار مؤدبا مهذبا مطهرا فأمرنا بالإقتداء به (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) لكنه لم يسنده كما يوهمه صنيع المؤلف بل قال حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق البصري يرفعه إلى أبي هريرة هذه عبارته الحديث: 1691 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 1692 - (إن الله أمرني بحب أربعة) من الرجال (وأخبرني أنه يحبهم) قيل: بينهم لنا يا رسول الله قال (علي) بن [ص: 215] أبي طالب (منهم) العلم الذي لا يلتبس والفرد الذي لا يشتبه فلا حاجة لوصفه قال السعد التفتازاني لم يرد في الفضائل ما روي لعلي رضي الله عنه (وأبو ذر) الغفاري جندب بن جنادة من السابقين الأولين كان عظيما طويلا زاهدا متقللا مات بالربذة سنة اثنين وثلاثين (والمقداد) بن عمرو بن ثعلبة الكندي اشتهر بابن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وهو قديم الإسلام والصحبة مات سنة ثلاث وثلاثين عن سبعين سنة (وسلمان) الفارسي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم يعرف بسلمان الخير أصله من فارس كان مجوسيا ساد في الإسلام وسبب إسلامه مشهور وصار من خيار الصحابة وفضلائهم وزهادهم وكفى بهذا الحديث له شرفا قالوا عاش ثلاث مئة وخمسين سنة ومات في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما (ت) وقال غريب حسن (هـ ك) في فضائل الصحب عن شريك عن أبي ربيعة الإبادي عن ابن بريدة (عن بريدة) الأسلمي قال الحاكم على شرط مسلم وتعقبه الذهبي بأنه لم يخرج لأبي ربيعة وهو صدوق الحديث: 1692 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 1693 - (إن الله أمرني أن أزوج فاطمة) الزهراء رضي الله تعالى عنها (من علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه قاله لما خطبها غيره كأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فرده وزوجه إياها والمختار أنه زوجها في غيبته فلما جاء أخبره بأن الله أمره بذلك فقال: رضيت. ومن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء لمن شاء واختلف في صداقها كيف كان قال المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى: يشبه أن يكون عقد فاطمة على علي رضي الله عنهما وقع على الدرع وبعث بها علي ثم ردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين الحديثين الواردين في ذلك تضاد وقد ذهب إلى مدلول كل منهما قائل به فقال بعضهم كان مهرها الدرع ولم يكن إذ ذاك لا بيضا ولا صفرا وقال بعضهم كان أربع مئة وثمانين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الخبر أن نكاح القرابة القريبة ليس خلاف الأولى كما يقول الشافعية وأجيب بأن عليا كرم الله وجهه قريب بعيد إذا المراد بالقرابة القريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة وفاطمة رضي الله تعالى عنها بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من الأجنبية وأما الجواب بأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يكن إذ ذاك كفؤا لفاطمة سواه فمطعون فيه بأن أباه كافر وأبوها سيد البشر (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 1693 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 1694 - (إن الله أمرني أن أسمي المدينة طيبة) بالفتح والتخفيف مؤنث طيب بالفتح لغة في طيب بكسر الطاء الرائحة الحسنة أو صاحبها أو تخفيف الطيب تأنيث الطيب بالفتح والتشديد أي الطاهرة التربة أو من النفاق أو من الشرك سماها بذلك لأنه سبحانه طيبها بهجرته إليها وجعلها محل نصرته وموضع تربته ولها أسماء كثيرة قال ابن القيم ويكره تسميتها يثرب كراهة شديدة وإنما حكاه الله عن المنافقين (طب عن جابر بن سمرة) الحديث: 1694 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 1695 - (إن الله أمرني بمداراة الناس (1) أي بملاطفتهم وملاينتهم ومؤاخاتهم والتحبب إليهم ويهمز ولا يهمز والأمر [ص: 216] للوجوب بدليل قوله (كما أمرني بإقامة الفرائض) وفي رواية بدله القرآن أي أمرني بملاطفتهم قولا وفعلا والرفق بهم وتألفهم ليدخل من يدخل منهم في الدين ويتقي المسلمون شر من قدر عليه الشقاء ومن ثم قال حكيم: هذا الأمر لا يصلحه إلا لين من غير ضعف وشدة من غير عنف وهذه هي المداراة أما المداهنة وهي بذل الدين لصلاح الدنيا فمحرمة مذمومة وعلم مما تقرر أن أمره بالمداراة لا يعارض أمره بالإغلاظ على الكفار وبعثه السيف لأن المداراة تكون أولا فإن لم تفد فالإغلاظ فإن لم يفد فالسيف (فر عن عائشة) وفيه أحمد بن كامل أورده الذهبي في الضعفاء وقال الدارقطني كان متساهلا وبشر بن عبيد الدارمي قال الذهبي ضعيف جدا وقال في الميزان بشر بن عبيد كذبه الأزدي وقال ابن عدي منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر   (1) وقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر ربه فبلغ في المداراة النهاية التي لا ترتقى وبالمداراة واحتمال الأذى يظهر الجوهر النفسي وقد قيل لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل المداراة فما من شيء يستدل به على قوة عقل الشخص ووفور علمه وحلمه كالمداراة والنفس لا تزال تشمئز ممن يعكس مرادها ويستفزها الغضب وبالمداراة تنقطع حمية النفس ويرد طيشها ونفورها الحديث: 1695 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 1696 - (إن الله أنزل الداء والدواء) أي ما أصاب أحد داء إلا قدر له شفاء قال الحرالي: والداء ما يوهن القوى ويغير الأفعال الغامة للطبع والاختيار والبرؤ تمام التخلص من الداء والمراد بإنزاله إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الداء والدواء (وجعل لكل داء دواء) أي خلق ذلك وجعله شفاء يشفي من الداء وحكمة تعلق الأسباب بالمسببات لا يعلم حقيقتها إلا عالم الخفيات (فتداووا) ندبا أمر بالتداوي لمن أصابه مرض أما السليم فلا ينبغي له التداوي (1) لأن الدواء إذا لم يصادف داء ضر. قال الطيبي: وقوله فتداووا مطلق له شيوع فلذلك قال (ولا تداووا بحرام) (2) يعني أنه تعالى خلق لكل داء دواء حراما كان أو حلالا فلا تداووا بالحرام أي يحرم عليكم ذلك {إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها} فالتداوي بمحرم محرم والأصح عند الشافعية حل التادوي بكل نجس إلا الخمر والخبر موضعه إذا وجد دواء طاهرا يغني عن النجس جمعا بين الأخبار <فائدة> أخرج حميد بن زنجوية أن أناسا جاؤوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأنصار فقالوا إن أخانا استسقى بطنه أفتأذن لنا أن نداويه قال بماذا قال يهودي هنا يشق بطنه فكره ذلك وقال لا آذن حتى جاؤوه مرتين أو ثلاثا وفي كل ذلك يأبى حتى قال افعلوا فدعوا له اليهودي فشق بطنه ونزع منه فرخا عظيما ثم غسل بطنه ثم خاطه ثم داواه فصح وبرئ فرآه المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مار بالمسجد فقال أليس ذلك بفلان قالوا بلى فقال ادعوه إلي فنظر إلى بطنه فوجده قد صح فقال إن الذي خلق الداء جعل له دواء إلا السام (د) في الطب (عن أبي الدرداء) قال الصدر المناوي فيه إسماعيل بن عياش وفيه مقال   (1) أي لأن الدواء إذا لم يجد في البدن ما يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه ولكن زادت كميته عليه تشبث بالصحة وعبث بها في الإفساد والتحقيق أن الأدوية من جنس الأغذية فمن غالب أغذيتهم مفردات كأهل البوادي فأمراضهم قليلة جدا وطبهم بالمفردات ومن غالب أغذيتهم مركبات كأهل المدن يحتاجون إلى الأدوية المركبة أو سبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة وهذا برهان بحسب الضيافة الطبية (2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها على أنه لا يجوز التداوي بمحرم ولا بشيء فيه محرم كألبان الإتن واللحوم المحرمات والترياق الحديث: 1696 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 1697 - (إن الله تعالى أنزل بركات) أي كرامات (ثلاثا) من السماء كما في رواية وهي (الشاة والنخلة والنار) سماها بركات وساقها في معرض الامتنان لأن الشاة عظيمة النفع في الدر والنسل وتلد الواحدة اثنين وثلاثا بل وأربعا في بطن [ص: 217] وثمر النخل هو الجامع بين التلذذ والتغذي وبذلك تميز عن سائر الفواكه. والنار لابد منها لقيام نظام هذا العالم (طب عن أم هانئ) قالت: دخل صلى الله عليه وسلم فقال ما لي لا أرى عندك من البركات شيئا قلت وأي بركات تريد فذكره قال الهيثمي وفيه النضر بن حميد وهو متروك الحديث: 1697 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 1698 - (إن الله تعالى أوحى إلي) وحي إرسال وزعم أنه وحي إلهام خلاف الأصل والظاهر بلا دليل والوحي إعلام في خفاء (أن) أي بأن (تواضعوا) بخفض الجناح ولين الجانب وأن مفسرة (حتى لا يفخر أحد) منكم (على أحد) بتعدد محاسنه كبرا ورفع قدر نفسه على الناس تيها وعجبا (1) قال ابن القيم: والتواضع انكسار القلب لله (2) وخفض جناح الذل والرحمة للخلق حتى لا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا بل والحق له. والفخر ادعاء العظم قال الطيبي: وحتى هنا بمعنى كي (ولا يبغي) بنصبه عطفا على تواضعوا أي لا يجوز ولا يتعدى (أحد) منكم (على أحد) ولو ذميا أو معاهدا أو مؤمنا والبغي مجاوزة الحد في الظلم قال الطيبي: المراد أن الفخر والبغي شحناء الكبير لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق منزلته فلا ينقاد لأحد قال المجد ابن تيمية: نهى الله على لسان نبيه عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر والبغي لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر أو بغير حق فقد بغى فلا يحل هذا ولا هذا فإن كان الإنسان من طائفة فاضلة كبني هاشم أو غيرهم فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه والنظر إليها فإنه مخطئ إذ فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عند الفضل فضلا عن استعلائه بهذا واستطالته به. وأخذ منه أنه يتأكد للشيخ التواضع مع طلبته {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وإذا طلب التواضع لمطلق الناس فكيف لمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة لكن لا يتواضع معهم مع اعتقاد أنهم دونه فقد قال ابن عطاء الله رضي الله عنه: من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا فالتواضع لا يكون إلا عن رفعة مع عظمة واقتدار ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع اه (م د هـ عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتية وآخره معجمة (بن حمار) بكسر المهملة وخفة الميم المجاشعي تميمي عد في البصريين له وفادة وعاش إلى حدود الخمسين   (1) قال أبو زيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر قال بعضهم: رأيت في المطاف إنسانا بين يديه شاكريه يمنعون الناس لأجله عن الطواف ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد يسأل الناس فعجبت منه فقال إني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فابتلاني الله بالذل في موضع ترتفع فيه الناس وقال بعضهم: الشرف التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة (2) وقيل التواضع في الاستسلام للحق وترك الاعتراض على الحكم من الحاكم وقيل قبول الحق ممن قاله صغيرا أو كبيرا شريفا أو وضيعا حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى الحديث: 1698 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 1699 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا ولا يبغي بعضكم على بعض [الحديث بدون شرح. انظر شرح الحديث السابق: 1698 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد] (خد هـ) عن أنس الحديث: 1699 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 1700 - (إن الله أيدني) أي قواني والتأييد التقوية ومنه {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة (بأربعة وزراء) قيل من هؤلاء الأربعة يا رسول الله قال: (اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر) [ص: 218] فأبو بكر رضي الله عنه يشبه بميكائيل عليه السلام للينه ورأفته: وعمر رضي الله عنه يشبه بجبرائيل عليه السلام لشدته وصلابته في أمر الله وناهيك بها منزلة للشيخين قامعة للرافضة قاصمة ظهورهم ناعية عليهم (طب حل) وكذا الخطب كلهم (عن ابن عباس) وفيه عندهم محمد بن محبب الثقفي قال الخطيب: سئل عنه ابن معين فقال كذابا عدو الله الحديث: 1700 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 1701 - (إن الله تبارك وتعالى بارك ما بين) أي فيما بين (العريش) على وزن فعيل مدينة بالشام على البحر الرومي حده عرضا من مدينة برقاء التي على ساحل البحر الرومي إلى أيلة التي على ساحل بحر القلزم وينسب إلى مصر وقيل إن حد مصر ينتهي إليه (والفرات) بضم الفاء وتخفيف الراء النهر المشهور الذي هو أحد أنهار الجنة ويكفي في حقه شرفا هذا الخبر والخبر الآتي أنه ينزل فيه كل يوم مثاقيل من الجنة (وخص فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة وكسر الطاء ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام فيها عدة مدن منها بيت المقدس والرملة وعسقلان ذكره السمعاني وقال ابن الأثير: كورة معروفة ما بين الأردن وديار مصر وأم بلادها بيت المقدس (بالتقديس) أي بالتطهير لبقعتها لأنها أول بلادها أو قاعدتها وتحتها بيت المقدس (ابن عساكر) في تاريخه (عن زهير بن محمد) ابن قمير المروزي قال البغوي: ما رأيت ببغداد بعد أحمد أفضل منه (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك الحديث: 1701 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 1702 - (إن الله بعثني) أرسلني (رحمة مهداة) للمؤمنين وكذا الكفار بتأخير العذاب والهدية ما تبعث على وجه الإكرام ونحوه (بعثت برفع قوم) بالسبق إلى الإيمان وإن كانوا من ضعفاء العباد (وخفض آخرين) وهم من أبى واستكبر وإن بلغ من الشرف المقام الأفخر لكنه لم ينجع فيه الآيات والنذر بمعنى أنه يضع قدرهم ويذلهم باللسان والسنان وكان عنده مزيد الرحمة للمؤمنين وغاية الغلظة على الكافرين فاعتدل فيه الإنعام والانتقام ولم يكن له همة سوى ربه فعاشر الخلق بخلقه وباينهم بقلبه <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه: إن العقل يستقل بنفسه في أمر وفي أمر لا يستقل فلا بد من موصل إليه مستقل فلذلك بعثت الرسل وهم أعلم الخلق بالغايات والسبل (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 1702 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 1703 - (إن الله بنى الفردوس) أي جنته وأصله بستان فيه شجر ملتف غالبه عنب جمعه فراديس رومي معرب (بيده) تأمل هذه المناسبة كيف جعل الجنة التي بناها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل سلالته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه بيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره فهذه الجنة في الجنان كآدم عليه السلام في نوع من الحيوان (وحظرها) أي منعها وحرم دخولها (على كل مشرك) يعني كافر بأي كفر كان وخص المشرك لغلبة الإشراك في العرب (وعلى كل مدمن خمر سكير) بالكسر والتشديد أي كل ملازم للخمر مداوم عليها مبالغ في تعاطي ما يسكره ولا حاجة لتنزيله هنا على المستحل لأن الجنان كثيرة زلا مانع من حرمانه لأعلاها (هب وابن عساكر) في تاريخه عن (أنس) وفيه أي عند البيهقي عبد الرحمن بن عبد الحميد قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن يونس أحاديثه مضطربة ويحيى بن أيوب فإن كان الغتافقي فقد قال النسائي وغيره غير قوي أو البلخي فضعفه ابن معين الحديث: 1703 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 1704 - (إن الله تجاوز) أي عفا من جازه يجوزه [ص: 219] إذا تعداه وعبر عليه (لأمتي) أمة الإجابة وفي لفظ رواية البخاري تجاوز لي عن أمتي (عما) وفي رواية لمسلم ما (حدثت) في رواية للبخاري وسوست (به أنفسها) وفي رواية له صدورها مع أنفسها قال النووي رحمه الله عقب إيراده هذا الحديث قال العلماء المراد به الخواطر التي لا تستقر قالوا وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره فمن خطر له الكفر مجرد خطور من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه اه وقوله أنفسها رفع على الفاعلية أي قلوبها قيل وهو أصوب ويدل عليه حديث إن أحدنا يحدث نفسه بل قال القرطبي إنه الرواية أي لم يؤاخذهم بما يقع في قلوبهم من القبائح قهرا وقال الأكمل أنفسها بالرفع والنصب والرفع أظهر والنصب أشهر ووجهه محادثة المرء نفسه المسماة عند البلغاء بالتجريد (1) (ما لم تتكلم به) أي في القوليات باللسان على وفق ذلك (أو تعمل به) في العمليات بالجوارح كذلك وفي رواية لمسلم ما لم يتكلموا به أو يعملوا به أي فيؤاخذوا حينئذ بالكلام أو بالعمل فقط ويحتمل أن يؤاخذوا به وبحديث النفس أيضا وعليه السبكي في الحلبيات وإذا لم يحصل كلام ولا عمل فلا مؤاخذة بحديث النفس ما لم يبلغ حد الجزم وإلا أوخذ به حتى لو عزم على ترك واجب أو فعل محرم ولو بعد سنين أثم حالا وقال ابن العربي رضي الله تعالى عنه: خلق الله القلوب سيالة مطربة على الخواطر ميالة إلى كل طارئ عليها حاضرا أو غائبا محالا أو جائزا حقا أو باطلا معقولا أو متخيلا ولله الحكمة البالغة والحجة الغالبة ثم عطف بفضله فعفى عن كل ما يخطر للمرء بقلبه حتى يكون به مرتبطا وعليه عازما فحينئذ يكون به نفسه متكلما وهو الكلام الحقيقي فإن خالفه القول كان هذيانا اه. وفيه أن المجاوزة خصوصية لهذه الأمة وأنه إذا حدث نفسه بطلاق ولم ينطق به لا يقع وعليه الشافعي رضي الله تعالى عنه خلافا لمالك وأنه لو عزم على الظهار فلا كفارة وأنه لو حدث نفسه في صلاته لم تبطل وغير ذلك (ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمران بن حصين) بالتصغير وفيه من طريق الطبراني المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي   (1) وفي العلقمي قلت والذي تحصل عندي من مجموع كلامهم أن الهاجس والخاطر لا يؤاخذ بهما وأما حديث النفس والهم فإن صحبهما قول أو فعل يؤاخذ بهما وإلا فلا وهذا هو الذي ينبغي اعتماده بل هو الوجه الذي لا يعدل عنه إلى غيره وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به وخالف بعضهم اه الحديث: 1704 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 1705 - (إن الله تجاوز لي) أي لأجلي (عن أمتي الخطأ) أي عن حكمه أو عن إثمه أو عنهما. وهو أقرب لفقد المرجح وعموم التناول ولا ينافيه ضمان المخطئ للمال والدية ووجوب القضاء على المصلي محدثا أو يحدث ناسيا وإثم المكره على القتل لخروجها بدليل منفصل والمراد بالخطأ ضد العمد وهو أن يقصد شيئا فيخالف غير ما قصد لا ضد الصواب خلافا لزاعمه لأن تعمد الإثم يسمى خطئا بالمعنى الثاني ولا تمكن إرادته هنا ولفظه يمد ويقصر (والنسيان) بكسر النون ضد الذكر والحفظ ويطلق على الترك وليس مرادا هنا (وما استكرهوا) أي الأمة وذكره نظرا للمدلول لا للفظ (عليه) أي حملوا على فعله قهرا وشرطه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به مما يؤثر العاقل الإقدام على المكره عليه والمراد رفع الإثم وفي ارتفاع الحكم خلف والشافعي في الجمهور على الارتفاع (هـ عن أبي ذر) الغفاري (طب ك) كلاهما (عن ابن عباس) وقال الحاكم صحيح على شرطهما (طب عن ثوبان) الهاشمي مولى المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسنده كما قال الهيثمي فالإسناد الأول صحيح دون الثاني الحديث: 1705 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 [ص: 220] 1706 - (إن الله تصدق) بفتح الصاد وشد الدال (بفطر رمضان) أي يتعاطى المفطر فيه نهارا ترخيصا (على مريض أمتي) أي مرضا يشق معه الصوم لحاجته للدواء والغذاء بحسب تداعي جسمه فكان فطره رخصة لموضع تداويه واغتذائه (ومسافرها) (1) لما يحتاجه المسافر من اغتذائه لوفور نهضته في عمله في سفره ولئلا يجتمع عليه كلفتان فتتضاعف عليه المشقة {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) وهو حسن   (1) أي سفرا يباح فيه قصر الصلاة فيباح لكل منهما الفطر مع وجوب القضاء لكن المسافر بعد تلبسه بالصوم فلا يباح الفطر في اليوم الأول إلا إن تضرر اه الحديث: 1706 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 1707 - (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم) أي مكنكم من التصرف فيها حالتئذ بالوصية وغيرها فتصح الوصية بالثلث ولو مع وجود وارث خاص ومخالفته (وجعل ذلك زيادة لكم في أعمالكم) فأجر الوصية بذلك من أعمال الميت التي يثاب عليها إن قبلت وأخذ جمع من مخاطبة الصحب بذلك وجعله زيادة في العمل أنه خاص بالمسلمين لاختصاصهم بزيادة الأعمال ومذهب الشافعية خلافه ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أن له أن يوصي بالتصدق بجميع ماله في سائر أحواله من غير حرمة ولا كراهة لأنه لا يورث كسائر الأنبياء (هـ عن أبي هريرة) وفيه حفص بن عمر الأيلي قال ابن عدي أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وساق هذا منها (طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: وفيه عتبة بن أحمد الضبي وثقه ابن حبان وضعفه أحمد (وعن أبي الدرداء) وكذا رواه عنه أحمد والبزار قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط انتهى وساق الحافظ ابن حجر رحمه الله الحديث ثم قال وإسناده ضعيف الحديث: 1707 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 1708 - (إن الله جعل الحق) يعني أجراه (على لسان عمر) فكان كالسيف الصارم والحسام القاطع. قال الطيبي: جعل بمعنى أجرى فعداه بعلى وفيه معنى ظهور الحق واستعلانه على لسانه ووضع جعل موضع أجراه إيذانا بأن ذلك كان خلقيا ثابتا لازما مستقرا (وقلبه) فكان الغالب على قلبه جلال الله فكان الحق معتمله حتى يقوم بأمر الله وينفذ بقاله وحاله وفاء بما قلده الله الخلق من رعاية هذا الدين الذي ارتضاه لهم ومن ثم جاء في خبر إن غضبه عز ورضاه حكم وذلك لأن من غلب على قلبه سلطان الحق فغضبه للحق عز للدين ورضاه عدل لأن الحق هو عدل الله فرضاه بالحق عدل منه على أهل ملته ومعنى رضاه حكم أنه إذا رضي رضي للحق. قال القاضي: والحق الثابت الذي لا يسوغ إنكاره يعم الأعيان الثابتة والأخلاق الصائبة والأقوال الصادقة من حق الأمر إذا ثبت ومنه ثوب محقق محكم النسج (هـ حم ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح اه. وقال المناوي رضي الله عنه فيه عنده يعني الترمذي خارجة بن عبد الله ضعفه أحمد (حم د ك) في فضائل الصحب وصححه (عن أبي ذر) الغفاري لكن لفظ رواية هؤلاء الثلاثة من حديث أبي ذر هذا يقول به بدل قوله وقلبه كما قاله ابن حجر في الفتح فإطلاق عزو المؤلف لهم غير قويم (ع ك) في الفضائل (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي (طب عن بلال) بن رباح بفتح الراء وخفة الموحدة العبد الحبشي المؤذن أسلم فعذب فاشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه. قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط (وعن معاوية) بن أبي سفيان قال الهيثمي: فيه ضعفاء سليمان الشاذكوني وغيره الحديث: 1708 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 1709 - (إن الله جعل) لفظ رواية أحمد والطبراني ضرب (ما يخرج من ابن آدم) من البول والغائط (مثلا للدنيا) قال [ص: 221] الزمخشري: معناه أن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه وتحسينه فإنه لا محالة عائد إلى حال يستقذر فكذا الدنيا المحروص على عمارتها ونظم أسبابها راجعة إلى خراب وإدبار اه. وقال الديلمي هذا كناية عن البول والغائط يعني ما يخرج منه كان قبل ذلك ألوانا من أطعمة طيبة وشرابا سائغا فصارت عاقبته ما ترون فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها ينافس في زينتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى انتهى. فشهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت إلى المعدة غايتها وكما أن في الأطعمة كلما كانت ألذ طعما وأكثر دسما وحلاوة كان رجيعها أقذر فكذا كل شهوة في النفس ألذ وأقوى فالتأذي بها عند الموت أشد كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بفقد محبة المحبوب وقد كان بعض الصوفية يقول لصحبه انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب إلى المزابل فيقول انظروا إلى ثماركم ودجاجكم وسكركم (حم طب هب عن) أبي سعيد (الضحاك بن سفيان) بن عوف بن كعب الكلابي صحابي معروف من عمال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طعامك قلت اللحم واللبن قال ثم يصير إلى ماذا قال إلى ما قد علمت فذكره. قال الهيثمي كالمنذري رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح غير علي بن جدعان وقد وثق انتهى والضحاك بن سفيان في الصحب اثنان فكان ينبغي تمييزه الحديث: 1709 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 1710 - (إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا وما بقي منها إلا القليل كالثغب) بمثلثة مفتوحة وغين معجمة ساكنة الغدير الذي قل ماؤه (شرب صفوه وبقي كدره) يعني أن مثل الدنيا كمثل حوض كبير ملئ ماء وجعل موردا للأنام والأنعام فجعل الحوض ينقص على كثرة الوارد حتى لم يبق منه إلا وشل كدر في أسفله بالت في الدواب وخاضت فيه الأنعام فالعاقل لا يطمئن إلى الدنيا ولا يغتر بها بعد ما اتضح له أنها زائلة مستحيلة وأنه قد مضى أحسنها وأنها وإن ساعدت مدة فالموت لا محالة يدرك صاحبها ويخترمه (ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 1710 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 1711 - (إن الله جعل هذا الشعر) أي الإشعار وهو أن يشق أحد جانبي سنام البعير حتى يسيل دمه ويجعل ذلك علامة تعرف أنها هدى (نسكا) أي من مناسك الحج (وسيجعله الظالمون نكالا) ينكلون به الأنعام بل الأنام يقال نكل به تنكيلا أي جعله عبرة لغيره وما فهمه البعض من أن المراد شعر الرأس وأن المراد يجعل الظالمين له نكالا أي بحلقه فباطل لأن النسك هو حلق بعض الرأس وليس حلقها نكالا (ابن عساكر) في التاريخ (عن) الإمام العادل (عمر بن عبد العزيز) رضي الله عنه الخليفة الأموي (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك وفيه مع إرساله ضعف الحديث: 1711 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 1712 - (إن الله جعل لكل نبي شهوة) أي شيئا يحبه (وإن شهوتي في قيام هذا الليل) أي في الصلاة فيه وهو التهجد (إذا قمت) إلى الصلاة فيه (فلا يصلين أحد خلفي) أي فإن التهجد واجب علي دونكم وبهذا أخذ جمع جم فعدوا من خصائصه من الواجبات عليه التهجد والأصح أنه كان كذلك ثم نسخ (وإن الله جعل لكل نبي) من الأنبياء (طعمة) [ص: 222] بالضم أي رزقا (وإن طعمتي) جعلها الله (هذا الخمس) من الفيء والغنيمة (فإذا قبضت) بالبناء للمجهول أي قبضني الله أي أماتني (فهو) أي الخمس (لولاة الأمر من بعدي) جمع وال وهو من ولي أمورهم من الخلفاء فمن دونهم وقد سبق تقريره موضحا (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه وإسحاق لينه أبو حاتم وأبوه وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وغيره الحديث: 1712 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 1713 - (إن الله جعل للمعروف) أي لأجل القيام به ونشره في العالم وهو اسم جامع لما عرف من الطاعات وندب من الإحسان (وجوها) أي جماعات فكنى بالوجه عن الذات كما في قوله تعالى {ويبقى وجه ربك} (من خلقه) أي الآدميين بقرينة قوله (حبب إليهم المعروف) أي جبلهم عليه (وحبب إليهم فعاله) بكسر أوله أي أن يفعلوه مع غيرهم (ووجه طلاب) بالتشديد جمع طالب (المعروف إليهم) أي إلى قصدهم وسؤالهم لهم في فعله معهم (ويسر عليهم إعطاءه) أي سهل عليهم وهيأ لهم أسبابه (كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة) بجيم فدال مهملة اليابسة (ليحييها) فتخرج نباتها بإذن ربها (ويحيي بها (1) أهلها) أي بما تخرج من النبات (وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه) فهم بصدد منعه ما استطاعوا وعلى كل خير مانع (بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر) بالتشديد من الحظر وهو المنع والحرمان (عليهم إعطاءه) أي منعه عنهم وكف يدهم عنه وعسر عليهم أسبابه (كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك أهلها بها) بعدم النبات ووقوع القحط ويستفاد منه أن الله تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وقد جعل الله النفس مبدأ كل شيء أبداه في ذات ذي النفس فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة ولا يجري الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة لله على خلقه (وما يعفو) الله (أكثر) أي أن الجدب يكون بسبب بغضهم للمعروف وشحهم وغير ذلك من أعمالهم القبيحة وأعمالهم الرديئة ونياتهم الخبيثة ومع ذلك فالذي يغفره الله لهم أكثر وأعظم مما يؤاخذهم به {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة} (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي في كتابه الذي ألفه في فضل قضائها (عن أبي سعيد) الخدري وفيه عثمان بن سماك عن أبي هارون العبدي قال في اللسان عن العقيلي حديثه غير محفوظ وهو مجهول بالنقل ولا يعرف به. وقال الزين العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية أبي هارون ضعيف ورواه الحاكم من حديث علي وصححه انتهى ورواه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وأبو نعيم والديلمي من حديث أبي باللفظ المزبور   (1) وفي نسخ به والظاهر رجوع الضمير للغيث لكن رجعه المناوي للنبات فنسخة بها على حذف مضاف أي بنباتها الحديث: 1713 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 1714 - (إن الله تعالى جعل السلام) بفتح السين المهملة (تحية لأمتنا) أمة الإجابة قال ابن حجر رحمه الله تعالى فيه [ص: 223] دلالة على أن السلام شرع لهذه الأمة دون من تقدمهم لكن يجيء في حديث خلق آدم أته تحيته وتحية ذريته (وأمانا لأهل ذمتنا) لأن معنى السلام عليك سلامة لك مني وأمان ذكره القرطبي وسببه قال محمد بن زياد الألهاني: كان أبو أمامة يسلم على كل من لقيه فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة اختبأ خلف اسطوانة فخرج فسلم عليه فقال أبو أمامة ما حملك على ذلك قال رأيتك تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر قالت طائفة منهم ابن وهب وعون يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام استدلالا بهذا ونحوه ولقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} وقول إبراهيم عليه السلام لأبيه {سلام عليك} ولآية {فاصفح عنهم وقل سلام} وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن ابتدائهم أولى انتهى والجمهور على عدم جواز ابتدائهم به وحمل بعضهم المنع على ما إذا كان ابتداؤهم لغير سبب ولا ضرورة والجواز على اختياره قال النووي رضي الله عنه إذا اضطر إلى السلام بمن خاف ترتيب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم. قال ابن العربي رضي الله عنه وينوي حينئذ أن السلام اسم من أسماء الله فكأنه يقول هو رقيب عليكم (1) (طب) وكذا في الأوسط (هب) كلاهما (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه عندهما بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي وغيره   (1) وكان نفطويه يقول إذا سلمت على ذمي فقلت أطال الله بقاءك وأدام سلامتك فإنما أريد الحكاية أي إن الله فعل به ذلك إلى هذا الوقت الحديث: 1714 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 1715 - (إن الله جعل البركة) أي الزيادة والنماء (في السحور) أي في أكل الصائم وقت السحر بنية التقوي على الصوم (والكيل) أي في ضبط الحبوب وإحصائها بالكيل كما يفسره خبر كلوا طعامكم يبارك لكم فيه وذكر الغزالي رحمه الله تعالى وتبعه المؤلف أن الدابة ينبغي أن تعلف مكيلا فإنها تنمو وتزيد (الشيرازي) الحافظ محمد بن منصور (في) كتاب (الألقاب) له (عن أبي هريرة) الحديث: 1715 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 1716 - (إن الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل) أي يقتل بعضهم بأيدي بعض مع دعائهم إلى كلمة التقوى واجتماعهم على الصلاة وجعل القتل كفارة لما اجترحوه كما بينته أخبار أخرى (حل) من حديث أحمد بن الحسين ابن إسحاق الصوفي عن عبد الرحمن بن صالح عن أبي بكر بن عياش عن أبي بردة (عن عبد الله بن يزيد الأنصاري) قال أبو بردة: كنت عند زياد فجعلت الرؤوس تأتيه فأقول إلى النار فقال عبد الله: أو لا تدري يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال أبو نعيم غريب تفرد به ابن عياش عن أبي الحصين الحديث: 1716 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 1717 - (إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه) أي في ظهره (وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (1)) قال الزمخشري: الذرية من الذر بمعنى التفريق لأن الله تعالى ذرهم في الأرض أو من الذره بمعنى الخلق فهو من الأول فعلية أو فعولة ذرورة قلبت الراء الثالثة ياء ومن الثاني فعولة أو فعيلة وهي نسل الرجل وقد أوقعت على النساء كقولهم للمطر سماء ومنه قول عمر حجوا بالذرية (طب عن جابر) قال الهيثمي فيه يحيى بن العلاء وهو متروك وقال [ص: 224] ابن الجوزي قال أحمد يحيى بن العلاء كذاب يضع وقال الدارقطني أحاديثه موضوعة اه. وذكر في الميزان نحوه في ترجمة العلاء وأورد له أخبارا هذا منها (خط عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه ابن المرزبان قال ابن الكاتب كذاب ومن فوقه إلى المنصور ما بين مجهول وغير موثوق به انتهى وفي الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب لا يدري من ذا وخبره كذب رواه الخطيب ثم ساق هذا الخبر   (1) أي جعل أولاده من فاطمة دون غيرها فمن خصائصه صلى تعالى الله عليه وآله وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه اه الحديث: 1717 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 1718 - (إن الله جعلها) يعني زوجتك (لك لباسا وجعلك لها لباسا وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم) يعني زوجاتي تحل لهم مني ويحل لي رؤيتها فلا ينافي قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما رأيت منه ولا رأى مني ولما كانت المرأة والرجل يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس أو لأن كلا منهما يستر صاحبه ويمنعه من الفجور (ابن سعد) في الطبقات (طب عن سعد بن مسعود) صوابه ابن محيصة بن مسعود الأنصاري قال الذهبي له ذكر وصحبة وفي التقريب قيل له صحبة أو رؤية وروايته مرسلة اه. فالحديث مرسل الحديث: 1718 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 1719 - (إن الله جعلني عبدا كريما) أي متواضعا سخيا (ولم يجعلني جبارا) أي مستكبرا متمردا عاتيا (عتيدا) أي جائرا عن القصد مع العلم به (د هـ) في الأطعمة (عن عبد الله بن بسر) بسين مهملة له ولأبيه صحبة زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة قد أثرد فيها فالتقوا عليها فلما كثروا جثى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي ما هذه الجلسة فذكره ثم قال كلوا من جوانبها وذروا ذروتها يبارك فيها انتهى فهذا بقية المتن كما هو عند مخرجه أبي داود وابن ماجه قال النووي في رياضه إسناده جيد وقال غيره رواته ثقات الحديث: 1719 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 1719 - (إن الله تعالى جميل) له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من كل وجه ويحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإنه من لوازم كماله وهو وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال عليم يحب العلماء جواد يحب الجود قوي يحب القوي فالمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف حيي يحب أهل الحياء والوفاء شكور يحب الشاكرين صدوق يحب الصادقين محسن يحب المحسنين إلى غير ذلك <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله عنه الجمال نعت إلهي ونبه بقوله جميل على أنا نحبه فانقسمنا فمنا من نظر إلى جمال الكمال وهو جمال الحكمة فأحبه في كل شيء لأن كل شيء محكم وهو صنعة حكيم ومنا من لم يبلغ هذه الرتبة وماله علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد الموقوف على الغرض وهو في الشرع موضع قوله اعبد الله كأنك تراه فجاء بكاف التشبيه فمن لم يصل فهمه إلى أكثر من الجمال المقيد قيده به فأحبه لكماله ولا حرج عليه لإتيانه بالمشروع على قدر وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فبقي حبه تعالى للجمال وهي رتبة أهل الكمال فأحبه في كل شيء فإن العالم خلقه الله في غاية الأحكام والإتقان كما قال حجة الإسلام ليس في الإمكان أيدع مما كان فالعام جمال الله وهو الجميل المحب للجمال فمن أحب العالم بهذا النظر فما أحب إلا جمال الله إذ جمال الصنعة لا يضاف إليها بل إلى صانعها (م) في الإيمان (ت) في البر (عن ابن مسعود) قال قال رسول [ص: 225] الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس هكذا سياق مسلم والترمذي (طب عن أبي أمامة) الباهلي (ك عن ابن عمر) ابن الخطاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله (وعن ابن عمر) قال ابن مسعود قلت يا رسول الله أمن الكبر أن ألبس الحلة الحسنة فذكره قال الحاكم احتجا بروايته وأقره الذهبي وقد وهم أعني الحاكم في استدراكه الحديث: 1719 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 1721 - (إن الله جميل) أي جميل الذات والأفعال كما تقرر قال الزمخشري: والعرب تصف الشيء بفعل ما هو من سببه (يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) أي أثر الجدة من فيض النعم عليه زيا وإنفاقا وشكرا لله تعالى فهو تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال وتارة يكون بالفعال (ويبغض البؤس والتباؤس) ومن آثار جمال أفعاله تقدس الرضى من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول ويجعل الحسنة عشرا ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة (فإن قلت) ينافي هذا الحديث ما سبق من الأمر بلبس الخشن من الثياب في حديث (قلت) قد يقال إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ولكل مقام مقال وقد كان جعفر الصادق رضي الله عنه يلبس الجبة على بدنه ويلبس الثياب الفاخرة وفوقها فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك فقال نلبس الجبة لله والخز لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه ثم رأيت الغزالي رضي الله تعالى عنه قال (فإن قلت) فقد قال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء القلب وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب أهو من الكبر فقال لا فكيف الجمع فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته وحتى في ستور داره فليس ذلك من الكبر فقول عيسى هو من خيلاء القلب يعني يورث ذلك وقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ليس من الكبر يعني الكبر لا يوجبه ويجوز أن يكون منه فالأحوال تختلف (هب عن أبي سعيد) الخدري وفيه أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي وسبق أنه وضاع ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور. قال الهيثمي: وفيه عطية الصوفي ضعيف وقد وثق الحديث: 1721 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 1722 - (إن الله جميل يحب الجمال سخي يحب السخاء نظيف يحب النظافة) لما سبق أن من تخلق بشيء من صفاته ومعاني أسمائه الحسنى كان محبوبا له مقربا عنده وتنظيف الثوب والبدن مطلوب عقلا وشرعا وعرفا وقد صرح الفقهاء بأن نحو الزيات والقصاب وغيرهما من الدنسة ثيابهم يكونون في أخريات المسجد ندبا قال الفاكهي: وقد كانت ثياب شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف رضي الله عنه في غاية النقاء والنظافة والبياض إلى حد لا يبلغه ثياب الملوك في عصره كأنه مع ثيابه قطعة نور والنظافة مما تزيد في العين مهابة وفي القلب جلالة وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلا وعرفا ويكاد يذم شرعا سول الشيطان لأحدهم فأقمده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها قيل لأنه لا يبدو منه إلا طيب ولم يقمل ثوبه (فإن قلت) [ص: 226] ما سبب تعبيره في هذه الثلاثة بالجمال دون الحسن (فالجواب) أن الحسن إنما يوصف به ما كان مفردا نحو خاتم حسن فإذا اجتمع من ذلك جمل وصف صاحبها بالجمال فالحسن يتعلق بالمفردات والجمال بالمركبات الجمليات ذكره السهيلي وغيره (عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الحديث: 1722 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 1723 - (إن الله جواد) بالتخفيف أي كثير الجود أي العطاء (يحب الجود) الذي هو سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق وهو يقرب من معنى الكرم والجود يكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء بالدنيا والسماح (ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) أي رديئها وحقيرها وتمام الحديث عند مخرجه البيهقي ومن إعظام إجلال الله عز وجل إكرام ثلاثة: الإمام المقسط وذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن غير الجافي عنه ولا المغالي فيه اه بحروفه (هب) من حديث الحجاج بن أرطأة عن سليمان بن شحيم (عن طلحة بن عبيد الله) بن كريز قال الزين العراقي: هذا مرسل. اه. ولعل المصنف ظن أنه طلحة الصحابي فوهم فكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتضاء كلامه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل تعقبه بما نصه في هذا الإسناد انقطاع بين سليمان وطلحة اه. والحجاج بن أرطأة ضعفوه (حل عن ابن عباس) مرفعا وقال ابن الجوزي لا يصح الحديث: 1723 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 1724 - (إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب (1)) فيه دلالة جلية على أن لبن الفحل يحرم وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه (ت) في النكاح وقال حسن صحيح (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال: يا رسول الله هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة ثم ذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا له إلا الترمذي مع أن الشافعي رضي الله تعالى عنه خرجه بل عزاه في المنضد شرح المجرد لمسلم وللنسائي معا اه. والله أعلم   (1) والتحريم بالرضاع له شروط مذكورة في كتب الفقه منها كون ذلك خمس رضعات وكون الطفل لم يبلغ حولين وكون اللبن انفصل من أنثى بلغت تسع سنين قمرية تقريبا الحديث: 1724 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 1725 - (إن الله حرم الجنة) أي دخولها مع السابقين الأولين (على كل) إنسان مرائي لإحباطه عمله وإضراره بدينه بشغله نفسه برعاية من لا يملك له بالحقيقة ضرا ولا نفعا فما دام أهل الرياء متلطخين بدنسه في كير التطهير حتى تنقى أوساخهم وأدرانهم ومن ثم كان السلف يعملون أعمال البر ويخافون أن لا تقبل منهم ويحافظون على استدامة إخلاص النية. قال الشريف السمهودي: كان شيخنا شيخ الإسلام فقيه العصر الشرف المناوي إذا أخرج إلى دهليزه ذاهبا للدرس يقف حتى يخلص النية ويستحضرها خوفا من الرياء ثم يخرج وكان كثير ما ينشد: لئن كان هذا الدمع يجري صبابة. . . على غير ليلى فهو دمع مضيع ثم يبكي بكاءا شديدا وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجيه أبي نعيم والديلمي معا ليس البر في حسن اللباس والزي ولكن البر السكينة والوقار (حل فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه سليمان بن أبي داود الحرالي قال الذهبي ضعفوه الحديث: 1725 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 [ص: 227] 1726 - (إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات (1)) خصهن وإن كان عقوق الآباء عظيما لأن عقوقهن أقبح أو إليهن أسرع أو لغير ذلك فهو من تخصيص الشيء بالذكر إظهارا لعظم موقعه والعقوق صدور ما يتأذى به من قول أو فعل غير معصية. قال ابن حجر: ما لم يتعنت الأصل وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وندبا وندبها في المندوبات (ووأد) بفتح الواو وسكون الهمزة دفن (البنات) أحياء حين يولدن وكان أهل الجاهلية يفعلونه كراهة فيهن فخصهن لا لاختصاص الحكم بهن بل لأنه كان هو الواقع فوجه النهي إليه وأول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي أغار عليه عدوه فأسر بنته واستفرشها ثم اصطلحا فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها فتبعه العرب (ومنعا) بسكون النون مع تنوين العين وهذه رواية البخاري لأبي ذر وفي رواية للبخاري بالسكون أيضا بغير تنوين. قال البيضاوي: وإنما لم ينون وإن كان مصدرا لأن المضاف إليه محذوف منه مرادا أي كره منع ما عنده أو حرم منع الواجبات من الحقوق وفي رواية للبخاري أيضا منع بالتحريك على بناء الماضي (وهات) بالبناء على الكسر فعل أمر من الإيتاء: أي حرم أخذ ما لا يحل من أموال الناس. والحاصل أنه عبر بهما عن البخل والمسألة فكره أن يمنع الإنسان ما عنده ويسأل ما عند غيره وهو معنى قولهم يمنع الناس رفده ويطلب رفدهم (وكره لكم قيل) كذا (وقال) فلان كذا مما يتحدث به من فضول الكلام فهما إما مصدران أتى بهما للتأكيد وحذف التنوين لإرادة المضاف إليه المحذوف أي كره لكم قيل وقال ما لا فائدة فيه أو ماضيان ونبه به على وجوب تجنب التبرع بنقل الأخبار لما فيه من هتك الأستار وكشف الأسرار وذلك ليس من دأب الأخيار ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله سبحانه ستار والستر لا يحصل مع كثرة نقل الأخبار ودل على إرادة النهي عن الإكثار عطفه قال علي قيل وهو من حسن الاعتبار والقول بأن المراد الأقوال الواقعة في الدين كأن تقول قال أهل السنة كذا والحكماء ولا يبين الأقوى أو بقيل الجواب وقال الابتداء بعيد ويخص من هذا النقل لضرورة أو حاجة سيما إذا كان عن ثقة (وكثرة السؤال) عن أحوال الناس أو عن ما لا يعني فربما كره المسؤول الجواب فيؤدي لسكوته فيجر للحقد والضغائن أو يلجئه إلى الكذب قالوا ومنه أين كنت أو المراد السؤال عن المسائل العلمية امتحانا وإظهارا للمراء وادعاء وفخرا ولا يحمل على سؤال الناس من أموالهم لكراهته وإن قل (وإضاعة المال) صرفه في غير حله وبذله في غير وجهه المأذون فيه شرعا أو تعريضه للفساد والله لا يحب المفسدين أو السرف في إنفاقه بالتوسع في لذيذ المطاعم والمشارب ونفيس الملابس والمراكب وتمويه السقوف ونحو ذلك لما ينشأ عنه من غلط الطبع وقسوة القلب المبعدة عن الرب أما في طاعة فعبادة وقد نهى سبحانه عن التبذير وأرشد إلى حسن التدبير {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} ولا يخفى ما في هذا الحديث من المحسنات اللفظية باعتبار نسجها على أحسن منوال وكثرة معانيها مع ما في اللفظ من الإقلال (ق عن المغيرة بن شعبة) ابن مسعود الثقفي الصحابي المشهور   (1) العقوق بالضم من العق يقال عق والده إذا آذاه وعصاه وهو ضد البر والمراد به صدور ما يتأذى به الأصل من فرعه من قول أو فعل اه الحديث: 1726 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 1727 - (إن الله حرم علي الصدقة) فرضها وكذا نقلها (وعلى أهل بيتي) أي وحرم الصدقة فرضها فقط على مؤمني بني هاشم والمطلب لأنها أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد كما فسره في أحاديث أخر (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن بن علي) الحديث: 1727 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 [ص: 228] 1728 - (إن الله تعالى حيث خلق الداء) أي أوجده وقدره (خلق الدواء فتداووا) ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه كما سبق والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته (حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عمران العمى وقد وثقه ابن حبان وغيره الحديث: 1728 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 1729 - (إن الله تعالى حيي) بكسر المثناة تحت الأولى أي ذو حياء عظيم وأصل الحياء كما سبق انقباض النفس عن القبائح خوف لحوق عار وهو في حقه تعالى محال والقانون في مثله حمله على الغايات دون المبادىء (1) كما سبق (ستير) بالكسر والتشديد أي تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح فعيل بمعنى فاعل وجعله بمعنى مفعول أي مستور عن العيون في الدنيا بعيد من السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (يحب الحياء) أي من اتصف به والمراد الحياء المحمود بدليل خبر " إن الله لا يستحيي من الحق " (والستر (2)) من العبد وإن كره ما يستر عبده عليه كما يحب المغفرة وإن كره المعصية والعتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار والعفو وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار والتوبة وإن كره المعصية التي يتاب منها والجهاد وإن كره أفعال من يجاهدوه وهذا باب واسع يضيق عنه الأسفار واللبيب من يدخل عليه من بابه قال التوربشتي: وإنما كان الله يحب الحياء والستر لأنهما خصلتان يفضيان به إلى التخلق بأخلاق الله وقال الطيبي: وصف الله بالحياء والستر تهجنا لكشف العورة وحثا على تحري الحياء والستر (فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (3)) أي يستر عورته بما لا يصف اللون وجوبا إن كان بحضرته من يحرم النظر إلى عورته وندبا في غير ذلك ومن ثم ندبوا أن لا يدخل الماء إلا بإزار وعد الشافعية من سنن الغسل أن يستر عورته بإزار إن لم يحضر من يحرم نظره إليه بأن كان بخلوة أو حضرة من يحل نظره إليه كحليلته قالوا: وأما غسله عليه السلام متجردا فلبيان الجواز فإن حضره من يحرم نظره لعورته وعلم منه أنه لا يغض بصره عنه لزمه الاستتار منه وحرم التكشف كما في الروضة والمجموع ويجوز كشف العورة في الخلوة لأدنى غرض كالتبرد فالغسل أولى (حم د) في الحمام (ن) في الطهارة (عن يعلى) بفتح الياء واللام (بن أمية) تصغير أمة التميمي وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه وعبد الملك بن أبي سليمان قال في الكاشف عن أحمد ثقة يخطىء وأورده في الضعفاء وقال ثقة له حديث منكر   (1) أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي لا يلحق الإنسان من خوف كأن ينسب إلى القبيح وأما النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل فإذا ورد الحياء في حق الله فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمه يل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته وكذا الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام وله غاية وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه اه (2) الستر بفتح السين أي يحب من فيه ذلك ولهذا جاء في الحديث الحياء من الإيمان وجاء أيضا من ستر مسلما ستره الله اه (3) قال العلقمي وسببه كما في أبي داود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز - بفتح الباء الموحدة هو الفضاء الواسع - فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن الله - فذكره اه الحديث: 1729 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 1730 - (إن الله تعالى) في رواية إن ربكم (حيي) بكسر الياء الأولى (كريم) أي جواد لا ينفد عطاؤه (يستحيي [ص: 229] إذا رفع الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل وصف طردي (إليه يديه) سائلا متذللا (أن يردهما صفرا) أي خاليتين (خائبتين) من عطائه لكرمه والكريم يدع ما يدعه تكرما ويفعل ما يفعله تفضلا فيعطي من لا يستحق ويدع عقوبة المستوجب والكريم المطلق هو الله فإذا رفع عبده يديه متذللا مفتقرا حاضر القلب موقنا بالإجابة حلال المطعم والمشرب كما يفيده قوله في خبر مسلم فأنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام يكره حرمانه وإن لم يستوجب المسؤول وقد يعطي الكافر ما يسأله لشدة كرمه. قال الزمخشري في الفائق: قوله يستحيي إلى آخره جملة مستأنفة بإعادة من استؤنف عنه الحديث يعني حياؤه وكرمه يمنعه أن يخيب سائله. اه. وفي الكشاف هو جار على سبيل التمثيل وفيه ندب رفع اليدين في الدعاء ورد على مالك حيث كره ذلك. قال ابن حجر: وقد ورد في رفع اليدين أخبار صحيحة صريحة لا تقبل تأويلا. اه. لكن عدم الرد لا يتوقف على الرفع إذا توفرت الشروط وإنما قيد به لأنه حال السائل المتذلل المضطر عادة (حم د) في الصلاة (ت هـ) في الدعوات (ك) كلهم (عن سلمان) الفارسي بفتح المهملة وسكون اللام. قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم على شرطهما ونوزع بأن فيه كما بينه الصدر المناوي وغيره جعفر بن ميمون قال أحمد ليس بقوي لكن قال ابن حجر سنده جيد الحديث: 1730 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 1731 - (إن الله تعالى ختم سورة البقرة بآيتين) وهما من قوله {آمن الرسول} إلى آخرها وقيل هن {لله ما في السماوات " إلخ فعلى الأول أول الآية الثانية {لا يكلف} وعلى الثانية أولها {آمن الرسول} فجعلها إلى آخر السورة آية واحدة (أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم) خصهم لأهمية تعليمهم لا لإخراج غيرهم (فإنهما صلاة) أي رحمة لما فيهما من رفع الخطأ والنسيان ورفع الإصر وتحميل ما لا يطاق وغير ذلك (وقرآن ودعاء) أي هما يشتملان على ذلك وقوله فتعلموهن بعد قوله آيتان من قوله تعالى {هذان خصمان اختصموا} {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (ك) في فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح عن معاوية عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير (عن أبي ذر) ثم قال على شرط البخاري فرده الذهبي بأن معاوية لم يحتج به البخاري قال ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلا الحديث: 1731 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 1732 - (إن الله خلق الجنة) التي هي دار الثواب (بيضاء) أي نيرة مضيئة فترابها وإن كان من زعفران لكن ذلك الزعفران له لمعان وبريق يعلوه نور وإشراق وبياض وشجرها وإن كان أخضر لكنه يتلألأ نورا وإشراقا (وأحب شيء إلى الله) في رواية وأحب الزي إلى الله (البياض) فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به موتاكم وفي رواية خلق الله الجنة بيضاء وإن أحب اللون إلى الله البياض وسئل الحبر عن أرض الجنة فقال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل ما نورها قال أما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس؟ فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير رواه ابن أبي الدنيا بإسناد قال السمهودي حسن ولا ينافيه خبر إن ترابها الزعفران لأن الأرض نفسها بيضاء والتراب الذي هو فوق الأرض أصفر وفي خبر ابن ماجه ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ. واعلم أن الأشياء كلها من آثار الفضل والعدل والفضل من الجمال والعدل من الملك والقدرة فمن الجمال نشأت الرحمة وظهر العطف والفضل حتى اهتزت الجنة وربت وأشرقت بنور ربها وازينت فمن ثم كانت بيضاء نورانية مشحونة بالروح والريحان ومن الملك بدأ الغضب فاسعرت النار واسودت فهي سوداء مظلمة من غضبه وما هي إلا نظرة وجفوة فأهل الثواب سعدوا منه بنظرة واحدة وأهل العقاب شقوا بجفوة واحدة والخلق إيجاد الشيء على تقدير [ص: 230] واستواء (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي عقب عزوه للبزار فيه هشام بن زياد وهو متروك وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشيء عجاب فقد خرجه ابن ماجه عن ابن عباس المذكور بلفظ إن الله خلق الجنة بيضاء وأحب الزي إليه البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم انتهى بلفظه الحديث: 1732 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 1733 - (إن الله خلق خلقه) أي الثقلين فإن الملائكة ما خلقوا إلا من نور ولم يخلقوا من ظلمة الطبيعة والميل إلى الشهوة والغفلة عن معالم الغيب (في ظلمة) أي كائنين في ظلمة الطبيعة فالنفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة والركون إلى المحسوسات والغفلة عن معالم الغيب وأسرار عالم القدس (فألقى) وفي رواية للحكيم بدله رش والإلقاء في الأصل طرح الشيء حيث يلقاه ثم صار في التعارف إسما لكل طرح (عليهم من نوره) أي شيئا من نوره ومن إما للتبيين أو للتبعيض أو زائدة وكذا في من ذلك النور وهو ما نصب من الشواهد والرباهين وأنزل من الآيات والنذر (فمن) شاء الله هدايته (أصابه من ذلك النور يومئذ) فخلص من تلك الظلمة (واهتدى) إلى إصابة طرق السعداء (ومن أخطأه ذلك النور) أي جاوزه وتعداه لعدم مشاهدة تلك الآيات وإبصاره تلك البراهين الجليات (ضل) أي بقي في ظلمة الطبيعة متحيرا كالأنعام كما هو حال الفجرة المنهمكين في الشهوات المعرضين عن الآيات والنذر أو المراد خلق الذر المستخرج من صلب آدم فعبر بالنور عن الألطاف التي هي تباشير صبح الهداية وإشراق لمع برق العناية ثم أشار بقوله أصاب وأخطأ إلى ظهور أثر تلك العناية في الإنزال من هداية بعض وضلال بعض أو معنى في ظلمته جهالا عن معرفة الله لأن العبودية لا تدرك الربوبية إلا بإحداث المعرفة منها لها وهو معنى ألقى عليهم من نوره أي هدى من شاء فعبر عن الهدى بالنور فلا يعرف الله إلا بالله فالدلائل لإلزام الحجة لا سبب للهداية بمجردها وإلا لاهتدى بها كل ناظر وكم نظر فيها ذو عقل سليم وفهم قويم وفكر مستقيم ولم يزده ذلك إلا ضلالا. قال الطيبي: والتوفيق بين ما ذكر من معنى هذا الحديث وحديث كل مولود يولد على الفطرة أن الإنسان مركب من الحيوانية المقتضية العروج إلى عالم القدس وهي مستعدة لقبول فيضان نور الله الهادي ومهيؤ للتحلي بحلية الدين ومن النفسانية المائلة إلى الخلود في الأرض والانهماك في الشهوات والركون إلى المرديات فلاحظ في هذا الحديث أن الإنسان خلق على حالة لا ينفك عنها إلا من أصابه من ذلك النور الملقى عليه وذلك الحديث لمح إلى القضاء بقوله كل مولود يولد على الفطرة واختار بعض محققي الصوفية تبعا للحكيم الترمذي إجراء هذا الحديث على ظاهره وحمل الظلمة والنور على الحقيقة فقال: خلقهم كالنجوم الدراري ثم سلبهم الضوء فوضعهم في ترابية التربة التي أراد منها إنشاء خلق آدم وقد طمس ضوءهم فلبثوا في تلك الظلمة إلى أن مضى نحو خمسين ألف سنة فصاروا في طول ذلك اللبث في تلك الظلمة ثلاث أصناف فصنف منهم قال: الذي ملكنا لم يدم ملكه فعجز عنا وإلا لما تركنا هنا كالمنسي وصنف قالوا: نحن هنا ننتظر ما يكون وهو دائم وصنف صارت تلك الترابية في أفواههم فقال: ما الذي رأيتم مني حتى تنسبوني إلى العجز وانقطاع الملك فصارت هذه الكلمة ختما على أفواههم وهو قوله {ختم الله على قلوبهم} فالختم لا يرفع أبدا والصنف الثاني شكوا فهم ينتظرون لما يكون فما استقرت قلوبهم فتناثرت تلك الترابية على أفواه قلوبهم لتذبذبهم مرة إقبالا ومرة إعراضا فصار قفلا والقفل قد يفتح إن شاء فذلك قوله تعالى {أم على قلوب أقفالها} والصنف الثالث قالوا: مالكنا دائم إن شاء جعلها في ظلمة وإن شاء جعلها في نور فقال أنتم لي علمتم فصارت هذه الكلمة مكتوبة على قلوبهم فمن أصابته يمينه فهم الأولياء ومن أصابته يده الأخرى فعامة الموحدين فتناولهم فصيرهم في قبضته وصارت هذه الكلمة مكتوبة بين أعين أفئدتهم فذلك قوله {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} و {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} فهذه [ص: 231] كانت صفتهم فلم يزل ينقلهم من حال إلى حال حتى ظهروا في طينة آدم وأعطاهم كلهم الصورة وظهرت في الطينة ثم لما نفخ فيه أخرج أصحاب اليمين من كتفه الأيمن كهيئة الذر في صفاء وتلألىء وأصحاب الشمال من كتفه الأيسر كالحمحمة السوداء والسابقين أمام الفريقين وهم الرسل والأنبياء والأولياء فقررهم كلهم وأخذ عهودهم وميثاقهم على الإقرار له بالعبودية ثم ردهم إلى الأصلاب ليخرجهم تناسلا من أرحام الأمهات فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي: أي لا أبالي بما يعملون من خير أو شر فأما أصحاب اليمين فصاروا بيضا من ذلك النور الذي أصابهم والآخرون سودا من الظلمة التي خلقهم فيها <فائدة> سأل عبد الله بن طاهر أمير خراسان المأمون الحسين بن الفضل عن قوله تعالى {كل يوم هو في شأن} مع هذا الخبر فقال: هي شؤون يبديها ولا يبتديها فقام إليه وقبل رأسه (حم ت ك) وكذا ابن حبان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وصححه أيضا ابن حبان وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات وقال ابن حجر رحمه الله تعالى فتاويه: إسناده لا بأس به وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه لم يزيدوا فيه على ما ذكره والأمر بخلافه بل بقية الحديث عندهم فلذلك أقول جف القلم على علم الله انتهى لكن ادعى بعضهم أن قائل ذلك هو ابن عمرو فلعل المؤلف يميل إلى هذا القول فقوله ولذلك أي من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من إيمان وطاعة وكفر ومعصية أقول جف القلم الحديث: 1733 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 1734 - (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة) أصلها ما يضم عليه من كل شيء (قبضها من جميع) أجزاء (الأرض) أي ابتداء خلقه من قبضته فمن ابتدائية إن كان من قبضة متعلقا بخلق وإن كان حالا من آدم تكون بيانية والقبضة هنا مطابقة الآية {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} في بيان تصوير عظمة الله وإن كل المكونات الآفاقية والأنفسية منقادة لإرادته ومسخرة بأمره أي فليس هنا قبضة بالحقيقة بل هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي لخلقه ذكره الطيبي وغيره وقال الكمال ابن أبي شريف أخذا من كلام بعضهم المراد بالقبض هنا حقيقة لكن إنما قبضها عزرائيل عليه السلام ملك الموت فلما كان القبض بأمره تعالى نسب إليه ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور وأبو حاتم عن أبي هريرة إن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض فلما هوى ليأخذ منها قالت أسألك بالذي أرسلك لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب فتركها فلما رجع إلى ربه أخبره فأرسل آخر فقال مثل ذلك قال الذي أرسلني أحق بالطاعة فأخذ من وجهها ومن طيبها ومن خبيثها. الحديث. (فجاء بنو آدم على قدر الأرض) أي على قدر لونها وطبعها فخلق من الحمراء الأحمر ومن البيضاء الأبيض ومن سهلها سهل الخلق اللين الرقيق ومن حزنها ضده ومن ثم (جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك) من الألوان {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} قيل خلق آدم من ستين نوعا من أنواعها وطبائعها فاختلفت بنوه كذلك ولذا وجب في الكفارة إطعام ستين ليكون بعدد هذه الأنواع ليعم الكل بالصدقة (والسهل) بفتح فسكون أي الذي فيه رفق ولين (والحزن) بفتح وسكون أي الذي فيه عنف وغلظة فالسهل من الأرض السهلة والفظ الغليظ الجافي من ضدها (والخبيث والطيب وبين ذلك) أي فالخبيث من الأرض السبخة والطيب من العذبة (1) ومن [ص: 232] ثم اختلفت قوى الإنسان فتقبل كل قوة منها ما يأتيها من المواد فيزيد لذلك وينقص ويصلح لذلك ويفسد ويطيب ويخبث لما ذكر من أنه أنشئ من أشياء مختلفة وطبائع شتى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} ذكره البيضاوي. وقال الطيبي: ولما كانت الأوصاف الأربعة الأولى من الأمور الظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وتركت الأربعة الأخيرة مفتقرة إلى تأويل لأنها من الأخلاق الباطنة فإن المعنى بالسهل الرفق واللين وبالحزن الخرق والعنف وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضرر وخسار في الدارين والذي سبق له الكلام في الحديث هو الأمور الباطنة لأنها داخلة في حديث القدر من الخير والشر وأما الظاهرة من الألوان وإن كانت مقدرة فلا إعتبار لها (حم د) في السنة (ت) في التفسير (ك هق عن أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان وغيره   (1) وما أحسن قول القائل: الناس كالأرض ومنهاهم. . . من خشن في اللمس أو لين فجندل تدمي به أرجل. . . والمد يجعل في الأعين وكذا جميع الدواب والوحوش فالحية أبدت بجوهرها حيث خانت آدم حتى لعنت وأخرجت من الجنة وافأر قرض حبال سفينة نوح والغراب أبدى جوهره الخبيث حيث أرسله نوح من السفينة ليأتيه بخبر الأرض فأقبل على جيفة وتركه الحديث: 1734 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 1735 - (إن الله خلق الخلق) أي المخلوقات ثم جعلهم فرقا (فجعلني) أي صيرني تعالى (في خير فرقهم) جمع فرقة أي أشرفها (وخير الفريقين) وفي نسخ الفرقتين (ثم تخير القبائل) أي اختار خيارهم فضلا (فجعلني في خير قبيلة) من القرب هذا بحسب الإيجاد أي قدر إيجادي في خيرها قبيلة (ثم تخير البيوت) أي اختارهم شرفا (فجعلني في خير بيوتهم) أي في أشرف بيوتهم قال ابن تيمية: وقوله خلق الخلق يحتمل شيئين أحدهما أن الخلق هم الثقلان أو هم جميع ما خلق في الأرض وبنو آدم خيرهم وإن قيل بعموم الخلق حتى تدخل الملائكة أفاد تفضيل جنس بني آدم على جنس الملائكة قال والفريقان العرب والعجم ثم جعل العرب قبائل وجعل قريشا أفضلها بيوتا وجعل بني هاشم أفضلها ويحتمل أنه أراد بالخلق بنو آدم فكان في خيرهم أبا في ولد إبراهيم أبي العرب ثم جعل بني إبراهيم فرقتين بني إسماعيل وبني إسحاق وجعل العرب عدنان وقحطان فجعل بني إسماعيل في بني عدنان ثم جعل بني إسماعيل أو بني عدنان قبائل فجعل في خيرهم قبيلة وهم قريش وأيا ما كان فالحديث صحيح في تفضيل العرب على العجم (فأنا) بفضل الله علي ولطفه في سابق علمه (خيرهم نفسا) أي روحا وذاتا إذ جعلني نبيا رسولا فاتحا خاتما (وخيرهم بيتا) أي أصلا إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح ولم يردفه بقوله ولا فخر كما في خبر أنا سيد ولد آدم ولا فخر لأن هذا بحسب حال المخاطبين في صفاء قلوبهم بما يعلمه من حالهم أو أن هذا بعد ذلك والتفاضل في الأنساب والقبائل والبيوت باعتبار حسن خلقة الذات والتفاضل فيما قام بها من الصفات حتى في الأقوات {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} وهذا جار في سائر المخلوقات أن فضل الله يؤتيه من يشاء فلا إتجاه لما عساه يقال الإنسان كله نوع واحد فما معنى التفاضل في الأنساب (ت عن العباس بن عبد المطلب) قال: قلت يا رسول الله إن قريشا تذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة أي كناسة فذكره الحديث: 1735 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 1736 - (إن الله خلق آدم من طين الجابية) بجيم فموحدة تحتية فمثناة كذلك فاعلة من جباء موضع بالشام وباب الجابية بدمشق معلوم ويعارضه ما مر أنه خلقه من جميع أجزاء الأرض وقد يجاب بأنه قبض من الجابية قبضة ومن جميع أتراب الأرض قبضة ومزجهما (وعجنه بماء من ماء الجنة) إشارة إلى أنه وإن أخرج سيعود إليها فكان من بديع فطرته وعجيب صنعته فأعظم بها من إكرام فلم يكن يصلح له حينئذ مكان يليق به مع هذه المكارم إلا داره فتوجه بتاج الملك وكساه كمال الجمال وأجلسه على الأسرة بمهابة وإجلال حتى جاء وقت السقوط وغلب القضاء والقدر فكان [ص: 233] ما كان <فائدة> قال بعض العارفين: إذا فتح عليك بالتصرف فأت البيوت من أبوابها وإياك والفعل بالهمة بغير آلة ألا ترى إلى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم وعجنها وسواه وعدله ونفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء فأوجد الأشياء على ترتيب ونظام ولو شاء أن يكون ابتداه بغير تخمر ولا عجن لفعل (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) الحديث: 1736 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 1737 - (إن الله) أي الذي لا يستطيع أحد أن يقدر قدره (خلق لوحا محفوظا) وهو المعبر عنه في القرآن المجيد بذلك وبالكتاب المبين وبأم الكتاب وبإمام مبين (من درة بيضاء) لؤلؤة عظيمة كبيرة في نهاية الإشراق وغاية الصفاء وفي حديث البيهقي رضي الله تعالى عنه في الشعب إنه من زبرجدة خضراء وفي رواية لابن أبي حاتم إحدى وجهيه من ياقوت والآخر من زبرجدة خضراء فقد يقال إنه يتلون والبياض لونه الأصلي (صفحاتها) أي جنباتها ونواحيها. قال في الصحاح: صفح الشيء ناحيته وصفحة كل شيء جانبه وصفائح الباب ألواحه (من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه) أي مكتوبة (نور) بين به أن اللوح والقلم ليسا كألواح الدنيا المتعارفة ولا كأقلامها وكذا والكتابة وليس في هذا الخبر ذكر طول اللوح ولا عرضه ولا طول القلم وفي رواية للطبراني عن ابن عباس أن عرضه ما بين السماء والأرض وفي كنز الأسرار عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن طول اللوح ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وهو في حجر ملك يقال له ماطريون وفي تفسير الفخر الرازي من حديث البيهقي عن ابن عباس أيضا أن اللوح بين يدي إسرافيل فإذا أذن له في شيء ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فنظر فإذا كان الأمر من عمل جبريل عليه السلام أمره به أو من عمل ملك الموت أمره به الحديث وأما القلم ففي رواية لأبي الشيخ عن ابن عمران طوله خمس مئة عام (لله في كل يوم) أي أو ليلة كما في حديث ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا أي مقدارهما من الزمن وإلا فليس ثم ليل ولا نهار (ستون وثلاث مئة لحظة) على عدد أجزاء اليوم والليلة فإن ذلك مقسم على ثلاث مئة وستين جزءا كل جزء يسمى درجة فلما كان ذلك أقل ما يحسن بالنسبة إلينا عبر به تقريبا لأفهامنا (يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء) فإن كان العبد على حالة مرضية مهديا رشيدا أدركته اللحظة على حالة مرضية فوصل إلى الأمل من نوال الخير وصرف السوء وإذا كان غاويا فاللحظة بين القدرة والحلم فإما بطش جبار وإما عفو غفار فعلم أن الحديث إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا يقاس عليها غيرها فأخبر عليه السلام أن بيده تصريف الأمور وتكوينها على ما يشاء في أي زمن شاء وخصص الستة الأولى لأهميتها ووقوع أكثر الأفعال إليها ثم عمم (طب) وكذا الحاكم والحكيم (عن ابن عباس) قال أعني ابن عباس لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه قالوا ولم ذلك فذكره قال الهيثمي: ورواه الطبراني من طريقين رجال أحدهما ثقات انتهى ولم يصب ابن الجوزي حيث حكم عليه بالوضع الحديث: 1737 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 1738 - (إن الله خلق الخلق) أي قدر المخلوقات في علمه السابق على ما هم عليه وقت وجودهم (حتى إذا فرغ من خلقه) أي قضاه وأتمه والفراغ تمثيلي وقول الأكمل خلق إن كان بمعنى أوجد فالفراغ على حقيقته رد بأن الفراغ الحقيقي بعد الشغل والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ثم إن ذا بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها للوجود أو بعد خلقها كتبا في اللوح أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله {ألست بربكم} (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسد وتتكلم والقدرة صالحة أو هو تمثيل وإستعارة إذ الرحم معنى وهو الإتصال القربي من النسب فشبهت بمن يحتاج إلى الصلة [ص: 234] فاستعاذ من القطيعة والمراد تفخيم شأنها (فقال) تعالى لها (مه) بفتح فسكون استفهام أي ما تقولين كأنها قامت على هيئة الطالب لشيء والقصد به إظهار الحاجة دون الاستعلام فإنه يعلم السر وأخفى وقيل زجر أي اكففي عن الالتجاء (قالت) بلسان القال أو الحال على ما تقرر (هذا مقام العائذ بك) أي مقامي هذا مقام المستجير بك من القطيعة والعائذ المعتصم بالشيء المستجير به (قال) تعالى (نعم) حرف إيجاب مقرر لما سبق إستفهاما كان أو خبرا (أما) بالتخفيف وفي رواية للبخاري ألا (ترضين) خطاب للرحم والهمزة للاستفهام على سبيل التقرير لما بعد لا النافية (أن أصل من وصلك) بأن أعطف عليه وأحسن إليه فهو كناية عن عظيم إحسانه (1) (وأقطع من قطعك) فلا أعطف عليه فهو كناية عن حرمان إنعامه وإمتنانه (قالت بلى يا رب) أي رضيت (قال) الله تعالى (فذلك لك) بكسر الكاف فيهما أي الحكم السابق حصل لك وصلة الرحم بالمال ونحو عون على حاجة ودفع ضرر وطلاقة وجه ودعاء والمعنى الجامع إيصال الممكن من الخير ودفع الممكن من شر وهذا إنما يطرد إن استقام أهل الرحم فإن كفروا وفخروا فقطيعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ومن ثم قتل أمين هذه الأمة أباه كافرا غضبا لله ونصرة لدينه (ق ن عن أبي هريرة) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}   (1) وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده الحديث: 1738 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 1739 - (إن الله خلق) أي قدر (الرحمة) التي يرحم بها عباده ورحمته إرادة الإنعام أو فعل الإكرام فمرجعها صفة ذاتية أو فعلية فهي حادثة من حيث إنها فعل كائن عن الإرادة (يوم خلقها مئة رحمة) قال التوربشتي: رحمة الله غير متناهية فلا يعتريها التقسيم والتجزئة وإنما قصد ضرب المثل للأمة ليعرفوا التفاوت بين القسطين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الأولى فجعل مقدار حظ الفئتين من الرحمة في الدارين على الأقسام المذكورة تنبيها على المستعجم وتوفيقا على المستفهم ولم يرد به تجريد ما قد حلى عن الحد أو تعديد ما يجاوز العد (فأمسك عنده تسعا وتسعون رحمة وأرسل) وفي رواية وأنزل (في خلقه كلهم رحمة واحدة) تعم كل موجود فكل موجود مرحوم حتى في آن العذاب إذ الكف عن الآشد رحمة وفضل (فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) الواسعة (لم ييأس (1)) أي لم يقنط (من الجنة) أي من شمول الرحمة له فيطمع في أن يدخل الجنة (ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم ييأس من النار) أي من دخولها قال الطيبي: سياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله فكما أن صفاته تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد فكذا عقوبته ورحمته فلو فرض أن المؤمن وقف على كنه صفة القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا فلا يطمع في جنته أحد هذا معنى وضع ضمير المؤمن ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه آخر وهو أن المؤمن اختص [ص: 235] بأن يطمع في الجنة فإذا انتفى منه فقد انتفى عن الكل وكذا الكافر مختص بالقنوط فإذا انتفى القنوط عنه انتفى عن الكل انتهى. وقال المظهر: ورد الحديث في بيان كثرة عقوبته ورحمته لئلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن عذابه. وقال العلائي: هذا بيان واضح لوقوف العبد بين حالتي الرجاء والخوف وإن كان الخوف وقت الصحة ينبغي كونه أغلب أحواله لأن تمحض الخوف قد يوقعه في القنوط فينقله لحالة أشر من الذنوب (ق عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن معاوية بن حيدة وعبادة وغيرهما   (1) وفي نسخة لم يأمن من النار فهو سبحانه غافر الذنب شديد العقاب والمقصود من الحديث أن الشخص ينبغي له أن يكون بين حالتي الرجاء والخوف الحديث: 1739 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 1740 - (إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة (1)) أي أظهر تقديرها يوم أظهر تقدير السماوات والأرض وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحدة في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض) أي ملء ما بينهما وقد مر معنى الطباق ومقصوده التعظيم والتكثير وورود ذلك بهذا اللفظ غير عزيز (فجعل في الأرض منها رحمة) قال القرطبي: هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم (فيها تعطف) أي تحن وترق وتشفق وفي الصحاح عطف عليه شفق وفي المصباح عطفت الناقة على ولدها عطفا حنت (الوالدة على ولدها) من الآدميين وكل ذي روح (والوحش والطير) أي وغيرهما من كل نوع من أنواع ذوات الأرواح ولعل تخصيص الوحش والطير لشدة نفورها والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وحكمة ذلك تسخير القوي للضعيف والكبير للصغير حتى يتحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير (بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) فالرحمة التي في الدنيا يتراحمون بها أيضا يوم القيامة. قال المهلب: الرحمة رحمتان رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد ورحمة من صفة الفعل وهي هذه وقال العارف البوني رضي الله تعالى عنه الذاتية واحدة ورحمته المتعدية متعددة وهي كما في هذا الخبر مئة ففي الأرض منها واحدة يقع بها الارتباط بين الأنواع وبها يكون حسن الطباع والميل بين الجن والإنس والبهائم كل شكل إلى شكله والتسعة والتسعون حظ الإنسان يوم القيامة يتصل بهذه الرحمة فتكمل مئة فيصعد بها في درج الجنة حتى ترى ذات الرحيم وتشاهد رجمته الذاتية (حم م عن سلمان) الفارسي (حم هـ) عن أبي سعيد الخدري   (1) حصره في مئة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله تعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فثبت أن نار الآخرة تفضل نار للدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فالرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي غلبت رحمتي غضبي ويحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع أنواع الرحمة وهذه الرحمة كلها للمؤمنين بدليل قوله تعالى {وكان بالمؤمنين رحيما} وأما الكفار فلا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها الحديث: 1740 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 1741 - (إن الله خلق الجنة) وجمع فيها كل طيب (وخلق النار) وجمع فيها كل خبيث (فخلق لهذه أهلا) وهم السعداء وحرمها على غيرهم (ولهذه أهلا) وهم الأشقياء وحرمها على غيرهم وجعلهما جميعا في هذه الدار سبعا فوقع الابتلاء والامتحان [ص: 236] بسبب الاختلاط وجعلها دار تكليف فبعث إليهم الرسل لبيان ما كلفهم به من الأقوال والأفعال والأخلاق وأمرهم بجهاد الأشقياء فقامت الحرب على ساق فإذا كان يوم القيامة أي يوم الميعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب وأهله في دارهم والخبيث وأهله في دارهم فينعم هؤلاء بطيبهم ويعذب هؤلاء بخبثهم لانكشاف الحقائق. قال البيضاوي: وفيه أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآبائهم وأصول أكوانهم بعد في العدم <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: عن عقائد الإسلام أن تعتقد ان الله سبحانه أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسماءه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلاءه ولو أراد تعالى أن يكون العالم كله سعيد لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه لم يرد فكان كما أراد {فمنهم شقي وسعيد} هنا ويوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد قال في الصلاة وهي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لتصرفي في ملكي وانفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي وجود رحمني لمن اعتنى به من عباده وسبق له ذلك بحضرة إشهاد فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم وأنه من دقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه ولا موجود بنفسه إلا إياه {والله خلقكم وما تعملون} و {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} . <تنبيه> قال بعضهم: خلق الله الجنة والنار وجعلهما دارين إحداهما جهة اليمين والأخرى جهة الشمال هذه كلها خير صرف وهذه كلها شر صرف وأنزل الدين للأمر والنهي على معنى الدارين ثم خلق دار الدنيا بين الدارين فالجنة من القبر إلى أعلى عليين والنار من القبر إلى أسفل سافلين روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فليس بعد الدنيا إلا الجنة والنار فالناس بعد الموت منهم معذب ومنهم منعم في جنة أو نار فالناس وقوف في الدنيا بين الجنة والنار حقيقة وهم لا يشعرون (م) في الإيمان بالقدر وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم (عن عائشة) قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تدرين وفي رواية أو غير ذلك فذكره فنهى عن الحكم على معين بدخول الجنة فلعله قبل علمه بأن أطفال المؤمنين في الجنة. قال في الزواجر: وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن أطفال المؤمنين لا يقطع لهم بدخول الجنة واشتد إنكار العلماء عليه في هذه المقالة الشنيعة المخالفة للقواطع والحديث ظاهره غير مراد إجماعا وإنما هو قبل أن يعلم بأنهم مقطوع لهم بالجنة وإنما الخلاف في أطفال الكفار والأصح أنهم في الجنة أيضا وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يروه إلا كما ذكر والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله ولهذه أهلا ما نصه: وهم في أصلاب آبائهم الحديث: 1741 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 1742 - (إن الله تعالى) لكمال رأفته (ورضي لهذه الأمة اليسر) فيما شرعه لها من أحكام الدين ولم يشدد عليها كما شدد على الأمم الماضية (وكره لها العسر) أي لم يرده بها ولم يجعله عزيمة عليها {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} قال الحراني: واليسر عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر ما يجهد النفس ويضر الجسم ومن رفق الله بهذه الأمة ومعاملتها باليسر والعطف أن شرع لها ما يوافق كتابها وصرف عنها ما تختان فيه لما جبلت عليه من خلافه وهكذا حال الأمر إذا شاء أن يطيعه مأموره يأمره بالأمور التي لو ترك ودواعيه لفعلها وينهاه عن الأشياء التي لو ترك ودواعيه لتجنبها وبه يكون حفظ المأمور من المخالفة وإذا شاء أن يشدد على أمة أمرها بما جبلها على تركه ونهاها عما جبلها على فعله وهو من الآصار المجعولة على الأولين مخفف عن هذه الأمة بإجراء شرعها على وفق جبلتها فجعل لهم حظا من هواهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم أدر الحق معه حيث دار ولهذا كان يأمر الشجاع بالحرب ويكف الجبان حتى لا يظهر فيمن معه مخالفة إلا عن سوء طبع لا يزعه وازع الرفق وذلك قصد العلماء الربانيين في تأديب [ص: 237] كل مريد على اللائق بحاله وجبلته (طب عن محجن) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم (ابن الأدرع) بفتح الهمزة ودال مهملة ساكنة الأسلمي نزل البصرة واختط مسجدها قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 1742 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 1743 - (إن الله رفيق) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر فيكلفهم فوق طاقتهم بل يسامحهم ويلطف بهم ولا يجوز إطلاق الرفيق عليه سبحانه اسما لأن أسماءه سبحانه إنما تتلقى بالنقل المتواتر ولم يوجد ذكره بعض الشراح وأصله قول القاضي الرفق ضد العنف وهو اللطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها والظاهر أنه لا يجوز إطلاقه عليه تعالى لأنه لم يتواتر ولم يستعمل هنا على قصد التسمية وإنما أخبر به عنه تمهيدا للحكم الذي بعده انتهى لكن قال النووي: الأصح جواز تسميته تعالى رفيقا وغيره مما يثبت بخبر الواحد (يحب الرفق) بالكسر لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض وزعم أن المراد يحب أن يرفق بعباده لا يلائم سياق قوله (ويعطي عليه) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي العقبى من الثواب الجزيل (مالا يعطي على العنف) بالضم الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة ووصف الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادا وحثا لنا على تحري الرفق في كل أمر فهو خارج مخرج الأخبار لا التسمية كما تقرر (خد د عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء (هـ حب عن أبي هريرة حم هب عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي: وفيه أبو خليفة ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وصدقه الجمهور وبقية رجاله ثقات (البزار) في مسنده (عن أنس) بإسنادين قال الهيثمي: رجال أحدهما ثفات وفي بعضهم خلاف وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه مسلم من حديث هائشة رضي الله تعالى عنها ولفظه إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه. قال القاضي: وإنما ذكر قوله وما لا يعطي على سواه بعد قوله ما لا يعطي على العنف إيذانا بأن الرفق أبحج الأسباب وأنفعها بأسرها الحديث: 1743 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 1744 - (إن الله زوجني في الجنة) مضافا إلى زوجاتي اللاتي تزوجتهن في الدنيا (مريم بنت عمران) أي جعلها زوجتي فيها وأوقع الماضي موقع المستقبل لتحقق الوقوع (وامرأة فرعون) آسية بنت مزاحم (وأخت موسى) الكليم عليه السلام واسمها مريم كما قاله البيضاوي وغيره قال الحرالي: خلصهن الله من الاصطفاء الأول العبراني إلى اصطفاء عربي علي حتى أنكحهن من محمد النبي العربي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الثلاثة مترتبات في الفضل على هذا الترتيب فأفضلهن مريم اتفاقا فآسية لأنه قيل بنبوتها فأخت موسى لأنه لم يذهب إلى القول بنبوتها أحد. والظاهر أن وقوع التزوج في الجنة (طب عن سعد بن جنادة) بضم الجيم وخفة النون ودال مهملة والد عطية العوفي وفد من الطائف وأسلم قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه الحديث: 1744 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 1745 - (إن الله تعالى سائل) إشارة إلى تحقق وقوع ذلك (كل راع عما استرعاه) أي أدخله تحت رعايته [ص: 238] (أحفظ ذلك أم ضيعه) بهمزة الاستفهام (حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أحفظهم أم ضيعهم فيعامل من قام بحق ما استرعاه عليه بفضله ويعامل من أهمله بعدله وما يعفو الله أكثر (1) قال الطيبي: فيه أن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فعليه أن لا يتصرف إلا بمأذون الشارع فيه وهو تمثيل ليس ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه وزاد في رواية فأعدوا للمسألة جوابا قالوا: وما جوابها قال: أعمال البر خرجه ابن عدي والطبراني قال ابن حجر: بسند حسن واستدل به على أن المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر من في حكمه وفيه بيان كذب الحديث الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية ففي آداب القضاء للكرابيسي عن الشافعي رضي الله عنه بسنده دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث إن الله إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات فقال له كذب ثم تلا {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} إلى {بما نسوا يوم الحساب} فقال الوليد: إن الناس ليغروننا (ن حب عن أنس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه معاذ بن هشام حديثه في الستة لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين صدوقا وليس بحجة وقال غيره له غرائب وتفردات   (1) أي ويرضى خصماء من شاء بجوده وكما يسأله عن أهل بيته يسأل أهل بيته عنه فظاهر الحديث أن الحكام أولى بالسؤال عن أحوال الرعايا من سؤال الرجل عن أهل بيته الحديث: 1745 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 1746 - (إن الله سمى) وفي رواية إن الله أمرني أن أسمي ولا تعارض لأن المراد أنه أمره بإظهار تسميتها (المدينة طابة) بمنع صرفها وفي بعض روايات البخاري طابة بالتنوين بجعلها نكرة وهي تأنيث طاب من الطيب وأصلها طيبة قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكان اسمها يثرب فكرهه النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الثرب في معنى القبح فبين أن الله سماها طابة لتيطيب مكانها بالدين أو لخلوصها من الشرك وتطيبها منه أو لطيب رائحتها وأمورها كلها أو لحلول الطيب بها وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم أو لكونها تنفي خبثها ويبقى طيبها أو لغير ذلك (1) وتسميتها في التنزيل يثرب وقوله في حديث هذه يثرب باعتبار ما عند المنافقين أو نزول الآية سابق على التسمية (حم م ن عن جابر بن سمرة) ولم يخرجه البخاري   (1) أو لطيب ترابها وهوائها ومساكنها وطيب العيش بها قال بعض العلماء من أقام بالمدينة يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها الحديث: 1746 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 1747 - (إن الله تعالى صانع) بالتنوين وعدمه (كل صانع وصنعته) أي مع صنعته فهو خالق للفاعل والفعل لقوله تعالى {والله خلقكم وما تعملون} وبهذا أخذ أهل السنة وهو نص صريح في الرد على المعتزلة وكمال الصنعة لا يضاف إليها وإنما يضاف إلى صانعها وهذا الحديث قد احتج به لما اشتهر بين المتكلمين والفقهاء من إطلاق الصانع عليه تعالى قال المؤلف فاعتراضه بأنه لم يرد وأسماؤه تعالى توقيفية غفلة عن هذا الخبر وهذا حديث صحيح لم يستحضره من اعترض ولا من أجاب بأنه مأخوذ من قوله {صنع الله} انتهى ومنعه بعض المحققين بأنه لا دليل لما صرحوا به من اشتراط إذ لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو {أم نحن الزارعون} {والله خير الماكرين} وهذا الحديث من ذلك القبيل وبأن الكلام في الصانع بأل بغير إضافة وما في الخبر مضاف وهو لا يدل على جواز غيره بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر لم يأخذوا منه أن الصاحب بغير قيد من أسمائه تقدس نعم صح من حديث الحاكم والطبراني اتقوا الله فإن الله فاتح لكم مصانع وهذا دليل واضح للمتكلمين والفقهاء لا غبار عليه ولم [ص: 239] يستحضره المؤلف ولو استحضره لكان أولى له مما يحتج به في عدة مواضع قال الذهبي: واحتج به من قال الإيمان صفة للرحمن غير مخلوق كذا رأيته بخطه (تتمة) قال الراغب: سئل بقراط عن دلالة الصانع فقال دل الجسم على صانعه فجمع بهذه اللفظة دلالة حدوث العالم لأن الجسم يدل على أنه مصنوع ولا بد له من صانع ولم يصنع نفسه وصانعه حكيم (خ في خلق أفعال) أي في كتاب خلق أفعال (العباد) وهو كتاب مفرد مستقل (ك) في الإيمان وصححه (والبيهقي في) كتاب الأسماء (والصفات) كلهم (عن حذيفة) مرفوعا لكن لفظ الحاكم إن الله خالق بدل صانع ثم قال على شرط مسلم وأقره الذهبي وتقييد المصنف العزو للبيهقي بكتاب الأسماء يؤذن بأنه لم يخرجه في كتابيه اللذان وضع لهما المصنف الرمز وهما الشعب والسنن وليس كذلك فقد خرجه في الشعب باللفظ المزبور عن حذيفة المذكور الحديث: 1747 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 1748 - (إن الله تعالى طيب) بالتلقيل أي منزه عن النقائص مقدس عن الآفات والعيوب وكل وصف خلا عن كمال أو طيب الثناء أو مستلذ الأسماء عند العارفين بها وكيف ما كان فهو من أسمائه الحسنى لصحة الخبرية كالجميل قال الراغب: وأصل الطيب ما تستلذه النفس والحواس والطيب من الناس من تزكى عن نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأفعال (يحب الطيب) أي الحلال الذي يعلم أصله وجريانه على الوجه الشرعي العاري عن ضروب الحيل وشوائب الشبه فلا تقبل ولا ينبغي أن يتقربوا إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى وهو من خيار أموالكم (كريم يحب الكرم) أي في حياته لا البخل في حياته الكريم عند موته بدليل الخبر المار وقوله (جواد) بالتخفيف (يحب الجود) عطف خاص على عام (نظيف) أي منزه عن سمات الحدوث متعال في ذاته عن كل نقص (يحب النظافة) أي نظافة الباطن بخلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الهوى والأمراض القلبية من نحو غل وحقد وحسد وغيرهما ومجانبة كل مطعم وكل مشرب وكل ملبس من حرام وشبهة ونظافة الظاهر بترك الأدناس وملابسة العبادات ومفهومه أنه يبغض ضد ذلك وبه صرح في الخبر الآتي بقوله إن الله يبغض الوسخ الشعث ولا ينافيه خبر إن الله يحب المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس إذ لا يلزم من كون الثوب خشنا أو باليا أن يكون وسخا فالمنهي عنه إنما هو التزين والتصنع والتغالي في اللباس (فنظفوا) ندبا (أفنيتكم) جمع فناء وهو الفضاء أمام الدار قال الطيبي: الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار وهي ما أمام الدار وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة كانت أدعى لجلب الضيفان وتناوب الواردين والصادرين وإليه ينظر قول الحماسي: فإن يمس مهجور الفناء فربما. . . أقام به بعد الوفود وفود وفي رواية بدله عذراتكم وهو بمعناه قال الزمخشري: العذرة الفناء وبه سميت العذرة لإلقائها فبها كما سميت بالغائط وهو المطمئن (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف وأصله تتشبهوا (باليهود) في قذاراتهم وقذارة أفنيتهم ومن ثم كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه مزيد حرص على النظافة وقد اختار الحق سبحانه من كل جنس أطيبه فاختصه لنفسه والطيب من كل شيء هو مختاره دون غيره وأما خلقه فعام للنوعين وبه يعرف عنوان سعادة العبد وشقاوته فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يسكن إلا إليه ولا يطمئن إلا به وبين الطيب والخبيث كمال الانقطاع ومنع الاجتماع (ت عن سعد) وحسنه ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر وفيها شهر بن حوشب وهو ضعيف والأولى سالمة منه الحديث: 1748 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 1749 - (إن الله تعالى عفو) أي متجاوز عن السيئات (يحب العفو) لما سبق أنه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من اتصف بشيء منها ويبغض من اتصف بأضدادها ولهذا يبغض قاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم. قال [ص: 240] العارف ابن أدهم رضي الله عنه خلا لي الطواف ليلة مطيرة فقلت بالملتزم يا رب اعصمني فقيل لي كل عبادي يطلبون العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر؟ قال الراغب رحمه الله: العفو والصفح صورتا الحلم ومخرجاه إلى الوجود فالعفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح ترك التثريب واشتقاقه من تجاوز الصفحة التي أثبت فيها ذنوبه والإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى ما كان فيه وهو محمود إذا كان على الوجه الذي يحب والعفو إنما يستحب إذا كانت الإساءة مخصوصة بالعافي كمن أخذ ماله أو شتم عرضه فإن عادت بالضرر على الشرع أو الناس فله ترك العفو (ك عن ابن مسعود) عبد الله (عد عن عبد الله بن جعفر) الحديث: 1749 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 1750 - (إن الله تعالى عند) وفي رواية ذكرها المطرزي: وراء (لسان كل قائل) أي يعلمه قال في المغرب هذا تمثيل والمعنى أنه تعالى يعلم ما يقوله الإنسان ويتفوه به فمن يكون عند الشيء مهيمنا لديه محافظا عليه (فليتق الله عبد) نكرة للوقوع أو إشارة إلى قلة المتقين (ولينظر) أي يتأمل ويتدبر (ماذا يقول) أي ما يريد للنطق به هل هو عليه أو له {وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فجميع ما ينطق به مكتوب عليه مسؤول عنه. قال الليث: مررنا براهب فنودي طويلا فلم يجب ثم أشرف فقال يا هؤلاء لساني سبع فأخاف أن أرسله فيأكلني. وقال بعض العارفين: إياك والمراء في شيء من الدين وهو الجدال فإنك لا تخلو أن تكون فيه محقا أو مبطلا كما يفعل الفقهاء اليوم في مجالس مناظراتهم يلتزم أحدهم في ذلك مذهبا لا يعتقده وقولا لا يرتضيه وهو يحاول به الحق الذي يعتقده أنه حق ثم تخدعه النفس بأن تقول له إنما تفعل ذلك لتنفتح الخواطر لا لإقامة الباطل وما علم أنه تعالى عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده أنه فقيه عمل على ذلك الباطل فلا يزال الإثم عليه ما دام ذلك السامع يعمل بما سمع منه (حل) من حديث محمد بن إسماعيل العسكري عن صهيب بن محمد بن عباد عن مهدي عن وهب بن أبي الورد عن محمد بن زهير (عن ابن عمر) بن الخطاب ومحمد بن زهير قال الذهبي قال الأزدي ساقط (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور الحديث: 1750 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 1751 - (إن الله تعالى غيور) فعول من الغيرة الحمية والأنفة وهي محال على الله تعالى لأنها هيجان الغضب يسبب ارتكاب ما ينهى عنه فالمراد لازمها وهو المنع والزجر عن المعصية (يحب الغيور) في محل الربية كما يفيده قوله في الحديث الآتي غيرتان غيرة يحبها الله (وإن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (غيور) فهو لذلك يحبه لأن من لمح لمحا من وصف كان من الموصوف به باللطف لطف ووصف كل مرتبة بحسبها (رستة) بضم الراء وسكون المهملة وفتح المثناة لقب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني الحافظ (في الإيمان) أي في كتاب الإيمان له (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي قاضي أفريقية (مرسلا) قال في الكاشف منكر الحديث مات سنة 113 الحديث: 1751 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 1752 - (إن الله تعالى قال من عادى) من المعاداة ضد الموالاة (لي) متعلق بقوله (وليا) (1) وهو من تولي الله بالطاعة فتولاه الله بالحفظ والنصر فالولي هنا القريب من الله باتباع أمره وتجنب نهيه وإكثار النفل مع كونه لا يفتر [ص: 241] عن ذكره ولا يرى بقلبه سواه (فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته بأني سأحاربه {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} ومن حاربه الله أي عامله معاملة المحارب من التجلي عليه بمظاهر القهر والجلال وهذا في الغاية القصوى من النهديد والمراد عادى وليا لأجل ولايته لا مطلقا فخرج نحو محاكمته لخلاص حق أو كشف غامض فلا يرد خصومة العمرين رضي الله عنهما لعلي والعباس رضي الله عنهما ومعاداته لولايته إما بإنكارها عنادا أو حسدا أو بسبه أو شتمه ونحو ذلك من ضروب الإيذاء وإذا علم ما في معاداته من الوعيد علم ما في موالاته من الثواب (وما تقرب إلي عبدي بشيء) أي بفعل طاعة (أحب إلي مما افترضه عليه (2) أي من آدابه عينا أو كفاية لأنها الأصل الذي ترجع إليه جميع الفروع والأمر بها جازم يتضمن أمرين الثواب على فعلها والعقاب على تركها فالفرض كالأس والنفل كالبناء عليه (ولا يزال عبدي) الإضافة للتشريف (يتقرب) وفي رواية يتحبب (إلي بالنوافل) أي التطوع من جميع صنوف العبادة (حتى أحبه) بضم أوله وفتح ثالثه (فإذا أحببته) لتقربه إلي بما ذكر حتى قلبه بنور معرفتي (كنت) أي صرت (سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) يعني يجعل الله سلطان حبه غالبا حتى لا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله عونا له على حماية هذه الجوارح عما لا يرضاه أو هو كناية عن نصرة الله وتأييده وإعانته له في كل أموره وحماية سمعه وبصره وسائر جوارحه عما لا يرضاه وحقيقة القول ارتهان كلية العبد بمراضي الرب على سبيل الاتساع فإنهم إذا أرادوا اختصاص شيء بنوع اهتمام وعناية واستغراق فيه ووله به ونزوع إليه سلكوا هذا الطريق قال: جنوني فيك لا يخفى. . . وناري فيك لا تخبو. . . وأنت السمع والناظر. . . والمهجة والقلب ولمشائخ الصوفية رضي الله تعالى عنهم في هذا الباب فتوحات غيبية وإشارات ذوقية تهتز منها العظام البالية لكنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم فعلم مشربهم بخلاف غيرهم فلا يؤمن عليه من الغلط فيهوي في مهواة الحلول والاتحاد والحاصل أن من تقرب إليه بالفرض ثم النفل قربه فرقاه من درجة الإيمان مقام الإحسان حتى يصير ما في قلبه من المعرفة يشاهده بعين بصيرته وامتلاء القلب بمعرفته يمحي كل ما سواه فلا ينطق إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نظر فيه أو سمع فيه أو بطش فيه وهذا هو كمال التوحيد (وإن سألني لأعطينه) مسؤوله كما وقع لكثير من السلف (وإن استعاذ بي) روي بنون وروي بموحدة تحيتية والأول الأشهر (لأعيذنه) مما يخاف وهذا حال المحب مع محبوبه وفي وعده المحقق المؤكد بالقسم إيذان بأن من تقرب بما مر لا يرد دعاؤه (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن) أي ما أخرت وما توفقت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن أتوقف عليه حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقا إلى انخراطه في سلك المقربين والتبوىء في أعلا عليين أو أراد بلفظ التردد إزالة كراهة الموت عن المؤمن بما يبتلي به من نحو مرض وفقر فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب المذكورة يشبه فعل المتردد فعبر به عنه (يكره الموت) لصعوبته وشدته ومرارته وشدة ائتلاف روحه لجسده وتعلقها به ولعدم معرفته بما هو صائر إليه بعده (وأنا أكره مساءته) وأريده له لأنه يورده موارد الرحمة والغفران والتلذذ [ص: 242] بنعيم الجنان فالمراد ما رددت شيئا بعد شيء مما أريد أن أفعله بعبدي كترددي في إزالة كراهة الموت عنه بأن يورد عليه حوادث يسأم معها الحياة ويتمنى الموت كما تمنى علي كرم الله وجهه الموت لاختلاف رعيته عليه وقتالهم له مع كونه الإمام الحق وقد يحدث الله بقلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه ما يشتاق به إلى الموت فضلا عن كراهته فيأتيه وهو له مؤثر وإليه مشتاق وذلك من مكنون ألطافه فسبحان اللطيف الخبير وهذا أصل في السلوك كبير (خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) قال في الميزان غريب جدا ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد لغرابة لفظه وانفراد شريك به وليس بالحافظ ولم يرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه غير البخاري   (1) المراد بالولي العارف بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته (2) دخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية والفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرها من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه الحديث: 1752 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 1753 - (إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا) من الإنس (ألسنتهم أحلى من العسل) فيها يملقون ويداهنون (وقلوبهم أمر من الصبر) فيها يمكرون وينافقون وإطلاق الحلاوة والمرارة على ما ذكر مجاز قال الزمخشري: من المجاز حلا فلان في صدري وفي عيني وهو حلو اللقاء وحلو الكلام وأمر ومر وما أمر فلان وما أحلا (فبي حلفت) أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك كما أفاده تقديم المعمول (لأتيحهم) بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لإتاحة وأنزلها بهم والإتاحة التقدير فالمراد لأقدرن عليهم (فتنة) أي بلاء ومحنة عظيمة كما يفيده التنكير (تدع الحليم) باللام (منهم حيران) أي تترك تلك الفتنة العاقل متحيرا أي لا يقدر على دفع تلك الفتنة ولا كف شرها (فبي يغترون أم علي يجترئون) الهمزة للإستفهام الإنكاري والإغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى وترك التوبة والإجتراء الإنبساط والتخشع ذكره القاضي وقال الطيبي: أم منقطعة أنكر أولا اغترارهم بالله وإمهاله إياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم عليه وهذا تهديد أكيد ووعيد شديد على النفاق العملي وكل الأمراض القلبية من غل وحقد وحسد وغيرها وفيه تحذير من الإغترار به تعالى ومن سوء عاقبة الجرأة عليه (ت) في الزهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال حسن غريب الحديث: 1753 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 1754 - (إن الله تعالى قال أنا خلقت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده) وفي رواية يديه (الخير وويل لمن قدرت يده الشر) وذلك لأنه تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وسلط عليها الهوى وامتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى ثم أوجب على العبد في هذه المدة القصيرة التي هي بالإضافة إلى الآخرة كساعة من نهار أو كبلل ينال الأصبع حين يداخلها في بحر من البحار عصيان النفس الأمارة ومنعها من الركون إلى الدنيا ولذاتها لتنال حظها من كرامته فأمرها بالصيام عن محارمه ليكون فطرها عنده يوم القيامة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ابن مالك بن يحيى البكري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي رواه ابن شاهين أيضا في شرح السنة من حديث أبي أمامة وسنده ضعيف الحديث: 1754 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 1755 - (إن الله تعالى قبض) حين شاء (أرواحكم) عن أبدانكم أيها الذين ناموا في الوادي عن صلاة الصبح وذلك بأن قطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا فالقبض مجاز عن سلب الحس والحركة الإرادية لأن النائم كمقبوض الروح [ص: 243] في سلبها عنه فهو من قبيل {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} ولا يلزم من قبض الروح الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط (حين شاء وردها عليكم) عند اليقظة (حين شاء) وحين شاء في الموضعين ليس لوقت واحد فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون فحين الأولى خبر عن أحيان متعددة والمراد بذلك أنه لا لوم عليكم في نومكم حتى خرج وقت الصلاة إذ ليس في النوم تفريط ولا ينافيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مر بعلي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهما نائمان حتى طلعت الشمس أنكر عليهما فقال علي رضي الله عنه إن نواصينا بيد الله إن شاء أنامها وإن شاء أقامها فولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وضرب بيده على فخده قائلا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} لأن قصده بذلك حثهما على عدم التفريط بالاسترسال في النوم وهذا قاله حين نام هو وصحبه عن الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس فسلاهم به وقال اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن فيه شيطانا فلما خرجوا قال (يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة) كذا هو مشدد الذال أي أذن وبالموحدة فيهما في رواية البخاري وفي رواية له فآذن بالمد وحذف الموحدة من بالناس وأذن معناه أعلم والمراد به الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الآذان المشروع فإن مشروعيته كانت بعد ذكره عياض فلما اذن قام المصطفى صلى الله عليه وسلم فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى والأنبياء وإن كانوا لا تنام قلوبهم لكن صرف الله قلبه للتشريع وأما الجواب بأنه كان له حالات فتارة ينام قلبه وتارة لا: فضعفه النووي. والجواب الذي صححه أن رؤيا الشمس من وظائف البصر ضعفه جمع بأن النفوس القدسية تدرك الأشياء بلا واسطة آلة ألا ترى إلى خبر أتموا الصفوف فإني أراكم من خلف ظهري قال الطيبي رحمه الله تعالى: فإن قلت: كيف أسند هذه الغفلة ابتداء إلى الله ثم أسنده إلى الشيطان ثانيا؟ قلت: هو من المسألة المشهورة في خلق أفعال العباد وكسبها وتقريرها أن الله أراد خلق الإنسان والنوم فيهم فمكن الشيطان من اكتساب ما هو جالب للغفلة والنوم من الهدوء وغيره. قال في المطامح: والكلام في الروح من وراء حجاب إلا في حق من كشف له عن عالم الملكوت والصحيح أن العلم بحقيقتها غير متعذر لكنه أغمض من كل المعلومات وأعسر من جميع المطلوبات جعله الله آية عظيمة من الآيات ودلالة من الدلالات يجب القطع به وأنه مخلوق وفيه الأذان للفائتة وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأحمد والشافعي رضي الله تعالى عنهما في القديم وفي الجديد لا وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه واختار النووي رضي الله تعالى عنه الأول لهذا الحديث وندب الأذان قائما لقوله قم ذكره عياض ورده النووي رضي الله تعالى عنه بأن المراد بقوله قم اذهب إلى محل بارز فناد فيه للصلاة ليسمعك الناس ولا تعرض فيه للقيام حال الأذان (حم خ د ن عن أبي قتادة) الأنصاري وهذا الحديث كثير الفوائد فمن أرادها فليراجع شروح الصحيح الحديث: 1755 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 1756 - (إن الله قد حرم النار) أي نار الخلود لما ثبت أن طائفة من الموحدين يعذبون ثم يخرجون بدليل أخبار الشفاعة (من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) أي يقولها خالصا من قلبه يطلب بها النظر إلى وجه الله تعالى وظاهر الخبر الاكتفاء بقولها مرة واحدة في أي وقت كان من العمر لكن بشرط الاستمرار على اعتقاد مدلولها إلى الموت المشار إليه بخبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأجرى بعضهم الحديث على ظاهره من إطلاق التحريم على النار وقال الكلام فيمن قالها بالإخلاص والصدق وهم فريقان أعلى وأدنى فالأدنى من يقف عند صنعه وأمره كالعبيد أما صنعه فهو حكمه عليه من عز وذل وصحة وسقم وفقر وغنى بأن يحفظ جوارحه السبع عن كل حكم به عليه وأما أمره فأداء الواجبات وتجنب المحرمات والإعلاء ان يكون في هذين حافظا لقلبه قد راض نفسه وماتت شهواته [ص: 244] ورضي بأحكام الله وقنع بما أعطاه الله وفطم نفسه عن اللذات وانقاد لأمره ونهيه إعظاما لجلاله فخمدت نار شهوة النفس وخرج القلب من أسرها وقهرها فاستمسك بالعروة الوثقى فقوي واتصل بربه اتصالا لا يجد العدو إليه سبيلا لإلقاء شرك أو شك لما لزم قلبه من ذلك النور فإذا انتهى إلى الصراط صار ذلك النور وقاية من تحت قدمه ومن فوقه ومن حوله وأمامه فإذا مر بالنار قالت له يا مؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي فهو محرم عليها وهي محرمة عليه أما من قال لا إله إلا الله ونفسه ذات هلع وشره وشهوة غالبة فائرة بدخان لذاتها كدخان الحريق مضيعة لحقوق الله مشحونة بالكذب والغش والخيانة كثيرة الهواجس والاضطرار فليست النار محرمة عليه بل يدخلها للتطهير إلا أن يتداركه عفو إلهي وغفر رباني (ق عن عتبان) بكسر العين المهملة وسكون المثناة فوق وبموحدة تحتية (ابن مالك) الخزرجي السالمي بدري روى عنه أنس وغيره مات زمن معاوية قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال: أين مالك بن الدخشم فقال رجل: ذاك منافق لا يحب الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله: وإن الله قد حرم. إلى آخره الحديث: 1756 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 1757 - (إن الله قد أمدكم) بالتشديد أي زادكم كما جاء مصرحا به في رواية من مد الجيش وأمده إذا زاده وألحق به ما يكثره. قال القاضي: والإمداد اتباع الثاني للأول تقوية وتأكيدا له من المدد وروي زادكم (بصلاة هي خير لكم من حمر) بسكون الميم (النعم) بالتحريك الإبل وهي أعز أموال العرب وأنفسها فجعلت كناية عن خير الدنيا كأنه قيل هذه الصلاة خير مما تحبون من عرض الدنيا وزينتها لأنها ذخيرة للآخرة {والآخرة خير وأبقى} (الوتر) بالجر بدل من صلاة والرفع خبر مبتدأ محذوف قال القاضي: ولا دلالة فيه لوجوب الوتر إذ الإمداد والزيادة يحتمل كونه على سبيل الوجوب وكونه على سبيل الندب وقال غيره: ليس فيه دلالة على وجوبه إذ لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد ففي حديث البيهقي عن أبي سعيد مرفوعا إن الله زادكم صلاة على صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر وقال الطيبي: قوله إن الله أمدكم وارد على سبيل الامتنان على أمته مرادا به مزيد فضل على فضل كأنه قيل إن الله فرض عليكم الخمس ليؤجركم بها ويثيبكم عليها ولم يكتف بذلك فشرع التهجد والوتر ليزيدكم إحسانا على إحسان وثوابا على ثواب وإليه لمح بقوله {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} ولفظ لك يدل على اختصاص الوجوب به فدل مفهومه على أنه غير واجب على الغير (جعلها الله لكم) أي جعل وقتها (فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) تمسك به من ذهب إلى أن الوتر لا يقضى وبه قال مالك وأحمد وسفيان وعطاء وغيرهم (حم د ت هـ قط ك) كلهم (عن خارجة بن حذافة) بن غانم القرشي العدوي الذي كان يعد بألف فارس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهو الذي قتله عمرو بن بكير الخارجي يظنه عمرو ليلة قتل علي ثم قال الحاكم صحيح تركاه لتفرد التابعي عن الصحابي وقال ابن حجر: ضعفه البخاري وقال ابن حبان: منقطع ومتن باطل وقال الفرياني في اختصار الدارقطني فيه عبد الله بن راشد عن أبي قرة لم يسمع منه وليس ممن يحتج به ولا يعرف لابن أبي قرة سماع من خارجة وقال ابن عدي: لم يسمع من أبيه وليس له إلا هذا الحديث وفي الميزان حديثه عن خارجة في الوتر لم يصح وقال ابن حجر ورواه أحمد عن معاذ وفيه ضعف وانقطاع والطبراني عن عمرو بن العاص وفيه ضعف والحاكم والطحاوي عن أبي نضرة وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن توبع الدارقطني عن ابن عباس وفيه النضر الخراز متروك وابن حبان عن ابن عمر وادعى أنه موضوع وقال البزار أحاديث هذا الباب كلها معلولة انتهى الحديث: 1757 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 [ص: 245] 1758 - (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه) أي حظه ونصيبه الذي فرض له المذكور في آيات المواريث الناسخة للوصية للوالدين والأقربين (فلا وصية لوارث) ولو بدون الثلث إن كانت ممن لا وارث له غير الموصى له وإلا فموقوفة على إجازة بقية الورثة لقوله في الخبر الآخر إلا أن تجيز الورثة كذا قرره بعضهم وقال ابن حجر: المراد بعدم صحة الوصية للوارث عدم اللزوم لقوله لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة وقد كانت الوصية قبل نزول آية المواريث واجبة للأقربين فلما نزلت بطلت في الوصايا (عن أنس) قال إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل علي لعابها فسمعته يقول فذكره فظاهر صنيعه حيث اقتصر علي عزوه لابن ماجة أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه ابن حجر وغيره لأحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة ونحوه باللفظ المذكور بعينه قال ابن حجر: وهو حسن الإسناد. اه. وقال في موضع آخر: سنده قوي وقال في موضع آخر: ورد من طرق لا يخلو إسناد منها من مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم إلى أن هذا المتن متواتر إلى هنا كلامه وقال في تخريج المختصر رجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن أبي سعيد فمختلف فيه فقيل هو المقبري فلو ثبت هذا كان الحديث على شرط الصحيح لكن الأكثر على أنه شيخ مجهول وذهب الذهبي قبله في التنقيح إلى صحته حيث قال رادا على ابن الجوزي بل حديث صحيح الحديث: 1758 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 1759 - (إن الله تعالى قد أوقع) أي صير (أجره) أي أجر عبد الله بن ثابت الذي تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قبل خروجه (على قدر نيته) أي فيكتب له أجر الشهادة وإن كان مات على فراشه وهذا يحتمل كونه خصوصية لذلك الصحابي ويحتمل العموم (مالك) في الموطأ (حم د ن هـ حب ك) كلهم (عن جابر بن عتيك) وفي نسخة عبيد - فليحرر - ابن قيس الأنصاري من بني غنم بن سلمة صحابي جليل اختلف في شهوده بدرا وشهد ما بعدها الحديث: 1759 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 1760 - (إن الله تعالى قد أجار) في رواية بإسقاط قد (أمتي) أي حفظ علماءها عن (أن تجتمع على ضلالة) أي محرم ومن ثم كان إجماعهم حجة قاطعة فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله إذ الواحد منهم غير معصوم بل كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ونكر ضلالة لتعم وأفردها لأن الإفراد أبلغ (ابن أبي عاصم) وكذا اللالكائي في السنة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: غريب ضعيف لكن له شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن ميمون الحديث: 1760 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 1761 - (إن الله كتب) أي أوجب أو طلب والأول هو موضوع كتب عند أكثر أهل العرف لكن الثاني أولى لشموله للمندوب ومكملاته (الإحسان) مصدر أحسن وهو هنا ما حسنه الشرع لا العقل خلافا للمعتزلة والمراد طلب تحسين الأعمال المشروعة باتباعها بمكملاتها المعتبرة شرعا (على) أي في كما في {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} أو إلى (كل شيء) غير الباري تقدس غني بذاته عن إحسان كل ما سواه فشمل الحيوان آدميا أم غيره والنبات لاحتياجه للنمو والملائكة بأن تحسن عشرتهم فلا يفعل ما يكرهه الحفظة ولا يأكل ماله ريح كريه والجن بنحو نيتهم بسلام الصلاة وغير ذلك والإحسان لشياطينهم بالدعاء لهم ككفار الإنس وبالإسلام وفي إفهام كتب إشعار بأنه لا يتقاصر عنه من كتب عليه إلا انشرم دينه كما ينشرم خرز القربة المكتوب فيها ذكره الحرالي (فإذا قتلتم) قودا أو حدا غير قاطع طريق وزان محصن لإفادة نص آخر التشديد فيهما وغيره نحو حشرات وسباع فلا حظ لهما في الإحسان على ما قيل لكنه عليل إذ وجوب قتلها لا ينافي إحسان كيفيته وفرع هذا وما بعده على ما قبله مع أن صور الإحسان لا تحصر لكونها الغاية في إيذاء الحيوان [ص: 246] فإذا طلب الإحسان إليهما فغيرهما أولى (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف هيئة القتل بأن يختاروا أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها زهوقا لكن تراعى المثلية في القاتل في الهيئة والآلة إن أمكن وإلا كلواط وسحر فالسيف (وإذا ذبحتم) بهيمة تحل (فأحسنوا الذبحة) بالكسر بالرفق بها فلا يصرعها بعنف ولا يجرها لتذبح بعنف وبإحداد الآلة وتوجيهها للقبلة والتسمية والإجهاز ونية التقرب بذبحها وإراحتها وتركها إلى أن تبرد وشكر الله حيث سخرها لنا ولم يسلطها علينا ولا يذبحها بحضرة أخرى سيما بنتها أو أمها (وليحد أحدكم) أي كل ذابح (شفرته) بالفتح وجوبا في الكالة وندبا في غيرها وهي السكين وشفرتها حدها فسميت به تسمية للشيء باسم جزئه وينبغي مواراتها منها حال حدها للأمر به في خبر (وليرح) بضم أوله من أراح إذا حصلت له راحة (ذبيحته) بسقيها عند الذبح ومر السكين عليها بقوة ليسرع موتها فترتاح وبالإمهال بسلخها حتى تبرد وعطف ذا على ما قبله لبيان فائدته إذ الذبح بآلة كالة يعذبها فراحتها ذبحها بآلة ماضية والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة وتاؤها للنقل من الوصفية إلى الإسمية قالوا وهذا الحديث من قواعد الدين (حم م عد عن شداد بن أوس) الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان ممن أوتي العلم والحكمة الحديث: 1761 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 1762 - (إن الله تعالى كتب) أي قضى وقدر يقال هذا كتاب الله أي قدره ومنه {كتب عليكم الصيام} {كتب عليكم القصاص} . قال الزمخشري: سألني بعض المغاربة ونحن بالطواف عن القدر فقلت هو في السماء مكتوب في الأرض مكسوب (على ابن آدم حظه من الزنا) أي خلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه وركز في جبلته حب الشهوات فمن للبيان وهو مع مجروره حال من حظه ذكره القاضي (أدرك ذلك لا محالة) بفتح الميم أي أصاب ذلك ووصل إليه البتة ولا لنفي الجنس قال الجوهري: حال كونه تغير وحال عن العهد انقلب وحال الشيء بيننا حجز والمحالة الحيلة يقال المرء يعجز لا محالة وقولهم لا محالة أي لا بد قال البيضاوي: وهذا استئناف جواب عمن قال هل يخلص ابن آدم عنه قال ابن رسلان كلما سبق في العلم لا بد أن يدركه لا يستطيع دفعه لكن يلام على صدوره منه لتمكنه من التمسك بالطاعة وبه تندفع شبه القدرية والجبرية وقال الطيبي: الجملة الثانية مترتبة على الأولى بلا حرف الترتيب تعويضا لاستفادته إلى ذهن السامع والتقدير كتب الله ذلك وما كتبه لا بد أن يقع (فزنا العين النظر) إلى ما لا يحل من نحو أجنبية وأمرد (وزنا اللسان المنطق) وفي رواية النطق بدون ميم أي بما لا يجوز وإطلاق الزنا على ما بالعين واللسان مجاز لأن كل ذلك من مقدماته (والنفس تمنى) أي تتمنى فحذف إحدى التاءين أي وزنا النفس تمنيها (وتشتهي) أي اشتهاؤها إياه (والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) أي إن فعل بالفرج ما هو المقصود من ذلك صار الفرج مصدقا لتلك الأعضاء وإن ترك ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مكذبا ذكره القاضي وقال الطيبي: سمى هذه الأشياء باسم الزنا لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج لأنه منشؤه ومكانه أي يصدق بالإتيان لما هو المراد منه ويكذبه بالكف عنه والترك قال الزمخشري في قوله كذب عليك الحج كذب كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم وهو في معنى الأمر يريد أن كذب هنا تمثيل لإرادة تلك ما سولت لك نفسك من التواني في الحج وكذا ما نحن فيه من الاستعارة التمثيلية شبه صورة حالة الإنسان من إرساله الطرف الذي هو رائد القلب إلى النظر إلى المحارم وإصغائه الأذن إلى السماع ثم انبعاث القلب إلى الإشتهاء والتمني ثم استدعائه منه فصار ما يشتهى وتمنى باستعمال الرجلين في المشي واليدين في البطش والفرج في تحقيق مشتهاه فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه وإذا امتنع عن ذلك خيبة فيه ثم استعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في جانب المشبه به من التصديق والتكذيب ليكون [ص: 247] قرينة للتمثيل وقد نظر المحاسبي رضي الله عنه إلى هذا حيث قال: وكنت متى أرسلت طرفك رائدا. . . لقلبك يوما تعنك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر. . . عليه ولا عن بعضه أنت صابر قال الطيبي: والإسناد في قوله والفرج يصدقه أو يكذبه مجازي لأن الحقيقي هو أن يسند إلى الإنسان فأسنده إلى الفرج لأنه مصدر الفعل والسبب الأقوى وهذا ليس على عمومه لعصمة الخواص وقد يحتمل بقائه على عمومه بتكلف وبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج زنبه بزنا اللسان بالكلام على زنا الفم بالتقبيل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل ومكذبا له إن لم يحققه فكان الفرج هو الموقع وفيه أن العبد لا يخلق فعل لنفسه لأنه قد يريد الزنا فلا يطاوعه الذكر ولو كان خالقا لفعله لم يعجز عما يريده مع استحكام الشهوة (ق د ن عن أبي هريرة) قال ابن حجر ورواه أحمد والطبراني أيضا الحديث: 1762 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 1763 - (إن الله تبارك) تعاظم (وتعالى) تنزه عما يليق بعلا كماله (كتب الحسنات والسيئات) أي قدرهما في علمه على وفق الواقع أو أمر الحفظة بكتابتهما (ثم بين) الله تعالى (ذلك) للكتبة من الملائكة حتى عرفوه واستغنوا به عن استفساره في كل وقت كيف يكتبونه (فمن هم بحسنة) أي عقد عزمه عليها (فلم يعملها) بفتح الميم (كتبها الله تعالى) للذي هم بها أي قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (عنده حسنة كاملة) لا نقص فيها وإن نشأت عن مجرد الهم والعندية للتشريف ومزيد الاعتناء سواء كان الترك لمانع أم لا قيل: ما لم يقصد الإعراض عنها جملة وإلا لم تكتب واطلاع الملك على فعل القلب بإطلاع الله تعالى أو بأن يخلق له علما يدرك به أو بأن يجد للهم بها ريحا طيبة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم أي الحسنة (كتبها الله) أي قدر أو أمر (عنده) تشريفا لصاحبها (عشر حسنات) لأنه أخرجها من الهم إلى ديوان العمل و {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبع مئة ضعف) بكسر الضاد أي مثل وقيل مثلين (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع والله يضاعف لمن يشاء قال في الكشاف: مضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل (وإن هم بسيئة فلم يعملها) بجوارحه ولا بقلبه (كتبها الله عنده) عندية تشريف (حسنة كاملة) ذكره لئلا يظن أن كونها مجرد هم ينقص ثوابها وفي خبر مسلم الكف عن الشر صدقة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم (كتبها الله تعالى) عليه (سيئة واحدة) لم يعتبر مجرد الهم في جانب السيئة واعتبره في جانب الحسنة تفضلا منه سبحانه واستثنى البعض الحرم المكي فتضاعف فيه وفيه (ولا يهلك على الله إلا هالك) أي من أصر على السيئة وأعرض عن الحسنات ولم ينفع فيه الآيات والنذر فهو غير معذور فهو هالك أو من حتم هلاكه وسدت عليه سبل الهدى أو من غلبت آحاده وهو السيئات عشراته وهي الحسنات المضاعفة إلى أضعاف كثيرة وأعظم بمضمون هذا الحديث من منة إذ لولاه لما دخل أحد الجنة لغلبة السيئات على الحسنات (ق عن ابن عباس) ظاهره أن كلا من الشيخين روى الكل ولا كذلك بل الجملة الأخيرة رواها مسلم فقط دون البخاري كما نبه عليه ابن حجر الحديث: 1763 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 1764 - (إن الله كتب كتابا) أي أجرى [ص: 248] القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به إرادته أزلا إثبات الكاتب على ما في ذهنه بقلمه على اللوح أو قدر وعين مقادير تعيينا بتا يستحيل خلافه (قبل أن يخلق السماوات والأرض) جمع السماوات دون الأرض وهن مثلهن لأن طبقاتها بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفها وعلو مكانها (بألفي عام) كنى به عن طول المدة وتمادي ما بين التقدير والخلق من المدد فلا ينافي عدم تحقيق الأعوام قبل السماء والأعوام مجرد الكثرة وعدم النهاية مجازا أو العدد من غير حصر فلا ينافي الزيادة ثم الظاهر أن المراد إحداث اللفظ أو ما يدل عليه في علم ملك أو في اللوح أو في كتاب كما قيل {في صحف مكرمة} الآية ولا إشكال وإن أراد الأمر الأزلي فتوجيهه أن المراد بالقبلية مجرد التقدم ومن البين تقدم الأزلي على حدوث كل حادث وما قيل إن الأزلي لا يتصف بالقبلية فهو بالمعنى المذكور ممنوع فإنه لا يقتضي وقوع المقدم في الزمن كتقدم الزمن الماضي على المستقبل فالمعنى أنه تحقق دون خلق السماء وقد تخلل بينهما مقدار كثير فتأمله ليظهر به اندفاع ما لكثيرين هنا (وهو عند) وفي رواية وهو عنده فوق (العرش) أي علمه عند العرش والمكتوب عنده فوق عرشه تنبيها على تعظيم الأمر وقيل لله ما في السماوات وعلى ما مر وجلالة قدر ذلك الكتاب فإن اللوح المحفوظ تحت العرش والكتاب المشتمل على الحكم فوق العرش قال القاضي: ولعل السبب فيه أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك وقضية هذا العالم وهو عالم العدل المشار إليه بقوله بالعدل قامت السماوات والأرض إثابة المطيع وعقاب العاصي حسبما يقتضيه العمل من خير أو شر وذلك يستدعي غلبة الغضب على الرحمة لكثرة موجبه ومقتضيه كما قال تعالى {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم} الآية. وقبول إثابة التائب والعفو عن المشتغل بذنبه فيه كما قال {وإن ربك لذو مغفرة للناس} أمرا خارجا عنه مترقيا منه إلى عالم العقل الذي هو فوق العرش وفي أمثال هذا الحديث أسرار إفشاؤها بدعة انتهى وقيل كونه عند العرش عبارة عن كونه مستورا عن جميع الخلق مرفوعا عن حيز الإدراك (وأنه أنزل منه) أي من جملة الكتاب المذكور (الآيتين) اللتين (ختم بهما سورة البقرة) أي جعلها خاتمتهما وأولهما {آمن الرسول} إلى آخرها وقيل {لله ما في السماوات} على ما مر (ولا يقرآن في دار) يعني مكان دارا أو خلوة أو مسجد أو مدرسة أو غيرها (ثلاث ليال) في كل ليلة منها وكذا في ثلاث أيام فيما يظهر: إنما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانشار الشياطين (فيقر بها شيطان) فضلا عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى ومن التقرير المار عرف أنه لا تعارض بين قوله هنا ألفي عام وفي خبر ابن عمر وخمسين ألف سنة على أن اختلاف الزمنين في إثبات الأمر لا يقتضي التناقض لجواز أن لا يكون مظهر الكوائن في اللوح دفعة بل تدريجيا وفائدة التوقيت تعريفه إيانا فضل الآيتين إذ سبق الشيء بالذكر على غيره يدل على اختصاصه بفضيلته ذكره القاضي تلخيصا من كلام التوربشتي قال الطيبي: وخلاصة ما قرراه: الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام ومن جملتها كتابة القرآن ثم خلق الله خلقا من الملائكة وغيرهم فأظهر كتابة القرآن عليهم قبل ان يخلق السماوات والأرض بألفي عام وخص من ذلك هاتين الآيتين وأنزلهما مختوما بهما أولى الزهراوين ونظير الكتابة بمعنى الإظهار على الملائكة قراءة طه ويس عليهم قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام تنبيها على جلالتهما وشرفهما قال: ويجوز أن لا يراد بالزمانين التجريد بل نفس السبق فالمبالغة فيه للشرف والله أعلم بحقيقة الحال قال: والفاء في قوله فيقربها للتعقيب أي لا يوجد ولا يحصل قراءتهما فيتعقبهما قربان الشيطان فالنفي مسلط على المجموع (ت ن ك عن النعمان بن بشير) وفيه أشعث بن عبد الرحمن قال في الكاشف أبو زرعة وغيره غير قوي وأورده في الضعفاء وقال قال النسائي ليس بقوي ورواه الطبراني قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 1764 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 [ص: 249] 1765 - (إن الله تعالى كتب في أم الكتاب) اللوح المحفوظ أو علمه الأزلي (قبل أن يخلق السماوات والأرض: إنني أنا الرحمن) الرحيم أي الموصوف بكمال الإنعام بحلائل الالآء ودقائقها (خلقت الرحم) أي قدرتها (وشققت لها اسما من اسمي) لأن حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن فهما من أصل واحد وهو الرحمة أو يقال الرحم مشتقة من الرحمة المشتق منها اسم الرحمن (فمن وصلها وصلته) أي أحسنت إليه وأنعمت عليه (ومن قطعها قطعته) أي أعرضت عنه وأبعدته عن رحمتي ولم أزد له في عمره كما سيجيء في خبر إن صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار قال الحكيم: خلق الله الرحم بيده وشق لها اسما من اسمه ثم أرسل حواشي قميص الرحمة من العرش ليتعلق الخلق بها فمن وصل الرحم فقد تعلق بحاشية القميص ومن قطعها قصرت يده عن حواشي القميص فانقطع عن رحمة الله ولم يبق له إلا رحمة التوحيد. <تنبيه> الرحم ضربان رحم قرابة وولادة ورحم إيمان وإسلام ورحم القرابة نوعان رحم يرث ورحم لا يرث ورحم تجب نفقته بالحكم كالأصول والفروع ورحم لا تجب نفقته بالحكم كالحواشي بل بالصلة والإحسان والصلة تكون بالمال وتكون بالزيارة والإحسان وبالصفح في الأقوال وبالعون في الأفعال وبالألفة بالمحبة والإجتماع وغير ذلك من معاني التواصل هذا في الدنيا وأما فيما بعد الموت فبالاستغفار لهم والدعاء ونحو ذلك ومن الصلة للرحمين تعليمهم ما يجهلون وتنبيههم على ما ينفعهم ويضرهم (طب) وكذا الأوسط (عن جرير) قال الزين العراقي: وفيه الحكم بن عبد الله أبو مطيع وهو متروك وتبعه الهيثمي الحديث: 1765 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 1766 - (إن الله تعالى كتب) أي فرض (عليكم السعي) بين الصفا والمروة في النسك فمن لم يسع لم يصح حجه عند الثلاثة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه واجب لا ركن فيجير بدم ويصح حجه (فاسعوا) أي اقطعوا المسافة بينهما بالمرور كما يرشد إليه قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية دن إذا نزل من الصفا يمشي فليس المراد بالسعي العدو كما وهم وأصل السعي الإسراع في المشي حسا أو معنى ذكره الحرالي (طب عن ابن عباس) قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام حج عن الرمل فذكره قال الهيثمي: وفيه الفضل بن صدفة وهو ضعيف انتهى وفي الباب حديث صحيح وهو ما رواه جمع منهم ابن المبارك من حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية عن نسوة من بني عبد الدار قلن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد إلى السعي حتى إذا بلغ زقاق بني فلان استقبل الناس فقال يا أيها الناس اسعوا إن الله قد كتب عليكم السعي قال الذهبي في التنقيح: إسناده صحيح ورواه أيضا الشافعي وأحمد رضي الله عنهما لكن فيه عندهما عبد الله بن المؤمل فيه ضعف قال ابن حجر لكن إذا انضمت إلى رواية الطبراني تقوت الحديث: 1766 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 1767 - (إن الله كتب الغيرة) بفتح الغين أي الحمية والأنفة (على النساء) أي حكم بوجود الغيرة فيهن على رجالهن ومن ضرائرهن فليصبرن على جهاد أنفسهن عند ثورانها كما يصبر الرجال على جهاد الأعداء فإن لم تجاهد إحداهن نفسها وشيطانها ذهب كمال دينها وظفر بها شيطانها بتسخطها وظلمها زوجها فضرتها وربما جنت أو أهلكت نفسها فقد قالت امرأة لعمر زنيت فخذني فقال زوجها: ما فعلت بل حملتها الغيرة (والجهاد على الرجال فمن صبر) القياس [ص: 250] صبرت لكن ذكره رعاية للفظ من (منهن إيمانا واحتسابا) أي لوجه الله تعالى وطلبا للثواب (كان لها مثل أجر الشهيد) أي إنسان قتل في معركة الكفار بسبب القتال فهذه تقابل وتجبر تلك النقيصة وهي عدم قيامهن بالجهاد الذي كتب على الرجال وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغير بما يصدر عنها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند قال ابن حجر رحمه الله لا بأس به عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه. وخرج بقوله من صبر من لم يصبر فإن أظهرت الضجر والسخط فلا أجر لها أصلا وبقوله إيمانا واحتسابا من صبرت ولم تحتسب صبرها فلا يكون لها أجر شهيد لكن لها أجر في الجملة (طب) والبزار كلاهما من حديث عبيد بن الصباح عن كامل عن أبي العلاء عن الحكم عن إبراهيم بن علقمة (عن ابن مسعود) قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت امرأة عريانة فقام إليها رجل فألقى عليها ثوبا وضمها إليه فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسبها غيرى ثم ذكره قال البزار لا نعلمه إلا من هذا الوجه وعبيد لا بأس به وكامل كوفي مشهور على أنه لم يشاركه أحد فيه انتهى وقال الهيثمي: فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم ووثقه البزار وبقية رجاله ثقات وقال في الميزان عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم وساق هذا الخبر من مناكيره وفي اللسان أورده العقيلي في الضعفاء ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به اه. لكنه في الفتح عزاه للبزار وحده ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم هكذا قال الحديث: 1767 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 1768 - (إن الله تعالى كره لكم ثلاثا) أي فعل خصال ثلاث أحدهما اللغو (عند) قراءة القرآن أي التكلم بالمطروح من القول عند تلاوته بل ينبغي الإنصات والاستماع {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وخرج باللغو الكلام لفائدة دينية كتفسير غريبه والبحث في نحو شيء من أحكامه (و) ثانيها (رفع الصوت في الدعاء) فإن من تدعونه يعلم السر وأخفى {وهو معكم أينما كنتم} وفي رواية عند الدعاء أي يسن الإنصات عند دعاء الداعي وعدم اللغو حالتئذ حيث كان ذلك الدعاء مشروعا (و) ثالثها (التخصر في الصلاة) أي وضع اليد على الخاصرة حال الصلاة فيكره تزينها ودعوى أن المراد يتوكأ على عصا فيها أو أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين لا يكملها في فريضة بعيد من السياق ولو كثر اللغو حتى أدى إلى التخليط على القارىء أو كان الرفع يؤذي نحو مصل أو كان التخصر كبرا وإعجابا كانت الكراهة للتحريم (عب عن) أبي نصر (يحيى بن أبي كثير) ضد القليل الطائي مولاهم اليمامي لإمام أحد الأعلام واسم أبيه صالح أو يسار أو دينار من كبار التابعين وعبادهم (مرسلا) قضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية الإرسال مع ما فيها من الإعلال وهو ذهول فقد خرجه الديلمي من حديث جابر مرفوعا الحديث: 1768 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 1769 - (إن الله تعالى كره لكم ستا) من الخصال أي فعلها أولها: (العبث في الصلاة) أي اللعب أي عمل ما لا فائدة فيه (و) ثانيها: (المن في الصدقة) فإنه محبط لثوابها {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن} (و) ثالثها: (الرفث في الصيام) أي الكلام الفاحش فيه (و) رابعها: (الضحك عند القبور) فإنه يدل على قسوة القلب الموجبة للبعد عن الرب بل اللائق إكثار البكاء والقراءة والدعاء (و) خامسها: (دخول المساجد) عبر بصيغة الجمع ليفيد عدم اختصاص النهي ببعضها كمسجده الشريف [ص: 251] أو الحرم المكي أو الأقصى (وأنتم جنب) يعني دخولها بغير مكث فإنه مكروه تنزيها أو خلاف الأولى ومع اللبث حرام (و) سادسها: (إدخال العيون البيوت) عمدا (بغير إذن) من أهلها يعني نظر الأجنبي إلى من في داخل بيت غيره بغير إذنه فإنه يكره تحريما ومن ثم جاز لرب الدار أن يخذقه ويفقأ عينه أي إن لم يندفع إلا بذلك (ص) وكذا ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار الحمصي (عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) قال ابن حجر وهو في مسند الشهاب من هذا الوجه وقال ابن طاهر عبد الله بن دينار هو الحمصي وليس المدني وهذا منقطع الحديث: 1769 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 1770 - (إن الله تعالى كره لكم البيان كل البيان) أي التعمق والمبالغة في إظهار الفصاحة في النطق وتكلف البلاغة في أساليب الكلام لأنه يجر إلى أن يرى الواحد منا لنفسه فضلا على من تقدمه في المقال ومزية عليه في العلم أو الدرجة عند الله لفضل خص به عنهم فيحتقر من تقدمه ولا يعلم المسكين أن قلة كلام السلف إنما كان ورعا وخشية لله ولو أرادوا الكلام وإطالته لما عجزوا غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله تلاشت عقولهم وانكسرت قلوبهم وقصرت ألسنتهم والبيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة في المعنى <تنبيه> قال الزمخشري: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم والذكاء وأصله الكشف والظهور (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف قال الزين العراقي: ورواه ابن السني في رياض المتعلمين عن أبي أمامة بسند ضعيف الحديث: 1770 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 1771 - (إن الله تعالى كريم) أي جواد لا ينفذ عطاؤه (يحب الكرم) لأنه من صفاته وهو يحب من تخلق بشيء منها كما سبق (ويحب معالي الأخلاق) من الحلم ونحوه من كل خلق فاضل لما ذكر (ويكره) لفظ رواية أبي نعيم ويبغض (سفسافها) بفتح أوله المهمل أي رديئها. قال ابن عبد السلام: الصفات الإلهية ضربان: أحدهما يختص به كالأزلية والأبدية والغنى عن الأكون والثاني يمكن التخلق به وهو ضربان: أحدهما لا يجوز التخلق بها كالعظمة والكبرياء والثاني ورد الشرع بالتخلق به كالكرم والحلم والحياء والوفاء فالتخلق به بقدر الإمكان مرض للرحمن مرغم للشيطان. <تنبيه> قال في الصحاح: السفساف الرديء من الشيء كله والأمر الحفير وقال الزمخشري: تقول العرب شعر سفساف وكل عمل لم يحكمه عامله فقد سفسفه. وكل رجل مسفسف لئيم العطية ومن المجاز قولهم تحفظ من العمل السفساف ولا تسف له بعض الإسفاف وسام جسيمات الأمور ولا تكن. . . مسفا إلى ما دق منهن دانيا (طب حل ك عن سهل بن سعد) قال الحافظ العراقي بعدما عزاه لمن ذكر خلا أبي نعيم إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات الحديث: 1771 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 1772 - (إن الله تعالى لم يبعث نبيا ولا) استخلف (خليفة) فضلا عن غيرهما وفي رواية من خليفة كالأمراء فإنهم خلفاء الله على عباده (إلا وله بطانتان) تثنية بطانة بالكسر وليجة وهو الذي يعرفه الرجل بأسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب هنا كما شبه بالشعار في خبر: الأنصار شعار والناس دثار ذكره القاضي (بطانة تأمره بالمعروف) أي ما عرفه الشرع وحكم بحسنه وفي رواية بدل بالمعروف بالخير (وتنهاه عن المنكر) ما أنكره الشرع ونهى [ص: 252] عن فعله قال ابن حجر: البطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والمتعدد (وبطانة لا تألوه خبالا) أي لا تقصر في إفساد أمره وهو اقتباس من قوله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} واتستشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي لأنه وإن جاز عقلا أن يكون في من يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور من أن يصغي إليه ولا يعمل بقوله لعصمته وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك وهو قوله (ومن يوق بطانة السوء) بأن يعصمه الله تعالى منها (فقد وقى) أي وقي الشر كله فهذا هو منصب النبوة الذي لا يجوز عليهم غيره وقد يحصل لغيرهم بتوفيقه تعالى وهدايته وفي الولاة من لا يقبل إلا من بطانة الشر وفيهم من يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء أخرى فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لظهوره وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال ابن التين وغيره يحتمل أن يريد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل الملك والشيطان ويحتمل النفس الأمارة واللوامة إذ لكل منهم قوة ملكية وقوة حيوانية والحمل على الأعم أتم لكن قد لا يكون للبعض إلا البعض وحينئذ فعلى الحاكم أن لا يبادر بما تلقى إليه حاشيته حتى يبحث عنه وأن يتخذ لسره ثقة مأمونا فطنا عاقلا لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبول قول غير موثوق به إذ كان هو حسن الظن فيلزمه التثبت والتدبر ويسأل الله الهداية والتبصر (خد ت عن أبي هريرة) قال في الكبير صحيح غريب وفي الباب غيره أيضا وهو في البخاري بزيادة ونقص الحديث: 1772 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 1773 - (إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم) من الأمراض القلبية والنفسية أو الشفاء الكامل المأمون الغائلة (فيما حرم) بالبناء للفاعل ويجوز للمفعول (عليكم) لأنه سبحانه وتعالى لم يحرمه إلا لخيثه ضنا بعباده وحمية لهم وصيانة عن التلطخ بدنسه وما حرم عليهم شيئا إلا عوضهم خيرا منه فعدولهم عما عوضه لهم إلى ما منعهم منه يوجب حرمان نفعه ومن تأمل ذلك هان عليه ترك المحرم المؤذي واعتاض عنه النافع المجدي والمحرم وإن أثر في إزالة المرض لكنه يعقب بخبثه سقما قلبيا أعظم منه فالمتداوي به ساع في إزالة سقم البدن بسقم القلب وبه علم أنه لا تدافع بين الحديث وآية {منافع للناس} ومحل المنافع المنصوص عليها فيها على منفعة الإتعاظ فإن السكران هو والكلب واحد يلحس في ذا مرة وذا مرة تكلف بارد (طب) وكذا أبو يعلى كما في الدرر للمصنف (عن أم سلمة) قالت: نبذت نبيذا في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال ما هذا قلت اشتكت ابنة لي فصنعت لها فذكره قال الهيثمي: إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان والبيهقي باللفظ المذكور قال في المهذب وإسناده صويلح انتهى وقال ابن حجر رحمه الله ذكره ابن خالد تعليقا عن ابن مسعود قال وقد أوردته في تعليق التعليق من طرق صحيحة الحديث: 1773 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 1774 - (إن الله تعالى لم يفرض الزكاة) أي لم يوجبها من الفرض وهو الجز في الشيء لينزل فيه ما يسد فريضته حسا أو معنى ذكره الحرالي (إلا ليطيب) بالتشديد ويخفف أي بإفرادها عن المال وصرفها إلى مستحقيها (ما بقي) بعد إخراج الفرض (من أموالكم) أي يخلصها من الشبه والرذائل فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل وهذا مأخوذ من قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ومعنى التطيب أن أداء الزكاة إما أن يحل ما بقي من ماله المخلوط بحق الفقراء وإما أن يزكي من تبعة ما لحقه به من إثم منع حق الله (وإنما فرض المواريث) زاد ابن أبي حاتم [ص: 253] من أموالكم (لتكون) في رواية لتبقى (لمن بعدكم) من الورثة وقوله وإنما فرض إلخ معطوف على قوله إن الله لم يفرض الزكاة إلا لكذا ولم يفرض المواريث إلا لتكون لمن بعدكم والمعنى لو كان مطلق الجمع وضبطه محظورا لما افترض الله الزكاة ولا الميراث (ألا) حرف تنبيه (أخبركم بخير ما يكنز) بفتح أوله (المرء) فاعل يكنز (المرأة الصالحة) أي الجميلة العفيفة الدينة فإنها خير ما يكنز وادخارها أنفع من كنز الذهب والفضة قال الطيبي: المرأة مبتدأ والجملة الشرطية خبره ويجوز كونه خبر مبتدأ محذوف والجملة الشرطية بيان (إذا نظر إليها سرته) أي أعجبته لأنه أدعى لجماعها فيكون سببا لصون فرجها ومجيء ولد صالح (فإذا أمرها أطاعته) في غير معصية (وإذا غاب عنها) في سفر أو حضر (حفظته) في نفسها وماله كما في خبر آخر ولابن ماجه وإن أقسم عليها أبرته قال الطيبي: ووجه المناسبة بين المال والمرأة تصور الانتفاع من كل منهما وأنهما نوعا هذا الجنس ولذلك استثنى الله من أتى الله بقلب سليم من قوله {يوم لا ينفع مال ولا بنون} وقوله إذا غاب عنها حفظته مقابل لقوله إذا نظر إليها سرته وقوله إذا أمرها أطاعته دلالة على حسن خلقها وسبب الحديث أنه لما نزل {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية كبر ذلك على المسلمين فقال عمر: أنا أفرج عنكم فقال: يا نبي الله كبر على أصحابك هذه الآية فقال: إن الله ما فرض الزكاة إلا لتتطيب ما بقي من أموالكم فكبر عمر رضي الله عنه فقال ألا أخبركم إلى آخره قال القاضي: لما بين لهم أنه لا حرج عليهم في كنز المال ما داموا يؤدون زكاته ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهو المرأة الصالحة الجميلة فإن الذهب لا ينفع الرجل ولا يغنيه إلى إن فر عنه والمرأة ما دامت معه رفيقته ينظر إليها فتسره ويقضي عند الحاجة منها وطره ويشاورها فيما يعن له فتحفظ سره ويستمد منها في حوائجه فتطيع أمره وإذا غاب عنها تحامي ماله وتراعي عياله ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذره وتربي زرعه فيحصل بسببها ولد يكون له وزيرا في حياته وخليفة بعد وفاته لكفى (د ك هق) كلهم في الزكاة (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرطهما وأقر الذهبي في التلخيص في الزكاة ورده في التهذيب في التفسير فقال عثمان القطان أي أحد رجاله لا أعرفه والخبر عجيب انتهى وقال فيه المهذب فيه عثمان أبو اليقظان ضعفوه انتهى وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه الحديث: 1774 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 1775 - (إن الله) أي اعلم يا من جاءنا يطلب من الصدقة إن الله قد اعتنى بأمر الصدقة وتولى قسمتها بنفسه (لم يرض بحكم نبي) مرسل (ولا غيره) من ملك مقرب أو جهبذ مجتهد (في الصدقات) أي في قسمتها على مستحقيها (حتى حكم فيها هو) أي أنزلها مقسومة في كتابه واضحة جليلة قال الطيبي: وقوله هو تأكيد إذ ليس هنا صفة جرت على غير من هي له وحتى بمعنى إلى (فجزأها ثمانية أجزاء) مذكورة في قوله {إنما الصدقات} إلى آخر الآية وتمام الحديث فإن كست من تلك الأجزاء أعطيتك قال الحرالي: وإذا تولى الله سبحانه إدانة حكم أنهاه إلى الغاية في الإفصاح وفيه رد على المزني منا في صرفه خمسها لمن له خمس الغنيمة ورد على أبي حنيفة رضي الله عنه والثوري والحسن رضي الله عنهما في صرفها لواحد ومالك رضي الله عنه في دفعها لأكثرهم حاجة وفيه إشارة إلى أن الزكاة على هذا النمط من خصائص هذه الأمة وأنها علية الشأن عند الله لكونه تولى شرع قسمتها بنفسه ولم يكله إلى غيره وناهيك به شرفا وقد ورد مثل هذا الخبر للمواريث في خبر ضعفه ابن الصلاح بلفظه إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب ولكن قسمها بنفسه (د) في الزكاة (عن زياد بن الحارث الصدائي) بضم الصاد المهملة صحابي نزل من مصر فقال قال رجل يا رسول الله أعطني من هذه الصدقة فذكره ثم قال فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك وفيه كما قال الذهبي في المهذب عبد الرحمن بن زياد وهو الإفريقي ضعيف انتهى وكذا قال المناوي ثم هذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه الحديث: 1775 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 [ص: 254] 1776 - (إن الله لم يبعثني معنتا) أي شقاء على عباده (ولا متعنتا) بتشديد النون مكسورة أي طالب للعنت وهو العسر والمشقة (ولكن بعثني معلما) بكسر اللام مشددة (ميسرا) من اليسر قال الحرالي: وهو حصول الشيء عفوا بلا كلفة وهذا قاله لعائشة رضي الله عنها لما أمره الله بتخيير نسائه فبدأ بها فخيرها فاختارته وقال يا رسول الله لا تقل إني اخترتك <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه: لما كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة أو النار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطي علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة من غيرها لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلها وإن كانوا أذكياء وعلماء ألا ترى هذه الأمة ترجمت جميع علوم الأمم ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجما ولم ينطلق عليه اسم الترجمة؟ فعلمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن لهم (م عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في السنن وغيره الحديث: 1776 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 1777 - (إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا) أي في الرزق الذي رزقناه (أن نكسو الحجارة واللبن) بكسر الباء (والطين) قاله لعائشة رضي الله عنها وقد رآها أخذت غطاء فسترته على الباب فهتكه أو قطعه وفهم منه كراهة ستر نحو باب وجدار لأنه من السرف وفضول زهرة الدنيا التي نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يمد عينيه إليها بقوله {ولا تمدن عينيك} الآية والكراهة للتنزيه عند جمهور الشافعية لا للتحريم إذا كان غير حرير خلافا لبعضهم وليس في قوله لم يأمرنا بذلك ما يقتضي التحريم إذ هو إنما يبغي الوجوب والندب (م د) كلاهما في اللباس (عن عائشة) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد خرجه البخاري أيضا في اللباس وهو في مسلم مطولا ولفظه عن زيد بن خالد عن أبي طلحة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل قال أي زيد فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك قالت لا ولكن سأحدثكم بما رأيت رأيته خرج في غزاة فأخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال إن الله إلخ الحديث: 1777 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 1778 - (إن الله تعالى لم يجعل لمسخ) أي الآدمي ممسوخ قردا أو خنزيرا (نسلا ولا عقبا) يحتمل أنه لا يولد له أصلا أو يولد له لكن ينقرض في حياته يعني فليس هؤلاء القردة والخنازير من أعقاب من مسخ من بني إسرائيل كما توهمه بعض الناس ثم استظهر على دفعه بقوله (وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك) أي قبل مسخ من مسخ من الإسرائيليين فأنى لكم في أن هذه القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الممسوخ؟ هذا رجم بالغيب قال السهيلي: وفي الحديث رد على زعم ابن قتيبة أن أل في قوله تعالى {وجعل منهم القردة والخنازير} يدل على أن القردة والخنازير من نسل أولئك الذين مسخوا وقد أنكر بعض الحكماء المسخ وقال إن الإنسان هو الهيكل المشاهد والبينة المحسوسة فإذا بطل وتعلق في تلك الأجساد تركيب للقرد وشكله كان ذلك إعداما للإنسان وإيجادا للقرد ويرجع حاصل المسخ على هذا إلى أنه تعالى أعدم الإعراض التي باعتبارها كانت قردا فهذا يكون إعداما وإيجادا لا مسخا الثاني لو جوزنا ذلك لما أمنا في كل ما نراه قردا أو كلما أنه كان إنسانا عاقلا فيفضي إلى الشك في المشاهدات وأجيب [ص: 255] عن الأول بأن الإنسان ليس هو تمام الهيكل لأن هذا الإنسان قيد يصير سمينا بعد أن كان هزيلا وبالعكس والأجزاء متبدلة والإنسان المعنى هو الذي كان موجودا والثاني غير الزائل فالإنسان أمر وراء هذا الهيكل المحسوس وذلك الأمر إما أن يكون جسيما ساريا في البدن أو حالا في بعض جوانبه كالقلب أو الدماغ أو موجود مجرد وعلى كل تقدير فلا امتناع في نفاذ ذلك السر مع تطرق المسخ إلى هذا الهيكل وعند الثاني بأن الأمان يحصل بإجماع الأمة فثبت بما قلنا جواز المسخ <تنبيه> قال ابن العربي رضي الله عنه: قوله الممسوخ لا ينسل دعوى وهذا أمر لا يعلم بالفعل وإنما طريق معرفته الشرع وليس في ذلك أثر يعول عليه انتهى وهو غفول عجاب مع ثبوته في أصح كتاب ثم رأيت الحافظ الزين العراقي قال قال ابن العربي قولهم الممسوخ لا ينسل دعوى غلط منه مع ثبوته في مسلم <فائدة> قال الحافظ الزين العراقي: لو تحقق أن آدميا مسخ في صورة ما يؤكل لحمه فهل يحرم أو يحل؟ لم أر لأصحابنا فيه كلاما وقد قال ابن العربي بحله لأن كونه آدميا زال انتهى. والحديث بإطلاقه يعارض هذا الحديث الآتي فقدت أمة من الأمم قال الجوهري والمسخ أي أصله تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها (حم م عن ابن مسعود) قال قالت أم حبيبة اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك لقد سأت لآجال مضروبة وآثار موطوءة وأرزاق مقسومة لا يعجل شيء منها قبل حله ولا يؤخر شيء منه بعد حله ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب النار أو عذاب في القبر كان خيرا فقال رجل يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ فقال إن الله إلخ الحديث: 1778 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 1779 - (إن الله تعالى لم يجعلني لحانا) بالتشديد أي كثير الحن في الكلام بل لساني لسان عربي مبين مستقيم وصيغة المبالغة هنا ليست على بابها والمراد نفي اللحن مطلقا وإن قل (اختار لي خير الكلام كتابه القرآن) ومن كتابه القرآن كيف يلحن لا تنقضي آياته ولا تتناهى على مر الزمان معجزاته قل أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء ورفعوا رؤوسهم من بدائعه وصنائعه تعجبا فمن القرآن خلقه ولسانه كيف يلحن (الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب له (عن أبي هريرة) قال: قلنا يا رسول الله ما رأينا أفصح منك فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يقف عليه لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور الحديث: 1779 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 1780 - (إن الله لم يخلق خلقا هو أبغض إليه من الدنيا) وإنما أسكن فيها عباده ليبلوهم أيهم أحسن عملا (وما نظر إليها) نظر رضى (منذ خلقها بغضا لها) كذا هو بخط المصنف وذلك لأن أبغض الخلق إلى الله من آذى أولياءه وشغل أحبابه وصرف وجوه عباده عنه وحال بينهم وبين السير إليه والإقبال عليه والدنيا مبغوضة لأوليائه شاغلة لهم عنه فصارت بغيضة له لخداعها وغرورها فهي فتنة ومحنة حتى لكبار الأولياء وخواص الأصفياء لكن الله ينصرهم ويظفرهم وقصد الخبر التنبيه على أنه لا ينبغي طلب الدنيا إلا لضرورة ولا يتناول منها إلا تناول المضطر من الميتة إذ هي سم قاتل فالعاقل يطلب منها قدر ما يصان الوجه به على تكره منها لكونها بغيضة لله وعلى توق من سمها وحذر من غدرها وغرورها (ك في التاريخ) المشهور قال التاج السبكي ولا نظير له (عن أبي هريرة) وفيه داود بن المحبر قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان يضع الحديث على الثقات والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي متروك ورواه البيهقي في الشعب مرسلا الحديث: 1780 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 [ص: 256] 1781 - (إن الله تعالى لم يضع) أي ينزل (داء إلا وضع له شفاء) فإنه لا شيء من المخلوقات إلا وله ضد فكل داء له ضد من الدواء يعالج به قال القرطبي رحمه الله: هذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر عن الصادق البشير عن الخالق القدير {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه والداء والدواء كلاهما بفتح الدال والمد وحكى كسر دال الدواء (فعليكم بألبان البقر) أي الزموا تناولها (فإنها ترم) بفتح المثناة وبضم الراء (من كل الشجر) أي تجمع منه وتأكله وفي الأشجار كغيرها من النبات منافع لا تحصى منها ما علمه الأطباء ومنها ما استأثر الله بعلمه واللبن يتولد منها ففيه بعض تلك المنافع فربما صادف الداء الدواء والمستعمل لا يشعر (حم عن طارق) بالقاف (ابن شهاب) بن عبد شمس البجلي صحابي يعد في الكوفيين له الحديث: 1781 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 1782 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم) أي الكبر فإنه لا دواء له البتة قال ابن حجر رحمه الله: استثنى في الحديث الآتي الموت وهنا الهرم فكأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة أو القربة إلى الموت وإفضائه إليه ويحتمل أنه استثناء منقطع والتقدير لكن الهرم لا دواء له (فعليكم بألبان البقر) أي الزموها (فإنها ترم من كل الشجر) قد تضمن هذا الخبر وما قبله وبعده إثبات الأسباب والمسببات وصحة علم الطب وجواز التطيب بل ندبه والرد على من أنكره من غلاة الصوفية قال الحكماء: والطبيب معذور إذا لم يدفع المقدور (ك عن ابن مسعود) عبد الله ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الحديث: 1782 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 1783 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) فإذا شاء الله الشفاء يسر ذلك الدواء على مستعمله بواسطة أو دونها فيستعمله على وجهه وفي وقته فيبرأ وإذا أراد هلاكه أذهله عن دوائه وحجبه بمانع فهلك وكل ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه وما أحسن قول من قال: والناس يرمون الطبيب وإنما. . . غلط الطبيب إصابة المقدور علق البرء بموافقة الداء للدواء وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو الكمية نقله إلى داء آخر ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته وكان العلاج قاصرا ومتى لم يقع المداوى على الدواء لم يحصل الشفاء ومتى لم يكن الزمن صالحا للدواء لم ينفع ومتى كان البدن غير قابل له أو القوة عاجزة عن حمله أو ثم مانع منع تأثيره لم يحصل البرؤ ومتى تمت المصادفة حصل قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيداويه بذلك الدواء بعينه فلا ينجع وسببه الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين نشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذا قال: إن الطبيب لذو عقل ومعرفة. . . ما دام في أجل الإنسان تأخير حتى إذا ما انقضت أيام مدته. . . حار الطبيب وخانته العقاقير [ص: 257] (إلا السام) بمهملة مخففا (وهو الموت) فإنه لا دواء له والتقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت فيه قال ابن القيم: والحديث يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وفيه كالذي قبله الأمر بالتداوي ومشروعيته وقد تداوى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر به صحبه لكن لم يتداووا بالأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا للمنفرد ما يعاونه أو يكسر صورته قال ابن القيم: وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عني بالمركب الروم واليونان والأدوية من جنس الأغذية فمن غالب غذائه بالمفردات كالعرب فطبه بها فمن ثم أفرد المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللبن بالذكر ومن غالب غذائه المركبات فطبه بالأدوية المركبة أنفع والتداوي لا ينافي التوكل (ك عن أبي سعيد) الخدري ونحوه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان الحديث: 1783 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 1784 - (إن الله تعالى لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها) بفتح المثناة تحت وشدة الطاء وكسر اللام كما في النهاية (منكم مطلع) مفتعل اسم مفعول أصله موضع الإطلاع من المكان المرتفع إلى المنخفض (1) والمراد أنه لم يحرم على البشر شيئا إلا وقد علم أنه سيطلع على وقوعه منهم (ألا) حرف تنبيه (وإني ممسك بحجزكم) جمع حجزة بمهملة فجيم فزاي وهي محل العقدة من الإزار (أن تهافتوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تتهافتوا (في النار) من الهفت السقوط وأكثر ما يستعمل التهافت في الشر (كما بتهافت الفراش (2) والذباب) في نار الدنيا فالرسول بأوامره ونواهيه شبيه لمن يأخذ بعقدة الإزار التي هي مجمع الجذب والأخذ عادة لكونها أجمع شيء يقع الجذب به ومع ذلك تغلب الشهوة على النوع البشري ويسقط في الحرمة كما يتساقط الفراش والذباب في النار لتوهمه أنها نور {وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} قال الحرالي: والتحريم تكرار الحرمة بالكسر وهي المنع من الشيء لدناءته والحرمة بالضم المنع من الشيء لعلوه (حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المسعودي وقد اختلط   (1) ويحتمل أن مطلع اسم فاعل والمعنى لم يحرم الله على الآدميين حرمة إلا وقد علم الله أن بعضهم سيقع فيها (2) جمع فراشة بالفتح دويبة تطير في الضوء وتوقع نفسها في النار أي أخاف عليكم إن ارتكبتم ما حرم الله عليكم أن تسقطوا في النار كما يسقط الفراش والذباب فيها فبالإمساك كناية عن الأمر والنهي الحديث: 1784 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 1785 - (إن الله تعالى لم يكتب على الليل (1) صياما فمن صام تعنى) بفتح المثناة فوق والمهملة ونون مشددة أي أدخل نفسه في العناء أي المشقة (ولا أجر له) لمخالفته للمشروع فيحل فيه الفطر بل يجب لحرمة الوصال علينا وذلك لأن النهار معاش فكان الأكل فيه أكلا في وقت انتشار الخلق وتعاطي بعضهم من بعض فيأنف عنه المرتقب والليل سبات ووقت توف وانطماس فبدأ فيه من أمر الله ما احتجب ظهوره في النهار وكان المطعم بالليل طاعم من ربه الذي هو وقت تجليه ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فكان الطاعم في الليل إنما أطعمه الله وسقاه فلم يقدح ذلك في معنى صومه وإن ظهر وقوع صورته في حسه كالناسي بل المأذون له أشرف رتبة منه ذكره الحرالي وغيره (ابن قانع) في معجم الصحابة (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) كلاهما من حديث عبادة بن سني (عن أبي سعد الخير) [ص: 258] صوابه كما في التقريب وغيره سعد وأبو سعيد الخير بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية الأنماري صحابي شامي وقيل اسمه عامر بن سعد له حديث واحد وهو هذا قال في التقريب: ووهم وصحف من خلطه بأبي سعيد الحبراني وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد أعلا ولا أشهر ممن ذكره وهو عجيب فقد خرجه الترمذي في العلل عن أبي فروة الرهاوي عن معقل الكناني عن عبادة بن سني عن أبي سعد الخير أيضا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: ما أراه إلا مرسلا وما أرى عبادة سمع من أبي سعد قال البخاري: وأبو فروة صدوق لكن ابنه محمدا روى عنه مناكير ورواه ابن منده عن أبي سعد أيضا بلفظ إن الله لم يكتب عليكم صيام الليل فمن صام فليتعن ولا أجر له. قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا في هذا الوجه وفيه معقل الكناني قال ابن حجر: لا أعرفه إلا في هذا الحديث وقد ذكره البخاري وغيره ولم يعرفه إلا فيه   (1) يحتمل أن الياء من على مشددة وأن صياما تمييز محول عن المفعول وأصله لم يكتب علي صيام الليل وإن كانت الرواية بعدم تشديد الياء فعلى بمعنى في الحديث: 1785 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 1786 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها) فيه خذف وتقديره لما خلقها نظر إليها ثم أعرض عنها بقرينة الحديث الآتي عقبه (فلم ينظر إليها) بعد ذلك نظر رضى وإلا فهو ينظر إليها نظر تدبير ولولا ذلك لاضمحلت فلم يبق لها أثر ولا خبر وذلك (من هوانها عليه) أي حقارتها لما أنها قاطعة طريق الوصول إليه وعدوة لأوليائه لأنها تزينت لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه فإنها استدرجتهم بمكرها واقنتصتهم بشبكتها فوثقوا بها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها. قيل لحكيم: ما مثل الدنيا قال: هي أحقر من أن يكون لها مثل وقال بعضهم: من نام على محبة الدنيا ومات في تلك النومة حشر مع مبغوضي الله لم ينظر إليه منذ خلقه (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) أرسل عن جمع كثير من الصحابة الحديث: 1786 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 1787 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها) بإنقضائها ولأوصافها الذميمة ولأفعالها القبيحة والنظر الثابت المذكور هنا هو نظر الخلق والتقدير والنظر المنفي فيما قبله نظر الرضى عنها (ثم قال وعزتي وجلالي لا أنزلتك (1) إلا في شرار خلقي) أي في قلوب شرارهم ومن ثم كان أكثر القرآن مشتمل على ذمها والتحذير منها وصرف الخلق عنها وتظافرت على ذلك الكتب الإلهية وتطابقت عليه الشرائع وتوامأت عليه الأمم حتى من أنكر البعث وأما أهل الثروة والغناء من الصدر الأول فلم تكن الدنيا في قلوبهم بل في أيديهم لصرفهم لها في وجوه الطاعات وعدم شغلهم بها عن الله <تنبيه> العارف تزداد محبته في الله سبحانه وتعالى كلما سلبه شيئا من أمور الدنيا والآخرة لأنه أوقفهم على حدود عبوديتهم ولا يتجاوز بهم إلى رؤية شركتهم له في شيء من الوجود فهم راضون عنه في حال سلبهم كرضاهم حال نسبة الأمور إليهم (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا   (1) بفتح الهمزة وسكون اللام وضم المثناة الفوقية أي كما أنزلت حبك والانهماك عليك إلخ ووجدت نسخة مضبوطة بالقلم لا أنزلنك بضم الهمزة وكسر الزاي وفتح اللام وشدة النون الحديث: 1787 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 1788 - (إن الله تعالى لما) أي حين (خلق الخلق كتب بيده على نفسه) أي أنبت في علمه الأزلي قال القاضي: يعني أنه لما خلق الخلق حكم حكما جازما ووعد وعدا لازما لا خلف فيه فشبه حكم الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق [ص: 259] إليه تغيير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكام أمر عقد عليه سجلا وحفظة ليكون حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف (إن رحمتي تغلب غضبي) أي غلبت عليه بكثرة آثارها (1) ألا ترى أن قسط الخلق من الرحمة أكثر من قسطهم من الغضب لنيلهم إياها بلا استحقاق وأن قلم التكليف مرفوع عنهم إلى البلوغ ولا يعجل بالعقوبة عليهم إذا عصوه بل يرزقهم ويقبل توبتهم وما تعلق بالرحمة والفضل أحب إليه من فعل ما تعلق بالغضب (ت هـ عن أبي هريرة) وورد بمعناه من عدة طرق   (1) المراد بالغلبة سعة الرحمة وشمولها للخلق كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادة عقوبة العاصي وإثابة المطيع وصفاته تعالى لا توصف بغلبة إحداهما للأخرى وإنما هو على سبيل المجاز للمبالغة وقال الطيبي الحديث على وزان قوله تعالى {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله تعالى عفو كريم يتجاوز عنه بفضله وأنشد: وإني وإن أوعدته أو وعدته. . . لمخلف أيعادي ومنجز موعدي الحديث: 1788 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 1789 - (إن الله تعالى ليؤيد) يقوي وينصر من الأيد وهو القوة كأنه يأخذ معه بيده في الشيء الذي يقويه فيه وذكر اليد مبالغة في تحقق الوقوع (الإسلام برجال ما هم من أهله) أي من أهل الدين لكونهم كفارا ومنافقين أو فجارا على نظام دبره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام على الحد الذي حده وهذا يحتمل أنه أراد به رجالا في زمنه ويحتمل أنه أخبر بما سيكون فيكون من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والأول هو الملائم للسبب الآتي وقد يقال الأقرب الثاني لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف بغير كذب فيه الحديث: 1789 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 1790 - (إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين) أي الدين المحمدي بدليل قوله في الخبر الآتي إن الله يؤيد هذا الدين (بالرجل الفاجر) واللام للعهد والمعهود الرجل المذكور أو للجنس ولا يعارضه خبر مسلم الآتي إنا لا نستعين بمشرك لأنه خاص بذلك الوقت وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مشركا كما قال ابن المنير فلا يتخيل في إمام أو سلطان فاجر إذا حمى بيضة الإسلام أنه مطروح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه وخلعه لأن الله تعالى قد يؤيد به دينه وفجوره على نفسه فيجب الصبر عليه وطاعته في غير إثم ومنه جوزوا الدعاء للسلطان بالنصر والتأييد مع جوره وهذا قاله لما رأى في غزوة حنين رجلا يدعي الإسلام يقاتل شديدا: هذا من أهل النار فجرح فقتل نفسه من شدة وجهه فذكره والمراد بالفاجر الفاسق إن كان الرجل مسلما حقيقة أو الكافر إن كان منافقا أي الإمام الجائر أو العالم الفاسق أو المجاهد في سبيل الله (طب عن عمر بن نعمان بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وشدة الراء وبالنون المزني. قال ابن عبد البر: له صحبة وأبوه من أجلة الصحابة قتل النعمان شهيدا بوقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين ولما جاء نعيه خرج عمر فنعاه على المنبر وبكى وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول شنيع وسهو عجب فقد قال الحافظ العراقي إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقال المناوي: رواه البخاري في القدر وغزوة خيبر ورواه مسلم من حديث أبي هريرة مطولا قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حنينا فقال لرجل مما يدعي الإسلام: هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا فأصابته جراحة قيل يا رسول الله الرجل الذي قلت آنفا إنه من أهل النار قاتل قتالا [ص: 260] شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم في النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم كذلك إذ قيل إنه لم يمت لكن به جرحا شديدا فلما كان الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وممن رواه الترمذي في العلل عن أنس مرفوعا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال حديث حسن حدثناه محمد بن المثنى. اه. فغزو المصنف الحديث للطبراني وحده لا يرتضيه المحدثون فضلا عمن يدعي الاجتهاد الحديث: 1790 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 1791 - (إن الله تعالى لبتلي المؤمن) أي يختبره ويمتحنه (وما يبتليه إلا لكرامته عليه) لأن للابتلاء فوائد سنية وحكما ربانية منها ما لم يظهر إلا في الآخرة ومنها ما ظهر بالاستقراء كالنظر إلى قهر الربوبية والرجوع إلى ذل العبودية وأنه ليس لأحد مفر من القضاء ولا محيد عن القدر ولأن الله حرم الجنة على من في قلبه خبث فلا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين {وطبتم فادخلوها خالدين} فمن تطهر في الدنيا من البلايا والمصائب ولقي الله طاهرا من خبثه دخلها بغير تعوق ومن لم يتطهر منها فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال وإن كانت عارضية دخلها بعد تطهيره بالنار وفيه فضل الابتلاء ولا يلزم منه طلبه بل المأمور به طلب العفو والعافية كما في أخبار مر بعضها ويأتي بعضها (الحاكم) أبو أحمد (في) كتاب (الكنى) بضم الكاف وكذا ابن منده وابن أبي شيبة وقاسم بن أصبع كلهم من حديث عبد الله بن إياس بن أبي فاطمة الضمري عن أبيه (عن) جده (أبي فاطمة الضمري) بصري روى عن كثير بن مرة وغيره قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يحب أن يصح ولا يسقم فابتدرنا فقلنا: نحن يا رسول الله فعرفنا في وجهه الكراهة فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمر الصيالة قالوا: لا قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب كفارات فوالذي نفسي بيده إن الله ليبتلي المؤمن بالبلاء ما يبتليه إلا لكرامته عليه وعبد الله وأبوه قال أبو يعلى في مسنده لم أعرفها وأبو فاطمة يقال له الليثي ويقال له الدوسي الأزدي وقيل هما اثنان وقال الكمال بن أبي شريف تبعا لشيخه ابن حجر رحمه الله تعالى أبو فاطمة في الصحابة ثلاثة الأول الضمري الأزدي بصري روى عنه كثير بن مرة وغيره ولعله هذا والثاني الليثي بصري له صحبة وهذا أيضا يمكن أن يقال إنه المتقدم والثالث الأنصاري الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم عليك بالصوم لم يصح حديثه وليس هو هذا وروى الحاكم في المستدرك بلفظ إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب وقال على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 1791 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 1792 - (إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن) أي المصدق بلسانه وقلبه (بالبلاء) فيصب عليه في الدنيا البلاء صبا ليصب عليه في الأخرى الأجر صبا والأمراض والمصائب في الظاهر نكبة وفي الباطن تحفة إذ بذلك يرجع العبد إلى ربه ويتفكر أن هذا صنعه وتدبيره فهي هدايا من الله سبحانه والتعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به والمراد هنا المراجعة والمعاودة مرة بعد أخرى (كما يتعاهد الوالد ولده بالخير) فيسلبه محبوبه العاجل الشاغل عنه ليصرف وجهه إليه ويحمله المكاره ليهرب منه إليه ويقبل بكلتيه عليه لأن الحبيب يحب مواجهة حبيبه ويفتح له المنهج إلى تقريبه (وإن الله ليحمي عبده) أضافه إليه للتشريف (المؤمن من الدنيا) أي يمنعه منها ويقيه أن يتلوث بدنسها كيلا يمرض قلبه بداء حبها وممارستها (كما يحمى المريض أهله الطعام) لئلا يزيد مرض بدنه بتناوله فهو إنما يحميه لعاقبة محمودة وأحوال سديدة مسعودة وما تقول في الوالد المشفق الغني إذا منع ولده رطبة أو تفاحة يأكلها وهو أرمد ويسلمه إلى معلم غليظ يابس ويحبسه [ص: 262] طول النهار عنده ويضجره ويحمله إلى الحجام ليحجمه فيوجعه ويقلقه: أتراه فعل ذلك به لبخل أو هوان به أو قصد إيذاء له؟ لكن لما علم أن صلاحه فيه وأن بهذا التعب القليل يصل إلى خير كثير ونفع عظيم وما تقول في الطبيب الحاذق المحب إذا منع المريض شربة ماء وهو ظمآن وسقاه شربة دواء كريه أقصده إيذاء بل هو نصح وإحسان لما علم أن في إعطائه شهوة ساعة هلاكه رأسا والغرض من التشبيه الواقع في هاتين الجملتين بيان كمال الاعتناء والشفقة والمحبة (هب وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة ابن الأبيض (عن حذيفة) قال: إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي فيشكون الحاجة والذي نفس حذيفة بيده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه اليماني بن المغيرة قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 1792 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 1793 - (إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن) من (الدنيا) أي يحفظه من مال الدنيا ومناصها ويبعده عما يضر بدينه منها (وهو يحبه) أي والحال أنه يحبه (كما تحمون مريضكم الطعام) أي من تناول الطعام (والشراب تخافون عليه) أي لكونكم تخافون عليه من تناول ما يؤذيه منها أي والحال أنكم تخافون عليه من ذلك وذلك لأنه سبحانه وتعالى خلق عباده على أوصاف شتى فمنهم القوي والضعيف والوضيع والشريف فمن علم من قلبه قوة على حمل أعباء الفقر الذي هو أشد البلاء صبر على تجرع مرارته أفقره في الدنيا ليرفعه على الأغنياء في العقبى ومن علم ضعفه وعدم احتماله وأن الفقر ينسيه ربه صرفه عنه لأنه لا يحب أن عبده ينساه أو ينظر إلى من سواه فسبحان الحكيم العليم <تنبيه> قال في الحكم: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه <تنبيه> قال العارف الجيلاني: للنفس حالان ولا ثالث لهما حال عافية وحال بلاء فإن كانت في بلاء فشأنها غالبا الجزع والشكوى والاعتراض والتهمة لله بغير صبر ولا رضى ولا موافقة بل محض سوء أدب وشرك بالخلق والأسباب وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات كلما نالت شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلا منها وكلما أعطيت ما طلبت توقع صاحبها في تعب لا غاية له وشأنها إذا كانت بلاء لا تتمنى إلا كشفه وتنسى كل نعيم ولذة فإذا شفيت رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة وتنسى ما كانت فيه من البلاء فربما ردت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة وذلك رحمة من الله بها ليكفها عن المخالفة فالبلاء أولى بها ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه صلاحها (حم عن محمود بن لبيد ك عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 1793 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 1794 - (إن الله تعالى ليرفع) لفظ رواية الطبراني ليدفع بالدال (بالمسلم الصالح عن مئة أهل بيت من جيرانه البلاء) أي بسبب كونه بين أظهرهم لكرامته على ربه أو بسبب دعائه والأول أقرب وتمام الحديث عند مخرجه الطبراني {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ولا يعارضه مدح البلاء فيما قبله لأن المراد به هنا الشاغل عن الله أو عبادته أو العاري عن الصبر الموقع لصاحبه في التضجر والتسخط الموجب للخذلان والأول في خلاف ذلك ويظهر بأن المراد بالمئة التكثير لا التحديد فإن حد الجوار يزيد على ما ذكر إذ حد الجوار أربعون دارا من كل جانب (طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري وفال الهيثمي: فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف وفي الميزان يحيى هذا ضعفه ابن معين ووهاه أو داود وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال ابن عدي بين الضعف ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 1794 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 [ص: 262] 1795 - (إن الله تعالى ليرضى عن العبد) المؤمن أي يرحمه ويثيبه (أن) علة ليرضى أي لأجل أن (يأكل) بفتح همزة أن أي بسبب أن يأكل أو وقت أكله (الأكلة) بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل أي الغدوة أو العشوة كذا اقتصر عليه جمع منهم النووي في رياضه لكن ضبطه بعضهم بالضم وقال هي اللقمة (أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها) يعني يرضى عنه لأجل أحد هذين الفعلين أيا كان وليس هو بشك من راو خلافا خلافا لزاعمه وفيه أن أصل سنة الحمد تحصل بأي لفظ اشتق مادة ح م د بل بما يدل على الثناء على الله والأولى كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحمد به وسيأتي وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر حيث رتب هذا الجزء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال سبحانه وتعالى {ورضوان من الله أكبر} في مقابلة شكره بالحمد وعبر بالمرة إشعارا بأن الأكل والشرب يستحق الحمد عليه وإن قل جدا أو أنه يتعين علينا أن لا نحتقر من الله شيئا وإن قل وفيه ندب الدعاء عقبها ويسن خفض صوته به إذا فرغ لم يفرغ رفقته لئلا يكون منعا لهم <تنبيه> قال بعض الأكابر: هذا فيمن حمد حمدا مطيعا له طالبا حسن العمل طاهر النفس غير ملتفت إلى رشوة من ربه خالصا من قلبه فإنه إذا كان كذلك وختمه بكلمة الصدق رضي الله عنه بصدقه وأما من حمد على خلاف ذلك فحمده مدحول يخشى أن لا يستوجب الرضى فإن رضى الله عن العبد خطب جليل وشأن رفيع والحمد مع استيلاء الغفلة وترك الأدب مع الله إنما هو حمد السكارى الحيارى الذين لا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم فهيهات هيهات (حم م ت ن) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه البخاري الحديث: 1795 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 1796 - (إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة) عن كل شيء (حتى يسأله ما منعك إذا رأيت المنكر) هو كل ما قبحه الشرع كما سبق (أن تنكره) فمن رأى إنسانا يفعل معصية أو يوقع بمحترم محذورا ولم ينكر عليه مع القدرة فهو مسؤول عنه في القيامة معذب عليه إن لم يدركه العفو الإلهي والغفر السبحاني وفي خبر أبي نعيم عن ابن عباس مرفوعا لا يقفن أحدكم على أحد يضرب ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه (فإذا لقن الله العبد حجته (1)) أي ألهمه إياها (قال يا رب رجوتك) أن تسامحني من الرجاء وهو التوقع والأمل وهمزته منقلبة عن واو (وفرقت) أي خفت (من الناس) أي من أذاهم قال البيهقي هذا فيمن يخاف سطوتهم ولا يستطيع دفعها عن نفسه وإلا فلا يقبل الله معذرته بذلك قال الغزالي: فالعمل على الرجاء أغلب منه على الخوف وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله أوحى إليه فرقت بينك وبين يوسف لقولك {أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له (حم هـ حب عن أبي سعيد) الخدري قال العلائي: إسناده لا بأس به وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد   (1) قال في النهاية الحجة الدليل والبرهان الحديث: 1796 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 1797 - (إن الله تعالى ليضحك (1)) أي يدر رحمته ويجزل مثوبته يقال ضحك السحاب إذا صب ماء والمراد بضحكه [ص: 263] سبحانه لازمه إذ الضحك في هذا وما أشبهه التجلي لمن ذكر حتى يراه في الدنيا بعين بصيرته وفي الآخرة رؤية عيان كما جاء به القرآن فالضحك بمعنى الظهور والتجلي كما يقال ضحك الشيب إذا ظهر قال: لا تعجبي يا هند من رجل. . . ضحك المشيب برأسه فبكى (إلى ثلاثة) من الناس الأول (الصف في الصلاة) أي الجماعة المصطفون في الصلاة على سمت واحد حسبما أمروا به (و) الثاني (الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان يقوم (يصلي في جوف الليل) أي بتهجد فيه (و) الثالث (الرجل يقاتل) الكفار (خلف الكتيبة (2)) أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من ورائها يجعلها كالترس يتقي بها والمقصود بالحديث الحث على الاصطفاف في الصلاة لما فيه من عظيم الثواب وعلى التهجد والجهاد (هـ عن أبي سعيد) الخدري   (1) قال الدميري الضحك استعارة في حق الرب سبحانه لأنه لا يجوز عليه تغيير الحالات فهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وإنما المراد الرضى بفعل هؤلاء والثواب عليه وحمد فعلهم لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقة ما يرضيه وسروره به (2) الكتيبة بمثناة فوقية فتحتية فموحدة أي يقاتل الكفار أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من وراءهم وفي نسخة وللرجل بلام الجر في الموضعين. اه الحديث: 1797 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 1798 - (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه) ذنوبهم واللام إما على بابها بتضمين يطلع معنى ينظر أو بمعنى على وفيه شمول للكبائر وفيه كلام سيجيء (إلا لمشرك) بالله يعني كافر وخص الشرك لغلبته حينئذ (أو مشاحن) أي معاد والشحناء العداوة قال الطيبي: لعل المراد البغضاء التي بين المؤمنين من قبل نفوسهم الأمارة بالسوء قال في الكشاف: ولها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة (هـ) من رواية ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب (عن أبي موسى) قال الزين العراقي وابن لهيعة حاله معروف والضحاك لا يعرف حاله ولا يعرف روى عنه غير ابن لهيعة والضحاك بن عبد الرحمن لم يسمع من أبي موسى قاله أبو حاتم وقد اختلف على ابن لهيعة أيضا انتهى ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح الحديث: 1798 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 1799 - (إن الله ليعجب) من الإعجاب وهو من العجب وهو كون الشيء خارجا عن نظائره من جنسه حتى يكون ندرة في صنفه قاله الحرالي (من الشاب) أي يعظم عنده قدرا فيجزل له أجره لكونه (ليست له صبوة) أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر قال حجة الإسلام: وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب وقال القونوي: سره أن الطبيعة تنازع الشاب وتتقاضاه الشهوات من الزنا وغيره وتدعوه إليها على ذلك ظهير وهو الشيطان فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب وهل الأفضل ما نشأ لا صبوة له لكونه لم يلابس كبيرة ونجا من ضررها وخطرها والسؤال عنها في القيامة أو من قارف الذنوب وتاب توبة نصوحا لكونه قلع عن الشهوات لله بعد إلفه لها وتعوده لذتها ثم فارق لذته وشهوة لله؟ قولان وكلام المحاسبي يقتضي ترجيح الأول. ثم إنك قد عرفت معنى التعجب وعبر عنه بعضهم بعبارة أخرى فقال: أصله استعظام الشيء واستكباره لخروجه عن العادة وبعده من العرف وذلك مما ينزه عن مثله الباري فيؤول بما ذكر فكأنه أكبر ما أتى به هذا الشاب من الأمر البعيد عن أوصاف العبيد فهو على منهج المدح لمن لم يصب وقد يأتي التعجب من فعل المنكر إذا عظم وقعه وفحش قبحه على جهة الإنكار (تتمة) قال العارف ابن عربي: لما تعجب المتعجب مما خرج عن صورته وخالفه في سريرته ففرح بوجوده وضحك من شهوده وغضب لتوليه. وأبغض بعده وأحب قربه وتبشبش لتدليه فعبر بذلك تقريبا لأفهام العرب. فهذه [ص: 264] أرواح مجردة تنظرها أشباح مسندة فإذا بلغ الميقات وانقضت الأوقات ومارت السماء وكورت الشمس وبدلت الأرض وانكدرت النجوم وانتقلت الأمور وظهرت الآخرة وحشر الإنسان وغيره في الحافرة تنسم الأرواح ويتجلى الفتاح ويتقد المصباح ويشعشع الراح ويظهر الورد الصراح ويزول الإلحاح (حم طب) وكذا أبو يعلى (عن عقبة بن عامر) أي الجهني قال الهيثمي وإسناده حسن وضعفه ابن حجر في فتاويه لضعف ابن لهيعة راويه الحديث: 1799 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 1800 - (إن الله تعالى ليملي) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر (للظالم) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} فإمهاله عين عقابه (حتى إذا أخذه) أي أنزل به نقمته (لم يفلته) أي لم يفلت منه أو لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه أبدا بل يهلكه لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمنا لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته وقول بعضهم معنى لم يفلته لم يؤخره تعقبه ابن حجر بأنه يفهم أن الظالم إذا صرف عن منصبه أو أهين لا يعود إلى غيره والمشاهد في بعضهم بخلافه فالأولى جعله غالبيا من الإفلات وهو خروج من مضيق وتمام الحديث في البخاري: ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وفيه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال (ق) البخاري في التفسير ومسلم في الأدب (ت) في التفسير (هـ) في الفتن كلهم (عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 1800 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 1801 - (إن الله ليتبع) بمثناة تحتية فمثناة فوقية فباء موحدة أي يطالب كذا رأيته مضبوطا بالقلم في نسخ هذا الجامع لكن في تأليف للزين العراقي مضبوطا بالقلم بنفع بمثناة نحتية فنون ففاء من النفع ومثله في الحلية لأبي نعيم والميزان ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه من هذا الجامع ينفع بنون وفاء مبينة مضبوطة وحينئذ فمعناه ينفع (العبد بالذنب) الذي (يذنبه) لأن الذنب سبب فرار العبد إلى الله من نفسه ودنياه والاستعاذة به والالتجاء إليه من عدوه والذنب لا يسقط العبد من عين الله ولا يخرجه عن موالاته وإنما يسقط بالإصرار وبترك التوبة والإعراض عن الله بطلب ملاذ نفسه وشهواتها وإنما الذنب آفة تلحق العبد فينكب بها ويخجل من أجلها فينتعش من صرعته بتوبته وهي سبب الوصلة لخواص العباد والقرب إلى الله قال الداراني: ما عمل داود عملا أتم من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى ربه حتى وصل إليه وقال ابن عطاء الله: ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} وقال: ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سببا للوصول رب معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا. اه. وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك (حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ثم قال غريب من حديث عبد العزيز بن أبي رواد لم نكتبه إلا من حديث مضر بن نوح السلمي اه ومضر قال في الميزان فيه جهالة وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ وعبد العزيز بن أبي رواد قد سبق بيان حاله ورواه أبو نعيم من طريق آخر فيه عبد الرحيم بن هارون وقد قالوا كان يكذب ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح والزين العراقي غير محفوظ الحديث: 1801 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 1802 - (إن الله تعالى محسن) أي الإحسان له وصف لازم ولا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين فلا بد لكل مكون من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد (فأحسنوا) إلى عباده بالقول والفعل فإن الإحسان غاية رتب الدين وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين. قال بعض العارفين: أصل العبودية لله ودوران أحوالها على أمرين تعظيم قدرة الله والإحسان إلى خلق الله وقال العارف ابن العربي: الإحسان صفة الله وهو المحسن المجمل والإحسان [ص: 265] الذي به سمي العبد محسنا أن يعبد الله كأنه يراه أي يعبده على المشاهدة وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم وهو قوله {على كل شيء شهيد} {وهو معكم أينما كنتم} فشهوده لكل شيء هو إحسانه فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك فكل حال ينتقل به العبد فهو من إحسانه تعالى إذ هو الذي نقله ولهذا سمي الإنعام إحسانا فإنه لا ينعم عليك إلا من يعلمك ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن دائما وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي فإن لم تحسن فهو المحسن (عد عن سمرة) بن جندب الحديث: 1802 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 1803 - (إن الله تعالى مع القاضي) بتأييده وتسديده وإعانته في أقضيته ومتعلقاتها فهي معية خاصة (ما لم يحف) أي يتجاوز حدود الله التي حدها لعباده وخرج بذلك ما لو اجتهد فأخطأ فإنه معذور حيث لم يقصر في اجتهاده (عمدا) فإنه حينئذ يتخلى عنه ويتولاه الشيطان لاستغنائه به عن الرحمن (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه حفص بن سليمان القاري وثقه أحمد وضعفه الأئمة ونسبوه إلى الكذب والوضع (حم عن معقل بن يسار) قال الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب الحديث: 1803 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 1804 - (إن الله تعالى مع القاضي) بما ذكر (ما لم يجر) أي يظلم (فإذا جار) في حكمه (تبرأ الله منه) لفظ رواية الترمذي وابن ماجه تخلى الله عنه (وألزمه الشيطان) أي صيره قرينه ملازما له في سائر أقضيته لا ينفك عن إغوائه {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} وفي أصول صحيحة ولزمه الشيطان بدون همزة وبما تقرر من أن المعية في هذا وما قبله وبعده معنوية لا ظرفية علم أنه من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على وازن {إن الله مع المتقين} {إن الله مع الصابرين} (ك) في الأحكام (هق) كلاهما (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يخرج في شيء من الكتب الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه بل خرجه الترمذي وابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن أبي أوفى المذكور لكنهما قالا تخلى الله عنه بدل تبرأ منه قال المنذري: رووه كلهم من حديث عمران وصححه الحاكم وحسنه الترمذي والقطان فيه كلام معروف الحديث: 1804 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 1805 - (إن الله تعالى مع الدائن) أي من أخذ الدين على نفسه بإعانته على وفاء دينه (حتى يقضي دينه) أي يوفيه إلى غريمه ولا يعارضه استعاذة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الدين لأن كلامه هنا فيمن استدان لواجب أو مندوب أو مباح وله قدرة على وفائه غالبا ويريد قضاءه كما يشير إليه قوله (ما لم يكن دينه فيما يكره الله) فهو الذي يكون الله في عونه على قضائه أما المستدين في مكروه لله كراهة تحريم أو تنزيه أو لا يجد لقضائه سبيلا أو نوى ترك القضاء فهو المستعاذ منه (تخ هـ ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وله شواهد كثيرة الحديث: 1805 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 1806 - (إن الله تعالى هو الخالق) لجميع المخلوقات لا غيره (القابض) أي الذي له هذه الصفة وهي إيقاع القبض والإقتار بمن يشاء وإن اتسعت أمواله قال الحرالي: والقبض إكمال الأخذ أصله القبض باليد كلها (الباسط) لمن يشاء من عباده وإن ضاقت حاله والبسط توسعة المجتمع إلى حد غايته (الرزاق) من شاء من عباده ما شاء (المسعر) أي الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه قال الطيبي: هذا [ص: 266] جواب على سبيل التعليل للامتناع عن التسعير وأكد بأن وضمير الفصل وتعريف الخبر ليدل على التأكيد ثم رتب الحكم على الوصف المناسب فمن حاول التسعير فقد عارض الخالق ونازعه في مراده ومنع العباد حقهم مما أولاهم الله في الغلاء والرخص فبين أن المانع له من التسعير ما في ضمن ذلك من كونه ظلما للناس في أموالهم لكونه تصرفا فيها بغير إذنهم بقوله (وإني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله تعالى) في القيامة (ولا يطلبني) أي يطالبني (أحد بمظلمة) بالفتح وكسر اللام اسم لما أخذ ظلما (ظلمتها إياه) أي ظلمته بها (في دم) أي في سفكه (ولا مال) أراد بالمال هذا التسعير لأنه مأخوذ من المظلوم قهرا وهو كأرش الجناية وإنما أتى بمظلمة توطئة له ذكره الطيبي قال: وعطف قوله ولا مال على قوله ولا دم وجيء بلا النافية للتوكيد من غير تكرير لأن المعطوف عليه في سياق النفي وهذا أصل في إيجاب الإمام الأعظم العدل على نفسه وأفاد أن التسعير حرام لأنه جعله مظلمة وبه قال مالك والشافعي وجوزه ربيعة وهو مذهب عمر لأن به حفظ نظام الأسعار وقال ابن العربي المالكي: الحق جواز التسعير وضبط الأمر على قانون ليس فيه مظلمة لأحد من الطائفتين وما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم حق وما فعله حكم لكن على قوم صحت نياتهم وديانتهم أما قوم قصدوا أكل مال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى. اه. وفصل قوم بين الغلاء والرخص ومن مفاسد التسعير تحريك الرغائب والحمل على الامتناع من البيع والجلب المؤدي إلى القحط والغلاء قال القاضي: والسعر القيمة التي يقدر بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع والتسعير تقديرها (حم د ت هـ حب هب) في البيع كلهم (عن أنس) قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سعر لنا فذكره قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 1806 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 1807 - (إن الله تعالى وتر) أي واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبيه له واحد في أفعاله فلا شريك له {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (يحب الوتر) أي صلاته أو أعم بمعنى أنه يثيب عليه ويقبله من عامله قبولا حسنا قال القاضي: وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة قال ابن عربي: فتعين عليك أن تكون من أهل الوتر في جميع أفعالك حتى تطلب العدد والكمية وقد أمرك الله تعالى بقوله في الخبر الآتي فأوتروا إلى آخره فإذا اكتحلت فاكتحل وترا في كل عين واحدة أو ثلاث فإن كل عين عضو مستقل وإذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وإذا شربت الماء في حسواتك اجعله وترا حتى إنك إذا أخذك الفواق اشرب من الماء سبع حسوات تنقطع هكذا جربته وقال الحكيم الترمذي: خلق الله الأشياء على محبوب الوتر واحدا وثلاثا وخمسا وسبعا فالعرش واحد والكرسي واحد والقلم واحد واللوح واحد والدار واحدة والسجن واحد وأبواب الجنة سبعة ثم تزيد واحدا بمحمد صلى الله عليه وسلم باب الرحمة والتوبة وهو أصل الأبواب وأبواب السجن سبعة وعمال الله مقسومون على سبعة أجزاء وظلال الآدميين سبعة والأيام سبعة وأرزاقهم سبعة وعبادتهم على سبع جوارح ثم افترض على العباد خمس صلوات وهي وتر وعدد ركعاتها سبعة عشر وهي وتر وأم القرآن آياتها وتر وأدنى القراءة واحد وهي آية وأدنى التسابيح واحد في الركوع والسجود وفرض الحج في يوم تاسع الحجة والزكاة في كل مائتين خمسة دراهم والعشور من كل عشرة واحد وافترض على العباد حفظ سبع جوارح وجعل التقوى في سبعة وأسماءه تسعة وتسعون والقلب وتر وخالقه وتر فأظهر الله محبوبه في عامة الأشياء فللعبد في الوتر من النوال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فمن صلاه كان كمن دخل محل الملك من السرير يعتذر إليه من عمل نهاره ومن تقصيره (ابن نصر) محمد في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة وعن ابن عمر) بن الخطاب قضية [ص: 267] صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير أو لأنه وجد كذلك لكن عدل عنه لكونه معلولا وهو ذهول فقد أخرجه احمد والبزار باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور وقال الهيثمي: ورجاله رجال موثوقون الحديث: 1807 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 1808 - (إن الله تعالى وتر) أي فرد لا من جهة العدد بل من حيث إنه غير مزدوج كما مر (يحب الوتر) أي يتقبله ويثيب عليه (فأوتروا) أي اجعلوا صلاتكم وترا بضم الوتر إليها أو صلوا الوتر والفاء جزاء شرط محذوف كأنه قال إذا هديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا فإن من شأن أهل القرآن الكدح في ابتغاء مرضات الله وإيثار محابه (يا أهل القرآن) أراد المؤمنين المصدقين له المنتفعين به وقد يطلق ويراد به القراءة ذكره القاضي قال العليمي: وإنما خص الثناء بهم في مقام الفردية لأن القرآن ما أنزل إلا لتقرير التوحيد فكأنه قيل إن الله واحد يحب الوحدة فوحدوه يا أهل التوحيد انتهى وزعم الخطابي أن فيه دلالة على عدم وجوب الوتر وإلا لعم غير أهل القرآن وهم عرفاء القراء والحفاظ دون العوام وأنت خبير بعدم إصابته للصواب إذ لم يذهب أحد إلى ما اقتضاه كلامه من اختصاص ندب الوتر بعرفاء القرآن وحفاظه دون غيرهم بل لو ذهب إليه ذاهب لكان خارقا للإجماع بلا دفاع والأولى أن يحمل الأمر على الندب جمعا بينه وبين خبر هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع (ت) من حديث عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين وحسنه لكن ابن ضمرة تكلم فيه غير واحد (هـ عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم الهجري ضعفه ابن معين وغيره واقتصاره على غير هذين يؤذن بتفردهما به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الصدر المناوي وغيره للأربعة جميعا الحديث: 1808 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 1809 - (إن الله تعالى وضع عن أمتي) أمة الإجابة (الخطأ والنسيان (1) وما استكرهوا عليه) قالوا فيه أن طلاق المكره لا يقع إلا إن نواه أو ظهرت منه قرينة اختيار قال ابن حجر حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه وهذا القسم معفو عنه اتفاقا وإنما اختلف هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فبدليل منفصل (هـ) في الطلاق (عن ابن عباس) قال الزيلعي: سنده ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المذكور وقال الهيثمي وفيه محمد بن مصفى وثقه أبو حاتم وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر أخرجه الفضل التميمي في فوائده بإسناد ابن ماجه بلفظ رفع بدل وضع ورجاله ثقات إلا أنه أعل بعلة غير فادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بن عطاء وابن عباس وأخرجه الحاكم والدارقطني انتهى   (1) قال المحققون قاعدة الفقهاء أن النسيان والجهل يسقطا الإثم مطلقا أما الحكم فإن وقع في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان فإن أوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة الحديث: 1809 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 1810 - (إن الله تعالى وضع) أي أسقط (عن المسافر) من السفر وهو إزالة الكن عن الرأس (الصوم) أي صوم رمضان (وشطر) وفي رواية للنسائي ونصف (الصلاة) أي نصف الرباعية لما يحتاجه المسافر من الغذاء لوفور نهضة في عمله في سفره وأن وقت غذائه بحسب البقاع لا بحسب الاختيار إذ المسافر متاعه [ص: 268] على قلة إلا من وقى الله والسفر قطعة من العذاب فخفف عنه لئلا يجتمع على العبد كلفتان فتتضاعف عليه المشقة دينا ودنيا فإذا خلف عنه الأمر من وجه طبيعي أخذ بالحكم من وجه آخر ديني قال القاضي: والصوم منصوب عطف على شطر ولا يجوز عطفه على الصلاة لفساد اللفظ والمعنى أما لفظا فإنه لو عطف عليه لزم منه العطف على عاملين مختلفين وهو غير جائز وأما معنى فلأن الموضوع عنهم الصوم لا شطره والمراد بالوضع وضع الأداء ليشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه فيصح نسبته إليهما إذ الصوم غير موضوع مطلقا فإن قضاءه واجب عليهم بخلاف شطر الصلاة قال الخطابي: وقد يجمع نظم الكلام أشياء ذات عدد مسوقة في الذكر متفرقة في الحكم وذلك أن النظر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء والصوم يقضى. قال الحافظ العراقي: وفيه جواز الفطر والقصر للمسافر وإطلاق الكل وإرادة البعض لأنه قال شطر الصلاة وإنما وضع عنه شطر ثلاث صلوات على أن الشطر قد يطلق على غير النصف وأن الصوم والإتمام كانا واجبين ثم نسخ (حم 4 عن أنس بن مالك) الكعبي (القشيري) أبو أمية صحابي نزل البصرة قال: أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت إليه وهو يأكل فقال: اجلس فاصبر من طعامنا قلت: إني صائم قال: اجلس أحدثك عن الصلاة والصيام إن الله وضع إلخ صحح الترمذي حديثه هذا وقال ما له غيره. قال الحافظ العراقي: وهو كما قال لا يعرف له حديث رفعه إلا هذا وأما من أطلق أنه لا يعرف إلا في هذا الحديث فغير صحيح فإنه روى له حديث آخر في جمع القرآن رواه الخطيب وغيره وفي هذا الحديث قصة وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: وعن المرضع والحبلى هذا نص الحديث ثم إنه ليس في رواية الترمذي الصوم الحديث: 1810 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 1811 - (إن الله تعالى وكل) بالتشديد من التوكل بمعنى التسليط والقيام بشأن تلك الخدمة (بالرحم) قال الحرالي: هو ما تشتمل على الولد من أعضاء التناسل يكون فيه تخليقه من كونه نطفة إلى كونه خلقا آخر (ملكا) بفتح اللام (يقول) الملك عند استقرار النطفة في الرحم التماسا لإتمام الخلقة (أي رب) أي يا رب هذه (نطفة) أي مني (أي رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (أي رب) هذه (مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكون فيها أم لا فيقول نطفة عند كونها نطفة ويقول علقة عند كونها علقة فبين القولين أربعون يوما وليس المراد أنه يقول في وقت واحد وإلا لزم كون النطفة علقة ومضغة في آن واحد (فإذا أراد الله) سبحانه وتعالى (أن يقضي خلقه) بفتح فسكون أي يأذن في إتمام خلقه (قال) الملك (أي رب شقي أو) وفي رواية أم (سعيد) من السعداء وقدم الاستفهام عن الشفاء لكثرة ما تراه الملائكة من مخالفة البشر المستحقة بها للعذاب (ذكرا أو أنثى) كذلك وقدم الذكر لشرفه وأصالته والخنثى ذكر أو أنثى عند الله فليس قسما ثالثا يسأل عنه (فما الرزق) أي أي شيء قدره فأكتبه (فما الأجل) يعني فأي مدة قدر أجله فأكتبه (فيكتب) بصيغة المجهول أو المعلوم (كذلك) أي مثل ما يؤمر به (في بطن أمه) أي وهو في بطنها أو والحال أنه في بطنها قبل بروزه إلى هذا العالم فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أم سعيد فيكتبه الملك في صحيفة فلا يزاد عليه ولا ينقص إلى يوم القيامة كما في رواية مسلم وفي حديث أنه يكتب بين عينيه ولا مانع من كتابته فيهما <تنبيه> وعلم مما تقرر أن قوله نطفة علقة مضغة بالرفع خبر مبتدأ محذوف وقال الكرماني: ويجوز النصب أي جعلت المني نطفة في الرحم أو صار نطفة أو خلقت أنت نطفة قال وقوله أذكر مبتدأ وقد يخصص بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين فصلح للابتداء به وروي أذكرا بالنصب أي أتريد (حم ق عن أنس) بن مالك الحديث: 1811 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 [ص: 269] 1812 - (إن الله تعالى وهب لأمتي) أمة الإجابة (ليلة القدر) أي خصهم بها (ولم يعطها من كان قبلهم) من الأمم السابقة فهذا كما ترى صريح في أنها من خصوصياتنا وأشار بقوله وهب إلى عظمها وكثرة المواهب والعطايا فيها وأنها خليقة أن يمتن بها (فر عن أنس) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني ممن يضع الحديث الحديث: 1812 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 1813 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون) من الوصل ضد القطع (الصفوف) بحيث لا يبقى فيها ما يسع واقفا أي يغفر لهم ويأمر ملائكته بأن يستغفروا لهم. قال الفخر الرازي: ولا يصح كونها بمعنى الدعاء لأنه غير معقول المعنى في حقه تعالى لأن الدعاء للغير يقتضي طلب نفعه من ثالث وهو هنا محال وتقييد الصف في الحديث الآتي بالأول للأكثرية لا لإخراج غيره كما يصرح به ما يأتي (ومن سد فرجة) بضم أوله خللا بين المصلين في صف (رفعه الله بها) أي بسبب سده إياها (درجة) في الجنة زاد في رواية ودرت عليه الملائكة من البر وهذا وارد على منهج تأكد سد الفرج في الصفوف وكراهة تركها مع عدم العذر. <تنبيه> قال ابن عربي: الخلل في الصفوف طرق الشيطان والطريق واحدة وهي سبيل الله فإذا انقطع هذا الخط الظاهر من النقط ولم يتراص لم يظهر وجود للخط والمقصود وجود الخط فصفوف المصلين لا تكون في سبيل الله حتى تتصل ويتراص الناس فيها فمن لم يفعل وأدخل الخلل كان ممن سعى في قطع سبيله ولا يكون السبيل إلا كالخط الموجود من النقط المتجاورة التي ليس بين كل نقطتين حيز فارغ لا نقطة فيه وحينئذ يظهر صورة الخط فكذا الصف لا يظهر فيه سبيل الله حتى يتراص الناس فيه (حم هـ حب ك) في الصلاة (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال مغلطاي حديث مختلف في إسناده لاختلاف حال رواية إسماعيل بن عياش الحديث: 1813 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 1814 - (إن الله وملائكته) أي عباده المقربين المصطفون المصفون من أدناس البشر الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (يصلون على الصف الأول) أي على أهله وهو الذي يلي الإمام أي يستغفرون لأهله قال تعالى {ويستغفرون لمن في الأرض} (1) وتمام الحديث عند أحمد وغيره قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني قال وعلى الثاني اه بلفظه (حم د هـ) في الصلاة (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب ولفظ رواية أبي داود عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول قال في الرياض إسناده حسن (هـ عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة (طب عن النعمان بن بشير) الأنصاري (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والبزار وغيرهما [ص: 270] رجال أحمد موثقون   (1) لما روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للصف الأول ثلاثا وللثاني مرتين وللثالث مرة فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه ثم الذي يليه وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة فأفضل صفوف النساء آخرها الحديث: 1814 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 1815 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي يستغفرون لمن عن يمين الإمام من كل صف والمراد يستغفرون لهم أولا أو كثيرا اهتماما بشأنهم ثم يستغفرون لمن على اليسار لأن الاستغفار مخصوص بهم بدليل الخبر الآتي: من عمر ميسرة المسجد (1) (د هـ حب عن عائشة) سكت عليه أبو داود قال في الرياض إسناده على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه سنده صحيح على شرط مسلم   (1) قال الغزالي: ينبغي لداخل المسجد أن يقصد يمنة الصف فإنها يمن وبركة وإن الله تعالى يصلي على أهلها اه. قلت: وهذا إذا كان فيها سعة ولم يؤذ أهلها ولا تتعطل ميسرة المسجد فإن قلت: ينافي هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر قلت: لا منافاة لأنه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازي ذلك أو يزيد وقد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بسبب نيته وإخلاصه وسبب الحرص على ميمنة الإمام أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات فلما حث النبي صلى الله عليه وسلم على ميمنة الصف ازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك الحديث: 1815 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 1816 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين) أي الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم لما فيه من كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقرب من جانب الرب تعالى فلذلك كان السحور متأكد الندب جدا (حب طس حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الطبراني تفرد به يحيى بن زيد الخولاني قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه اه. وقال أبو نعيم غريب من حديث نافع لم يروه إلا عبد الله ابن سليمان المعروف بالطويل وعنه عبد الله بن عياش القتباني تفرد به إدريس بن يحيى الخولاني وهو عند أهل مصر كبشر بن الحارث عند أهل بغداد اه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا إلا لمن ذكر والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور وقد سبق أو يجيء قول الحافظ ابن حجر إذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره ممن دونه وخرجه أيضا الجوهري في أماليه من حديث ابن عمر بلفظ غذاء المؤمن السحور وإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين قال المصنف يحصل من مجموع الطرق حسن الحديث الحديث: 1816 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 1817 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على أصحاب العمائم) جمع عمامة أي الذين يلبسون العمائم (يوم الجمعة) ويحضرون صلاتها وأخذ منه حجة الإسلام ندب التعميم وتأكده في هذا اليوم قال فإن كربه الحر فلا بأس أن ينزعها قبل الصلاة وبعدها لكن لا ينزعها في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر ولا في خطبته اه (1) (طب) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمر الحنفي عن أيوب ابن مدرك عن مكحول (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي: أيوب بن مدرك كذبه ابن معين وقال تلميذه الهيثمي فيه أيوب بن مدرك. قال ابن معين كذاب اه وفي الميزان واللسان عن مرة كذاب وعن النسائي متروك له مناكير ثم عد من مناكيره هذا الحديث اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لا أصل له تفرد به أيوب قال الأزدي: هو من وضعه كذبه يحيى وتركه الدارقطني اه ولم يتعقبه المؤلف بشيء سوى أنه قال اقتصر على تضعيفه الزين العراقي وابن حجر ولم يزد على ذلك وأنت خبير بما في هذا التعقب من التعصب   (1) ويندب للإمام أن يزيد في حسن الهيئة الحديث: 1817 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 [ص: 271] 1818 - (إن الله تعالى لا يجمع أمتي) أي علماء أمتي ولفظ رواية الترمذي لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد وهو تردد من الراوي (على ضلالة) لأن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع في النوازل فاقتضت الحكمة حفظها. قال الطيبي: وقوله أمة محمد أظهر في الدراية لأن التخصيص يدل على امتياز أمته عن جميع الأمم بهذه الفضيلة فيلزم منه امتياز الفرقة الناجية المسماة بأهل السنة والجماعة من الفرق الضالة فلذلك عقبه بقوله (ويد الله على الجماعة) كناية عن الحفظ أي الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله ورعايته (ومن شذ) انفرد عن الجماعة قال الطيبي: ومعنى على كمعنى فوق في قوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} فهو كناية عن النصرة والغلبة لأن من بايع الإمام الحق فكأنما بايع الله ومن بايع الله فإنه ينصره ويخذل أعداءه أي هو ناصرهم ومصيرهم غالبين على من سواهم ومن فارقهم فقد خلع ربقة الطاعة من عنقه وخرج عن نصرة الله فدخل النار قالوا: وفي قوله ومن شذ للعطف على معنى الحصول في الوجود وتفويض ترتب الثانية على الأولى إلى فهم السامع الزكي الفطن ويحتمل لأن يضمن يد الله معنى الإحسان والإنعام بالتوفيق على استنباط الأحكام وعلى الإطلاع على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه من الاعتقاد (شذ إلى النار) أي إلى ما يوجب دخولها فأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية فالشذوذ الانفراد وشذ عن الجماعة انفرد عنهم (ت عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الضياء في المختارة بلفظ إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا وإن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار قال ابن حجر رحمه الله في تخريج المختصر: حديث غريب خرجه أبو نعيم في الحلية واللالكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلول فقد قال الحاكم لو كان محفوظا حكمت بصحته على شرط الصحيح لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال فذكرها وذلك مقتضى للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف الحديث: 1818 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 1819 - (إن الله تعالى لا يحب الفاحش) أي ذا الفحش في قوله وفعله بل يبغضه كما صرح به الحديث الآتي بقوله إن الله يبغض الفاحش إلخ والفحش اسم لكل خصلة قبيحة. وقال الحرالي: اسم لكل ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل ويستخبثه الشرع فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث من الشرع والعقل والطبع (المتفحش) أي الذي يتكلف ذلك ويتعمده يعني الفاحش المتفحش صنعا (ولا الصياح) بفتح المهملة وشد المثناة تحت الصراخ (في الأسواق) أي كثير الصراخ في الشوارع والطرق ومجامع الناس كما يفعله السوقة والدلالون ونحوهم فيكره ذلك أما صياح نحو الدلال والمنادي ومعرف اللقطة ومنشد الضالة بقدر الحاجة فلا يكره (خد) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر) قال الزين العراقي: وسنده ضعيف قال ولابن أبي الدنيا الطبراني عن أسامة بن زيد إن الله لا يحب الفاحش المتفحش وسنده جيد انتهى وفي مسلم من حديث عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش الحديث: 1819 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 1820 - (إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) قال الزمخشري: هو استطراق النكاح وقتا بعد وقت كلما تزوج أو تزوجت مد عينه أو مدت عينها إلى آخر أو إلى أخرى قال: وهذا من المجاز وقول النهاية السريع النكاح السريع الطلاق فيه نظر لأن الحديث مصرح كما ترى بأن المذموم المبغوض أن يتزوجها أو تتزوجه بقصد ذوق عسليتها أو عسليته ثم تحصل المفارقة وقد يكون النكاح وسرعة الفراق لا لذلك وفيه أنه يكره التزوج بقصد ذلك لكنه يصح وذلك لأن مقصود النكاح النسل [ص: 272] ودوام العشرة وحصول الألفة وسرعة المفارقة مفوتة لذلك مع ما فيه من كسر القلب وتولد الضغائن وتمسك به الحنفية على منع إباحة الطلاق إلا لضرورة (طب عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي فيه راو لم يسم وبقية إسناده حسن الحديث: 1820 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 1821 - (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه) الذي يصافيه الود ويخلصه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول (من أهل الأرض) يعني أماته (فصبر) العبد المؤمن على قضاء الله تعالى (واحتسب) أي طلب بفقده الاحتساب أي الثواب عند الله تعالى (بثواب دون الجنة) أي دون إدخاله إياها مع السابقين الأولين أو من غير عذاب أو بعد عذاب يستحق ما هو فوقه وهذا مرشح لما ذهب إليه ابن عبد السلام في طائفة من أن المصائب لا ثواب فيها بل في الصبر عليها لكونها ليست من كسب العبد وذهب آخرون إلى خلافه وتأولوا هذا وما أشبهه (ن عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 1821 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 1822 - (إن الله لا يستحيي) أي لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يفعل ما يفعله المستحيي من ترك ما يستحيا منه فالاستحياء هنا استعارة تبعية تمثيلية فالمراد أن الله لا يمتنع من بيان (الحق) أو من ذكره فكذا أنا لا أمتنع من إرشادي لكم وتعليمكم أمر دينكم وإن كان في لفظه استحياء وقدم ذلك توطئة وبسطا لعذره في ذكره ما يستحيا منه عادة بحضرة النساء (لا تأتوا النساء) نساءكم أي تجامعوهن (في أدبارهن (1)) لأنه ليس محل الحرث ولا موضع الزرع وإذا حرم وطء الحائض بعلة أن في فرجها أذى وهو دم الحيض فالدبر أولى لأن الفرج الحلال إذا حرم بطرق الأذى عليه فموضع لا يفارقه الأذى أحرى أن يحرم قال الطيبي: وفي جعل قوله " إن الله لا يستحيي " إلى آخره مقدمة وتمهيدا للنهي بعد إشعاره بشناعة هذا الفعل واستهجانه وكان من حق الظاهر إني لا أستحيي فأسند إليه تعالى للمبالغة والتأكيد ومن ثم اتفق الجمهور من السلف والخلف على تحريمه (ن) في عشرة النساء (هـ) في النكاح (عن خزيمة) بضم المعجمة (ابن ثابت) قال المنذري: روياه بأسانيد أحدها جيد   (1) قال الدميري اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوانات في حال من الأحوال قال العلماء وقوله تعالى {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي في موضع الزرع من المرأة وهو قبل المرأة التي ينزرع فيها المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء مكبوبة وأن الدبر ليس هو موضع حرث ولا موضع زرع ومعنى قوله {أنى شئتم} أي كيف شئتم الحديث: 1822 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 1823 - (إن الله تعالى لا يظلم) أي لا ينقص (المؤمن) وفي روايات مؤمنا (حسنة) أي لا يضع أجر حسنة المؤمن (يعطي) بالبناء للمفعول أي المؤمن (عليها) وفي رواية بها أي بتلك الحسنة أجرا في الدنيا وهو دفع البلاء وتوسعة الرزق وغير ذلك (ويثاب عليها في الآخرة) أي يثيبه الله أي يجازيه عليها برفع درجاته في الجنة فهو يجازي على حسناته في الدنيا وفي الآخرة (وأما الكافر) إذا عمل حسنة في الدنيا كأن فك أسيرا وأنقذ غريقا (فيطعم بحسناته في الدنيا) أي يجازي فيها على ما فعله من القرب التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك وقال في المؤمن يعطى وفي الكافر يطعم لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته (حتى إذا أفضى إلى الآخرة) أي صار إليها (لم تكن له حسنة يعطى لها خيرا) قال الطيبي: قوله لا يظلم أي لا ينقص وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما [ص: 273] مؤمنا والآخر حسنة والياء في قوله يعطى بها إن حملت على السيئة يحتاج إلى مقدر أي يعطى بسببها حسنة وإن حملت على البدل فلا. وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة وتحرير المعنى أن الله لا يظلم أحدا على حسنة أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى ويفضل عليه في الدنيا وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب (حم م) في التوبة (عن أنس) ولم يخرجه البخاري الحديث: 1823 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 1824 - (إن الله تعالى لا يعذب) بنار جهنم (من عباده إلا المارد المتمرد) أي العاتي الشديد المفرط في الاعتداء أو العناد (الذي يتمرد على الله) فأشرك معه غيره (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي مع قرينتها وبقية شروطها وهذا كخبر لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان وقد عورض بخبر أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ودفع التعارض بحمل الإيمان العاصم عن النار على الإيمان العلمي والعملي وخلافه على خلافه (هـ عن ابن عمر) قال قالت امرأة يا رسول الله أليس الله أرحم الراحمين قال بلى قالت أوليس أرحم بعباده من الأم بولدها؟ قال بلى قالت فإن الأم لا تلقي ولدها في النار فأكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبكي ثم رفع رأسه فذكره وفيه هشام بن عمار وسبق قول أبي داود فيه وإبراهيم بن أعين قال في الكاشف ضعفه أبو حاتم وإسماعيل بن يحيى الشيباني قال متهم وقال في الضعفاء قال يزيد بن هارون كذاب انتهى الحديث: 1824 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 1825 - (إن الله لا يغلب) بضم أوله وفتح ثالثه إذ لا ضد له ولا ند ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فهو الغالب القاهر فوق عباده (ولا يخلب) بخاء معجمة أي لا يخدع (ولا ينبأ بما لا يعلم) أي لا يخبره أحد بشيء لا يعلمه {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} {لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} بل هو عالم بجميع الأمور ظاهرها وخفيها كليها وجزئها على المذهب المنصور وقول الحكماء يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي أطيل في رده وحق من علم أنه تعالى موصوف بذلك أن يقف على قدم الأدب ويعمل على قضية ما هو شأنه من العجز وعدم مقاومة قهر الربوبية في شيء ولا يخادعه فإن من خادعه فإنما يخدع نفسه (طب عن معاوية) قال الهيثمي فيه يزيد بن يوسف الصغائي ضعيف متروك الحديث: 1825 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 1826 - (إن الله لا يقبض العلم) المؤدي لمعرفة الله والإيمان به وعلم أحكامه إذ العلم الحقيقي هو ذلك (انتزاعا) مفعول مطلق قدم على فعله وهو ينتزعه أي محوا يمحوه قيل ولا يجوز تقديمه لأنه مؤكد ورتبته التأخير لأنه كالتابع فيكون إما منصوبا بفعل يفسره ما بعده وإما مفعول لقوله لا يقبض (من) صدور (العباد) الذين هم العلماء لأنه أكرم الأكرمين وهو وهبهم إياه فلا يسترجعه (ولكن يقبض العلم) وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التعظيم كما في قوله تعالى {الله الصمد} بعد {قل هو الله أحد} (بقبض العلماء) أي بموتهم فيقبض العلم بتضييع [ص: 274] التعلم فلا يوجد فيمن بقي من يخلف من مضى وفي رواية للبخاري بدل هذا لكن ينتزعه منهم بقبض العلماء بعلمهم وتقديره ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه نوع قلب وفي رواية لكن ذهابه قبض العلماء ومعانيها متقاربة قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة لكن الحديث دل على عدم وقوعه (حتى) ابتدائية دخلت على الجملة (إذا لم يبق) بضم أوله وكسر القاف (عالما) وفي رواية يبق عالم بفتح الياء والقاف وفي رواية إذا لم يترك وعبر بإذا دون إن إيماء إلى أنه كائن لا محالة بالتدريج (اتخذ) أصله يتخذ قلبت الهمزة تاء ثم أدغمت التاء في التاء (الناس رؤساء) روي بضم الهمزة والتنوين جمع رأس وروي بفتحها وهم آخره جمع رئيس قال النووي كلاهما صحيح لكن الأول أشهر والمراد بالناس جميعهم فلا يصح أن الناس اتخذوا رؤوسا جهالا إلا عند عدم العالم مطلقا فسقط ما توهم من أن إذا شرطية ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط ومن وجوده وجوده لكنه ليس كذلك لجواز حصول الإيجاد مع وجود العالم وهذا حث على لزوم العلم (جهالا) جهلا بسيطا أو مركبا (فسئلوا) بالبناء للمجهول وضميره يعود إلى رؤساء (فأفتوا بغير علم) في رواية برأيهم أي استكبارا وأنفة عن أن يقولوا لا نعلم (فضلوا) في أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه وفي رواية وضلوا عن سواء السبيل. وهذا تحذير من ترئيس الجهلة وأن الفتوى هي الرئاسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بلا علم وأن قبض العلم موت حملته لا محوه منهم ولا يلزم من بقاء القرآن حينئذ بقاء العلم لأنه مستنبط منه ولا يلزم من المستنبط نفي المستنبط منه والعالم وإن كان قارئا فهو أخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم وفيه جواز خلو الزمان عن مجتهد وعليه الجمهور خلافا لأكثر الحنابلة وترئيس أهل الجهل ويلزمه الحكم بالجهل وهذا كما قال الكرماني: تعم القضاة الجاهلين إذ الحكم بشيء يستلزم الفتوى به ثم إن ذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة إلخ محل ذا على أصل الدين وذاك على فروعه أو أنه لا يقبض العلم إلى زمن مبادىء الأشراط قبل استحكام نهايتها فإذا أزفت الآزفة وأفرط قرب قيام الساعة وما أمر الله زال الكل فيحمل الخبر على زمنين مختلفين يزول التعارض من البين (تتمة) قال الراغب: لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم فمن الاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة الأنبياء وحكمهم على الخاصة ظاهرهم وباطنهم والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة وصلاح العالم برعاية أمر هذه الساسات لتخدم العامة الخاصة وتسوس الخاصة العامة وفساده في عكس ذلك ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق وأحدثوا بجهلهم بدعا استغنوا بها عامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم وقرب جوهرهم منهم وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا به ستورا مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصابا لسلطانهم ومنازعة لمكانهم فأعزوا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار (حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال أحمد قال ذلك في حجة الوداع وفي الباب عن أبي أمامة أيضا وزاد فقال أعرابي يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد نعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا؟ فرفع رأسه وهو مغضب فقال هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلموا منها فيما جاءهم أنبياؤهم انتهى فأفاد أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئا قال ابن حجر: قد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام فوقع لنا من روايته أكثر من سبعين نفسا عنه الحديث: 1826 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 1827 - (إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) أي مرخيه إلى أسفل كعبيه أي لا يثيب رجلا على صلاة أرخى [ص: 275] فيها إزاره اختيالا وعجبا وهذا قاله لمن رآه يصلي كذلك وأمره بأن يتوضأ أي ويعيد وذلك لأن الصلاة حال تواضع وإسبال الإزار فعل متكبر فتعارضا قال ابن عربي: وأمره له بإعادة الوضوء أدب وتأكيد عليه ولأن المصلي يناجي ربه والله لا ينظر إلى من جر إزاره ولا يكلمه فلذلك لم يقبل صلاته بمعنى أنه لا يثيبه عليها وقال الطيبي: سر الأمر بالتوضىء وهو متطهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من الشناعة وأنه تعالى ببركة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء لأن طهارة الظاهر تؤثر في طهارة الباطن فعلى هذا ينبغي أن يعبر كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم على أنه تعالى لا يقبل صلاة المتكبر المختال (د) في الصلاة واللباس (عن أبي هريرة) قال: بينما رجل يصلي إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ فقيل له في ذلك فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله تعالى لا يقبل إلخ قال النووي في رياضه: إسناده صحيح على شرط مسلم لكن أعله المنذري فقال فيه أبو جعفر رجل من المدينة لا يعرف الحديث: 1827 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 1828 - (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا) بأن لا يشرك العامل في عبادة ربه أحدا (وابتغى به وجهه) فمن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والآخرة فحظه ما أراد وليس له غيره وسبب هذا الحديث أن أبا أمامة قال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره وبه نوزع كثيرون في قولهم لو أضاف إلى قصد إعلاء كلمة الله سببا من الأسباب الدنيوية لم يضر حيث وقع ضمنا لا مقصودا وقول الآخرين إذا كان أصل الباعث الإعلاء لا يضر العارض الطارىء. قال ابن حجر: ويمكن حمل الحديث على من قصد الأمرين معا فلا يخالف ما ذكر وقد قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد الإعلاء لم يضر ما انضاف إليه. <تنبيه> قال بعض العارفين: هذا الحديث قطع ظهور العاملين ولم يبق لهم معه تعلق بعمل وقد انكشف بالخبر والعيان ان شرط العمل الإخلاص وهذا الحديث من أقوى أدلة من قال لا ثواب في عمل إلا إن خلص كله من الرياء وأنه لا يعتبر غلبة الباعث الذي عليه الإمام الغزالي (ن عن أبي أمامة) قال: قلت يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره قال العلاء والحديث صحيح صححه الحاكم وقال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ العراقي حسن وقال ابن حجر جيد وعدل المصنف عن عزوه لأبي داود كما فعل عبد الحق لقول ابن القطان إنه ليس عنده لكن أطلق ابن حجر في الفتح عزوه له الحديث: 1828 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 1829 - (إن الله لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض) في السجود فوضع الأنف واجب أو مندوب؟ على قولين فيه فمن أوجبه أجرى الحديث على ظاهره وأبطل الصلاة بالإخلال به ومن ندبه حمل الحديث على أن القبول المنفي هو كمال القبول لا أصله (طب عن أم عطية) الأنصارية الخاتنة قال الهيثمي: فيه سليمان القافلاني وهو متروك الحديث: 1829 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 1830 - (إن الله لا يقدس) أي يطهر (أمة) أي جماعة (لا يعطون الضعيف منهم) في رواية فيهم (حقه) وذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحق ليقتضي الوفاء بقيام التوحيد والإنقياد له فإذا وجدهم الحق معظمين له قائمين بوفائه رجع إلى الله تعالى مثنيا عليهم فرجع من الله بالتقديس إليهم والإمداد بالإرشاد حتى يزدادوا قوة على القيام به ومن وجده الحق غير معظم له رجع إلى الله ليشكوه والرحمة تلقى الحق بين يدي الله تعالى مراقبة للحق فكلما جاء الحق يشكو من الخلق حنت الرحمة في محلها حنين الوالهة فيسكن سلطان الغضب ولولا شأن الرحمة ثار السلطان فدمر العباد والبلاد فإذا [ص: 276] جاء الحق يشكو مؤذيا معاندا جبارا ثار السلطان بالعقوبات فاعتزلت الرحمة فإن المعاند مبارز فرب قوم تحل منهم العقوبة في طرفة عين ورب آخرين رأسهم مظلمة سنين حتى يقع عليهم وهم في غفلتهم لاهين (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف وظاهره أنه لا يوجد مخرجا في شيء من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه بلفظ لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ورواه الشافعي رضي الله عنه بلفظ الطبراني مصرحا بالسبب فقال إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة نكب عنا ابن أم معبد يعنون ابن مسعود أي اصرفه عنا يا رسول الله ويحتمل أن الأمر لابن مسعود على حذف حرف النداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم بعثني الله إذن؟ إن الله إلخ أي إن خفتم شره وأذى مجاورته فإنني آخذ للضعبف من القوي حقه أو أراد أن ابن مسعود هو الضعيف وهذا حقه فلم تأمرونه بالإنصراف عنكم انتهى قال ابن حجر: ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان عن جابر وغيرهما الحديث: 1830 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 1831 - (إن الله تعالى لا ينام) أي يستحيل عليه النوم لأنه انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس لاستراحة القوى والحواس وهو منزه عنه ومن كان بريئا من ذلك لا يشغله شأن عن شأن (لا ينبغي له أن ينام) قال الأشرفي: لما كانت الكلمة الأولى تدل بظاهرها على عدم صدور النوم منه سبحانه أكدها بالثانية الدالة على نفي جواز صدوره عنه إذ لا يلزم من عدم الصدور عدم جواز الصدور وذلك لأنه تعالى لو نام لم تستمسك السماء والأرض هكذا علله به في حديث رواه الموصلي عن أبي هريرة مرفوعا: وقع في نفس موسى عليه الصلاة والسلام هل ينام الله عز وجل فأرسل الله إليه ملكا أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يستحفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصطكت يداه فانكسرت القارورتان فضرب الله مثله إن الله عز وجل لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض انتهى وفيه أمية بن شبل ذكره في الميزان ولم يذكر أن أحدا ضعفه وإنما ذكر له هذا الحديث وضعفه به ورده الهيثمي بأن ابن حبان ذكره في الثقات وحينئذ فهو صحيح (يخفض القسط ويرفعه) أي ينقص الرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ويزيد بالنظر إليه بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول فمحصوله يقلل لمن يشاء ويكثر لمن يشاء بالقسط أو أراد بالقسط العدل الذي يرفع بعدله الطائع ويخفض العاصي وهو إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا تقاس عليها غيرها فهو إخبار بأن بيده تصاريف الأمور وتكوينها على ما يشاء وأي زمن شاء وأشار بنوعي الرفع والخفض إلى أن قدرته لا تتعلق بشيء واحد بل يظهر عنها المتضادات والمختلفات والمتماثلات كذا في المطامح وقال التوربشتي: فسر بعضهم القسط بالرزق أي يقتره ويوسعه عبر به عنه لأنه قسط كل مخلوق وبعضهم بالميزان ويسمى قسطا لما يقع به من المعدلة في القسمة وهو أولى لخبر يرفع الميزان ويخفضه ويحتمل أن المراد من رفع الميزان ما يوزن من أرزاق العباد النازلة من عنده وأعمالهم المرتفعة إليه ويحتمل أنه إشارة إلى أنه تعالى كل يوم هو في شأن وأنه يحكم في خلقه بميزان العدل وبين المعنى بما شوهد من وزن الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها وهذا يناسب قوله ولا ينبغي له أن ينام أي كيف يجوز عليه ذلك وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل (يرفع) بصيغة المجهول (إليه) أي إلى خزائنه كما يقال حمل المال إلى الملك فيضبط إلى يوم الجزاء أو يعرض عليه وإن كان أعلم به ليأمر ملائكته بإمضاء ما مضى لفاعله جزاء له على فعله (عمل الليل قبل عمل النهار) أي قبل أن يؤتى بعمل النهار الذي بعده (وعمل النهار قبل عمل الليل) الذي بعده وبه خص عموم خبر ما في رواية لمسلم عمل [ص: 277] النهار بالليل ومعناه يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده وعمل الليل في أول النهار الذي بعده فإن الحفظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل (1) وفيه تعجيل إجابته لمن دعاه وحسن قبوله من عمل له (حجابه النور) أي تحيرت البصائر والأبصار وارتجت طرق الأفكار دون أنوار عظمته وكبريائه وأشعة عزه وسلطانه فهي الحجب التي تحول بين العقول البشرية وما وراءها وفي رواية لمسلم النار بدل النور. قال الطيبي: وهذا استئناف جواب عمن قال لم لا نشاهد الله فقال: هو محتجب بنور عزته وأشعة عظمته وذلك الحجاب هو الذي تدهش دونه العقول وتذهب الأبصار وتتحير البصائر فحجابه خلاف الحجب المعهودة فكيف يشاهد (لو كشفه) بتذكير الضمير أي النور هذه هي الرواية وفي بعض النسخ كشفها وهو تحريف من النساخ استئناف جواب لمن قال لم لا يكشف الحجب (لأحرقت سبحات) بضم السين والباء جمع سبحة وهي العظمة (وجهه) أي ذاته قال القاضي: وهي الأنوار التي إذا رآها الملائكة المقربون سبحوا لما يروعهم من الجلال والعظمة (وما انتهى إليه) أي إلى وجهه (بصره) الضمير فيه راجع إلى ما و (من خلقه) بيان له وقيل سبحات وجهه جلاله يعني لو كشفت فتجلى ما وراءها لأحرقت عظمة جلال ذاته وأفنت ما انتهى إليه بصره من خلفه لعدم إطاقته وهو يعد في دار الدنيا منغمس في الشهوات متآلف بالمحسوسات محجوب بالشواغل البدنية والعوائق الجسمانية عن حضرته والإتصال بها ومشاهدة جمالها ذكره القاضي وقال الزمخشري: السبحات جمع سبحة كغرفات وغرفة والسبحة اسم لما يسبح به ومنها سبح العجوز لأنها تسبح بهن والمراد صفات الله التي يسبح بها المسبحون من إجلاله وعظمته وقدرته والنور الآيات البينات التي نصبها إعلاما لتشهد له وتطرق إلى معرفته والإعتراف به فشبهت بالنور في إنارتها وهدايتها انتهى. وقال البعض: أراد بما انتهى إليه جميع المخلوقات من سائر العوالم السفلية والعلوية لأن بصره تعالى محيط بالكل يعني لو كشف الحجاب عن ذاته لاضمحلت جميع مخلوقاته وهذا كله تقريب لأفهام العباد لأن كون الشيء ذا حجاب من أوصاف الجسم والحق سبحانه منزه عن ذلك ثم إن هذا قد تمسك به بعض أهل الاعتزال لمذهبهم من عدم رؤية الله في الآخرة وأجيب بأن المراد منه مرتبة الألوهية والله تعالى لا يرى بها إنما يرى بمرتبة الربوبية (تتمة) قال في الحكم: الحق ليس بمحجوب إنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر {وهو القاهر فوق عباده} كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء في ظهور ذلك الشيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء (م) في الأيمان (هـ) في السنة (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخمس كلمات فقال إن الله إلخ   (1) ولا تعارض بينه وبين ما يأتي أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس لأن هذا العرض يوم الإثنين والخميس عرض خاص كما في خبر إن الله تكفل برزق طالب العلم فهو تكفل خاص وإلا فالبارىء يتكفل بأرزاق جميع الخلائق {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ووجه الجمع أن الأعمال تعرض كل يوم فإذا كان الخميس عرضت عرضا آخر يطرح منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب أي من الأعمال المباحة نحو أكل وشرب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب الحديث: 1831 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 1832 - (إن الله لا ينظر إلى صوركم) أي لا يجازيكم على ظاهرها (ولا إلى أموالكم) الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم) التي هي محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة (وأعمالكم) [ص: 278] {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} فمعنى النظر هنا الإحسان والرحمة والعطف ومعنى نفيه نفي ذلك فعبر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازا وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهية وميل الناس إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة والله منزه عن ذلك فجعل نظره إلى ما هو السر والب وهو القلب والعمل. والجمال قسمان ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا هو محل نظر الله من غيره وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطني فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطي حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود للعيان <تنبيه> قال الغزالي: قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره فيه انتهى (م) في الأدب وغيره (هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم عنه أيضا بلفظ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم الحديث: 1832 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 1833 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر مثوبة أو رحمة أو لطف أو عناية فعبر عن المعنى الكائن عند النظر به لأن من نظر إلى متواضع رحمه أو إلى منكر مقته وفي رواية للشيخين زيادة يوم القيامة (إلى من يجر إزاره) وفي رواية ثوبه أي يسبله إلى تحت كعبيه (بطرا) أي للكبر فهو حرام متوعد عليه بالثأر في عدة أخبار ويفهم منه أن جره إذ لم يكن بطرا لا يحرم بل يكره وسبل الإزار والسراويل والقميص والجبة ونحو ذلك مثله قال العراقي: بل ورد في حديث دخول العمامة (م) من حديث زياد (عن أبي هريرة) سمعت أبا هريرة ورأى رجلا يجر إزاره فجعل يضرب على الأرض برجله وهو أمير على البحرين وهو يقول جاء الأمير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى الى أخره وظاهر صنيعه تفرد مسلم به عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا في اللباس وكذا مالك أخر الموطأ الحديث: 1833 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 1834 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى مسبل إزاره) إلى أسفل الكعبين أي بطرا كما قيده به في الرواية الأولى فإسباله لا للبطر ولا للخيلاء مكروه لا حرام والكلام في إسبال لغير ضرورة هذا في حق الرجل وأجمعوا على حل الإسبال للمرأة (1) (حم ن عن ابن عباس)   (1) وأما القدر المستحب في ما ينزل إليه طرف القميص والإزار فنصف الساقين والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد وبالجملة يكره كلما زاد على الحاجة المعتادة في اللباس من الطول والسعة وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء وقد صح الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لهن في إرخاء ذيولهن ذراعا الحديث: 1834 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 1835 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى من يخضب) أي يغير لون شعر نحو لحيته أو رأسه لما ارتكبه من الغش والخديعة (بالسواد يوم القيامة) وهذا وعيد شديد يفيد التحريم وموضعه فيما لو خضبه به لغير الجهاد أما خضبه للجهاد فجائز وأخرج بالسواد غيره كصفرة فهو جائز بل مطلوب محبوب (ابن سعد) في الطبقات (عن عامر مرسلا) عامر في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه الحديث: 1835 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 1836 - (إن الله لا يهتك) أي لا يرفع (ستر عبد) من عباده (فيه مثقال ذرة من خير) أي شيء قليل منه جدا بل يتفضل [ص: 279] عليه بستر قبائحه في هذه الدار ومن ستره فيها لم يفضحه في يوم القرار كما جاء في عدة أخبار وقيل للفضيل: إن قال لك ربك يوم القيامة ما غرك بربك الكريم ما تقول؟ قال: أقول غرتني ستورك المرخاة. قال الزمخشري: ومن المجاز هتك الله ستر التاجر فضحه وقبحوهم فهتكوا أستارهم وتهتك في البطالة أعمل نفسه فيها ورجل متهتك لا يبالي بهتك ستره (عد عن أنس) وفيه الربيع بن زيد وقال النسائي متروك وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه رواه وأقره غير صواب الحديث: 1836 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 1837 - (إن الله لا يؤاخذ المزاح) أي الكثير المزاح الملاطف بالقول والفعل المازح (الصادق في مزاحه) أي الذي لا يشوب مزاحه بكذب أو بهتان بل يخرجه على ضرب من التورية ونحوها كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز وذلك الذي في عينه بياض ونحو ذلك (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الحديث: 1837 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 1838 - (إن الله تعالى يؤيد هذا الدين) دين الإسلام قال الحرالي: والأيد تضعيف القوة الباطنة وقال الراغب: الأيد القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد (بأقوام) جمع قوم (لا خلاق لهم) أي لا أوصاف حميدة يتلبسون بها قال حجة الإسلام ومنهم عالم طالب للرياسة والقبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعز والوقار وهو في نفسه هالك ويصلح بسببه الدين والخلق إذا كان يدعو إلى رفض الدنيا ظاهرا وينشر الشريعة ويقيم نواميس الشعائر الدينية فهو ممقوت عند الله ويظن أنه عنده بمكان اه. وقال بعضهم: العبد وإن وقع على يديه تأييد للدين ونفع للعباد بالإفتاء والتدريس والتأليف فهو جاهل بخاتمة أمره هذا إذا سلم حال حياته من نحو عجب وشفوف على الناس بعلمه وإلا فحاله ظاهر اه (ن حب عن أنس) بن مالك (حم طب عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي أسناده جيد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات الحديث: 1838 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 1839 - (إن الله تعالى يباهي) ملائكته (بالطائفين) بالكعبة أي يظهر لهم فعلهم ويعرفهم أنهم من أهل الحظوة لديه وأهل المباهات المفاخرة والله سبحانه منزه عنها فيؤول بما ذكر (حل هب) وكذا الخطيب (عن عائشة) قال أبو نعيم لم يروه عن عطاء إلا عائذ بن بشير ولا عنه إلا محمد بن السماك اه وابن السماك قال ابن نمير ليس حديثه بشيء الحديث: 1839 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 1840 - (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة) أي الواقفين بها ثم بين تلك المباهات بقوله (يقول انظروا إلى عبادي) أي تأملوا حالهم وهيأتهم (أتوني) أي جاؤوا إلى بيتي إعظاما لي وتقربا لما يقربهم مني (شعثا) أي متغيرين الأبدان والشعور والملابس لقلة تعهدهم بالأدهان والإصلاح والشعث الوسخ في بدن أو شعر (غبرا) أي من غير استحداد ولا تنظف قد ركبهم غبار الطريق قال في المطامح: وذا يقتضي الغفران وعموم التكفير لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطهر فينتج أن الحج يكفر حق الحق وحق الخلق حتى الكبائر والتبعات ولا حجر على الله في فضله ولا حق بالحقيقة لغيره وفيه أفضلية عرفة [ص: 280] حتى على النحر وهو ما عليه الأكثر فلو قال أنت طالق في أفضل الأيام لم تطلق إلا يومه قال القاضي: وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر فلما رآه قال قد عرفت أو لأن آدم وحواء عليهما السلام التقيا فيه فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون فيه (حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه قال الهيثمي رجال أحمد موثوقون الحديث: 1840 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 1841 - (إن الله تعالى يباهي بالشاب) هو الذي لم يصل إلى حد الكهولة (العابد) لله تعالى (الملائكة يقول انظروا إلى عبدي) هذا الشاب (ترك شهوته من أجلي) أي قهر نفسه فصام نهاره وقام ليله وشغل بالعبادة عن التبسط في الملاذ والتوسع في المطاعم والمشارب والملابس وكفها عن لذاتها ابتغاء لرضاي وأما أنتم أيها الملائكة فلا تقاسون تجرع مرارات مخالفة النفس والهوى لكونكم ليس في أحد منكم خلط ولا تركيب بل كل منكم وحداني الصفة مجبول على الطاعة (ابن السني) في عمل يوم وليلة (فر عن طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة وفيه يحيى بن بسطام قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه ويزيد بن زياد الشامي قال في الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك الحديث: 1841 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 1842 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يختبر ويمتحن (عبده المؤمن) القوي على احتمال ذلك (بالسقم) بضم فسكون أي المرض (حتى يكفر عنه كل ذنب) فيجب على العبد أن يشكر الله على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخرة دائمة ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى قال القرطبي والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك <تنبيه> قال العارف الجيلاني رضي الله تعالى عنه قد يقرب الله عبده المؤمن ويجتبيه ويفتح قبالة عين قلبه باب الرحمة والمنة والإنعام فيرى بقلبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من مطالعة الغيوب في ملك السماء والأرض ومن تقريب وكلام لطيف ووعد جميل ودلال وإدلال وإجابة دعاء وتصديق وعد وكلمات حكمة تومي إلى قلبه من بعد فتظهر على لسانه ويسبغ على قلبه نعمه الدنيوية والدينية ويديم ذلك عليه برهة حتى إذا اطمأن لذلك واغتر به وظن دوامه فتح عليه بابا من البلاء والمحن في نفسه وأهله وماله وقلبه فينقطع كلما كان فيه من نعيم فيبقى متحيرا حزينا مكسورا مقطوعا به إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسوؤه أو إلى قلبه وباطنه وجد ما يحزنه وإن سأل الله كشف ما به من البلاء لم ترج إجابته وإن طلب وعدا جميلا لم يجده سريعا وإن وعد بشيء لم يصل إليه وإن رأى رؤيا لم يظفر بتعبيرها وتصديقها وإن رام الرجوع إلى الخلق لم يجد إليه سبيلا وإن عمل برخصة تسارع إليه العقاب وسلطت أيدي الخلائق على جسمه وألسنتهم على عرضه وإن طلب الإقالة لم يقل أو الرضى أو التنعم بما هو فيه من البلاء لم يعط وحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والأمان والإرادات في الرحيل والأكوان كلها في التلاشي ويدام ذلك عليه مدة حتى تفنى جميع أوصافه البشرية فإذا صار روحا مجردا تعطف الحق عليه يسمع النداء من باطنه {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وحينئذ يمطر الله على قلبه ماء رحمته ورأفته ولطفه ومنته ويزيل عنه سائر البلاء ويطلق ألسنة خلقه بمدحه والثناء عليه وبذل له الرقاب وتسخر له الملوك والأرباب (طب عن جبير بن مطعم ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي في سند الطبراني عبد الرحمن بن معاوية ابن الحويرث ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان الحديث: 1842 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 [ص: 281] 1843 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يمتحن ويختبر (العبد فيما أعطاه) من الرزق (فإن رضى بما قسم الله له) أي بالذي قسم له منه أو بقسمة الله (بورك له) بالبناء للمفعول يعني بارك الله له فيه (ووسعه) عليه (وإن لم يرضى) به (لم يبارك له) فيه (ولم يزده على ما كتب له) أي قدر له في الأزل أو في بطن أمه لأن من لم يرض بالمقسوم كأنه سخط على ربه حيث لم يقسم له فوق ما قسم فاستحق حرمانه من البركة لكونه يرى نفسه أهلا لأكثر مما قدر له واعترض على الله في حكمته. قال بعضهم: وهذا الداء قد كثر في أبناء الدنيا فترى أحدهم يحتقر ما قسم له ويقلله ويقبحه ويعظم ما بيد غيره ويكثره ويحسنه ويجهد في المزيد دائما فيذهب عمره وتنحل قواه ويهرم من كثرة الهم والتعب فيتعب بدنه ويفرق جبينه وتسود صفحته من كثرة الآثام بسبب الإنهماك في التحصيل مع أنه لا ينال إلا المقسوم فخرج من الدنيا مفلسا لا هو شاكر ولا نال ما طلب (حم و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجم الصحابة (هب) كلهم (عن) عبد الله بن الشخير (عن رجل من بني سليم) قال عبد الله: لا أحبسه إلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإبهام الصحابي غير قادح لأنهم كلهم عدل كما مر قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 1843 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 1844 - (إن الله تعالى يبسط يده بالليل) أي فيه (ليتوب مسيء النهار) مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة (ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) يعني يقبل التوبة من العصاة ليلا ونهارا أي وقت كان فبسط اليد عبارة عن قبول التوبة ومن قبل توبته فداه بأهل الأديان يوم القيامة كما مر ويجيء في خبر وفيه تنبيه على سعة رحمة الله وكثرة تجاوزه عن المذنبين ولا يزال كذلك (حتى تطلع الشمس من مغربها (1)) فإذا طلعت منه غلق باب التوبة قال في المطامح: ومن أنكر طلوعها من مغربها كفر وسمعت عن بعض أهل عصرنا أنه ينكره نعوذ بالله من الخذلان انتهى وأنت خبير بأن جزمه بالتكفير لا يكاد يكون صحيحا سيما في حق العامة لأنه لم يبلغ مبلغ المعلوم من الدين بالضرورة ومجرد وروده في أخبار صحاح لا يوجب التكفير فتدبر (حم م) في التوبة (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير ولم يخرجه اليخاري   (1) قال النووي معناه يقبل التوبة من المسيئين نهارا وليلا حتى تطلع الشمس من مغربها ولا يختص قبولها بوقت وبسط اليد استعارة في قبول التوبة للمسيء وقال المناوي يعني يبسط يد الفضل والإنعام لا يد الجارحة فإنها من لوازم الأجسام فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة الحديث: 1844 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 1845 - (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة) أي يقيض لها (على رأس كل مئة سنة) من الهجرة أو غيرها على ما سبق تقريره والمراد الرأس تقريبا (من) أي رجلا أو أكثر (يجدد (1) لها دينها) أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر [ص: 282] أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم قالوا: ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة. قال ابن كثير: قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم ومر تعيين المبعوث على كل قرن وأن المؤلف ذكر أنه المجدد التاسع وصرح به في قصيدة بقوله: الحمد لله العظيم المنه. . . المانح الفضل لأهل السنة. . . ثم الصلاة والسلام نلتمس على نبي دينه لا يندرس. . . لقد أتى في خبر مشتهر. . . رواه كل عالم معتبر بأنه في رأس كل مئة. . . يبعث ربنا لهذى الأمة. . . منا عليها عالما يجدد دين الهدى لأنه مجتهد. . . فكان عند المئة الأولى عمر. . . خليفة العدل بإجماع وقر والشافعي كان عند الثانية. . . لما له من العلوم السامية. . . وابن سريج ثالث الأئمة والأشعري عده من أمه. . . والباقلاني رابع أو سهل أو. . . الاسفرايني خلف قد حكوا والخامس الحبر هو الغزالي. . . وعده ما فيه من جدال. . . والسادس الفخر الإمام الرازي والرافعي مثله يوازي. . . والسايع الراقي إلى المراقي. . . ابن دقيق العيد بإتفاق والثامن الحبر هو البلقيني. . . أو حافظ الأنام زين الدين. . . والشرط في ذلك أن تمضي المئة وهو على حياته بين الفئة. . . يشار بالعلم إلى مقامه. . . وينصر السنة في كلامه وأن يكون جامعا لكل فن. . . أن يعم علمه أهل الزمن. . . وأن يكون في حديث قد ورى من أهل بيت المصطفى وقد قوى. . . وكونه فردا هو المشهور. . . قد نطق الحديث والجمهور وهذه تاسعة المئين قد. . . أتت ولا يخلف ما الهادي وعد. . . وقد رجوت أنني المجدد فيها بفضل الله ليس يجحد. . . وآخر المئين فيما يأتي. . . عيسى نبي الله ذو الآيات يجدد الدين لهذي الأمة. . . وفي الصلاة بعضنا قد أمه. . . مقرر لشرعنا ويحكم بحكمنا إذ في السماء يعلم. . . وبعده لم يبق من مجدد. . . ويرفع القرآن مثل ما بدى وفي حديث لأبي داود منا أهل البيت أي لأن آل محمد صلى الله عليه وسلم كل تقي (د) في الملاحم (ك) في الفتن وصححه (والبيهقي في) كتاب (المعرفة) له كلهم (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي وغيره سنده صحيح ومن ثم رمز المؤلف لصحته   (1) قال العلقمي معنى التجديد إحياء ما ندرس من العمل من الكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما واعلم أن المجدد إنما هو بغلبة الظن بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه الحديث: 1845 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 1846 - (إن الله يبعث ريحا من اليمن) وفي رواية من الشام ولا تنافي أنها ريح شامية يمانية أو لأن مبدأها من حد الإقليمين ثم تصل للآخر وتنشر عنه وزعم أن اليمن بضم فسكون وأن المراد البركة يرده ذكر الشام في الرواية الأخرى (ألين من الحرير) في هذا الوصف إشارة إلى الرفق بالمؤمنين في قبض أرواحهم وفيه أن استعمال الريح في الشر غالبي لا كلي (فلا تدع) أي تترك (أحدا في قلبه مثقال حبة) في رواية ذرة (من إيمان) أي وزنها منه والمثقال معروف لكن ليس المراد به هنا حقيقته بل عبر به لأنه أقل ما يوزن به عادة غالبا (إلا قبضته) أي قبضت روحه بمعنى أنه يحصل قبضة مع هبوبها فلا ينافي أن القابض ملك الموت عليه السلام ولا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي إلخ لأن معناه حتى يقبضهم الريح الطيبة قرب القيامة وفيه أن الإيمان يزيد وينقص وأن المؤمنين يرفق بهم لكن هذا غالبي وإلا فكم من سعيد صعب عليه الموت وشقي سهل عليه (ك عن أبي هريرة) وقال صحيح الحديث: 1846 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 [ص: 283] 1847 - (إن الله تعالى ببعض السائل الملحف) أي الملح الملازم أخذا من اللحاف الذي يشتمل به الإنسان ويتغطى به للزومه ما يغطيه ومنه لاحفه أي لازمه قال الحرالي: هو لزوم ومدافعة في الشيء من حروف الحلق الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية انتهى وفي الفردوس قيل المراد هنا بالملحف من عنده غداء وهو يسأل العشاء وقد ذم الله تعالى السائل إلحافا في ضمن ثنائه على ضده بقوله {لا يسألون الناس إلحافا} (حل عن أبي هريرة) وفيه ورقاء فإن كان اليشكري فقد لينه ابن القطان والأسدي فقال يحيى ما كان بالذي يعتمد عليه وقد أوردهما معا الذهبي في الضعفاء الحديث: 1847 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 1848 - (إن الله تعالى يبغض الطلاق) أي قطع النكاح بلا عذر شرعي (ويحب العتاق) لما فيه من فك الرقبة وتثبت به من قال لا يحل الطلاق إلا لضرورة يعني عند قيام الحاجة إلى الخلاص وهو مذهب الحنفية وقال الشافعي هو مباح أصالة وقد تجري فيه الأحكام الخمسة (فر) من جهة محمد بن الربيع عن أبيه عن حميد بن مكحول (عن معاذ بن جبل) قال السخاوي وهو ضعيف منقطع فمكحول لم يسمع معاذا وحميد مجهول وقيل عنه عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وكلها ضعيفة والحمل فيه كما قال الجوزي على حميد الحديث: 1848 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 1849 - (إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال) أي المظهر للتفصح تيها على الغير وتفاصحا واستعلاء ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم أو تعظيم حقير أو بقصد تعجيز غيره أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه أو إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته فلا ينافي كون الجمال في اللسان ولا أن المروءة في البيان ولا أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها ولا يناقض هذا {خلق الإنسان علم البيان} لأن جعله من نعم الوهاب آية أن موضع البغض ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم فمن فهم تناقض الخبر والآية فقد وهم وإلى ذلك المعنى المراد يشير قوله (الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة) جماعة البقر (بلسانها) أي الذي يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة ووجه الشبه إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها ذكره جمع أخذا من قول التوربشتي ضرب للمعنى مثلا يشاهده الراؤون من حال البقرة ليكون أثبت في الضمائر وذلك أن كل دابة تأخذ النبات بأسنانها والبقرة بلسانها يضرب بها المثل لأنهم كانوا في مغزاهم كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوك والحلو والمر بل تلف الكل بلسانها لفا فكذا هؤلاء لا يميزون في مأكلهم بين الحلال والحرام {سماعون للكذب أكالون للسحت} وقال القاضي: شبه إدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحا بما يفعل البقر وما ذكر من أن الرواية يتخلل بخاء معجمة هو المشهور وفي بعض نسخ المصابيح يتجلل بالجيم قال القاضي فيكون تشبيها له في تكلمه بالهجر وفحش الكلام بالجلالة في تناول النجاسات وبغض الله إرادته عقاب من أبغضه وإيقاع الهوان به قال الغزالي: مر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له: أعلى الله تتبالغ؟ ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق. قال في الأذكار: فيكره التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع بالمقامات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول فكله من التكلف المذموم وكذا تحري دقائق الأعراب ووحشي اللغة حال مخاطبة العوام قال بعض العارفين: لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات ألا ترى كيف جعل الله موسى أفضل من أخيه عليهما السلام لفصاحة ذاته وكان هارون عليه السلام [ص: 284] أفصح منه في نطقه وبلاغته {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ولله در القائل: سر الفصاحة كامن في المعدن. . . لخصائص الأرواح لا للألسن وقال: يا من أعرب فما أغرب وعبر فما غبر وأثار المغنى وما أنار المعنى هل الجنان لمن أصلح الجنان أم لمن أتى بالإغراب في الإعراب؟ وقال بعضهم: لسان فصيح معرب في كلامه. . . فيا ليته في موقف الحشر يسلم وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى. . . وما ضر ذا تقوى لسان معجم <تنبيه> البلاغة عند المتقدمين أن يبلغ بعبارة لسنه كنه ما في جنانه أو إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ أو الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار في الكلام أو قليل لا يبهم وكثير لا يسأم أو إجمال اللفظ واتساع المعنى أو تقليل اللفظ وتكثير المعنى أو حسن الإيجاز وإصابة الحقيقة والمجاز أو سهولة اللفظ مع البديهة أو لمحة دالة أو كلمة تكشف البغية أو الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطأ أو النطق في موضعه والسكوت في موضعه أو معرفة الفصل والوصل أو الكلام الدال أوله على آخره وعكسه أقوال وفي عرف أهل المعاني والبيان مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة وهي خلوه عن التعقيد (حم د) في الأدب (ن) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي حسن غريب اه. وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدمي قال في الكاشف: كان مدلسا موثقا وهذا الحديث رواه العسكري عن ابن عمر ونحوه وزاد في آخره لفظة فقال إن الله عز اسمه يبغض الرجل البليغ الذي يلغت لسانه كما يلغت الباقر بلسانها الحلاوة الحديث: 1849 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 1850 - (إن الله تعالى يبغض البذخين) بباء موحدة وذال وخاء معجمتين اسم فاعل من البذخ الفخر والتطاول (الفرحين) فرحا مطغيا لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه كما يدل عليه تعقيبه بقوله (المرحين) من الرمح وهو الخيلاء والتكبر الذين اتخذوا الشماخة والكبر والأشر والبطر والاستغراق في اللهو والفرح بما أوتوا ديدنا وشعارا ومن فرح بحظ الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبر على الناس وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي نفسه ويحب كل قلب حزين (فر عن معاذ بن جبل) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال في الميزان قال الدارقطني متروك يضع الحديث <تنبيه> علاج من استخفه الفرح إكثار ذكر الموت واستحضار قبح الدنيا وسرعة زوالها وكدحها الحديث: 1850 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 1851 - (إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب) بكسر الغين المعجمة أي الذي لا يشيب أو الذي يسود شيبه بالخضاب ذكره الزمخشري وعلى الأول فالمراد به من يعمل عمل من لحيته سوداء يعني عمل الشباب من اللهو واللعب والخفة والطيش والإكباب على الشهوات والاسترسال في اللذات (عد) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه رشدين فإن كان ابن سعد فقد ضعفه الدارقطني أو ابن كريب فضعفه أبو زرعة الحديث: 1851 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 1852 - (إن الله تعالى يبغض الغني الظلوم) أي كثير الظلم لغيره بمعنى أنه يعاقبه وليس المراد أنه لا يبغض الفقير الظلوم بل المراد أن كثرة الظلم مع الغنى أشد قبحا وأعظم جرما وأكثر عذابا وعبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن من وقع منه هفوة من ظلم لا يكون مبغوضا (والشيخ الجهول) أي الجاهل بالفروض العينية التي يلزمه تعلمها أو الذي يفعل فعل الجهال وإن كان عالما وليس المراد أنه لا يبغض الشاب الجهول بذلك بل بيان أن جهل الشيخ الذي وصل إلى حال الإنابة وأعذر الله إليه في العمر وأشرف على القدوم على الآخرة أقبح لاغتراره بالله تعالى وتماديه في غفلته (والعائل المختال) بخاء معجمة أي الفقير الذي له عيال محتاجون وهو يختال أي يتكبر عن تعاطي ما يقوم [ص: 285] بأودهم ويهمل أمرهم ويضيعهم وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ولم يعبر فيه بصيغة المبالغة لعظم جرم التكبر وشر عاقبته لما فيه من منازعة الله في دائه فالقليل منه ليس في محل العفو كما في ذينك (طس عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحارث الأعور وهو ضعيف الحديث: 1852 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 1853 - (إن الله يبغض الفاحش المتفحش) قال القرطبي: الفاحش المجبول على الفحش الذي يتكلم بما يكره سماعه مما يتعلق بالدين أو الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي وهو الجفاء في الأقوال والأفعال والمفتحش المتعاطي لذلك المستعمل له وقيل الفاحش المتبلس بالفحش والمتفحش المتظاهر به لأنه تعالى طيب جميل فيبغض من لم يكن كذلك قال تعالى { {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال الفخر الرازي: وقد عاتب الله تعالى نوحا عليه الصلاة والسلام عند دعائه على قومه بالهلاك. وقال {المؤمنون بعضهم أولياء بعض} ولم يقل أعداء بعض وقال موسى وهارون عليهما الصلاة السلام {فقولا له قولا لينا} (حم عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي رواه بأسانيد أحدها رجاله ثقات الحديث: 1853 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 1854 - (إن الله يبغض المعبس) بالتشديد (في وجوه إخوانه) أي الذي يلقاهم بكراهة عابسا وفي إفهامه إرشاد إلى الطلاقة والبشاشة مع الإخوان (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه محمد بن هارون الهاشمي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني ضعيف عن عيسى بن مهران قال في الضعفاء كذاب رافضي الحديث: 1854 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 1855 - (إن الله تعالى يبغض الوسخ) الذي لا يتعهد بدنه ولا ثيابه من الوسخ (والشعث) لأنه تعالى نظيف يحب النظافة ويحب من خلقه من تخلق بها ويكره أضدادها. قال في المصباح: والوسخ ما يعلو الثوب وغيره من قلة التعهد وتوسخت يده تلطخت بالوسخ. قال الزمخشري: ومن المجاز لا تأكل من أوساخ الناس ولا يعارضه خبر إن الله يحب المؤمن المتبذل لأن المراد به تارك التزين تواضعا كما يأتي (هب عن عائشة) رضي الله عنها وفيه محمد بن الحسين الصوفي وقد سبق أنه كان وضاعا وخالد بن حجيج قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب الحديث: 1855 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 1856 - (إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا) أي بما يبعده عن الله من الإمعان في تحصيلها (جاهل بالآخرة) أي بما يقربه إليها وبدنيه منها لأن العلم شرف لازم لا يزول دائم لا يمل ومن قدر على الشريف الباقي أبد الآباد ورضي بالخسيس الفاني في أمد الآماد فجدير بأن يبغض لشقاوته وإدباره ولو لم يكن من شرف العلم إلا أنه لا يمتد إليه أيدي السراق بالأخذ ولا أيدي السلاطين بالعزل لكفى فكيف وهو بشرطه المتكفل بسعادة الدارين (ك في تاريخه عن أبي هريرة) وفيه أبو بكر النهشلي شيخ صالح تكلم فيه ابن حبان الحديث: 1856 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 1857 - (إن الله تعالى يبغض البخيل) مانع الزكاة أو أعم (في حياته السخي عند موته) لأنه مضطر في الجود وحينئذ لا مختار لعلمه أن دنياه قد أدبرت وأن إمساك المال لا ينفعه حينئذ لكن إن فعل أثيب ثوابا أنقض من ثوابه حال الصحة (خط في كتاب البخلاء) أي في الكتاب الذي ألفه في ذم البخلاء (عن علي) أمير المؤمنين وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه له على سنده الحديث: 1857 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 [ص: 286] 1858 - (إن الله تعالى يبغض المؤمن الذي لا زبر له) بزاي فموحدة فراء أي لا عقل له يزبره أي ينهاه عن الإثم أو لا عقل له يعتد به أو يحتفل به أو لا تماسك له عن الشهوات فلا يرتدع عن فاحشة ولا ينزجر عن محرم كذا قرره جمع لكن في الميزان يعني الشدة في الحق وروي بذال معجمة أي لا نطق له ولا لسان يتكلم به لضعفه أو لا فهم له أو لا إتقان له ذكره ابن الأثير وفي رواية بدل المؤمن الضعيف الذي لا زابر له (عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مسمع الأشعري وقال لا يتابع عليه ولا يعرف بالنقل وتبعه في اللسان كأصله الحديث: 1858 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 1859 - (إن الله يبغض ابن السبعين) من السنين (في أهله) كناية عن شدة التواني ولزوم التكاسل والتقاعد عن قضاء حوائجهم (ابن عشرين) من السنين (في مشيته) بكسر الميم (ومنظره) أي من هو في مشيته وهيئته كالشاب المعجب بنفسه الفرح بحياته الطائش في أحواله ولفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ بتعريف السبعين والعشرين (طس) وكذا الديلمي (عن أنس) وقال: أعني الطبراني لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وقال الهيثمي: وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث وهو ضعيف الحديث: 1859 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 1860 - (إن الله تعالى يتجلى) بالجيم (لأهل الجنة) في الجنة (في مقدار كل) يوم (جمعة) من أيام الدنيا (على كثيب كافور) بالإضافة وبدونها (أبيض) فيرونه عيانا وذلك هو يوم عيد أهل الجنة وإنما قال في مقدار ولم يكتف بقوله في كل يوم جمعة لأن الجنة ليس فيها نهار ولا ليل كالدنيا. قال العارف ابن عربي: إذا وجد الشيء في عينه جاز أن يراه ذو العين بعينه المقيدة بوجهه الظاهر وجفنه ولو كانت الرؤية تؤثر في المرء لأحلناها فقد بانت المطالب كما ذكرناها. اه. وخص المؤلف الرؤية في الآخرة بالذكور وبدليل أنهم يرجعون إلى نسائهم فيعجبون بما زيد لهم من النور وخالف الشمس الجوهري وقال: ظاهر صحاح الأخبار العموم ووقع بينهما تنازع أدى إلى تقاطع وألف فيه المؤلف تأليفا سماه إسبال الكساء على النساء استدل فيه بأخبار وآثار ضعيفة لا يحتج بها (خط) عن الحسن بن أبي الحسين الوراق عن عمر بن أحمد الواعظ عن جعفر بن محمد العطار عن جده عبد الله بن الحكم عن عاصم عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: لا أصل له جعفر وجده وعاصم مجهولون وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه الحديث: 1860 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 1861 - (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم) أيها المؤمنون (عملا أن يتقنه) أي يحكمه كما جاء مصرحا به في رواية العسكري فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصور والآلات والعدد مثلا أن يعمل بما علمه الله عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق الله الذي استعمله في ذلك ولا يعمل على نية أنه إن لم يعمل ضاع ولا على مقدار الأجرة بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة كما ذكر أن صانعا عمل عملا تجاوز فيه ودفعه لصاحبه فلم ينم ليلته كراهة أن يظهر من عمله عملا غير متقن فشرع في عمل بدله حتى أتقن ما تعطيه الصنعة ثم غدا به لصاحبه فأخذ الأول وأعطاه الثاني فشكره [ص: 287] فقال: لم أعمل لأجلك بل قضاء لحق الصنعة كراهة أن يظهر من عملي عمل غير متقن فمتى قصر الصانع في العمل لنقص الأجرة فقد كفر ما علمه الله وربما سلب الإتقان <تنبيه> ما ذكر في شرح هذا الحديث هو ما لبعض الأئمة لكني رأيت في رواية ما يدل على أن المراد بالإتقان الإخلاص ولفظها إن الله لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه. قالوا: يا رسول الله وما اتقانه قال: يخلصه من الرياء والبدعة (هب عن عائشة) وفيه بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما الحديث: 1861 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 1862 - (إن الله يحب من العامل) أي من كل عامل (إذا عمل) عملا في طاعة (أن يحسن) عمله بأن لا يبقى فيه مقالا لقائل ولا مفرجا لغائب. قال الراغب: العاقل من تحرى الصدق في صناعته وأقبل على عمله وطلب مرضاة ربه بقدر وسعه وأدى الأمانة بقدر جهده ولم يشتغل عن عبادة ربه كما قال تعالى {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} <تنبيه> قال النووي: المحبة الميل ويستحيل أن يميل الله تعالى أو يمال إليه وليس بذي جنس ولا طبع فيوصف بالشوق الذي تقتضيه الطبيعة البشرية فمحبته للعبد إرادته تنعيمه أو هي إنعامه فعلى الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل وأما محبة العبد لله تعالى فإرادته أن يحسن إليه اه (هب) من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن أبيه عن عاصم بن كليب (عن) أبيه (كليب) بن شهاب الحري قال العلاء: قال لي محمد بن سوقة اذهب بنا إلى رجل له فضل فانطلقنا إلى عاصم بن كليب فكان مما حدثنا أن قال حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول سووا في حد هذا حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن إن الله إلخ وقطبة ابن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به قال أعني الذهبي والده العلاء لا يعرف وعاصم بن كليب قال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به اه وكليب ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال له ولأبيه شهاب صحبة لكن قال في التقريب: وهم من ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة وعليه فالحديث مرسل الحديث: 1862 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 1863 - (إن الله يحب إغاثة اللهفان) أي المكروب أي إعانته ونصرته يقال تلهف على الشيء ولهف إذا حزن وتحسر عليه فهو لهفان وملهوف ولهيف أي مكروب وورد في فضل إعانته أخبار وآثار تحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع فيها واستفراغ الجهد في المحافظة عليها وسيمر بك كثير من ذلك في أحاديث هذا الجامع (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لم يره ولا شهر ولا أحق بالعزو منه إليه وهو عجيب فقد رواه أبو يعلى وكذا الديلمي من حديث أنس باللفظ المزبور الحديث: 1863 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 1864 - (إن الله تعالى يحب الرفق) بكسر فسكون لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف (في الأمر كله) في أمر الدين وأمر الدنيا حتى في معاملة المرء نفسه ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده فالرفق محبوب مطلوب مرغوب وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر وهذا قاله لما قالت اليهود لعائشة رضي الله تعالى عنها عندها السام عليك قالت بل عليكم السام واللعنة <تنبيه> عرف في شرح الرسالة العضدية الرفق بأنه حسن الانقياد إلى ما يؤدي إلى الجميل (خ عن عائشة) قضية كلام المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم أيضا باللفظ المزبور عن عائشة المذكورة في كتاب الاستئذان لكن الإنسان محل النسيان الحديث: 1864 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 [ص: 288] 1865 - (إن الله يحب السهل) في قوله وفعله أي المتهلل الوجه البسام والمتيسر في أمره غير المتعسر فتراه سهلا في دنياه في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه فيشعر بحقارة الدنيا وتراه سهلا في معاشرة الخلق لين الجانب حسن الصحبة ذا رفق لهم وكذا في أمر الدين سهل الانقياد إلى طاعة ربه. قال بعضهم: المؤمن أسهل شيء وأيسره فإذا تعرض لدينه كان كالجبل (المطلق) وفي نسخ الطليق والأول هو ما في خط المؤلف يعني طلق الوجه ظاهر البشر لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب التخلق بشيء منها والسهولة والطلاقة داخلان فيما تسمى به إذ هما من الحلم والرحمة وفي رواية الطلق يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه إذا كان في وجهه طلاقة وبشاشة وقال أبو زيد رجل طليق الوجه متهلل بسام (الشيرازي) وكذا الديلمي (هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبيهقي وسنده ضعيف انتهى. وذلك لأن فيه أحمد بن عبد الجبار البلخي أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وحديثه مستقيم قال الدارقطني وغيره متروك الحديث: 1865 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 1866 - (إن الله يحب الشاب) وهو من بلغ ولم يتجاوز ثلاثين سنة (التائب) أي الراجع إلى الله تعالى عن قبيح فعله وقوله لأن الشبيبة حال غلبة الشهوة وحدة النفس وقوة الطبع وضعف العقل وقلة العلم فأسباب المعصية فيها قوية وأسباب العصمة ضعيفة فتغلب الشاب قيواقع المنهي فإذا تاب مع قوة الداعي استوجب محبة الله له ورضاه عنه مكايدة للنفس والشيطان (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أنس) قال الزين العراقي سنده ضعيف الحديث: 1866 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 1867 - (إن الله تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه) أي يصرفه كله (في طاعة الله تعالى) لأنه لما تجرع مرارة الصبر وحبس نفسه عن لذاتها في محبة الله ورجاء ما عنده من الثواب جوزي بمحبة الله له والجزاء من جنس العمل ومن ثم كان صبر السلطان على ترك الظلم والفتى على الشهوات أفضل من صبر غيرهما على ذلك (حل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الفضل بن عطية قال الذهبي في الضعفاء تركوه وأبهمه بعضهم وسالم الأفطس قال ابن حبان ينفرد بالمعضلات الحديث: 1867 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 1868 - (إن الله تعالى يحب الصمت) أي السكوت حيث لا ضرورة إلى الكلام (عند ثلاث) من الأشياء. الأول: (عند تلاوة القرآن) أي شيء منه ليتدبر معانيه ويتأمل أحكامه قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (و) الثاني: (عند الزحف) أي عند التقاء الصفوف في الجهاد لأن السكوت أهيب وأرهب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره الصوت عند القتال كما يأتي وذلك لأن الساكن الساكت أهيب وأرهب (و) الثالث: (عند الجنازة) أي عند المشي معها والغسل والصلاة عليها وتشييعها إلى أن تقبر ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا شهد جنازة أكثر الصمات وأكثر حديث نفسه وكان إذا تبع جنازة علا كربه وأقل الكلام ولا يعارض ذلك خبر أكثروا في الجنازة من قول لا إله إلا الله لأن المراد أنه يقوله سرا (طب) وكذا أبو يعلى (عن زيد بن أرقم) قال ابن الجوزي قال أحمد ليس بصحيح وقال ابن حجر في سنده راو لم يسم وآخر مجهول وقال الهيثمي فيه رجل لم يسم الحديث: 1868 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 1869 - (إن الله تعالى يحب العبد) المؤمن (التقي) بمثناة فوقية من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهي عنه وهو [ص: 289] فعيل من الوقاية تاؤه مقلوبة عن واو وقيل هو المبالغ في تجنب الذنوب (الغني) غنى النفس كما جزم به في الرياض وهو الغني المحبوب وأشار البيضاوي وعياض والطيبي إلى أن المراد غنى المال والمال غير محذور لعينه بل لكونه يعوق عن الله فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله فالتحقيق أنه لا يطلق القول بتفضيل الغني على الفقير وعكسه (الخفي) بخاء معجمة أي الخامل الذكر المعتزل عن الناس الذي يخفي عليهم مكانه ليتفرغ للتعبد قال ابن حجر وذكر للتعميم إشارة إلى ترك الرياء وروى بمهملة ومعناه الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء قال الطيبي والصفات الثلاثة الجارية على العبد واردة على التفضيل والتمييز فالتقى مخرج للعاصي والغني للفقير والخفي على الروايتين لما يضادها فإذا قلنا إن المراد بالغنى غنى القلب اشتمل على الفقير الصابر والغني الشاكر منهم وفيه على الأول حجة لمن فضل الاعتزال وآثر الخمول على الاشتهار. قال بعض العارفين: طريق القوم لا تصلح إلا لمن كنست بأرواحهم المزابل وقيل: ليس الخمول بعار. . . على امرئ ذي كمال. . . فليلة القدر تخفى. . . وتلك خير الليالي (حم م) في آخر صحيحه (عن سعد) بن أبي وقاص كان في إبله فجاء ابنه فقال نزلت ههنا وتركت الناس يتنازعون الملك فضرب سعد في صدره وقال اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره ولم يخرجه البخاري الحديث: 1869 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 1870 - (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المفتن) بفتح التاء مشددة مبنيا للمفعول أي الممتحن بالذنب (التواب) أي الكثير التوبة أي الذي يتوب ثم يعود ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب وهكذا قال الحرالي وهذا تأنيس لقلوب المجروحين من معاودة الذنب بعد التوبة منه وقال ابن عربي: يريد أنك إذا كنت من التوابين على من أساء في حقك كان الله توابا عليك فيما أسأت من حقه فرجع عليك بالإحسان فمن أساء إليه أحد من عباد الله تعالى فرجع عليه بالإحسان إليه في مقابلة إساءته فهو التواب المحبوب إلى الله هكذا فلتعرف حقائق الأمور لا أنه تعالى يختبر عبده بالمعاصي حاش الله أن يضاف مثل هذا إليه وإن كانت الأفعال كلها لله تعالى من حيث كونها أفعالا وما هي معاصي إلا من حيث حكم الله فيها بذلك فأفعال الله كلها حسنة من حيث هي أفعاله فافهم (حم) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه انتهى وقال شيخه الزين العراقي سنده ضعيف الحديث: 1870 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 1871 - (إن الله تعالى يحب العطاس) أي سببه الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم كما في الفتح وهو يفتح المسام ويخفف الدماغ إذ به تندفع الأبخرة المحتبسة فيه ويخفف الغذاء وهو أمر مندوب إليه لأنه يعين صاحبه على العبادة ويسهل عليه الطاعة ومن ثم عده الشارع نعمة يحمد عليها كما سبق (ويكره التثاؤب) بالهمز وقيل بالواو وهو تنفس ينفتح منه الفم بلا قصد وذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن وثقله وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل فيثبط صاحبه عن الطاعة فيضحك منه الشيطان ولهذا سن الشرع كظمه ورده ما أمكن (خ) في آخر الأدب من الصحيح (د) في الأدب (ت) في الاستئذان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة وزاد في الصلاة وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا ثم إن هذا لفظ أبي داود أما البخاري فزاد عقب يكره التثاؤب وإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان انتهى فاقتصار المصنف على بعض وحذف بعض غير صواب الحديث: 1871 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 1872 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المبتذل) بالبناء للفاعل أي التارك للزينة تواضعا وزاد في رواية المحترف أي الذي [ص: 290] له صناعة يكتسب منها فإن قعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وكان ابن مهران يحث أصحابه على الكسب ويقول لهم حصلوا قوتكم ثم أغلقوا عليكم بيوتكم وقالوا له مرة إن هنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا حتى يأتينا رزقنا فقال هؤلاء قوم حمق هذا لا يصح إلا لمن كان له يقين كيقين إبراهيم وفسر المبتذل بقوله (الذي لا يبالي ما لبس) أهو من الثياب الفاخرة أو من أدنى اللباس وأقله قيمة لأن ذلك هو دأب الأنبياء وشأن الأولياء ومنهج الحكماء قال بعضهم: البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك وقال العتبي: أخزى الله من ترفعه هيئة ثيابه وماله لا أكبراه همته ونفسه وإنما لهيئة للأدنياء والنساء والتزين باللباس للرجال من المعايب والمذام إذ هو من صفة ربات الحجال. قال الغزالي: الذين ينظفون ثيابهم ويزينوها ويطلبون الثياب الرفيعة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار ولا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنما ومن راعا في ثوبه شيئا غير كونه حلالا وطاهرا بحيث يلتفت إليه قلبه فهو مشغول بنفسه فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربا بنفسه عنه ويعيش مخشوشنا متمعددا أو إن أراد أن يزين نفسه زينها من باطنه بلباس التقوى وقال حجة الإسلام: البس ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يغطي به رأسه وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل. روي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة السلام لبس المسوح حتى نقب جلده فقالت له أمه البس مكان المسح جبة من الصوف ففعل فأوحى الله إليه يا يحيى آثرت علي الدنيا فبكى ونزعها وعاد لما كان. وقال أحمد: بلغ أويس من العري إلى أن جلس في قوصره قال أحمد الغزالي وكانت قيمة ثوبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم واحتذى نعلين جديدتين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال تواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما إلى أول مسكين لقيه فأعطاه إياهما وعد على قميص عمر رضي الله عنه اثني عشر رقعة من أدم واشترى علي كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم فلبسه وهو خليفة وقطع كميه من رسغه وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه وفي تاريخ ابن عساكر أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام تلقته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه فجعلهما تحت إبطه فقيل له يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وأنت على هذا الحال قال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره (هب) من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن يعقوب بن عتبة عن المغيرة بن الأخنس (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي كذا وجدته في كتابي والصواب عن يعقوب عن المغيرة مرسلا انتهى وعزاه المنذري للبيهقي وضعفه الحديث: 1872 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 1873 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف) أي المتكلف في طلب المعاش بنحو صناعة وزراعة وتجارة وذا لا ينافي التوكل. مر عمر رضي الله عنه بقوم فقال ما أنتم قالوا متوكلون قال لا بل أنتم متآكلون إنما المتوكل من ألقى حبه في الأرض وتوكل على ربه فليس في طلب المعاش والمضي في الأسباب على تدبير الله ترك التفويض والتوكل بالقلب إنما ترك التوكل إذا غفل عن الله وكان قلبه محجوبا فإذا اشتغل بالمعاش وطلبه بقلب غافل عن الله تعالى فصار فتنة عليه وأخرج البيهقي عن ابن الزبير قال أشر شيء في العالم البطالة وذلك أن الإنسان إذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ فيتوالد فيه نسله توالدا أسرع من توالد كل حيوان ومن ثم قيل الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة وفي الحديث ذم لمن يدعي التصوف ويتعطل عن المكاسب ولا يكون له علم يؤخذ عنه ولا عمل في الدين يقتدي به ومن لم ينفع الناس بحرفة يعملها يأخذ منافعهم ويضيق عليهم معاشهم فلا فائدة في حياته لهم إلا أن يكدر الماء ويغلي الأسعار ولهذا كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا نظر إلى ذي سيما سأل: أله حرفة؟ فإذا قيل: لا سقط من عينه ومما يدل على قبح من هذا صنيعه ذم من يأكل مال نفسه إسرافا وبدارا فما حال من أكل مال غيره ولا ينيله عوضا ولا يرد عليه بدلا؟ قال العارف البرهان [ص: 291] المتبولي: حكم الفقير الذي لا حرفة له كالبومة الساكنة في الخراب ليس فيها نفع لأحد ولما ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة لم يأمر أحدا من أصحابه بترك الحرفة وقال العارف الخواص رضي الله عنه: الكامل من يسلك الناس وهم في حرفهم لأنه ما ثم سبب مشروع إلا وهو مقرب إلى حضرة الله تعالى وإنما يبعد الناس من الحضرة الإلهية عدم إصلاح نيتهم في ذلك الأمر علما أو عملا (الحكيم) الترمذي (طب هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير والأوسط فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله تفرد به أبو الربيع عن عاصم وليسا بالقويين انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الميزان أبو الربيع السمان قال أحمد مضطرب الحديث والنسائي لا يكتب حديثه والدارقطني متروك وقال هشيم كان يكذب ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الحديث انتهى ونقل الزين العراقي والزركشي تضعيفه عن ابن عدي وأقره. وقال المصنف في سنده متروك قال السخاوي لكن له شواهد الحديث: 1873 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 1874 - (إن الله تعالى يحب المداومة) أي الاستمرار والملازمة (على الإخاء) بكسر أوله والمد (القديم فداوموا عليه) ندبا بتعهد من آخيتموه في الله منذ زمان ولا تتسببوا في قطعه بالجفاء وعدم الوفاء وقال ابن الأثير وفي حديث معاوية عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وانتاطت البلاد أي بعدت ولذلك عدوا من حق الصحبة حفظ المودة القديمة والأخوة السالفة ودخلت امرأة على المصطفى صلى الله عليه وسلم فأدناها وقربها وسألها عن حالها فقالت له عائشة رضي الله عنها في ذلك فقال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وسيجيء ذلك. قال الحكيم: من أحب أن تدوم له المودة في القلوب فليحفظ مودة إخوانه القدماء وما أحسن مودة إخوان الصلاح وما أجل خدمة أرباب الفلاح فمن فاز بودهم حاز النجاح ومن حرمه فاته الرباح ولله در من قال من أهل الأدب في معنى هذا الأدب: ما ذاقت النفس على شهوة. . . ألذ من حب صديق أمين من فاته ود أخ صالح. . . فذلك المغبون حق اليقين وقد أفاد هذا الحديث ندب زيارة الإخوان وتعهدهم ووفاء حقوقهم غيبة وحضورا لله تعالى حتى يعظم من انتسب إليهم بوجه من وجوه الطاعة واجتمع بهم برهة من الزمان ولو ساعة (فر) من حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر (عن جابر) قال في اللسان هذا منكر بمرة ولا أظن سفيان بن عيينة حدث به فقط الحديث: 1874 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 1875 - (إن الله تعالى يحب حفظ الود) أي الحب الشديد المتأكد (القديم) قدما نسبيا وهذا وارد على منهج تأكد زيارة الإخوان في الله وتفقد حالهم والإهداء إليهم واصطناع المعروف معهم ومعاملتهم بما يوجب دوام الوداد فإن ذلك مما يرضي رب العباد ويعامل فاعله بالإسعاد وعدم البعاد. قال الغزالي: وهذا وما قبله في حق الأصدقاء المتؤاخين أما المعارف فاحذر منهم فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم فأقلل من المعارف ما قدرت وأبعد ما أمكن فإن ابتليت بهم في نحو مدرسة أو سوق فيجب ألا تستضعف منهم أحدا فإنك لا تدري لعله خير منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم فتهلك وإياك أن تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فلم يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم فإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة فإنه يطول عناءك معهم وإياك وثناءهم عليك في وجهك وإظهارهم الود لك فإنك إن طلبت حقيقته لم تجد في المئة واحدا ولا تطمع أن يكونوا لك في العلن والسر سواء ولا تغضب منهم فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك كذلك حتى في أصدقائك وأقاربك (عد) عن عائشة الحديث: 1875 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 [ص: 292] 1876 - (إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء) أي الملازمين له جمع ملح وهو الملازم لسؤال ربه في جميع حالاته اللائذ بباب كرم ربه في فاقته ومهماته لا تقطعه المحن عن الرجوع إليه ولا النعم عن الإقبال عليه لأن دعاء الملح دائم غير منقطع فهو يسأل ولا يرى إجابة ثم يسأل ثم يسأل فلا يرى وهكذا فلا يزال يلح ولا يزال رجاؤه يتزايد وذلك دلالة على صحة قلبه وصدق عبوديته واستقامة وجهته فقلب الملح معلق دائما بمشيئته واستعماله اللسان في الدعاء عبادة وانتظار مشيئته للقضاء به عبادة فهو بين عبادتين سريتين ووجهتين فاضلتين فلذلك أحبه الله تعالى وهذا عام خص منه الخواص في مقام الابتلاء فمقام التسليم لهم فيه أفضل لكونه أدل على قوى أنفسهم ورضاهم بالقضاء والدعاء في مثل ذلك الموطن فيه من الهلع ما لا يخفى يرشدك إلى ذلك ما ذكره المفسرون إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال ألك حاجة قال أما إليك فلا حسبي من سؤالي علمه بحالي هكذا فافهم (الحكيم) الترمذي (عد هب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] كما في درر المصنف كلهم (عن عائشة) قال ابن حجر رحمه الله تعالى تفرد به يوسف بن سفر عن الأوزاعي وهو متروك وكأن بقية دلسه اه. وعزاه في موضع آخر إلى الطبراني في الدعاء ثم قال سنده رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة الحديث: 1876 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 1877 - (إن الله يحب الرجل) ذكر الرجل وصف طردي فليس هو هنا للاحتراز (له الجار) يظهر أن المراد به هنا من قرب من منزلك عرفا لا ما عليه عرف الفقهاء من أنه أربعون دارا من كل جانب (السوء يؤذيه) بقول أو فعل (فيصبر على أذاه) امتثالا لأمر الله تعالى بالصبر في مثله (ويحتسب) أي يقول كلما آذاه حسبنا الله ونعم الوكيل وفي رواية ويحتسبه أي يحتسب صبره على آذاه (حتى) أي إلى أن ويجوز كونها عاطفة (يكفيه الله) إياه (بحياة أو موت) أي بأن ينتقل أحدهما عن صاحبه في حال الحياة أو بموت أحدهما (خط) وكذا الديلمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي ذر) قال ابن الجوزي: هذا لا يصح قال يحيى عيسى بن إبراهيم أي أحد رواته ليس بشيء وبقية كان مدلسا يسمع من المتروكين والمجهولين فيدلس الحديث: 1877 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 1878 - (إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه) أي واجباته هذا ما وقفت عليه في نسخ الجامع والذي رأيته في كلام الناقلين عن الكامل لابن عدي رخصه بدل فرائضه فليحرر وفي حديث آخر ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ولعلهما حديثان (عد عن عائشة) قال ابن طاهر وغيره ما محصوله رواه عنها بإسنادين في أحدهما الحكم بن عبيد الله بن سعد الأيلي وهو ضعيف جدا كما بينه ابن عدي نفسه وفي الآخر عمر بن عبيد البصري وعامة ما يرويه لا يتابع عليه الحديث: 1878 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 1879 - (إن الله تعالى يحب أن يؤتى رخصه) جمع رخصة وهي مقابل العزيمة (كما يجب أن تؤتى عزائمه) أي مطلوباته الواجبة فإن أمر الله تعالى في الرخصة والعزيمة واحد فليس الأمر بالوضوء أولى من التيمم في محله ولا الإتمام أولى من القصر في محله فيطلب فعل الرخص في مواضعها والعزائم كذلك فإن تعارضا في شيء واحد راعى الأفضل قال [ص: 293] القاضي: والعزيمة في الأصل عقد القلب على الشيء ثم استعمل لكل أمر محتوم وفي اصطلاح الفقهاء الحكم الثابت بالإمالة كوجوب الصلوات الخمس وإباحة الطيبات قال ابن تيمية ولهذا الحديث وما أشبهه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره مشابهة أهل الكتاب فيما عليهم من الآصار والأغلال ويزجر أصحابه عن التبتل والترهب (حم هق عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عباس) مرفوعا باللفظ المزبور (وعن ابن مسعود) بنحوه قال ابن طاهر وقفه عليه أصح الحديث: 1879 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 1880 - (إن الله يحب أن يرى) بالبناء للمجهول (أثر نعمته) أي إنعامه (على عبده) قيل معنى يرى مزيد الشكر لله تعالى العمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القرب {وأحسن كما أحسن الله إليك} والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله فيرى في أثر الجدة عليه زيا وانفاقا وشكرا هذا في نعمة الله أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به وتهذيب الأخلاق ولين الجانب والحلم على السفيه وتعليم الجاهل ونشر العلم في أهله ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية وإقامة نواميس العدل فيهم ومعاملتهم بالإنصاف وترك الإعتساف إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى (ت ك عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن وفي الباب عمران بن الحصين وأبو هريرة وجابر وأبو الأحوص وأبو سعيد وغيرهم الحديث: 1880 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 1881 - (إن الله يحب أن تقبل) في رواية تفعل وهي مبينة للمراد بالقبول (رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه) أي ستره عليه بعدم عقابه فينبغي استعمال الرخصة في مواضعها عند الحاجة لها سيما العالم يقتدى به وإذا كان من أصر على مندوب ولم يعمل بالرخصة فقد أصاب منه الشيطان فكيف بمن أصر على بدعة فينبغي الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر (طب عن أبي الدرداء ووائلة) بن الأسقع (وأبي أمامة) الباهلي (وأنس) بن مالك قال الطبراني لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به إسماعيل بن العطار الحديث: 1881 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 1882 - (إن الله يحب أن يرى عبده تعبا) بفتح فكسر أي عييا في (طلب) الكسب (الحلال) يعني أنه يرضى عنه ويضاعف له الثواب أي أن قصد بعمله التقرب لتضمنه فوائد كثيرة كإيصال النفع إلى الغير بإجراء الأجرة إن كان العمل نحو إجارة وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم إن كان نحو خياطة أو زرع وكالسلامة من البطالة واللهو وكسر النفس ليقل طغيانها وكالتعفف عن ذل السؤال وإظهار الحاجة لكن شرطه اعتقاد الرزق من الرزاق لا من الكسب قال ابن الأثير: وفي حديث أخر إني لأرى الرجل يعجبني فأقول له: هل لك حرفة فإن قال لا سقط من عيني <تنبيه> قال الراغب: الاحتراف في الدنيا وإن كان مباحا من وجه فهو واجب من وجه لأنه لما لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة إذ كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا لم يكن له بد إلا بتعب من الناس فلا بد أن يعوضهم تعبا له وإلا كان ظالما لهم ومن تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى (فر عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي فيه محمد ابن [ص: 294] سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه الحديث: 1882 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 1883 - (إن الله يحب أن يعفى) بالبناء للمفعول (عن ذنب السرى) أي الرئيس المطاع أو المطيع له والجمع سراة وهو جمع عزيز إذ لا يجمع فعيل على فعلة وقيل هو الشريف وفي خبر أم زرع فنكحت بعده سريا وأيا ما كان فهو بمعنى خبر أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود فيأتي هنا ما مر ثم العفو محو الجريمة من عفا إذا درس (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه المؤلف (في ذم الغضب وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق كلاهما (عن عائشة) وفيه هانئ بن يحيى بن المتوكل قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان ويزيد عياض قال النسائي وغيره متروك الحديث: 1883 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 1884 - (إن الله تعالى يحب من عباده الغيور) صيغة مبالغة أي كثير الغيرة والمراد الغيرة المحبوبة فإن غيرة العبد على محبوبه نوعان ممدوحة يحبها الله تعالى وهي ما كان عند قيام ريبة ومذمومة يكرهها وهي ما كان عند عدمها بل بمجرد سوء الظن وهذه تفسد الحيب وتوقع العداوة بين المحبين (طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه المقدام بن داود وهو ضعيف الحديث: 1884 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 1885 - (إن الله تعالى يحب) من عباده رجلا (سمح البيع) أي سهله (سمح الشراء سمح القضاء) أي التقاضي كما سبق موضحا ومقصود الحديث الحث على تجنب المضايقة في المعاملات واستعمال الرفق وتجنب العسر قال ابن العربي: إنما أحبه لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا وإفضاله على الخلق الذين هم عيال الله ونفعه لهم فلذلك استوجب محبة الله (ت ك) في البيوع (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي في العلل سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال هو حديث خطأ رواه إسماعيل بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه كذا قال الحديث: 1885 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 1886 - (إن الله تعالى يحب) من عباده (من يحب التمر) بمثناة فوقية أي آكله ولهذا كان أكثر طعامه يعني المصطفى صلى الله عليه وسلم الماء والتمر كما قاله حجة الإسلام وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء (طب) وكذا الديلمي (عد) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إبراهيم بن أبي حبيبة وهو متروك وقال غيره فيه يحيى بن خالد قال في الميزان مجهول وإبراهيم بن أبي حبيبة مختلف فيه وابن لهيعة وفيه ضعف الحديث: 1886 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 1887 - (إن الله يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف) أي المبالغ في العفة عن السؤال مع وجود الحاجة لطموح بصر بصيرته عن الخلق إلى الخالق وتوجهه إلى سؤال الرزق من الرزاق وإنما يسأل إن سأل على جهة العرض والتلويح الخفي كما كان أبو هريرة رضي الله عنه يستقرئ غيره الآية ليضيفه وهو أعرف بها ممن يستقرئه فلا يفهم مراده إلا [ص: 295] المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتعبير بالتعفف يفيد الاجتهاد في العفة والمبالغة فيها (أبا العيال) يعني كافلهم أبا كان أو جدا أو نحو أخ أو ابن عم أو أم أو جدة لكنه لما كان القائم على العيال يكون أبا غالبا خصه وفي ضمنه إشعار بأنه يندب للفقير ندبا مؤكدا أن يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستره قال تعالى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} وقال سفيان: أفضل الأعمال التجمل عند المحنة وقال بعضهم: ستر الفقر من كنوز البر. قال الغزالي رحمه الله تعالى: ومن آداب الفقير أن لا يتواضع لغني لغناه بل يتكبر عليه قال علي كرم الله وجهه: تواضع الغني للفقير رغبة في الثواب حسن وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله (هـ) في الزهد (عن عمران بن حصين) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى وذلك لأن فيه حماد بن عيسى قال الذهبي ضعفوه وموسى بن عبيد قال في الكشاف ضعفوه وفي الضعفاء عن أحمد لا تحل الرواية عنه قال السخاوي لكن له شواهد الحديث: 1887 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 1888 - (إن الله تعالى يحب كل قلب حزين) أي لين كثير العطف والرحمة أي منكسر من خشية الله تعالى ومهتم بأمر دينه خائف من تقصيره بأن يفعل معه من الإكرام فعل المحب مع حبيبه والله تعالى ينظر إلى قلوب العباد فيحب كل قلب تخلق بأخلاق المعرفة كالخوف والرجاء والحزن والمحبة والحياء والرقة والصفاء فلذلك يحب القلب ذا رأي فيه الحزن على التقصير والفرح بالطاعة وقيل توضأ داود عليه السلام فقال رب طهرت بدني بالماء فبم أطهر قلبي فأوحى الله إليه طهره بالهموم والأحزان وقيل عمارة القلب بالأحزان والقلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخرب فليس مراد المصطفى صلى الله عليه وسلم القلب الحزين على الدنيا فذلك يبغضه الله تعالى ففي خبر من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه قال والحزين هنا ضد القاسي قال حجة الإسلام قال ابن مذعور رأيت الأوزاعي في النوم فقلت له دلني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى قال ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ثم المحزونين (طب ك) في الرقائق من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة (عن أبي الدرداء) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه مع ضعف أبي بكر منقطع انتهى وقال الهيثمي إسناد الطبراني حسن الحديث: 1888 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 1889 - (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها) وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول (ويكره) في رواية البيهقي ويبغض (سفسافها) بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه (1) وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمتين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلا لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه <تنبيه> علم مما تقرر أن العبد إنما يكون في صفات الإنسانية التي فارق بها غيره من الحيوان والنبات والجماد بارتقائه عن صفاتها إلى معالي الأمور وأشرافها التي هي صفات الملائكة فحينئذ ترفع [ص: 296] همته إلى العالم الرضواني وتنساق إلى الملأ الروحاني <تنبيه> قال بعض الحكماء: بالهمم العالية والقرائح الزكية تصفو القلوب إلى نسيم العقل الروحاني وترقى في ملكوت الضياء والقدرة الخفية عن الأبصار المحيطة بالأنظار وترتع في رياض الألباب المصفاة من الأدناس وبالأفكار تصفو كدر الأخلاق المحيطة بأقطار الهياكل الجسمانية فعند الصفو ومفارقة الكدر تعيش الأرواح التي لا يصل إليها انحلال ولا اضمحلال (طب عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي رواه البيهقي متصلا ومنفصلا ورجالهما ثقات اه   (1) والإنسان يضارع الملك بقوة الفكر والتمييز ويضارع البهيمة بالشهوة والدناءة فمن صرف همته إلى اكتساب معالي الأخلاق أحبه الله فحقيق أن يلتحق بالملائكة لطهارة أخلاقه ومن صرفها إلى السفساف ورذائل الأخلاق التحق بالبهائم فيصير إما ضاربا ككلب أو شرها كخنزير أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو رواغا كثعلب أو جامعا لذلك كشيطان الحديث: 1889 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 1890 - (إن الله تعالى يحب أبناء الثمانين) أي من بلغ من العمر ثمانين سنة من رجل وامرأة والمراد من المؤمنين كما هو بين (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 1890 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 1891 - (إن الله يحب أبناء السبعين) من السنين (ويستحيي من أبناء الثمانين) أي يعاملهم معاملة المستحيي فليس المراد هنا حقيقة الحياء الذي هو انقباض عن الرذائل لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الوصف به بل ترك تعذيبهم (حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه محمد بن خلف القاضي قال الذهبي عن ابن المناوي فيه لبن وأبان بن ثعلب قال ابن عدي غال في التشيع لا بأس به الحديث: 1891 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 1892 - (إن الله يحب أن يحمد) بالبناء للمفعول أي يحب من عبده أن يثنى عليه بجميع صفاته الجميلة الجليلة من ملكه واستحقاقه لجميع الحمد من الخلق فأخبر أنه تعالى يحب المحامد وفي رواية إن الله تعالى يحب أن يمدح وفي أخرى لا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه واستنبط منه عبد اللطيف البغدادي جواز قول مدحت الله وتعقبه الزركشي بأنه غير صريح لاحتمال كون المراد إن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره. قال بعضهم: وما اعترض به على عدم الصراحة بإيداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره البهاء السبكي في شرح التلخيص (طب عن الأسود بن سريع) بفتح السين ابن حمير عبادة التميمي السعدي أول من قص بجامع البصرة فكان شاعرا بليغا مفوها مات في أيام الجمل وقيل سنة اثنين وأربعين الحديث: 1892 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 1893 - (إن الله يحب الفضل) بضاد معجمة أي الزيادة (في كل شيء) من الخير (حتى في الصلاة) فإكثار العبد إياها محبوب عند الله إذ هي خير موضوع كما سيجيء في حديث وفي نسخ الفصل بصاد مهملة وعليه فالمعنى يحب الفصل بين الكلمات حتى في الصلاة بأن يقف إذا قرأ الفاتحة على رؤوس الآي كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل ويفصل الاعتدال عن الركوع والسجود عن الاعتدال وهكذا وقد ندبوا في الصلاة تسع سكتات (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاصي الحديث: 1893 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 1894 - (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) جمع رخصة وهي تسهيل الحكم على المكلف لعذر حصل وقيل غير ذلك لما فيه من دفع التكبر والترفع من استباحة ما أباحته الشريعة ومن أنف ما أباحه الشرع وترفع عنه فسد دينه فأمر بفعل [ص: 297] الرخصة ليدفع عن نفسه تكبرها ويقتل بذلك كبرها ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قبول ما جاء به الشرع ومفهوم محبته لإتيان الرخص أنه يكره تركه فأكد قبول رخصته تأكيدا يكاد يلحق بالوجوب بقوله (كما يكره أن تؤتى معصيته) وقال الغزالي رحمه الله: هذا قاله تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركوا الميسور من الخير عليهم لعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم اه. قال ابن حجر رحمه الله: وفيه دلالة على أن القصر للمسافر أفضل من الإتمام (1) (حم حب هب) وكذا أبو يعلى والبزار كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي رحمه الله: رجال أحمد رجال الصحيح وسند الطبراني حسن انتهى   (1) والرخص عند الشافعية أقسام: ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر والفطر لمن خاف الهلاك بعطش أو جوع وما يندب كالقصر في السفر وما يباح كالسلم وما الأولى تركه كالجمع والتيمم لقادر وجد الماء بأكثر من ثمن مثله وما يكره فعله كالقصر في أقل من ثلاث فالحديث منزل على الأولين الحديث: 1894 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 1895 - (إن الله تعالى يحب أن تعدلوا) من العدل ضد الجور (بين أولادكم) في كل شيء (حتى في القبل) بضم ففتح جمع قبلة أي حتى في تقبيل أحدكم لولده فلا يميز بعضهم على بعض ولو بقبلة فيتأكد التسوية بينهم لما في عدمها من إيراث الضغائن والتباغض والتحاسد (ابن النجار) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) الأنصاري الحديث: 1895 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 1896 - (إن الله يحب الناسك) أي المتعبد (النظيف) أي النقي البدن والثوب فإنه تعالى نظيف يحب النظافة كما سلف تقريره والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر كما يحب أن يرى عليه الجمال الباطن بالتقوى قال في المواهب: الجمال في اللباس والهيئة ثلاثة نوع يحمد ونوع يذم ونوع لا ولاء فالمحمود ما كان لله تعالى وأعان على طاعته كالمتضمن غيظ عدوه وإعلاء كلمته ومنه التجمل للوفود ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يتجمل للوفود والمذموم ما فيه خيلاء وفخر وما عدا ذلك مباح لتجرده عن قصد مذموم شرعا وكتب بعضهم إلى ملك بلغني أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق فأجابه: حسن ثيابك ما استطعت فإنها. . . زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التواضع في الثياب تخشنا. . . فالله يعلم ما تسر وتكتم فرثاث ثوبك لا يزيدك رفعة. . . عند الإله وأنت عبد مجرم وجديد ثوبك لا يضرك بعد أن. . . تخشى الإله وتتقي ما يحرم فينبغي لكل عاقل تنظيف ثوبه عن الدنس الحسي وقلبه عن الدنس المعنوي ويلحظ استحسان النظافة الحسية وحسن رونق المتصف بالنظافة المعنوية ويلحظ قولهم ما من أمر معنوي إلا وجعل له مثال حسي يدل عليه (خط عن جابر) بن عبد الله الحديث: 1896 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 1897 - (إن الله تعالى يحب أن يقرأ) بالبناء للمجهول (القرآن) أي أن يقرأه عباده المؤمنون (كما أنزل) بالبناء للمفعول أو الفاعل أو من غير زيادة ولا نقص فلا يزيد للقارئ حرفا ولا ينقص حرفا ولا يقرأه بالألحان والتمطيط كما يفعله قراء زمننا (السجزي) أبو نصر (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة عن أصول الديانة له (عن زيد بن ثابت) الحديث: 1897 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 [ص: 298] 1898 - (إن الله يحب أهل البيت الخصب) ككتف أو كجمل أي الكثير الخير الذي وسع الله على صاحبه فلم يقتر على عياله بل واساهم بماله ولم يضيق عليهم وقرى الضيف وأطعم الجار (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قرى الضيف عن) عبد الملك بن عبد العزيز بن (جريج) بضم الجيم وفتح الراء المكي الفقيه أحد الأعلام أول من صنف في الإسلام (معضلا) الحديث: 1898 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 1899 - (إن الله تعالى يحب أن يرى) بضم الياء وفتحها فعلى الضم الرؤية تعود للناس وعلى الفتح تعود إلى الله لأنه يرى الأشياء على ما هي فيرى الموجود موجودا والمعدوم معدوما (أثر نعمته على عبده) لأنه سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليه ولأجل محبته تعالى للجمال أنزل لعباده لباسا يجمل ظواهرهم ويقوي تجمل بواطنهم فهو يحب لعبده التجمل حتى (في مأكله ومشربه) أي مأكوله ومشروبه حتى يرى أثر الجدة عليه وعلى من عليه مؤنته من زوجة وخادم وغيرهما قوتا وملبسا ومسكنا وغير ذلك مما يليق بأمثاله وأمثالهم عرفا <تنبيه> كثير من أرباب النفوس يتعلق بهذا الخبر فيبرز منه تفاخر مذموم في قالب التحدث بالنعمة وهو باعتبار حاله ظاهر معلوم وإن خفي على أرباب الرسوم فلا يخفى على أرباب القلوب والفهوم نعم قد يصدر عن بعض فصحاء الحضرة الإلهية المترجمون عن لسان المواهب الإختصاصية نفثة مصدور لكونها مطابقة مقتضى الحال فيعذرون فمن ذلك قوله في الفتوحات شاهدت جميع الأنبياء وأشهدني الله جميع المؤمنين ورأيت مراتب الجماعة كلها فعلمت أقدارهم واطلعت على جميع ما آمنت به مجملا مما هو في العالم العلوي ولم أسأله أن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلا منه فلو أشرك جميع الخلق لم أتأثر فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده بل أتمنى أن يكون العالم كله في أعلى المراتب فخصني بخاتمة لم تخطر ببالي ولا أذكره للفخر بل للتحدث بالنعمة وليسمع صاحب همة فتحدث له همة استعمال نفسه فيما استعملها فينال درجتي ولا ضيف إلا في المحسوس انتهى (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (فيه) أي في قرى الضيف (عن علي بن يزيد بن) عبد الله بن جدعان بضم الجيم وسكون المعجمة التيمي البصري أصله حجازي ويعرف بعلي بن زيد بن جذعان ينسب أبوه إلى جد جده إذ هو علي بن يزيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جذعان بن عمر بن كعب الضرير أحد حفاظ البصرة (مرسلا) أرسل عن جمع من الصحابة قال الدارقطني فيه لين وفي التقريب ضعيف الحديث: 1899 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 1900 - (إن الله تعالى يحمي عبده المؤمن) أي يمنعه مما يضره (كما يحمي الراعي الشفيق) أي الكثير الشفقة أي الرحمة والرأفة (غنمه عن مراتع الهلكة) بالتحريك وذلك من غيرته تعالى على عبده فيحميه مما يضره في آخرته ويحتمل أن المراد يحميه من الدنيا ودوام الصحة ورب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ولو كثر ماله وصح لبطر وطغى {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} قال الغزالي رحمه الله تعالى: فتأمل إذا حبس عنك رغيفا أو درهما فتعلم أنه يملك [ص: 299] ما تريد ويقدر على إيصاله إليك وله الجود وله الفضل ويعلم حالك لا يخفى عليه شيء فلا عدم ولا عجز ولا خفاء ولا بخل تعالى عن ذلك فإنه أغنى الأغنياء وأقدر القادرين وأعلم العلماء وأجود الأجودين فتعلم أنه لم يمنعك إلا لصلاح كيف وهو يقول {وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} وإذا إبتلاك بشدة فإنه غني عن امتحانك وابتلائك عالم بحالك بصير بضعفك وهو رؤوف رحيم فلم ينزله بك إلا لصلاح لك جهلته (هب عن حذيفة) بن اليمان وفيه الحسين الجعفي قال الذهبي مجهول متهم الحديث: 1900 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 1901 - (إن الله تعالى يحشر) أي يجمع (المؤذنين) في الدنيا (يوم القيامة (1) أطول الناس أعناقا) أي أكثرهم رجاء (بقولهم لا إله إلا الله) أي بسبب إكثارهم من النطق بالشهادتين في التأذين في الأوقات الخمس وفيه إيماء إلى أن سبب نيلهم هذه المرتبة إكثار النطق بالشهادة فيفيد أن من دوام عليها حشر كذلك وإن لم يكن مؤذنا (خط) في ترجمة عبيد الله الأنصاري (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن الوقاص قال الذهبي ضعفه الأزدي   (1) يوم ظرف ليحشر ونصب أطول على الحال وأعناقا على التمييز أكثرهم رجاء أو هو كناية عن عدم الافتضاح الحديث: 1901 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 1902 - (إن الله تعالى يخفف على من يشاء من عباده) المؤمنين (طول يوم القيامة) حتى يصير عنده في الخفة (كوقت صلاة مكتوبة) أي مقدار صلاة الصبح كما في خبر آخر وهذا تمثيل لمزيد السرعة والمراد لمحة لا تكاد تدرك وخص المثل بقدر وقت الصلاة لأن عادة البليغ الضارب للمثل أن ينظر إلى ما يستدعيه حال الممثل له ويستجره إليه وصفة حال السعداء في غالب الأحيان التلبس بأفضل العبادات بعد الإيمان وجاء في خبر أن بعضهم لا يقف في الموقف (هب عن أبي هريرة) وفيه نعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ثقة وقال النسائي غير ثقة وقال ابن عدي والأزدي قالوا كان يضع الحديث الحديث: 1902 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 1903 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالسهم الواحد) الذي يرمي إلى أعداء الله بقصد إعلاء كلمة الله (ثلاثة نفر الجنة صانعه) دخل فيه صانع مفرداته كما يتناول صانع تركيبه فكل من حاول من أمره شيئا فهو من صناعه لكن إنما يدخل إذا كان (يحتسب في صنعته الخير) أي الذي يقصد بعمله الإعانة على جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله ويحتمل أن المراد المتطوع بعمله للمجاهد بغير أجرة. قال الزين العراقي: والأول أولى وقال ابن حجر رحمه الله: هذا أعم من كونه متطوعا أو بأجرة لكن لا يحسن إلا من متطوع (والرامي به) في سبيل الله (ومنبله) بالتشديد مناوله للرامي ليرمي به احتسابا منه يقوم بجنبه أو خلفه فيناوله إياه أو يجمع له السهام إذا رماها ويردها إليه وفيه فضل الرمي وأنه أولى ما استعد به للعدو بعد الإيمان (حم 3) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) وفيه خالد بن زيد قال ابن القطان وهو مجهول الحال فالحديث من أجله لا يصح اه الحديث: 1903 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 1904 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه والذي وقفت عليه في الأصول الصحيحة ليدخل (بلقمة الخبز) أي بقدر ما يلقم منه (وقبضة التمر) بفتح القاف وضمها وسكون الموحدة وبصاد مهملة ما يناوله الإنسان برؤوس أنامله الثلاث للسائل ذكره المنذري (ومثله) أي ومثل كل مما ذكر (مما) أي من كل ما (ينفع المسكين) وإن لم [ص: 300] يكفه كقبضة زبيب أو قطعة لحم أو غير ذلك ففي ذكر النفع إشارة إلى أن اللقمة والقبضة لابد أن يكون لهما وقع في الجملة وأن ما يثير الشهوة ولا يقع موقعه البتة لا أثر له (ثلاثة الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب أو شديد (صاحب البيت) أي المسكن الذي تصدق بذلك على الفقير منه (الآمر به) أي الذي أمر بالتصدق عليه به (والزوجة المصلحة) للخبز أو الطعام بالطبخ والطحن والتهيئة وغير ذلك ومن في معنى الزوجة نحو الأم كذلك (والخادم الذي يناول المسكين) أي الذي يناول الشيء المتصدق به إلى المتصدق عليه والخادم مثال وخصه نظرا إلى أنه المناول غالبا وإلا ففي معناه كل مناول وتمام الحديث كما في المستدرك ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحمد لله الذي لم ينس خدمنا اه. فحذف المصنف لذلك غير صواب وقوله لم ينس خدمنا أي من الثواب (ك) في الأطعمة من حديث سويد بن عبد العزيز عن ابن عجلان عن المقبري (عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم فتعقبه الذهبي فقال سويد متروك الحديث: 1904 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 1905 - (إن الله يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالحجة الواحدة) أي بسببها (ثلاثة نفر) بفتح النون والفاء (الجنة الميت) المحجوج عنه (والحاج عنه والمنفذ) بضم الميم ومعجمة مشددة (لذلك) قال البيهقي يعني الوصي وهذا فيه شمول لما إذا تطوع بالحج وما لو حج بأجرة على قياس ما قبله ويؤيده ما رواه ابن عدي من حديث معاذ مثل الذي يحج عن أمتي مثل أم موسى كانت ترضعه وتأخذ الكراء من فرعون قال ابن عدي مستقيم الإسناد منكر المتن قال الزين العراقي: ولا يشك أن من قصد الإعانة يكون شريكا في الأجر فإن المباح يصير قربة بالنية وفيه رد على من منع حج المرأة عن الرجل والحج عن الغير مطلقا وحكى عن مالك والذي عليه الشافعي جوازه كالجمهور عمن عليه فرض ولو قضاء أو نذرا وإن لم يوص به أو عمن أوصى به ولو تطوعا وعن حيي معضوب بي (عد) عن علي أحمد بن حاتم عن إسحاق بن إبراهيم السختياني عن إسحاق بن بشر عن ابن معشر عن محمد بن المنكدر عن جابر (هب) من هذا الوجه (عن جابر) قال الذهبي فيه أبو معشر ضعيف اه. وسبقه ابن القطان فقال أبو معشر ضعفه الأكثر اه. وأورده ابن الجوزي من هذا الطريق في الموضوعات وقال: إسحاق يضع ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن البيهقي خرجه واقتصر على تضعيفه وبأن له شاهدا الحديث: 1905 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 1906 - (إن الله تعالى يدنو من خلقه) أي يقرب منهم قرب كرامة ولطف ورحمة لا قرب مسافة كما هو بين والمراد ليلة النصف من شعبان كما في رواية أخرى أو كل ليلة إذا بقي من الليل كما ثلثه في رواية أخرى ولا يصح حمله يوم القيامة إذ لا فائدة للاستغفار ولا للتوبة فيه (فيغفر لمن استغفر) أي طلب منه الغفران بأن تاب (إلا البغي بفرجها) أي الزانية وزاد قوله بفرجها دفعا لتوهم إرادة نحو زنا العين واللسان أي الزانية (والعشار) بالتشديد أي المكاس ويقال العاشر والعشور المكوس وهذا وعيد شديد يفيد أن المكس من أكبر الكبائر وأفجر الفجور ووجه استثنائهما أن الزانية سعت في إفساد الإنسان واختلاط المياه والمكاس قد قهر الخلق بأخذ ما ليس عليهم جبرا (طب عد عن عثمان ابن أبي العاصي) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد فيه كلام وللحديث طرق تأتي فيما يناسبها الحديث: 1906 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 [ص: 301] 1907 - (إن الله تعالى يدني المؤمن) أي يقربه منه بالمعنى المقرر فيما قبل (فيضع عليك كنفه) أي ستره فيحفظه (ويستره) به (من الناس) أهل الموقف صيانة له من الخزي والتفضيح مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه (ويقرره بذنوبه) أي يجعله مقرا بها بأن يظهرها له ويلجئه إلى الإقرار بها (فيقول) تعالى له (أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا) مرتين (فيقول) المؤمن (نعم) أعرفه وفي رواية أعرف (أي رب) أي يا رب أعرف ذلك وهكذا كلما ذكر له ذنبا أقر به (حق إذا قرره بذنوبه) أي جعله مقرا بها كلها بأن أظهر له ذنوبه وألجأه إلى الإقرار بها (ورأى في نفسه) أي علم الله في ذاته (أنه) أي المؤمن (قد هلك) باستحقاقه العذاب لاقراره بذنوب لا يجد لها مدفعا ولا عنها جوابا منجعا ويجوز كون الضمير في رأي للمؤمن والواو فيه للحال ذكره القاضي (قال) أي الله (فإني) أي فإذ قد أقررت وخفتني إني (قد سترتها) أي الذنوب (عليك في الدنيا) هذا إستئناف جواب عمن قال ماذا قال الله (وأنا أغفرها لك اليوم) قدم أنا ليفيد الاختصاص إذ الذنوب لا يغفرها غيره ولم يقل أنا سترتها عليك لأن الستر في الدنيا كان باكتساب من العبد أيضا. قال الغزالي رحمه الله تعالى: وهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون فهو جدير بأن يجازى بذلك (ثم يعطى) بالبناء للمجهول أي يعطي الله المؤمن إظهارا لكرامته وإعلاما بنجاته وإدخالا لكمال السرور عليه وتحقيقا لقوله تعالى {فأما من أوتي كتابه بيمينه} (كتاب حسناته بيمينه) أي بيده اليمنى (وأما الكافر) بالإفراد (والمنافق) بالإفراد وفي رواية للبخاري والمنافقون بالجمع (فيقول الأشهاد) جمع شهيد جمع شاهد أي الحاضرون يوم القيامة الأنبياء والملائكة والمؤمنون أو المراد أهل المحشر لأنه يشهد بعضهم على بعض (هؤلاء) إشارة إلى الكافرين والمنافقين (الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) وفيه رد على المعتزلة المانعين مغفرة ذنوب غير الكفار وعلى الخوارج حيث كفروا بالمعاصي والمراد بالذنوب هنا الحقوق المتعلقة بالخلق بدليل ما روي إذا خلص المؤمنون من النار احتبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت عليهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وأل في المؤمن عهدية لا جنسية والمعهود من لم يتجاهر في الدنيا بالمعاصي بل استتر بستر الله وإلا فلا بد من دخول جماعة من عصاة المؤمنين النار (حم ق) البخاري في المظالم في التوبة (ن) في التفسير (هـ) في السنة كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 1907 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 1908 - (إن الله يرضى لكم ثلاثا) من الخصال (ويكره لكم ثلاثا) يعني يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث إذ الرضى بالشيء يستلزم الأمر والأمر بالشيء يستلزم الرضى به فيكون كناية وكذا الكلام في الكراهة وأتى باللام في الموضعين ولم يقل يرضى عنكم ويكره منكم رمز إلى أن فائدة كل من الأمرين عائدة لعباده فالأولى ما أشار إليها بقوله (فيرضى لكم) الفاء فيه تفسيرية (أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا) في عبادته فهذه واحدة خلافا لقول النووي [ص: 302] ثنتان (و) الثانية (أن تعتصموا بحبل الله جميعا) أي القرآن يرشدك إلى ذلك خبر القرآن حبل الله المتين والحديث يفسر بعضه بعضا فمن فسره بعهد الله أو اتباع كتابه كأنه غفل عن ذلك ولا عطر بعد عروس والاعتصام به التمسك بآياته والمحافظة على العمل بها (ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين وهذا نفي عطف على تعتصموا أي لا تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلف أهل الكتاب أو هو نهي عن أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر يعني اعتصموا ولا تفرقوا وكذا اللام في قوله ولا تشركوا (و) الثالثة (أن تناصحوا من ولاه الله أمركم) أي من جعله والي أمركم وهم الإمام ونوابه والمراد بمناصحتهم ترك مخالفتهم والدعاء عليهم والدعاء لهم ومعاونتهم على الحق والتلطف في إعلامهم بما غفلوا عنه من الحق والخلق ولم يؤكد هنا بقوله ولا تخالفوا إشعارا بأن مخالفتهم جائزة إذا أمروا بمعصية (ويكره لكم قيل وقال) مصدران أريد بهما المقاولة والخوض في أخبار الناس أو ماضيان كما سبق (وكثرة السؤال) عن الأخبار وقيل من الأموال وقد سبق ما فيه (وإضاعة المال) (1) بصرفه في غير وجهه الشرعي وقد سبق من ذلك ما فيه بلاغ <فائدة> حكي أن الأصمعي لما أراد الرشيد مجالسته قال له: اعلم أنك أعلم منا ونحن أعقل منك فلا تعلمنا في ملأ ولا تذرنا في خلاء واتركنا حتى نبدأك بالسلام ثم إذا بلغت في الجواب حد الاستحقاق لا تزد إلا باستدعاء وإذا وجدتنا خرجنا عن الحق فأرجعنا ما استطعت من غير تقريع على خطيئتنا ولا إضجار بطول التردد إلينا لئلا تهون في أعيننا فلا نعتني بقولك يا أبا محمد إنه لن تهلك أمة مع التناصح ولن يهلك ملك مع الاستشارة ولن يهلك قلب مع التسليم (حم م عن أبي هريرة)   (1) وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب الفساد ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس الحديث: 1908 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 1909 - (إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب) أي بالإيمان بالقرآن وتعظيم شأنه والعمل بمقتضاه مخلصا (أقواما) أي درجة أقواما ويشرفهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة (يضع) أي ويحقر ويخفض ويذل (به آخرين) وهم من لم يؤمن به أو آمن ولم يعمل به مخلصا وآخرين بفتح الخاء اسم على أفعل والأنثى أخرى أي يخفض ويذل به قوما آخرين وهم من أعرض عنه ولم يأتمر به أو قرأه أو عمل به مرائيا فيضعه أسفل السافلين لقوله تعالى {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} وعدل عن أن يضع به أقواما آخرين إشارة عن تأخرهم عن منازل القرب ودرجات الأبرار (م) في الصلاة (هـ) في السنة (عن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري الحديث: 1909 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 1910 - (إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (ببره والديه) أي أصليه وإن عليا يعني بإحسانه إليهما وطاعته إياهما في كل مندوب أو مباح والمراد أنه يبارك له في عمره أو هو في المعلق كما يأتي (ابن منيع) في معجم الصحابة (عد) كلاهما (عن جابر) وفيه الكلبي وهو محمد بن السائب قال في الكاشف: قال البخاري تركه القطان وابن مهدي وفي الضعفاء رماه بالكذب زائدة والتيمي والجوزجاني وابن معين وابن حبان وغيرهم الحديث: 1910 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 1911 - (إن الله تعالى يسأل العبد) يوم القيامة (عن فضل علمه) أي عما فضل منه العمل به لخاصة نفسه هل أغاث [ص: 303] بجاهه الملهوف وأبلغ الحكام من لا يستطيع إبلاغ حاجته ونحو ذلك (كما يسأله عن فضل ماله) هل أنفق منه على المحتاج وأطعم الجائع وكسا العريان وفك العاني وفك الأسير ونحو ذلك وهذا حث شديد على تجنب البخل بعلمه أو بجاهه وأن عليه إعانة عيال الله بشفاعته وتعليمه وغير ذلك (طس عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وفيه يوسف بن يونس الأفطس قال الذهبي جرحه ابن عدي الحديث: 1911 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 1912 - (إن الله تعالى يسعر) أي يشدد لهب (جهنم كل يوم في نصف النهار) أي وقت الاستواء (ويخبتها في يوم الجمعة) لما خص به ذلك اليوم من عظيم الفضل وتفضيله على سائر الأيام ولعظم صلاة الجمعة الواقعة فيه حالتئذ ومن ثم ذهب الشافعية إلى عدم انعقاد صلاة لا سبب لها في وقت الاستواء وحرمتها إلا يوم الجمعة قتنعقد ولا تحرم وساعة الإجابة مبهمة في يوم الجمعة فلا يناسب المنع من العبادة والدعاء رجاء مصادفتها (طب عن وائلة) بن الأسقع قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال يوم الجمعة يؤذن قبلها بالصلاة نصف النهار وقد نهيت في سائر الأيام فذكره قال الهيثمي فيه بشر بن عون قال ابن حبان روى مئة حديث كلها موضوعة انتهى فكان على المصنف حذفه من الكتاب الحديث: 1912 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 1913 - (إن الله يطلع في العيدين) الفطر والأضحى (إلى الأرض) أي إلى أهلها إطلاعا خاصا مقتضيا لشمول الرحمة وإدرار البر والمراد أهل الأرض من المؤمنين (فابرزوا من المنازل) إلى مصلى العيد ندبا (تلحقكم) أي لتلحقكم (الرحمة) فإن نظره إلى عباده نظر رحمة ومثوبة والخطاب للرجال وكذا للعجائز بإذن أزواجهن فيحضرن مصلى العيد مبتذلات لهذا الحديث (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس وفيه ضعف الحديث: 1913 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 1914 - (إن الله تعالى يعافي الأميين) أي الجاهلين الذين لم يقصروا في تعلم ما وجب عليهم (يوم القيامة) الذي هو محل الجزاء (ما) وفي رواية بما (لا يعافي العلماء) الذين لم يعملوا بما علموا لأن الجاهل يهيم على رأسه كالبهيم ليس عنده رادع يردعه ولا زاجر يكفه فإذا لم يقصر فهو معذور والعالم إذا ركب هواه ردعه علمه وكفه فإن لم يفد فيه ذلك فقد ألقى نفسه في المهالك كلما قبح من سائر الناس فهو من العلماء أقبح لأن زيادة قبح المعصية يتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي تتبع المعصي وليس لأحد من الأنام مثل فضل العلماء الكرام ولا على أحد نعمة من النعم ما لله عليهم منها والجزاء يتبع الفعل وكون الجزاء عقابا يتبع كون الفعل قبيحا فمتى ازداد قبحا ازداد عقابه شدة فلذا كان العاصي العالم أشد عذابا من العاصي الجاهل ومن ثم فضل حد الحر على العبد حتى أن أبا حنيفة لا يرى رجم الكافر وعلمهم لا يغني عنهم شيئا وكيف يغني وهو سبب مضاعفة العذاب والداعي إلى تشديد الأمر عليهم؟ أفاده كله الزمخشري (حل) من حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن سيار بن حاتم بن جعفر بن سليمان الضبي عن ثابت عن أنس (والضياء) المقدسي في المختارة من هذا الطريق (عن أنس) بن مالك ثم قال أبو نعيم حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر قال عبد الله قال أبي هذا حديث منكر انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأورده الضياء في المختارة وصححه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وهما طرفا نقيض انتهى ورواه عنه أيضا البيهقي ثم قال: قال عبد الله بن أحمد هذا حديث منكر حدثني به أبي وما حدثني به إلا مرة الحديث: 1914 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 [ص: 304] 1915 - (إن الله تعالى يعجب) يعجب إنكار (من سائل) أي طالب (يسأل غير الجنة) التي هي أعظم المطالب وأجل المواهب (ومن معط يعطي لغير الله) من مدح مخلوق والبناء عليه في المحافل ونحو ذلك لأن ذلك لا يرضاه عاقل لنفسه فإن من كان له جوهر نفيس يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك عجيبا وخسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وسفاهة الرأي وقلة العقل فما يناله العبد يعلمه من الخلق من مدحة وحطام بالإضافة إلى رضى مولاه وشكره وثنائه وثوابه أقل من فلس في جنب الدنيا وما فيها فعجيب أن تفوت نفسك تلك الكرامات الشريفة بهذه الأمور الدنيئة الحقيرة (ومن متعوذ يتعوذ من غير النار) التي قصم ذكرها الظهور وصفر الوجوه وقطع القلوب وأذاب الأكباد وأدمى عيون العباد. ذكر عند الحسن أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد أو غيره عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان فبكى الحسن وقال ليتني كنت هنادا فعجبوا منه قال ويحكم أليس يوما يخرج؟ فالطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي الخلود (خط عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 1915 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 1916 - (إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا) ظلما بخلافه بحق كقود وحد وتعزيز والمراد أن لهم مزيد مزية على غيرهم من عصاة المؤمنين الذين يعذبهم بذنوبهم وقد يدرك العفو من شاء الله منهم فلا يعذب أصلا وذكر الدنيا مع أنه لا يكون إلا فيها تتميم أو للمقابلة (حم م) في الأدب (عن هشام بن حكيم) بن حزام القرشي الأزدي صحابي ابن صحابي مات قبل أبيه ووهم من زعم أنه قتل بأجنادين (حم هب عن عياض بن غنم) وسببه كما في مسلم مر هشام على أناس من الأنباط قد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال ما هذا فقيل يعذبون في الخراج أو الجزية فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرجه البخاري وقال زين الحفاظ العراقي إسناد أحمد صحيح الحديث: 1916 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 1917 - (إن الله تعالى يعطي على نية الآخرة (1)) لأن أعمال الآخرة كلها محبوبة له تعالى فإذا أحب عبدا أحبه الوجود الصامت كله والناطق إذ الخلق كلهم تبع للخالق إلا من حقت عليه الشقاوة ومن جملة الصامت الدنيا فهي تهرول خلف الزاهد فيها الراغب في الآخرة ولو تركها لتبعته خادمة له والراغب في الدنيا بالعكس فتهرب الآخرة منه فإنه تعالى يبغض الدنيا وأهلها ومن أبغضه تعاصت عليه الدنيا وتعسرت وأتعبته في تحصيلها لأنها مملوكة لله فتهين من عصاه وتكرم من أطاعه {ومن يهن الله فما له من مكرم} فلذا قال (وأبى) أي امتنع أشد امتناع عن (أن يعطى الآخرة على نية الدنيا) {ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} فإذا أنت أخلصت النية وجردت الهمة للآخرة حصلت لك الدنيا والآخرة جميعا وإن أردت الدنيا ذهبت عنك الآخرة حالا وربما تنال الدنيا كما تريد الآخرة وإن نلتها فلا تبقى لك فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة قال الطيبي: أشار بالدنيا إلى الأرزاق وبالدين [ص: 305] إلى الأخلاق يشعر بأن الرزق الذي يقابله الخلق هو الدنيا وليس من الدنيا في شيء وأن الأخلاق الحميدة ليست غير الدين انتهى وفي المدخل خبر من بدأ بحظه من الدنيا فاته حظه من الآخرة ولم ينله من دنياه إلا ما قسم له ومن بدأ بحظه من آخرته نال من آخرته ما أحب ولم ينل من دنياه إلا ما قسم له قال ابن عيينة: أوحى الله إلى الدنيا من خدمك فأتعبيه ومن خدمني فاخدميه (ابن المبارك) في الزهد (عن أنس) ظاهر حال المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في الفردوس مسندا باللفظ المزبور عن أنس   (1) فمن اشتغل بأعمال الآخرة سهل عليه حصول رزقه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} الحديث: 1917 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 1918 - (إن الله تعالى يغار للمسلم) أي يغار عليه أن يتبع شيطانه وهواه وجمع دنياه لأنه حبيبه وغيرته زجره عن ذلك (فليغر) أي المسلم على جوارحه أن يستعملها في المعاصي فالله سبحانه يغار على قلب عبده المسلم أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه فإنه خلقه لنفسه واختاره من خلقه كما في الخبر الإلهي: ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له وفي أثر آخر: خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب. ويغار على لسانه أن يتعطل عن ذكره ويشتغل بذكر غيره ويغار على جوارحه أن تتعطل عن طاعته وتشتغل بمعصيته فيقبح بالعبد أن يغار مولاه على قلبه وجوارحه وهو لا يغار عليها وإذا أراد الله بعبد خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بغيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء واعلم أن ما ذكر من سياق الحديث هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب والذي وجدته في الطبراني إنما هو ظاهر بلفظ إن الله ليغار لعبده المؤمن فليعز لنفسه <تنبيه> قال ابن العربي: أشد المؤمنين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتقامه لله ولم يأخذه فيه لومة لائم وصحبه تابعوه في الغيرة (طس) وكذا أبو يعلى (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عبد الأعلى علي بن عامر الثعلبي وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الدارقطني قال ابن القطان والحديث لا يصح فإن فيه أبا عبيدة عن أمه زوج ابن مسعود ولا يعرف لهما حال وليست زينب امرأة عبد الله الثقفية لأن تلك صحابية وابن مسعود عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة ثنتين وثلاثين فلا يبعد أن يتزوج غير صحابية الحديث: 1918 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 1919 - (إن الله تعالى يغار) على عبده المؤمن (وإن المؤمن يغار وغيرة الله) هي (أن يأتي المؤمن) أي يفعل (ما حرم الله عليه) ولذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات وأشنع القتلات وشدة غيرته على إمائه وعبيده فإن عطلت هذه العقوبات شرعا أجراها سبحانه قدرا ومن غيرته تعالى غيرته على توحيده ودينه وكلامه أن يحظى به غير أهله فحال بينهم وبينه غيرة عليه {وجعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} وما ذكر من أن الرواية أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه هو ما للأكثر لكنه في مسلم بلفظ ما حرم الله عليه بالبناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن وفي رواية أبي ذر أن لا يأتي بزيادة لا قال الصغائي: والصواب حذفها وقال الطيبي: تقديره غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. قال الكرماني: وبتقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها كثيرا وفي الحديث تحذير شديد من اقتحام حمى المعاصي والآثام المؤدية للهلاك والطرد عن دار السلام <تنبيه> من غيرة الحق تعالى على الأكابر أنهم إذا ساكنوا شيئا سواه أو لاحظوا غيره شوش عليهم وامتحنهم حتى تصفوا أسرارهم له كما فعل بيوسف عليه الصلاة والسلام حين قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك أي ملك مصر فلبث في السجن لذلك ما لبث وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أعجبه إسماعيل عليه السلام أمر بذبحه ونظر بعض الأولياء إلى شاب نظرة فإذا كف من الهوى [ص: 306] قد لطمه وسقطت عينه وسمع صوتا لطمة بنظرة وإن زدت زدناك وذلك لعلو قدرهم عنده (حم ق) في التوبة (ت) في النكاح (عن أبي هريرة) إطلاقه عزو الحديث بجملته إلى الشيخين غير سديد قال الحافظ العراقي لم يقل البخاري والمؤمن يغار اه. قال الصدر المناوي أخرجه البخاري إلا قوله وأن المؤمن يغار وكذا الترمذي اه. وقال ابن حجر: زاد مسلم أي على البخاري وأن المؤمن يغار الحديث: 1919 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 1920 - (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه) كناية عن حسن قبولها لأن الشيء المرضي يتلقى باليمين عادة قال: ألم أك في يمنى يديك جعلتني. . . فلا تجعلني بعدها في شمالكا ذكره القاضي وقال غيره ذكر اليمين لأنها عرفا لما عز والشمال لما هان والله تعالى منزه عن الجارحة وقيل المراد يمين الذي يدفع إليه الصدقة وأضيفت له تعالى لقصد الاختصاص أي أن الصدقة فيها لله تعالى (فيربيها لأحدكم) يعني يضعف أجرها أي يزيد في كميته عينها فيكون أثقل في الميزان (هـ) كما يربي أحدكم تمثيل لزيادة التفهيم (مهره) صغير الخيل وفي رواية فلوه بفتح الفاء وضم اللام وشدة الواو ويقال بكسر فسكون مخففا وهو المهر وقيل كل عظيم من ذات حافر وفي رواية فصيله وذلك لأن دوام نظر الله إليها يكسوها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى حال تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين المهر إلى الخيل وخصه بضرب المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج عمله ولأنه حينئذ يحتاج للتربية وصاحبه لا يزال يتعهده وإذا أحسن القيام به وأصلحه انتهى إلى حد الكمال وكذا عمل الآدمي سيما الصدفة التي يحاذيها الشيطان ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء فلا تكاد تخلص إلى الله إلا موسومة بنقائص لا يجبرها إلا نظر الرحمن فإذا تصدق العبد من كسب طيب مستعد للقبول فتح لها باب الرحمة فلا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل وقوع المناسبة بين اللقمة كما أشار إليه بقوله (حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد) بضم الهمزة الجبل المعروف قال في الكشف: هذا مثل ضرب لكون أصغر صغير يصير بالتربية أكبر كبير اه. والقول بأنه يعظم ذاتها حقيقة ليثقل في الميزان غير سديد ألا ترى إلى خبر البطاقة التي فيها الشهادة حيث توضع في الميزان فتثقل على سائر الأعمال فلا حاجة في الرجحان إلى تعظيم الذوات وخص التربية بالصدقة وإن كان غيرها من العبادات يزيد أيضا بقبوله رمزا إلى أن الصدقة فرضا كانت أو نفلا أحوج إلى تربية الله وزيادة الثواب ومشقتها على النفوس بسبب الشح وحب المال <تنبيه> قال ابن اللبان نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءا وإعادة وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها فنور الفضل باليمين ونور العدل باليد الأخرى وهو سبحانه منزه عن الجارحة (ت عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن عائشة قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح وقال الذهبي أخرجه الشيخان بمعناه الحديث: 1920 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 1921 - (إن الله يقبل توبة العبد) أي رجوعه إليه (ما لم يغرغر) أي تصل روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به لأنه لم يعاين ملك الموت ولم ييأس من الحياة فتصح توبته بشروطها فإن وصل لذلك لم يعتد بها لقوله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} الآية ولأن من شرط التوبة العزم على ترك الذنب المكتوب عنه وعدم المعاودة عليه وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري ذكره القاضي وكما أن من وصل لتلك الحالة لا تقبل توبته لا ينفذ نصرته وجزم الطيبي كالمظهر بصحة إيصائه ووصيته وتحليله ممنوع منهما كيف وقد عاين ملك [ص: 307] الموت وليس من الحياة ومعاينته اليأس مثل الغرغرة ولذلك لم ينفع فرعون إيمانه حينئذ (حم ت) في الدعوات (هـ) في الزهد (حب ك) في التوبة (هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المزي: ووهم من قال ابن عمرو بن العاص اه. قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه أبو حاتم وقال أبو أحمد أحاديثه مناكير ونقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين وتوثيقه عن غيره ثم أورد من مناكيره أخبارا هذا منها الحديث: 1921 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 1922 - (إن الله تعالى يقول) يوم القيامة (لأهون) أي أسهل (أهل النار) وفي خبر سيجيء أنه أبو طالب (عذابا لو أن لك ما في الأرض من شيء) أي لو ثبت لأن لو تقتضي الفعل الماضي وإذا وقعت أن المفتوحة بعد لو وجب حذف الفعل لأن ما في أن من معنى التحقق والثبات منزل منزلة الفعل المحذوف (كنت تفتدي به) من النار وهو بالفاء من الافتداء وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه وهذا إلماح لقوله {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} قال: عبر بالماضي لتحقق الوقوع (نعم) أفعل ذلك قال الله تعالى (فقد سألتك ما هو أهون من هذا) أي أمرتك بما هو أهون عليك منه وإلا يكون الشيء واقعا على خلاف إرادته وهو محال وبما تقرر من أن الإرادة بمعنى الأمر يسقط احتجاج المعتزلة به زاعمين أن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي قال الطيبي: والإرادة هنا أخذ الميثاق في قوله سبحانه {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} بقرينة قوله (وأنت في صلب) أبيك (آدم) عليه السلام حين أخذت الميثاق (أن) أي بأن (لا تشرك بي شيئا فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا (إلا الشرك) أي فامتنعت إلا أن تشرك بي من لا يستطيع لك ولا لنفسه نفعا ولا ضرا إشارة إلى قوله تعالى {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} ويحمل الآباء هنا على نقض العهد وهذا استثناء مفرغ وحذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيا معنى أي ما اخترت إلا الشرك (ق عن أنس) الحديث: 1922 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 1923 - (أن الله يقول إن الصوم لي) أي لا يتعبد به أحد غيري أو هو سر بيني وبين عبدي (وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب (إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح) قال القاضي ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا الله فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين الله يفعله خالصا لوجهه ويعامله به طالما لرضاه الثاني: أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه لله أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه ويحتمل أن يريد بفطره يوم موته فإن المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره وذلك حين فرحه بما يرى مما أعد الله له من الكرامات (وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته (لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغير ريحه لخلو المعدة عن الطعام قال النووي هذا الصواب الذي عليه الجمهور وكثير يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في خبر [ص: 308] مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبر آخر ولا مانع من إرادتهما (من ريح المسك) عند الخلق. قال البيضاوي: تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه. وقال غيره: خصه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى وفي تعليق القاضي إن للأعمال ريحا تفوح يوم القيامة فريح الصوم منها كالمسك. قال ابن حجر: اتفقوا على أن المراد من سلم صيامه عن الإثم وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده رد على من كره أن يقال إن الله يقول وقال إنما يقال قال كأنه كره ذلك لكونه لفظا مضارعا (حم م ت) في الصوم (عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) بألفاظ متقاربة الحديث: 1923 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 1924 - (إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين) بالمعونة وحصول البركة والنماء (ما لم يخن أحدهما صاحبه) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خرجت من بينهما) بعني نزعت البركة من مالهما. قال الطيبي: فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمي ذاته ثالثا لهما وقوله خرجت ترشيح للاستعارة وفيه ندب الشركة وأن فيها البركة بشرط الأمانة وذلك لأن كلا منهما يسعى في نفع صاحبه والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه كما في خبر آخر (د) في البيع (ك) وصححه (عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حبان في الثقات لكن أعله ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال إنه الصواب نقله ابن حجر ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة نعم قال لم يسنده أحد إلا أبو همام الأهوازي وحده الحديث: 1924 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 1925 - (إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي) أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي ولا تشتغل باكتساب ما يزيد على قوتك وقوت ممونك فإنك إن اقتصرت على ما لا بد منه واشتغلت بعبادتي (أملأ صدرك) أي قلبك الذي في صدرك (غنى) وذلك هو الغني على الحقيقة لأن ما هنا فيمن يهتم بما زاد على كفاية نفسه وممونه على وجه الكفاية كما تقرر (وأسد) بسين مهملة (فقرك) يعني تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقض مهماتك ومن قضى الله مهماته استغنى عن خلقه لأن الغني على الإطلاق وهو المعني بقوله أملأ صدرك غنى وبما تقرر من أن المأمور به التفرغ عن اكتساب ما يزيد على الكفاية علم أنه لا تدافع بينه وبين نحو خبر أعظم الناس هما الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته (وإن لم تفعل) ذلك (ملأت يديك شغلا) بضم الشين وبضم الغين وتسكن للتخفيف وشغلت به بالبناء للمفعول تلهيت به وخص اليدين لأن مزاولة الاكتساب بهما (ولم أسد فقرك) أي وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقرا على فقرك وهو المراد بقوله ملأت يديك إلخ ذكره الطيبي. قال العلائي: أمر الله في هذا الخبر بالتفرغ لعبادته ومن جملة ذلك أن لا يكون في القلب شاغل عن الإقبال على طاعته وقد صرح المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما خبر بأن الفراغ من النعم التي لا يليق إهمالها. قال ابن عطاء الله: فرغ قلبك من الأغبار يملأه من المعارف والأسرار ربما وردت عليك الأنوار فوجدت القلب محشوا بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت لا تستنبط منه النوال ولكن استنبط من نفسك وجود الإقبال وقال الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ويقل عوائقك ثم لا ترحل إليه (حم ت د ك عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في كتاب الزهد نقله عن التوراة بهذا اللفظ ثم قال: وروي مرفوعا ولا يصح انتهى وفيه عند الترمذي [ص: 309] أبو خالد الوالبي عن أبيه وأبوه لا يعرف كما في المنار وزائد بن نشيط لا يعرف أيضا الحديث: 1925 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 1926 - (إن الله تعالى يقول إذا أخذت كريمتي عبدي) أي أعميت عينيه يعني جارحيته الكريمتين عليه وكل شيء يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك والإضافة للتشريف فيفيد أن الكلام في المؤمن وفي رواية عبدي المؤمن (في الدنيا لم يكن له جزاء عندي) يوم القيامة (إلا الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب لأن فقد العينين من أعظم البلايا ولذا سماها في خبر آخر حبيبتين لأن الأعمى كالميت يمشي على وجه الأرض وهذا مقيد بالصبر والاحتساب كما يأتي في خبر في هذا الكتاب وظاهر الأحاديث أنه يحشر بصيرا وأما {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فهو في عمى البصيرة وما هنا في عمى البصر وأما خبر " من مات على شيء بعثه الله عليه " فالمراد من الأعمال والأحوال الصالحة والطالحة (ت عن أنس) ورواه أبو يعلى عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات الحديث: 1926 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 1927 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي) أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا (اليوم أظلهم في ظلي) أي ظل عرشي كما جاء مصرحا به في خبر آخر وإضافة الظل إليه إضافة تشريف وملك والمراد أنه في ظله من الحر ووهج الموقف وقيل عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب وقوله (يوم لا ظل إلا ظلي) بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا (1) (حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مالك في الموطأ وكأن المصنف ذهل عنه فإنه حريص على البداءة بالعزو إليه فيما فيه ولم يخرجه البخاري   (1) وفي العزيزي أنه حال من ظلي المذكور قبله أي أظلهم في ظلي حال كونه كائنا يوم لا ظل إلا ظلي هذا هو الظاهر الحديث: 1927 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 1928 - (إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي) بالرحمة والتوفيق والهداية (ما ذكرني) أي مدة ذكره لي في نفسه فما مصدرية ظرفية (و) ما (تحركت بي) أي بذكري (شفتاه) فهو مع من يذكره بقلبه ومع من يذكره بلسانه لكن معيته مع الذكر القلبي أتم وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه صار معه وجليسه ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى وهو ثلاثة أقسام ذكر العوام باللسان وذكر الخواص بالقلب وذكر خواص الخواص بفنائهم عند مشاهدة مذكورهم حتى يكون الحق مشهودا لهم في كل حال قالوا وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو الله وقد ورد في حقيقة الذكر وآثاره وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق (حم هـ ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء وصححه الحديث: 1928 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 1929 - (إن الله تعالى يقول إن عبدي كل عبدي) أي عبدي حقا المتمحض في العبودية الفائز بشرف كمال العبودية [ص: 310] (الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) بكسر الكاف وسكون الراء أي عدوه المقارن له المكافئ له في القتال فلا يغفل عن ذكر ربه حتى في حالة معاينة الهلاك ولا يشغله ما هو فيه من الاستشراف إلى الموت عن لزوم ذكر ربه بقلبه ولسانه. والقرن من يقاومك في علم أو قتال أو غير ذلك والجمع أقرن كحمل وأحمال (ت) من حديث عفيرة بن معدان (عن) أبي عدي (عمارة) بضم المهملة وفي آخره هاء (ابن زعكرة) قال في الأذكار: وزعكرة بفتح الزاي والكاف وسكون العين المهملة. قال في التقريب كأصله صحابي له حديث الأزدي وقيل الكندي الجمعي الشامي. قال ابن حجر: ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال أعني ابن حجر وهو حسن غريب وقول الترمذي ليس إسناده بقوي يريد ضعف عفير لكن وجدت له شاهدا قويا مع إرساله أخرجه البغوي فلذلك حسنته وقول الترمذي غريب أراد غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر. اه الحديث: 1929 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 1930 - (إن الله يقول إن عبدا) مكلفا (أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشه) أي فيما يعيش فيه من القوت وغيره (تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي) أي لا يزور بيتي وهو الكعبة (لمحروم) أي يقضي عليه بالحرمان من الخير أو من مزيد الثواب وعموم الغفران بحيث يصير كيوم ولدته أمه لدلالته على عدم حبه لربه وعادة الأنجاب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم وأماكنهم وخلالهم وأخذ بقضية هذا الحديث بعض المجتهدين فأوجب الحج على المستطيع في كل خمسة أعوام وعزى ذلك إلى الحسن قال ابن المنذر: كان الحسن يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ فيقول يجب على الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين اه. وقد اتفقوا على أن هذا القول من الشذوذ بحيث لا يعبأ به قال ابن العربي: قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف بإثبات الحكم به وقال البيهقي: ورد هذا موقوفا ومرسلا جاء عن أبي هريرة بسند ضعيف (ع حب عن أبي سعيد) الخدري وفيه صدقة بن يزيد الخراساني ضعفه أحمد وقال ابن حبان لا يجوز الاشتغال بحديثه ولا الاحتجاج به وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له في الميزان هذا الخبر وفي اللسان قال البخاري عقبه هذا منكر وكذا قال ابن عدي اه ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يقول إن عبدا أصححت له بدنه وأوسعت عليه في الرزق ثم لم يفد إلي بعد أربعة أعوام لمحروم قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على الطريق الذي آثره غير جيد الحديث: 1930 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 1931 - (إن الله تعالى يقول أنا خير قسيم) أي قاسم أو مقاسم (لمن أشرك بي) بالبناء للمفعول (من أشرك بي شيئا) أي في عمل من الأعمال (فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي) بالبناء للفاعل أو المفعول (أنا عنه غني) والله غني عن العالمين. قال أبو البقاء: قليله وكثيره بالنصب على البدل من العمل وإن شئت على التوكيد ويجوز رفعه على الابتداء ولشريكه خبره والجملة خبر إن وتمسك به ابن عبد السلام كالمحاسبي في ذهابهما إلى العمل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا خلص لله كله ومختار الإمام والغزالي اعتبار غلبة الباعث فإن غلب باعث الآخرة أثيب بقدره وإلا فلا وجرى عليه الفخر الرازي فقال: للعمل تأثير في القلب فإن خلا المؤثر عن العارض خلا الأثر عن الضعف وإن قارنه فإن تساويا تساقطا وإن غلب أحدهما فالحكم له قال والجواب عن الحديث أن لفظ الشرك محمول على تساوي الداعيين وعنده ينحبط كل بالآخر قال ابن عطاء الله [ص: 311] وكما لا يحب الله العمل المشترك لا يحب القلب المشترك لأن القلب بيت الرب والرب يكره أن يكون في بيته غيره فالعمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل عليه {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال الغزالي: قيل للخواص قدم ابن أدهم فأته قال: لا لأن ألقى شيطانا ماردا أحب إلي من لقائه فاستنكروا ذلك فقال: إذا لقيته أخاف أن أتزين له فإذا لقيت شيطانا أمتنع منه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: ولقي شيخي الإمام بعض العارفين فتذاكرا مليا. فقال الإمام: ما أظنني جلست مجلسا أنا له أرجى من هذا. فقال العارف: ما جلست مجلسا أنا له أخوف من مجلسي هذا ألست تعمد إلى أحسن علومك فتظهرها لدي وأنا كذلك فقد وقع الرياء فبكى الإمام مليا حتى أغمي عليه. قال البعض: ومن أدوية الرياء التفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما لم يقضه الله له ولا على غيره ما لم يقدره الله له (الطيالسي) أبو داود (حم عن شداد بن أوس) قال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وثقه أحمد وغيره وضعفه غير واحد وبقية رجاله ثقات الحديث: 1931 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 1932 - (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة) وهم فيها (يا أهل الجنة فيقولون لبيك) أي إجابة بعد إجابة لك يا (ربنا) من ألب بالمكان أقام أي نقيم لامتثال أمرك إقامة كثيرة (وسعديك) بمعنى الإسعاد وهو الإعانة أي نطلب منك إسعادا بعد إسعاد (والخير في يديك) أي في قدرتك ولم يذكر الشر لأن الأدب عدم نسبته إليه صريحا (فيقول) سبحانه وتعالى لهم (هل رضيتم) بما صرتم إليه من النعيم المقيم (فيقولون وما لنا) أي أي شيء لنا (لا نرضى) وهو حال من الضمير في الظرف والاستفهام لتقدير رضاه (وقد أعطيتنا) وفي رواية وهل شيء أفضل مما أعطيتنا؟ أعطيتنا (ما لم تعط أحدا من خلقك) الذين لم تدخلهم الجنة (فيقول) تعالى (ألا) بالتخفيف (أعطيكم) بضم الهمزة وفي رواية أنا أعطيكم (أفضل من ذلك) الذي أنتم فيه من النعيم (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك) قال يا رب في الموضعين ولم يقل ربنا مع كون الجمع مذكورا قبله إشعار بأن ذلك قول كل واحد منهم لا أن طائفة تكلموا وطائفة سكتوا إذ الكلام من كل واحد على حصول الرضى (فيقول أجل) بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل (عليكم رضواني (1)) بكسر أوله وضمه أي رضاي ورضاه سبب كل سعادة وفيه أن النعيم الحاصل لأهل الجنة لا يزيد على رضى الله (فلا أسخط عليكم بعده أبدا) مفهومه أن الله تعالى لا يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعام كلها دنيوية وأخروية فظاهر الحديث أن الرضى أفضل من اللقاء وأجيب بأنه لم يقل أفضل من كل حال بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضى فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أن السعادة أي الروحانية أفضل من الجسمانية ونعم للمؤمنين عظيمة وهي سماع كلام رب العالمين وأعظم منه خطابهم إياه بتقريره نعمه عليهم وتعريفه إياهم فضله لديهم وإن رضى الله أفضل من نعيم الجنة (حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري   (1) في حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى {ورضوان من الله أكبر} لأن الله رضاه سبب كل نول وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه اه الحديث: 1932 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 [ص: 312] 1933 - (إن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي) أي أعامله على حسب ظنه وأفعل به ما يتوقعه مني فليحسن رجاءه أو أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله به فالمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف والظن على بابه ذكره الفاضي قال: ويمكن تفسيره بالعلم والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت من خير وشر فلا مرد له لا معطي لما منعت ولا راد لما أعطيت أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد ورسخ في مقام الإيمان والوثوق به سبحانه وتعالى قرب منه ورفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب وإذا سأله استجاب إلى هنا كلامه وجزم بعض المتأخرين بثاني احتماليه فقال: معناه عند يقينه بي فالاعتماد علي والوثوق بوعدي والرهبة من وعيدي والرغبة فيما عندي أعطيه إذا سألني وأستجيب له إذا دعاني كل ذلك على حسب ظنه وقوة يقينه والظن قد يرد بمعنى اليقين قال الله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} أي يوقنون (إن خيرا فخير وإن شرا فشر) أي إن ظن بي خيرا أفعل به خيرا وإن ظن بي شرا أفعل به شرا. قال ابن القيم: وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به فإن من أساء الظن به ظن به خلاف كماله الأقدس وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته ولهذا توعد عليه بما توعد به غيره فقال {عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم} وقال {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} قال الكرماني: وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف أي لأن العاقل إذا سمعه لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف بل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال المحققون مقيد بالمحتضر وفي غيره أقوال ثالثها الاعتدال (تتمة) قال ابن عطاء الله: بخ بخ لحسن الظن به لمن من به عليه فمن وجده لم يفقد من الخير شيئا ومن فقده لم يجد منه شيئا لا تجد غدا عند الله لك أنفع منه ولا أجدى ولا تجد الآن أدل على الله ولا أهدى بعلمك عن الله بما يريد أن يصنعه معك ويبشرك ببشائر لا يقرأ سطورها العينان ولا يترجم عنها لسان <فائدة> قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد ما تقول في أموالنا التي تعرفها في سبيل الخير فأبطأ في الجواب يريد به وقار العلم ثم قال من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غدا قال الأمير نحن أحسن ظنا بالله منكم فقال أقسم على الأمير بالله هل تعلم أحدا أحسن ظنا بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال فهل علمت أنه أخذ شيئا قط من غير حله ووضعه في غير حقه قال اللهم لا قال حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (طس حل عن واثلة) بن الأسقع وهو في الصحيحين بدون قوله إن إلخ الحديث: 1933 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 1934 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا ابن آدم) خطاب معاتبة لا مناقشة ومعاقبة (مرضت فلم تعدني) أضاف المرض إليه والمراد العبد تشريفا له وتقريبا (قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) حال مقرر للإشكال الذي تضمنه معنى كيف أي أن العيادة إنما هي للمريض العاجز وذلك على المالك الحقيقي محال فكيف أعودك وأنت القادر القاهر القوي المتين (قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته قال في المطامح: هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن والتعريف بحظوته عند [ص: 313] ربه وحث الخلق على المواصلة لذاته والتحبب فيه والإحسان لوجهه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة لله تعالى من حيث إنها إنما فعلت لوجهه فالمجاز والاستعارة في كلامهم باب واسع (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين) أي كيف أطعمك والإطعام إنما يحتاج إليه الضعيف الذي يتقوت به فيقيم به صلبه ويصلح به عجزه وأنت مربي العالمين (قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) قال في العيادة لوجدتني عنده وفي الإطعام وكذا السقي لوجدت ذلك عندي إرشادا إلى أن الزيارة والعيادة أكثر ثوابا منهما وقال السبكي رضي الله عنه: سر ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد بل يأتي الناس إليه فناسب قوله لوجدتني عنده بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس (يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين) أي كيف أسقيك وإنما يظمأ ويحتاج للشرب العاجز المسكين المحتاج لتعديل أركانه وطبيعته وأنه غني منزه متعال عن ذلك كله (قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) أي ثوابه وقال الكلاباذي: جعل الله أوصاف المؤمنين صفة فقال مرضت واستسقيتك واستطعمتك لأن الوصلة إذا استحكمت والمودة إذا تأكدت صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر وكلما فعله الحبيب فهو يسر حبيبه ألا ترى قيسا المجنون كان إذا أراد أن يسكن ما به ذكرت له ليلى فينجلي ما هو فيه ويتكلم بأحسن كلام فيقال له: أتحب ليلى فيقول: لا فيقال: لم فيقول: المحبة ذريعة الوصلة وقد وقعت الوصلة فسقطت الذريعة فأنا ليلى وليلى أنا وقال: أنا من أهوى ومن أهوى أنا. . . نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته. . . وإذا أبصرته كنت أنا (تتمة) سئل بعض العارفين عن تنزلات الحق في إضافة الجوع والظمأ لنفسه هل الأولى إبقاؤها على ما وردت أو تأويلها كما أولها الحق لعبده حين قال أطعمك إلخ؟ فقال الواجب تأويلها للعوام لئلا يقعوا في جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة وأما العارف فعليه الإيمان بها على حد ما يعلمه الله لا على حد نسبتها للخلق لاستحالته وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق فلا يجتمع قط مع خلقه في جنس ولا نوع ولا شخص ولا تلحقه صفة تشبيه لأنها لا تكون إلا لمن يجتمع مع خلقه في حال من الأحوال ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئلا يفوتهم كمال الإيمان لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به لا بما أولوه فقد لا يكون مرادا للحق فالأدب إضافتنا إليه كل ما أضافه لنفسه تعالى كما قيل: إذا نزل الحق من عزه. . . إلى منزل الجوع والمرحمه فخذه على حد ما قاله. . . فإن به تحصل المكرمه ولا تلقينه على جاهل. . . فتحصل في موطن المذممه (م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي في الزهد ولم يخرجه البخاري الحديث: 1934 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 1935 - (إن الله تعالى يقول إني لأهم بأهل الأرض عذابا) كقحط وجوع وفتن توجب قتلا ونحو ذلك (فإذا نظرت [ص: 314] إلى عمار بيوتي) أي عمار المساجد التي هي بيوت الله بالذكر والتلاوة والصلاة وأنواع العبادة (والمتحابين في) أي لأجلي لا لغرض دنيوي (والمستغفرين بالأسحار) أي الطالبين من الله المغفرة فيها (صرفت عذابي عنهم) أي عن أهل الأرض إكراما لهؤلاء ويحتمل عود الضمير إلى هؤلاء فقط لكن يؤيد الأول خبر لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا وليس المراد بالهم هنا حقيقته من العزم على الشيء ولا الإرادة والألم يتخلف وقوعه بل ذكر تقريبا لأفهامنا وحبا لنا على هذه الخصال الفاضلة وخصها لما في الأولى من إقامة شعائر الدين وفي الثانية من الائتلاف والاجتماع على نصره وفي الثالثة من محو الذنوب أو فأولا ولأن الاستغفار ممحاة للذنوب كما في خبر يأتي فلذلك كانت صارفة للعذاب (هب عن أنس) وفيه صالح المري أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال النسائي وغيره متروك الحديث: 1935 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 1936 - (إن الله تعالى يقول إني لست على كل كلام الحكيم أقبل) أي أثيب (ولكن أقبل على همه) أي عزمه ونيته (وهواه) أي ما يميل إليه (فإن كان همه وهواه فيما يحب الله ويرضى) جمع بينهما للتأكيد وإلا فأحدهما كاف (جعلت صمته) أي سكوته (حمدا لله) أي بمنزلة ثنائه على الله تعالى باللسان (ووقارا وإن لم يتكلم) أي وإن كان همه وهواه فيما لا يحبه ولا يرضاه فلا أجعل صمته كذلك بل إنما يعاتب أو يعاقب عملا بنيته وحذف الشرط الثاني وجزاءه لفهمه مما قبله ولم يأت به بالمنطوق تحقيرا لشأن من قام به وفيه إيماء إلى علو مقام الفكر ومن ثم قال الفضيل: الفكر مخ العبادة وقال الحسن: من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته فكرة فهو سهو وقال وهب: ما طال فكر امرئ قط إلا علم وما علم إلا عمل. وقال الداراني: الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب. وقال الجنيد: أشرف المجالس الجلوس مع الفكر في ميدان التوحيد والتسنيم تنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر وصحة النظر في الأمور نجاة من الغرور (ابن النجار) في التاريخ (عن المهاجر بن حبيب) لم أره في الصحابة في أسد الغابة ولا في التجريد الحديث: 1936 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 1937 - (إن الله يكتب للمريض) أي يأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له حال مرضه (أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه) أي مرضه (والمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره) إذا شغله السفر عن ذلك العمل والمراد السفر الذي ليس بمعصية بل كان سفر طاعة كحج وغزو وكذا المباح كسفر لتجارة حسبما شمله الحديث قال ابن حجر رحمه الله: هذا في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها لأنه أعاقه (طب عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 1937 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 [ص: 315] 1938 - (إن الله يكره فوق سمائه) خص الفوقية إيماء إلى أن كراهته لذلك أمر متعارف مستفيض بين الملأ الأعلا وسكان السماوات العلى ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصور المكانية تعالى الله عن صفات المحدثات فإنه تعالى مباين لجميع خلقه متسلط على كل شيء بقهره وقدرته سبحانه (أن يخطأ) بالبناء للمجهول (أبو بكر الصديق) أي يكره أن ينسبه أحد من الأمة إلى الخطأ (في الأرض) لكمال عقله وإصابته للصواب فيما يشير به ويراه ومناصحته لنبيه صلى الله عليه وسلم وإخلاص سريرته كيف وقد انتصب لمناوأة المشركين وذب عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحده ولم يهب شرق الدنيا وغربها وجاد بمهجته في الله تعالى ولما مات أبو طالب انتهزت قريش الفرصة واجتمعوا على المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه قائلين أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا فلم يعنه إلا الصديق رضي الله تعالى عنه فنادى بأعلا صوته أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فمؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه الله كان يكتم إيمانه وأبو بكر رضي الله عنه بذل نفسه فحاول إظهاره وإعلائه. وكراهته لتخطئته إنما هو في حق غير المعصوم فلا ينافي قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعبيره للرؤيا كما في البخاري أصبت بعضا وأخطأت بعضا (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده عن أحمد بن يونس عن أحمد بن أبي الحرث الوراق عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد عن عبادة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ (طب) عن الحسن بن العباس عن سهل بن عثمان عن أبي يحيى الحماني عن أبي العطوف جراح بن المنهال عن الوضين عن عطاء عن عبادة عن ابن غنم عن معاذ (وابن شاهين) في كتاب (السنة) عن إبراهيم بن حماد عن عبد الكريم بن هيثم عن الحماني فما فوقه ممن ذكر (عن معاذ) بن جبل قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسرحني إلى اليمن استشار ناسا من أصحابه فتكلم كل برأي فقال ما ترى يا معاذ قلت أرى ما قال أبو بكر رضي الله عنه فذكره قال الهيثمي: وفيه أبو العطوف لم أر من ترجمه يروي عن الوضين بن عطاء وبقية رجاله موثوقون انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال تفرد به أبو الحارث نصر بن حماد عن بكر بن جيش وقال يحيى نصر كذاب ومحمد بن سعيد هو المصلوب كذاب يضع إلى هنا كلامه ونازعه المؤلف على عادته فلم يأت بطائل الحديث: 1938 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 1939 - (إن الله يكره من الرجال الرفيع الصوت) أي الشديد الصوت (ويحب الخفيض من الصوت) ولهذا أوصى الله نبيه به صلى الله عليه وسلم في قوله {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق مبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبط عن رفع الصوت والترغيب عنه وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان ذكره الزمخشري وإذا كره من الرجال فمن النساء أولى (هب عن أبي أمامة) ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله تفرد به مسلمة بن علي وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي في الضعفاء المتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك وفيه أيضا نعيم بن حماد وثقه أحمد وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع الحديث الحديث: 1939 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 1940 - (إن الله تعالى يلوم على العجز (1)) أي على التقصير والتهاون في الأمور وهذا قاله لمن ادعى عليه عنده فحسبل (2) [ص: 316] تعريضا بأنه مظلوم أي أنت مقصر بتركك الاحتياط وعدم رعاية ما أقام الله لك من الأسباب وترك التدبير بالإشهاد وإقامة الحجة وغير ذلك مما يوجب الغلبة وثبوت الحق والعجز وإن كان صفة وجودية قائمة بالعاجز لكن العبد ملام عليه لما ذكر (ولكن عليك بالكيس) بفتح فسكون ويطلق على معان منها الرفق فمعناه عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه كذا قرره في الأذكار وقال غيره ضد الحمق يعني التيقظ في الأمر وإتيانه من حيث يرجى حصوله (فإذا غلبك أمر) بعد الاحتياط ولم تجد إلى الدفع سبيلا (فقل) حينئذ (حسبي الله ونعم الوكيل) أي الموكول إليه لعذرك حينئذ وحاصل معنى الاستدراك لا تكن عاجزا وتقول حسبي الله ولكن كن يقظا حازما فإذا غلبك أمر فقل ذلك إذ ليس من التوكل ترك الأسباب وإغفال الحزم في الأمور بل على العاقل أن يتكيس في الأمور بأن يتيقظ فيها ويطلب ما يعن له بالتوجه إلى أسباب جرت عادة الله على ارتباط تلك المطالب بها ويدخل عليها من أبوابها ثم إن غلبه أمر وعسر عليه مطلوب ولم يتيسر له طريق كان معذورا فليقل حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله تعالى يأخذ بثأرك وينصرك على خصمك (د) في القضاء عن بحير عن ابن معدان عن سيف (عن عوف بن مالك) قال الذهبي في المهذب سيف لا يعرف ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة قال في المنار وفيه سيف الشامي وهو لا يعرف   (1) أي عدم الداعية الحازمة التي يسمى بها مكتسبا وإن كانت القدرة لله تعالى (2) وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فذكره أي أنت مقصر بترك الإشهاد والاحتياط الحديث: 1940 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 1941 - (إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر) بالرفع صفة ثلث وفي رواية الثلث الأول وأخرى النصف وجمع باختلاف الأحوال يعني يكون أوقات الليل في الزمان والآفاق تقدم الليل عند قوم وتأخره عند آخرين (نزل) وفي رواية للبخاري ينزل (إلى السماء الدنيا) أي القربى قيل المراد نزول رحمة ومزيد لطف وإجابة دعوة وقبول معذرة كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادات الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم مستضعفين ملهوفين لا نزول حركة وانتقال لاستحالته عليه تقدس فهو نزول معنوي ويمكن حمله على الحس ويكون راجعا إلى أفعاله لا ذاته وقيل المراد بنزوله نزول رحمته وانتقاله من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام المقتضية للرحمة والإنعام (فنادى هل من مستغفر) فأغفر له (هل من تائب) فأتوب عليه (هل من سائل) فيعطى وفيه توبيخ لهم على غفلتهم عن السؤال (هل من داع) فأستجيب له ولا يزال كذلك (حتى ينفجر الفجر) جمع بينهما للتأكيد إن كانتا بمعنى وإلا فلأن المطلوب دفع ما لا يلائم أو جلب الملائم وهو إما دنيوي أو ديني فأشير بالاستغفار إلى الأول وبالسؤال إلى الثاني وبالدعاء إلى الثالث وخص أخر الليل لأنه وقت التعرض لنفحات الرحمة وزمن عبادة المخلصين ولأنه وقت غفلة واستغراق نوم والتذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب سيما لأهل الرفاهية فمن آثر القيام لمناجاته والتضرع إليه فيه دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك خص ذلك الوقت بالتنزل الإلهي الرحمني وفيه أن الدعاء في الثلث الأخير مجاب وتخلفه في البعض لخلل في الداعي أو الدعاء (حم م عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) ورواه أيضا البخاري في مواضع من صحيحه بألفاظ متقاربة المعنى الحديث: 1941 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 1942 - (إن الله تعالى ينزل) بفتح أوله (ليلة النصف من شعبان) أي ينزل أمره أو رحمته على ما تقرر قال القاضي: لما ثبت بالقواطع العقلية أنه تعالى منزه عن الجسمية والتحيز والحلول امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع [ص: 317] أعلا إلى أخفض منه بل المعنى به على ما ذكره أهل الحق دنو رحمته ومزيد لطفه على العباد وإجابة دعوتهم وقبول معذرتهم كما هو ديدن الملوك والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين فقوله (إلى سماء الدنيا) أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال المقتضية للأنفة من الأرذال وعدم المبالاة وقهر العداوة والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرحمة والرأفة وقبول المعذرة والتلطف بالمحتاج واستعراض الحوائج والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي والإغضاء عما يبدو من المعاصي والتركيب في سماء الدنيا من قبيل مسجد الجامع والقياس السماء الدنيا كما في الحديث المتقدم <تنبيه> قال بعض العارفين رضي الله عنه ما من ليلة إلا وينزل من السماء في الثلث الأخير فتوح رباني ومدد فيلتقطه هل التسليم ثم أهل التفويض ثم تقع الإفاضة من هؤلاء على أصحاب الدوائر العلية أقطاب الأفلاك الكلية ثم تقع منهم على الحفظة والنواب وولاة الأمر ثم منهم على الملكين والصالحين والعلماء العاملين ممن حضر فتح الباب وتنزل الأمداد فإن الهدية لمن حضر قال وأما النائمون في الثلث الآخر فتصيبهم عند أخذ الرجال الخمس المعروفين بين الأولياء فإنه يأخذ لكل من غاب نصيبا عند صلاة الصبح إما قبل فراغه أو معه ومن تخلف عن اليقظة عند صلاة الصبح فإن نصيبه يعطاه في أسبابه الدنيوية إذا رضى بإقامة الله له فيها وما بقي بعد ذلك فهو حظ الأنعام وأمثالهم من العوام الغافلين عن الأسباب (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) قال الزين العراقي مزية ليلة نصف شعبان مع أن الله تعالى ينزل كل ليلة أنه ذكر مع النزول فيها وصف آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب وليس ذا في نزول كل ليلة ولأن النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب وخص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنما منهم وورد في حديث آخر استثناء جماعة من المغفرة <تنبيه> قال المجد ابن تيمية: ليلة نصف شعبان روي في فضلها من الأخبار والآثار ما يقتضي أنها مفضلة ومن السلف من خصها بالصلاة فيها وصوم شعبان جاءت فيه أخبار صحيحة أما صوم يوم نصفه مفردا فلا اصل له بل يكره قال وكذا اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة والحلوى وتظهر فيه الزينة وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها اه (حم ت) في الصوم (هـ) في الصلاة من حديث الحجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كبير عن عروة (عن عائشة) قال لا يعرف إلا من حديث الحجاج وسمعت محمدا يعني البخاري يضعف هذا الحديث وقال يحيى لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى اه قال الدارقطني إسناده مضطرب غير ثابت وقال الزين العراقي ضعفه البخاري بالانقطاع في موضعين قال ولا يصح شيء من طرق هذا الحديث قال ابن دحية رحمه الله لم يصح في ليلة نصف شعبان شيء ولا نطق بالصلاة فيها ذو صدق من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية راغب في زي المجوسية اه الحديث: 1942 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 1943 - (إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد) أي (مسجد مكة) وفي رواية ينزل على هذا البيت. قال الطبري: ولا تضاد بين الروايتين فقد يراد بمسجد مكة البيت ويطلق عليه مسجد بدليل {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أو أراد بالتنزيل على البيت التنزيل على أهل المسجد اه. وقوله مسجد مكة يحتمل كونه تفسيرا من راويه أدرجه ويحتمل أنه من المرفوع قيل ويصدق على ما هو عليه اليوم من السعة والزيادة (في كل يوم وليلة عشرين ومئة رحمة ستين) منها (للطائفين) بالبيت (وأربعين للمصلين) بالمسجد (وعشرين للناظرين) إلى الكعبة وفي رواية للطبراني في الكبير عن ابن عباس أيضا مرفوعا ستون منها للطائفين وأربعون للعاكفين حول البيت وعشرون منها للناظرين للبيت وفي [ص: 318] رواية للبيهقي في الشعب عنه أيضا ينزل الله كل يوم مئة رحمة ستين منها للطائفين بالبيت وعشرين على أهل مكة وعشرين على سائر الناس قال في الإتحاف: والأحاديث في ظاهرها تخالف ويحتمل أنه أراد بالعاكفين المصلين فلا تخالف وأما حديث المئة ففيه إثبات عشرين لأهل مكة وعشرين للناس وهو لا ينافي الخبرين قبله إذ فيه إثبات ستين للطائفين ولا تعرض فيه لعاكف ولا مصل ولا ناظر ويحتمل أن للطائف أربعين وللمصلي أربعين ويكون كل حديث على ظاهره ولا يلزم من عدم التعرض لذكره في الحديث الآخر أنه ليس له شيء كما لا يلزم من عكسه العكس وليس في الحديث صيغة حصر فتكون الرحمات النازلة مئة وستين وهذا أقرب والقسمة على كل فريق على قدر العمل لا على مسماه على الأظهر اه وقال المحب الطبري: في القسمة وجهان الأول على المسمى بالسوية لا على العمل قلة وكثرة وما زاد على المسمى فله ثواب من غير هذا الوجه الثاني قسمتها على العمل لأن الحديث ورد في سياق الحث والتحضيض فلا يستوي فيه عامل الأقل والأكثر ولأن الرحمات متنوعة بعضها أعلا من بعض فرحمة يعبر بها عن المغفرة وأخرى عن العصمة وأخرى عن الرضى وأخرى عن القرب وأخرى عن تبوء مقعد صدق وأخرى عن النجاة من النار إلى غير نهاية إذ لا معنى للرحمة إلا العطف فتارة يكون بنعمة وتارة بدفع نقمة وكلاهما ينوع إلى غير نهاية ومع ذلك يفرض التساوي بين مقل ومكثر ومخلص وغيره وحاضر القلب وساه وخاشع وغيره فالأرجح أن ينال كل بقدر عمله ما يناسبه من الأنواع قال ويحتمل أن يحصل لكل طائف ستون ويكون العدد بحسب عمله في ترتيب أعلى الرحمات وأوسطها وأدناها ويحتمل أن جميع الستين بين كل الطائفتين والأربعين بين المصلين والعشرين بين الناظرين وتكون القسمة على حسب أحوالهم في العدد والوصف حتى يشترك الجم الغفير في الرحمة الواحدة وينفرد الواحد برحمات وفي الحديث فضل الطواف على الصلاة والصلاة على النظر إذا تساووا في الوصف فيخص به عموم خبر واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة والصلاة خير موضوع وخرج بقوله إذا تساووا في الوصف ما لو اختلف وصف المتعبدين فكان الطائف ساهيا غافلا والمصلي أو الناظر خاشعا فالخاشع أفضل وقال كثير في توجيه الحديث إن المئة وعشرين قسمت ستة أجزاء فجعل جزء للناظرين وجزآن للمصلين لأن المصلي ناظر غالبا والطائف لما اشتمل على النظر وصلاة ركعتيه كان له ثلاثة أجزاء وفيه نظر لأن الطائف الأعمى وكذا المصلي لهما ما ثبت لهما وإن لم ينظرا وكذا لو تعمد ترك النظر فيهما لا ينقص حظه وأما النظر في الطواف فإن لم يقترن بقصد تعبد فلا أثر له وإن قصده نال به أجر الناظرين زائدا على أجر الطواف (طب) وكذا الخطيب في التاريخ والبيهقي في الشعب (والحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عبد الرحمن بن السفر من حديثه ونقل عن ابن منده أنه متروك وتبعه الذهبي وقال ابن الجوزي حديث لا يصح ففيه من طريق يوسف بن السفر تفرد به وهو كما قال الدارقطني والنسائي متروك وقال الدارقطني يكذب وابن حبان لا يحل الاحتجاج به وقال يحيى ليس بشيء انتهى ومنه أخذ الهيثمي قوله بعد ما عزاه للطبراني فيه يوسف بن السفر وهو متروك الحديث: 1943 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 1944 - (إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة) وشاهده ما في الكتب القديمة أخرج البيهقي أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة (وينزل الصبر) أي حبس النفس على المكاره (على قدر البلاء) لأن صفة العبد الجزع والصبر لا يكون إلا بالله فمن عظمت مصيبته أفيض عليه الصبر بقدرها وإلا لهلك هلعا (عد وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا البيهقي في الشعب وكأن المؤلف أغفله ذهولا كلهم (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن وافد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الخطيب عن وهب بن وهب قال أحمد وغيره [ص: 319] كذاب لكن يأتي ما يقويه بعض قوة الحديث: 1944 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 1945 - (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) لأن الحلف بشيء يقتضي تعظيمه والعظمة حقيقة إنما هي لله وحده ولا يعارضه خبر أفلح وأبيه إن صدق لأن تلك كلمة جرت على لسانهم للتأكيد لا للقسم فيكره الحلف بغير الله تنزيها عند الشافعية وعلى الأشهر عند المالكية وتحريما عند الظاهرية وعلى الأشهر عند الحنابلة قال في المطامح: وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة وإلا فحقيقة النهي عامة في كل معظم غير الله وظاهر إضافة النهي إلى الله تعالى أنه تلقاه عنه لا دخل للاجتهاد فيه (حم ق) في الأيمان والنذور (4 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فذكره الحديث: 1945 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 1946 - (إن الله يوصيكم بأمهاتكم) أي من النسب قاله (ثلاثا) أي كرر الله الوصية بهم ثلاث مرات لمزيد التأكيد (1) ثم قال في الرابعة (إن الله يوصيكم بآبائكم) من النسب وإن علو قاله (مرتين) إشارة إلى تأكده لما لهم من التربية والنصرة وأن ذلك التأكد دون تأكد حق الأمهات لتعبهن وخدمتهن ومقاساة المشاق في الحمل والوضع والرضاع والتربية ثم قال (إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب) من النسب قال ذلك مرة واحدة إشارة إلى أن حقهن وإن كان متأكدا فهو دون تأكد حق الأبوين وكرر الفعل مع المؤكد حثا على الاهتمام بالوصية ولم ينص في الأخيرة على عدد لفهمه مما قبله قال الشافعية فيقدم في البر الأم فالأب فالأولاد فالأجداد فالجدات فالإخوة والأخوات ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم وتقدم منهم المحارم على غير المحارم ثم سائر العصبات ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجوار وهذا الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة كما مر وإنما قدم الولد الصغير في النفقة لأن مبنى التقديم فيها على الأحوجية مع الأقربية بدليل عدم دخول حجب النقصان فيه مع وجود الأبوين (خد هـ طب ك عن المقدام) بن معد يكرب وفيه إسماعيل بن عياش قال الحاكم إنما نقم عليه سوء الحظ فقط وقال الهيثمي هو ضعيف قال ابن حجر وأخرجه البيهقي بإسناد حسن   (1) وسبب تقدم الأم في البر كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها وحصول المشاق من حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك الحديث: 1946 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 1947 - (إن الله يوصيكم بالنساء خيرا (1)) كرره ثلاثا ووجهه بقوله (فإنهن أمهاتكم) أي منهن أمهاتكم وكذا ما بعده (وبناتكم وخالاتكم) اقتصر عليه إشارة إلى أن جهة الأم آكد وإن شاركتهن العمات في أصل الوصية (إن الرجل من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل يعني من اليهود والنصارى (يتزوج امرأة وما تعلق (2) يداها الخيط) كناية عن شدة فقرها بحيث لا تملك حتى ما لا قيمة له كالخيط والقصد به المبالغة (فما يرغب واحد منهما عن صاحبه) (3) حتى [ص: 320] يموت كما في رواية إن أهل الكتاب يتدينون بذلك يتزوج الواحد منهم المرأة من صغرها وقلة رفقها فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فأراد حث أصحابه على الوصية بالنساء والصبر عليهن كذا في النهاية (طب) من حديث يحيى بن جابر (عن المقدام) بن معد يكرب قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال الهيثمي رجاله ثقات إلا أن يحيى لم يسمع من المقدام ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى فاقتصار المصنف على الطبراني غير حميد   (1) أي بأن تحسنوا إليهن بإحسان معاشرتهن وتوفوهن ما يجب لهن (2) تعلق بفتح المثناة الفوقية وضم اللام أي لا يكون في يدها شيء من الدنيا حتى يموتا كما في رواية يعني أهل الكتاب يتزوج أحدهم المرأة الفقيرة جدا فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فافعلوا ذلك ندبا إلا لعذر كأن كانت سيئة الخلق فلا تكره المفارقة (3) [فعلينا التخلق بمكارم الأخلاق حيثما وجدت وما وجد عند أهل الكتاب منها فنحن أولى به. ولا يخفى أن أهل الكتاب اليوم قد تزايد فيهم الطلاق والزنى مع أن الإخلاص الموصوف في هذا الحديث لا يزال يوجد في بعضهم. دار الحديث] الحديث: 1947 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 1948 - (إن الإبل) بنوعيها عرابا وبخاتى (خلقت من الشياطين وإن وراء كل بعير شيطانا) قال ابن جرير: معناه أنها خلقت من طباع الشياطين وأن البعير إذا نفر كان نفاره من شيطان يعدو خلفه فينفره ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت؟ انتهى (1) وقال الزمخشري عن الجاحظ: زعم بعضهم أن الإبل فيها عرق من سفاد الجن بهذا الحديث وغلطوا وإنما ذلك لأن للشيطان فيها متسعا حيث سبقت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرهم أغرتهم أيضا على إغفال ما لهم من حق جميل الصبر على الرزية بها وسولت لهم في الجانب الذي يستعملون فيه نعمتي الركوب والحلب أنه الآثام وهو بالحقيقة الأيمن انتهى (ص عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي ثقة عابد ناسك مخلص يسبح الله كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ (مرسلا) أرسل عن ابن عمر وعمرو وثوبان وغيرهم   (1) إذا أدركتم ركوبا فسموا الله فإن التسمية تطرد ذلك الشيطان. اه الحديث: 1948 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 1949 - (إن الأرض لتعج إلى تعالى) بعين مهملة مكسورة وجيم أي لترفع صوتها بالشكاية إليه بلسان الحال أو القال والقدرة صالحة (من الذين يلبسون الصرف رياء) أي القوم الذي يلبسونه إيهاما للناس أنهم من الصوفية الصلحاء الزهاد ليعتقدوا ويفتقدوا ويحترموا ويعظموا ولذلك كره مالك كما قال ابن بطال لبس الصوف لمن وجد غيره لما فيه من الشهوة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه لكن يأتي في أخبار الترغيب في لبسه أي إذا خلا عن الرياء واقترن به قصد صالح وبه يرتفع التعارض ويحصل الجمع والحديث المشروح فيما اقترن برياء أو جعله مصيدة للحطام أو طريقا للتوقير والإعظام أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة. دخل فرقد السنجي على الحسن وعليه كساء صوف وعلى الحسن حلة فجعل يلمسها فقال له الحسن: مالك؟ ثيابي ثياب أهل الجنة وثيابك ثياب أهل النار بلغني أن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ثم قال الحسن: جعلوا الزهد في ثيابهم والكبر في صدورهم والذي يحلف به لأحدهم أعظم كبرا من صاحب الطرف بمطروفه. ولذلك أشار ذو النون بقوله: تصوف فازدهى بالصوف جهلا. . . وبعض الناس يلبسه مجانه يربك مهانة ويريد كبرا. . . وليس الكبر من شأن المهانة تصوف كي يقال له أمين. . . وما معنى تصوفه الأما ولم يرد الإله به ولكن. . . أراد به الطريق إلى الخيانة قال في عين العلم الملخص من الإحياء: والرياء طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة وفي لباب الأحياء والقول الحق فيه أنه طلب الجاه ويكون الرياء بالقول والعمل والهيئة والملبس كإظهار النحول وإبقاء أثر السجود ولبس الصوف [ص: 321] والوعظ وتطويل الصلاة وتكثير التلامذة وقد أجمع على تحريمه (فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي مصرحا فعزو المصنف الحديث للفرع واضرابه عن الأصل صفحا تقصير أو قصور وفي الميزان ما محصوله أنه خبر باطل. اه. ولعله لأن فيه سهل بن عمار قال في الضعفاء رماه الحاكم بالكذب وعباد بن منصور وقد ضعفوه الحديث: 1949 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 1950 - (إن الأرض لتنادي كل يوم) من على ظهرها من الآدميين (سبعين مرة) بلسان الحال ولا مانع من كونه بلسان القال إذ الذي خلق النطق في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في كل جزء من الجماد وقياس نظائره أنه أراد بالسبعين التكثير لا التحديد جريا على عادتهم في أمثاله (يا بني آدم كلوا ما شئتم) أن تأكلوا من الأطعمة اللذيذة (واشتهيتم) أي توسعوا في الاسترسال مع الشهوات والإكباب على اللذات فالعطف من قبيل علفتها تبنا وماءا باردا وهذا أمر وارد على منهج التهكم نحو {اعملوا ما شئتم} (فو الله) إذا صرتم في بطني (لآكلن لحومكم وجلودكم) أي لآذيبن لحومكم وجلودكم وجميع أجزائكم واقتصر عليهما لأنهما المعظم فهذا متسخط متوعد والأرض لا تنسخط على الأنبياء والأولياء بل تفخر بكونهم على ظهرها فإذا صاروا ببطنها ضمتهم ضمة الولدة الوالهة الواجدة على ولدها فالنداء لمن أكل منها بشهوة ونهمة لأنها سخرت لنا لنشكر لا لنكفر فالشكور محبوب والكفور ممقوت فإذا غفل عن ذلك فقد أكل منها بغير حق فسلطت عليه لتأكله كما أكل منها بغير حق فمن أكل بالله ولله وفي الله فالأرض أذل وأقل من أن تجترئ عليه (الحكيم) الترمذي (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث: 1950 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 1951 - (إن الإسلام بدأ) ضبطه النووي بالهمز من الابتداء في تاريخ قزوين للرافعي إن قرئ بغير همز فظاهر يقال بدا الشيء يبدو أي ظهر (غريبا) أي في قلة من الناس ثم انتشر (وسيعود) أي وسيلحقه النقص والخلل حتى لا يبقى إلا في قلة (كما بدأ غريبا) هكذا ثبتت هذه اللفظة في رواية ثم المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من أشياع الرسول ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد ونفورهم عن عقر الديار يصبح أحدهم معتزلا مهجورا ويبيت منبوذا كالغرباء ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد ويحتمل أن المماثلة بين الحالة الأولى والأخيرة قلة ما كانوا يتدينون به في الأول وقلة من يعملون به في الآخر ثم إنه أكد ذلك بقوله كما بدأ ولم يكتف بقوله وسيعود غريبا لما في الموصول من ملاحظة التهويل وأراد بالإسلام أهله لدلالة ذكر الغرباء بعده ذكره جمع وقال الطيبي: إما أن يستعار الإسلام للمسلمين فالغربة هي القرينة فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة فالكلام فيه تشبيه والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلته فعليه غريبا إما حال أي بدأ الإسلام مشابها للغريب أو مفعولا مطلقا أي ظهر ظهور الغريب حين بدأ فريدا وحيدا ثم أتم الله نوره فأنبت في الآفاق فبلغ مشارق الأرض ومغاربها ثم يعود في آخر الأمر فريدا وحيدا شريدا إلى طيبة (فطوبى) فعلى من الطيب أي فرحة وقرة عين أو سرور وغبطة أو الجنة أو شجرة في الجنة (للغرباء) أي المسلمين المتمسكين بحبله المتشبثين بذيله الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين [ص: 322] الإسلام ذكره ابن الأثير وزاد الترمذي بعد الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي وفي خبر آخر قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل أي الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم قيل وهم أصحاب الحديث يعني كون الإسلام غريب ليس منقصة عليهم بل سبب لتقريبهم في الآخرة اه وهو تخصيص بغير مخصص قال الكلاباذي: وإذا صار الأمر إلى هذا كان المؤمن في زمن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق لأهله ووطنه (م هـ عن أبي هريرة) لكن لفظة رواية مسلم في كتاب الإيمان من حديث أبي هريرة بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء وفي رواية له من حديث ابن عمر إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في حجرها انتهى بنصه وبتأمله يعرف أن المؤلف تساهل في عزوه لمسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة (ت هـ عن ابن مسعود) عبد الله (هـ عن أنس) بن مالك (طب) عن سلمان الفارسي (وسهل بن سعد) الساعدي (وابن عباس) ترجمان القرآن ولم يخرجه البخاري وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري قال حديث حسن الحديث: 1951 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 1952 - (إن الإسلام بدأ جذعا) بجيم وذال معجمة أي شابا فتيا والفتي من الإبل ما دخل في الخامسة ومن بقر ومعز في الثانية وضأن ما تم له عام (ثم ثنيا) هو من الإبل ما دخل السادسة ومن البقر الثالثة (رباعيا) بالتخفيف وهو من الإبل ما دخل في السابعة (ثم سديسا) من الإبل ما دخل في الثامنة (ثم بازلا) من الإبل ما دخل في التاسعة وحينئذ تكمن قوته قال عمر وما بعد البزال إلا النقصان أي فالإسلام استكمل قوته وبعد ذلك يأخذ في النقص واعلم أن الأرض كانت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مظلمة مطبقة وأنوار الإيمان غائبة عن الأرض موجودة عند الملائكة وأهل الإيمان بالغيب فلما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم طلعت بظهوره شمس الإيمان بمكة فاستنار به من قبل من نوره بالإيمان به فلم يزل الدين يظهر شيئا فشيئا لكن بحكم الضعف لأنه طلع في سحاب متراكم بعضه على بعض فلم يزل كذلك مرة يظهر ومرة يخفى حتى هاجر من هاجر من أصحابه وبقي المستضعفون بمكة حتى ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وافتتح الأقطار شيئا بعد شيء حتى فتح مكة واتصل النور وانفتح حتى توفي وبقي الفتح ظاهرا حتى غمر الأرض بوجود نوره عند خلفائه والقائمين به من بعده فلما ضعف الإيمان الذي هو النور بقبضه عن الخلق لمخالفتهم ظهر سلطان الليل حتى يأتي وعيد الله (حم) من حديث علقمة بن عبد الله المزني (عن رجل) أي قال حدثني رجل قال كنت في مجلس فيه عمر بالمدينة فقال لرجل من القوم كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام قال سمعته يقول فذكره قال الهيثمي وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات الحديث: 1952 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 1953 - (إن الإسلام نظيف) نقي من الدنس (فتنظفوا) أي نقوا ظواهركم من دنس نحو مطعم وملبس حرام وملابسة قذر وبواطنكم بإخلاص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الأهواء وقلوبكم من نحو غل وحقد وحسد (فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) أي طاهر الظاهر والباطن ومن لم يكن كذلك طهرته النار ثم لا بد من حشر عصاة الموحدين مع الأبرار في دار القرار فالمنفي الدخول الأولى (خط عن عائشة) وفيه ضعف الحديث: 1953 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 1954 - (إن الأعمال) أي الأعمال القولية والفعلية (ترفع) إلى الله تعالى (يوم الاثنين و) يوم (الخميس) أي ترفع في كل اثنين وخميس (فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) أخذ منه القسطلاني تبعا لشيخه البرهان ابن أبي شريف مشروعية عنه الاجتماع للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة والاثنين كما يفعل في الجامع الأزهر ورفع الصوت بذلك لأن الليلة ملحقة باليوم ولأن اللام في الأعمال للجنس فيشمل الذكر والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء [ص: 323] لا سيما في ليلة الاثنين فإنها ليلة مولده صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن مرزوق: إنها أفضل من ليلة القدر انتهى وأقول لا يخفى ما في الأخذ المذكور من البعد والتعسف (الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب (عن أبي هريرة هب عن أسامة بن زيد) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي بلفظ تعرض الأعمال في يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم الحديث: 1954 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 1955 - (إن الإمام) الأعظم (العادل) بين رعيته وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم والعدل القصد في الأمور (إذا) مات و (وضع في قبره) على شقه الأيمن (ترك على يمينه) أي لم تحوله عنه الملائكة ما دام فيه (فإذا كان جائرا نقل من يمينه على يساره) أي وأضجع على يساره فإن اليمين يمن وبركة وهو مختار الله ومحبوبه فهو للأبرار والشمال يتشاءم به فهو للفجار والظاهر أن المراد بالإمام العادل ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر بن عبد العزيز) الأموي الإمام العادل (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث: 1955 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 1956 - (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم وعن ابن مسعود أنه قيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن ظهر لنا شيء نأخذ به قال النووي حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين <تنبيه> عدوا من ثمرات سوء الظن المنهي عنه التجسس فإن القلب المريض لا يقع بالظن فيتطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس فيقع في سوء الظن بالذم (د) في الأدب (ك) في الحدود كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش (عن جبير بن نفير) بنون وفاء مصغرا ابن مالك الحضرمي الحمصي ثقة جليل أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باليمن وروى عن أبي بكر وعمر ولأبيه صحبة قال في التقريب لأنه ما وفد إلا في عهد عمر وقال أبو زرعة: جبير هذا عن أبي بكر مرسل (وكثير بن مرة) الحضرمي الجهيني الحمصي قال الذهبي أورده عبدان في الصحابة وهو تابعي مشهور قد أرسل انتهى وسبقه ابن الأثير في الأسد فقال عن أبي موسى كثير هذا حديثه مرسل ولم يذكره في الصحابة غير عبدان وفي التقريب كثير ثقة من الثالثة (والمقدام وأبي أمامة) ورواه أيضا أحمد والطبراني عنهما ورجاله ثقات ذكره الهيثمي الحديث: 1956 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 1957 - (إن الإيمان ليخلق) أي يكاد أن يبلى (في جوف أحدكم) أيها المؤمنون (كما يخلق الثوب) وصفه على طريق [ص: 324] الاستعارة شبه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ثم يدنسها بسوء أفعاله فإذا عاد واعتذر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس (فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) حتى لا يكون لقلوبكم وجهة لغيره ولا رغبة لسواه ولهذا قال معاذ لبعض صحبه اجلس بنا نؤمن أي نذكره ذكرا يملأ قلوبنا وكان الصديق يقول كان كذا لا إله إلا الله فقلت كذا لا إله إلا الله فلا يتكلم بكلمة إلا ختمها به (طب) عن ابن عمر بن الخطاب قال الهيثمي وإسناده حسن (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم ورواته ثقات وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه حديث حسن من طريقيه الحديث: 1957 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 1958 - (إن الإيمان ليأرز) بلام التوكيد ثم همزة ساكنة ثم راء مهملة ثم زاي معجمة أي لينضم ويلتجي (إلى المدينة) النبوية يعني يجتمع أهل الإيمان فيها وينضمون إليها وفيه أن الإيمان يزيد وينقص (كما تأرز الحية إلى جحرها) بضم الجيم أي كما تنضم وتلجأ إليه إذا انتشرت في طلب ما تعيش به فراعها شيء فرجعت إلى جحرها فكذلك أهل الإيمان يقال أزرت الحية إذا رجعت إلى ذنبها القهقرى شبه انضمامهم إليها بانضمام الحية إذا رجعت لأن حركتها أشق لمشيها على بطنها والهجرة إليها كانت مشقة كما يشير إليه لفظ يأرز الذي حروفه شديدة دون تنضم قال القاضي: معناه أن الإيمان أولا وآخرا بهذه الصفة لأن في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه جاء المدينة مهاجرا متوطنا أو متشوقا إلى رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومستقربا ثم بعد هذا في زمن الخلفاء كذلك ثم من بعدهم من العلماء لأخذ السنن عنهم ثم في كل وقت إلى زمننا لزيارة قبره الشريف والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه فلا يأتيها إلا مؤمن ثابت الإيمان وفي التشبيه رمز إلى أنهم ينضمون إليها بلا عوج كدخول الحية جحرها فإنه بلا عوج قيل وأراد بالمدينة جميع الشام لأنها منه وخصها لشرفها ثم قيل إن ذا يعم كل زمن وقيل يختص بحياته ثم القرون الثلاثة بعده وفيه صحة مذهب أهلها وسلامتهم من البدع إلى آخر زمن الخلفاء الراشدين (حم ق هـ عن أبي هريرة) ورواه مسلم من طريق أخرى بلفظ ليأرز بين المسجدين ورواه البغوي في المعجم بلفظ ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين وفي الباب سعد بن أبي وقاص وغيره الحديث: 1958 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 1959 - (إن البركة تنزل في وسط الطعام) بسكون السين قال الحافظ العراقي يحتمل إرادة الإمداد من الله تعالى (فكلوا) ندبا (من حافاته) أي جوانبه وأطرافه كل يأكل مما يليه (ولا تأكلوا من وسطه (1)) ندبا لكونه محل تنزلات البركة قال ابن العربي: البركة في الطعام تكون بمعان كثيرة منها استمراء الطعام ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه فتتقذر النفس منه ومنها أنه إذا أخذ الطعام من الجوانب يتيسر عليه شيئا فشيئا وإذا أخذ من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب ومنها ما يخلق الله من الأجزاء الزائدة فيه (ت ك) في الأطعمة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي   (1) أي في ابتداء الأكل أي يكره ذلك تنزيها والخطاب للجماعة أما المنفرد فيأكل من الحافة التي تليه وعليه تنزل رواية حافته بالإفراد الحديث: 1959 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 1960 - (إن البيت) يعني الموضع (الذي فيه الصور) أي ذوات الأرواح وإن لم يكن لها ظل عند الجمهور لا صورة [ص: 325] ما لا روح فيه كشجر (لا تدخله الملائكة) ملائكة الرحمة والبركة لا الحفظة فإنهم لا يفارقون وذلك زجر لصاحب البيت ولأن في اتخاذها تشبها بالكفار فإنهم يتخذونها في بيوتهم ويعظمونها فتصوير ما له روح حرام كما مر ويجيء وشمل الحديث الصور الممتهنة كالتي على البسط وبه صرح الخطابي لكن نازع فيه بعضهم وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لم تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فهو أولى (مالك) في الموطأ (ق عن عائشة) قالت اشتريت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرف أو عرفت في وجهه الكراهة فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت قال فما بال هذه النمرقة؟ قلت اشتريتها لك تقعد عليها وتتوسدها فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون فيقال لهم أحييوا ما خلقتم ثم قال إن البيت إلخ الحديث: 1960 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 1961 - (إن البيت الذي يذكر الله فيه) بأي نوع من أنواع الذكر (ليضيء لأهل السماء) أي الملائكة (كما تضيء النجوم لأهل الأرض) أي كإضاءتها لمن في الأرض من الآدميين وغيرهم من سكانها ثم يحتمل أن المراد يضيء حالة الذكر فيه ويحتمل دوام الإضاءة وعبر بالمضارع ليفيد التجدد والحدوث وهذه الإضاءة إما حقيقة أو من مجاز التشبيه كما حكي عن القرطبي والإضاءة فرط الإنارة والإشراق فهي أعلى من النور بدليل {جعل الشمس ضياء والقمر نورا} (أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن سابط) بن أبي حميصة بن عمرو بن وهب بن حذفة بن نجيح القرشي والد عبد الرحمن الحديث: 1961 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 1962 - (إن الحجامة في الرأس) أي في وسطه (دواء من كل داء) وأبدل منه قوله (الجنون والجذام) بضم الجيم الداء المعروف (والعشا) بفتح العين والقصر أي ضعف البصر أو عدم الإبصار ليلا والظاهر أن المراد هنا الأول قال في الصحاح وغيره العشا مقصور الأعشى وهو من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والعشوى الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء وركب فلان العشوى إذا خبط أمره على غير بصيرة وعشا إلى النار إذا استدل عليها ببصر ضعيف وعشا عنه أعرض ومنه قوله تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن} وفسر بعضهم الآية بضعف البصر يقال عشا يعشو إذا ضعف بصره (والبرص) الأبيض والأسود على ما اقتضاه الإطلاق وهو بثر يعرض في البشرة يخالف لونها وسببه سوء مزاج الإنسان وخلل في طبيعته كما ذكر الأطباء أن من افتصد فأكل مالحا فأصابه بهق أو جرب فلا يلومن إلا نفسه (والصداع) وجع الرأس كما في الصحاح وغيره يروى أن هذا ونحوه مخصوص بأهل الحجاز وما يجري مجراهم من الأقطار الحارة (طب عن أم سلمة) أم المؤمنين الحديث: 1962 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 1963 - (إن الحياء والإيمان في قرن) لا ينفك أحدهما عن الآخر أي مجموعان متلازمان (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) أي إذا نزع من العبد الحياء تبعه الإيمان وعكسه وأصل السلب بالسكون الأخذ قال في البارع والسلب بالفتح كل ما على الإنسان من لباس قال الزمخشري: ومن المجاز سلبه فؤاده وعقله واسلبه وهو مسلوب العقل وشجرة سليب أخذ ورقها وثمرها وناقة سلوب أخذ ولدها (هب عن ابن عباس) وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن حبان كان يضع على الثقات قال الذهبي قلت انكشف عندي حاله والمعلى بن الفضل أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير الحديث: 1963 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 [ص: 326] 1964 - (إن الحياء والإيمان قرنا جميعا) ببناء قرنا للمفعول أي جمعهما الله تعالى ولازم بينهما فحيثما وجد أحدهما وجد الآخر قال في الصحاح وغيره قرن الشيء بالشيء وصله به وقرن بينهما جمعهما والاسم القران بالكسر قال الزمخشري: ومن المجاز هي قرينة فلان لامرأته وهن قرائنه أي زوجاته (فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) ومن أمثالهم وجه بلا حياء عود قشر ليطة أو سراج في سليطة ومحصول الخبر أن عدم الحياء يدل على عدم الإيمان وقلته تدل على ضعفه وكثرته على قوته (ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه جرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال تغير قبل موته الحديث: 1964 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 1965 - (إن الخصلة) بفتح الخاء المعجمة (الصالحة) من خصال الخير (تكون في الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان في هذا وفيما بعده (فيصلح الله له بها عمله كله (1) وطهور الرجل) بضم الطاء أي وضوؤه وغسله من الجنابة ومن الخبث (لصلاته) أي لأجلها (يكفر الله به ذنوبه) أي صغائره (وتبقى صلاته له نافلة) أي زيادة في الأجر وإذا كان هذا في خصلة واحدة فكيف إذا اجتمع فيه خصال كثيرة ومقصود الحديث أن الطهارة من حدث أو خبث للقيام إلى الصلاة فرضها ونفلها يكفر الله به الخطايا والمراد بها الصغائر لا الكبائر كما سيجيء تحقيقه وظاهر الحديث أن الوضوء المجدد ليس من المكفرات والنفل التطوع ومنه نافلة الصلاة كما في الصحاح وغيره وقال الزمخشري: تنفل المصلي تطوع وهو يصلي النافلة والنوافل وتنفل على أصحابه أخذ من النفل أكثر مما أخذوا (ع طس هب عن أنس) قال الهيثمي فيه بشار بن الحكم ضعفه أبو زرعة وابن حبان وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به   (1) كما يصلح النحاس ونحوه بالاكسير يوضع عليه ولينظر كيف الإصلاح هل هو ترك المؤاخذة على السيئات بسبب الخصلة الحميدة أم قلبها حسنات والإثابة عليها؟ كل محتمل وظاهر قوله تعالى {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} يرجح الثاني وإذا كان هذا فيمن حوى خصلة واحدة من الخصال الحميدة فما بالك بمن حوى على خصال كثيرة من ذلك اه الحديث: 1965 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 1966 - (إن الدال على الخير كفاعله) يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف كما يأتي قال الراغب: والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء وقال الزمخشري: دللته على الطريق أهديته إليه قال ومن المجاز الدال على الخير كفاعله ودله على الصراط المستقيم اه. ويدخل في ذلك دخولا أوليا أولويا من يعلم الناس العلم الشرعي بتدريس أو افتاء (ت) واستغربه (عن أنس) قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد ما يحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فذكره وهذا رواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وفيه ضعف ومع ضعفه لم يسم الرجل (1)   (1) قيل أوحى الله جل جلاله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود إن كنت تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد ذكره الفشني الحديث: 1966 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 1967 - (إن الدنيا ملعونة (1)) أي مطرودة مبعودة عن الله تعالى فإنه ما نظر إليها منذ خلقها (ملعون ما فيها) مما شغل عن [ص: 327] الله تعالى وأبعد عنه لا ما قرب إليه فإنه محمود محبوب كما أشار إليه قوله (إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله من الدنيا وهو العمل الصالح والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا (وعالما أو متعلما) بنصبهما عطفا على ذكر الله تعالى ووقع للترمذي عالم أو متعلم بلا ألف لا لكونهما مرفوعين لأن الاستثناء من موجب بل لأن عادة كثير من المحدثين اسقاط الألف من الخط قال الحكيم نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شيء أريد به وجه الله فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة (ت هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب قال المناوي وسندهما جيد   (1) قال العلقمي قال الدميري قال أبو العباس القرطبي لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا لما روينا من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر وإذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعدا عن الله وشاغلا عنه كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه على ذمه بقوله تعالى {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادة الله جل جلاله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إلا ذكر الله وما والاه اه الحديث: 1967 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 1968 - (إن الدين) بكسر الدال وهو دين الإسلام (النصيحة) (1) أي هو عماده وقوامه: كالحج عرفة فالحصر مجازي بل حقيقي فالنصيحة لم تبق من الدين شيئا كما سيجيء قال بعض وهي تحري الإخلاص قولا وفعلا وبذل الجهد في إصلاح المنصوح له وهذه الكلمة مع وجازتها في كلامهم أجمع منها ثم لما حكم بأن النصيحة [ص: 328] هي الدين قال مفسرا مبينا (لله) بالإيمان به ونفي الشريك ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال وتنزيهه عن جميع ما لا كمال فيه وتجنب معصيته والحب والبغض فيه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والشفقة على خلقه والدعاء إلى ذلك فمن النصيحة لله أن لا تدخل في صفاته ما ليس منها ولا تنسب إليه ما ليس له برأيك فتعتقده على خلاف ما هو عليه فإنه غش والأشياء كلها بخلاف الباري تعالى لأنها محدثة وهو قديم وجاهلة وهو عليم وعاجزة وهو قدير وعبيده وهو رب وفقيرة وهو غني ومحتاجة إلى مكان وهو غير محتاج إليه فمن شبهه بشيء من خلقه فقد أدخل الغش في صفاته ولم ينصح له ومن أضاف شيئا إلى المخلوقات مما هو عليه فقد غشها (ولكتابه) مفرد مضاف فيعم سائر كتبه وذلك يبذل جهده في الذب عنه من تأويل الجاهلين وانتحال المطالبين بالوقوف عند أحكامه. (ولرسوله) بالإيمان بما جاء به ونصرته حيا وميتا وإعظام حقه وبث دعوته ونشر سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتأدب بآدابه وتجنب من تعرض لأحد من آله وأصحابه (ولأئمة المسلمين) الخلفاء ونوابهم بمعاونتهم على الحق وإطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم برفق وإعلامهم بما غفلوا عنه من حق المسلمين وترك الخروج عليهم والدعاء بصلاحهم (وعامتهم) بإرشادهم لما يصلح أخراهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه وستر عورتهم وسد خلتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك فبدأ أولا بالله لأن الدين له حقيقة وثنى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه الموقف على أحكامه المفصل لجمل شريعته وربع بأولي الأمر الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم <تنبيه> قال ابن عربي: إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه فالنصح عدم النصح بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي قال وهذه نصيحة لا يشعر بها كل أحد وهي تسمى علم السياسة فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها قال فمن قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة (2) (حم م) في الإيمان (د) في الأدب (ن) في البيعة كلهم (عن تميم) بن أوس (الداري) نسبة إلى الدار ابن هانئ بطن من لحم كان نصرانيا فوفد على النبي صلى الله عليه وسلم وكان صاحب ليل وقرآن قال أنس اشترى حلة بألف يخرج فيها إلى الصلاة وهو أول من قص بإذن عمر (ت ن عن أبي هريرة حم عن ابن عباس) قالوا هذا الحديث وإن أوجز لفظا أطنب معنى لأن سائر الأحكام داخلة تحت كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلا وفرعا وعملا واعتقادا فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسرها {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ولم يوفه حقه من جعله ربع الإسلام بل هو الكل   (1) ما ذكر من الأوصاف في النصيحة لله فإنها راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله غني عن نصح الناصح ولكتابه: أي بالإيمان به بأنه كلامه تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد وبتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه عند تأويل المحرفين وطعن الطاعنين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته ولرسوله صلى الله عليه وسلم أي بالإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإحياء طريقته وسنته ونفي التهمة عنها والتفهم في معانيها والدعاء إليها وإجلالها والتأدب عند قراءتها والإمساك عند الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لانتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ومحبة أهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه رضوان الله عليهم ولأئمة المسلمين أي بتأليف قلوب الناس لطاعتهم وأداء الصدقات لهم كما ذكر المناوي وهذا على أن المراد بالأئمة الولاة وقيل هم العلماء فنصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم وعامتهم كما في الشرح إلى أن قال وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة قال ابن بطال في هذا الحديث أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على الفعل قال النووي والنصيحة فرض كفاية وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة الله اه (2) وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يعلمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا وقد ذكر الخطابي ذلك فقال اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي رضي الله تعالى عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه وقال الفضيل: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم مرا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا والله الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ الحديث: 1968 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 [ص: 329] 1969 - (إن الدين) بكسر الدال (يسر) أي دين الإسلام ذو يسر نقيض العسر أو هو يسر مبالغة لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه بالنسبة للأديان قبله لرفع الإصر عن الأمة (ولن يشاد) أي يقاوم (الدين أحد إلا غلبه) (1) أي لا يتعمق أحد في العبادة ويترك الرفق كالرهبان في الصوامع إلا عجز فغلب عليه العبد من العجز والمعبود من عظم الأمر وليس المراد ترك طلب الأكمل في العبادة فإنه محمود بل منع الإفراط المؤدي للملال وأعلم أن لفظة أحد ثابتة في خط المؤلف وهي ساقطة في جمهور نسخ البخاري قال ابن حجر في روايتنا بإسقاط الفاعل وثبت في رواية ابن السكن وفي رواية الأصيلي وعليه فالدين منصوب وأما على رواية الجمهور فروي بنصبه على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وروي برفعه وبناء يشاد لما لم يسم فاعله ذكره في المطالع ورده النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بأنه بالنسبة لرواية المغاربة والمشارقة (فسددوا) الزموا السداد وهو الصواب بلا إفراط وبلا تفريط (وقاربوا) بموحدة تحتية لا بنون أي لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها (وأبشروا) بهمزة قطع قال الكرماني: وجاء في لغة أبشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب على العمل الدائم وإن قل وأبهم المبشر به تعظيما وتفخيما (واستعينوا بالغدوة والروحة) بفتح أولهما أي واستعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في وقت النشاط كأول النهار وبعد الزوال وأصل الغدوة السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال (وشيء من الدلجة) بضم وسكون قال الزركشي والكرماني كذا الرواية ويجوز فتحهما لغة أي واستعينوا عليها بإيقاعها آخر الليل أو والليل كله بدليل تعبيره بالتبعيض وهذه أطيب أوقات المسافر لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا فنبهه على أوقات نشاطه وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا بالحقيقة دار نقلة للآخرة وهذه الأوقات أروح ما يكون فيها البدن للعبد بعض الشراح وقال البيضاوي الروحة والغدوة والدلجة استعير بها عن الصلاة في هذه الأوقات لأنها سلوك وانتقال من العادة إلى العبادة ومن الطبيعة إلى الشريعة ومن الغيبة إلى الحضور وقال الكرماني كأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب مسافرا انقطع طريقه إلى مقصده فنبهه إلى أوقات نشاطه التي ترك فيها عمله لأن هذه أوقات المسافر على الحقيقة فالدنيا دار نقلة وطريق إلى الآخرة فنبه الأمة على اغتنام أوقات فرضهم (خ ن) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال جمع هذا الحديث من جوامع الكلم   (1) قال ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل منتطع في الدين ينقطع اه قال في الفتح وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح أي عن وقت الفضيلة إلى أن خرج الوقت وفي حديث محمد بن الأذرع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم أيسره وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعمال الماء إلى حصول الضرر وليس في الدين على هذه الرواية إلا التعصب وفي رواية ولن يشاد الدين إلا غلبه بإضمار الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب قال ابن حجر ويجمع بين كلاميهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة الحديث: 1969 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 [ص: 330] 1970 - (إن الذكر في سبيل الله يضعف) بالتضعيف وتركه (فوق النفقة سبع مئة ضعف) أي أجر ذكر الله في الجهاد يعدل ثواب النفقة فيه ويزيد سبع مئة ضعف وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله فإنه أحد السلاحين بل أحد السنانين (حم طب عن معاذ بن أنس) الجهني والد سهل الحديث: 1970 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 1971 - (إن الرجل) (1) بضم الجيم وفيه لغة بسكونها وذكر الرجل وصف طردي والمراد المكلف رجلا أم امرأة إنسيا أم جنيا وكذا يقال فيما بعده (ليعمل عمل) أهل (الجنة) من الطاعات (فيما يبدو للناس) أي فيما يظهر لهم (2) قال الزركشي وهذه زيادة حسنة ترفع الإشكال من الحديث (وهو من أهل النار) بسبب دسيسة باطنة لا يطلع الناس عليها (3) (وإن الرجل ليعمل عمل) أهل (النار) من المعاصي (فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل الجنة) لخصلة خير خفية تغلب عليه آخر أثر عمره فتوجب حسن الخاتمة أما باعتبار ما في نفس الأمر فالأول لم يصح له عمل قط لأنه كافر باطنا وأما الثاني فعمله الذي لا يحتاج لنية صحيح وما يحتاجها باطل من حيث عدم وجودها قال النووي فيه التحذير من الاغترار [ص: 331] بالأعمال وأن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط من رحمة ربه (ق عن سهل) بن سعد الساعدي (زاد خ) في روايته على مسلم (وإنما الأعمال بخواتيمها) فعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها قيل ولا تنكشف إلا بدخول الجنة وقيل بل تستبين في أول منازل الآخرة وقال الزمخشري: هذا تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقدير أي إن العمل السابق غير معتبر والمعتبر العمل الذي ختم به اه   (1) وسببه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال أي رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وبعد فراغ القتال في ذلك اليوم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بسيفه وشاذة وفاذة بتشديد المعجمة: ما انفرد عن الجماعة وهما صفة لمحذوف أي نسمة شاذة ولا فاذة - فقال - أي بعض القوم - ما أجزأ اليوم أحد كما أجزأ فلان - أي ما أغنى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل أنا أصاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه فإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فجعل نصل سيفه بالأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل الذي تبعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال صلى الله عليه وآله وسلم وما ذاك؟ قال الرجل الذي ذكرته آنفا إنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل فذكره وقد استشكل ما ذكر من كون الرجل من أهل النار بأنه لم يتبين منه إلا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر وأجيب بأنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اطلع على كفره في الباطن وأنه استحل قتل نفسه اه (2) قال العلقمي قال شيخ شيوخنا هو محمول علي المنافق والمرائي اه (3) كما وقع لبرصيصا العابد حكي أنه كان له ستون ألفا من التلامذة وكانوا يمشون في الهواء وكان يعبد الله تعالى حتى تعجبت منه الملائكة فقال لهم الله تعالى لماذا تتعجبون منه إني أعلم ما لا تعلمون في علمي أنه يكفر ويدخل النار أبد الآبدين فكان الأمر كما قال الله تعالى وقصته مشهورة. وكسحرة فرعون عاشوا كفارا ثم ختم لهم بالإيمان قال قتادة كانوا أول النهار كفارا سحرة وفي آخره شهداء بررة ثم إن من لطف الله تعالى وسعة رحمته أن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندرة ونهاية القلة ولا يكون إلا لمن أصر على الكبائر. قال بعضهم ومن علامة البشرى للميت أن يصفر وجهه ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعا ومن علامات السوء والعياذ بالله أن تحمر عيناه وتزبد شفتاه ويغط كغطيط البكر اه الحديث: 1971 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 1972 - (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار) أي يعمل عمل أهل النار في آخر عمره فيدخلها قال الأكمل والزمن الطويل هو مدة العمر وهو منصوب على الظرفية (وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة) أي يعمل عمل أهل الجنة في آخر عمره فيدخلها واقتصر هنا على ذين مع أن الأقسام أربعة لظهور حكم القسمين الآخرين من عمل بعمل أهل الجنة والنار من أول عمره إلى آخره وقد اختلف السلف فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينه ومنهم من راعى حكم الخاتمة وجعلها نصب عينه قيل والأول أولى لأنه تعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه ثم رتب على هذا السبق الخاتمة عند الموت بحسب صلاح العمل وفساده عندها وعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها (م عن أبي هريرة) وفي الباب أنس وابن عمر وعائشة وغيرهم الحديث: 1972 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 1973 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه (ما) نافية (يظن أن تبلغ ما بلغت) من رضى الله بها عنه (فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) أي بقية عمره وحتى يلقاه يوم القيامة فيقبض على الإسلام ولا يعذب في قبره ولا يهان في حشره (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط) بضم فسكون (الله) أي مما يسخط الله أي يغضبه (ما يظن أن تبلغ ما بلغت) من سخط الله (فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة بأن يختم له بالشقاوة ويصير معذبا في قبره مهانا في حشره حتى يلقاه يوم القيامة فيورده النار وبئس الورد المورود قال الطيبي: ومعنى كتبه رضوانه توفيقه لما يرضي الله من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات فيعيش في الدنيا حميدا وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ويحشر يوم القيامة سعيدا ويظله الله في ظله ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم في الجنة ثم يفوز بلقاء الله ما كل ذلك دونه وعكسه قوله فيكتب الله عليه بها سخطه ونظيره قوله تعالى لإبليس {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} قال الشافعي: ينبغي للمرء أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به ويتدبر عاقبته فإن ظهر له أنه خير محقق لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى منهي عنه أتى به وإلا سكت واختلف في قوله سبحانه وتعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فقيل يشمل المباح فيكتب وقيل لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب (مالك) في الموطأ (حم ت ن حب ك) من حديث علقمة بن أبي وقاص (عن بلال بن الحارث) المزني الصحابي وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم في مزينة وأقطعه العتيق وأصل ذلك أن علقمة مر برجل من أهل المدينة له شرف وهو جالس بسوق المدينة فقال علقمة [ص: 332] يا فلان إن لك حرمة وإن لك حقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء فتتكلم عندهم وإني سمعت بلال بن الحرث يقول فذكره ثم قال علقمة انظر ويحك ما تقول وما تتكلم به فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من ذلك الحديث: 1973 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 1974 - (إن الرجل ليوضع الطعام) ومثله الشراب (بين يديه) ليأكل أو يشرب (فما يرفع يده حتى يغفر له) قيل يا رسول الله وبم ذاك قال (يقول بسم الله إذا وضع الحمد لله إذا رفع) أي يغفر له بسبب قوله عند ابتداء الأكل بسم الله وعند فراغه منه الحمد لله غفران الصغائر عند الشروع في الأكل والحمد عند الفراغ منه سنة مؤكدة وإنما أناطهما في الحديث بالوضع والرفع لكون الوضع يعقبه الشروع في الأكل بلا فاصل غالبا والفراغ يعقبه الرفع كذلك لأن التسمية والحمد يطلبان عند الوضع والرفع <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أن المائدة توضع بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم (الضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني في الأوسط من رواية عبد الوارث مولى أنس (عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي وعبد الوارث ضعيف وفيه أيضا عبيد بن العطار ضعفه الجمهور الحديث: 1974 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 1975 - (إن الرجل) يعني الإنسان (ليحرم) بالبناء للمفعول أي يمنع وحذف الفاعل في مقام منع الرزق أنسب (الرزق) أي بعضه يعني ثواب الآخرة أو نعم الدنيا من نحو صحة ومال بمعنى محق البركة منه (بالذنب يصيبه) وفي رواية بذنبه أي بشؤم كسبه للذنب ولو بأن تسقط منزلته من القلوب ويستولي عليه أعداؤه أو ينسى العلم حتى قال بعضهم إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري وقال آخر أعرفه من تغير الزمان وجفاء الإخوان ولا يقدح فيه ما يرى من أن الكفرة والفسقة أعظم مالا وصحة من العلماء لأن الكلام في مسلم يريد الله رفع درجته في الآخرة فيعقبه من ذنوبه في الدنيا فاللام في الرجل للعهد والمعهود بعض الجنس من المسلمين ذكره المظهر وبه عرف أنه لا تناقض بينه وبين خبر إن الرزق لا ينقصه المعصية ولهذا وجه بعضهم الخبر بأن لله لطائف يحدثها للمؤمن ليصرف وجهه إليه عن اتباع شهوته والانهماك في نهمته فإذا اشتغل بذلك عن ربه حرم رزقه فيكون زجرا له إليه عما أقبل عليه وتأديبا له أن لا يعود لمثله كطفل دعته أمه فأعرض عنها فيعدو إلى لهو فيعثر فيقوم ويعدو إليها راجعا قال بعضهم: واعلم أن من الحوادث ما ظاهره عنف وباطنه لطف كحرمان الرزق بما يصيبه من الذنب فإن العبد إذا أعرض عن ربه واشتغل بما أسبغ عليه وأحب إقباله عليه حرمه سعة ما بسط له ليخاف فيرتدع ويضيق عليه جهات الرزق فيلجأ إليه ويقبل بالتضرع إليه ومن أراد غير ذلك زاده على ذنبه نعما ليزداد إعراضا وشغلا فإن قيل كيف يحرم الرزق المقسوم؟ قلنا يحرم بركته أو سعته أو الشكر عليه ذكره بعضهم وقال القونوي الذنوب كلها نجاسات باطنه وإن كان لبعضها خواص تتعدى من الباطن إلى الظاهر وهو ما أشار إليه بهذا الحديث ولهذا الحديث سر آخر وهو أن الحرمان قد يكون بالنسبة إلى الرزق المعنوي والروحاني وقد يكون من الرزق الظاهر المحسوس (ولا يرد القضاء إلا الدعاء (1)) [ص: 333] بمعنى أن الدوام على الدعاء يطيب ورود القضاء فكأنه رده ذكره أبو حاتم وهو معنى قول البعض رده للقدر تهوينه حتى يصير القضاء النازل كأنه ما نزل ثم المراد أن الدعاء أعظم أسباب رده فبالنسبة لذلك حصره فيه وإلا فالصدقة تشاركه بدليل باكروا بالصدقة فأن البلاء لا يتخطاها ويأتي نظيره في الحصر المذكور في قوله (ولا يزيد في العمر إلا البر) لأن البر يطيب عيشه فكأنه يزيد في عمره والذنب يكدر صفاء رزقه فكلما فكر في عاقبة أمره فكأنه حرمه أو المراد الزيادة بالنسبة لملك الموت أو اللوح لا لما في علمه تقدس فإنه لا يتبدل (حم ن هـ حب ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ثم العراقي وقال المنذري رواه النسائي بإسناد صحيح   (1) بمعنى تهويته وتيسير الأمر فيه حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل وفي الحديث الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه ورضاه ومما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو عنده قبل النزول بتأييد من عنده حتى يخفف عنه أعباء ذلك إذا نزل به فينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء قال الغزالي فإن قيل ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن البذر سبب خروج النبات من الأرض وكما أن الترس يرد السهم الحديث: 1975 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 1976 - (إن الرجل) الإنسان (إذا نزع ثمرة من) ثمار أشجار (الجنة) أي قطفها من شجرها ليأكلها والنزع القلع أي بقوة كما يفيده قول الزمخشري نزع الشيء من يده جذبه ورجل منزع شديد النزع (عادت مكانها أخرى) حالا بأن يخلق الله تعالى مكان كل ثمرة تقطف ثمرة أخرى ابتداء أو بأن يتولد من الشجرة مثلها حالا لتصير الأشجار مزينة بالثمار أبدا موفرة بها دائما لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا وذلك أفرط لابتهاج أهلها واغتباطهم حيث يتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها وبذلك يتحقق مقدار الغبطة ويتبين موقع النعمة حق التبيين (طب) وكذا الحاكم (عن ثوبان) وكذا رواه عنه البزاز لكنه قال أعيد في مكانها مثلاها على التثنية قال الهيثمي رجال الطبراني وأحد إسنادي البزار ثقات الحديث: 1976 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 1977 - (إن الرجل إذا نظر إلى امرأته) بشهوة أو غيرها على ما اقتضاه الإطلاق والأقرب أن المراد نظر إليها شاكرا لله تعالى أن أعطاه إياها من غير حول منه ولا قوة أو نظر إليها لتتحرك عنده داعية الجماع فيه فيجامعها فتعفه عن الزنا أو تأتي بولد يذكر الله تعالى ويتكثر به الأمم امتثالا لأمر الشارع إلى غير ذلك من المقاصد الدينية التي يترتب عليها الثواب ويظهر أن المراد الحليلة الموطوءة هنا زوجة أو سرية (ونظرت إليه) كذلك (نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة) أي صرف لهما حظا عظيما منها (فإذا أخذ بكفها) ليصافحها أو يقبلها أو يعانقها أو يجامعها وعبر عن ذلك بالأخذ باليد استحياء لذكره لأنه أشد حياء من العذراء في خدرها (تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما) أي من بينهما قال الراغب: والخلل الفرجة بين الشيئين أو الأشياء ومنه {فجاسوا خلال الديار} وتساقط الذنوب من بين الأصابع كناية عن كونه لا يفارق كفه كفها إلا وقد شملت ذنوبهما المغفرة والمراد الصغائر لا الكبائر كما يجيء (ميسرة بن علي في مشيخته) المشهورة (والرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه الحديث: 1977 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 1978 - (إن الرجل لينصرف) من الصلاة (وما كتب له) من الثواب (إلا عشر صلاته تسعها) بضم التاء أوله وهو وما بعده بدل مما قبله بدل تفصيل (ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) أراد أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بحسب الخشوع والتدبر ونحو ذلك مما يقتضي الكمال كما في صلاة الجماعة خمس وعشرون وسبع وعشرون [ص: 334] وبدأ بالعشر لأنه أقل الكسور قال الغزالي: والصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دل عليه هذا الخبر والفقيه يقول الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر وفي بعض الروايات إن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل أي فيكتب له منها ما عقل فقط وذلك فضل عظيم عند الله لأن صلاته كانت في موجب الأدب أسرع إلى العقوبة منها إلى أن يكتب له ما عقل إذ لا يدري بين يدي من هو حتى يلتفت إلى غيره بقلبه وهو واقف راكع ساجد بجسده قال الحسن البصري: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وقال بعضهم: كل صلاة كانت منك عن ظهر غيب مختلط بأنواع العيوب وبدن نجس بأقذار الذنوب ولسان متلطخ بأنواع المعاصي والفضول لا تصلح أن تحمل إلى تلك الحضرة العلية وقال إمام الحرمين: انظر أيها العاقل هل وجهت قط صلاة من صلواتك إلى السماء كمائدة بعثتها إلى بيوت الأغنياء وقال الوراق: ما فرغت قط من صلاة إلا استحيت حين فرغت منها أشد من حياء امرأة فرغت من الزنا وعلم مما تقرر أن مقصود الخبر الزجر عن كل ما ينقص الثواب أو يبطله بالأولى وتمسك به من جعل الخشوع شرطا للصحة كالغزالي وأجيب بأن الذي أبان عنه الخبر هو أنه لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح (1) (حم د حب عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة قال العراقي إسناده صحيح ولفظ رواية النسائي إن الرجل يصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد وفي رواية له أيضا منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر قال الحافظ الزين العراقي رجاله رجال الصحيح وسبب الحديث كما في رواية أحمد أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخف بها فقيل له يا أبا القطان خففت فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا لا قال قد بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره   (1) وفي هذا الحديث الحث الأكيد والحض الشديد على الخشوع والخضوع في الصلاة وحضور القلب مع الله تعالى ونص على الإتيان للسنن والآداب الزائدة على الفرائض والشرط فإن الصلاة لا تقع صحيحة ويكتب للمصلي فيها أجر كالعشر والتسع إلا إذا أتى بهما أي بالفرائض والشروط كاملين فمتى أخل بفرض أو شرط منها لم تصح ولم يكتب له أجر أصلا ويدل على هذا قول عمار في أول الحديث هل رأيتموني تركت شيئا من حدودها وقوله إني بادرت سهو الشيطان يدل على أن ذهاب تسعة أعشار فضل الصلاة من وسوسة الشيطان وذكره شيئا من الأمور الدنيوية واسترساله في ذكره ومن أعرض عما يذكره به الشيطان ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شيء كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها وهذا العشر الذي يكتب للمصلي يكمل به تسعة أعشار من التطوعات كما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما يحاسب به الصلاة يقول الله انظروا في صلاة عبدي فإن كانت كاملة حسب له الأجر وإن كانت ناقصة يقول انظروا هل لعبدي من التطوع فإن كان له تطوع تمت الفريضة من التطوع وهذا كله حيث لا عذر له فأما من سمع بكاء صبي فخفف لأجله فله الأجر كاملا الحديث: 1978 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 1979 - (إن الرجل إذا دخل في صلاته) أي أحرم بها إحراما صحيحا (أقبل الله عليه بوجهه (1)) أي برحمته وفضله [ص: 335] (فلا ينصرف عنه حتى ينقلب) بقاف وموحدة أي ينصرف من صلاته قال في الصحاح المنقلب يكون زمانا ومصدرا كالمنصرف وقلبهم صرفهم قال الزمخشري: قلبه قلبا حوله من وجهه ومن المجاز قلب المعلم الصبيان صرفهم إلى بيوتهم (أو يحدث) أي يحدث أمرا مخالفا للدين أو المراد الحدث الناقض والأول أولى بقرينة قوله (حدث سوء) فالمعنى ما لم يحدث سوءا قال الغزالي: وإقبال الله عليه كناية عن مكاشفة كل مصل على قدر صفاته عن كدرات الدنيا ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة والجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء وللبعض مثال ويختلف بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله وبعضهم من أفعاله وبعضهم من دقائق علوم المعاملة إلى غير ذلك وقال القونوي: الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة والله تعالى هو النور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة إذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذاة صحيحة فإنها تكتسب من أنوار الذات النيرة ألا ترى القمر الذي هو في ذاته مظلم كثيف كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل في المحاذاة والمقابلة فإذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور فإن تفطنت لذلك عرفت نفاوت حظوظ المصلين من ربهم في صلاتهم وعرفت سر قوله عليه الصلاة والسلام جعلت قرة عيني في الصلاة (هـ عن حذيفة) ابن اليمان   (1) بلطفه وإحسانه وحق من أقبل الله عليه برحمته أن يقبل عليه بطرح الشواغل الدنيوية والوسواس المفوت لثواب الصلاة الحديث: 1979 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 1980 - (إن الرجل لا يزال في صحة رأيه) أي عقله المكتسب (ما نصح لمستشيره) أي مدة دوام نصحه له قال الزمخشري: المشورة والمشاورة استخراج الرأي من شرف العسل استخرجته (فإذا غش مستشيره سلبه الله صحة رأيه) فلا يرى رأيا ولا يدبر أمرا إلا انعكس عليه وكان تدميره في تدبيره عقوبة له على خبث ما ارتكبه من غش أخيه المسلم الذي فوض أمره إليه وجعل معوله عليه (ابن عساكر) في ترجمة مالك بن الهيثم أحد دعاة بني العباس (عن ابن عباس) ثم نقل أعني ابن عساكر عن بعضهم ما محصوله أن مالكا هذا كان من الإباحية الذين يرون إباحة المحارم ولا يقولوا بصلاة ولا غيرها وفيه علي بن محمد المدائني قال الذهبي قال ابن عدي ليس بقوي الحديث: 1980 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 1981 - (إن الرجل ليسألني الشيء) أي من أمور الدنيا. كذا قيل ولا دليل عليه (فأمنعه حتى تشفعوا فتؤجروا) الظاهر أنه أراد بالمنع السكوت انتظارا للشفاعة لا المنع باللفظ كما سيجيء في عدة أخبار أنه ما سئل في شيء فقال لا قط والمنع ضد الإعطاء والشفاعة المطالبة بوسيلة أو زمام والأجر الإثابة والمثيب هو الله تعالى (طب عن معاوية) بن أبي سفيان الحديث: 1981 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 1982 - (إن الرجل ليعمل أو المرأة) لتعمل (بطاعة الله ستين سنة) مثلا (ثم يحضرهما الموت فيضاران) بالتشديد أي يوصلان الضرر إلى وارثيهما (في الوصية) بأن يزيدا على الثلث أو يقصدا حرمان الأقارب أو يقرا بدين لا أصل له (فتجب لهما النار) أيستحقان دخول نار جهنم إن لم يدركهما الله بعفوه ثم قرأ أبو هريرة {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار} وأخذ بظاهره مالك فأبطل المضارة فيها وإن لم يقصدها قال البعض والمضارة في الوصية من الكبائر (د ت) في الوصية حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب انتهى وشهر أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي لا يحتج به ووثقه ابن معين الحديث: 1982 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 [ص: 336] 1983 - (إن الرجل ليتكلم الكلمة) الواحدة (لا يرى بها بأسا) أي سوءا يعني لا يظن أنها تعد عليه ذنبا ولا أنه يؤاخذ بها {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} (يهوي بها) أي يسقط بسببها (سبعين خريفا في النار) لما فيها من الأوزار التي ليس عند الغافل المسكين منها إشعار والمراد أنه يكون دائما في الصعود والهوى ذكره القاضي والهروي فعلى العاقل أن يميز بين أشكال الكلام قبل نطقه فما كان من حظوظ النفس وإظهار صفات المدح ونحو ذلك تجنبه ومن آمن بهذا الخبر حق إيمانه اتقى الله في لسانه وقلل كلامه حسب إمكانه سيما فيما ينهى عن الكلام فيه كبعد العشاء إلا في خير قال الغزالي: اللسان إنما خلق لك لتكثر به ذكر الله وتلاوة كتابه وترشد به الخلق إلى طريقه أو تظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك فإذا استعملته لغيسر ما خلق له فقد كفرت نعمة الله فيه وهو أغلب أعضائك عليك ولا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم فاستظهر الغاية تؤتك حتى لا يكبك في قعر جهنم انتهى والهوي بضم الهاء وفتحها السقوط من أعلى إلى أسفل ذكره أبو زيد وغيره والخريف هنا عبارة عن السنة والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد (ت هـ ك عن أبي هريرة) الحديث: 1983 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 1984 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا ليضحك بها القوم) أي يريد أن يضحكهم (وإنه ليقع بها أبعد من السماء) أي يقع بها في النار أبعد من وقوعه من السماء إلى الأرض قال الغزالي: المراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاؤه دون محض المزاح انتهى فعلى العاقل ضبط جوارحه فإنها رعاياه وهو مسؤول عنها جارحة جارحة {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وإن من أكثر المعاصي عددا وأيسرها وقوعا آثام اللسان إذ آفاته تزيد على العشرين ومن ثم قال تعالى {وقولوا قولا سديدا} <تنبيه> أخذ الشافعية من هذا الخبر وما أشبهه أن اعتياد أكثر حكايات تضحك أو فعل خيالات كذلك خارم للمروءة راد للشهادة وصرح بعضهم بأنه حرام وآخرون بأنه كبيرة تمسكا بهذا الخبر وفرضه البعض في كلمة في الغير بباطل يضحك بها أعداءه لأن فيه حينئذ من الإيذاء ما يربو على كثير من الكبائر (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه أبو إسرائيل إسماعيل بن خليفة وهو ضعيف الحديث: 1984 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 1985 - (إن الرجل إذا مات بغير مولده) أي بأرض غير الأرض الذي ولد بها يعني مات غريبا (فليس له) بالبناء للمفعول يعني أمر الله الملائكة أن تقيس أي تذرع له من مولده أي المكان الذي ولد فيه (إلى منقطع) بفتح الطاء (أثره) أي إلى موضع قطع أجله سمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال: والمرء ما عاش ممدود له أجل. . . لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأجل وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر فلا يرى لأقدامه أثر وقوله (في الجنة) متعلق بقيس يعني من مات في غربة يفسح له في قبره مقدار ما بين قبره وبين مولده ويفتح له باب إلى الجنة ومن البين أن هذا الفضل العظيم لمن لم يعص بغربته (ن هـ عن ابن عمرو) بن العاص قال مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليته مات في غير مولده فقيل له لم؟ فقال ذلك الحديث: 1985 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 1986 - (إن الرجل إذا صلى مع الإمام) أي افتدى به واستمر (حتى ينصرف) من صلاته (كتب) وفي رواية حسب (له قيام ليلة) قال في الفردوس يعني التراويح اه. ولم يطلع عليه ابن رسلان فبحثه حيث قال يشبه اختصاص هذا [ص: 337] الفضل بقيام رمضان لأنه ذكر الصلاة مع الإمام ثم أتى بحرف يدل على الغاية فدل على أن هذا الفضل إنما يأتي إذا اجتمعوا في صلوات يقتدى بالإمام فيها وهذا لا يأتي في الفرائض المؤداة (حم ت عن أبي ذر حب) قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى مضى سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم شيئا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة فذكره وهو بعض حديث طويل قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 1986 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 1987 - (إن الرجل من أهل عليين) أعلى الجنة وأشرفها من العلو وكلما علا الشيء وارتفع عظم قدره ولذا قال تعالى معظما قدره {وما أدراك ما عليون} ويدل عليه قوله (ليشرف) بضم الياء وكسر الراء (على) من تحته من (أهل الجنة) ويدل له خبر الترمذي إن أهل الجنة العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب قال الراغب: عليون اسم أشرف الجنان (فتضيء الجنة) أي يستنير استنارة مفرطة (بوجهه) أي من أجل إشراق إضاءة نور وجهه عليها (كأنها) أي كأن وجوه أهل عليين (كوكب) أي كالكوكب (دري) نسبة للدر لبياضه وصفائه أي كأنها كوكب من رد في غاية الإشراق والصفاء والإضاءة وعلم من هذا أن الجنة طبقات بعضها فوق بعض وأن أنفسها وأغلاها أعلاها في الإضاءة والإضاءة فرط الإنارة كما مر والكوكب النجم يقال كوكب وكوكبة كما قالوا بياض وبياضة وعجوز وعجوزة وكوكب الروضة نورها ذكره في الصحاح. قال الزمخشري: ومن المجاز در لكوكب طلع كأنه بدر الظلام ودارت النار أضاءت (هـ عن أبي سعد) الخدري قال في التقريب إسناده صحيح الحديث: 1987 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 1988 - (إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مئة رجل في الأكل والشرب والشهوة) خصها لأن ما عداها راجع إليها إذ الملبس والمسكن من الشهوة (والجماع) فإن قلت: كثرة الأكل والشرب في الدنيا مجمع على ذمه فكيف تمدح أهل الجنة فيها بكثرته؟ قلت: إنما كان مذموما في الدنيا لما ينشأ عنه من الفتور والتواني والتثاقل عن فعل العبادات ولما ينشأ عنه من الأمراض من تخمة وقولنج وغيرهما ولما يكسبه كثرة الأكل من الضراوة وأهل الجنة مأمونون من ذلك كله وكل ما في الجنة من أكل وغيره لا يشبه شيئا مما في الدنيا إلا في مجرد الاسم ألا ترى إلى قوله (حاجة أحدهم) كنى عن البول والغائط (عرق) بفتح أوله (يفيض من جلده) أي يخرج من مسامه (فإذا بطنه قد ضمر) بفتحات أي انهضم وانضم جعل الله سبحانه لهم أسبابا لتصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض - بفتح أوله - من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذلك سبب إنضاحه وقد جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه عرقا أو جشاء إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تتم المعيشة إلا بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء والأسباب مظهر أفعاله وحكمه لكنها مختلفة الأحكام في الدارين فأفعاله في الآخرة واردة على أسباب غير الأسباب المعهودة والمألوفة في الدنيا وربما لا يتأمل القاصر ذلك فينكره جهلا وظلما إذ ليست قدرته قاصرة علي أسباب آخر ومسببات تنشأ منها كما لم تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس ذا بأهون عليه من ذلك بل النشأة التي أنشأها بالعيان أعجب من النشأة الثانية الموعود بها إخراج الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن فم ذباب أعجب من إجراءها أنهارا في الجنة بأسباب أخر وإخراج جوهر الذهب [ص: 338] والفضة في عروق الجبال أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر وإخراج الحرير من لعاب دود القز وبنائها على نفسها القباب الملونة أعجب من إخراجه من شجرة هناك وجريان البحار بين السماء والأرض فوق السحاب أعجب من جريانها في الجنة بغير أخدود ومن تأمل آيات الله الدالة على كمال قدرته وبديع حكمته ثم وازن بينها وبين ما أخبر في الآخرة وجدهما عن مشكاة واحدة (طب عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي رواته ثقات الحديث: 1988 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 1989 - (إن الرجل) في رواية إن المؤمن (ليدرك بحسن خلقه درجة) أي مثل درجة أي منزلة (القائم بالليل) أي المتهجد فيه (الظامئ الهواجر) أي العطشان في شدة الحر بسبب الصوم لأنهما يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما من الطعام والشراب والنكاح والنوم والصيام يمنع من ذلك والنفس أمارة بالسوء تدعو إلى ذلك لأن الطعام يتقوى وبالنوم ينمو فالصائم والقائم مجاهدان بذلك ومن جمعهما فكأنه يجاهد نفسا واحدة ومن حسن خلقه يجاهد نفسه في تحمل أثقال مساوئ أخلاق الناس لأن الحسن الخلق لا يحمل غير خلقه وأثقاله ويتحمل أثقال غيره وخلقه وهو جهاد كبير فأدرك ما أدركه القائم الصائم فاستويا في الدرجة قال الغزالي رضي الله عنه: ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك يتم إيمانه ويطيع ربه ويعصي عدوه إبليس (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان وهو ضعيف انتهى ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي فلو آثره المصنف لصحته كان أولى من إيثاره هذا لضعفه الحديث: 1989 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 1990 - (إن الرجل) وفي رواية الطبراني وأبي يعلى الكافر (ليلجمه العرق) أي يصل إلى فيه فيصير كاللجام قال النووي: يحتمل عرق نفسه وغيره ويحتمل عرقه فقط لتراكم الأهوال ودنو الشمس من الرؤوس (يوم القيامة) من شدة الهول وذلك يختلف باختلاف الناس فبعضهم يكون ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة وبعضهم يكون عليه لحظة لطيفة لصلاة الصبح كما زاد في رواية الطبراني وأبي يعلى والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو وغيره أن هذا في الكافر وعورض بما في بعض الطرق من أن الناس يتفاوتون فيه بحسب أعمالهم والأخبار كالصريح في ذلك كله في الموقف وقد ورد أنه يقع مثله لمن يدخل النار. قال ابن أبي جمر: وظاهر الخبر تعميم الناس بذلك لكن دلت أحاديث أخر على تخصيصه البعض ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار وأصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة للكفار (فيقول رب) بحذف حرف النداء للتخفيف وفي رواية بإثبات حرف النداء (أرحني) من طول الوقوف على تلك الحالة (ولو) بإرسالي (إلى النار) زاد في رواية وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب وفيه إشارة إلى طول وقوفهم في ذلك الموقف في مقام الهيئة وتمادي حبسهم في مشهد الجلال والعظمة (طب) وكذا الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري إسناده جيد الحديث: 1990 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 1991 - (إن الرجل ليطلب الحاجة) أي الشيء الذي يحتاجه ممن جعل الله حوائج الناس إليه كالإمام الأعظم أو بعض نوابه (فيزويها) بتحية فزاي أي يصرفها الله (عنه) فلا يسهل له قال الزمخشري: زوى الميراث عن ورثته عدل به عنهم [ص: 339] (لما هو خير له) وهو أعلم بما يصلح به عبده {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} (فيتهم الناس ظلما لهم) بذلك الاتهام وفي نسخ فيتهم الإنسان ظالما له وهو تحريف فإن الأول هو الذي وقفت عليه في نسخة المصنف بخطه (فيقول من شبعني) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة والعين بضبط المصنف بخطه يعني من تزين بالباطل وعارضني فيما سألته من الأمير مثلا ليغبطني بذلك ويدخل الأذى والضرر علي بمعارضته ففي لسان العرب وغيره ما محصوله تشبع تزين بالباطل كالمرأة تكون للرجل ولها ضرائر فتشبع بما تدعى من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ جارتها وإدخال الأذى عليها قال وكذلك هذا في الرجال ومقصود الحديث أنه ليس بيد أحد من الخلق نفع ولا منع وإنما الفاعل هو الله (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الغفور أبو الصياح وهو متروك الحديث: 1991 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 1992 - (إن الرجل) يعني الإنسان المؤمن ولو أنثى (لترفع درجته في الجنة فيقول أنى هذا) أي من أين لي هذا ولم أعمل عملا يقتضيه وفي نسخة أنى لي ولفظ لي ليس في خط المصنف (فيقال) أي تقول له الملائكة أو العلماء هذا (باستغفار ولدك لك) من بعدك دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات وعلى أنه يرفع درجة أصل المستغفر إلى ما لم يبلغها بعمله فما بالك بالعامل المستغفر ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى وكان الظاهر أن يقال لاستغفار ليطابق اللام في لي لكن سد عنه أن التقدير كيف حصل لي هذا فقيل حصل لك باستغفار ولدك وقيل إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع وكذلك الأب إذا كان أرفع وذلك قوله سبحانه وتعالى {لا تدرون أيهم أقرب نفعا} (حم هـ هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني بسند رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث الحديث: 1992 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 1993 - (إن الرجل أحق بصدر دابته) بأن يركب على مقدم ظهرها ويردف خلفه ولا يعكس (وصدر فراشه) بأن يجلس في أرفع تكرمته فلا يتقدم عليه في ذلك نحو ضيف ولا زائر إلا بإذنه (وأن يؤم في رحله) أي أن يصلي إماما بمن حضر عنده في منزله الذي يسكنه بحق فإذا دخل إنسان على آخر في منزله لنحو زيارة أو ضيافة وحضرت الصلاة فصاحب المنزل أولى بالتقدم للإمامة ويستثنى الوالي في محل ولايته والفراش بالكسر فعال يعني مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش ككتاب وكتب وهو فرش أيضا تسمية بالمصدر والرحل مسكن الإنسان ومأواه كما في الصحاح وغيره (طب عن عبد الله بن حنظلة) بن أبي عامر الراهب الأنصاري له رواية وأبوه أصيب يوم أحد استشهد عبد الله يوم الحرة وكان أمير الأنصار فيها الحديث: 1993 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 1994 - (إن الرجل ليبتاع الثوب بالدينار والدرهم) الواو بمعنى أو (أو بنصف الدينار) مثلا والمراد بشيء حقير وفي نسخة المصنف بخطه أو بالنصف الدينار بزيادة ال والظاهر أنه سبق قلم (فيلبسه فما يبلغ كعبيه) أي ما يصل إلى عظميه الناتئتين عند مفصل الساق والقدم وفي رواية بدل كعبيه ثدييه (حتى يغفر له) أي يغفر الله له ذنوبه والمراد الصغائر (من [ص: 340] الحمد) أي من أجل أو بسبب حمده لله على ذلك وفيه منقبة عظيمة حيث أوقع في مقابلته هذا الجزاء العظيم وهو المغفرة فيسن مؤكدا لمن لبس ثوبا جديدا أن يحمد الله على تيسيره له وأولى صيغ الحمد هنا ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي في الكاف وتحصل السنة بأي شيء كان من صيغه ولو بلفظ الحمد لله فقط (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 1994 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 1995 - (إن الرجل إذا رضي هدي الرجل) بفتح الهاء وكسرها وسكون الدال أي وصفه وطريقته وفي الصحاح يقال ما أحسن هديته بكسر الهاء وفتحها أي سيرته ومنه خبر اهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه (وعمله) أي ورضي عمله (فهو مثله) في الخير أو ضده فإن كان محمودا فهو محمود أو مذموما فمذموم واستعمال الهدي في الثاني مجاز ومقصود الحديث الحث على التباعد عن أهل الفسوق ومهاجرتهم بالقلوب والتصريح بعدم الرضى بأفعالهم (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه عبد الوهاب الضحاك وهو متروك الحديث: 1995 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 1996 - (إن الرجل ليصلي الصلاة) أي في آخر وقتها (ولما فاته منها) من أول وقتها (أفضل من أهله وماله) اللذين هما أعز الأشياء عليه وفي رواية بدله خير من الدنيا وما فيها. قال الغزالي: فينبغي المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت لهذا الحديث (ص عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن حبيب) العنزي بفتح المهملة والنون الزاهد البصري قال في الكاشف: روى عن جندب وابن عباس وغيرها قال أبو حاتم صدوق يرى الإرجاء وفي التقريب كأصله صدوق عابد رمي بالإرجاء من الطبقة الثالثة انتهى فالحديث مرسل وكان الأولى للمصنف التنبيه عليه وقضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو قصور فقد خرجه ابن منيع والديلمي من حديث أبي هريرة باللفظ المزبور قال في الفردوس وفي الباب ابن عمر أيضا الحديث: 1996 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 1997 - (إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم) أي قرابة له بنحو إيذاء وهجر أراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعتها ولا ينكرون عليه وهو على العموم والمراد بالرحمة المطر فيحبس عنهم بشؤم القاطع وهذا وعيد عظيم مؤذن بأن قطيعة الرحم من الكبائر ومن ثم عدها كثيرون منها وفي رواية بدل الرحمة إن الملائكة إلى آخر ما ذكروا وعليه قال في الإتحاف: المراد بهذا ملائكة الزيارة والرحمة الذين يسبحون في الأرض لمثل ذلك ثم يحتمل تخصيص هذا بما إذا علموا حاله فلم يمنعوه ولم يخرجوه من بينهم ويحتمل أنه لحديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب وهو أقرب لظاهر الخبر وسره أن شأن القاطع غالبا يظهر سرائره فعدم العلم بحاله لا يكون عذرا بل هو دليل على عدم اعتناء أولئك القوم بالأمور الدينية وأنهم لا يفتقدون بعضهم بأمره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه إشارة إلى طلب هجر القاطع في المجلس وينبغي ترك مجاورته لمن تيسر له ذلك وأنه لا يرافق في سفره ونحوه (خد عن ابن أبي أوفى) ورواه عنه أيضا الطبراني وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه أبو داود المحاربي وهو كذاب الحديث: 1997 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 1998 - (إن الرزق ليطلب العبد) أي الإنسان (أكثر مما يطلبه أجله) أي غاية عمره قال البيهقي: معناه أن ما قدر من الرزق يأتيه ولا بد فلا يجاوز الحد في طلبه فالاهتمام بشأنه والحرص على استزادته ليس نتيجته إلا شغل القلوب عن خدمة علام الغيوب والعمى عن مرتبة العبودية وسوء الظن بالحضرات الرازقية. قال ابن عطاء الله: اجتهادك فيما تضمن لك [ص: 341] وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس بصيرتك. ومما عزاه الطوسي رحمه الله وغيره لعلي كرم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه: حقيق بالتواضع من يموت. . . ويكفي المرء من دنياه قوت صنيع مليكنا حسن جميل. . . وما أرزاقه عنا تفوت فيا هذا سترحل عن قليل. . . إلى قوم كلامهم السكوت وهذا الخبر لا تعارض بينه وبين خبر استنزلوا الرزق بالصدقة لأن ما هنا في المتحتم في العلم الأزلي وذلك بالنظر لما في صحف الملائكة أو اللوح (طب عد عن أبي الدرداء) وكذا البيهقي في الشعب والدارقطني في العلل وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب والعسكري والبزار رجاله ثقات وقال الدارقطني والبيهقي: وقفه أصح من رفعه وقال ابن عدي هو بهذا الإسناد باطل الحديث: 1998 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 1999 - (إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة) بالنسبة لما في العلم القديم الأزلي كما سبق تقريره موضحا وعدم تنقيص الرزق بالمعصية أمر مستفيض بين الملتين وغيرهم. حكي أن كسرى غضب على بعض مرازبته فاستؤمر في قطع عطائه فقال: يحط من مرتبته ولا ينقص من صلته فإن الملوك تؤدب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان (وترك الدعاء) أي الطلب من الله (معصية) لما في خبر آخر إن من لم يدع الله يغضب عليه. ولذا قيل: الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب والمراد أنه يقرب من المعصية لكراهته (طص عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي وفيه عطية العوفي وهو ضعيف قال السخاوي سنده ضعيف الحديث: 1999 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 2000 - (إن الرسالة والنبوة) وفيه أنهما متغايران (قد انقطعت) أي كل منهما (فلا رسول بعدي) يبعث إلى الناس بشرع جديد فخرج عيسى عليه السلام (ولا نبي) يوحى إليه ليعمل لنفسه قال أنس راوي الحديث لما قال ذلك شق على المسلمين فقال (ولكن) الذي لا ينقطع هو (المبشرات) بكسر المعجمة فقالوا يا رسول الله وما المبشرات؟ قال (رؤيا الرجل) يعني الإنسان رجلا أو غيره (المسلم في منامه) وفي رواية بدل المسلم الصالح (وهي جزء من أجزاء النبوة) أي خصلة من خصال الأنبياء التي بها يعلمون الوحي ومر أنها جزء من ستة وأربعين جزءا وأقل وأكثر وجمع باختلاف قرب الأشخاص من أخلاق الحضرة النبوية وهذه قاعدة لا يحتاج في إثباتها إلى شيء لانعقاد الإجماع عليها ولا التفات إلى ما زعمه بعض فرق الضلال من أن النبوة باقية إلى يوم القيامة وبنوا ذلك على قاعدة الأوائل أن النبوة مكتسبة ورمى بذلك جمع من عظماء الصوفية كالإمام الغزالي افتراه عليه الحسدة وقد تبرأ رحمه الله من القول به وتنصل منه في كتبه وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فقد أجمعوا على نزوله نبيا لكنه بشريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وذكر ابن بزيزة عن عصرية بن عربي أن زوجة عيسى عليه الصلاة والسلام ولدت في زمنه انتهى أقول وهذه دعوى قد تبين بطلانها فإن ابن عربي من القرن السادس ونحن الآن فيما بعد الألف وهذا مما يقوي الريبة في أقاويل ابن عربي (حم ت ك) في الرؤيا (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 2000 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 2001 - (إن الرؤيا تقع على ما تعبر) بالتشديد أي تفسر قال في الصحاح: عبر الرؤيا فسرها وعبرها أيضا تعبيرا (ومثل [342] ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها (فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما) أي بتأويلها وسيجيء توجيهه <تنبيه> قال ابن عربي: لله تعالى ملك موكل بالرؤيا يسمى الروح وهو دون السماء الدنيا وبيده صورة الأجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره وصور ما يحدث من تلك الصور من الأكوان فإذا نام الإنسان أو كان صاحب غيبة وفناء أو قوة إدراك لا تحجبه المحسوسات في يقظته عز إدراك ما بيد هذا الملك من الصور فيدرك ما يدركه النائم لأن اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوس إلى حضرة الخيال المتصل بها الذي محله مقدم الدماغ فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم ومن ذكر معه من المعاني متجسدة في الصور التي بيد هذا الملك فمنها ما يتعلن بالله وما يوصف به من الأسماء فيدرك الحق في صورة أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه فيما يحدث للرأي ثلاث مراتب أو إحداها (أحدها) أن يكون الصورة المدركة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلة ما من منازله أو صفاته الراجعة إليه فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه (الثانية) أن تكون الصورة المرئية راجعة لحال الرائي في نفسه (الثالثة) أن تكون راجعة إلى الحق المشروع والناموس الموضوع أي ناموس كان في تلك البقعة التي رأى تلك الصورة فيها في ولاية أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه وما ثم رتبة رابعة فالأولى حسية كاملة لا تتصف بقبح ولا نقص والأخيران قد تظهر الصورة فيها بحسب الأحوال من حسن وقبح ونقص وكمال فإن كان من تلك الصورة خطاب فهو بحسب ما يكون الخطاب وبقدر ما يفهم منه في رؤياه ولا يعول على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى الحس إلا إن كان عالما بالتعبير أو يسأل عالما به وينظر حركة الرائي مع تلك الصورة من أدب واحترام وغير ذلك فإن حاله بحسب ما يصدر عنه من معاملته لتلك الصورة فإنها صورة حق بكل وجه وقد يشاهد الروح الذي بيده الصورة وقد لا وما عدا هذه الصورة فليست إلا من الشيطان إن كان فيه تحزين أو مما يحدث به المرء نفسه في يقظته فلا يعول عليها ومع ذلك إذا عبرت كان لها حكم ولا بد يحدث لها ذلك من قوة التعبير لا من نفسها وذلك أن الذي يعبرها ولا يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم فقد انتقلت تلك الصورة عن المحل التي كانت فيه حديث نفس أو تحزين شيطان إلى حال العابر لها وما هي له حديث نفس فيتحكم على صورة محققة ارتسمت في ذاته فيظهر لها حكم أحدثه حصول تلك الصورة في نفس العابر كما جاء في نفس قصة يوسف عليه السلام مع الرجلين وكانا كذبا فلما تخيلا ذلك وقصاه على يوسف عليه السلام حصل في خياله صورة من ذلك ولم يكن يوسف حدث بذلك نفسه وصارت حقا في حقه فكأنه هو الرائي لتلك الرؤية لذلك الرجل وقاما له مقام الملك الذي بيده صورة الرؤيا فلما عبرها لهما قالا ما رأينا شيئا فقال " قضى الأمر " فخرج الأمر في الحس كما عبر (ك) عن أنس بن مالك الحديث: 2001 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 2002 - (إن الرقى) أي التي لا يفهم معناها إلا التعوذ بالقرآن ونحوه فإنه محمود ممدوح (والتمائم) جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة (والتولة) بكسر التاء وفتح الواو كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر (شرك) أي من الشرك سماها شركا لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهودا في الجاهلية وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي. وقال الطيبي رحمه الله: المراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير وذلك ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية فلا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله [ص: 343] وكلامه ولا من علقها بذكر تبركا الله عالما أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به (حم د هـ ك هب) في الطب عن ابن مسعود قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2002 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 2003 - (إن الركن والمقام) مقام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بحذاء الكعبة (ياقوتتان من ياقوت) وفي نسخة يواقيت والأول ما هو في خط المؤلف (الجنة) أي أصلهما ذلك (طمس الله تعالى نورهما) أي ذهب به لكون الخلق لا يتحملونه كما أطفأ حر النار حين أخرجت من جهنم بغسلها في البحر مرتين (ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) أي والخلق لا تطيق مشاهدة ذلك كما يدل له قوله ابن عباس في الحجر لولا ذلك ما استطاع أحد النظر إليه فطمس نورهما من ضرورة بقاء أهل الأرض والطمس المحو والتغيير كما في الصحاح. قال الزمخشري: ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء (حم ت حب ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم تفرد به أيوب بن سويد وتعقبه الذهبي بأن أيوب ضعفه أحمد وتركه النسائي اه وأشار الترمذي إلى أن وقفه على ابن عمرو أشبه الحديث: 2003 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 2004 - (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فينبغي تغيمضه لئلا يقبح منظره قال القاضي: يحتمل أن الملك المتوفى للمحتضر يتمثل له فينظر إليه نظرا شزرا ولا يرتد إليه طرفه حتى تفارقه الروح وتضمحل بقايا القوى ويبطل البصر على تلك الهيئة فهو علة للشق ويحتمل كونه للإغماض لأن الروح إذا فارقته تتبعه الباصرة في الذهاب فلم يبق لانفتاح بصره فائدة انتهى. وقول النووي معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا أين تذهب تعقبه السيوطي بأنه يبصر ما دام الروح في البدن فإذا فارقه تعطل الإبصار كما يتعطل الإحساس. قال: والذي ظهر لي بعد النظر ثلاثين سنة أن يجاب بأحد أمرين: الأول أن ذلك بعد خروج الروح من أكثر البدن وهي بعد باقية في الرأس والعين فإذا خرج من الفم أكثرها ولم تنته كلها نظر البصر إلى القدر الذي خرج وقد ورد أن الروح على مثال البدن وقدر أعضائه فإذا خرج بقيتها من الرأس والعين سكن النظر فيكون قوله إذا قبض معناه إذا شرع في قبضه ولم ينته الثاني أن الروح لها اتصال بالبدن وإن كانت خارجة عنه يرى ويسمع ويعلم ويرد السلام ويكون هذا الحديث من أقوى الأدلة على ذلك اه وقد مرت الإشارة إلى ذلك وبيان الأصوب فيه والروح قد خاض سائر الفرق غمرة الكلام فيها فما ظفروا بطائل ولا رجعوا بنائل وفيها أكثر من ألف قول قال ابن جماعة: وليس فيها قول صحيح بل هي قياسات وتخييلات عقلية وجمهور أهل السنة على أنها جسم لطيف يخالف الأجسام بالماهية والصفة متصرف في البدن حال فيه حلول النار في الفحم والزيت في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وذهب الإمام والغزالي وكبير من الصوفية إلى أنه مجرد غير حال في البدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق ويدبر أمره على وجه لا يعلمه إلا الله (حم م هـ عن أم سلمة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم ذكره فضج الناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم الحديث: 2004 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 2005 - (إن الزناة يأتون) يوم القيامة إلى الموقف (تشتعل) أي تضطرم (وجوهم) أي ذواتهم والتعبير بالوجه عن الذات [ص: 344] شائع غير عزيز ولا مانع من إرادة الوجه فقط وإن كان الأول أشبه (نارا) لأنهم لما نزعوا لباس الإيمان عاد تنور الشهوة الذي كان في قلوبهم تنورا ظاهرا يحمى عليه بالنار لوجوههم التي كانت ناظرة إلى المعاصي وهذا تهديد شديد قصد به الردع لكون القوم كانوا حديثي العهد بجاهلية وكان الزنا في الجاهلية متعارفا لا نكير فيه ولا عار عليه بينهم مع أن في طيه فساد الجمهور وخراب المعمور وخلط الأنساب (طب عن عبد الله بن بسر) بباء موحدة مضمومة وسين مهملة وعبد الله بن بسر في الصحابة اثنان مازني وبصري والمراد هنا الثاني وكان ينبغي للمؤلف تمييزه قال الهيثمي: وفيه محمد بن عبد الله بن بسر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري في إسناده نظر الحديث: 2005 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 2006 - (إن الساعة) أي القيامة (لا تقوم حتى تكون) أي يوجد فتكون تامة (عشر آيات) أي علامات بل أكثر من ذلك بكثير كما في أخبار آخر وإنما اقتصر عليها هنا لأنها أكبرها (الدخان) بالتخفيف بدل من عشرا أو خبر مبتدأ محذوف وفي رواية يملأ ما بين المشرق والمغرب (والدجال) من الدجل وهو السحر أي المسيح فإنه سياح يقطع نواحي الأرض في زمن قليل (والدابة) التي تجلو وجه المؤمن بالعصي وتخطم أنف الكافر (وطلوع الشمس من مغربها) لا يقدح فيه قول الهيوليين إن الفلكيات بسيطة لا تختلف ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه لأنه لا مانع من انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وعكسه (وثلاثة خسوف) جمع خسف وخسف المكان ذهابه في الأرض وغيوبته فيها (خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) مكة والمدينة واليمامة واليمن على ما حكي عن مالك رضي الله تعالى عنه سميت به لأنه يحيط بها بحر الهند وبحر القلزم ودجلة والفرات (ونزول عيسى) عليه السلام من السماء إلى الأرض حكما عدلا (وفتح يأجوج ومأجوج) أي سدهما - بالهمز - صنف من الناس (ونار تخرج من قعر عدن) أي من أسفلها وأساسها قال في المصباح: قعر الشيء نهاية أسفله وعدن بالتحريك مدينة باليمن وقعرها أقصى أرضها (تسوق الناس) وفي رواية ترحل الناس وفي أخرى تطرد الناس (إلى المحشر) أي محل الحشر للحساب وهو الشام قال الخطابي: هذا قبل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام بدليل قوله (تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) وهذا الحشر آخر الأشراط كما في مسلم وما ورد مما يخالفه مؤول. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ويترجح من مجموع الأخبار أن أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم الأرضي الدجال فنزول عيسى عليه السلام فخروج يأجوج ومأجوج وكلها سابقة على طلوع الشمس وأولها المؤذن بغير أحوال العالم العلوي طلوع الشمس وخروج الدابة في يومه أو يقرب منه وأول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق (حم م عد عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري أبي سريحة بمهملتين مفتوح الأولى صحابي بايع تحت الشجرة ومات بالكوفة وروى له الجماعة قال حذيفة: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في عرفة ونحن في أسفل منه فاطلع علينا فقال ما تذكرون؟ قلنا الساعة فذكره الحديث: 2006 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 2007 - (إن السحور بركة) بفتح السين وضمها أي زيادة خير ونمو وعظم ثواب (أعطاكموها الله) أي خصكم بها على جميع الأمم (فلا تدعوها) أي لا تتركوها لمزيد فضلها فالتسحر سنة مؤكدة بل هذا الحديث يدل على كراهة تركه [ص: 345] قال عياض: وكان في صدر الإسلام ممنوعا اه. وقضية قاعدته أن ما كان ممنوعا ثم جاز وجب أنه واجب ولعل الصارف عن الوجوب الإجماع أو عدم مواظبة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (حم عن رجل) من الصحابة لم يبين اسمه وإبهامه غير قادح لأن الصحابة عدول الحديث: 2007 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 2008 - (إن السعادة كل السعادة طول العمر) بضم العين وتفتح (في طاعة الله) أي السعادة التامة العظيمة الكاملة قال فيه الكمال التي في ضمنها كل السعادة فإنه كل ما طال عمره ازداد من الطاعة فتكثر حسناته وتضاعف درجاته في الجنان وازداد قربا من رضى الرحمن وفي إفهامه أن الشقاوة كل الشقاوة طول العمر في معصية الله تعالى فإنه كلما طال ازداد من المعاصي فتكثر ذنوبه فتورده النار وبئس الورد المورود (خط عن المطلب) بن ربيعة بن الحارث الهاشمي (عن أبيه) ربيعة وله ولأبيه كما في الكاشف وسبقه بذلك ابن الحارث مع الإيضاح فقال ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر شعره وشمر ثوبه وابنه المطلب كان غلاما على عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كان رجلا سكن دمشق وقدم مصر ثم إن فيه ابن لهيعة وفيه ضعف الحديث: 2008 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 2009 - (إن السعيد لمن جنب) بضم الجيم وتشديد النون (الفتن) يعني بعد عنها ووفق للزوم بيته وكرره ثلاثا مبالغة في تأكد المباعدة عنها (ولمن ابتلى) أي بتلك الفتن هو بفتح اللام جواب قسم في صدر الحديث ومن بفتح الميم شرطية وابتلي في محل جزم بها (فصبر) معطوف عليه أي صبر على ما وقع في الفتن وصبر على ظلم الناس له وتحمل أذاهم ولم يدفع عن نفسه وقضية كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند أبي داود فواها ثم واها أي طوبى له لما حصل أي فواها له ما أطيبه (د) الفتن (عن المقدام) بن معد يكرب الكندي وفي نسخة المقداد قال: وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره الحديث: 2009 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 2010 - (إن السقط) بتثليث السين الولد يسقط من بطن أمه قبل تمامه وفي الإحياء بدله الطفل قالوا ولا أصل له (ليراغم) بتحتية وغين معجمة أي يحاج ويغاضب (ربه) يعني يتدلل على ربه والمراغمة المغاضبة قال الفارسي: وأما بالزاي فهو الغضب مع كلام (إذا دخل أبواه النار) نار جهنم قال الطيبي: هذا تخييل على نحو حديث الشيخين إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقوق الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ من القطيعة. الحديث. (فيقال) أي تقول الملائكة أو غيرهم بإذن ربهم (أيها السقط المراغم ربه) المدلل عليه (أدخل أبويك الجنة) أي أخرجهما من النار وأدخلهما الجنة (فيخرجهما بسرره) بفتح السين والراء ما يبقى بعد القطع من السرة بأن يعاد المقطوع إليه فيتمسكان به فيجرهما به (حتى يدخلهما الجنة (1)) ويحتمل أن الارتباط المعنوي والكلام في المسلمين قال الطيبي: هذا تتميم ومبالغة للكلام السابق ولهذا صدره المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم أي إذا كان السقط الذي لا يؤبه به يجر أبويه بما قد قطع من العلاقة بينهما فكيف الولد المألوف الذي هو فلذة الكبد وقرة العين وشقيق النفس؟ وهل مثل الأبوين الجدات والأجداد؟ لم أر في الروايات ما يدل عليه وفضل الله واسع [ص: 346] (هـ عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه جزم الحافظ العراقي بضعفه وسببه أن فيه مندل العنزي قال في الكاشف ضعفه أحمد   (1) أي يشفع لأبويه المسلمين فيقبل الله شفاعته فيأمر بإخراجهما من النار وإدخالهما الجنة الحديث: 2010 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 2011 - (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضع) بالبناء للمفعول أي وضعه الله (في الأرض) لتعملوا به (فأفشوا السلام بينكم) أي أظهروه ندبا مؤكدا فإن في إظهاره الإيذان بالأمان والتحابب والتواصل بين الإخوان وإرغام الشيطان. وللسلام فوائد كثيرة أفردت بالتأليف ثم قيل معنى السلام عليكم أي معكم وقيل معناه الله مطلع عليكم فلا تغفلوا وقيل معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتقاء عوارض الفساد عنه وقيل معناه السلامة لكم كأن المسلم بسلامه على غيره معلم له بأنه مسالم له لا يخافه وقيل معناه الدعاء له بالسلامة (خد عن أنس) وفي اللباب عن أبي هريرة بلفظ إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا وأمانا لأهل ملتنا رواه الطبراني في الصغير الحديث: 2011 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 1012 - (إن السماوات السبع والأرضين السبع والجبال لتلعن الشيخ الزاني) يعني يدعون عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله بلسان الحال والقال بأن يخلق الله لها قوة النطق بذلك على الخلاف المعروف في نظائره والذي خلق النطق في جارحة اللسان قادر على خلقه في غيرها ومثل الزاني اللائط بالأولى وسر ذلك أن الزنا من الشيخ لا عذر له فيه البتة لأن شهوته قد ضعفت وقواه انحطت فوقوع الزنا منه ليس إلا لكونه مفسدا بالطبع فالفساد ذاتي له يستحق بسببه الطرد والإبعاد وأما الشاب فله فيه عذر ما لمنازعته الطبيعة وغلبة الشهوة عليه والشيخة الزانية كالشيخ الزاني (وإن فروج الزناة) من الرجال والنساء (ليؤذي أهل النار نتن ريحها) وإذا آذى أهل النار مع شغل حواسهم بما هم فيه من العذاب عن الشم وغيره فما بالك بغيرهم لو شموه؟ وكفى بذلك وعيدا (البزار) في مسنده (عن بريدة) بن الخصيب وضعفه المناوي وقال الهيثمي فيه صالح بن حبان وهو ضعيف انتهى وأورده في اللسان من حديث أبي هريرة بلفظ إن السماوات السبع والأرضين السبع تلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني وقال إنه من منكرات حسين بن عبد الأول الحديث: 1012 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 2013 - (إن السيد) أي المقدم في الأمور والمعطى الولايات قال في الكشاف: السيد الذي يفوق قومه في الشرف (لا يكون بخيلا) أي لا ينبغي له ذلك أو لا ينبغي أن يسود ولهذا قال الماوردي عن الحكماء سؤدد بلا جود كملك بلا جنود وقال الجود حارس الأعراض ومن جاد ساد ومن أضعف ازداد وجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وخير الأموال ما استرق حرا وخير الأعمال ما استحق شكرا قال الراغب: البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود والبخيل هو الذي يكثر من البخل كالرحيم من الراحم والبخل ضربان بخل بمقتنيات نفسه وبخل بمقتنيات غيره وهو أكثره ذما انتهى وقيل إنما يستحق السيادة من لا يشح ولا يشاحح فلا يصانع ولا يخادع ولا تغيره المطامع وقال الغزالي: البخل منع الواجب والواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والواجب بالمروءة ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال [ص: 347] فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد برئ من البخل لكن لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ونيل الدرجات (خط في كتاب البخلاء) أي الكتاب الذي ألفه فيما ورد في ذمهم (عن أنس) بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم؟ قالوا حر بن قيس وإنا لنبخله فذكره الحديث: 2013 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 2014 - (إن الشاهد) أي الحاضر (يرى) من الرأي في الأمور المهمة لا من الرؤيا (ما لا يرى الغائب) أي الحاضر يعلم ما لا يعلمه الغائب إذ ليس الخبر كالمعاينة وهذا قاله لعلي كرم الله وجهه لما أرسله لقتل العلج الذي كان يتردد إلى مارية ليقتله فقال له علي: يا رسول الله أمض كيف كان فقال له إن الشاهد إلخ فكشف له عن سوءته فرآه خصيا مجبوبا فتركه (ابن سعد) في الطبقات (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 2014 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 2015 - (إن الشمس والقمر ثوران) بالثاء المثلثة (عقيران) أي معقوران يعني يكونان كالزمنين (في النار) لأنهما خلقا منها كما جاء في خبر آخر فردا إليها أو يجعلان في النار ليعذب بهما أهلها فلا يبرجان كأنهما زمنان عقيران فسقط قول بعض المشككين على الأصول الإسلامية ما ذنبهما حتى يعذبا وما هذا إلا كرجل قال في قوله سبحانه {واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} ما ذنب الحجارة؟ والثور الذكر من البقر والأنثى ثورة والمعقور المثبت بالجراحات (الطيالسي) أبو داود في مسنده (ع) كلاهما معا عن درست بن زياد بن يزيد بن أبان الرقاشي (عن أنس) بن مالك وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال درست ليس بشيء وتعقبه المؤلف بأنه لم يتهم بكذب وبأن له متابعا الحديث: 2015 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 2016 - (إن الشمس والقمر) آيتان من آياته تعالى (لا ينكسفان) بالكاف وفي رواية للبخاري بالخاء وهو بفتح الياء قال الزركشي عن ابن الصلاح وقد منعوا أن يقال يكسفان بالضم (لموت أحد) من الناس أو من العظماء وهذا قاله يوم مات ابنه إبراهيم فكسفت الشمس فقالوا كسفت لموته (ولا لحياته) ذكره دفعا لتوهم أنه إذا لم يكن لموت أحد من العظماء فيكون لإيجاده قال الأكمل كغيره وانكسافهما عبارة عند عدم إضاءتهما عالم العناصر مما يلينا في الوقت الذي من شأنهما أن لا يغيبا فيه وسبب كون كسوف الشمس توسط القمر بينهما وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد مظلم فيحجب ما وراءه عن الأبصار وفلكه دون فلك الشمس فإذا وجدنا الشمس بأبصارنا والقمر بيننا وبينها اتصل مخروط الشعاع الخارج عن الأبصار أولا بالقمر ثم يتعدى إلى الشمس فتنكسف كلا أو بعضا وسبب خسوف القمر توسط الأرض بينه وبين نور الشمس فيقع في ظل الأرض ويبقى ظلامه الأصلي فيرى منخسفا (ولكنهما آيتان) أي علامتان لقرب يوم القيامة أو لعذاب الله أو لكونهما مسخرين بقدرته (من آيات الله) الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته (يخوف الله بهما) أي بكسوفهما (عباده) من سطوته وكونه تخويفا لا ينافي ما قدره أهل الهيئة فيه لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عنه وقدرته حاكمة على كل سبب ومسبب بعضهما على بعض فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة إذا وقع شيء غريب خافوا لقوة ذلك الاعتقاد وذا لا يمنع أن ثم أسباب [ص: 348] تجري عليها العادة إلا إن شاء الله خرقها (فإذا رأيتم) أي علمتم (ذلك) أي كسوف واحد منهما لاستحالة تقارنهما في الوقوع عادة وفي رواية للبخاري رأيتموها أي الكسفة أو الآية وفي أخرى رأيتموها بالتثنية (فصلوا) صلاة الكسوف بكيفيتها المبينة في الفروع ويجزئ عنهما ركعتان كسنة الصبح (وادعوا) الله ندبا (حتى) غاية للمجموع من الصلاة أو الدعاء (ينكشف ما بكم) بأن يحصل الانجلاء التام والأمر فيهما للندب وإنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة الخارق تعرض عن الدنيا وتتوجه للحضرة العليا فيكون حينئذ أقرب للإجابة لا يقال هذا يدل على تكرر صلاة الكسوف إذا لم ينجل وهو غير مشروع لأنا نقول المراد مطلق الصلاة وقد يراد صلاة الكسوف وتكون الغاية لمجموع الأمرين بأن يمتد الدعاء إلى الانجلاء وفيه أنه يسن عند الكسوف الدعاء بكشفه وصلاة تخصه وأنها تسن جماعة وأن الكواكب لا أصل لها ولا تأثير استقلالا بل بأمر الله تعالى (خ ن عن أبي بكرة ق ن هـ عن أبي مسعود) البدري (ق ن عن ابن عمر ق عن المغيرة) قال ابن حجر: هذه طرق كلها تفيد القطع لمن اطلع عليها من أهل الحديث فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف لموت أحد أو حياته الحديث: 2016 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 2017 - (إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله تعالى شيئا) نكره للتقليل أي شيئا قليلا جدا إذ لا يطيق مخلوق النظر إلى كثير منها وإلا لفنى وتلاشى (حاد عن مجراه) أي مال وعدل عن جهة جريه (فانكشف) لشدة ما غلب عليهما من الجلال قال الطبري في إحكامه وللكسوف فوائد منها ظهور التصرف في هذين الخلقين العظيمين وإزعاج القلوب الغافلة وإيقاظها وليرى الناس أنموذج القيامة وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان فيكون تنبيها على خوف المكر ورجاء العفو والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له فكيف من له ذنب وقال الزمخشري: قالوا حكمة الكسوف أنه تعالى ما خلق خلقا إلا قيض له تغييره أو تبديله ليستدل بذلك على أن له مسيرا ومبدلا ولأن النيرين يعبدان من دون الله تعالى فقضى عليهما بسلب النور عنهما لأنهما لو كانا معبودين لدفعا عن نفسهما ما يغيرهما ويدخل عليهما (ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك الحديث: 2017 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 2018 - (إن الشهر) أي العربي الهلالي (يكون تسعة وعشرين يوما) كما يكون ثلاثين ومن ثم لو نذر شهرا معينا فكان تسعا وعشرين لم يلزمه أكثر واللام في الشهر عهدية والمعهود أنه حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فمضى تسع وعشرون فدخل فقيل له فقال إن الشهر أي المحلوف عليه يكون إلخ وسبب الحلف قصة مارية وتحريم العسل في قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم} الآية أو أهديت له هدية فقسمها فلم ترض زينب نصيبها فزادها فلم ترض فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها قد أعمت وجهك ترد عليك أو أنهن سألنه النفقة أو غير ذلك فحلف لا يدخل عليهن وجلس في مشربة له قال الخطابي: إنما لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه كان عين الشهر وإلا فلو نذر صوم شهر بغير تعيين لزمه ثلاثون وهذا نص في الحلف على البعد من النساء قال الحرالي: والشهر هو الهلال الذي شأنه أن يدور دورة من حين يهل إلى أن يهل ثانيا سواء كانت عدة أيامه تسعا وعشرين أو ثلاثين كلا العددين في صحة التسمية بالشهر واحد فهو شائع في فردين متزايدي العدد <تنبيه> قال جمع من خصائص هذه الأمة الأشهر الهلالية (خ ت عن أنس) بن مالك (ق عن أم سلمة) أم المؤمنين (م عن جابر) بن عبد الله (وعائشة) أم المؤمنين لكن لفظهما إن الشهر تسع وعشرون بحذف يكون ولا بد من تقديرها ليكون عشرين خبرها ذكره أبو زرعة الحديث: 2018 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 [ص: 349] 2019 - (إن الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الرحمة أو الصلاح أو شاط يعني احترق (تغدو براياتها) أي تذهب أول النهار بألويتها وأعلامها إلى (الأسواق) أي مجامع البيع والشراء (فيدخلون) ها (مع أول داخل) إليها (ويخرجون) منها (مع آخر خارج) منها فلما كانت عادة الراية استعمالها في معركة القتال استعيرت هنا لتعارك الناس عند البيع والشراء وحلفهم الأيمان الكاذبة لرواجها واحتمال أنها رايات حقيقية حجبت ورؤيتها عنا بعيدة والمراد أنهم لا يفارقون السوق ما دام الناس فيه لإغوائهم أهله ووسوتهم لهم بالغش والخديعة والخيانة ونفاق السلعة باليمين الكاذب ونحو ذلك ولهذا مزيد يأتي على الأثر والقصد التحذير من دخوله إلا لضرورة (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك الحديث: 2019 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 2020 - (إن الشيخ) أي من وصل إلى حد الشيخوخة (يملك نفسه) أي يقدر على كف شهوته وقمع لذته فيصير حاكما عليها ومن قدر على منع نفسه مما لا ينبغي فلا حرج عليه في التقبيل وهو صائم (حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم قال لا فجاء شيخ فقبال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال قد علمت لم نظر بعضكم لبعض إن الشيخ إلخ قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف الحديث: 2020 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 2021 - (إن الشيطان) من شطن بعد أو شاط هلك والمراد إما إبليس فاللام للعهد وإما نوعيه فللجنس (يحب الحمرة) أي يميل ميلا شديدا إليها (فإياكم والحمرة) أي احذروا لبس المصبوغ بها لئلا يشاركم الشيطان فيه لعدم صبره عنه (وكل ثوب ذي شهرة) أي صاحب شهرة يعني المشهور بمزيد الزينة والنعومة أو مزيد الخشونة والرثاثة فإن قلت قد ذكر علة النهي عن لبس الأحمر وهو محبة الشيطان فما باله لم يذكر علة ذي الشهرة قلت إنه تركه لعلمه من ذلك بالأولى فإنه إذا كان الأحمر محبوبا للشيطان فذو الشهرة محبوب له أكثر لأنه أعرق في الزينة وفيه مفاسد لا توجد في الأحمر البحت القاني والخطاب للرجال وهذا من أدلة من ذهب إلى تحريم لبس الأحمر (الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى وكذا ابن السكن وابن منده (وابن قانع) في معجم الصحابة (عد هب) من طريق أبي بكر الهزلي قال ابن حجر رحمه الله تعالى وهو ضعيف (عن رافع بن يزيد) كذا بخط المصنف وهو الموجود في الشعب وغيرها وفي نسخة رافع بن خديج وهو خطأ بل هو رافع بن يزيد الثقفي قال ابن السكن لم يذكر في حديثه سماعا ولا رؤية ولست أدري أهو صحابي أم لا ولم أجد له ذكرا إلا في هذا الحديث وقال الجوزقاني في كتاب الأباطيل هذا حديث باطل وإسناده منقطع قال ابن حجر في الإصابة وقوله مردود فإن أبا بكر الهذلي لم يوصف بالوضع وقد وافقه سعيد بن بشير وغايته أن المتن ضعيف أما حكمه عليه بالوضع فمردود انتهى وقال في الفتح الحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل وقد وقفت على كتاب الجوزقاني وترجمه بالأباطيل وهو بخط ابن الجوزي وقد تبعه على أكثره في الموضوعات لكن لم يوافقه على هذا الحديث ولم يذكره فيها فأصاب انتهى ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن رافع المذكور قال الهيثمي وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف ثم إن فيه يوسف بن سعيد. قال الذهبي: مجهول الحديث: 2021 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 [ص: 350] 2022 - (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم) أي مفسد للإنسان أي بإغوائه ومهلك له كذئب أرسل في قطع من الغنم (يأخذ الشاة القاصية) أي البعيدة عن صواحباتها وهو حال من الذئب والعامل معنى التشبيه وهو تمثيل مثل حالة مفارقة الجماعة واعتزاله عنهم ثم تسلط الشيطان عليه بحالة شاة شاذة عن الغنم ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها ووصف الشاة بصفات ثلاث فالشاذة هي النافرة والقاصية هي التي قصدت البعد لا عن تنفير (والناحية) بحاء مهملة التي غفل عنها وبقيت في جانب منها فإن الناحية هي التي صارت من ناحية الأرض ولما انتهى التمثيل حذر فقال (وإياكم والشعاب) أي احذروا التفرق والاختلاف ففي الصحاح شعب الشيء فرقه وشعبه أيضا جمعه فهو من الأضداد وفي الأساس الشعب الطريق والنهر وظبي أشعب متباين القرنين جدا وتشعبتهم الفتنة (وعليكم بالجماعة) تقرير بعد تقرير وتأكيد بعد تأكيد أي الزموها وكونوا مع السواد الأعظم فان من شذ شذ إلى النار (والعامة) أي السواد الأعظم من المؤمنين (والمسجد) أي لزومه فإنه مجمع الأخيار وموطن الأبرار وأحب البقاع إلى الله تعالى ومنه ينفر الشيطان فيعدو إلى السوق وينصب كرسيه وسطه ويركز رايته ويبث جنوده ويقول دونكم من رجال مات أبوهم وأبوكم حي فمن بين مطفف في كيل وطائش في وزن ومنفق سلعته بيمين مفتراه ويحمل عليهم بجنوده حملة فيهزمهم ويقلبهم إلى المكاسب الرديئة وإضاعة الصلوات ومنع الحقوق فلا يزال هذا دأب الشيطان مع أهل الغفلة من أول دخول أولهم إلى آخر خروج آخرهم فهذا ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث السابق والدواء النافع من ذلك لداخله تقوى الله ولزوم الذكر المشهور المندوب لداخل السوق الذي يكتب لقائله فيه ألف ألف حسنة ويحط عنه ألف ألف خطيئة ويرفع له ألف ألف درجة (حم) من حديث العلاء بن زياد (عن معاذ) ابن جبل قال الحافظ العراقي رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا اه وبينه تلميذه الهيثمي فقال العلاء لم يسمع من معاذ والرجال ثقات الحديث: 2022 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 2023 - (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) أي من أمره الخاص به أو المشارك فيه غيره فإنه بصدد أن يغايظ الإنسان المؤمن ويكايده ويناقضه حتى يفسد عليه شأنه في كل أموره قال ابن العربي: لا يخلو أحد من الخلق عن الشيطان وهو موكل بالإنسان يداخله في أمره كله ظاهرا وباطنا عبادة وعادة ليكون له منه نصيب (حتى يحضره عند طعامه) أي عند أكله للطعام وشربه للشراب (فإذا سقطت) أي وقعت (من أحدكم اللقمة) حال الأكل (فليمط ما كان بها من أذى) أي فليزل ما عليها من تراب أو غيره والإماطة التنحية. قال في الصحاح: إماطه نحاه ومنه إماطة الأذى عن الطريق (ثم ليأكلها) ندبا أو يطعمها غيره (ولا يدعها للشيطان) أي لا يتركها له (فأذا فرغ) من الأكل (فليلعق أصابعه) أي يلحسها (2) قال في الصحاح: لعق الشيء لحسه وبابه فهم والملعقة بالكسر واحدة الملاعق واللعقة بالضم اسم ما تأخذه الملعقة واللعقة بالفتح المرة الواحدة واللعوق اسم ما يلعق اه وزاد في روايات أو يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) أفي الساقط أم في ما في القصعة أم في ما على الأصابع؟ قال المحقق أبو زرعة الظاهر أن المراد هنا وفيما مر ويجيء بالشيطان الجنس فلا يختص بواحد من الشياطين والشيطان [ص: 351] كل عات متمرد وهبه من الجن والإنس والدواب لكن المراد هنا شياطين الجن خاصة ويحتمل اختصاصه بالشيطان الأكبر إبليس وفيه الكبر وتغيير عادة الأكابر إماطة الأذى عن المأكول والمشروب وإرغام الشيطان بلعق الأصابع وأكل المتناثر وإطابة المطاعم حسا ومعنى (م عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أيضا أبو يعلى وغيره   (2) والأمر بالأكل للندب ومحله إذا لم تتنجس أما إذا تنجست وتعذر غسلها فينبغي له أن يطعمها لنحو هرة الحديث: 2023 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 2024 - (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته) أي وهو فيها (فيلبس) بتخفيف الباء الموحدة المكسورة أي يخلط (عليه حتى لا يدري) أي يعلم (كم صلى) من الركعات (فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد) (1) للسهو ندبا عند الشافعي ووجوبا عند أبي حنيفة وأحمد (سجدتين) فقط وإن تعدد السهو (هو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم) من الصلاة وبعد أن يتشهد سواء كان سهوه بزيادة أو نقص وهذا كما ترى نص صريح شاهد للشافعي في ذهابه إلى أن محل سجود السهو قيل السلام ورد على أبي حنيفة في جعله بعده مطلقا ومالك رضي الله تعالى عنه في قوله للزيادة يكون بعده وللنقص قبله وفيه أن سجود السهو سجدتان فقط وهو إجماع وأما الخبر الآتي كل سهو سجدتان بعد ما يسلم فضعيف لا يقاوم هذا الحديث الصحيح (ت هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إسناده جيد   (1) أي فليبن على اليقين وهو الأقل ويكمل صلاته ويسجد الحديث: 2024 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 2025 - (إن الشيطان) لفظ رواية أحمد إن إبليس بدل الشيطان (قال وعزتك) أي وقوتك وشدتك (يا رب لا أبرح أغوي (1) أي لا أزال أضل (عبادك) الآدميين المكلفين يعني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن (ما دامت أرواحهم في أجسادهم) أي مدة دوامها فيها (فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) أي طلبوا مني الغفران أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم والإقلاع والخروج من المظالم والعزم على عدم العود إلى الاسترسال مع اللعن وظاهر الخير أن غير المخلصين ناجون من الشيطان وليس في آية {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى {ممن اتبعك} أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان ووعد كريم من الرحمن بالغفران قال حجة الإسلام: لكن إياك أن تقول إن الله يغفر الذنوب للعصاة فأعصى وهو غني عن عملي فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر: الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيها في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة وقال إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها والله يقول {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} {وإنما تجزون ما كنتم تعملون} (حم ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا أحد إسنادي أبي يعلى ورواه عنه الحاكم أيضا وقال صحيح وأقره الذهبي   (1) بفتح همزة أبرح وضم همزة أغوي أي لا أزال أضل بني آدم أي إلا المخلصين منهم ويحتمل العموم ظنا منه إفادة ذلك الحديث: 2025 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 [ص: 352] 2026 - (إن الشيطان لم يلق عمر) بن الخطاب (منذ أسلم إلا خر) أي سقط (لوجهه) هيبة منه ومخافة له لاستعداده له ومناصبته إياه لأنه لما طلعت عليه شمس النبوة وأشرقت عليه أنوار الرسالة لبس لأمة الحرب وتحلى بأنواع الأسلحة وحل في حومة الحرب بين باعث الدين وداعي الهوى والشيطان فكان القهر والغلبة لداعي الدين فرد جيش الشيطان مغلوبا فكان إذا لقيه بعد ذلك استسلم له فالخبر عبارة عن ذلك يحتمل الحقيقة وهكذا حال الأكابر معه حتى قال أبو حازم: ما الشيطان حتى يهاب فوالله لقد أطيع وعصي فما ضر وكان بعض العارفين يتمثل له الشيطان بصورة حية في محل سجوده فإذا أراد السجود نحاه بيده ويقول والله لولا نتنك لم أزل أسجد عليك وقال بعض العلماء: لولا أن الحق سبحانه أمرنا بالاستعاذة منه ما استعذت منه لحقارته (طب) من طريق الأوزاعي وكذا ابن منده وأبو نعيم (عن سديسة) بالتصغير الأنصارية قيل هي مولاة حفصة بنت عمر قال الهيثمي ولا يعلم للأوزاعي سماع من أحد من الصحابة ورواه في الأوسط عن الأوزاعي عن سالم عن سديسة وهو الصواب وإسناده حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا الحديث: 2026 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 2027 - (إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى) أي يظن المصلي (أنه أحدث) بخروج ريح من دبره فإذا وقع ذلك (فلا ينصرف) من صلاته أي لا يتركها ليتطهر ويستأنف (حتى يسمع صوتا) أي صوت ريح يخرج منه (أو يجد ريحا) أو يشم رائحة خرجت منه وهذا مجاز عن تيقن الحدث لأنها سبب للعلم به فالمدار على تيقن الحدث بذلك أو بغيره ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين كما في الديباج لأنه قد يكون أصم أو أخشم فذكر ذلك إنما هو جري على الغالب أو خروج على سؤال وفيه أن خروج الخارج من قبل أو دبر يوجب الحدث بخلاف الشك فيه وهذا أصل قاعدة عظيمة وهي أن التيقن لا يرفع بالشك والمراد به مطلق التردد الشامل للظن والوهم فيعمل باليقين استصحابا له فمن تيقن الطهر وشك في ضده أخذ بالطهر هبه في صلاة أم لا وإنما ذكر الصلاة لذكرها في سؤال سائل فلا يعتبر في الحكم كما لا يعتبر فيه كونه في المسجد كما جاء في رواية والكلام على القاعدة المذكورة مبسوط في كتب الفقه وهذا أصل قاعدة إن اليقين لا يرفع بالشك <تنبيه> قال الغزالي: الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصح حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرج عن العلم فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا فيميل قلبه إليهم ويعجب بنفسه وبه يهلكه وعنده يشد حاجه لأنه آخر درجاته ويعلم أنه لو جاوزه أفلت منه إلى الجنة (حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه علي بن زيد اختلف في الاحتجاج به الحديث: 2027 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 2028 - (إن الشيطان) في رواية مسلم إن إبليس وهو نص صريح في أن المراد بالشيطان هنا إبليس ولا اتجاه لترديد أمير المؤمنين في الحديث: الحافظ ابن حجر بقوله المراد بالشيطان إبليس أو جنس الشيطان لأنه الشيطان الأكبر كما قاله الحافظ العراقي (إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان لها (حال) قال في المصباح حال حولا من باب قال إذا مضى [ص: 353] ومنه قيل للعام ولو لم يمض حول لأنه سيمضي وقال الزمخشري رحمه الله: حال عن مكانه يحول (له) أي حالة كونه له وفي رواية حوله بحاء مهملة أي ذهب هاربا كذا في نسخة المؤلف وفي نسخ أحال بالهمزة (ضراط) حقيقي يشغل نفسه به عن سماع الأذان والجملة حال وإن لم تكن بواو اكتفاء بالضمير كما في {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} (حتى) أي كي (لا يسمع صوته) أي صوت المؤذن بالتأذين لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام والقول بأن المراد حتى لا يشهد للمؤذن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة اعترضوه (فإذا سكت) أي فرغ المؤذن من الأذان (رجع) الشيطان (فوسوس) للمصلين والوسوسة كلام خفي يلقيه في القلب وإنما يجيء عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق على إفسادها على فاعلها وإفساد خضوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلام وعموم الرحمة لهم مع يأسه من رد ما أعلنوا به عليهم ويذكر عصيانه ومخالفته فلا يملك الحدث (فإذا سمع الإقامة) للصلاة (ذهب) أي وله ضراط وتركه اكتفاء بذكره فيما قبله فيشغل نفسه به لثقل الأذان والإقامة عليه (حتى لا) أي لئلا (يسمع صوته فإذا سكت) المقيم (رجع) الشيطان (فوسوس) إليهم وفيه فضل الأذان والإقامة إذ لولاه لما تأذى منهما الشيطان وحقارة الشيطان وهوائه على أهل الإيمان ولو ناصبوه واستعدوا له لأعيوه تعبا وأبعدوه هربا لأنه إذا حصل له من الأذان ما ذكر وهو بلا قصد له فكيف بمن قصده واستعد له بيد أن الأكابر لا يبالون به لعدم السلطان له عليهم فهو يروض نفسه على ضرهم فلا يقدر ويضر نفسه كالفراش بأمن النار فيلم بها فتحرقه قال أبو زرعة والظاهر أن هربه إنما يكون من أذان شرعي مستجمع للشروط واقع بمحله أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته وقال الغزالي: قوت الشيطان الشهوات فمن كان قلبه خاليا عنها انزجر عنه بمجرد كرم الله كما لو وقف عليك كلب جائع وليس عندك ما يؤكل فبمجرد أن تقول له اخسأ اندفع وإن كان عندك ذلك هجم ولم يندفع بمجرد الكلام فالشهوة إذا غلبت على القلب تدفع حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ولم يتمكن من سوء يداه فيستقر الشيطان فيه والقلوب الخالية من الهوى والشهوات يطرقها الشيطان لا للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان وإن كنت تقول الحديث ورد مطلقا بأن الذكر والصلاة يطرد الشيطان ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط يعرفها علماء الدين فانظر لنفسك فليس الخبر كالمعاينة وتأمل أن منتهى ذكرك صلاتك فراقب قلبك وانظر كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق وحساب المعاملين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تتذكر ما نسيت من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا فيها والصلاة محك القلوب وكما أن الله تعالى قال {ادعوني أستجب لكم} وأنت تدعو فلا يستجيب فكذا تذكر الله ولا يهرب الشيطان عنك لفقد الشروط في الذكر والدعاء (م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2028 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 2029 - (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول) موسوسا مستدرجا من رتبة إلى رتبة ليوقع المكلف في الشك في الله تعالى (من خلق السماء؟ فيقول الله فيقول من خلق الأرض؟ فيقول الله فيقول من خلق الله؟) رواية البخاري من خلق ربك (فإذا وجد ذلك أحدكم) في نفسه (فليقل) بقلبه ولسانه رادا على الشيطان (آمنت بالله ورسوله) فإذا لجأ الإنسان إلى الله في دفعه اندفع بخلاف ما لو اعترض إنسان بذلك فإنه يمكن قطعه بالبرهان والفرق أن الآدمي يقع منه سؤال وجواب والحال معه محصور بخلاف الشيطان كلما ألزم حجة زاغ لغيرها <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: لا مناسبة [ص: 354] بين الواجب والممكن وأنى للمقيد معرفة المطلق وذاته لا تقتضيه وكيف يمكن أن يصل الممكن إلى معرفة الواجب بالذات وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والافتقار فلو جمع بين الواجب لذاته وبين الممكن بوجه جاز على الواجب ما جاز على الممكن من ذلك الوجه وذلك في حق الواجب محال فإثبات وجه جامع بينهما محال فلم نصل إلى معرفته سبحانه إلا بالعجز عن معرفته لأنا طلبنا أن نعرفه كما نطلب معرفة الأشياء كلها من جهة الحقيقة التي المعلومات عليها فلما علمنا أن ثم موجودا لا مثل له ولا صورة في الذهن ولا يدرك فكيف يضبطه العقل فنحن نعلم أنه موجود واحد في ألوهيته وهذا هو العلم الذي طلب منا غير عالمين بحقيقة ذاته التي يعرف سبحانه عليها (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن محمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسوله الحديث: 2029 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 2030 - (إن الشيطان يأتي أحدكم) أيها المخاطبون بأي صفة كنتم (فيقول من خلقك فيقول الله فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله) أي قل أخالف عدو الله المعاند وأومن بالله وبما جاء به رسوله (فإن ذلك يذهب عنه) لأن الشبهة منها ما يندفع بالإعراض عنها ومنها ما يندفع بقلعه من أصله يتطلب البراهين والنظر في الأدلة مع إمداد الحق بالمعرفة والوسوسة لا تعطي ثبوت الخواطر واستقرارها فلذا أحالهم على الإعراض عنها قال الغزالي من مكايد الشيطان حمل العوام ومن لم يمارس العلم ولم يتبحر فيه على التفكر في ذات الله وصفاته في أمور لا يبلغها حد عقله حتى يشككه في أمر الدين أو يخيل إليه في الله خيالا يتعالى الله عنه فيصير به كافرا أو مبتدعا وهو به فرح مسرور متبجح بما وقع في صدره يظن أن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله وأشد الناس حمقا أقواهم اعتقادا في عقل نفسه وأثقب الناس عقلا أشدهم اتهاما لنفسه وظنه وأحرصهم على السؤال من العلماء والنبي لم يأمره في علاج هذا الوسواس بالبحث فإن هذا وسواس يجده العوام دون العلماء وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعاشهم ويتركوا العلم للعلماء فإن العامي إذا زنى أو سرق خير له من أن يتكلم في العلم بالله بغير إتقان وإلا وقع في الكفر من حيث لا يدري كمن يركب لجة البحر ولا يعرف السباحة ومكايد الشيطان فيما يتعلق بالعقائد والمذاهب لا تحصر (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في كتابه (مكايد الشيطان عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة عازيا لابن أبي الدنيا وهو عجيب فقد خرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار قال الحافظ العراقي ورجاله ثقات الحديث: 2030 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 2031 - (إن الشيطان واضع خطمه) أي فمه وأنفه والخطم من الطير منقاره ومن الدابة مقدم أنفها وفمها (على قلب ابن آدم فإن) وفي نسخة فإذا والأولى هي الثابتة بخط المصنف (ذكر الله تعالى خنس) انقبض وتأخر (وإن نسي الله التقم قلبه) فبعد الشيطان من الإنسان على قدر ملازمته للذكر والناس في ذلك متفاوتون ولهذا تجنب أولياء الرحمن [ص: 355] قال أبو سعيد الخراز: رأيت إبليس فأخذ عني ناحية فقلت تعال فقال إبش أعمل بكم لزمتم الذكر وطرحتم ما أخادع به قلت ما هو قال الدنيا فولى عني ثم التفت وقال بقي لي فيكم لطيفة قلت ما هي قال السماع وصحبة الأحداث قال الغزالي: مهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى وجد الشيطان مجالا فوسوس ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأكثر القلوب قد افتتحها جند الشيطان وملكوها ومبدأ استيلائه اتباع الهوى ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات وعمارته بذكر الله وقال الحكيم: قد أعطي الشيطان وجنده السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طعما في غوايته فهو يهيج النفوس إلى تلك الزينة تهييجا يزعزع أركان البدن ومستقر القلب حتى يزعجه عن مقره ولا يعتصم الآدمي بشيء أوثق ولا أحصن من الذكر لأنه إذا هاج الذكر من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار وهيج العدو نار الشهوات فإذا رأى العدو هيجان الذكر من القلب ولى هاربا وخمدت نار الشهوة وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده <تنبيه> قال الغزالي: أهل المكاشفة من أرباب القلوب يتمثل لهم الشيطان بمثال في اليقظة فيراه الواحد منهم بعينه ويسمع كلامه ويقوم ذلك بمقام حقيقة صورته كما ينكشف في المنام للصالحين وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في النوم فيرى في اليقظة ما يراه النائم كما روي عن ابن عبد العزيز أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب الآدمي يرى في النوم جسد رجل يشبه البلور يرى داخله من خارجه والشيطان بصورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر له خرطوم طويل أدخله في منكبه إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس ومثل هذا قد يشاهد في اليقظة وقد رآه بعض المكاشفين بصورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناس إليها أو لقصد أن يصدق بأن الشيطان ينكشف لأرباب القلوب وكذا الملك إلى هنا كلامه (ابن أبي الدنيا) في المكائد (ع هب) كلهم (عن أنس) قال الهيثمي فيه عند أبي يعلى عدي بن أبي عمارة وهو ضعيف الحديث: 2031 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 2032 - (إن الشيطان) أي عدو الله إبليس كما جاء مصرحا به في رواية مسلم (عرض لي) أي ظهر وبرز لي أي في صورة هر كما جاء في رواية أخرى (فشد) أي حمل (علي) في رواية إن عفريتا من الجن تفلت علي بمروره بين يدي وإليه ذهب أحمد لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حكم بقطع الصلاة بمرور الكلب الأسود فقيل ما بال الأحمر والأبيض من الأسود قال الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن يتصورون بصورته ويحتمل كون قطعها بأن يصدر من العفريت أفعال تحوج إلى دفع منافية للصلاة فيقطعها بتلك الأفعال (ليقطع الصلاة) الليلية وأخر لفظ علي ليفيد أن التسليط على إرادة القطع إنما هو على ظاهر الصلاة (علي فأمكنني الله تعالى منه) أي جعلني غالبا عليه (فذعته) بذال معجمة وعين مهملة مخففة وفوقية مشددة أي خنقته خنقا شديدا قال ابن الأثير: والذعت بذال ودال الدفع العنيف والعكر في التراب وإنكار الشافعي رضي الله تعالى عنه رؤية الجن محمول على رؤيتهم على صورهم الأصلية بخلاف رؤيتهم بعد التصور في صورة أخرى على أن الكلام في غير المعصوم (ولقد هممت) أي أردت (أن أوثقه) أي أقيده (إلى سارية) من سواري المسجد (حتى تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح (فتنظروا إليه) موثقا بها وفي رواية أو تنظروا إليه على الشك (فذكرت قول) زاد في رواية أخي (سليمان) عليه السلام قال الحرالي: يقال هو من السلامة وأنه من سلامة مقدرة من تعلقه بما خوله الله من ملكيه {هذا من فضل ربي ليبلوني [ص: 356] أأشكر أم أكفر} وهو واحد كمال في ملك العالم المشهور من الأركان الأربعة وما فيها من المخلوقات (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فاستجيب دعاؤه (فرده الله) أي دفعه الله وطرده (خاسئا) أي صاغرا مهينا ولم أحب أن أشارك سليمان عليه السلام في ذلك لتكون دعوتي مدخرة لأمتي وهي من خسأت الكلب فانخسأ أي زجرته فانزجر قال الحكيم: وجه خصوصية سليمان عليه الصلاة والسلام أن غيره من الحكام أمر أن يحكم بالظاهر بشاهدين ويمين المنكر وربما شهد زورا وحلف كاذبا والذي سأله سليمان عليه الصلاة والسلام فأعطيه الحكم بما يصادف الحق باطنا فكان يحكم بين الوحش والطير والإنس والجن قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى: والجن أجسام لطيفة فيحتمل أن تصور بصورة يمكن ربطه معها حتى يعود لما كان عليه قال الغزالي: وفي الحديث إشارة إلى أنه لا يخلو قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة (خ عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه بل روياه معا في الصلاة عن أبي هريرة عنه بلفظ أن عفريتا من الجن تلفت البارحة ليقطع علي صلاتي إلى آخر ما هنا الحديث: 2032 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 2033 - (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء والمد بلد على نحو ستة وثلاثين ميلا أو أربعين من المدينة أي يبعد الشيطان من المصلي بعد ما بين المكانين أو التقدير يكون الشيطان مثل الروحاء في الخمود والبعد ذكره الطيبي وذلك لئلا يسمع صوت المؤذن وقصد الشارع بهذا الحديث الإرشاد إلى طريق محاربة الشيطان فإن الإنسان بصدد عبادة الحق ودعوة الحق إليه بفعله والشيطان أبدا بصدد أن يناقضك ويكايدك وعليك أن تنتصب لمحاربته وقهره وإبعاده فمن أعظم ما يقهره ويبعده ويزجره الأذان وملازمة الذكر في جميع الأحيان <تنبيه> قال العارف ابن عربي في توجيهه إدبار الشيطان عند الأذان حكمته أن الله تعالى قد أمر الخلائق بإشهادهم على أنفسهم بالبراءة من الشرك ألا ترى إلى قول هود عليه السلام لقومه {أشهد الله وأشهدوا أني بريء مما تشركون} فأشهدهم مع كونهم مكذبين به على أنفسهم بالبراءة من الشرك والإقرار بالأحدية لما علم أنه سبحانه وتعالى سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة عليهم أو لهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته فلذلك شهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس وكل من سمعه ولذلك يدبر الشيطان عند الأذان وله ضراط لئلا يسمع المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيصير بتلك الشهادة من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض لعنه الله (م عن أبي هريرة) الحديث: 2033 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 2034 - (إن الشيطان قد يئس) في رواية أيس (أن يعبده المصلون) أي من أن يعبده المؤمنون يعني من أن تعبد الأصنام {يا أبت لا تعبد الشيطان} قال البيضاوي رحمه الله تعالى: عبادة الشيطان عبادة الصنم بدليل فجعل عبادة الصنم عبادته لأنه الآمر به الداعي إليه وعبر عن المؤمنين بالمصلين كما في حديث نهيت عن قتل المصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان فالمراد أن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب وارتداد بعض لا ينافي يأسه فلا يرد نقضا أو لأنهم لم يعبدوا الصنم أو لأن المراد أن بين المصلين لا يحمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان (ولكن في التحريش بينهم) خبر مبتدأ محذوف أي وهو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي: والتحريش الإغراء على الشيء بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البصراء بالمعارف الإلهية قال بعض الأئمة: إنما خص جزيرة العرب لأنها مهبط الوحي وهو ما بين حفر أبي موسى الشعري إلى أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة موضع بالبادية [ص: 357] من طريق الشام عرضا وسميت جزيرة لأن البحار والأنهار اكتنفتها من أكثر الجهات كبحر البصرة وعمان وعدن وبحر الشام والنيل ودجلة والفرات قال أهل الهيئة: جملة ولاية العرب وأحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم واقعة بين الضلع الغربي من بحر فارس والشرقي من بحر القلزم فلهذا تسمى العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وقال الطيبي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه أيس أن يعبد فيها لكن طمع في التحريش وكان كما أخبر فكان معجزة والتحريش الإغراء على الشيء كما مر من حرش الصياد أي يخدعهم ويغري بعضهم على بعض لما ذكر العبادة أولا سماهم المصلين تعظيما لهم ولما ذكر الفتنة أخرجه مخرج التحريش وهو الإغراء بين البهائم توهينا وتحقيرا لهم قال حجة الإسلام: روي أن إبليس تمثل لعيسى عليه السلام فقال قل لا إله إلا الله فقال كلمة حق ولا أقولها بقولك وذلك لأن له تحت الخير تلبيسات لا تتناهى وبه تهلك العلماء والعباد والزهاد والفقراء والأغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون ظاهر الشر ولا يرضون لنفسهم الخوض في المعاصي المكشوفة قال الحجة: وقد انتشر الآن تلبيسه في البلاد والعباد والمذاهب والأعمال فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة ملك أو لمة شيطان وأن يمضي النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى من الطبع بل بنور اليقين {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (حم م) في صفة عرش إبليس (ت) في الزهد (عن جابر) ولم يخرجه البخاري وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يخرجه إلا هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله المصلون في جزيرة العرب ذكره في أواخر صحيحه وكأنه سقط من القلم الحديث: 2034 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 2035 - (إن الشيطان حساس) بحاء مهملة وتشديد السين بضبط المصنف قال الحافظ الزين العراقي: المشهور في الرواية بحاء مهملة أي شديد الحس والإدراك كما في النهاية ويجوز من جهة المعنى كونه بالجيم من تجسس الأخبار تفحص ومنه الجاسوس وفرق بعضهم بينهما بأنه بالجيم أن يطلب لغيره وبالحاء لنفسه وقيل بالجيم في الشر وبالحاء في الخير (لحاس) بالتشديد بضبط المصنف أي يلحس بلسانه ما يتركه الآكل على يده من الطعام (فاحذروه على أنفسكم) أي خافوه عليها فاغسلوا أيديكم بعد فراغ الأكل من أثر الطعام غسلا جيدا فإنه (من بات وفي يده ريح غمر) بغين معجمة وميم مفتوحتين ريح اللحم وزهومته (فأصابه شيء) للبزار فأصابه خبل ولغيره لمم وهو المس من الجنون وفي أخرى فأصابه وضح أي برص والمراد فساد شيء من أعضائه إما بالخبل أو اللمم أو الوضح (فلا يلومن إلا نفسه) فإنا قد أوضحنا له البيان حتى صار الأمر كالعيان ومن حذر فقد أنذر فمن لم ينته بعد ذلك فهو الضار لنفسه قال ابن عربي رضي الله عنه: أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يتصل بالإنسان بسبب الغمر فيتحسس به ويتلحسه ويتصل به فلا يسلم من أن يشاركه في بدنه فيصيبه منه داء أو جنون فليجتهد في إزالة الغمر <تنبيه> قال في البحر: أخبر أنه يلحس الرائحة والغمر دون العين وعليه فمشاركته للناس في الأكل إنما هي مشاركة في رائحة طعامهم دون عينه وقد يكون مشاركته لهم بذهاب البركة منه لعدم التسمية عليه إلى هنا كلامه وشنع عليه ابن العربي رضي الله عنه فقال: من زعم أن أكله إنما هو الشم فقد حاد ووقع في حبالة الإلحاد بل يأكل ويشرب وينكح ويوله له قال: ومن زعم أن الجن والشياطين بسائط فإنما أراد أنهم لا يفنون وهم يفنون وقول الحديث إنه حساس لحاس ليس فيه ما يقتضي عدم الأكل بل يشم ويأكل وله لذة في الشم كلذتنا في اللقمة في كل طعمة (ت ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرطهما واغتر به المصنف فلم يرمز لضعفه وما درى أن الذهبي رده عليه ردا شنيعا بل هو موضوع فإن فيه يعقوب بن الوليد كذبه أحمد والناس انتهى وقال الذهبي في موضع آخر يعقوب بن الوليد [ص: 358] الأزدري هذا كذاب واتهم فلا يحتج به قال: لكن رواه البيهقي والبغوي من وجه آخر من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وقال البغوي في شرح السنة حديث حسن وهو كما قال سهيل بن أبي صالح وإن كان قد تكلم فيه لكنه مقارب فهو من هذا الوجه حسن الحديث: 2035 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 2026 - (إن الشيطان) أي كيده (يجري من ابن آدم) أي فيه (مجرى الدم) في العروق المشتملة على جميع البدن قال القاضي: وهذا إما مصدر أي يجري مثل جريان الدم في أنه لا يحس بجريه كالدم في الأعضاء ووجهه الشبه شدة الاتصال فهو كناية عن تمكنه من الوسوسة أو ظرف ليجري ومن الإنسان حال منه أن يجري مجرى الدم كائنا من الإنسان أو بدل بعض من الإنسان أي يجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم انتهى. وقال الطيبي: عدى يجري بمن على تضمنه معنى التمكن أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم وقوله مجرى الدم يجوز كونه مصدرا ميميا وكونه اسم مكان وعلى الأول فهو تشبيه شبه كيد الشيطان وجريان وسوسته في الإنسان بجريان دمه وعروقه وجميع أعضائه والمعنى أنه يتمكن من إغوائه وإضلاله تمكنا تاما ويتصرف فيه تصرفا لا مزيد عليه وعلى الثاني يجوز كونه حقيقة فإنه تعالى قادر على أن يخلق أجساما لطيفة تسري في بدن الإنسان به سريان الدم فيه فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم والإنسان من صلصال وحمأ مسنون والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجري في أعضائه بدليل خبر البخاري معلقا الشيطان جائم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس ويجوز كونه مجازا يعني أن كيد الشيطان ووسوسته تجري في الإنسان حيث يجري منه الدم من عروقه والشيطان إنما يستحوذ على النفوس وينفث وساوسه في قلوب الأخيار بوسطة النفس الأمارة بالسوء ومركبها الدم ومنشأ قواها منه فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم لأنه يقمع الهوى والشهوات التي هي أسلحة الشيطان وقال ابن الكمال: هذا تمثيل وتصوير أراد تقرير أن للشيطان قوة التأثير في السرائر فإن كان متفردا منكرا في الظاهر فإليه رغبة روحانية في الباطن بتحريكه تنبعث القوى الشهوانية في المواطن قال أعني ابن الكمال ومن لم يتنبه لحسن هذا التمثيل ضل في رد ذلك المقال وأضل حيث قال {فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} كالدلالة على بطلان ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي ويخالطه لأنه إذا أمكنه ذلك لكان ما يذكره في باب المبالغة أحق أما إنه ضل فلأنه لم يدر أن الكلام المذكور مأخوذ من مشكاة النبوة مصبوب في قالب التمثيل والغرض منه بيان أن الشيطان منفور محذور منه في الظاهر مطبوع متبوع في الباطن والغرض من التمثيل المنقول عنه بيان كمال اهتمامه في أمر الإغواء وتصوير قوة استيلائه على ابن آدم من جميع الجهات وكل من التمثيلين على أبلغ نظام وأحسن وجه من الانطباع على مقتضى التمام وأما أنه أضل فلأن الفخر الرازي ذلك الإمام الهمام نقله عنه نقل قبول حيث قال قال القاضي هذا القول من إبليس كالدلالة على بطلان على ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي اه وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب وجوب إنفاء التهمة الذنوب في مواقعها ووجود الشياطين وهم مردة الجن وقد نطق القرآن العظيم به وإنما خالف فيه الفلاسفة الضالون ومن اقتفى فيه أثرهم كالمعتزلة (حم ق د هـ عن أنس) بن مالك (ق د عن صفية) بنت حيي النضرية أم المؤمنين من ذرية هارون عليه السلام وهذا قاله وقد انطلق معها فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال إنها صفية قالا سبحان الله فذكره قال الغزالي: فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق التحرز من التهم حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا خيرا إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضى بعضهم وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الأشرار الحديث: 2026 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 [ص: 359] 2038 - (إن الصائم إذا أكل) بالبناء للمفعول أي أكل أحد (عنده) نهارا (لم تزل تصلي عليه الملائكة) أي تستغفر له (حتى يفرغ) الأكل عنده (من طعامه) أي من أكل طعامه فإن حضور الطعام يهيج شهوته للأكل فلما قمع شهوته وكف نفسه امتثالا لأمر ربه ومحافظة على ما يقربه إليه ويرضيه عنه عجبت الملائكة من إذلاله لنفسه في طاعة ربه فاستغفروا له وفي الحديث شمول لصوم الفرض والنفل وقصره على الفرض لا دليل عليه ولا ملجأ إليه (حم ت هب عن أم عمارة) بنت كعب الأنصارية صحابية روى عنها حفيدها عباد بن تميم وغيره قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه طعاما فقال كلي فقالت إني صائمة فذكره قال الترمذي حسن صحيح وقضية صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي وابن ماجه الحديث: 2038 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 2039 - (إن الصالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق خلقه وقول القاضي البيضاوي هو الذي صرف عمره في طاعة الله وماله في مرضاته ليس على ما ينبغي لاقتضائه أنه من صرف صدرا من عمره في عمل المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بحق خدمة ملك الملوك لا يسمى صالحا ومن البين أنه في حيز السقوط (يشدد عليهم) بالبناء للمفعول أي يشدد الله عليهم ويبتليهم ليرفع درجتهم لما مر غير مرة أن أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل (وإنه) أي الشأن (لا يصيب مؤمنا نكبة) أي مصيبة كما في المصباح (من شوكة فما فوقها إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة وقد تقدم أنه لا بدع في كون الشيء الواحد حاطا ورافعا قال الطيبي: والصلاح استقامة الشيء على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح لا تخلو من شوب فساد وخلل والاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى (حم حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات الحديث: 2039 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 2040 - (إن الصبحة) بالضم أي تناول ما لا ينبغي وقت الصباح أو النوم وقته ولو بعد الصلاة (تمنع بعض الرزق) أي حصوله حقيقة أو بمعنى عدم البركة فيه على ما مر وفي رواية بإسقاط بعض ما على الأول فإن من افتتح النهار بخير كان في بقيته ميمونا مباركا له من الله عون على رزقه وأما على الثاني فلأنه قد ورد أن ما بين الفجر وطلوع الشمس ساعة تقسم فيها الأرزاق وليس من حضر القسمة كمن غاب عنها ولأن من نام حتى أصبح أصبح وهو خبيث النفس كسلان ليس له نهضة في تعاطي معاشه فينقص بذلك محصوله وهكذا يكاد أن يكون محسوسا (حل) من حديث الحسن بن علي الطوسي عن محمد بن أسلم عن حسين بن الوليد عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن ابن المسيب (عن عثمان بن عفان) وهكذا رواه عن العطريف الحديث: 2040 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 [ص: 360] 2041 - (إن الصبر) أي المحمود صاحبه أو الكامل ما كان (عند الصدمة الأولى) أي الوارد على القلب غب المصيبة إذ لفجأتها روعة تزعج القلب بصدمتها فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا أوردت بعد طول الأمل فقد توطن عليها ويطبعها ويصير صبره كالاضطراري فمعنى الخبر كما قال أبو عبيد إن كل ذي رزية قصاراه الصبر لكن إنما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها والصبر حبس النفس على مقتضى الشرع وهو لفظ عام ربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فحبس النفس لمصيبته يسمى صبرا لا غير ويقابله الجزع وحبسها في محاربة تسمى شجاعة ويقابله الجبن في إمساك عن كلام يسمى صمتا وكتمانا ويقابله القلق وهكذا (حم ق 4 عن أنس) قال مر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بامرأة تبكي عند قبر فذكره وكلام المصنف صريح في أن الجماعة كلهم رووه ورأيت الصدر المناوي استثنى منهم ابن ماجه الحديث: 2041 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 2042 - (إن الصخرة) بسكون الحاء وفتحها الحجر العظيم كما يفيده قول الصحاح وغيره الصخر الحجارة العظام والواحدة صخرة بسكون الخاء وفتحها اه فقوله العظيمة صفة كاشفة (لتلقى من شفير جهنم) أي حرفها وساحلها وشفير كل شيء حرفه ومنه شفر النفس الفرج كما في المصباح وشفير النهر والبئر والقبر كما في الأساس (فتهوي بها) وفي نسخة فيها والأول هو ما في خط المصنف (سبعين عاما) وفي نسخة خريفا والأول هو الأثبت في خط المصنف (ما تفضي إلى قرارها) أي ما تصل إلى قعرها أراد وصف عمقها لأنه لا يكاد يتناهى فالسبعين للتكثير لا للتحديد جريا على عادتهم في تخاطبهم من إرادة مجرد التكثير لا خصوص العدد (ت عن عتبة) بضم أوله فمثناة فوقية ساكنة (ابن غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاي المازني صحابي جليل بدري أسلم بعد ستة رجال وكان أحد الرماة وهو الذي اختط البصرة الحديث: 2042 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 2043 - (إن الصداع) أي وجع بعض أجزاء الرأس أو كله فما منه في أحد شقيقه لازما سمي شقيقة أو شامل لكلها لازما سمي بيضة وخوذة وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتقان البخار فيها وهو مرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكان أكثر مرض المصطفى صلى الله عليه وسلم منه والمليلة فعيلة من التملل وأصلها من الملة التي يخبز فيها فاستعيرت لحرارة الحمى ووهجها وقال المنذري: المليلة الحمى التي تكون في العظم (لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف (فما يدعانه) أي يتركانه (وعليه من ذنوبه مثقال) أي ما يثاقل أي يوازن (حبة من خردل) بل يكفر الله عنه جميع ذنوبه وخص الخردل بالذكر لكمال المبالغة وهو أصغر الحبوب قدرا ولما نظر إلى هذا أبي بن كعب قال لعواده وقد قالوا له كيف نجدك يا أبا إسحاق قال بخير جسد أذيب وأخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه وإن شاء رحمه وإن بعثه بعثه خلقا جديدا لا ذنب له قال ابن العربي: من فضله سبحانه على عباده أن خلق المعصية وقدرها ثم محصها وكفرها بحكمته وكفارة الأمراض والأوصاب للسيئات إن كانت صغائر مسحا مسحا وإن كانت كبائر وزنا وزنا وإن كان الكل بالميزان لكن الصغائر لا ثبات لها مع الحسنات وأما الكبائر فلا بد فيها من فضل الله تعالى في تقديره اسم الذنب وأجر الطاعة ويقابل بينهما [ص: 361] في الوزن بحسب عمله فيسقط ما يسقط ويبقى ما يبقى بحسب الكبيرة (حم طب عن أبي الدرداء) قال المنذري فيه ابن لهيعة وسهل بن معاذ وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 2043 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 2044 - (إن الصدق) الذي هو الإخبار على وفق الواقع وقال الحرالي: مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه (يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى البر) بالكسر اسم يجمع الخير كله وقيل هو التوسع في الخير وقيل اكتساب الحسنات واجتناب السيئات (وإن البر يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي يدعو إلى ما يكون برا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب دخولها ومصداقه {إن الأبرار لفي نعيم} (وإن الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان المؤمن (ليصدق) أي يلازم الصدق (حتى يكتب عند الله صديقا) بكسر فتشديد للمبالغة والمراد يتكرر منه الصدق ويداوم عليه حتى يستحق اسم المبالغة فيه ويشتهر بذلك عند الملأ الأعلى قولا وفعلا واعتقادا ثم يوضع له ذلك في قلوب أهل الأرض كما في رواية فالمراد بالكتابة الكتابة في اللوح أو في صحف الملائكة. قال الطيبي: حتى للتدريج (وإن الكذب) أي الإخبار بخلاف الواقع (يهدي إلى الفجور) الذي هو هتك ستر الديانة والميل إلى الفساد والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببا لدخولها وذلك داع لدخولها (وإن الرجل ليكذب) أي يكثر الكذب (حتى يكتب عند الله كذابا) (1) بالتشديد صيغة مبالغة أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم في الأولى أو الكذابين وعقابهم في الثاني فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة فيما ذكر ليشتهر في الملأ الأعلى وتلقى في قلوب أهل الأرض كما تقرر ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض ذكره العلاء وغيره وعزوه لابن حجر رحمه الله قصور قال البعض فالمضارعان وهما يصدق ويكذب للاستمرار ومن ثم كان الكذب أشد الأشياء ضررا والصدق أشدها نفعا ولهذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وفيه كما قال النووي حث على تحري الصد والاعتناء به فإنه إذا اعتنى به أكثر منه فعرف به وتحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به (تتمة) قال الراغب: الصدق أحد أركان بقاء العالم حتى لو توهم مرتفعا لما صح نظامه وبقاؤه وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ومن عرف بالكذب لم يعتمد نطقه وإذا لم يعتمد لم ينفع صار هو والبهيمة سواه بل يكون شرا من البهيمة فإنها وإن لم تنتفع بلسانها لا تضر والكاذب يضر ولا ينفع (ق عن ابن مسعود) ووهم الحاكم حيث استدركه   (1) قال في الفتح المراد بالكتابة بالحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض الحديث: 2044 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 2045 - (إن الصدقة) الفرض أو النفل (لا تزيد المال إلا كثرة) في الثواب بإضعافه أضعافا كثيرة أو في البركة ودفع العوارض فهو تنبيه على ما يفاض عليه من الخيور الإلهية فالمراد الزيادة المعنوية لما أن الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس إلا الحسية كما ظنه بعض الخاسرين الضالين حيث قيل له ذلك فقال بيني وبينك الميزان (عد عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2045 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 [ص: 362] 2046 - (إن الصدقة على ذي قرابة) أي صاحب قرابة وإن بعد (يضعف) لفظ رواية الطبراني يضاعف (أجرها مرتين) لأنها صدقة وصلة وفي كل منهما أجر على حدته والمقصود أن الصدقة على القريب أولى وآكد من الصدقة على الأجنبي وإن كان القريب كاشحا كما صرح به في عدة أخبار (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عبد الله بن زحر وهو ضعيف الحديث: 2046 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 2047 - (إن الصدقة لتطفىء غضب الرب) أي سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم بأن يموت مصرا على ذنب أو قانطا من رحمة الله أو مختوما له بسيء عمل أو نحو لديغ أو غريق أو حريق أو نحوهما مما استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكره الحكيم وعزوه للعراقي فيه قصور (ت) في الزكاة (حب عن أنس) بن مالك قال الترمذي غريب قال عبد الحق ولم يبين المانع من صحته وعلته ضعف راويه أبي خلف إذ هو منكر الحديث قال ابن القطان فالحديث ضعيف لا حسن انتهى وجزم العراقي بضعفه قال ابن حجر: أعله ابن حبان والعقيلي وابن طاهر وابن القطان وقال ابن عدي لا يتابع عليه الحديث: 2047 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 2048 - (إن الصدقة) عرفها باللام العهدية لتفيد أن المراد الصدقة المعهودة وهي الفرض (لا تنبغي) أي لا تستقيم ولا تحسن ولفظ ينبغي في استعمالهم صالحة للندب وللوجوب ولا ينبغي للكراهة والتحريم فتارة يريدون به هذا وأخرى هذا والقرينة محكمة وهو هنا للتحريم (لآل محمد) أي محمد وآله وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وإطلاق الآل على الإنسان وآله شائع سائغ ونبه على أن علة التحريم الكرامة بقوله (إنما هي أوساخ الناس) أي أدناسهم وأقذارهم لأنها تطهر أدرانهم وتزكي أموالهم ونفوسهم {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فهي كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن زعم استثناءه فقد أبعد ومستنده خبر مرسل ضعيف وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملا من الصدقة فقال أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل ما تحت رفغيه فشربته فغضب وقال أتقول لي هذا قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها قال الطيبي: وقد اجتمع في هذا التركيب مبالغات شتى حيث جعل المشبه به أوساخ الناس للتهجين والتقبيح بتغير أو استقذار وجل حضرة الرسالة ومنبع الطهارة أن ينسب إلى ذلك ولذلك جرد عن نفسه الطاهرة من يسمى محمدا كأنه غيره وهو هو فإن الطيبات للطيبين ولا يقال كيف أباحها لبعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنا نقول ما أباحها لهم عزيمة بل اضطرارا وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميت {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} (حم م) في الزكاة (عن المطلب) بضم الميم وشد الطاء (بن ربيعة) ابن الحارث الهاشمي له صحبة وفيه قصة ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن المطلب لكنه أخرج تحريم الصدقة على الآل عن أبي هريرة الحديث: 2048 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 2049 - (إن الصدقة لتطفىء عن أهلها) أي عن المتصدقين بها لوجه الله تعالى (حر القبور) أي محل الدفن خصها بذلك لأنها إذا وقعت في يد جيعان أطفأت عنه تلهب الجوع وتحرقه وإيلام الجوع البالغ أشد من إيللام حرق النار فكما أخمد المتصدق حر الجوع يجازى بمثله إذا صار مجندلا في القبور جزاء وفاقا ولأن الخلق عيال الله وهي إحسان إليهم والعادة أن الاحساس إلى عيال الإنسان يطفىء غضبه وإنما حر النار من غضبه (وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة) [ص: 363] من وهج الشمس في الموقف (في ظل صدقته) كأن صدقته تجسد كالطود العظيم فيكون في ظله أو هو مجاز وقال العامري: ليس المراد بها ظله من حر الشمس فقط بل تمنعه من جميع المكاره وتستره من النار إذا واجهته وتوصله إلى جميع المحاب من قولهم فلان في ظل فلان وتمسك به من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولو لم يكن في فضل الصدقة إلا أنها لما تفاخرت الأعمال كان لها الفضل عليهن لكفى (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف الحديث: 2049 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 2050 - (إن الصداقة يبتغي) بالبناء للمجهول أي يراد (بها) من المتصدق (وجه الله تعالى) من سد خلة فقير أو صلة رحم مسلم أو كافر تجوز الصدقة عليه فمن أخلص في تلك الإرادة فقد قر عينا بالجزاء عليها وجعلها كالغسالة لذنوبه (والهدية يبتغي بها وجه الرسول) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وقضاء الحاجة) التي قدم الوفد عليه فيها فهي من أجل حق المال لأنها من فوق رتبة المهدي والهبة للمثل أو الدون والهبة تمليك عين في الحياة مجانا فإن انضم إلى التمليك قصد إكرام المعطي فهو هدية أو قصد ثواب الآخرة فصدقة وكلها مندوبة (طب عن عبد الرحمن بن علقمة) بفتح المهملة والقاف ويقال ابن أبي علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال ما هذه قالوا صدقة قال إن الصدقة يبتغى بها وجه الله وإن الهدية يبتغى بها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة فقال لا بل هدية فقبلها منهم انتهى وبه يتضح معنى الحديث ولولاه لكان مغلقا وعبد الرحمن هذا ذكر أنه كان في وفد ثقيف وقال أبو حاتم هو تابعي لا صحبة له ذكره ابن الأثير وغيره واختصره الذهبي فقال مختلف في صحبته الحديث: 2050 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 2051 - (إن الصدقة) أي المفروضة وهي الزكاة كما يدل عليه تعريفها (لا تحل لنا) أهل البيت لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والمقامات الرفيعة السنية (وإن مولى القوم) أي عتيقهم والمولى أيضا الناصر والحليف والمعتق وغير ذلك لكن المراد هنا الأول (منهم) أي حكمه حكمهم وكما لا تحل الزكاة لنا لا تحل لمعتقنا قال في المظهر هذا ظاهر الحديث لكن قال الخطابي موالي بني هاشم لا حظ لهم في سهم ذي القربى فلا يحرمون الصدقة وإنما نهى عن ذلك تنزيها لهم وقال مولى القوم منهم على سبيل التسبيه في الاستنان منهم والافتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكفيه مؤونته فنهاه عن أخذ الزكاة (ت ن ك) في الزكاة (عن أبي رافع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة فقال استصحبني كما تصيب منها فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد أعلى من الثلاثة وهو عجيب فقد رواه الإمام أحمد وكأنه ذهل عنه الحديث: 2051 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 2052 - (إن الصعيد الطيب) أي التراب الخالص الطاهر (طهور) بفتح الطاء أي مطهر أي كاف في التطهير (للمرء المسلم) واحتج به داود على مذهبه أن التيمم يرفع الحدث وقال الباقون المراد به أنه قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ولو كان طهورا حقيقة لم يحتج الجنب بعد التيمم أن يغتسل (ما لم يجد الماء) بلا مانع حسي أو شرعي (ولو إلى عشر حجج) أي سنين قاله لمن يعزب عن الماء ومعه أهله فيجنب (فإذا وجدت الماء) بلا مانع (فامه) كذا بخط المصنف وفي رواية [ص: 364] فأصبه (بشرتك) أي أوصله إليها وأسله عليها في الطهارة من وضوء أو غسل وفي رواية الترمذي فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير فأفاد أن التيمم ينقضه رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية الطهور بالتراب والمراد بالصعيد في هذا الحديث وما أشبهه تراب له غبار فلا يجزىء التيمم بغيره عند الشافعية لخبر جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ولم يشترط الحنفية الغبار بل أجازوا الضرب على الصخر (م د ت عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 2052 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 2053 - (إن الصفا) بالقصر أي الحجارة المليس واحدتها صفاة كحصى وحصاة أو الحجر الأملس فهو يستعمل في الجمع والمفرد فإذا استعمل في الجمع فهو الحجارة أو في المفرد فالحجر (الزلال) بتشديد اللام الأولى بضبط المؤلف أي مع فتح الزاي وكسرها والكسر كما في المصباح أفصح أرض مزلة تزل بها الأقدام والمزلة المكان الرحب (الذي لا تثبت عليه) أي لا تستقر (أقدام العلماء الطمع) (1) فإنه يذهب الحكمة من قلوبهم كما يأتي في خبر الشيطان طلاع رصاد لدعائهم له يشغلهم عن ذكر الله وصرف زمنهم بعلمهم في المنازعات والمكدرات وطول الهموم في التدبيرات حتى تنقضي أعمارهم وهم على تلك الحال فيكون علمهم عليهم وبالا {حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا} وعدم الطمع والزهد في الدنيا لما كان ملكا حاضرا حسدهم الشيطان عليه فصدهم عنه وصيرهم بالطمع عبيدا لبطونهم وفروجهم حتى صار أحدهم مسخرا له كالبهيمة يقوده بزمام طمعه إلى حيث يهوي قال الشافعي رضي الله تعالى عنه كتب حكيم لحكيم قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب والطمع فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم وقال الراغب: العالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه فكيف يداوي غيره وقال: من أبواب الشيطان العظيمة الطمع فإذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحسن إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة فيه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر وقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبد الله بن حنظلة وقال احفظ عني شيئا قال لا حاجة لي به قال تنظر فإن كان خيرا أقبله وإلا فلا: لا تسأل إلا الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت وقال بعضهم: الطمع هو الذي يذل الرقاب ويسود الوجه ويميت القلوب وعلاجه سلوك طريق القناعة ويحصل بسد باب التوسعات والاقتصار على ما لا بد منه مأكلا ومشربا ومسكنا وملبسا ونحو ذلك. قال أبو جعفر البغدادي: ست خصال لا تحسن بست رجال لا يحسن الطمع في العلماء ولا العجلة في الأمراء ولا الشح في الأغنياء ولا الكبر في الفقراء ولا السفه في المشايخ ولا اللؤم في ذوي الأحساب (ابن المبارك) في الزهد (وابن قانع) في المعجم كلاهما عن ابن معين (عن سهيل) بالتصغير وفي نسخة سهل والأول هو ما في خط المصنف (ابن حسان) الكلبي (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله ورواه ابن عدي والديلمي موصولا من حديث أسامة بن زيد وابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات   (1) وهذا كناية عما يزلهم ويمنعهم الثبات على الاستقامة فالعلماء أحق الخلق بترك الطمع وبالزهد في الدنيا لأن الخلق يتبعونهم ويقتدون بهم الحديث: 2053 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 2054 - (إن الصلاة والصيام والذكر) أي التلاوة والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد (يضاعف) ثوابه (على) ثواب [ص: 365] (النفقة في سبيل الله تعالى (1)) أي في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله (بسبع مئة ضعف) على حسب ما اقترن به من إخلاص النية والخشوع وغير ذلك وفي بعض الروايات إن الصوم يضاعف فوق ذلك بما لا يعلم قدر ثوابه إلا الله لأنه أفضل أنواع الصبر وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وفي خبر من قال سبحان الله كتب له مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة وما ذكر بالنسبة للصلاة والصوم ظاهر وأما الذكر فالظاهر أنه خرج جوابا لسؤال سائل عجز عن الجهاد أو فغير ليس معه ما ينفقه فأخبره بأن ثواب العبادة في حقه يربو على ثواب ذي المال الصارف له في شؤون الغزو ومتعلقاته وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال بل قد يعرض للجهاد ما يصيره أفضل من الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام كما مر (د ك) في الجهاد عن (معاذ بن أنس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي   (1) أي يضاعف ثواب كل منها على ثواب النفقة في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله الحديث: 2054 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 2055 - (إن الصلاة قربان المؤمن) أي يتقرب بها إلى الله تعالى ليعود بها وصل ما انقطع وكشف ما انحجب وهي أعظم العبادات المتعلقات بالإيمان المثابر عليها سابق الخوف المبادر لها تشوقا بصدق المحبة فالعابد من ساقه الخوف إليها والعارف من قاده الحب إليها وهي بناء وعمود وأركان وخطيرة محوطة فالعمود الإيمان وإفراد التذلل إلى الله تعالى توحيدا {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} وهو أول ما أقام الله من بناء الدين ولم يفرض غيره نحو عشر سنين ثم لما دخل الإسلام من لا يبعثه الحب على الصلاة فرضت الخمس فاستوى في فرضها المحب والخائف وسن النبي صلى الله عليه وسلم التطوع على ما كان أصلها ذكره الحرالي قال القاضي: والقربان اسم لما يتقرب إلى الله تعالى كما أن الحلوان اسم لما يحل أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن اه. وغير الصلاة من العبادات يتقرب به أيضا لكن المراد هنا أن شأن المؤمن الكامل وهو المتقي أن يكون اهتمامه بالتقرب بها لكونها أفضل القرب وأعظم المثوبات وبذلك تحصل الملاءمة بين قوله هنا المؤمن وقوله في الخير الآتي الصلاة قربان كل تقي (1) (عد عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف لكن يقويه الخبر الآتي الصلاة قربان كل تقي   (1) ولا يعارض عموم قوله هنا المؤمن قوله في حديث كل تقي لأن مراده أنها قربان للنافص والكامل وهي للكامل أعظم لأنه يتسع فيها من ميادين الأبرار ويشرق له من شوارق الأنوار ما لا يحصل لغيره ولذلك رؤي الجنيد فقيل له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم وبليت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر الحديث: 2055 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 2056 - (إن الضاحك في الصلاة) فرضها ونقلها (والملتفت) فيها عن يمينه أو يساره بعنقه (والمفقع أصابعه) أصابع يديه أو رجليه (بمنزلة واحدة) حكما وجزءا ومذهب الشافعي أن الثلاثة مكروهة تنزيها ولا تبطل بها الصلاة ما لم يظهر من الضحك حرفان أو حرف مفهم أو يتوالى مما بعده ثلاثة أفعال وما لم يتحول صدره عن القبلة ولا بطلت صلاته وتفقيع الأصابع فرقعتها وقد كرهه السلف كابن عباس وغيره وصرح النووي بكراهته لقاصد المسجد أيضا قياسا على التشبيك (حم طب هق عن معاذ بن أنس) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي فيه ابن لهيعة يرويه عن زياد بن فائد ضعيف قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف عن زياد بن فائد وهو ضعيف الحديث: 2056 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 [ص: 366] 2057 - (إن الطير) بسائر أنواعها (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (سبحت ربها) بلسان القال كما يعلم من خطاب الطير لسليمان وفهمه وفهم غيره أيضا من بعض الأولياء لكلامهما {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} (وسألته قوت يومها) أي طلبت منه تيسير حصول ما يمسك رمقها ويقوم بأودها من الأكل ذلك اليوم لعلها بالإلهام الإلهي أن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وأنه لا رزاق غيره ومفهوم الحديث أنه إذا كانت الطير كذلك فالآدمي العاقل ينبغي أن يسأل الله تعالى ذلك في كل صباح ومساء وأن يبكر في طلب رزقه فإن الصبحة تمنع الرزق قال القاضي: والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب (خط) في ترجمة عبيد بن الهيثم الأنماطي عن الحسين بن علوان عن ثابت بن أبي صفية عن علي بن الحسين عن أبيه (عن علي) أمير المؤمنين قال ثابت: كنا مع علي بن الحسين بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر بنا عصافير يصحن فقال أتدرون ما تقول قلنا لا قال أما إني لا أعلم الغيب لكن سمعت أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره والحسين بن علوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم متروك الحديث: 2057 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 2058 - (إن الظلم) في الدنيا (ظلمات) بضم اللام وتفتح وتسكن وجمعها لكثرة أسبابها (يوم القيامة) حقيقة بحيث لا يهتدي صاحبه يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا وأن المؤمن يسعى بنوره المسبب عن إيمانه في الدنيا أو مجازا عما يناله في عرصاتها من الشدائد والكروب أو هو عبارة عن الأنكال والعقوبات بعد دخول النار ويدل على الأول قول المنافقين للمؤمنين {انظرونا نقتبس من نوركم} ووحد المبتدأ وجمع الخبر إيماء إلى تنوع الظلم وتكثر ضروبه كما سبق ثم هذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه وقد تطابقت الملل والنحل على تقيبح الظلم (1) ومن أحسن ما قيل: إذا ظالم استحسن الظلم مذهبا. . . ولج عتوا في قبيح اكتسابه فكله إلى ريب الزمان فإنه. . . ستبدي له ما لم يكن في حسابه فكم قد رأينا ظالما متجبرا. . . يرى النجم تيها تحت ظل ركابه فلما تمادى واستطال بظلمه. . . أناخت صروف الحادثات ببابه وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي. . . وصب عليه الله سوط عذابه ويكفي في ذمه {وقد خاب من حمل ظلما} (ق ت عن ابن عمر) بن الخطاب   (1) قال العلقمي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا الحديث: 2058 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 2059 - (إن العار) أي ما يتعير به الإنسان زاد في رواية والتخزية (1) (ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي) وفي نسخة لي والأول هو ما في خط المصنف (إلى النار) نار جهنم (أيسر علي مما ألقى) من الفضيحة والخزي مغروز في أسته (وإنه ليعلم ما فيها من شدة [ص: 367] العذاب) لكنه يرى أن ما هو فيه أشد وأكثر إيلاما لكثرة ما يقاسيه من نشر فضائحه على رؤوس الأشهاد في ذلك الوقف الحافل الهائل الجامع للأولين والآخرين وهذا فيمن سبق عليه الكتاب بالشفاء والعذاب وأما من كتب في الأزل من أهل السعادة فيدنيه الله تعالى منه ويعرفه ذنوبه ويقول له ألست عملت كذا في يوم كذا وكذا في وقت كذا فيقول بلى يا رب حتى إذا قرره بها واعترف بجميعها يقول له فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم كما جاء في خبر آخر فلا يلحقه عار ولا فضيحة (ك) في الأهوال من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن ابن المنكدر (عن جابر) وقال صحيح وتعقبه الذهبي بأن الفضل واه فأبى له الصحة؟ وفي الميزان عن بعضهم لو ولد الفضل أخرس لكان خيرا له ثم ساق الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وقال الهيثمي رواه أبو يعلى أيضا وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو مجمع على ضعفه   (1) أي من القبائح التي فعلها في الدنيا كغادر ينصب له لواء غدره عند إسته والغال من الغنيمة نحو بقرة يأتي وهو حامل لها وغير ذلك الحديث: 2059 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 2060 - (إن العبد) أي الإنسان حرا أو قنا (ليتكلم) في رواية يتكلم بحذف اللام (بالكلمة (1)) اللام للجنس حال كونها (من رضوان الله) أي من كلامه فيه رضى الله تعالى ككلمة يدفع بها مظلمة (لا يلقى) بضم الياء وكسر القاف حال من الضمير في يتكلم (لها بالا) أي لا يتأملها ولا يلتفت إليها ولا يعتد بها بل يظنها قليلة وهي عند الله عظيمة (يرفعه الله بها) أي بسببها (درجات) استئناف جواب عمن قال ماذا يستحق المتكلم بها (وإن العبد ليتكلم بالكلمة) الواحدة (من سخط الله) أي مما يغضبه ويوجب عقابه (لا يلقى) بضبط ما قبله (لها بالا يهوى بها) بفتح فسكون فكسر أي يسقط بتلك الكلمة (في جهنم) {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وهذا حث على التدبر والتفكر عند التكلم فإن الشيطان يزين الشر في صورة الخير <تنبيه> قال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر عند كل قول وفعل فقد يكون في جزع فتظنه تضرعا وابتهالا وتكون في رياء محض وتحسبه حمدا وشكرا ودعوة للناس إلى الخير فتعد على الله المعاصي بالطاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس الفرار (حم خ) في الرقاق (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي ورواه الحاكم متعرضا لبيان السبب فقال كان رجل بطال يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم فإني سمعت بلال بن الحارث يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره   (1) أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة الحديث: 2060 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 2061 - (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبن ما فيها) بمثناة تحتية مضمومة فمثناة فوقية مفتوحة فموحدة تحتية مشددة مكسورة فنون هكذا ضبطها الزمخشري قال وتبن دقق النظر من التبانة وهي الفطنة والمراد التعمق والإغماض في الجدل وأدى ذلك إلى التكلم بما ليس بحق ومنه حديث سالم كنا نقول في الحامل المتوفى عنها زوجها إنه يتفق عليها من كل المال حتى ما تبتنتم ما تبتنتم أي دققتم النظر حتى قلتم غير ذلك إلى هنا كلامه قال بعض المحققين أخذا من كلام القاضي وتبتن حال لأن الكلمة معرفة والجملة نكرة فلا تكون صفة للمعرفة انتهى وما ذكر من أن الرواية يتبين هو ما في كلام هؤلاء الأجلة الأكابر لكني وقفت على نسخة المصنف بخطه فوجدتها يتبين وكذا أوردها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يتبين ما فيها وقال معناه لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره حتى يثبته فيها فلا يقولها إلا إن [ص: 368] ظهرت المصلحة في القول بعضهم ما يتثبتها بعبارة واضحة وفي رواية مسلم ما يتبين ما فيها قال وهذه أوضح وما الأولى نافية والثانية موصولة أو موصوفة (يزل) بفتح أوله وكسر الزاي يسقط وفي رواية مسلم بدل يزل يهوي (بها في النار) نار جهنم (أبعد ما) وفي رواية مما (بين المشرق والمغرب) يعني أبعد قعرا من البعد الذي بينهما والقصد به الحث على قلة الكلام وتأمل ما يراد النطق به فإن كثيرا من الكلام الذي يؤاخذ به العبد يسيره الهوى وتحول بين العبد وبين عاقبته النفس والشيطان ويزينا له أنه لا ذنوب إلا الذنوب التي في ذكره في ذلك الكلام وأن كلامه كله في نهاية التمام قال أهل السلوك: وطريق التوبة منها أن يتذكر أوقاته الماضية كم فيها من حق ضيعه أو ذنب ركبه ويتأمل في منطقه ولحظه واستماعه وبطشه وحق من عليه له فيتدارك الممكن مما ذكره <تنبيه> قال ابن عربي: الحروف نوعان رقمية فإذا رقمت صحبتها أرواحها وحياتها وإذا محي الحرف انتقلت روحه إلى البرزخ مع الأرواح فموت الشكل زواله بالمحو ولفظية تتشكل في الهوى فإذا تشكلت قامت بها أرواحها ولا يزال الهوى يمسك عليها تشكلها وإن انقضى عملها فإن عملها إنما يكون في أول التشكل ثم تلتحق بسائر الأمم فيكون شغلها بتسبيح ربها ولو كانت كلمة كفر فوبالها يعود على المتكلم بها لا عليها وهذا معنى ما نطق به هذا الحديث فجعل العقوبة للمتلفظ بها بسببها وما يعرض إليها فهذا القرآن يقرأ على جهة القربة إلى الله وفيه ما قالت اليهود والنصارى في حق الله تعالى من الكفر وهي كلمات يتعبد بتلاوتها وتتولى يوم القيامة عذاب أصحابها والحروف الهوائية اللفظية لا يدركها موت بخلاف الرقمية لأن شكل الرقمي يقبل التغير والزوال لأنه بمحل يقبل ذلك واللفظي في محل لا يقبله فلهذا كان له البقاء فالجو كله مملوء من كلام العالم يراه صاحب الكشف صورا قائمة (حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2061 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 2062 - (إن العبد) أي الإنسان المؤمن (إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (أتي) بالبناء للمفعول أي جاءه الملك أو من شاء الله من خلقه بأمره (بذنوبه كلها) ظاهره يشمل الكبائر وقياس ما يجئ في نظائره استثناؤها (فوضعت على رأسه وعاتقيه) تثنية عاتق وهو ما بين المنكب والعنق وهو محل الرداء ويذكر ويؤنث ثم يحتمل أن الموضوع الصحف التي هي فيها ويحتمل أن تجسد ويحتمل أنه مجاز على التشبيه (فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه) حتى لا يبقى عليه ذنب وذكر الركوع والسجود ليس للاختصاص بل تحقيقا لوجه التشبيه فإن من وضع شيء على رأسه لا يستقر إلا ما دام منتصبا فإذا انحنى تساقط فالمراد أنه كلما أتم ركنا من الصلاة سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان والخشوع كما يؤذن به لفظ العبد والقيام إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد حقير ذليل ومن لم يكن كذلك فصلاته التي هي أعظم الطاعات أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر (طب حل هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد لله بن صالح كاتب الليث ضعفه الجماعة أحمد وغيره الحديث: 2062 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 2063 - (إن العبد) أي القن (إذا نصح لسيده) أي قام بمصالحه عن وجه الخلوص وامتثل أمره وتجنب نهيه ويقال نصحته ونصحت له قال الطيبي: واللام مزيدة للمبالغة. قال الكرماني: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح وهي إرادة صلاح حاله وتخليصه من الخلل وتصفية الغش (وأحسن عبادة ربه) المتوجهة عليه بأن أقامها بشروطها وواجباتها وما يمكنه من مندوباتها بأن لم يفوت حق السيد (كان له أجره مرتين) لقيامه بالحقير وانكساره بالرق قال البعض وليس الأجران متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة المخلوق ورده أبو زرعة بأن طاعة المخلوق هنا من طاعة الله ثم التضعيف يختص بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا يؤجر عليه [ص: 369] باعتبارين أما العمل المختلف الجهة فلا يختص العبد بتضعيف الأجر فيه على الحر فالمراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأجرهما (مالك) في الموطأ (حم ق د عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2063 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 2064 - (إن العبد) أي الإنسان (ليذنب) أي يوقع ويفعل (الذنب فيدخل به) بسببه (الجنة) لأن الذنب مستجلب للنوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله {إن الله يحب التوابين} والله لا يدخل من يحبه النار (يكون نصب عينيه) أي مستحضرا استحضارا تاما كأنه يشاهده أبدا تائبا إلى الله تعالى فارا منه إليه حتى يدخل به الجنة لأنه كلما ذكره طار عقله حياء وحشمة من ربه حيث فعله وهو بمرأى منه ومسمع فيجد في توبته ويتضرع في إنابته بخاطر منكس وقلب حزين والله يحب كل قلب حزين كما مر في خبر ومن أحبه أدخله جنته ورفع منزلته قال الداراني: ما عمل داود عملا أنفع له من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى الله حتى اتصل بالله وإنما يخلي الله بين المؤمن والذنب ليوصله إلى هذه الدرجة ويحله هذه الرتبة فيجذبه إلى نفسه ويؤديه في كنفه ويصونه عمن سواه ولا يعارض ما تقرر خبر الذنب شؤم لأنه شؤم على من لم يوفق للتوبة والإنابة (ابن المبارك) في الزهد عن المبارك بن فضالة (عن الحسن) يعني البصري (مرسلا) ولأبي نعيم نحوه الحديث: 2064 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 2065 - (إن العبد إذا كان همه الآخرة) أي عزمه أي ما يقربه إليها (كف الله تعالى) أي جمع (عليه ضيعته) أي ما يكون منه معاشه كصنعة وتجارة وزراعة أو راد رد الله عليه ما ضاع له أي ما هو منزل منزلته (وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيا) بالله (ولا يمسي إلا غنيا) به لأن من جعل غناه في قلبه صارت همته للآخرة وأتاه ما قدر له من الدنيا في راحة من بدنه وفراغ من سره والصباح والمساء كناية عن الدوام والاستمرار (وإذا كان همه الدنيا أفشى الله) أي يكثر تعالى (عليه ضيعته) ليشتغل عن الآخرة فيصير قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره فيبقى متحيرا ضائعا لا يدري ممن يطلب رزقه ولا ممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع (جعل فقره بين عينيه) يشاهده (فلا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا) خص المساء والصباح لأنهما وقت الحاجة للتقوت غالبا وإلا فالمراد أن غناه يكون حاضرا أبدا وفقره كذلك والدنيا فقر كلها لأن حاجة الراغب فيها لا تنقضي فهي كداء الظمأ كلما زاد صاحبه شربا ازداد ظمأ فمن كانت الدنيا نصب عينيه صار الفقر بين عينيه وتفرق سره وتشتت أمره وتعب بدنه وشرهت نفسه وازدادت الدنيا منه بعدا وهو لها أشد طلبا فمن رأى نفسه مائلة إلى الآخرة فليشكر ربه على ذلك ويسأله الازدياد من توفيقه ومن وجد نفسه طامحة إلى الدنيا فليتب إلى الله ويستغيث به في إزالة الفقر من بين عينيه والحرص من قلبه والتعب من بدنه. قال ابن القيم: ولولا سكرة عشاق الدنيا لاستغاثوا من هذا العذاب على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه ومن عذابهم اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومجاذبة أهلها إياها ومقاساة معاداتهم ومن أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 2065 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 2066 - (إن العبد إذا صلى) فرضا أو نفلا (في العلانية) بالتخفيف كما في المصباح أي حيث يراه الناس وإعلان الشيء [ص: 370] إظهاره وعلن ظهر وأمر علان ظاهر (فأحسن) صلاته (1) (وصلى في السر) أي حيث لا يراه الناس وهو ضد العلن (فأحسن قال الله تعالى) مظهرا لثنائه على ذلك العبد الملأ الأعلى ناشرا لفضله منوها برفع درجته إلى مقام العبودية الذي هو أفخر المقامات وأسنى الدرجات (2) (هذا عبدي حقا) مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا وأراد بالإحسان فيها أن يصليها محتملا لمشاقها محافظا على ما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النيات ودفع الوسواس ومراعاة الآداب والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصب بين يدي جبار السماوات ليسأل فك الرقاب من سخطه (هـ عن أبي هريرة) وفيه بقية وقد سبق عن ورقاء اليشكري وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال لينه ابن القطان   (1) بأن أتى بما يطلب فيها من أركان وشروط ومستحبات من خشوع ونحوها كان وافقا عند حدود الله ممتثلا لأوامره مجتنبا لمناهيه (2) أي فيحبونه ثم تقع محبته في قلوب أهل الأرض فهذا هو العبد الذي يوصف بأنه قائم على قدم الطاعة الحديث: 2066 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 2067 - (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها) أي فيما ينفقه على نفسه وعلى من عليه مؤونته (إلا في البناء) الذي لا يحتاجه أو المزخرف أما بيت يقيه من نحو حر وبرد ولص أو جهة قريبة كمسجد ومدرسة ورباط وحوض ومصلى عيد ونحوها فمطلوب محبوب وفاعله على الوجه المطلوب شرعا محتسبا مأجورا لأن المسكن كالغذاء في الاحتياج إليه وفضل بناء المساجد ونحوها معروف وعلى الزائد على الحاجة ينزل خبر القبة السابق وما ذكر من أن اللفظ إلا في البناء هو ما في خط المصنف فمن زعم أنه إلا في البنيان لم يصب وإن كانت رواية (هـ عن خبات) بن الأرت الحديث: 2067 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 2068 - (إن العبد ليتصدق بالكسرة) من الخبز ابتغاء وجه الله (تربو) أي تزيد (عند الله حتى تكون) في العظم (مثل أحد) بضمتين الجبل المعروف قال في المطامح: المراد به كثرة جزائها والثواب المترتب عليها لا أنها تكون كالجبل حقيقة لأنها تفنى وتنقضي عند تناولها ويحتمل أن يخلق الله مثلها من جنسها على صفة خبز الجنة (طب عن أبي برزة) قال الهيثمي فيه سوار بن مصعب وهو ضعيف الحديث: 2068 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 2069 - (إن العبد إذا لعن شيئا) آدميا أو غيره بأن دعى عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله تعالى (صعدت) بفتح فكسر (اللعنة إلى السماء) لتدخلها (فتغلق أبواب السماء دونها) لأنها لا تفتح إلا لعمل صالح {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} (ثم تهبط) أي تنزل (إلى الأرض) لتصل إلى سجين (فتغلق أبوابها دونها) أي تمنع من النزول (ثم تأخذ يمينا وشمالا) أي تتحير فلا تدري أين تذهب (فإذا لم تجد مساغا) أي مسلكا وسبيلا تنتهي إليه لمحل تستقر فيه (رجعت إلى الذي لعن) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (فإن كان لذلك) أي اللعنة (أهلا) رجعت إليه فصار مطرودا مبعودا فإن لم يكن أهلا لها (رجعت) بإذن ربها (1) (إلى قائلها) لأن اللعن طرد عن رحمة الله فمن طرد ما هو أهل لرحمته [ص: 371] عن رحمته فهو بالطرد والإبعاد عنها أحق وأجدر ومحصول الحديث التحذير من لعن من لا يستوجب اللعنة والوعيد عليه بأن يرجع اللعن إليه {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} (هـ) في الأدب عن أبي الدرداء ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط وفيه عنده داود بن المحبر ضعيف ولما عزاه ابن حجر في الفتح إلى أبي داود وقال سنده جيد وله شاهد عند أحمد من حديث ابن مسعود بسند حسن وآخر عند أبي داود والترمذي عن ابن عباس ورواته ثقات لكنه أعل بالإرسال هكذا قال   (1) قوله بإذن ربها: والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد بسند جيد عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا وقعت عليه وإلا قالت يا رب وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا فيقال ارجعي من حيث جئت يعني إلى قائلها الحديث: 2069 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 2070 - (إن العبد) في رواية إن المؤمن (إذا أخطأ خطيئة) في رواية أذنب ذنبا (نكتت) بنون مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة (في قلبه) لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه (نكتة) أي أثر قليل كنقطة (سوداء) في صقيل كمرآة وسيف وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه قال الحرالي: وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر (فإن هو نزع) أي قلع عنه وتركه (واستغفر الله وتاب) إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماما بشأنهما (صقل) وفي نسخة سقل بسين مهملة أي رفع الله تلك النكتة فينجلي (قلبه) بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت (وإن عاد) إلى ذلك الذنب أو غيره (زيد) بالبناء للمفعول (فيها) نكتة أخرى وهكذا (حتى تعلو على قلبه) أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرا ولا يثبت فيه خير ومن ثم قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر أي رسوله باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد وعمته يصير لا يقبل خيرا قط فيقسو ويخرج منه كل رأفة ورحمة وخوف فيرتكب ما شاء ويفعل ما أراد ويتخذ الشيطان وليا من دون الله فيضله ويغويه ويعده ويمنيه ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلا {ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا} (رهو الران) أي الطبع (1) (الذي ذكره الله) تعالى في كتابه بقوله عز قائلا (كلا بل ران) أي غلب واستولى (على قلوبهم) الصدأ والدنس (ما كانوا يكسبون) من الذنوب قال القاضي: المعنى بالقصد الأول في التكليف بالعمل الظاهر والأمر بتحسينه والنهي عن قبيحه هو ما تكتسب النفس منه من الأخلاق الفاضلة والهيئات الذميمة فمن أذنب ذنبا أثر ذلك في نفسه وأورث لها كدورة فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس صقيلة صافية وإن انهمك وأصر زاد الأثر وفشي في النفس واستعلى عليها فصار طبعا وهو الران وأدخل التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ فأجرى مجرى النفس وشبه ثائر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث كونهما يضادان الجلاء والصفاء وأنث الضمير الذي في كانت العائد لما دل عليه أذنب لتأنيثها على تأول السيئة. إلى هنا كلامه قال الطيبي: وروي نكتة بالرفع على أن كان تامة فلا بد من الراجع أي حدث نكتة منه أي من الذنب قال المظهري: وهذه الآية نازلة في حق الكفار لكن ذكرها في الحديث تخويفا للمؤمنين ليحترزوا عن كثرة الذنوب لأن المؤمن لا يكفر بكثرتها لكن يسود قلبه بها فيشبه الكفار في اسوداده فقط وقال الحكيم: الجوارح مع القلب كالسواقي تصب في بركة وهي توصل إلى القلب ما يجري فيها فإن أجري فيها ماء الطاعة وصل إلى القلب فصفا [ص: 372] أو ماء المعصية كدر وأسود فلا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم وقال الغزالي: القلب كالمرآة ومنه الآثار المذمومة كدخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب فلا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى حتى يسود ويظلم ويصير محجوبا عن الله تعالى وهو الطبع والرين ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب وعند ذلك يعمى عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويهتم بها وإذا قرع سمعه أمر الآخرة وأخطارها دخل من أذن وخرج من أخرى ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة {أولئك يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} <تنبيه> قيل لحكيم: لم لا تعظ فلانا قال ذاك على قلبه قفل ضاع مفتاحه فلا سبيل لمعالجة فتحه <فائدة> قال حجة الإسلام: لا يذنب العبد ذنبا إلا ويسود وجه قلبه فإن كان من السعداء ظهر السواد على ظاهره لينزجر وإلا أخفى عنه لينهمك ويستوجب النار (حم ت ن) في التفسير (هـ) في الزهد (هب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) وصححه الترمذي وقال الذهبي في المهذب إسناده صالح   (1) قال العلقمي هو شيء يعلو على القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود ويظلم الحديث: 2070 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 2071 - (إن العبد) أي المؤمن (ليعمل الذنب) الصادق بالكبيرة والصغيرة (فإذا ذكره أحزنه) أي أسف على ما كان منه وندم (وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع) من الذنب (قبل أن يأخذ في كفارته) أي يشرع فيما يكفره (بلا صلاة ولا صيام) لأن العبد المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه والفاجر يرى ذنوبه كذباب يقع على أنفه قال به هكذا فطار ومن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يكون في غاية الحذر منها فإذا صدرت منه هفوة اشتعلت نار الخوف والحزن في قلبه ومع ذلك لا يرجو لغفرها سوى ربه فهذا عبد أواه مقبل على ربه متبريء مما سواه نازح عن المظالم فار من المآثم وهو الذي أراده الله من عباده ليغفر له قبل الاستغفار اللساني هكذا فافهم (حل وابن عساكر) في التاريخ كلاهما عن عيسى بن خالد اليماني عن صالح المري عن هشام بن محمد (عن أبي هريرة) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث هشام وصالح لم يكتبه من حديث عيسى انتهى وقال الحافظ العراقي فيه صالح المري رجل صالح لكنه مضعف في الحديث الحديث: 2071 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 2072 - (إن العبد) المؤمن المخلص (إذا وضع في قبره) بالبناء للمفعول (وتولى عنه) أي أعرض (أصحابه) المشيعون له من أهله وأصدقائه (حتى إنه) بكسر همزة إن لوقوعها بعد حتى الابتدائية (يسمع قرع نعالهم) أي صوتها عند الرؤوس قال القاضي: يعني لو كان حيا فإن جسده قبل أن يأتيه الملك فيقعده ميت لا حس فيه انتهى وسيجيء ما ينازع فيه قال الطيبي: وقوله (أتاه) جواب الشرط والجملة خبر إن وقوله وإنه يسمع قرع نعالهم إما حال بحذف الواو أو كأحد الوجهين في قوله تعالى {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا} الآية (ملكان) بفتح اللام منكر ونكير بفتح كاف الأول وكلاهما ضد المعروف سميا به لأنهما لا يشبه خلقهما خلق آدمي ولا ملك ولا غيرهما وهما أسودان أزرقان (1) جعلهما الله نكرة للمؤمن ليبصره ويثبته وعذابا على غيره (فيعقدانه) (2) حقيقة بأن [ص: 373] يوسع اللحد حتى يجلس فيه زاد في رواية فتعاد روحه في جسده وظاهره في كله ونقله المصنف في أرجوزته عن الجمهور لكن قال ابن حجر: ظاهر الخبر في النصف الأعلى وجمع بأن مقرها في النصف الأعلى ولها اتصال بباقيه وقيل وجزم به القاضي والمراد بالإقعاد التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح فيه أجرى الإقعاد مجرى الإجلاس وقد يقال أجلسه من نومه إذا أيقظه والحديث ورد بهما والظاهر أن لفظ الرسول فيجلسانه وبعض الرواة أبدله بيقعدانه فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام والإجلاس إذا كان من اضطجاع وهو في ذلك تابع للأثر حيث قال عقب قوله يقعدانه وفي حديث البراء فيجلسانه وهو أولى بالاختيار لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام فيقولون القيام والقعود ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس يقال قعد عن قيامه وجلس عن مضجعه واستلقائه وحكى أن نصر بن جميل دخل على المأمون فسلم فقال له اجلس فقال يا أمير المؤمنين لست بمضطجع فأجلس فقال كيف أقول قال اقعد فالمختار من الروايتين الإجلاس لموافقته لدقيق المعنى وتصحيح الكلام وهو الأجدر ببلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعل من روى فيقعدانه ظن أن اللفظين بمعنى ولهذا أنكروا رواية الحديث بالمعنى خشية أن يزل في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد ورده الطيبي بأن الأقرب الترادف وأن استعمال القعود مع القيام والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية ونحن نقول به إذا كانا مذكورين معا نحو {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} لا إذا لم يكن أحدهما مذكورا ألا ترى إلى حديث مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله إذ طلع علينا ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم وكذا لم يرد في نص الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر معه الجلوس (فيقولان له) الظاهر أن أحدهما يقول (3) لحصول الاكتفاء به لكن لما كان كل منهما بصدد القول نسب إليهما جميعا (ما كنت) في حياتك (تقول) أي أي شيء تقوله (في هذا الرجل (4) لمحمد) أي في محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطيبي قوله لمحمد بيان من الراوي للرجل أي لأجل محمد ولم يقولا رسول الله أو النبي امتحانا له واغرابا على المسؤول لئلا يتلقى تعظيمه منهما فيقول تقليدا لا اعتقادا وفهم بعض من لفظ الإشارة أنه يكشف له عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه عيانا فيقال ما تقول في هذا وأبطله ابن جماعة بأن الإشارة تطلق في كلامهم على الحاضر والغائب كما يقول المرء لصاحبه ما تقول في هذا السلطان وهما لم يرياه (فأما المؤمن) أي الذي قبض على الإيمان (فيقول) بعزم وجزم من غير تلعثم ولا توقف (أشهد أنه عبد الله ورسوله) إلى كافة الثقلين (فيقال) أي فيقول له الملكان المذكوران أو غيرهما (انظر إلى مقعدك من النار) أبي داود فيقال له هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك (قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة) أي محل قعودك فيها (فيراهما جميعا) أي يرى مقعده من النار ومقعده من الجنة فيزداد فرحا إلى فرح ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار وإدخاله الجنة وأما الكافر فيزداد غما إلى غم وحسرة إلى حسرة بتفويت الجنة وحصول النار له (ويفسح له في قبره) أي يوسع له فيه (سبعون ذراعا) (5) يعني شيئا كثيرا جدا فالسبعين [ص: 374] للتكثير لا للتحديد كما في نظائره (ويملأ عليه خضرا) أي ريحانا ونحوه ويستمر كذلك (إلى يوم يبعثون) من القبور (وأما الكافر) أي المعلن بكفره (أو المنافق) الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر وهذا شك من الراوي أو بمعنى الواو قال ابن حجر: والروايات كلها مجمعة على أن كلا منهما يسأل انتهى وفيه رد لقول ابن عبد البر لا يسأل الكافر لكن رجحه المصنف في أرجوزته قيل والسؤال من خصائص هذه الأمة وقيل لا وقيل بالوقف وقيل والمؤمن يسأل سبعا والمنافق أربعين صباحا (فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له (6) لا دريت) بفتح الراء (ولا تليت) من الدراية والتلاوة أصله تلوت أبدلت الواو ياء لمزاوجة دريت ومجموع ذلك دعاء عليه أي لا كنت داريا ولا تاليا (7) أو أخبار له أي لا علمت بنفسك بالاستدلال ولا اتبعت العلماء بالتقليد فيما يقولون ذكره ابن بطال وغيره وقال الخطابي: هكذا يرويه المحدثون وهو غلط وصوابه أتليت بوزن أفعلت من قولك أي ما أتلوته أي ما استطعته (ثم يضرب) بالبناء للمجهول يعني يضربه الملكان اللذان يليان فتنته (بمطراق) في رواية بمطرقة بكسر الميم أي بمرزبة كما عبر بها في سنن أبي داود (من حديد) (8) ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه) ظاهره الملكان فقط وليس مرادا بقرينة قوله (غير الثقلين) الجن والإنس وبقرينة خبر أحمد فيسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين والمنطوق مقدم على المفهوم وحكمة عدم سماع الثقلين الابتلاء فلو سمعا صار الإيمان ضروريا وأعرضوا عن نحو المعايش مما يتوقف عليه بقاء الشخص والنوع فيبطل معاشهم (ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه) وأصل الثقل المتاع المحمول على الدابة وقيل لهما الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها ذكره الزمخشري قال القاضي: وظاهر الخبر أن السؤال إنما يكون فيمن قبر أما غيره فبمعزل عنه ويشهد له خبر لولا أن لا تدافنوا لدعوات الله أن يسمعكم من عذاب القبر قلت بل هو أمر يشمل الأموات ويعمهم حتى من أكله سبع أو طير وتفرق شرقا وغربا فإنه تعالى يعلق روحه الذي فارقه يجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره المستمر على حالتي النمو والذبول الذي تتعلق به الأرواح أولا فيحيى ويحيى بحياته سائر أجزاء البدن ليسأل فيثاب أو يعذب ولا يستبعد ذلك فإنه تعالى عالم بالجزئيات فيعلم الأجزاء انفصالها ومواقعها ومحالها ويميز بين الأصلي وغيره ويقدر على تعليق الروح بالجزء الأصلي منها حال الانفراد تعليقه به حال الاجتماع فإن البينة عندنا ليست شرطا للحياة بل لا يستبعد تعليق ذلك الروح الشخص الواحد في آن واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول وفيه حل المشي بين القبور بنعل لكن يكره كذا قيل واستثنى من السؤال جماعة (9) ووردت أخبار بإعفائهم عنه <تنبيه> قال جدي نقلا عن شيخه العراقي [ص: 375] ظاهر الخبر أن الملكين يأتيان المؤمن والمنافق على صفة واحدة وهو اللائق بالامتحان والاختبار <تنبيه> قال ابن عربي: من أفسد شيئا بعد إنشائه جاز أن يعيده كما يراه إذا قامت اللطيفة الروحانية بجزء من الإنسان فقد صح عليه اسم الحيوان والنائم يرى ما لا يراه اليقظان وهو إلى جانبه (حم ق د ن عن أنس) بن مالك   (1) أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها (2) قوله فيقعدانه: زاد في حديث البراء. فتعاد روحه في جسده ظاهره في جميع الجسد لكن سئل الحافظ عن ذلك فأجاب بأن ظاهر الخبر أنها تحمل في النصف الأعلى انتهى قلت ويمكن أن يقال قوة حلولها في النصف الأعلى ولها اتصال بالنصف الأسفل لكن مقرها وقوتها في الأعلى (3) أي مع حضور الآخر (4) قوله " في هذا الرجل ": زاد أبو داود في أوله ما كنت تعبد فإن هداه الله قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فالاقتصار على البعض من بعض الرواة قال ابن مردويه فما يسأل عن شيء غيرهما من التكليفات ويؤيده ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا} الآية قال الشهادة يسألون عنها في قبورهم بعد موتهم قيل لعكرمة ما هو قال يسألون عن الإيمان بمحمد وأمر التوحيد انتهى (5) زاد ابن حبان في سبعين أي توسعه عظيمة جدا (6) أي يقول له الملكان أو غيرهما (7) والمعنى لا فهمت ولا قرأت القرآن أو لا دريت ولا اتبعت من يدري (8) أي متخذة منه وتقدم أنه لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها (9) الأول الشهيد. الثاني المرابط. الثالث المطعون وكذا من مات في زمن الطاعون بغير الطعن إذا كان صابرا محتسبا الرابع الصديق. الخامس الأطفال. السادس الميت يوم الجمعة أو ليلتها. السابع القارئ كل ليلة تبارك الذي بيده الملك وبعضهم ضم إليها السجدة. الثامن من قرأ في مرضه الذي يموت فيه قل هو الله أحد الحديث: 2072 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 2073 - (إن العبد) أي المؤمن ذا البصيرة (آخذ عن الله أدبا حسنا) وهو أنه (إذا وسع عليه) أي وسع الله عليه في رزقه (وسع) على نفسه وعياله (وإذا أمسك) الله (عليه) أي ضيق (أمسك) لعلمه بأن مشيئة الله في بسط الأرزاق وإضاقتها تابع للحكمة والمصلحة فهو يتلقى ما قسم له بالرضى ويجري على منواله في الاتساع والإنجماع قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد (1) أي في الإنفاق فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل وهو ما ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأولن {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن هذا في الآخرة (حل) من حديث جعفر بن كزال بن إبراهيم بن بشير المكي عن معاوية بن عبد الكريم عن أبي حمزة (عن ابن عمر) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث معاوية مسندا متصلا مرفوعا وإنما يحفظ من قبل الحسن انتهى وجعفر بن محمد بن كزال قال الذهبي قال الدراقطني ليس بقوي وإبراهيم بن بشير المكي ضعيف ومعاوية قال أبو حاتم لا يحتج به ورواه البيهقي أيضا من هذا الوجه ثم قال هذا حديث منكر   (1) أي ينبغي له أن ينفق بقدر ما رزقه الله من غير ضجر ولا قلق ويعلم أن مشيئة الله في بسط الرزق وضيقه لحكمة ومصلحة الحديث: 2073 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 2074 - (إن العجب) بضم فسكون وهو نظر الإنسان إلى نفسه بعين الاستحسان (ليحط) بضم التحية أي يفسد ويهدم (عمل سبعين سنة) أي مدة طويلة جدا فالمراد بالسبعين التكثير على وزان ما قيل {في سسلسلة ذرعها سبعون ذراعا} وذلك لأن المعجب يستكثر فعله ويستحسن عمله فيكون كمن أصابه عين فأتلفته ولهذا قال الحكماء: العجب إصابة العمل بالعين وسيجيء خبر إن العين تدخل الرجل القبر فكما أن العين تميت الإنسان فكذا تميت أعماله وتبطل أفعاله وربما استحكمت الغفلة على الإنسان فرأى طاعته بحوله وقوته ولا يرى لله عليه منة في إحداث القوة لها وخلق الاستطاعة لكسبها فإن الذي يدخل عليه في اعتقاده أكثر مما يدخل عليه من العجب بأفعاله قال بعض العارفين: من أعجبته نفسه وأحوالها لا بثبت له قدم في العبودية لأنه مراء في أفعاله وأحواله فهو واقف مع وجوده وإيجاده وعزه في نفسه فهو لا ينتفع بعلم ولا ينفعه عمل قال الغزالي: والناس في العجب ثلاثة أصناف صنف هم المعجبون بكل حال وهم القدرية والمعتزلة الذين لا يرون لله عليهم منة في أحوالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص لشبه استولت عليهم وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشيء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به وصنف مخلطون وهم عامة أهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله وتارة يغفلون فيعجبون لمكان الغفلة العارضة والقترة في الاجتهاد والنقص في البصيرة إلى هنا كلام الغزالي ثم نقل بعد ذلك عن شيخه إمام الحرمين أن العجب يذهب إضعاف العمل فقط <تنبيه> قال في المناهج وعرف بعضهم العجب بأنه استعظام النعمة مع نسيان إضافتها للمنعم ويتولد الكبر منه ومن آفاته نسيان الذنوب لظنه الاستغناء بسبب إعجابه بنفسه والعمى عن آفات الأعمال فيضيع عمله لأنه إذا لم يفتقده لم يخرج من شوائب الإبطال فلذلك قال إنه يحبطه قالوا والمعجب يمنعه إعجابه من الاستفادة والاستشارة واستماع النصح ويجره إلى احتقار الخلق والعمى عن وجه الصواب في دينه ودنياه (فر) عن الحسين بن علي أمير المؤمنين وفيه موسى بن إبراهيم المروزي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك الحديث: 2074 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 [ص: 376] 2075 - (إن العرافة) بالكسر وهي تدبر أمر القوم والقيام بسياستهم والعريف هو القيم بأمر القوم الذي عرف بذلك وشهر (حق) أي أمر ينبغي أن يكون لما تدعو إليه المصلحة بل الضرورة (ولا بد للناس) في انتظام شملهم واجتماع كلمتهم (من العرفاء) ليتعرف الأمير من العريف حال من جعل فيما عليه من قبيلة أو أهل محلة ليرتب البعوث والأجناد (ولكن العرفاء في النار) أي عاملون فيما يقودهم إليها أو المراد الذين لم يعدلوا وعبر بصيغة العموم إجراء للغالب مجرى الكل ومقصوده التحذير من التعرض للرياسة والتأمر على الناس لما فيه من الفتنة التي قلما يسلم منها عريف ووضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن العرافة على خطر ومباشرها على شفا جرف هار (د) في الخراج من حديث غالب القطان (عن رجل) من الصحابة وفيه قصة قال الصدر المناوي فيه مجاهيل الحديث: 2075 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 2076 - (إن العرق) بالتحريك الرشح من البدن (يوم القيامة) في الموقف (ليذهب في الأرض سبعين باعا) أي ينزل فيها من كثرته شيء كثير جدا فالسبعين للتكثير لا للتحديد على ما مر (وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس) أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام فيمنعهم من الكلام (وإلى آذانهم) بأن يغطي الأفواه ويعلو عليها إذ الأذن أعلى من الفم فيكون الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يلجمه فقط ومنهم من يزيد فيبلغ إلى أذنيه ثم يحتمل أن المراد عرق نفسه خاصة ويحتمل غيره كما مر فيشدد على بعض ويخفف عن بعض وهذا كله لتزاحم الناس وانضمام بعضهم لبعض حتى صار العرق يجري كالسيل واستشكل بأن الجمع إذا وقفوا في ماء على أرض معتدلة فتغطيهم على السواء وأجيب بأن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة وسبب كثرته تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم. قال الغزالي: وكل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر يستخرجه الحياء والخوف في صعيد يوم القيامة (م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2076 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 2077 - (إن العين) أي عين العائن من الإنسان أو الجان (لتولع) بالبناء للمفعول أي تعلق (بالرجل) أي الكامل في الرجولية فالمرأة ومن هو في سن الطفولية أولى (بإذن الله تعالى) أي بتمكينه وإقداره (حتى يصعد حالقا) بحاء مهملة أي جبلا عاليا (ثم يتردى) أي يسقط (منه) لأن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل به فتضره وقد خلق الله تعالى في الأرواح خواص تؤثر في الأشباح لا ينكرها عاقل ألا ترى الوجه كيف يحمر لرؤية من يحتشمه ويصفر لرؤية من يخافه وذلك بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة بل التأثير للروح فحسب قال ابن القيم: ومن وجه بأن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما يشاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلا فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب وخالف جميع العقلاء (تتمة) قالوا قد تصيب الإنسان عين نفسه قال الغساني نظر سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صديقا وعمر فاروقا وعثمان حبيبا ومعاوية حليما ويزيد صبورا وعبد الملك سائسا والوليد جبارا وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات (حم ع عن أبي ذر) قال الهيثمي رجال أحمد ثقات [ص: 377] ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما الحديث: 2077 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 2078 - (إن الغادر) أي المغتال لذي عهد أو أمان (ينصب) في رواية يرفع (له لواء) أي علم (يوم القيامة) خلفه تشهيرا له بالغدر وإخزاء وتفضيحا على رؤوس الأشهاد (فيقال) أي ينادي عليه في ذلك المحفل العظيم (ألا) إن (هذه غدرة فلان) أي علامة على غدرة فلان (ابن فلان) ويرفع في نسبه حتى يتميز عن غيره تمييزا تاما وظاهره أن لكل غدرة لواء فيكون للواحد ألوية بعدد غدراته وحكمة نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب والعذر خفي فاشتهرت عقوبته بإشهار اللواء (مالك) في الموطأ (ق د ت عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2078 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 2079 - (إن الغسل يوم الجمعة) بنيتها لأجلها (لسيل) أي يخرج (الخطايا) أي ذنوب المغتسل لها (من أصول الشعر استلالا) أي يخرجها من منابتها خروجا وأكده بالمصدر إشارة إلى استقصائه جميع الذنوب بحيث لا يبقى منها شيئا إلا أنه سيمر بك ما تعلم منه أن هذا ومثاله منزل على الصغائر فلا تغفل والاستلال الإخراج قال في الصحاح وغيره انسل من الهم خرج وسل السيف من غمده واستله أخرجه (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 2079 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 2080 - (إن الغضب من الشيطان) بمعنى أنه المحرك له الباعث إليه ليردي الآدمي ويغويه ويبعده عن نعمة الله ورحمته (وإن الشيطان خلق) بالبناء للمفعول وحذف الفاعل للعلم به (من النار) لأنه من الجان الذي قال الله تعالى فيهم {وخلق الجان من مارج من نار} وكانوا سكان الأرض قبل آدم عليه الصلاة والسلام وإبليس أعبدهم فلما عصى جعل شيطانا (وإنما تطفئ) أي تخمد (النار بالماء) لأنه ضدها (فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ندبا مؤكدا وضوءه للصلاة وإن كان متوضئا والغسل أفضل قال الطيبي: أراد أن يقول إذا غضب أحدكم فليستعذ من الشيطان فإن الغضب من الشيطان قصور حالة الغضب ومنشأه ثم أرشد إلى تسكينه فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع وللموانع أزجر وأردع وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية. قال ابن رسلان: وورد الأمر بالاغتسال فيحمل على الحالة التي يشتد الغضب فيها جدا وهذا تحذير شديد من الغضب ولا ينافيه قول إمامنا الشافعي من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو جبار لأن القوة الغضبية محلها القلب ومعناها غليان دمه لطلب الانتقام فمن فرط فيها حتى انعدمت بالكلية أو ضعفت أو أفرط حتى جاوز حدها الشرعي ذم ذما شديدا ومحمل كلام الشافعي الأول والحديث الثاني وسبب ذم الأول استلزامه انعدام الغيرة والحمية والأنفة مما يؤلف منه (حم د) في الأدب (عن عطية) بفتح أوله وكسر المهملة الثانية وشد المثناة تحت ابن عروة (العوفي) صحابي نزل الشام قال في التقريب له ثلاثة أحاديث وسكت عليه هو والمنذري الحديث: 2080 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 2081 - (إن الفتنة) أي البلاء والشر والمحنة (تجيء فتنسف العباد نسفا) أي تهلكهم وتبيدهم واستعمال النسف في ذلك ونحوه مجاز قال الزمخشري: من المجاز نسفت الريح التراب ونسفوا البناء قلعوه من أصله (وينجو العالم منها بعمله) [ص: 378] الفتنة الاختبار والعلم الذي ينجي من هذه الفتنة قد يكون بأنواع فتن النفوس بأسباب الدنيا كمال ونساء وجاه فهذه أصول الفتن فتن الدنيا وقد تكون فتنة القلوب بالبدع والأهواء فيتنوع إلى بضع وسبعين فرقة كل فرقة تدعو إلى هوى وكلها في النار إلا واحدة فتجيء فتن الدنيا إلى النفوس وفتن الدين إلى القلوب فكاد يستأصل إهلاكها والعالم الناجي بعلمه العالم بالله العامل بتقواه وعلمه الذي ينجو به العلم بعظمة الله علم وجد بالقلب لا علم عقيدة فحسب علامته دوام الهيئة والخشية وثمراته تقوى الله بالعمل بالكتاب والسنة وترك الهوى أي العالم بعلم طريق الآخرة فإن الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات فالأولى من ضعف البصيرة وقلة العلم سيما إذا قارنه نوع هوى ومن هذا القسم فتنة أهل البدع فإنما ابتدعوا لاشتباه الحق عليهم بالباطل والهوى بالضلال ولو أتقنوا العلم بما بعث الله به رسوله وتجردوا عن الهوى لما ابتدعوا. والثانية: من النفس فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات وأصل كل منهما من تقديم الرأي على الشرع فالأول أصل فتنة الشبهة والثاني أصل فتنة الشهوة ففتنة الشبهات إنما تدفع بكمال البصيرة واليقين وفتنة الشهوات إنما تدفع بكمال العقل والصبر والدين فمن ثم كان العالم من الناجين وما عداه من الهالكين (حل) من حديث عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن إبراهيم بن أدهم عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة الأنصاري (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث أبي إسحاق لم يكتبه إلا من حديث عطية الحديث: 2081 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 2082 - (إن الفحش والتفحش) أي تكلف إيجاد الفحش أي القبح شرعا (ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا) بالضم لأن الخلق شعار الدين وحلية المؤمنين فكلما ارتقى الإنسان في درجات حسن الخلق ارتقى في معارج الإيمان ولهذا قال التاج ابن عطاء الله رضي الله تعالى عنه: ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقرب الخلق إلى الله تعالى السالكون آثاره بحسن الخلق (حم ع طب) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر بن سمرة) قال: كنت في مجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم وسمرة وأبو أمامة فقال إن الفحش إلخ قال الحافظ العراقي إسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله ثقات وقال المنذري بعد عزوه لهم إسناد أحمد جيد الحديث: 2082 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 2083 - (إن الفخذ عورة) أي من العورة سواء كان ذكر أو أنثى حرا أو قينا فيجب ستر ما بين السرة والركبة (1) ويحرم النظر إليه من ذكر أو أنثى إلا الحليل لكن يحل نظر العورة من صغير أو صغيرة لا تشتهى إلا الفرج عند الشافعية (ك) في اللباس (عن جرهد) بضم الجيم وآخره مهملة الأسلمي مدني له صحبة وكان من أهل الصفة وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه برد فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو عجيب فقد رواه أبو داود في الحمام عن جرهد المذكور وكان من أصاب الصفة قال جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا وفخذي مكشوفة قال أما علمت أن الفخذ عورة وخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في الاستئذان [ص: 379] فإضراب المصنف عن ذا كله صفحا واقتصاره على الحاكم وحده قصور وتقصير مستبين فلا تكن من المتعصبين   (1) أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في حق الذكر والأمة في الصلاة وأما الحرة فيجب ستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين في الصلاة ومطلقا خارجا وكذا الأمة والرجل أي عورة كل منهما جميع بدنه بالنسبة للأجانب في حق الأنثى والأجنبيات في حق الذكر وأما في الخلوة فعورة الأنثى ولو أمة ما بين السرة والركبة وعورة الذكر السوءتان الحديث: 2083 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 2084 - (إن القاضي العدل) أي الذي يحكم بالحق (ليجاء به يوم القيامة) إلى الموقف (فيلقى من شدة الحساب ما) أي أمرا عظيما (يتمنى أن لا يكون قضى) أي حكم (بين اثنين) أي خصمين حتى ولا (في) شيء تافه جدا نحو (تمرة) أو حبة بر أو زبيب لما يرى من ذلك الهول لكن ذلك لا يدل على انحطاط درجة العادل فمنزلة الولاية منزلة شديدة المقاساة أولا والسلامة والغنيمة آخرا للعادل ومنزلة العطب لغيره (قط) (1) (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى (عن عائشة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه عمران بن حطان قال العقيلي لا يتابع على حديثه   (1) قوله قط أي فيما مضى من عمره فهي ظرف لما مضى من الزمان وفيها لغات أشهرها فتح القاف وضم الطاء المشددة وإذا كان هذا في القاضي العدل وفي الشيء اليسير فما بالك بغير العدل والشيء الكثير وكون قط ظرفا هو ما في كثير من السنخ وظاهر ما في كلام المتن أنها رمز للدارقطني فإنه ذكر قط والشيرازي بواو العطف الحديث: 2084 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 2085 - (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا) الميت (منه) أي من القبر أي من عذابه ونكاله (فما بعده) من أهوال المحشر والموقف والحساب والصراط والميزان وغيرها (أيسر) عليه (منه وإن لم ينج منه) أي من عذابه (فما بعده) مما ذكر (أشد منه) عليه فما يراه الإنسان فيه عنوان ما سيصير إليه ولا ينافيه قوله تعالى {وإنما توفون أجوركم} أي على طاعتكم ومعصيتكم يوم القيامة لأن كلمة التوفية يزيل هذا الوهم إذ المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور ذكره في الكشاف (ت هـ ك) في الجنائز عن عبد الله بن بجير عن هانئ مولى عثمان (عن عثمان بن عفان) صححه الحاكم فاعترضه الذهبي بأن ابن بجير ليس بعمدة ومنهم من يقويه وهانئ روى عن جمع لكن لا ذكر له في الكتب الستة الحديث: 2085 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 2086 - (إن القلوب) أي قلوب بني آدم جمع قلب وليس المراد بها هنا اللحم الصنوبري الشكل القار في الجانب الأيسر من الصدر فإنه موجود في البهائم بل لطيفة ربانية روحانية لها بذلك القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك والمخاطب والمطالب والمعاقب ولهذه اللطيفة علاقة بالقلب الجسداني وقد تحيرت عقول الأكثر في كيفية التعلق وأن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وتحقيق التعلق متعلق بعلوم المكاشفة لا بالعلوم النظرية (بين أصبعين من أصابع الله يقلبها) حيث شاء أي يصرفها إلى ما يريد بالعبد بحسب القدر الحاوي عليه المستند إلى العلم الأزلي بحسب خلق تلك الدواعي والصوارف فتصرفه سبحانه وتعالى في خلقه إما ظاهر بخلق يخرق العادات كالمعجزة أو بنصيب الأدلة كالأحكام التكليفية وإما باطن بتقدير الأسباب نحو {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أو يخلق الدواعي والصوارف نحو {كذلك زينا لكل أمة عملهم} {ونقلب أفئدتهم} " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " أي طاعتك وعبر بالتثنية دون الجمع إشارة إلى أن الأصبعين هما ظهور القدرة الربانية بمظهري الخير والشر في قلب العبد لا أن لله جارحة تعالى عن ذلك وعبر بالأصبعين دون اليدين لأن أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها فحركتها أسرع من حركة اليد وغيرها فلما [ص: 380] كان تقليب الله قلوب عباده أسرع شيء خاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم العرب بما تعقل قال الكمال ابن أبي شريف وقوله كيف يشاء نصب على المفعول المطلق من قوله يقلبها والتقدير تقليبا يريده وهذا من أحاديث الصفات وللناس في تلقيتها مذهبان أحدهما أن الإيمان بها وجب كالإيمان بمتشابه القرآن والبحث فيها بدعة وعليه أكثر السلف الثاني أن البحث عنها واجب وتأويلها بنحو ما تقرر متعين فرارا من التعطيل وإمام هذه الطائفة المرتضى والحبر ومن على قدمهما من فقهاء الصدر الأول لأن الله سبحانه لم ينزل من المتشابه ما أنزل إلا ليعلم ورسوله لم يقل ما قال إلا ليفهم وبمعرفة المتشابه يتميز الفاضل من المفضول والعالم من المتعلم والحكيم من المتعجرف ومن آمن بالأخبار على ما جاءت به حيث ألبس عليه كنه معرفتها لا تجب عليه أن يردها رد منكر لها بل يؤمن ويسلم ويكلها إلى الله ورد متشابه التنزيل والسنة طريق هين يستوي فيه العالم والجاهل والسفيه والعاقل وإنما يظهر الفضل بالبحث واستخراج الحكمة والحمل على ما يوافق الأصول والعقول (حم ت ك عن أنس) بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله آمنا بذلك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم فذكره قال الصدر المناوي رجاله رجال مسلم في الصحيح الحديث: 2086 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 2087 - (إن الكافر ليسحب لسانه) أي يجره وخص لتلفظه بكلمة الكفر (يوم القيامة وراءه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس) أي أهل الموقف فيكون ذلك من العذاب قبل دخوله دار العقاب والقصد بهذا الخبر بيان عظم جثة الكافر في الموقف وأن له من العذاب ألوانا والسحب الجر على الأرض يقال سحبته على الأرض سحبا من باب نفع جررته فانسحب وسمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وهو فارسي معرب والوطء الدوس بالرجل يقال وطئته برجلي أطؤه وطأ إذا علوته ووطئ زوجته جامعها لأنه استعلاء. قال الزمخشري: ومن المجاز وطئه العدو وطأة منكرة وفلان وطئ الخلق (حم ت) في صفة جهنم (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال الترمذي غريب قال في المنار: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأنه من رواية الفضل بن يزيد وهو ثقة عن أبي المخارق عن ابن عمر وأبو المخارق هو معن العبدي وهو ضعيف انتهى وقال العراقي سنده ضعيف إذ أبو المخارق لا يعرف وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف الحديث: 2087 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 2088 - (إن الكافر ليعظم) أي لتكبر جثته في الآخرة (حتى إن ضرسه لأعظم من أحد) أي حتى يصير ضرسه أكبر من جبل أحد (وفضيلة جسده) أي زيادته وعظمه (على ضرسه كفضيلة جبل أحد على ضرسه) (1) فإذا كان ضرسه مثل جبل أحد فجثته مثله سبعين مرة أو أكثر وقد استبعد هذا الخبر وما قبله قوم من الذين اتبعوا أهواءهم بغير علم ولا هدى إعجابا برأيهم وتحكما على السنة بعقول ضعيفة وأفهام سخيفة وما دروا أن الله سبحانه وتعالى لم يبن أمور الدنيا على عقول البشر بل أمر ونهى بحكمته ووعد وواعد بمشيئته ولو كان كل ما لا تدركه [ص: 381] العقول غير مقبول لاستحالت أكثر واجبات الشرائع ألا ترى أنه تعالى أوجب غسل جميع البدن من المني وهو طاهر وأوجب غسل الأعضاء الأربعة من الغائط فقط وهو نجس منتن وأوجب بخروج يسير ما أوجب بخروج ريح يسير فبأي عقل يساوي ما لا عين له ما له عين قائمة بمحل واحد وأوجب قطع يد السارق في ربع دينار وقطعه في مئة ألف قنطار والقطع فيهما سواء وأوجب للأم الثلث فإذا كان للولد أخوة فالسدس من غير أن يرث الإخوة من ذلك شيئا فبأي عقل يدرك هذا إلا تسليما للشارع؟ وهذا باب واسع يطول تتبعه وإذا كان هذا في أمور الدنيا فما بالك بأمر الآخرة التي ليس معها شيء على نمط ما في الدنيا ولا يشبهه إلا في مجرد الاسم (هـ عن أبي سعيد) الخدري   (1) أي نسبة زيادة جسد الكافر على ضرسه كنسبة زيادة أحدكم على ضرسه وأمر الآخرة وراء طور العقول فتؤمن بذلك ولا نبحث عنه الحديث: 2088 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 2089 - (إن) المرأة (التي تورث المال غير أهله عليها نصف عذاب) هذه (الأمة) يعني المرأة إذا زنت وأتت بولد ونسبته إلى حليلها ليلحق به ويثبت بينهما التوارث وغيره من الأحكام عليها عذاب عظيم لا يقدر قدره ولا يكتنه كنهه وليس المراد أن عليها نصف عذاب هذه الأمة حقيقة بالتحديد بل المراد مزيد الزجر والتهويل ووصف عظيم عذابها وإلا فمعلوم أن إثم من قتل مئة مسلم ظلما أشد عذابا منها ومن دل الكفار على عقورات المسلمين فاستأصلوهم بالقتل والسبي والزنى بالنساء عالما بأن ذلك كله سيكون من دلالته كابن العلقمي وزير الخليفة المعتصم الذي أغرى التتار عليه وعلى أهل الإسلام حتى كان منهم ما كان في بغداد وما والاها أعظم عذابا منها (هب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث: 2089 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 2090 - (إن الذي أنزل الداء) وهو الله تعالى (أنزل الشفاء) أي أنزل ما يحصل به الشفاء من الأدوية أو أنزل ما يستشفى به منه وما من شيء إلا وله ضد وشفاء الضد بضده وإنما يتعذر استعماله بالجهل بعينه أو بفقده أو قيام موانع أخر وكذا المرض والدواء ما يتداوى به كما مر والشفاء البرء من العلة (ك عن أبي هريرة) وصححه الحديث: 2090 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 2091 - (إن) الرجل (الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة) عند جلوسهم بمحلها لاستماع الخطبة والصلاة (ويفرق بين اثنين) قعدا لذلك بجلوسه بينهما (بعد خروج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (كالجار قصبه) بضم القاف أي أمعاءه والجمع أقصاب وقيل هو ما أسفل البطن من الأمعاء (في النار) أي له في الآخرة عذاب شديد مثل عذاب من يكون في النار وهو يجر أمعاءه فيها بمعنى أنه يستحق ذلك وقد يعفى عنه وهذا وعيد شديد يفيد تحريم التخطي والتفريق بين اثنين فإن رأى فرجة لا يبلغها إلا به جاز له أن يتخطى صفين لا أكثر فيحرم كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه واختار في الروضة خلاف ترجيحه في المجموع الكراهة (1) والتفريق صادق بأن يزحزح رجلين عن مكانهما [ص: 382] ويجلس بينهما (حم طب ك) في المناقب (عن الأرقم) بن أبي الأرقم قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن هشام بن زياد أحد رجاله واه وتعقب الهيثمي على أحمد والطبراني بأن فيه هشام بن زياد وقد أجمعوا على ضعفه اه وساقه في الميزان من مناكير رشدين   (1) واعتمد الرملي في التفريق أنه مكروه ووافقه الخطيب الشربيني فقال يكره تخطي الرقاب إلا لإمام أو رجل صالح لأن الصالح يتبرك به ولا يتأذى بتخطيه وألحق بعضهم بالرجل الصالح الرجل العظيم ولو في الدنيا قال لأن الناس يتسامحون بتخطيه ولا يتأذون به أو وجد فرجة لا يصلها إلا بتخطي واحد أو اثنين أو أكثر وإن لم يرج سدها فلا يكره له وإن وجد غيره لتقصير القوم بإخلائها لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى فإن رجى سدها كأن يتقدم أحد إليها إذا أقيمت الصلاة كره الحديث: 2091 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 2092 - (إن) المكلف (الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب) عبر بفي دون من لأن المحرم الأكل أو الشرب واضعا فاه فيه لا متباعدا منه (1) (إنما يجرجر) بضم التحتية وفتح الجيم (2) (في بطنه نار جهنم) أي يرددها فيه من جرجر الفحل إذ ردد صوته في حنجرته ذكره في الفائق وفي رواية نارا أي قطعة هائلة من نار جهنم جعل صوت شرب الإنسان الماء في هذه الآنية لكون استعمالها محرما موجبا لاستحقاق العقاب كجرجرة نار جهنم في بطنه وفي رواية نارا من جهنم وهي أبلغ بزيادة التنوين الذي للتهويل <تنبيه> قال الغزالي: النقد ليس في عينه غرض وخلق وسيلة لكل غرض فمن اقتناه فقد أبطل الحكمة وكان كمن حبس الحاكم في سجن وأضاع الحكم وما خلق النقد لإنسان فقط بل لتعرف به المقادير فأخبر تعالى الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات بخط إلهي لا حرف قبله ولا صوت له الذي لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة أخبر هؤلاء العاجزين بكلام سمعوه وفهموه من رسوله حتى وصلوا إليهم بواسطة الحرف والصوت المعنى الذي عجزوا عن إدراكه فقال {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية وكل من اتخذ النقد آنية فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنزه فإنه كمن سخر الحاكم في نحو حياكة أو كنس فالحبس أهون فإن الخزف يقوم مقامه في حفظ الأطعمة والمائعات ففاعله كافر للنعمة بالنقد فمن لم ينكشف له هذا قيل له الذي يأكل أو يشرب فيه إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وأفاد حرمة استعماله على الذكور والإناث وعلة التحريم العين مع الخيلاء (م هـ عن أم سلمة) ورواه عنه البخاري في الأشربة بدون ذكر الأكل والذهب (زاد طب) في روايته (إلا أن يتوب) توبة صحيحة عن استعماله فإنه لا يجرجر حينئذ في نار جهنم   (1) هذا التعليل فيه نظر فتدبر. اه (2) أي الأولى وسكون الراء بعدها جيم مكسورة أي يردد أو يصيب في بطنه نار جهنم بنصب نار على أنه مفعول به والفاعل ضمير الشارب والجرجرة بمعنى الصب وجاء الرفع على أنه فاعل والجرجرة تصويت في البطن أي تصوت في بطنه نار جهنم وفي الحديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجلا كان أو امرأة ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والاكتحال وسائر وجوه الاستعمال وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه بدون استعماله الحديث: 2092 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 2093 - (إن) الإنسان (الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) قال الطيبي: أراد بالجوف هنا القلب إطلاقا لاسم المحل على الحال قال تعالى {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} . <فائدة> ذكره تصحيح التشبيه بالبيت الخرب كجوف الإنسان الخالي عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء الله ومحبته (حم ت ك عن ابن عباس) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وفاتهما أن فيه قابوس ابن أبي ظبيان ضعيف كما بينه ابن القطان والراوي عن قابوس جرير وفيه مقال فالصحة له محال ومن ثم استدركه الذهبي على الحاكم وقال قابوس لين وقال النسائي غير قوي الحديث: 2093 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 2094 - (إن) المصورين (الذين يصنعون هذه الصور) أي التماثيل ذوات الأرواح (يعذبون يوم القيامة) في نار جهنم [ص: 383] (فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) أمر تعجيز أي اجعلوا ما صورتم حياته ذا روح (1) ونسب الخلق إليهم تهكما واستهزاء وهذا يؤذن بدوام تعذيب المصور لتكليفه نفخ الروح وليس بنافخ وهو على بابه إن استحل التصوير لكفره وإلا فهو زجر وتهديد إذ دوام التعذيب إنما للكفار (ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب   (1) واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق على أن غير الله ليس بخالق حقيقة وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس ذلك بجوهر وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخص الحديث: 2094 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 2095 - (إن الماء طهور) أي طاهر في نفسه مطهر لغيره (لا ينجسه شيء) مما اتصل به من النجاسات قال الرافعي: أراد مثل الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة كانت واسعة كثيرة الماء وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغيرها فإن فرض تغير الكثير بنجس نجسه إجماعا. وقال الولي العراقي رحمه الله تعالى: أل للاستغراق أو للعهد أي الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة ويعلم حكم غيره بالأولى أو لبيان الجنس أي أن هذا هو الأصل في الماء وطهور بفتح الطاء على المشهور لأن المراد به الماء وجاء في رواية ولا بإثبات الواو واستدل به المالكية على قولهم الماء لا ينجس إلا بالتغير وخصه الشافعية والحنابلة بخبر القلتين كما مر وأجمعوا على نجاسة المتغير (حم 3 قط هق عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله إنا نتوضأ من بئر بضاعة (1) وهي تلقى فيها دم الحيض ولحوم الكلاب والنتن فذكره وحسنه الترمذي وصححه أحمد وابن معين والبغوي وابن حزم وغيرهم من الجهابذة قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فنفي الدارقطني أي في العلل ثبوته باطل   (1) بضم الباء وكسرها بثر معروفة بالمدينة والضاد معجمة والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وشدها أي خرق الحيض وفي رواية بالصاد المهملة أي الخرق التي يمسح بها دم الحيض وعذر الناس بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة وهي الغائط الحديث: 2095 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 2096 - (إن الماء) في رواية طهور (لا ينجسه شيء) نجس وقع فيه (إلا ما) أي نجس (غلب على ريحه وطعمه ولونه) الواو مانعة خلو لا جمع وفيه كالذي قبله أن الماء يقبل التنجيس وأنه لا أثر لملاقاته حيث لا تغير أي إن كثر الماء والتمسك بالأصل حتى نتيقن بتحقق رافعه <تنبيه> هذا الحديث كالذي قبله قد مثل به من أصحابنا في الأصول إلى أن العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه عند الأكثر ولا يقصر على السبب لوروده فيه فإن سبب الحديث ما تقرر من أنه سئل أنتوضأ من بئر بضاعة وهي يلقى فيها ما ذكر فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره (هـ عن أبي أمامة) ورواه الدارقطني والبيهقي بدون ولونه وظاهر عدم رمز المصنف إليه بالضعف يوهم أنه لا ضعف فيه وليس كذلك بل جزم بضعفه جمع منهم الحافظ العراقي ومغلطاي في شرح ابن ماجه نفسه فقال ضعيف لضعف رواته الذين منهم رشدين بن سعد الذي قال فيه أحمد لا يبالي عمن روى وأبو حاتم منكر الحديث وقال النسائي متروك ويحيى واه وأشار الشافعي إلى ضعفه واستغنى عنه بالإجماع الحديث: 2096 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 2097 - (إن الماء لا يجنب) بضم أوله (1) أي لا ينتقل له حكم الجنابة وهو المنع من استعماله باغتسال الغير منه وحقيقته لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حالة يجتنب فلا يستعمل وأما تفسير لا يجنب بلا ينجس فرده ابن دقيق العبد بأنه تفسير للأعم [ص: 384] بالأخص ويحتاج إلى دليل وأل في الماء للاستغراق خص منه المتغير بدليل وهو الإجماع أو للعهد أي الماء المعهود بالتطهر منه فإنه قال لميمونة لما اغتسلت في جفنة فجاء ليغتسل منها فقالت إني كنت جنبا (2) وفيه حذف أي كنت جنبا حالة استعمال الماء ثم حذف منه أيضا مقصود هذا الإخبار وهو أنه هل يمنع استعماله أم لا قال الولي العراقي: وقوله الماء لا يجنب نكرة في سياق النفي فيعم والقياس يخصصه بالجنابة أي لا تحصل له بسبب الجنابة منع من التطهير كما مر عن الخطابي ومع ذلك لا يختص الحكم بالجنابة بل بكل حدث وخبث كذلك لأن العبرة بعموم اللفظ قال: وقوله لا يجنب كالتصريح بالرد على من قال العلة في إفساد الماء باستعماله انتقال المنع إليه وفيه جواز العمل بالأصل وطرح الاحتمال فإنه ينبغي لمن علم حال شيء خفي على غيره بيانه له وإن عظم قيل وطهورية المستعمل وهو غير سديد إذ الاغتسال كما يحمل كونه فيها يحتمل كونه منها والدليل إذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال على أنه صرح في رواية البيهقي والدارقطني وغيرهما بأنه كان منها ونصه فضل من غسلها فضل فأراد أن يتوضأ به فقالت يا رسول الله إني اغتسلت منه فذكره وفيه صحة التطهير بفضل المرأة وإن حلت به وبه قال الأئمة الثلاثة وخالف أحمد وأن الشرط في الطهر الإسباغ فلا يقدر ماؤه إلا ندبا قال القشيري: والعام لا يخص بسببه على المختار فإذا حمل لا يجنب على أنه لا يعلق به منع بسبب الجنابة دل على حل استعماله في حدث وخبث معا وإن كان سبب الحكم طهر الحدث (د ت هـ حب ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عباس) قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت إني كنت جنبا فذكره وقال الترمذي حسن صحيح وصححه النووي في شرح أبي داود وظاهر اقتصار المصنف على عزوه لهؤلاء أنه لم يره مخرجا لغيرهم وهو عجب فقد خرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه والدارمي وغيرهم كلهم عن الحبر   (1) أي وكسر النون ويجوز فتحها مع ضم النون. قال النووي والأول أفصح وأشهر (2) توهما منها أن الماء صار مستعملا وفي رواية أبي داود ونهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة قال الخطابي وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت هذا أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال أو فضل عن أعضائها عند التطهير به دون الفضل الذي يستقر في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت طاهرة فلا بأس به الحديث: 2097 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 2098 - (إن المؤمن) وفي رواية إن العبد (ليدرك بحسن الخلق) أي ببسطة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى (درجة القائم الصائم) في أشد الحر والمتهجد ليلا وهو راقد على فراشه لأنه قد رفع عن قلبه الحجب فهو يشهد مشاهد القيامة بقلبه ويعد نفسه ضيقا في بيته وروحه عارية في بدنه لكن لا يكون حسن الخلق محمودا في كل حال ولا الغضب مذموما كذلك بل كل منهما محتاج إليه في حينه فمن رزق كمالا يضع كل شيء في محله فطوبى له وإلا فليعالج نفسه ويهذبها بالرياضة فمن جبل على قلة الغضب ورزانة الطبع والرأفة فلا يجفو ولا يغلظ وعلى البذل فلا يمسك وكذا سائر الأخلاق لزيادة بعض الأمشاج من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة على بعض فالرياضة محتاج إليها لتعديل الأخلاط فالمجبول على الرزانة وقلة الغضب عليه أن يروض نفسه على اكتساب الحركة والغضب كما كان على الطائش أن يروضها على اكتساب الحلم والرزانة فالواجب أن لا يستخف الرذائل فيميل إليها ولا يستثقل الفضائل فيحيد عنها بل يكون فيه حلم وغضب ورزانة وخفة وجد وهزل ولا يجري على طبعه وعادته (د) في الأدب (حب) كلاهما (عن عائشة) ورواه عنها أيضا البغوي في شرح السنة وغيره وعزاه المنذري إلى أبي الشيخ عن علي وضعفه الحديث: 2098 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 [ص: 385] 2099 - (إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه) أي تزهق روحه من جسده فيموت (وهو) أي والحال أنه (يحمد الله تعالى) إنما حمده حال قبض أعز شيء منه لموت شهواته حالتئذ إذ هو إنما يحب الحياة بالشهوة المركبة فيه فيتلذذ بها فإذا انقطعت الشهوة وخلصت الروح من آفات النفس حمد الله على خلاصه من السجن (هب عن ابن عباس) رضي الله عنه وفي الباب غيره الحديث: 2099 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 2100 - (أن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء كما يضرب وجه البعير) هذا عبارة عن كثرة إيراد أنواع المصائب وضروب المحن والفتن فضرب الوجه هنا مجاز عن ذلك قال الزمخشري: ومن المجاز ضرب على يده إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه. ثم أعلم أنه تعالى إنما يصير المؤمن عرضة للبلاء لكرامته عليه لما في الابتلاء من تمحيص الذنوب ورفع الدرجات والحكيم لا يفعل شيئا إلا لغرض صحيح وحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصل لإدراكها العاقلون (خط) في ترجمة أبي القاسم الصفار (عن ابن عباس) وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي قال ابن حبان يضع ومطير الوراق أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة لين الحديث: 2100 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 2101 - (إن المؤمن ينضي) بنون ساكنة وضاد معجمة مكسورة وفي رواية لينضي (شيطانه) أي يهزله ويجعله نضوا أي مهزولا لكثرة إذلاله له وجعله أسيرا تحت قهره وتصرفه ومن أعز سلطان الله أعزه الله وسلطه على عدوه وحكم عكسه عكس حكمه فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله فهو أبدا ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حسا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حيا فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحا والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور قلت ولم ذا؟ قال أذبتني بكتاب الله. وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة (حم والحكيم) الترمذي (وابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (مكائد الشيطان) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي تبعا لشيخه الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وأقول فيه أيضا سعيد بن شرجبيل وأورده الذهبي في الضعفاء وعده من المجاهيل وفي الميزان قال أبو حاتم مجهول وموسى بن وردان ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود الحديث: 2101 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 2102 - (أن المؤمن إذا أصابه سقم) بضم فسكون وبفتحتين أي مرض (ثم أعفاه الله عنه) أي خلصه منه بالشفاء وفي رواية ثم أعفى بالبناء للمجهول (كان) مرضه (كفارة لما مضى من ذنوبه) فيه شمول للكبائر والصغائر (وموعظة له فيما [ص: 386] يستقبل) لأنه لما مرض عقل أن مرضه مسبب عن اقترافه الذنوب فأقلع عنها فكان كفارة لها فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التنبيه والندم تنبيها على تيقظه وبعد غور إدراكه ليقابل نسبته البلادة إلى المنافق (1) المذكور في قوله (وإن المنافق) الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (إذا مرض ثم أعفي) من مرضه (كان كالبعير عقله أهله) أي أصحابه (ثم أرسلوه) أي أطلقوه من عقاله (فلم يدر لم عقلوه) أي لأي شيء فعلوا به ذلك (ولم يدر لم أرسلوه) أي فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ بمرضه ولا يتيقظ من غفلته بشغل قلبه بحب الدنيا واستغراقه في شهوته ورسوخه فيما هو عليه من غباوة البهيمة فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكر حسرة الموت فلذا شبهه بالبعير المرسل بعد القيد في كونه لا يدري فيم قيد وفيم أرسل فحقه إذا مرض عقل أن مرضه بسبب ذنوبه فإذا عوفي لم يعد فلما لم يتنبه جعل كالبهيمة {أولئك كالأنعام بل هم أضل} ثم إن للحديث عند مخرجه أبي داود تتمة وهي: فقال رجل ممن حوله يا رسول الله وما الأسقام والله ما مرضت قط قال قم عنا فلست منا (د) في الجنائز (عن عامر الرام) أخي الخضر قال محمد بن سلمة قال إني لببلادنا إذ رفعت لنا رايات وألوية فقلنا ما هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا وهو جالس تحت شجرة قد بسط له كساء وقد اجتمع إليه أصحابه فجلست إليهم فذكر الأسقام فقال إن المؤمن إلخ وفيه زيادة ذكره البغوي في الدعوات في المصابيح قال المنذري في إسناده راو لم يسم   (1) أي النفاق في الحقيقة ويحتمل أن المراد العملي الحديث: 2102 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 2103 - (إن المؤمن) في رواية المسلم (لا ينجس) زاد الحاكم حيا ولا ميتا (1) أما الحي فإجماعا قال الفاكهي حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها وأما الميت فعلي الصحيح عند الشافعية والمالكية انتهى وذكر المؤمن وصف طردي فالكافر كذلك خلافا لنعمان والمراد بنجاسة المشركين في الآية نجاسة الاعتقاد أو تجنبهم كالنجس ومفهوم الخبر متروك لمانع (2) <تنبيه> قال القاضي يمكن أن يحتج بالحديث على من قال الحدث نجاسة حكمية وإن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكما (ق 4 عن أبي هريرة) قال لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى بعد فانسللت أي مضيت بتمهل فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت قلت لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك فذكره ولفظ رواية مسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وفيه حل مصافحة الجنب ومخالطته وطهارة عرقه وجواز تأخيره للغسل وأن يسعى في حوائجه. (حم د ن هـ عن حذيفة) بن اليمان (ن عن ابن مسعود طب عن أبي موسى) الأشعري واللفظ للبخاري   (1) فيه رد على من قال إنه ينجس بالموت (2) وتمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى {إنما المشركون نجس} وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة كما يجتنب النجس وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي ليس نجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء الحديث: 2103 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 2104 - (إن المؤمن يجاهد بسيفه) الكفار (ولسانه) الكفار وغيرهم من الملحدين والفرق الزائغة بإقامة الحجة ونصب [ص: 387] البراهين وغير ذلك أو أراد بالجهاد باللسان هجو الكفر وأهله وهذا إلى ظاهر الأخبار أقرب ومقصود الحديث أن المؤمن شأنه ذلك فلا ينبغي أن يقتصر على جهاد أعداء الله بالسنان بل يضم إليه الجهاد باللسان (حم طب عن كعب بن مالك) قال لما نزلت {والشعراء يتبعهم الغاوون} أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما ترى في الشعر فذكره قال الهيثمي رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح الحديث: 2104 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 2105 - (إن المؤمنين يشدد) بضم أوله (عليهم) لفظ رواية الحاكم إن المؤمن يشدد عليه (لأنه لا يصيب المؤمن نكبة) بنون وكاف موحدة (من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة) في الجنة (وحط عنه) أي محى عنه بسببه (خطيئة) من خطاياه وسبق أنه لا مانع من كون الشيء الواحد رافعا وحاطا ومر أن النكبة ما يصيب الإنسان من المصائب والشوكة معروفة (ابن سعد) في الطبقات (ك) في الجنائز (هب) كلهم (عن عائشة) قالت طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع فجعل يتقلب على فراشه فقلت يا رسول الله لو صنع هذا بعضنا لخشي أن تجد عليه فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2105 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 2106 - (إن المتحابين في الله) يكونون (في ظل العرش) يوم القيامة زاد الحاكم في روايته يوم لا ظل إلا ظله ومعلوم أن الكلام في المؤمنين (طب عن معاذ) بن جبل ورواه الحاكم أيضا وقال على شرطهما وقال العراقي وهو عند الترمذي عن معاذ بلفظ آخر الحديث: 2106 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 2107 - (إن المتشدقين) بمثناة فوقية وشين معجمة أي المتوسعين في الكلام من غير احتياط وتحرز أو الذين يلوون أشداقهم به (في النار) أي سيكونون يوم القيامة في نار جهنم جزاء لهم بتفحصهم على ربهم وازدرائهم بخلقه أي أنهم يستحقون دخولها وقد يدركهم العفو (طب عن آبى أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان ضعيف الحديث: 2107 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 2108 - (إن المجالس) أي أهلها (ثلاثة) أي ثلاثة أنواع (سالم وغانم وشاجب) بمعجمة وجيم أي هالك يقال شجب يشجب إذا هلك يعني إما سالم من الإثم وإما غانم للأجر وإما هالك آثم ذكره الزمخشري وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تتمته كما في الميزان واللسان وغيرهما فالغانم الذاكر والسالم الساكت والشاجب الذي يشغب بين الناس (حم ع حب عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2108 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 2109 - (إن) النساء (المختلعات) أي اللاتي يطلبن من أزواجهن الخلع ويبذلن لأجله المال بلا عذر (والمتنزعات) أي الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق يقال نزع الشيء من يده جذبه ويحتمل أن المراد النساء اللاتي يأبين التزوج من قومهن ويؤثرن عليهن الأجانب. قال الزمخشري: من المجاز نساء نزائع تزوجن في غير عشائرهن وعنده نزيع ونزيعة نجيب ونجيبة من غير بلادة اه (هن المنافقات) أطلق عليهن اسم النفاق لمزيد الزجر والتهويل والتحذير من الوقوع في ذلك فيكره للمرأة الخلع إلا لعذر كالشقاق وكراهتها للزوج لقبح خلق أو خلق دنيوي أو ديني أو [ص: 388] خوف تقصيرها في بعض حقه أو قصدها سفرا أو نحو ذلك (طب عن عقبة بن عامر) الجهني وفيه قيس بن الربيع وثقه النووي وضعفه شعبة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي الحديث: 2109 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 2110 - (إن المرء كثير بأخيه وابن عمه) أي يتقوى بنصرتهما ويعتضد بمعونتهما فهو وإن كان قليلا في نفسه بانفراد فإنه يكثر بأخيه وابن عمه إذا ظاهراه على الأمر وساعداه عليه فكأنه كان قليلا حين انفراده كثيرا باجتماعه معهما وسيأتي لهذا مزيد بيان (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب المشهور بالجود الخارق للأجانب والأقارب الحديث: 2110 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 2111 - (إن المرأة خلقت) بالبناء للمفعول أي خلقها الله (من ضلع) بكسر ففتح واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى (لن تستقيم لك) أيها الرجل (على طريقة) واحدة (فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج) (1) ليس منه بد (وإن ذهبت تقيمها) أي قصدت أن تسوي اعوجاجها وأخذت في الشروع في ذلك (كسرتها) قال في المصباح ذهب مذهب فلان قصد قصده وطريقته وذهب في الدين مذهبا رأى فيه رأيا قال الزمخشري: ومن المجاز ذهب فلان مذهبا حسنا وفلان يذهب إلى قول الحنفية أي يأخذ به ثم فسر كسرها بقوله (وكسرها) هو (طلاقها) إشعارا باستحالة تقويمها أي إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها وهذا حث على الرفق بالنساء والصبر على عوجهن وتحمل ضعف عقولهن وأنه لا مطمع في استقامتهن وفيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه على عوجه وإلى ذلك يشير قوله سبحانه وتعالى {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} فلا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو بترك الواجب بل المراد تركها على عوجها في الأمور المباحة فقط وفيه ندب المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وسياسة النساء بأخذ العفو عنهن والصبر عليهن وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهن مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها <تنبيه> قال ابن عربي: لما خلق الله جسم آدم ولم يكن فيه شهوة نكاح وقد سبق في علم الحق إيجاد التناسل في هذه الدار لبقاء النوع استخرج من ضلعه القصير حواء فقصرت بذلك عن درجة الرجل {وللرجال عليهن درجة} فلا تلحق بهم أبدا وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع لتحنو على ولدها وزوجها فحنو الرجل عليها حنوه على نفسه لأنها جزؤه وحنوها عليه لكونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف وعمر الله المحل من آدم الذي خرجت منه الشهوة إليها لئلا يبقى في الوجود خلاه فلما عمره بالهوى فلذلك حن إليها حنينه على نفسه لأنها جزء منه فحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه فحبها حب وطنها وحبه حب نفسه فلذلك ظهر حب الرجل لها لكونها عينه وأعطيت القوة المعبر عنها بالحياء في محبة الرجل فقويت على الإخفاء وصور في ذلك الضلع جميع ما صور في جسم آدم ونفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة محلا للحرث لوجود الإنبات فسكن إليها وسكنت إليه فكانت لباسا له وكان لباسا لها {فتبارك الله أحسن الخالقين} (م) في النكاح (ت) كلاهما (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا   (1) وبها عوج: ضبط بالفتح وبالكسر وهو أرجح قال شيخنا قال أهل اللغة العوج بالفتح في الأجسام المرئية وبالكسر في المعاني غير المرئية كالرأي والكلام الحديث: 2111 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 2112 - (إن المرأة خلقت من ضلع) بفتح اللام وقد تسكن (وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها) فإن ترد إقامة [ص: 389] المرأة تكسرها وكسرها طلاقها (فدارها تعش بها) أي لاطفها ولاينها فإنك بذلك تبلغ ما تريده منها من الاستمتاع بها وحسن العشرة معها الذي هو أهم المعيشة وفيه إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي والمداراة كما في المصباح وغيره الملاطفة والملاينة يقال داريته مداراة لاطفته ولاينته وعليك بالمداراة وهي الملاطفة (حم حب ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم صحيح وأقروه الحديث: 2112 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 2113 - (إن المرأة تقبل في صورة شيطان) أي في صفته شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة فنسبتها للشيطان لكون الشهوة من جسده وأسبابه والعقل من جند الملائكة والكل جند الله والعقل حزب الله {ألا إن حزب الله هم المفلحون} فالمراد أنها تشبه الشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه قال الطيبي: جعل صورة الشيطان ظرفا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد لأن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر (وتدبر في صورة شيطان) لأن الطرف رائد القلب فيتعلق بها عند الإدبار أيضا بتأمل الخصر والردف وما هنالك خص إقبالها وإدبارها مع كون رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لأن الإضلال فيهما أكثر وقدم الإقبال لكونه أشد فسادا لحصول المواجهة به (فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته) أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه (فليأت أهله) أي فليجامع حليلته (فإن ذلك) أي جماعها (يرد ما في نفسه) بمثناة تحتية أي يعكسه ويغلبه ويقهره وقال في النهاية: وروي بموحدة من البر وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكينا لها وجمعا لقلبه ودفعا لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته فدخل على زينب رضي الله تعالى عنها فقضى حاجته منها وخرج فذكره قال ابن العربي: هذا حديث غريب المعنى لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم كان سرا لم يعلمه إلا الله تعالى فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما وقد كان آدميا وذا شهوة لكنه كان معصوما عن الزلة وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعا ولا ينقص منزلته وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة قال ابن العربي: وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه والرهبانية ليست في هذا الدين (حم م) كلهم في النكاح (عن جابر) ورواه عنه النسائي ولم يخرجه البخاري الحديث: 2113 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 2114 - (إن المرأة تنكح لدينها) أي صلاحها (ومالها وجمالها فعليك بذات الدين) ولا تلتفت لدينك في جنبه لأنه الأهم الواجب التقديم (تربت يداك) أي افتقرتا إن لم تفعل قال الزمخشري: من المجاز تربت يداك أي خابت وخسرت انتهى قالوا وهذه الكلمات التي جاءت عن العرب صورتها دعاء ولا يراد بها الدعاء بل الحث والتحريض وأخذ منه المالكية أن المرأة تجبر على أن تجهز بقدر صداقها وزعموا أن عليا رضي الله تعالى عنه قضى بذلك (حم م ت ن عن جابر) قال تزوجت امرأة ثيبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك قلت إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن قال فذاك إذن ثم ذكره الحديث: 2114 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 2115 - (إن المسألة) أي الطلب من الناس أن يعطوه من أموالهم شيئا [ص: 390] (لا تحل) حلا مستوي الطرفين وقد تجب (إلا لأحد ثلاثة لذي دم موجع) اسم فاعل من أوجع يعني ما يتحمله الإنسان من الدية فإن لم يتحملها وإلا قتل فيوجعه القتل (أو لذي غرم مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وظاء معجمة مكسورة وعين مهملة: شديد شنيع والمراد به ما استدانه لنفسه وعياله (أو لذي فقر مدقع) بالقاف أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي اللصوق بالتراب من شدة الفقر وقيل هو سوء احتمال الفقر وهذا قاله في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأخذ أعرابي بطرف رداءه فسأله إياه فأعطاه ثم ذكره قال النووي: اتفقوا على النهي عن السؤال بلا ضرورة وفي سؤال القادر على الكسب وجهان أصحهما يحرم والثاني يجوز بكراهة بشرط أن لا يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل السؤال ولا يؤذي فإن فقد شرط منها حرم (حم 4 عن أنس) قال المناوي وغيره: فيه الأخضر بن عجلان قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم يكتب حديثه الحديث: 2115 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 2116 - (إن المسجد لا يحل) المكث فيه (لجنب ولا حائض) ومثلهما النفساء فيحرم مكث كل منهم فيه عند الأئمة الأربعة ويباح عبوره وهو حجة على المزني وداود وابن المنذر في زعمهم جوازه مطلقا أو بشرط الوضوء على الخلاف بينهم (هـ عن أم سلمة) قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلا صوته فذكره الحديث: 2116 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 2117 - (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم) في مرضه أي زاره فيه وتعهد حاله (لم يزل في مخرقة (1) الجنة) أي بساتينها الزهية وروضاتها البهية شبه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر قال شمر: المخرقة سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء والخريف بفتح فكسر البستان من نخل (حتى يرجع) أي حتى يذهب إلى العيادة ثم يعود إلى محله وفيه إيذان بأنه كل ما كان محل المريض أبعد كانت العيادة أكثر ثوابا لكن ما يوهمه من فضل طول المكث عند المريض غير مراد كما بينته أخبار الأمر بالتخفيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم وغيره قيل يا رسول الله وما مخرقة الجنة قال جناها (حم م) في الأدب (ت) في الجنائز (عن ثوبان) ولم يخرجه البخاري ولا خرج في صحيحه عن ثوبان   (1) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وقيل المخرقة الطريق أي أنه على طريق يؤديه إلى طرق الجنة الحديث: 2117 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 2118 - (إن المظلومين) في الدنيا (هم المفلحون) أي الفائزون (يوم القيامة) بالأجر الجزيل والنجاة من النار ورفع الدرجات في دار الاختيار والانتقام لهم ممن ظلمهم والأخذ بثأرهم ممن بغى عليهم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغضب) له (ورسته) بضم الراء بضبط المصنف (في) كتاب (الإيمان) له كلاهما (عن أبي صالح) عبد الرحمن بن قيس تابعي جليل (الحنفي) بفتح الحاء والنون نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار ينسب إليها خلق كثير (مرسلا) الحديث: 2118 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 2119 - (إن المعروف) قال في المصباح وهو الخير والرفق والإحسان (لا يصلح إلا لذي دين) بكسر الدال أي لصاحب قدم [ص: 391] راسخ في الإسلام (أو لذي حسب) بفتحتين أي لصاحب مآثر حميدة ومناقب شريفة (أو لذي حلم) بكسر فسكون أي صاحب تثبت واحتمال وغفر وأناة والظاهر أن مقصود الحديث أن المعروف لا يصدر إلا ممن اتصف بهذه الأوصاف أو ببعضها ويحتمل أن المراد لا يليق فعله إلا مع من اتصف بذلك بخلاف نحو فاسق ودنيء ولئيم وأحمق (طب وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عند الطبراني سليمان بن سلمة الجنابري وهو متروك انتهى فكان ينبغي للمصنف الإشارة لضعفه واستيعاب مخرجه إشارة إلى اكتسابه بعض القوة إذ منهم البيهقي رواه باللفظ المزبور عن أبي أمامة وقال في إسناده من يجهل الحديث: 2119 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 2120 - (إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة) يريد أن العبد إذا أهمه القيام بمؤونة تلزمه مؤونته شرعا فإن كانت تلك المؤن قليلة قلل له وإن كانت كثيرة وتحملها على قدر طاقته وقام بحقها وعاين من فنون الدنيا ما أمر به لأجلها أمده الله بمعونته ورزقه من حيث لا يحتسب بقدرها وعماد ذلك طلب المعونة من الله تعالى بصدق إخلاص فهو حينئذ مجاب فيما طلب من المعونة فمن كانت عليه مؤونة شيء فاستعان الله عليها جاءته المعونة على قدر المؤونة فلا يقع لمن اعتمد ذلك عجز عن مرام أبدا وفي ذلك ندب إلى الاعتصام بحول الله وقوته وتوجيه الرغبات إليه بالسؤال والابتهال ونهي عن الإمساك والتقتير على العيال (1) (وإن الصبر يأتي من الله) للعبد المصاب (على قدر المصيبة) فإن عظمت المصيبة أفرغ الله عليه صبرا كثيرا لئلا يهلك جزعا وإن خفت خفف بقدرها. أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة وإذا رأيت لي طالبا فكن له خادما والمعونة كما في الصحاح وغيره الإعانة وفي المصباح كغيره العون الظهر والاسم المعونة والمعانة أيضا بالفتح ووزن المعونة مفعلة بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية وقيل هي فعولة وقال الزمخشري: تقول أي العرب إذا قلت المعونة كثرت المؤونة وفي الصحاح المؤونة تهمز ولا تهمز ومانت القوم احتملت مؤونتهم وفي المصباح المؤونة الثقل وفيها لغات والمراد أن من احتاج إلى مؤونة كثيرة لكثرة عياله يفاض عليه من المعونة ما يقوم بهم ومن قلت عياله اقتصر عليه بقدر حاجياتهم (الحكيم) الترمذي في النوادر (والبزار) في المسند (والحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه طارق بن عمار قال البخاري لا يتابع على حديثه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب ولم يترك قال والحديث غريب   (1) أي فلا يخشى الإنسان الفقر من كثرة العيال فإن الله يعينه على مؤونتهم بل يندب له أن يعمل على ما فيه تكثيرهم اعتمادا على الله الحديث: 2120 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 2121 - (إن المقسطين) أي العادلين يقال قسط أي جار وهو أن يأخذ قسط غيره أي نصيبه وأقسط إذا عدل والهمزة للسلب (عند الله) عندية تعظيم وتكريم لا عندية مكان تعالى الله عما يقول الظالمون (يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء ومحل التجلي (على منابر) جمع منبر سمي منبرا لارتفاعه (من نور) من أجسام نورانية حقيقة أو هو كناية عن الدرجات العلية الرفيعة (عن يمين الرحمن) شبههم في دنوهم من الله وعلو منزلتهم بمن يجلس على الكراسي عن يمين [ص: 392] الملك فإنه يكون أعظم الناس قدرا وأرفعهم منزلة ثم نزهه سبحانه عما يسبق إلى فهم من لم يقدر الله حق قدره من مقابلة اليمين باليسار وكشف عن حقيقة المراد بقوله (وكلتا يديه يمين) أي ليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال وتثنية اليدين للاستيعاب كقوله {ثم ارجع البصر كرتين} لبيك وسعديك والخير كله بيديك. وقال القاضي: إنما قال وكلتا يديه يمين دفعا لتوهم من يتوهم أن له يمينا من جنس أيماننا التي يقابلها يسار وأن من سبق إلى التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلى مرتبة من مراتب الزلفى من الله فاق غيره عن أن يفوز بمثله كالسابق إلى محل من مجلس السلطان بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء (الذين يعدلون) صفة كاشفة للمقسطين أو صفة مادحة أو بدل منه أو استئناف كأنه قيل من هؤلاء الذين فازوا بالقدح المعلى قيل الذين يعدلون (في حكمهم) أي فيما قلدوا من خلافة أو إمارة أو قضاء (وأهلهم) أي وفي القيام بالواجب لأهلهم من الحقوق على أي تفسير فسر الأهل من أزواج وأولاد وأرقاء وأقارب وأصحاب أو المجموع قال البعض: والعدل عبارة عن التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وذلك واجب الرعاية في كل شيء (وما ولوا) بالتخفيف بصيغة المعلوم من الولاية كنظر على وقف أو يتيم أو صدقة وأصله وليوا فاعل وروي ولوا بشد اللام على بناء المجهول أي جعلوا والين عليه فقدم قوله في حكمهم ليشمل من بيده أزمة الشرع ثم أردفه بالأهل لتناول كل من في مؤونته أقارب أو عيال وختم بقوله وما ولوا ليستوعب كل من تولى شيئا من الأمور فيشمل نفسه بأن لا يضيع وقته في غير ما أمر به <تنبيه> قال الطيبي: قوله عند الله خبر إن أي المقسطين مقربون عند الله وعلى منابر يجوز كونه خبرا بعد خبر وحالا من الضمير المستقر في الظرف ومن نور صفة مخصصة لبيان الحقيقة وفي عن يمين الرحمن صفة أخرى لمنابر ويجوز كونه حالا بعد حال على التداخل (حم م) في المغازي (ن) في القضاء (عن ابن عمرو بن العاص) ولم يخرجه البخاري الحديث: 2121 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 2122 - (إن المكثرين) مالا (هم المقلون) ثوابا وفي رواية إن الأكثرين هم الأقلون (يوم القيامة) وحذف تمييز المكثرين والمقلين ليعم هذا المقدر وغيره مما يناسب المقام وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصدق كما دل عليه بقوله (إلا من أعطاه الله خيرا) أي مالا حلالا لقوله تعالى {إن ترك خيرا} (فنفح) بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيرا بلا تكلف (فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه) يعني ضرب يديه بالعطاء لفقر الجهات الأربع ولم يذكر ما بقي من الجهات وهو فوق وتحت لندرة الإعطاء من قبلهما وإن كان ممكنا وفسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيدا فيه بل القصد الصحيح الإخفاء (وعمل فيه خيرا) أي حسنة بأن صرفه في وجوه البر وضروب القربات وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الأول المال والثاني القربة فمن وفق لذلك هو الذي يرجى له الفلاح والنجاح وأما من أعطى مالا ولم يلهم فيه ذلك فهو من الهالكين وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وقليل ما هم (ق عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 2122 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 2123 - (إن الملائكة) يحتمل أن المراد الكل ويحتمل من في الأرض منهم (لتضع أجنحتها) جمع جناح بالفتح وهو للطائر بمنزلة اليد للإنسان (1) قال الزمخشري: ومن المجاز خفض له جناحه (لطالب العلم) الشرعي للعمل به وتعليمه من لا يعلمه لوجه الله تعالى (رضى بما يطلب) وفي رواية بما يصنع ووضع أجنحتها عبارة عن حضورها مجلسه [ص: 393] أو توقيره وتعظيمه. أو إعانته على بلوغ مقاصده أو قيامهم في كيد أعدائه وكفايته شرهم أو عن تواضعها ودعائها له يقال للرجل المتواضع خافض الجناح قال السيد السمهودي: والأقرب كونه بمعنى ما ينظم هذه المعاني كلها كما يرشد إليه الجمع بين ألفاظ الروايات وذلك لأنه سبحانه وتعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام لما أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة فسألته على جهة الاستعظام لخلقه أن خلقا يكون منهم الفساد وسفك الدماء كيف يكون خليفة فقال {إني أعلم ما لا تعلمون} وقال لآدم عليه السلام {أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم} تصاغرت الملائكة فرأت فضل آدم فألزمها الخضوع والسجود لفضل العلم فسجدت فتأدبت فكلما ظهر علم في بشر خضعت له وتواضعت إعظاما للعلم وأهله هذا في طلابه فكيف بأخباره <فائدة> روى النووي في بستانه بإسناده عن زكريا الساجي كنا نمشي في أزقة البصرة إلى بعض المحدثين فأسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها - كالمستهزئ - فما زال عن موضعه حتى جفت رجلاه وسقط قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين أو كرأي العين لأن رواتها أعلام وراويها إمام ثم قال النووي بالإسناد إلى الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن أبي داود قال كان في أصحاب الحديث خليع سمع بحديث إن الملائكة تضع أجنحتها إلخ فجعل في نعله ورجله مسامير حديد وقال: أريد أطؤ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجله قال: وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في شرح مسلم هذه الحكاية وقال فيها فشلت يداه ورجلاه وسائر أعضائه (الطيالسي) أبو داود (عن صفوان بن عسال) بمهملتين مشدد: المرادي نزيل الكوفة روى عنه ابن مسعود مع جلالته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لغير الطيالسي ممن هو أشهر وأحق بالعزو وهو تقصير أو قصور بل الصديق الثاني للإمام أحمد الشيباني وابن حبان والحاكم   (1) لكن لا يلزم أن تكون أجنحة الملائكة كأجنحة الطائر الحديث: 2123 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 2124 - (إن الملائكة لتصافح) أي بأيديها أيدي (ركاب) جمع راكب (الحجاج) حجا مبرورا وسبق أن المصافحة إلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال بالوجه على الوجه (وتعتنق) أي تضم وتلتزم (المشاة) منهم مع وضع الأيدي على العنق والظاهر أن هذا كناية عن مزيد ابتهالهم لهم في الاستغفار والدعاء وأنهم للمشاة أكثر استغفارا ودعاء ولا مانع من كونه حقيقة ولا يقدح فيه عدم مشاهدتنا لأن الملائكة أنوار هفافة وفيه إيذان بأن الحج ماشيا أفضل وبه قال جمع وفضل آخرون الركوب ومقصود الحديث الترغيب في الحج والازدياد منه وهل مثل الحاج المعتمر؟ فيه تأمل (هب عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا إسناد فيه ضعف هذه عبارته فحذفه لذلك من كلامه من سوء التصرف وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدي وإن كان المحاربي فمتروك الحديث كما قال الأزدي وإن كان القرشي فوضاع كذاب كما قال ابن حبان الحديث: 2124 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 2125 - (إن الملائكة لتفرح) أي تسر وترضى من الفرح وهو لذة القلب بنيل مراده (بذهاب الشتاء) أي بانقضاء فصل الشتاء (رحمة) منهم (لما يدخل على فقراء المسلمين) وفي رواية رحمة للمساكين وفي رواية لما يدخل على فقراء أمتي (فيه من الشدة) أي من شدة مقاساة البرد لفقدهم ما يتقون به ولما يلحقهم من مشقة التطهر بالماء البارد فيه ولذلك قال الزمخشري عن بعض التابعين وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها وعن بعضهم البرد عدو الدين وتقول العرب الشتاء ذكر والصيف أنثى لقسوة الشتاء وشدة غلظته ولين الصيف وسهولة شكيمته قال الزمخشري: وعادتهم أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاس والصيف وإن تلظى قيظه وحمى صلاؤه وعظم بلاؤه فهو بالإضافة إلى الشتاء هوله هين على الفقراء لما يلقونه فيه من الترح والبؤس ولهذا قيل لبعضهم ما أعددت للبرد قال: [ص: 394] طول الرعدة وفظاظة الشدة وقال الأصمعي رأيت أعرابيا قد حفر قربوصا وقعد فيه في أول الشتاء قلت ما صيرك كذلك قال شدة البرد ثم قال: يا رب هذا البرد أصبح كالحا. . . وأنت بصير عالم ما نعلم لئن كنت يوما في جهنم مدخلي. . . ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم وقال بعضهم: شتاء تقلص الأشداق منه. . . وبرد يجعل الولدان شيبا وأرض تزلق الأقدام فيها. . . فما يمشي بها إلا الدبيبا وقال أبو عوانة: الشتاء في أوله أضر منه في آخره قال علي كرم الله وجهه توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فإنه يفعل بالأبدان كفعله في الأشجار أوله يحرق وآخره يورق وأخرج المقريزي بسنده عن ابن عمر يرفعه خير صيفكم أشده حرا وخير شتائكم أشده بردا وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم وأخرج أيضا عن قتادة لم ينزل عذاب قط من السماء على قوم إلا عند انسلاخ الشتاء وعن عمر بن العلاء إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الضعفاء. دخل أعرابي خرسان فلقيه الشتاء فأقام بسمرقند فلما طاب الزمان عاد إلى البصرة فسأله أميرها عن خراسان فقال جنة في الصيف جهنم في الشتاء فقال: صف لي الشتاء بها قال: تهب الرياح وتضجر الأرواح وتدوم الغيوم وتسقط الثلوج ويقل الخروج وتفور الأنهار وتجف الأشجار والشمس مريضة والعين غضيضة والوجوه عابسة والأغصان ناعسة والمياه جامدة والأرض هامدة وأهلها يفرشون اللبود ويلبسون الجلود نيرانهم تنور ومراجلهم تفور لحاهم صفر من الدخان وثيابهم سود من النيران فالمواشي من البرد كالفراش المبثوث والجبال من الثلج كالعهن المنفوش فأما من كثرت نيرانه وخفت ميزانه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية فقال الأمير: ما تركت عذابا في الآخرة إلا وصفته لنا في الدنيا. وقال كعب الأحبار: أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن تأهب للعدو وقد أضلك قال يا رب ومن عدوي وليس يحضرني قال الشتاء. وعن الأصمعي كانت العرب تسمي الشتاء الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم: القيظ أم القر؟ فقالت يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى. ثم إن هذا الحديث لا يعارضه خبر الديلمي عن أنس إن الملائكة لتفرح للمتعبدين في أيام الشتاء نهار قصير للصائم وليل طويل للقائم. اه. لأن جهة الفرح والترح مختلفة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي في رجاله معلى بن ميمون متروك وفي الميزان معلى بن ميمون ضعيف الحديث قال النسائي والدارقطني متروك وأبو حاتم ضعيف الحديث وابن عدي أحاديثه مناكير ثم ساق منها هذا الحديث وفيه أيضا في ترجمة سعيد بن دهيم إنه خبر منكر وفي اللسان عن العقيلي غير محفوظ قال ولا يصح في متنه شيء الحديث: 2125 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 2126 - (إن الملائكة) أي ملائكة الرحمة والبركة أو الطائفين على العباد للزيارة واستماع الذكر ونحوهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلف طرفة عين وكذا ملائكة الموت لا تدخل بيتا يعني مكانا بينا أو غيره فيه تماثيل جمع تمثال وهي الصورة المصورة كما في الصحاح وغيره فالعطف للتفسير في قوله (أو صورة) أي صورة حيران تام الخلقة لحرمة التصوير ومشابهته بيت الأصنام وذلك لأن المصور يجعل نفسه شريكا لله في التصوير وهذا يفيد تحريم اتخاذ ذلك وتشديد النكير في شأنه وقد ورد في النهي أحاديث كثيرة (حم ت حب عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2126 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 2127 - (إن الملائكة لا تدخل بيتا) يعني محلا (فيه كلب) لنجاسته فأشبه المبرز وهم منزهون عن محل الأقذار إذ هم أشرف خلق الله وهم المكرمون المتمكنون في أعلى مراتب الطهارة ويبنهما تضاد ما بين النور والظلمة ومن سوى نفسه بالكلاب فحقيق أن تنفر منه الملائكة وتعليلهم بذلك يعرفك أنه لا اتجاه لزعم البعض أنه خاص بكلب يحرم [ص: 395] اقتناؤه بخلاف كلب نحو صيد أو زرع والكلب في الأصل اسم لكل سبع عقور ومنه خبر أما يخاف أن يأكله كلب الله فجاء الأسد فاقتلع هامته ثم غلب على هذا النوع النابح (ولا صورة) لأن الصورة فيها منازعة لله تعالى وهو الخالق المصور وحده فعدم دخولهم مكانا هما فيه لأجل عصيان أهله <تنبيه> قال الغزالي: القلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط آثارهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأين تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب قال: ولست أقول المراد بلفظ البيت القلب وبالكلب الغضب والصفات المذمومة بل أقول هو تنبيه عليه ودخول من الظواهر إلى البواطن مع تقرير الظواهر فبهذه الدقيقة فارق الباطنية فإن هذا طريق الاعتبار ومسلك الأئمة الأبرار ومعنى الاعتبار أن تعبر مما ذكر إلى غيره فلا تقتصر عليه أي ما ذكر قال ولا تظن أن هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة مني في دفع الظواهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله {اخلع نعليك} وحاش لله فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين ولم يفهموا وجهه كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذي يجرد الظاهر حشوي والذي يجرد الباطن باطني والذي يجمع بينهما كامل ولذلك ورد للقرآن ظاهر وباطن وحد ومفطع بل أقول فهم موسى عليه السلام من الأمر بخلع النعلين إطراح الكونين فامتثل الأمر ظاهرا لخلع نعليه وباطنا بطرح العالمين فهذا هو الاعتبار أي العبور من الشيء إلى غيره ومن الظاهر إلى السر وفرق بين من يسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب فيقتنى الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مرادا بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة إذ الغضب غول العقل وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول الكلب ليس كلبا لصورته بل لمعناه وهو السبعية والضراوة وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عن صورة الكلب فلأن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص عن سر الكلبية أولى فأنا أجمع بين الظاهر والسر فهذا هو الكمال وهو المعني بقولهم الكامل من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه انتهى كلام الغزالي وذكر الدخول والبيت غالبي وهذا اللفظ عام لكن خص بما هو غير منبوذ يوطأ ويداس فإن الرخصة وردت فيه (هـ عن علي) أمير المءمنين رضي الله تعالى عنه وهو بمعناه في مسلم من حديث ابن عباس الحديث: 2127 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 2128 - (إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر) الإنسان (بخير) (1) فعل معه فجحده (ولا المتمضخ) أي الإنسان المتلطخ (بالزعفران) لحرمة ذلك على الرجل لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء وقرن بالكافر لاتباعه هواه ومخالفته (ولا الجنب) الذي اعتاد ترك الغسل تهاونا به حتى يمر عليه وقت صلاة ولم يغتسل لاستخفافه بالشرع ومن امتنع عن عبادة ربه وتقاعد عنها فهو ملحق بمن عبد غير الله تغليظ لأن الخلق إنما خلقوا لعبادته فليس المراد أي جنب كان [ص: 396] لما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ينام جنبا ويطوف على نسائه بغسل واحد وزعم أن المراد بالجنب من زنا: بعيد من السياق وتقييد للإطلاق بلا دليل. قال القاضي: والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر (حم د عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة مكسورة (2)   (1) قوله بخير أي ببشر بل يوعدونه بالعذاب الشديد والهوان الوبيل ويحتمل أن الباء في قوله بخير ظرفية بمعنى في كقوله تعالى {نجيناهم بسحر} أي في سحر أي لا تحضر الملائكة جنازة الكافر إلا في حضور شر ونزول بؤس به وقال المناوي لا تحضر جنازة الكافر بخير فعل معه فستره وأنكره وقيل الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءا كاملا وقيل هو الذي يتهاون في غسل الجنابة فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة ويحتمل أن يراد الجنب الذي لم يستعذ بالله من الشيطان عند الجماع ولم يقل ما وردت به السنة للهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن لم يقله يحضره الشيطان ومن حضرته الشيطان تباعدت عنه الملائكة (2) قال قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي أي من كثرة العمل فخلقوني بزعفران فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه درع - بالدال والعين المهملتين - أي لطخ من بقية لون الزعفران لم يعمه كل الغسل فسلمت عليه فرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي وقال إن الملائكة: فذكره الحديث: 2128 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 2129 - (إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم) أي تستغفر له (ما دامت مائدته موضوعة) أي مدة دوام وضعها للأضياف ونحوهم والمائدة ما يمد ويبسط عليه الطعام كمنديل وثوب وسفرة قال القاضي: المائدة الخوان إذا كان عليه طعام من ماد الماء يميد إذا تحرك أو ماده إذا أعطاه كأنه يميد من يقدم عليه ونظيره شجرة مطعمة انتهى وظاهر الخبر أن الأكل على المائدة محبوب لا مرهوب وكأني بك تقول يشكل بقولهم لم يأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم على خوان فنقول كلا لا إشكال إذ المائدة ما يمد للأكل عليه كما تقرر وأما الخوان فهو المرتفع من الأرض بقوائمه والسفرة ما أسفر عما في جوفه لأنها مضمونة بمعاليقها ثم إن سؤال الملائكة ربهم أن يغفر لعبده من الأسباب الموجبة للمغفرة له فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يشاء بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وإذ أشكل عليك فانظر إلى الأسباب الموجبة لمحبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب والكل منه وإليه وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد وفيه حث على الجود وكثرة الإطعام (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عائشة) ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن عائشة فاقتصار المؤلف على الحكيم غير مرضي وجزم الحافظ العراقي كالمنذري بضعفه وقال البيهقي في الشعب بعد ما خرجه تفرد به بندار بن علي الحديث: 2129 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 2130 - (إن الملائكة صلت على آدم) أي بعد موته صلاة الجنازة (فكبرت عليه أربعا) من التكبيرات وهذا يوضحه ما رواه الحاكم عن رفعة لما أحضر آدم قال لبنيه انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة وقالوا ارجعوا فقد كفيتم فرجعوا معهم فلما رأتهم حواء ذعرت وجعلت تدنو إلى آدم عليه الصلاة والسلام وتلتصق به فقال إليك عني فمن قبلك أتيت خلي بيني وبين ملائكة ربي فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه ثم حفروا له ودفنوه ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فافعلوا وفيه أن صلاة الجنازة ليست من خصائصنا لكن حمله بعضهم على الأصل لا الكيفية (الشيرازي) في الألقاب (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الخطيب باللفظ المذكور ورواه الطبراني بلفظ إن الملائكة غسلت آدم عليه الصلاة والسلام وكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم ورواه الدارقطني عن أبي بن كعب بلفظ إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم. قال الفرياني: وفيه داود بن المحبر وضاع عن رحمة بن مصعب قال ابن معين ليس بشيء وله طريق أخرى فيها خارجة الحديث: 2130 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 2131 - (إن الموت فزع) بفتح الزاي قال البيضاوي: مصدر وصف به للمبالغة أو تقديره ذو فزع أي خوف قال [ص: 397] ويؤيد الثاني رواية إن للموت فزعا أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس قال وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلل الأمل من أجلها ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة (فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) ندبا لتهويل الموت قال القاضي: الباعث على القيام أحد أمرين إما ترجيب الميت وتعظيمه وإما تهويل الموت وتفظيعه والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأى ميتا استشعارا منه ورعبا ويشهد للثاني قوله فإذا رأيتم إلخ لأن ترتب الحكم على الوصف سيما إذا كان بالغا يدل على أن الوصف علة للحكم انتهى وفي رواية إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة فقالوا: يا رسول الله يهودي قال أليس نفسا قال النووي في شرح مسلم ومشهور ومذهبنا أن القيام غير مستحب قالوا هو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقوم ثم تركه وبه أي بمذهب الشافعي قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يكره القعود حتى توضع وفي المحيط للحنفية الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب (حم م هـ) في الجنائز (عن جابر) قال مرت جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها يهودية فذكره ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ الحديث: 2131 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 2132 - (إن الموتى ليعذبون) أي من يستحق العذاب منهم (في قبورهم) فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين (حتى إن البهائم) جمع بهيمة والمراد بها هنا ما يشمل الطير (لتسمع أصواتهم) وخصوا بذلك دوننا لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه بخلاف الإنس وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة وقد وقعت في الأمم السالفة وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر وأجمع عليه أهل السنة وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه بل سمعه آحاد من الناس قال الدماميني رجمه الله: وقد كثرت الأحاديث فيه حتى قال غير واحد إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين وليس في آية {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} ما يعارضه لأنه أخبر بحياة الشهداء قبل القيامة وليست مرادة بقوله {لا يذوقون فيها} الآية فكذا حياة القبور قبل الحشر وأشكل ما في القصة أنه إذا ثبتت حياتهم لزم ثبوت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الناس كلهم في الموت وينافيه قوله {لا يذوقون فيها} الآية. وجوابه أن معنى قوله {لا يذوقون فيها الموت} أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي سنده حسن وقال المنذري إسناده صحيح الحديث: 2132 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 2133 - (إن الميت ليعذب ببكاء الحي) والمعنى هو البكاء المذموم بأن اقترن بنحو ندب أو نوح وكان متسببا عن وصيته (1) أو أراد بالميت المشرف على الموت والتعذيب أنه إذا احتضر والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه وتشتد عليه سكرات الموت فيصير معذبا به قال العراقي: والأولى أن يقال سماع صوت البكاء هو نفس العذاب كما أنا نعذب ببكاء الأطفال فالحديث على ظاهره بغير تخصيص وصوبه الكرماني وقال في باقي الوجوه تكلف وقيل أراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يوصفه أهله به أو تألمه بما يقع من أهله قال بعض الأعاظم وبما تقرر عرف خطأ من حمد عندما سمع {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أو غلط رواة هذا الخبر وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما قال ابن تيمية: وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد واعتقادها بطلان معناه ولا يكون الأمر كذلك إلى هنا كلامه (ق عن عمر) بن الخطاب لكنه في البخاري بعض حديث ولفظه " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " ومسلم رواه مستقلا بهذا اللفظ فجعله في الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم سهو نشأ عن عدم تأمل ما في البخاري لكونه في ذيل حديث قال المصنف هذا متواتر   (1) أي كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة بن العبد لزوجته: إذا مت فانعيني بما أنا أهله. . . وشقي علي الجيب يا أم معبد الحديث: 2133 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 [ص: 398] 2134 - (إن الميت) ولو أعمى (يعرف من يحمله) من محل موته إلى مغتسله (ومن يغسله) ومن يكفنه (ومن يدليه في قبره) ومن يلحده فيه وغير ذلك وإنما نبه بالمذكورات على ما سواها وذلك لأن الموت ليس بعدم محض والشعور باق حتى تمام الدفن حتى أنه يعرف زائره كما في عدة آثار بل في بعض الأخبار ونقل القرطبي عن ابن دينار أنه ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى بدنه كيف يغسل ويكفن وكيف يمشي به وكيف يقبر قال ويقال له على سريره اسمع ثناء الناس عليك ذكره أبو نعيم وحكى النووي في بستانه أن الفقيه محمدا النووي مات فقرأ له ختمة قرآن فرآه فقال له أنت في الجنة قال اليوم لا ندخلها بل نتنعم في غيرها أي وإنما ندخلها بعد الساعة فلا يدخلها اليوم إلا الأنبياء والشهداء قال فقلت له جاء أن الروح ترجع للبدن قبل سؤال منكر ونكير فهل رجوعها للبدن بعد الوضع في القبر أو قبله حال حمل الميت على النعش قال بعد الوضع في القبر فإن قلت هذا يناقضه خبر إن الروح إذا قبض صعد بها الملائكة حتى تجاوز السماوات السبع فتوقف بين يدي الله وتسجد له قلت لا تعارض لإمكان أن يصعد بها حتى يقضي الله فيها قضاءه ثم يهبط ليشهد غسله وحمله ودفنه وإنما يغلط أكثر الناس في هذا وأمثاله حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام الذي إذا شغلت مكانا لا يمكن أن تكون بغيره بل الروح لها اتصال بالبدن والقبر وجرمها في السماء كشعاع الشمس ساقط بالأرض وأصله متصل بالشمس <تنبيه> قال الغزالي: إنما يشاهد غسله ودفنه من كان على شريعتنا أما المشرك فلا يرى شيئا من ذلك لأنه قد هوى به وأخرج ابن أبي الدنيا عن امرأة أيوب بن عتبة قالت رأيت سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى الله أخي أيوب عني خيرا فإنه يزورني كثيرا وقد كان عندي اليوم فقال أيوب نعم حضرت اليوم جنازة فوهبت لقبره وأفتى الحافظ ابن حجر أن الميت يعلم من يزوره فإن الأرواح مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها في عليين أو سجين ومن يستبعد ذلك قياسه له على المشاهدة من أحوال الدنيا وأحوال البرزخ لا تقاس على ذلك (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه رجل لم أجد من ترجمه اه وظاهر حاله أنه لم ير فيه ممن يحمل عليه إلا ذلك للمجهول وهو غير مقبول ففيه إسماعيل بن عمرو البجلي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه عن فضيل بن مرزوق وقال أعني الذهبي وضعفه ابن معين عن عطية فإن كان العوفي فضعفوه أيضا وابن عارض فلا يعرف أو الطفاوي فضعفه الأزدي وغيره الحديث: 2134 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 2135 - (إن الميت إذا دفن سمع حفق نعالهم) أي قعقعة نعالهم أي المشيعين له (إذا ولوا عنه منصرفين) في رواية مدبرين زاد أبو نعيم في روايته فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والصيام عن يمينه والزكاة عند يساره وفعل الخيرات عند رجليه انتهى قال ابن القيم: والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوبا واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار من غير إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه <تنبيه> أفتى الحافظ ابن حجر بأن الميت إنما يسأل قاعدا وأن الروح إنما تلبس الجثة حال السؤال في النصف الأعلى فقط وبأن روح المؤمن بعد السؤال في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال ببدنها وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في حال الحياة بل أشبه شيء به حال النائم ويشبهه بعضهم بشعاع الشمس بالنسبة إليها وبه جمع ما افترق من الأخبار أن محل الأرواح في عليين وفي سجين ومن كون الأرواح عند أفنية قبورها كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور وبأن الميت يسمع التلقين لوجود الاتصال المذكور ولا يقاس على حال الحي إذا كان بقعر بئر مردوم مثلا فإنه لا يسمع كلام من هو على البئر (طب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 2135 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 [ص: 399] 2136 - (إن الناس) المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العافية (إذا رأوا الظالم) أي علموا بظلمه (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول. قال ابن جرير: وخص الأيدي لأن أكثر الظلم بها كقتل وجرح وغصب (أوشك) بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض الله بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل الله عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى {عليكم أنفسكم} فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم (1) وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان؟ نسأل الله السلامة. أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى الله إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئا فشيئا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب بها (د ت هـ) كلهم في الفتن (عن أبي بكر) الصديق قال أبو بكر يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} الآية وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إلخ قال النووي رضي الله عنه في الأذكار والرياض أسانيده صحيحة رواه عنه أيضا النسائي في التفسير واللفظ لأبي داود   (1) أي ومما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الأمر والنهي الحديث: 2136 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 2137 - (إن الناس دخلوا في دين الله) أي طاعته التي يستحقون بها الجزاء (أفواجا) جمع فوج وهو الجماعة من الناس وقيل زمرا أمة بعد أمة وقيل قبائل (وسيخرجون منه أفواجا) كما دخلوا فيه كذلك وهذا من جنس الخبر المار إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء (حم) من حديث شداد بن أبي عمار قال: حدثني جار لجابر (عن جابر) قال: قدمت من سفر فجاءني جابر ليسلم علي فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وجار جابر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2137 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 2138 - (إن الناس لكم تبع (1)) أي تابعون فوضع المصدر موضعه مبالغة نحو رجل عدل ذكره الطيبي وقال المظهر: لكم خطاب للصحب (وإن رجالا يأتونكم) عطف على إن الناس (من أقطار الأرض) أي جوانبها ونواحيها جمع قطر بالضم وهو الجانب والناحية (يتفقهون في الدين) جملة استئنافية لبيان على الإتيان أو حال من الضمير المرفوع في يأتوكم (فإذا أتوكم فاستوصوا بهم [ص: 400] خيرا) أي اقبلوا وصيتي فيهم يعني الناس يأتوكم من أقطار الأرض وجوانبها يطلبون العلم منكم بعدي لأنكم أخذتم أفعالي وأقوالي واتبعتموني فيها فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا وأمروهم بالخير وعظوهم وعلموهم علوم الدين. والاستيصاء قبول الوصية وبمعنى التوصية أيضا وتعدى بالباء. قال البيضاوي: وحقيقة استوصوا اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم. وقال الطيبي: هذا من باب التجريد أي ليجرد كل واحد منكم شخصا من نفسه ويطلب منه الوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم والمراد حق على جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها متابعتكم وحق عليهم أن يأتوكم جميعا ويأخذوا عنكم أمر دينهم فإذا لم يتمكنوا منه فعليهم أن يستنفروا رجالا يأتوكم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فالتعريف في الناس لاستغراق الجنس والتنكير في رجالا للنوع أي رجالا صفت نياتهم وخلصت عقائدهم يضربون أكباد الإبل لطلب العلم وإرشاد الخلق وفي تصدير الجملة الشرطية بإذا التحقيقية تحقيق للوعد وإظهار للإخبار عن الغيب ولهذا قال العلائي: ذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد حفظ الله بذلك الدين وكان بعض الصحب إذا أتاه طالب قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون الطالب عنده أعز الناس عليه وأقرب من أهله إليه ولذلك كان علماء السلف يلقون شبك الإجتهاد لصيد طالب ينفع الناس في حياتهم وبعدهم وأن يتواضع مع طلبته ويرحب بهم عند إقبالهم عليه ويكرمهم ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم ويعاملهم بطلاقة وجه وظهور بشر وحسن ود ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه ومن ظهرت أهليته من ذوي البيوت ونحوهم (2) (ت هـ عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان ضعيف فيه أبو هارون العبدي كذاب قال شعبة لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون العبدي وقال الذهبي تابعي ضعيف وقال مغلطاي: ورد من طريق غير طريق الترمذي حسن بل صحيح انتهى وبذلك يعرف أن المصنف لم يصب في إيثاره هذا الطريق المعلول واقتصاره عليه   (1) وأوله كما في الترمذي عت هارون قال كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحبا بوصية رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الناس إلخ (2) فائدة: روى البيهقي في الشعب والبخاري في التاريخ عن أيوب بن المتوكل قال: كان الخليل بن أحمد إذا استفاد من أحد شيئا أراه أنه استفاد منه وإذا افاد غنسانا شيئا لم يره أنه أفاده وثيت ايضا عن الشافعي كان يقول: وددت أن يؤخذ هذا العلم عني ولا ينسب إلي تنبيه: هذه الحاشية موجودة في أصل الكتاب (ص 400) ولم يذكر هناك رقمها ضمن الشرح فأبقينا الحاشية وجعلنا رقمها (2) في أنسب مكان وجدناه ملائما لهذه الفائدة ضمن شرح المناوي والله أعلم بالصواب. دار الحديث الحديث: 2138 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 2139 - (إن الناس يجلسون من الله تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات) أي على حسب غدوهم إليها والرواح يكون بمعنى الغدو كما هنا وبمعنى الرجوع وقد طابق بينهما في آية {غدوها شهر ورواحها شهر} أي ذهابها ورجوعها ومن فهم أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار فقد وهم فالمبكرون إليها في أول الساعة أقربهم إلى الله تعالى ثم من يليهم على الترتيب المعروف وهذا حث عظيم على التبكير للجمعة ورد لقول من زعم عدم سن التبكير لها كمالك ونص على تفاوت مراتب الناس في الفضل بقدر أعمالهم (الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع) وهذا قال أبو زرعة فيه إن مراتب الناس في الفضيلة في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم وهو من بات قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وهو صريح في رد ذهاب مالك إلى أن تأخير الذهاب إلى الزوال أفضل وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة منهم أحمد بل وبعض أتباعه كابن حبيب (هـ) عن كثير عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود) قال علقمة خرجت مع ابن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة نفر سبقوه فقال رابع أربعة؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وعبد المجيد هذا خرج له مسلم والأربعة لكن أورده الذهبي في [ص: 401] الضعفاء وقال قال ابن حبان يستحق الترك وقال أبو داود داعية إلى الإرجاء ثقة الحديث: 2139 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 2140 - (إن الناس لا يرفعون شيئا) أي بغير حق أو فوق منزلته التي يستحقها (إلا وضعه الله تعالى) أي في الدنيا والآخرة هذا هو المتبادر من معنى الحديث مع قطع النظر عن ملاحظة سببه وهو أن ناقة المصطفى صلى الله عليه وسلم العضباء أو القصوى كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فذكره فالملائم للسبب أن يقال في قوله لا يرفعون شيئا أي من أمر الدنيا وبه جاء التصريح في رواية (هب عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على المشهور وقيل بكسرها المخزومي أحد الأعلام (مرسلا) أرسل عن عمر وغيره وجلالته معروفة وإسناده صحيح الحديث: 2140 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 2141 - (إن الناس لم يعطوا) بالبناء للمفعول (شيئا) من الخصال الحميدة (خيرا من خلق) بالضم (حسن) فإن حسن الخلق يرفع صاحبه إلى درجات الأخيار في هذه الدار ودار القرار. قال حجة الإسلام: لا سبيل إلى السعادة الأخروية إلا بالإيمان وحسن الخلق فليس للإنسان إلا ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا وأفضل زادها بعد الإيمان حسن الخلق وبحسن الخلق ينال الإنسان خير الدنيا والآخرة. وقال بعض الحكماء: لحسن الخلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة ولسيء الخلق من نفسه في عناء والناس منه في بلاء. وقال بعضهم: عاشر أهلك بحسن الأخلاق فإن السوء فيهم قليل وإذا حسنت أخلاق المرء كثر مصادقوه وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب وقال الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق قال الماوردي وحسن الخلق أن يكون سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلام (طب عن أسامة بن شريك) الثعلبي بالمثلثة والمهملة الذبياني الصحابي قال ابن حجر تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح الحديث: 2141 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 2142 - (إن النبي) صلى الله عليه وسلم أل عهدية أو جنسية أراد به هنا الرسول بقرينة قوله (لا يموت حتى يؤمه بعض أمته) والنبي غير الرسول لا أمة له والمراد لا يموت حتى يصلي به بعض أمته إماما وقد أم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق بل وعبد الرحمن بن عوف في تبوك في الصبح (حم ع عن أبي بكر) الصديق الحديث: 2142 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 2143 - (إن النذر) (1) بمعجمة وهو كما قال الراغب إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر (لا يقرب) بالتشديد أي يدني (من ابن آدم) وفي رواية البخاري لا يقدم (شيئا لم يكن الله تعالى قدره له) هذا إشارة إلى تعليل النهي عن النذر (ولكن النذر يوافق القدر) أي قد يصادف ما قدره الله في الأزل (فيخرج ذلك من) مال (البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج) قال البيضاوي: عادة الناس النذر على تحصيل نفع أو دفع ضر فنهى عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد التقرب بادر والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا بعوض فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له فيعلقه على جلب نفع أو دفع ضر فلا يعطي إلا إذا لزمه النذر والنذر لا يغني من ذلك شيئا فلا يسوق له قدرا لم يكن مقدورا ولا يرد شيئا من القدر (م هـ) في الأيمان والنذور (عن أبي هريرة) وخرجه [ص: 402] البخاري بمعناه   (1) النذر لغة الوعد بخير أو شر وشرعا قبل الوعد بخير خاصة وقبل التزام قربة لم تكن واجبة عينا الحديث: 2143 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 2144 - (إن النذر) قال الحرالي: وهو إبرام العدة بخير مستقبل فعله أو يرتقب له ما يلتزم به وهو أدنى الإنفاق سيما إذا كان على وجه الإشتراط (لا يقدم شيئا ولا يؤخر (1)) شيئا من المقدور (وإنما يستخرج به من البخيل) بل مثاله في موافقة القدر الدعاء فإن الدعاء لا يرد القضاء لكن منه القدر لكن الدعاء منذور والنذر مندوب (حم ك) في النذر (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي   (1) وقال النووي إنه منهي عنه قال المتولي إنه قربة وهو قضية قول الرافعي إنه قربة فلا يصح من الكافر وقول النووي النذر عمدا في الصلاة: لا يبطلها لأنه مناجاة لله كالدعاء وأجيب عن النهي بحمله على ما ظن أنه لا يلتزم بما التزمه وقال ابن الرفعة هو قربة في البر الحديث: 2144 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 2145 - (إن النهبة) كفرقة اسم للمنهوب من الغنيمة أو غيرها لكن المراد هنا الغنيمة (لا تحل) لأن الناهب إنما يأخذ على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه ويبخس بعضهم حظه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللراجل سهم فإذا انتهبوا الغتيمة بطلت الغنيمة وفاتت التسوية واستثنى من ذم النهبة انتهاب النثار في العرس لخبر فيه (1) (هـ حب ك عن ثعلبة) بفتح المثلثة بلفظ الحيوان المشهور (بن الحكم) الليثي صحابي شهد حنينا ونزل الكوفة قال أصبنا غنما للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم ذكره ورواه الطبراني بلفظه عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات   (1) هو ما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك - أي نكاح - فأتى بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت فقبضنا أيدينا فقال ما لكم لا تأكلون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر فخذوا على اسم الله قال فجاذبنا وجاذبناه الحديث: 2145 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 2146 - (إن النهبة) من القيامة ومثلها غيرها من كل حق للغير إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ليست بأحل من الميتة) أي ما يأخذه فوق حقه باختطافه من حق أخيه الضعيف عن مقاومته حرام كالميتة فليس بأحل منها أي أقل إثما منها في الأكل بل هما سيان ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره قدم الميتة (د عن رجل) من الأنصار وسبق أن جهالة الصحابي لا تضر لأنهم عدول الحديث: 2146 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 2147 - (إن الهجرة) أي النقلة من دار الكفر إلى دار الإسلام (لا تنقطع) أي لا ينتهي حكمها (ما دام الجهاد) باقيا كذا هو بخط المصنف ما دام والذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في افصابة معزوا لأحمد ما كان ولعله الصواب فيكره الإقامة بدار الكفر إلا لمصلحة دينية (حم) من طريق يزيد عن أبي الخير عن حذيفة البارقي (عن جنادة) بضم الجيم وخفة النون بضبط المصنف كغيره وهو ابن أبي أمية الأزدي قال جنادة إن رجالا من الصحابة قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الهجرة إلخ قال في الكاشف: جنادة مختلف في صحبته وفي الإصابة بعد ما ساق له هذا الحديث وحديث آخر والخبران صحيحان دالان على صحة صحبته اه وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 2147 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 2148 - (إن الهدى الصالح) بفتح الهاء وقد تكسر وسكون الدال الطريقة الصالحة قال الخطابي: وهدى الرجل حاله [ص: 403] وسيرته (والسمت الصالح) الطريق المنقاد (والاقتصاد) أي سلوك القصد في الأمور والدخول فيها برفق وعلى سبيل تمكن إدامته (جزء من خمسة وعشرين جزءا) وفي رواية أكثر وفي أخرى أقل وسيجيء (من النبوة) أي هذه الخصال منحها الله أنبيائه فهي من شمائلهم وفضائلهم فاقتدوا بهم فيها لا أن النبوة تتجزأ ولا أن جامعها يكون نبيا إذ النبوة غير مكتسبة (1) وتأنيث خمس على معنى الخصال (حم د عن ابن عباس) قال في المنار: فيه قابوس بن ظبيان ضعيف محدود في القربة وفي المهذب فيه قابوس ضعيف   (1) أي بالأسباب وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده وقد خنمت بمحمد صلى الله عليه وسلم وانقطعت بعده ويحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله تعالى لباس التقوى الذي يلبسه أنبياءه فكأنها جزء من النبوة الحديث: 2148 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 2149 - (إن الود) أي المودة يعني المحبة (يورث والعداوة تورث) أي يرثها الأبناء عن الآباء وهكذا ويستمر ذلك في السلالة جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وهذا شيء كالمحسوس وإطلاق الإرث على غير المال ونحوه من التركة التي يخلفها المورث مجاز كما يفيده قول الزمخشري: من المجاز أورثه كثرة الأكل التخم والأدواء وأورثته الحمى ضعفا وهو في إرث مجد والمجد متوارث بينهم (طب عن عفير) بالتصغير رجل من العرب كان يغشى أبا بكر فقال له أبو بكر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الود فذكره ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المزبور وصححه فتعقبه الذهبي بأن فيه يوسف بن عطية هالك الحديث: 2149 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 2150 - (إن الولد مبخلة مجبنة) بفتح الميم فيهما مفعلة أي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه حتى يبخلا بالمال لأجله ويتركا الجهاد بسببه. قال الماوردي: أخبر بهذا الحديث أن الحذر على الولد يكسب هذه الأوصاف ويحدث هذه الأخلاق وقد كره قوم طلب الولد كراهة لهذه الحالة التي لا يقدر عليها دفعها من نفسه للزومها طبعا وحدوثها حتما. قيل ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام ما لك تكره الولد قال: ما لي وللولد إن عاش كدني وإن مات هدني (هـ عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن مرة) بضم الميم وشد الراء ابن وهب بن جابر الثقفي ويقال العامري قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما وذكره قال الحافظ العراقي إسناده صحيح الحديث: 2150 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 2151 - (إن الولد مبخلة) بالمال عن إنفاقه في وجوه القرب (مجبنة) عن الهجرة والجهاد (مجهلة) لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له (محزنة) يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا وإن طلب شيئا لا قدرة لهما عليه حزنا فأكثر ما يفوت أبويه من الفلاح والصلاح بسببه فإن شب وعق فذلك الحزن الدائم والهم السرمدي اللازم (ك) في الفضائل (عن الأسود بن خلف) ابن عبد يغوث القرشي من مسلمة الفتح قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح (طب عن خولة) بفتح المعجمة ويقال لها أيضا خويلة بالتصغير (بنت حكيم) ابن أمية السلمية يقال لها أم شريك صحابية مشهورة يقال لها الواهبة نفسها وقيل بل غيرها قالت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حسنا فقبله ثم ذكره قال الذهبي إسناده قوي الحديث: 2151 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 [ص: 404] 2152 - (إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه) أي تخضع وتذل كما يخضع ويذل الوجه (فإذا وضع أحدكم وجهه) يعني جبهته على الأرض في السجود (فليضع يديه) على الأرض في سجوده (فإذا رفعه فليرفعهما) فوضع اليدين واجب في السجود وهو الأصح عند الشافعية وأراد باليدين بطون الراحتين والأصابع ويجب أيضا وضع الركبتين وأطراف القدمين كما مر (د ن ك) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2152 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 2153 - (إن اليهود) جمع يهودي كروم ورومي أصله اليهوديين حذفت ياء النسبة (والنصارى) جمع نصراني بفتح النون قال الملوي: اليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام والنصارى من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام (لا يصبغون) لحاهم وشعورهم وهو بضم الباء وفتحها لغتان (فخالفوهم) بأن تصبغوها ندبا وقيل وجوبا بنحو حناء أو غيره مما لا سواد فيه ولا يعارضه النهي عن تغيير الشيب لأن الأمر بالتغيير لمن كان شيبه نقيا كأبي قحافة والد الصديق والنهي لمن شمط فقط وكان شعره بشعا وعليه نزل اختلاف السلف وفيه ندب خضب الشيب للرجل والمرأة لكن بحمرة أو صفرة لا بسواد فيحرم إلا للجهاد (ق) في اللباس (د) في الترجل (ت) في الزينة (هـ) في اللباس (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2153 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 2154 - (إن آدم قبل أن يصيب الذنب) وهو أكله من الشجرة التي نهى عن قربها بقوله تعالى {ولا تقربا هذه الشجرة} (كان أجله) أي كان دنو أجله واستحضاره للموت (بين عينيه) وكان الموت نصب عينيه (وأمله خلفه) أي لا يشاهده ولا يستحضره (فلما أصاب الذنب جعل الله تعالى أمله بين عينيه وأجله خلفه فلا يزال يؤمل حتى يموت) وهكذا حال بنيه وطول الأمل موقع في الزلل (ابن عساكر) في التاريخ (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده ضعيف الحديث: 2154 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 2155 - (إن آدم خلق) بالبناء للمفعول أي خلقه الله (من ثلاث تربات) بضم فسكون جمع تربة (سوداء وبيضاء وحمراء) فمن ثم جاء بنوه كذلك فيهم الأسود والأحمر والأبيض يتبع كل منهم الطينة التي خلق منها (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 2155 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 2156 - (إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي) أي يدعو لي بلفظ الصلاة مع السلام وقد جاء البخيل ليس من يبخل بماله ولكن من بخل بمال غيره فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه فمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عنده منع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى فهل تجد أحدا أبخل من هذا؟ (الحارث) بن أبي أسامة [ص: 405] وكذا الديلمي (عن عوف بن مالك) وفيه رجل مجهول وآخر مضعف رواه ابن عساكر عن أبي ذر بسند ضعيف أيضا الحديث: 2156 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 2157 - (إن أبخل الناس من بخل بالسلام) ابتداءا أو جوابا لأنه لفظ قليل لا كلفة فيه وأجر جزيل فمن بخل به مع عدم كلفة فهو أبخل الناس ومن ثم قيل: إذا ما بخلت برد السلام. . . فأنت ببذل الندا أبخل (وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى حيث سمع قول ربه في كتابه {ادعوني} فلم يدعه مع حاجته وفاقته وعدم المشقة عليه فيه والله سبحانه وتعالى لا يخيب من سأله واعتمد عليه فمن ترك طلب حاجاته من الله تعالى مع ذلك فهو أعجز العاجزين (ع) وكذا ابن حبان والإسماعيلي والبيهقي في الشعب كلهم (عن أبي هريرة) موقوفا وفيه إسماعيل بن زكريا أورده الذهبي في الضعفاء قال مختلف فيه وهو شيعي غال الحديث: 2157 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 2158 - (إن أبر) وفي رواية من أبر (البر) أي الإحسان جعل البر بارا ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازا والمراد منه أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة قال الأكمل: أبر البر من قبيل جل جلاله وجد جده بجعل الجد جادا وإسناد الفعل إليه (أن يصل الرجل أهل ود أبيه) بضم الواو بمعنى المودة (بعد أن يولي الأب) بكسر اللام المشددة أي يدبر بموت أو سفر قال التوربشتي: وهذه الكلمة مما تخبط الناس فيها والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى أبيه أي بعد أن يموت أو يغيب أبوه من ولى يولي قال الطيبي: وفي جامع الأصول والمشارق: يولي بضم الياء وفتح الواو وكسر اللام المشددة والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل أحباء أبيه فإن مودة الآباء قرابة الأبناء أي إذا غاب أبوه أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم فإنه من تمام الإحسان إلى الأب قال الحافظ العراقي رحمه الله: جعله أبر البر أو من أبره لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ لأن الحي يجامل والميت لا يستحي منه ولا يجامل إلا بحسن العهد ويحتمل أن أصدقاء الأب كانوا مكيفين في حياته بإحسانه وانقطع بموته فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه وإنما كان هذا أبر البر لاقتضائه الترحم والثناء على أبيه فيصل لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة وذلك أشد من بره له في حياته وكذا بعد غيبته فإنه إذا لم يظهر له شيء يوجب ترك المودة فكأنه حاضر فيبقى وده كما كان وكذا بعد المعاداة رجاء عود المودة وزوال الوحشة وإطلاق التولية على جميع هذه الأشياء إما حقيقة فيكون من عموم المشترك أو من التواطىء أو بعضها فيكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ونبه بالأب على بقية الأصول وقياس تقديم الشارع الأم في البر كون وصل أهل ودها أقدم وأهم ومن البين أن الكلام في أصل مسلم أما غيره فيظهر أنه أجنبي من هذا المقام نعم إن كان حيا ورجا ببر أصدقائه تألفه للإسلام تأكد وصله وفي معنى الأصول الزوجة فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصل صويحبات خديجة بعد موتها قائلا حسن العهد من الإيمان وألحق بعضهم بالأب الشيخ ونحوه (حم خد م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب مر به أعرابي وهو راكب على حمار فقال ألست ابن فلان قال بلى فأعطاه حماره وعمامته فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لمسلم أنه أعطاه حمارا كان يركبه وعمامة كانت على رأسه فقالوا له أصلحك الله إنه من الأعراب وإنهم يرضون باليسير فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لأبي داود عن أبي أسيد بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليها والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما الحديث: 2158 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 [ص: 406] 2159 - (إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم بيت الله) الكعبة وما حولها من الحرم كما بينه رواية مسلم بدله حرم مكة (وأمنه) بالتشديد أي صيره مأمنا يعني حرمها بإذن الله أي أظهر حرمتها بأمره فإسناد التحريم إليه من حيث التبليغ والإظهار لا من حيث الإيجاد فإن الله تعالى حرمها قبل ذلك كما يصرح به خبر الشيخين أو أنه دعى الله تعالى فحرمها بدعوته ولا ينافيه خبر إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لأنها كانت محرمة يومئذ فلما رفع البيت المعمور من الطوفان اندرست حرمتها ونسيت معاهدتها فأظهر الله إحياءها على يد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبدعوته (1) (وإني حرمت المدينة) فعيلة من مدن بالمكان أقام والمراد البلدة النبوية كما سبق (ما بين لابتيها) تثنية لابة وهي الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها حرقت بنار وأراد بهما هنا حرتان يكتنفانها (لا يقطع عضاهها) بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة جمع عضاهة شجرة أم غيلان أو كل شجر له شوك (ولا يضاد صيدها) في أبي داود ولا ينفر صيدها أي لا يزعج فإتلافه أولى لكن لا يضمن صيد المدينة ولا نباتها لأن حرمها غير محل للنسك (2) (م) في الحج (عن جابر) ولم يخرجه البخاري   (1) وحرم مكة من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق والطائف على سبعة ومن طريق الحعرانة على تسعة ومن طريق جدة على عشرة كما قال: وللحرم التحديد من أرض طيبة. . . ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه وسبعة أميال عراق وطائف. . . وجدة عشر ثم تسع جعرانة وزاد الدميري: ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى. . . فلم يعد سبل الجل إذ جاء تبيانه (2) وللمدينة لابتان شرقية وغربية فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها طولا وهما عير وثور الحديث: 2159 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 2160 - (إن إبراهيم ابني) من مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة قال ابن الكمال: هذا ليس بإخبار عن مفهومه اللغوي لأنه خال عن فائدة الخبر ولازمها بل عن مفهومه العقلي نظير أنها لابنة أبي بكر وقال الأكمل نزل المخاطبين العالمين بكونه ابنه منزلة المنكر الجاهل وهو الذي يسميه البيانيون تجاهل العارف لنكتة هي التلويح بأن إبراهيم ابن ذلك النبي الهادي جزء منه فلذلك تميز على غيره بما سيذكر (وإنه مات في الثدي) أي في سن رضاع الثدي وهو ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر قال القرطبي: هذا القول أخرجه فرط الشفقة والرحمة والحزن (وإن له ظئرين) بكسر الظاء مهمورا أي مرضعتين (1) (يكملان رضاعه في الجنة) بتمام سنتين لمونه مات قبل كمال جسمانيته وأكد الظئرين بإن واللام تنزيلا للمخاطب منزلة المنكر أو الشاك لكون الظئر بعد المفارقة مظنة الإنكار لمخالفة العادة وقدم الظرف إشارة إلى أنه حكم خاص بولده لا بمن ولا يكون لغيره وجعل القائم بخدمة الرضاع متعددا إيماء لكمال العناية بكماله فإن الولد المعتنى به له ظئر ليلا وظئر نهارا والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية [ص: 407] بأن أعقب موته دخوله الجنة وتمام رضاعه باثنين من الحور أو غيرهن ومن زعم أنه في البرزخ وأنه أودع هيئة يقتدر بها على الارتضاع فيه فقد أبعد كل البعد وقد عسر على بعض الخوض في هذا المقام فجعله من المتشابه الذي اختص بعلمه العلام قال بعضهم وهذا يدل على أن حكم إبراهيم حكم الشهيد فإنه تعالى أجرى عليه رزقه بعد موته كما أجراه على الشهيد حيث قال {أحياء عند ربهم يرزقون} قال القرطبي: وعليه فمن مات من صغار المسلمين بسبب من أسباب الشهادة السبعة كان شهيدا ويلحق بالشهداء الكبار وإن لم يبلغ سنهم ولا كلف تكليفهم قال فمن قتل من الصغار في الحرب حكمه حكم الكبير ولا يغسل ولا يصلى عليه وفيه أنه سبحانه وتعالى يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارىء إذا مات كمل له حصوله بعد موته ذكره ابن القيم وغيره (حم م عن أنس) قال ما رأيت أحدا رحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في العوالي فينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخل فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات ذكره   (1) أي من الحور قال في المصباح الظئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضا الحديث: 2160 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 2161 - (إن أبغض الخلق إلى الله العالم) الذي (يزور العمال) عمال السلطان الذين يعملون ما لا يحل لأن زيارتهم توجب مداهنتهم والتشبه بهم والانحلال إلى بيع الدين بالدنيا ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه بعض الصالحين عافاك الله قد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك ويدعو لك وأيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك أنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك منه اتخذوك قطبا يدور عليك رحا باطلهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقودون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا عليك في جنب ما خربوا عليك فدا ودينك فقد دخله سقم ولا يخفى على الله من شيء والسلام وقال حكيم: الذئاب على العذرة أحسن من عالم على أبواب هؤلاء <تنبيه> قال الغزالي: العالم المحتاج غليه في الدين محتاج في صحبة الخلق إلى أمرين شديدين أحدهما صبر طويل وحلم عظيم ونظر لطيف واستغاثة بالله دائمة الثاني أن يكون في هذا المعنى منفردا عنهم فإن كان بالشخص معهم وإن كلموه كلمهم أو زاروه وعظهم وشكرهم أو أعرضوا عنه اغتنتم ذلك فإن كانوا في خير وحق ساعدهم وإن صاروا إلى لغو وشر هاجرهم بل زجرهم إن رجى قبولهم ثم يقوم بحقهم من نحو زيارة وعيادة وقضاء حاجة ما أمكنه ولا يطالبهم بما فاته ولا يرجوها منهم ولا يريهم من نفسه استيحاشا لذلك ويباسطهم بالبذل إذا قدر وينقبض عنهم في الأخذ إن أعطى ويتحمل أذاهم ويظهر لهم البشر ويتجمل لهم بظاهره ويكتم حاجته عنهم فيقاسيها ويعالجها في سره ثم يحتاج مع ذلك أن ينظر لنفسه خاصة ويجعل لها حظا من العبادة وله في المعنى أبيات وهي: فإن كنت في هدي الأئمة راغبا. . . فوطن على أن ترتكبك الوقائع لسانك مخزون وطرفك ملجم. . . وسرك مكتوم لدى الرب ذائع بنفس وقور عند كل كريهة. . . وقلب صبور وهو في الصدر قانع وذكرك مغموم وبابك مغلق. . . وثغرك بسام وبطنك جائع وقلبك مجروح وسوقك كاسد. . . وفضلك مدفون وطعنك شائع وفي كل يوم أنت جارع غصة. . . من الدهر والإخوان والقلب طائع نهارك شغل الناس من غير منة. . . وليلك سوق غاب عنه الطلائع (ابن لال) أبو بكر أحمد بن علي الفقيه وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم السياح شيخ ابن ماجه قال الذهبي قال البرقاني سألت عنه الدارقطني فقال كذاب وعصام بن رواد العسقلاني قال في الميزان لينه الحاكم وبكير الدامعاني منكر الحديث الحديث: 2161 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 2162 - (إن أبغض عباد الله إلى الله العفريت) بكسر أوله أي الشرير الخبيث من بني آدم (النفريت) أي القوي في شيطنته. [ص: 408] قال الزمخشري: العفر والعفرية والعفريت القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه والياء في العفريت والعفارية للإلحاق وحرف التأنيث فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق كقنديل (الذي لم يرزأ) أي لم يصب بالرزايا (في مال ولا ولد) بل لا يزال ماله موفورا وولده باقون وذلك لأن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا ابتلاه قال كعب في بعض الكتب السماوية لولا أن يحزن عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد لا يصدع أبدا وخرج ابن أبي الدنيا وغيره أن رجلا قال يا رسول الله ما الأسقام قال أو ما سقمت قط قال لا قال قم عنا فلست منا قال ابن عربي: هذا إشارة إلى أنه ناقص المرتبة عند ربه وعلامة ذلك صحة بدنه على الدوام وهذا خرج مخرج الغالب أو علم من حال ذلك في نقصانه ما أخبر عنه وطلق خالد بن الوليد زوجته ثم أحسن عليها الثناء فقيل لم طلقتها قال ما فعلته لأمر رابني ولا ساءني لكن لم يصبها عندي بلاء والرزية كما في المصباح المصيبة. وقال الزمخشري: النقصان والضرر (هب عن أبي عثمان النهدي مرسلا) واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشدة اللام ابن عمرو بن عدي والنهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة أسلم على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يجاهد ولم يره الحديث: 2162 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 2163 - (إن إبليس) أي الشيطان من أبلس إذا أيس {فإذا هم مبلسون} (يضع عرشه) أي سرير ملكه يحتمل أن يكون سريرا حقيقة يضعه (على الماء) ويجلس عليه وكونه تمثيلا لتفرعنه وشدة عتوه ونفوذ أمره بين سراياه وجيوشه (والمراد جنوده وأعوانه أي يرسلهم إلى إغواء بني آدم وافتتانهم وإيقاع البغضاء والشرور بينهم.) وأيا ما كان فيظهر أن استعمال هذه العبارة الهائلة وهي قوله عرشه تهكما وسخرية فإنها استعملت في الجبار الذي لا يغالب {وكان عرشه على الماء} والقصد أن إبليس مسكنه البحر (ثم يبعث سراياه) جمع سرية وهي القطعة من الجيش (فأدناهم منه) أي أقربهم (منزلة) وهو مبتدأ (أعظمهم فتنة) خبره (يجيء أحدهم) بيان لمن هو أدنى منه ولمن هو أبعد (فيقول فعلت كذا وكذا) أي وسوست بنحو قتل أو سرقة أو شرب (فيقول) له (ما صنعت شيئا) استخفافا بفعله فنكره في سياق النفي (ويجيء أحدهم فيقول) له (ما تركته) يعني الرجل (حتى فرقت بينه وبين أهله) أي زوجته (فيدنيه منه) أي يقربه منه وأوقعه مخبرا عنه وحذف الخبر وهو صنعت شيئا لإدعاء أنه هو المتعين لإسناد الصنع الععظيم المدلول بالتنوين عليه أيضا (ويقول) مادحا شاكرا له (نعم أنت) بكسر النون وسكون العين على أنه أفعال المدح كذا جرى عليه جمع. قال بعض المحققين: ولعله خطأ لأن الفاعل لا يحذف وإضماره في أفعال المدح لا ينفصل عن نكرة منصوبة مفسرة وإنما صوابه بفتح النون على أنه حرف إيجاب ثم إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله {يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} (حم م) في أواخر صحيحه (عن جابر) زاد مسلم في روايته بعد قوله نعم أنت قال أراه قال فيلتزمه ولم يخرجه البخاري الحديث: 2163 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 2164 - (إن إبليس) عدو آدم وبنيه (يبعث) أي يرسل (أشد أصحابه) في الإغواء والإضلال (وأقوى أصحابه) على الصد عن سبيل الهدى (إلى من يصنع المعروف) أي ما ارتضاه الشرع وندب إليه (في ماله) كأن يتصدق منه أو [ص: 409] يصلح ذات البين أو يعين في نائبة أو يفك رقبة أو يبني مسجدا أو نحو ذلك من وجوه القرب فيوسوس إليه ويخوفه عاقبة الفقر ويمد له في الأمل ويحذره من عاقبة الحاجة إلى الناس حتى يصده عن الصرف منه في الطاعات (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك اه. وأورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم تركوه الحديث: 2164 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 2165 - (إن ابن آدم لحريص على ما منع) أي شديد الحرص على تحصيل ما منع منه باذلا للجهد فيه لما جبل وطبع عليه من شدة محبته للممنوع وهذا شيء كالمحسوس معروف بالوجدان لا يحتاج إلى برهان (فر) من حديث يوسف بن عطية عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني وعبد الله بن أحمد ومن طريقهما أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليهما لكونهما الأصل أولى ثم إن يوسف بن عطية الصفار أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة والدارقطني وهارون بن كثير مجهول كما ذكره أيضا ولهذا قال السخاوي سنده ضعيف قال وقوله ابن أسلم تحريف والصواب سالم والثلاثة مجهولون ولهذا قال أبو حاتم هذا باطل اه الحديث: 2165 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 2166 - (إم ابن آدم إن أصابه حر قال حس) بكسر الحاء المهملة وشد السين المهملة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضه وأحرقه غفلة كجمرة وضربه كاوه (وإن أصابه برد قال حس) يعني من قلقه وجزعه أنه إن أصابه الحر تألم وتشوش وتضجر وقلق وإن أصابه البرد فكذلك ومن ثم قال امرىء القيس: يتمنى المرء في الصيف الشتاء. . . فإذا جاء الشتاء أنكره فهو لا يرضى بحال واحد. . . قتل الإنسان ما أكفره (حم طب عن خولة) بنت قيس الأنصارية تزوجها حمزة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور حمزة ببيتها قالت أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت بلغني أنك تحدث أن لك يوم القيامة حوضا قال نعم وأحب الناس إلي أن يروى منه قومك فقدمت إليه برمة فيها حزيرة فوضع يده فيها ليأكل فاحترقت أصابعه قال حس ثم ذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح الحديث: 2166 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 2167 - (إن ابني هذا) يعني الحسن بن علي (سيد) في رواية السيد باللام أي حليم كريم محتمل قال في النهاية: السيد يطلق على الرب وعلى المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومحتمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم وهو من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي من الأشخاص العظيمة (ولعل الله) أي عساه واستعمال لعل في محل عسى مستفيض لاشتراكهما في الرجاء (أن يصلح به) يعني بسبب تكرمه وعزله نفسه عن الخلافة وتركها كذلك لمعاوية (بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكا عضوضا ثم سار إلى معاوية بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفا على الموت فلما تراءى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل الفريق الآخر فنزل له عن الخلافة لا لقلة ولا لذلة بل رحمة للأمة واشترط على معاوية شروطا التزمها قال ابن بطال وغيره: لم يوف له بشيء منها فصار معاوية من يومئذ خليفة ولما خيف من طول عمر الحسن رضي الله تعالى عنه أرسل يزيد إلى زوجته جعدة إن هي سمته تزوجها ففعلت فأرسلت تستنجز فقال: إنا لم نرضك له فكيف نرضاك لنا وفيه منقبة للحسن رضي الله تبارك وتعالى عنه ورد على الخوارج [ص: 410] الزاعمين كفر علي كرم الله وجهه وشيعته ومعاوية ومن معه لقوله من المسلمين وأخذ منه جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بمال وحل أخذ المال وإعطائه على ذلك مع توفر شروطه (حم خ م) من حديث الحسن رضي الله عنه (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وقد تفتح وفي سماعه منه خلف والأصح أنه سمع الحديث: 2167 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 2168 - (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف فيصير ظلها عليه وقال أبواب الجنة ولم يقل الجنة لأن المراد أن الجهاد طريق لذلك وهذا التعبير أدل عليه وفيه دلالة على فضل الجهاد (حم م ت) عن أبي موسى الحديث: 2168 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 2169 - (إن أبواب السماء) كذا بخط المصنف فمن قال الجنة لم يصب (تفتح عند زوال الشمس) أي ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء (فلا ترتج) بمثناة فوقية وجيم مخففة والبناء للمفعول لا تغلق قال الزمخشري وغيره: أرتج الباب أغلقه إغلاقا وثيقا ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام (حتى يصلي الظهر) ليصعد إليها عمل صلاته (فأحب أن يصعد لي) عمل (فيها) أي في تلك الساعة التي السماء فيها مفتحة الأبواب (خير) أي عمل صالح وتمامه عند مخرجه أحمد عن أبي أيوب قلت يا رسول الله تقرأ فيهن كلهن قال نعم قلت ففيها سلام فاصل قال لا والمراد بالزوال هنا الميل كما تقرر فلا تعارض كراهة الصلاة حال الاستواء (حم عن أبي أيوب) الأنصاري قال ابن الجوزي فيه عبيدة بن مغيث ضعفوه الحديث: 2169 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 2170 - (إن أتقاكم) أي أكثركم تقوى (وأعلمكم) أي أكثركم علما (بالله أنا) لأن الله سبحانه وتعالى جمع له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره وكلما ازداد علم العبد بربه ازداد تقواه وخوفه منه ومن عرف الله صفا له العيش وهابه كل شيء فمعناه ما أنا عليه من التقوى والعلم أوفر وأكثر من تقواكم وعلمكم فلا ينبغي لأحد أن يتشبه بي ذكره القاضي. وقال القرطبي: إنما كان كذلك لما خص به في أصل خلقته من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل تمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل الله عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية ثم إنه تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم على ما لم يطلع عليه غيره وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشاهم لأن الخشية منبعثة عن العلم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال الكرماني: وقوله أتقاكم إشارة إلى كمال القوة العملية وأعلمكم إلى كمال القوة العلمية والتقوى على مراتب وقاية النفس عن الكفر وهو للعامة وعن المعاصي وهو للخاصة وعما سوى الله وهو لخاص الخواص والعلم بالله يشمل ما بصفاته وهو المسمى بأصول الدين وبأحكامه وهو فروع الدين وما بكلامه وهو علم القرآن وتعلقاته وما بأفعاله وهو معرفة حقائق الأشياء ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم جامعا لأنواع التقوى حاويا لأقسام العلوم ما خصص التقوى ولا العلم وقد يقصد بالحذف إفادة العلوم والاستغراق اه وقال بعضهم: ظاهر الحديث تمييزه في كل فرد فرد من أوصاف التقوى والعلم فأما التقوى فلا نزاع وأما العلم بالله فقد أخذ بعض شراح الشفا من قوله أعلمكم ولم يقل أعلم خلق الله أن ذلك يخرج علم جبريل بالله فإنه أمين الوحي وملازم الحضرة الأقدسية ثم إن المعرفة غير ممكنة بكنه الحقيقة لجميع الخلق وفي الخبر سبحانك ما عرفناك حق معرفتك (خ عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص: 411] يأمرهم من الأعمال بما يطيقون فقالوا إنا لسنا كهيئتك إن الله غفر لك فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول هذا الحديث: 2170 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 2171 - (إن أحب عباد الله إلى الله) أي من أحبهم إليه (أنصحهم لعباده) أي أكثرهم نصحا لهم فإن النصح هو الدين ولهذا قال بعض العارفين لبعض أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم وإضافة العباد إليه تلويح بأن المراد من آمن منهم (عم في زوائد الزهد) أي فيما زاد على كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 2171 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 2172 - (إن أحب عباد الله إلى الله من حبب) أي إنسان حبب الله إليه (المعروف وحبب إليه فعاله) لأن المعروف من أخلاق الله وإنما يفيض من أخلاقه على أحب خلقه إليه فإذا ألهم العبد المعروف كان ذلك دلالة على حب الله له ناهيك بها رتبة والفعال ككتاب وشعاب جمع فعل وكسلام وكلام الوصف الحسن والقبيح هو قبيح الفعال كما يقال هو حسن الفعال ويكون مصدرا فيقال فعل فعالا كذهب ذهابا كما في المصباح والحب الأول للمعروف من حيث هو والثاني من حيث الإتيان به والثاني ينشأ عن الأول فالأول منبعه وأسه وأفاد بإضافة العباد إليه المؤذنة بالتشريف أن الكلام في أهل الإيمان لا الكفر إذ لا حب لهم فضلا عن الأحبية (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قضاء الحوائح) للناس (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي سعيد) الخدري وفيه الوليد بن شجاع أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به الحديث: 2172 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 2173 - (إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) وظاهر الحديث أن هذه الكلمات مطلوبة عند الاستيقاظ مطلقا قال الغزالي رحمه الله تعالى: هذا أول الأوراد النهارية وهي سبعة قال: ويلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر العورة امتثالا لأمر الله واستعانة على عبادته من غير قصد رياء ودعوته (خط) من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنبع المصنف أن مخرجه الخطيب سكت عليه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه عقبه ببيان حاله ونقل عن ابن معين أن الوقاصي هذا لا يكتب حديثه كان يكذب انتهى وقال في الضعفاء تركوه الحديث: 2173 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 2174 - (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة) أسعدهم بمحبته يومها (وأدناهم منه مجلسا) أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم منزلة (إمام) مؤمن (عادل) لامتثال قول ربه {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه إمام جائر) في حكمه على رعيته فإن الله يبغض الظلم ويبغض الظالمين ويعاقبهم والمراد بالإمام هنا ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه (حم ت عن أبي سعيد) ثم قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه انتهى وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث كذبه حرزة وخولف وفضيل بن مرزوق الوقاصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره وعطية العوفي قال ابن القطان مضعف وقال الذهبي ضعفوه قال ابن القطان والحديث حسن لا صحيح الحديث: 2174 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 [ص: 412] 2175 - (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وذلك لأن لله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى وفيها أصول وفروع فالأصول أصول والأصول هي الصفات السبع وأصول الأصول ما ينتهي إليه الأصول وهي اسمان: الله الرحمن وكا منهما يشتمل على الأسماء كلها ولذلك حمت العزة أن يتسمى بأحدهما أحد غير الله وما ورد من رحمن اليمامة فذاك مضاف إلى اليمامة والمطلق منه عن الإضافة منزه عن القول بالإشتراك وهذيان شاعر بني حنيفة بقوله: وأنت غيث الورى لازلت رحمنا. . . تعنت وتغال في الكفر لا يرد لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحدا ابتداءا وإطلاقه لم يكن على غير من هو متسم به ويختص الاسم الرحمن لا باعتبار الأسماء الداخلة تحته بأنه المتحرك بحركة له أزلية أبدية ديمومية تعطي الصور المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية في أنواع غير متناهية للعدد وباعتبار دخولها تحته أقرب ما ينسب إليه حركة وجود متعين به ومنه وفيه الموجودات بأسرها فإذا انتهى موجود منها إلى حد طوره صار القهقرى إلى الاسم الأعظم {ألا إلى الله تصير الأمور} فعلى هذا التقدير اسم الباسط هو صاحب العطاء الصادر عن الرحمن واسم القابض هو صاحب الرد إلى اسم الله ويتبين من هذا دخول الأسماء تحت الاسمين العظيمين. قال المناوي: وتفضيل التسمية بهذين محمول على من أراد التسمي بالعبودية فتقديره أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية عبد الله وعبد الرحمن لأنهم كانوا يسمون عبد شمس والدار ولا ينافي أن اسم أحمد ومحمد أحب إلى الله من جميع الأسماء فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو الأحب إليه هذا هو الصواب ولا يجوز حمله على الإطلاق إلى هنا كلامه <تنبيه> يلحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد (م) في الأسماء (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو داود والترمذي الحديث: 2175 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 2176 - (إن أحدا) بضم الحاء وسكونها (جبل) معروف بالمدينة كما مر غير مرة (يحبنا ونحبه) حقيقة أو مجازا على ما مر قال الطيبي: الظاهر أنه أراد جميع أرض المدينة وخصه لأنه أول ما يبدو له (ق عن أنس) بن مالك رضي الله عنه الحديث: 2176 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 2177 - (إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة) أي على باب من أبوابها (وعير) أي وجبل عير وهو معروف هناك (على ترعة من ترع النار) أي على باب من أبوابها وقد سبق تقريره عن الشريف السمهودي بما فيه بلاغ فلا يغفل كما في الصحاح بوزن الجرعة الباب وقيل الروضة وقيل الدرجة وقيل غير ذلك (هـ) عن هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن مكنف (عن أنس) بن مالك قال المؤلف وعبد الله بن مكنف ضعيف لكن يزيده هنا بيانا فيقول قال العارف ابن عربي: محققوا أهل النظر والأدلة المقصودة على الحواس والضروريات والبديهيات يقولون إنه إذا جاء عن نبي أن جبلا أو حجرا أو ذراعا أو جذع نخلة أو بهيمة كلمة فمعناه خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت بحيث يتكلم ويكلم ويفهم ما يخاطب به والأمر عندنا ليس كذلك بل العالم كله حي ناطق من جهة الكشف وسر الحياة في جميع العالم حتى أن كل من سمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له حقيقة بلا شبهة ومن أراد أن يقف على ذلك يسلك طريق الرجال ويلزم طريق الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على ذلك عينا فيعلم أن الناس في عماء عن إدراك هذه الحقائق انتهى الحديث: 2177 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 [ص: 413] 2178 - (إن أحدكم) أيها المؤمنون (إذا كان في صلاته) المفروضة أو النافلة (فإنه يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلا يبزقن) بنون التوكيد (بين يديه) أي لا يكون بزاقه إلى جهة القبلة لأنه استخفاف عادة فلا يليق بتعظيم الجهة وفي رواية للشيخين بدل بين يديه قبل القبلة وفي رواية أو تحت (ولا عن يمينه) أي لا يبزقن على ما في يمينه فعن بمعنى على تشريفا لها لأن فيها ملائكة الرحمة ولهم مزية على ملائكة العذاب ألا ترى أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات والنهي يعم المسجد وغيره (ولكن) يبصق (عن يساره وتحت) وفي رواية أو تحت (قدمه) أي اليسرى وتمام الحديث عند الشيخين ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه خاص بغير من بالمسجد أما من فيه فلا يبصق إلا في نحو ثوبه وفي الحديث إشارة إلى أن قلب المصلي ينبغي كونه فارغا من غير ذكر الله وفيه جواز الفعل القليل في الصلاة وطهارة البصاق (ق عن أنس) بن مالك قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في القبلة فشق عليه ذلك حتى رؤي في وجهه ثم قام فحكه بيده ثم ذكره الحديث: 2178 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 2179 - (إن أحدكم) معشر الآدميين (يجمع خلقه) أي مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم (1) وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن تلك لا تستعمل إلا في النفي ويجمع من الإجماع لا من الجمع يقال أجمعت الشيء أو جعلته جميعا والمراد يجوز ويقرر مادة خلقه (في بطن) يعني رحم (أمه) وهو من قبيل ذكر الكل وإرادة البعض وهو سبحانه وتعالى يجعل ماء الرجل والمرأة جميعا (أربعين يوما) لتتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق وهو فيها (نطفة) وذلك بأن أودع في الرحم قوتين قوة انبساط ينبسط بها عند ورود مني الرجل عليه فيأخذه ويختلط مع منيها وقوة انقباض يقبضهما بها لئلا ينزل منه شيء فإن المني ثقيل بطبعه وفم الرحم منكوس وهل هذه الحركة إرادية فيكون الرحم حيوانا؟ الظاهر لا وأودع في مني الرجل وهو الثخين الأبيض قوة الفعل وفي منيها وهو الرقيق الأصفر قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة الممتزجة بلبن وما قيل إن في كل من مني الرجل والمرأة قوة فعل وانفعال فلا ينافيه لجواز كون قوة الفعل في مني الرجل وقوة الانفعال في مني المرأة أكثر فاعتبر الغالب وإن امتزجا ومضى عليه أربعون يوما لحكمة خفيت عن أكثر المدارك أفاض عليهما صورة خلاف صورة المني وهو المشار إليه بقوله (ثم) عقب هذه الأربعين (يكون علقة) قطعة دم غليظ جامد (مثل ذلك) فإذا مضى عليه أربعون يوما أفاض عليها صورة خلاف صورة العلقة وإليه الإشارة بقوله (ثم) عقب الأربعين الثانية (يكون) في ذلك المحل (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ (مثل ذلك) الزمن وهو أربعون (ثم) بعد انقضاء الأربعين الثالثة (يرسل الله الملك) المعهود الموكل بالمضغة أو بالرحم ويجوز كومه ملكا موكلا بهما أو كون لكل ملك ومعنى إرساله إياه أن يأمره بالتصرف فيه كذا ذكره الأكمل وقال بعض الشراح المراد ملك النفوخات كما جاء مصرحا به في خبر رواه ابن وهب فأل فيه عهدية فيبعث إليه حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فينفخ فيه الروح) وهي ما يحيى بها الإنسان وإسناد النفخ إليه مجاز عقلي لأنه من أفعال الله كالخلق وكذا ما ورد من قوله صوره أي الملك وخلق سمعه وبصره ونحو ذلك وفي الحديث [ص: 414] إيماء إلى أن التصوير في الأربعين الثالثة قال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قال الطبري: الصحابة أعلم بتغيير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطا للتوفي عن خلاف وقال ابن القيم: ما ذكر من تنقل الخلق في كل أربعين إلى طور هو ما دل عليه الوحي وما وقع في كلام أهل الطب والتشريح مما يخالفه لا يعول عليه إذ غاية أمرهم أنهم شرحوا الأموات فوجدوا الجنين في الرحم على صفة أخبروا بها على طريق الحدس والنظام الطبيعي ولا علم لهم بما وراء ذلك من مبدأ الحمل وتغير أحوال النطفة ثم الكلام في الروح طويل فمن ذاهب إلى أنه عرض إذ لو كان جوهرا والجواهر متساوية في الجوهرية لزوم للروح روح آخر وهو فاسد ومن ذاهب إلى أنه جوهر فرد متحين وزعموا أنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الجوال وأنه حاصل للصفات المعنوية وهو كذلك لأن الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لا كسرا ولا قطعا ولا وهما ولا فرضا وصدور المعاني الخارقة عن مثل ذلك مستحيل وقيل هو صورة لطيفة بصورة الجسم في داخل الجسم تقابل كل جزء منه وعضو نظيره وهو خيال وقيل جسم لطيف سار بالبدن سريان ماء الورد فيه وقال الغزالي: جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز وأنه ليس داخل الجسم ولا خارجا عنه ولا متصلا ولا منفصلا لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات واعترض بأنه يلزم خلو الشيء عن الشيء وضده وتركب الباري لأنه إذا كان غير متحيز كان مجردا فشارك الباري في التجرد وامتاز عنه بغيره والتركب على الله محال وبأنه متناقض لأنه جعله الله من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجا بقوله {قل الروح من أمر ربي} وإذا لم يكن مخلوقا لم يكن محدثا وقد قال إنه محدث وأجيب عن الأول بأن الشيء يجوز أن يخلو من الضدين إذا كان كل منهما مشروطا بشرط فإنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل لأن الشرط الصحيح لقيام العالم أو ضده بالجسم هو الحياة وقد انتفت في الجماد فكذا شرط الدخول والخروج في الاتصال والانفصال هو التحيز إذا لم يكن الجوهر متحيزا لا يتصف بشيء من ذلك وعن الثاني بأن الاشتراك في العوارض لا يوجب التركب سيما في السلب وعن الثالث بأن مقصوده ليس نفي كونه مخلوقا بل اطلع على تسميته كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطاب بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق الإله الخالق والأمر فلا مشاحة في ذلك (ويؤمر) بالبناء للمفعول أي يأمر الله الملك (بأربع كلمات) أي بكتابة أربع قضايا مقدرة وكل قضية تسمى كلمة قولا كان أو فعلا وهو عطف على قوله علقة لا على ينفخ وإلا لزم كون الكتابة في الأربعين الثالثة وليس مرادا كما يشير إليه خبر مسلم (ويقال له) أي يقول الله للملك (اكتب) أي بين عينيه كما في خبر البزار (أجله) أي مدة حياته (ورزقه) كما وكيفا حراما وحلالا (وعمله) كثيرا أو قليلا وصالحا أو فاسدا (وشقي) وهو من استوجب النار (أو سعيد) من استوجب الجنة حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وقدم الشقي لأنه أكثر ذكره الطيبي قال القاضي: وكان الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليناسب ما قبله فعدل عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك قال الطيبي: حق الظاهر أن يقال يكتب شقاوته وسعادته قعدل إما حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما والحاصل أنه ينقش فيه ما يليق من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته فمن وجده مستعدا لقبول الحق واتباعه ورآه أهلا للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه أثبته في عداد السعداء وكتب له أعمالا صالحة تناسب ذلك ومن وجده جافيا قاسي القلب ضاريا بالطبع منائيا عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين وكتب له ما يتوقع فيه من الشرور والمعاصي هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك وإلا كتب له أواخر [ص: 415] أمره وحكم عليه بوفق ما يتم به عمله فإن ملاك العمل خواتمه ذكره القاضي وقوله ثم يقال له وفي رواية ثم يؤمر قال ابن العربي: هذه هي القاعدة العظمى لأنه لو أخبر فقال أجله كذا ورزقه كذا وهو شقي أو سعيد ما تغير خبره أبدا لأن خبر الله يستحيل أن يوجد بخلاف مخبره لوجوب الصدق له لكنه يأمر بذلك كله ولله أن ينسخ أمره ويقلب ويصرف العباد فيه من وجه إلى وجه فافهمه فإنه نفيس وفيه يقع المحو والتبديل أما في الخبر فلا أبدا (ثم ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته (فوالذي) في رواية فوالله الذي (لا إله غيره) وهو شروع في بيان أن السعيد قد يشقى وعكسه وذلك مما لا يطلع عليه أحد أما التقدير الأزلي فلا تغيير فيه (وإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات الاعتقادية قولية أو فعلية (حتى ما يكون) حتى هي الناصبة وما نافية غير مانعة لها من العمل ذكره الطيبي وتعقب بأن الوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع عطفا على ما قبله وما ذكر من أن لفظ الخديث ما يكون هو ما في نسخ كثيرة لكن وقفت على نسخة المصتف فرأيت بخطه لم يكن هذا كتب ولعله سبق فلم (بينه وبينها إلا ذراع) تصوير لغاية قربه من الجنة (فيسبق عليه الكتاب) قال الطيبي: والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة ضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب سبقا بلا مهلة والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو بمعنى التقدير أي التقدير الأزلي واللام للعهد (فيعمل بعمل) الباء فيه وفيما قبله زائدة أي يعمل عمل (أهل النار فيدخل النار) تفريع على ما مهده من كتاب السعادة والشقاوة عند نفخ الروح مطابقين لما في العلم الأزلي لبيان أن الخاتمة إنما هي على وفق الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وإن اعتد بها من حيث كونها علامة (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني شيء قليل جدا (فيسبق عليه الكتاب) كتاب السعادة (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) بحكم القدر الجاري المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير فمن سبقت له السعادة صرف قلبه إلى خير يختم له به وعكسه عكسه وحينئذ فالعبرة بالخاتمة قال ابن عطاء الله: ربما يعطي الحق عبده والعطاء عين السلب والمنع وربما يمنع المنع عين العطاء إذ لا تبديل لما أراد في عالم القدم تمت الكلمة ونفذ القلم بما حكم ألا ترى إلى سحرة فرعون كان منعهم عين العطاء وحجابهم عين الوصول وإبليس أعطى العلم وقوة العبادة وكان العطاء عبن المنع والقطيعة وبلعام أعطي الاسم الأعظم وكان العطاء عين المنع وسبب الحجاب؟ {فريق في الجنة وفريق في السعير} فالخاتمة مرتبطة بالسابقة فمن زعم أن الصوفية عولوا على السابقة والفقهاء على الخاتمة وأنهما متباينان فقد وهم وفيه أنه سبحانه وتعالى لا يجب عليه الأصلح خلافا للمعتزلة وأنه يعلم الجزئيات خلافا للحكماء وأن الخير والشر بتقديره خلافا للقدرية وأن الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر وأن العمل السابق غير معتبر بل الذي ختم به وفيه حث على لزوم الطاعات ومراقبة الأوقات خشية أن يكون ذلك آخر عمره وزجر عن العجب والفرح بالأعمال فرب متكل مغرور فإن العبد لا يدري ما يصيبه في العاقبة وأنه ليس لأحد أن يشهد لأحد بالجنة أو النار وأنه تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء وكله عدل وصواب {لا يسأل عما يفعل} (ق 4 عن ابن مسعود) حديث عظيم الفوائد وإنكار عمرو بن عبيد من زهاد القدرية له من ترهاته وخرافاته وقول الخطيب الحافظ هو والله الذي لا إله إلا هو من كلام ابن مسعود تعقبوه   (1) وهو المني بعد انتشاره في سائر البدن الحديث: 2179 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 [ص: 416] 2180 - (إن أحدكم إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (إنما) وفي رواية بدله فإنه (يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلينظر كيف يناجيه) أي فليتأمل في جواب ما يناجيه من القول على سبيل التعظيم والتبجيل ومواطأة القلب اللسان والإقبال على الله تعالى بشراشره والإخلاص في عبادته وتفريغ القلب للذكر والتلاوة والتدبر فلا يليق لعاقل أن يتلقى شكر هذه النعمة الخطيرة السنية التي هي مناجاة هاتيك الحضرة العلية بشغل القلب بشيء من الدنيا الدنية قال الطيبي: وقوله إنما يناجي ربه تعليل للنهي شبه العبد وتوجهه إلى الله تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وكشف الأسرار واستنزال الرحمة مع الخشوع والخضوع بمن يناجي مولاه ومالكه فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويطرق رأسه ولا يمد بصره إليه ويراعي جهة إمامه حتى لا يصدر منه في تلك الجهات شيء وإن كان الله تعالى منزها عن الجهات لأن الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض وفيه حث على إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لما في صلاته من ذكر وغيره وإن الصلاة أفضل الأعمال لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها (ك عن أبي هريرة) ورواه أحمد والنسائي والبيهقي بلفظ إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به الحديث: 2180 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 2181 - (إن أحدكم مرآة أخيه) أي هو بمنزلة المرآة التي يرى فيها ما به من شعث فيصلحه (فإذا رأى به) أي علم بملبسه أو بنحوه (أذى) أي قذرا كمخاط وبصاق وتراب (فليمط عنه) أي فليزله عنه ندبا فإن بقاءه يشينه والظاهر أن المراد بالأذى الحسي والمعنوي أيضا فيشمل ما لو رأى بعرضه ما يشينه فيزيله عنه بإرشاده له إلى ذلك لكن يبعده زيادة ما في بعض الروايات وليره إياه إلا أن يقال أراد برؤياه ما يعم توقيفه عليه ليجتنبه وعلى الثاني اقتصر سلفنا الصوفية حيث قالوا معنى الحديث إن المؤمن في إزاء عيب أخيه كالمرآة المجلوة الحاكية لكل ما ارتسم فيها من الصور وإن دق فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراءه أقواله وأفعاله وأحواله تعريفات وتلويحات من الله تعالى فأي وقت ظهر من المؤمنين المجتمعين في عقد الأخوة عيب فادح نافروه لأن ذلك يظهر بظهور النفس وظهورها من تضييع حق الوقت فعلموا بذلك خروجه من دائرة الجمعية وعقد الأخوة فنافروه ليرجع قال رويم لا تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا فهو إشارة إلى تفقد بعضهم أحوال بعض فينبغي أن لا يسامح بعضهم بعضا في فعل ما يخالف الصواب أو إهمال دقيق الآداب فإن بذلك تصدأ مرآة القلوب ولا يرى فيها الخلل والعيوب قال عمر في مجلس فيه المهاجرون والأنصار أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا فقال بشر بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح فقال: أنتم إذن أنتم إذن (ت عن أبي هريرة) الحديث: 2181 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 2182 - (إن أحساب أهل الدنيا) جمع حسب بمعنى الكرم والشرف والمجد سماهم أهل الدنيا لشغفهم بها وطمأنينتهم إليها كما يشغف الرجل بأهله ويأنس إليهم فصاروا أهلا لها وهي أهل وصارت أموالهم أحسابا لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضا عن افتخاره وعن الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين (الذين يذهبون إليه هذا المال) قال الحافظ العراقي كذا وقع في أصلنا من مسند أحمد الذين وصوابه الذي وكذا رواه النسائي كغيره والوجه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها فيؤتى بوصف الأحساب مؤنثا لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الدين فلا يظهر وجهه إذ ليس وصفا لأهل الدنيا بل لأحسابهم إلا أن يكون اكتسبه بالمجاورة ثم الحديث يحتمل كونه خرج مخرج الذم لأن الأحساب إنما هي بالأنساب لا بالمال فصاحب [ص: 417] النسب العالي هو الحسيب ولو فقيرا ووضيع النسب غير حسيب وإن أثرى وكثر ماله جدا وكونه خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر المرء بآباء انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما حسبه وشرفه بماله فهو الرافع لشأنه في الدنيا ويتخرج على ذلك اعتبار المال في الكفاءة وعدمه. إلى هنا كلامه. وقال ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد بالحديث أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له (حم ن ك حب عن بريدة) قال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وصححه ابن حبان الحديث: 2182 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 2183 - (إن أحسن الحسن الخلق الحسن) أي السجية الحميدة التي تورث الاتصاف بالملكات الفاضلة مع طلاقة وجه وانبعاث نفس والملاطفة إذ به ائتلاف القلوب واتفاق الكلمة وانتظام الأحوال وملاك الأمر <تنبيه> في المواهب: الخلق أي الحميد ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر وفي الرسالة العضدية: الخلق أي من حيث هو الشامل للحميد وغيره ملكة تصدر عنها الأفعال النفسانية بسهولة من غير روية قال ويمكن تغييره لدلالة الشرع واتفاق العقلاء على إمكانه وقال الغزالي في الميزان وتبعه زروق في قواعد الشريعة والحقيقة: الخلق هيئة راسخة في النفس تنشأ عنها الأمور بسهولة فحسنها حسن وقبيحها قبيح وقال ابن سينا في كتاب نهذيب الأخلاق: الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية وتنقسم هذه الحال إلى قسمين قسم من أصل المزاج كالحال التي بسببها يجبن الإنسان من أقل شيء كالفزع من صوت يطرق سمعه أو من خبر يسمعه وكالحال التي بسببها يضحك كثيرا من أدنى عجب أو يغتم أو يحزن من أيسر شيء وقسم مستفاد من التدبر والعادة وربما كان مبدؤه بروية وفكر ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقا قال: وقال قوم ليس شيء من الأخلاق طبيعيا وإنما ينتقل إليه بالتأدب والمواعظ سريعا أو بطيئا وقال قوم منه غريزي ومنه مكتسب وهو كذلك <تنبيه> قال الغزالي: جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: أن يكون كثير الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول بر وصول وقور صبور شكور حليم رفيق عفيف شفيق لا لعان ولا سباب ولا نمام ولا مغتاب ولا عجول ولا حقود ولا بخيل ولا حسود (المستغفري) أبو العباس (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما من حديث العلائي عن الحسن عن الحسن عن الحسن (عن الحسن) أمير المؤمنين (بن علي) أمير المؤمنين ثم قال أعني ابن عساكر الحسن الأول هو ابن حسان السمتي والثاني ابن دينار والثالث البصري اه وابن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال النسائي وغيره متروك الحديث: 2183 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 2184 - (إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب) وهو بياض الشعر (الحناء) بكسر فتشديد فمد (والكتم) بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويختضب به ذكره في الصحاح ورقه كورق الزيتون وله ثمرة قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسود منفردا فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقيل الواو بمعنى أو على التخيير والتعاقب لا الجمع وهنا أجوبة مدخولة فاحذرها (حم 4 حب عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح الحديث: 2184 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 2185 - (إن أحسن ما زرتم به الله) يعني ملائكته (في قبوركم) إذا صرتم إليها بعد الموت (ومساجدكم) ما دمتم باقين في الدنيا (البياض) أي الأبيض البالغ البياض من الثياب أي ونحوها من كل ملبوس فأفضل ما كفن به المسلم البياض وأفضل [ص: 418] ما يلبس يوم الجمعة لصلاتها البياض وإنما لبس الأرفع منه يوم العيد ولو غير أبيض لأن القصد يومئذ إظهار الزينة وإيثار النعمة وهما بالأرفع أليق (هـ عن أبي الدرداء) الحديث: 2185 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 2186 - (إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه) أي يقرؤه بحزن وتخشع وبكاء فإن لم يبك تباكى إذ بذلك يخشع القلب فتنزل الرحمة قال الزمخشري: ومن المجاز صوت حزين رخيم (طب عن ابن عباس) الحديث: 2186 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 2187 - (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فأخذ الأجرة على تعليمه جائز كالاستئجار لقراءته وأما خبر إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها أي الهدية على تعليمه فمنزل على أنه كان متبرعا بالتعليم ناويا الاحتساب فكره تضييع أجره وإبطال حسنته فلا حجة فيه للحنفية المانعين أخذ الأجر لتعليمه وقياسه على الصوم والصلاة فاسد لأنهما مختصان بالفاعل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المتعلم ذكره القرطبي قال ابن حجر: في هذا الخبر إشعار بنسخ الخبر الآتي من أخذ على تعليم القرآن قوسا قلده الله قوسا من نار (ح) في الطب بلفظه وفي الإجارة معناه (عن ابن عباس) قال: لما رقى بعض مسافرين على لديغ بالحمد فبرأ فأعطوه شيئا فكرهه أصحابه قائلين أخذت على تعليم القرآن أجرا فلما قدموا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر: وهم من عزاه للمتفق عليه وهذا المتن أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقعقع المؤلف عليه وأبرق وأرعد وما ضره ذلك شيئا فإنه أعني ابن الجوزي أورده بسند غير سند البخاري وقال إنه من ذلك الطريق موضوع وليس حكمه على المتن الحديث: 2187 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 2188 - (إن أحق الشروط أن توفوا به) نصب على التمييز أي وفاء أو مجرور بحرف الجر أي بالوفاء (ما استحللتم به الفروج) خبره يعني الوفاء بالشروط حق وأحق الشروط بالوفاء الذي استحللتم به الفروج وهو المهر والنفقة ونحوهما فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت هذا ما جرى عليه القاضي في تقريره ولا يخفى حسنه قال الرافعي رحمه الله: وحمله الأكثر على شرط لا ينافي مقتضى العقد كشرط المعاشرة بالمعروف ونحو ذلك مما هو من مقاصد العقد ومقتضياته بخلاف ما يخالف مقتضاه كشرط أن لا يتزوج أو يتسرى عليها فلا يجب الوفاء به وأخذ أحمد رضي الله عنه بالعموم وأوجب الوفاء بكل شرط (حم ق 4) في النكاح (عن عقبة بن عامر) الحديث: 2188 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 2189 - (إن أخا صداء) أي الذي هم من قبيلة صداء بضم الصاد والتخفيف والمد حي من اليمن زياد بن الحارث بايع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مصر سماه أخا لكونه منهم تقول العرب يا أخا بني تميم يريدون يا واحدا منهم ومن بيت الحماسة حيث قال فيهم واصفهم: لا يسألون أخاهم حين يندبهم. . . في النائبات على ما قال برهانا أفاده الزمخشري (هو أذن) للصلاة (ومن أذن) لها (فهو) الذي (يقيم) لا غيره أي هو أحق بالإقامة ممن لم يؤذن لكن لو تعدى غيره وأقام اعتد بها ولا تعاد وفيه أن نظر الإقامة إلى الإمام فلو أقام بغير إذنه أجزأ وأما الأذان فنظره إلى المؤذن وفيه جواز ذكر الإنسان بما يميزه ولو غير اسمه وكنيته إذا لم يوهم نفعا (حم د ت هـ) في الأذان (عن زياد بن الحارث الصدائي) قال: أمرني المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت وأراد بلال أن يقيم فذكره واللفظ للترمذي وقضية صنيع المصنف أن مخرجيه رووه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل تعقبه الترمذي [ص: 419] بأنه إنما يعرف من حديث الأفريقي وهو ضعيف عندهم اه قال المناوي: وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة اه. وقال الذهبي رواه أبو داود من حديث الأفريقي عن زياد بن نعيم الصدائي والأفريقي ضعيف وزياد لا يعرف لكن صرح ابن الأثير بأن زياد بن الحارث صحابي معروف وقال نزل مصر وبايع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأذن بين يديه الحديث: 2189 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 2190 - (إن أخوف ما أخاف) قال أبو البقاء: أخوف اسم إن وما نكرة موصوفة والعائد محذوف تقديره إن أخوف شيء أخافه (على أمتي) أمة الإجابة (الأئمة) جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد (المضلون) يعني إذا استقصيت الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف منه قال في المطامح: كان صلى الله عليه وسلم حريصا على إصلاح أمته راغبا في دوام خيرتها فخاف عليهم فساد الأئمة لأن بفسادهم يفسد النظام لكونهم قادة الأنام فإذا فسدوا فسدت الرعية وكذا العلماء إذا فسدوا فسد الجمهور من حيث أنهم مصابيح الظلام انتهى وساق العلائي بسنده إلى ابن عمر أنه قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين ومن هذا الجنس ما في الكشاف عن الحجاج أنه قيل له إنك حسود فقال أحسد مني من قال " وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " وهذا من جرأته على الله وشيطنته كما حكى أنه قال طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال اتقوا الله ما استطعتم وأطلق طاعتنا فقال وأولي الأمر منكم ومن ضلالهم وضلالاتهم ما نقل عن بعض خلفاء بني مروان أنه قال لابن عبد العزيز أو الزهري بلغنا أن الخليفة لا يجري عليه القلم ولا تكتب عليه معصية فقال يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أو الأنبياء قال تعالى {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ولما مات ابن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي على نمطه حتى شهد له أربعون شيخا بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب (حم طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا الحديث: 2190 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 2191 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف من قول (كل منافق عليم اللسان) أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها يدعو الناس إلى الله ويفر هو منه ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ويظهر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بنتن باطنه وجنانه. قال الزمخشري رحمه الله: والمنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله تعالى وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليا وبالشكر استهزاء وخداعا ولذلك أنزل فيهم {إن المنافقين في الدرك الأسفل} انتهى. وكان يحيى بن معاذ يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب القصور قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأبوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين المحمدية والعالمية وأكثر علماء الزمان ضربان ضرب منكب على حطام الدنيا لا يمل من جمعه وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهج في المزابل يطير من عذرة إلى عذرة وقد أخذت دنياه بمجامع قلبه ولزمه خوف الفقر وحب الإكثار واتخذ المال عدة للنوائب لا يتنكر عليه تغلب الدنيا وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام شحا على رئاستهم يلتقطون الرخص ويخادعون الله بالحيل ديدنهم المداهنة وساكن قلوبهم المنى طمأنينتهم إلى الدنيا [ص: 420] وسكونهم إلى أسبابها اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال وسيكافئهم الجبار المتعال (حم عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وأبو يعلى. قال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله موثوقون انتهى الحديث: 2191 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 2192 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة شيئا بعد شيء لم يجد أخوف من (عمل قوم لوط) عبر به تلويحا بكونهم الفاعلين لذلك ابتداء وأنه من أقبح القبيح لأن كل ما أوجده الله في هذا العالم جعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب فيهما الشهوة للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل الحكمة الربانية وقد تطابق على ذمه وقبحه شرعا وعقلا وطبعا أما شرعا فلآية {وأمطرنا عليهم حجارة} روي أن جبريل عليه السلام رفع قرى قوم لوط على جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها وأمطر عليهم الحجارة وأما عقلا فلأنه تعالى خلق الإنسان أفضل الأنواع وركب فيه النفس الناطقة المسماة بالروح بلسان الشرع والقوة الحيوانية لمعرفته تعالى ومعرفة الأمور العالية التي منها معرفة وجه حكمته وفي ذلك إبطال حكمته كما تقرر وأما طبعا فلأن ذلك الفعل لا يحصل إلا بمباشرة فاعل ومفعول به والقبح الطبيعي هو ما لا يلائم الطبع وهذا الغعل لا يلائم المفعول به إلا لأحد أمرين إما فيضان صورة الأنوثة عليه وإما لتولد مادة المنفد فيحصل تآكل ورعدة بالمحل تسكن بالفعل به وذلك نقيصة لا يلائم طبع الفاعل إلا بجعل النفس الناطقة تابعة للقوة الحيوانية وهو نقص لا يكنته كنهه ثم هل اللواط أغلظ أم الزنا؟ أقوال ثالثها هما سواء وللخلاف فوائد منها ما لو رأى رجلا يلوط وآخر يزني وبدفع أحدهما يفوت الآخر فأيهما يقدمه؟ (حم ت ك) كلهم في الحدود (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وفيه عبد الله بن محمد احتج به أحمد وقال ابن خزيمة لا يحتج به ولينه أبو حاتم الحديث: 2192 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 2193 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي الاشراك بالله) قيل أتشرك أمتك من بعدك قال نعم (أما) بالتخفيف (إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا) أي صنما (ولكن أعمالا لغير الله) أي رياء وسمعة (وشهوة خفية) قال الأزهري: أستحسن أن أنصب الشهوة الخفية وأجعل الواو بمعنى مع أي الرياء مع الشهوة الخفية للمعاصي فكأنه يرائي الناس بتركه المعاصي والشهوة في قلبه وقيل الرياء ما ظهر من العمل والشهوة الخفية حب اطلاع الناس على العمل وسئل الحسن عن الرياء أهو شرك قال نعم أما تقرأ {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وقال العارف الجنيد: الذي يملك نفسه مالك والذي يملكه هواه مملوك ومن لم يكن الغالب على قلبه ربه فإنما يعبد هواه ونفسه ثم هذا الخبر لا يناقضه {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} لحمل هذا على المخاطبين المخصوصين بهذا الخطاب وأنه من قبيل الكشف له وذلك على الأعم وما قبل الكشف وفي الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمئة وستين كتابا في الحكمة حتى وصف بها فأوحى الله إلى نبيهم قل له قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني بشيء من ذلك ولا أقبل منه شيئا فندم وترك وخالط العامة وتواضع فأوحى الله إليه قل له الآن قد وافقت رضاي (تتمة) قال ابن عطاء الله: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجديد انحطاط عن الهمة العلية (هـ) من رواية داود بن الجراح عن عامر بن عبد الله عن الحسن بن ذكوان عن عبادة (عن شداد بن أوس) ورواد ضعفه الدارقطني وعامر قال المنذري لا يعرف والحسن بن ذكوان قال أحمد أحاديثه بواطيل قال الحافظ العراقي ورواه أحمد عن شداد أيضا وزاد فيه قيل ما الشهوة الخفية قال يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيترك صومه ويفطر ثم قال أعني العراقي حديث لا يصح لعلة فيه خفية وعبد الوهاب بن زياد وهو ضعيف قال وبتقدير صحته فإبطال صومه [ص: 421] لأجل شهوته مكروه بخلافه لأمر مشروع من زائر وعارض فلا تعارض بينه وبين حديث: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر الحديث: 2193 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 2194 - (إن أدنى أهل الجنة منزلة) زاد في رواية وليس فيهم دنيء (لمن ينظر إلى جنانه) بكسر الجيم جمع جنة وبفتحها (وأزواجه ونعمه) بفتح النون والعين إبله وبقره وغنمه أو هو بكسر النون وفتح العين جمع نعمة كسدرة وسدر والنعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع وهو النعيم (وخدمه) بالتحريك جمع خادم غلاما كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنث قليل (وسرره) بضمتين جمع سرير وجمعه أيضا أسرة وقد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة كما في الصحاح وغيره (مسيرة ألف سنة) ذكره الطيبي (وأكرمهم على الله) أي أعظمهم كرامة عنده وأوسعهم ملكا (من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية) تمامه ثم قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} قال البعض: ولم يرد به التوقيت إذ لا غدوة ثم ولا عشية وإنما اختص الإكرام بكثرة النظر لأنه لا شيء يقاوم تجليه ولولا تقويته لهم لصاروا دكا كالجبال لكنه قواهم ليستوفوا لذة النظر فينسيهم ذلك كل نعيم كانوا فيه {ذلك هو الفوز العظيم} وفيه أنه تعالى يراه المؤمنون في الجنة بمعنى حصول الحالة الإدراكية الحاصلة عند النظر إلى القمر من غير جهة ولا مقابلة وفيه أن الرؤيا يرجى نيلها بالمحافظة على العبادة في هذين الوقتين أي طرفي النهار ذكره ابن حجر (ت) في صفة الجنة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي وغيره وفيه وبر بن أبي فاختة قال الذهبي واه اه وأقول فيه أيضا لبابة بن سوار قال في الكاشف صدوق يرى الإرجاء وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حجر في الفتح في سنده ضعيف الحديث: 2194 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 2195 - (إن أدنى أهل الجنة منزلا لرجل له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها) جمع غرفة (وأبوابها) أي وجدرها وسائر أجزائها وليس ذلك ببعيد إذ هو القادر على كل شيء فيكرم أهل الجنة ما لا يخطر بقلب ولا يدرك بعقل وأحوال الجنة لا تقاس بأحوال الدنيا (هناد) بن إبراهيم النسفي روى الكثير قال السمعاني الغالب على روايته المناكير ولعله ما روى في مجموعاته حديثا صحيحا إلا ما شاء الله وهو تلميذ المستغفري مات سنة خمس وستين وأربع مئة (في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد) بضم المهملة وفتح الموحدة (بن عمير) مصغر عمر بن قتادة الليثي مرادف الأسد قاضي مكة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل ابن عمير (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي وطائفة وذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر واستبعده الذهبي الحديث: 2195 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 2196 - (إن أرحم ما يكون الله بالعبد) أي أرحم حال يكون الله رحيما بالعبد فيها حال العبد (إذا وضع في حفرته) أي إذا ألحد لحده لأن أعظم فاقة يجدها العبد في ذلك الحال وأشد اضطرارا كان ويكون له الآن وفي الاستقبال ومن وصل إلى هذه الرتبة في الاضطرار وقطع النظر عما سوى الملك الغفار أفيض عليه من بحر الرحمة الزخار [ص: 422] وظاهره أن المراد بالعبد المؤمن لا الكافر (فر عن أنس) وفيه نوح بن سالم قال الذهبي قال ابن معين ليس بشيء الحديث: 2196 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 2167 - (إن أرواح الشهداء في طير خضر) أي يكون الطائر ظرفا لها لقوله في خبر أبي داود في أجواف طير وليس هذا بحصر ولا بحبس لأنها إما أن توسع عليها كالفضاء أو يجعل في تلك الحواصل من النعيم ما لا يوجد في فضاء واسع والمراد أنها نفسها تكون طيرا بأن تمثل بصورته كتمثل الملك بشرا سويا وتحقيقه أن الأرواح بعد مفارقة البدن مجردة فهي في غاية اللطافة وما كان كذلك فظهوره وتعينه في حقيقة كل متعين ومرتية وعالم إنما يكون بحسب قابلية الأمر المعين والمرتبة المقتضية تعينه وظهوره فيها ويعرف بهذا سر تجسد الأرواح الملكية وكون جبريل يسعه أدنى جزء من الأرض كحجرة عائشة رضي الله عنها مع أن له ست مئة جناح كل جناح يسد الأفق وعلى الأول فالأرواح تنتقل إلى جسم آخر وعليه اتفق العقلاء لكن هل تكون مدبرة لذلك الجسم؟ قال كثير من أهل السنة نعم وقال الحكماء لا يصح ذلك وإلا لكان تناسخا وإنما تستعمل تلك الأجرام لإمكان التخيل فيتخيل الصور التي كانت معتقدة عنده فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله خيرا شاهدت الخيرات الأخروية على حسب ما تخيلتها وإلا شاهدت العقاب كذلك وجعلوا فائدة التعلق الإفضاء بهم إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين الفائزين وأحالوا كون الجسم من جنس ما كانت فيه لئلا يلزم التناسخ ووافق محققو الصوفية على جواز كونها مدبرة لذلك الجسم ومنعوا التناسخ لأن لزومه على عدم تقدير عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه والعود الحاصل في النشأة الجنانية وإنما هذا التعلق في النشأة البرزخية (تعلق) بضم اللام أي تأكل تلك الطير بأفواهها (من ثمرة الجنة) فتجد بواسطة ريح الجنة ولذتها وبهجتها وسؤددها ما لم تحط به العقول قال الطيبي: الظاهر أن يقال تعلق بشجر الجنة وتعديته بالباء تفيد الاتصال والإلحاق ولعله كنى عن الأول لأنها إذا اتصلت بشجر الجنة وتشبثت بها أكلت من ثمارها ووصف الطير بالخضرة يحتمل أن يراد به كون لونها كذلك فيحتمل أن يراد أنها غضة ناعمة قال ابن القيم: وذا صريح في دخول الأرواح الجنة قبل القيامة وبه يمنع قول المعتزلة وغيرهم إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن <تنبيه> قال العلم البلقيني قال السبكي رضي الله عنهما سمعت عمي يعني أبا البقاء يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث " إن أرواح الشهداء إلخ " فحضر العلم العراقي فاستقر جالسا حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد حبس للأرواح وسجن فأجاب التاج السبكي بأن نلتزم الثاني وله يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما ليس في الفضاء الواسع (عجيبة) رأيت في تذكرة المقريزي بخطه في ترجمة الشاطبي عن السهيلي أن رجلا من أشياخ البلد جاءه فقال أخبرك يا أستاذ بعجيبة مات لي جار فرأيته البارحة في النوم فقلت له ما لقيت قال خيرا فأعلمك أن زوجتي يكتب صداقها غدا وتحضره أنت وأنا قلت كيف تحضر وأنت ميت قال إذا مشيت لحضور الصداق تجد في وسط الدار شجرة ريحان فإذا رأيت على غصن منها طير أخضر فهو أنا فلما أصبحت جاءني رجلان فقالا جارك فلان يزوج ابنته فدخلت الدار فرأيت الشجرة وجلست حذاءها وكتبت الصداق ووقع خلاف في بعض الشروط وإذا طائر صغير أخضر نزل على أغصانها ثم ذهب فقال أهل المجلس مالك لا تصلح بين الجماعة فقلت شغلني أمر عجيب فأخبرتهم فحلفت المرأة أن لا تزوجت أبدا (ت عن كعب بم مالك) ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2167 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 2198 - (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة) وذلك لأنهم لما بذلوا أبدانهم حتى مزقتها [ص: 423] أعداء الله شكر لهم ذلك بأن رفع محل أرواحهم وأدنى مقعدها قال في المطامح: الأصح ما ذكر في هذا الجزء من أن مقر الأرواح في السماء وأنها في حواصل طير ترتع في أشجار الجنة ولعلها مراتع مختلفة تكون الأرواح فيها بحسب درجاتها فالأعلى للأعلى وقال في النوادر: الأرواح شأنها عجيب هي خفيفة سماوية وإنما ثقلت بظلمة الشهوات فإذا ريضت النفس وتخلص الروح منها وصفت من كدورة النفس عادت لخفتها وطهارتها قال القاضي: وفيه وما قبله أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو مدرك بذاته لا يفنى بوفاة البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتأمله والتذاذه وقال الغزالي رحمه الله تعالى: الروح يطلق لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنيره به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في زوايا البيت يتحرك بحركته والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب وليس من غرض أطباء الدين شرحه بل المتعلق به غرضهم المعنى الثاني وهو اللطيفة العالية المدركة من الإنسان وهو أمر رباني عجيب يعجز أكثر العقول والأفهام عن إدراكه. وقال ابن الزملكاني: اختلف العقلاء في النفس والروح ويعنون به الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا ومنهم من يخص اسم النفس بهذا والروح بغيره وقد اضطربت المذاهب في ذلك اضطرابا كثيرا ومن يقول الروح هي النفس يحتج بقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قبض أرواحنا وقوله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} فلم يفرق بين الروح والنفس وفيه نظر والقول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن الله خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفسا وروحا فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه وقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} ولا يحسن ذكر أحدهما في محل الآخر وقد جمع السهيلي بين الظواهر المختلفة بأن الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به الحياة فإذا حصلت به الحياة كان روحا حتى يكتب أخلاقا ويقبل على مصالح الجسد فيسمى نفسا وبه يحصل الجواب عن الاحتجاج بالحدين الفارق بين الروح والنفس ثم نبه على التوسع حتى يطلق على الجسد والروح وحاصل ما ذكره يرجع إلى أن الروح لا يقال هي النفس مطلقا بل يفصل كما ذكر (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سهيل قال البخاري يتكلمون فيه وحفص بن سالم أبو مقاتل السمرقندي قال الذهبي متروك وأبو سهل حسام بن مصك متروك الحديث: 2198 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 2199 - (إن أزواج أهل الجنة) زاد في رواية من الحور (ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يظعنه انتهى فما اقتضاه صنيع المصنف من أن ما ذكر هو الحديث بكماله غير جيد (طس) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري والهيثمي ورجالهما رجال الصحيح الحديث: 2199 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 2200 - (إن أشد) وفي رواية لمسلم إن من أشد بزيادة من (الناس عذابا) نصب على التمييز (يوم القيامة) الذي هو يوم وقوع الجزاء (المصورون) لصورة حيوان تام في نحو ورق أو قرطاس أو حجر أو مدر لأن الأصنام التي كانت تعبد [ص: 424] كانت بصورة الحيوان وشمل النهي التصوير على ما يداس ويمتهن كبساط ووسادة وآنية وظرف ونمط وستر وسقف وغيرها ومن فهم اختصاص النهي بغير الممتهن فقد وهم وعجب من الإمام الطيبي مع كونه شافعيا وقع فيما ذهب إليه هذا القائل مع كون منقول مذهبه خلافه وخرج بالحيوان غيره كشجر وبالتام مقطوع نحو رأس مما لا يعيش بدونه وبتصويره على ما ذكر اسمه على نحو مائع أو هواء قال الحرالي: والتصوير إقامة الصورة وهي تمام المبادىء التي يقع عليها حسن الناظر لظهورها فصورة كل شيء تمام بدوه (حم م) من حديث مسلم بن صبيح عن مسروق (عن ابن مسعود) قال مسلم كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل مريم فقال مسروق هذي تماثيل كسرى فقلت في هذا تماثيل مريم فقال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بواسطة ابن مسعود فذكره الحديث: 2200 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 2201 - (إن أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد مكلف (باع آخرته بدنيا غيره) أي استبدل بحظه الأخروي حصول حظ غيره الدنيوي وآثره عليه فأعظم بذلك من سفاهة وأصل الاشتراء بذل الثمن ليحصل ما يطلب من الأعيان ثم استعير للأعراض عما في يده محصلا به غيره هبه من المعاني أو الأعيان ثم توسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره ثم إن هذا البائع يسمونه أخس الأخساء قال: أكلف نفسي كل يوم وليلة. . . هموم هوى من لا أفوز بخيره كما سود القصار بالشمس وجهه. . . حريصا على تبييض أثواب غيره (تخ عن أبي أمامة) وإسناده حسن الحديث: 2201 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 2202 - (إن أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا وإن أشد الناس تكذيبا) للناس (أكذبهم حديثا) فالصدوق يحمل كلام غيره على الصدق لاعتقاده قبح الكذب وإن المؤمن لا يتعمد القبيح والكذاب يتهم كل مخبر بالكذب ويكاد يجزم به لكونه ديدنه وعادته وشأنه فلا يستبعد حصوله من غيره بل يستقربه بل يقطع به (1) (أبو الحسن القزويني) بفتح القاف وسكون الزاي نسبة إلى قزوين إحدى المدائن العظيمة المشهورة خرج منها جماعة من أكابر العلماء في كل فن منهم أبو الحسن هذا وهو علي بن عمر الحربي من أهل بغداد وكان زاهدا عابدا من الأبدال وروى عن ابن مكرم وغيره وعنه خلق منهم الخطيب (في) كتاب (أماليه) الحديثية (عن أبي أمامة) الباهلي   (1) قال الشيخ لأن الإنسان يغلب عليه حالة نفسه ويظن أن الناس مثله وأشار هنا إلى الإلماح بما في قصة آدم فيما ذكره الله بقوله {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وأنهما قبلا منه لظنهما أنه لا يحلف بالله كاذبا الحديث: 2202 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 2203 - (إن أطيب طعامكم) أي ألذه وأشهاه وأوفقه للأبدان (ما) أي شيء مأكول (مسته النار) أي أفضت إليه وأصابته وأثرت فيه بنحو شيء أو طبخ أو عقد أو قلي أو غير ذلك قال في المصباح وغيره: مسسته أفضيت إليه بيدي بلا حائل كذا قيدوه ومس الماء الجسد مسا أصابه (1) (ع طب عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه   (1) قال الشيخ والكلام في اللحم لقضية السبب حيث تشاوروا عليه فذكره وفي أخرى أنه حضر اللحم فذكره الحديث: 2203 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 2204 - (إن أطيب الكسب) أي من أطيبه (كسب التجار) قال الحرالي: الكسب ما يجري من الفعل والعمل والآثار [ص: 425] على إحساس بمنة فيه وقوة عليه (الذين إذا حدثوا) أي أخبروا عن السلعة وشأنها (لم يكذبوا) في أخبارهم للمشتري بشيء من ذلك (وإذا ائتمنوا) أي وإذا ائتمنهم المشتري ونحوه في نحو كونه استخبره عن الشراء بما قام عليه أو كم رأس ماله (لم يخونوا) فيما ائتمنوا عليه (وإذا وعدوا) بنحو وفاء ديون التجارة (لم يخلفوا) اختيارا (وإذا اشتروا) سلعة (لم يذمو) ها (وإذا باعوا) سلعة (لم يطروا) (1) أي لم يتجاوزوا في مدحها الحد في الكذب فكسب التجار من أطيب الكسب بشرط مراعاة هذه الأوصاف فإذا فقد منها شيء فهو من أخبثه كما هو عادة غالب التجار الآن (وإذا كان) عليهم ديون لم يمطلوا (2) أربابها أي يسوفوا وإذا كان (لهم) ديون وتقاضوها (لم يعسروا) أي يضيقوا أو يشددوا فهذه خصال الحافظين لحدود الله الذين أخذ الله عليهم في البيعة وأعطاهم الجنة أثمان نفوسهم ولا يقدر على الوفاء بها إلا من وثق بضامن الرزق في شأن الرزق وسقط خوفه وسكنت نفسه وزال عن قلبه محبة الرزق من أين وكيف وعندها يستحق اسم التقوى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} (3) (هب عن معاذ) وفيه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة مشهور بالقدر أخرجوه من حمص وحرقوا داره   (1) يطروا بضم المثناة التحتية وسكون الطاء من الإطراء وفي القاموس أطراه أحسن الثناء عليه (2) قال في المصباح مطلت الحديدة مطلا من باب قتل مددتها وطولتها وكل ممدود ممطول ومنه مطلة بدينه مطلا سوفه ومد الوفاء مرة بعد أخرى (3) قال العلقمي أصول المكاسب الزراعة والصناعة والتجارة وأفضل ما يكتسبه من الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل ولأنها أعم نفعا ولأن الحاجة إليها أعم وفيها عمل البدن أيضا ولأنه لابد في العادة أن يؤكل منها بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل غلمانه وأجراؤه فالكسب بها أفضل ثم الصناعة لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم التجارة لأن الصحابة كانوا يكتسبون بها الحديث: 2204 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 2205 - (إن أطيب ما أكلتم) أي أحله وأهنأه (من كسبكم) يعني إن أطيب أكلكم مما كسبتموه بغير واسطة لقربه للتوكل وتعدى نفعه كذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله (وإن أولادكم من كسبكم) لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه ويسمى الولد كسبا مجازا وذلك لأن والده سعى في تحصيله والكسب الطلب والسعي في الرزق ونفقة الأصل الفقير واجبة على فرعه عند الشافعي رضي الله عنه قال وقوله من كسبكم خبر إن ومن ابتدائية يعني إن أطيب أكلكم مبتدئا بما كسبتموه بغير واسطة أو بواسطة من كسب أولادكم (تخ ت ن هـ) في البيع إلا الترمذي ففي الأحكام (عن عائشة) لكن لفظ أبي داود وابن ماجه " ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " والحديث حسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته وتارة عن أمه وهما لا يعرفان الحديث: 2205 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 2206 - (إن أعظم الذنوب) أي من أعظمها على وزان قولهم فلان أعقل الناس أي من أعقلهم (عند الله أن يلقاه بها عبد) أي أن يلقى الله بها ملتبسا (بعد الكبائر التي نهى الله عنها) في القرآن والسنة (أن يموت الرجل وعليه دين) جملة حالية (لا يدع) أي لا يترك (له قضاء) (1) قال الطيبي: قوله أن يلقاه خبر وأن يموت بدل منه لأنك إذا [ص: 426] قلت إن أعظم الذنوب عند الله موت الرجل وعليه دين استقام ولأن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت ورجل مظهر أقيم مقام العبد أو لاستبعاد ملاقاته مالكه بهذا الشين ثم إعادته بلفظ رجل وتنكيره تحقيرا وتوهينا له وإنما جعله هنا دون الكبائر لأن الاستدانة لغير معصية غير معصية والقائم بعدم وفائه بسبب عارض من تضييع حق الآدميين وأما الكبائر فمنهية لذاتها (حم د) في البيوع (عن أبي موسى) الأشعري ولم يضعفه فهو صالح وسنده جيد   (1) وهذا محمول على ما إذا قصر في الوفاء أو استدان لمعصية الحديث: 2206 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 2207 - (إن أعظم الناس) أي من أعظمهم (خطايا) جمع خطيئة وهو الإثم والذنب (يوم القيامة) يوم وقوع الجزاء (أكثرهم خوضا في الباطل) أي مشيا فيه إذ {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وكم من كلمة لا يلقى لها الخائض بالا يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفا كما سبق قال في المصباح: خاض الرجل في الماء مشى فيه وخاض في الأمر وخاض في الباطل دخل فيه. وقال الزمخشري: من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي بيطل مع المبطلين (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في الصمت) أي في كتابه الذي ألفه في فضل الصمت (عن قتادة) ابن دعامة (مرسلا) الحديث: 2207 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 2208 - (إن أعمال العباد تعرض (1)) زاد في رواية على رب العالمين (يوم الإثنين ويوم الخميس) فليستح عبد أن يعرض على من أنعم عليه من عمله ما نهاه عنه ولا يعارضه خبر رفع عمل الليل قبل النهار والنهار قبل الليل لأنها تعرض كل يوم ثم تعرض أعمال الجمعة كل اثنين وخميس ثم أعمال السنة في شعبان فيعرض عرضا بعد عرض ولكل عرض حكمة استأثر بها الله أو أطلع عليها من شاء أو المراد تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو عكسه (حم د عن أسامة بن زيد) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس فذكره   (1) ومعنى العرض هنا الظهور وذلك أن الملائكة تقرأ الصحف في هذين اليومين الحديث: 2208 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 2209 - (إن أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل) يوم (خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) أي قريب بنحو إساءة أو هجر فعمله لا ثواب فيه وإن كان صحيحا وسبق أنه لا تلازم بين الصحة وعدم القبول وهذا وعيد شديد يفيد أن قطعها كبيرة أي إن كان بما ذكر بخلاف قطعها بترك الإحسان أو نحوه فليس بكبيرة بل ولا صغيرة كما قاله العلامة الولي العراقي ويحتمل كونه صغيرة في بعض الأحوال والعشية ما بين العشاءين أو آخر النهار أو من الزوال إلى الصباح أو أول ظلام الليل أو غير ذلك وهي مؤنثة وربما ذكرت على معنى العشي قال في الاتحاف: ذكر العرض في الوقت المذكور بفهم أنه لا يقع في غيره وليس مرادا لما ورد أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس وعليه فذكر العرض المتعلق بهذا في عشية الخميس لاحتمال التخصيص بهذا العمل بترك العشية ويحتمل وهو أقرب أن الحكم بعدم القبول يؤخر إلى ليلة الجمعة في العشية المذكورة فإن رجع إلى الحق وتاب قبل العمل عشية الخميس وإلا رد وفيه إشارة إلى أن الشخص ينبغي له تفقد نفسه في تلك العشية ليلقى ليلة الجمعة على وجه حسن (حم خد عن أبي هريرة) قال الهيثمي كالمنذري رجاله ثقات الحديث: 2209 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 [ص: 427] 2210 - (إن أغبط الناس عندي) في رواية إن أغبط أوليائي أي أحسنهم حالا (لمؤمن خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي قليل المال خفيف الظهر من العيال (ذو حظ من الصلاة) أي ذو راحة من مناجاة الله فيها واستغراق في المشاهدة ومنه خبر أرحنا يا بلال بالصلاة (أحسن عبادة ربه) تعميم بعد تخصيص والمراد إجادتها على الإخلاص وعليه فقوله (وأطاعه في السر) عطف تفسيري على أحسن (وكان غامضا في الناس) أي مغمورا غير مشهور (لا يشار إليه) أي لا يشير الناس إليه (بالأصابع) بيان وتقرير لمعنى الغموض (وكان رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد ولا ينقص (فصبر على ذلك) بين به أن ملاك ذلك كله الصبر وبه يقوى على الطاعة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} (عجلت منيته) أي سلت روحه بالتعجل لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شغفه بالآخرة (وقل تراثه (1)) وزاد في رواية وقلت بواكيه: أي لقلة عياله وهوانه على الناس وعدم احتفالهم به قال ابن عربي: هؤلاء هم الرجال الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها رجال اقتطعهم الله إليه وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة وليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبهم فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة لا يعرفون بخرق عادة ولا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة فهم الأتقياء الأمناء في العالم الغامضون في الناس والأولياء الأكابر إذا تركوا أنفسهم لم يختر أحد منهم الظهور أصلا لعلمهم بأنه تعالى إنما خلقهم له فشغلوا أنفسهم بما خلقوا له فإن أظهرهم الحق بغير اختيار منهم بما يجعل في قلوب الخلق لهم فذلك إليه ما لهم فيه عمل وإن سترهم فلم يجعل لهم في قلوب الناس قدرا يعظمونهم من أجله فذلك إليه سبحانه فلا اختيار لهم مع اختيار الحق فإن خيرهم اختاروا الستر والانقطاع إليه (تتمة) قال ابن عطاء الله: لا تنسبن نفسك لعفاف ولا لتقلل وكفاف ولكن اشهد فضل الله عليك (حم ت هـ ك) في الأطعمة وصححه (عن أبي أمامة) قال ابن القطان وأخطأ من عزاء لأبي هريرة قال في المنار: وهو ضعيف إذ يرويه عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم وهم ضعفاء اه قال الذهبي عقب تصحيح الحاكم له بل هو إلى الضعف ما هو قال الحافظ العراقي رواه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين وقال ابن الجوزي حديث لا يصح رواته ما بين مجاهيل وضعفاء ولا يبعد أن يكون معمولهم اه   (1) أي المال الذي خلفه وهذا صفة أويس الفرني وأضرابه من أهل الظاهر وفي الأولياء من هو أرفع درجة من هؤلاء وهو عبد قد استعمله الله فهو في قبضته به ينطق وبه يبصر وبه يسمع وبه يبطش جعله صاحب لواء الأولياء وأمان أهل الأرض ومنظر أهل السماء وخاصة الله وموقع نظره ومعدن سره وسوطه يؤدب به خلقه ويحيي القلوب الميتة برؤيته وهو أمير الأولياء وقائدهم والقائم بالثناء على ربه بين يدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يباهي به الملائكة وهو القطب الحديث: 2210 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 2211 - (إن أفضل الضحايا) جمع أضحية وضحية (أغلاها) بغين معجمة (وأسمنها) أكثرها شحما ولحما يعني التضحية بها أكثر ثوابا عند الله تعالى من الهزيلة كما سبق تقريره قال الشافعية والأسمن أفضل من العدد وكثير اللحم غير الرديء خير من كثير الشحم <تنبيه> قال في المصباح: الأضحية فيها لغات ضم الهمزة في الأكثر وهي في تقدير أفعولة وكسرها اتباعا لكسرة الحاء والجمع أضاحي والثالثة ضحية والجمع ضحايا كعطية وعطايا والرابعة أضحاه بفتح الهمزة [ص: 428] والجمع أضحى ومنه عيد الأضحى وضحى تضحية ذبح الأضحية وقت الأضحى هذا أصله ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت شاء من أيام التشريق (حم ك عن رجل) من الصحابة الحديث: 2211 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 2212 - (إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله) أي يقصد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى يعني هو أكثر الأعمال ثوابا وسبق الجمع بينه وبين نحو خبر أفضل الأعمال الصلاة (طب عن بلال) المؤذن الحديث: 2212 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 2213 - (إن أفضل عباد الله يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وكشف الغطاء ونتيجة الأمر (الحمادون) لله أي الذين يكثرون حمد الله أي وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخلق على السراء والضراء فهو المستحق للحمد من كافة الأنام حتى في حال الانتقام قال في الكشاف والتحميد في الجنة على وجه اللذة لا الكلفة (طب عن عمران بن حصين) بالتصغير الحديث: 2213 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 2214 - (إن أفواهكم طرق للقرآن) أي للنطق بحروف القرآن عند تلاوته (فطيبوها بالسواك) أي نظفوها لأجل ذلك باستعمال آلة السواك المعروفة إظهارا لشرف العبادة ولأن الملك يضع فمه على فم القارىء فيتأذى بالريح الكريه قال الغزالي: وينبغي أن ينوي بالسواك تطهير فمه للقراءة زذكر الله في الصلاة هذا لفظه <تنبيه> أخذ بعض الصوفية من هذا أنه كما شرع تنظيف الأفواه للقراءة من الدنس الحسي يشرع من القذر المعنوي فيتأكد لحملة القرآن صون اللسان عن نحو كذب وغيبة ونميمة وأكل حرام إجلالا لكلام الملك العلام ولهذا قال بعضهم: طهروا أفواهكم للقراءة فإن من يدنس فمه بطعام أو كلام حرام كمن يكتب القرآن على نجاسة والقوم يشهدون القذر الحكمي كالحسي فيرون تضمخ اللسان مثلا بدم اللثة أخف من تضمخه بغيبة ونميمة (أبو نعيم) الحافظ (في كتاب) فضل (السواك) له (والسجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين وهو عند أبي نعيم من حديث بحر بن كثير السقا قال الذهبي في الضعفاء اتفقوا على تركه عن عثمان بن عمر وابن ساج أورده أيضا في الضعفاء وقال: تكلم فيه عن سعيد بن جبير عن علي قال الديلمي: وسعيد ولم يدرك عليا اه. فعلم أن فيه ضعفا وانقطاعا ورواه ابن ماجه موقوفا على علي وهو أيضا ضعيف وقد بسط مغلطاي ضعفه ثم أفاد أنه وقف عليه من طرق سالمة من الضعفاء عن علي مرفوعا بلفظ إن العبد إذا قام يصلي وقد تسوك أتاه الملك فقام خلفه فلا يخرج من فيه شيء إلا دخل جوف الملك فطهروا أفواهكم بالسواك اه الحديث: 2214 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 2215 - (إن أقل ساكني الجنة النساء) أي في أول الأمر قبل خروج عصاتهن من النار فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة وقال بعض المحققين: القلة يجوز كونها باعتبار ذواتهن إذا أريد ساكني الجنة المتقدمين في دخولها وكونها باعتبار سكناهن بأن يحبس في النار كثيرا فيكون سكناهن في الجنة قليلا بالنسبة لمن دخل قبلهن وإنما قلنا ذلك لأن السكنى في الجنة غير متناهية فلا توصف بقلة ولا كثرة (حم م عن عمران بن حصين) الحديث: 2215 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 2216 - (إن أكبر الإثم عند الله) أي أعظمه عقوبة عليه (أن يضيع الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد كل من تلزمه نفقة غيره (من [ص: 429] يقوت) أي من عليه قوته أي تلزمه مؤونته من نحو زوجة وأصل وفرع وخادم بترك الإنفاق عليهن مع اليسار وفقد الأعذار والمراد أن ذلك من أكبر الآثام لا الأكبر مطلقا فقتلهم أكبر جرما من عدم إنفاقهم وتجويعهم وتقدم لذلك نظائر (طب عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 2216 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 2217 - (إن أكثر) بثاء مثلثة (الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) لفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه في الآخرة بدل القيامة فليحرر فإن بعض الناس يعذب يوم القيامة بالجوع وبعضهم يؤذن له في الأكل من أرض المحشر التي هي خبزة بيضاء ومقصود الحديث التنفير من الشبع لكونه مذموما فإن من كثر أكله كثر شربه فكثر نومه فتلبد ذهبه فقسا قلبه فكسل جسمه ومحقت بركة عمره ففتر عن عبادة الودود فطرد يوم القيامة عن مناهل الورود فإن لم يحفه لطف المعبود ورد النار وبئس الورد المورود وحكم عكسه عكس حكمه فمن اشتغل قلبه بما يصير إليه من الموت وما بعده منعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته فجاء يوم القيامة شبعان وفوائد الجوع العاجلة والآجلة المتكلفة بالرفعة في الدارين لا تحصى فإن أردت الوقوف عليها فعليك بنحو الإحياء ولا يعارضه خبر أنهم أكلوا عند أبي الهيثم حتى شبعوا لأن المنهي عنه الشبع المثقل للمعدة المبطىء بصاحبه عن العبادة كما تقرر والقسطاس المستقيم ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. <تنبيه> ذكروا أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة: الأول ما تقوم به الحياة والثاني يزيد حتى يصوم ويصلي من قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقدر على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مندوبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد عليه وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهو البطنة المنهي عنها وهذا حرام. قال ابن حجر: ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني (خاتمة) قال العارف ابن عربي: أركان الطريق أربعة الصمت والجوع والعزلة والسهر وينشأ عن هذه الأربعة معرفة الله والنفس والدنيا والشيطان فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق وعن نفسه وصمت عن ذكره بذكر ربه وأعرض عن الغذاء الجسماني وسهر عند نوم النائمين واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة تبدلت بشريته ملكية وعبودية سيادة وعقله حسا وغيبته شهادة وباطنه ظاهرا وإذا رحل عن موضع وترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أهل ذلك الموطن فإن ظهر شوق من أناسي ذلك الموطن شديد لذلك الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تكسها بدله فكلمتهم وكلمته وهو غائب (هـ ك عن سليمان) وفيه عند ابن ماجه محمد بن الصباح قال في الكاشف وثقه أبو زرعة وله حديث منكر وزيد بن وهب قال في ذيل الضعفاء ثقة مشهور وقال النسوي في حديثه خلل كبير وقال ابن حجر أخرجه ابن ماجه عن سليمان بسندين وخرجه عن ابن عمر بنحوه وفي سنده مقال وخرجه البزار عن أبي جحيفة بسند ضعيف الحديث: 2217 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 2218 - (إن أكثر) بمثلثة بخط المؤلف (شهداء أمتي لأصحاب الفرش) أي الذين يألفون النوم على الفراش ولا يهاجرون الفراش ويتصدون للغزو. قال الحكيم هؤلاء قوم اطمأنت نفوسهم إلى ربهم وشغلوا به عن الدنيا وتمنوا لقاءه فإذا حضرهم الموت جادوا بأنفسهم طوعا وبذلوها له إيثارا لمحبته على محبتها فهم ومن قتل في معركة الكفار سيان فينالون منازل الشهداء لأن الشهداء بذلوا أنفسهم ساعة من نهار وهؤلاء بذلوها طول الأعمار (ورب قتيل بين الصفين) في قتال الكفار بسببه (الله أعلم بنيته) هل هي نية إعلاء كلمة الله وإظهار دينه أو ليقال شجاع باسل أو لينال حظا وافرا من الغنائم أو يكثر ماله ليطلب الملك والرياسة وغير ذلك من المقاصد التي لا يطلع عليها إلا المطلع على الضمائر. [ص: 430] <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله (حم عن ابن مسعود) جزم المصنف بعزوه لأحمد عن ابن مسعود غير جيد وذلك لأن أحمد إنما قال عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمدا خبره وكان من أصحاب ابن مسعود أنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال الهيثمي: هكذا رواه أحمد ولم أره ذكر ابن مسعود والظاهر أنه مرسل وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات اه نعم قال ابن حجر في الفتح الضمير في قوله أنه لابن مسعود فإن أحمد خرجه في مسند ابن مسعود قال ورجال سنده موثقون الحديث: 2218 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 2219 - (إن أمامكم) في رواية ورائكم (عقبة) أي جبل (كؤود) بفتح الكاف أي شاقة المصعد (لا يجوزها المثقلون) من الذنوب المتضمخون بأدناس العيوب أي إلا بمشقة عظيمة وكرب شديد بل من طهر قلبه عن الأخلاق الذميمة وعمره بالخصال الحميدة وكلما غدا المطلب وشرف صعب مسلكه وطال منهجه وكثرت عقباته وشقت مقاساته وتلك العقبة هي الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله ثم الحساب ثم الجنة أو النار. قال ذو النون: حق لابن آدم أن تبكي السماوات والأرض لخفاء السابقة وإبهام العاقبة ومطالبة الشريعة وثقل التكليف وسقوط العذر وكثرة ما أمامه من العقبات وكما أن أمام ابن آدم عقبات أخروية فأمامه قبلها عقبات دنيوية. قال حجة الإسلام: وهي سبع مترتبة عقبة العلم وعقبة التوبة وعقبة العوائق وعقبة البواعث وعقبة الفوادح وعقبة الحمد والشكر وشرح ذلك مما لا يحتمل المقام بعضه (هب ك) في الفتن عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) وقال صحيح وأقره الذهبي وسببه كما في الطبراني قالت أم الدرداء لأبي الدرداء ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فساقه ثم قال فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 2219 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 2220 - (إن أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة والمراد المتوضئون منهم (يدعون) بضم أوله أي ينادون أو يسمون. قال الراغب: الدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قيل يا من غير أن ينضم إليه الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان قد يستعمل كل منهما محل الآخر ويستعمل استعمال التسمية كدعوت ابني زيدا أي سميته (يوم القيامة) أي موقف الحساب أو الميزان أو الصراط والحوض أو غير ذلك (غرا) بضم فتشديد جمع أغر أي ذو غرة والغرة بالضم بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم شبه به ما يكون لهم من النور في الآخرة وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو حال أي أنهم إذا دعوا يوم التنادي على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف أو كانوا على هذا النعت. قال الطيبي: ولا تبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر كما يسمى رجل به حمرة الأحمر للمناسبة بين الاسم والمسمى (محجلين) من التحجيل وهو بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في غيره قل أو كثر بعد ما يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين (من آثار الوضوء) بضم الواو وجوز القشيري فتحها على أنه الماء ولا دلالة في هذا على أن الوضوء من خصائصنا بل الغرة والتحجيل خاصة بدليل ما رواه البخاري في قصة سارة (1) فقامت تتوضأ وقصة جريح الراهب قام فتوضأ وأما خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء مع قبلي مع احتمال أنه من خصائص الأنبياء لا أممهم كما مر بسطه فضعيف (فمن استطاع) أي قدر (منكم) أيها المؤمنون (أن يطيل غرته) أي وتحجيله على وزن {سرابيل تقيكم الحر} [ص: 431] واقتصر على الغرة لشمولها للتحجيل على ما عليه كثير أو لأن محلها أشرف الأعضاء وأول ما يقع عليه النظر وزعم أنه كنى بالغرة عن التحجيل لعدم إمكان غسل زيادة في الوجه باستلزامه قلب اللغة وما نفاه ممنوع بإمكان غسله إلى صفحة العنق ومقدم الرأس ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على الغرة والتحجيل معا متوقف على ثبوت وروده وأنى به (فليفعل) أي فليفعل الإطالة بأن يغسل مع وجهه من مقدم رأسه وعنقه زائدا على الواجب وما فوق الواجب من يديه ورجليه واعلم أن الاستطاعة إذا أضيفت للعبد فهي والقدرة والقوة بمعنى عند أهل الأصول وهي نوعان أحدهما سلامة الأسباب والآلات وهي متقدمة على الفعل إجماعا وحدها التهيؤ لتنفيذ الفعل عن إرادة المختار والثاني حقيقة القدرة وهي نوع جدة يترتب على إرادة الفعل إرادة جازمة مؤثرة في وجوده والاستطاعة هنا من الطراز الأول ومعناه من قدر منكم أن يعرف ويشتهر في عرصات القيامة وينادى بذلك فليفعل تلك الإطالة فحذف المفعول اختصارا وفيه رد على منع ندب إطالتهما كالأئمة الثلاثة وتأويلهم الإطالة المطلوبة بإدامة الوضوء عورض بأن الراوي أدرى بما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع ونقل ابن تيمية وابن القيم وابن جماعة عن جمع من الحفاظ أن قوله فمن استطاع إلى آخره زيادة مدرجة من كلام أبي هريرة وقال ابن حجر: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير زيادة نعيم هذه (ق) في الطهارة (عن أبي هريرة) لكن قال مسلم يأتون بدل يدعون وسببه كما في مسلم أن نعيم بن عبد الله رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى بلغ إلى الساقين ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره   (1) أي مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا الوضوء الحديث: 2220 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 2221 - (إن أمتي) أي أمة الإجابة (لن) وفي لفظ لا (تجتمع على ضلالة) ومن ثم كان إجماعهم حجة (فإذا رأيتم اختلافا) في أمر الدين كالعقائد والدنيا كالتنازع في شأن الإمامة العظمى أو نحو ذلك (فعليكم بالسواد الأعظم) من أهل الإسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه فمن خالف مات ميتة جاهلية (هـ عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الدارقطني في الأفراد وابن أبي عاصم واللالكائي قال ابن حجر رحمه الله تعالى: حديث تفرد به معاذ بن رفاعة عن أبي خلف ومعاذ صدوق فيه لين وشيخه ضعيف الحديث: 2221 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 2222 - (إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا) وفي رواية بدله مواتيا (حتى يتكلموا في الولدان والقدر) بالتحريك أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم وأما الولدان فيحتمل أن أراد بهم أولاد المشركين هل هم في النار مع آبائهم أو في الجنة ويحتمل أن المراد البحث عن كيفية حال ولدان الجنان ويحتمل أنه كناية عن اللواط ولم أر في ذلك شيئا (طب) وكذا البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أولى الحديث: 2222 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 2223 - (إن أمين هذه الأمة) أي الثقة الرضي (أبو عبيدة) عامر (بن الجراح) قد شاركه غيره من الصحب في الأمانة لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليه وكان أخص بها وناهيك بمن قال عمر رضي الله [ص: 432] عنه في حقه عند عهده بالخلافة: لو كان حيا (1) لاستخلفته (2) (وإن حبر هذه الأمة) بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح أي عالمها (عبد الله ابن عباس) ترجمان القرآن كيف لا وقد دعا له المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (خط عن) عبد الله (ابن عمر) ابن الخطاب وفيه كوثر بن حكيم قال الذهبي في الضعفاء تركوه وضعفوه اه وساقه في الميزان في ترجمة الحسن بن محمد البغدادي وقال هذا باطل وقال في اللسان هذا لا ذنب فيه للحسين والحمل فيه على كوثر فإنه متهم بالكذب   (1) أي لأنه توفي في طاعون عمواس بالأردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك سنة ثمان عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان رضي الله عنه يسير في العسكر فيقول ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن ولما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسين ورحلة فقال له عمر ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقبل وقال عمر لأصحابه به تمنوا فقال رجل أتمنى أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح اه من صفة الصفوة لابن الجوزي (2) تتمته كما في صفة الصفوة فإن سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح الحديث: 2223 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 2224 - (إن أناسا من أمتي) أمة الإجابة (يأتون بعدي) أي بعد موتي (يود) أي يحب ويتمنى (أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله) هذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد وجد في كل عصر من يود ذلك ممن لا يحصى حتى قال بعض الأكابر: لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عشت ذلك اليوم (ك) في المناقب (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2224 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 2225 - (إن أناسا من أمتي يستفقهون في الدين) أي يتفقهون في أحكامه فيصيرون فقهاء (ويقرأون القرآن ويقولون) أي يقول بعضهم لبعض (نأتي الأمراء) أي ولاة أمور الناس (فنصيب من دنياهم) حظا يعود نفعه علينا (ونعتزلهم بديننا) فلا نوافقهم على ارتكاب المعاصي (ولا يكون ذلك) أي السلامة من ارتكاب الآثام مع مخالطتهم والإصابة من دنياهم (كما لا يجتني من القتاد) شجر كثير الشوك ينبت بنجد وتهامة وفي المثل دونه خرط القتاد (إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا) لأن الدنيا خضرة وحلوة وزمامها بأيدي الأمراء ومخالطهم لا ينفك عن التكلف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم وتحسين حالهم لهم مع ما هم عليه من الظلم وذلك هو السم القاتل فمخالطتهم مفتاح لعدة شرور. قال الغزالي: إذا مالت قلوب العلماء إلى الدنيا وأهلها سلبها الله ينابيع الحكمة وأطفأ مصابيح الهدى من قلوبهم (د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 [ص: 433] 2226 - (إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل) أي نأمر بالمعروف ولا نأتمر وننهى عن المنكر ونأتيه والحديث ناع على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث فعله (1) ولهذا قال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم ولا يعمل كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وروي أن رجلا كان يخدم موسى عليه السلام وكان يعظه فلم يتعظ فدعا عليه فخرج ففقده فلم يجد له أثر حتى جاء رجل وبيده خنزير بحبل في عنقه فقال أتعرف فلانا؟ هو ذا فسأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن يرده لحاله فيسأله فأوحى الله إليه لو دعوتني بما دعاني آدم فمن دونه ما أجبتك فيه لكن أخبرك أنه كان يطلب الدنيا بالدنيا قال العارف البسطامي: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم وخطره قال الغزالي رحمه الله: وإياك أن يزين لك الشيطان فيقول إذا كان ورود هذا الخطر العظيم في العلم فتركه أولى فلا تظنن ذلك فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلعت ليلة المعراج على النار فرأيت أكثر أهلها الفقراء قالوا من المال؟ قال لا من العلم فمن لم يتعلم العلم لا يمكنه إحكام العبادة والقيام بحقوقها ولو أن رجلا عبد الله بعبادة ملائكة السماء بغير علم كان من الخاسرين فتشمر في طلب العلم والتلقين والتدريس واجتنب الكسل والملال وإلا فأنت في خطر الضلال (طب عن الوليد بن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف وهو ابن أبي معيط الأموي أخو عثمان لأمه من الطلقاء استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وولى الكوفة ولما قتل أخوه اعتزل الفتنة بالرقة. قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن حكيم الداهري ضعيف جدا انتهى وسبقه الذهبي فقال: الداهري متهم   (1) وفي قصة الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأناس تقرض شفاههم وألسنتهم بالمقاريض فقال صلى الله عليه وسلم من هؤلاء فقال له جبريل هؤلاء خطباء السوء من أمتك يقولون ما لا يفعلون الحديث: 2226 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 2227 - (إن أنواع البر نصف العبادة والنصف الآخر الدعاء) أي الصلاة فهي أعظم أنواع البر بحيث بلغت لعظمتها أنه لو وضع ثوابها في كفة ووضع ثواب جميع أنواع العبادات في كفة لعادلتها وحدها واحتمال إجرائه على ظاهره من إرادة حقيقة الدعاء يحتاج إلى تعسف في التوجيه (1) (ابن صصري في أماليه) الحديثية (عن أنس) بن مالك   (1) وحمله العزيزي على ظاهره فإنه قال فلو وضع ثوابه في كفة ووضع ثواب جميع العبادات في كفة لعادلها وهذا خرج على منهج المبالغة في مدحه والحث عليه الحديث: 2227 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 2228 - (إن أهل الجنة ياكلون فيها ويشربون) أي يتنعمون فيه بالأكل وغيره تنعما لا آخر له على هيئة نعيم الدنيا لكن لا نسبة بينهما في اللذة والنفاسة (و) لكن (لا يتفلون) بكسر الفاء وضمها يبصقون (ولا يبولون ولا يتغوطون) كما لأهل الدنيا (ولا يتمخطون) أي لا يكون لهم مخاط (ولكن طعامهم ذلك) أي رجيع طعامهم الذي يطعمونه (جثاء) كغراب صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع (ورشح كرشح المسك) وعرق يخرج من أبدانهم رائحته كرائحة المسك في الذكاء يعني أن العرق الذي يترشح منهم ريحه كالمسك وهو قائم مقام التغوط والبول من غيرهم لما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لا عجم لها ولا ثقل لم تكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ فعبر عنها بالمسك الذي هو أطيب طيب الدنيا. قال السمهودي: وهذه الصفات لا تختص بالزمرة الأولى التي اقتصر عليها في إحدى روايات [ص: 434] الصحيح قال ونعيم أهل الجنة ولباسهم وطعامهم ليس عن دفع ألم يعتريهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة وحكمته أنه تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم عليه ما لم يعلمه إلا هو (يلهمون التسبيح والتحميد) أي يوفقون لهما والإلهام إلقاء شيء في النفوس يبعث على فعل أو ترك (كما تلهمون) بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم (النفس) بفتح الفاء بضبط المصنف وفي نسخة التنفس بزيادة تاء قبل النون وهي من زوائد النساخ إذ لا وجود لها في خط المصنف يعني يعني لا يتعبون من التسبيح والتهليل كما لا تتعبون أنتم من التنفس ولا يشغلهم شيء عن ذلك كالملائكة أو أراد أنها تصير صفة لازمة لا ينفكون عنها كالتنفس اللازم للحيوان وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم تنعمت برؤيته وغمرتهم سوابغ نعمته فامتلأت قلوبهم بمحبته وألسنتهم ملازمة لذكره رهينة لشكره ومن أحب شيئا أكثر من ذكره (حم م د عن جابر) قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم قال إن الذي يشرب يكون له الحاجة الجنة مطهرة فذكره الحديث: 2228 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 2229 - (إن أهل الجنة يتراءون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف) أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة (كما يتراءون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية (1) وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة (الكواكب في السماء) يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض. قال الزمخشري: والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي   (1) وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين الحديث: 2229 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 2230 - (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون) أنتم يا أهل الدنيا فيها (الكوكب الدري) بضم فكسر مشددا نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره (الغابر) بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والمراد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى (فائدتان) إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة: إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات [ص: 435] (في) رواية لمسلم من (الأفق) متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا (من المشرق والمغرب) شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد (لتفاضل ما بينهم) يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار. ذكره الطيبي (حم ق) في صفة الجنة (عن أبي سعيد) الخدري (ت هـ عن أبي هريرة) وحسنه وقضية صنيع المؤلف أن ما أورده هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح البخاري قالوا يا رسول الله تلم منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين انتهى بنصه الحديث: 2230 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 2231 - (إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم) منزلة (كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء) أي طرفها (وإن أبا بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (منهم وأنعما) أي زادا في الرتبة وتجاوزا تلك المنزلة فقوله وأنعما عطف على المقدر في منهم أي أنهما استقرا منهم وأنعما وقيل أراد بأنعما صارا إلى النعيم (1) وسيلقاك لهذا تتمة على الأثر (حم ت هـ حب عن أبي سعيد) الخدري (طب عن جابر بن سمرة) قال الهيثمي فيه الربيع بن سهل الواسطي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) بن العاص (وعن أبي هريرة) رضي الله عنهما وذكر الديلمي أن الشيخين خرجاه   (1) أي ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال وفي بعض طرق الحديث قيل ما معنى وأنعما قال وأهل ذلك هما الحديث: 2231 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 2232 - (إن أهل عليين يشرف) أي ينظر ويعلو (أحدهم على الجنة) أي لينظر إليها من محل عال قال في الصحاح وغيره: الشرف العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي عال وأشرف عليه اطلع من فوق (فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا) فأصل ألوان أهل الجنان البياض كما في الأوسط والصغير للطبراني بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعا في وصفهم جرد بيض جعد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين وعند الطبراني من حديث ابن عمر جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل واستفهم فقال فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام (وإن أبا بكر وعمر منهم) أي من أهل عليين (وأنعما) قال الزمخشري: كلمة نعم استعملت في حمد كل شيء واستجادته وتفضيله على جنسه ثم قيل إذا عملت عملا فأنعمه أي فأجده وجيء به على وجه [ص: 436] يثني عليه بنعم العمل هذا ومنه دق الدواء دقا ناعما ودقه فأنعم دقه ومنه قوله هنا وأنعما أي فضلا وزادا على كونهما من جملة أهل عليين انتهى (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2232 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 2233 - (إن أهل الجنة يتزاورون) أي يزور بعضهم بعضا فيها (على النجائب) جمع نجيبة قال الأزهري: وهي عتاق الإبل التي يسابق عليها انتهى وبه يتبين سر تعبيره بالنجائب دون النوق (بيض) صفة النجائب (كأنهن الياقوت) أي الأبيض إذ هو أنواع (وليس في الجنة شيء من البهائم) جمع بهيمة (إلا الإبل والطير) أي بسائر أنواعها فإن قلت: سيجيء في خبر إن فيها الخيل أيضا وذلك يعارض الحصر المذكور هنا قلت: ويمكن التوفيق بأنها جنان متعددة فبعضها ليس فيها من البهائم إلا ذينك وبعضها فيه خيل فقط والبعض فيه الكل والبهيمة تطلق ويراد بها كل ذات أربع من دواب البر والبحر ويطلق ويراد كل حيوان لا يميز (طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي رحمه الله: وفيه جابر بن نوح وهو ضعيف الحديث: 2233 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 2234 - (إن أهل الجنة يدخلون على الجبار) سبحانه (كل يوم مرتين) أي في مقدار كل يوم من أيام الدنيا مرتين فإن قلت: ما حكمة تعبيره هنا بالجبار دون غيره من الأسماء والصفات قلت: لأن الجبار إما من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله وهو تلافي خلل المؤمنين بالعفو عن مسيئهم ورفع درجات مقصريهم في الأعمال وإما من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم فهو أعلى العباد فهو إشارة إلى أنهم يؤذن لهم في العروج إلى حضرة عالية المنار رفيعة المقدار وبذلك علم أن الدخول لا في مكان بل تجوز به على مشاكلة ما للملوك (فيقرأ عليهم القرآن) زاد في رواية فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك (وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه) أي الذي يستحق أن يكون مجلسا له على قدر درجته (على منابر) جمع منبر (الدر والياقوت والزمرد (1) والذهب والفضة) يحتمل أن المراد أن المنابر منها ما هو لؤلؤ ومنها ما هو ياقوت وهكذا وأن المراد كل منبر مركب من جميع المذكورات ولا مانع أن المراد أن منها ما هو بسيط ومنها ما هو مركب ثم إن جلوسهم عليها يكون (بالأعمال) أي بحسبها فمن يبلغ به عمله أن يكون كرسيه ذهبا جلس على الذهب ومن يقصر عنه يكون على الفضة وهكذا فرفع الدرجات في الجنة بالأعمال ونفس الدخول بالفضل (فلا تقر أعينهم قط) أي تسكن سكون سرور (كما تقر بذلك) أي بجلوسهم ذلك المجلس وسماعهم للقرآن. قال في الصحاح وغيره: قرت عينه تقر بكسر القاف وبفتحها ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا يطمح إلى ما فوقه ويقال حتى تبرد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة وفي المصباح: قرت العين قرة بالضم وقرورا بردت سرورا قال الزمخشري: ومن المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر عيني أن أراك انتهى. (ولم يسمعوا شيئا أعظم منه) في اللذة والسرور والطرب (ولا أحسن منه) في ذلك (ثم ينصرفون) راجعين (إلى رحالهم) جمع رحل وهو المنزل (وقرة أعينهم) أي سرورهم ولذتهم بما هم فيه من النعيم المقيم (ناعمين) أي منعمين [ص: 437] (إلى مثلها) أي إلى مثل تلك الساعة (من الغد) فيدخلون على الجبار أيضا وهكذا إلى ما لا نهاية له فإن قلت: قوله هنا يدخلون عليه في كل يوم مرتين ويقرأ عليهم إلى آخره قد يعارضه ما في الخبر المار أنهم إنما يدخلون عليه في كل أسبوع مرة يوم الجمعة قلت: قد يمكن الجواب بأن الدخول اليومي للجلوس بالحضرة وسماع القراءة مع وجود الحجاب عن النظر والدخول الأسبوعي للرؤية فلا تعارض أو أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقامات قال ابن عطاء الله قال البسطامي إن في الجنة أناسا إذا حجب المولى عنهم طرفة عين استغاثوا كما يستغيث أهل النار من النار (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي   (1) الزمرد بثقل الراء مضمومة والذال معجمة هو الزبرجد والدال المهملة تصحيف الواحدة زمردة الحديث: 2234 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 2235 - (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) أراد علماء طريق الآخرة (وذلك أنهم يزورون الله في كل جمعة) أي مقدارها من الدنيا وهذه زيارة النظر كما نقرر وتلك زيارة سماع القرآن ولم أر من تعرض لذلك (فيقول لهم تمنوا علي ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء) أي يعطفون عليهم ويصرفون وجوههم إليهم قال في المصباح: التفت بوجهه ولفته صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال وقال الزمخشري: لفت رداءه على عنقه عطفه (فيقولون ماذا نتمنى فيقولون تمنوا عليه كذا وكذا) الظاهر أن المراد أنهم يقولون لطائفة تمنوا عليه كذا وكذا فيأمرون كل طائفة بسؤال يليق بحالهم ويختلف ذلك باختلاف طبقاتهم ومقاماتهم (فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا) (1) قال حجة الإسلام رحمه الله تعالى: فيه إشارة إلى أن ما كل أحد يحسن أن يتمنى على الله ولا أن يدعوه في الدنيا والآخرة فالأولى أن لا يجاوز الإنسان في طلبه المأثور فإنه إذا جاوزه ربما اعتدى فسأل الله ما لا يقتضيه مصلحته (ابن عساكر) في ترجمة صفوان الثقفي (عن جابر) وفيه مجاشع بن عمر قال ابن معين أحد الكذابين وقال البخاري منكر مجهول وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال وهذا موضوع ومجاشع هو راوي كتاب الأهوال والقيامة وهو جزآن كله موضوع انتهى وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر المذكور   (1) قال الشيخ: وفي البدور للمؤلف بعد ذكر هذا وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن عبد الرحمن قال: بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا فتأتيهم الرسل من قبل ربهم فيقولون سلوا ربكم فيقولون ما ندري ما نسأل ثم يقول بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى العلماء الذين كانوا إذا أشكل علينا في الدنيا شيء أتيناهم فيأتون العلماء فيقولون إنه قد أتانا رسل ربنا تأمرنا أن نسأل فما ندري ما نسأل فيفتح الله على العلماء فيقولون لهم سلوا كذا سلوا كذا فيسألون فيعطون الحديث: 2235 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 2236 - (إن أهل الفردوس) هو وسط الجنة وأعلاها (يسمعون أطيط) أي تصويت (لعرش) لأنه سقف الفردوس كما في خبر آخر والحديث مسوق لبيان غاية رفعة الفردوس وأهله وأنهم في أسنى المناصب وأرفع المراتب والأطيط صهيل نحو الخيل أو حنين أصوات الإبل والخيل يقولون شجاني أطيط الركاب وفي الحديث أيضا ليأتين على باب الجنة زمان وله أطيط قال الزمخشري: ومن المجاز أطت بكم الرحم أي رقت وحنت (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 2236 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 2237 - (إن أهل البيت) من بيوت الدنيا (يتتابعون) أي يقع أثر بعضهم على بعض (في النار) أي في نار جهنم يوم القيامة [ص: 438] (حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها (وإن أهل البيت يتتابعون في الجنة حتى ما) في رواية حتى لا (يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها وذلك لأن لكل مؤمن صالح يوم القيامة شفاعة فإذا كان في أهل البيت من هو موسوم بالصلاح شفع في أهل بيته فأدخلوا الجنة فإذا لم يكن فيهم من هو كذلك عمهم العقاب ولأنهم غالبا يتطابقون في الاعتقاد والأعمال وذلك الارتباط كما يكون في الدنيا يكون في الآخرة والأول أوجه (طب عن أبي جحيفة) بالتصغير واسمه وهب بن عبد الله قال أخبرت أن أهل الجنة إلى آخره هذا لفظ رواية الطبراني وظاهره أنه غير مرفوع خلاف ما جرى عليه المصنف من رفعه لكن هذا مما لا مجال للرأي فيه فالإخبار إما من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي عنه قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريق كثير ولم ينسبه عن أبي جحيفة ولم أعرف كثيرا هذا وبقية رجاله ثقات الحديث: 2237 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 2238 - (إن أهل النار) نار جهنم (ليبكون) أي بكاء الحزن (حتى لو أجريت) بالبناء للمجهول (السفن) جمع سفينة وهي معروفة (في دموعهم لجرت) لكثرتها ومصيرها كالبحر العجاج والجري إسراع حركة الشيء ودوامها (وإنهم ليبكون الدم) أي يبكون بدموع لونها لون الدم لكثرة حزنهم وطول عذابهم وهل هذا البكاء قبل دخولهم النار أو بعده ومن البين أن المراد بأهل النار بحيث أطلقوا الكفار الذين هم مخلدون لا من يدخلها من عصاة المؤمنين وبمثل هذا يقال في الخبر الآتي وما أشبهه (ك) في الأهوال (عن أبي موسى) الأشعري وقال صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2238 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 2239 - (إن أهل النار يعظمون في النار) أي في جهنم (حتى يصير ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه) أي محل الرداء من منكبه يذكر ويؤنث في الصحاح (مسيرة سبع مئة عام) يظهر أن المراد التكثير لا التحديد وكم له من نظير (وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعا وضرسه) أي كل ضرس من أضراسه (أعظم) قدرا (من جبل أحد) أي أكبر منه وسبق أن أمور الآخرة لا تجول فيها العقول وإنما علينا التسليم والقبول (طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه أحمد وغيره وكأنه أغفله ذهولا لقولهم إن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي وفي أسانيدهم يحيى القتات وهو ضعيف وبقية رجاله أوثق منه الحديث: 2239 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 2240 - (إن أهل البيت ليقل طعمهم) بضم فسكون أي أكلهم للطعام والطعم بالضم الطعام والطعام اسم لما يؤكل (فتستنير بيوتهم) أي تشرق وتضيء والظاهر أن المراد بقلة الطعم الصيام ويحتمل الإطلاق وإن كان الأول أقرب ويحتمل أن المراد بالبيوت الأبدان ويحتمل حمله على ظاهره ويكون ذلك لإلف الأرواح النورانية لهم (طس عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي والعقيلي وفيه الحسن بن ذكوان قال الذهبي في الضعفاء قال أحمد أحاديثه أباطيل وفيه عبد الله بن المطلب قال العقيلي مجهول وحديثه منكر غير محفوظ ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه على ذلك المؤلف في مختصرها فلم يتعقب الحكم بوضعه بشيء بل أقره الحديث: 2240 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 [ص: 439] 2241 - (إن أهل البيت إذا تواصلوا) أي وصل بعضهم بعضا بالإحسان والبر والتحابب والتواصل ضد التهاجر (أجرى الله تعالى عليها الرزق) أي يسره لهم ووسعه عليهم ببركة الصلة (وكانوا في كنف الله) أي حفظه ورعايته ولفظ رواية ابن لال كنف الرحمن ويظهر أن المراد بأهل البيت هنا القبائل وفيه حث عظيم على صلة الرحم وأنها توسعة للرزق وأنها عند الله بمكان والكنف بفتحتين الجانب والساتر قال الزمخشري: وتكنفوه واكتنفوه أحاطوا به من كل جانب وكنفته حفظته وكانفته عاونته ومن المجاز قولهم في حفظ الله وكنفه (عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن لال والحاكم والديلمي فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد لإبهامه ثم إن فيه هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش وقد سبق ما فيهما من المقال الحديث: 2241 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 2242 - (إن أهل السماء) أي جنسها الصادق بجميع السماوات (لا يسمعون شيئا من أهل الأرض) أي لا يسمعون شيئا من أصواتهم بالعبادة (إلا الأذان) للصلاة فإن صوت المؤذنين يبلغه الله إلى هنان السماء حتى يسمعه أهل الملأ الأعلى جميعا لكونه يحبه كثيرا فإن قلت: القرآن أفضل الكلام مطلقا فما بالهم لا يسمعونه؟ قلت: قد يجاب بأن عظم رتبته اقتضت أن لا يصعد إلا وملائكة يشيعونه فإن في بعض الأخبار إشعارا بأن الملائكة تشيعه لخبر إن القارىء إذا لم يقوم القراءة قومه الملك ثم رفعه (أبو أمية) محمد بن إبراهيم بن مسلم (الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة وسكون الواو ونسبته إلى طرسوس مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي وأبو أمية بغدادي أكثر الإقامة بطرسوس فنسب إليها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (في مسنده عد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه يحيى بن عبيد الله الوصافي قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك الحديث: 2242 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 2243 - (إن أهل الجنة) أي الرجال منهم (إذا جامعوا نساءهم) من الآدميين والحور أي طمثوهن (عادوا أبكارا) لفظ رواية الطبراني عدن أبكارا وهو القياس فقول المؤلف عادوا سبق قلم ففي كل مرة اقتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الاقتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحما وأعذب فاها وأضيق مسلكا وأسخن فرجا وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم (عجيبة) ذكر العارف ابن العربي أن أهل الجنة ينكحون جميع نسائهم وجواريهم في آن واحد نكاحا حسيا بإيلاج ووجود لذة خاصة بكل امرأة من غير تقدم ولا تأخر قال وهذا هو النعيم الدائم والاقتدار الإلهي والعقل يعجز عن إدراك هذا الحقيقة من حيث فكره وإنما يدركه بقوة إلهية في قلب من شاء من عباده والله على كل شيء قدير (طص عن أبي سعيد) الخدري قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به يعلى. قال الهيثمي فيه يعلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب انتهى الحديث: 2243 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 [ص: 440] 2244 - (إن أهل المعروف في الدنيا) أي ما لا ينكره الشرع (هم أهل المعروف في الآخرة) التي مبدؤها ما بعد الموت قال العسكري: المعروف عند العرب ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل الفضل ثم كثر فصار اصطناع الخير معروفا يقال أنالني معروفه وقسم لي من معروفه قال حاتم. . . وأبذل معروفي له دون منكر. . . (وإن أهل المنكر في الدنيا) أي ما أنكره الشرع ونهى عنه هم (أهل المنكر في الآخرة) يقول إن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه (1) وقال الحكماء: إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سببا لأعظم الآلام الروحانية (طب عن سلمان الفارسي) قال ابن الجوزي حديث لا يصح قال أحمد تركت حديث هشام (2) بن لاحق تركه أحمد وقواه النسائي وبقية رجاله ثقات (وعن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة (بن برمة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن معاوية الأسدي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول فذكره قال أبو حاتم قبيصة هذا لا يصح له صحبة قال الذهبي يعني حديثه مرسل انتهى وفي التقريب مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين قال الهيثمي وفيه علي بن أبي هاشم (وعن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون القروي وهو ضعيف ذكره الهيثمي (حل عن أبي هريرة خط عن علي) أمير المؤمنين قال ابن الجوزي وهذا لا يصح إذ فيه محمد بن الحسين البغدادي كان يسمي نفسه لاحقا وقد وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى ذكره الخطيب وأبي الدرداء وفيه هند أم ابن قتيبة قال الجوزي مجهول   (1) فالدنيا مزرعة للآخرة وما يفعله العبد من خير وشر تظهر نتيجته في دار البقاء (2) أي أحد رجاله وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به انتهى وقال الهيثمي فيه هشام بن لاحق الحديث: 2244 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 2245 - (إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة (1)) قال ابن العربي حقيقة المعروف المعلوم لكنه أطلق في العربية على خير منفعة يستحمدها جميع الناس مما يجب على المرء فعله أو يستحب ومعنى تسميته بذلك أنه أمر لا يجهل ومعنى لا يختلف فيه كل أحد (وإن أول أهل الجنة دخولا) أي من أولهم دخولا الجنة (أهل المعروف) وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والآخرة أعواض ومكافآت روي أن أقواما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر <تنبيه> قال القيصري: المنكر والمعروف ضدان كالليل والنهار إذا ظهر هذا غاب هذا وفي [ص: 441] ذلك حكمة عظيمة لمن تفطن لها فإن المعروف مأخوذ من العرف الذي هو العادة التي عرفها الناس والمنكر هو الذي أنكرته العقول والقلوب عند رؤيته فالمنكر لا أصل له فإنه مجهول ومنكور في أصل الخلقة فإن المعروف الحق الذي لم يزل ولا يزال هو الله ومخلوقاته في الملك والملكوت والعرش والجبروت لم تعرف إلا إياه ربا ولم تعرف طاعة إلا طاعته فكان التعبد له والقيام بحقه هو المعروف فقط فلما خلق آدم عليه السلام وخلق وإبليس وذريتهما وحدثت المعاصي عن الثقلين صار العصيان منكرا أي أنكره العقل لأنه لم يألفه ولم يعهده ولا له أصل في العرف المتقدم ولهذا إذا كان المنكر مخفيا غير ظاهر لا يضر غير صاحبه الذي ظهر على قلبه وحوارحه فقط لأنه شبيه بأصله لم يعرفه أحد فإذا ظهر وفشى وجب تغييره ورده إلى أصله بإنكار النفس واللسان واليد حتى لا يبقى إلا المعروف الذي لم يزل معروفا قديما وحديثا (طب عم أبي أمامة) الباهلي   (1) يحتمل أن المراد أنهم يشفقون لغيرهم فيصدر عنهم المعروف في الآخرة كما صدر عنهم في الدنيا أو المراد هم أهل لفعل المعروف في الآخرة أي يجازيهم الله على معروفهم ولا مانع من الجمع الحديث: 2245 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 2246 - (إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة) يعني في الزمن اللاحق بعد الموت وذلك لأن البطنة تذهب الفطنة وتنوم وتثبط عن الطاعات فيأتي يوم القيامة وهو جيعان عطشان وأهل الجوع في الدنيا ينهضون للعبادة فيتزودون منها للآخرة فيأتون يوم القيامة وقد قدموا زادهم فلقوه وأهل الشبع في الدنيا يقدمون ولا زاد لهم ولهذا قال الداراني: مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأمثل كل خير في الدارين الخوف (طب عن ابن عباس) قال المنذري إسناده حسن وقال الهيثمي فيه يحيى بن سليمان القرشي الحضرمي وفيه مقال وبقية رجاله ثقات الحديث: 2246 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 2247 - (إن أوثق) أي من أوثق (عرى الإسلام) أي أكثرها وثاقة أي قوة وثباتا (أن تحب في الله وتبغض في الله) (1) أي لأجله لا لعلة والوثيق كما في الصحاح الشيء المحكم وفي المصباح وثق الشيء وثاقة قوي وثبت فهو وثيق ثابت محكم والعرى جمع عروة وعروة القميص معروفة وعروة الكوز أذنه قال في المصباح: وقوله عرى الإسلام على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها وقال الزمخشري تستعار العروة لما يوثق به ويعول عليه (حم ش هب عن البراء) ابن عازب قال الهيثمي فيه ليث بن سليم ضعفه الأكثر   (1) فالمراد محبة الصالحين وبغض الكافرين والحالة الغير المرضية من المسلمين الحديث: 2247 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 2248 - إن أولى الناس بالله) أي من أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه من الولي القرب (من بدأهم بالسلام) أي أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه المسلم بالسلام عند ملاقاته لأنه السابق إلى ذكر الله والسلام تحية المسلمين وسنة المرسلين قال في الأذكار: وينبغي لكل أحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدىء بالسلام لهذا الحديث (1) اه (د عن أبي أمامة) صدى بن عجلان الباهلي قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام فذكره قال في الأذكار والرياض: إسناده جيد وظاهر صنيع المصنف أن أبا داود قد تفرد به من الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي وابن ماجه   (1) روى إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل لأنه ذكرهم بالسلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب الحديث: 2248 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 2249 - (إن أولى الناس بي يوم القيامة) أقربهم مني يوم القيامة وأولاهم بشفاعتي وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات (أكثرهم علي صلاة) في الدنيا لأن كثرة الصلاة تدل على نصوح العقيدة وخلوص [ص: 442] النية وصدق المحبة والمداومة على الطاعة والوفاء بحق الواسطة الكريمة ومن كان حظه من هذه الخصال أوفر كان بالقرب والولاية أحق وأجدر قالوا وهذه منقبة شريفة وفضيلة منيفة لأتباع الأثر وحملة السنة فيا لها من منة (1) (تخ ت حب عن ابن مسعود) وقال الترمذي حسن غريب وقال ابن حبان صحيح وفيه موسى بن يعقوب الزمعي قال النسائي ليس بقوي لكن وثقه ابن معين وأبو داود وساق له ابن عدي عدة أحاديث استنكرها وعد هذا منها   (1) إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال أبو نعيم هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الأثر ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا الحديث: 2249 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 2250 - (إن أول ما يجازى به) العبد (المؤمن بعد موته) على عمله الصالح (أن يغفر) بالبناء للمفعول ويجوز للفاعل وهو الله تعالى (الجميع من تبع جنازته) أي شيعها من ابتداء خروجها إلى انتهاء دفنه وفي رواية بدل من تبع جنازته من شيعه وبه يعلم أن المراد بمن تبع من شيع وإن كان أمامه لا خلفه وفيه شمول للكبائر وفضل الله واسع لكن قياس نظائره الصغائر وإذا كان مما يجازى به الغفران لغيره لأجله فالغفران له هو من باب أولى وهل اللام للاستغراق أو الجنس فيشمل حتى الفاسق المصر أو هي للعهد والمعهود المؤمن الكامل أو التائب احتمالات ويظهر أن الكلام في الرجال لقوله للنساء في الخبر المار ارجعن مأزورات غير مأجورات (عبد بن حميد والبزار) في مسنده (هب عن ابن عباس) وضعفه المنذري قال الهيثمي فيه مروان بن سالم الشامي ضعيف وفي الميزان مروان بن سالم قال الدارقطني متروك والشيخان وأبو حاتم منكر الحديث ثم ساق له مناكير ذا منها وقال عقبه هذا منكر اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 2250 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 2251 - (إن أول الآيات) أي علامات الساعة (خروجا) أي ظهورا تمييز (طلوع الشمس من مغربها) قال ابن كثير: أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج قبلها لأنها أمور مألوفة إذ هم مثلهم بشر (وخروج الدابة) (1) هذا غير مألوف أيضا فإنها تخرج (على الناس ضحى) بضم الضاد وفتحها على شكل غريب غير معهود وتخاطب الناس وتسمهم بالإيمان أو الكفر وذلك خارج من مجاري العادات (فأيتهما كانت قبل صاحبتيها فالأخرى على أثرها) بفتح الهمزة أي عقبها وقد بقي منها بقية (قريبا) صفة لمصدر محذوف تأكيدا لما قبله أي فالأخرى تحصل على أثرها حصولا قريبا فطلوع الشمس أول الآيات السماوية والدابة أول الآيات الأرضية بالمعنى المذكور وحكمة جعل طلوعها من مغربها آية مقاربة قيام الساعة الإيماء إلى قرب طلوع جميع الأرواح من الأشباح ذكره الحرالي (حم م د هـ) في الفتن كلهم (عن ابن عمر) بن العاص لم يخرجه البخاري بهذا اللفظ   (1) وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية وروى أنها جمعت من كل حيوان فرأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إبل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل اثني عشر ذراعا الحديث: 2251 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 2252 - (إن أول هذه الأمة خيارهم وآخرها شرارهم مختلفين) أي في العقائد والمذاهب والآراء والأقوال والأفعال [ص: 443] وهذا منصوب على الحال أو المعنى فإنهم لا يزالون كذلك (متفرقين) عطف تفسير وقد يدعى أن بينهما عموما وخصوصا (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي بكل ما بعد الموت (فلتأتيه منيته) أي فليجىء إليه الموت (وهو) أي والحال أنه (يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) أي يفعل معهم ما يحب أن يفعلوه هم معه وبذلك تنتظم أحوال الجمهور ويرتفع الخلاف والتفور وتزول الضغائن من الصدور (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المفضل بن معروف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 2252 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 2253 - (إن أول) أي من أول (ما يسأل عنه العبد) قال الطيبي: ما مصدرية (يوم القيامة من النعيم أن يقال) أي أن سؤال العبد هو أن يقال (له) من قبل الله تعالى (ألم نصح لك جسمك) أي جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (ونرويك (1) من الماء البارد) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به وهذا هو المراد بقوله تعالى {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} وقيل هو شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وقيل الصحة والفراغ وقيل سلامة الحواس وقيل الغداء والعشاء وقيل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن وقيل ما سوى كن يأويه وكسرة تقويه وكسوة تغنيه يسأل عنها ويحاسب عليها وقيل وقيل (ت) في التفسير (ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المناوي سند الترمذي جيد   (1) هو بإثبات الياء فيحتمل أنه معطوف على المجزوم وفيه إثبات حرف العلة مع الجازم وهو لغة ويحتمل أنه منصوب بعد واو المعية الحديث: 2253 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 2254 - (إن باب الرزق مفتوج من لدن العرش) أي من عنده (إلى قرار بطن الأرض) أي السابعة (يرزق الله كل عبد) من إنس وجن (على قدر همته ومهنته) في الإنفاق على من يمونه ووجوه القرب فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له كما في خبر آخر وفي رواية بدل يرزق إلخ ينزل الله تعالى إلى عباده أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته إن الله تعالى لا يحب السخاء ولو بفلق تمرة ويحب الشجاعة ولو بقتل الحية والعقرب اه بنصه ولدن ظرف بمعنى عند ذكره بعضهم وقال بعض المحققين ولدن من وعند الظروف المكانية لكن فرق النجاة بينهما بأن عند يجوز كونه بحضرته وفي ملكه ولدن مختص بالحضرة قال في المصباح وقرار الأرض المستقر الثابت والهمة بالكسر أول العزم وقد يطلق على العزم القوي فيقال له همة عالية والنهمة ولوع الهمة بالشيء والنهم بفتحتين إفراط الشهوة كما في الصحاح وغيره (حل) وكذا ابن عدي كلاهما عن علي بن سعيد بن بشير عن أحمد بن عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر (عن الزبير) بن العوام قالت أسماء قال لي الزبير مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فجبذ عمامتي بيده فالتفت إليه فقال يا زبير إن باب الرزق إلخ أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لي عبد الله يروي الموضوعات عن الأثبات اه وأقره على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات الحديث: 2254 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 2255 - (إن بني إسرائيل) أولاد يعقوب العبد المطيع ومعناه [ص: 444] عبد الله فإسرا هو العبد أو الصفوة وإيل هو الله عبري غير مشتق (لما هلكوا قصوا) أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص وعولوا عليها واكتفوا بها وفي رواية لما قصوا هلكوا أي لما اتكلوا على القول وتركوا العمل كان ذلك سبب إهلاكهم وكيفما كان ففيه تحذير شديد من علم بلا عمل (طب والضياء) المقدسي في المختارة (عن خباب) بالتشديد ابن الأرت بالمثناة ورواه بلفظ لما قصوا ضلوا ثم حسنه قال عبد الحق وليس مما يحتج به الحديث: 2255 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 2256 - (إن بين يدي الساعة) أي أمامها مقدما على وقوعها (كذابين) قيل هم نقلة الأخبار الموضوعة وأهل العقائد الزائغة وغيرهم ممن ينسب نفسه إلى العلم وهو كالرجال في الجدال وإبليس في التلبيس (فاحذروهم) أي خافوا شر فتنتهم به واستعدوا وتأهبوا لكشف عوارهم وهتك أستارهم وتزييف أقوالهم وتقبيح أفعالهم ليحذرهم الناس ويبور ما جاؤوا به من الالباس والبأس وقيل أراد المسرعين للإمامة الموعودة الخاتمة لدائرة الولاية المدعين للنبوة وقيل غير ذلك والحمل على الأعم أفيد وأتم (حم م) في الفتن (عن جابر بن سمرة) عزو المصنف ذلك بجملته لمسلم غير سديد فإن قوله فاحذروهم ليس في مسلم بل جاء في رواية غيره ونوزع فيه بأنه من قول جابر لا من تتمة الحديث الحديث: 2256 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 2257 - (إن بين يدي الساعة) أي أمام قيامها (لأياما) نكرها لمزيد التهويل وقرنه باللام لمزيد التأكيد (ينزل فيها الجهل) يعني به الموانع المانعة عن الاشتغال بالعلم (ويرفع فيها العلم) بموت العلماء فكلما مات عالم يرفع العلم بالنسبة إلى فقد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء (ويكثر فيها الهرج) بسكون الراء (والهرج) هو (القتل) (1) وفي رواية والهرج بلسان الحبشة القتل وأصله لغة الفتنة والاختلاف والاختلاط كما في الصحاح (2) قال ابن بطال: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناه عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل وعمت الفتن وكثر القتل قال ابن حجر: يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله والمراد من الحديث استعمال ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر والواقع أن هذه الصفات وجدت مبادئها من عصر الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض وكلما مضت طبقة ظهر البعض الكثير في التي تليها وإليه يشير الحديث الآتي لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه وفيه حث على اقتباس العلوم الدينية قبل هجوم تلك الأيام الرديئة (حم ق عن ابن مسعود) (وأبي موسى) الأشعري أيضا   (1) ونسب التفسير لأبي موسى وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا وأخطأ من قال نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل وكثيرا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة (2) وذكر صاحب المحكم معاني أخر أي الهرج ومجموعها سعة القتل وكثرة القتل والاختلاط والفتنة في آخر الزمان وكثرة النكاح وكثرة الكذب وكثرة النوم وما يرى في النوم غير منضبط وعدم الإتقان للشيء وقال الجوهري أصل الهرج الكثرة في الشيء يعني حتى لا ينتهي الحديث: 2257 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 2258 - (إن بيوت الله تعالى) أي الأماكن التي يختارها ويصطفيها لتنزلات رجمته وملائكته (في الأرض) هي [ص: 445] المساجد (وإن حقا على الله أن يكرم من زاره) يعني من عبده (فيها) حق عبادته وقد ورد هذا بمعناه من كلام الله في الكتب السماوية القديمة قال حجة الإسلام: قال الله تعالى في بعض الكتب: إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره (طب عن ابن مسعود) عبد الله الحديث: 2258 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 2259 - (إن تحت كل شعرة) من بدن الإنسان (جنابة) قال الخطابي: ظاهره يوجب نقض الضفائر لغسل الجنابة أو نحوها إذ لا يتيقن غسل شعره كله إلا بنقضها اه. أي فإن فرض وصول الماء بدون النفض لم يجب عند الشافعية ومذهبهم أيضا أنه لا يجب غسل باطن شعر انعقد بنفسه (فاغسلوا الشعر) قال مغلطاي: حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل الفم والأنف اه (وانقوا البشرة) بالنون (1) قال الطيبي: علل الوصف بالظرف وهو لفظه تحت ثم رتب عليه الحكم بالفاء وعطف عليه وأنقوا للدلالة على أن الشعر قد يمنع وصول الماء كما أن الوسخ يمنع ذلك فإذن يجب استقصاء الشعر بالغسل وتنقية البدن عن الوسخ ليخرج المكلف عن العهدة بيقين اه قال البهيقي وفيه دليل على وجوب استعمال الماء الناقص وتكميله بالتيمم (2) قال ابن عيينة: والمراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بها (د ت هـ عن أبي هريرة) ظاهر صنيعه أن مخرجيه خرجوه ساكتين ولم يطعنوا في سنده والأمر بخلافه فقد قال أبو داود فيه الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف وقال الترمذي حديثه غريب وهو شيخ ليس بذلك وقال الدارقطني غريب تفرد به مالك بن دينار وعنه الحارث المذكور وجزم البغوي بضعف الحديث جدا وقال ابن حزم خبر لا يصح وقال الذهبي فيه الحارث بن وجيه واه وإنما يروى من قول أبي هريرة رضي الله عنه وقال الحافظ ابن حجر مداره على الحارث ابن وجيه وهو ضعيف جدا قال الشافعي هذا الحديث غير ثابت وقال البيهقي أنكره البخاري وغيره إلى هنا كلامه وبعد أن استبان لك شدة ضعفه علمت أن المصنف لم يصب في إيثاره وإهمال ما هو بمعناه وهو حديث صحيح كما جزم به ابن حجر وهو خبر أبي داود وابن ماجه عن علي مرفوعا: من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا الحديث بتمامه   (1) والقاف من الإنقاء والبشرة ظاهر الجلد أي اجعلوه نقيا بأن يغمره الماء بعد إزالة المانع وقيل المراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بالبشرة (2) واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وأنقوا البشرة وزعم أن داخل الفم من البشرة وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من الناظر إليه الحديث: 2259 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 2260 - (إن جزءا من سبعين جزءا من النبوة) وفي رواية أقل فالعدد إما للمبالغة في أكثره أو مختلف باختلاف الناس وقد مر (تأخير السحور) بضم السين أي تأخير الصائم الأكل بنيته إلى قبيل الفجر ما لم يقع في الشك (وتبكير الفطر) يعني مبادرة الصائم إلى الفطر بعد تحقق الغروب (وإشارة الرجل) يعني المصلي ولو أنثى أو خنثى فذكر الرجل وصف طردي (بأصبعه في الصلاة) لعل المراد به رفع السبابة في التشهد عند قوله إلا الله فإنه مندوب وهل يحركها وجهان للشافعية الأصح عندهم المنع قال الفارسي والتبكير هنا الإسراع والتعجيل ولم يرد تكرر الغدو والصباح (عب عد) وكذا الطبراني (عن أبي هريرة) وفيه عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي حازم قال في الميزان عمرو أو أبو حازم لا يعرف الحديث: 2260 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 [ص: 446] 2261 - (إن جهنم (1) تسجر) بسين مهملة فجيم توقد ومنه البحر المسجور {وإذا البحار سجرت} (إلا يوم الحمعة) بالنصب أي فإنها لا تسجر فيه وسره أنه أفضل الأيام عند الله ويقع فيه من العبادة والابتهال ما يمنع من سجر جهنم فيه ولذا تكون معاصي أصل الإيمان فيه أقل منها في غيره حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في غيره قال البعض والظاهر أن المراد منه سجر جهنم في الدنيا وأنها توقد في كل يوم إلا يوم الجمعة وأما يوم القيامة فإنه لا يفتر عذابها ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما ما <تنبيه> قال القرطبي عقب إيراده هذا الحديث ولهذا المعنى كانت النافلة جائزة في يوم الجمعة عند قائم الظهيرة دون غيرها من الأيام (د عن أبي قتادة) الأنصاري ظاهر سكوت المصنف عليه أن مخرجه أقره والأمر بخلافه بل أعله بالانقطاع كما نقله الحافظ العراقي وغيره وأقروه فسكوت المصنف عنه غير صواب الحديث: 2261 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 1 - ) وأوله كما في أبي داود عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة نصف النهار أي وقت الاستواء إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة الحديث: 1 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 2262 - (إن حسن الخلق) بالضم (ليذيب الخطيئة) أي يمحو أثرها ويقطع خبرها (كما تذيب الشمس) أي حرارة ضوئها (الجليد) (1) وهو كما في الصحاح ندى يسقط من السماء فيجمد على الأرض قال الزمخشري: ومن المجاز لك جامد هذا المال وذائبه قال الغزالي: الخلق الحسن أفضل أعمال الصديقين وهو على التحقيق شطر الدين وهو ثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة والهلكات الدامغة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) ابن مالك   (1) الجليد بالجيم وآخره مهملة بوزن فعيل الماء الجامد يكون في البلاد الشديدة البرد والمراد بالخطيئة الصغيرة الحديث: 2262 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 2263 - (إن حسن الظن بالله) أي بأن يظن أن الله يغفر له ويعفو عنه (من حسن عبادة الله) تعالى أي حسن ظنه به من جملة حسن عبادته فيظن أنه يعطف على ضعفه وفقره ويكشف ضره ويغفر ذنبه بجميل صفحه فيعلق آماله به لا بغيره ويحتمل أن معنى من حسن العبادة أنه كلما أحسن الأدب في عبادة ربه حسن ظنه بأنه يقبلها وكل ما شاهد توفيقه لفعلها حسن ظنه في عفوه عن زللها ومن لا يحسن أدبه في خدمة ربه يتوهم أنه يحسن الظن وهو مغرور {ولا يغرنكم بالله الغرور} فيراه يأتي بصورة عبادة بغير أدب ويؤمل القبول ويسيء الظن بسيده في ضمان رزقه فيحرص عليه ويأخذه من غير حله ويسيء الظن به في الشدائد فيفزع إلى غيره ويسيء الظن به في الخلق فلا ينفق في طاعته ويحقق ظن عدوه وشيطانه فيستجيب له في بخله فهو مطلوب محبوب لكن مع ملاحظة مقام الخوف فيكون باعث الرجاء والخوف في قرن أي إن لم يغلب القنوط وإلا فالرجاء أولى ولا أمن من المكر وإلا فالخوف أولى ثم هذا كله في الصحيح أما المريض لا سيما المحتضر فالأولى في حقه الرجاء (حم ت ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي عليه الحديث: 2263 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 2264 - (إن حسن العهد) أي الوفاء والخفارة ورعاية الحرمة (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان ومن خصائلهم أو من شعب الإيمان ويكفي الموفي بالعهد مدحا وشرفا قول من علت كلمته والموفون بعهدهم إذا عاهدوا وقد [ص: 447] تظافرت على حسن العهد مع الإخوان والخلان أهل الملل والنحل وأعظم الناس وفاء بذلك ومحافظة عليه وإن تقادم عهده: الصوفية وأنشد بحضرة العارف الشاذلي: رأى المجنون في البيداء كلبا. . . فجر له من الإحسان ذيلا. . . فلاموه لذاك وعنفوه وقالوا لم أنلت الكلب نيلا. . . فقال دعوا الملامة إن عيني. . . رأته مرة في حي ليلي فقال له كرر فلم يزل يتواجد وينتحب ثم قال جزاك الله خيرا يا بني على وفائك بعهدك إن حسن العهد من الإيمان والعهد لغة له معان منها حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال والمراد هنا عهد المعرفة المتقدمة (ك) في الإيمان (عن عائشة) قالت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز فقال من أنت قالت جثامة المزنية قال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم بعد ذا قالت بخير فلما خرجت قلت تقبل هذا الإقبال على هذه قال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان قال الحاكم على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي الحديث: 2264 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 2265 - (إن حقا على الله أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه) أي أن عدم الارتفاع حق على الله تعالى فعل متعلق بحقا وأن لا يرتفع خبر إن وأن مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة ويمكن أن يقال على صفة حقا أي حق ثابت على الله قاله الطيبي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم لما سبقت ناقته العضباء كانت لا تسبق (1) وهذا تزهيد في الدنيا وحث على التواضع وهوانها عند الله تعالى وتنبيه على ترك الفخر والمباهاة وأن كل ما هان على الله ففي محل الصنعة قال بعض العارفين: إن كنت أنت ذلك الشيء فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا أنه تعالى إذا وضعه يضعه في النار قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والفخر وأن كل شيء هان على الله في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيها. حكي أن رجلين تنازعا في جدار فأنطق الله لبنة منه فقالت كنت ملكا ألف سنة ثم صرت رميما ألفا فأخذت مني خزفا فانكسرت فاتخذت مني لبنا وأنا في هذا الجدار منذ كذا فلما تنازعا قال العوني: سره أنه لما كان من ملوك الدنيا الفانية جعله الله في أحقر الدرجات إذ الأكثرون هم الأقلون والأعظمون هم الأحقرون بوم القيامة (حم خ) في الجهاد (د) في الأدب (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر ما عز شيء إلا وهان فلا أصل له كما قال السخاوي وما ذكره في معناه   (1) وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإرشاد إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه وعظمته في صدور أصحابه الحديث: 2265 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 2266 - (إن حقا على المؤمنين أن يتوجع) أي يتألم (بعضهم لبعض) مما ناله بنحو مصيبة (كما يألم الجسد الرأس) أي كما يألم وجع الجسد الرأس فإن الرأس إذا اشتكى اشتكى البدن كله بالحمى وغيرها فكذلك المؤمنون حقا إذا اشتكى بعضهم حق لهم التألم لأجله كلهم فالمؤمنون بأجمعهم جسد واحد كإنسان أحد اشتكى بعضه فتداعى كله فكذا المؤمن إذا أصيب أخوه بمصيبة فكأنه أصيب بها فيتألم لتألمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبت أخوة الإيمان بينه وبينهم فإنه تعالى قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب (التوبيخ عن محمد بن كعب القرظي) بضم القاف وفتح الراء وبالمعجمة المدني من حلفاء الأوس وأبوه من سبي بني قريظة (مرسلا) أي هو تابعي أرسل عن أبي ذر الغفاري وأبي هريرة وعائشة وابن الأرقم وغيرهم قال في الكاشف ثقة حجة الحديث: 2266 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 [ص: 448] 2267 - (إن حوضي من عدن) بفتحتين بلد باليمن مشتق من عدن بالمكان أقام (إلى عمان) بفتح العين وشد الميم مدينة قديمة من أرض الشام (البلقاء) أي بالبلقاء بضم وتخفيف موضع عند البحرين وفي رواية بدل هذا من أيلة إلى عدن وفي أخرى ما بين أذرح وجرباء وفي رواية ما بين الكعبة وبيت المقدس (ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل) لم يقل من السكر لأنهم لم يكونوا يعرفونه ولا كان ببلادهم مع ما تميز به العسل من المنافع التي لا تكاد تحصى (أكواب) جمع كوب بالضم الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له (عدد النجوم) أي نجوم السماء (من يشرب منه شربة لم يظمأ (1) بعدها أبدا) قال القرطبي: ظاهره أن الشرب منه بعد الحساب والنجاة من الأهوال إذ من وصل لمحل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يعاد للحساب أو يذوق نكال العذاب فالقول به أوهى من السراب (أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا) أي المغبرة رؤوسهم (الدنس ثيابا) أي الوسخة أثوابهم (الذين لا ينكحون) النساء (المتنعمات) بمثناة فنون فعين مهملة شديدة وفي رواية المنعمات بنون فعين مشددة وما ذكره من أن لفظ الحديث المتنعمات أو المنعمات هو ما في نسخ لا تحصى لكن رأيت في نسخة المصنف بخطه المتنعمات والظاهر أنه سبق قلم (ولا تفتح لهم السدد) جمع سدة وهي كالظلة على الباب لوقاية نحو مطر أو الباب نفسه أو الساحة أمامه أو الصفة أو السقيفة وأيا ما كان فالمراد لا يؤذن لهم في الدخول على الكبراء ولا يؤهلون لمجالسة نحو الأمراء (الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون) بضم أوله بضبط المصنف (الذي لهم) أي الحق الذي لهم لضعفهم وإزراء الناس بهم واحتقارهم لهم <تنبيه> في فروع الحنابلة أن في قوله ماؤه أشد بياضا من اللبن دليل على خلاف ما عليه قوم أن الماء لا لون له ذكره ابن هبيرة <تنبيه> قال القرطبي: أخذا من كلام حجة الإسلام ظن بعضهم أن التحديد أن في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف وليس كذلك وإنما تحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبا لكل قوم بما يعرفه من مسافات مواضعها فقال لأهل الشام ما بين أذرح وجرباء لأهل اليمن من عدن إلى عمان وهكذا وتارة يقدر بالزمان فيقول مسيرة شهر والمعنى المراد أنه حوض كبير متسع الأرجاء والزوايا فكان ذلك يحسب من حضره ممن يعرف ذلك الجهات وليس الحوض على وجه هذه الأرض بل وجوده في الأرض المبدلة على مسافة هذه الأقطار وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على ظهرها أحد (حم ت هـ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر ابن عبد العزيز أبا سلام الحبشي على البريد حتى شافهه بهذا الحديث فقال عمر رضي الله عنه لكني نكحت المنعمات وفتحت لي السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي على جسدي حتى يتسخ   (1) الظمأ مهموز العطش قيل إن الشرب منه يكون بعد الحساب إلخ وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له بالسلامة من النار ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالعطش بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد وصار كافرا والعياذ بالله الحديث: 2267 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 2268 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة) أي يترصدون دخول [ص: 449] الأوقات بها (لذكر الله) أي لأجل ذكره (تعالى) من الأذان للصلاة ثم لإقامتها ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة وقال في البرهان في المراعاة أمور ظاهرة وأمور باطنة أما الظاهرة فالرؤية بحاسة البصر في الطلوع والتوسط والغروب والحركة فإذا تأمله المتأمل ذكر الله وسبحه ومجده بتحقيق سيما إذا أطلعه الله على أسرار نتائجها وأفعالها ومن اشتغل عنها مما يدل على أحكام القدرة الأزلية في المصنوعات المترتبة على الأسباب وعن علي أن رجلا أتاه فقال أريد الخروج لتجارة وكان في محاق الشهر فقال تريد أن يمحق الله تجارتك استقبل الشهر بالخروج (طب ك) في الإيمان (عن ابن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال الطبراني موثقون وقال المنذري رواه ابن شاهين وقال تفرد به ابن عيينة عن مسعود وهو حديث غريب صحيح الحديث: 2268 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 2269 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الموفون) لله بما عاهدوه (المطيبون) بالبناء للمفعول أي القوم الذين غمسوا أيديهم في الطيب وتحالفوا عليه وذلك أن بني هاشم وزهرة وتميم اجتمعوا في الجاهلية في دار ابن جدعان وغمسوا أيديهم في الطيب وتعاهدوا وتعاقدوا على إغاثة الملهوف ونصر المظلوم وحضر ذلك معهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو حين ذاك طفل فوفوا بما عاهدوا الله عليه فأثنى في هذا الخبر عليهم بإخباره بأنهم من خيار الخلق الموفين بالعهود والظاهر أنهم أدركوا البعثة وأسلموا ويحتمل أنه أراد بالمطيبين هنا من جرى على منهجهم من أمنه في الوفاء بالعهود (طب حل عن أبي حميد الساعدي حم عن عائشة) الحديث: 2269 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 2270 - (إن خياركم) أي من خياركم (أحسنكم قضاء) للدين أي الذين يدفعون أكثر مما عليهم ولم يمطلوا رب الدين ويوفوا به مع اليسار ومفهومه أن الذي يمطل ليس من الخيار وهو ظاهر لأن المطل للغني ظلم محرم بل هو كبيرة إن تكرر بل قال بعضهم وإن لم يتكرر وقوله قضاء تمييز وأحسنكم خبر خياركم واستشكاله بأن المبتدأ بلفظ الجمع والخبر بالإفراد مع أن التطابق بينهما واجب مجاب باحتمال كونه مفردا بمعنى المختار وبأن أفعل التفضيل المضاف المقصود به الزيادة ويجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له والمراد الخيرية في المعاملات (حم ن هـ عن أبي هريرة) قال كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فتقاضاه فقال أعطوه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفى الله بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خياركم فذكره الحديث: 2270 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 2271 - (إن ربك) تعالى (ليعجب) من العجب ومعناه الحقيقي مستحيل عليه تقدس وتعالى كما سبق فيؤول كما يليق بالمقام (من عبده إذا قال) في دعائه (رب اغفر لي ذنوبي) فيقول الله تعالى قال عبدي ذلك (وهو) أي والحال أنه (يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) أي فإذا دعاني وهو يعتقد ذلك غفرت له ولا أبالي ووجه التعجب هنا أن المؤمن أعرض عن الأسباب مع قربها منه وقصر نظر عين بصيرته على سببها وجاهد النفس والشيطان في استدعائهما من طلب الغفران من الأوثان فالعجب من صبره مع ضعفه على محاربة الأعداء حتى لم يشرك بعبادة ربه أحدا (د) في الجهاد (ت) في الدعوات (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي حسن صحيح وظاهر صنيع المصنف أن ذينك تفردا بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي أيضا الحديث: 2271 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 [ص: 450] 2272 - (إن رجالا يتخوضون) بمعجمتين من الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التصرف في الشيء أي يتصرفون (في مال الله) الذي جعله لمصالح المسلمين من نحو فيء وغنيمة (بغير) قسمة بل بالباطل بلا تأويل صحيح واللفظ وإن كان أعم من أن يكون بقسمة أو غيرها لكن تخصيصه بالقسمة هو ما دلت عليه أخبار أخر (فلهم النار) أي نار جهنم (يوم القيامة (1)) خبر إن محذوف وأدخل الفاء لأن اسمها نكرة موصوفة بالفعل وفيه ردع للولاة أن يتصرفوا في بيت المال بغير حق قال الراغب: الخوض الشروع في الماء والحدور فيه ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد فيما يذم شرعا بنحو {ذرهم في خوضهم يلعبون} اه وقال الزمخشري: من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي يبطل مع المبطلين (خ) في الخمس (عن خولة) الأنصارية زوجة حمزة ابن عبد المطلب أو غيرها وليس لها في البخاري إلا هذا الحديث ولم يخرجه مسلم   (1) فيه إشعار بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي الحديث: 2272 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 2273 - (إن روح القدس) أي الروح المقدسة وهو جبريل عليه السلام سمي به لأنه يأتي بما فيه حياة القلب فإنه المتولي لإنزال الكتب الإلهية التي بها تحيا الأرواح الربانية والقلوب الجسمانية فهو كالمبدأ لحياة القلب كما أن الروح مبدأ لحياة الجسد وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة من العيوب وخص بذلك وإن كانت جميع الملائكة كذلك لأن روحانيته أتم وأكمل ذكره الإمام الرازي قال وإطلاق الروح عليه مجاز لأن الروح هو المتردد في مخارق الإنسان ومنافذه وجبريل عليه السلام لا كذلك فتسميته بالروح على منهج التشبيه من حيث أن الروح كما أنه سبب لحياة الإنسان فجبريل سبب لحياة القلوب بالعلوم والمعارف وقال الحرالي: الروح لمحة من لمحات الله وأمر الله قيومته في كليته خلقا وملكوتا فما هو قوام الخلق كله هو الإله الحق وما هو قوام صوره من جملة الخلق هو الروح الذي هو لمحة من ذلك الأمر ولقيام عالم الملكوت وخصوصا حملة العرش بعالم الملكوت وخصوصا أمر الدين الباقي سماهم الله روحا ومن أخصهم روح القدس والقدس الطهارة العلمية الدائمة التي لا يلحقها نجس ظاهر ولا رجس باطن (نفث) بفاء ومثلثة تفل بغير ريق (في روعي) بضم الراء أي ألقى الوحي في خلدي وبالي أو في نفسي أو قلبي أو عقلي من غير أن أسمعه ولا أراه والنفث ما يلقيه الله إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلهاما كشفيا بمشاهدة عين اليقين أما الروع بفتح فهو الفزع لا دخل له هنا (إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد (وتستوعب رزقها) كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه القديم الأزلي ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال إن قسم فلا تعجل وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه لكنه أمرنا تعبدا بطلبه من حله فلهذا قال (وأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله (1) فإن الله تعالى لا ينال عنده) من الرزق [ص: 451] وغيره (إلا بطاعته) قال الطيبي رحمه الله: والاستبطاء يعني الإبطاء والسير للمبالغة وفيه أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد (2) لكنه إذا سعى وطلب على وجه مشروع وصف بأنه حلال وإذا طلب بوجه غير مشروع فهو حرام فقوله ما عنده إشارة إلى أن الرزق كله من عند الله الحلال والحرام وقوله أن يطلبه بمعصية إشارة إلى ما عند الله إذا طلب بمعصية سمي حراما وقوله إلا بطاعته إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا وفيه دليل ظاهر لأهل السنة أن الحرام يسمى رزقا والكل من عند الله تعالى خلافا للمعتزلة روي أنه لما نزل قوله سبحانه وتعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} قالت الملائكة هلكت بنو آدم أغضبوا الرب حتى أقسم لهم على أرزاقهم قال الرافعي رحمه الله: واحتج به الشافعي رضي الله عنه على أن من الوحي ما يتلى قرآنا ومنه غيره كما هنا وله نظائر انتهى ثم إن النفث المذكور هو أحد أنواع الوحي فإنه ستة أنواع أحدها كان يأتيه كصلصلة الجرس وهو أشد جاءه مرة وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقل على زيد حتى كاد يرض فخذه الثاني يتمثل له الملك رجلا فيكلمه الثالث النومية الرابع الإلقاء في القلب الخامس يأتيه جبريل عليه السلام في صورته الأصلية له ست مئة جناح تسد الأفق السادس يكلمه الله تعالى كما كلمه ليلة الإسراء وهو أسمى درجاته <تنبيه> جعلهم نفخ الروح في الروع من أقسام الوحي يؤذن باختصاصه بالأنبياء لكن صرح العارف ابن عربي رضي الله عنه بأنه يقع للأولياء أيضا وعبارته العلوم ثلاث مراتب علم العقل وهو كل علم يحصل ضرورة أو عقب نظر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل الثاني علم الأحوال ولا سبيل له إلا بالرزق فلا يمكن عاقل وجدانه ولا إقامة دليل معرفة كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والوجد والشوق فهذه علوم لا يعلمها إلا من يتصف بها ويذوقها الثالث علم الأسرار وهو فوق طور العقل وهو علم نفث روح القدس في الروع ويختص به النبي والولي وهو نوعان والعالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها وليس أصحاب تلك العلوم كذلك انتهى (حل عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه أيضا الطبراني ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم عن ابن مسعود ورواه البيهقي في المدخل وقال منقطع   (1) أي على طلبه بمعصيته فلا يطلبوه بها وإن أبطأ عليكم وهذا وارد مورد الحث على الطاعة والتنفير من المعصية فليس مفهومه مرادا (2) فائدة: ذكر المقريزي أن بعض الثقات أخبره أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهما منها لبنة فإذا هي كبيرة جدا فسقطت فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر وكسروها فوجدوها سالمة من السوس كأنها كما حصدت فأكل كل منهم قطعة فكانت ادخرت لها من زمن فرعون فإن حائط العجوز بنيت عقب غرقه فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها الحديث: 2273 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 2274 - (إن روحي المؤمنين) تثنية مؤمن (تلتقي (1)) كذا هو بخط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني ليلتقيان (على مسيرة يوم وليلة) أي على مسافتها (وما رأى) والحال أنه ما رأى (واحد منهما وجه صاحبه) في الدنيا أي ذاته فإن الأرواح إذا خلصت من كدورات النفس وخلعت ملابس اللذات والشهوات وترحلت إلى ما منه بدت وانفكت من هذه القيود بالموت تصير ذات سطوع في الجو فتجول وتحول إلى حيث شاءت على أقدارهم من السعي إلى الله أيام الحياة فإذا تردت هكذا سمعت وأبصرت أحوال الدنيا والملائكة فإذا ورد عليهم خبر ميت من الأحياء تلقاه من بينه وبينه تعارف بالمناسبة وإن لم يره في الدنيا في ذلك الفضاء على تلك المسافات وأكثر وتحدث معه وسأله عن الأخبار فسبحان الواحد القهار قال في علم الهدى: الاجتماع في عالم الأرواح أبلغ بلا نهاية له من الاجتماع في عالم الأجسام وخرج بالمؤمنين الكافران لأنهما مشغولان بالعذاب بل جعل ابن القيم الكلام في الأرواح المنعمة قال أما المعذبة ولو من المؤمنين فهم في شغل بما هم فيه عن التلافي فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة هي التي تتلاقى وتزاور وتتذكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا ويكون كل ذي روح مع رفيقها الذي على مثل عملها. [ص: 452] (خد طب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي ورجاله وثقوا على ضعف فيهم اه. وأقول فيه ابن لهيعة وفيه ضعف ودراج قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقال أحمد أحاديثه مناكير   (1) أي كل منهما بعد الموت بالأخرى الحديث: 2274 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 2275 - (إن زاهرا) بن حرام بالفتح والراء كان بدويا من أشجع الناس لا يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية (باديتنا) أي ساكن باديتنا أو يهدي إلينا من صنوف نبات البادية وأنواع ثمارها فصار كأنه باديتنا أو إذا تذكرنا البادية سكن قلبنا بمشاهدته أو إذا احتجنا متاع البادية جاء به إلينا فأغنانا عن الرحيل أو هو من إطلاق اسم المحل على الحال أو تأوه للمبالغة وأصله باديتنا ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك (ونحن حاضروه) أي نجهزه بما يحتاجه من الحاضرة أو أنه لا يقصد بالرجوع إلى الحاضرة إلا مخالطتنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان ذميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال أرسلني من هذا فعرفه فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدره وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد فقال إذن يا رسول الله تجدني كاسدا قال لكنك عند الله لست كاسدا (البغوي) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه أيضا الترمذي وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وغيرهم وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح اه. فما أوهمه عدول المصنف للبغوي واقتصاره عليه من عدم وجوده لأحد من المشاهير الكبار غير صواب الحديث: 2275 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 2276 - (إن ساقي القوم) ماء أو لبنا وألحق بهما ما يفرق على جمع كلحم وفاكهة ومشموم (آخرهم شربا) وتناولا لما ذكر أي تأخيره الشرب إلى أن يستوعبهم بالسقي أبلغ في الأدب وأدخل في مكارم الأخلاق وحسن العشرة وجميل المصاحبة وهذا قاله لما عطشوا في سفر فدعا بماء قليل فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقي حتى ما بقي غيرهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة اشرب فقال لا أشرب حتى تشرب فذكره (حم م عن أبي قتادة) الأنصاري الحديث: 2276 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 2277 - (إن سبحان الله) أي قول سبحان الله بإخلاص وحضور ذهن وهكذا في الباقي (والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض) أي تسقط (الخطايا) عن قائلها (كما تنفض) تسقط (الشجرة ورقها) عند إقبال التناسل به تحقيقا لمحو جميع الخطايا وسيجيء ما يعلم به أن المراد بهذا وما أشبهه الصغائر لا الكبائر والنفض كما في الصحاح وغيره تحريك الثوب ونحوه ليزول عنه الغبار ونفض الورق من الشجر حركه ليسقط واستعمال النفض هنا مجاز قال الزمخشري: من المجاز نفضته الحمى وانتفض من الرعدة وانفض القوم فني زادهم وثوب نافض قد ذهب صبغه ونفض من مرضه نفوضا برىء منه (حم خذ عن أنس) بن مالك الحديث: 2277 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 2278 - (إن سعدا) أي ابن معاذ سيد الأنصار (ضغط) بالبناء للمفعول يضبط المصنف أي عصر وضيق عليه (في قبره) حين دفن (ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه) فاستجاب دعائي وروخى عنه كما في خبر آخر وإذا كان هذا لمعاذ زعيم الأنصار المقتول شهيدا بسهم وقع في أكحله في غزوة الخندق فما بالك بغيره؟ نسأل الله السلامة قال في الصحاح: ضغطه زحمه إلى حائط ونحوه ومنه ضغطة القبر بالفتح وأما الضغطة بالضم فالشدة والمشقة وقال الزمخشري: ضغط الشيء عصره وضيق عليه وأعوذ بالله من ضغطة القبر وضغطته إلى الحائط وغيره فانضغط وقال ومن المجاز فعل ذلك الأمر ضغطة قهرا واضطرارا (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2278 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 [ص: 453] 2279 - (إن سورة من القرآن) أي من سوره والسورة الطائفة من القرآن كما سبق (ثلاثون) في رواية ما هي إلا ثلاثون (آية شفعت لرجل) أي فيه وقد كان لازم على قراءتها فما زالت تسأل الله فيه وفي رواية بدل لرجل لصاحبها (حتى غفر له) حتى أخرجته من النار (وهي) سورة (تبارك) تعالى عن كل النقائص (الذي بيده) بقبضته قدرته (الملك) أي التصرف في كل الأمور وفي الإبهام أولا ثم البيان بقوله وهي تبارك نوع تفخيم وتعظيم لشأنها إذ لو قيل إن سورة تبارك شفعت إلخ لم تكن بهذه المثابة والتنكير في رجل للإفراد أي شفعت لرجل من الرجال ولو ذهب إلى أن شفعت بمعنى تشفع كما في {ونادى أصحاب الجنة} لكان له اتجاه وهذا حث لكل أحد على مواظبة قراءتها لينال شفاعتها ثم إثبات الشفاعة للقرآن إما على الحقيقة أو على الاستعارة والأول هو ما عليه أهل الحقيقة فقد قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلمون وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا وعالم الحروف أفصح العالم لسانا وأوضحه بيانا وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف في العرف إلى هنا كلامه وهذا الحديث احتج به من ذهب إلى أن البسملة ليست آية من القرآن لإجماع القراء على أنها ثلاثون آية غير البسملة وأجيب بأن المراد ما بعد البسملة لأنها غير مختصة بهذه السورة وباحتمال أن يكون ذلك قبل نزول البسملة وبأن راوي الخبر أبو هريرة وهو ممن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله (حم عد حب ك عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وورد في فضل هذه السورة أحاديث صالحة للاحتجاج حتى في غير الفضائل منها ما رواه ابن حجر رحمه الله في أماليه عن عكرمة وقال حسن غريب قال لرجل ألا أطرفك بحديث تفرح به اقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها أهلك وولدك وجيران بيتك فإنها المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها وتطلب إليه أن تنجيه من النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر قال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي قال الحافظ حسن غريب وظاهر سياقه وقفه لكن آخره يشعر برفعه الحديث: 2279 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 2280 - (إن سياحة) بمثناة تحتية (أمتي) ليست هي مفارقة الوطن وهجر المألوفات وترك اللذة والجمعة والجماعات والذهاب في الأرض والانقطاع عن النساء وترك النكاح للتخلي للعبادة بل هي (الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الجبار وهذا وقع جوابا لسائل شجاع باسل استأذن في السياحة في زمن تعين فيه الجهاد أما السياحة لغير من ذكر في غير ما زبر في الفلوات والانسلاخ عن رعونات النفس وتجرع فرقة الوطن والأهل والغربة لمن يصير على ذلك محتسبا قاطعا من قبله العلائق الشاغلة من غير تضييع من يعوله ففضلها لا ينكر فتدبره (د ك هب) عن أبي أمامة قال قال رجل يا رسول الله ائذن لي في السياحة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال النووي رحمه الله في رياضه ثم العراقي إسناده جيد الحديث: 2280 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 2281 - (إن شرار أمتي) أي من شرارهم (أجرؤهم على صحابتي) أي من شرارهم من يتجرأ عليهم ويذكرهم بما لا يليق بعلي منصبهم ويطلق لسانه بذمهم أو الطعن فيهم فإن ذلك حرام شديد التحريم فالجرأة عليهم علامة على كون المجترىء من الأشرار والتأدب معهم علامة على كون فاعله من الأخيار قالوا والحق تعظيم جمع الصحب والكف عن الطعن فيهم سيما المهاجرين والأنصار لما ورد في الكتاب والسنة من الثناء عليهم وتوقف على المرتضى عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كان لحزنه عن نصرة عثمان لعدم رضاه وعن قبول [ص: 454] بيعته لإعظام الحادثة وعن قصاص القتلى لشركتهم أو لأنه رأى عدم مؤاخذة البغاة لما أتلفوا من الدم والمال وتوقف الجماعة عن الخروج معه إلى الحروب كان لاجتهاد منهم وعدم إلزام منه لا لنزاع في إمامته والمصيب في حرب الجمل والخوارج علي والمخالفون بغاة لا كفرة ولا فسقة لما لهم من الشبهة (عد عن عائشة) أم المؤمنين بسند ضعيف الحديث: 2281 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 2282 - (إن شر الرعاء) بالكسر والمد جمع راع والمراد هنا (الأمراء الحطمة) كلمزه الذي يظلم رعيته ولا يرحمهم من الحطم الكسر يقال راع حطمة إذا كان قليل الرحمة للماشية وهذا من أمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم استعار للوالي الرعي وأتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم وقيل هو الأكول الحريص الذي يأكل ما يرى ويقضمه فإن من هذا دأبه يكون دين النفس ظالما بالطبع شديد الطمع فيما في أيدي الناس (1) (حم م) في المناقب (عن عائذ) بعين مهملة ومثناة تحتية وذال معجمة (ابن عمير) تصغير عمر ممن شهد بيعة الرضوان وكان من صالحي الصحب دخل على ابن زياد قال أي بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ثم قال إياك أن تكون منهم فقال اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل لهم نخالة إنما النخالة من بعدهم   (1) وقيل هو العنيف الذي لا رفق عنده وفي النهاية هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد الحديث: 2282 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 2283 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يخاف الناس شره) فإن قيل الناس عام في قوله إن شر الناس فيلزم كون المسلم الذي يخاف شره أدنى منزلة من الكافر فالجواب أن من في قوله من يخاف عام يتناول المسلم والكافر لأن الكفار كلهم أعداء يتقى شرهم فالمسلم الذي يخاف شره مشارك للكافر في كونه شر الناس غايته أن الكافر أشد شرا كما يقال أحسن الأشياء العلم مع أن بعض أفراده كالشرعي أحسن فالمراد من قوله شر الناس أي من شرهم فحذفت من وهي مرادة كذا قرره الأكمل وأولى منه قول ابن الكمال أن الكافر خارج عن حيز الخير بالكلية بقوله عند الله فإنه بمعزل عن الدنو منه بالكلية على ما وقع الإفصاح عنه في الخبر المار بقوله إن الله يدني المؤمن إلخ انتهى وعليه فلا حاجة لتقدير ولا إضمار (طس عن أنس) بن مالك أن رجلا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه شرا فرحب به فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال الهيثمي فيه ابن مطر ضعيف جدا انتهى وفي الميزان عثمان هذا ضعفه أبو داود وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها الحديث: 2283 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 2284 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه) أي لأجل قبح فعله وقوله أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولا أو فعلا وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع بخلاف المداهنة فحرام مطلقا إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا بنحو رفق بجاهل في تعليم وبفاسق في نهي عن منكر وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب عليها نفع فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع فما كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر: ووضع الندا في موضع السيف بالعدا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندا <تنبيه> قال بعضهم أخذ من هذا الخبر وما قبله أن ملازمة الرجل الشر والفحش حتى يخشاه الناس اتقاء لشره من الكبائر (ق د) ثلاثتهم في الأدب (ت) في البر كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قالت استأذن رجل أي وهو عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة فلما جلس [ص: 455] انبسط له فلما انطلق سألته عائشة فذكره الحديث: 2284 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 2285 - (إن شهابا اسم شيطان) يحتمل إبليس ويحتمل غيره أي فلا ينبغي التسمي به قال ابن القيم: فيكره التسمي بأسماء الشياطين لذلك وسيجيء لها مزيد تقرير فيما بعد إن شاء الله تعالى والشهاب كما في الصحاح وغيره شعبة من النار ساطعة فهو اسم مناسب لمسماه (1) (هب عن عائشة) رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقال له شهاب قال بلى أنت هشام ثم ذكره   (1) ونهى عن التسمي بالحباب وقال إنه اسم شيطان فيكره التسمي بأسماء الشياطين وفي ابن أبي شيبة عن مجاهد عطس رجل عند ابن عمر فقال أشهب قال له أشهب شيطان وضعه إبليس بين العطسة والحمدلة الحديث: 2285 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 2286 - (إن شهداء البحر) أي من مات بسبب قتال الكفار فيه (أفضل عند الله من شهداء البر) أي أكثر ثوابا وأرفع درجة عنده منهم لأن راكب البحر يتعرض للهلاك من وجهين قتال الكفار والغرق فهو على النفس أشق ولم يكن العرب تألفه بل ولا تعرفه فحثهم عليه وبين لهم أفضليته على ما ألفوه لما فيه من المشقة وبما تقرر علم أنه ليس المراد بشهيد البحر الغريق لأن شهيد المعركة أفضل اتفاقا واحتج به من فضل غزو البحر على البر قال ابن عبد البر: ولا تقوم به حجة لضعفه قال الراغب: والبحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير اه وفي الكشاف ما محصوله أنه حيث أطلق إنما يراد به المالح اه لكن الظاهر أن المراد في الحديث ما يشمل الأنهار العظام كالنيل (طب عن سعيد بن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون قال الهيثمي وفيه من لم أعرفهم الحديث: 2286 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 2287 - (إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض) أي صومه كما في الفردوس (لا يرفع إلى الله تعالى رفع قبول إلا) مصحوبا (بزكاة الفطر) أي بإخراجها فقبوله والإثابة عليه متوقفة على إخراجها على ما اقتضاه ظاهر اللفظ ويحتمل أن المراد لا يرفع رفعا تاما مرضيا بل بعضا منه ويثاب عليه ثوابا لا يبلغ ثواب من أدى زكاة الفطر بل يكون دونه في الجزالة (ابن صصري) قاضي القضاة (في أماليه) الحديثية (عن جرير) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جرير المذكور وفيه ضعف الحديث: 2287 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 2288 - (إن صاحب السلطان) أي ذا السلطان وهو الوالي والمراد المصاحب له المدخل في الأمور (على باب عنت) أي واقف على باب خط شاق يؤدي إلى الهلاك قال في الصحاح: العنت الوقوع في أمر شاق وذلك لأن صحبته تحوج إلى مراعاته ومراءاته ومداهنته والثناء عليه بما هو مرتكبه (إلا من عصم الله) أي حفظه ووقاه فمن أراد السلامة لدينه فليتجنب الأمراء أو فليتجنب قربهم ويفر منهم كما يفر من الأسد (1) لكن لا ينبغي احتقار السلطان ولو ظالما فاسقا قال عمرو بن العاص إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال سهل رضي الله عنه من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق من دعاه يجبه فهو مبتدع ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل يريد الباطل (البارودي) بفتح الموحدة وسكون الراء وآخره دال مهملة نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها أيبورد كما مر (عن حميد) هو في الصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه   (1) ومن ثم قيل مخالط السلطان ملاعب الثعبان الحديث: 2288 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 [ص: 456] 2289 - (إن صاحب الدين) بفتح الدال (له سلطان) أي سلاطة ونفاذ حكم على صاحبه) أي المديون الموسر من السفر (د عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال: جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم بدين أو بحق فتكلم بعض الكلام فهم أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه ثم ذكره الحديث: 2289 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 2290 - (إن صاحب المكس في النار) يعني العاشر الذي يأخذ المكس من قبل السلطان يكون يوم القيامة في نار جهنم أي مخلدا فيها إن استحله لأنه كافر وإلا فيعذب فيها مع عصاة المؤمنين ما شاء الله ثم يخرج ويدخل الجنة وقد يعفى عنه ابتداء (حم طب) من حديث أبي الخير عن رويفع بالفاء (بن ثابت) ابن السكن بن عدي ابن حارثة الأنصاري المدني صحابي سكن مصر وولى أمرة برقة قال أبو الخير عرض مسلمة بن مخلد وكان أميرا على مصر على رويفع أن يوليه العشور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وفيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف الحديث: 2290 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 2291 - (إن صاحب الشمال) وهو كاتب السيئات (ليرفع القلم) ست ساعات يحتمل أن المراد الفلكية ويحتمل غيرها (عن العبد المسلم المخطىء) فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها بل يمهله (فإن ندم) على فعله المعصية واستغفر الله منها أي طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة (ألقاها) أي طرحها فلم يكتبها (وإلا) أي وإن لم يندم ويستغفر (كتبت) بالبناء للمفعول يعني كتبها كاتب الشمال (واحدة) أي خطيئة واحدة بخلاف الحسنة فإنها تكتب عشرا {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} وهذه إحدى روايات الطبراني ولفظ الرواية الأخرى ستجيء في حرف الصاد وفي أثر نقله الغزالي ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن يخسف به وسقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا فيقول لهما الله كفا عنه وأمهلاه فإنكما لم تخلقاه ولو خلقتماه لرحمتماه فأغفر له لعله يعمل صالحا فأبدله حسنات فذلك معنى قوله تعالى {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} (طب عن أبي أمامة) قاله الهيثمي رواه الطبراني بأسانيد أحدها رجاله وثقوا الحديث: 2291 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 2292 - (إن صاحبي الصور) هما الملكان الموكلان به قال ابن حجر: اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة والسلام ونقل الحلبي فيه الإجماع فلعله ميز على الآخر فلذلك أفرد بالذكر فتلك لرواية وإن كانا إثنين (بأيديهما قرنان) تثنية قرن بالتحريك ما ينفخ فيه والمراد بيد كل واحد منهما قرن (يلاحظان النظر متى يؤمران) بالنفخ فيهما من قبل الله تعالى أي هما متوقعان بروز الأمر بالنفخ في كل وقت متأهبان مستعدان لذلك (1) واللحاظ النظر بمؤخر العين (هـ عن أبي سعيد) الخدري وفيه عباد بن عوام قال في الكاشف قال أحمد حديثه عن ابن أبي عروبة مضطرب   (1) أي لعلمهما بقرب الساعة قال الشيخ بعد كلام وفي أبي الشيخ عن وهب خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة وفي أبي داود والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم أن أعربيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال قرن ينفخ فيه ولفظ الطبرني كيف أنتم وصاحب الصور قد التقمه ينتظر متى يؤمر وفي رواية قد التقم القرن إلخ ثم قال للعرش خذ الصور فأخذه وفيه ثقب بعدد روح كل مخلوق ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد وفي وسطه لؤلؤة كاستدارة السماء والأرض وإسرافيل واضع فمه على تلك الؤلؤة الحديث: 2292 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 2293 - (إن صدقة السر تطفىء غضب الرب) فهي أفضل من صدقة العلن {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} وفائدة [ص: 457] الإخفاء الخلوص من آفة الرياء والسمعة وقد بالغ في قصد الإخفاء جمع حتى اجنهد أن لا يعرف القابض من المعطي توسلا إلى إطفاء غضب الرب (وإن صلة الرحم) أي الإحسان إلى القرابة (تزيد من العمر) أي هي سبب لزيادة البركة فيه (وإن صانع المعروف) جمع صنيعة وهي كما في المصباح وغيره ما اصطنعته من خير (تقي مصارع السوء) أن تحفظ منها (وإن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها) أي قائل كلمة الشهادة وكان القياس قائله لأن الضمير فيه للقول لكن أنثه باعتبار الشهادة أو الكلمة (تسعة وتسعين) بتقديم التاء على السين فيهما (بابا) يعني نوعا (من البلاء) أي الإمتحان والإفتتان (أدناها) أي أقل تلك الأنواع (الهم) فالمداومة عليها تزيل الهم والغم وتملأ القلب سرورا وانشراحا وفرحا وانبساطا والظاهر أن المراد بالتسعة وتسعين التكثير لا التحديد على منوال ما مر غير مرة (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه الطبراني في الأوسط عن معاوية بن حيدة بسند ضعيف الحديث: 2293 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 2294 - (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته) بضم الخاء طول صلاته بالنسبة إلى قصر خطبته فليس المراد طولها في نفسها بحيث يشق على المقتدين فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالتخفيف (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة مفعلة بنيت من إن المكسورة المشددة فإنها لشدة مشابهتها الفعل لفظا ومعنى أجريت مجراه في بناء الكلمة منها ومن أغرب ما قيل فيها إن الهمزة بدل من ظاء المظنة وميمها في ذلك كلمة زائدة وقيل أصلية (من فقهه) أي علامة يتحقق فيها فقهه وحقيقتها مكان لقول القائل إنه فقيه (فأطيلوا) أيها الأمة (الصلاة) أي صلاة الجمعة (وأقصروا الخطبة) ندبا لأن الصلاة أصل مقصود بالذات والخطبة فرع عليها وتوطئة ومقدمة لها ومن القضايا الفقهية إيثار الأصل على الفرع بالزيادة والفضل (وإن من البيان لسحرا) أي منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يستمعون وإن كان غير حق هذا ذم لتزيين الكلام وتعبيره بعبارة يتحير فيها السامعون كما يتحيرون بالسحر وكما يكتسب الإثم بالسحر يكتسب بعض البيان والمراد بطول صلاة الجمعة أنها أطول من خطبتها وإلا فهي قصيرة كخطبتها لخبر مسلم كانت صلاته قصدا وخطبته قصدا أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق وقصد كل شيء تحسينه وقصر الخطبة مندوب وأوجبه الظاهرية قال ابن حزم شاهدت خطيب قرية أطال الخطبة فأخبرني بعض الوجوه أنه بال في ثيابه إذ لم يمكنه الخروج من المقصورة. (1) (حم م) في الجمعة من حديث أبي وائل (عن عمار بن ياسر) قال أبو وائل خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فقلنا يا أبا اليقظان أوجزت وأبلغت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرج البخاري إلا قوله إن من البيان لسحرا   (1) [وحيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث 5010: صل بصلاة أضعف القوم. . . فالسنة التقصير في الصلاة كذلك غير أن الخطبة تكون أقصر من الصلاة كما ورد هنا وقد أخطأ من أطال الخطبة طارحا لنص السنة الصريح وعاملا برأيه وقد زاد في الخطأ من جعل مترجما إلى اللغة الأجنبية في بلاد المهجر فضاعف ذلك في طولها بالإضافة إلى تعداد الخطباء الذي يفسد الخطبة عند بعض المجتهدين. ومن المدهش أنه عندما روجع أولئك أجابوا أنه للضرورة؟ وما ذلك إلا جهل بليغ إذ أن السنة في تقصير الصلاة والخطبة هي أصلا بسبب الضرورة ولرفع الحرج كما علله صلى الله عليه وسلم في الحديث 490: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. متفق عليه. وورد مثله في الحديث الصحيح 3244. وليس بعد كلام رسول الله كلام وقد وجد أن مثل تلك الجمع لا تنتهي مع صلاتها إلا قبيل أذان العصر بدقائق مما يزيد في المخالفة. فهلا وسعتنا السنة فقصرنا الخطبة وعينا خطيبا واحدا يجيد اللغتين؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. دار الحديث] الحديث: 2294 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 2295 - (إن عامة عذاب القبر) يعني معظمه وأكثره (من البول) أي من التقصير في التحرز عنه لأن التطهير منه مقدمة [ص: 458] للصلاة التي هي أفضل الأعمال البدنية وأول ما يخاطب به في الدنيا بعد الإيمان وأول ما يحاسب عليه يوم القيامة والقبر أول درجات الآخرة وهو مقدمة لها فناسب أن يعد في مقدمة الآخرة على مقدمة الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليه في الآخرة (فتنزهوا) تحرزوا أن يصيبكم وتنظفوا (منه) ما استطعتم بحيث لا تنتهوا إلى الوسواس المذموم (1) ومما شدد على الأمم السابقة أنه كان على أحدهم إذا أصاب البول بدنه أن بقرضه بمقراض والتنزه التباعد عن الشيء ومنه فلان يتنزه عن الأقذار أي يباعد نفسه منها قال الزمخشري: ومن المجاز رجل نزه ونزيه عن الريب وهو يتنزه عن المطامع (ابن حميد والبزار) في مسنده (طب) وكلهم (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا قال الولي العراقي: وفي إسناده ضعف لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة من رواية حسرة حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة من اليهود فقالت إن عذاب القبر من البول قلت كذبت قالت بلى أنه يقرض منه الجلد والثوب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا ما هذا فأخبرته فقال صدقت   (1) فالاستبراء عقب البول مندوب وقيل واجب والقول بالوجوب محمول على ما إذا غلب على ظنه بقاء شيء الحديث: 2295 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 2296 - (إن عدد درج الجنة عدد آي القرآن) جمع آية (فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن) أي جميعه (لم يكن فوقه أحد) وفي رواية يقال له اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها أي عند حفظك أو آخر تلاوتك لمحفوظك وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مئة درجة وأما خبر الجنة مئة درجة فيحتمل كون المئة من جملة الدرج وكونها نهاية هذه المئة وفي ضمن كل درجة درج دونها قالوا وهذه القراءة كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم عن لذاتهم بل هي كالمستلذ الأعظم ودون ذلك كل مستلذ (ابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) رضي الله عنها الحديث: 2296 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 2297 - (إن عدة الخلفاء) أي خلفائي الذين يقومون (من بعدي) بأمور الأمة (عدة نقباء بني إسرائيل) أي اثني عشر قال عياض: لعل المراد باثني عشر في هذا الخبر وما أشبهه أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوهم قال الحافظ ابن حجر: هذا أحسن ما قيل هنا وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته والذين اجتمعوا عليه الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين بصفين فتسمى معاوية من يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم علي ولده بزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قيل ذلك ثم لما مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بعد قتل ابن الزبير ثم أولاده الأربعة الوليد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بين سليمان ويزيد ابن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد بن يزيد اجتمعوا عليه بعد هشام ثم قاموا عليه فقتلوه فتغير الحال من يومئذ ولم يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقي من بني أمية ولخروج المغرب عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسموا بالخلافة وانقرض الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا مجرد الاسم بعد فإنه كان يخطب لعبد الملك في جميع الأقطار شرقا وغربا يمينا وشمالا مما غلب عليه المسلمون وقيل المراد وجود اثني عشر [ص: 459] خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا ويؤيده قوله في رواية كلهم يعمل بالهدى ودين الحق وعليه فالمراد بالإثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وضم بعضهم إليهم المهتدي العباسي لأنه منهم كعمر بن عبد العزيز في الأمويين والظاهر العباسي لما أوتي من العدل ويبقى الإثنان المنتظران أحدهما المهدي وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية ثم يلي الأمر بعده اثني عشر رجلا (1) ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم لكن هذه الرواية ضعيفة جدا وما ذكر من أن لفظ الحديث بني إسرائيل هو ما في نسخ لا يحصى فتبعتهم ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه موسى بدل بني إسرائيل (عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) عبد الله قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تملك هذه الأمة من خليفة فذكره   (1) وحمله الشيعة والإمامية على الإثني عشر إماما علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضى ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه على النقي بالنون ثم ابنه حسن العسكري ثم ابنه محمد القائم المنتظر المهدي وأنه اختفى من أعدائه وسيظهر فيملأ الدنيا قسطا كما ملئت جورا وأنه عندهم لا امتناع من طول حياته كعيسى والخضر وهذا كلام متهافت ساقط الحديث: 2297 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 2298 - (إن أعظم الجزاء) أي كثرته (مع عظم البلاء) بكسر المهملة وفتح الظاء فيهما ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن بلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم (وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم) أي اختبرهم بالمحن والرزايا وهو أعلم بحالهم قال لقمان لابنه يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء (فمن رضي) قضاء بما ابتلى به (فله الرضى) من الله تعالى وجزيل الثواب (ومن سخط) أي كره قضاء ربه ولم يرضه (فله السخط (1)) منه تعالى وأليم العذاب {ومن يعمل سوءا يجز به} وقوله ومن رضي فله الرضى شرط وجزاءا فهم منه أن رضى الله تعالى مسبوق برضى العبد ومحال أن يرضى العبد عن الله إلا بعد رضى الله عنه كما قال {رضي الله عنهم ورضوا عنه} ومحال أن يحصل رضى الله ولا يحصل رضى العبد في الآخرة فعن الله الرضى أزلا وأبدا وفيه جنوح إلى كراهة اختيار الصحة على البلاء والعافية على السقم ولا ينافيه ما مر ويجيء من الأمر بسؤال العافية وأنها أفضل الدعاء لأنه إنما كرهه لأجل الجرائم واقتراف العظائم كيلا يلقوا ربهم غير مطهرين من دنس الذنوب فالأصلح لمن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف والتطهير بقدر التمحيص والأجر بقدر الصبر ذكره ابن جرير (ت) في الزهد (هـ) في الفتن كلاهما من حديث سعد بن سنان (عن أنس) وقال الترمذي حسن غريب قال في المنار ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن سعد بن سنان قال البخاري فيه نظر ووهنه أحمد اه وقال الذهبي سعد هذا ليس بحجة   (1) والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه الحديث: 2298 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 2299 - (إن علما) مما شأنه الانتفاع به (لا ينتفع به) بالبناء للمفعول أي لا ينتفع به الناس أو لا ينتفع به صاحبه (ككنز لا ينفق منه في سبيل الله) في كون كل منهما وبالا على صاحبه لأن غير النافع حجة على صاحبه ولهذا استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث قال الزمخشري: ومن المجاز معه كنز من كنوز العلم قال زهير ومن يستبح كنزا من العلم يعظم ويقولون هذا كتاب مكتنز بالفوائد (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2299 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 [ص: 460] 2300 - (إن عمار) كزوار (بيوت الله) أي المحبين للمساجد بالذكر والتلاوة والاعتكاف ونحو ذلك من صنوف العبادات وزعم أن المراد بعمارتها بناؤها أو إصلاحها أو ترميما سبق ما ينازع فيه (هم أهل الله) أي خاصته وأحباؤه من خلقه الداخلين في حزبه {ألا إن حزب الله هم المفلحون} قال سيبويه: أهل الرجل هم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه (عبد بن حميد ع طس هق) كلهم (عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد عزوه لأبي يعلى والبزار والطبراني فيه صالح بن بشير المري ضعيف في الحديث وهو رجل صالح وقال الهيثمي فيه صالح المري وهو ضعيف وأقول فيه عند البيهقي هاشم بن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عروبة كبر وتغير الحديث: 2300 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 2301 - (إن عم الرجل صنو أبيه) أي أصله وأصله شيء واحد والصنو بكسر فسكون واجد الصنوين وهو نخلتان في أصل واحد وقيل الصنو المثل فاستعمل لفظ الصنو دون المثل رعاية للأدب وكيفما كان استعمال الصنو في العم من قبيل المجاز قال الزمخشري: من المجاز هو شقيقه وصنوه قال: أتتركني وأنت أخي وصنوي. . . فيا للناس للأمر العجيب وركبتان صنوان متقاربتان وتصغيره صني (طب عن ابن مسعود) عبد الله وفي الباب عن عدة من الصحابة الحديث: 2301 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 2302 - (إن غلاء أسعاركم) أي ارتفاع أثمان أقواتكم (ورخصها بيد الله) أي بإرادته وتصريفه يفعل ما يشاء من غلا ورخص وتوسيع وتقتير وخصب وجدب لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فلا أسعر ولا آمر بالتسعير بل أنهى عنه (إني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله) إذا توفاني (وليس لأحد منكم) أيها الأمة (قبلي) بكسر ففتح وزان عنب (مظلمة) بفتح الميم وكسر اللام (في مال ولا دم) وفي التسعير ظلم لرب المال لأنه تحجير عليه في ملكه فهو حرام في كل زمن فلا أفعله وهذا مذهب الشافعي ومع ذلك إن وقع من الإمام عذر مخالفه للافتيات قال في الصحاح وغيره والمظلمة بفتح اللام ما تطلبه عند الظالم وهي اسم ما أخذ منك (طب عن أنس) بن مالك الحديث: 2302 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 2303 - (إن غلظ جلد الكافر) أي ذرع ثخانته (اثنتين وأربعين ذراعا بذراع الجبار) قيل هو اسم ملك من الملائكة قال الإمام الرازي وغيره ربما أضيف الشيء إلى الله تعالى والمراد إضافته إلى بعض خواص عباده لأن الملك ينسب إليه ما يفعله خواصه على معنى التشريف لهم والتنويه بقدرهم (وإن ضرسه مثل أحد) أي مثل مقدار جبل أحد (وإن مجلسه) موضع مقعده (من جهنم) أي فيها (ما بين مكة والمدينة) أي مقدار ما بينهما من المسافة وسبق أن هذا مما تجول فيه الأفهام وأنه يجب علينا التسليم واعتقاد ما قاله الشارع وإن لم تدركه عقولنا القاصرة وليست أحوال الدنيا [ص: 461] كأحوال الآخرة (ت) في صفة جهنم (ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) وقال الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2303 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 2304 - (إن فضل عائشة) بنت الصديق الصديقة (على النساء) أي على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين في زمنها ومن أطلق نساءه ورد عليه خديجة وهي أفضل من عائشة رضي الله عنها على الصواب لتصريح المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه لم يرزق خيرا من خديجة ولخبر ابن أبي شيبة فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم وآسية وخديجة فإذا فضلت فاطمة فعائشة أولى ومن قول بنساء زمنها ورد عليه فاطمة وفي شأنها قال أبوها ما سمعت وقد قال جمع من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أحدا قال البعض وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة رضي الله عنها (كفضل الثريد) بفتح المثلثة أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه لحم (على سائر الطعام) من جنسه بلا ثريد لما في الثريد من نفعه وسهولة مساغه وتيسر تناوله وبلوغ الكفاية منه بسرعة واللذة والقوة وقلة المؤونة في المضغ فشبهت به لما أعطيت من حسن الخلق وعذوبة المنطق وجودة الذهن ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل وغير ذلك (حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك (ن عن أبي موسى) الأشعري (عن عائشة) أم المؤمنين الحديث: 2304 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 2305 - (إن فقراء المهاجرين) الذين هاجروا من أرض الكفر إلى غيرها فرارا بدينهم (يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة) أي إلى دخولها لعدم فضول الأموال التي يحاسبون على مخارجها ومصارفها (بأربعين خريفا) أي سنة وهذا لا تعارض بينه وبين قوله في الخبر الآتي خمس مئة سنة لاختلاف مدة السبق باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم سابق بأربعين ومنهم بخمس مئة كما يتفاوت مكث عصاة الموحدين في النار باختلاف جرائمهم وهذا كما ترى أعم واقعد من فرق البعض بأن الفقير الحريص يتقدم على الغني بأربعين سنة والزاهد بخمس مئة سنة أو أراد بالأربعين التكثير لا التحديد وأن خبر الخمس مئة متأخر ويكون الشارع زاد في زمن سبق الدخول ترغيبا في الصبر على الفقر لكن ينبغي أن تعلم أن سبق الدخول لا يستلزم رفع المنزلة فقد يكون بعض المتأخرين أرفع درجة من السابقين يرشد إليه أن ممن يحاسب أفضل من السبعين ألفا الداخلين بغير حساب فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان ويحصل لواحد السبق والرفعة ويعدمها آخر ويحصل لآخر واحد فقط بحسب المقتضي (م) في الزهد من حديث عبد الرحمن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الجيلي: جاء ثلاثة نفر إلى ابن عمرو فقالوا له والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لكم ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره الحديث: 2305 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 2306 - (إن فقراء المهاجرين) في رواية فقراء المؤمنين وهي أعم (يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار خمس مئة سنة) ويدخل فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالقدر المذكور ذكره القرطبي ثم الأغنياء إن أحسنوا في فضول أموالهم كانوا بعد الدخول أرفع درجة من كثير من الفقراء كما تقرر والمراد في هذا وما قبله من لا فضل له عما وجب عليه من نفقته ونفقة ممونه على الوجه اللائق وإن لم يكن من أهل الزكاة ولا الفيء ذكره ابن تيمية وغيره (تتمة) أخرج العسكري عن [ص: 462] نصر بن جرير أن أبا حنيفة رضي الله عنه سئل عن حديث يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم فقال المراد الأغنياء من غير هذه الأمة لأن في أغنياء هذه الأمة مثل عثمان بن عفان والزبير وابن عوف رضي الله عنهم قال نصر فذكرته لعبد الواحد بن زيد فقال لا يسأل أبو حنيفة عن هذا إنما يسأل عن المدبر والمكاتب ونحوه (هـ عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2306 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 2307 - (إن فناء أمتي) قال في الصحاح فنى الشيء بالكسر فناء وتفانوا أفنى بعضهم بعضا في الحروب (بعضها ببعض) أي أن اهلاكهم بقتل بعضهم بعضا في الحروب بينهم فإن نبيهم سأل الله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم (قط في) كتاب (الأفراد عن رجل) من الصحابة وإبهامه غير قادح لأن الصحب كلهم عدول قال ابن حجر رحمه الله في تخريج الهداية إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلا الحديث: 2307 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 2308 - (إن فلانا أهدى إلي ناقة) فعل ماض من الهدية (فعوضته منها) أي عنها (ست بكرات) جمع بكرة بفتح فسكون والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس والبكرة بمنزلة الفتاة (فظل ساخطا) أي غضبانا كارها لذلك التعويض طالبا الأكثر منه قال في الصحاح: سخط غضب وفي الصحاح عطاء سخوط أي مكروه (لقد هممت) أي أردت وعزمت قال في الصحاح هم بالشيء أراده (أن لا أقبل هدية) من أحد (إلا من قريشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) لأنهم لمكارم أخلاقهم وشرف نفوسهم وإشراق النور على قلوبهم دقت الدنيا في أعينهم فلا تطمح نفوسهم إلى ما ينظر إليه السفلة والرعاع من المكافاة على الهدية واستكثار العوض وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق ويعطي عطاء من لا يخاف الفقر ولا يستكثر مكافأة ذلك الإنسان بستين فضلا عن ستة لكنه رأى غيره في ذلك الوقت أحوج وبالتضعيف لذلك حتى يرضى يفوت حق غيره (حم ت) في آخر الجامع (عن أبي هريرة) قال خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره ورواه أبو داود مختصرا الحديث: 2308 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 2309 - (إن فاطمة) بنت النبي صلى الله عليه وسلم (أحصنت) في رواية حصنت بغير ألف (فرجها) صانته عن كل محرم من زنا وسحاق ونحو ذلك (فحرمها) أي بسبب ذلك الإحصان حرمها (الله وذريتها على النار) أي حرم دخول النار عليهم فأما هي وابناها فالمراد في حقهم التحريم المطلق وأما من عداهم فالمحرم عليهم نار الخلود وأما الدخول فلا مانع من وقوعه للبعض للتطهير هكذا فافهم وقد ذكر أهل السير أن زيد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهم خرج على المأمون فظفر به فبعث به لأخيه علي الرضى فوبخه الرضى وقال له يا زيد ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سفكت الدماء وأخفت السبل وأخذت المال من غير حله غرك أنه قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها كالحسن والحسين لا لي ولا لك والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله تعالى فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته إنك إذن لأكرم على الله منهم وروى أبو نعيم والخطيب بسندهما لمحمد بن مرثد كنت ببغداد فقال محمد بن مرثد هل لك أن أدخلك على علي الرضى فأدخلني فسلمنا وجلسنا فقال له حديث إن فاطمة أحصنت فرجها إلخ قال خاص للحسن والحسين <تنبيه> قال ابن حجر: يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبي يعلى عن عمر مرفوعا تزوج حفصة خير من عثمان وتزوج عثمان [ص: 463] خيرا من حفصة (البزار) في مسنده عن محمد بن عقبة السدوسي عن معاوية بن هشام عن عمرو بن غياث عن عاصم عن ذر عن ابن مسعود ثم قال أعني البزار لا نعلم من رواه هكذا إلا عمرو ولم يتابع عليه وقال العقيلي في الحديث نظر وقال ابن الجوزي موضوع مداره على عمرو بن غياث وقد ضعفه الدارقطني وكان من شيوخ الشيعة (ع طب ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وقال الذهبي لا بل ضعيف تفرد به معاوية وفيه ضعف عمرو بن غياث وهو واه بمرة اه لكن له شواهد منها خبر البزار والطبراني أيضا إن فاطمة حصنت فرجها وإن الله أدخلها بإحصان فرجها وذريتها الجنة قال الهيثمي فيه عمرو بن غياث ضعيف الحديث: 2309 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 2310 - (إن فسطاط المسلمين) بضم الفاء أصله الخيمة والمراد حصنهم من الفتن (يوم الملحمة) أي الوقعة العظيمة في الفتنة كما في الصحاح (بالغوطة) بالضم وهي كما في الصحاح موضع بالشام كثير الماء والشجر وهي غوطة دمشق ولهذا قال (إلى جانب مدينة يقال لها دمشق) بكسر ففتح وهي قصبة الشام كما في الصحاح سميت باسم دماشاق بن نمروذ بن كنعان (من خير مدائن الشام) أي هي من خيرها بل هي خيرها ولا يقدح فيه من لأن بعض الأفضل قد يكون أفضل بدليل خبر عائشة رضي الله تعالى عنها كان أي النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم قال ابن عساكر دخلها عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم (د) في الملاحم (عن أبي الدرداء) وروي من طرق أخرى الحديث: 2310 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 2311 - (إن في الجمعة) أي في يومها (لساعة) أبهمها كليلة القدر والاسم الأعظم حتى تتوافر الدواعي على مراقبة ساعات ذلك اليوم وفي خبر يجيء إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها ويوم الجمعة من تلك الأيام فينبغي التعرض لها في جميع نهاره بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء والنزوع عن وسواس الدنيا فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات والأصح أن هذه الساعة لم ترفع وأنها باقية وأنها في كل جمعة لا في جمعة واحدة من السنة خلافا لبعض السلف وجاء تعيينها في أخبار ورجح النووي منها خبر مسلم أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة ورجح كثيرون منهم أحمد وحكاه الزملكاني عن نص الشافعي أنها في آخر ساعة في يوم الجمعة وأطيل في الاتنصار له ووراء ذلك أربعون قولا أضربنا عن حكايتها لقول بعض المحققين ما عدا القولين موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوفا استند قائله إلى اجتهاد لا توقيف وحقيقة الساعة المذكورة جزء مخصوص من الزمن وتطلق على جزء من اثني عشر جزءا من مجموع النهار أو على جزء ما غير مقدر منه أو على الوقت الحاضر وفي خبر مرفوع لأبي داود ما يصرح بالمراد وهو يوم الجمعة اثنتي عشرة ساعة إلخ (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد مسلم) يعني انسان مؤمن عبد أو أمة حر أو قن قال الطيبي: وقوله لا يوافقها صفة لساعة أي لساعة من شأنها أن يترقب لها وتغتنم الفرصة لإدراكها لأنها من نفحات رب رؤوف رحيم وهي كالبرق الخاطف فمن وافقها أي تعرض لها واستغرق أوقاته مترقبا للمعانها فوافقها قضى وطره منها قال الشاعر: فأنالني كل المنى بزيارة. . . كانت مخالسة كخطفة طائر فلو استطعت إذن خلعت علي الدجا. . . فلطول ليلتنا سواد الناظر (وهو قائم) جملة اسمية حالية (يصلي) جملة فعلية حالية (فيسأل) حال ثالثة (الله تعالى) فيها (خيرا) من خيور [ص: 464] الدنيا والآخرة وفي رواية للبخاري شيئا أي مما يليق أن يدعو به المؤمن ويسأل فيه ربه تعالى وذكر قائم غالبي فالقاعد والمضطجع كذلك (إلا أعطاه إياه) تمامه عند البخاري وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها وفيه تغليب الصلاة على ما قبلها وهي الخطبة بناء على القول الأول وأما على الثاني فمعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى {ما دمت عليه قائما} واستشكل حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمصلي وساعة الإجابة معلقة بالوقت فكيف يتفق مع الإختلاف وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل (مالك) في الموطأ (حم م ن هـ عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم فقد رواه البخاري عن أبي هريرة أيضا مع تغيير لفظي يسير وذلك لا يقدح ولهذا قال الحافظ العراقي في المغني هو متفق عليه الحديث: 2311 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 2312 - (إن في الجنة بابا) لم يقل للجنة إشعارا بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه (يقال له الريان) بفتح الراء وشدة المثناة التحتية فعلان من الري وهو باب يسقى منه الصائم شرابا طهورا قبل وصوله إلى وسط الجنة ليذهب عطشه وفيه مزيد مناسبة وكمال علاقة بالصوم واكتفى بالري عن الشبع لدلالته عليه أو لأنه أشق على الصائم من الجوع (يدخل منه) إلى الجنة (الصائمون يوم القيامة) يعني الذين يكثرون الصوم لتتكسر نفوسهم لما تحملوا مشقة الظمأ في صومهم خصوا بباب في الري والأمان من الظمأ قبل تمكنهم ومن ثم كان مختصا بهم (لا يدخل منه أحد غيرهم) كرر نفي دخول غيرهم تأكيدا (يقال) أي يوم القيامة في الموقف والقائل الملائكة أو من أمره الله من خلقه (أين الصائمون) المكثرون للصيام (فيقومون) فيقال لهم ادخلوا الجنة (فيدخلون منه فإذا دخلوا) منه أي دخل آخرهم (أغلق) بالبناء للمفعول (فلم يدخل منه) بعد ذلك أحد أي لم يدخل منه غير من دخل ولا يناقضه أن المتشهد عقب الوضوء تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء لجواز أن يصرف الله مشيئة ذلك المتشهد عن دخول باب الريان إن لم يكن من مكثري الصوم ذكره البعض وذكر أن المراد بالصائمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم سموا به لصيامهم رمضان فمعناه لا يدخل من الريان إلا هذه الأمة بعيد متكلف <فائدة> ذكر الطالقاني في حظائر القدس لرمضان ستين اسما (حم ق) في صفة الجنة (عن سهل بن سعد) الساعدي الحديث: 2312 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 2313 - (إن في الجنة لعمدا) بضمتين وبفتحتين جمع عمود وهو معروف والعماد الأبنية الرفيعة وما يسند به (من ياقوت) أحمر وأبيض وأصفر (عليها غرف) جمع غرفة بالضم وهي كما في الصحاح العلية (من زبرجد) كسفرجل جوهر معروف (لها أبواب مفتحة تضيء) يعني تلك الغرف ومن أرجعه للأبواب فقد أبعد وإن كان أقرب (كما يضيء الكوكب الدري) قالوا يا رسول الله من يسكنها قال (يسكنها المتحابون في الله والمتجالسون في الله) لنحو ذكر أو قراءة أو علم أو غيرها (والمتلاقون في الله) أي المتعاونون على أمر الله فأعظم بمحبة الله من خصلة من ثمراتها استحقاق السكنى بهاتيك المساكن (ابن ابي الدنيا) أبو بكر (في كتاب) فضل زيارة (الإخوان هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار وضعفه المنذري وذلك لأن فيه يوسف بن يعقوب القاضي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول وحميد بن الأسود وأورده فيهم وقال كان عفان يحمل عليه ومحمد بن أبي حميد وضعفوه وحينئذ فتعصيب الهيثمي الجناية [ص: 465] برأس الأخير حدوه ليس على ما ينبغي الحديث: 2313 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 2314 - (إن في الجنة غرفا يرى) بالبناء للمفعول أي يرى أهل الجنة (ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها) لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها قالوا لمن هي يا رسول الله قال (أعدها الله تعالى) أي هيأها (لمن أطعم الطعام) في الدنيا للعيال والفقراء والأضياف والإخوان ونحوهم (وألان الكلام) أي تملق للناس واستعطفهم قال في الصحاح اللين ضد الخشونة وقد لان الشيء لينا وألينه صيره لينا وقد ألانه أيضا على النقصان والتمام وتلين تملق انتهى وحقيقة اللين كما قاله ابن سيناء كيفية تقتضي قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينتقل عن وضعه ولا يمتد كثيرا ولا يتفرق بسهولة وضده الصلابة قال الطيبي: جعل جزاء من تلطف في الكلام الغرفة كما في قوله تعالى {أولئك يجزون الغرفة} {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الآية. وفيه إيذان بأن لين الكلام من صفات الصالحين الذين خضعوا لبارئهم وعاملوا الخلق بالرفق في الفعل والقول ولذا جعلت جزاء من أطعم الطعام كما في قوله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} فدل على أن الجواد شأنه توخي القصد في الإطعام والبذل ليكون من عباد الرحمن وإلا كان من إخوان الشيطان (وتابع الصيام) قال ابن العربي: عنى به الصيام المعروف كرمضان والأيام المشهود لها بالفضل على الوجه المشروع مع بقاء القوة دون استيفاء الزمان كله والاستيفاء القوة بأسرها وإنما يكسر الشهوة مع بقاء القوة وقال الصوفية الصيام هنا الإمساك عن كل مكروه فيمسك قلبه عن اعتقاد الباطل ولسانه عن القول الفاسد ويده عن الفعل المذموم وفي رواية وواصل الصيام (1) وفي أخرى وأفشى السلام (وصلى بالليل) أي تهجد فيه (والناس نيام) وهذا ثناء على صلاة الليل وعظم فضلها عند الله تعالى وجعل الغرفة جزاء من صلى بالليل كما في قوله تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} فأومأ به إلى أن المتهجد ينبغي أن يتحرى في قيامه الإخلاص ويجتنب الرياء لأن البيتوتة للرب لم تشرع إلا لإخلاص العمل لله ولم يذكر الصيام في التنزيل استغناء بقوله {بما صبروا} لأن الصيام صبر كله هذا ما قرره شارحون لكن في رواية البيهقي قيل يا رسول الله وما إطعام الطعام قال من قات عياله قيل وما وصال الصيام قال من صام رمضان ثم أدرك رمضان فصامه قيل وما إفشاء السلام قال مصافحة أخيك قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلاة العشاء الآخرة اه. وهو وإن ضعفه ابن عدي لكن أقام له شواهد يعتضد بها ومع ملاحظته لا يمكن التفسير بغيره (حم حب هب عن أبي مالك الأشعري) قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن معانق وثقه ابن حبان (ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقد تكلم فيه من قبل حفظه اه. ولهذا جزم الحافظ العراقي بضعف سنده وكثيرا ما يقع للمصنف عزو الحديث لمخرجه ويكون مخرجه قد عقبه بما يقدح في سنده فيحذف المصنف ذلك ويقتصر على عزوه له وذلك من سوء التصرف   (1) ويكفي في متابعة الصيام مثل حال أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من صوم ثلاثة أيام من كل شهر أوله ومثلها من أوسطه وآخره والإثنين والخميس وعشر ذي الحجة ونحو ذلك الحديث: 2314 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 2315 - (إن في الجنة مئة درجة) أي درجات كثيرة جدا ومنازل عالية شامخة فالمراد بالمئة التكثير لا التحديد فلا [ص: 466] تدافع بينه وبين خبر إن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة وقيل الحصر في المئة للدرج الكبار المتضمنة للصغار والدرجة المرقاة (لو أن العالمين) بفتح اللام أي جميع المخلوقات (اجتمعوا) جميعا (في إحداهن لوسعتهم) جميعهم لسعتها المفرطة التي لا يعلم كنه مقدارها إلا الذي كونها والقصد بين عظم الجنة (1) وأن أهلها لا يتنافسون في مساكنها ولا يتزاحمون في أماكنها كما هو واقع لهم في الدنيا (ت عن أبي سعيد) قال الترمذي حسن صحيح   (1) والله تعالى يقول {عرضها السماوات والأرض} و {كعرض السماء والأرض} وإذا كان هذا عرضها فما بالك بالطول الحديث: 2315 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 2316 - (إن في الجنة بحر الماء) غير آسن (وبحر العسل) أي المصفى (وبحر اللبن) أي الذي لم يتغير طعمه (وبحر الخمر) الذي هو لذة للشاربين (ثم تشقق الأنهار بعد) قال الطيبي رحمه الله تعالى: يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما وبالنهر مثل نهر معفل حيث تشقق منها جداول وخص هذه الأنهار بالذكر لكونها أفضل أشربة النوع الإنساني فالماء لريهم وطهورهم والعسل لشفائهم ونفعهم واللبن لقوتهم وغذائهم والخمر للذتهم وسرورهم وقدم الماء لأنه حياة النفوس وثنى بالعسل لأنه شفاء للناس وثلث باللبن لأنه الفطرة وختم بالخمر إشارة إلى أن من حرمه في الدنيا لا يحرمه في الآخرة (حم ت عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة الحديث: 2316 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 2317 - (إن في الجنة لمراغا من مسك) أي محلا منبسطا مملوءا منه مثل المحل المملوء من التراب المعد لتمرغ الدواب أي تمعكهم وتقلبهم فيه في الدنيا فلهذا قال (مثل مراغ دوابكم في الدنيا) في سعته وتكثره وسهولة وجدانه لكل أحد وإنما شبهه به لأن الإنسان بالمألوف آنس وبالمعهود أميل فليس في الجنة شيء يشبهه ما في الدنيا كما يجيء في خبر (1) قال في الصحاح: مرغه في التراب تمريغا أي معكه فتمعك والموضع متمرغ ومراغ ومراغة وقال الزمخشري: مرغته تمريغا إذا أشبعت رأسه وجسده دهنا ومن المجاز فلان يتمرغ في النعيم يتقلب فيه (طب) وكذا الأوسط (عن سهل بن سعد) قال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمي رجالهما ثقات   (1) أي فيتمرغ فيه أهلها كما تتمرغ الدواب في التراب واحتمال أن المراد أن الدواب التي تدخل الجنة تتمرغ فيه بعيد وفي النهاية في الجنة مراغ المسك أي الموضع الذي يتمرغون فيه من ترابها والتمرغ التقلب في التراب وظاهر أن ذلك من باب ظهور الشرف وكمال المقابلة وإن كانت دوابهم غير محتاجة لذلك لأن التمرغ لإزالة التعب عنها وهي ليس عليها تعب لكن ربما يقال إن ذلك لنحو دواب الجهاد التي تدخل الجنة مجازاة لأصحابها من باب تتميم اللذة لهم فإن أعمالهم تكون بين أيديهم تسرهم رؤيتها ومنها تلك الدواب أي لكونهم جاهدوا عليها وأشار إليه بعض من تكلم على دواب الجنة وقد ثبت دخول بعض الدواب الدنيوية الجنة انتهى الحديث: 2317 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 2318 - (إن في الجنة لشجرة) قيل هي شجرة طوبى ويحتاج لتوقيف والشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جل قاوم الشتاء أو عجز عنه ذكره في القاموس فشمل شجر البلح وغيره (يسير الراكب) الفرس [ص: 467] (الجواد (1)) بالتخفيف أي الفائق أو السابق الجيد وفي رواية المجود الذي يجود ركض الفرس (المضمر (2)) بضاد معجمة مفتوحة وميم مشددة أي الذي قلل علفه تدريجا ليشتد جريه قال الزركشي هو بنصب الجواد وفتح الميم الثانية من المضمر ونصب الراء نعت لمفعول الراكب وضبطه الأصيلي بضم المضمر والجواد صفة للراكب فيكون على هذا بكسر الميم الثانية وقد يكون على البدل (في ظلها (3)) أي راحتها ونعيمها إذ الجنة لا شمس فيها ولا أذى (مئة عام) في رواية سبعين (4) (ما يقطعها) زاد أحمد وهي شجرة الخلد والجملة حال من فاعل يسير يعني لا يقطع الراكب المواضع التي تسترها أغصان الشجرة وفي ذكر كبر الشجرة رمز إلى كبر الثمرة ومن ثم ورد أن نبقها كقلال هجر وذا أبين لفضل المؤمن وأجلب لمسرته فحين أبصر شجر الرمان مثلا في الدنيا وحجم ثمرها وأن قدر الكبرى من الشجر لا يبلغ مساحتها عشرة أذرع وثمرها لا يفضل على أصغر بطيخة ثم أبصر شجرة في ذلك القدر وثمرة منها تشيع أهل دار كان أفرط لابتهاجه واغتباطه وأزيد لاستعجابه واستغرابه وأبين لكنه النعمة وأظهر للمزية من أن يفجأ ذلك الشجر والثمر على ما سلف له به عهد وتقدم له ألف فإبصاره لها على ذلك الحجم دليل على تمام الفضل وتناهي الأمر وأن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستوجب تعجبهم ويستدعي تحجبهم في كل أوان فسبحان الحكيم المنان واستشكل هذا الحديث بأن من أين هذا الظل والشمس قد كورت وما في الجنة شمس؟ وأجاب السبكي بأنه لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس وليس كذلك بل الظل مخلوق لله تعالى وليس بعدم بل هو أمر وجودي له نفع في الأبدان وغيرها (حم ح ت عن أنس) بن مالك (ق عن سهل) بن سعد (حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري (ق ت هـ عن أبي هريرة)   (1) الجواد بالنصب على أنه مفعول الراكب أو بالجر بالإضافة أي الفائق الجيد (2) المضمر هو أن يعلف حتى يسمن ويقوى على الجري ثم يقلل العلف بقدر القوت ويدخل بيتا ويغشى بالحلال حتى يحمى فيعرق فإذا جف عرقه قل لحمه وقوي على الجري (3) وقيل معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها (4) ولا تعارض لأن المراد التكثير لا التحديد أو أن بعض أغصانها سبعين وبعضها مئة الحديث: 2318 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 2319 - (إن في الجنة ما لا عين رأت) في دار الدنيا (ولا أذن سمعت) فيها (ولا خطر على قلب أحد) (1) {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} أخفوا ذكره عن الأغيار والرسوم فأخفى ثوابهم عن المعارف والفهوم وقد أشهد الله عباده في هذه الدار آثارا من آثارها وأنموذجا منها من الروائح الطيبة واللذة والمناظر البهية والمناكح الشهية وفي خبر أبي نعيم يقول الله للجنة طيبي أهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس في السحر من ذلك كما جعل سبحانه وتعالى نار الدنيا وغمومها وأحزانها وآلامها مذكرة بنار الآخرة وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده أنفاس جنته وما نذكرهم بها <تنبيه> استشكل هذا الحديث بما في حديث أبي داود وغيره أنه تعالى لما خلق الجنة أرسل جبريل عليه السلام إليها فقال انظر إليها وإلى ما أعددت إلى أهلها فيها الحديث فقد رأته عين وأجيب بما منه أن المراد من نظر جبريل عليه السلام لما أعده الله لأهلها فيها ما أعده لعامتهم فلا يمتنع أنه يعد فيها لبعضهم ما لم ينظر إليه جبريل عليه السلام وبأن المراد عين البشر لا الملائكة وسيجيء بسطه (طب) وكذا البزار (عن سهل بن سعد) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا منهم فلو عزاه المصنف للبزار كان أجود   (1) أي لم يدخل تحت علم أحد كنى بذلك عن عظيم نعيمها القاصر عن كنه علمنا الآن وسيظهر لنا بعد إن شاء الله الحديث: 2319 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 [ص: 468] 2320 - (إن في الجنة لسوقا) يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح والمراد به هنا مجتمع يجتمع فيه أهل الجنة وقد حفته الملائكة بما لا يخطر بقلب بشر يأخذون مما يشتهون بلا شراء وهو أنواع الالتذاذ كما قال (ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها) (1) أراد بالصورة الشكل والهيئة أي تتغير أوصافه بأوصاف شبيهة بتلك الصورة فالدخول مجاز عن ذلك وأراد به التزيين بالمحل والحلل وعليها فالمتغير الصفة لا الذات ذكره الطيبي وقال القاضي له معنيان أحدهما أنه أراد بالصورة الهيئة التي يختار الإنسان أن يكون عليها من التزيين الثاني أنه أراد الصورة التي تكون للشخص في نفسه من الصور المستحسنة فإذا اشتهى صورة منها صوره الله بها وبدلها بصورته فتتغير الهيئة والذات قال وظاهره يستدعي أن الصور تباع وتشترى في ذلك السوق لأن تقدير الكلام إلا بيع الصور وشراءها وإلا لما صح الاستثناء فلا بد لها من عوض تشترى به وهو الإيمان والعمل الصالح على ما دل عليه نص الكتاب والسنة الدالة على تفاوت الهيئات والحلي في الآخرة بحسب الأعمال فجعل اختيار العبد لما يوجب صورة من الصور التي تكون لأهل الجنة اختيار لها واتيانه بها ابتياعا له وجعله كالمتملك لها المتمكن منها متى شاء ونوزع فيه بما لا يجدي <فائدة> قال ابن عربي: حدثني أوحد الدين الكرماني قال كنت أخدم شيخا وأنا شاب فمرض بالبطن وكان في مغارة فلما وصلنا تكريت قلت يا سيدي اتركني أطلب لك دواء من صاحب المارستان فلما رأى احتراقي قال اذهب إليه فذهبت إليه فإذا هو قاعد في الخيمة ورجال قائمون بين يديه ولا يعرفني فرآني واقفا بين يديه مع الناس فقام إلي وأخذ بيدي وأكرمني وأعطاني الدواء وخرج معي في خدمتي فجئت الشيخ وأعطيته الدواء وذكرت له كرامة أمير المارستان فقال لي يا ولدي إني أشفقت عليك لما رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك ثم خفت أن يخجلك الأمير بعدم إقباله عليك فتجردت من هيكلي ودخلت في هيكل ذلك الأمير وقعدت في محله فلما جئت أكرمتك وفعلت معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي هذا ولا حاجة لي في هذا الدواء (ت) في صفة الجنة (عن علي) أمير المؤمنين وقال غريب انتهى وضعفه المنذري وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ودندن عليه ابن حجر ثم قال وفي القلب منه شيء والمصنف بما محصوله أن له شواهد   (1) قال ابن حجر قوله دخل فيها: الذي يظهر لي أن المراد به أن الصورة تتغير فتصير شبيهة بتلك الصورة لا أنه يدخل فيها حقيقة والمراد بالصورة الشكل والهيئة الحديث: 2320 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 2321 - (إن في الجنة دارا) أي عظيمة جدا في النفاسة فالتنكير للتعظيم (يقال لها دار الفرح) أي تسمى بذلك بين أهلها (لا يدخلها) من المؤمنين أي دخول سكنى بها كما يقتضيه الترغيب (إلا من فرح) بالتشديد (الصبيان) يعني الأطفال ذكورا أو إناثا فليس المراد الذكور فحسب وتفريحهم مثل أن يطرفهم بشيء من الباكورة ويزينهم في المواسم ويأتي إليهم بما يستعذب ويستغرب فيه شمول لصبيانه وصبيان غيره لكن أبدأ بمن تعول <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الفرح والسرور أن السرور انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلا وآجلا والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة وذلك في اللذات البدنية الدنيوية وقد يسمى الفرح سرورا وعكسه لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق ويتصور أحدها بصورة الأخذ (عد) عن أحمد بن حفص عن سليم بن شبيب عن عبد الله بن يزيد المقري عن ابن لهيعة عن هشام عن عروة (عن عائشة) أورده الجوزي من هذا الوجه في الموضوعات وقال ابن لهيعة ضعيف [ص: 469] وأحمد بن حفص منكر الحديث انتهى وفي الميزان أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي صاحب مناكير وقال ابن عدي هو عندي لا يتعمد الكذب الحديث: 2321 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 2322 - (إن في الجنة دارا يقال لها الفرح) أي وهي على غاية من النفاسة والبهجة بحيث تعد من الفرائد وتتميز على غيرها بفضل حسن كما يفيده السياق (لا يدخلها إلا من) أي إنسان (فرح يتامى المؤمنين) بشيء مما مر لأن الجزاء من جنس العمل فمن فرح من ليس له من يفرحه فرحه الله بإسكان تلك الدار العلية المقدار الرفيعة المنار فإن قلت: ظاهر التقييد هنا اليتيم أن المراد بالصبيان فيما قبله اليتامى دون غيرهم قلت: الأقعد أن يراد ثم مطلق الصبيان وتكون الدار غير هذه لكن تكون هذه الدار أنفس لأن تفريح الأيتام أفضل وإن كان تفريح كل شيء فاضلا (حمزة) أبو القاسم (بن يوسف) بن إبراهيم بن موسى (السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء نسبة إلى سهم بن عمرو وهو الجرجاني الحافظ له تصانيف معروفة (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه أي تاريخ بغداد كلاهما جميعا عن محمد بن القاسم القزويني عن أبي الحسن الوراق عن علي بن عبد الله عن محمد بن أحمد بن يزيد الحراني عن محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه عن ابن لهيعة عن ابن غسانة (عن عقبة بن عامر الجهني) الحديث: 2322 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 2323 - (إن في الجنة بابا يقال له الضحى) أي يسمى باب الضحى (فإذا كان يوم القيامة نادى مناد) من قبل الله تعالى من الملائكة أو غيرهم (أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى) في الدنيا فيأتون فيقال لهم (هذا بابكم) أي الذي أعده الله لكم (فادخلوه) فرحين مسرورين (برحمة الله) لا بأعمالكم فالمداومة على صلاة الضحى لا توجب الدخول منه ولا بد وإنما الدخول بالرحمة لما تقرر في غير ما موضع أن العمل الصالح غير موجب للدخول بل إنما يحصل به الاستعداد للذي يتفضل عليه {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وهذا تنويه عظيم بصلاة الضحى وهي سنة وما ورد مما يخالفه مؤول (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي وفيه سليمان بن داود اليمامي قال ابن عدي وغيره متروك الحديث: 2323 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 2324 - (إن في الجنة بيتا يقال له بيت الأسخياء) أي يسمى بين أهل الجنة والملائكة بذلك والسخي الكريم والمراد أن لهم فيها بيتا عظيم الشأن يختص بهم دون غيرهم وقياس ما سبق فيما قبله أن يقال لا يدخله إلا الأسخياء والسخاء بالمد الجود والكرم ومقصود الحديث الحث على السخاء وتجنب البخل (طس عن عائشة) وقال تفرد به جحدر بن عبد الله وقال الهيثمي ولم أجد من ترجمه الحديث: 2324 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 2325 - (إن في الجنة لنهرا) بفتح الهاء في اللغة العالية وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ذكره الزمخشري وقال غيره هو ما بين حافتي الوادي سمي به لسعة ضوئه (ما يدخله جبريل من دخلة) بكسر الميم جار ومجرور الجار زائد أي مرة واحدة من الدخول ضد الخروج (فيخرج منه فينتفض إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه [ص: 470] ملكا) يعني ما ينغمس فيه جبريل عليه السلام انغماسة فيخرج منه فينتفض انتفاضة إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه من الماء حال خروجه منه ملكا يسبحه دائما فقوله إلا إلخ هو محط الفائدة وهذا الحديث يوضحه ما رواه العقيلي بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا في السماء بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل عليه السلام كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة فيخرج منه سبعون ألف قطرة فيخلق الله تعالى من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا فيتولى عليهم أحدهم ثم يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله تعالى فيه إلى أن تقوم الساعة انتهى قال ابن الجوزي موضوع فقال المؤلف ما هو بموضوع قال ابن حجر رحمه الله واستدل به على أن الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت من الملائكة في هذا الخبر (أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن إبراهيم بن محمد بن الحسن عن ابن عبد الله المخزومي عن مروان بن معاوية الفرازي عن زياد بن المنذر عن عطية (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي قال المؤلف وزياد بن المنذر ضعفه أبو حاتم الحديث: 2325 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 2326 - (إن في الجنة نهرا) من ماء (يقال له رجب) أي يسمى ذلك بين أهلها (أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من شهر رجب سقاه الله من ذلك النهر) فيه إشعار باختصاص ذلك الشرب بصوامه وهذا تنويه عظيم بفضل رجب ومزية الصيام فيه وفيه كالذي قبله رمز إلى فضل الأنهار وأنها أعظم ماء من الله به على عباده في الدارين قال الزمخشري: أنزه البساتين وأكرمها منظرا ماء أشجاره مظللة والأنهار في خلالها مطردة ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر وتبهج النفوس وتجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء وإلا كان الأنفس الأعظم فائتا والسرور الأوفر مفقودا (الشيرازي في) كتاب (الألقاب هب عن أنس) قال ابن الجوزي هذا لا يصح وفيه مجاهيل لا يدري من هم انتهى وفي الميزان هذا باطل الحديث: 2326 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 2327 - (إن في الجنة درجة) أي منزلة عالية (لا ينالها إلا أصحاب الهموم) يعني في طلب المعيشة كذا في الفردوس والهم بالفتح الحزن والقلق وأهمني الأمر بالألف أقلقني وهمني هما من باب قتل مثله واهتم الرجل بالأمر قام به كذا في المصباح. قال الزمخشري: تقول أي العرب أهمه الأمر حتى أهرمه أي أذابه ووقعت السوسة في الطعام فهمته هما أي أكلت لبابه واهتم به ونزل به مهم ومهمات (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى الحديث: 2327 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 2328 - (إن في الجمعة ساعة) أي لحظة قيل وليس المراد هنا الفلكية (لا يحتجم فيها أحد إلا مات) أي بسبب الحجم وقوله في الجمعة أي في يومها ويحتمل أن المراد في ساعة من الأسبوع جميعه فالأول أقرب وفي الخبر ما يدل عليه. [ص: 471] (ع) عن يحيى بن العلاء عن زيد بن أسلم عن طلحة بن عبيد (عن الحسين بن علي) فيه يحيى بن العلاء وهو كذاب وقال الذهبي في التنقيح في إسناده مثل يحيى بن العلاء وهو متروك انتهى وقال في الميزان يحيى بن العلاء البجلي ضعفه جماعة وقال الدارقطني متروك وقال أحمد كذاب يضع الحديث ثم سرد له مما أنكر عليه أخبارا هذا منها انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه فقال موضوع تعقبه المؤلف بأنه رواه البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها من يحتجم إلا عرض له داء يشفى منه وقال عطاء أحد رجاله ضعيف الحديث: 2328 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 2329 - (إن في الحجم شفاء) أي من غالب الأمراض لغالب الناس في قطر مخصوص في زمن مخصوص هكذا فافهم كلام الرسول ولا عليك من ضعفاء العقول فإن هذا وأشباهه يخرج جوابا لسؤال معين يكون الحجم له من أنفع الأدوية ولا يلزم من ذلك الإطراد (م) من حديث عاصم (عن جابر) بن عبد الله قال عاصم إن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال لا أبرح أحتجم حتى يحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره الحديث: 2329 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 2330 - (إن في الصلاة شغلا) وفي رواية لشغلا باللام قال القرطبي: اكتفى بذكر الموصوف عن الصفة فكأنه قال شغلا كافيا أو مانعا من الكلام وغيره وقال غيره: تنكيره يحتمل التنويع أي أن شغل الصلاة قراءة القرآن والتسبيح والدعاء لا الكلام أي شغلا أي شغل لأنها مناجاة مع الله واستغراق في خدمته فلا تصلح للشغل فإن قيل فكيف حمل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمامة بنت أبي العاص في صلاته على عاتقه وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها قلنا إسناد الحمل والوضع والرفع إليه مجاز فإنه لم يتعمد حملها لكنها على عادتها تتعلق به وتجلس على عاتقه وهو لا يدفعها فإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى استبدل بها فكيف لا تشغله هذه؟ قال بعض الأولياء: وقل من يشتغل برعاية مخارج الحروف والترقيق والتفخيم والإدغام والإقلاب ونحو ذلك إلا اشتغل عن الصلاة وفاته الحضور مع الله الذي هو روحها لأن النفس ليس في إمكانها الإشتغال بشيئين معا وقال الغزالي: بين بهذا الخبر أن الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس فإذا رأيت نفسك معرضة عن الصلاة متطلعة إلى كلام الناس وملاقاتهم بلا حاجة فاعلم أنه فضول ساقه الفراغ إليك فإذا أعطيت الصلاة حقها وجدت حلاوة المناجاة واستأنست بها واشتغلت عن الخلق واستوحشت من صحبتهم والمصلون وافدون إلى باب الملك فمنهم من يقرع بأنامل فقره معتذرا من ذنوبه مؤملا أن يفتح له باب الغفر ليطفىء نيران مخالفته وهم الظالمون ومنهم من يقرع بأنامل رجائه لقبول العمل وجزيل البر والثواب وهم المقتصدون ومنهم من يقرع بأنامل التعظيم متدللا مغضيا عن ملاحظة الأسباب ليفتح له بالإذن ويرفع الحجاب فيوشك أن يفتح له (ش حم ق د هـ عن ابن مسعود) قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا فلم يرد ثم ذكره وقضيته أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة فإن ابن مسعود إنما قدم من الحبشة إلى مكة قبلها ويعارضه حديث زيد بن أرقم عند الشيخين كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام قال ابن أرقم مدني فظاهر حديثه أن تحريم الكلام في الصلاة كان في المدينة بعد الهجرة وأجيب بأن ابن أرقم لم يبلغه تحريم ذلك إلا حين نزول الآية فيكون نزولها غاية لعدم بلوغ النهي عن الكلام لهم لا لعدم النهي على الإطلاق الحديث: 2330 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 2331 - (إن في الليل لساعة) يحتمل أن يراد بها الساعة النجومية وأن يراد جزؤ منها ونكرها حثا على طلبها بإحياء الليالي [ص: 472] (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد) في رواية رجل (مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) أي ذلك المذكور يحصل كل ليلة فلا يختص ببعض الليالي بل كائن في جميعها قبيل تلك الساعة في الثلث الأخير الذي يقول فيه الله من يدعوني فأستجيب له وقيل وقت السحر وقيل مطلقة وجزم الغزالي بأنها مبهمة في جميع الليالي كليلة القدر في رمضان وحكمة إبهامها توفر الدواعي على مراقبتها والإجتهاد في الدعاء في جميع ساعات الليل كما قالوه في إبهام حكمة ليلة القدر (حم م) في الصلاة (عن جابر) ولم يخرجه البخاري الحديث: 2331 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 2332 - (إن في المعاريض) جمع معراض كمفتاح من التعريض وعرفه المتقدمون بأنه ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم والمتأخرون كالمولى التفتازاني بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أي مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام (لمندوحة) بفتح الميم وسكون النون ومهملتين بينهما واو سعة وفسحة من الندح وهو الأرض الواسعة (عن الكذب) أي فيها سعة وفسحة وغنية عنه كقولك للرجل سمعت من تكره يدعو لك ويذكرك بخير ويريد به عند دعائه للمسلمين فإنه داخل فيهم قال الغزالي: والحديث فيما إذا اضطر الإنسان إلى الكذب أما إذا لم يكن حاجة ولا ضرورة فلا يجوز التعريض والتصريح جميعا لكن التعريض أهون قال البيهقي: بين بالحديث أن هذا لا يجوز فيما يرد به ضررا ولا يضر الغير أي كقول ابن جبير للحجاج حين أراد قتله وقال له ما تقول قال قاسط عادل فقال الحاضرون ما أحسن ما قال ظنوا أنه وصفه بالقسط والعدل قال الحجاج يا جهلة سماني مشركا ظالما ثم تلى {وأما القاسطون} الآية {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض فكان بعضهم يقول لخادمه إذا جاء من يطلبه ولا غرض له يلقيه قل له ما هو هون يريد به الهاون الذي يدق فبه وكان الشعبي يقول لخادمه دور بأصبعك دارة في الحائط وقل له ما هو في الدار وكان الجارحي يقول إذا أنكر ما قاله الله يعلم ما قلته بتوهم النفي بحرف ما ويريد أنه موصول (عد) من حديث أبي إبراهيم الترجماني عن داود بن الزبرقان عن سعد ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين مرفوعا ثم قال ابن عدي لا أعلم أحدا رفعه غير داود (هق) وكذا ابن السني كما في الدرر (عن عمران بن حصين) موقوفا قال البيهقي: الصحيح هكذا ورواه أبو إبراهيم عن داود الزبرقاني عن ابن أبي عروبة فرفعه قال الذهبي داود تركه أبو داود انتهى وتخصيص ذينك بالعزو يوهم أنه لا يعرف لأشهر منهما ولا أحق بالعزو وهو غفلة فقد خرجه باللفظ المزبور عن عمران المذكور البخاري في الأدب المفرد الحديث: 2332 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 2333 - (إن في المال لحقا سوى الزكاة) كفكاك الأسير وإطعام المضطر وسقي الظمآن وعدم منع الماء والملح والنار وانفاذ محترم أشرف على الهلاك ونحو ذلك قال عبد الحق فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها فقول الضحاك نسخت الزكاة كل حق مالي ليس في محله وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور وله عند جمع من السلف محامل لا تلائم ما عليه المذاهب المستعملة الآن فذهب أبو ذر إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت فيه وعن علي كرم الله وجهه أربعة آلاف نفقة وما فوقها كنز وتأول عياض كلام أبي ذر على أن مراده الإنكار على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه في وجوهه وقال النووي هذا باطل لأن سلاطين زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا إذ منهم الخلفاء الأربعة رده الزين العراقي بأنه أراد بعض نواب الخلفاء كمعاوية وقد وقع بينه [ص: 473] وبين أبي ذر بسبب ذلك ما أوجب نقله إلى المدينة وهذا الحديث له عند مخرجه الترمذي تتمة وهي ثم تلا {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} الآية وطريق الاستدلال بها أنه تعالى ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة فدل على أن في المال حقا سوى الزكاة قال الطيبي: والحق حقان حق يوجبه الله على عباده وحق يلتزمه العبد على نفسه الزكية الموقاة عن الشح الذي جبلت عليه وإليه الإشارة بقوله على حبه أي الله أوجب الطعام وأنشد: تعود بسط الكف حتى لوانه. . . ثناها لقبض لم تطعه أنامله (ت) في الزكاة (عن فاطمة بنت قيس) الفهرية من المهاجرات تأخرت وفاتها ثم قال أعني الترمذي أبو حمزة ميمون الأعور أي أحد رواته ضعيف انتهى وقال البيهقي: تفرد به ميمون الأعور وهو مجروح ومن ثم رمز المصنف لضعفه الحديث: 2333 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 2334 - (إن في أمتي) عام في أمة الإجابة والدعوة (خسفا) لبعض المدن والقرى أي غورا وذهابا في الأرض بما فيها من أهلها (ومسخا) أي تحول صور بعض الآدميين إلى صورة نحو كلب أو قرد (وقذفا) أي رميا لها بالحجارة من جهة السماء يعني يكون فيها ذلك في آخر الزمان وقد تمسك بهذا ونحوه من قال بوقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة وجعله المانعون مجازا عن مسخ القلوب وخسفها (طب) وكذا البزار (عن سعيد بن أبي راشد) الجمحي يقال قتل باليمامة قال الهيثمي: وفيه عمرو بن مجمع وهو ضعيف الحديث: 2334 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 2335 - (إن في ثقيف) القبيلة المعروفة المشهورة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي قام بعد وقعة الحسين ودعا الناس إلى الطلب بثأره وغرضه من ذلك أن يصرف إلى نفسه وجوه الناس ويتوصل به إلى تحصيل الإمارة وكان طالبا للدنيا ذكره شارحون (ومبيرا) أي مهلكا لجمع عظيم من سلف هذه الأمة من أبار غيره أهلكه أو المراد به الحجاج. قال المصنف: اتفقوا على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن عبيد المدعي النبوة أن جبريل عليه السلام يأتيه قتله ابن الزبير وبالمبير الحجاج. وقال ابن العربي: الحجاج ظالم معتدي ملعون على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم من طرق خارج عن الإسلام عندي باستخفافه بالصحابة كابن عمر وأنس كذا ذكره في المعارضة (م عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق أم ابن الزبير لما صلب الحجاج ابنها أرسل إليها فلم تأته فأتاها فقال كيف رأيت الله صنع بعدوه قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته الحديث: 2335 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 2336 - (إن في مال الرجل) ذكر الرجل غالبي (فتنة) أي بلاء ومحنة وفي هنا سببية (وفي زوجته فتنة و) في (ولده) فتنة كما نطق به نص القرآن في غيرما مكان ومر توجيهه بما محصوله أنهم يوقعونه في الإثم والعدوان ويقربونه من سخط الرحمن (طب عن حذيفة) الحديث: 2336 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 2337 - (إن فيك) يا أشج واسمه المنذر بن عائذ (لخصلتين) تثنية خصلة (يحبها الله تعالى) ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال (الحلم) أي العقل وتأخير مكافأة الظالم أو العفو عنه أو غير ذلك (والأناة) التثبت وعدم العجلة وسببه أن قدم عليه في وفد عبد القيس فابتدر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم بثياب سفرهم وتخلف الأشج وهو أصغرهم حتى أناخ وجمع متاعه ولبس ثوبين أبيضين ومشى فقبل يده فذكره فقال يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال بل الله جبلك فحمد الله وهذا لا يناقضه النهي عن مدح المرء في وجهه لأن ما كان من النبوة فهو وحي والوحي لا يجوز كتمه أو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم من حال الأشج أن المدح لا يلحقه منه إعجاب فأخبره بأن ذلك [ص: 474] مما يحبه الله ليزداد لزوما ويشكر الله على ما منحه (م) في الإيمان (ت) في البر عن ابن عباس الحديث: 2337 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 2338 - (إن قبر إسماعيل) النبي ابن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام (في الحجر) بالكسر هو المحوط عند الكعبة بقدر نصف دائرة فهو مدفون في ذلك الموضع بخصوصه ولم يثبت أنه نقل منه لغيره (الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (عن عائشة) أم المؤمنين الحديث: 2338 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 2339 - (إن قدر حوضي) مفرد الحياض (كما بين أيلة) مدينة بطرف بحر القلزم من طرف الشام كانت عامرة وهي الآن خراب يمر بها حجاج مصر وغزة وغيرهم فيكون أمامهم (وصنعاء اليمن) احترز عن صنعاء الشام وروى كما بين صنعاء وأيلة (وإن فيه من الأباريق) أي ظروفا كائنة من جنس الأباريق فمن بيانية (كعدد نجوم السماء) في رواية البخاري كنجوم السماء وهو مبالغة وإشارة إلى كثرة العدد عند جمع لكن صوب النووي أنه على ظاهره ولا مانع منه عقلا ولا شرعا (حم ق عن أنس) بن مالك الحديث: 2339 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 2340 - (إن قذف المحصنة) أي رميها بالزنا والمحصنة العفيفة (ليهدم) أي يسقط ويحبط (عمل مئة سنة) أي يحبط من الأعمال الحسية التي قدمها القاذف عمل مئة سنة بفرض أنه عمر وتعبد مئة عام وهذا تغليظ شديد وحث عظيم على حفظ اللسان عن ذلك والظاهر أن المراد بالمئة التكثير لا التحديد قياسا على نظائره المارة ومن هذا الوعيد الشديد أخذ أنه كبيرة (البزار) في مسنده (طب ك عن حذيفة) ابن اليماني قال الهيثمي: فيه ليث ابن سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2340 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 2341 - (إن قريشا أهل أمانة) قال الرافعي: يجوز أنهم ائتمنوا على التقدم للإمامة وأن المراد أن توقيرهم واحترامهم ومحنتهم ومكانتهم من المصطفى صلى الله عليه وسلم أمانة أئتمن عليها الناس أو المراد قوة أمانتهم وكمالها يرشد إليه خبر علي أمانة الأمير من قريش يعدل أمانة اثنين من غيرهم (لا يبغيهم) أي لا يطلب لهم (العثرات) جمع عثرة وهي الخصلة التي من شأنها العثور أي الخرور (أحد) من الناس (إلا كبه الله) أي قلبه (لمنخريه) أي صرعه أو ألقاه على وجهه يعني أذله وأهانه وخص المنخرين جريا على قولهم رغم أنفه وأرغم الله أنفه أي ألقاه في الرغام واللام في المنخرين لام التخصيص فيفيد أن الكب لهما خاصة وهذا كناية عن خذلان عدوهم ونصرهم عليه كيف وقد طهر الله قلوبهم وقربهم وهم وإن تأخر إسلامهم فقد بلغ فيهم المبلغ العلي (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله (خط طب عن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء مخففة (ابن رافع) ضد الخافض الأنصاري المدني له رواية قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر اجمع لي قومي فجمعهم ثم دخل عليه فقال أدخلهم عليك أو تخرج إليهم قال بل أخرج إليهم فقال هل فيكم من أحد غيركم قالوا نعم حلفاؤنا منا وبنو إخواننا وموالينا قال حلفاؤنا منا وبنو إخواننا منا وموالينا وأنتم لا تسمعون أوليائي منكم المتقون فإن كنتم أولئك فذاك وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم ثم رفع يديه وقال يا أيها الناس إلخ ما هنا قالها ثلاثا قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني والبزار ورجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات الحديث: 2341 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 [ص: 475] 2342 - (إن قلب ابن آدم) أي ما أودع فيه (مثل العصفور) الطائر المعروف (يتقلب قي اليوم سبع مرات) الظاهر أن المراد بالسبع تكثير التقليب لا التحديد أخذا من نظائره ثم الكلام في قلب الإنسان لا في مطلق الحيوان كما نطق به الخبر وخصه لأنه محل المعارف والعلوم والأفعال الإختيارية وإدراك الكليات والجزئيات والحيوان وإن وجد فيه شكله وقام به ما يدرك مصالحه ومنافعه ويميز به بين مفاسده ومضاره لكنه إدراك جزئي طبيعي وشتان ما بينه وبين إدراك العلميات والاعتقادات وبهذا المعنى امتاز عن بقية الأعضاء وكان صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الإخلاص ك) في الرقائق (هب عن أبي عبيدة) بن الجراح رضي الله عنه قال الحاكم على شرط مسلم ورده الذهبي وقال فيه انقطاع الحديث: 2342 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 2343 - (إن قلب ابن آدم بكل واد) قال الطيبي: لا بد فيه من تقدير أي في كل واد له (شعبة) من شعب الدنيا يعني أن أنواع المتفكر فيه بالقلب متكثرة مختلفة باختلاف الأغراض والشهوات والنيات وإذا كانت القلوب كثيرة الالتفات سريعة التقلب والحركات فلا بد للعبد من جمع همته عن بعض الجهات والاعراض عن غيرها لئلا يتبدد همه (فمن) جعل همه الآخرة فاز ومن خالف (أتبع قلبه الشعب) وتشعب القلب همومه المتشعبة وأمانيه وأوديته طرق الهوى إلى أنواع شهوات الدنيا (كلها لم يبال الله تعالى بأي واد أهلكه) لاشتغاله بدنياه وإعراضه عن مولاه (ومن توكل على الله كفاه الشعب) أي كفاه مؤونة حاجاته المتشعبة المختلفة فإذا قطع العبد شغل جوارحه عن الدنيا في وقت فكرته وتقيده ومنع قلبه من التشتت في ميادين الأمور الدنيوية اجتمع همه وحضر عقله فإذا حضر له ذلك ثم تفكر بالتوكل على الرحمن لا على عقله فتحت له الفكرة باب الفهم لكلام ربه ومعرفته ومواقع وعده ووعيده {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} . قيل: باع ابن عمر حمارا له وقال كان لنا موافقا لكنه أذهب شعبة من قلبي فبعته لذلك والشعبة الظائفة والقطعة من الشيء قال الزمخشري: شعبة الشيء ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعبة الجبال ما تفرق من رؤوسها فأصل الشعب وما اشتق منه للتفريق وإنما قيل لضده وهو الملامة لوقوعها عقب التفريق أو بعده اه. وقد أبان الخبر أن القلب هو محل العلوم والمعارف والأفعال الاختيارية وأن الحواس معه كالحجاب مع الملك لأنها تدرك المعلومات ثم تؤديها إليه ليحكم عليها ويصرف فيها فهي آلات وخدمة له وهي معه كملك مع رعيته وهو محل العقل عند الأكثر {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} {ولكن تعمى القلوب} وبه رد على القائلين بأنه في الدماغ كأبي حنيفة والأطباء (هـ عن عمرو بن العاص) وفيه صالح بن رزين قال في الميزان حدث بحديث منكر ثم ساق هذا الخبر الحديث: 2343 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 2344 - (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين) أي هو سبحانه قادر على تقليب القلوب باقتدار تام كما يقال فلان بين أصبعي ويراد به كمال التصرف فيه فهو تمثيل أو أراد بالأصبعين الداعيتين لأن القلب صالح لميله إلى الإيمان والكفر ولا يميل لأحدهما إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى قال الطيبي: وفي جمع القلوب إشعار برأفته ورحمته على أمته (من أصابع الرحمن) نسب تقلب القلوب إليه تعالى إشعارا بأنه تولى بنفسه أمر قلوبهم ولم يكله لأحد من ملائكته وخص الرحمن تعالى بالذكر إيذانا بأن ذلك لم يكن إلا لمحض رحمته وفضل نعمته كي لا يطلع أحد غيره على [ص: 476] سرائرهم ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم ذكره القاضي واعتراضه بأنه جاء في رواية من أصابع الله فلا يتم ما ذكره في حيز الرد لأن عدم إشعار إحدى الروايتين بفائدة زائدة لا ينافي إشعار الأخرى (كقلب واحد يصرفه حيث) وفي رواية كيف (يشاء) أي يتصرف في جميع قلوبهم كتصرفه في قلب واحد لا يشغله قلب عن قلب أو معناه كتصرف واحد منكم في قلب واحد فهو إشارة إلى تمام قدرته على تصريفها ولا يشغله شأن عن شأن قال الطيبي: وليس المراد أن تصرفه في القلب الواحد أسهل عليه من التصرف في القلوب كلها فإن ذلك عنده تعالى سواء {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} لكن ذلك راجع إلى العباد وإلى ما شاهدوه وعرفوه فيما بينهم كقوله سبحانه {وهو أهون عليه} أي أهون فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم وتقتضيه عقولكم وإلا فالإبتداء والإنشاء عنده سواء قال الإمام الرازي: وهذا عبارة عن كون القلب مقهورا محدودا مقصورا محصورا مغلوبا متناهيا وكلما كان كذلك امتنع أن يكون له إحاطة بما لا نهاية له فالإحاطة بجلاله متعذرة وفيه أن المؤمن ينبغي كونه بين الخوف والرجاء (حم م) في الإيمان بالقدر وكذا النسائي (عن ابن عمرو) بن العاص وتمامه عند مسلم ثم فال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم مصرف صرف قلوبنا على طاعتك " الحديث: 2344 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 2345 - (إن كذبا علي) بفتح الكاف وكسر المعجمة (ليس ككذب) بكسر الذال (على أحد) غيري من الأمة فإن الكذب عليه أعظم أنواع الكذب لأدائه إلى هدم قواعد الدين وإفساد الشريعة وإبطال الأحكام (فمن كذب علي متعمدا) أي غير مخطىء في الإخبار عنى بالشيء على خلاف الواقع (فليتبوأ) أي فليتخذ لنفسه (مقعده من النار) مسكنه أمر بمعنى الخبر أو بمعنى التحذير أو التهكم أو الدعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك واحتمال كونه أمرا حقيقة والمراد من كذب علي فليأمر نفسه بالتبوىء بعيد وهذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر قال الذهبي: وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض قال: ولاح من هذا الخبر أن رواية الموضوع لا تحل (ق عن المغيرة) بن شعبة (ع عن سعيد بن زيد) ورواه أيضا البزار وأبو يعلى وكثيرون الحديث: 2345 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 2346 - (إن كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا) في الإثم وبه صرح في رواية وهذا قاله لحفار أخرج عظما أو عضدا فذهب ليكسرها وخرج بقولهم في الإثم القصاص فلو كسر عظم ميت أو فقأ عينه فلا قود بل يؤدب لجرأته على المثلة (عب ص د هـ عن عائشة) أم المؤمنين الحديث: 2346 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 2347 - (إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة) يعني تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى من الذنوب كما يوضحه روايات أخر والمراد الصغائر وعلى هذا التقرير فالمراد بالصلاة المفروضة (حم طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي وإسناده حسن الحديث: 2347 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 2348 - (إن لله تعالى عتقاء) من النار (في كل يوم وليلة) يعني من رمضان كما جاء في رواية أخرى (لكل عبد منهم) أي لكل إنسان [ص: 477] من أولئك العتقاء (دعوة مستجابة) أي عند فطره أو عند بروز الأمر بعتقه وهذه منقبة عظيمة لرمضان وصوامه وللدعاء والداعي <تنبيه> قال الحكيم: دعاء كل إنسان إنما يخرج على قدر ما عنده من قوة القلب فربما يخرج شديد النور شمس تطلع وقد يخرج دعاء بمنزلة قمر يطلع ودعاء يخرج ببعض تقصير فنوره كالكواكب (حم عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري شك الأعمش (سمويه عن جابر) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح كذا ذكره في موضع وأعاده في آخر وقال فيه أبان بن أبي عياش متروك الحديث: 2348 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 2349 - (إن لله عبادا يعرفون الناس) أي أحوالهم وضمائرهم (بالتوسم) أي التفرس غرقوا في بحر شهوده فجاد عليهم بكشف الغطاء عن قلوبهم فأبصروا بها بواطن الناس واطلعوا على ضمائرهم وأما من شغل بنفسه ودواهيها فليس من أهل هذا الباب بل فراسته خدعت نفسه له حتى تدسه في التراب وتمام الحديث ثم قرأ {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} (تتمة) قال الداراني: القلب بمنزلة قبة مضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح من القلب بعمله انفتح له باب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن الشهوات ولذلك كتب عمر إلى أمراء الأجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنه ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعضهم: يد الله على أفواه العلماء لا ينطقون إلا بما هيأه الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن الله يطلع الخاشعين على بعض سره وقال الجنيد: المحدث إذا قرن بالقديم اضمحل ولم يبق له أثر وشتان بين من ينطق عن درسه أو نفسه وبين من ينطق عن ربه {وما ينطق عن الهوى} وقال ابن عربي: لا تنكر على الصوفية النطق عن الغيب مع إيمانك بالمثال المحسوس: أن المرآة إذا صقلت وجلى عنها الصدأ وتجلت صورة الناظر فيها أليس يرى نفسه حسنا أو قبيحا فإن جاء أحد خلفه تجلت صورته في المرآة فأبصره على أية صورة هو ولم يره بعينه المعهودة فمن عمد إلى مرآة قلبه فجلاها من صدأ الأغيار وأماط عنها كل حجاب يحجبها عن تجلي صور المعقولات والمغيبات بأنواع الرياضات والمجاهدات صفت وتجلى فيها كل ما قابلها من المغيبات فنطق على شاهد ووصف ما رأى {ما كذب الفؤاد ما رأى} (الحكيم) الترمذي في نوادره (والبزار) في مسنده وكذا الطبراني وأبو نعيم وابن جرير وابن السني (عن أنس) قال الهيثمي: إسناده حسن وتبعه السخاوي لكن في الميزان عن أبي حاتم في ترجمة بشر بن الحكم أنه روى خبرا منكرا وهو هذا والله أعلم الحديث: 2349 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 2350 - (إن لله تعالى عبادا اختصهم بحوائج الناس) أي بقضائها ولفظ رواية الطبراني بدل عبادا اختصهم إلى آخره: خلقا خلقهم لحوائج الناس (يفزع الناس إليهم) أي يلجئون إليهم ويستغيثون بهم (في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله) أضافهم إليه إضافة اختصاص وخصهم بالنيابة عنه في خلقه وجعلهم خزائن نعمه الدينية والدنيوية لينفقوا على المحتاجين فيجب شكر هذه النعمة ومن شكرها بذلها للطالبين وإغاثة الملهوفين ليحفظ أصول النعم وتثمر الزيادة من المنعم كما خص قوما بحجج العلوم الدينية في العقائد وبعلوم شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعرفة الحلال والحرام في الفروع الفقهية فإن هؤلاء قوم عرفوا الله معرفة التوحيد واعترفوا له باللسان وقبلوا العبودية وقاموا بحقوق الخلق إعظاما لجلال الحق فجوزوا بالأمان من عذاب النيران وهذا يوضحه خبر الطبراني أيضا " إن لله عبادا استخصهم لنفسه لقضاء حوائج الناس وآلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار فإذا كان يوم القيامة أجلسوا على منابر من نور يتحادثون إليه والناس في الحساب " (طب عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه شخص ضعفه [ص: 478] الجمهور وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2350 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 2351 - (إن لله تعالى عند كل فطر) أي وقت فطر كل يوم من رمضان وهو تمام الغروب (عتقاء) من صائمي رمضان (من النار) أي من دخول نار جهنم (وذلك) يعني العتق المفهوم من عتقاء (في كل ليلة) أي من رمضان كما جاء مصرحا به في روايات أخر وهذا أيضا معلم بعظم فضل الشهر وصومه (هـ عن جابر) بن عبد الله (حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجال أحمد والطبراني موثقون انتهى وقال البيهقي عقب تخريجه هذا غريب ومن رواية الأكابر عن الأصاغر وهي رواية الأعمش عن الحسين بن واقد اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ولكن رد الحديث: 2351 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 2352 - (إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد) أي لأجل منافعهم (ويقرها فيهم ما بذلوها) أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق (فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم) لمنعهم الإعطاء للمستحق {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده واكتساب ما يفوز به في الآخرة {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك} (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي كتابه المؤلف في فضل قضاء حوائج الناس (طب حل) وكذا البيهقي في الشعب والحاكم بل وأحمد ولم يحسن المصنف بإهماله (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي فيه محمد بن حسان السمبتي وفيه لين ووثقه ابن معين يرويه عن أبي عثمان عبد الله بن زيد الحمصي وقد ضعفه الأزدي الحديث: 2352 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 2353 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) منها ما هو ثبوتي ومنها ما هو سلبي ومنها ما هو باعتبار فعل من أفعاله لكنها توقيفية على الأصح فلا يحل اختراع اسم أو وصف له إلا بقرآن أو خبر صحيح مصرح به لا بأصله الذي اشتق منه فحسب ولم يذكر لنحو مقابلة أو مشاكلة (مئة إلا) اسما (واحدا) بدل من اسم إن أو تأكيد وأنصب بتقدير أعني وزاده حذرا من تصحيف تسعة وتسعين بسبعة وسبعين أو مبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس (من أحصاها) حفظها أو أطاق القيام بحقها أو عرفها أو أحاط بمعانيها أو عمل بمقتضاها بأن وثق بالرزق إذ قال الرزاق مثلا وهكذا وعدها كلمة كلمة تبركا وإخلاصا والفضل للمتقدم وسيجيء ما يؤيده (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب وليس في الخبر ما يفيد الحصر في هذا العدد لأن قوله من أحصاها صفة تسعة وتسعين ويدل لعدم الحصر خبر أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وخصها لأنها أشهرها أو أظهرها معنى أو لتضمنها معاني ما عداها أو لأن العدد زوج وفرد والفرد أفضل ومنتهى الإفراد بلا تكرار تسعة وتسعون أو لغير ذلك كما سبق توضيحه <فائدة> قال العارف ابن عربي: الذي يختص به أهل الله تعالى على سبع مسائل من عرفها لم بعض عليه شيء من علم الحقائق وهي معرفة أسماء الله تعالى ومعرفة التجليات ومعرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع ومعرفة كمال الوجود ونقصه ومعرفة الإنسان من جهة حقائقه ومعرفة الخيال ومعرفة العلل والأدوية (ق ت هـ عن أبي هريرة وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب الحديث: 2353 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 2354 - (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما) بالنصب على التمييز أي من جملة أسمائه هذا القدر فليس فيه نفي غيرها وقد [ص: 479] نقل ابن عربي إن لله تعالى ألف اسم قال: وهذا قليل فيها ولو كان البحر مدادا لأسماء ربي لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مددا وإنما خص هذه لشهرتها ولما كانت معرفة أسمائه توقيفية لا تعلم إلا من طريق الوحي والسنة ولم يكن لنا التصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا وقد نهينا عن إطلاق ما لم يرد به توقيف وإن جوزه العقل وحكم به القياس فالنقصان عنه كالزيادة غير مرضي وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده حسما للمادة وإرشادا للاحتياط بقوله (مئة) بالنصب على البدل (إلا) اسما (واحدا) وفي رواية للبخاري إلا واحدة بالتأنيث ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة (لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة) فيه دلالة على أن معنى أحصاها في الخبر المار حفظها وبه صرح البخاري (وهو وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يفضل الوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما ينبىء عنه جعل الصلاة خمسا والطهارة ثلاثا والطواف سبعا والصوم في السنة شهرا واحدا والحج في العمر مرة واحدة والزكاة في الحول مرة وعدد ركعات الصلاة في الحضر سبع عشرة وفي السفر إحدى عشر وقيل معناه يحب الوتر أي المخلص في عبادته الذي تفرد تعالى بها وقيل غير ذلك (ق عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره الحديث: 2354 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 3255 - (إن لله تعالى ملائكة) جمع ملك ونكره على معنى بعض صفته كذلك (سياحين) بسين مهملة من السياحة وهي السير يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها أصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط (في الأرض) في مصالح بني آدم وفي رواية بدله في الهواء (يبلغوني من) وفي رواية عن (أمتي) أمة الإجابة (السلام) ممن يسلم علي منهم وإن بعد قطره وتناءت داره أي فيرد عليهم سماعه منهم كما بين في خبر آخر وهذا التعظيم للمصطفى صلى الله عليه وسلم وإجلالا لمنزلته حيث سخر الملائكة الكرام لذلك. قال السبكي: قال ابن بشار تقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فسمعت من داخل الحجرة الشريفة وعليك السلام (حم ن) في الصلاة (حب ك) في التفسير كلهم (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح قال الحافظ العراقي الحديث متفق عليه دون قوله سياحين الحديث: 3255 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 3256 - (إن لله تعالى ملائكة ينزلون في كل ليلة) من السماء إلى الأرض (يحسون الكلال عن دواب الغزاة) أي يذهبون عنها التعب والنصب بحسها وإسقاط التراب عنها وفي رواية يحسرون أي يكشفون (إلا دابة) فرسا أو نحوها مما أعد للكر والفر أو الحمل لمتعلقات الغزو (في عنقها جرس) بالتحريك وروي بسكون الراء أي جلجل أي صوت جلجل فإن الملائكة لا تدخل مكانا فيه ذلك وهذا زجر شديد عن تعليق الجلاجل بالدواب فيكره ذلك تنزيها ولا فرق بين الجرس الكبير والصغير خلافا لبعضهم (طب) من رواية عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن يحيى [ص: 480] عن عباد عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي رحمه الله في المغني: سنده ضعيف وبينه في شرح الترمذي فقال وعباد بن كثير ضعيف وقال تلميذه الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يدفع عدالته الحديث: 3256 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 2357 - (إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم) أي كأنها تركب ألسنتها على ألسنتهم كما في التابع والمتبوع من الجن (بما في المرء من الخير والشر) لأن مادة الطهارة إذا غلبت في شخص واستحكمت صار مظهرا للأفعال الجميلة التي هي عنوان السعادة فيستفيض ذلك على الألسنة وضده من استحكمت فيه مادة الخبث ومن ثم لم تزل سنة الله جارية في عبيده بإطلاق الألسنة بالثناء والمدح للطيبين الأخيار وبالثناء والذم للخبيثين الأشرار {ليميز الله الخبيث من الطيب} في هذه الدار وينكشف الغطاء بالكلية يوم القرار (ك) في الجهاد (هب عن أنس) قال مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت أي الجنة ومر بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت أي النار فسئل عنه فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 2357 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 2358 - إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاة) أي مكتوبة ولا يلزم من ذلك سماعنا لندائه بعد ذلك بإخبار الشارع (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم) يعني خطاياكم التي ارتكبتموها وظلمتم بها أنفسكم حتى أعدت لكم مقاعد في جهنم التي وقودها الناس والحجارة (فأطفئوها بالصلاة) أي امحوا أثرها بفعل الصلاة فإنها مكفرة للذنوب وفي رواية بالصدقة وفعل القربات يمحو الخطيئات وفي هذا من تعظيم حرمة الصلاة والصدقة وتأكيد شأنها مما لا يخفى توقعه في الدين فعلم أن فعل القربات تمحو الخطيئات. أخرج الحكيم عن نافع قال خرجت عنق من النار لا تمر على شيء إلا أحرقته فأخبر بها عمر رضي الله عنه فصعد المنبر وقال يا أيها الناس أطفئوها بالصدقة فجاء ابن عوف بأربعة آلاف فقال ابن عمر: ماذا صنعت خسرت الناس فتصدقوا فطفئت فقال عمر: لو لم تفعل لذهبت حتى أنزل عليها (طب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي: فيه أبان بن أبي عياش ضعفه شعبة وأحمد ويحيى الحديث: 2358 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 2359 - (إن لله تعالى ملكا موكلا) لفظ رواية الحاكم إن ملكا موكلا كذا رأيته بخط الذهبي وغيره من الحفاظ (بمن يقول يا أرحم الراحمين) أي بمن يتلفظ بها ثلاثا عن صدق وإخلاص بمطابقة القلب واللسان (فمن قالها) كذلك (ثلاثا) من المرات (قال له الملك) الموكل به (إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك) أي بالرحمة والرأفة واستجابة الدعاء (فسله) فإنك إن سألته أعطاك سؤلك وهل المراد أن كل إنسان يقول ذلك يوكل به ملك مخصوص أو ملك واحد موكل بالكل الأقرب الأول لكثرة قائلي ذلك في خلق الله تعالى وتفرقهم في الأقطار وتواصل ذلك القول آناء الليل وأطراف النهار وهذا حث على لزوم الدعاء عقب قول ذلك (ك) من حديث كامل بن طلحة عن فضالة (عن أبي أمامة) ثم صححه وتعقبه الذهبي وقال فضالة ليس بشيء فأين الصحة؟ الحديث: 2359 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 [ص: 481] 2360 - (إن لله تعالى ملكا لو قيل له) أي لو قال الله له (التقم) أي ابتلع (السماوات السبع والأرضين) السبع بمن فيهما (بلقمة واحدة لفعل) أي لأمكنه فعل ما أمره به بلا مشقة لعظم خلقه (تسبيحه سبحانك) أي أنزهك يا ألله (حيث كنت) وهذا مسوق لبيان عظم أجرام الملائكة وعظيم خلق الله تعالى وباهر سلطانه وأنه سبحانه ليس بمتصل بهذا العالم كما أنه غير منفصل عنه قال في المصباح: واللقمة اسم لما تلقم في مرة كجرعة اسم لما يجرع في مرة ولقمه الشيء لقما من باب تعب والتقمته أكلته بسرعة (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) وقال: تفرد به وهب ابن رزق. قال الهيثمي: ولم أر من ذكر له ترجمة الحديث: 2360 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 2361 - (إن لله تعالى ما أخذ) من الأولاد وغيرهم لأن العالم كله ملكه فلم يأخذ ما هو للخلق بل ما هو له عندهم في معنى العارية (وله ما أعطى) أي ما أبقى لنا فإذا أخذ شيئا فهو الذي كان أعطاه فإن أخذه وأخذ ماله فلا ينبغي الجزع لأن مستوى الأمانة يقبح عليه الجزع لاستعادتها وما فيها مصدرية أو موصولة وقدم الأخذ وإن تأخر في الواقع لأنه في بيان ما قبض ثم أكد هذا المعنى بقوله (وكل شيء) بالرفع على الابتداء وروي بالنصب عطفا على اسم إن أي كل شيء من الأخذ والإعطاء أو من الأنفس أو مما هو أعم فنحن وكل ما بأيدينا ملكه وفي ملكه وسلطانه يتصرف كيف يشاء (عنده) أي في علمه (بأجل مسمى) أي معلوم مقدر فلا يتقدم شيء قبل أجله ولا يتأخر عنه فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم معرفا إيابا بما الأمر عليه ليسلم الأمر إليه فيرزق درجة التسليم والتفويض مع بذل المجهود فيما يحبسه منا أن يرجع فيه إليه بحسب الحال في المخالفة بالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على الموافقة ومن استحضر ذلك هانت عليه المصائب وتصبر على فقد الحبائب وهذا قاله لابنته حين أرسلت تدعوه إلى ابن لها في الموت فأرسل يقرئها السلام ويقول لها ذلك فعلمها به حقيقة التوحيد وهذه الحقيقة توجب السكوت تحت مجاري الأقدار. قال النووي رحمه الله: هذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض (حم ق م د ن هـ) كلهم في الجنائز (عن أسامة بن زيد) بألفاظ متقاربة الحديث: 2361 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 2362 - (إن لله تعالى ريحا يبعثها) أي يرسلها (على رأس مئة سنة) تمضي من ذلك القرن (تقبض روح كل مؤمن) ومؤمنة المراد أن ذلك يكون في آخر الزمان على رأس قرن من القرون لا أنه يكون على رأس مئة سنة من قوله قال المؤلف هذه المئة قرب الساعة وابن الجوزي ظن أنها المئة الأولى من الهجرة وليس كذلك (ع والروياني) في مسنده (وابن قانع) في معجمه (ك) في الفتن (والضياء) في المختارة كلهم (عن بريدة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رواه البزار أيضا ورجاله رجال الصحيح اه وأخطأ ابن الجوزي في حكمه بوضعه الحديث: 2362 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 2363 - (إن لله تعالى في كل يوم جمعة) قيل أراد بالجمعة الأسبوع عبر عن الشيء بآخره لأنه مما يتم به ويوجد عنده (ست مئة ألف عتيق) [ص: 482] يحتمل من الآدميين ويحتمل من غيرهم أيضا كالجن (يعتقهم من النار) أي من دخول نار جهنم يوم القيامة (كلهم قد استوجبوا النار) أي دخولها بمقتضى الوعيد والظاهر أن المراد بالست مئة ألف التكثير وأنهم فوق ذلك بكثير ورحمته سبقت غضبه فإن فرض إرادة التحديد فجملة ذلك ثمانية عشر ألف ألف إن كان رمضان كاملا فإن كان ناقصا فيكون سبعة عشر ألف ألف وأربع مئة ألف (ع عن أنس) ورواه عنه من طريق أخرى ابن عدي وأبو يعلى وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب قال الدارقطني في العلل والحديث عن ثابت انتهى وأقره عليه الحافظ العراقي وأورده في الميزان في ترجمة أزور بن غالب التيمي من حديثه وقال منكر الحديث أتى بما لا يحتمل فكذب وفي اللسان بعد ما ساق الحديث قال أبو زرعة ليس بقوي وقال الساجي منكر الحديث وقال ابن حبان لا يحتج به إذا انفرد كان يخطىء ولا يعلم الحديث: 2363 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 2364 - (إن لله تعالى مئة خلق) أي وصف (وسبعة عشر) وفي رواية ستة عشر وفي أخرى بضعة عشرة خلقا بالضم فيهما وفي رواية بدل خلقا شريعة (من أتاه) يوم القيامة (بخلق منها) أي واحد (دخل الجنة) قال الحكيم: كأنه يريد أن من أتاه بخلق واحد منها وهب له جميع سيئاته وغفر له سائر ذنوبه وفي خبر أن الأخلاق في الخزائن فإذا أراد الله بعبد خيرا منحه خلقا منها ألا ترى أن المفرط في دينه المضيع لحقوقه يموت وهو صاحب خلق من هذه الأخلاق فتنطلق الألسنة بالثناء عليه فأخلاق الله أخرجها لعباده من باب القدرة وخزنها لهم في الخزائن وقسمها بينهم على قدر منازلهم عنده فمنهم من أعطاه منها واحدة ومنهم من أعطاه خمسة وعشرا وأكثر أو أقل فمن زاد منها ظهر منه حسن معاملة الخلق والخالق هلى قدر تلك الأخلاق ومن نقصه منها ظهر عليه بقدره فهذه أخلاق وأكثرها مما سمي به والذي لم يسم به داخل فيما سمي به لأن اللين والرزانة من الحلم والرأفة والرحمة من النزاهة فمنحه الله إياه واحدة من هذه الأخلاق أن يعطيه نور ذلك الاسم فيشرق نوره على قلبه وفي صدره فيصير لنفسه بذلك الخلق بصيرة فيعتادها ويتخلق بها فحقيق بمن أكرمه بذلك أن يهب له مساويه ويستره بعفوه ويدخله جنته وقد عد في بعض الروايات من تلك الأخلاق كظم الغيظ والعفو عند القدرة والصلة عند القطيعة والحلم عند السفه والوقار عند الطيش ووفاء الحق عند الجحود والإطعام عند الجوع والقطيعة عند المنع والإصلاح عند الإفساد والتجاوز عن المسيء والعطف على الظالم وقبول المعذرة والإنابة للحق والتجافي عن دار الغرور وترك التمادي في الباطل فإذا أراد الله بعبد خيرا وفقه لتلك الأخلاق وإن أراد به شرا خلى بينه وبين أخلاق إبليس التي منها أن يغضب فلا يرضى ويسمع فيحقد ويأخذ في شره ويلعب فيلهو (تتمة) قال ابن عربي: سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه أي هو متخلق بأخلاق الله تعالى حتى كأنه هو وما هو هو. <تنبيه> لم يصرح في هذا الحديث في أي مكان هذه الأخلاق ولم يصرح بأن الآتي بشيء من هذه الأخلاق شرطه الإسلام وقد بين ذلك في حديث آخر روى الطبراني عنه في الأوسط مرفوعا " إن لله عز وجل لوحا من زبرجدة خضراء تحت العرش كتب فيه أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين خلقت بضعة عشر وثلاث مئة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وإسناده حسن ولا منافاة بين قوله في الحديث المشروح مئة وقوله في الحديث ثلثمئة لأنا إن قلنا أن مفهوم العدد ليس بحجة فالقليل لا ينفي الكثير وإلا فيمكن أن يقال إن منها مئة وسبعة عشر أصول والباقي متشعبة عنها داخلة تحتها فأخبر مرة بالأصول وأخرى بها وما تفرع عنها (الحكيم) الترمذي (ع هب) من حديث عيد الواحد بن زيد عن عبد الله بن راشد مولى عثمان (عن عثمان) ابن عفان ثم قال أعني البيهقي هكذا رواه عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد وليس بقوي في الحديث وقد خولف في إسناده ومتنه اه ولما عزاه الهيثمي إلى أبي يعلى قال فيه عبد الله بن راشد ضعيف اه وقال في اللسان قال ابن عبد البر عبد الواحد بن زيد الزاهد أجمعوا على تركه وقال ابن حبان يقلب الأخبار من سوء حفظه وكثرة وهمه [ص: 483] فاستحق الترك اه وعبد الله بن راشد ضعفوه وبه أعل الهيثمي الخبر كما تقرر لكنه عصب الجناية برأسه وحده فلم يصب الحديث: 2364 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 2365 - (إن لله تعالى ملكا أعطاه سمع العباد) أي قوة يقتدر بها على سماع ما ينطق به كل مخلوق من إنس وجن وغيرهما (فليس من أحد يصلي علي) صلاة (إلا) سمعها و (أبلغنيها وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد) أي إنسان (صلاة) واحدة (وإلا صلى عليه عشر أمثالها) هذه إحدى الروايتين للطبراني عن عمار وفي رواية ثانية له عنه إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه وقال يا محمد صلى عليك فلان فيصلي الرب تعالى وتبارك عليه بكل واحدة عشرة (طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: فيه نعيم بن ضمضم ضعيف وابن الحميري لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2365 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 2366 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) الاسم كلمة وضعت بإزاء مسمى متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى (مئة غير واحدة) قال الرافعي في أماليه: قاله دفعا لتوهم أنه للتقريب ودفعا للاشتباه وقال البيضاوي: فائدة التأكيد المبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس أو لئلا يلتبس تسعة وتسعين بسبعة وتسعين أو سبعة وسبعين أو تسعة وسبعين من زلة الكاتب وهفوة القلم فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور وتأنيث واحدة لإرادة الكلمة أو الصفة أو التسمية وهذا العدد لا يدل على الحصر هنا فقد ثبت في الكتاب: الرب المولى النصير المحيط الكافي العلام وغير ذلك وفي السنة: الحنان المنان الجميل وغيرها وخصها بالذكر لكونها أشهر لفظا وأظهر معنى وهذا ذكره القاضي وسيجيء عن الطيبي ما يرده (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويرضاه ويقبله (وما من عبد) أي إنسان (يدعو) الله بها أي بهذه الأسماء (إلا وجبت له الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير سبق عذاب بشرط صدق النية وخلوص الطوية (تتنبيه) قال ابن عربي: كل حكم يثبت في باب العلم الإلهي للذات إنما هو للألوهية وهي أحكام ونسب وإضافات وسلوب فالكثرة في النسب لا في العدد وهنا زل قدم من شرك بين من يقبل التشريك ومن لا يقبله عند كلامهم في الصفات واعتمدوا فيه على الأمور الجامعة التي هي الدليل والحقيقة والعلة والشرط وحكموا بها غائبا وشاهدا فأما شاهدا فقد يسلم وأما غائبا فلا (حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه الحديث: 2366 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 2367 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما (من أحصاها) أي من قرأها كلمة كلمة على منهج الترتيل كأنه يعدها أو من عدها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها أو من أطاقها أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها بأن تأمل معانيها واستعمل نفسه فيما يناسبها فالمعنى الأول عام والثاني خاص والثالث أخص ولذا قبل الأول للعوام والثاني للعلماء والثالث للأولياء (دخل الجنة) يعني من أتى عليها حصرا وتعدادا وعلما وإيمانا فدعا الله بها وذكره وأثنى عليه استحق بذلك دخول الجنة قال القاضي وأسماء الله ما يصح أن يطلق عليه سبحانه بالنظر إلى ذاته واعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والأول أو الحقيقة كالعليم والقادر أو الإضافية كالحميد والملك أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرازق (هو الله) علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع معاني الأسماء الآنية بعده قيل أصله لاها بالسريانية فعرب وقيل عربي وضع لذاته وصف في أصله لكنه غلب عليه فلم يستعمل في غيره ولا في الكفر [ص: 484] كما مر تفصيله (الذي لا إله إلا هو) صفته (الرحمن الرحيم) اسمان بنيا من الرحمة وهي لغة رقة تقتضي الإنعام على من رق له فرحمة الله إما إرادة الإنعام ودفع الضر وإما نفس الإنعام والدفع والرحمن أبلغ لزيادة بنائه كما سلف فراجعه وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراشره إلى جناب قدسه فيتوكل عليه ويلتجئ فيما يعن له إليه ويشغل سره بذكره استبدادا به عن غيره ويرحم عباد الله فيعاون المظلوم ويدفع الظالم عن ظلمه بالتي هي أحسن وينبه الغافل وينظر إلى العاصي بعين الرحمة لا الإزدراء (الملك) ذو الملك والمراد به القدرة على الإيجاد والإختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه أو المتصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء (القدوس) المنزه عن سمات التقص وموجبات الحدوث فعول من القدس وهو الطهارة قال بعضهم: حقيقة القدس الإعتلاء عن قبول التغير ومنه الأرض المقدسة لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأراضي والقدوس هو الذي لا يجوز عليه نقص في ذات ولا وصف ولا فعل ولا اسم وبذلك يتصف الملك على الإطلاق وإنما أتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بنحو جور وظلم وغيرهما فأبان أن ملكه ملك لا يعرض له تغير أصلا (السلام) المسلم عباده من المهالك أو المسلم عليهم في الجنة أو ذو السلامة من كل آفة ونقص وهو مصدر نعت به وقيل مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك وقيل ذو السلام على المؤمنين في الجنان بدليل {سلام قولا من رب رحيم} (المؤمن) أي المصدق رسله بقوله الصدق أو الذي أمن البرية بخلق أسباب الأمان وسد طرق المخاوف وإفادة آلات تدفع بها المضار أو الذي يؤمن الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر (المهيمن) الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من هيمن الطير إذا نشر جناحه على فرخه وصونا له أو معناه الشاهد أي العالم أو الشاهد على كل نفس بما كسبت وقيل أصله مؤيمن قلبت الهمزة هاء ومعناه الأمين الصادق أو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم قال الحرالي: وهذا من الأسماء التي علت بعلو معناها عن مجاز الاشتقاق وهو اسم جامع لما يرجع لمعنى العلم والكلام (العزيز) ذو العزة أو المعتز أو الرفيع أو النفيس أو العديم النظر أو القاهر لجميع الممكنات قولا وفعلا وفسره إمام الحرمين بالغلبة. قال بعضهم: ويكنى به عن التمكن من إمضاء الأحكام بإمضاء القدرة وإحاطة العلم بحكم الترتيب على مقتضى اسم الملك فهو اسم جامع لمعنى القدرة (الجبار) من الجبر وهو إصلاح الشيء بضرب من القهر ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد نحو يا جابر كل كسير وتارة في القهر المجرد ثم تجوز فيه لمجرد العلو لأن القهر مسبب عنه فقيل معناه المصلح لأمور خلقه على ما يشاء لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال وقيل معناه المتعالي عن أن يناله كيد الكافرين ويؤثر فيه قصد القاصدين (المتكبر) ذو الكبرياء وهو الملك أو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إليه فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى وتقدس فإنه المنفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة لكل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم (الخالق) من الخلق وأصله التقدير المستقيم فتبارك الله أحسن الخالقين أي المقدرين {وتخلقون إفكا} أي تقدرون كذبا ويستعمل بمعنى الإبداع وإيجاد الشيء من غير أصل كقوله تعالى {خلق الله السماوات والأرض} بمعنى التكوين نحو خلق الإنسان من نطفة فالله خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره أي موجده من أصل أو غير أصل (الباري) من البرء وأصله خلوص الشيء من غيره إما على منهج التقصي كبرىء فلان من مرضه والمديون من دينه أو على سبيل الإنشاء منه ومنه برأ الله النسمة وهو البارىء لها وقيل البارىء الذي خلق الخلق برىء من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الأكمل يميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة (المصور) مبدع صور المخترعات ومزينها بحكمته فهو من معاني الحكيم والمعرفة بهذه الأسماء الثلاثة تنفي التدبير والإختيار لقوله تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار} ما كان لهم من الخيرة أي ما جعلناها لهم لأن الذي يخلق ما يشاء هو الذي يختار ما يشاء فيهييء كل مخلوق لما أعد له ويظهره في الصورة التي شاء أن يركبه فيها [ص: 485] (الغفار) من الغفر وهو ستر الشيء بما يصونه ومعناه ستار القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا وترك المؤاخذة بها والعفو عنها في العقبى وقال الحرالي: من الغفر وهو ستر ما يقتضي العلم غيبة وترك العقاب يلحقه من معنى العفو (القهار) الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته ومسخر بقضائه وقوته أو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك (الوهاب) كثير النعم دائم العطاء (الرزاق) خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها والرزق وهو المنتفع به وكل شيء ينتفع به فهو رزق هبة مباحا أو حراما (الفتاح) الحاكم بين الخلائق من الفتح بمعنى الحكم أو مبدئ الفتح قال في الكشاف: والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق وقيل هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية وقيل مبدع الفتح والنصر (العليم) لكل معلوم أو البالغ في العلم فعلمه تعالى شامل لجميع المعلومات محيط بها سابق على وجودها (القابض) الذي يضيق الرزق على من أراد (الباسط) الذي يوسعه لمن يشاء وقيل الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة (الخافض) الذي يخفض الكفار بالخزي والصغار (الرافع) الذي يرفع المؤمنين بالنصر والإعزاز فيخفض أعداءه بالإذلال والإبعاد ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد (المعز) الذي يجعل من يشاء مرغوبا فيه والإعزاز الحقيقي تخليص المرء عن ذل الحاجة واتباع الشهوة وجعله غالبا على أمره قاهرا على نفسه (المذل) الذي يجعل من يشاء مرغوبا عنه والإذلال ضد الإعزاز الحقيقي (السميع) مدرك كل مسموع (البصير) مدرك جميع المبصرات وهما في حقه صفتان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما (الحكم) الحاكم الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ومرجع الحكم إما إلى القول الفاصل بين الحق والباطل وإما إلى المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والثواب وقيل أصله المنع وسمي العلم حكما لأنها تمنع صاحبها عن شيم الجهال (العدل) العادل البالغ في العدل وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله (اللطيف) أي الملطف كالجميل بمعنى المجمل أو العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لطف منها أو المحسن الموصل للمنافع برفق وقال الحرالي: اللطيف من اللطف وهو إخفاء الأمور في صور أضدادها من نحو ما أخفى ليوسف عليه الصلاة والسلام أناله الملك في إلباس ثوب الرق حتى قال {إن ربي لطيف لما يشاء} (الخبير) العليم ببواطن الأمور من الخبرة وهو العلم بالخفايا الباطنة أو المتمكن من الإخبار عما علمه (الحليم) الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال عقوبة وتسارع إلى الانتقام (العظيم) من عظم الشيء إذا كبر عظمة ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرا يملأ العين كالفيل والجمل أو كبرا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالسماء والأرض ثم لكل شيء كبير القدر على الرتبة وعلى هذا القياس والعظيم المطلق البالغ إلى أقصى مراتب العظمة هو الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصر ولا بصيرة هو الله سبحانه (الغفور) كثير المغفرة وهي صيانة العبد عما يستوجبه من الانتقام بالتجاوز عن ذنبه من الغفر وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس قيل والغفار أبلغ منه لزيادة بنائه وقيل الفرق بينهما أن المبالغة في الغفور من جهة الكيفية وفي الغفار من جهة الكمية (الشكور) الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثني على عباده المطيعين أو المجازي عباده على شكرهم (العلي) فعيل من العلو وهو البالغ في علو المرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه (الكبير) نقيض الصغير وهما في الأصل يستعملان في الأجسام باعتبار مقاديرها ثم لعالي الرتبة ودانيها والله تعالى كبير بالمعنى الثاني إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول (الحفيظ) الحافظ جدا يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال مدة ما شاء [ص: 486] (المقيت) خالق الأقوات البدنية والروحانية وموصلها إلى الأشباح والأرواح أو المقتدر أو الحافظ للشيء أو المشاهد له (الحسيب) الكافي في الأمور من أحسبني إذا كفاني فعيل بمعنى مفعل كالأثيم أو المحاسب يحاسب الخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى فاعل وقيل الشريف والحسب الشرف (الجليل) المنعوت بنعوت الجلال وهو من الصفات التنزيهية كالقدوس قاله الإمام الرازي والفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير الكامل في الذات والجليل الكامل في الصفات والعظيم الكامل فيهما (الكريم) المتفضل الذي يعطي من غير مسألة ولا وسيلة أو المتجاوز الذي لا يستقصي في العقاب أو المقدس من النقائص والعيوب (الرقيب) الذي يراقب الأشياء ويلاحظها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء (المجيب) للداعي إذا دعاه (الواسع) الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ووسع رزقه كافة خلقه أو المحيط علمه بكل شيء (الحكيم) ذو الحكمة وهي عبارة عن كمال العلم وإحسان العمل والإتقان فيه وقد يستعمل بمعنى العليم والمحكم أو هو مبالغة الحاكم (الودود) مبالغة الود ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في جميع الأحوال والمحب لأوليائه (المجيد) مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم (الباعث) لمن في القبور للنشور أو باعث الأرزاق لعباده والأولى تفسيره بالأعم (الشهيد) من الشهود وهو الحضور ومعناه العليم بظواهر الأشياء وما تمكن مشاهدته كما أن الخبير العالم ببواطنها وما يتعذر الإحساس به أو مبالغة الشاهد والمعنى يشهد على الخلق يوم القيامة (الحق) الثابت وفي مقابلته الباطل الذي هو المعدوم أو المحق أي المظهر للحق (الوكيل) القائم بأمور العباد وقال الحرالي: من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وترفها فهو سبحانه الوكيل على كل شيء بحكم إقامته له (القوي) الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فلا يمسه نصب ولا لعب ولا يدركه قصور ولا تعب والقوة تطلق على معان مترتبة أقصاها القدرة التامة البالغة إلى الكمال والله سبحانه وتعالى قوي بهذا المعنى أو الذي لا يستولي عليه العجز بحال وقال الحرالي: المقوي من القوي وهي وسط ما بين الحول وظاهر القدرة لأن أول ما يوجد في الباطن من منة العمل ويسمى حولا ثم يحس به في الأعضاء مثلا يسمى قوة وظهور العمل بصورة البطش والتنازل يسمى قدرة ولذلك كان في كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله رجع بالأمور والأعمال الظاهرة إلى مسند أمر الله انتهى وأبان بهذا أن القوة أمر زائد على القدرة ومثله في الخلائق ليقرب فهمه وإلا فتعالى ربنا عن الاتصاف بصفات الأجسام من الأعضاء والإحساس والظاهر والباطن في وصفه (المتين) الذي له كمال القوة بحيث لا يعارض ولا يشارك ولا يدانى ولا يقبل الضعف في قوته ولا يمانع في أمره بل هو الغالب الذي لا يغالب ولا يغلب ولا يحتاج في قوته لمادة ولا سبب (الولي) المحب الناصر أو متولي أمر الخلائق (الحميد) المحمود المستحق للثناء وقال الحرالي: من الحمد وهو ثبوت مقتضيات الثناء المستغرق الذي لا يشذ عنه وصف ولا يعقبه تطرق بذم (المحصي) العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العاد بما يعده وقيل هو القادر قال الحرالي: من الإحصاء وهو الإحاطة بحساب الأشياء وما شأنه التعداد (المبدىء) المظهر من العدم إلى الوجود (المعيد) الذي يعيد المعدوم وقال الحرالي: الوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في قوله {إنه هو يبدىء ويعيد} فيبدىء من الإبداء وهو الإظهار على وجه التطويل المهيء للإعادة فهو سبحانه وتعالى بدأ الخلق على نحو ما يعيدهم عليه فهو بذلك المبدىء والمعيد (المحيي) ذو الحياة وهو الفعال الدراك معطي الحياة لمن شاء حياته (المميت) خالق الموت ومسلطه على من يشاء قال الحرالي: والوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في " لا إله إلا هو يحيي ويميت " فيحيي من الإحياء وهو الإظهار من غيب عن تكامل تكون الأمانة على مظهر تكامله عودا من نهاية ذلك التكامل تغييبا إلى بعض ذلك الغيب الذي هو مبدأ التكامل أي فحقيقة الحياة تكامل في الظهور وحقيقة الموت تراجع إلى الغيب (الحي القيوم) القائم بنفسه المقيم لغيره على الدوام على أعلى ما يكون من القيام فإن قوامه بذاته وقوام كل شيء به فيعول [ص: 487] للمبالغة (الواجد) الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شيء أو الغنى مأخوذ من الوجد (الماجد) يعني المجيد إلا أن في المجيد مبالغة ليست في الماجد (الواحد) المتعال عن التجزىء فإن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام ويكره إطلاق الواحد بهذا المعنى والله تعالى من حيث تعاليه عن أن يكون له مثل فيطرق ذاته التعدد والاشتراك أحد ومن حيث أنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد وقال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول ما جاءني أحد والواحد اسم بني لمفتتح العدد تقول جاءني واحد من الناس ولا تقول جاءني أحد فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير والأحد منفرد بالمعنى (الصمد) السيد سمي به لأنه يصمد إليه في الحوائج ويقصد في الرغائب وقال الحرالي: الصمد اسم مطلق وهو الملجأ الذي لا يمكن الخروج عنه لإحاطة أمره فهو راجع إلى اسم الله ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به في كل أحواله وقال الزجاج: الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد فلا سيد فوقه (القادر) المتمكن من الفعل بلا معالجة ولا واسطة وقال الحرالي: من القدرة وهي ظهور الأشياء في العيان والشهادة (المقتدر) من الاقتدار وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظا من قدرته ذكره الحرالي وقال القاضي: معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة (المقدم المؤخر) هو الذي يقدم بعض الأشياء على بعض إما بالذات كتقديم البسائط في المركبات أو الوجود كتقديم الأسباب على المسببات أو بالشرف كتقديم الأنبياء والصلحاء على من عداهم وإما بغير ذلك وقال الحرالي: هما من التقديم والتأخير وهو إحكام ترتيب الأشياء بعضها على بعض فلذلك نزلا منزلة اسم واحد (الأول والآخر) قال الحرالي: هما اسما إحاطة بتقديم الأول على كل أول وإحاطة الآخر بكل آخر فيه البدء أو إليه الانتهاء فليس قبله شيء ولا بعده شيء بل هو مبدأ الوجود ومنتهاه منه أبدا وإليه يعود (الظاهر الباطن) أي الظاهر وجوده بآياته ودلائله المثبتة في أرضه وسمائه إذ ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا وهي شاهدة باحتياجها إلى مدبر دبرها ومقدر قدرها والباطن بذاته المحتجب عن نظر العقل بحجب كبريائه (الوالي) الذي تولى الأمور وملك الجمهور (المتعالي) البالغ في العلاء المرتفع عن النقائص (البر) المحسن الذي يوصل الخيرات لمن كتبها له بلطف وإحسان وقال الحرالي: البر اسم مطلق لكونه على بناء فعل وليس من أبنية الاشتقاق والجاري على الاشتقاق منه بار ولم يحفظ من أسماء الله تعالى وهو تمام الاكتفاء بما به التربية من مقتضى اسم الرب (التواب) الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب حل عقد أصره ورجع إلى التزام الطاعة بقبول توبته من التوب وهو الرجوع أو الذي يوفق المذنبين للتوبة فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له (المنتقم) المعاقب للعصاة على ذنوبهم افتعال من نقم الشيء إذا كرهه غاية الكراهة قال ابن العربي: الألوهية تقتضي أن يكون في العالم بلاء وعافية فليس إزالة المنتقم من الموجود أولى من إزالة الغافر والعفو والمنعم ولو بقي من الأسماء ما لا حكم له لكان معطلا والتعطيل في الألوهية محال فعدم أثر الأسماء محال (العفو) الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ في الغفور لأن الغفران ينبىء عن الستر والعفو ينبئ عن المحو وأصل العفو القصد لتناول الشيء سمي به المحو لأنه قصد لإزالة المحو (الرؤوف) ذو الرأفة وهي شدة الرحمة وهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ومن الراحم بمرتبتين (مالك الملك) الذي ينفذ مشيئته في ملكه تجري الأمور فيه على ما يشاء أو هو الذي له التصرف المطلق في علو ملكه ومالك بلا حجر ولا تردد ولا استثناء ولا توقف (ذو الجلال والإكرام) الذي لا شرف ولا كمال إلا وهو له ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه (المقسط) الذي ينتصف للمظلومين ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين يقال [ص: 488] قسط إذا جار وإذا عدل أو أزال الجور وقال الحرالي: من القسط وهو القيام بأتم الوزن وأعدل التكافىء (الجامع) المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متزاوجة وممتزجة في الأنفس والأفاق أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء (الغني) المستغني عن كل شيء (المغني) معطي كل شيء ما يحتاجه (المعطي) من شاء ما شاء لا مانع لما أعطى (المانع) الدافع لأسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان أو من المنعة أي يحوط أولياءه وينصرهم أو من المنع أي يمنع من يستحق المنع (الضار النافع) الذي يصدر عنه النفع والضر إما بواسط أو بغيره (النور) الظاهر بنفسه المظهر لغيره (الهادي) {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} خاصته إلى معرفة ذاته فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته فاستشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته (البديع) المبدع وهو الآتي بما لم يسبق إليه أو الذي لم يعهد مثله (الباقي) الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء (الوارث) الباقي بعد فناء العباد فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك (الرشيد) الذي ينساق تدبيره إلى غاية السداد من غير استشارة ولا إرشاد أو مرشد الخلق إلى مصالحهم فعيل بمعنى فاعل وقال الحرالي: الرشيد من الرشد وهو التولي بأمر لا يناله تعقب ولا يلحقه استدراك (الصبور) الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه وهو أعم من الأول وفارق الحليم بأن الصبور يشعر بأنه يعاقب في العقبى بخلافه وأصل الصبر حبس النفس عن المراد فاستعير لمطلق التأني في الفعل قال الحرالي: الصبور من الصبر وهو احتمال الأذى الذي هو وصف المتنزه بما يتنزه عنه ولاستحقاق التنزيه والتسبيح كان ذلك في حقه سبحانه وتعالى أشد (ت) في الدعوات (حب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال التنائي غريب لا نعلم ذكر الأسماء إلا في هذا الخبر وذكره آدم ابن أبي إياس بسند آخر ولا يصح انتهى قال النووي في الأذكار إنه أي حديث الترمذي هذا حديث حسن وقدم المصنف هذه الرواية على ما بعدها لأنها أرجح الثلاثة وعليها شرح الأكثر الحديث: 2367 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 2368 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما قال بعضهم: مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة وقد يؤخذ باعتبار الأجزاء وقد يكون مأخوذا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات ولا خفاء في تكثير أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار وامتناع ما يكون باعتبار الجزء لتنزهه سبحانه عن التركيب (من أحصاها كلها) علما وايمانا أو عدا لها حتى يستوفيها فلا يقتصر على بعضها بل يثني على الله تعالى ويدعوه بكلها أو في رواية لابن مردويه بدل من أحصاها من دعا بها (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (أسأل الله) أي أطلب من الذات الواجب الوجود لذاته قال ثعلب: مفرد فيه توحيد مجرد وخاصيته زيادة اليقين بتيسير المقاصد المحمودة في الذات والصفات والأفعال فقد قالوا من دوامه كل يوم ألف مرة بصيغة يا ألله يا هو رزقه الله كمال اليقين وفي الأربعين الادريسية يا ألله المحمود في كل فعاله قال السهروردي: من تلاه يوم الجمعة قبل الصلاة على طهارة ونظافة خاليا سرا مائتي مرة يسر الله له مطلوبه وإن كان ما كان وإن تلاه مريض أعجز الأطباء علاجه برىء ما لم يكن حضر أجله (الرحمن) فعلان من الرحمة التي هي ظهور أمره تعالى في الخلق بنوع من الرفق وخاصيته على وفق معناه صرف المكروه عن ذاكره وحامله ويذكر مئة مرة بعد كل صلاة في جمعية وخلوة فيخرج الغفلة والنسيان وفي الأربعين الادريسية يا رحمن كل شيء وراحمه قال يكتب بزعفران ممسك ويدفن في بيت من أخلاقه شرسة ضيقة تتبدل طباعه ويظهر فيه الحياء والرحمة والعطف والمسكنة (الرحيم) فعيل من الرحمة قيل وهو أبلغ مما قبله في الصيغة لأن مقتضاه الإمداد وهو بعد الإيجاد فله متعلقان في الأثر ووجهان في المعنى ولما كانت صورة الامداد يظهر أثرها من الخلق جاز إطلاق هذا الاسم عليهم على وجه يليق بهم واختص بالمؤمنين {وكان بالمؤمنين رحيما} وإمداد الكافر إنما هو استدراج {إنما نملي لهم ليزدادوا [ص: 489] إثما} فإمداد الكافر نقمة وإمداد المؤمن رحمة وخاصيته رقة القلوب ورحمة الخلق فمن داومه كل يوم مئة مرة كان له ذلك فمن خاف الوقوع في مكروه ذكره مع ما قبله وحمله قال السهروردي: إذا كتب وحل في ماء وصب في أصل شجرة ظهرت بركتها ومن شرب الماء اشتاق لكاتبه (الإله) المنفرد بالألوهية قال الاقليشي: الصحيح أن الله وإله اسمان على حيالهما وأن الله يتسمى بإله ولا يتسمى بلاه وإن كان يجوز كون أصل الله إله فقد انتقل حكمه وثبت الله اسما له وثبت له أيضا إله فالإله هو الذي يأله إليه كل شيء أي يلجأ ولذلك يضاف إلى كل موجود في الوجود والله هو الذي تأله إليه العقول العالمة به أي تتحير (الرب) المالك أو السيد أو القائم بالأمر والمصلح أو المربي (المالك) المتصرف في المخلوقات بالقضايا والتدبيرات دون احتياج ولا حجر ولا مشاركة غير مع وصف العظمة والجلال ومن علم أنه الملك الحق الذي ينتهي الآمال إليه جعل همته وقفا عليه فلم يتوجه في كل أموره إلا إليه وخاصية صفاء القلب وحصول الغنى ونحو الأمرة فمن واظبه وقت الزوال كل يوم مئة مرة صفا قلبه وزال كدره ومن قرأه بعد الفجر كل يوم مئة وعشرين مرة أغناه الله من فضله (القدوس) فعول من القدس صيغة مبالغة وحقيقته الاعتلاء عن قبول التغير وخاصيته أن يكتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز أثر صلاة الجمعة فآكله بعد ذكر ما وقع عليه يفتح الله له العبادة ويسلمه من الآفات وزيادة (السلام) ذو السلامة من كل آفة ونقص وحقيقة السلامة استواء الأمر والتوسط بين طرفي ظهور الرحمة والمحنة وتوسط حال بين منعم عليه ومنتقم منه وخاصيته صرف المصائب والآلام حتى إذا قرىء على مريض مئة وإحدى وعشرين مرة برىء ما لم يحضر أجله أو خفف عنه (المؤمن) المصدق لمن أخبر عنه بأمره بإظهار دلائل صدقه قال إمام الحرمين: وهو يرجع إلى التأمين بمجموع القول والفعل ونسق بالسلام لمزيد معنى التأمين على السالم لما فيه من الإقبال والقبول وخاصيته وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق ومن خاصيته أن يذكره الخائف ستا وثلاثين مرة يأمن على نفسه وماله ويزاد بحسب القوة والضعف (المهيمن) الشاهد المحيط بداخلة ما شهد فيه ومن عرف أنه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه في كل أحواله وخاصيته الحصول على شرف الباطن وعزته برفع الهمة وعلوها تقرأ مئة مرة بعد الغسل والصلاة بخلوة وجمع خاطر لما يريد (العزيز) الممتنع عن الإدراك الغالب على أمره المرتفع عن أوصاف الخلق ومن عرف أنه العزيز رفع همته عن الخلق قال المرسي: والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلائق وقال ابن عطاء الله يقال لك إذا استندد لغير الله ففقدته أنظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا وخاصيته وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى فمن ذكره أربعين يوما كل يوم أربعين مرة أغناه الله وأعزه ولم يحوجه لأحد (الجبار) من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله أو من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم وخاصيته الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين سفرا وحضرا يذكر صباحا ومساءا (المتكبر) المظهر كبرياءه لعباده بظهور أمره حتى لا يبقى كبرياء لغيره قال إمام الحرمين: وهو اسم جامع لمعاني التنزيه وهو من الأسماء الذي جبلت الفطر على اعتقاد معناه كما جبلت على افدمان لاسم الله وخاصيته الجلالة والبركة حتى أن من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقبل جماعها عشرا رزق ولدا ذكرا صالحا (الخالق) موجد الكائنات وممدها ومشيدها وقيومها والتخليق إيجاد الممكن وإبرازه للوجود فهو من معاني القدرة وخاصيته أن يذكر في جوف الليل فينور قلب ذاكره ووجهه (البارىء) المهيء كل ممكن لقبول صورته في خلقه فهو من معاني الإرادة وخاصيته أن يذكر سبعة أيام متوالية كل يوم مئة مرة للسلامة من الآفات (المصور) معطي كل مخلوق ماله من صورة وجوده بحكمته فهو من معاني الحكيم بهذه الثلاثة ظهر الوجود وخاصيته الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار حتى أن العاقر إذا ذكرته كل يوم إحدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الفطر سبعة أيام وتفطر على ماء زال عقمها ويصور الولد في رحمها (الحكيم) المحكم للأشياء حتى صدرت متقنة على وفق علمه وإرادته بقضائه وقدره وخاصيته دفع الدواهي وفتح باب الحكمة (العليم) بمعنى [ص: 490] العالم والعالم من قام به العلم وهو صفة معنوية متعلقة بالمعلومات واجبة وجائزة ومستحيلة وخاصيته تحصيل العلم والمعرفة فمن لازمه عرف الله حق معرفته على الوجه اللائق به (السميع) الذي انكشف كل موجود لصفة سمعه فكان مدركا لكل مسموع من كلام وغيره وخاصيته إجابة الدعاء فمن قرأه يوم الخميس بعد صلاة الضحى خمس مئة مرة كان مجاب الدعاء (البصير) المدرك لكل موجود برؤيته وخاصية وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مئة مرة فتح الله عين بصيرته ووفقه لصالح القول والعمل (الحي) الموصوف بالحياة التي لا يجوز عليها فناء ولا موت ولا يعتريها قصور ولا عجز ولا تأخذه سنة ولا نوم وخاصيته ثبوت الحياة في كل شيء (القيوم) القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى غيره قال الحرالي: من القيام مؤكدا بصيغة المبالغة فيعول إنباء عن القيام بالأمور أولها وآخرها باطنها وظاهرها وخاصيته حصول القيام والقيومية ذاتا ووصفا قولا وفعلا فمن ذكره مجردا ذهب عنه النوم (الواسع) الذي وسع علمه ورحمته كل شيء وقال الحرالي: من السعة وهي إحاطة الأمر بكل ما شأنه الإحاطة من معنى القدرة والعلم والرحمة وسع كل شيء رحمة وعلما وخاصيته حصول السعة والجاه وسعة الصدر والقناعة والسلامة من نحو حرص وغل وحقد وحسد لذاكره الملازم (اللطيف) بمعنى الخفي عن الإدراك أو العالم بالخفيات وخاصيته دفع الآلام فمن ذكره عدده الواقع عليه وهو يشاهد الجلالة أثر في المقام ومن ذكره كل يوم مئة مرة أو مئة وثلاثين أو ثمانين مرة وسع عليه ما ضاق وكان ملطوفا به (الخبير) العليم بدقائق الأمور التي لا يصل إليها غيره إلا بالاختيار أو الاحتيال وقال الحرالي: هو من الخبرة أي إظهار ما خفي في الأشياء إظهار وفاء وخاصيته حصول الإخبار بكل شيء فمن ذكره سبعة أيام أتته الروحانية بكل خير يريده من أخبار السنة والملوك وأخبار القلوب ومن كان في يد إنسان يؤذيه فليكثر قراءته (الحنان) بالتشديد الرحيم بعباده من قولهم فلان يتحنن على فلان أي يترحم ويتعطف عليه (المنان) الذي يشرف عباده بالامتنان بماله من عظيم الإنعام والإحسان (البديع) المبدع أو الذي لا مثل له وخاصيته قضاء الحوائج ودفع الجوائح فمن قرأه سبعين ألف مرة كان له ذلك (الودود) كثير الود لعباده والتودد لهم بوار النعم وصرف النقم وإيصال الخيرات ودفع المضرات وخاصيته ثبوت الود سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مرة على طعام وأكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته (الغفور) هو من معنى الغفار إلا أن الغفار يقتضي العموم في الأزمان والأفراد والغفور يقتضي المبالغة في كثرة ما يغفر وخاصيته دفع الألم حتى أنه ليكتب للمحموم ثلاث مرات فيبرأ وإن كتب سيد الاستغفار وجرع لمن صعب عليه الموت انطلق لسانه وسهل عليه الموت ذكره البلالي وجرب (الشكور) المجازي بالخير الكثير على العمل اليسير وقال الحرالي: من الشكر وهو إظهار مستبطن الخير فعلا أو قولا وخاصيته التوسعة ووجود العافية في البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق نفسي أو تعب في البدن وثقل في الجسم وتمسح به وشرب منه برىء (المجيد) ذو الشرف الكامل والملك الواسع الذي لا غاية له ولا يمكن الزيادة عليه ولا الوصول لشيء منه وخاصيته تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهرا وباطنا حتى في عالم الأبدان والصور فقد قالوا إذا صام الأبرص أيام المرض وقرأه كل يوم عند الفطر كثيرا برىء بسبب أو بلا سبب وقيل إن البرص إذا جاوز خمسين سنة لا يبرأ لسريانه في كلية التركيب فلا يزول إلا بتحول الذات وذلك متوقف على الموت (المبدىء) مظهر الكائنات من العدم الغيبي إلى الوجود العيني وخاصيته يقرأ على بطن الحامل سحرا تسعا وعشرين مرة يثبت ما في بطنها ولا ينزلق (المعيد) مرجع الأكوان بعد العدم وخاصيته أن يذكر مرارا لتذكار المحفوظ إذا نسي سيما إذا أضيف له الأول (النور) مظهر الأعيان من العدم إلى الوجود قال الحرالي: [ص: 491] هو مظهر المظاهر المبين لذات كل شيء وفرقانه على أتم ما شأنه أن يبين ويظهر وخاصيته تنوير القلب لذاكره وجوارحه (البارىء) من يخرج الأشياء من العدم إلى الوجود (الأول) الذي لا مفتتح لوجوده (الآخر) الذي لا مختتم له لثبوت قدمه واستحالة عدمه فكل شيء منه بدأ وإليه يعود وخاصية الآخر الأول جمع الشمل فإذا واظبه مسافر كل يوم جمعة ألفا انجمع شمله وخاصيته صفاء الباطن عما سواه تعالى فإذا واظبه كل يوم مئة خرج من قلبه ما سواه تعالى (الظاهر الباطن) الواضح الربوبية بالدلائل المحتجب عن التكيف والأوهام فهو الظاهر من جهة التعريف الباطن من جهة التكيف قال في الحكم: أظهر كل شيء لأنه الباطن وطوى وجود كل شيء لأنه الظاهر وخاصية الأول إظهار نور الولاية على قلب قارئه وقالبه والثاني وجود الأنس لمن قرأه كل يوم ثلاث مرات في كل مرة ساعة زمانية (العفو) الذي يترك المؤاخذة بالذنب حتى لا يبقى له أثر فيعفو أثره أي يندرس ويذهب ويؤخذ من قولهم عفا الأثر إذا ذهب وخاصيته أن من أكثر ذكره فتح له باب الرضى (الغفار) الكثير المغفرة لعباده والمغفرة الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة وخاصيته وحود المغفرة فمن ذكره أثر صلاة الجمعة مئة مرة ظهرت له آثار المغفرة (الوهاب) من الهبة وهي العطية بلا سبب سابق ولا استحقاق ولا مقابلة ولا جزاء وفي صيغته من المبالغة ما لا يخفى وخاصيته حصول الغنى والفبول والهيبة والإجلال لذاكره ومن داومه في سجود صلاة الضحى فله ذلك ويذكر مركبا مع اسمه الكريم ذي الطول الوهاب للبركة في المال والجاه (الفرد) الذي لا شفع له من صاحبة أو ولد لعدم مجانسته غيره وخاصيته ظهور عالم القدرة وآثارها حتى لو ذكره ألفا في خلوة وطهارة ظهرت له من ذلك عجاب وغرائب بحسب قوته وضعفه (الأحد) الذي انقسامه مستحيل قال الأفلشي: الفرق بينه وبين الواحد أن الواحد هو الذي ليس بمنقسم ولا متحيز فهو اسم لعين الذات فيه سلب الكثرة عن ذاته والأحد وصفا لذاته فيه سلب النظير والشريك عنه فافترقا وقال السهيلي: أحد أبلغ وأعم ألا ترى أن ما في الدار أحدا وأبلغ من ما فيها واحد وقال بعضهم: قد يقال إنه الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله والأحد في وحدانيته إذ لا يقبل التغير ولا التشبه بحال (الصمد) الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد فيها وخاصيته حصول النجاح والصلاح فمن قرأه عند السحر مئة وخمسة وعشرين مرة كل يوم ظهر عليه آثار الصدق والصديقية (الوكيل) المتكفل بمصالح عباده الكافي لهم في كل أمر. وقال الحرالي: من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وترفيها وخاصيته نفي الحوائج والصائد فمن خاف ريحا أو صاعقة فليكثر منه فإنه يصرف عنه ويفتح أبواب الخير والرزق (الكافي) عبده بإزالة كل جائحة وحده (الحسيب) من الحسب بالتحريك السؤدد والشرف الكامل أو من الحسب الذي هو الإكتفاء أي المعطي لعباده كفايتهم من قولهم حسبي أي يكفيني أو من الحساب أي المحاسب لعباده على أعمالهم وخاصيته وقوع الأمن بين ذوي الأنساب والقرابات فيقرأه من يخاف عليه من قريبه كل يوم قبل الطلوع وبعد الغروب سبعا وسبعين مرة فإن الله يؤمنه قبل الأسبوع ويكون الإبتداء يوم الخميس (الباقي) الذي لا يجوز عليه العدم ولا الفناء وخاصيته أن من ذكره ألف مرة تخلص من ضده وهمه وغمه (الحميد) الموصوف بالصفات العلية التي لا يصح معها الحمد لغيره ولا يثنى عليه حقيقة سواه وخاصيته إكتساب المحامد في الأخلاق والأفعال والأقوال (المقيت) معطي كل موجود ما قام به قوامه من القوت والقوة الحسية والمعنوية وخاصيته وجود القوت والقوة فالصائم إذا قرأه وكتبه على التراب وبله ثم شمه قواه على ما هو به ومن قرأه على كوز سبعا ثم كتب عليه وكان يشرب فيه في السفر أمن وحشة السفر سيما إن أضاف إليه قراءة سورة قريش صباحا ومساء وقد جربت لذلك وللأمن فيه (الدائم) الذي لا يقبل الفناء فلا انقضاء لديموميته قال الأقليشي: وهو وصف ذات سلبي كالباقي إلا أن في الدائم زيادة معنى وهو أن الدائم الباقي على حالة واحدة وثبوت الدوام له ضروري وما ثبت قدمه استحال عدمه وقال بعضهم: الدائم هو الذي لا انصرام لوجود ولا انقطاع لبقائه (المتعالي) [ص: 492] المرتفع في كبريائه وعظمته وعلو مجده عن كل ما يدرك أو يفهم من أوصاف خلقه وخاصيته وجود الرفعة وصلاح الحال حتى أن الحائض إذا لازمته أيام حيضها أصلح الله حالها (ذا الجلال والإكرام) الذي له العظمة والكبرياء والإفضال التام وخاصيته وجود العزة والكرامة وظهور الجلالة (الولي) المتولى لأمور عباده المختصين بإحسانه {والله ولي المتقين} {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} وخاصيته ثبوت الولاية الملازمة حتى أنه يحاسب حسابا يسيرا وتيسير أموره حتى أن من ذكره كل يوم جمعة ألفا نال مطالبه (النصير) كثير النصر لأوليائه نعم المولى ونعم النصير (الحق) الثابت الوجود على وجه لا يقبل الزوال ولا العدم ولا التغيير والكل منه وإليه فكل شيء دونه باطل إذ لا حقيقة لمن دونه من ذاته ولا في ذاته. . . ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . . وخاصيته أن يكتب في كاغد مربع على أركانه الأربع ويجعله في كفه سحرا ويرفعه إلى السماء يكفيه الله ما أهمه (المبين) المظهر للصراط المستقيم لمن شاء هدايته من خلقه ومن لازم لا إله إلا الله الملك الحق المبين في كل يوم مئة مرة استغنى من فقره وحصل على تيسير أمره (الباعث) مثير الساكن في حالة أو وصف أو حكم أو نوم أو غيره فهو باعث الرسل بالأحكام والمولى للقيام والقائم باليقظة من المنام وخاصيته بعث عالم الغيب فمن وضع يده على صدره عند النوم وقرأه مئة مرة نور الله قلبه ورزقه العلم والحكمة (المجيب) الذي يسعف السائل بمقتضى فضله حالا ومآلا بأن يعطيه مراده وما هو أفضل أو أسلم أو أصلح في علمه وخاصيته إسراع الإجابة بأن يذكر مع الدعاء سيما مع اسمه السميع (المحيي) خالق الحياة ومعطيها لكل من شاء حياته على وجه يريده ومديمها لمن شاء دوامها له كما شاء بسبب وغيره وخاصيته وجود الألفة فمن خاف الفراق أو الحبس فليقرأه على بدنه (المميت) خالق الموت ومسلطه على من شاء من الأحياء متى شاء وكيف شاء بسبب وبدونه وقد يكون من ذلك في المعاني وجها فيحيي القلوب بنور المعرفة كما أحيا الأجسام بالأرواح ويميتها بعارض الغفلة ونحوها وخاصيته أن يكثر منه المسرف والذي لم تطاوعه نفسه على الطاعة (الجميل) في ذاته وصفاته وأفعاله قال الأقليشي: وهو صفة ذانية سلبية إذ الجميل من الخلق من حسنت صفاته وانتفى عنه الشين وقد يكون صفة فعل بمعنى مجمل (الصادق) في وعده وإيعاده (الحفيظ) مدبر الخلائق وكالؤهم عن المهالك أو العالم بجميع المعلومات علما لا تغير له ولا زوال وخاصيته أنه ما حمله أحد ولا ذكره في مواضع الاحتمال إلا وجد بركته لوقته حتى أن من علقه عليه لو نام بين السباع لم تضره (المحيط) بجميع مخلوقاته وبما كان وما يكون منهم من الظواهر والبواطن (الكبير) الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شيء سواه فهو يحتقر كل شيء في جنب كبريائه وخاصيته لفتح باب العلم والمعرفة لمن أكثر ذكره وإن قرىء على طعام وأكله الزوجان تصالحا وتوافقا (القريب) من لا مسافة تبعد عنه ولا غيبة ولا حجب يمنع منه (الرقيب) الذي لا يغفل ولا يذهل ولا يجوز عليه ذلك فلا يحتاج لمدبر ولا منبه وخاصيته جمع الضوال وحفظ الأهل والمال فصاحب الضالة يكثر قراءته فيجمع عليها ويقرأه من خاف على الجنين في بطن أمه سبع مرات فيثبت ومن أراد سفرا يضع يده على عنق من يخاف عليه المنكر من أهل أو ولد ويقوله سبعا يأمن عليه (الفتاح) المتفضل بإظهار الخير والسعة على أثر ضيق وانفلاق وخاصيته تيسير الأمور وتنوير القلب والتمكين من أسباب الفتح فمن قرأه إثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره طهر قلبه وتنور سره وتيسر أمره وفيه سر تيسير الرزق (التواب) الذي يكثر منه التوبة على عباده وخاصيته دفع الظلم وتحقيق التوبة ومن قرأه إثر صلاة الضحى ثلاث مئة وستين مرة تحققت توبته ومن قرأه على ظالم عشر مرات خلص منه مظلومه (القديم) الذي لا ابتداء لوجوده (الوتر) المنفرد بالتوحيد (الفاطر) المخترع المبدع فاطر السماوات والأرض وهو من صفات الفعل (الرزاق) ممد كل كائن بما يتحفظ به صورته ومادته فإمداد الأجسام بالأغذية والعقول والقلب بالفهم والأرواح بالتجليات وخاصيته سعة الرزق يقرأ قبل صلاة الفجر في كل [ص: 493] ناحية من البيت عشرا يبدأ باليمين من جهة القبلة ويستقبلها في كل ناحية إن أمكن (العلام) البالغ في العلم لكل معلوم وخاصيته تحصيل العلم والمعرفة فمن واظبه عرف الله حق معرفته (العلي) المرتفع عن مدارك العقول ونهاياتها في ذاته وصفاته وأفعاله فليس كذاته ذات ولا كصفته صفة ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل وخاصيته الرفع من أسافل الأمور إلى أعاليها فيكتب ويعلق على الصغير فيبلغ وعلى الغريب فينجمع شمله وعلى الفقير فيجد غنى (العظيم) الذي يحتقر عند ذكر وصفه كل شيء سواه فهو العظيم على الإطلاق وخاصيته وجود العافية والبرء من المرض لمن يكثر من ذكره ولم يكن حضر أجله (الغني) الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله إذ لا يلحقه نقص ولا يعتريه عارض وخاصيته وجود العافية في كل شيء فمن ذكره على مرض أو بلاء في بدنه أو غيره أذهبه الله عنه وفيه سر الغنى ومعنى الاسم الأعظم لمن أهل له (المغني) معطي الغنى أي الكفاية لمن شاء من عبيده وخاصيته وجود الغنى فيقرأه الآيس من الخلق كل يوم ألف مرة يغنيه الله وإن قرأه عشر جمع كل ليلة جمعة عشرة آلاف ظهر الأثر على أثرها (المليك) مبالغة من المالك لأن فعيلا في اللسان مصوغ للمبالغة في اسم الفاعل (المقتدر) بمعنى القادر أو أخص كما مر وخاصيته وقوع التدبير من مولاه له فمن قرأه عند انتباهه من نومه نظرا دبره الله فيما يريد حتى لا يحتاج إلى تدبير (الأكرم) أي الأكثر كرما من كل كريم (الرؤوف) من الرأفة وهي أشد الرحمة فالرأفة باطن الرحمة والرحمة من أخص الأوصاف الإرادية لأن الرحمة إرادة كشف الضرر ودفع السوء بنوع عطف والرأفة بزيادة لطف ورفق وخاصيته أن من ذكره عند الغضب عشرا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مثلها سكن غضبه وكذا من ذكر بحضرته (المدبر) لأسرار خلقه بما تحار فيه الألباب وهو اسم فاعل من دبر يدبر إذا نظر في عواقب الأمور وخاصيته وقوع التدبير من الله تعالى له فمن لازمه شهد أن التدبير في ترك التدبير (المالك) وهو اسم جامع لمعاني الصفات العلا وإحاطة العلم والاقتدار بحيث لا يعزب عن علمه شيء مما هو ملكه ولا يعجز عن إنفاذ ما يقتضيه حكمه ومن فسره بالخلق أخذ طرفا من معناه وكذا من فسره بالقدرة وخاصيته صفاء القلب والتخلص عن شوائب الكدر لمن داوم ذكره (القاهر) من القهر وهو الاستيلاء على الشيء من جهة أمر ظاهره من جهة الملك والسلطان وباطنه من جهة علو المكانة وقيام الحجة ذكره الحرالي وأشار بآخره إلى قوله تعالى {وهو القاهر فوق عباده} وخاصيته إذهاب حب الدنيا وعظمة ما سوى الله من قلبه وضعف النفس عن التعلقات الدنيوية فمن أكثر ذكره حصل له ذلك وظهرت له آثار النصر على عدوه بقهره (الهادىء) مرشد العباد أمرا وتوفيقا فهو {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} وخاصيته هداية قلب حامله وذاكره وإن ذاكره يرزقه التحكم في البلاد وله وضع وملدة واختصاص (الشاكر) الثاني بالجميل على من فعله من عباده المثيب عليه من بحر إمداده وإنعامه (الكريم) الرفيع القدر العظيم الشأن ومنه أن هذا الأملاك كريم وهذا كرم الذات وكرم الأفعال البداء بالنوال قبل السؤال والإعطاء بلا حد ولا زوال وهو تعالى كريم ذاتا وصفاتا وفعلا وخاصيته وجود الكرم والإكرام فمن دارم ذكره عند النوم أوقع الله في القلوب إكرامه (الرفيع) البالغ في إرتفاع المرتبة (الشهيد) الحاضر الذي لا يغيب عنه معلوم ولا مرئي ولا مسموع ولا يحتاج فيه إلى تعريف بل هو المعرف لكل شيء {أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} وخاصيته الرجوع عن الباطل إلى الحق حتى أنه إذا أخذ من جبهة الولد العاق شعرا وقرأ عليه أو على الزوجة كذلك ألفا صلح حالهما (الواحد) المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله فهو أحد في ذاته لا ينقسم ولا يتجزأ واحد في صفاته لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء واحد في أفعاله لا شريك له ولا نظير وخاصيته إخراج الخلق من القلب فمن قرأه كل يوم ألف مرة أخرج الخلائق [ص: 494] من قلبه فكفي خوف القلب وهو أصل كل بلاء (ذو الطول) الإضافة لذلك إذ الطول اتساع الغنى والفضل يقال طال عليهم يطول إذا أفضل فلما كان يطول على عباده بطوله ويوسعهم بجزيل عطائه سمي به (ذا المعارج) أي المصاعد قال الاقليشي: والأظهر أن الإضافة ملكية أو تكون المعارج المراقي الموضوعة لعروج الملائكة ومن يعرج عليها إلى الله ويحتمل كونه من إضافة الصفة إلى الموصوف فتكون المعارج الدرجات العالية والأوصاف الفاضلة التي استحقها لذاته (ذا الفضل) الزيادة في العطاء (الخلاق) الكثير المخلوقات (الكفيل) المتكفل بمصالح خلقه (الجليل) من له الأمر النافذ والكلمة المسوعة ونعوت الجلال كالملك والغنى إلى هنا تم الكلام على شرح ما في هذا الخبر من الأسماء قال الحافظ ابن حجر هذا يخالف سياق الترمذي في الترتيب والزيادة والنقصان وإنما ترك العاطف بين هذه الأسماء في هذا الخبر وما قبله إشعارا باستقلال كل من الصفات الكمالية فيها قصد من ذكره ولأن شيئا منها لا يؤدي جميع مفهوم اسم الذات العلم وقد يذكر بالعطف للمناسبة والتصريح بالاجتماع وقد تذكر في بعض وتترك في بعض تفننا فإنه يوجب توجه الذهن أو لزيادة مناسبة وكمال علاقة (ك) من حديث عبد العزيز بن الحصين عن أبي أيوب وعن هشام بن حسان جميعا عن ابن سيرين عن أبي هريرة (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (وابن مردويه معا في التفسير) أي تفسير القرآن (وأبو نعيم) الحافظ (في الأسماء الحسنى) أي في شرحها كلهم (عن أبي هريرة) قال الحاكم وعبد العزيز ثقة وتعقب الحافظ ابن حجر فقال بل هو متفق على ضعفه وهاه الشيخان وابن معين اه وفي الميزان عن البخاري ليس بالقوي عندهم وعن ابن معين ضعيف وعن مسلم ذاهب الحديث وعن ابن عدي الضعف على رواياته بين ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الحديث الحديث: 2368 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 2369 - (إن لله) تعالى (تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا) بدل من تسعة وتسعين وفائدته التأكيد والمبالغة في التقدير والمنع من الزيادة في القياس ذكره بعضهم قال أبو البقاء روى مئة بالنصب بدل من تسعة وتسعين وبالرفع بتقدير هي مئة وقوله إلا واحدا منصوب على الاستثناء وبالرفع على أن تكون إلا بمعنى غير فتكون صفة لمئة وروى مئة إلا واحدة قال الطيبي: أنت ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وبين وجه كونها إلا واحدا بقوله (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يرضاه ويحبه فشرع لنا وترين وترا بالنهار وهو صلاة المغرب ووترا بالليل ليكون شفعا لأن الوترية في حق المخلوق محال قال تعالى {ومن كل شيء خلقنا زوجين} حتى لا تنبغي الأحدية إلا لله تعالى (من حفظها دخل الجنة: الله) اسم جامع محيط بجميع الأسماء وبمعانيها كلها (الواحد) في ذاته وصفاته {ليس كمثله شيء} ومن عرف أنه الواحد أفرد قلبه له فلا يرى في الدارين إلا هو وبه يتضح التخلق فيكون واحدا في عمره بل في دهره وبين أبناء جنسه: إذا كان من تهواه في الحسن واحدا. . . فكن واحدا في الحب إن كنت تهواه (الصمد) من له دعوة الحق وكل كمال مطلق ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به في كل أحواله (الأول) السابق على الأشياء كلها (الآخر) الباقي وحده بعد فناء خلقه فلا ابتداء ولا انتهاء لوجوده ومن عرف أنه الأول غاب عن كل شيء به ومن عرف أنه الآخر رجع في كل شيء إليه (الظاهر) لذاته وصفاته عند أهل البصيرة أو العالم [ص: 495] بالظواهر المتجلي للبصائر الباطن المخفي كنه ذاته وصفاته عما سواه (. . .) (حل) عن زكريا ابن الصلت عن عبد السلام بن صالح عن عباد بن العوام عن عبد الغفار المدني عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) قال تفرد به عبد الغفار اه وقال الحافظ العراقي في ذيل الميزان لم أر من تكلم في زكريا بالضعف وإنما الآفة من شيخه المذكور وأقره ابن حجر في اللسان   (. . .) هنا بياض بجميع الأصول بمقدار شرح أربعة أحاديث الحديث: 2369 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 2370 - إن لله تعالى مئة اسم غير اسم من دعا به استجاب الله له - ابن مردويه عن أبي هريرة (ض) الحديث: 2370 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 2371 - إن لله تعالى عبادا يضن بهم عن القتل ويطيل أعمارهم في حسن العمل ويحسن أرزاقهم ويحييهم في عافية ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش فيعطيهم منازل الشهداء (طب) عن ابن مسعود (ض) الحديث: 2371 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 2372 - إن لله تعالى ضنائن من خلقه يغدوهم في رحمته يحييهم في عافية ويميتهم في عافية وإذا توفاهم توفاهم إلى جنته أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم بها في عافية (1) - (طب حل) عن ابن عمرو (1) محصل هذا الحديث وما قبله أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن لله سبحانه وتعالى عبادا يمنعهم من أن يقتلوا لمكانتهم عنده ويطيل أعمارهم في الأعمال الصالحة ويوسع أرزاقهم من الحلال الخالص ويحييهم في أمان من الفتن بصرف قلوبهم عنها فهم يتقلبون في طاعته ليل نهار وقد جادوا بأرواحهم لربهم يقبضهم الله وهم على فرشهم ولكنه يبلغهم منازل الشهداء {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} الحديث: 2372 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 2373 - إن لله تعالى عند كل بدعة كيد بها الاسلام وأهله وليا صالحا يذب عنه ويتكلم بعلاماته فاغتنموا حضور تلك المجالس بالذب عن الضعفاء وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا (2) - (حل عن أبي هريرة) (2) حاصل هذا الحديث أن لله تعالى عبادا تولاهم يدفعون عن الإسلام ويذبون عنه ويدافعون عن المسلمين ويحاربون البدع وأمرنا سبحانه وتعالى بالحرص على مجالس هؤلاء العباد ونصرهم والدفاع عنهم وتأييد الحق وأن لا نخشى في الله لومة لائم وأمرنا بالتوكل عليه والاعتماد عليه ووعدنا بالنصر والله لا يخلف الميعاد. اه الحديث: 2373 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 2374 - (إن لله تعالى أهلين من الناس) قالوا ومن هم يا رسول الله قال (أهل القرآن) وأكد ذلك وزاده إيضاحا وتقريرا في النفوس بقوله (هم أهل الله وخاصته) أي الذين يختصون بخدمته قال العسكري: هذا على المجاز والتوسع فإنه لما قربهم واختصهم كانوا كأهله ومنه قيل لأهل مكة أهل الله لما كانوا سكان بيته وما حوله كانوا كأهله (حم ن هـ ك [ص: 496] عن أنس) قال الحاكم روي من ثلاثة أوجه هذا أجودها اه وفي الميزان رواه النسائي وابن ماجه من طريق ابن مهدي عن عبد الرحمن بن بديل وأحمد عن عبد الصمد عن ابن بديل تفرد به وقد ضعفه يحيى ووهاه ابن حبان وقواه غيرهما الحديث: 2374 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 2375 - (إن لله تعالى آنية) جمع إناء وهو وعاء الشيء (من أهل الأرض) من الناس أو من الجنة والناس أو أعم (وآنية ربكم) في أرضه (قلوب عباده الصالحين) أي القائمين بما عليهم من حقوق الحق والخلق بمعنى أن نور معرفته تملأ قلوبهم حتى تفيض على الجوارح وأما حديث ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فلا أصل له (وأحبها إليه) أي أكثرها حبا عنده (ألينها وأرقها) فإن القلب إذا لان ورق وانجلى صار كالمرآة الصقيلة فإذا أشرفت عليه أنوار الملكوت أضاء الصدر وامتلأ من شعاعها فأبصرت عين الفؤاد باطن أمر الله في خلقه فيؤديه ذلك إلى ملاحظة نور الله تعالى فإذا لاحظه فذلك قلب استكمل الزينة والبهاء بما رزق من الصفاء فصار محل نظر الله من بين خلقه فكلما نظر إلى قلبه زاده به فرحا وله حبا وعزا واكتنفه بالرحمة وأراحه من الزحمة وملأه من أنوار العلوم قال حجة الإسلام: وهذه الأنوار مبذولة بحكم الكرم الرحمني غير مضنون بها على أحد فلم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة المنعم تعالى عن البخل والمنع بل لخبث وكدورة وشغل من جهة القلوب لما تقرر أن القلب هو الآنية والآنية ما دامت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء والقلوب مشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله (طب عن أبي عنبة) بكسر المهملة وفتح النون والموحدة الخولاني اسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة صحابي له حديث قيل أسلم في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يره بل صحب معاذ بن جبل ونزل بحمص ومات في خلافة عبد الملك على الصحيح قال الهيثمي إسناده حسن وقال شيخه العراقي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث فيه الحديث: 2375 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 2376 - (إن للإسلام ضوى) بفتح الضاد العجمة والتنوين كذا ذكره البعض لكن في النهاية الجزم بأنه بصاد مهملة أي أعلاما منصوبة يستدل بها عليه واحدتها ضوة كقوة قال في الفردوس والنهاية: والصوى أعلام منصوبة من الحجارة في الفيافي والمفاوز يستدل بها على الطريق وفي المصباح: الضوة العلم من الحجارة المنصوبة في الطريق والجمع ضوى كمدية ومدى وقال الزمخشري: الضوى والأضوى حجارة مركومة جعلت أعلاما قال ومن المجاز إن للإسلام صوى ومنار كمنار الطريق انتهى (ومنارا) أي شرائع يهتدى بها (كمنارة الطريق) أراد أن الإسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها وهي واضحة الظاهر وأما معرفة حقائقه وأسراره فإنما يدركها أولو الألباب والبصائر الذين أشرق نور اليقين على قلوبهم فصار كالمصباح فانجلا له حقيقة الحق ولاح وأما المكب على الشهوات المحجوبة باللذات فقلبه مظلم لا يبصر تلك الأسرار وإن كانت عند أولئك كالشمس في رابعة النهار ولهذا قال ربيع بن خيثم: إن على الحق نورا وضوءا كضوء النهار نعرفه وعلى الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرها (ك) في الإيمان من حديث خالد بن معدان (عن أبي هريرة) قال الحاكم غير مستبعد لقي خالد أبا هريرة وكتب الذهبي على حاشيته بخطه ما نصه قال ابن أبي حاتم خالد عن أبي هريرة متصل قال أدرك أبا هريرة ولم يذكر له سماع الحديث: 2376 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 2377 - (إن للإسلام ضوى وعلامات كمنار الطريق) فلا تضلكم الأهواء عما صار شهيرا لا يخفى على من له أدنى بصيرة [ص: 497] (ورأسه) بالرفع بضبط المصنف أي أعلاه (وجماعه) بالرفع وبكسر الجيم والتخفيف أي مجمعه ومظنته (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإتمام الوضوء) أي سبوغه بمعنى إسباغه بتوفيته شروطه وفروضه وسننه وآدابه فهذه هي أركان الإسلام التي بني عليها (طب عن أبي الدرداء) وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد سبق قول ابن أبي حاتم فيه أنه منكر الحديث جدا عن معاوية بن صالح وقد أروده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم لا يحتج به الحديث: 2377 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 2378 - (إن للتوبة بابا عرض ما بين مصراعيه) أي شطريه والمصراع من الباب الشطر كما في المصباح وغيره (ما بين المشرق والمغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) يعني أن أمر قبول التوبة هين والناس في سعة منه ما لم تطلع الشمس من مغربها فإن بابا سعته ما ذكر لا يتضايق عن الناس إلا أن يغلق وفي بعض الروايات ذكر أن ذلك الباب بالمغرب ولعله لما رأى أن سد الباب إنما هو من قبيل المغرب جعل فتح الباب أيضا من ذلك الجانب وتحديد عرضه بذلك مبالغة في التوسعة أو تقدير لعرض الباب بمقدار يتسع بجرم الشمس في طلوعها ذكره القاضي البيضاوي. وقال القونوي: باب التوبة كناية عن عمر المؤمن واختصاصه بسبعين سنة إشارة إلى ما في الحديث الآخر: أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وإنما ذكر العرض دون الطول لأن العرض دائما أقل منه وللإنسان أجلان أجل متناه وهو مقدار عمره في هذه النشأة والدار وأجل آخر وهو روحاني يعلمه الحق مخصوص بالنشأة الأخروية في جنة أو نار غير متناه وإليه أشار بقوله {وأجل مسمى عنده} ولهذا يقولون للعالم طول وعرض فعرضه عالم الأجسام وطوله عالم الأرواح وغلق الباب كناية عن انتهاء العمر وإليه أشار بخبر إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر قال: وأما طلوع الشمس من مغربها بالنسبة للنشأة الإنسانية فكناية عن مفارقة الروح البدن فإن الروح زمن تعلقه بالبدن متصنع بأحكامه ومقيد بصفاته فإذا جاء الموت طلع من حيث غرب قال: ولست أقول لا معنى للحديث غير هذا بل أقول لما كانت النشأة الإنسانية نسخة من نشأة العالم وأخبرت الشريعة بأن الشمس تطلع من مغربها عند قرب الساعة كناية عن موت ما يقبل الموت من العالم وكانت الشمس بالنسبة إلى جسم الإنسان وجب أن لا يئبت في العالم الخارج عن الإنسان وصف ولا حكم إلا وتكون النسخة الإنسانية له مثل ونظير (طب عن صفوان بن عسال) بمهملتين المرادي صحابي معروف نزل الكوفة الحديث: 2378 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 2379 - (إن للحاج) ومثله المعتمر (الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة) من حسنات الحرم (وللماشي بكل خطوة يخطوها سبع مئة حسنة) المراد التكثير وأن خطوة الماشي نسبتها لخطوة الراكب في الأجر نسبة السبع مئة إلى السبعين فثواب خطوة الراكب عشر ثواب خطوة الماشي وهذا كما ترى صريح في أن الحج ماشيا أفضل وبه أخذ جمع وهو وجه عند الشافعية وذلك لكثرة الأجر بكثرة الخطا وعكس آخرون لكون الركوب أبعد عن الضجر وأقل للأذى وأقرب للسلامة وفي ذلك تمام حجه وتوسط آخرون بحمل الأول على من سهل عليه المشي والثاني على خلافه والمصحح عند الشافعية الثاني بإطلاقه (طب) من حديث سعيد بن جبير (عن ابن عباس) قال سعيد: كان ابن عباس يقول لبنيه اخرجوا حاجين من مكة مشاة حتى ترجعوا إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ص: 498] فذكره وفيه يحيى بن سليم فإن كان الطائفي فقد قال النسائي غير قوي ووثقه ابن معبن وإن كان الفزاري فقال البخاري فيه نظر عن محمد بن مسلم الطائفي وقد ضعفه أحمد الحديث: 2379 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 2380 - (إن للزوج من المرأة لشعبة) بفتح لام التأكيد أي طائفة كثيرة وقدر عظيم من المودة وشدة اللصوق إذ الشعبة كما مر الطائفة من الشيء وغصن الشجر المتفرع عنها (ما هي لشيء) أي ليس مثلها لقريب ولا لغيره وهذا قاله لما قيل لحمنة بنت جحش قتل أخوك فقالت يرحمه الله واسترجعت فقيل قتل زوجك فقالت واحزناه فذكره (هـ ك عن محمد بن عبد الله بن جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة الأسدي هاجر مع أبيه قال الذهبي في المهذب قلت غريب انتهى ثم إن فيه عند ابن ماجه إسحاق بن محمد الفروي قال في الكاشف وهاه أبو داود وتناقض أبو حاتم فيه الحديث: 2380 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 2381 - (إن للشيطان كحلا) أي شيئا يجعله في عيني الإنسان (ولعوقا) شيئا يجعله في فيه لينذلق لسانه بالفحش واللعوق بالفتح ما يؤكل بالملعقة (فإذا كحل الإنسان من كحله نامت عيناه عن الذكر وإذا لعقه من لعوقه ذرب) أي فضح وفحش (لسانه بالشر) حتى لا يبالي ما قال. وقال في الفردوس: قوله ذرب أي انبسط بالشر قال الغزالي: وينشأ عن ذلك الوقاحة والخبث والتبذير والتقتير والمجانة والعبث والملق والحسد والتهور والصلف والاستشاطة والمكر والخديعة والدهاء والحيلة والتلبيس والغش وأمثالها فإن قهره الإنسان بقوة العلم والبصيرة ورد نفسه إلى الاعتدال وألزمها صفات الكمال عادت إلى صفة الصبر والحلم والاحتمال والعفو والثبات والشهامة والوقار وغيرها وفي الحديث إشعار بأن لزوم الذكر يطرد الشيطان ويجلو مرآة القلب وينور البصيرة {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الأكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (مكائد الشيطان طب هب عن سمرة) بن جندب قال الحافظ العراقي في سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحكم بن عبد الله القرشي وهو ضعيف اه وأقول تعصيبه الجناية برأس الحكم وحده مع وجود من هو أشد جرحا منه فيه غير صواب كيف وفيه أبو أمية الطرسوسي المختط وهو كما قال الذهبي في الضعفاء متهم أي بالوضع وهو أول من اختط دارا بطرسوس وفيه الحسن بن بشر الكوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن خراش منكر الحديث الحديث: 2381 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 2382 - (إن للشيطان كحلا ولعوقا ونشوقا) بالفتح أي ما ينشقه الإنسان إنشاقا وهو جعله في أنفه ويلعقه إياه ويدسم به أذنيه أي يسد يعني أن وساوسه ما وجدت منفذا إلا دخلت فيه ذكره كله الزمخشري (أما لعوقه فالكذب) أي المحرم شرعا (وأما نشوقه فالغضب) أي لغير الله (وأما كحله فالنوم) أي الكثير المفوت للقيام بوظائف العبادات الفرضية والنفلية كالتهجد. قال الغزالي: ومن طاعة الشيطان في الغضب ينتشر إلى القلب صفة البذاءة والبذخ والكبر والعجب والاستهزاء والفخر والاستخفاف وتحقير الخلق وإرادة الظلم وغيرها فإن قهره ودافعه عادت نفسه إلى [ص: 499] حد الواجب من الصفات الشريفة (هب عن أنس) وفيه عاصم بن علي شيخ البخاري قال يحيى لا شيء وضعفه ابن معين قال الذهبي وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير والربيع بن صبيح ضعفه النسائي وقواه أبو زرعة ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره متروك الحديث: 2382 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 2383 - (إن للشيطان مصالي) هي تشبه الشرك جمع مصلاة وأراد ما يستغربه الإنسان من زينة الدنيا وشهواتها (وفخوخا) جمع فخ آلة يصاد بها (وإن) من (مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله) أي الطغيان عند النعمة (والفخر بعطاء الله) أي ادعاء العظم والشرف (والكبر على عباد الله) أي التعاظم والترفع عليهم (واتباع الهوى) بالقصر (في غير ذات الله) فهذه الخصال أخلاقه وهي فخوخه ومصائده التي نصبها لبني آدم فإذا أراد الله بعبد شرا خلا بينه وبين الشيطان فتحلى بهذه الأخلاق فوقع في شبكته فكان من الهالكين ومن أراد به خيرا أيقظه ليتجنب تلك الخصال ويتباعد عنها ليصير من أهل الكمال (ابن عساكر) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن النعمان المذكور وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه الحديث: 2383 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 2384 - (إن للشيطان لمة) بالفتح قرب وإصابة من الإلمام وهو القرب (يابن آدم وللملك لمة) المراد بها فيهما ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك (فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق) فإن الملك والشيطان يتعاقبان تعاقب الليل والنهار فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره وآخر بضده ومنهم من يكون زمنه نهارا كله وآخر بضده قال القاضي: والرواية الصحيحة إيعاد على زنة إفعال في الموضعين (فمن وجد ذلك) أي إلمام الملك (فليعلم أنه من الله) يعني مما يحبه ويرضاه (فليحمد الله) على ذلك (ومن وجد الأخرى) أي لمة الشيطان (فليتعوذ بالله من الشيطان) تمامه ثم قرأ {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} اه قال القاضي: والإيعاد وإن اختص بالشر عرفا يقال أوعد إذا وعد وعدا شرا إلا أنه استعمل في الخير للازدواج والأمن من الاشتباه بذكر الخير بعده اه ونسب لمة الملك إلى الله تعالى تنويها بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر فمنها ما هو بذر السعادة ومنها ما هو بذر الشقاوة وسبب اشتباه الخواطر أربعة أشياء لا خامس لها كما قاله العارف السهروردي ضعف اليقين أو قلة العلم بمعرفة صفات النفس وأخلاقها أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى أو محبة الدنيا ومالها وجاهها وطلب المنزلة والرفعة عند الناس فمن عصم من هذه الأربعة فرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومن ابتلى بها لم يفرق وانكشاف بعض الخواطر دون بعض لوجود هذه الأربعة دون بعض واتفقوا على أن كل من أكل من الحرام لا يفرق بين الوسوسة والإلهام <تنبيه> قال الغزالي: الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر سميت به لأنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركة للإرادات وتنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى [ص: 500] الخير أي ما ينفع في الآخرة فهما خاطران مختلفان فافتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والمذموم يسمى وسواسا وهذه الخواطر حادثة وكل حادث لا بد له من سبب ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الأسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه واسود علم أن سبب السواد غير سبب الاستنارة وكذا الأنوار في القلب وظلماته سببان فسبب الخاطر الداعي للخير يسمى ملكا والداعي للشر شيطانا واللطف الذي به تهيأ القلب لقبول لمة الملك يسمى توقيفا واللطف الذي به تهيأ القلب لقبول وسواس الشيطان إغواءا وخذلانا فإن المعاني مختلفة إلى أسامي مختلفة والملك عبارة عن خلق خلقه الله شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف والشيطان عبارة عن خلق شأنه الوعيد بالشر والأمر بالفحشاء فالوسوسة في مقابلة الإلهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق في مقابلة الخذلان وإليه يشير بآية {ومن كل شيء خلقنا زوجين} والقلب متجاذب بين الشيطان والملك فرحم الله عبدا وقف عند همه فما كان لله أمضاه وما كان من عدوه جاهده والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة وآثار الشياطين صلاحا متساويا لكن يترجح أحدهما باتباع الهوى والاكباب على الشهوات والإعراض عنها ومخالفتها واعلم أن الخواطر تنقسم إلى ما يعلم قطعا أنه داعي إلى الشر فلا يخفى كونه وسوسة وإلى ما يعلم أنه داعي إلى الخير فلا يشك كونه إلهاما وإلى ما يتردد فيه فلا يدري أنه من لمة الملك أو لمة الشيطان فإن من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معرض الخير والتمييز بينهما غامض فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة الملك أو لمة الشيطان وأن يمعن النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى الطبع ولا يطلع عليه إلا بنور اليقين وغزارة العلم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} (ت ن) كلاهما في التفسير (حب عن ابن مسعود) قال الترمذي حسن غريب لا نعلمه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص وسندهما سند مسلم إلا عطاء بن السائب فلم يخرج له مسلم إلا متابعة الحديث: 2384 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 2385 - (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) ولهذا كان ابن عمر روايه يقول عند فطره يا واسع المغفرة اغفر لي قال الحكيم: خصت هذه الأمة في شأن الدعاء فقيل {ادعوني استجب لكم} وإنما ذلك للأنبياء. فأعطيت هذه الأمة ما أعطيت الأنبياء عليهم السلام فلما خلطوا في أمورهم لما استولى على قلوبهم من الشهوات حجبت قلوبهم والصوم يكف الشهوات فإذا ترك شهوته صفا قلبه وتوالت عليه الأنوار فاستجيب له ثم إن هذا الحديث ونحوه إنما هو فيمن أعطى الصوم حقه من حفظ اللسان والجنان والأركان فقد ورد عن سيد ولد عدنان فيما رواه الحكيم الترمذي إن على أبواب السماء حجابا يردون أعمال أهل الكبر والحسد والغيبة (هـ ك) في الزكاة من حديث إسحاق بن عبد الله عن ابن أبي مليكة (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: إن كان إسحاق مولى زائدة فقد روى له مسلم وإن كان ابن أبي فروة فواه الحديث: 2385 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 2386 - (إن للطاعم) أي متناول الطعام المفطر الذي لم يصم نفلا (الشاكر) لله سبحانه على ما أطعمه (من الأجر) أي الثواب في الآخرة (مثل ما) أي مثل الأجر الذي (للصائم الصابر) على الجوع والظمأ ابتغاء رضى الله تعالى ورغبة فيما عنده أو المراد الصابر على البلاء مع صومه وقال الكرماني: التشبيه هنا في أصل الثواب لا الكمية والكيفية والتشبيه لا يستلزم المماثلة من كل وجه. وقال الطيبي: ربما توهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه ووجه الشبه اشتراكها في حبس النفس فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته وفيه حث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص بالأكل وتفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر لأن الأصل أن المشبه به أعلى درجة (ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) ولم يصححه بل سكت عليه ورواه البخاري معلقا الحديث: 2386 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 [ص: 501] 2387 - (إن للقبر ضغطة) أي ضيقا لا ينجو منه صالح ولا طالح لكن الكافر يدوم ضغطه والمؤمن لا والمراد به التقاء جانبيه على الميت (لو كان أحد ناحيا منها نجا) منها (سعد بن معاذ) إذ ما من أحد إلا وقد ألم بخطيئة فإن كان صالحا فهذه جزاؤه ثم تدركه الرحمة ولذلك ضغط سعد حتى اختلفت أضلاعه كما في رواية وحتى صار كالشعرة كما في أخرى لعدم استبرائه من البول كما ورد وقيل أصل ذلك أن الأرض أمهم: منها خلقوا فغابوا عنها طويلا فتضمهم ضمة والدة غاب عنها ولدها فالمؤمن برفق والعاصي بعنف غضبا عليه (حم عن عائشة) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده جيد الحديث: 2387 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 2388 - (إن للقرشي) أي الواحد من سلالة قريش (مثل قوة الرجلين من غير قريش) من طبقات العرب. قال الزهري: عنى بذلك نبل الرأي وشدة الحزم وعلو الهمة وشرف النفس والقرش الجمع يقال قرشه يقرشه جمعه من هنا وههنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم في الحرم أو لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترون أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه كأنه جميل قرش أي شديد أو لأن قصيا كان يقال له القرش أو لأنهم كانوا يقيسون الحاج فيسدون خلتها أو لغير ذلك (حم حب ك) في الفضائل (عن جبير) بالتصغير قال الحاكم صحيح وقال الذهبي في المهذب صحيح ولم يخرجوه وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 2388 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 2389 - (إن للقلوب صدءا كصدأ الحديد) وفي رواية البيهقي كصدأ النحاس أي وهو أن يركبها الرين بمباشرة الآثام فيذهب بجلائها كما يعلوا الصدأ وجه المرآة ونحوها شبه القلوب في صدأها وهو قسوتها لما يعلوها من ظلمة الذنوب ورين الهوى وغين الغفلة بالمرآاة إذا ركبها الصدأ بإهمال الجلاء لا يرى فيها الناظر ما غاب عنه وكذا القلب كلما صفا من كدورات أخلاق النفس والطبع ورق بدوام الموعظة والذكر وانجلى عن وجهه ظلمات الهوى والغفلة وزايله رين الذنب والغفلة نظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان إلى أن يرتقي إلى درجات الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويرى الجنة والنار وما فيها فيقبل على ربه وعمارة آخراه وجلاء ذلك الصدأ هو الاستغفار كما قال (وجلاؤها الاستغفار) أي طلب غفران الذنوب أي سترها وعدم المؤاخذة بها لأن العبد بايع الله يوم الميثاق أن يطيعه فلما دنس قلبه بدنس المخالفة خرج من ستره فتعرى فأذن له ربه بالتوبة فلما طلبها مضطرا واستغفر المرة بعد المرة طهر قلبه من الدنس وانجلت مرآته لكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها ثم تمسح فإنها لا تخلو عن كدورة وذلك لأن القلب أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح المطاعة المخدومة من جميع الأعضاء وهي بالإضافة إلى حقائق المعلومات كالمرآة بالإضافة إلى المتلونات فكما أن المرآة إذا علاها الصدأ والكدر أظلمت واحتاجت للجلاء فكذلك القلب مرآة تكدره المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجهه من كثرة الشهوات لأن ذلك يمنع صفاءه فيمنع ظهور الحق فيه بقدر ظلمته وتراكمه وجلاؤه الاستغفار وسلوك طريق الأبرار فإذا وقع ذلك عاد القلب كما كان قبل العصيان لكن ليست المرآة التي تدنس ثم تمسح كالمصقلة التي لم تدنس قط ذكره الغزالي وقال ابن عربي: القلب مرآة مصقولة لا تصدأ ابدا وإطلاق الصدأ عليها في هذا الحديث ليس المراد به أنه طخاء طلع على وجه القلب بل لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجهه لكونه المانع من تجلي الحق إليه لأن الحضرة الإلهية متجلية دائما لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لقبوله غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ والكن والقفل والعمى والران ونحوها فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية فكل قلب تجلت [ص: 502] فيه الحضرة الإلهية من حيث هو ياقوت أحمر الذي هو التجلي الذاتي فذلك قلبه المشاهد الكامل الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات ودونه تجلي الصفات ودونهما تجلي الأفعال من حيث كونها من الحضرة الإلهية ومن لم يتجل له منها القلب الغافل عن الله المطرود عن قربه انتهى قال الراغب: والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من العفو وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله تعالى أن يصون العبد عن أن يمسه ألم العذاب (الحكيم) الترمذي (عد) كلاهما (عن أنس) ورواه عنه باللفظ المزبور والبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي وفيه الوليد بن سلمة الطبراني وهو كذاب أه الحديث: 2389 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 2390 - (إن للمؤمن في الجنة لخيمة) بفتح لام التوكيد أي بيتا شريف المقدار عالي المنار وأصل الخيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر (من لؤلؤة) بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأولى لا الثانية وعكسه (واحدة) تأكيد (مجوفة) واللؤلؤ معروف (طولها ستون ميلا) أي في السماء وفي رواية عرضها ثلاثون ميلا ولا معارضة إذ عرضها في مساحة أرضها وطولها في العلو نعم ورد طولها ثلاثون ميلا وحينئذ يمكن الجمع بأن ارتفاع تلك الخيمة باعتبار درجات صاحبها (للمؤمن فيها أهلون) أي زوجات من نساء الدنيا والحور (يطوف عليهن المؤمن) أي لجماعهن وما هنالك (فلا يرى بعضهن بعضا) أي من سعة الخيمة وعظمها ثم إن ما ذكر من كون تلك الخيمة في النفاسة والصفاء كاللؤلؤ لا أنها منه حقيقة فهو من قبيل {قوارير من فضة} والقارورة لا تكون فضة بل المراد أن بياضها كالفضة إلى هنا كلامه وفيه ما فيه إذ لا مانع شرعا ولا عقلا من إجرائه على ظاهره والفاعل المختار لا يعجزه جعل الخيمة لؤلؤة مجوفة وزعمه أن الخيمة لا تكون إلا من كرباس بخلاف القصر واللؤلؤ تحكم ظاهر والفرق هلهل بالمرة (م عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 2390 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 2391 - (إن للمسلم حقا) وذلك الحق أنه (إذا رآه أخوه) في الإسلام وإن لم يكن من النسب (أن يتزحزح له) أي يتنحى عن مكانه ويجلسه بجنبه إكراما له فيندب ذلك لا سيما إن كان عالما أو صالحا أو من ذوي الولاية لأن في ترك ذلك مفاسد لا تخفى (هب عن واثلة) بكسر المثلثة (ابن الخطاب) العدوي من رهط عمر له صحبة وحديث سكن دمشق قال واثلة: دخل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد قاعدا فتزحزح له فقال رجل يا رسول الله إن في المكان سعة فذكره وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي ومجاهد بن فرقد قال في اللسان حديثه منكر تكلم فيه انتهى الحديث: 2391 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 2392 - (إن الملائكة الذين شهدوا بدرا) أي حضروا وقعة بدر التي أعز الله بها الإسلام وخذل بها أهل الشرك (في السماء لفضلا) أي زيادة في رفعة المقام ومزيد الإعظام والإحترام والشرف (على من تخلف منهم) عن شهودها وقد ورد في الثناء على أهل بدر أخبار كثيرة (طب عن را فع بن خديج) بفتح المعجمة وكسر الدال المهملة الحارثي الأنصاري الأوسي قال الهيثمي فيه جعفر بن مقلاص لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي الحديث قصة الحديث: 2392 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 2393 - (إن للمهاجرين) الذين هاجروا [ص: 503] من بلاد المآثم إلى بلاد الطاعات (منابر) جمع منبر بكسر الميم أي شيء مرتفع قال ابن فارس: كل شيء رفع فقد نبر ومنه المنبر لارتفاعه وكسرت الميم علي التشبيه بالآلة (من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة) والحال أنهم (قد أمنوا من الفزع) وهو أشد أنواع الخوف هذا أصله والظاهر أنه هنا بمعنى مطلق الخوف لا بقيد الشدة فتدبر قال راويه أبو سعيد والله لو حبوت بها أحدا لحبوت بها قومي (البزار) في مسنده (ك) في مستدركه كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رواه البزار عن شيخه حمزة بن مالك عن أبي حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 2393 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 2394 - (إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان) بفتح الواو مصدر معناه المتحير من شدة العشق سمي به هذا الشيطان لإغوائه الناس في التحير في الوضوء والطهارة حتى لا يعلموا هل عم الماء العضو أم لا وكم غسل مرة ونحو ذلك من الشكوك والأوهام (فاتقوا وسواس الماء) أي احذروا وسوسة الولهان فوضع الماء موضع ضميره مبالغة في كمال وسواسه في شأن الماء وإبقاع الناس في التحير حتى يتحيروا هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء والغسل أو لم يصل وهل غسل مرة أو أكثر وهل هو طاهر أو نجس أو بلغ قلتين أم لا وغير ذلك والوسواس بالفتح اسم من وسوست إليه نفسه إذا حدثته وبالكسر مصدر قال في المصباح: ويقال لما يخطر بالقلب من شر ولما لا خير فيه وسواس قال الغزالي: من وهن علم الرجل ولوعه بالماء الطهور وقال إبن أدهم: أول ما يبدأ الوسواس من قبل الطهور وقال أحمد: من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء وقال المروزي: وضأت أبا عبد الله بن العسكري فسترته من الناس لئلا يقولوا لا يحسن الوضوء لقلة صبه الماء وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى ومن مفاسد وسواس الماء شغل ذمته بالزائد على حاجته فيما لو كان لغيره كموقوف أو نحو حمام فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد حتى يحكم بينه وبين صاحبه رب العباد انتهى <تنبيه> ظاهر الخبر أن لكل نوع من المخالفات والوساوس شيطانا يخصه ويدعو إليه قال الغزالي: واختلاف المسببات يدل على اختلاف الأسباب قال مجاهد: لإبليس خمسة أولاد جعل كل واحد منهم على شيء وهم شبر والأعور وسوط وداسم وزلنبور فشبر صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية والأعور صاحب الزنا يأمر به ويزينه لهم وسوى صاحب الكذب وداسم يدخل مع الرجل على أهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم وزلنبور صاحب السوق وشيطان الصلاة يسمى خنزب والوضوء يسمى الولهان وكما أن الملائكة فيهم كثرة ففي الشياطين كثرة (تتمة) الوسوسة من آفات الطهارة وأصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل ومتبعها متكبر مذل نفسه يسيء الظن بعباد الله معتمد على عمله معجب به وقوته وعلاجها بالتلهي عنها والإكثار من سبحان الملك الخلاق {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز} كذا في النصائح قال الحكيم: فأما القلوب التي ولجها عظمة الله وجلاله فهابت واستقرت فقد انتفى عنهم وسواس نفوسهم ووسواس عدوهم قال ومن هنا أنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الوسوسة فقال هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل حتى شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم ثم روى حديثا أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أدخل في صلاتي فلم أدرأ على شفع أم على وتر من وسوسة أجدها في صدري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدت ذلك فاطعن أصبعك هذه يعني السبابة في فخذك اليسرى وقل بسم الله فإنها سكين الشيطان أو مديته (ت هـ) وفيه كراهة الإسراف في الوضوء قال النووي: أجمعوا على النهي عن الإسراف فيه وإن كان على شط بحر فيكره تنزيها وقيل تحريما (هـ ك عن أبي) قال الترمذي غريب ليس إسناده بالقوي لا نعلم أحدا أسنده غير خارجة بن مصعب انتهى وقد رواه أحمد وابن خزيمة أيضا في صحيحه من طريق خارجة قال ابن سيد الناس ولا أدري كيف دخل هذا في الصحيح قال ابن أبي حاتم في العلل كذا رواه خارجة وأخطأ فيه وقال أبو زرعة رفعه منكر وقال جدي في أماليه هذا حديث فيه ضعف وخارجة [ص: 504] ضعيف جدا وليس بالقوي ولا يثبت في هذا شيء انتهى وذلك لأن فيه خارجة بن مصعب وهاه أحمد وكذبه ابن معين في الميزان أنه انفرد بهذا الخبر وقال في التنقيح وهوه جدا وقال ابن حجر خارجة ضعيف جدا وقال أبو زرعة رفعه منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه غير الترمذي وإلا لذكره تقوية له لضعفه وليس كذلك بل رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند الحديث: 2394 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 2395 - (إن لإبليس مردة) بالتحريك جمع مارد وهو العاتي (من الشياطين يقول لهم عليكم بالحجاج والمجاهدين فأضلوهم عن السبيل) أي الطريق يذكر ويؤنث والتأنيث أغلب لأن شأنه هو وجنده الصد عن طريق الهدى والمناهج الموصلة إلى ديار السعداء والأمر بالفحشاء والمنكر ثم يحتمل أن المراد الإضلال عن الطرق الحسية فيما لو خرج واحدا وشرذمة منفردون ويحتمل أن المراد المعنوية بأن يقول للحاج أتحج وتذر أرضك وسماءك وزوجك وولدك مع طول الشقة وكثرة المشقة وللمجاهد أتجاهد فتقاتل وتقتل وتنكح نساؤك ويقسم مالك فيقع التطارد بين حزب الشيطان وأمر الرحمن في معركة القلب إلى أن يغلب أحدهما (طب عن ابن عباس) وفيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في الذيل وقال ثقة قال أبو حاتم يرى القدر اضطر الناس إليه بأخذه عن نافع بن أبي هرمز قال النسائي وغيره: غير ثقة الحديث: 2395 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 2396 - (إن لجهنم) قال القاضي: علم لدار العقاب وهي في الأصل مرادف للنار وقيل معرب (بابا) أي عظيم المشقة وعر الشقة (لا يدخله) أي لا يدخل منه (إلا من شفا غيظه بمعصية الله) أي أزال شدة حنقه وإبراء علة غضبه بإيصال المكروه إلى المغتاظ عليه على وجه لا يجوز شرعا قال في المصباح وغيره: شفى الله المريض يشفيه شفاء واستشفيت بالعدو وشفيت به من ذلك لأن الغضب الكامن كالداء فإذا زال بما يطلبه الإنسان من عدوه فكأنه برىء من دائه وأصل الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الحنق وفي رواية بدل قوله بمعصية الله بسخط الله قال الغزالي: وعدد أبواب جهنم بعدد الأعضاء السبعة التي بها يعصي العبد بعضها فوق بعض الأعلى جهنم ثم سقر ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم الجحيم ثم الهاوية فانظر الآن في عنق الهاوية فإنه لاحد لعقمها كما لا حد لعمق شهوات الدنيا وقال الحكيم: الإنسان جبل على أخلاق سبعة: الشرك والشك والغفلة والرغبة والرهبة والشهوة والغضب فأي خلق منها استولى على قلبه نسب إليه دون البقية ولذلك جعل لجهنم سبعة أبواب بعدد هذه الأخلاق وأهلها مقسومون على هذه السبعة فكل جزء منهم إنما صار جزءا بخلق من هذه الأخلاق المستولية عليهم ومما يحققه قولهم في هذا الحديث إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفا غيظه بسخط الله وقوله في حديث آخر لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل سيفه على أمتي وإذا ولج الإيمان القلب ففي هذه السبعة منه أو بعضها بقدر قوة الإيمان وضعفه فإن انتفت كلها صارت أبواب جهنم كلها مسدودة دونه أو بعضها فما يناسبه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذم الغضب) أي في كتاب ذمه (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضا البزار من حديث قدامة بن محمد عن إسماعيل ابن شيبة قال الهيثمي: وهما ضعيفان وقد وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2396 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 2397 - (إن لجواب الكتاب حقا كرد السلام) يعني إذا أرسل إليك أخوك المسلم كتابا يتضمن السلام عليك فيه فحق عليك [ص: 505] رد سلامه بمكاتبة مثله ومراسلة أو إخبار ثقة وبوجوب ذلك صرح بعض الشافعية وهذا من المصطفى صلى الله عليه وسلم شرع للإيناس فإن السلام تحية من الغائب وقلما يخلو كتاب من سلام وفيه تجديد لعهد المودة لئلا تخلق ببعد الدار وطول المدة (فر عن ابن عباس) ورواه أيضا ابن لال ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن فيه جويبر بن سعيد قال في الكاشف تركوه عن الضحاك وقد سبق قال ابن تيمية والمحفوظ وقفه الحديث: 2397 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 2398 - (إن لربكم في أيام دهركم نفحات) أي تجليات مقربات يصيب بها من يشاء من عباده والنفحة الدفعة من العطية (فتعرضوا لها) بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة ذكره الغزالي (لعل) أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا) فإنه تعالى كملك يدر الأرزاق على عبيده شهرا شهرا ثم له في خلال ذلك عطية من جوده فينفتح باب الخزائن ويعطى منها ما يعم ويستغرق جميع الأرزاق الدارة فمن وافق الفتح استغنى للأبد وتلك النفحات من باب خزائن المتن وأبهم وقت الفتح هنا ليتعرض في كل وقت فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر وكم من سائل سأل فرد مرارا فإذا وافق المسؤول قد فتح كيسه لينفق ما يرده وإن كان قد رده قبل (طب) قيل إنما ذكره في الأوسط فليحرر (عن محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدرا والمشاهد إلا تبوك وكان من فضلاء الصحابة قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم ومن أعرفهم وثقوا انتهى ورواه عنه الحكيم أيضا الحديث: 2398 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 2399 - (إن لصاحب الحق) أي الدين (مقالا) أي صولة الطلب وقوة الحجة قاله لأصحابه لما جاءه رجل تقاضاه فأغلظ له فهموا به فقال دعوه وذكره وأخذ منه الغزالي أن المظلوم من جهة القاضي له أن يتظلم إلى السلطان وينسبه إلى الظلم وكذا يقول المستفتي للمفتي قد ظلمني أبي أو أخي أو زوجي فكيف طريقي في الخلاص والأولى التعريض بأن يقول ما قولكم في رجل ظلمه أبوه أو أخوه قال: لكن التعين مباح لما ذكر (حم عن عائشة حل عن أبي حميد الساعدي) بكسر المهملة قضية صنيع المصنف أن هذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد قال الحافظ العراقي ثم السخاوي وغيرهما إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ لصاحب الحق مقال. قال السخاوي: وهو من غرائب الصحيح وعزاه لهما بلفظ ما هنا الديلمي في الفردوس وأعجب من ذلك أن المصنف جزم في الدرر بعزوه للشيخين بلفظ: إن لصاحب الحق مقالا وما هذه إلا غفلة عجيبة الحديث: 2399 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 2400 - (إن لصاحب القرآن) أي قارئة حق قراءته بتلاوته وتدبر معناه (عند كل ختمة) يختمها من القرآن (دعوة مستجابة) قال التوربشتي: الصحبة للشيء الملازمة له إنسانا أو حيوانا مكانا أو زمانا وتكون بالبدن وهي الأصل وبالعناية والهمة وصاحب القرآن هو ملازمه بالهمة والعناية ويكون ذا تارة بنحو حفظ وتلاوة وتارة بتدبير وعمل فإن قلنا بالأول فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض والمنزلة التي في الحديث ما يناله العبد من الكرامة على قدر منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير أو بالثاني وهو أتم الوجهين وأحقهما فالمراد بالدرجات سائرها فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها واستكمال ذلك للمصطفى صلى الله عليه وسلم ثم من بعده على مراتبهم في الدين انتهى وناقشه [ص: 506] في بعضه الطيبي ثم قال: والذي نذهب إليه أن سياق الحديث تحريض لصاحب القرآن على التحري في القراءة والإمعان في النظر فيه والملازمة له والعمل بمقتضاه وكل هذه الفوائد يعطيها معنى الصاحب (وشجرة في الجنة لو أن غرابا طار من أصلها لم ينته إلى فرعها حتى يدركه الهرم) أي الكبر والضعف والشيخوخة قيل يضرب الغراب مثلا في طول العمر لأنه تطول حياته أكثر من غيره من الطيور شبه بعد طولها ببعد مسافة غراب طار من أول عمره إلى آخره هذا بحسب العرف وإلا فلا مناسبة بين البعدين (خط) في ترجمة عبد الله بن صديق (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي. قال أحمد: لا يكتب حديثه وأبو عصمة وابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح الحديث: 2400 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 2401 - (إن لغة إسماعيل) بن إبراهيم الخليل جد المصطفى صلى الله عليه وسلم (كانت قد درست) أي عفت وخفيت آثارها قال في الصحاح: درس الرسم عفى وفي المصباح وغيره: درس المنزل دروسا عفى وخفيت آثاره وربع دارس الرسم ودرسته الرياح تكررت عليه فعفته. قال الزمخشري رحمه الله: ومن المجاز درس الحنطة داسها ودرس الثواب أخلق اه. والمراد هنا خفيت آثارها فلم يبق شيء في الأرض من البشر من ينطق بها على وجهها (فأتاني بها جبريل) عليه السلام (فحفظنيها) فلذلك حاز قصب السبق في النطق باللغة التي هي أفصح اللغات وصار باعثا للتصدي للبلاغة التي هي أعم البلاغات وأفحم بلغاء العرب كافة فلم يدع شعبا من شعوبهم ولا بطنا من بطونهم ولا فخذا من أفخاذهم من شعراء مفلقين وخطباء مصاقع يرمون في حدق البيان عند هدر الشقاشق ويصيبون الأعراض بالكلم الرواشق إلا أعجزه وأذله وحيره في أمره وأعله (الغطريف في جزئه) الحديثي (وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب الحديث: 2401 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 2402 - (إن لقارىء القرآن دعوة مستجابة) عند ختمه (فإن شاء صاحبها تعجلها) بالمثناة الفوقية (في الدنيا) أي دعا الله تعالى أن يعجلها له فيها فيعجلها (وإن شاء أخرها) بالتشديد (إلى الآخرة) والله خير وأبقى والظاهر أن المراد بهذا أن يؤذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن أحب (ابن مردويه) في التفسير (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 2402 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 2403 - (إن لقمان الحكيم) أي المتقن للحكمة وقد مر تعريفها (قال إن الله إذا استودع شيئا حفظه) لأن العبد عاجز ضعيف والأسباب التي أعطيها عاجزة ضعيفة مثله فإذا تبرأ العبد من الأسباب وتخلى من وبالها وتحلى بالاعتراف بالضعف واستودع الله شيئا فهذا منه في ذلك الوقت تخلى وتبرى من حفظه ومراقبته فيكلأه الله ويرعاه ويحفظه والله خير حفظا وأخرج الحكيم عن ابن عمر أن عمر عرض الناس فإذا برجل معه ابنه فقال عمر رضي الله عنه: ما رأيت غرابا أشبه بهذا منك قال: والله يا أمير المؤمنين ولدته أمه في القبر فاستوى قاعدا فقال: حدثني فقال: غزوت وأمه حامل فقالت: تدعني حاملا معقلا قلت: أستودع الله ما في بطنك فلما قدمت وجدتها ماتت فبت عند قبرها وبكيت فرفعت لي نار علية فقلت: إنا لله أما والله كانت عفيفة صوامة قوامة فتأملت فإذا القبر مفتوح وهو يدب حولها ونوديت: أيها المستودع ربه وديعته خذ وديعتك أما لو استودعته وأمه لوجدتهما. فأخذته فعاد القبر كما كان (حم عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2403 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 2404 - (إن لك) بكسر الكاف خطابا لعائشة رضي الله عنها لما كانت معتمرة (من الأجر) أي أجر نسكك (على قدر [ص: 507] نصبك) بالتحريك أي تعبك ومشقتك (ونفقتك) لأن الجزاء على قدر المشقة قال النووي: ظاهره أن أجر العبادة بقدر النصب والنفقة. قال ابن حجر: وهو كما قال لكن لا يطرد فرب عبادة أخف وأكثر ثوابا كقيام ليلة القدر بالنسبة لغيرها وأمثلته قد أكثر من تعدادها ابن عبد السلام وغيره (ك) في الحج (عن عائشة) وقال على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2404 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 2405 - (إن لكل أمة أمينا) أي ثقة رضيا تعول النفس عليه وتسكن القلوب إليه (وإن أمين هذه الأمة) الذي له الزيادة من الأمانة هو (أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر فهو يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهر وخصه بأمانة هذه الأمة لأن عنده من الزيادة فيها ما ليس لغيره كما خص الحياء بعثمان رضي الله تعالى عنه والقضاء بعلي كرم الله وجهه قال أبو نعيم أبو عبيدة وهو الأمين الرشيد والعامل الزهيد الأمين للأمة كان للأجانب من المؤمنين وديدا وعلى الأقارب من المشركين شديدا فيه نزلت {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية (خ) في فضائله (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول بل خرجه مسلم في فضائل أبي عبيدة عن أنس بلفظ إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح الحديث: 2405 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 2406 - (إن لكل أمة حكيما وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء) عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي وقيل اسمه عامر وعويمر لقب كان آخر أهل داره إسلاما وحسن إسلامه وكان فقيها عالما عاقلا حكيما بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم كما ترى آخى بينه وبين سلمان الفارسي شهد ما بعد أحد وفي أحد خلف وكان يدفع الدنيا بالصدر والراحتين ولي قضاء دمشق في خلافة عثمان ومات بعده بقليل وقيل غير ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن جبير بن نفير) بتصغيرهما الحضرمي (مرسلا) أرسل عن خالد بن الوليد وعبادة وأبي الدرداء الحديث: 2406 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 2407 - (إن لكل أمة فتنة) أي امتحانا واختبارا. وقال القاضي: أراد بالفتنة الضلال والمعصية (وإن فتنة أمتي المال) أي الالتهاء به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة قال سبحانه وتعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} وفيه أن المال فتنة وبه تمسك من فضل الفقر على الغنى قالوا: فلو لم يكن الغنى بالمال إلا أنه فتنة فقل من سلم من اصابتها له وتأثيرها في دينه لكفى (ت) في الزهد (ك) في الرقاق وكذا ابن حبان كلهم (عن كعب بن عياض) الأشعري صحابي نزل الشام قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن قال في اللسان عن العقيلي لا أصل له من حديث مالك ولا من وجه يثبت اه. وخرجه ابن عبد البر وصححه الحديث: 2407 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 2408 - (إن لكل أمة سياحة) أي ذهابا في الأرض وفراق وطن (وإن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) أي هو مطلوب منهم كما أن السياحة مطلوبة في دين النصرانية فهو يعدلها في الثواب بل يزيد عليها (وإن لكل أمة رهبانية) أي تبتلا وانقطاعا للعبادة يقال ترهب الراهب انقطع للعبادة والراهب عابد النصارى (ورهبانية أمتي الرباط في نحور العدو) أي ملازمة الثغور بقصد ملاقاة أعداء الدين ومقابلتهم بالضرب على أعناقهم وصدورهم والرباط كما في الصحاح وغيره: [ص: 508] ملازمة ثغر العدو والنحر موضع القلادة من الصدر. قال في المصباح: ويطلق النحور على الصدور ويقال ضرب نحره ونحورهم ومنه نحر البعير طعن في نحره (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف اه الحديث: 2408 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 2409 - (إن لكل أمة أجلا) أي مدة من الزمن قال في الصحاح أجل الشيء مدته وفي المصباح أجل الشيء مدته ووقته الذي يحل فيه (وإن لأمتي) من الأجل (مئة سنة) أي لانتظام أحوالها (فإذا مرت) أي مضت وانقضت يقال من الدهر مرا ومرورا ذهب (على أمتي مئة سنة أتاها وعدها الله) عز وجل من انقراض الأعمار والتحول من هذه الدار إلى دار القرار قال أحد رواته ابن لهيعة يعني بذلك كثرة الفتن والاختلاق وعدم الانتظام (طب عن المستورد بن شداد) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث على ضعفه الحديث: 2409 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 2410 - (إن لكل بيت بابا وباب القبر من تلقاء رجليه) أي من جهة رجلي الميت إذا وضع فيه وهذا يقتضي أنه ينبغي جعل بابه كذلك أي يندب ذلك وعليه العمل في الأعصار والأمصار (طب عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة الحديث: 2410 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 2411 - (إن لكل دين خلقا) أي طبعا وسجية (وإن خلق الإسلام الحياء) أي طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه أو مروءة هذا الدين التي بها جماله الحياء فالحياء أصله من الحياة فإذا حيي القلب بالله تعالى فكلما ازداد حياؤه بالله ازداد منه حياة ألا ترى أن المستحي يعرق في وقت الحياء فعرقه من حرارة الحياة التي هاجت من الروح فمن هيجانه تفور الروح فيعرق منه الجسد ويعرق منه أعلاه لأن سلطان الحياة في الوجه والصدر وذلك من قوة الإسلام لأن الإسلام تسليم النفس والدين خضوعها وانقيادها فلذلك صار الحياء خلقا للإسلام فيتواضع ويستحي ذكره الحكيم يعني الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء والغالب على أهل ديننا الحياء لأنه متمم لمكارم الخلاق وإنما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم لإتمامها ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء (هـ عن أنس وابن عباس) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال الدارقطني حديث غير ثابت الحديث: 2411 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 2412 - (إن لكل ساع غاية) أي لكل عامل منتهى وأصل السعي كما في المصباح التصرف في كل عمل ومنه {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} إلا ما عمل وفي النهاية غاية كل شيء مداه ومنتهاه (وغاية ابن آدم الموت (1)) فلا بد من انتهائه إليه وإن طال عمره أخبر أن مدة العمر سفر إلى الآخرة فلا يضيع الإنسان مدة مهلته وأن كل ساع يسعى إما في فكاك رقبته أو هلاكها كما قال في الخبر الآخر فبائع نفسه فموبقها فمشتري نفسه فمعتقها (فعليكم بذكر الله) أي الزموه باللسان والقلب (فإنه يسليكم) كذا في كثير من النسخ فتبعتها ثم رأيت في نسخة المصنف بخطه يسهلكم (ويرغبكم [ص: 509] في الآخرة) أي يجركم إلى إرادة الأعمال الأخروية بأن يوفقكم لإرادة فعلها والمحافظة على حيازة فضلها قال في الصحاح وغيره رغب فيه أراده وبابه طرب (البغوي) في معجم الصحابة من طريق علي بن قرين عن زيد بن هلال عن أبيه هلال بن قطبة (عن جلاس) بفتح الجيم وشد اللام (ابن عمرو) الكندي قال وفدت في نفر من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أردنا الرجوع قلنا أوصنا يا نبي الله فذكره. اه. وقال في الإصابة على بن قرين ضعيف جدا من فرقة لا يعرفون   (1) وكذا كل ذي روح وإنما خص ابن آدم تنبيها على أنه لا ينبغي أن يضيع زمن مهلته بل يتنبه من غفلته الحديث: 2412 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 2413 - (إن لكل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد) صادق بالذكر والأنثى وتمامه عند مخرجه البزار وغيره إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قلنا: يا رسول الله كلنا رحيم قال: ليست الرحمة أن يرحم أحدكم خاصته حتى يرحم الناس أجمعين اه. قيل ذبح رجل عجلا بحضرة أمه فأيبس الله يده فينما هو ذات يوم إذ سقط فرخ من وكره وأبواه يبصبصان له فرحمه فرده لوكره فرحمه الله ورد عليه يده (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو مهدي سعيد بن سنان ضعيف متروك وقال العلائي فيه سعيد بن سنان ضعيف جدا بل متروك الحديث: 2413 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 2414 - (إن لكل شيء أنفة) بضم الهمزة وفتحها قال بعض محققي شراح المصابيح والصحيح الفتح أي لكل شيء ابتداء وأول قال الزمخشري: كأن التاء زيدت على أنف كقولهم في الذنب ذنبة جاء في أمثالهم إذا أخذت بذنبة الضب أغضبته قال وعن الكسائي أنفة الصبا ميعته وأوليته قال: عذرتك في سلمى بأنفة الصبا. . . وميعته إذ تزدهيك ظلالها (وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها) أي داوموا على حيازة فضلها لكونها صفوة الصلاة كما في خبر البزار ولأن من حافظ عليها أربعين يوما كتب له براءة من النار وبراءة من النفاق كما في خبر ضعيف وإنما يحصل فضلها بشهود التكبير مع الإمام والإحرام معه عقب تحرمه فإن لم يحضرها أو تراخى فاتته لكن يغتفر له وسوسة خفيفة (ش طب عن أبي الدرداء) قال الحافظ ابن حجر في إسناده مجهول وقال الهيثمي هو موقوف وفيه رجل لم يسم قال ابن حجر والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى آثار كثيرة الحديث: 2414 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 2415 - (إن لكل شيء بابا وباب العبادة الصيام) لأنه يصفي الذهن ويكون سببا لإشراق النور على القلب ومن فوائده سكون النفس الأمارة وكسر سورتها عند الفضول بالحوارح لإضعافه حركتها في مطلوباتها ومنه العطف على المساكين فإنه لما ذاق الجوع في بعض الأحيان ذكر من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إلى الرقة عليه فبادر بالإحسان إليه فنال من الجزاء ما أعده الله له لديه ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملونه أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى كما ذكر عن بشر الحافي أنه وجد في الشتاء يرعد وثوبه معلق فقيل له في مثل هذا الوقت تنزع الثوب فقال الفقراء كثير ولا طاقة لي بمواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملونه (هناد عن ضمرة بن حبيب) ابن صهيب الزبيدي بضم الزاي أبو عقبة المصري تابعي ثقة (مرسلا) قال الحافظ العراقي وأخرجه ابن المبارك في الزهد وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف اه فما اقتضاه صنيع المصنف من أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل للرواية مرسلة مع ضعفهما جميعا غير سديد الحديث: 2415 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 [ص: 510] 2416 - (إن لكل شيء توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا وقع في شر منه) أي أشد منه شرا فإن سوء خلقه يجني عليه ويعمى عليه طرق الرشاد حتى يوقعه في أقبح مما تاب منه ولهذا عبث بعضهم بالفرزدق وهو صبي لم يبلغ الحلم فقال له أيسرك أن لك مئة ألف وأنك أحمق قال لا قال ولم قال لئلا يجني علي سوء خلقي جناية فيضيع المئة ألف ويبقى حمقي علي (خط عن عائشة) وفيه محمد بن إبراهيم التيمي وثقوه إلا أحمد فقال في حديثه شيء يروي أحاديث منكرة الحديث: 2416 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 2417 - (إن لكل شيء حقيقة) أي كنها (وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم) علما جازما (أن) أي بأن (ما أصابه) من المقادير أي وصل إليه منها (لم يكن ليخطئه) لأن ما قدر عليه في الأزل لا بد أن يصيبه ولا يصيب غيره منه شيئا (وما أخطأه) منها (لم يكن ليصيبه) وإن تعرض له لأنه بان أنه ليس مقدرا عليه ولا يصيبه إلا ما قدر عليه والمراد أن من تلبس بكمال الإيمان وولج نوره في قلبه حقيقة علم أنه قد فرغ مما أصابه أو أخطأه من خير وشر فما أصابه فإصابته له متحتمة لا يتصور أن يخطئه وما أخطأه فسلامته منه متحتمة لأنها سهام صائبة وجهت في الأزل فلا بد أن تقع مواقعها جف القلم بما هو كائن وفيه حث على تفويض كل أمر إلى الله تعالى مع شهود أنه الفاعل لما يشاء وأنه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} <تنبيه> قال العارف ابن عربي: الحقائق أربع: حقائق ترجع إلى الذات المقدسة وحقائق ترجع إلى الصفات وحقائق ترجع إلى الأفعال وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات وهذه الحقائق الكونية ثلاث علوية وهي المعقولات وسفلية وهي المحسوسات وبرزخية وهي المتخيلات والحقائق الذاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه بغير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومي إليه الإشارة والحقائق الصفاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كونه سبحانه قادرا حيا عالما إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة المتماثلة والكونية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات والأجسام والاتصال والانفصال والفعلية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كن وتعلق القدرة بالمقدور بضرب خاص بكون العبد لا فعل له ولا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها وجميع ذلك يسمى أحوال ومقامات فالمقامات كل صفة يجب الرسوخ فيها وعدم النقل عنها كالتوبة والحال كل صفة يكون فيها وقتادون وقت كالسكر والمحو أو يكون وجودها مشروطا بشرط فينعدم كالصبر مع البلاء والشكر مع النعماء (حم طب عن أبي الدرداء) قال العلائي: فيه سليمان بن عتبة وثقه ابن دحيم وضعفه ابن معين وباقي رجاله ثقات الحديث: 2417 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 2418 - (إن لكل شيء دعامة) بالكسر أي عمادا يقوم عليه ويستند إليه وأصل الدعامة بالكسر ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط ومنه قيل لسيد قومه هو دعامة القوم كما يقال هو عمادهم قال الزمخشري: فالمدعوم الذي يميل فيريد أن يقع فيسند إليه ما يستمسك به قال: ومن المجاز هو دعامة قومه لسيدهم وسندهم وأقام فلان دعائم الإسلام ودعمت فلانا أعنته وقويته (ودعامة هذا الدين الفقه) أي هو عماد الإسلام الذي عليه مبناه وبه استمساكه وبقاؤه [ص: 511] (ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) لأن من فقه عن الله أمره ونهيه وعلم لماذا أمر ونهى تعاظم لذلك وكبر في صدره شأنه وكان أشد تسارعا لما أمر وأشد هربا مما نهى فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها وأقدار الأشياء وحسن تدبير الله تعالى في ذلك لهم بنور يقينهم ليعبدوه على بصيرة وطمأنينة ومن حرم ذلك عبده على مكابدة وكره لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله فالنفس إنما تنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره والنفس والشيطان جندهما الشهوات فيحتاج الإنسان إلى أضدادهما من الجنود ليقهرهما وهو الفقه ولهذا قالوا قلما قام عمر خطيبا إلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين يا أيها الناس تفقهوا (هب خط) في ترجمة محمد بن عيسى المروزي (عن أبي هريرة) وفيه خلف ابن يحيى كذبه أبو حاتم قال الذهبي قال أبو حاتم كذاب اه وأورده ابن الجوزي في العلل وقال هذا لا يصح وفيه خلف بن يحيى كذبه أبو حاتم الحديث: 2418 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 2419 - (إن لكل شيء سقالة (1)) بسين أو صاد مهملتين أي جلا (وإن سقالة القلوب ذكر الله وما من شيء أنجى من عذاب الله) كذا في كثير من النسخ ولكن رأيت في نسخة المصنف بخطه من عذاب بالتنوين (من ذكر الله ولو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع) أي في جهاد الكفار. قال الطيبي: قوله كل شيء عام خص بقرينة الفعل أي لكل شيء مما يصدأ حقيقة أو مجازا فإن صدأ القلوب الرين في قوله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم} فكلمة لا إله تجليها وإلا الله تحليها اه وقد مر غير مرة أن القلب كالمرآة مستعد لأن يتجلى فيه حقائق الأشياء كلها وإنما يحجبه عنها أدناس الذنوب والشهوات وبالتصفية ومجاهدة النفس ولزوم الذكر يزول الصدأ وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح المحفوظ في مرآة القلب كانطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها فالعلماء يعملون في اكتساب العلوم واجتلابها إلى القلب وأولياء الصوفية يعملون في جلاء القلب وتصقيله فقط. قال حجة الإسلام: حكي أن أهل الصين وأهل الروم تنازعوا بين يدي ملك في حسن صناعة النقش والصور فاستقر رأي الملك على أن يسلم لكل فريق صفة لينقش أهل الصين صفة وأهل الروم صفة ويرخى بينهم حجابا يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك وجمع أهل الروم من الأصباغ الغربية مالا يحصى ودخل أهل الصين من غير صبغ وهم يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم فرغوا فعجب الملك كيف فرغوا من النقش بغير صبغ فقيل كيف فرغتم بغير صبغ قالوا ما عليكم ارفعوا الحجاب فرفع فإذا جانبهم قد تلألأ فيه عجائب الصنع الرومية مع زيادة إشراق وبريق لكنه صار كالمرآة المجلية لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد الصفاء فكذا عناية الأولياء تطهير القلوب وإجلاؤه وصفاؤه حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل الصين وعناية العلماء باكتساب نفس العلوم وتحصيل نقضها في القلب (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن حسان وهما اثنان أحدهما قال أحمد غير قوي والآخر قال الذهبي متهم بالوضع   (1) في المصباح صقلت السيف ونحوه صقلا من باب قتل وصقالا أيضا بالكسر جلوته الحديث: 2419 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 2420 - (إن لكل شيء سناما) أي رفعة وعلوا استعير من سنام البعير ثم كثر استعماله حتى صار مثلا (وإن سنام القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة (من قرأها في بيته) أي في محله بيتا أو غيره وذكر [ص: 512] البيت غالبي (ليلا) أي في الليل (لم يدخله شيطان) نكره دفعا لتوهم إرادة إبليس وحده (ثلاث ليال) أي مدة ثلاث ليال (ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام) قال الحرالي: لأن مقصودها الإحاطة الكتابية والإجتهادية الإحاطة الإلهية القيومية وذلك في آية الكرسي تصريحا وفي سائر آياتها الإحاطة بحسب قرب الإحاطة الكتابية من الإحاطة الإلهية اه وتمسك بهذا الحديث وما بمعناه من ذهب إلى القول بخلق القرآن لأن ماله سنام أو قلب لا يكون إلا مخلوقا ورد بأن القرآن ليس بجسم ولا ذي حدود وأقطار وإنما المراد بكونها سنام القرآن أنها أعلاه كما تقرر أن السنام من البعير أعلاه (ع حب طب هب عن سهل بن سعد) وفيه كما قال الهيثمي سعيد بن خالد الخزاعي المديني وهو ضعيف اه وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة الحديث: 2420 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 2421 - (إن لكل شيء شرفا) أي رفعة (وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة) يشير إلى أن كل حركة وسكون من العبد على نظام العبودية بحسب نيته في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وشرابه وطعامه تشرف حالته بذلك فيتحرى القبلة في مجلسه ويستشعر هيئتها فلا يعبث فيسن المحافظة على استقبالها ما أمكن حتى للمدرس على الأصح وإنما سن استدبار الخطيب لأن المنبر يسن كونه بصدر المجلس فلو استقبل خرج عن مقاصد الخطاب لأنه يخاطب حينئذ من هو خلف ظهره قال الشريف السمهودي: نعم كان شيخي شيخ الإسلام الشرف المناوي يجلس لإلقاء الدرس مستدبرها والقوم امامه قياسا على الخطبة ويعلله بما ذكر من أن ترك استقبال واحد أسهل من تركه لخلق كثير قال: ويستأنس له بما رواه الخطيب عن جابر أقبل مغيث إلى مكحول فأوسع له بجنبه فأبى وجلس مقابل القبلة وقال هذا أشرف المجالس فالظاهر أن جلوس مكحول مستدبرا كان كذلك اه (طب ك) في التوبة (عن ابن عباس) إيراد المصنف لهذا الحديث يوهم سلامته من الوضاعين والكذابين وهو ذهول عجيب فقد قال ابن حبان في وصف الاتباع وبيان الابتداع إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام عن هشام بن زياد عن محمد بن كعب عن ابن عباس وهو طريق الطبراني وقال الذهبي رواه الحاكم من طريقين أحدهما هذا وهشام متروك والآخر فيه محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني وغيره قال فبطل الحديث اه وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك جدا اه نعم ورد في الباب حديث جيد حسن وهو ما رواه الطبراني أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة قال الهيثمي والمنذري وغيرهما إسناده حسن اه فاعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا لوضعه على ما جزموا بحسنه الحديث: 2421 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 2422 - (إن لكل شيء) كذا هو في خط المصنف وفي رواية عمل وفي أخرى عابد (شرة) بكسر الشين والتشديد بضبط المصنف حدة وحرصا ونشاطا ورغبة قال القاضي: الشرة الحرص على الشيء والنشاط فيه وصاحبها فاعل فعل دل عليه ما بعده وقوله تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك} (ولكل شرة فترة) أي وهنا وضعفا وسكونا يعني أن العابد يبالغ في العبادة أو لا وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين. وقال القاضي: المعنى أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط الشرة والتفريط الفترة فارجوه ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه (فإن صاحبها سدد وقارب) أي إن سدد صاحب الشرة أي جعل عمله متوسطا أي دنا من التوسط وسلك الطريق الأقوم وتجنب طريقي إفراط الشرة وتفريط الفترة (فارجوه) يعني ارجوا الصلاح والخير منه فإنه يمكنه الدوام على الوسط وأحب الأعمال إلى الله أدومها (وإن أشير إليه بالأصابع) أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهورا بالعبادة والزهد [ص: 513] وصار مشهورا مشارا إليه بالعبادة (فلا تعدوه) أي لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا ذكره القاضي. وقال الطيبي: معناه إن لكل شيء من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين إفراطا وتفريطا فالمحمود القصد بينهما فإن رأيت أحدا يسلك سبيل القصد فارجوه أن يكون يكون من الفائزين فلا تقطعوا له بأنه من الفائزين فإن الله هو الذي يتولى السرائر وإن رأيته يسلك طريق الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تبتوا القول فيه بأنه من الخائبين فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر (ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن صحيح غريب وفيه محمد بن عجلان وثقه أحمد وقال الحاكم سيء الحفظ الحديث: 2422 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 2423 - (إن لكل شيء قلبا) أي لبا (وقلب القرآن يس) أي هي خالصه ولبه المودع فيه المقصود منه لأن أحوال البعث وأهوال القيامة مستقصاة فيها مع تصديرها بإثبات نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم عليها على أبلغ وجه واشتمالها مع قصر نظمها وصغر حجمها على الآيات البديعة من خلق الليل والنهار والقمرين والفلك وعبر ذلك من المواعظ والعبر والمعاني الدقيقة والمواعيد الرائفة والزواجر البالغة والإشارات الباهرة ما لم تكد تكن في سورة سواها مع صغر حجمها وقصر نظمها (ومن قرأ يس كتب الله له) أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب له (بقراءتها) ثواب (قراءة القرآن عشر مرات) أي قدر ثواب قراءة القرآن بدون سورة يس عشر مرات وقد تواترت الآثار بجموم فضائل يس روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده مرفوعا من قرأ سورة يس وهو خائف أمن أو سقيم شفي أو جائع شبع حتى ذكر خصالا كثيرة وفي مسند الدارمي من حديث عطاء بلاغا أنه عليه الصلاة والسلام قال من قرأ يس في صدر النهار قضيت حاجته وعن بعضهم من قرأها أول النهار لم يزل فرحا مسرورا إلى الليل ومن قرأها أول الليل لم يزل كذلك إلى الصباح (الدارمي) في مسنده (ت) في فضائل القرآن (عن أنس) وقال الترمذي غريب فيه هارون أبو محمد شيخ مجهول انتهى كلام الترمذي فعزو المصنف الحديث له وحذفه لذلك من كلامه غير سديد وفي الباب أبو بكر وأبو هريرة وغيرهما الحديث: 2423 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 2424 - (إن لكل شيء قمامة) أي كناسة (وقمامة المسجد) قول الإنسان فيه (لا والله وبلى والله) أي اللغو فيه وكثرة الخصومات والحلف واللغط فإن ذلك مما ينزه المسجد ويصان عنه فتكره الخصومة ورفع الصوت ونحو البيع والشراء ونشد الضالة ونحوها ويكره اتخاذ المسجد مجلسا للقضاء حيث لا يشرع تغليظ اليمين بالمكان ولم يكن عذر لنحو مرض (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه رشدين بن أبي سعد وفيه كلام كثير وقال الذهبي قال ابن معين رشدين ليس بشيء وقال أبو زرعة ضعيف والجوزجاني له مناكير وعد هذا منها الحديث: 2424 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 2425 - (إن لكل شيء نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد) أي سورة الإخلاص بكمالها قال في الصحاح النسب واحد الأنساب والهاء للمبالغة في المدح ونسبت الرجل ذكرت نسبته وهذا قاله لما قالت له اليهود يا محمد انسب لنا ربك فقوله الله أحد أثبت الوجود للأحد فنفى العدد وأثبت الأحدية لله سبحانه وتعالى وقوله الله الصمد نفي للجسم ولم يلد ولم يولد نفي للوالد والولد ولم يكن له كفوا أحد نفي للصاحبة كما نفى الشريك بقوله {لو كان فيهما آلهة إلا الله [ص: 514] لفسدتا} قال العارف ابن عربي: وفي الحديث دلالة على الاكتفاء بأخذ العقائد من القرآن وأنه بمنزلة الدليل العقلي في الدلالة إذ هو المصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا يحتاج معه إلى أدلة العقول (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه الوازع بن نافع وهو متروك الحديث: 2425 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 2426 - (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي) أي طريقتي التي شرعتها (فقد اهتدى) أي سار سيرة مرضية حسنة (ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك) الهلاك الأبدي وشقي الشقاء السرمدي قال الزمخشري: هدى هدي فلان سار سيرته وفي حديث واهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه وفلان هالك في الهوالك واهتوى فلان ألقى نفسه في التهلكة (هب عن ابن عباس وابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 2426 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 2427 - (إن لكل غادر) أي لكل ناقض للعهد تارك للوفاء بما عاهد عليه قال بعضهم والمشهور بين المصنفين أن هذا الغدر إنما هو في الحروب من نقض عهد أو أمان والحمل على الأعم أتم (لواء) أي علم وهو دون الراية ينصب له (يوم القيامة يعرف به) بين أهل الموقف تشهيرا له بالغدر وتفضيحا على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ولما كان الغدر إنما يقع مكتوما مستترا أشهر صاحبه بكشف ستره ليتم فضيحته وتشيع عقوبته وأصل اللواء الشهرة فلما كان الغدر لا يقع إلا بسبب خفي عوقب بضد ما فعل وهي شهرته هذه الشهرة التي تتضمن الخزي على رؤوس الأشهاد ويكون ذلك اللواء (عند استه) استخفافا بذكره واستهانة لأمره ومبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته أو لأن علم العزة ينصب تلقاء الوجه فناسب أن يكون علم الذلة فيما هو كالمقابل له والاست كما في الصحاح وغيره العجز وقد يراد به حلقة الدبر وهمزته وصل ولامه محذوفة والأصل ستة بفتحتين وقد تزاد الهاء الحذوفة وتحذف التاء فيقال سه قال الزمخشري: وتقول باست فلان إذا استخففت به (الطيالسي) أبو داود (حم) كلاهما (عن أنس) بن مالك بإسناد حسن الحديث: 2427 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 2428 - (إن لكل قوم فارطا) أي سابقا إلى الآخرة يهييء لهم ما ينفعهم فيها (وإني فرطكم على الحوض) أي متقدمكم إليه وناظر لكم في إصلاحه وتهيئته فتردون علي فيه (فمن ورد على الحوض فشرب لم يظمأ ومن لم يظمأ دخل الجنة) أي أن من يعذب في الموقف بالظمأ يدخل النار إما خالدا إن كان كافرا أو للتطهير إن كان مؤمنا ومن لم يقدر له الظمأ ذلك اليوم لشربه من الحوض لا بد وأن يدخل الجنة أولا من غير دخول النار أصلا والفارط كما في الصحاح وغيره السابق الذي يتقدم الواردة فيهييء لهم الرشاد والدلاء ويمد لهم الحياض ويستسقي لهم قال الزمخشري: ومن المجاز فرط له ولد سبق إلى الجنة جعله الله لك فرطا وافترط فلان أولادا والورود الحضور كما في الصحاح وغيره والحوض ما يجتمع فيه الماء للشرب ونحوه والظمأ العطش (طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير موسى بن يعقوب الزمعي وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف الحديث: 2428 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 2429 - (إن لكل قوم فراسة) بكسر الفاء (وإنما يعرفها الأشرف) أي العالو المرتبة المرتفعو المقدار في علم طريق الآخرة وسبق أن الفراسة ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس بنوع كرامة وإصابة حدس فللقلب عين كما أن [ص: 515] للبصر عينا فمن صح عين قلبه وأعانه نور الله اطلع على حقائق الأشياء وعلى إدراك العالم العلوي وهو في الدنيا فيرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقاعدة الفراسة الصحيحة وأسها الغض عن المحارم قال الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحرمات واعتاد أكل الحلال لم تخطىء فراسته أبدا اه. فمن وفق لذلك أبصر الحقائق عيانا بقلبه وأما ما هو متعارف من الفراسة بأدلة وتجاريب وخلق وأخلاق وفيه مصنفات فلا ثقة به وإنما هي ظنون لا تغني من الحق شيئا وسر ذلك أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم عليه عوض من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فيرى به ما لم يره من أطلق بصره وهذا كالمحسوس (ك عن عروة) بضم أوله ابن الزبير (مرسلا) أرسل عن عائشة الحديث: 2429 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 2430 - (إن لكل نبي أمينا) أي ثقة يعتمد عليه (وأميني أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (ابن الجراح) أحد العشرة المبشرة قال في النوادر: الأمانة ترك الأشياء في مواضعها كما وضعت وإنزالها حيث أنزلت وللنفس أخلاق رديئة دنيئة عجولة في مهواها وتتشبث بمخالبها في دنياها فلما تخلص أبو عبيدة من حبائلها اطمأنت فطرته وماتت شهوته فأبصر قلبه الأشياء على هيئتها وصار ذلك أمانة لخلوص قلبه من الظلمات الحاجبة للنور عن إشراقه وفيه ندب توفير العالم وتعظيمه بمخاطبته بالكنية وإن كان هو دون المتكلم في الرتبة (حم) وكذا البزار (عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي رجاله ثقات ورواه الطبراني عن خالد بن الوليد قال الهيثمي بسند رجاله رجال الصحيح الحديث: 2430 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 2431 - (إن لكل نبي حواريا) وزيرا أو ناصرا أو خالصا أو خليلا أو خاصة من أصحابه وحواري الرجل صفوته وخالصته أي صاحب سره سمي به لخلوص نيته وصفاء سريرته من الحور بفتحتين شدة البياض وقال الحرالي: الحواري المستخلف نفسه في نصرة من تحق نصرته بما كان من إيثاره على نفسه بصفاء وإخلاص لا كدر فيه قال الزركشي قال الزجاج وهو منصرف (وإن حواري الزبير) إضافة إلى ياء المتكلم فحذف الياء وقد ضبطه جمع بفتح الياء وآخرون بكسرها وهو القياس لكنهم لما استثقلوا ثلاث يا آت حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه يجتمع مع المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمه صفية عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله لما قال يوم الأحزاب من يأتيني يخبر القوم فقال الزبير أنا لما أحكم أسباب الإخلاص اصطفاه ونسبه للاختصاص (خ) في الجهاد (ت) في المناقب (عن جابر) بن عبد الله (ت ك) في المناقب (عن أمير المؤمنين) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه بل خرجه مسلم في الفضائل عن جابر ولفظه ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير (وكان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهما يتصدق بها وفي رواية فكان يقسمه كل ليلة ثم يقدم إلى منزله ليس معه منه شيء وباع دارا له بست مئة ألف فقيل له غبنت قال كلا والله لتعلمن أني لم أغبن هي في سبيل الله. وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وأن في صدره مثل العيون من الطعن والرمي وعن ابن أبي حازم عن الزبير قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح وقتل يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين قتله ابن جرموز واستأذن على علي فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكل نبي حواري وحواري الزبير وقال عبد الله بن الزبير جعل أبي يوم الجمل يوصيني بدينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال الله قال فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال ليستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة قال فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومئة ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتها يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف. اه) [ص: 516] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير الحديث: 2431 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 2432 - (إن لكل نبي حوضا) على قدر رتبته وأمته قال الطيبي: يجوز حمله على ظاهره فيدل على أن لكل نبي حوضا وأن يحمل على المجاز ويراد به العلم والهدى ونحوه وقال الحكيم: الحياض يوم القيامة للرسل لكل على قدره وقدر من تبعه وهو شيء يلطف الله به عباده فإنهم تخلصوا من تحت أيدي قابض الأرواح قد أذاقهم مرارة الموت وطالت مدتهم اللحود ونشروا للهول العظيم والغوث لأهل التوحيد من الله تعالى مترادف أغاثهم يوم ألست بربكم فأثبت أسماءهم بالولاية ونقلهم في الأصلاب حتى أواهم إلى آخر قالب ثم أنزله فرباه وهداه وهيأه وهيأ له وكلأه حتى خلتم له مما ابتلاه فلما أذاقه الموت المر وحبسه مع البلاء الطويل ثم أنشره فبعثه إلى موقف عظيم بين الجنة والنار فمن غوثه إياه أن جعل الرسول الذي أجابه فرطا له قد هيأ له مشروبا يروى منه فلا يظمأ بعدها أبدا وسعد فلا يشقى أبدا فمن لم يذد عنه إذا دنا منه وسقى فقد استقر في جوفه ما حرمت النار عليه به ثم ينصب الصراط للجواز إلى هنا كلامه (وأنهم) أي الأنبياء (يتباهون أيهم أكثر) أمة (واردة) على الحوض (وإني أرجو) أي أؤمل (أن أكون أكثرهم واردة) قال القرطبي: وقال البكري المعروف بابن الواسطى لكل نبي حوض إلا صالحا فإن حوضه ضرع ناقته انتهى ولم أقف على ما يدل عليه أو يشهد له انتهى وهذا الحديث صريح في أن الحوض ليس من الخصائص المحمدية لكن اشتهر الاختصاص والحديث اختلف في وصله وإرساله قال ابن حجر: والمرسل خرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن بلفظ إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصى يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ورواه الطبراني من وجه آخر عن سمرة مرفوعا مثله وفي سنده لين وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد رفعه كل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض وحينئذ فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره (ت) في الزهد (عن سمرة) بن جندب وقال الترمذي غريب وصحح إرساله الحديث: 2432 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 2433 - (إن لكل نبي خاصة من أصحابه) أي من يختص بخدمته منهم ويعول عليه في المهمات من بينهم (وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب ومن ثم استوزرهما في حياته وحق لهما أن يخلفاه على أمته بعد مماته والهاء في الخاصة للتأكيد كما في المصباح وعن الكسائي الخاص والخاصة واحد (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فبه عبد الرحيم أبو حماد الثقفي وهو متروك الحديث: 2433 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 [ص: 517] 2434 - (إن لكل نبي دعوة) أي مرة من الدعاء متيقنا إجابتها (قد دعا بها في أمته) لهم أي عليهم أو صرفها في هذه الدار لأحد أمرين فمنهم من دعا عليهم كنوح وموسى عليهما السلام ومنهم من دعا لهم كإبراهيم وعيسى عليهما السلام ومنهم من صرفه لغيرهم كسليمان عليه السلام حين سأل الملك (فاستجيب له) وليس معناه أنهم إذا دعوا لم يستجب لهم إلا واحدة فقد إستجاب لكل نبي ما لا يحصى لكنهم في تلك الدعوات بين رجاء وخوف رد فكل نبي تعجل دعوته والمصطفى صلى الله عليه وسلم أخرها لوقت الإضطرار قال الطيبي: وإرادته الإجابة لا الدعوة (وإني اختبأت دعوتي) أي ادخرتها (شفاعة لأمتي يوم القيامة) لأن صرفها لهم في جهة الشفاعة أهم وفي الآخرة أتم لا يقال اختبأ الشيء يقتضي حصوله وتلك الدعوة إنما تحصل له يوم القيامة فكيف تكون مدخرة قلنا يجوز أن بخير الله النبي بين أن يدعو تلك الدعوة المستجابة في الدنيا وبين أن يدعو في الآخرة فاختارها فسمي ذلك الإختيار اختباء كذا قرروه واستشكله الطيبي بدعاء المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على أحياء العرب كمضر وعصية وذكوان قال فالتأويل المستقيم أن معناه جعل لكل نبي دعوة مستجابة في أمته فكل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها في الدنيا وأنا ما نلتها فيها حيث دعوت على بعض أمتي لي ليس لك من الأمر شيء فبقيت تلك الدعوة مدخرة في الآخرة ودعاؤه على مضر ليس للاهلاك بل للارتداع {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} . <تنبيه> هذا الحديث قد استبدل به أهل السنة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر قالوا لأن الشفاعة تنال كل من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا كما نص عليه في رواية مسلم وصاحب الكبيرة في ذلك كذلك فوجب أن تناله الشفاعة (حم ق عن أنس) ابن مالك وزاد مسلم في آخره فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا الحديث: 2434 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 2435 - (إن لكل نبي ولاة) جمع ولي أي لكل نبي أحياء وقرناؤهم أولى به من غيرهم (من النبيين وإن وليي أبي) يعني إبراهيم الخليل عليه السلام (وخليلي ربي) قال التوربشتي: وفي المصابيح وإن وليي ربي وهو غلط ولعل من حرفه دخل عليه الدخيل من قوله تعالى {إن وليي الله} والصواب ما ذكرنا واعترضه المظهر بأنه لو كان كذا كان قياس التركيب أن يكون وليي أبي خليلي ربي بغير واو العطف الموجبة للتغاير وبإضافة الخليل إلى ربي ليكون عطف بيان لأبي قال الطيبي: والرواية المعتبرة ما في الترمذي وغيره ولو ذهب إلى أن خليلي ربي عطف بيان بلا واو لزم حصول كون إبراهيم أبا النبي ووليه فأتى به بيانا وإذا جعل معطوفا عليه يلزم شهرته به والعطف يكون لإثبات وصف آخر له على سبيل المدح ثم إنه لا يلزم من قوله لكل نبي ولاة أن يكون لكل منهم أولياء لأن النكرة المفردة إذا وقعت في محل الجمع أفادت الاستغراق (ت) في التفسير (عن ابن مسعود) وتمامه عنده ثم قرأ {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} ورواه عنه أيضا الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2435 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 2436 - (إن لكل نبي وزيرين) تثنية وزير وهو الذي يحمل أثقال الملك ويلتجىء الأمير إلى رأيه وتدبيره (ووزيراي وصاحباي أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب وفيه جنوح إلى استحقاقهما الإمامة من بعده (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا من هذا الوجه أبو يعلى في مسنده فعزوه للفروع وإهماله الأصل غير سديد ثم إن فيه عبد الرحمن بن عمر الدمشقي قال ابن عساكر اتهم في لقاء إسحاق بن أبي ثابت وأورده في اللسان وقال متهم بالاعتزال الحديث: 2436 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 [ص: 518] 2437 - (إن لي أسماء) وفي رواية للبخاري خمسة أسماء أي موجودة في الكتب السالفة أو مشهورة بين الأمم الماضية أو يعلمها أهل الكتابين أو مختص بها لم يتسم بها أحد قبلي أو معظمة أو أمهات الأسماء وما عداها راجع إليها لا أنه أراد الحصر كيف وله أسماء أخر بلغها بعضهم كما قال النووي في المجموع وتهذيب الأسماء واللغات ألفا لكن أكثرها من قبيل الصفات قال ابن القيم: فبلوغها ذلك باعتبارها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة باعتبار متباينة باعتبار (أنا محمد) قدمه لأنه أشرفها ومن باب التفعيل للمبالغة ولم يسم به غيره قبله لكن لما قرب مولده سموا به نحو خمسة عشر رجاء كونه هو (وأنا أحمد) أي أحمد الحامدين فالأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا قال المصنف: وتسميته به من خصائصه (وأنا الحاشر) أي ذو الحشر (الذي يحشر الناس على قدمي) بتخفيف الياء على الإفراد وبشدها على التثنية والمراد على أثر نبوتي أي زمنها أي ليس بعده نبي قال الطيبي: وهذا اسناده مجازي لأنه سبب في حشر الناس لأنهم لا يحشرون حتى يحشر إذ يحشر قبلهم كما في عدة أخبار وقال ابن حجر: يحمل أن المراد بالقدم الزمان أو وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة واستكمل التفسير بأنه يقتضي أنه محشور فكيف يصير به حاشرا وهو اسم فاعل وأجيب بأن استناد الفعل إلى الفاعل إضافة وهي نصح بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لكونه لا نبي بعده نسب إليه الحشر لوقوعه عقبه وقيل معنى القدم السبب أو المراد على مشاهدتي قائما لله (وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) أي يزيل أهله من جزيرة العرب أو من أكثر البلاد وقد يراد المحو العام بمعنى ظهور الحجة والغلبة ليظهره على الدين كله (وأنا العاقب) زاد مسلم الذي ليس بعدي أحمد وللترمذي الذي ليس بعدي نبي لأنه جاء عقبهم وفيه جواز التسمية بأكثر من واحد قال ابن القيم: لكن تركه أولى لأن القصد بالاسم التعريف والتمييز والاسم كاف وليس كأسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن أسماءه كانت نعوتا دالة على كمال المدح لم يكن إلا من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى لا للتعريف فحسب (تتمة) قال المؤلف في الخصائص من خصائصه أن له ألف اسم واشتقاق اسمه من اسم الله تعالى وأنه سمي من أسماء الله بنحو سبعين اسما وأنه سمي أحمد ولم يسم به أحد قبله (مالك) في الموطأ (ق) في الفضائل (ت) في المناقب (ن) في التفسير (عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسمون الطاء وكسر العين الحديث: 2437 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 2438 - (إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء من الملائكة جبريل وميكائيل ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر) قال الطيبي: فيه دلالة على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل من جبريل وميكائيل والوزير من الوزر والثقل فإنه يحتمل عن الملك أوزاره قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام {واجعل لي وزيرا من أهلي} انتهى وعد المصنف وزارة هؤلاء من خصائصه (ك) في التفسير (عن أبي سعيد) الخدري وصححه وأقره الذهبي (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه الترمذي بمعناه من حديث أبي سعيد أيضا الحديث: 2438 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 2439 - (إن ما قد قدر في الرحم سيكون) سواء عزل المجامع أم أنزل داخل الفرج فلا أثر للعزل ولا لعدمه وهذا قاله [ص: 519] لمن سأله عن العزل والرحم موضع تكوين الولد وتخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ومع كسرها أيضا في لغة بني كلاب وفي لغة لهم تكسر الحاء اتباعا لكسرة الراء كذا في المصباح (ن عن أبي سعيد) وقيل أبو سعيد واسمه عمارة بن سعيد أو غيره (الزرقي) بفتح الزاي وسكون الراء وآخره في نسبة إلى زرق قرية من قرى مرو بها قتل يزدجرد أحد ملوك الفرس خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين الحديث: 2439 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 2440 - (إن ما بين مصر أعين) تثنية مصراع وهو من الباب الشطر (في الجنة) أي في باب من أبواب الجنة (كمسيرة أربعين سنة) والمراد بهذا الباب الأعظم وما عداه كما بين مكة وهجر وعليه نزل الخبر الآني في مطلع حرف الباء فلا تدافع بين الخبرين كما سيجيء تحقيقه في حرف الميم عند خبر ما بين مصراعين إلى آخره (حم ع) وكذا الطبراني (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه زريك بن أبي زريك لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 2440 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 2441 - (إن مثل العلماء في الأرض) المثل لغة النظير ثم استعمل في كل صفة أو حال فيها غرابة وهو المراد هنا وقال الحرالي: المثل ما يتحصل في باطن الإدراك من حقائق الأشياء المحسوسة فيكون ألطف من الشيء المحسوس فيقع لذلك جالبا لمعنى مثل المعنى المعقول ويكون الأظهر منهما مثلا للأخفى (كمثل النجوم) جمع نجم وهو الكوكب المضيء (في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر) فكذا العلماء يهتدى بهم في ظلمات الضلال والجهل قال في العوارف: والهدى وجدان القلب موهبة العلم من الله تعالى (فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة) فكذا إذا ماتت العلماء أوشك أن تضل الناس والطموس كما في الصحاح وغيره الدروس والانمحاء وانطمس الأثر انمحى قال الزمخشري: ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء وقد طمس الغيم انتهى (حم عن أنس) قال المنذري فيه رشدين ضعيف وأبو حفص صاحب أنس لا أعرفه قال الهيثمي فيه رشدين بن سعد اختلف في الاحتجاج فيه وأبو حفص صاحب أنس مجهول الحديث: 2441 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 2442 - (إن مثل أهل بيتي) فاطمة وعلي وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة (فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وجه التشبيه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة وجعلهم وصلة إليها ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم وإعظامهم شكر النعمة مشرفهم والأخذ بهدي علمائهم فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة المترادفة ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في كثير من الآيات وهم العروة الوثقى ومعدن التقى واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم إذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض (ك) في منا قب أهل البيت (عن أبي ذر) قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي فقال فيه مفضل بن صالح واه الحديث: 2442 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 [ص: 520] 2443 - (إن مثل الذي يعود في عطيته) أي يرجع فيما يهبه لغيره (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم) أكله (عاد في قيئه فأكله) قال ابن دقيق العيد: وقع التشبيه في التشديد من وجهين تشبيه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء وقال البيضاوي: المعنى أنه لا ينبغي للمؤمن أن يتصف بصفة ذميمة يشابه فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال ابن حجر: وهذا أبلغ في الزجر وأدل على التحريم بما لو قال مثلا لا تعودوا في الهبة وظاهره تحريم العود في الهبة بعد القبض قال النووي: وموضعه في هبة الأجنبي فلو وهب لفرعه رجع وقال أبو حنيفة له الرجوع فيها للأجنبي لأن فعل الكلب يوصف بالقبح لا الحرمة (هـ عن أبي هريرة) الحديث: 2443 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 2444 - (إن مثل الذي يعمل السيئات) جمع سيئة وهي ما يسيء صاحبه في الآخرة أو الدنيا (ثم يعمل الحسنات كمثل رجل) بزيادة مثل أو الكاف (كانت عليه درع) بدال مهملة قال ابن الأثير: زردية (ضيقة قد خنقته) أي عصرت حلقه وترقوته من ضيق تلك الدرع (ثم عمل حسنة فانفكت) أي تخلصت (حلقة) بسكون اللام (ثم عمل) حسنة (أخرى فانفكت الأخرى) وهكذا واحدة واحدة (حتى تخرج إلى الأرض) يعني عمل السيئات يضيق صدر العامل ورزقه ويحيره في أمره فلا يتيسر له في أموره ويبغضه عند الناس فإذا عمل الحسنات تزيل حسناته سيئاته فإذا زالت انشرح صدره وتوسع رزقه وسهل أمره وأحبه الخلق ومعنى قوله حتى تخرج إلى الأرض انحلت وانفكت حتى تسقط تلك الدروع ويخرج صاحبها من ضيقها فقوله تخرج إلى الأرض كناية عن سقوطها (طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو منه إليه وأنه لا علة فيه والأمر بخلافه أما الأول فقد رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ عن عقبة وأما الثاني فلأن فيه ابن لهيعة الحديث: 2444 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 2445 - (إن مجوس هذه الأمة) أي الجماعة المحمدية (المكذبون) أي القوم المكذبون (بأقدار الله) بفتح الهمزة جمع قدر بفتحتين القضاء الذي يقدره الله تعالى كما مر بما فيه (إن مرضوا فلا تعودوهم) أي لا تزوروهم في مرضهم فإذا كانوا مجوس هذه الأمة فينبغي معاملتهم بالجفاء وترك المؤاخاة والصفاء وحينئذ (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لا تحضرون جنائزهم (وإن لقيتموهم) في نحو طريق (فلا تسلموا عليهم) قال الطيبي: لفظه هذا إشارة إلى تعظيم المشار إليه وإلى النعي على القدرية والتعجب منهم أي انظروا إلى هؤلاء كيف امتازوا من هذه الأمة بهذه الصفة الشنيعة حيث نزلوا من اوج تلك المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذيلة جعلهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة (1) (هـ) عن محمد بن المصفى عن بقية عن الأوزاعي عن ابن جريح عن أبي الزبير (عن جابر) [ص: 521] ابن عبد الله قال ابن الجوزي حديث لا يصح وأطال في بيانه. وهذا الحديث مما انتقده السراج القزويني على المصابيح وزعم وضعه ونازعه العلائي ثم قال مدار الحديث على بقية وقد قال فيه عن الأوزاعي والذي استقر عليه أكثر الأمر من قول الأئمة أن بقية ثقة في نفسه لكنه مكثر من التدليس عن الضعفاء والمتروكين يسقطهم ويضعف الحديث عن شيوخهم فلا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه حدثنا أو أخبرنا أو سمعت أو عن وقال الذهبي هذا من الأحاديث الضعيفة وفي الباب عدة أحاديث فيها مقال   (1) يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة وكذا القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى الإنسان والشيطان والله تعالى خالقهما جميعا لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما عملا واكتسابا الحديث: 2445 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 2446 - (إن محاسن الأخلاق مخزونة) أي محرزة (عند الله تعالى) أي في علمه وفي هذه العندية من التشريف ما لا يخفى (فإذا أحب الله عبدا منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) بضم اللام بأن يطبعه عليه في جوف أمه أو يفيض على قلبه نورا فيشرح صدره للتخلق به والمداومة عليه حتى يصير بمنزلة الغريزي فإعطاؤه الخلق الحسن آية محبة الله له والخلق الحسن الصادر من العبد دليل طيبه المقتضى لمحبة ربه له والله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب كما أن من صدر عنه الخلق السيء دليل على خبثه المقتضي لبغض ربه أعاذنا الله من ذلك (الحكيم) الترمذي (عن العلاء بن كثير مرسلا) وهو الإسكندراني مولى قريش ثقة عابد الحديث: 2446 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 2447 - (إن مريم) بنت عمران الصديقة بنص القرآن هي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا (سألت الله أن يطعمها لحما لا دم فيه) أي سائل (فأطعمها الجراد) تمامه عند الطبراني فقالت اللهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع انتهى. ولعل المصنف أغفله ذهولا وفيه حل أكل الجراد وشرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره وقد ورد فيه أخبار منها خبر: أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال وبفرض أنه موقوف على ابن عمر فهو في حكم المرفوع كما مر وخبر الجراد أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه صريح في حله خلافا لمن وهمه وإنما لم يأكله لعذر كالضب بل روى أبو نعيم أنه أكله (عق عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي وكذا الديلمي الحديث: 2447 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 2448 - (إن مسح الحجر الأسود) أي استلامه بيده اليمنى ومثله موضعه (والركن اليماني يحطان الخطايا حطا) أي يسقطانها أو ينقصانها وأكده بالمصدر إشارة إلى تحقق ذلك. قال في المصباح كغيره حططت من الدين أسقطت واستحطته من الثمن كذا فحطه وانحط السعر نقص. قال الزمخشري: من المجاز حط الله أوزارهم وحط الله وزرك وانحط السعر انتهى والمراد بالخطايا الصغائر كما هو قياس النظائر وفيه ندب استلام الحجر والركن اليماني لكن الحجر يستلمه بيمينه ثم يقبلها ثم يقبله والركن اليماني يستلمه ثم يقبل يده ولا يقبله ويفعل هكذا في ابتداء كل طوفة والأولى آكد (حم عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الحديث: 2448 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 2449 - (إن مصر) بمنع الصرف للعلمية والعجمة (ستفتح) أي سيغلب عليها المسلمون ويملكونها قهرا يقال فتح السلطان البلاد غلب عليها وتملكها قهرا (فانتجعوا خيرها) أي اذهبوا إليها لطلب الربح والفائدة فإنها كثيرة الربح والمكاسب لاسيما الجانب الغربي منها كما هو مصرح به في خبر يأتي وإذا حصلتم على الربح فارتحلوا عنها (ولا تتخذوها دارا) [ص: 522] أي محل إقامة (فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا) فإن قلت: الآجال مقدرة والأعمال محصية مقدرة فما فائدة الأمر بمنع الإقامة؟ قلت: جائز أن يقال إنه يكون مكتوبا في اللوح أو الصحف أنه إن لم يقم بها عاش طويلا وإن قطنها أفسد هواؤها مزاجه فهلك <فائدة> اشتهر على الألسنة في قوله سبحانه {سأريكم دار الفاسقين} أنها مصر قال ابن الصلاح وهو غلط نشأ عن تصحيف وإنما قال بعض المفسرين {دار الفاسقين} مصيرهم فصحفت بمصر (تتمة) أخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعا أن إبليس دخل العراق فقضى حاجته منها ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرح وبسط عبقريه. قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا انتهى. وزعم ابن الجوزي وضعه ورده المؤلف (غريبة) قال العارف البسطامي: مصر شأنها عجيب وسرها غريب خلقها أكثر من رزقها ومعيشتها أغزر من خلقها من لم يخرج منها لم يشبع. قال بعض الحكماء: نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود. وقال تعالى {أصلها ثابت وفرعها في السماء} (تخ) يعني تاريخه الصغير كما في الإصابة وظاهر كلام المؤلف أن البخاري خرجه وأقره وليس كذلك بل قال عقبه لا يصح (والبارودي) في الصحابة (طب وابن السني وأبو نعيم في الطب) النبوي وابن السكن في الصحابة وابن شاهين وابن يونس كلهم من حديث موسى بن علي بن رباح عن أبيه (عن) جده (رباح) بفتح الراء والموحدة ابن قصير بفتح أوله اللخمي قال ابن يونس عقبة منكر جدا وقد أعاذ الله موسى أن يحدث بمثله فهو كان أتقى لله من ذلك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال البخاري لا يصح وقال ابن السكن في إسناده نظر ولما عزاه الهيثمي للطبراني قال فيه مظهر بن الهيثم وهو متروك وأقر السخاوي ابن الجوزي على دعواه وضعه. وقال المؤلف في حسن المحاضرة في إسناده مظهر بن الهيثم قال فيه ابن يونس متروك والحديث منكر جدا وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات. إلى هنا كلامه الحديث: 2449 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 2450 - (إن مطعم) بفتح فسكون ففتح (ابن آدم) كنى به عن الطعام والشراب الذي يستحيل بولا وغائطا (ضرب مثلا الدنيا) أي لدناءتها وقذارتها (وإن قزحه) بقاف وزاي مشددة أي وضع فيه القزح وهو النابل يعني وإن نوبله وكثر أبزاره وبالغ في تحسينه. قال الزمخشري: قزح قدرك توبلها وطعام مليح مزيح. وفي المصباح القزح كحمل الأبزار وقد يراد بقزحه هنا جعله ألوانا مليحة ففي المصباح أيضا القزح الطريق وهو خطوط من صفرة وخضرة وحمرة وما ذكر من أن قزحه مشددا هو ما ضبطه المصنف بخطه لكن إن كانت الرواية هكذا فمسلم وإلا فالمسموع جواز الأمرين ففي المصباح وغيره قزح قدره بالتخفيف والتثقيل جعل فيه القزح (وملحه) بفتح الحاء وشد اللام كذا رأيته بخط المصنف لكن قال المنذري هو بتخفيف اللام أي ألقى فيه الملح بقدر الإصلاح (فانظر إلى ما يصير) يعني ما يخرج منه: كان قبل ذلك ألوانا من الأطعمة طيبة ناعمة وشرابا سائغا فصارت عاقبته إلى ما ترى فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها يتنافس في رتبتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى. <تنبيه> ما في قوله إلى ما يصير موصولة وعائدها محذوف لأنه جر بمثل الحرف الذي جر الموصول به والتقدير إلى ما يصير إليه ونظر يتعدى (حم طب عن أبي) بن كعب قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير غني وهو ثقة وقال المنذري إسناده جيد قوي الحديث: 2450 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 2451 - (إن معافاة) مصدر من قوله عافاك الله معافاة (الله العبد في الدنيا أن يستر عليه سيئاته) فلا يظهرها لأحد ولا [ص: 523] يفضحه بها ومن ستر عليه في الدنيا ستر عليه في الآخرة كما سيجىء في خبر. قال ابن الأثير: العفو محو الذنوب والعافية السلامة من الأسقام والبلاء وهي الصحة والمعافاة أن يعافيك من الناس ويعافيهم منك (الحسن بن سفيان في) كتاب (الوحدان) بضم الواو وسكون الحاء المهملة (وأبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة من طريق محمد بن عثمان القرشي عن حبيب بن سليم (عن بلال بن يحيى) قال أبو نعيم (العبسي) الكوفي صاحب حذيفة (مرسلا) أرسله عن حذيفة وغيره قال ابن حجر قلت هو كما ظن فإن حبيب بن سالم معروف بالرواية عنه وهو تابعي معروف حتى قيل إن روايته عن حذيفة مرسلة الحديث: 2451 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 2452 - (إن مع كل جرس) بالتحريك أي جلجل يعلق في عنق الدابة أو غيرها من كل حيوان (شيطانا) قيل لدلالته على أصحابه بصوته وظاهره العموم فيشمل الجرس الصغير والكبير في نحو أذن أو رجل أو عنق من نحاس أو حديد أو نقد أو غيرها (د عن عمر) بن الخطاب قال عامر بن عبد الله بن الزبير قال ذهبت مولاة لآل الزبير بابنة لهم إلى عمر وفي رجلها أجراس فقطعها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره قال المنذري ومولاتهم مجهولة وعامر لم يدرك عمر الحديث: 2452 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 2453 - (إن مغير الخلق) بضم الخاء (كمغير الخلق) بفتحها (إنك لا تستطيع أن تغير خلقه حتى تغير خلقه) وتغيير خلقه محال فتغيير خلقه كذلك وتأبى الطباع على النافل وهذا يوضح خبر أحمد إذا حدثت أن جبلا زال عن مكانه فصدق وإذا حدثت أن رجلا زال عن خلقه فلا تصدق وذلك لأن من تمحضت فيه مادة الخبث فقد طبع على الخلق المذموم الذي لا مطمع في تبدله ومن تمحضت فيه مادة الطيب فقد طبع على الخلق الحسن المحمود الذي لا مطمع في تبدله قال الشريف السمهودي: وقد جربت مصداقه الآن فكم أظهر الواحد منهم التوبة عن أخلاق ذميمة بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها ثم نكص على عقبيه راجعا لما كان عليه لاقتضاء خبثهم المستحكم وعظيم بغضهم لأهل الخير سيما ذوي البيوت وأنشد بعضهم: وما هذه الأخلاق إلا طبائع. . . فمنهن محمود ومنهن مذمم ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه. . . لئيم ولن يستطيعه متكرم (عد فر) وكذا الطبراني والعسكري كلهم (عن أبي هريرة) وفيه بقية عن إسماعيل بن عياش وقد سبق بيان حالهما الحديث: 2453 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 2454 - (إن مفاتيح الرزق متوجهة نحو العرش) أي جهته (فينزل الله على الناس أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له) أي من وسع على عياله ونحوهم ممن عليه مؤونتهم وجوبا أو ندبا أدر الله عليه من الأرزاق بقدر ذلك أو أزيد ومن قتر عليهم قتر عليه وشاهده الخبر المار إن الله ينزل المعونة على قدر المؤونة وفي خبر آخر إن لله تعالى ملكا ينادي كل صباح اللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تلفا (قط في الأفراد عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حاتم المرادي قال الذهبي ضعيف والواقدي ومحمد بن إسحاق الحديث: 2454 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 [ص: 524] 2455 - (إن ملكا موكلا بالقرآن فمن قرأ منه شيئا لم يقومه) أي لم يجره على سنن الجادة من رعاية اللغة والإعراب ووجوه القراءات الجائزة وغير ذلك مما يجب في أدائه (قومه الملك) أي عدله والقوام بالفتح العدل والاعتدال قال تعالى {وكان بين ذلك قواما} أي عدلا وهو حسن القوام أي الاعتدال وقومته تقويما فتقوم بمعنى عدلته فتعدل كما في المصباح كغيره (ورفعه) إلى الملأ الأعلى قويما فظاهره أن الملك واحد لجميع القراء من الخلق ويحتمل على بعد: أن لكل قارىء ملكا (أبو سعيد السماني) بشد الميم بخط المصنف وفي التحرير للحافظ ابن حجر السماني بكسر السين المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون معروف منسوب إلى سعد السمان الحافظ الرازي (في مشيخته والرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أنس) في صنيع المصنف إشعار بأنه لم يره لأشهر من هذين في فن الحديث وهو عجب فقد رواه البخاري في الضعفاء عن أنس المذكور باللفظ المزبور وفيه معلا بن هلال قال في الميزان رواه السفيانان بالكذب الحديث: 2455 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 2456 - (إن من البيان لسحرا) أي إن منه لنوعا يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا وهذا معنى قول ابن قتيبة: إن منه ما يقرب البعيد ويبعد القريب ويزين الباطل القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر وما ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم وهذا قاله حين قدم وفد تميم وفيه الزبرقان وعمرو بن الأهيم فخطبا ببلاغة وفصاحة ثم فخر الزبرقان فقال يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب لديهم أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أذنيه فقال الزبرقان: والله لقد علم مني أكثر ما قال ما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو: أنا أحسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال ضيق العطن أحمق الولد والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت لكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ولقد صدقت في الأولى والأخرى جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن إلخ قال الميداني: هذا المثال في استحسان النطق وإيراد الحجة البالغة قال التوربشتي: وحقه أن يقال إن بعض البيان كالسحر لكنه جعل الخبر مبتدأ مبالغة في جعل الأصل فرعا والفرع أصلا (مالك حم خ) في النكاح والطب (د) في الأدب (ت) في البر كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ووهم في المشارق حيث عزاه إلى علي كرم الله وجهه فإن البخاري لم يخرجه عنه الحديث: 2456 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 2457 - (إن من البيان سحرا) أي إن بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح المشكل ويكشف بحسن بيانه عن حقيقته فيستميل القلوب كما يستمال بالسحر فلما كان في البيان من صنوف التركيب وغرائب التأليف ما يجذب السامع إلى حد يكاد يشغله عن غيره شبه بالسحر الحقيقي قال صعصعة: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق (وإن من الشعر حكما) جمع حكمة أي قولا صادقا مطابقا للحق موافقا للواقع وذلك ما كان منه من قبيل المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن جنس البيان وإن كان محمودا ففيه ما يذم للمعنى السابق وجنس الشعر وإن كان مذموما ففيه ما يحمد لاشتماله على الحكمة وعبر بمن إشارة إلى أن بعضه ليس كذلك وفيه رد على من كره مطلق الشعر وأصل الحكمة المنع وبها سمي اللجام لأنه يمنع الدابة (حم د عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه والجملة الثانية في البخاري بلفظ إن من الشعر لحكمة من حديث أبي الحديث: 2457 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 [ص: 525] 2458 - (إن من البيان سحرا) قال القاضي: البيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة باعتبار المعنى والسحر في الأصل الصرف قال {فأنى تسحرون} وسمي السحر سحرا لأنه مصروف عن جهته والمراد به هنا من البيان ما يصرف قلوب السامعين إلى قول الباطل ويروج عليهم ويخيل لهم ما ليس بحق حقا ويشغلهم بتمويه اللفظ عن تدبر المعنى فيكون صفة ذم ويؤيده ما ورد صريحا في مذمته ويكون المقصود من الكلام منع الحاضرين عن استعجابه والاغترار به وحثهم على أن يكون مجامع نظرهم في الاستحسان والاستقباح إلى جانب المعنى فإن حسن البيان وإن كان محمودا في الجملة ففيه ما هو مذموم لكونه معربا عن باطل وجنس الشعر وإن كان مذموما في الجملة لكنه قد يكون فيه ما هو محمود لاشتماله على حكم ومنه ما يستعذب ويقضى له بالتعجب ويقصر عنه منه العامة كالسحر الذي لا يقدر عليه كل أحد فيكون صفة مدح ويسمى السحر الحلال (وإن من العلم جهلا) لكونه علما مذموما والجهل به خير منه أو المراد من العلوم ما لا يحتاج إليه فيشتغل به عن تعلم ما يحتاجه في دينه فيصير علمه مما لا يعنيه (وإن من الشعر حكما) أكد هنا وفيما مر بأن في بعض الروايات باللام أيضا ردا على من أطلق كراهة الشعر فأشار إلى أن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح وكل كلام ذو وجهين يختلف بحسب المقاصد وأما خبر الشعر مزامير الشيطان وخبر إنه جعل له كالقرآن فواهيان وبعد الإغضاء عن ذلك محمول على ما كان من غير ذلك القبيل أو على المجازفة والإفراط جمعا بين الأدلة (وإن من القول عيالا (1)) قال في النهاية: هو عرض الحديث على من لا يريده وليس من شأنه كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده اه. وقال الراغب: العيال جمع عيل لما فيه من الثقل فكأنه أراد به الملال فالسامع إما عالم فيمل أو جاهل فلا يفهم فيسأم (د) في الأدب من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه (عن) جده (بريدة) بن الحصيب قال عبد الله: بينما هو - يعني بريدة - جالس بالكوفة في مجلس من أصحابه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال: فقال صعصعة بن صوحان وهو أحدث القوم سنأ صدق الله ورسوله ولو لم يقلها كان كذلك قال فتوسمه رجل من الحلقة فقال له بعد ما تفرق القوم من مجلسهم ما حملك على أن قلت صدق نبي الله ولو لم يقلها كان كذلك قال: أما قوله إن من البيان سحرا أن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فليسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه وأما قوله وإن من العلم جهلا فهو تكلف العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيالا فعرضك كلامك من ليس من شأنه ولا يريده قال الحافظ العراقي في إسناده من يجهل   (1) قال الخطابي هكذا رواه أبو داود ورواه غيره عيلا قال الأزهري من قولك علت الضالة أعيل عيلا وعيلا وعيالا إذا لم تدر أي جهة تبغيها قال أبو زيد كأنه لم يهتد إلى من يطلب علمه فعرضه على من لا يريده الحديث: 2458 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 2459 - (إن من التواضع لله الرضى بالدون) أي الأقل (من شرف المجالس) فمن هذب نفسه حتى رضيت منه بأن يجلس حيث انتهى به المجلس كما كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم سمي متواضعا لله حقا فالفضيلة إنما هي بالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية لا برفعه المواضع ولا بالخلع ولا بالمناصب فلو جلس ذو الفضيلة عند النعال لصار موضعه صدرا وعكسه فليحذر من هذا التنافس المذموم شرعا فإنه سم قاتل وفي ضمن هذا الحديث الأخذ بمدحة التواضع والأمر به قال بعض العارفين: احذر أن تريد علوا في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلاها إلا الحق وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه تعالى والذي عليك التواضع والذلة [ص: 526] والانكسار فإنك إنما أنشأك الله من الأرض فلا تعلو عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين محرم مذموم (طب هب عن طلحة) بن عبيد الله قال الهيثمي وفيه أيوب بن سليمان بن عبد الله لم أعرفه ولا والده وبقية رجاله ثقات اه وأقول فيه أيضا سليمان بن أيوب الطلحي قال في اللسان صاحب مناكير وقد وثق وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ثم أورد له أخبارا هذا منها اه نعم رواه الخرائطي في المكارم وأبو نعيم في الرياض عنه أيضا قال الحافظ العراقي وسنده جيد اه وكان ينبغي للمصنف إيثار العزو إليهما الحديث: 2459 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 2460 - (إن) يقال (من الجفاء) أي الإعراض عن الصلاة جفوت الرجل أجفوه أعرضت عنه أو طردته (أن يكثر الرجل) ذكره هنا وصف طردي والمراد المصلي ولو امرأة وخنثى (مسح جبهته) من الحصى والغبار بعد تحرمه و (قبل الفراغ من صلاته) فيكره إكثار ذلك لمنافاته للخشوع وخرج بالإكثار ما وقع على الندور والكلام في خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للأرض فإن منع وجب مسحه ولم تصح صلاته بدونه (هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ مغلطاي: حديث ضعيف لضعيف هارون بن عبد الله بن الهدير التيمي قال البخاري لا يتابع في حديثه وأبو حاتم منكر الخديث وابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به الحديث: 2460 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 2461 - (إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة) لا الفرض ولا النفل (ولا الصيام) كذلك (والحج ولا العمرة) ولم يذكر الزكاة لأن الذي يهتم بمعيشته لا مال له غالبا قيل وما يكفرها؟ قال (يكفرها الهموم) جمع هم وهو القلق والاغتمام والحزن كما في الصحاح وغيره (في طلب المعيشة) أي السعي في تحصيل ما يعيش به ويقوم بكفايته وممونه قال في المصباح وغيره: المعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به وإنما صلح ذلك دون غيره لتكفيرها لأن الشيء يكفر بضده كما أن المرض يعالج بضده فالمعاصي القلبية تكفر بالهموم القلبية فيدخل الله الهم على القلب ليكفر به ذلك الذنب ومن ثم قيل إن الهم الذي يدخل على القلب والعبد لا يعرفه هو ظلمة الذنوب والهم بها وشعور القلب بوقفة الحساب وهول المطلع لكن قال الغزالي: الهم إنما يكفر حقوق الله أما مظالم العباد فلا يكفيه فيها إلا الخروج عنها (حل وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط والخطيب في تلخيص المشتبه من طريق يحيى بن بكير عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن حجر وإسناده إلى يحيى واه وقال الحافظ الهيثمي فيه محمد بن سلام المصري قال الذهبي حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع قال وهذا مما روي عن يحيى بن بكير الحديث: 2461 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 2462 - (إن من السرف) أي مجاوزة الحد المرضي وفي رواية من الإسراف (أن تأكل كل ما اشتهيت) لأن النفس إذا اعتادت ذلك من صاحبها شرهت ونزقت من رتبة لأخرى فلا يقدر بعد ذلك على كفها فيقع في أعلى مراتب السرف المذموم قال الحجة: وأكلتان في يوم سرف وأكلة في يومين تقتير وأكلة في يوم هو المحمود وبين كونها قبيل الفجر وفيه أن السرف في المأكل والمشرب ومثلهما الملبس مذموم وكل من أسرف في ماله أسرف في دينه والله تعالى ما أعطى عبدا فوق كفايته إلا لينفق منه بقدر ضرورته ويدفع الفاضل منه للمحتاج أو يرصده له لا ليأكل منه إسرافا ويدفع ذلك في الكنيف ومن فعل ذلك فقد خالف طريق الحق الذي درج عليه الأنبياء [ص: 527] والمرسلون والأولياء والصالحون ولولا أنه تعالى جعل الإنسان يحتاج للطعام والشراب لكان الأكل إسرافا وبدارا فإن من يلقي الطعام النفيس في بطنه كمن يلقيه في بطن الخلاء من حيث إتلافه وتنجيسه فافهم وارع حكمة الله حق الرعاية وإلا نفرت وقلما تعود (هـ) من حديث بقية عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن (عن أنس) ورواه عنه أيضا ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والبيهقي قال المنذري وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا وحسنه غيره اه وأقول بقية حاله معروف ويوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال شيخ لبقية لا يعرف ونوح قال في الميزان قال أبو حاتم ليس بشيء وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وابن حبان منكر الحديث جدا وساق من مناكيره هذا الخبر اه وعده ابن الجوزي في الموضوع لكن تعقب بأن له شواهد الحديث: 2462 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 2463 - (إن من السنة) أي الطريقة الإسلامية المحمدية (أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار) يعني إلى المحل الذي أتاه فيه دارا كان أو خلوة أو معبدا أو غير ذلك إيناسا وإكراما له لينصرف طيب النفس وفيه أن المراد بالضيف ما يشتمل الزائر ونحوه وإن لم يقدم له ضيافة <تنبيه> قال في النهاية: إذا أطلقت السنة في الشرع إنما يراد بها ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا أو فعلا أو تقريرا مما لم ينطق به الكتاب وبهذا يقال في أدلة الشرع والسنة أي القرآن والحديث. قال الولي العراقي: وقد يراد بالسنة المستحب سواء دل على استحبابه كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ومنه قولهم فروض الصلاة وسننها وقد يراد به ما واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ليس بواجب فهذه ثلاث اصطلاحات (هـ عن أبي هريرة) قال البيهقي وفي إسناده ضعف اه وذلك لأن فيه علي بن عروة الدمشقي قال في الميزان عن ابن معين ليس بشيء وعن أبي حاتم متروك وعن ابن حبان يضع الحديث وكذبه صالح جزره وغيره ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 2463 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 2464 - (إن من الفطرة) أي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه قال الزمخشري: بناء الفطرة يدل على النوع من الفطرة وفي اللام إشارة إلى أنها معهودة وأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها نطق بها قوله تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} اه (المضمضة والاستنشاق) أي إيصال الماء إلى الفم والأنف في الطهارة (والسواك) بما يزيل القلح ويتأكد في مواضع مبينة في الفروع (وقص الشارب) يعني إزالته بقص أو نحو حلق حتى تبين طرف الشفة بيانا ظاهرا (وتقليم الأظافر) من يد أو رجل ولو زائدة قال الدمياطي: وتلقيت عن بعضهم أنه من قصها مخالفا لم يصبه رمد وأنه جربه قال القشيري: ولا أصل له ولا يجوز اعتقاد ندبه لأنه حكم شرعي لا بد له من دليل لكن يسن تقديم اليد على الرجل ويكره الاقتصار على تقليم يد أو رجل (ونتف الإبط) أي إزالة ما به من شعر ينتفه إن قوي عليه وإلا أزاله بحلق أو غيره كنورة (والاستحداد) أي حلق العانة بالحديد أي الموسى يعني إزالة شعرها بحديد أو غيره على وزان ما مر وخص الحديد لأن الغالب إزالتها بالحلق به (وغسل البراجم) تنظيف المواضع المنقبضة والمنعطفة التي يجتمع فيها الوسخ وأصلها العقد التي بظهر الأصابع (والانتضاح بالماء) أي الاستنجاء به من النضح وهو الماء القليل كذا في شرح أبي داود للنووي وفي شرح مسلم له عن الجمهور وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي الوسواس. وقال المنذري: إزالة الماء بنشر وتنحنح (والاختتان) للذكر بقطع القلفة وللأنثى بقطع ما ينطلق عليه الاسم من فرجها قال الشافعي: هو واجب على الذكر والأنثى دون ما قبله ولا مانع من أن يراد بالفطرة القدر المشترك الجامع للوجوب والندب كما يأتي وقال مالك وأبو حنيفة [ص: 528] سنة وأحمد واجب على الذكر سنة للأنثى (حم ش د هـ عن عمار بن ياسر) قال النووي في شرح أبي داود وضعيف منقطع أو مرسل لأنه من رواية سلمة محمد بن عمار بن ياسر عن جده عمار قال البخاري لم يسمع من جده وقال الولي العراقي في الحديث علل أربع الإنقطاع والإرسال والجهل بحال سلمة إن لم يكن أبا عبيدة وضعف علي بن زيد والاختلاف في إسناده الحديث: 2464 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 2465 - (إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى) أي حسنى أو خيرا وهو من الطيب أي عيش طيب (لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل) شدة حسرة ودمار وهلاك (لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) قال الحكيم: فالخير مرضاة الله والشر سخطه فإذا رضى الله عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحا للخير فإن رؤى ذكر الخير برؤيته وإن حضر حضر الخير معه وإن نطق نطق بخير وعليه من الله سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير بعمل الخير وينطق بخير ويفكر في خير ويضمر خيرا فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه والآخر يتقلب في شر ويعمل شرا وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شرا فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء والثاني داء (هـ) والطيالسي كلاهما من حديث محمد بن أبي حميد عن حفص ابن عبيد الله بن أنس (عن) جده (أنس) بن مالك ومحمد بن أبي حميد هذا. قال في الكاشف: ضعفوه وقال السخاوي: ابن أبي حميد منكر الحديث وله شاهد مرسل ضعيف الحديث: 2465 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 2466 - (إن من الناس مفاتيح) بإثبات الياء جمع مفتاح ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا كالقفل وعلى ما كان معنويا كما هنا (لذكر الله) أي تذكره بنحو تسبيح أو تحميد أو تهليل أو صلاة أو نحوها قيل من هم يا رسول الله قال الذين (إذا رؤوا ذكر الله) ببناء رؤوا للمجهول يعني إذا رآهم الناس ذكروا الله برؤيتهم لما هم عليه من سمات الصلاح وشعار الأولياء وضياء الأصفياء (طب) هب (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عمر بن القاسم ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر هذا الخير صححه ابن حبان من حديث أنس الحديث: 2466 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 2467 - (إن من النساء عيا) (1) أي جهلا ونقصا وقبحا وعجزا واتعابا يقال عيي بالأمر وعن حجته يعيا عياء عجز عنه وقد يدغم الماضي فيقال عى وعي بالأمر لم يهتد لوجهه وأعياني كذا بالألف أتعبني فأعييت يستعمل لازما ومتعديا ذكره في المصباح كغيره (وعورة) بعين مهملة أي نقصا وقبحا (فكفوا) أيها الرجال (عيهن بالسكوت) أي بالضرب صفحا عن كلامهن وعدم جوابهن عن كل ما سألنه (وواروا عوراتهن بالبيوت) أي استروا عورتهن بإمساكهن في بيوتهن ومنعهن من الخروج (عق) عن الحسين بن إسحاق التستري عن زكريا بن يحيى الحراز عن إسماعيل ابن عباد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (عن أنس) بن مالك ثم قال العقيلي هذا حديث غير محفوظ وقال ابن الجوزي موضوع وإسماعيل وزكريا متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا   (1) قال في النهاية العي الجهل والعورة وكل ما يستحى منه إذا ظهر ومنه الحديث المرأة عورة جعلها نفسها عورة إذا ظهرت يستحى منها كما يستحى من العورة إذا ظهرت الحديث: 2467 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 [ص: 529] 2468 - (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا) أي أكثركم حسن خلق وهو اختيار الفضائل وترك الرذائل وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال والتلطف في الأحوال والأفعال وحسن المعاملة مع الرحمن والعشرة مع الإخوان وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الكمالات ومفهوم الحديث أن من أبغضهم إليه أسوأهم أخلاقا وبنحوه صرح في رواية الترمذي بزيادة ولفظه عن جابر إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون (خ عن ابن عمر) بن العاص الحديث: 2468 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 2469 - (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه (إكرام ذي) أي صاحب (الشيبة المسلم) أي تعظيم الشيخ الكبير صاحب الشيبة البيضاء الذي عمره في الإيمان وتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه (وحامل القرآن) أي قارئه (غير الغالي فيه) أي غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه (والجافي عنه) أي التارك له البعيد عن تلاوته والعمل بما فيه (وإكرام ذي السلطان) أي سلطان لأنه ذي قهر وغلبة من السلاطة وهي التمكن من القهر قال الله تعالى {ولو شاء الله لسلطهم عليكم} ومنه سمي السلطان وقيل ذي حجة لأنه يقام به الحجج (المقسط) بضم الميم العادل في حكمه بين رعيته قال ابن الأثير: وقيد بقوله غير الغالي إلخ لأن من أخلاقه التي أمر بها القصد في الأمور والغلو التشديد في الدين ومجاوزة الحد والتجافي البعد عنه (د عن أبي موسى) الأشعري سكت عليه أبو داود وقال في الرياض حديث حسن وقال الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر سنده حسن وقال ابن القطان ما مثله يصح وأورده ابن الجوزي في الموضوع بهذا اللفظ من حديث أنس ونقل عن ابن حبان أنه لا أصل له ولم يصب بل له الأصل الأصيل من حديث أبي موسى واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر انتهى الحديث: 2469 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 2470 - (إن من إجلالي) أي تعظيمي وأداء حقي وفي رواية من إجلال الله (توقير الشيخ من أمتي) أي من جملة إجلال الله وتوقيره أن يكرم موضع وقاره وهو شيبة المسلم ولهذا السر قال الخليل وقد رأى الشيب وكان أول من شاب ما هذا يا رب قال وقار يا إبراهيم قال يا رب زدني وقارا (خط في الجامع عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حبيب عن بقية قال في الميزان عن يحيى ليس بشيء وعن ابن حبان لعله وضع أكثر من خمس مئة حديث ثم أورد له هذا الخبر ثم قال قال ابن حبان لا أصل له ثم أعاده في ترجمة يعقوب بن إسحاق الواسطي وقال إنه هو المتهم بوضع هذا وحكاه عنه المؤلف في مختصر الموضوعات وأقره الحديث: 2470 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 2471 - (إن من أخلاق المؤمن) أي الكامل (قوة في دين) أي طاقة عليه وقياما بحقه. جلد عمر ابنه الحد فقال: يا أبت قتلتني قال: إذا لقيت ربك فأخبره أنا نقيم الحدود (وحزما في لين) أي سهولة فإذا جاءت المعرفة بأنوارها انجلت الكثافة وزالت الفظاظة وذلك لأن الحزم هو اجتماع الأمور وإنما تجتمع وتستحكم باللين فإن الغصن الصلب إذا مددته انكسر باثن واللين إذا مددته انقاد وبلغت به المراد (وإيمانا في يقين) لأن العبد وإن كان موحدا لكن قد يدخله النقص [ص: 530] في نوره المشرق في صدره فيحجب عن الله ويقف مع الأسباب فيحتاج إلى يقين يزيل حجابه ويطلق عنانه (وحرصا في علم) أي اجتهادا فيه ودواما عليه لأن العلم بحر لا ساحل له ولا منتهى فمن دخله احتاج إلى حرص يعينه عليه ويذهب بملاله ويبعثه في كل وقت إليه (وشفقة) أي خوفا ومحبة وعطفا (في مقة) بالقاف بضبط المصنف لكن رواية الحكيم معه بالعين مشتقة من المعة أمعاء البطن فالشفقة تحنن الرأفة والإكباب على من يشفق عليه وإنما يصير منكبا بشدة الرأفة فإذا كانت الشفقة بغير معة انتشرت فأفسدت وإذا كانت في معة كانت في حصن فلم تنتشر ولم تفسد لأن هنا حدا يحويها (وحلما في علم) لأن الحلم سعة الأخلاق فإذا توسع المرء في أخلاقه ولم يكن له علم فقد الهدى وإن كان ثم علم لا حلم ساء خلقه وتكبر بعلمه لأن للعلم حلاوة ولكل حلاوة شرة (وقصدا في غنى) فلا يتوسع في الإنفاق فيقع في الإسراف بل يكون وسطا فإنما هو رزق الله (وتجملا في فاقة) أي فقر بأن لا يلقي بيديه إلى التهلكة ويصبر على القلة ويرضى بالذلة ولكته يأخذ شعره ويقلم ظفره ويغسل ثوبه ويتنظف ويتطيب على قدر حاله فإن الله جميل يحب الجمال (وتحرجا) أي كفا (عن طمع) لأن الطمع فيما في أيدي الخلق انقطاع عن الله ومن انقطع عنه خذل وخسر (وكسبا من) وفي رواية في (حلال) أي سعيا في طلب الحلال فإن كل نفس فرغ ربها من رزقها فما فائدة الطلب من غير حل (وبرأ) أي إحسانا (في استقامة) بأن لا يمازجه هوى أو جور بل يكون مع صلابة في العدل حتى بين العيال والأطفال (ونشاطا في هدى) أي لا في ضلالة فإذا انبسطت نفسه ألجمها بلجام الشرع حتى لا تتعدى للفساد حال الانبساط (ونهيا عن شهوة) فإن النفس ذات شهوات فإذا أطعتها في واحدة طمعت في أخرى وهكذا حتى تشرد على صاحبها شراد البعير (ورحمة للمجهود) في عبادة أو معاش أو بلاء لأنه إذا تأمل ذلك الجهد رق قلبه من تعب ذلك البدن وفرغت نفسه له (وإن المؤمن من عباد الله) كذا وقفت عليه في خط المصنف وهو تحريف فإن لفظ رواية الحكيم الذي نسب المصنف الحديث إلى تخريجه ما نصه وإن المؤمن عياذا لله بمثناة تحتية بعد المهملة وذال معجمة أي هو الذي يعيذ المؤمنين من السوء فالمؤمن البالغ في إيمانه يعيذ العباد بفضل أمانه من جوره وظلمه ويصيرون منه في معاذ ثم وصفه فقال (لا يحيف على من يبغض) أي لا يحمله بغضه إياه على الجور عليه ولا يأثم فيمن يحب أي لا يحمله حبه إياه على أن يأثم في جنبه فإنه إذا كان كذلك كان بغضه وحبه لله وفي الله وبالله وإذا لم يكن كذلك كان بضده (ولا يضيع ما استودع) بالبناء للمجهول أي ما جعل أمينا على حفظه لشفقته على ما أودعه وائتمن عليه كشفقته على نفسه وماله لعظم قدر الأمانة عنده (ولا يحسد) لأن من أخلاق المعرفة إذا رأى لمؤمن حالا حسنة أذاعها أو دنيئة سترها فكيف يحسده (ولا يطعن) لأن الطعن يكون من الحسد أو من الغيرة والغيرة المذمومة من الشيطان فإذا طعن في الأعراض فقد هتك الستر وإنما يطعن في ستر الله. (ولا يلعن) فإن اللعنة إذ صارت إلى من وجهت عليه فلم تجد مساغا رجعت على صاحبها (ويعترف بالحق) الذي عليه (وإن لم يشهد عليه) بالبناء للمفعول أي لم يقم عليه به شهود فإن المؤمن أسير الحق يعلم أن الشاهد عليه علام الغيوب فاجتمع على قلبه أمران إثبات العلم الشهادة فأخذته هيبة العلم وحياء الشهادة (ولا يتنابز) أي يتداعى (بالألقاب) لأنه من شأن البطالين إذ هم الذين يجترثون على تغيير أسماء تسمى بها أهلها تحقيرا لهم (في الصلاة متخشعا) فإن الخشوع من فعل القلب فإذا علم أين قام خضع ولمن قام خشع وذلت نفسه وخشعت جوارحه (إلى الزكاة مسرعا) أي إلى أدائها لمستحقها لعلمه بأن المال ميال [ص: 531] بالقلوب عن الله فإذا مال القلب لشيء نزعت منه البركة (في الزلازل وقورا) لأن الوقار يشغل قلب العبد فإذا نالته الزلزلة من بلاء أو شدة فلم يكن وقار استفزته الشدة فإذا توقر ثبت عند الشدائد (في الرخاء شكورا) لأن النفس وقت الرخاء ساكنة والقلب مشرق بالنور منكشف الغطاء فإن تناول النعمة على نور من ربه فهو على بصيرة منه فكان في هذه الحالة شكورا وكان في البلاء صبورا (قانعا بالذي له) أي بما رزقه الله (لا يدعى ما ليس له) أي لا يطالب أحد بشيء ليس له عليه فالقناعة تطيب النفس في الحياة الطيبة وهي من الله ثواب عاجل للعبد بما أطاعه (ولا يجمع في الغيظ) فإن الغيظ حرارة الحرص فإذا جمعه كذلك لم يدعه الحرص أن يتورع في كسبه حتى يتقمص في مكاسب السوء فيجره للتقحم في جرائم الحرام لكن يجمعه في تؤدة وسكينة وهيبة ومراقبة وما ذكر من أن اللفظ في القيظ هو ما في رواية الحكيم لكن رأيت المصنف في نسخته كتب بخطه الغيظ (ولا يغلبه الشح) أشد البخل (عن معروف يريده) أي يريد فعله فالشح أصله الحرص {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والشح يدعو إلى أخذ مال الغير والتوغل في الحرام (يخالط الناس كي يعلم) فضل الله عليه وما يبقى وما يذر من البشر لا استرواحا بهم ولا أنسا لقربهم واطمئنانا لهم بل مخالطة اختبار واعتبار (ويناطق الناس) كذا بخط المصنف لكن بلفظ رواية الحكيم يناطقهم (كي يفهم) أحوالهم وأمورهم لأن الأسرار إنما تظهر بالمناطقة ولهذا قيل المرء بأصغريه (وإن ظلم وبغى عليه) ببناء ظلم وبغي للمجهول أي ظلمه أحد من الناس أو بغى عليه (صبر حتى يكون الرحمن) تقدس (هو الذي) يرحمه و (يقتص له) كذا هو بخط المصنف وضبطه بضم أوله لكن بلفظ رواية مخرجه الحكيم ينتصر له ممن ظلمه فالصبر هو مركز المؤمن بين يدي ربه والمؤمن الكامل عالم بأن الله تعالى عدل ينصف المظلوم من ظالمه وجد الله أقوى منه في الانتصار وإن كان مأذونا فيه شرعا لكن الترك أسلم والسلام قالوا وهذه الأخلاق من وجوه أخلاق المعرفة فمن رقى في درجات العرفان أتى بكل خلق من أخلاقها ليصير كامل الإيمان (الحكيم) الترمذي (عن جندب) بضم الجيم والدال تفتح وتضم (بن عبد الله) البجلي ثم العلقمي بفتحتين ثم قاف وقد ينسب إلى جده الحديث: 2471 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 2472 - (إن من أربى الربا) أي أكثره وبالا وأشده تحريما (الاستطالة في عرض المسلم) أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه لأن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم خطرا أو الربا الزيادة والارتفاع والكثرة والاستطالة والتطاول احتقار الناس والترفع عليهم وعبر عنه بلفظ الربا لأن المعتدي يضع عرضه ثم يستزيد عليه ونبه بقوله (بغير حق) على حل استباحة العرض في مواضع مخصوصة كجرح الشاهد وذكر مساوىء الخاطب وقول الدائن في المماطل مطلني حقي ونحو ذلك مما هو مبين في الفروع قال البيضاوي: والاستطالة في عرض المسلم أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قال له أو أكثر مما رخص له فيه ولذلك مثل الربا وعده من عداده ثم فضله على أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشرع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال. قال التوربشتي: وفي قوله بغير حق تنبيه على أن العرض ربما يجوز استباحته في بعض الأحوال كحديث لي الواجد يحل عرضه (حم د) في الأدب (عن سعيد بن يزيد) وسكت عليه أبو داود ورواه الحاكم وصححه وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار بإسنادين قال المنذري أحدهما قوي وقال [ص: 532] الهيثمي رجال أحدهما رجال الصحيح غير محمد بن أبي نعيم وهو ثقة وفيه ضعف الحديث: 2472 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 2473 - (إن من أسرق السراق) أي من أشدهم سرقة (من يسرق لسان الأمير) أي يغلب عليه حتى يصير لسانه كأنه في يده فلا ينطق إلا بما أراده (وإن من أعظم الخطايا من اقتطع) أي أخذ قال في المصباح كغيره: اقتطعت من ماله قطعة أخذتها (مال امرىء مسلم بغير حق) بنحو جحد أو غصب أو سرقة أو يمين فاجرة أو غير ذلك (وإن من الحسنات عيادة المريض) أي زيارته في مرضه ولو أجنبيا (وإن من تمام عيادته أن تضع يدك عليه) أي على شيء من بدنه كيده ويحتمل أن المراد على موضع العلة (وتسأله كيف هو) أي يسأله عن حاله في مرضه وتتوجع له وتدعو له وأفهم هذا أن أصل الثواب يحصل بالحضور عنده والدعاء وإن لم يسأله عن حاله (وإن أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين) ذكر وانثى (في نكاح حتى تجمع بينهما) حيث وجدت الكفاءة وغلب على الظن أن في اتصالهما خيرا (وأن من لبسة الأنبياء) بكسر اللام وضمها أي مما يلبسونه (القميص قبل السراويل) لأنه يستر جميع البدن فهو أهم من السراويل الساتر لأسفله فقط يعني يهتمون بتحصيله ولبسه (وإن مما يستجاب به عند الدعاء العطاس) من الداعي أو من غيره أو مقارنة العطاس للدعاء يستدل به على استجابة ذلك الدعاء وقبوله وقد ورد في الخبر المار أصدق الحديث ما عطس عنده والظاهر المراد أنه عطاس المسلم (طب عن أبي رهم) بضم الراء وسكون الهاء واسمه أحزب بن أسيد (السمعي) نسبة إلى السمع بن مالك بكسر المهملة وفتح الميم وقد تسكن وقيل بفتحها وآخره مهملة ذكره ابن أبي خثيمة وغيره في الصحابة وقال البخاري وابن السمعاني هو تابعي وجزم به في التجريد قال الهيثمي رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر انتهى وأشار به إلى أن فيه هشام بن عمار ومعاوية بن يحيى الطبراني وقد أوردهما الذهبي في الضعفاء وقال الدارقطني لمعاوية مناكير الحديث: 2473 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 2474 - (إن من أشراط الساعة) أي علاماتها جمع شرط بالتحريك وهو العلامة (أن يرفع العلم) ذلك بقبض حملته لا الانتزاع من قلوبهم (ويظهر الجهل) ومن لازمه ظهور الجهل ولا ينافي قوله أن يرفع ما في رواية للبخاري أيضا أن يقل لأن القلة قد يراد بها العدم أو القلة في ابتداء الأشراط والعدم في أثنائها فهو باعتبار الزمانين وهو في محل نصب لأنه اسم إن (ويفشو الزنا) أي يظهر قال القرطبي: هذا من أعلام النبوة لأنه إخبار عن أمور ستقع وقد وقعت اه وإذا كان كذلك في زمن القرطبي فما بالك الآن (ويشرب الخمر) بالبناء للمفعول أي يكثر شربه (ويذهب الرجال وتبقى النساء) لفظ رواية البخاري وتكثر النساء وذلك أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل حرب دون النساء وقيل هو إشارة إلى كثرة الفتوح فيكثر السبي فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات. قال ابن حجر: وفيه نظر لتصريحه بالقلة في حديث فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا بسبب آخر بل يقدر الله آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث وكون كثرة النساء من العلامات يناسب رفع العلم وظهور الجهل [ص: 533] (حتى يكون لخمسين امرأة) وفي رواية لأربعين ولا تعارض لدخول الأربعين في الخمسين أو أن الأربعين عدد من يلذن به والخمسين عدد من يتبعنه وهو أعم من أن يلذن به. قال الكرماني: ويحتمل أن العدد مجاز ظن الكثرة وسره أن الأربعة كمال لثبات الأزواج فاعتبر الكمال مع زيادة واحدة عليه ليصير فوق الكمال مبالغة في الكثرة أو أن الأربعة تؤلف منها العشرة واحد واثنين وثلاثة وأربعة ومن العشرات المئة والألوف فهي أصل جميع الأعداد فزيد فوق الأصل واحد آخر ثم اعتبر كل واحد منها بعثر أمثاله تأكيدا للكثرة ومبالغة فيها كما قرر نظيره في خمسين ألف سنة (قيما واحدا) لفظ رواية البخاري القيم الواحد ولامه للعهد إشعارا بما هو المعهود من كون الرجال قوامين على النساء والقيم ما يقوم بأمرهن فكنى به عن اتيانهن له لطلب النكاح حلالا أو حراما وخص هذه الأمور الخمسة بالذكر لإشعارها باختلاف الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما. قال الكرماني: وإنما كان اختلاف هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا ولا نبي يعد نبينا فتعين ذلك والمراد بشرب الخمر كثرته والتجاهر به لا أصل شربه فإنه في كل زمن وقد حد المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه فيه ما لا يخفى على أن العلامة مجموع الأمور المذكورة وفيه الإخبار بما سيقع فوقع (حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم أحد بعدي سمعه منه؟ فذكره الحديث: 2474 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 2475 - (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر) قال الطبراني عن بعضهم: يقال إن المراد الأصاغر من أهل البدع وأخرج الطبراني عن ابن مسعود لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا أناهم من أصاغرهم هلكوا وقال بعض الحكماء: سودوا كباركم لتعزوا ولا تسودوا صغاركم فتذلوا وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس قيل يا رسول الله متى ينزعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في نبي إسرائيل إذا ظهر الادهان في خياركم والفحش في شراركم والملك في صغاركم والفقه في رذالكم وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند قال ابن حجر صحيح عن عمر: فساد الناس إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير. وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير وذكر أبو عبيدة أن المراد بالصغير في هذا صغير القدر لا السن (طب) وكذا في الأوسط (عن أبي أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت (الجمحي) وقيل اللخمي وقيل الجهني وقيل المخزومي صحابي له حديث. قال الهيثمي فيه ابن لهيعة ضعيف الحديث: 2475 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 2476 - (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد) أي يدرأ كل من أهل المسجد الإمامة عن نفسه ويحيدها على غيره فكل من قدم إليها أبى وتأخر ويقول لست أهلا لها لتركه تعلم ما تصح الإمامة به (ولا يجدون إماما يصلي بهم) لقلة العلم وظهور الجهل فكل منهم يرى نفسه جاهلا بالإمامة وشروطها فلا يتقدم لذلك (حم د) في الصلاة وكذا ابن ماجه كلهم من حديث عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم (عن سلامة بنت الحر) الفزارية أخت خرشه الحر الفزاري صحابية لها حديث واحد. قال الذهبي في المهذب وعقيلة مجهولة الحديث: 2476 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 2477 - (إن من أعظم الأمانة) أي من أعظم خيانة الأمانة (عند الله تعالى يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء (الرجل) [ص: 534] خبر إن وفيه تقدير مضاف أي خيانة الرجل كما تقرر (يفضي إلى امرأته) أي يصل إليها استمتاعا فهو كناية عن الجماع (وتفضي إليه) أي تستمتع به وأصله من الفضاء. قال الراغب: الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده وأفضى إلى امرأته قال تعالى {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} (ثم ينشر سرها) أي يتكلم بما جرى بينه وبينها قولا وفعلا وهذا وعيد شديد كما قال النووي في حرمة إفشاء هذا السر إذا لم يترتب عليه فائدة وإلا كأن تدعي عجزه عن الجماع أو إعراضه عنها ونحو ذلك فلا يحرم بل لا يكره ذكره واعلم أن كراهة إفشاء السر شامل لحليلته لأخرى فإن قلت: هذا يناقضه ما علمه أنس بتوقيف أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى أزواجه بغسل واحد ولا طريق لعلمه إلا إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم كما قاله الإمام البيهقي قلت: لعل النهي عن إفشاء السر من قبيل الغيبة أو إن كان مفصلا أو بحضور الناس. أما ما ليس من قبيل الغيبة وهو إجمالي لمن لا يحتشمه كخادمه فليس منهيا أو يقال إنما قصد بإعلام أنس بيان الجواز (حم م د عن أبي سعيد الخدري) ولم يخرجه البخاري الحديث: 2477 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 2478 - (إن من أعظم الفرى) بوزن الشرى أي أكذب الكذبات الشنيعة إذ الفرية الكذبة العظيمة وجمعه فرى كمرية ومرى مقصور وممدود (أن يرى) بضم التحتية أوله فكسر من الإراءة (الرجل عينيه) بالتثنية منصوب بالياء مفعول (في المنام ما لم تريا) أي يدعي أن عينيه رأتا في النوم شيئا ما رأتاه فيقول رأيت في منامي كذا وهو يكذب لأن ما يراه النائم إنما يراه بإراءة الملك والكذب عليه كذب على الله وذكر العين وإن كانت رؤياه بنفسه لا بجارحة لأنه إنما يرى في النوم ما تخيله بالجارحة يقظة ويسمع بجارحة الأذن وغير ذلك من الجوارح لكونها هي الطرق المألوفة في اليقظة في إيصال المحسوس إلى النفس وإلا فالعين لا ترى في النوم بل النفس هي الباصرة السامعة (حم عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو عثمان بن العباس بن الفضل البصري وهو متروك وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وهو ذهول فقد خرجه البخاري في الصحيح باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور بلفظ إن من أفرى إلخ وفي رواية له بإسقاط من الحديث: 2478 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 2479 - (إن من أفرى الفرى) بكسر الفاء مقصورة وممدودة أي من أعظم الكذبات (أن يدعي الرجل) بتشديد الدال ينتسب (إلى غير أبيه) فيقال ابن فلان وهو ليس بابنه (أو يري عينه ما لم تر) بالإفراد في عينه ويرى بالضم أوله وكسر ثانيه من أرى أي ينسب الرؤية إلى عينه تارة يقول: رأيت في منامي كذا ولا يكون رآه لأنه جزء من الوحي فالمخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه (1) قال الطيبي: المراد بإراءته عينه وصفها بما ليس فيها ونسب الكذب إلى الكذبات المبالغة نحو ليل أليل (أو يقول) بفتح التحتية أوله وضم القاف وسكون الواو وروي بفتح المثناة والقاف وشد الواو مفتوحة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل) وجمع الثلاثة في خبر لشدة المناسبة بينها [ص: 535] وأنها من أفحش أنواع الافتراء فالكذب على المصطفى صلى الله عليه وسلم كذب في أصول الدين وهدم لقاعدة من قواعد المسلمين والكذب عليه كذب على الله وما ينطق عن الهوى والرؤيا جزء من أجزاء النبوة والمنام طرف من الوحي فإذا كذب فقد كذب في نوع الوحي ومن ادعى لغير أبيه فقد استهزأ بنص القرآن ويكفي في ذلك لعن امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم (خ عن واثلة) ابن الأسقع وغيره   (1) وإنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد يكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال لأن الكذب على المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين فقوله تعالى {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} الآية وإنما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما كان من النبوة فهو من قبل الله تعالى الحديث: 2479 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 2480 - (إن من (1) أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم) عليه الصلاة والسلام وخلقه فيه يوجب له شرفا ومزية كما قاله القاضي (وفيه قبض) وذلك سبب للشرف أيضا فإنه سبب لوصوله إلى الجناب الأقدس والخلاص عن النكبات (وفيه النفخة) أي النفخ في الصور وذلك شرف أيضا لأنه من أسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم والموت أحد الأسباب الموصلة للنعيم وهو وإن كان فناءا ظاهرا فهو بالحقيقة ولادة ثانية ذكره الراغب (وفيه الصعقة) هي غير النفخة وقد ذكرها تعالى بفاء التعقيب في {ونفخ في الصور فصعق} (فأكثروا علي من الصلاة فيه) أي في يوم الجمعة وكذا ليلتها قال أبو طالب المكي: وأقل ذلك ثلاث مئة مرة كذا نقله عنه في الإتحاف (فإن صلاتكم معروضة علي) قال ابن الملقن: معنى معروضة علي موصولة إلي توصل الهدايا ثم إنهم قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (2) بفتح فسكون ففتح على الأشهر أي بليت وفي رواية أرممت أي صرت رميما قال (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لأنها تتشرف بوقع أقدامهم عليها وتفتخر بضمهم إليها فكيف تأكل منهم ولأنهم تناولوا ما تناولوا منها بحق وعدل وسخرها لهم لإقامة العدل عليها فلم يكن لها عليهم سلطان ومثلهم الشهداء. قال في المطامح: وقد وجد حمزة صحيحا لم يتغير حين حفر معاوية قبره وأصاب الفأس أصبعه فدميت وكذا عبد الله بن حرام وعمرو بن الجموح وطلحة وغيرهم. قال الطيبي: إنما قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد بليت استبعادا فما وجه الجواب بقوله إن الله حرم إلخ فإن المانع من العرض والسماع الموت وهو قائم بعد قلنا: حفظ أجسادهم من أن تبلى أخرق للعادة المستمرة فكما أنه تعالى يحفظها منه كذلك يمكن من العرض عليهم ومن الاستماع منهم (حم د ن هـ حب ك عن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو (بن أبي أوس) واسم أبي أوس حذيفة الثقفي صحابي سكن دمشق وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال هو والد عمرو بن أوس قال في التقريب: وهو غير أوس بن أبي أوس الثقفي على الصحيح قال الحاكم على شرط البخاري انتهى وليس كما قال فقد قال الحافظ المنذري وغيره له علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره وغفل عنها من صححه كالنووي في الرياض والأذكار   (1) أتى بمن لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة ويليه في الفضيلة يوم النحر فيوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع (2) قيل بوزن ضربت وقيل أرمت بتشديد الميم وسكون التاء لتأنيث العظام قال ابن الأثير أصل هذه الكلمة من رم الميت وأرم إذا بلى والرمة العظم البالي الحديث: 2480 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 2481 - (إن من اقتراب الساعة أن يصلي خمسون نفسا) بسكون الفاء أي إنسانا والنفس اسم لجملة الحيوان الذي هو قوامه بالدم الذي هو النفس (لا تقبل لأحد منهم) لقلة العلم وظهور الجهل وغلبته حتى لا يجد الناس من يرشدهم إلى [ص: 536] أحكام دينهم ويصحح لهم عبادتهم والظاهر أن المراد بالخمسين ليس التحديد بل التكثير أي جمع كثير من الناس (أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في كتاب الفتن) له (عن ابن مسعود) عبد الله الحديث: 2481 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 2482 - (إن من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس) أي الكاذبة الفاجرة سميت به لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار وفعول للمبالغة (وما حلف) ما نافية (حالف بالله يمين صبر) هي التي يصبر أي يحبس عليها شرعا ولا يوجد ذا إلا بعد التداعي (فأدخل فيها) أي في تلك اليمين (مثل جناح بعوضة) أي شيئا حقيرا جدا من الكذب (إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة) قال الطيبي: ذكر ثلاثة أشياء وخص الأخير منها بالوعيد إيذانا بأنه مثلها وداخلة في أكبر الكبائر حذرا من احتقارها وظن أنها غير كبيرة ومعنى الانتهاء في قوله إلى يوم القيامة أن أثر تلك النكتة التي هي من الرين تبقى إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك يترتب عليه وبالها والعقاب عليها فكيف إذا كان ذلك كذبا محضا (حم ت حب ك عن) أبي يحيى (عبد الله بن أنيس) بضم الهمزة وفتح النون تصغير أنس بن سعد الجهني حليف الأنصار شهد العقبة ومات بالشام وفيه من طريق الترمذي أبو أمامة الأنصاري عن عبد الله المذكور قال في المنار لا يعرف اسمه وهشام بن سعد وفيه خلاف لكن قال ابن حجر في الفتح سنده حسن وله شاهد من حديث ابن عمرو عند أحمد الحديث: 2482 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 2483 - (إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا) بالضم (وألطفهم بأهله) أي أرفقهم وأبرهم بنسائه وأقاربه وأولاده وعشيرته المنسوبين إليه. قال في الصحاح وغيره: اللطف في العمل الرفق وألطفه بكذا أبره به والملاطفة المبارة والتلطف بالأمر الترفق به (ت ك) كلاهما في الإيمان من حديث أبي قلابة (عن عائشة) قال الترمذي حسن لكن لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة انتهى وقال الحاكم على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال: قلت فيه انقطاع انتهى وظاهر اقتصاره على عزوه للترمذي أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه عنها أيضا النسائي في عشرة النساء الحديث: 2483 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 2484 - (إن من أمتي) أي أمة الإجابة (من يأتي السوق) أي المحل الشارع الذي يباع فيه القمص (فيبتاع القميص بنصف دينار أو ثلث دينار) يعني بشيء قليل جدا يعدل نصف دينارا أو ثلثه لخمسة دراهم أو ثلاثة (فيحمد الله إذا لبسه) على نعمة الله تعالى به وتيسيره له (فلا يبلغ ركبتيه) أي لا يصل إليهما (حتى يغفر له) يعني يغفر الله له ذنوبه بمجرد لبسه لكونه حمد الله تعالى عليه وظاهره يشمل الكبائر وقياس ما سيجيء اختصاصه بالصغائر (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي فيه جعفر بن الزبير متروك كذاب الحديث: 2484 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 2485 - (إن من أمتي قوما) أي جماعة لهم قوة في الدين (يعطون مثل أجور أولهم) أي يثيبهم الله مع تأخر زمنهم مثل [ص: 537] إثابة الأولين من الصدر الأول الذين نصروا الإسلام وأسسوا قواعد الدين قيل من هم يا رسول الله؟ قال هم الذين (ينكرون المنكر) أي ما أنكره الشرع قالوا ويجب الأمر بالواجب والنهي عن الحرام ويندب الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه بشرط العلم بوجه المعروف والمنكر وانتفاء المفسدة وفي اشتراط ظن التأثير خلف ولا يختص بالوالي إلا ما يفضي إلى القتال ولا بالمجتهد إلا ما يفتقر إليه ولا بمن لا يرتكب مثله وهو فرض كفاية فيسقط بقيام البعض (حم) من حديث عبد الرحمن الحضرمي (عن رجل) من الصحابة قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب سمع منه الثوري في الصحة وعبد الرحمن الحضرمي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2485 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 2486 - (إن من تمام إيمان العبد أن يستثنى) في كل حديثه أي يعقب كل حديث يمكن تعليقه بقوله إن شاء الله لتحققه أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} فيندب ذلك ندبا مؤكدا هذا ما جرى عليه محققون في تقرير هذا الحديث وذهب الجوزقاني إلى الأخذ بعموم مفهومه فقال: الاستثناء في الإيمان سنة فمن قال إنه مؤمن فليقل إن شاء الله وذا ليس استثناء شك بل عواقب المؤمنين مغيبة عنهم ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (طس عن أبي هريرة) حكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه معارك بن عباد متروك منكر الحديث قال المصنف وفيه نظر انتهى ولم يوجهه بشيء وفي الميزان معارك قال البخاري وغيره منكر الحديث ضعفه وشيخه واه ثم ساق من مناكيره هذا الخبر ثم قال وهذا حديث باطل قد يحتج به الأزارقة الذين لو قيل لأحدهم أنت مسيلمة الكذاب لقال إن شاء الله انتهى وذكر الحافظ في اللسان مثله وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف الحديث: 2486 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 2487 - (إن من تمام الصلاة) أي مكملاتها يقال تم الشيء يتم تكملت أجزاؤه وتم الشهر كملت أيامه ثلاثين فهو تام ويعدى بالعمزة والتضعيف فيقال أتممته وتممته والاسم التمام بالفتح وقد يكسر يقال ولد الولد لتمام الحمل بالفتح والكسر وألقت المرأة الولد لغير تمام بالوجهين (إقامة الصف) يعني تسويته وتعديله عند إرادة الدخول في الصلاة فهو سنة مؤكدة ينبغي المحافظة عليها <تنبيه> قال العارف ابن عربي: التراص في الصف أن لا يكون بين الإنسان والذي يليه خلل من أول الصف إلى آخره وذلك لأن الشياطين تسد ذلك الخلل بأنفسها وهم في محل القرب منه تعالى فينبغي كونهم متلاصقين بحيث لا يبقى بينهم خلل يؤدي إلى بعد كل من صاحبه وإذا ألزقت المناكب بعضها ببعض انسد الخلل ولم يجد الشيطان الذي هو محل البعد عن الله سبيلا للدخول وإنما يدخل الشياطين الضعفاء لعله يرى من شمول الرحمة التي يعطيها الله للمصلين فدخولهم في تلك الفرج لينالهم منها شيء بحكم المجاورة وهؤلاء ليسوا الشياطين الذين يوسوسون في الصلاة فأولئك محلهم القلوب (حم عن جابر) رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي فيه عبد الله بن محمد ابن عقيل اختلف في الاحتجاج به الحديث: 2487 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 2488 - (إن من تمام الحج أن تحرم) أي تنوي الدخول في النسك من حج أو عمرة أو قران (من دويرة أهلك) يعني من بلدك أو وطنك وهذا قاله لمن قال له ما معنى قوله تعالى {وأتموا الحج} وأخذ بقضية هذا جمع قالوا: الأفضل لمن فوق الميقات أن يحرم من دويرة أهله لأنه أكثر عملا وقد فعله جمع ما بين صحابي وتابعي وعكس آخرون ففضلوا الإحرام من الميقات لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخر احرامه من المدينة إلى الحليفة في حجة الوداع وكذا في عمرة الحديبية رواه البخاري (عد هب عن أبي هريرة) ثم قال البيهقي في الشعب نفرد به جابر [ص: 538] بن نوح وهذا إنما يعرف عن علي موقوفا وقال في السنن هذا فيه نظر. اه. قال الذهبي في المهذب: قلت سنده واه وأقول لم يبين علته وذلك أن فيه جابر بن نوح المذكور قال ابن حبان وغيره لا يحتج به وقال أبو داود ما أنكر حديثه وساق في الميزان هذا الحديث بما أنكر عليه الحديث: 2488 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 2489 - (إن من حق الولد على والده) ومثله الجد أو الأب عند فقده فإن فقد فالأم وإن علت (أن يعلمه الكتابة) أي الخط لأنه عون له على الدنيا والدين وكذا يعلمه القراءة والآداب وكل ما يضطر إلى معرفته من الأمور الضرورية (وأن يحسن اسمه) بأن يسميه بأحب الأسماء إلى الله تعالى أو بنحو ذلك ولا يسميه باسم شيء من أسماء الشياطين ونحوها مما نهى عنه (وأن يزوجه) أو يسريه (إذا بلغ) الحلم فإنه بالتزويج أو التسري يحفظ عليه شطر دينه كما سيجيء في خبر وفيه إشارة إلى أن على الآباء تعليم أبنائهم حسن الأدب الذي شرع الشرع والعقل فضله واتفقت الكلمة على شكر أهله وأجرة تعليمه الكتابة ونحوها من ماله ثم على أبيه وإن علا ثم أمه وإن علت (ابن النجار) في التاريخ (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف لكن له شاهد الحديث: 2489 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 2490 - (إن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة) أي التوبة والرجوع إلى الله تعالى لأنه حينئذ يكثر من الطاعات ويتزود من القربات لا يقال: قد كان أولى الناس بطول العمر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه أسعد الناس قلت: الكلام فيمن يسعد بالأعمال ويستوجب بها مزيد الدرجات وكمال الأحوال وأما سعادة النبوة فمحض الهبة والتخصيص الأول فهم لا يصلون إلى الله بأعمالهم ولا يستحقون الدرجات التي هم فيها باجتهادهم وأحوالهم بل حظوظهم موهبية وحظوظ غيرهم كسيبة (ك) في التوبة (عن جابر) رضي الله تعالى عنه وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه ابن منيع والديلمي الحديث: 2490 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 2491 - (إن من شر الناس عند الله منزلة) بفتح الميم أي رتبة قال في الصحاح: المنزلة المرتبة (يوم القيامة) في رواية من أشر بالألف قال عياض: تقول النحاة لا يجوز أشر وأخير بل خير وشر وقد جاء اللغتان في صحيح الأخبار وهو حجة للجواز (الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه) بالمباشرة والجماع (ثم ينشر سرها) أي يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل ويكره مجرد ذكر الجماع بلا فائدة لأنه خلاف المروءة ولهذا قال الأحنف جنبوا مجالسكم ذكر النساء والطعام فكفى بالرجل ذما أن يكون واصفا لفرجه وبطنه والظاهر أن المرأة كالرجل فيحرم عليها إفشاء سره كأن تقول هو سريع الإنزال أو كبير الآلة أو غير ذلك مما يتعلق بالمجامعة ولم أر من تعرض له والإفضاء لغة المس ببطن الكف قال ابن فارس: أفضى بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته أفضى إلى امرأته باشرها وجامعها <تنبيه> نبه بهذا الحديث على أن من أمراض النفس المذمومة شرعا التزام قول الحق في كل موطن. قال ابن عربي: من أكبر أمراض النفس التزام قول الحق في كل موطن ودواؤه معرفة المواطن التي ينبغي أن يصرفه فيها فإن حكاية الرجل ما يفعله بأهله في فراشه حق وهو من العظائم والغيبة والنميمة حق وقد عدها بعض الأئمة من الكبائر والنصيحة في الملأ حق وفضيحة فالعارف [ص: 539] يتأمل كيف يصرف الأحكام الشرعية ولا يجمد على الظواهر (م عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان إنما يرويه عن مسلم عمر بن حمزة عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد وعمر ضعفه ابن معين وقال أحمد: أحاديثه مناكير فالحديث به حسن لا صحيح انتهى الحديث: 2491 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 2492 - (إن من شر) وفي رواية إن شر (الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبدا) أي إنسانا مكلفا حرا كان أو عبدا (أذهب آخرته بدنيا غيره) أي باع دينه بدنيا غيره ومن ثم سماه الفقهاء أخس الأخساء وقالوا: لو أوصى للأخس صرف له وفي ذكر عبد دون رجل أو امرأة توبيخ شديد حيث ترك رضى مولاه لرضى من هو مثله ولا تدافع بين هذا والخبر المار إن شر الناس من يتقى فحشه لأن من أذهب آخرته بدنيا غيره يكون ذا فحش أشد فمن أقدم عليه على أي شيء شاء فيتركه الناس اتقاء فحشه (طب عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 2492 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 2493 - (إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله تعالى) إذ لولا ضعفه لما فعل ذلك لأن من قوي بيقينه علم أن الله تعالى هو النافع الضار وأنه لا معول إلا على رضاه وليس لأحد غيره من الأمر شيء فلا يهاب أحدا ولا يخشاه حتى يرضيه لخوف لحوق ضرر منه إليه (وأن تحمدوهم) أي تصفهم بالجميل (على رزق الله) أي على ما وصل إليك على يدهم من رزق الله لأن الله هو الرزاق وحده (وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله) أي على ما منعهم ما بأيديهم عنك مع أن المانع إنما هو الله لا هم فإنهم مأمورون مسخرون. (إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص) أي اجتهاد مجتهد متهالك على تحصيله قالوا: والحرص الشح على الشيء أن يضيع أو يتلف (ولا يرده) عنك (كراهة كاره) حصوله لك فما لم يقدر لك لم يأتك على كل حال وما قدر لك خرق الحجاب وطرق عليك الباب (وإن الله بحكمته) أي بإحاطته بالكليات والجزئيات بأسرها وإتقان صنعها ووضعها في مواضعها اللائقة بها (وجلاله) أي عظمته التي لا تتناهى (جعل الروح) بفتح الراء أي الراحة وطيب النفس قال في الصحاح وغيره الروح بالفتح من الاستراحة وكذا الراحة (والفرح) أي السرور والنشاط والانبساط قالوا: والفرح لذة القلب بنيل ما يشتهى (في الرضى واليقين) فمن أوتي يقينا استحضر به قوله تعالى {قل كل من عند الله} فشاهد الخير عيانا فقر وسكن ولم يضطرب فما سمع بأذنه من خبر ربه أبصره بعين قلبه وبصر القلب هو اليقين فمن تيقن أن الكل من الله وبالله ولله نال الثواب ورضي عن الله ورضي الله عنه ولم يلتفت لغيره (وجعل الهم والحزن في الشك) أي التردد وعدم الجزم بأن الكل بإرادته تعالى وتقديره (والسخط) أي عدم الرضى بالفضاء ومن كان بهذه الحالة لم يصبر على ضيق ولم يرضى بمكروه فما ترى إلا ساخطا للقضاء جازعا عند البلاء فيحبط عمله ولا يغني عنه ذلك شيئا (حل هب عن أبي سعيد) الخدري وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله محمد بن مروان السدي أي أحد رجاله ضعيف انتهى وفيه أيضا عطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفوه وموسى بن بلال قال الأزدري ساقط الحديث: 2493 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 [ص: 540] 2494 - (إن من عباد الله من) أي إنسان (لو أقسم على الله لأبره) أي لجعله راضيا بارا صادقا في يمينه لكرامته عليه ضمن على معنى العزم يعني أقسم عازما على الله أن يفعل ما يريده والمقسم به محذوف وللقاضي هنا تكلف ينافر السياق (حم ق د ن هـ عن أنس) إن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فعرض عليها الأرش فأبت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقالت أمها أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق فذكره وليس مراده أن حلفها رد قضائه بل ترغيب المستحق في العفو الحديث: 2494 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 2495 - (إن من فقه الرجل) أي من علامة معرفته بالأحكام الشرعية (تعجيل فطره) إذا كان صائما أن يوقعه عقب تحقق الغروب (وتأخير سحوره) إلى قبيل الفجر بحيث لا يوقع التأخير في شك فهاتان سنتان مؤكدتان دالتان على فقه فاعلهما المحافظ عليهما (ص عن مكحول) الدمشقي (مرسلا) الحديث: 2495 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 2496 - (إن مما أدرك الناس) أي الجاهلية ويجوز رفع الناس على عائد محذوف ونصبه على أن العائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ ذكره الطيبي وغيره لكن الرواية بالرفع فقد قال الحافظ ابن حجر الناس بالرفع في جميع الطرق (من كلام النبوة الأولى) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه جاء في أولاهما ثم تتابعت بقيته عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وقوله الأولى أي التي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فالحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى وما من نبي إلا وقد حث عليه وندب إليه وافهم بإضافة الكلام إلى النبوة أن هذا من نتائج الوحي وأن الحياء مأمور به في جميع الشرائع (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فإنك مجزي به فهو أمر تهديد لتاركه نحو {اعملوا ما شئتم} أو أراد الخبر يعني عدم الحياء يورث الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد ما لا تستحي من الله في فعله فافعله وما لا فلا فهو أمر إباحة والأول أولى. قال الزمخشري: فيه إشعار بأن الذي يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء هو الحياء فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة (حم خ) في ذكر بني إسرائيل لكن بدون لفظ الأولى (د) في الأدب (هـ) في الزهد (عن ابن مسعود حم عن حذيفة) بن اليمان لكن قوله الأولى ليست في رواية البخاري كما تقرر الحديث: 2496 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 2497 - (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره) بين الناس بنحو نقل وإفتاء وتأليف (وولدا صالحا) أي مسلما (تركه) أي خلفه بعده يدعو له (ومصحفا ورثه) بالتشديد أي خلفه لوارثه ويظهر أن مثله كتب الحديث كالصحيحين (أو مسجدا بناه) لله تعالى لا للرياء والسمعة ومثله الرباط والمدرسة ومصلى العيد ونحو ذلك كما يعلم بالأولى من قوله (أو بيتا لابن السبيل بناه) لله تعالى لا للرياء يعني خانا تنزل فيه المارة من المسافرين بنحو جهاد أو حج (أو نهرا أجراه) أي حفره وأجرى فيه الماء لتحيى به الأرض وأهلها (أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته) وهو يؤمل البقاء ويخشى الفقر (تلحقه من بعد موته) أي هذه الأعمال يجري على المؤمن ثوابها من بعد موته [ص: 541] فإذا مات انقطع عمله إلا منها وتحصل من الأخبار أن الذي تجري عليهم أجورهم بعد الموت أحد عشر نظمها المؤلف وبسطها السخاوي وغيره وتمسك بظاهر هذا الخبر وما أشبهه من زعم أن الميت لا ينتفع إلا بما نسب إليه في الحياة وأطالوا في رده حكى القرطبي أن ابن عبد السلام كان يفتي بأنه لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له لقوله سبحانه وتعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فلما مات رآه بعض أصحابه فقال له كنت تقول لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له فكيف الأمر قال: كنت أقول ذلك في الدنيا والآن قد رجعنا عنه لما رأيت من كرم الله وأنه يصل إليه ذلك (هـ) وكذا البيهقي (عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن ورواه أيضا ابن خزيمة لكنه قال أو نهرا أجراه وقال يعني حفره ولم يذكر المصحف الحديث: 2497 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 2498 - (إن من معادن التقوى) أي أصولها (تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم) ولا تقنع بما علمت فإن القناعة فيه زهد والزهد فيه ترك والترك له جهل وللعلوم أوائل تؤدي إلى آخرها ومداخل تفضي إلى حقائقها وللحقائق مراتب فمن أصول التقوى الترقي في تعلمها فإذا أدرك الأوائل والمداخل لا يظن أنه قد حاز من العلم جمهوره وأدرك منه مشهوره وأنه لم يبق منه إلا غامضا طلبه عناء بل يقرأ مما أدرك فلا ينبغي تركه لاستصعابه فإنه مطية المتوكىء وعذر المقصرين والعلم كله صعب على من جهله سهل على من علمه والمعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست قال بعضهم من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم وحق على من طلب المعالي تحمل تعب الطلب والدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وبقدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وقيل مطية الراحة قلة الاستراحة فإن كلت النفس يوما تركها ترك راحة ثم عاودها بعد استراحة فإن إجابتها تسرع وطاعتها ترجع قال عيسى عليه السلام يا صاحب العلم تعلم ما جهلت وعلم الجهال ما علمت قال الحكماء عليك بالإكثار من العلم فإن قليله أشبه بقليل الخير وكثيره أشبه شيء بكثيره (والنقص فيما علمت قلة الزيادة فيه) أي وقلة زيادة العلم نقص له لأن الإنسان معرض للنسيان الحادث عن غفلة التقصير وإهمال التواني فإذا لم يزد فيه نقص بسبب ذلك فعلى الطالب أن يذكر ذلك بإدامة الطلب قال الحكماء: لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيما ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيما ومتى أهمل سياسة نفسه بازديادها من العلوم وأغفل رياضتها بتدرجها في الفهوم فقد عرض ما حصله للضياع (وإنما يزهد الرجل) أي الإنسان وذكر الرجل غالبي (في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم) إذ لو انتفع به لحلا له العكوف عليه وصرف نفائس أوقاته إليه وفي منثور الحكم لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به قال الحكماء: ومن تمام العلم استعماله ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد قال أبو تمام: ولم يحمدوا من عالم غير عامل. . . حلالا ولا من عامل غير عالم رأوا طرقات المجد عوجا فظيعة. . . وأفظع عجز عندهم عجز حازم (خط عن جابر) وفيه ابن معاذ قال في الميزان قال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبية متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات وأورد له هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح والمتهم به أي بوضعه ياسين الزيات ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي وفيه ياسين الزيات وهو منكر الحديث الحديث: 2498 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 2499 - (إن من موجبات المغفرة) أي من أسباب ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها (بذل السلام) أي إفشاؤه بين الناس على كل من لقيته عرفته أم لا سيما الفقراء والمساكين (وحسن الكلام) أي إلانة القول للإخوان واستعطافهم على منهج المداراة لا على طريق المداهنة والبهتان (طب عن هانئ) بفتح الهاء وكسر النون وبمثناة تحت (ابن يزيد) ابن أبي شريح الأنصاري الأوسي المدني شهد بدرا وجميع المشاهد روى له البخاري حديثا واحد قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي فيه أبو عبيدة بن عبد الله الأشجعي روى عنه أحمد ولم يضعفه أحمد وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وهو ذهول فإن الأشجعي هذا من رجال الصحيحين وقال الحافظ العراقي: رواه ابن أبي شيبة والطبراني والخرائطي والبهيقي من حديث هانئ بن يزيد بإسناد جيد انتهى الحديث: 2499 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 2500 - (إن من موجبات المغفرة) للذنوب من علام الغيوب (ادخالك) وفي رواية ادخال (السرور) أي الفرح والبشر (على أخيك المسلم) وفي رواية المؤمن أي بنحو بشارة بإحسان أو اتحاف بهدية أو تفريج كرب عن نحو معسر أو انقاذ محترم من ضرر ونحو ذلك وذلك لأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ومن أحبه الله غفر له (طب) وكذا في الأوسط من حديث عبد الله بن حسن عن أبيه (عن) جده (الحسين) احدى الريحانتين (بن علي) أمير المؤمنين وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه جهم بن عثمان وهو ضعيف وقال ابن حجر: جهم بن عثمان فيه جهالة وبعضهم تكلم فيه وعبد الله هذا من أئمة أهل البيت وعبادهم تابعي روى عن عبد الله بن جعفر وكبار التابعين وعنه مالك والزهري وأثنى عليه الكبار الحديث: 2500 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 2501 - (إن من نعمة الله على عبده أن يشبهه ولده) أي خلقا وخلقا أما الأول فلئلا يستريب أحد في نسبه إذا لم يشبهه فيه وأما الثاني فلأنه إذا تغايرت الطباع وقع التنافر والتشاجر المؤدي إلى العقوق والتقصير في الحقوق وجهد كل منهما في نقل صاحبه عن طباعه وتأبى الطباع على الناقل فأعظم بالتشابه من نعمة الناس عنهما غافلون وما يجحد بها إلا الجاهلون قال الحكماء: الولد الشين يشين السلف ويهدم الشرف والجار السوء يفشي السر ويهتك الستر والسلطان الجائر يخيف البريء ويصطنع الدنيء والبلد السوء يجمع السفل ويورث العلل (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) له (عن إبراهيم) ابن يزيد النخعي بفتح النون والمعجمة ثم مهملة الفقيه إمام أهل الكوفة المجمع على جلالته علما وعملا وكان عجبا في الورع متوقيا للشبه حمل عنه العلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ولما مات قال الشعبي: ما ترك أحد أعلم منه قالوا ولا الحسن قال ولا الحسن ولا ابن سيرين ولا أهل البصرة والحجاز أجمعين مات سنة ست وتسعين عن ست وأربعين (مرسلا) أرسل عن خاله الأسود وعلقمة رأى عائشة رضي الله تعالى عنها الحديث: 2501 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 2502 - (إن من هوان الدنيا) أي احتقارها (على الله أن يحيى) من الحياة سمي به لأن الله أحيا قلبه فلم يذنب ولم يهم وفي خبر ما من آدمي إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى (ابن زكريا) النبي ابن النبي عليهما أفضل الصلاة والسلام قتلته امرأة) بغي من بغايا بني إسرائيل ذبحته بيدها ذبحا أو ذبح لرضاها وأهدى رأسه إليها في طست من ذهب كما في الربيع وفي المستدرك عن ابن الزبير من أنكر البلاء فإني لا أنكره لقد ذكر أن قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام في زانية وفي البيهقي عن ابن عباس قصة قتله أن بنت أخ للملك سألته ذبحه فذبحه حين حرم نكاح بنت الأخ وكانت [ص: 543] تعجب الملك ويريد نكاحها اه. وكما أن ذلك من هوان الدنيا على الله وهو تحفة ليحيى عليه السلام وإذا أراد الله تعالى أن يتحف عبدا سلط عليه من يظلمه ثم يرزقه التسليم والرضى فيكتب في ديوان الراضين حتى يستوجب غدا الرضوان الأكبر والفردوس الأعظم الأفخر قال الزمخشري: وهذا تسلية عظيمة لفاضل يرى الناقص الفاجر يظفر من الدنيا بالحظ الأسنى والعيش الأهنئ كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة الفاخرة (هب عن أبي) بن كعب وقضية كلام المصنف أن البهيقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه هذا إسناد ضعيف الحديث: 2502 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 2503 - (إن من يمن المرأة) أي بركتها (تيسير خطبتها) بالكسر أي سهولة سؤال الخاطب أولياءها نكاحها واجابتهم بسهولة من غير توقف (وتيسير صداقتها) أي عدم التشديد في تكثيره ووجدانه بيد الخاطب من غير كد في تحصيله (وتيسير رحمها) أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل (1) قاله عروة قال وأنا أقول إن من أول شؤمها أن يكثر صداقها (حم ك) في الصداق (هق كلهم عن عائشة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي سنده جيد لكن قال تلميذه الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد فيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات   (1) [كما ورد في حديث: خير نسائكم الولود الودود. دار الحديث] الحديث: 2503 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 2504 - (إن موسى) كليم الله (أجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه) قال الطيبي: كنى بعفة الفرج عن النكاح تأدبا وأنه مما ينبغي أن يمد مالا لاكتساب العفة به وفيه خلاف قال الحنيفة: لا يجوز ترويح المرأة بأن يخدمها مدة ويجوز بأن يخدمها عبده وقالوا كان جائزا في تلك الشريعة وأجاز الشافعي جعل المهر خدمة أو غيرها من الأعمال قيل وفيه جواز الاستئجار للخدمة من غير بيان نوعها وبه قال مالك ويحمل على العرف وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح حتى بغير نوعها وأقول الاستدلال به إنما ينهض عند القائل بأن شرع من قبلنا شرع لنا والأصح عند الشافعية خلافه (حم هـ عن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية ثم موحدة (ابن الندر) بضم النون وشدة الدال المهملة صحابي شهد فتح مصر وسكن دمشق قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى عليه السلام ذكره الحديث: 2504 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 2505 - (إن ملائكة النهار) الذين في الأرض (أرأف) أي أشد رحمة (من ملائكة الليل) أي فادفنوا موتاكم بالنهار ولا تدفنوهم بالليل كما جاء مصرحا به في خبر الديلمي من حديث ابن عباس يرفعه بادروا بموتاكم ملائكة النهار فإنهم أرأف من ملائكة الليل اه قال الديلمي عقبه: يعني يدفن الميت نهارا ولا يحتبس في البيت ليلا (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا كما تقرر الحديث: 2505 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 2506 - (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) لو جمع حطب الدنيا فأوقد حتى صار نارا كان جزءا واحدا من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءا أشد من حر نار الدنيا (ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها) أي هذه النار التي في الدنيا (لتدعوا الله أن لا يعيدها فيها لشدة حرها ومقصوده التحذير من جهنم والإعلام بفظاعتها وبشاعتها فعلى العاقل المحافظة على تجنب ما يقرب إليها من الخطايا (هـ ك) في كتاب الأهوال [ص: 544] (عن أنس) وقال الحاكم صحيح الحديث: 2506 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 2507 - (إن نطفة الرجل بيضاء غليظة فمنها يكون العظام والعصب) للولد الذي يخلق منها لغلظها وغلظ العظم والعصب (وإن نطفة المرآة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم) للولد لرقتها فحصل التناسل وهذا كالمصرح بأنه ليس كل جزء من أجزاء الآدمي مخلوقا من مائهما بل البعض من الرجل والبعض منها لكن في أخبار أخر ما يفيد أن كل جزء مخلوق من منيهما مطلقا (طب عن ابن مسعود) عبد الله الحديث: 2507 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 2508 - (إن هذا الدين متين) أي صلب شديد (فأوغلوا) أي سيروا (فيه برفق) من غير تكلف ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه فتعجزوا وتتركوا العمل والإيغال كما في النهاية السير الشديد والوغول الدخول في الشيء اه والظاهر أن المراد في الحديث السير لا يفيد الشدة إذ لا يلائم السياق وقال الغزالي: أراد بهذا الحديث أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة بل يكون بتلطف وتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم تلك الصفات المذمومة الراسخة فيه ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه وهذا لا يعرف إلا بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فإن الصبي يحمل على التعليم ابتداء قهرا فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى إذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الأمر فصار يشق عليه الصبر عن العلم (حم عن أنس) الحديث: 2508 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 2509 - (إن هذا الدين متين فأوغل (1) فيه برفق (2) فإن المنبت) وهو الذي انقطع به في السفر وعطلت راحليه ولم يقض وطره (لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) أي فلا هو قطع الأرض التي يممها ولا هو أبقى ظهره ينفعه فكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق فيكره التشديد في العبادة لذلك ويقال للمنقطع به في سفره منبت من البت وهو القطع <تنبيه> قال ابن الجوزي: بدأ الشرائع كان علي التخفيف ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم عليهم السلام تثقيل ثم جاء موسى عليه السلام بالتشديد والأثقال وجاء عيسى عليه السلام بنحوه وجاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا تنطق بتسهيل من كان قبلهم فهي على غاية الاعتدال (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب انتهى ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب روي موصولا ومرسلا ومرفوعا وموقوفا واضطرب في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر؟ ورجح البخاري في التاريخ إرساله   (1) قال في النهاية الإيغال السير الشديد يقال أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم والوغول الدخول في الشيء انتهى الحديث: 2509 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 2 - ) أي بالغ في العبادة لكن اجعل تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيها بغير رفق ويتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات فيكون مثله مثل الذي أجهد دابته في سفره حتى أعياها وعطبت ولم يقض وطره الحديث: 2 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 [ص: 545] 2510 - (إن هذا الدينار والدرهم) أي مضروبي الذهب والفضة (أهلكا من كان قبلكم) من الأمم السالفة (وهما) لفظ رواية الطبراني وما أراهما (إلا مهلكاكم) أيتها الأمة لأن كل منهما زينة الحياة الدنيا كما أخبر الله سبحانه به وقضية ما يزين به التفاخر والتكبر والتهافت على جمعه من أي قبيل والتساقط على صرفه في اللذات والشهوات المهلكات قال الحرالي: المتعلق خوفهم ورجاؤهم بالدينار والدرهم مشركو هذه الأمة وما تعلق به خوفهم ورجاؤهم هو ربهم ومعبودهم الذي إليه تصرف جميع أعمالهم واسم كل امرئ مكتوب علي وجه ما اطمئنان به قلبه وقد رأى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام الدنيا في صورة عجوز عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقك قالت بل قتلتهم كلهم فقال تبا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكيهم واحدا بعد واحد ولا يكونوا منك على حذر؟ وقال أبو العلاء: رأيت عجوز في النوم مزينة والناس عليها عكوف يعجبون من حسنها فقلت من أنت قالت الدنيا قلت أعوذ بالله من شرك قالت إن أحببت أن تعاديني فابغض الدرهم والدينار انتهى. لكن مما ينبغي أن يعلم أن الدينار والدرهم يتعلق بهما نظام الوجود فإذا لم يجعل الله لعبده تعلقا قلبيا به بل زهده فيه وجعله كثير النوال ناسجا به نظام الشريعة على أحسن منوال كان جديرا بالعز والإقبال وحسن الثناء عليه من كل ذي مقال كما يشير إليه خبر ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه فالمال من حيث كونه ما لا ليس بقبيح شرعا ولا عقلا وإنما يحسن أو يقبح بالإضاءة إلى مالكه (طب هب عن ابن مسعود عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني فيه يحيى بن الندر وهو ضعيف الحديث: 2510 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 2511 - (إن هذا العلم) الشرعي الصادق بالتفسير والحديث والفقه وأصول الدين وأصول الفقه ويلحق بها آلاتها (دين فانظروا) أي تأملوا (عمن تأخذون دينكم) أي فلا تأخذوا الدين إلا عمن تحققتم كونه من أهله وفي الإنجيل هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى أليس يقعان كلاهما في بئر انتهى فعلى الطالب أن يتحرى الآخذ عمن اشتهرت ديانته وكملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته وكان أحسن تعليما وأجود تفهيما ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق حسن وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الآخذ عن الخاملين فقد عدوا مثل ذلك من الكبر وجعلوه عين الحمق لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها فإن كان الخامل مرجو البركة فالنفع به أعم والتحصيل من جهته أهم وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبا والفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر وفي الموطأ ما يدل على أن على المستفتي سؤال الأعلم فالأعلم لأنه أقرب اصابة ممن دونه قال ابن القيم: وعليه فطر الله عباده وقال الماوردي: ليأخذ الطالب حظه ممن وجد طلبته عنده من نبيه وخامل ولا يطلب الصيت وحسن الذكر باتباع أهل المنازل من العلماء وبعد الذكر إذا كان النفع بغيرهم أعم إلا أن يستوي النفعان فيكون الآخذ عمن اشتهر ذكره وارتفع قدره أولى لأن الانتساب إليه أجمل والآخذ عنه أشهر وإذا قرب منك العلم فلا تطلب ما بعد وإذا سهل لك من وجه فلا تطلب ما صعب وإذا حمدت من خبرته فلا تطلب من لم تخبره فإن العدول عن القريب إلى البعيد عناء وترك الأسهل بالأصعب بلاء والانتقام عن المخبور إلى غيره خطر قال علي: عقبى الأخرق مضرة والمتعسف لا تدوم له مسرة وقال الحكماء: القصد أسهل من التعسف والكفاف أورع من التكلف <تنبيه> أخذ الصوفية من هذا الخبر أن على المريد امتحان من أراد صحبته لا على جهة كشف العورات وتتبع السيئات [ص: 546] لفقد العصمة بل خلق دون خلق وذنب دون ذنب والمؤمن رجاع والمنافق مدمن. جاء رجل إلى العارف يوسف العجمي فقال: أريد أن أدخل دائرتك لكن حتى تحلف لي بالطلاق أنك عارف بالله فقال: الطلاق الثلاث يلزمني أني عارف بالله وزيادة وهي التربية فما كل عارف مربي فأخذ عنه فالعالم يمتحن بالمسائل العلمية والصوفي يمتحن بالخصائل الخلقية. حكى القشيري أن الحيري دعاه رجل إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال: ليس لي حاجة بك وندمت فانصرف وعاد إليه وقال: احضر الساعة فوصل باب داره فقال له: كذلك وهكذا خمس مرات فقال: يا أستاذ إنما اختبرتك واعتذر إليه ومدحه فقال: تمدحني على خلق تجد مثله في الكلب فإنه إذا دعى حضر وإذا زجر انزجر (ك عن أنس) ابن مالك (السجزي) في الإبانة (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل وفيه إبراهيم بن الهيثم أو خليل بن دعلج ضعيف ورواه مسلم عن ابن سيرين من قوله الحديث: 2511 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 2512 - (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي سبع لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة أو غير ذلك على ما سلف تقريره وغلط أبو شامة من زعم أن المراد القراءات السبع وحكى الإجماع على خلافه (فاقرؤوا ما تيسر منه) من الأحرف المنزل بها بالنسبة لما يستحضره القارئ من القراءات فالذي في آية المزمل للكمية في الصلاة وغيرها بأية لغة من السبع أو بأي وجه من الوجوه أو بأي لفظ من الألفاظ أدى المعنى (حم ق 3 عن عمر) بن الخطاب (1)   (1) قال العلقمي وسببه كما في البخاري عن عمر قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن فذكره الحديث: 2512 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 2513 - (إن هذا القرآن مأدبة الله) بضم الدال أشهر يعني مدعاته شبه القرآن بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع وهذا من تنزيل المعقول منزلة المحسوس قال الزمخشري: المأدبة مصدر بمنزلة الأدب وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة (فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم) تمامه عند الحاكم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف انتهى فاقتصار المصنف على بعضه وإن جاز لمثله تقصير (ك) في فضائل القرآن من حديث إبراهيم الهجرمي عن أبي الأحوص (عن) عبد الله (بن مسعود) قال الحاكم تفرد به صالح بن عمر عنه وهو صحيح وتعقبه الذهبي بأن صالحا ثقة خرج له مسلم لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف انتهى الحديث: 2513 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 2514 - (إن هذا المال) في الميل إليه وحرص النفوس عليه (خضر حلو) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي غض شهى يميل الطبع ولا يميل عنه كما لا تمل العين من النظر إلى الخضرة والفم من أكل الحلو وفي تشبيهه بالخضر إشارة إلى سرعة [ص: 547] زواله إذ الأخضر أسرع الألوان تغيرا ولفظ رواية البخاري إن هذا المال خضرة حلوة قال الزركشي: نبه بتأنيث الخبر على تأنيث المبتدأ وتقديره إن صورة هذا المال أو التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة وقال ابن حجر: أنث الخبر لأن المراد الدنيا (فمن أخذه) ممن يدفعه (لحقه) لفظ رواية البخاري بسخاوة نفس أي بطيبها من غير حرص (بورك له فيها) أي بارك الله له في المأخوذ (ومن أخذه بإشراف) بكسر الهمزة وشين معجمة أي بطمع (نفس) أو مكتسبا له بطلب نفسه وحرصها عليه قال الزركشي: فالهاء راجعة إلى لفظ المال وإشراف النفس تطلعها للأخذ والعلو والغلو فيه (لم يبارك له) أي لم يبارك للأخذ (فيه) أي فيما أخذه (وكان) أي للآخذ (كالذي) أي كالحيوان الذي به الجوع الكالب بحيث (يأكل ولا يشبع) ويسمى جوع الكلب كلما ازاداد أكلا ازداد جوعا فكلما نال منه شيئا ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه وإلى من فوقه (واليد العليا) بضم العين مقصورا المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) السائلة أو الآخذة أو العليا يد من تعفف عن السؤال والسفلى يد السائل وعليه فعلوها معنوي ومقصود الحديث أن الأخذ بسخاء نفس يحصل البركة في الرزق فإن الزهد يحصل خير الدارين (حم ق ت ن عن حكيم بن حزام) قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم ذكره فقلت والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك أبدا وظاهر صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل والأمر بخلافه فمسلم إنما رواه بدون قوله وإن اليد إلخ الحديث: 2514 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 2515 - (إن هذا المال) كبقلة أو كفاكهة أو كروضة أو كشجرة متصفة بأنها (خضرة) في النظر (حلوة) في المذاق وكل من الوصفين ممال إليه على انفراده فكيف إذا اجتمعا فالتأنيث واقع على التشبيه أو نظر لما يشتمل عليه المال من أنواع زهرات الدنيا أو المعنى أن فائدة المال أو صورته أو التاء للمبالغة كعلامة وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان ولباس أهل الإيمان في الجنان (فمن أصابه) أي المال (بحق) أي بقدر حاجته من الحلال (بورك فيه) أي بارك الله له فيه (ورب متخوض) أي متسارع ومتصرف (فيما شاءت نفسه) أي فيما أحبته والتذت به (من مال الله ورسوله) قال الطيبي: كان الظاهر أن يقال ومن أصابه بغير حق ليس له إلا النار فعدل إلى ورب متخوض إيماء إلى قلة من يأخذه بحق والأكثر يتخوض فيه بغير حق ولذا قال في الأول خضرة حلوة أي مشتهاة وفي الثاني فيما شاءت نفسه (ليس له) جزاء (يوم القيامة إلا النار) أي دخولها وهو حكم مترتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله ورسوله فيكون مشعرا بالعلية قال الراغب: والخوض الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار في الأمور وأكثر استعماله فيما يذم شرعا {ذرهم في خوضهم يلعبون} وهذا حث على الاستغناء عن الناس وذم السؤال بلا ضرورة فيحرم على القادر كسب ويحل لغيره بشرط ألا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول وإلا حرم (حم ت عن خولة) بنت قيس - بفتح المعجمة - بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية صحابية لها رواية وحديث الحديث: 2515 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 2516 - (إن هذه الأخلاق) جمع خلق بضمتين أو بضم فسكون (من الله) أي في إرادته وبقضائه وتقديره في رواية إن هذه الأخلاق من الله وفي أخرى إن هذه الأخلاق منائح من الله (فمن أراد الله به خيرا) في الدنيا والآخرة (منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) ليدر عليه من ذلك الخلق فعلا حسنا جميلا بهيا (ومن أراد به سوءا منحه) خلقا (سيئا) بأن يقابله بضد ذلك بأن يجبله على ذلك في بطن أمه أو يصير له ملكة على الاقتدار بالتخلق به بحيث يحمل [ص: 548] نفسه على التمرن عليه فيعتاده ويألفه وبه يتميز الخبيث من الطيب في هذه الدار فإذا غلب الخلق السيء على عبد كان مظهرا لخبث أفعاله التي هي عنوان شقاوته وبضده من غلب عليه الحسن. <تنبيه> مر غير مرة الخلاف في أن الخلق هل هو جبلي لا يستطاع غيره أو يمكن اكتسابه وتقدم طريق الجمع والحاصل أن فرقة ذهبت إلى أنه من جنس الخلقة ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه وتعلق بظاهره هذا الخبر وأشباهه كالخبر الآتي فرغ الله من الخلق والخلق قال ومحال أن يقدر المخلوق على تغيير فعل الخالق وقال جمع: يمكن لأنه مأمور به ولو لم يكن لما أمر به وحقق آخرون أنه لا سبيل إلى تغير القوة التي هي السجية لكن جعل للإنسان سبيل إلى اكتسابها وإلا لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهي وإذا كان هذا ممكنا في بعض البهائم كالوحشي ينقل بالعادة إلى الناس فالآدمي أولى لكن الناس في غرائزهم مختلفون فبعضهم جبل جبلة سريعة القبول وبعضهم جبلته بطيئة القبول وبعضهم في الوسط وكل لا ينفك عن أثر القبول وإن قل. قال الراغب: ومن منع التغير رأسا اعتبر القوة نفسها وهو صحيح فإن النوى محال أن ينبت منه تفاحة ومن أجاز تغيره اعتبر إمكان نقل ما في القوة إلى الوجود وإفساده بإهماله وهذا صحيح (طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف ورواه العسكري وغيره عن أبي المنهال وزاد بيان السبب وهو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر برجل له عكزة فلم يذبح له شيئا ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له فقال ذلك الحديث: 2516 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 2517 - (إن هذه النار) المشار إليه النار التي يخشى انتشارها (إنما هي عدو لكم) يا بني آدم فإن قيل ما معنى قصرها على العداوة وكثير من المنافع مربوط بها فالجواب أن هذا بطريق الادعاء مبالغة في التحذير عن ابقائها (فإذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفؤها عنكم) المراد به إسكانها بحيث يؤمن اضرارها والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي متجاوز عنكم (ق) في الاستئذان (هـ) في الأدب كلهم (عن أبي موسى) الأشعري قال احترق بيت في المدينة على أهله في ليلة فحدث به النبي صلى الله عليه وسلم فذكره الحديث: 2517 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 2518 - (إن هذه القلوب أوعية) أي حافظة متدبرة لما يرد عليها (فخيرها أوعاها) أي أحفظها للخير (فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم واثقون بالإجابة) من الله تعالى (فإن الله تعالى لا يستجيب دعاء من دعا عن ظهر قلب غافل) أي لاه تارك للاهتمام وجمع الهمة للدعاء ولفظ الظهر مقحم ويحتمل أنه إشارة إلى أن الكلام فيمن لم ينشئ الدعاء من سويداء قلبه بالكلية فإن الله سبحانه جعل لخلقه حظوظا مخزونة عنده في سر غيبه وهم فيها متفاوتون بحسب القسمة الأزلية فلو أبرزها لمدت الأمم أعينها إلى تلك الحظوظ وظهرت الخصومات واشتدت المعاداة وقالوا نحن عبيدك من طينة واحدة فأسر تلك الحظوظ في غيبه وألقاها إلى الدعاء تخييلا أنهم إنما نالوها به ذكره الحكيم والدعاء بلا واسطة من خصوصيات هذه الأمة إذ قوله {ادعوني أستجب لكم} لا شرط فيه وكانت الأمم تفزع إلى الأنبياء في حوائجهم لتسأل لهم وكان التطهير من الدنس قبل المسألة مشروطا عليهم. أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام قل لبني إسرائيل لا يمد أحدهم يده إلي ولأحدهم قبله مظلمة (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه بشر بن ميمون الواسطي مجمع على ضعفه الحديث: 2518 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 2519 - (إن يوم الجمعة يوم عيد وذكر) لله عز وجل وذلك لأنه سبحانه وتعالى خص أيام تخليق العالم بستة أيام وكسا [ص: 549] كل يوم منها اسما يخصه وخص كل يوم منها بصنف من الخليقة أوجده فيه وجعل يوم إكمال الخلق مجمعا وعيد للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ من أشغال الدنيا لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد (فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيام) أي لا تخصوه بذلك من بين الأيام (ولكن اجعلوه يوم فطر) وذكر لله تعالى (إلا أن تخلطوه بأيام) بأن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده فإنه لا كراهة في صومه حينئذ فإفراد الجمعة بصوم نفل مكروه تنزيها ولو حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث لهذا الخبر وإن كان العرف لا يقتضيه كذا في شرح أحكام عبد الحق واحتج بهذا الحديث بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه جمع من السلف ونقل عن أحمد أن من صلى قبل الزوال أجزأته لأنه لما سماه عيدا جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى ومنع بأنه لا يلزم من تسميته عيدا اشتماله على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاق <تنبيه> قال الراغب: والعيد ما يعاد مرة بعد أخرى وخصه الشرع بيومي الأضحى والفطر ولما كان ذلك اليوم مجعولا في الشرع للسرور واستعمل العيد في كل يوم مسرة أيا ما كان (هب عن أبي هريرة) ورواه الحاكم من حديث أبي بشر من حديث أبي هريرة ثم قال لم أقف على اسم أبي بشر اه قال الذهبي وهو مجهول ورواه البزار بنحوه قال الهيثمي وسنده حسن الحديث: 2519 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 2520 - (إن يوم الثلاثاء يوم الدم) أي يوم غلبته على الدم وهيجانه فيه أو يوم كان الدم فيه يعني قتل ابن آدم أخاه فيه (وفيه ساعة) أي لحظة وإرادة الساعة النجومية بعيد (لا يرقأ) بهمز آخره لا ينقطع الدم فيها لو احتجم أو افتصد فيه وربما هلك به المرء قال ابن جرير قال زهير مات عندنا ثلاثة ممن احتجم وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة فيه كله خوفا من مصادفتها كما في نظائره <تنبيه> روى أبو يعلى من حديث الحسين بن علي مرفوعا في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل يحتجم فيها إلا مات وقوله في الجمعة يحتمل أن المراد به يوم الجمعة فيكون كيوم الثلاثاء في ذلك ويحتمل أن المراد الجمعة كلها وأن الحديث المشروح عين تلك الساعة في يوم الثلاثاء والأول أقرب ولم أر من تعرض له (د) في الطب (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة قال الذهبي في المهذب إسناده لين وقال الصدر المناوي فيه بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال ابن معين ليس بشيء وابن عدي من جملة الضعفاء الذي يكتب حديثهم اه لكن يقويه رواية ابن جرير له في التهذيب من طرق وأما زعم ابن الجوزي وضعه فلم يوافقوه الحديث: 2520 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 2521 - (إنا) أي العرب وزعم أنه أراد نفسه ينافره السياق ويأباه قوله (أمة) جماعة عرب (أمية) أي باقون على ما ولدتنا عليه أمهاتنا من عدم القراءة والكتابة ثم بين ذلك بقوله (لا نكتب) أي لا يكتب فينا إلا الفرد النادر قال الله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} (ولا نحسب) بضم السين أي لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فالعمل بقول المنجمين ليس من هدينا بل إنما ربطت عبادتنا بأمر واضح وهو رؤية الهلال فإنا نراه مرة لتسع وعشرين وأخرى لثلاثين وفي الإناطة بذلك دفع للحرج عن العرب في معاناة ما لا يعرفه منهم إلا القليل ثم استمر الحكم بعدهم وإن كثر من يعرف ذلك. (1) (ق د ن) كلهم في الصوم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وقضية صنيع المصنف أن كلا من الكل لم يرو إلا ما ذكره والأمر بخلافه بل تتمته عند الشيخين الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين   (1) [وتتمة الحديث عند البخاري ومسلم: " الشهر هكذا وهكذا " يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ورغم زيادة عدد من يستطيع حساب مواقيت الشمس والقمر في عصرنا فلا يزال هذا العدد ضئيلا لا توصف الأمة بسببه بالقدرة على ذلك الحساب وتبقى نسبته أقل بمراحل من نسبة الذين كانوا يحسنون القراءة أيام النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر هذا الحديث فليتق الله الذين يحاولون تأويله على ما لا يرضي الله. ومن شك في قلة من يحسن الحساب في أيامنا فليأت بعشرة بل خمسة بل ثلاثة من معارفه الذين يحسنونه باستثناء من يستطيع قراءة جداول البحرية الأميركية أو البريطانية ممن يدعون معرفة ذلك الحساب ويبهرون بعض البسطاء بذلك. وكيف تعد قراءة الجداول قدرة على الحساب؟ ومن حكمة هذا الحديث أيضا أنه لو كان الحكم على الهلال بالحساب لعاد أمر تحديد الشهور إلى أفراد معدودين لا يتمكن غيرهم من مراجعة كلامهم أو النظر فيه وما هذا إلا الكهنوت الذي عصم الله ديننا عنه. وفي الحديث رقم 5064: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين " متفق عليه. دار الحديث] الحديث: 2521 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 [ص: 550] 2522 - (إنا لن) وفي رواية البخاري لا وفي أخرى لمسلم إنا والله (نستعمل على عملنا) أي الإمارة والحكم بين الناس (من أراده) وفي رواية من يطلبه وذلك لأن إرادته إياه والحرص عليه مع العلم بكثرة آفاته وصعوبة التخلص منها آية أنه يطلبه لنفسه ولأغراضه ومن كان هكذا أوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك إذ الولاية تفيد قوة بعد ضعف وقدرة بعد عجز وقال من أريد بأمر أعين عليه ومن أراد أمرا وكل إليه ليرى عجزه وهذه النون كما قال الزمخشري: يقال لها نون الواحد المطاع وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم مطاعا يكلم أهل طاعته على صفته وحاله التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك ألا ترى إلى قول سليمان عليه السلام {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} وقد يتعلق بتحمل الإمام وتقحمه وإظهار سياسته وعزته مصالح فيعود تكلف ذلك واجبا (حم ق د ن) من حديث يريد عن عبد الله (عن) جده (أبي موسى) الأشعري قال: أقبلت ومعي رجلان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك فكلاهما سأل فقال يا أبا موسى أما شعرت أنهما يطلبان العمل فذكره وفي رواية للشيخين أيضا عنه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله وقال الآخر مثل ذلك فقال: إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه الحديث: 2522 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 2523 - (إنا لا نقبل) لا نجيب بالقبول (شيئا) يهدى إلينا (من المشركين) يعني الكافرين فإن فلت قد صح من عدة طرق قبول الهدية الكافر كالمقوقس والأكيدر وذي يزن وغيرهم من الملوك قلت لك في دفع التدافع مسلكان: الأول أن مراده هنا أنه لا يقبل شيئا منهم على جهة كونه هدية بل لكونه مال حربي فيأخذه على وجه الاستباحة الثاني أن يحمل القبول على ما إذا رجى إسلام المهدي وكان القبول يؤلفه أو كان فيه مصلحة للإسلام وخلافه وأما الجواب بأن حديث الرد ناسخ لحديث القبول فهلهل لعدم العلم بالتاريخ (حم ك) من حديث عراك بن مالك (عن حكيم بن حزام) قال عراك كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية والإسلام فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها على المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى وقال إنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن فأخذها به قال الهيثمي رجاله ثقات الحديث: 2523 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 2524 - (إنا لا نستعين) في رواية إنا لن نستعين أي في أسباب الجهاد من نحو قتل واستيلاء ومن عمم فقال أو استخدام فقد أبعد (بمشرك) أي لا نطلب منه العون في شيء من ذلك وفي امتناع استعانة المسلمين بالكفار خلاف في الفروع شهير (1) (حم د هـ عن عائشة) وسببه كما رواه البيهقي عن ابن حميد الساعدي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى جاوز ثنية الوداع إذا كتيبة خشناء قال من هؤلاء؟ قال عبد الله بن أبي في ست مئة من مواليه بني قينقاع قال وقد أسلموا؟ قالوا لا قال فليرجعوا ثم ذكره   (1) قال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعان به استعين وإلا فلا وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه الحديث: 2524 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 2525 - (إنا لا نستعين) في القتال (بالمشركين على المشركين) أي عند عدم الحاجة إليه وهذا قاله لمشرك لحقه ليقاتل معه ففرح به المسلمون لجرأته ونجدته فقال له تؤمن؟ قال لا فرده ثم ذكره لأن محل المنع عند عدم دعاء الحاجة وأما [ص: 551] الجواب بأنه خرج باختياره لا بأمر المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففيه أن التقرير قائم مقام الأمر والقول بأن النهي خاص بذلك الوقت أورده في شخص معين وجد له رغبة في الإسلام فرده بذلك ليسلم أو أن الأمر فيه إلى الإمام اعترضه ابن حجر بأنه نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل (حم تخ عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة ورد الذهبي على من زعم كونه بحاء مهملة (ابن يساف) ابن عتبة بن عمرو الخزرجي المدني صحابي بدري له حديث الحديث: 2525 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 2526 - (إنا معشر الأنبياء) منصوب على الاختصاص أو المدح والمعشر كل جمع أمرهم واحد فالإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر وهو بمعنى قول جمع الطائفة الذين يشملهم وصف (تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا) بل هي دائمة اليقظة لا يعتريها غفلة ولا يتطرق إليها شائبة نوم لمنعه من إشراق الأنوار الإلهية الموجبة لفيض المطالب السنية عليها ولذا كانت رؤياهم وحيا ولم تنتقض طهارتهم بالنوم ولا يشكل بنومه في قصة الوادي حتى طلعت الشمس لأن الله خرق عادته في نومه ليكون ذلك رخصة لأمته وزعم أن المراد تنام أعيننا عن الدنيا ولا تنام قلوبنا عن الملكوت الأعلى بعيد من السوق كما لا يخفى علي أهل الذوق (ابن سعد) في الطبقات (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) وهو القرشي الفهري المكي كان أسود أفطس أعرج ثم عمي من أجل التابعين حج سبعين حجة وعاش مئة سنة الحديث: 2526 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 2527 - (إن معشر) وفي رواية معاشر (الأنبياء أمرنا) بالبناء للمفعول أي أمرنا الله (أن نعجل إفطارنا) إذا كنا صائمين بأن نوقعه بعد تحقق الغروب ولا نؤخره إلى اشتباك النجوم (ونؤخر سحورنا) بالضم أي نقربه من الفجر جدا ما لم يوقع التأخير في شك (ونضع أيماننا) أي أيدينا اليمنى (على شمائلنا) فويق السرة (في الصلاة) في رواية بدله في صلاتنا وذلك بأن يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض الساعد باسطا أصابعها في عرض المفصل أو ناشرا لها صوب الساعد والأمر هنا للندب وهذا صريح في أن هذه الثلاثة ليست من خصوصياته (الطيالسي) أبو داود (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح الحديث: 2527 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 2528 - (إن معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء) أي يزاد وليس محصورا في الواحد يقال ضعف الشيء يضعف إذا زاد وضعفته إذا زدته وفي البلاء من الفضائل والفوائد ما لا يخفى قال ابن النحاس: وقوله معشر يشبه المنادى وليس بمنادى وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره كما لم يجز ظهوره مع المنادى وموضع هذا الاسم نصب على الحال لأنه لما كان في التقدير أنا أخص أو أعني فكأنه قال إنا نفعل كذا مخصوصين من بين الناس أو معينين فالحال من فاعل نفعل لا من اسم إن لئلا يبقى الحال بلا عامل (طب عن) فاطمة بنت اليمان العبسية (أخت حذيفة) صحابية قال في التقريب كأصله صحابية لها حديث قضى به عثمان ويقال لها الفارعة قالت أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نساء فإذا شن معلق نحوه يقطر ماؤه فيه من شدة ما يجده من حر الحمى فقلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك؟ فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجيب مع وجوده لأحمد في المسند باللفظ المزبور عن فاطمة المذكورة بل رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بزيادة فقال إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما [ص: 552] يضاعف لنا الأجر كان النبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبتلى بالإيذاء من قومه وكانوا يفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء انتهى وذكر في الفردوس أن حديث ابن ماجه هذا صحيح ولما عزاه الهيثمي إلى الطبراني وأحمد قال وإسناد أحمد فاقتضى أن سند الطبراني غير حسن الحديث: 2528 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 2529 - (إنا آل محمد) مؤمني بني هاشم والمطلب. مال العكبري إلى أن آل منصوب بأعني أو أخص وليس بمرفوع على أنه خبر إن لأن ذلك معلوم لا يحتاج لذكره وخبر إن قوله (لا تحل لنا الصدقة) لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والاصطفاء وعرفها ليفيد أن المراد الزكاة أي لا تحل لنا الصدقة المعهودة وهي الفرض بخلاف النفل فتحل لهم دونه عند الشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية وعمم مالك التحريم. قال الزمخشري: الصدقة محظورة على الأنبياء وقيل كانت تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل {وتصدق علينا} (حم حب) من حديث أبي الحواري (عن الحسن ابن علي) أمير المؤمنين قال أبو الحواري كنا عند الحسن فسئل ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عنه قال كنت أمشي معه فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت التمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها فقال بعض القوم وما عليك لو تركتها فذكره قال الهيثمي رجال أحمد ثقات وقال في الفتح إسناده قوي الحديث: 2529 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 2530 - (إنا نهينا) نهي تحريم والناهي هو الله تعالى (أن ترى عوراتنا) ضمير الجمع يؤذن بأن المراد هو والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو هو وأمته وعد ابن عبد السلام من خواصه أنه لم ترى عورته قط قال ولو رآها أحد طمست عيناه وعد بعض الأكابر من خصائص هذه الأمة وجوب ستر العورة قال القضاعي: وكان نهيه عن التعري وكشف العورة من قبل أن يبعث بخمس سنين (ك) وكذا البيهقي (عن جبار) بجيم وموحدة تحتية وراء قال في الإصابة: ومن قال حبان فقد صحفه (بن صخر) قال الذهبي وصحف من قال بن ضمرة وهو الأنصاري السلمي قيل من أهل العقبة وقيل بدري وليس له إلا هذا الحديث وحديث آخر كما في الإصابة وغيرها وفيه معاذ بن خالد العسقلاني عن زهير بن محمد قال الذهبي في الذيل له مناكير وقد احتمل عن شرحبيل بن سعد قال ابن أبي ذؤيب كان متهما كذا ذكره الذهبي في الضعفاء والذيل وكأنه ذهل في التلخيص حيث سكت على تصحيح الحاكم له الحديث: 2530 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 2531 - (إنك) يا جرير بن عبد الله (امرؤ قد حسن الله خلقك) بفتح الخاء (فأحسن خلقك) بضمها أي مع الخلق يتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها وتمرينها على ذلك وبصحبة أهل الأخلاق الحسنة وبالنظر في أخبار أهل الصدر الأول وحكاياتهم الدالة على كمال حسن خلقهم فالخلق وإن كان غريزيا أصالة لكنه بالنظر لما يستعمل فيه كسبي وإلا لاستحال الأمر به لاستحالته فيما طبع عليه العبد كما مر غير مرة (ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيه الوفود فيبعث إلي فألبس حلتي أجيء فيباهي بي ويقول: يا جرير إنك إلخ ورواه أيضا الخرائطي والديلمي وأبو العباس الدعولي في الآداب قال الحافظ العراقي وفيه ضعف الحديث: 2531 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 2532 - (إنك) يا سلمة بن الأكوع (الذي قال الأول اللهم ابغني) بهمزة وصل أمر من البغاء أي اطلب وبهمزة قطع أمر من الإبغاء أي أعني على الطلب (حبيبا هو أحب إلي من نفسي) قاله له وكان أعطاه ترسا ثم رآه مجردا عنه فسأله فقال لقيني عمي فرأيته أعزل فأعطيته إياها وقوله الأول بدل من الذي أي كالأول أي كالذي مضى فيمن مضى قائلا اللهم إلخ (م عن سلمة بن الأكوع) ورواه عنه غيره أيضا الحديث: 2532 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 [ص: 553] 2533 - (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم) لأن الدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز ولا يعارضه خبر الطبراني إنهم يدعون بأسماء أمهاتهم سترا منه على عبادة لإمكان الجمع بأن من صح نسبه يدعى بالأب وغيره يدعى بالأم كذا جمع البعض وأقول هو غير جيد إذ دعاء الأول بالأب والثاني بالأم يعرف به ولد الزنا من غيره فيفوت المقصود وهو الستر ويحصل الافتضاح فالأولى أن يقال خبر دعائهم بالأمهات ضعيف فلا يعارض به الصحيح ثم رأيت ابن القيم أجاب بنحوه فقال: أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه كالمنفي بلعان فيدعى به في الدنيا فالعبد يدعى بما يدعى به فيها من أب وأم إلى هنا كلامه (فأحسنوا أسمائكم) أي بأن تسموا بنحو عبد الله وعبد الرحمن أو بحارث وهمام لا بنحو حرب ومرة قال النووي في التهذيب: ويستحب تحسين الاسم لهذا الحديث (حم د) في الأدب من حديث عبد الله بن أبي زكريا (عن أبي الدرداء) قال النووي في الأذكار وفي التهذيب إسناده جيد وتبعه الزين العراقي قال في المغني: وقال في البهيقي إنه مرسل وقال المناوي كالمنذري ابن أبي زكريا ثقة عابد لكن لم يسمع من أبي الدرداء فالحديث منقطع وأبوه اسمه إياس وقال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات إلا أن في سنده انقطاعا بين عبد الله بن أبي زكريا راويه عن أبي الدرداء فإنه لم يدركه الحديث: 2533 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 2534 - (إنكم تتمون سبعين أمة) أي يتم العدد بكم سبعين (أنتم خيرها وأكرمها على الله) ويظهر هذا الإكرام في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة ومقامهم في الموقف ووقوفهم على تل يشرفون عليهم إلى غير ذلك ومما فضلوا به الذكاء وقوة الفهم ودقة النظر وحسن الاستنباط فإنهم أوتوا من ذلك ما لم ينله أحد ممن قبلهم ألا ترى إلى أن بني إسرائيل عاينوا من الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق الكليم كانفجار البحر ونتق الجبل وغير ذلك ثم اتخذوا بعده العجل وقالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وما تواتر من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم أمور نظرية كالقرآن والتحدي به والفضائل المجتمعة فيه الشاهدة بنبوته دقيقة يدركها الأذكياء (حم ت هـ ك عن معاوية بن حيدة) الحديث: 2534 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 2535 - (إنكم ستبتلون) أي يصيبكم البلاء (في أهل بيتي من بعدي) هذا من معجزاته الخارقة لأنه إخبار عن غيب وقد وقع وما حل بأهل البيت بعده من البلاء أمر شهير وفي الحقيقة البلاء والشقاء على من فعل بهم ما فعل (طب) من حديث عمارة بن يحيى بن خالد بن عرفطة (عن خالد بن عرفطة) بفتح المهملة أوله ابن أبرهة الليثي ويقال البكري ويقال القضاعي ويقال العدوي استعمله معاوية على بعض حروبه قال معاوية كنا عند خالد يوم قتل الحسين فقال هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم إلخ قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير عمارة وقد وثقه ابن حبان الحديث: 2535 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 2536 - (إنكم) أيها الأنصار كما دل عليه خبر عبد الله بن محمد بن عقيل أن معاوية قدم المدينة فتلقاه أبو قتادة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إنكم إلخ قال فيم أمركم قال أمرنا بالصبر قال اصبروا إذن (ستلقون) وفي رواية للبخاري سترون (بعدي) أي بعد موتي من الأمراء (أثرة) بضم أو كسر فسكون وبفتحات إيثارا [ص: 554] واختصاصا بحظوظ دنيوية يأثرون بها غيركم يفضلون عليكم من ليس له فضل ويؤثرون أهواءهم على الحق ويصرفون الفيء لغير المستحق قال الراغب: والاستئثار التفرد بالشيء من دون غيره وزاد في رواية البخاري وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال (فإذا رأيتم ذلك فاصبروا) أي إذا وقع ذلك فاصبروا كما أمرت بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة (حتى تلقوني غدا) أي يوم القيامة (على الحوض) أي عنده فتنصفون ممن ظلمكم وتجازون على صبركم والخطاب وإن كان للأنصار لكن لا يلزم من مخاطبتهم به أن يختص بهم فقد ورد ما يدل على التعميم وهذا لا تعارض بينه وبين الأحاديث الآمرة بالنهي عن المنكر لأن ما هنا فيما إذا لزم منه سفك دم أو إثارة فتنة وفيه الأمر بالصبر على الشدائد وتحمل المكاره قال ابن بزيزة: وخص الحوض لكونه مجمع الأمم بعد الخلاص من أهوال الموقف حيث لا يذكر حبيب حبيبه (حم ق ت عن أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة (بن حضير) بضم المهملة وفتح المعجمة بن سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي أحد النقباء ليلة العقبة كان كبير الشأن وكان أبوه فارس الأوس ورئيسهم وقائدهم يوم بعاث (حم ق عن أنس) قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 2536 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 2537 - (إنكم سترون ربكم) يوم القيامة (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها ولا تجهدون في تحصيلها فمعنى التشبيه أن ذلك محقق بلا مشقة ولا خفاء فهو تشبيه للرؤية برؤية القمر ليلة تمامه في الوضوح لا للمرئي بالمرئي (لا تضامون) بضم الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم أي ظلم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض وبالفتح والشد من الضم وأصله تتضامون فيضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون حال النظر لخفائه أو لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم لأجل ذلك كما يفعل في رؤية شيء خفي (في رؤيته) تعالى وهذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بالبناء للمجهول أي عن أن لا تتركوا الاستعداد بقطع أسباب الغفلة المنافية للاستطاعة كنوم وشغل (على) بمعنى عن (صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما في رواية مسلم (فافعلوا) ثم قرأ {فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} قال أبو عيسى حديث حسن صحيح عدى المغلوبية التي لازمها فعل الصلاة بقطع الأسباب النافية للاستطاعة كنوم ونحوه فكأنه قال صلوا في هذين الوقتين وذكرهما عقب الرؤية إشارة إلى أن رجاء الرؤية بالمحافظة عليهما وخصهما لشدة خوف فوتهما ومن حفظهما فبالحري أن يحفظ غيرهما أو لاجتماع الملائكة ورفع الأعمال فيها وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن العمل يرفع آخر النهار فمن كان في طاعة بورك له في رزقه وعمله وأفاد الخبر أن رؤيته تعالى ممكنة أي للمؤمنين في الآخرة وزيادة شرف المصلين والصلاتين (حم ق) في الصلاة وغيرها (4) في عدة مواضع (عن جرير) بن عبد الله وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2537 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 2538 - (إنكم ستحرصون) بكسر الراء وفتحها (على الإمارة) الخلافة العظمى ونيابتها (وإنها ستكون ندامة) لمن لم يعمل فيها بما أمر به ويسلك سبيل المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم (وحسرة يوم القيامة) وهذا أصل في تجنب الولايات سيما لضعيف أو غير أهل فإنه يندم إذا جوزي بالخزي يوم القيامة [ص: 555] أما أهل عادل فأجره عظيم لكنه على خطر عظيم ومن ثم أباها الأكابر (فنعمت) الإمارة (المرضعة) أي في الدنيا فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة (وبئست) الإمارة (الفاطمة) عند انفصاله عنها بموت أو غيره فإنها تقطع عنه تلك اللذائذ والمنافع وتبقى عليه الحسرة والتبعة فالمخصوص بالمدح والذم محذوف وهو الإمارة ضرب المرضعة مثلا للإمارة الموصلة صاحبها من المنافع العاجلة والفاطمة وهي التي انقطع لبنها مثلا لمفارقتها عنها بانعزال أو موت والقصد ذم الحرص عليها وكراهة طلبها وقال القاضي شبه الولاية بالمرضعة وانقطاعها بموت أو عزل بالفاطمة أي نعمت المرضعة الولاية فإنها تدر عليك المنافع واللذات العاجلة وبئست الفاطمة المنية فإنها تقطع عنك تلك اللذائذ والمنافع وتبقى عليك الحسرة والتبعة فلا ينبغي لعاقل أن يلم بلذة تتبعها حسرات وألحقت التاء في بئست دون نعم والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الإلحاق وتركه فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك وقال في شرح المصابيح شبه على سبيل الاستعارة ما يحصل من نفع الولاية حالة ملابستها بالرضاع وشبه بالفطام انقطاع ذلك عنها عند الانفصال عنها فالاستعارة في المرضعة والفاطمة تبعية فإن قلت هل من فائدة لطيفة في ترك الباء من فعل المدح وإثباتها مع الذم أجيب بأن ارضاعها أحب حالتيها للنفس وفطامها أشقها والتأنيث أخفض حالتي الفعل فاستعمل حالة التذكير مع الحالة المحبوبة التي هي أشرف حالتي الولاية واستعمل حالة التأنيث مع الحالة الشاقة على النفس وهي حالة الفطام عن الولاية لمكان المناسبة في المحلين انتهى وفي شرح المشكاة إنما لم يلحق التاء بنعم لأن المراضعة مستعارة للإمارة وهي وإن كانت مؤنثة لكن تأنيثها غير حقيقي وألحقها بئس نظرا إلى كون الإمارة حينئذ ذاهبة وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء والضراء أشد مما يناله من النعماء فعلى العاقل أن لا يلم بلذة يتبعها حسرات. قال في المطامح: وكذا سائر الولايات الدينية وللفقهاء تفصيل في حكم الطلب مبين في الفروع (خ) في الأحكام (ن) في القضاء والسير (عن أبي هريرة) قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ فذكره الحديث: 2538 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 2539 - (إنكم قادمون) بالقاف وسهى من زعم أنه بمثناة فوقية فاضطر إلى ارتكاب التعسف في تقريره بما يمجه السمع (على إخوانكم) في الدين (فأصلحوا رحالكم) أي ركابكم (وأصلحوا لباسكم) أي ملبوسكم بتحسينه وتنظيفه وتطييبه (حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس) أي كونوا في أحسن زي وهيئة حتى تظهروا للناس وينظروا إليكم كما تظهر الشامة وينظر إليها دون باقي الجسد والشامة الخال في الجسد معروفة ذكره ابن الأثير والإصلاح كما قال الحرالي: تلاقى خلل الشيء (فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) فيه كما في المطامح ندب تحسين الهيئة وترجيل الشعر وإصلاح اللباس والمحافظة على النظافة والتجمل وإصلاح الحال وأن ذلك من صفات الكمال ولا ينافي الزهد بكل حال (نكتة) رأى رجل على آخر عمامة رثة فقال دب فيها البلاء فرقت ودقت فهي تقرأ إذ السماء انشقت (حم د ك) في اللباس (هب عن سهل) ضد الصعب (بن الحظلية) صحابي صغير أوس والحنظلية أمه أو من أمهاته واختلف في اسم أبيه قيل الربيع بن عمرو وقيل غيره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال النووي في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن إلا أن قيس بن بشر اختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم الحديث: 2539 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 2540 - (إنكم مصبحون) بميم مضمومة أوله بضبط المصنف (عدوكم) أي توافونه صباحا يقال صبحت فلانا بالتشديد أتيته صباحا وفي رواية قد دنيتم من عدوكم (والفطر أقوى لكم) على قتال العدو (فأفطروا) قاله حين دنا من مكة للفتح فأفطروا قال أبو سعيد فكانت عزيمة ثم نزلنا منزلا آخر فقاله فمنا من أفطر ومنا من صام فكانت رخصة وأخذ من [ص: 556] تعليله بدنو العدو واحتياجهم إلى القوة التي يلقونه بها أن الفطر هنا للجهاد لا للسفر فلو وافاهم العدو في الحضر واحتاجوا إلى التقوي بالفطر جاز على ما قيل لأنه أولى من الفطر بمجرد السفر والقوة ثم تخص المسافر وهنا له وللمسلمين ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر (حم م عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2540 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 2541 - (إنكم لن تدركوا) أي تحصلوا (هذا الأمر بالمغالبة) المراد أمر الدين فإن الدين متين لا يغالبه أحد إلا غلبه فأوغلوا فيه برفق كما في الحديث السابق (ابن سعد) في الطبقات (حم هب عن ابن الأردع) بالدال المهملة واسمه سلم أو محجن وهو الذي قال المصطفى صلى الله غليه وسلم فيه ارموا وأنا مع ابن الأردع وهو ممن عرف بأبيه ويذكر باسمه قال كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ذات ليلة لحاجته فرآني فأخذ بيدي فمررنا على رجل يصلي فجهر بالقرآن فذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 2541 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 2542 - (إنكم) أيها الصحب (في زمان) متصف بالأمن وعزة الإسلام (من ترك منكم) فيه (عشر ما أمر به) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ لا يجوز صرف هذا القول إلى عموم المأمورات لما عرف أن مسلما لا يعذر فيما يهمل من فرض عيني (هلك) أي في ورطات الهلاك لأن الدين عزيز وفي أنصاره كثرة فالترك تقصير منكم فلا عذر لأحد في التهاون حالتئذ (ثم يأتي زمان) يضعف فيه الإسلام وتكثر الظلمة ويعم الفسق ويكثر الدجالون وتقل أنصار الدين فيعذر المسلمون في الترك إذ ذاك لعدم القدرة وفقد التقصير وحينئذ (من عمل منهم) أي من أهل ذلك الزمن المحتوي على المحن والفتن (بعشر ما أمر به نجا) لأنه المقدور ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها {فاتقوا الله ما استطعتم} قال الغزالي: لولا بشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي زمان من تمسك فيه بعشر ذلك نجا لكان جديرا بنا أن نقتحم والعياذ بالله ورطة اليأس والقنوط مع ما نحن عليه من سوء أعمالنا فنسأل الله أن يعاملنا بما هو أهله وأن يستر قبائح أعمالنا كما يقتضيه فضله وكرمه وقال بعض الحكماء معروف زمننا منكر زمان مضى ومنكر زمننا معروف زمان لم يأت (ت) في آخر الفتن (عن أبي هريرة) وقال غريب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال قال النسائي حديث منكر رواه أبو نعيم بن حماد وليس بثقة الحديث: 2542 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 2543 - (إنكم لا ترجعون إلى الله تعالى) أي لا تعاودون مأدبة كرمه المرة بعد الأخرى قال الزمخشري: من المجاز خالفني ثم رجع إلى قوله وما رجع إليه في خطب إلا كفي (بشيء أفضل مما خرج منه يعني القرآن) كذا هو في خط المصنف قال البخاري: خروجه منه ليس كخروجه منك إن كنت تفهم وقال ابن فورك الخروج خروج جسم من جسم بمفارقة محله واستبداله محلا آخر وذا محال هنا وظهور شيء من شيء يقال خرج لنا من كلامك نفع وهو المراد هنا أي ما أنزل الله على نبيه وقيل ضمير منه يعود للعبد وخروجه منه وجوده بلسانه محفوظا بصدره مكتوبا بيده (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (ت عن جبير بن نفير مرسلا ك) في فضائل القرآن وصححه (عنه) أي عن جبير (عن أبي ذر) سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعيف فاقتضى جودته وكأنه لم يقف على قول سلطان هذا الشأن البخاري في كتاب خلق الأفعال إنه لا يصح لإرساله وانقطاعه هكذا قال وأقره الذهبي الحديث: 2543 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 [ص: 557] 2544 - (إنكم اليوم) أي الآن وأنا بين أظهركم (على دين) التنكير للتعظيم أي دين متين كامل في القوة والصلابة (وإني مكاثر بكم الأمم) يوم القيامة كما في رواية أخرى (فلا تمشوا) أي ترجعوا (بعدي) أي بعد موتي (القهقرى) أي إلى وراء وهذا تحذير من سلوك غير سبيله ومعلوم أن صحبه الذين خاطبهم حينئذ بذلك لم يرجعوا بعده كفارا ولا زنادقة بل ولا فساقا وإنما وقع منهم الحروب والفتن باجتهاد وأصاب فيه بعض وأخطأ بعض بلية قضى الله بها لما سبق في غيبه (حم عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي فيه مجالد بن سعيد وفيه خلاف الحديث: 2544 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 2545 - (إنكم لا تسعون) بفتح السين أي لا تطيقون أن تعموا وفي رواية إنكم لن تسعوا (الناس بأموالكم) أي لا يمكنكم ذلك (ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) أي لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم والوسع والسعة الجدة والطاقة وفي رواية إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم انتهى وذلك لأن استيعاب عامتهم بالإحسان بالفعل غير ممكن فأمر بجعل ذلك بالقول حسبما نطق به {وقولوا للناس حسنا} وأخرج العسكري في الأمثال عن الصولي قال لو وزنت كلمات المصطفى صلى الله عليه وسلم بأحسن كلام الناس لرجحت على ذلك وهي قوله إنكم إلخ قال وقد كان ابن عياد كريم الوعد كثير البذل سريعا إلى فعل الخير فطمس ذلك سوء خلقه فما ترى له حامدا وكان العارف إبراهيم بن أدهم يقول: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ما لا يدركه بماله لأن المال عليه فيه زكاة وصلة أرحام وأشياء أخر وخلقه ليس عليه فيه شيء قال الحرالي: والسعة المزيد على الكفاية من نحوها إلى أن ينبسط إلى ما وراء امتدادا ورحمة وعلما ولا تقع السعة إلا مع إحاطة العلم والقدرة وكمال الحلم والإفاضة في وجوه الكفايات ظاهرا وباطنا عموما وخصوصا وذلك ليس إلا لله أما المخلوق فلم يكد يصل إلى حظ من السعة أما ظاهرا فلا تقع منه ولا يكاد وأما باطنا بخصوص حسن الخلق فعساه يكاد (البزار) في المسند (حل ك هب) وكذا الطبراني ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فكان إيثاره بالعزو أولى (عن أبي هريرة) قال البيهقي تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه وروي من وجه آخر ضعيف عن عائشة اه. وفي الميزان عبد الله بن سعيد هذا واه بمرة وقال الفلاس منكر الحديث متروك وقال يحيى استبان لي كذبه وقال الدارقطني: متروك ذاهب وساق له أخبارا هذا منها ثم قال وقال فيه البخاري تركوه ورواه أبو يعلى قال العلائي وهو حسن الحديث: 2545 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 2546 - (إنكم) أيها المؤمنون (لن تروا ربكم) بأعينكم يقظة (عز وجل حتى تموتوا) فإذا متم رأيتموه في الآخرة رؤية منزهة عن الكيفية أما في الدنيا يقظة فلغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممنوعة ولبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممكنة في بعض الأحوال كما في تفسير القاضي وقال القشيري: إن قيل هل يجوز للأولياء رؤية الله بالبصر في الدنيا على جهة الكرامة قلنا الأقوى لا يجوز للإجماع عليه قال وسمعت ابن فورك يحكي عن الأشعري فيه قولين قال النووي: قلت نقل جمع الإجماع على أنها لا تتحصل للأولياء في الدنيا قال وامتناعها بالسمع وإلا فهي ممكنة بالعقل عند أهل الحق (طب في السنة عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 2546 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 2547 - (إنما الأسود) من العبيد والإماء (لبطنه ولفرجه) (1) يعني أن اهتمامه ليس إلا بهما فإن جاع سرق وإن شبع [ص: 558] زنى كما في الخبر الآتي ومما قيل في ذم العبد للمتنبي: فلا ترج الخير من امرئ. . . مرت يد النخاس في رأسه <فائدة> في البرهان أن السبب الظاهر لاختلاف ألوان الناس وأخلاقهم وطبائعهم ارتباطها باختلاف أحوال الشمس وذلك على ثلاثة أقسام أحدها من يسكن من خط الاستواء إلى محاذاة رأس السرطان وهؤلاء الذين يسمون بالاسم العام السودان وسببه أن الشمس تمر بسمت رؤوسهم في السنة مرة أو مرتين فتحرقهم وتسود أبدانهم وتجعد شعورهم وتجعل وجوههم قحلة وأخلاقهم وحشة وهم الزنج والحبشة وأما الذين مساكنهم أقرب إلى جانب الشمال فالسواد فيهم أقل وطبائعهم أعدل وأخلاقهم أحسن كأهل الهند واليمن وبعض المغاربة القسم الثاني الذي مساكنهم على سمت رأس السرطان إلى محاذاة بنات نعش الكبرى ويسمون بالاسم العام البيض لأن الشمس لا تسامت رؤوسهم ولا تبعد عنهم جدا فلذلك لم يعرض لهم شدة حر ولا شدة برد فصارت ألوانهم متوسطة وأخلاقهم فاضلة كأهل الصين والترك وخراسان والعراق وفارس ومصر والشام ومن كان من هؤلاء أميل إلى الجنوب فهو أتم ذكاء وفهما لقربه من منطقة ذلك البروج وممر الكواكب المتحيرة ومن مال إلى المشرق أقوى نفسا وأشد ذكورة لأن المشرق يمين الفلك ومنه الكواكب تطلق والأنوار تطلق فاليمين أقوى أرباع الفلك وجوانبه ونواحيه ومن كان أقرب إلى المغرب فهو ألين نفسا وأكثر أنوثة وكتمانا للأمور والقسم الثالث من مساكنهم محاذاة بنات نعش وهم الصقالية والروس ولكثرة بعدهم عن ممر البروج ومسامتة الشمس غلب البرد عليهم وكثرت فيهم الرطوبة لفقد ما ينضجها ثم من الحرارة فلذلك ابيضت ألوانهم وصارت أبدانهم رخصة وطباعهم مائلة إلى البرد وأخلاقهم وحشية شرسة قال الحرالي: والبطن فضاء جوف الشيء الأجوف لغيبته عن ظاهره الذي هو ذلك البطن (عق) عن أحمد بن محمد النصيبي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن خالد الوهبي عن خالد بن محمد بن خالد بن الزبير عن أم أيمن قال خالد خرجنا نتلقى الوليد بن عبد الملك مع علي بن الحسين فعرض حبشي لركابنا فقال علي حدثتني أم أيمن فذكره ثم قال مخرجه العقيلي لا يتابع خالد عليه وقال أبو حاتم هو مجهول انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه في اللسان بأن ابن حبان ذكره في الثقات (طب) عن إبراهيم بن محمد الحمصي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن خالد الوهبي عن محمد بن آل الزبير عن أبيه عن علي بن الحسين عن أم أيمن قال الهيثمي فيه خالد بن محمد من آل الزبير وهو ضعيف انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه خالد بن محمد من آل الزبير منكر الحديث ونازعه المصنف وقال ضعيف لا موضوع   (1) [هذا في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع وإلا فيقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (9211) " ويقول: " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى (2740) ". دار الحديث] الحديث: 2547 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 2548 - (إنما الأعمال كالوعاء) بكسر الواو واحد الأوعية وأوعى الزاد والمتاع جعله في الوعاء كذا في الصحاح وغيره والمراد هنا أن العمل شبيه بالإناء المملوء (إذا طاب أسفله) أي حسن وعذب أسفل ما فيه من نحو مائع (طاب أعلاه) الذي هو مرئي (وإذا فسد أسفله فسد أعلاه) والقصد بالتشبيه أن الظاهر عنوان الباطن ومن طابت سريرته طابت علانيته فإذا اقترن العمل بالإخلاص القلبي الذي هو شرط القبول أشرق ضياء الأنوار على الجوارح الظاهرة وإذا اقترن برياء أو نحوه اكتسب ظلمة يدركها أهل البصائر وأرباب السرائر إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم فاتقوا فراسة المؤمن. قال الغزالي: للأعمال الظاهرة علائق من المساعي الباطنة تصلحها وتفسدها كالإخلاص والرياء والعجب وغيرها فمن لم يعرف هذه المساعي الباطنة ووجه تأثيرها في العبادات الظاهرة فقلما سلم له عمل الظاهر فتفوته طاعات الظاهر والباطن فلا يبقى بيده إلا الشقاء والكذب ذلك هو الخسران المبين (هـ) في الزهد (عن معاوية) بن أبي سفيان وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس وعبد الرحمن بن يزيد أورده الذهبي في الضعفاء قال ضعفه أحمد وقال البخاري منكر الحديث الحديث: 2548 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 [ص: 559] 2549 - (إنما الإمام) الأعظم (جنة) بضم الميم أي وقاية وساتر وترس تحمى به بيضة الإسلام (يقاتل به) بزنة المجهول أي يدفع بسببه الظلامات ويلتجئ إليه الناس في الضرورات ويكون إمام الجيش في الحرب ليشد قلوبهم ويتعلمون منه الشجاعة والإقدام وقصر المراد على الأخير تقصير وزعم أن المعنى هو العاقد للهدنة يربو عليه في القصور وليس في حيز الظهور والحمل على الأعم أتم (د عن أبي هريرة) ظاهره أن الشيخين لم يخرجاه ولا أحدهما وإلا لما عدل لأبي داود وهو ذهول فقد رواه مسلم عن أبي هريرة بزيادة ولفظه إن الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه وزرا انتهى وقد سمعت غير مرة أن الواجب في الصناعة الحديثية أنه إذا كان الحديث في أحد الصحيحين لا يعزى لغيره البتة الحديث: 2549 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 2550 - (إنما الأمل) أي ترجي الحصول قال ابن حجر الأمل رجاء ما تحبه النفس من نحو طول عمر وصحة وزيادة غنى (ورحمة من الله تعالى لأمتي) أمة الإجابة ويحتمل العموم بل هو أقرب (لولا الأمل ما أرضعت أم ولدا) أي ولدها (ولا غرس غارس شجرا) فتخرب الدنيا فالحكمة تقتضي شمول الأمل لعمارة الدنيا فلولاه لاشتغل الناس بأنفسهم ولذهلت كل مرضعة عما أرضعت ولرأيت الناس حيارى وما هم بحيارى ولوقفت الألسن والأقلام عن كثير مما انتشر من العلوم ولا تهنئ أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع بعمل دنيوي بل ولا كثير من الأعمال الأخروية كتأليف العلوم ولله سبحانه وتعالى فيما هو شر في الظاهر أسرار وحكم كما أن له في الخير أسرارا وحكما ولا منتهى لحكمته كما لا غاية لقدرته (خط عن انس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو باطل بل عقبه بقوله هذا الحديث باطل بهذا الإسناد ولا أعلم من جاء به إلا محمد بن إسماعيل الرازي وكان غير ثقة اه الحديث: 2550 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 2551 - (إنما البيع) أي الجائز الصحيح شرعا الذي يترتب عليه أثره من انتقال الملك هو ما صدر (عن تراض) من المتعاقدين بخلاف ما لو صدر بنحو إكراه فلا أثر له بل المبيع باق على ملك البائع وإن صدرت صورة البيع وأفاد بإناطة الانعقاد بالرضى اشتراط الصيغة لوجود صورته الشرعية في الوجود لأن الرضى خفي لا يطلع عليه فاعتبر ما يدل عليه وهو الصيغة <تنبيه> قال الأبي وغيره العرب لبلاغتها وحكمتها وحرصها على تأدية المعنى للفهم بأخص وجه تخص كل معنى بلفظ وإن شارك غيره في أكثر وجوهه ولما كانت الأملاك تنتقل من ملك مالكيها بعوض وبدونه سموا المتنقل بعوض بيعا وحقيقة البيع أنه نقل ملك رقبة بعوض وقد اختلفت الطرق في تعريف الحقائق الشرعية فمنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح والفاسد كتعريف بعضهم البيع بأنه دفع عوض في معوض ومنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح فقط لأنه المقصود كتعريف من عرفه بأنه نقل ملك رقبة بعوض على وجه مخصوص فالفاسد لا ينقل الملك وتعقب ابن عبد السلام هذا التعريف بأنه نقل الملك للمبيع لا نفسه قال والبيع غني عن التعريف لأن حقيقته معلومة حتى للصبيان ورد بأن المعلوم خفي لهم وقوعه لا حقيقته وأما انقسامه إلى بت وخيار ومرابحة وغائب وحاضر ومعين وهي الذمة فهو تفسير له باعتبار عوارضه وإلا فحقيقته واحدة (هـ عن أبي سعيد) الخدري قال قدم يهودي بتمر وشعير وقد أصاب الناس جوع فسألوه أن يسعر لهم فأبى وذكره الحديث: 2551 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 [ص: 560] 2552 - (إنما الحلف حنث أو ندم) أي إذا حلفت حنثت أو فعلت ما لا تريده كراهة للحنث فتندم أو المراد إن كانت صادقة ندم أو كاذبة حنث قال الغزالي: والندم توجع القلب عند شعوره بفوت محبوب وعلامته طول الحسرة والحزن (هـ) وكذا أبو يعلى كلاهما من حديث بشار بن كدام عن محمد بن زبيد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي وبشار ضعفه أبو زرعة وغيره الحديث: 2552 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 2553 - (إنما الربا في النسيئة) أي البيع إلى أجل معلوم يعني بيع الربوي بالتأخير من غير تقابض هو الربا وإن كان بغير زيادة لأن المراد أن الربا إنما هو في النسيئة لا في التفاضل كما وهم ومن ثم قال بعض المحققين الحصر إضافي لا حقيقي من قبيل {إنما الله إله واحد} لأن صفاته لا تنحصر في ذلك وإنما قصد به الرد على منكري التوحيد فكذا هنا المقصود الرد على من أنكر ربا النسيئة وفهم الحبر ابن عباس منه الحصر الحقيقي فقصر الربا عليه وخالفه الجمهور فإن فرض أنه حقيقي فمفهومه منسوخ بأدلة أخرى وقد قام الإجماع على ترك العمل بظاهره (حم م ن هـ عن أسامة بن زيد) حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه الحديث: 2553 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 2554 - (إنما الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل ضد اليمن إنما هو كائن (في ثلاثة) وفي رواية في أربع فزاد السيف (في الفرس) إذا لم يغز عليه أو كان شموسا أو جموحا ومثله البغل والحمار كما شمله قوله في رواية الدابة (والمرأة) إذا كانت غير ولود أو سليطة (والدار) ذات الجار السوء أو الضيقة أو البعيدة عن المسجد وقد يكون الشؤم في غيرها أيضا فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة للسعادة لا للخلقة كذا حمله بعضهم وأجراه جمع منهم ابن قتيبة على ظاهره فقالوا النظير بهذه الثلاثة مستثنى من قوله لا طيرة وأنه مخصوص بها فكأنه قال لا طيرة إلا في هذه الثلاثة فمن تشاءم بشيء منها حل به ما كره وأيد بخبر الطيرة على من تطير قال المازري وقد أخذ مالك بهذا الحديث وحمله ولم يتأوله وانتصر له بحديث يحيى بن سعيد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فذهب العدد وقل المال فقال دعوها ذميمة قال القرطبي ولا يظن بقائل هذا القول أن الذي رخص من الطيرة بهذه الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقده فيه وتفعل عندها وإنما معناها أنها أكثر مما يتشاءم به الناس لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فله إبداله بغيره مما يسكن له خاطره مع اعتقاده أنه تعالى الفعال وليس لشيء منها أثر في الوجود وهذا يجري في كل متطير به وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه لا بد للإنسان من ملازمتها فأكثر ما يقع التشاؤم بها قال وأما الحمل الأول فيأباه ظاهر الحديث ونسبته إلى أنه مراد الشارع من فاسد النظر وفي معنى الدار الدكان والحانوت والخان ونحوها بدليل رواية إن يكن الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس فيدخل في الربع ما ذكر والمرأة تتناول الزوجة والسرية والخادم كما في المفهم ويشكل الفرق بين الدار ومحل الوباء حيث وسع في الارتحال عنها ومنع من الخروج من محله وأجيب بأن الأشياء بالنسبة لهذه المعاني ثلاثة أحدها ما لم يقع التأثر به ولا اطردت عادة عامة ولا خاصة به كلقي غراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في دار فلا يلتفت إليه وفي مثله قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لا طيرة الثاني ما يحصل به الضرر لكنه يعم ويخص ويندر ولا يتكرر كالطاعون فهذا لا يقدم عليه عملا بالأحوط ولا يفر منه لإمكان حصول الضرر للفار فيكون تنفيره زيادة في محنته وتعجيلا في هلكته الثالث سبب يخص ولا يعم ويلحق منه الضرر بطول الملازمة كهذه الثلاثة فوسع للإنسان الاستبدال عنها والتوكل على الله والإعراض عما يقع في النفوس منها من أفضل الأعمال كما [ص: 561] ذكره بعض أهل الكمال لكن بقي شيء وهو أن الحديث قد يعارضه خبر البيهقي عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان أهل الجاهلية يقولون إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ثم قرأ {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب} الآية (خ د هـ عن ابن عمر) قال الذهبي مع نكارته إسناده جيد ولم يخرجوه الحديث: 2554 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 2555 - (إنما الطاعة) واجبة على الرعية للأمير (في المعروف) أي في الأمر الجائز شرعا فلا يجب فيما لا يجوز بل لا يجوز وهذا قاله لما أمر على سرية رجلا وأمرهم أن يطيعوه فأمرهم أن يقدوا نارا ويدخلوها فأبوا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها ثم ذكره (حم ق عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورواه أيضا أبو داود والنسائي وغيرهما الحديث: 2555 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 2556 - (إنما العشور) أي إنما تجب العشور (على اليهود والنصارى) فإذا صولحوا على العشر وقت العقد أو على أن يدخلوا بلادنا للتجارة ويؤدوا العشور أو نحوه لزمتهم (وليس على المسلمين عشور) غير عشور الصدقات وتخصيص اليهود والنصارى ليس لإخراج غيرهم من الكفار عن الوجوب بل للإشعار بأنها إذا وجبت مثلا عليهما وهم أهل كتاب فنحو المعطلة والوثنية أولى والنصارى جمع نصران ونصرانية لكن لم يستعمل النصراني إلا بياء النسبة ذكره الجوهري وفي الكشاف الياء في نصراني للمبالغة كما جرى لأنهم نصروا المسيح عليه الصلاة والسلام وقيل نسبة إلى ناصرة أو نصرة قريتان (د عن رجل) من بني تغلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأخذ الصدقة من قومه فقال أفأعشرهم؟ فذكره ولفظ سنن أبي داود عن حرب بن عبد الله بن عمير عن جده أبي أمه عن أبيه يرفعه وهكذا نقله عنه في المنار قال عبد الحق وهو حديث في سنده اختلاف ولا أعلمه من طريق يحتج به وقال ابن القطان حرب هذا سئل عنه ابن معين فقال مشهور وذا غير كاف في تثبيته فكم من مشهور لا يقبل أما جده أبو أمه فلا يعرف أصلا فكيف أبوه اه وقال المناوي رواه البخاري في تاريخه الكبير وساق اضطراب الرواة فيه وقال لا يتابع عليه اه وذكره الترمذي في الزكاة بغير سند ورواه أحمد في المسند عن الرجل المذكور قال الهيثمي وفيه عطاء بن السائب اختلط وبقية رجاله ثقات الحديث: 2556 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 2557 - (إنما الماء من الماء) أي يجب الغسل بالماء من خروج الماء الدافق وهو المني سواء خرج بشهوة أم دونها من ذكر أو أنثى عاقل أو مجنون بجماع أو دونه وما دل عليه الحصر من عدم وجوبه بجماع لا إنزال فيه الذي أخذ به جمع من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وغيرهم كالأعمش وداود الظاهري أجيب بأنه منسوخ بخبر الصحيحين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهدها فقد وجب الغسل زاد مسلم وإن لم ينزل لتأخر هذا عن الأول لما رواه أبو داود وغيره عن أبي بن كعب أنهم كانوا يقولون الماء من الماء رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها هكذا قرره صحبنا في الأصول ممثلين به نسخ السنة بالسنة وأما قول البعض نقلا عن ابن عباس أنه أراد بالحديث نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إن لم ينزل فيأباه ما ذكر في سبب الحديث الثابت في مسلم إنه قيل له الرجل يقوم عن امرأته ولم يمن ماذا يجب عليه فقال إنما إلخ نعم ذهب البعض إلى أنه لا حاجة لدعوى نسخه لأن خبر إذا التقى الختانان مقدم عليه لأن دلالته على وجوب الغسل بالمنطوق ودلالة الحصر عليه بالمفهوم والمنطوق مقدم على المفهوم بل في حجة المفهوم خلاف (م د عن أبي سعيد) الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فذكره (حم عن أبي أيوب) الأنصاري الحديث: 2557 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 [ص: 562] 2558 - (إنما المدينة) النبوية (كالكير) زق الحداد ينفخ فيه (تنفي) بفاء مخففة وروي بقاف مشددة من التنقية (خبثها) بفتحات وروي بخاء مضمومة ساكنة الباء خلاف الطيب والمراد هنا ما لا يليق بالمدينة (وتنصع) بنون وصاد مهملة من باب التفعيل أو الإفعال تخلص وتميز (طيبها) بفتح الطاء وتشديد الباء وفتح الموحدة وبكسر الطاء وسكون الياء وقال الزمخشري: تبضع من الإبضاع بباء موحدة وضاد معجمة من أبضعه إذا دفعه إليه بضاعة أي تعطي طيبها ساكنيها وقال ابن حجر في تخريج المختصر: تنصع بنون وصاد وعين مهملتين ضبط في أكثر الروايات بفتح أوله من الثلاثي وطيبها مرفوع فاعل وفي بعضها بضم أوله من الرباعي وطيبها بالنصب ونصع معناه خلص وأنصع معناه أظهر ما عنده وكلا المعنيين ظاهر في هذا السياق اه وهذا مختص بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه ثم يكون في آخر الزمان عند خروج الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه بدليل خبر مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها الحديث قيل لما خرج ابن عبد العزيز من المدينة بكى وقال: نخشى أن نكون ممن نفته المدينة وهذا قاله لأعرابي بايعه فوعك بالمدينة وقال يا محمد أقلني بيعتي فأبى فخرج فذكره والمراد الإقالة من الإسلام أو الهجرة ثم المذموم الخروج منها كراهة فيها أو رغبة عنها أما خروج جمع صحابيين فلمقاصد كنشر العلم والجهاد والمرابطة في الثغور ونحو ذلك <تنبيه> أخذ جمع مجتهدون من هذا الخبر أن إجماع أهل المدينة حجة لأنه نفى عنها الخبث والخطأ فيكون منفيا عن أهلها والصحيح عند الشافعية المنع وأجابوا عن ذلك بصدوره من بعضهم بلا ريب لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة (حم ق) في الحج (ت) في آخر المجامع (ن) في الحج (عن جابر) رضي الله عنه الحديث: 2558 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 2559 - (إنما الناس كإبل مئة) وفي رواية كالإبل بزيادة أل (لا تكاد تجد فيها راحلة) أي مرحولة وهي النجيبة المختارة ويقال هي من الإبل المركوب المدرب الحسن الفعال القوي على الحمل والسفر يطلق على الذكر والأنثى والتاء فيه للمبالغة وخصها ابن قتيبة بالنوق ونوزع قال الزمخشري: يريد أن المرضى المنتخب في عزة وجوده كالنجيبة التي لا توجد في كثير من الإبل وقال القاضي: معناه لا تكاد تجد في مئة إبل راحلة تصلح للركوب وطيئة سهلة الانقياد فكذا تجد في مئة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه وقال الراغب: الإبل في تعارفهم اسم لمئة بعير فمئة إبل عشرة آلاف بعير فالمراد أنك ترى واحدا كعشرة آلاف وترى عشرة آلاف دون واحد ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى عد ألف بواحد اه قال بعضهم خص ضرب المثل بالراحلة لأن أهل الكمال جعلهم الحق تعالى حاملين عن أتباعهم المشاق مذللة لهم الصعب في جميع الآفاق لغلبة الحنو عليهم والإشفاق (حم ق ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 2560 - (إنما) وفي رواية الدارقطني إن بدون ما (النساء شقائق الرجال) أي أمثالهم كذا قرره البعض وأولى منه قول بعض العارفين: إنما كن شقائق الرجال لأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام وخلقت كل أنثى من بنيه من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل وكل ذكر من سبق ماء الرجل وعلوه على ماء المرأة وكل خنثى فمن مساواة الماءين في الأخلاق والطبائع كأنهن شققن منهم (حم د ت) وكذا الدارقطني في الطهارة (عن عائشة) قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد بللا ولم يذكر احتلاما فقال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد [ص: 563] احتلم ولا يجد بللا قال لا غسل عليه وقالت أم سليم أعلى المرأة ترى ذلك غسل قال نعم ثم ذكره وفي رواية إن أم سليم سألته عن المرأة ترى ما يرى الرجل في النوم قال إذا رأت الماء فلتغتسل فقالت هل للنساء من ماء قال نعم ثم ذكره وأشار الترمذي إلى أن فيه عبد الله بن عمر بن حفص العمري ضعفه يحيى بن سعيد (البزار) في مسنده (عن أنس) قال ابن القطان هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح قال بعضهم ما ثم أميل من النساء للرجال وعكسه لافتقار كل منهما للآخر شهوة وحالا وطبعا الحديث: 2560 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 2561 - (إنما الوتر) بفتح الواو وكسرها (بالليل) أي إنما وقته المقدر له شرعا في جوف الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فمن أوتر قبل ذلك أو بعده فلا وتر له نعم يسن قضاؤه (طب عن الأغر) بفتح المعجمة بعدها راء (ابن يسار) المدني له صحبة قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر فذكره قال الهيثمي رجاله موثقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر الحديث: 2561 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 2562 - (إنما الولاء) بالفتح والمد (لمن أعتق) أي لا لغيره كالحليف وفيه عموم يقتضي ثبوته في كل عتق تبرعا أو واجبا عن كفارة أو غيرها قاله لعائشة لما أرادت شراء بربرة وأراد مواليها اشتراط ولائها لهم أي فلا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط وجوده كعدمه واستفيد منه أن كلمة إنما للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولاه ما لزم من إثبات الولاء للمعتق ونفيه عن غيره واستدل بمفهومه على أنه ولاء لمن أسلم على يديه رجل خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط خلافا لإسحاق وبمنطوقه على إثبات الولاء لمن أعتق سائبة ودخل فيمن أعتق عتق المسلم للمسلم وللكافر وبالعكس وهذا الحديث فيه فوائد تزيد على أربع مئة وذكر النووي أن ابن جرير وابن خزيمة صنفا فيه تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من الاستنباط (خ) في الفرائض (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه من تفردات البخاري عن صاحبه وهو ذهول فقد رواه مسلم في العتق صريحا ورواه النسائي وأبو داود الحديث: 2562 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 2563 - (إنما أخاف على أمتي) أمة الإجابة (الأمة) أي شر الأمة (المضلين) المائلين عن الحق المميلين عنه والأمة جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد يحتمل أنه يريد أنه يخاف على عوام أمته جور جميع أئمة الضلال أئمة العلم والسلطان فالسلطان إذا ضل عن العدل وباين الحق تبعه كافة العوام خوفا من سلطانه وطمعا في جاهه والإمام في العلم قد يقع في شبهة ويعتريه زلة فيضل بهوى أو بدعة فيتبعه عوام المسلمين تقليدا ويتسامح بمتابعة هوى أو يتهافت على حطام الدنيا من أموال السلطان أو يرتكب معصية فيغتر به العوام وفائدة الحديث تحذير الإمام من الإمامة على ضلالة وتخويف الرعية من متابعته على الاغترار بإمامته (ت) في الفتن (عن ثوبان) ورواه عنه أيضا أبو داود وفيه عبد الله بن فروخ تكلم فيه غير واحد الحديث: 2563 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 2564 - (إنما استراح من غفر له) أي سترت ذنوبه فلا يعاقب عليها فمن تحققت له المغفرة استراح وذلك لا يكون إلا بعد فصل القضاء والأمر بدخول الجنة فليس الموت مريحا لأن ما بعده غيب عنا ومن ثم سئل بعض العارفين متى يجد العبد طعم الراحة فقال أول قدم يضعها في الجنة (حل عن عائشة) قالت قام بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قال أبو نعيم غريب من حديث ابن لهيعة تفرد به المعافى بن عمران (ابن عساكر) في التاريخ (عن بلال) المؤذن قال جئت إلى النبي [ص: 564] صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماتت فلانة واستراحت فغضب ثم ذكره وقضية تصرف المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر ممن ذكره ولا أعلا وهو عجيب فقد خرجه أحمد والطبراني بسند فيه ابن لهيعة والبزار بسند قال الهيثمي رجاله ثقات باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير سديد الحديث: 2564 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 2565 - (إنما أنا بشر) أي مخلوق يجري علي ما يجري على الناس من السهو (أنسى) بفتح الهمزة وتخفيف المهملة وقيل بضم الهمزة وشد المهملة والنسيان غفلة القلب عن الشيء (كما تنسون) قاله لما زاد أو نقص في الصلاة وقيل له أو زيد فيها؟ فذكره قال ابن القيم: كان سهوه في الصلاة من إتمام الله نعمته على عبيده وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما شرعه عند السهو فعلم منه جواز السهو على الأنبياء في الأحكام لكن يعلمهم الله به بعد وقال في الديباج: استدل به الجمهور على جواز النسيان عليه في الأفعال البلاغية والعبادات ومنعه طائفة وتأولوا الحديث وعلى الأول قال الأكثر شرطه تنبهه فورا متصلا بالحادثة وجوز قوم تأخيره مدة حياته واختاره إمام الحرمين أما الأقوال البلاغية فيستحيل السهو فيها إجماعا وأما الأمور العادية والدنيوية فالأصح جواز السهو في الأفعال لا الأقوال (فإذا نسي أحدكم) في صلاته (فليسجد) ندبا هبه بزيادة أو نقص أو بهما (سجدتين) وإن تكرر السهو مرات (وهو جالس) في صلاته وما قيل إن اقتصاره على سجود السهو يقتضي أن سهوه كان بزيادة إذ لو كان بنقص لتداركه منع بأن ليس كل نقص يجب تداركه بل ذاك في الواجب لا الأبعاض ثم إن آخر الخبر يدل على أن سجود السهو قبل السلام وأوله بعكسه والخلاف معروف (حم هـ عن ابن مسعود) ظاهر كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد الشيخين لتخريجه والأمر بخلافه بل رواه الشيخان بما يفيد معناه بزيادة ابن مسعود أيضا ولفظهما إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين اه الحديث: 2565 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 2566 - (إنما أنا بشر) أي بالنسبة إلى عدم الاطلاع على بواطن الخصوم وبدأ به تنبيها على جواز أن لا يطابق حكمة الواقع لأنه لبشر لا يعلم الغيوب ولا يطلع على ما في النفوس ولو شاء الله لأطلعه على ما فيها ليحكم باليقين لكن لما أمرت أمته بالإقتداء به أجرى أحكامه على الظاهر والبشر الخلق يتناول الواحد والجمع (وإنكم تختصمون إلي) فيما بينكم ثم تردونه إلي ولا أعلم باطن الأمر (فلعل) وفي رواية بالواو (بعضكم) المصدر خبر لعل من قبيل رجل عدل أي كائن أو إن زائدة أو المضاف محذوف أي لعل وصف بعضكم (أن يكون) أبلغ كما في رواية البخاري أي أكثر بلاغة وإيضاحا للحجة وفي رواية له أيضا (ألحن) كأفعل من اللحن بفتح الحاء الفطانة أي أبلغ وأفصح وأعلم في تقرير مقصوده وأفطن ببيان دليله وأقدر على البرهنة على دفع دعوى خصمه بحيث يظن أن الحق معه فهو كاذب ويحتمل كونه من اللحن وهو الصرف عن الصواب أي يكون أعجز عن الإعراب (بحجته من بعض) آخر فيغلب خصمه (فأقضي) فأحكم له أي للبعض الأول على الأول وللثاني على الثاني وإن كان الواقع أن الحق لخصمه لكنه لم يفطن لحجته ولم يقدر على معارضته لكن إنما أقضي (على نحو) بالتنوين (ما أسمع) لبناء أحكام الشريعة على الظاهر وغلبة الظن ومن فيهما بمعنى لأجل أو بمعنى على أن أقضي على الظاهر من كلامه وتمسك بقوله أسمع من قال إن الحاكم لا يقضي بعلمه لإخباره بأنه لا يحكم إلا إذا [ص: 565] سمع في مجلس حكمه وبه قال أحمد وكذا مالك في المشهور عنه وقال الشافعي يقضى به وقال أبو حنيفة في المال فقط (فمن قضيت له) بحسب الظاهر (بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكره المسلم تنبيها على أنه في حقه أشد وإن كان الذمي والمعاهد كذلك (فإنما هي) أي القصة أو الحكومة (1) أو الحالة (قطعة من النار) أي مآلها إلى النار أو هو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه شبه ما يقضى به ظاهرا بقطعة من نار نحو {إنما يأكلون في بطونهم نارا} قال السبكي: وهذه قضية شرطية لا يستدعي وجودها بل معناه أن ذا جائز ولم يثبت أنه حكم بحكم فبان خلافه (فليأخذها أو ليتركها) تهديد لا تخيير على وازن {فمن شاء فليؤمن} ذكره النووي واعترض بأنه إن أريد به أن كلا من الصنفين للتهديد فممنوع فإن قوله أو ليتركها للوجوب وهو خطاب للمقضى له ومعناه إن كان محقا فليأخذ أو مبطلا فليترك فالحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه ولم يبين له ما هو الحق بالحق دفعا لهتك أسرار الأشرار وليقتدي به في الحكم ببينة أو يمين وما تقرر في معنى هذا الحديث هو ما نقحه بعض المتأخرين أخذا من قول القاضي إنما صدر بقوله " إنما أنا بشر " تأسيسا لجواز أن لا يطابق حكمه الواقع لأنه لا يعلم الغيب ولا يطلع على ما في الضمائر وإنما يحكم بما سمعه من المترافعين فلعل أحدهما أقدر على تقرير حجته فيقررها على وجه يظن أن الحق معه فيحكم له وفي الواقع لخصمه لكن لم يفطن لحقه ولم يقدر على معارضته وتمهيدا لعذره فيما عسى أن يصدر عنه من أمثال ذلك ولو نادرا من قبيل الخطأ في الحكم إذ الحاكم مأمور بالحكم بالظاهر لا بما في نفس الأمر فلو أقام المبطل بينة زورا فظن الحاكم عدالتها فقضى فهو محق في الحكم وإن كان المحكوم به غير ثابت انتهى وقال القرطبي: قد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة على بواطن كل من يتخاصم إليه فيحكم بحق ذلك لكن لما كان ذلك من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يجعل الله ذلك طريقا عاما ولا قاعدة كلية للأنبياء ولا لغيرهم لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع لهم وإن وقع فنادر وتلك سنة الله في خلقه {ولن تجد لسنة الله تبديلا} قال: وقد شاهدت بعض المحرفين وسمعت منهم أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية ويحكمون بالخواطر القلبية ويقول الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني وهذه مخرقة أبرزتها زندقة يقتل صاحبها قطعا وهذا خير البشر يقول في مثل هذا المواطن إنما أنا بشر معترفا بالقصور عن إدراك المغيبات وعاملا بما نصبه الله له من اعتبار الإيمان والبينات. وفي الحديث شمول للأموال والعقود والفسوخ فحكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا فيما الباطن فيه كالظاهر وظاهرا فقط فيما يترتب على أصل كاذب فلو حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا فهو حجة على الحنفية في قولهم ينفذ باطنا أيضا حتى لو حكم بنكاح شاهدي زور حل له وطؤها عندهم وأجابوا عن الخير بما فيه تعسف وتكلف (مالك) في الموطأ (حم ق ع عن أم سلمة) قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فذكره   (1) الكلمة غير واضحة في الأصل بين " الحكومة " أو " الحرمة " وقد اخترنا " الحكومة " لمناسبتها للمعنى. دار الحديث الحديث: 2566 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 2567 - (إنما أنا بشر) قال الراغب: عبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده بخلاف الحيوانات التي عليها صوف أو شعر أو وبر واستوى في لفظه الواحد والجمع (تدمع العين) رأفة ورحمة وشفقة على الولد تنبعث على التأمل فيما هو عليه لا جزع وقلة صبر (ويخشع القلب) لوفور الشفقة (ولا نقول) معشر المؤمنين (ما يسخط الرب) أي يغضبه (والله يا إبراهيم) ولده من مارية (إنا بك) أي بسبب موتك (لمحزونون) فيه الرخصة في البكاء بلا صوت والإخبار عما في القلب من الحزن وإن كان كتمه أولى ودمع العين وحزن القلب لا ينافي الرضى بالقضاء وقد كان قلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئا بالرضى ولما ضاق صدر بعض العارفين عن جمع الأمرين عند موت ولده ضحك فقيل له فيه فقال إن الله قضى قضاء فأحببت الرضى بقضائه فحال المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل من هذا فإنه أعطى المعبودية حقها [ص: 566] واتسع قلبه للرضى فرضي عن الله تعالى بقضائه وحملته الرأفة على البكاء وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماعهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة (ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة ورواه البخاري وأبو داود في الجنائز ومسلم في الفضائل عن أنس بلفظ إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون انتهى وقد سمعت غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يفيد معناه فالعدول عنه لغيره ممنوع عند المحدثين الحديث: 2567 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 2568 - (إنما أجلكم) في رواية للبخاري إنما بقاؤكم (فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (خلا) قبلكم (من الأمم) السابقة (كما) أي مثل الزمن الذي (بين) آخر وقت (صلاة العصر) المنتهية (إلى مغارب) وفي رواية غورب (الشمس) ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمن الأمم السابقة وليس مرادا بل معناه أن نسبة مدة عمر هذه الأمة إلى أعمار من تقدم من الأمم مثل ما بين العصر والغروب إلى بقية النهار فكأنه قال إلى بقاؤكم بالنسبة لما خلا إلخ فجعل في بمعنى إلى وحذف ما تعلقت به وهو النسبة كما حذف ما تعلقت به إلى (وإنما مثلكم) أيها الأمة فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به قوله (ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل) في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتابين مع أنبيائهم (استأجر أجراء) بالمد بخط المصنف جمع أجير فما في نسخ من جعله أجيرا بالإفراد تحريف (فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط) أصله قراط بالتشديد وهو نصف دانق والمراد به هنا النصيب وكرره دلالة على أن الأجر لكل منهم قيراط لا أن المجموع في الطائفة قيراط وعادة العرب إذا أرادت تقسيم شيء على متعدد كررته تقول أقسم المال على بني فلان درهما درهما أي لكل واحد درهما (فعملت اليهود) في رواية حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم قال (من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر) أي أول وقت دخولها أو أول الشروع فيها (على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين قيراطين) بالتثنية (فأنتم) أيتها الأمة (هم) أي فلكم قيراطان لإيمانكم بموسى وعيسى مع إيمانكم بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأن التصديق عمل قال المصنف المراد تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر في كثرة العمل الشاق والتكليف وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه وليس المراد طول الزمن وقصره إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل قال إمام الحرمين: الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي لضرب الأمثال (فغضبت اليهود والنصارى) أي الكفار منهم (وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء) يعني قال أهل الكتاب ربنا أعطيت لأمة محمد ثوابا كثيرا مع قلة أعمالهم وأعطيتنا قليلا مع كثرة أعمالنا (قال) أي الله تعالى (هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من حقكم) وفي رواية بدل حقكم أجركم أي الذي اشترطته لكم (شيئا) وفي رواية من شيء وأطلق لفظ الحق لقصد المماثلة وإلا فالكل من فضله تعالى (قالوا لا) لم تنقصنا من أجرنا أو لم تظلمنا (قال فذلك) [ص: 567] أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أوتيه من أشاء) قال الطيبي: هذه المقاولة تخييل وتصوير لا حقيقة ويمكن حملها على وقوعها عند إخراج الذر ذكره القاضي قال الفخر الرازي كل نبي معجزاته أظهر فثواب أمته أقل إلا هذه الأمة فإن معجزات نبيها أظهر وثوابها أكثر (مالك) في الموطأ (حم خ ت عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أنس وأبو هريرة وغيرهما الحديث: 2568 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 2569 - (إنما أنا بشر) أي أنا مقصور على الموصوف بالبشرية بالنسبة إلى الظواهر (وإني اشترطت على ربي عز وجل) يعني سألته فأعطاني (أي عبد من المسلمين شتمته أو سببته) من باب الحصر المجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ويسمى عند علماء البيان قصر قلب لأنه أتى به ردا على من زعم أن الرسول يعلم الغيب فيطلع على البواطن فلا يخفى عليه شيء فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها فإنه خلق خلقا لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء فإذا ترك على ما جبل عليه ولم يطرأ عليه تأييد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر (أن يكون ذلك له زكاة) نماء وزيادة في الخير (وأجرا) ثوابا عظيما منه تعالى قال في الزاهر معنى اشترطت عليه جعلت بيني وبينه علامة ومنه قولهم نحن في أشراط الفتنة أي في علاماتها ثم إن هذا من كمال شفقته على الخلق واتساعه في معرفة الحق قال العارف الشاذلي: كان إذا آذاني إنسان يهلك للوقت وأنا الآن ليس كذا فقيل: كيف قال: اتسعت المعرفة (حم م عن جابر) بن عبد الله الحديث: 2569 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 2570 - (إنما أنا بشر) أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية وهذا إشارة إلى قوله تعالى {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} فقد ساوى البشر في البشرية وأمتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية (إذا أمرتكم بشيء من دينكم) أي إذا أمرتكم بما ينفعكم في أمر دينكم (فخذوا به) أي افعلوه فهو حق وصواب دائما (وإذا أمرتكم بشيء من رأيي) يعني من أمور الدنيا (فإنما أنا بشر) يعني أخطئ وأصيب فيما لا يتعلق بالدين لأن الإنسان محل السهو والنسيان ومراده بالرأي الرأي في أمور الدنيا على ما عليه جمع لكن بعض الكاملين قال: أراد به الظن لأن ما صدر عنه برأيه واجتهاده وأقر عليه حجة الإسلام مطلقا (م عن رافع بن خديج) قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل قال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت ثمرته فذكره قال القرطبي: إنما قال ذلك لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة فإنه لم يكن ممن يعاني الزراعة والفلاحة ولا باشر ذلك فخفي عليه فتمسك بالقاعدة الكلية التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مدبر إلا الله فإذا نسب شيء إلى غيره نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرفية الحديث: 2570 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 2571 - (إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الخبرة بما يحصل للأشجار والثمار ونحو ذلك لا بالنسبة إلى كل شيء (وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله) أي لا يقع عني فيما أبلغه عن الله كذب ولا غلط عمدا ولا سهوا وهذا كالذي قبله يفيد أنه لم يكن التفاته إلى الأمور الدنيوية ولم يكن على ذكر منه إلا [ص: 568] المهمات الأخروية (حم هـ عن طلحة) بن عبد الله قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون فذكره نحو ما تقرر في التأبير الحديث: 2571 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 2572 - (إنما أهلك) في رواية هلك (الذين من قبلكم) من بني إسرائيل (أنهم كانوا) بفتح الهمزة فاعل أهلك (إذا سرق فيهم الشريف) أي الإنسان العالي المنزلة الرفيع الدرجة (تركوه) يعني لم يحدوه (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الوضيع الذي لا عشيرة له ولا منعة (أقاموا عليه الحد) أي قطعوه قال في المطامح: وهذا جار في عصرنا فلا قوة إلا بالله وهذه مداهنة في حدود الله وتبعيض فيما أمر بنفي التبعيض فيه قال ابن تيمية: قد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن مشابهة من قبلنا في أنهم كانوا يفرقون في الحدود بين الأشراف والضعفاء وأمر أن يسوى بين الناس في ذلك وإن كان كثير من ذوي الرأي والسياسة قد يظن أن إعفاء الرؤساء أجود في السياسة واعلم أن الحصر قد أشكل على كثير لأن الأمم السالفة كان فيهم أشياء كثيرة تقتضي الهلاك غير المحاباة في الحدود وأجيب إما بمنع اقتضائه الحصر أو بأن المحصور هلاك خاص باعتبار خاص على حد {إنما أنت نذير} وهو نذير وبشير قال ابن عرفة: ويدخل تحت هذا الذم كل من أولى الأمر أو الخطبة غير أهلها وغير ذلك من المحاباة في أحكام الدين وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها انتهى بنصه (حم ق 4 عن عائشة) قالت إن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فكلموا أسامة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله ثم خطب فذكره ثم قال وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها الحديث: 2572 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 2573 - (إنما بعثت فاتحا خاتما) أي للأنبياء أو للنبوة قال ابن عطاء الله ما زال فلك النبوة دائرا إلى أن عاد الأمر من حيث بدأ وختم بمن له كمال الاصطفاء فهو الفاتح الخاتم نور الأنوار وسر الأسرار والمبجل في هذه الدار أعلى المخلوقات منارا وأتمهم فخارا (وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه) القرآن أو كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها (واختصر لي الحديث اختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون) أي الذين يقعون في الأمور بغير روية قال الحرالي: وإنما بعث كذلك لأنه بعث بالقرآن المنزل عند انتهاء الخلق وكمال الأمر بدءا فكان التخلق جامعا لانتهاء كل خلق خلق وكمال كل أمر فلذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم الفاتح الخاتم الجامع الكامل وكان كتابه خاتما فاستوفى صلاح هذه الجوامع الثلاث التي جلت في الأولين بداياتها وتمت عنده غاياتها (هب عن أبي قلابة) بكسر القاف وفتح اللام بموحدة واسمه عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء البصري أحد الأئمة التابعين ونزيل الشام (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم وهو كثير الإرسال الحديث: 2573 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 2574 - (إنما الدين) أي الملة وهو دين الإسلام أي عماده وقوامه ومعظمه كالحج عرفة فالحصر مجازي بل ادعى جمع أنه حقيقي لما سيجيء في معنى النصح وأنه لم يبق من الدين شيئا (النصح) هو لغة الإخلاص والتصفية وشرعا إخلاص الرأي من الغش للنصوح وإيثار مصلحته ومن ثم كانت هذه الكلمة مع وجازة لفظها ليس في كلامهم أجمع منها ولهذا عبر بأداة الحصر والقصر فمن [ص: 569] لا نصح عنده فليس عنده من الدين إلا الاسم وحقيق بالنصح أن يكون بهذه المثابة لأنه الوصف النفسي الذي لا يصدر عنها إلا وهي خالصة من النفاق عارية من الغش فدل بهذه الجملة على أن النصح يسمى دينا وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول (أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في التوبيخ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2574 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 2575 - (إنما المجالس بالأمانة) أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار فلا يحل لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه كما أفصح به في الخبر الآتي (أبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ عن عثمان) بن عفان (وعن ابن عباس) الحديث: 2575 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 2576 - (إنما يتجالس المتجالسان) أي الشخصان الذي يجلس أحدهما إلى الآخر للتحدث (بأمانة الله تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي عن صاحبه ما يخاف) من إفشائه قال البيهقي فيه حفظ المسلم سر أخيه وتأكد الاحتياط لحفظ الأسرار لاسيما عن الأشرار والفجار فاحذر أن تضيع أمانة استودعتها وتضييعها أن تحدث بها غير صاحبها فتكون ممن خالف قول الله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فتكون من الظالمين وتحشر في زمرة الخائنين (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي مسعود) ورواه عنه أيضا ابن لال ثم إن فيه عبد الله بن محمد بن المغيرة قال الذهبي في الضعفاء قال العقيلي يحدث بما لا أصل له وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ورواه البيهقي في الشعب مرسلا وقال هذا مرسل جيد الحديث: 2576 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 2577 - (إنما العلم) أي تحصيله (بالتعلم) بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول (وإنما الحلم بالتحلم) أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب: الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب (ومن يتحر الخير يعطه) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه الله تعالى إياه (ومن يتق) في رواية يتوق (الشر يوقه) زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو رده من سفر تطير <تنبيه> قال بعضهم: ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب: الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة والثاني يحصل [ص: 570] بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالما بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللهجة وسخيا وجريئا وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلا طبعا وعادة وتعلما فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلا فهو كامل الرذيلة (قط في الأفراد) والعلل (خط) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى ولم يبين وجه ضعفه وذلك لأن فيه إسماعيل بن مجالد وليس بمحمود (طس عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه محمد بن الحنفي بن أبي يزيد وهو كذاب انتهى وقال السخاوي: محمد بن الحسن هذا كذاب لكن رواه البيهقي في المدخل من غير جهته عن أبي الدرداء موقوفا ورواه عنه مرفوعا باللفظ المذكور الخطيب في كتابه رياضة المتعلمين وفي الباب عن أنس أخرجه عنه العسكري وعن معاوية وما ذكر من عزو الحديث للطبراني هو ما في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أجد فيها للطبراني بل خط عن أبي الدرداء انتهى ورواه ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين قال ابن حجر في المختصر إسناده حسن لأن فيهما مبهما اعتضد لمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم مرفوعا فلا تغتر بمن جعله من كلام البخاري الحديث: 2577 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 2578 - (إنما الخاتم) بكسر التاء وفتحها الحلقة التي توضع في الأصبع (لهذه وهذه يعني الخنصر والبنصر) بفتح الصاد وكسرها فيهما أي إنما ينبغي للرجل لبسه فيهما لا في غيرهما من بقية الأصابع لأنه من شعائر الحمقاء والنساء وقد صرح النووي في شرح مسلم بكراهة لبس الخاتم في غير الخنصر للرجل بل صوب الأذرعي التحريم لكن صرح الصيدلاني بحل اتخاذ خواتيم كثيرة ليلبسها معا أي ما لم يعد إسرافا هذا محصول ما عند الشافعية في المسألة وأما ما في الخبر من ضم البنصر للخنصر فلم أقف على من قال به ولولا تفسير الراوي لأمكن جعل الإشارة لخنصر اليد اليمنى وبنصر اليسرى (طب) من رواية محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه (عن) جده (أبي موسى) الأشعري قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقلب خاتمي في السبابة والوسطى فذكره قال الحافظ الزين العراقي ومحمد بن عبيد الله أظنه العرزمي ضعيف عندهم وقال بعده بقليل هذا الحديث إسناده ضعيف الحديث: 2578 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 2579 - (إنما أنا بشر مثلكم) خصني الله بالوحي والرسالة ومع ذلك (أمازحكم) أي أداعبكم وأباسطكم كانت له مهابة فكان ينبسط للناس بالدعابة وكان إذا مازح لا يقول إلا حقا نحو أحملك على ولد الناقة زوجك الذي في عينه بياض لا يدخل الجنة عجوز ونحو ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي جعفر الخطمي) بفتح المعجمة وسكون الطاء المدني نزيل البصرة (مرسلا) واسمه تصغير عمر بن يزيد ثقة صدوق الحديث: 2579 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 2580 - (إنما أنا لكم) اللام للأجل أي لأجلكم (بمنزلة الوالد) في الشفقة والحنو لا في الرتبة والعلو وفي تعليم ما لا بد منه فكما يعلم الأب ولده الأدب فأنا (أعلمكم) ما لكم وعليكم وأبو الإفادة أقوى من أبي الولادة وهو الذي أنقذنا الله به من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان وقدم هذا أمام المقصود إعلاما بأنه يجب عليه تعليمهم أمر دينهم كما يلزم الوالد إيناسا [ص: 571] للمخاطبين كما يحتشموا عن السؤال عما يعرض لهم عما يستحى منه وبسطا للعذر عن التصريح بقوله (فإذا أتى أحدكم الغائط) أي محل قضاء الحاجة (فلا يستقبل) يعني فرجه الخارج منه (القبلة) أي الكعبة (ولا يستدبرها) ببول ولا غائط وجوبا في الصحراء وندبا في غيرها (ولا يستطب) أي لا يستنجي بغسل أو مسح وقول المشارق الاستطابة بالحجر فقط ردوه سميت به لطيب الموضع أو لطيب نفس المستطيب بإزالة النجاسة ومعنى الطيب هنا الطهارة (بيمينه) فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما وقد أفاد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمة كالأب وكذا أزواجه أمهات المؤمنين لأن منه ومن أزواجه تعلم الذكور والأثاث معاني الدين كله ولم يتولد خير إلا منه ومنهن فبره وبرهن أوجب من كل واجب وعقوقه وعقوقهن أهلك من كل مهلك وهذا نهي بلفظ الخبر وهو أبلغ في النهي لأن خبر الشارع لا يتصور خلافه وأمره وقد يخالف ذكره النووي ويستطبب بالياء على ما في عامة النسخ لكن قال الحافظ العراقي هو في أصلنا بدون ياء على لفظ النهى <تنبيه> قال ابن الحاج: أمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة أولاده لأنه السبب للإنعام عليهم بالحياة السرمدية والخلود في دار النعيم فحقه أعظم من حقوق الوالدين قال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك فقدم نفسه على غيره والله قدمه في كتابه على نفس كل مؤمن ومعناه إذا تعارض له حقان حق لنفسه وحق لنبيه فآكدهما وأوجبهما حق النبي صلى الله عليه وسلم ثم يجعل حق نفسه تبعا للحق الأول وإذا تأملت الأمر في الشاهد وجدت نفع المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من الآباء والأمهات وجميع الخلق فإنه أنقذك وأنقذ آباءك من النار وغاية أمر أبويك أنهما أوجداك في الحس فكانا سببا لإخراجك إلى دار التكليف والبلاء والمحن (حم د ن هـ حب) كلهم في الطهارة (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة وفيه محمد بن عجلان وفيه كلام سبق الحديث: 2580 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 2581 - (إنما أنا عبد) أي كامل المعبودية لله تعالى (آكل كما يأكل العبد) لا كما تأكل الملوك ونحوهم من أهل الرفاهية (وأشرب كما يشرب العبد) أي لا أجلس للأكل ولا للشرب كما يجلس الذين ادعوا الحرية ويجلسون جلوس الأحرار برفاهية وغيرها والإنسان وإن أفر بالعبودية لا يفي بكمال حقها إذ وصف العبد رد المشيئة في جميع أموره إلى مشيئة مولاه وترك الاختيار مطلقا ولا يطيق ذلك إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويكره الأكل والشرب متكئا (عد) وكذا الديلمي وابن أبي شيبة (عن أنس) وفيه قصة قال بعض شراح الشفاء وسنده ضعيف الحديث: 2581 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 2582 - (إنما أنا مبلغ) عن الله ما يوحي به إلي (والله يهدي) أي يوصل إلى الرشاد وليس لي من الهداية شيء (وإنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم ما أمرني الله بقسمته وألقى إلى كل واحد ما يليق به (والله يعطي) من يشاء فليست قسمتي كقسمة الملوك الذين يعطون من شاؤوا ويحرمون من شاؤوا فلا يكون في قلوبكم سخط وتنكر للتفاضل فإنه بأمر الله والمراد أنا أقسم ما أوحى إلي لا أفضل أحدا من أمتي على الآخر في إبلاغ الوحي وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء أو المراد أنا أقسم العلم بينكم والله يعطي الفهم الذي يهتدي به إلى خفيات العلوم في كلمات الكتاب والسنة والتفكر في معناها والتوفيق للعمل بمقتضاها لمن شاء ذكره القاضي وهو بمعنى قول الطيبي المراد أنه تعالى يعطي من شاء أن يفقهه استعدادا لتلقف المعاني استعدادا على ما قدره وقال التوربشتي: علم المصطفى صلى الله عليه وسلم صحبه أنه لم يفضل في قسمته ما أوحي إليه أحدا على أحد بل سوى في الإبلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء وقد كان بعض الصحب يسمع الحديث ولا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم وممن بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقال الكرماني في [ص: 572] قوله الله يعطي تقديم لفظ الله مفيد للتقوية عند السكاكي ولا يحتمل التخصيص أي الله يعطي لا محالة وعند الزمخشري يحتمله أيضا فيكون معناه الله يعطي لا غيره ويصح أن يكون جملة حالية فيكون معناه ما أنا قاسم إلا في حال إعطاء الله لا في حال غيره واستشكل التعبير بأداة الحصر من حيث إن معناه ما أنا إلا قاسم وكيف يصح وله صفات أخرى كالرسول والمبشر والنذير وأجيب بأن الحصر بالنسبة لاعتقاد السامع فحسب فلا ينفي إلا ما اعتقده لا كل صفة فإن اعتقد أنه معط لا قاسم كان من قصر القلب أي ما أنا إلا قاسم لا معط وإن اعتقد أنه قاسم ومعط كان قصر أفراد لا شركة في الوصفين بل أنا قاسم فقط <تنبيه> استنبط السبكي من هذا الحديث أن الإمام ليس له تقديم غير الأحوج عليه لأن التمليك والإعطاء إنما هو من الله لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله وإنما وظيفته القسمة وهي يجب كونها بالعدل ومنه تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجة فإذا قسم بينهما ودفع لهما علمنا أن الله ملكه لهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة فإن لم يكن إمام وبرز أحدهما واستأثر كان كما لو استأثر بعض الشركاء بمال مشتركا فلا يجوز <تنبيه> أخذ ابن الحاج من الحديث أنه ليس للعالم أن يخص قوما دون آخرين بإلقاء الأحكام عليهم لأن المسلمين قد تساووا في الأحكام وبقيت المواهب من الله يخص بها من يشاء (طب عن معاوية) قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما حسن الحديث: 2582 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 2583 - (إنما أنا رحمة) أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته كذلك وإن كانت ذاته رحمة فصفاته التابعة لذاته كذلك (مهداة) بضم الميم أي ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها الله إليهم فمن قبل هديته أفلح ونجا ومن أبى خاب وخسر وذلك لأنه الواسطة لكل فيض فمن خالف فعذابه من نفسه كعين انفجرت فانتفع قوم وأهمل قوم فهي رحمة لها ولا يشكل على الحصر وقوع الغضب منه كثيرا لأن الغضب لم يقصد من بعثه بل القصد بالذات الرحمة والغضب بالتبعية بل في حكم العدم فانحصر فيها مبالغة أو المعنى أنه رحمة على الكل لا غضب على الكل أو أنه رحمة في الجملة فلا ينافي الغضب في الجملة أنه رحمة في الجملة ويكفي في المطلب إثبات الرحمة (ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) في النوادر (عن أبي صالح مرسلا) أبو صالح في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه (ك) في الإيمان (عنه) أي عن أبي صالح (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم على شرطهما وتفرد الثقة مقبول انتهى وأقره عليه الذهبي الحديث: 2583 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 2584 - (إنما بعثت) أي أرسلت (لأتمم) أي لأجل أن أكمل (صالح) وفي رواية بدله مكارم (الأخلاق) بعد ما كانت ناقصة وأجمعها بعد التفرقة قال الحكيم: أنبأنا به أن الرسل قد مضت ولم تتم هذه الأخلاق فبعث بإتمام ما بقي عليهم وقال بعضهم: أشار إلى أن الأنبياء عليهم السلام قبله بعثوا بمكارم الأخلاق وبقيت بقية فبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بما كان معهم وبتمامها وقال الحرالي: صالح الأخلاق هي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها في قوله اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي وقال العارف ابن عربي: معنى الحديث أنه لما قسمت الأخلاق إلى مكارم وإلى سفساف وظهرت مكارم الأخلاق كلها في شرائع الرسل وتبين سفسافها من مكارمها عندهم وما في العالم إلا أخلاق الله وكلها مكارم فما ثم سفساف أخلاق فبعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالكلمة الجامعة إلى الناس كافة وأوتي جوامع الكلم وكل شيء يقدمه على شرع خاص فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه بعث لتتم صالح الأخلاق فصار للكل مكارم أخلاق فما ترك في العلم سفساف أخلاق جملة واحدة لمن عرف مقصد الشرع فأبان لنا مصارفه لهذا المسمى سفسافا من نحو حرص وشره وحسد وبخل وكل صفة مذمومة فأعطانا لها مصارف إذا أجريناها عليها عادت مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذم فكانت محمودة فتمم الله به مكارم الأخلاق فلا ضد لها كما أنه لا ضد للحق لكن منا من عرف المصارف ومنا من جهلها (ابن سعد) [ص: 573] في الطبقات (خد ك هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكأن المصنف أغفله ذهولا وقال ابن عبد البر حديث متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره الحديث: 2584 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 2585 - (إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا) لأنه حشي بالرحمة والرأفة فاستنار قلبه بنور الله فرقت الدنيا في عينه فبذل نفسه في جنب الله فكان رحمة ومفزعا ومأمنا وغياثا وأمانا فالعذاب لم يقصد من بعثه (تخ عن أبي هريرة) وفي الباب نحوه عن جمع صحابيين الحديث: 2585 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 2586 - (إنما بعثتم) أيها المؤمنون (ميسرين) نصب على الحال من الضمير في بعثتم وكذا قوله الآتي معسرين قال الحرالي: والتيسير تحمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر بما يجتهد النفس ويضر الجسم ثم أكد التيسير بنفي ضده وهو التعسير فقال (ولم تبعثوا معسرين) إسناد البعث إليهم مجاز لأنه المبعوث بما ذكر لكن لما نابوا عنه في التبليغ أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله أي مأمورون وكان ذا شأنه مع كل من بعثه لجهة يقول يسروا ولا تعسروا وهذا قاله لما بال ذو الخويصرة اليماني أو الأقرع بن جايس بالمسجد (ت عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2586 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 2587 - (إنما بعثني الله مبلغا) للأحكام عن الله معرفا به داعيا إليه وإلى جنته مبينا مواقع رضاه وآمرا بها ومواقع سخطه وناهيا عنها ومخبرا بأخبار الرسل مع أممهم وأمر المبدأ والمعاد وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها وأسباب ذلك (ولم يبعثني متعنتا) أي مشددا قاله لعائشة لما أمر بتخيير نسائه فبدأ بها فاختارته وقالت لا تقل أني اخترتك فذكره وفي إفهامه إشعار بأن من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المعلم المتعلم عن سوء الأخلاق باللطف والتعريض ما أمكن من غير تصريح وبطريق الرحمة من غير توبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف وتهبيج الحرص على الإصرار ذكره الغزالي (ت عن عائشة) ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن لكن قال الذهبي في المهذب هو منقطع الحديث: 2587 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 2588 - (إنما جزاء السلف) أي القرض (الحمد والوفاء) أي حمد المقترض للمقرض والثناء عليه وأداء حقه له قال الغزالي: فيستحب للمدين عند قضاء الدين أن يحمد المقضي له بأن يقول بارك الله لك في أهلك ومالك انتهى وما اقتضاه وضع إنما من ثبوت الحكم المذكور ونفيه عما عداه من أن الزيادة على الدين زيادة غير جائزة غير مراد وإنما هو على سبيل الوجوب لأن شكر المنعم وأداء حقه واجبان والزيادة فضل ذكره الطيبي (حم ن هـ عن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي قال: استسلف النبي صلى الله عليه وسلم مني حين غزا حنينا أربعين ألفا فجاءه مال فقضاها وقال بارك الله في أهلك ومالك ثم ذكره وفيه إبراهيم بن إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم على اختلاف الروايتين ابن عبد الله بن أبي ربيعة قال في المنار: لا يعرف حاله ولم تثبت عدالته انتهى لكن قال الحافظ العراقي الحديث حسن وعبد الله بن أبي ربيعة اسم أبيه عمرو بن المغيرة ولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم الجند فبقي عليها إلى أواخر أيام عثمان ومات بقرب مكة ومن لطائف إسناده أنه من رواية إسماعيل عن أبيه عن جده الحديث: 2588 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 2589 - (إنما جعل الطواف بالبيت) الكعبة (وبين الصفا والمروة) أي وإنما جعل السعي بينهما (ورمي الجمار) إلى [ص: 574] العقبة (لإقامة ذكر الله) يعني إنما شرع ذلك لإقامة شعار النسك وتمامه في رواية الحاكم لا لغيره وكأنه سقط من كلام المصنف (د ك) في الحج (عن عائشة) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم واعترض بأن فيه عبد الله بن أبي زياد الصراح ضعفه ابن معين وكذا النسائي مرة وظاهر صنيع المصنف تفرد به أبي داود عن الستة والأمر بخلافه فقد رواه منهم أيضا الترمذي وقال حسن صحيح الحديث: 2589 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 2590 - (إنما جعل الاستئذان) أي إنما شرع الاستئذان في دخول الغير (من أجل) وفي رواية من قبل (البصر) أي جهته أي إنما احتيج إليه لئلا يقع نظر من في الخارج على من هو داخل البيت ولولاه لم يشرع وهذا قاله لما اطلع الحكم ابن العاص أو غيره في بابه وكان بيد النبي صلى الله عليه وسلم مدرا يحك بها رأسه فقال لو أعلم أنك تنظر لطلقت به في عينك ثم ذكره قال في المنضد وإذا كان هذا في النظر إلى الرجال فإلى النساء آكد وأشد وفيه دليل على صحة التعليل القياسي فهو حجة الجمهور على نفاة القياس وفيه أن من اطلع في بيت غيره يجوز طعنه في عينه إذا لم يندفع إلا به ولا يختص ذلك ببيت المصطفى صلى الله عليه وسلم بدليل خبر: من اطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه ولا ضمان ولا دية عند الشافعي لأنه عقوبة على جناية سابقة (حم ق ت) كلهم في الاستئذان (عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه أيضا النسائي في الديات الحديث: 2590 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 2591 - (إنما حر جهنم على أمتي) أمة الإجابة إذا دخلها العصاة منهم للتطهير (كحر الحمام) أي كحرارته اللطيفة التي لا تؤذي الجسم ولا توهنه فإن قلت: هذا قد يناقضه ما مر أنهم إذا دخلوها ماتوا فلا يحسون بألم العذاب قلت: قد يقال إنها تكون عليهم عند إحيائهم الأمر بإخراجهم منها كحر الحمام (طس عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف انتهى وفيه أيضا شعيب بن طلحة نقل السخاوي عن الدارقطني أنه متروك والأكثر على قبوله الحديث: 2591 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 2592 - (إنما سماهم الله تعالى الأبرار) أي إنما سمى الله تعالى الأبرار أبرارا في القرآن (لأنهم بروا الآباء والأمهات والأبناء) أي أحسنوا إلى آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم ورفقوا بهم وتحروا محابهم وتوقوا مكارههم ولم يوقعوا الضغائن بينهم بتفضيل بعضهم على بعض بنحو عطية أو إكرام بلا موجب شرعي (كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك) عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فضل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد الله بن الوليد الصافي وهو ضعيف انتهى ونقل في الميزان تضعيفه عن الدارقطني وغيره وعن ابن حبان والنسائي والفلاس أنه متروك ثم ساق له أخبارا أنكرت عليه هذا منها وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلا من الطبراني وهو قصور فقد رواه سلطان المحدثين باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور في الأدب المفرد وترجم عليه باب بر الأب لولده فالضرب عنه صفعا والعدول عنه للطبراني من سوء التصرف الحديث: 2592 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 [ص: 575] 2593 - (إنما سمي البيت) الذي هو الكعبة المعظمة البيت (العتيق لأن الله) لفظ رواية الحاكم إنما يسمي البيت العتيق لأنه (أعتقه) أي حماه (من الجبابرة) جمع جبار وهو الذي يقتل على الغضب (فلم يظهر عليه جبار قط) وفي رواية لم ينله جبار قط وفي أخرى لم يقدر عليه جبار قط وأراد بنفي الظهور نفي الغلبة والاستيلاء. قال في المصباح: ظهرت على الحائط علوت ومنه قيل ظهر على عدوه إذا غلبه والمراد جبار من الكفار وقصة الفيل مشهورة (ت ك) في التفسير (هب) كلهم عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن العوام قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وأقول فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ضعفه الأئمة وبقية رجاله ثقات الحديث: 2593 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 2594 - (إنما سمي الخضر) وفي نسخة حذف هذه وهي ثابتة في خط المصنف نعم هي رواية والخضر بفتح السكون أو فكسر أو بكسر فسكون قال ابن حجر: ثبتت بهما الرواية بالرفع قائم مقام الفاعل ومفعوله الثاني قوله (خضرا لأنه جلس على فروة) بالفاء أرض يابسة (بيضاء) لا نبات فيها فإذا هي أي الفروة تهتز أي تتحرك تحته خضرا بالتنوين أي نباتا أخضر ناعما بعد ما كانت جرداء وروى خضراء كحمراء. قال النووي: واسمه بلياء أو إيلياء وكنيته أبو العباس والخضر لقبه وإطلاق الاسم على اللقب شائع وهو صاحب موسى عليه السلام الذي أخبر عنه بالقرآن العظيم بتلك الأعاجيب وأبوه ملكان بفتح فسكون ابن قالع ابن عابر ابن شالخ ابن أرفخشد ابن سام ابن نوح وقيل هو ابن حلقيا وقيل ابن قابيل ابن آدم وقيل ابن فرعون صاحب موسى وهو غريب وقيل أمه رومية وأبوه فارسي وقيل هو ابن آدم عليه السلام لصلبه وقيل الرابع من أولاده وقيل عيصو وقيل من سبط هارون عليه السلام وقيل هو ابن خالة ذي القرنين ووزيره ومن أعجب ما قيل أنه من الملائكة والأصح عند الجمهور أنه نبي معمر محجوب عن الأبصار وهو حي عند عامة العلماء وعامة الصلحاء وقيل لا يموت إلا في آخر الزمان حتى يرتفع القرآن. قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم وهو الذي يقتله الدجال ثم يحييه وإنما طالت حياته لأنه شرب من ماء الحياة وليكذب الدجال قال العارف ابن عربي: حدثني شيخنا العزيني بشيء فتوقفت فيه فتأذى الشيخ ولم أشعر فانصرفت فلقيني في الطريق رجل لا أعرفه فسلم علي ثم قال صدق الشيخ فيما قال فرجعت إلى الشيخ فلما رآني قال: تحتاج في كل مسألة إلى أن يلقاك الخضر فيخبرك بصدقها وقال ابن عربي أيضا كنت في مركب بساحل تونس فأخذتني بطني والناس نيام فقمت إلى جنب السفينة وتطلعت في البحر فرأيت رجلا على بعد في ضوء القمر يمشي على الماء حتى وصل إلي فرفع قدمه الواحدة واعتمد الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها بلل ثم اعتمد الأخرى ورفع صاحبتها فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام وانصرف فأصبحت جئت المدينة فلقيني رجل صالح فقال: كيف كانت ليلتك مع الخضر عليه السلام قال: وخرجت إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد فدخلنا مسجدا خرابا لصلاة الظهر فإذا بجماعة من السياحين المنقطعين دخلوا يريدون ما نريده وفيهم ذلك الرجل الذي كلمني في البحر ورجل أكبر منزلة منه فصلينا ثم خرجنا فأخذ الخضر عليه السلام حصيرا من محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع ثم صلى عليها فقلت لصاحبي أما تنظر ما فعل؟ قال اسأله فلما فرغ من صلاته أنشدته هذه الأبيات: شغل المحب عن الهواء بسره. . . في حب من خلق الهواء وسخره. . . والعارفون عقولهم معقولة عن كل كون ترتضيه مطهره. . . فهم لديه مكرمون وفي الورى. . . أحوالهم مجهولة ومستره [ص: 576] فقال ما فعلت ما رأيت إلا لهذا المنكر الذي معك فهذا ما جرى لنا مع هذا الوتد وله من العلم اللدني والرحمة بالعالم ما يليق بمن هو في رتبته واجتمع به شيخنا علي بن عبد الله بن جامع وكان الخضر عليه السلام ألبسه الخرقة بحضور العارف قضيب البان وألبسنيها المسيح عليه الصلاة والسلام بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر عليه السلام ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر عليه السلام اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا عبارة عن الصحبة والآداب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت عادة أصحاب الأحوال أنهم إذا رأوا واحدا من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا تكميله يتجذبه الشيخ فإذا تجذبه أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك الحال ونزعه وأفرغه عليه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل به ذلك الرجل فذلك هو الإلباس عندنا المعروف عند شيوخنا المحققين رضي الله تعالى عنهم (1) (حم ق ت د عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) ما ذكره من أن الشيخين معا خرجاه هو ما جرى عليه فتبعه لكن الصدر المناوي قال لم يخرجه مسلم فليحرر   (1) وذكره صاحب العروة الوثقى فقال أبو العباس الخضر عليه السلام أعني بليان بن ملكان بن سمعان وأورد حديثين سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلى الله على محمد إلا نضر الله قلبه ونور بصيرته والثاني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته وكل عام يلتقي مع إلياس في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان على هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله بسم الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله فمن قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب الحديث: 2594 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 [تابع حرف الهمزة] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 2595 - [ص: 2] (إنما سمي القلب) قلبا (من تقلبه) فإن القلب في الأصل مشترك بين كوكب معروف والخالص واللب ومنه قلب النخل ومصدر قلبت الشيء رددته على بدئه والإناء قلبته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه صرفته عنه والمراد العضو الرئيس المعلق بالجانب الأيسر المثلث الشكل المحدد الرأس سمي به لسرعة الخواطر وترددها عليه كما أشار إليه بقوله (إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة) أي ملقاة بأرض واسعة عديمة البناء (تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن) وما سمي الإنسان إلا لنسيه. . . ولا القلب إلا أنه ينقلب ومن ثم قيل: ينبغي للعاقل الحذر من تقلب قلبه فإنه ليس بين القلب والكلب إلا التفخيم قال الغزالي: القلب غرض للخواطر لا يقدر على منعها والتحفظ عنها بحال ولا هي تنقطع عنك بوقت ثم النفس متسارعة إلى اتباعه والامتناع عن ذلك في مجهود الطاعة أمر شديد ومحنة عظيمة وعلاجه عسير إذ هو غيب عنك فلا يكاد يشعر به حتى تدب فيه آفة وتحدث له حالة ولذلك قيل: ما سمي القلب إلا من تقلبه. . . والرأي يضرب بالإنسان أطوارا قال النظار وذوو الاعتبار: وفي الحديث رد على الصوفية في قولهم إن الطريق لا ينال بتعليم بل هو تطهير للنفس عن الصفات المذمومة أو تصفيتها ثم الاستعداد وانتظار الفتح ما ذاك إلا لأن القلب ترد عليه وساوس وخواطر تشوش القلب فيتقلب وإذا لم يتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم تشبث بالقلب خيالات فائدة تطمئن النفوس إليها مدة طويلة وربما انقضى العمر بغير نجاح (طب عن أبي موسى) الأشعري قال العراقي: إسناده حسن وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه منهم بعضهم باللفظ المزبور الحديث: 2595 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 2596 - (إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب) أي يحرقها ويذيبها لما يقع فيه من العبادة يقال رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء شدة الحر ورمضت قدمه احترقت من الرمضاء ورمضت الفصال إذا وجدت حر الرمضاء فاحترقت أخفافها ورمض الرجل أحرقت قدميه الرمضاء وخرج يترمض الظباء يسوقها في الرمضاء حتى تنفسخ أظلافها فيأخذها ذكره الزمخشري وغيره (محمد بن منصور) بن عبد الجبار التميمي صاحب التصانيف في الفقه وأصوله والحديث وغير ذلك الإمام في ذلك (السمعاني) بفتح السين وسكون الميم نسبة إلى سمعان بطن من تميم (وأبو زكريا يحيى بن منده في أماليهما عن أنس) ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] أيضا الحديث: 2596 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 2597 - (إنما سمي شعبان لأنه يتشعب) أي يتفرع (فيه خير كثير للصائم) أي لصائمه (حتى يدخل الجنة) يعني [ص: 3] يكون صومه وما تفرع عليه سببا لادخاله الجنة مع السابقين الأولين أو بغير عذاب أو نحو ذلك والمقصود به بيان فضل صوم شعبان وعظم قدر الشهر (الرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) تاريخ قزوين (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] بلفظ تدرون لم سمي شعبان والباقي سواء الحديث: 2597 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 2598 - (إنما سميت الجمعة) أي إنما سمي يوم الجمعة يوم جمعة (لأن آدم) عليه السلام (جمع) بالبناء للمفعول أي جمع الله (فيها خلقه) أي صوره أكمل تصوير على هذا الهيكل العجيب البديع وإلى هذا الحديث أشار النووي في تهذيبه بقوله: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سميت جمعة لاجتماع خلق آدم عليه السلام فيها. اه وخفي هذا على الحافظ العراقي فلم يحضره مع سعة اطلاعه وعلو كعبه في هذا الفن فاعترض النووي حيث قال عقبه: لم أجد لهذا الحديث أصلا ومما قيل في سبب تسميتها به أيضا إنه لاجتماع الناس فيها أو لأن المخلوقات اجتمع خلقها وفرغ منها يوم الجمعة أو لاجتماع آدم مع حواء عليهما السلام في الأرض فيها أو لأن قريشا كانت تجتمع فيه إلى قصي في دار الندوة (خط) في ترجمة أبي جعفر الأفواهي (عن سلمان) الفارسي وفيه عبد الله بن عمر بن أبي أمية قال الذهبي: فيه جهالة وقرشع الصبي ذكره ابن حبان في الضعفاء الحديث: 2598 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 2599 - (إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك) بالتحريك مغث الحمى كما في الصحاح وغيره أي شدتها (أو الحمى) التي هي حرارة غريبة بين الجلد واللحم فكأنه يقول حين تصيبه الحمى شديدة أو كانت أو حقيقة فكما أن الشديدة مكفرة فالخفيفة مكفرة أيضا كرما منه تعالى وفضلا (كمثل حديدة تدخل النار فتذهب خبثها) بمعجمة فموحدة مفنوحتين ما تبرزه النار من الوسخ والقذر (ويبقى طيبها) بكسر الطاء وسكون التحتية فكذا الوعك أو الحمى يذهب بالخطايا والذنوب وضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقرير لأنه أوقع في القلب ويريك المتخيل متحققا والمعقول محسوسا ولذلك أكثر الله تعالى في كتبه للأمثال ولا يضرب المثل إلا لما فيه غرابة (طب ك) في الإيمان (عن عبد الرحمن بن أزهر) بفتح الهمزة وزاي ساكنة الزهري المدني شهد حنينا قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال في المهذب مرسل جيد الحديث: 2599 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 2600 - (إنما مثل صاحب القرآن) أي مع القرآن والمراد بصاحبه من ألف تلاوته نظرا أو عن ظهر قلب فإن من داوم ذلك ذل له لسانه وسهلت عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه (كمثل صاحب الإبل المعقلة) أي مع الإبل المعقلة بضم الميم وفتح العين وشد القاف أي المشدودة بعقال أي حبل شبه درس القرآن ولزوم تلاوته بربط بعير يخاف شراده (إن عاهد عليها) أي احتفظ بها ولازمها (أمسكها) أي استمر إمساكه لها (وإن أطلقها ذهبت) أي انفلتت شبه القرآن بالإبل المقيدة بالعقل فما دام تعهده موجودا فحفظه موجود كما أن الإبل ما دامت مشدودة بالعقال فهي محفوظة وخص الإبل لأنها أشد الحيوان الأهلي نفورا والمراد بالحصر حصر مخصوص بالنسبة لأمر مخصوص وهو دوام حفظه بالدرس كحافظ البعير بالعقل أما بالنسبة لأمور أخرى فله أمثلة أخرى. ألا ترى قد ضرب له [ص: 4] أمثالا أخر كقوله مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة أفاده الحافظ العراقي دافعا به ما عساه يقال إن قضيته دلالة إنما على الحصر أنه لا مثل له سوى ذلك وهو أوضح من قول ابن حجر المراد حصر مخصوص بالنسبة للحفظ والنسيان بالتلاوة والترك (مالك) في الموطأ (حم ق ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2600 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 2601 - (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك) أي وإن لم يكن صاحبه (ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يجذيك) بجيم وذال معجمة أي يعطيك (وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة) أي أنك إن لم تظفر منه بحاجتك جميعا لم تعدم واحدة منها إما الإعطاء وإما الشراء وإما الاقتباس للرائحة وكذا يقال في قوله (ونافخ الكير) بعكس ذلك وذلك أنه (إما أن يحرق ثيابك) بما تطاير من شرار الكير (وإما أن تجد) منه (ريحا خبيثة) والمقصود منه النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما وفيه إيذان بطهارة المسك وحل بيعه وضرب المثل والعمل في الحكم بالأشياء والنظائر وأنشد بعضهم: تجنب قرين السوء واصرم حباله. . . فإن لم تجد منه محيصا فداره والزم حبيب الصدق واترك مراءه. . . تنل منه صفو الود ما لم تماره ومن يزرع المعروف مع غير أهله. . . يجده وراء البحر أو في قراره ولله في عرض السماوات جنة. . . ولكنها محفوفة بالمكاره (ق عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 2601 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 2602 - (إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل) الذي (يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) فيصح النفل بنية من أول النهار أي قبل الزوال وتناول مفطر عند الشافعية ويثاب من طلوع الفجر لأن الصوم لا يتجزأ (ن هـ عن عائشة) قلت: يا رسول الله أهدي لنا حيس فخبأت لك منه فقال: أدنيه أما إني أصبحت وأنا صائم فأكل ثم ذكره قال عبد الحق: فيه انقطاع وذلك لأنه في طريق النساء من رواية أبي جعفر الأحوص عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة ومجاهد لم يسمعه منها كما في علل الترمذي الحديث: 2602 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 2603 - (إنما مثل الذي) أي إنما مثل الإنسان الذي (يصلي ورأسه) أي والحال أن شعر رأسه (معقوص) أي مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا يسقط على الأرض فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود. قال أبو شامة: وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء (حم م طب عن ابن عباس) الحديث: 2603 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 2604 - (إنما هلك من كان قبلكم من الأمم) أي تسببوا في إهلاك أنفسهم بالكفر والإبتداع (باختلافهم في الكتاب) [ص: 5] يعني أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة فكفر بعضهم بكتاب بعض فهلكوا فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب والمراد بالاختلاف ما أوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو شحناء ونحو ذلك الاختلاف في وجوه المعاني واستنباط الأحكام والمناظرة لإظهار الحق فإنه مأمور به فضلا عن كونه منهيا عنه. قال الحرالي: والاختلاف انتقال من الخلاف وهو تقابل بين اثنين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه (م) في كتاب العلم (عن ابن عمرو) بن العاص قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج يعرف في وجهه الغضب فذكره وفي رواية للترمذي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى كأنما فقيء في وجهه حب الرمان حمرة من الغضب فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم ثم ذكره وقضية كلام المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن البخاري وهو ذهول بل خرجه عن النزال بن سبرة عن ابن مسعود وليس بينهما إلا اختلاف قليل ومن ثم أطلق عزوه إليهما أئمة كالديلمي الحديث: 2604 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 2605 - (إنما هما قبضتان) تثنية قبضة والقبضة بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف وهو بالضم الاسم وبالفتح المرة والقبض الآخذ بجميع الكف <تنبيه> سبق عن العارف ابن عربي ما يفيد أن المراد بالقبضتين هنا سر الكمال الذاتي الذي إذا انكشف إلى الأبصار يوم القيامة يختلف أبصار الكافر فيرمى به في النار والمؤمن فيدخله الجنة فالقبضتان متحد معناهما مثنى لفظهما وبسرهما خلقت الجنة والنار والمنور والمظلم والمنعم والمنتقم وعلى ذلك المنوال قال: {والأرض جميعا قبضته} عرفنا من وضع اللسان أن يقال فلان في قبضتي يريد تحت حكمي وإن كان لا شيء منه في يديه البتة لكن أمره فيه ماض وحكمه عليه قاض كحكمه على ما ملكته يده حسا وقبضت عليه فلما استحالت الجارحة عليه تعالى عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها وهو ملك ما قبضت عليه حالا (فقبضة في النار وقبضة في الجنة) أي أنه سبحانه وتعالى قبض قبضة وقال هذه إلى النار ولا أبالي وقبض قبضة وقال هذه إلى الجنة ولا أبالي فالعبرة إنما هو بسابق القضاء الإلهي الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا ولا يناقضه خبر إنما الأعمال بالخواتيم لأن ربطها بها إنما هو لكون السابقة غيب عنا والخاتمة ظاهرة لنا فنيطت الأعمال بها بالنسبة إلينا ومع ذلك فيتعين العمل لآية {فأما من أعطى واتقى} ولا يغتر بإيحاء النفس والشيطان أنه لا عبرة بالعمل بل بالسابقة أو الخاتمة فإنه تمويه وإضلال وغفلة عن وضع الأسباب للمسببات (حم طب عن معاذ) بن جبل الحديث: 2605 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 2606 - (إنما هما اثنتان الكلام والهدى) أي السيرة والطريق (فأحسن الكلام) مطلقا (كلام الله) المنزل على رسله في الكتب العلية الشأن وأعظمها الكتب الأربعة (وأحسن الهدي هدي محمد) النبي الأمي أي سيرته وطريقته (ألا) قال الحرالي: استفتاح وتنبيه وجمع للقلوب للسماع (وإياكم ومحدثات الأمور) أي احذروها وهي ما أحدث على غير قواعد الشرع كما سبق (فإن شر الأمور محدثاتها) التي هي كذلك (وكل محدثة) أي خصلة محدثة (بدعة وكل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم الأمد) بدال مهملة كذا هو بخط المصنف فمن جعلها براء فقد حرف (فتقسو قلوبكم) {ولا تكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} ومن ثم قال الحكيم: بطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقل الذنوب وما أنصف من نفسه من أيقن بالحشر والحساب وزهد في الأجر والثواب وقال الغزالي: إذا أملت [ص: 6] العيش الطويل شغل قلبك وضاع وقتك وكثر همك وغمك بلا فائدة ولا طائل ومن طال أمله لا يذكر الموت فمن لم يذكره فمن أين لقلبه الحرقة فإذا طولت أملك قلت طاعتك فإنك تقول سوف أفعل والأيام بين يدي وتأخرت توبتك واشتد حرصك وقسى قلبك وعظمت غفلتك عن الآخرة وذهبت والعياذ بالله آخرتك (ألا إن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس بآت) فكأنكم بالموت وقد حل بكم والساعة أدهى وأمر قال الطائي: من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن طال أمله ساء عمله وقال يحيى بن معاذ: الأمل قاطع عن كل خير والطمع مانع من كل حق والصبر صائر إلى كل ظفر والنفس داعية إلى كل شر ومن ثمرات طول الأمل ترك الطاعة والتكاسل فيها وترك التوبة وتسويفها والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا عن الآخرة مخافة الفقر والنسيان للآخرة (ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه) أي من قدر الله عليه في أصل خلقته كونه شقيا فشقي حقيقة لا من عرض له الشقاء بعد وهو إشارة لشقاء الآخرة لا الدنيا (والسعيد من وعظ بغيره ألا إن قتال المؤمن كفر) أي يؤدي إلى الكفر لشؤمه أو كفعل الكفار أو إن استحل والمراد كفر النعمة لا الجحود (وسبابه فسوق) أي سبه وشتمه خروج عن طاعة الله (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاث) من الأيام إلا لمصلحة دينية كما دلت عليه أخبار وآثار (ألا وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع (فإن الكذب لا يصلح لا بالجد ولا بالهزل) حيث كان لغير مصلحة شرعية كإصلاح بين الناس والكذب لغير ذلك جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه وخبث نتائجه لأنه نتيجة النميمة والنميمة نتيجة البغضاء تؤول إلى العداوة وليس مع العداوة أمن ولا راحة (ولا يعد الرجل صبيه) يعني طفله ذكرا أو أنثى فتخصيص الصبي غالبي (فلا يفي له) بل ينبغي أن يقف عند قوله عند وعده لولده {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وقوله فلا - بالفاء - هو ما رأيته في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أره ذكره بالفاء (وإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يؤدي ويجر إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي إلى دخول نار جهنم (وإن الصدق) أي قول الحق (يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة) يعني أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذمة وذلك سبب لدخول الجنة بفضل الله (وإنه يقال) أي بين الملأ الأعلى ويكتب في اللوح أو في الصحف أو على ألسنة الخلق بإلهام من الله تعالى (للصادق صدق وبر) في أقواله (ويقال للكاذب كذب وفجر) فيصير ذلك كالعلم عليه وذلك يحمل من له أدنى عقل على الرغبة في الأول والتحرز عن التساهل في الثاني (ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه والمراد أن دواعي الكذب قد ترادفت فيه حتى ألفها فصار الكذب له عادة ونفسه إليه منقادة حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه فطامه وحينئذ يكتب عند الله كذابا وكرر حرف التنبيه زيادة في تقريع القلوب بهذه المواعظ وأن كل كلمة من هذه الكلمات حقيقة بأن يتنبه المخاطب بها ويلقي لها سمعا واعيا وقلبا مراعيا (هـ عن ابن مسعود) قال الزين العراقي إسناده جيد الحديث: 2606 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 [ص: 7] 2607 - (إنما يبعث الناس) من قبورهم (على نياتهم) فمن مات على شيء بعث عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر. فيه أن الأمور بمقاصدها وهي قاعدة عظيمة مفرع عليها من الأحكام ما لا يخفى وفي رواية إنما يحشر الناس على نياتهم وفي رواية لابن ماجه أيضا بدون إنما (هـ عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن وقال الزين العراقي إسناد أحد روايتي ابن ماجه حسن الحديث: 2607 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 2608 - (إنما يبعث المقتتلون على النيات) أي إنما يؤتون يوم القيامة على نياتهم أي قصودهم التي كانوا عليها في الدنيا فيجازون على طبقها وتجري أعمالهم على حكمها قال الغزالي: فمن عزم ليلا على أن يصبح ويقتل مسلما أو يزني بإمرأة فمات تلك الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد هم بسيئة ولم يعملها فكيف يظن أن الله لا يؤاخذ بالنية والهم (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن شمر قال في الميزان عن الجوزجاني كذاب وعن ابن حبان رافضي يروي الموضوعات وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مناكير هذا منها وعمرو هذا واه وجابر الجعفي قد ضعفوه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو يعلى والطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: وفيه جابر الجعفي ضعيف وقال الحافظ: رواه ابن أبي الدنيا باللفظ المزبور عن ابن عمر رضي الله عنه وسنده ضعيف ورويناه في فوائد تمام باللفظ إنما يبعث المسلمون على النيات وفيه ليث بن أبي سليم وفيه خلف الحديث: 2608 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 2609 - (إنما يسلط الله تعالى على ابن آدم من يخافه ابن آدم ولو أن ابن آدم يخف غير الله لم يسلط الله عليه أحدا) من خلقه فيؤذيه (وإنما وكل) بالبناء للمفعول والتخفيف أي إنما فوض (ابن آدم) أي أمره (لمن رجا ابن آدم) أي لمن أمل منه حصول نفع أو ضر (ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله) أي لم يؤمل نفعا ولا ضرا إلا منه (لم يكله الله إلى غيره) لكنه تردد وشك فأحس بالمكروه فإنه إذا شك انتفخت الرئة للجبن الذي حل بها وضاق الصدر حتى زجزج القلب عن محله فلما ضاق على القلب محله ضاق محله التدبير وهو الصدر فحصل الاضطراب والقلق والخوف ولو أشرق عليه نور اليقين لما تزحزح ولما زاد عند عروض المخوف إلا ثباتا واتساعا لكمال وثوقه بربه وجزمه بأن النفع والضرر ليس إلا منه لا من الأسباب فافهم (الحكيم) الترمذي (عن ابن عمر) بن الخطاب وسببه أنه مر في سفر بجمع على طريق فقال: ما شأنكم. قالوا: أسد قطع الطريق فنزل فأخذ بأذنه فنحاه عن الطريق ثم قال: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما يسلط فذكره <فائدة> قال ابن عربي: أوحى الله إلى داود عليه السلام ابن لي بيتا يعني بيت المقدس فكلما بناه تهدم فأوحى الله إليه لا يقوم على يديك فإنك سفكت الدماء فقال: ما كان إلا في سبيلك فقال: صدقت ومع هذا أليسوا عبيدي وإنه يقوم على يد ولدك سليمان فكان الحديث: 2609 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 2610 - (إنما يدخل الجنة من يرجوها) لأن من لم يرجها قانط من رحمة الله والمقنط جاهل بالله وجهله به يبعده عن دار [ص: 8] كرامته ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (وإنما يجنب النار من يخافها) أي يخاف أن يعذبه ربه بها والله سبحانه وتعالى عند ظن عبده به (وإنما يرحم الله من يرحم) أي يرق قلبه على غيره لأن الجزاء من جنس العمل فمن لا يرحم لا يرحم (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال العلائي: إسناده حسن على شرط مسلم وأقول هذا غير مقبول ففيه سويد بن سعيد فإن كان الهروي فقد قال الذهبي: قال أحمد متروك وقال البخاري: عمي فلقي فتلقن وقال النسائي: غير ثقة وإن كان الدقاق فمنكر الحديث كما في الضعفاء للذهبي الحديث: 2610 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 2611 - (إنما يخرج الدجال) من دجل البعير طلاه بالقطران طليا كثيفا سمي به لستره الحق بباطله أو من دجل الشيء طلاه بالذهب موهه به لتمويهه على الناس أو من دجل في الأرض إذا ضرب فيها لكونه يطوفها كلها في أمد قليل أو من الدجل وهو الكذب وهو أعور كذاب (من غضبة) أي لأجل غضبة يتحلل بها سلاسله (يغضبها) قال الطيبي: قيل يغضبها في محل صفة غضبة والضمير للغضبة وهو في محل نصب على المصدر أي أنه يغضب غضبة فيخرج بسبب غضبه والقصد الإشعار بشدة غضبه حيث أوقع خروجه على الغضبة وهي المرة من الغضب ويحتمل جعله مفعولا مطلقا على رأي من يجوز كونه ضميرا (حم م) في الفتن (عن حفصة) بنت عمر استشهد عنها خنيس بن حذافة السهمي يوم أحد ماتت سنة إحدى وأربعين أو غيرها ولم يخرجه البخاري الحديث: 2611 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 2612 - (إنما يرحم الله من) بيانية (عباده الرحماء) بالنصب على أن ما في إنما كافة وبالرفع على أنها موصولة والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة وقضيته أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة الكاملة بخلاف من فيه رحمة ما. لكن قضية خبر أبي داود الراحمون يرحمهم الله شموله ورجحه البعض وإنما بولغ في الأول لأن ذكر لفظ الجلالة فيه دال على العظمة فناسب فيه التعظيم والمبالغة. <فائدة> ذكر بعض العارفين من مشائخنا أن حجة الإسلام الغزالي رؤي في النوم فسئل ما فعل الله به فقال: أوقفني بين يديه وقال: بماذا جئت فذكرت أنواعا من العبادات فقال: ما قبلت منها شيئا ولكن غفرت لك هل تدري بماذا؟ جلست تكتب يوما فسقطت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك (طب عن جرير) بن عبد الله وعزوه للطبراني كالصريح في أنه لم يره في شيء من الكتب الستة وهو غفول قبيح فقد عزاه هو نفسه في الدرر للشيخين معا من رواية حديث أسامة بن زيد وهو في كتاب الجنائز من البخاري ولفظه عن أسامة بن زيد قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم تقول: إن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إليهم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله ما هذا قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده إنما يرحم الله من عباده الرحماء الحديث: 2612 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 2613 - (إنما يعرف الفضل لأهل الفضل) لفظ رواية الخطيب ذو الفضل أي العلم والعمل لأن فضل العلم إنما يعرف بالعلم فلما عدم الجهال العلم الذي به يتوصلون إلى معرفته جهلوا فضله واسترذلوا أهله وتوهموا أن ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتنيات والطرف المشتهيات أولى أن يكون إقبالهم عليها وأحرى أن يكون إشتغالهم بها قال ابن المعتز: العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما ولذلك انصرف الجهال عن العلم وأهله انصراف الزاهدين وانحرفوا عنه وعنهم الخراف المعاندين فإن من جهل شيئا عاداه والناقص لعدم الفضل لعجزه عن بلوغ فضلهم يريد ردهم إلى درجة نقصه لعزته بنفسه ذكره الماوردي وقال الإمام الرازي: ما لم يكن الإنسان أعلم من غيره لا يمكن معرفته قدره فلا يقدر [ص: 9] على التمييز بين رجلين إلا أعلم منهما لأنه لا بد أن يعرف مقدار معلومات كل ومقدار ما به زاد أحدهما على الآخر ونقص منه وهذا لا يتيسر إلا لأعلم من كل منهما وإذا لم يمكن الناقص أن يحيط بما هو أكمل منه في العرف الشاهد فكيف يمكن العقول الناقصة الإحاطة بجلال من جلاله غير متناه قال الماوردي: فيه أن الطالب إذا أحس من نفسه قوة لفرط ذكائه وحدة خاطره يعرف لمعلمه فضله ولا يظهر له الاستكفاء منه ولا الاستغناء عنه فإن في ذلك كفرا بنعمته واستخفافا بحقه لكن لا يبعثه معرفة الحق له على التقليد فيما أخذ عنه فربما غلا بعض الأتباع في عالمهم حتى يروا أن قوله دليل وإن لم يستدل وأن اعتقاده حجة وإن لم يحتج فيفضي بهم الأمر إلى التسليم له فيما أخذوا عنه ويؤول به ذلك إلى التقصير فيما يصدر منه لأنه يجتهد بحسب اجتهاد من يأخذ عنه فلا يبعد أن تبطل تلك المقالة إن انفردت أو يخرج أهلها عن عداد العلماء فيما شاركت لأنه قد لا يرى لهم من يأخذ عنهم ما كانوا يرونه لمن أخذوا عنه فيطالبوهم بما قصروا فيه فيضعفوا عن إبانته ويعجزوا عن نصرته فيذهبوا ضائعين ويصيروا عجزة مضعوفين اه (خط) في ترجمة أبي ظاهر الأنباري (عن أنس) قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد إذ أقبل علي فسلم ثم وقف ينتظر موضعا يجلس فيه وكان أبو بكر عن يمينه فتزحزح له عن مجلسه وقال: ههنا يا أبا الحسن فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فعرف السرور في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقضية تصرف المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش فإنه أورده في ترجمة جعفر الدقاق الحافظ من روايته عنه ثم تعقبه بأن أبا زرعة ذكر عن الجرجاني أنه قال: هو ليس بمرضي في الحديث ولا في كتبه كان فاسقا كذابا هذه عبارته فاقتصار المصنف على عزوه إليه وسكوته عما أعله به غير صواب ثم إن فيه أيضا محمد بن زكريا الغلابي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: يضع الحديث وقال ابن الجوزي: موضوع فإن الغلابي يضع (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن عائشة) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر فأقبل العباس فأوسع له فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فذكره قال السخاوي: وهما ضعيفان ومعناه صحيح ولا يخدشه إجماع أهل السنة على تفضيل أبي بكر انتهى الحديث: 2613 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 2614 - (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح) أي يرش بالماء حتى يعم موضع البول وإن لم يسل (من بول الذكر) أي الصبي الذي لم يتناول غير لبن للتغذي ولم يجاوز حولين ومثل الأنثى الخنثى وفارق الذكر بغلبة الإبتلاء بحمله دونهما أما إذا أكل غير لبن للتغذي أو جاوز حولين فيتعين الغسل وبهذا كله أخذ الشافعي وفيه نجاسة بول الطفل قال النووي: وما حكاه عياض عن الشافعي أنه طاهر فينضح باطل والإكتفاء بالنضح هو مذهب الشافعي كما تقرر وقال أبو حنيفة ومالك يغسل كغيره والحديث حجة عليهما (حم د هـ ك عن أم الفضل) بنت الحارث امرأة العباس لبابة قالت: كان الحسن في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فبال فقلت: أعطني إزارك أغسله فذكره وسكت عليه أبو داود وأقره المنذري وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر في تخريج المختصر حديث حسن وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالطفل وندب حمله الحديث: 2614 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 2615 - (إنما يقيم) للصلاة (من) أي المؤذن الذي (أذن) لها يعني هو أولى بالإقامة من غيره لأن ذلك حتم كما تعيده روايات أخر (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلب بلالا ليؤذن فلم يوجد فأمر رجلا فأذن فجاء بلال فأراد أن يقيم فذكره قال الهيثمي: فيه سعد بن راشد السماك ضعيف الحديث: 2615 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 [ص: 10] 2616 - (إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا) أي مدة كونه فيها (مثل زاد الراكب) هو ما يوصل لمقصده بقدر الحاجة من غير فضلة في مأكله ومشربه وما يقيه الحر والبرد وهذا إرشاد إلى الزهد في الدنيا والاقتصار فيها على قدر الحاجة فإن التوسع فيها وإن كان قد يعين على المقاصد الأخروية لكن النعم الدنيوية قد امتزج دواؤها بدائها ومرجوها بمخوفها ونفعها بضرها فمن وثق ببصيرته وكمال معرفته فله استكثار بقصد صرف الفاضل إلى ما يوصل إلى منازل الأبرار وإلا فالبعد البعد والفرار والفرار عن مظان الأخطار (طب هب) وكذا أبو يعلى من حديث يحيى بن جعدة (عن خباب) بمعجمة وموحدتين أولهما مشددة قال يحيى: عاد خبابا ناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر أبا عبد الله ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض فقال: كيف بهذا وأشار إلى أعلى البيت وأسفله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال المنذري: إسناده جيد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو ثقة الحديث: 2616 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 2617 - (إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله) وما عدا ذلك فهو معدود عند أهل الحق من السرف وتركه عين الشرف وصرف النفس عن شهواتها حتى الحلال هو حقيقة تزكيتها وقتلها إضناؤها إنما هو إحياؤها وإطلاقها ترتع في شهواتها هو إرداؤها {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} والنفس مطية يقويها اضناؤها ويضعفها استمتاعها فعلى المؤمن رفع يده عما زاد على الكفاف وتخليته لذوي الحاجة ليتخذوه معاشا (ت) في الزهد (ن) في الزينة (هـ) في الزهد (عن أبي عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة فوق بن ربيعة بن عبد شمس القرشي بن خالد أو شيبة أو هاشم أو هشام أو هشيم صحابي صغير من مسلمة الفتح مرض فجاء معاوية يعوده فقال: يا خالي ما يبكيك أوجع يعتريك أي يقلقك قال: كلا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا لم آخذ به فذكره الحديث: 2617 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 2618 - (إنما يلبس الحرير في الدنيا) لفظ عربي يسمى به لخلوصه إذ يقال لكل أمر خالص محرر وقيل فارسي معرب (من) أي مكلف وكلمة من هذه تدل على العموم فتشمل الإناث لكنه مخصوص بالرجال بأدلة خارجية (لا خلاق) أي نصيب (له في الآخرة) يعني من لاحظ ولا نصيب له من لبس الحرير في الآخرة فعدم نصيبه كناية عن عدم دخوله الجنة {ولباسهم فيها حرير} وهذا إن استحل وإلا فهو تهويل وزجر. قال الكرماني: وربما يتوهم أن فيه دليلا لحل لبسه للكافر وهو باطل إذ ليس في الحديث الإذن له في لبسه وهو مخاطب بالفروع فيحرم عليه كالمسلم قال الحرالي: والخلاق الحظ اللائق بالخلق والخلق وقال الراغب: الخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه وقال الزمخشري: الخلاق النصيب وهو كمال خلق الإنسان أي ما قدر له من خير كما قيل له قسم لأنه قسم ونصيب لأنه نصب أي أثبت اه (حم ق د ن هـ) عن عبد الله بن عمر عن أبيه (عمر) بن الخطاب حدث عبد الله أن أباه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال عمر: يا رسول الله لولا اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدم عليك فذكره الحديث: 2618 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 2619 - (إنما يلبس علينا صلاتنا) أي إنما يخلط علينا فيها واللبس الخلط والإشكال (قوم يحضرون الصلاة بغير طهور) أي احتياط في الطهارة عند الحدثين بأن يغفلوا عن ما يطلب تعهده أو يتساهلوا فيما ينبغي التحري فيه منها (من شهد الصلاة) أي حضرها معنا (فليحسن الطهور) بالمحافظة على شروطه وواجباته وآدابه لئلا يعود شؤمه [ص: 11] على المصلين معه فيجد الشيطان للتلبيس عليهم سبيلا سهلا بواسطته (حم ش) أبو بكر (عن أبي روح الكلاعي) قال: صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فلما انصرف ذكره وأبو الروح هذا هو شيب بن ذي الكلاع بفتح الكاف وخفة اللام وعين مهملة روى عنه عبد الملك بن عمير قال الذهبي: وله صحبة قال أبو روح: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فتردد فيها فلما انصرف قال: إنما إلخ الحديث: 2619 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 2620 - (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم) أي طلب ضعفائها من الله تعالى النصر والظفر لهذه العصابة الإسلامية (وصلاتهم وإخلاصهم) أي في جميع أعمالهم. قال في الكشاف: والنصر الإغاثة والإظهار على العدو ومنه نصر الله الأرض أغاثها (ن) من حديث مصعب بن سعد (عن سعد) بن أبي وقاص رأى سعد أن له فضلا على من دونه فقال صلى الله عليه وسلم ذلك وهكذا رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي قال مصعب الحديث: 2620 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 2621 - (إنه ليغان) بغين معجمة من العين وهو الغطاء (على قلبي) الجار والمجرور نائب عن الفاعل ليغان أي ليغشى على قلبي وقال الطيبي: إسم إن ضمير الشأن والجملة بعده خبر له أو مفسرة والفعل مسند إلى الظرف ومحله الرفع بالفاعلية (وإني لأستغفر الله) أي أطلب منه الغفر أي الستر (في اليوم) الواحد من الأيام ولم يرد يوما معينا (مئة مرة) قال العارف الشاذلي: هذا غين أنوار لا غين أغيار لأنه كان دائم الترقي فكلما توالت أنوار المعارف على قلبه ارتقى إلى رتبة أعلى منها فيعد ما قبلها كالذنب اه أي فليس ذلك الغين غين حجاب ولا غفلة كما وهم وإنما كان تستغرقه أنوار التجليات فيغيب بذلك الحضور ثم يسأل الله المغفرة أي ستر ما له عليه لأن الخواص لو دام لهم التجلي لتلاشوا عند سلطان الحقيقة فالستر لهم رحمة وللعامة حجاب ونقمة ومن كلمات السهروردي: لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حال المصطفى صلى الله عليه وسلم بل كمال أو تتمة كمال وهذا السر دقيق لا ينكشف إلا بمثال وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر وإن كانت صورته صورة نقصان من حيث هو إسبال وتغطية على ما يقع به إن يكون ناويا فإن القصد من خلق العين إدراك الحسيات وذلك لا يمكن إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين واتصالها بالمرئيات عند قوم وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدة عند آخرين فكيفما ما كان لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين وعرائها عما يمنع انبعاث الأشعة عنها لكن لما كان الهوى المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الغبار الثائر تحركه الرياح فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف تأذت به فتغطت بالجفون وقاية لها ومصقلة للحدقة فيدوم جلاؤها فالجفن وإن كان نقصا ظاهرا فهو كمال حقيقة فلهذا لم تزل بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة لأن تصدأ بالغبار الثائر من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى إسبال جفن من العين على حدقة بصيرته سترا لها ووقاية وصقالا عن تلك الأغيرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها فصح أن الغين وإن كان نقصا فمعناه كمال وصقال حقيقة انتهى وهنا تأويلات بعيدة وتوجيهات غير سديدة وحسبك بهذا وأراد بالمئة التكثير فلا تدافع بينه وبين رواية السبعين الآتية وقال الحرالي: خص المئة لكمالها في العدد المثلث من الآحاد والعشرات وعشرها وتر الشفع لأن ما تم في الثالث كان ما زاد عليه تكرار له يجزئ عنه الثلاث (حم م) في الدعوات (د هـ) في الصلاة (ن) في يوم وليلة (عن الأغر) بفتح الهمزة والمعجمة بن عبد الله (المزني) بضم الميم وفتح الزاي وقيل الجهني ومنهم من قرن بينهما قال البخاري: المزني أصح صحابي يروي عن معاوية بن قرة الحديث: 2621 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 [ص: 12] 2622 - (إنه) أي الشأن (من لم يسأل الله تعالى) أي يطلب من فضله (يغضب عليه) لأنه إما قانط وإما متكبر وكل واحد من الأمرين موجب الغضب قال بعض المفسرين في قوله تعالى {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي عن دعائي فهو سبحانه يحب أن يسأل وأن يلح عليه ومن لم يسأله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه قال ابن القيم: هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه والدعاء عبادة وقد قال تعالى {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فهو تعالى يغضب على من لم يسأله كما أن الآدمي يغضب على من يسأله الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب فشتان ما بين هذين وسحقا لمن علق بالأثر وأبعد عن العين قال الحليمي: وإذا كان هكذا فما ينبغي لأحد أن يخلى يوما وليلة من الدعاء لأن الزمن يوم وليلة وما وراءهما تكرار فإذا كان ترك الدعاء أصلا يوجب الغضب فأدنى ما في تركه يوم وليلة أن يكون مكروها (ت عن أبي هريرة) وخرجه عنه أيضا أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي والخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن ابن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما ذكر ذكره كله الحافظ ابن حجر الحديث: 2622 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 2623 - (إني أوعك) أي يأخذني الوعك بسكون العين أي شدة الحمى وسورتها أو ألمها والرعدة فيها (كما يوعك رجلان منكم) لمضاعفة الأجر وكذا سائر الأنبياء كما ذكره القضاعي وتمام الحديث قيل: يا رسول الله وذاك لأن لك أجرين قال: أجل (حم م) في الأدب (عن ابن مسعود) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن البخاري والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في الطب من حديث ابن مسعود ولفظه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا فقال: أجل لأني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين قال: أجل ذلك كذلك ما من مؤمن يصيبه أذى من شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة أوراقها الحديث: 2623 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 2624 - (إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر) بن الخطاب لمهابته كما سبق موضحا وهذا قاله وقد رأى حبشية تزفن والناس حولها إذ طلع عمر فانفضوا عنها مهابة له وخوفا منه فتلك المرأة شيطان الإنسان لأنها تفعل فعل الشيطان (ت) في المناقب (عن عائشة) قالت: سمعنا لغطا وصوت صبيان فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن فقال: يا عائشة تعالي فانظري فجئت فوضعت لحيي على منكبه أنظر إليها فقال: أما شبعت فأقول: لا إذ طلع عمر فانفض الناس فذكره قال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه انتهى وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف لم يكن به بأس وقد يهم الحديث: 2624 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 2625 - (إني فيما لم يوح إلي) بالبناء للمفعول ويصح للفاعل (كأحدكم) فإني بشر لا أعلم إلا ما علمني ربي واعلم أنه كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم أحوال فتارة تؤخذ عنه فيقول: لست كأحدكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني أي طعام بر وإنعام ومحبة وإكرام وتارة ترد عليه فيقول: إني كأحدكم وتارة تستغرقه نور المشاهدات الربانية فيقول: لي وقت [ص: 13] لا يسعني فيه غير ربي وتارة تختطفه الجذبات القريبة فيقول: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم وبذلك يعرف أنه لا تناقض بين ما هو من هذا القبيل من الأخبار فتدبر (طب وابن شاهين في) كتاب (السنة عن معاذ) بن جبل قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرحني إلى اليمن استشار أصحابه فقال أبو بكر: لولا أنك استشرتنا ما تكلمنا فذكره قال الهيثمي: وفيه أبو العطوف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف الحديث: 2625 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 2626 - (إني لم أبعث لعانا) أي مبالغا في اللعن أي الإبعاد عن الرحمة والمراد نفي أصل الفعل على وزان {وما ربك بظلام} وهذا قاله لما قيل له ادع على المشركين يعني لو كنت أدعو عليهم لبعدوا عن رحمة الله ولصرت قاطعا عن الخير إني لم أبعث لهذا (طب عن كريز بن أسامة) العامري وقيل ابن سلمة بصري قال الذهبي: يقال له صحبة قال: قيل: يا رسول الله ادع الله على بني عامر فذكره قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم الحديث: 2626 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 2627 - (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة) لمن أراد الله إخراجه من الكفر إلى الإيمان أو لأقرب الناس إلى الله وإلى رحمته لا لأبعدهم عنها فاللعن مناف لحالي فكيف ألعن قال المظهري: وفي هذا الحديث مباحث منها أن معنى قوله رحمة بهدايته للمسلم وتأخير العذاب عن نوع من الكفار وهم أهل الذمة وما عداهم أمر بقتلهم وغنم ما لهم وذا من أشد عذاب الدنيا وهب أن امتناعه هذا من الدعاء عليهم من جهة العموم فما المانع من جهة الخصوص؟ ومنها أن طلب الدعاء عليهم لا ينحصر في اللعن فما موقع الجواب بقوله لم أبعث لعانا ومنها أن لعن الكفار جائز وقد لعن الله الكافرين والظالمين وفي البخاري أنه دعا على قريش انتهى (خد م عن أبي هريرة) الحديث: 2627 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 2628 - (إني لأمزح) أي بالقول وكذا بالفعل وتخصيصه بالأول ليس عليه معول (ولا أقول إلا حقا) لعصمتي عن الزلل في القول والعمل وذلك كقوله لامرأة زوجك في عينه بياض وقوله في أخرى لا يدخل الجنة عجوز وقوله لأخرى لأحملنك على ولد الناقة وقيل لابن عيينة المزاح سبة فقال: بل سنة ولكن من يحسنه وإنما كان يمزح لأن الناس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه فلو ترك اللطافة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب لأخذ الناس من أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشفقة والعناء فمزح ليمزحوا ولا يناقض ذلك خبر ما أنا من دد ولا الدد مني فإن الدد اللهو والباطل وهو كان إذا مزح لا يقول إلا حقا فمن زعم تناقض الحديثين من الفرق الزائغة فقد افترى وقال الماوردي: العاقل يتوخى بمزاحه أحد حالين لا ثالث لهما أحدهما إيناس المصاحبين والتودد إلى المخالطين وهذا يكون بما أنس من جميل القول وبسط من مستحسن الفعل كما قال حكيم لابنه: يا بني اقتصد في مزاحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء والتقصير فيه نقص بالمؤانسين وتوحش بالمخالطين والثاني أن ينبغي من المزاح ما طرأ عليه وحدث به من هم وقد قيل لا بد للمصدور أن ينفث ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن ذلك وأتى رجل عليا كرم الله وجهه فقال: احتلمت بأبي قال: أقيموه في الشمس واضربوا ظله الحد أما مزاح يفضي إلى خلاعة أو يفضي إلى سبة فهجنة ومذمة قال ابن عربي: ولا يستعمل المزاح أيضا في أحكام الدين فإنه جهل قال تعالى مخبرا عن قصة البقرة {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال معناه لا أمزح في أحكام الدين فإن ذلك فعل الجاهلين ولكن اذبحوها فستروا الحقيقة فيها (طب) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن أنس) قال الهيثمي: إسناد الطبراني حسن انتهى وإنما لم يصح لأن فيه الحسن بن محمد بن عنبر ضعفه ابن قانع وغيره وقال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرتها عليه منها هذا الحديث: 2628 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 [ص: 14] 2629 - (إني وإن داعبتكم) أي لاطفتكم بالقول (فلا أقول إلا حقا) قاله لما قالوا له: إنك تداعبنا يا رسول الله والمداعبة مطلوبة محبوبة لكن في مواطن مخصوصة فليس في كل آن يصلح المزاح ولا في كل وقت يحسن الجد قال: أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى. . . وإني إذا جد الرجال لذو جد وقال الراغب: المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود والإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء وتركه يقبض المؤانس ويوحش المخالط لكن الاقتصاد منه صعب جدا لا يكاد يوقف عليه ولذلك يخرج عنه أكثر الحكماء حيث قيل المزاح مسلبة للبهاء مقطعة للإخاء فحل لا ينتج إلا الشر (حم ت) وحسنه (عن أبي هريرة) وقال الهيثمي: إسناد أحمد حسن الحديث: 2629 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 2630 - (إني لأعطي رجالا) مفعوله الثاني محذوف أي الشيء (وأدع) أي والحال أني أترك (من هو أحب إلي منهم) أي أولى بالإعطاء منه (لا أعطيه شيئا) من الفيء ونحوه (مخافة) مفعول لقوله أعطي أي لأجل مخافة (أن يكبوا) بضم أوله وفتح الكاف (في النار) أي يقلبوا منكوسين فيها والكب الإلقاء على الوجه فقوله (على وجوههم) تأكيد يعني أعطي بعضا لعلمي بضعف إيمانه حتى لو لم أعطه لأعرض عن الحق وسقط في النار على وجهه وأترك بعضا في القسمة لعلمي بكمال إيمانه ورضاه بفعلي فمن المؤلفة الذين لم يصل نور الإيمان لقلوبهم وإنما كانوا عبيد الدرهم والدينار وكان يعطيهم الأقرع بن حابس وعيينة وابن مرداس وأبو سفيان ويزيد ابنه وفي شرح الأحكام لعبد الحق أن أخاه معاوية منهم حكاه المقدسي وغيره من علماء الآثار كذا قال وفيه حل الإعطاء لمن لم يتمكن الإسلام من قلبه وأن للإمام تمييز البعض لمصلحة وأنه يقدم الأهم فالأهم وفيه جواز الشفاعة إلى ولاة الأمور ومراجعة المشفوع إليه إذا لم يؤد إلى مفسدة والأمر بالتثبت وأن المشفوع إليه لا يعاب إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة وأنه ينبغي أن يعتذر للشافع ويبين له عذره في ردها وأنه لا يقطع بالجنة لأحد على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرون وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به اعتقاد بالقلب (حم ن عن سعيد) بن أبي وقاص قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت: يا رسول الله أعط فلانا فإنه مؤمن فقال: أو مسلم؟ أقولها ثلاثا ويرددها علي ثلاثا أو مسلم ثم قال: إني أعطي إلخ وهذا الحديث رواه مسلم عن سعد بلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار وبلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار على وجهه فكان العزو لمسلم أولى الحديث: 2630 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 2631 - (إني تارك فيكم) بعد وفاتي (خليفتين) زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم شأنهما (كتاب الله) القرآن (حبل) أي هو حبل (ممدود ما بين السماء والأرض) قيل أراد به عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه (وعترتي) بمثناة فوقية (أهل بيتي) تفصيل بعد إجمال بدلا أو بيانا وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقيل من حرمت عليه الزكاة ورجحه القرطبي يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها [ص: 15] وفروعه التي نشأوا عنه كما قال: " فاطمة بضعة مني " ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا سبهم ولعنهم فخالفوا المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه (وإنهما) أي والحال أنهما وفي رواية أن اللطيف أخبرني أنهما (لن يفترقا) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين (حتى يردا على الحوض) أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه وفي هذا مع قوله أولا إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنا ما كان ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره <تنبيه> قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض (حم طب عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة الحديث: 2631 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 2632 - (إني لأرجو) أي أؤمل (أن لا تعجز أمتي) بفتح التاء وكسر الجيم أي أغنياؤها عن الصبر على الوقوف للحساب (عند ربها أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يؤخرهم) في هذه الدنيا (نصف يوم) من أيام الآخرة قيل لسعد: كم نصف ذلك اليوم قال: خمس مئة عام أي أخذا من آية {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وما تقرر من حمل الحديث على شأن يوم القيامة وتأويله بما ذكر هو ما مشى عليه بعض المحققين وذهب ابن جرير الطبري إلى إجرائه على ظاهره وقال: نصف اليوم خمس مئة سنة فإذا انضم إلى حديث ابن عباس إن الدنيا سبعة آلاف سنة توافقت الأخبار فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمس مئة سنة تقريبا انتهى. قال جمع: وقد ظهر بطلان ذلك وقد بين السهيلي أنه ليس في هذا الحديث ما ينفي الزيادة على الخمس مئة قال: وقد جاء ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة وإذا ساءت فنصف يوم انتهى وقد ظهر بطلان ذلك أيضا وقال الطيبي: بعد ما زيف الحمل على يوم القيامة العجز هنا كناية عن كمال القرب والمكانة عند الله يعني إن لي عنده مكانة وقربة يحصل بها كل ما أرجوه فالمعنى إني لأرجو أن يكون لأمتي عند الله مكانة تمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمس مئة سنة بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة قال ابن حجر: بعد ما صوب تزييف الطيبي وتعقب جمع ما مر وما يعتمد عليه في ذلك ما أخرجه معمر في الجامع عن مجاهد عن عكرمة بلاغا في قوله تعالى {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون ألف سنة [ص: 16] لا يدري كم مضى وكم بقي إلا الله (حم د) في الملاحم (عن سعد) بن أبي وقاص قال المناوي: سنده جيد وقال ابن حجر في الفتح: رواته ثقات إلا أن فيه انقطاعا وخرجه أبو داود أيضا من حديث أبي ثعلبة بلفظ والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم وصححه الحاكم ثم قال: أعني ابن حجر ورجاله ثقات لكن رجح البخاري وقفه الحديث: 2632 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 2633 - (إني نهيت) صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد (عن قتل المصلين) قال القاضي: أراد بالمصلين المؤمنين وإنما سمي المؤمن بالمصلي لأن الصلاة أشرف الأعمال وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان قال الحرالي: والنهي الحكم الواقع من الفعل التزاما إليه بمنزلة أثر الفعل المسمى بها لمنعه عما تهوي إليه النفس مما يتبصر فيه النهي (هـ عن أبي هريرة) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمخنث خضب يديه ورجليه بالحناء فنفاه فقلنا: ألا تقتله فذكره وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لم يثبت وقال الزين العراقي: ضعيف وعده في الميزان من المناكير الحديث: 2633 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 2634 - (إني نهيت عن زبد المشركين) بفتح الزاي وسكون الموحدة أي إعطاؤهم أي رفدهم واستشكل بقبول هدية المقوقس وغيره وجمع بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول لمصلحة كتأليف وتأنيس وأما الجمع بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين فتعقب بأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة وقيل يحمل القبول على من هو من أهل الكتاب والرد على أهل الوثن ومن زعم نسخ المنع كالمؤلف بأحاديث القبول أو عكسه عورض بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص (د ت) من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله (عن عياض بن حمار) بحاء مهملة وميم مخففة وراء قال: أهديت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ناقة فقال: أسلمت قلت: لا فذكره الحديث: 2634 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 2635 - (إني لا أقبل هدية مشرك) أي ما يهديه قل أو كثر إلا لمصلحة كما تقرر وأما غير المصطفى صلى الله عليه وسلم من الولاة فلا يحل له قبولها لنفسه عند الجمهور فإن فعل كانت فيئا (طب) عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب (عن كعب بن مالك) قال: جاء ملاعب الأسنة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بهدية فعرض عليه الإسلام فأبى فذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفيه قصة وقال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح الحديث: 2635 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 2636 - (إني لا أصافح النساء) وفي رواية للطبراني لا أمس يد النساء وهذا قاله لأميمة بنت رقيقة لما أتته في نسوة تبايعه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك على ذلك فقال: إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمئة امرأة كقولي أو مثل قولي لامرأة واحدة انتهى هذا سياق الحديث عند مخرجيه (ت ن هـ عن أميمة) بالتصغير (بنت رقيقة) بضم الراء وفتح القاف وهي بقافين بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف وقيل هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى فعلى الأول تكون بنت عم أبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الثاني أخت خديجة زوجته ولشرفها نسبت إليها بنتها وهي أميمة بنت عبد بجاد - بموحدة مفتوحة وجيم خفيفة - من بني تميم بن مرة رهط الصديق ورواه عنه أيضا من هذا الوجه باللفظ المذكور أحمد والبيهقي قال ابن حجر في [ص: 17] تخريج المختصر حديث صحيح الحديث: 2636 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 2637 - (إني لم أؤمر أن أنقب) بشد القاف أفتش (عن قلوب الناس) لأعلم ما فيها (ولا أشق بطونهم) يعني لم أؤمر أن أستكشف ما في ضمائرهم بل أمرت بالأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر قاله لما جيء له بمال فقسمه بين أربعة فاعترضه رجل فأراد خالد بن الوليد ضرب عنقه فنهاه وقال: لعله يصلي قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فذكره (حم خ عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2637 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 2638 - (إني حرمت ما بين لابتي المدينة) أي ما بين جبليها (كما حرم إبراهيم مكة) أي كما أظهر حرمة الحرم وظاهر هذا أن للمدينة حرما وهو مذهب الأئمة الثلاثة ونفاه أبو حنيفة قال الشافعية: فصيد الحرم المدني ونباته كالحرم المكي في حرمة التعرض له فيأتي هنا جميع ما هناك للتشبيه في الحرمة ويصير مذبوحه ميتة وغير ذلك ما عدا الفدية عملا بهذا الحديث (م عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2638 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 2639 - (إني لأشفع) وفي رواية إني لأرجو أن أشفع عند الله (يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر) بالتحريك جمع مدرة كقصب وقصبة وهو التراب المتلبد أو قطع الطين أو الطين العلك الذي لا يخالطه رمل (وشجر) يعني أشفع لخلق كثيرين جدا لا يحصيهم إلا الله تعالى فالمراد بما ذكره التكثير وفيه جواز الشفاعة ووقوعها وهو مذهب أهل السنة وإذا جاز العفو عن الكبيرة فمع الشفاعة أولى وقد قال الله تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} فنحو لا يقبل منها شفاعة بعد تسليم عموم الأحوال والأزمان مختص بالكفار جمعا بين الأدلة (حم عن بريدة) تصغير بردة قال: دخلت على معاوية فإذا رجل يتكلم في علي فقال بريدة: يا معاوية أتأذن في الكلام قال: نعم وهو يرى أن يتكلم بمثل ما قال الآخر قال بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأرجو أن أشفع إلخ أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي. قال الزين العراقي: سنده حسن. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي الحديث: 2639 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 2640 - (إني لأدخل في الصلاة وأريد أن أطيلها) وفي رواية لمسلم أريد إطالتها (فأسمع بكاء الصبي) أي الطفل الشامل للصبية (فأتجوز في صلاتي) أي أخففها وأقتصر على أقل ممكن من إتمام الأركان والأبعاض والهيئات (شفقة) جملة حالية ورحمة (مما أعلم) ما مصدرية أو موصولة والعائذ محذوف وفي رواية للبخاري بدل مما لما باللام التعليلية (من) بيان لما (شدة وجد أمه) أي حزنها (ببكائه) في رواية من بكائه أي لأجل بكائه قال الزين العراقي: في هذه الرواية اختصار والمراد وأمه معه في الصلاة وولدها معها <تنبيه> قوله في بعض الطرق لمسلم كان يسمع بكاء الطفل مع أمه وفي معناه ما لو كان الصبي في بيت أمه وأمه في المسجد في الصلاة وهذا من كريم عوائده ومحاسن أخلاقه وشفقته على أمته {وكان بالمؤمنين رحيما} وقد خصه الله من صفة الرحمة بأتمها وأعمها وذكر الأم غالبي فإنه كان أرحم الناس بالصبيان فمثلها من قام مقامها كحاضنته أو أبيه مثلا والقصد به بيان الرفق بالمقتدين وفيه إيذان بفرط رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه قوي عليه باعث الرحمة لأمه وغلبه مع علمه بأن بكاء الطفل وصراخه ينفعه كما قال ابن القيم [ص: 18] نفعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفتح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك طبيعته لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ إلى غير ذلك مما هو معروف مشهور قيل وفيه أن الإمام إذا أحس بداخل وهو في ركوعه أو تشهده الأخير له انتظار لحوقه راكعا ليدرك الركعة أو قاعدا ليدرك الجماعة لأنه إذا جاز له أن يقصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي فللعبادة أولى وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد وإدخال الصبيان وإن كان الأولى تنزيهه عنه والرفق بالمأموم والإتباع وإيثار تخفيف الصلاة لأمر حدث وإن كان الأفضل في تلك الصلاة التطويل كالصبح (حم ق د هـ عن أنس) الحديث: 2640 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 2641 - (إني سألت ربي) أي طلبت منه (أولاد المشركين) أي العفو عنهم وأن لا يلحقهم بآبائهم (فأعطانيهم خدما لأهل الجنة) في الجنة ثم علل كونهم في الجنة المستلزم لعدم دخولهم النار للخلود بقوله (لأنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك) فلا يكونون في النار معهم (ولأنهم في الميثاق الأول) أي قبضوا وهم على حكمهم في قوله {ألست بربكم قالوا بلى} قال الحكيم: فهم خدم أهل الجنة لأنهم لم يستوجبوا الجنة بقول ولا عمل وساروا إلى الآخرة وليس بأيديهم مفتاح الجنة وهو الشهادة ولم يدركوا العمل فيستوجبوا الجنة لأنها ثواب الأعمال وقد كانوا في الميثاق فجاز أن يدخلوها فأعطوا خدمة أهلها بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم (الحكيم) الترمذي عن (أنس) إطلاق المصنف عزوه إليه غير سديد فإنه إنما ساقه بلفظ يروى عن أنس ولم يذكر له سندا الحديث: 2641 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 2642 - (إني لا أشهد على جور) أي ميل عن الاعتدال فكلما خرج عن الاعتدال فهو جور حراما أو مكروها وهذا قاله لمن خص بعض بنيه وجاء يستشهده وقال عياض: وفيه أنه يكره لأهل الفضل الشهادة فيما يكره وإن جاز (ق ن) عن النعمان بن بشير الحديث: 2642 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 2643 - (إني عدل لا أشهد إلا على عدل) سببه ما تقرر من استشهاده على ما خص به ولده وبه وبما قبله تمسك أحمد على أن تفضيل بعض الأولاد في الهبة حرام والجمهور على كراهيته لقوله في رواية: أشهد على هذا غيري ولو كان حراما لم يأمر باستشهاد غيره عليه (ابن قانع) في المعجم (عنه) أي عن النعمان (عن أبيه) بشير الأنصاري الحديث: 2643 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 2644 - (إني لا أخيس) بكسر الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية (بالعهد) أي لا أنقضه ولا أفسده قال الزمخشري: خاص بالعهد أفسده من خاس للطعام إذا فسد وخاس بوعده أخلفه (ولا أحبس) بحاء وسين مهملتين بينهما موحدة (البرد) أي لا أحبس الرسل الواردين علي قال الزمخشري: جمع بريد وهو الرسول. قال الطيبي: والمراد بالعهد هنا العادة الجارية المتعارفة بين الناس أن الرسل لا يتعرض لهم بمكروه لأن في تردد الرسل مصلحة كلية فلو حبسوا أو تعرض لهم بمكروه كان سببا لانقطاع السبل بين الفئتين المختلفتين وفيه من الفتنة والفساد ما لا يخفى على ذي لب (حم د) [ص: 19] في الجهاد (ن) في السير (حب ك) كلهم (عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثتي قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام وقلت لا أرجع إليهم فذكره ثم قال: ولكن ارجع إليهم فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع قال: فذهبت ثم أتيته فأسلمت الحديث: 2644 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 2645 - (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي) أي بالنبوة قيل هو الحجر الأسود وقيل البارز بزقاق المرفق وعليه أهل مكة سلفا وخلفا وكان ذلك (قبل أن أبعث) أي أرسل وقيد به لأن الحجارة كلها كانت تسلم عليه بعد البعث كما روي عن علي كرم الله وجهه فإن قيل: ما حكمة إلقاء هذا الحديث بصورة التأكيد بإن والجملة الاسمية وليس المقام مقام إنكار؟ قلنا: قد يكون علم منهم الغفلة عن مثل هذا في ذلك الوقت فأراد التنبيه عليه بتنزيلهم منزلة الغافلين عنه كما في قوله سبحانه {ثم إنكم بعد ذلك لميتون} ولم ينكر أحد الموت لكن لما غلبت الغفلة عنه حسن أو بالنظر إلى غيرهم لأنه أمر مستغرب فهو في مظنة الإنكار فإن قيل: محصول الخبر إفادة العلم بعرفانه حجرا كان يسلم وهو وهم كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه فلم خصه قلنا: يحتمل أنه حجر ذو شأن عظيم ولهذا نكره تنكير تعظيم ومن ثم قيل هو الحجر الأسود كما تقرر وبهذا المعنى يلتئم مع خبر عائشة لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا مدر ولا شجر إلا سلم علي قال ابن سيد البأس: وهذا التسليم يحتمل كونه حقيقة بأن أنطقه الله كما أنطق الجذع وكونه مضافا إلى ملائكة عنده من قبيل {واسأل القرية} قال غيره: والصحيح الأول معجزة له كإحياء الموتى معجزة لعيسى عليه الصلاة والسلام اه والأول هو ما عليه قاطبة أهل الكشف ومعنى سماعه سلامه أنه فتح سمعه لإدراك سلامه فقد قال ابن عربي: فتح سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه قال: وإنما قل فتح سمعه لأن الحصى ما زال منذ خلق مسبحا بحمد موجده فكان خرق العادة في الإدراك السمعي لا فيه وفي الروض الأنف الأظهر أن هذا التسليم حقيقة وأنه تعالى أنطقه إنطاقا كما خلق الحنين في الجذع لكن ليس له شرط الكلام الذي هو صوت وحرف الحياة والعلم والإرادة لأن الصوت عرض عند الأكثر ولم يخالف فيه إلا النظام وجعله الأشعري اصطكاك الجواهر بعضها ببعض ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والصوت عبارة عنه لم يكن بد من شرط الحياة والعلم مع الكلام والله أعلم أي ذلك كان أكان مقرونا بحياة وعلم فيكون الحجر به مؤمنا أم كان صوتا مجردا؟ وأيا ما كان هو من إعلام النبوة وقال القرطبي: الصحيح من مذهب أئمتنا أن كلام الجماد راجع إلى أنه تعالى يخلق فيه أصواتا مقطعة من غير مخارج يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم وذلك ممكن في نفسه والقدرة القديمة لا قصور فيها (حم م ت عن جابر بن سمرة) قال في المنار: سكت عليه ولم يبين أنه من رواية سماك بن حرب انتهى ولفظ رواية مسلم إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن فقوله إني إلخ لعله سقط من قلم المؤلف الحديث: 2645 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 2646 - (إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر) بن صيفي الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة كان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب واسمه عمرو وقيل عبد عمرو كان يذكر البعث ويحث على دين الحنيفية فلما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم عانده وحبسه وخرج إلى مكة ورجع مع قريش يوم أحد محاربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ثم رجع لمكة فأقام بها فلما فتحت هرب إلى الروم فمات بها كافرا وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه حتى أنه استأذن المصطفى صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه فنهاه واستشهد بأحد جنبا فلذلك رأى الملائكة تغسله (بين [ص: 20] السماء والأرض) أي في الهواء (بماء المزن) أي المطر (في صحاف الفضة) وكان قتله شداد بن الأسود وذلك أنه التقى هو وأبو سفيان بن حرب فاستعلى حنظلة عليه ليقتله فرآه شداد فعلاه بالسيف حتى قتله وقد كاد يقتل أبا سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم لتغسله الملائكة فسلوا صاحبته فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهاتف فقال: لذلك غسلته الملائكة وكفى بهذا شرفا وذا لا ينافيه الأخبار الناهية عن غسل الشهيد لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم (ابن سعد) في الطبقات (عن خزيمة) بالتصغير (بن ثابت) الأوسي ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا وقتل مع علي بصفين الحديث: 2646 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 2647 - (إني أحدثكم) لفظ رواية الطبراني محدثكم (الحديث فليحدث الحاضر) عندي (منكم الغائب) عني فإن بالتحديث يحصل التبليغ ويحفظ الحديث وفيه وجوب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 2647 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 2648 - (إني أشهد) بضم الهمزة وكسر الهاء (عدد تراب الدنيا أن مسيلمة كذاب) في جرأته على الله تعالى ودعواه النبوة قيل للأحنف: كيف وجدت مسيلمة قال: ما هو بنبي صادق ولا بمتنبي حاذق قال الحرالي: والعدد اعتبار الكثرة بعضها ببعض (طب عن وبر) بالتحريك بضبط المصنف (الحنفي) بفتح المهملة والنون نسبة إلى بني حنيفة بطن كثير عامتهم كانوا باليمامة ووبر في الصحابة اثنان وبر بن مسهر له وفادة من جهة مسيلمة الكذاب فأسلم ووبر بن خنيس الخزاعي وظاهره أن المراد هنا الأول الحديث: 2648 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 2649 - (إني لأبغض) بضم الهمزة وغين معجمة مكسورة (المرأة تخرج من بيتها تجر ذيلها تشكو زوجها) يحتمل إلى القاضي ويحتمل إلى الناس كالأهل والجيران والأصهار والمعارف والحمل على الأعم أتم فيكره لها شكواه ولو محقة بل عليها الملاطفة والصبر ما أمكن نعم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا لوم على شكواها إذا فعل بها ما لا يجوز شرعا ولم ينجع فيه غير الشكوى (طب عن أم سلمة) قال الهيثمي: فيه يحيى بن يعلى وهو ضعيف وقال غيره: وفيه أبو هشام الرافعي قال الذهبي في الضعفاء: قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه ويحيى بن يعلى الأسلمي لا التيمي قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم وغيره وسعد الإسكاف تركوه واتهمه ابن حبان الحديث: 2649 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 2650 - (إني لم أبعث بقطيعة رحم) أي قرابة لأنه تعالى أكد وصلها وحظر قطعها وأخبر سبحانه فيما رواه الطبراني وغيره عن جرير مرفوعا بأنه شق لها أسماء من اسمه وأن من وصلها وصله ومن قطعها قطعه (طب عن حصين) مصغرا بمهملتين (ابن دحدح) بمهملتين كجعفر الأنصاري الأوسي قال الذهبي: له حديث رواه عروة بن سعيد عن أبيه عنه وفي الإصابة قال البخاري وابن أبي حاتم: له صحبة وقال ابن حبان: يقال له صحبة وفي الجمهرة لابن الكلبي قتل بالعذيب وقيل بالقادسية الحديث: 2650 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 2651 - (إني أحرج) لفظ رواية البيهقي أحرم (عليكم) أيها الأمة (حق الضعيفين) أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما فأحذره من ذلك تحذيرا بليغا وأزجره زجرا أكيدا ذكره النووي وقال غيره: أضيقه وأحرمه على من ظلمهما قال الزمخشري: ومن المجاز وقع في الحرج وهو ضيق المأثم وأحرجني فلان أوقعني في الحرج وحرجت الصلاة على الحائض والسحور على الصائم لما أصبح أي حرما وضاق أمرهما وظلمك على حرج أي حرام [ص: 21] ضيق وتحرج فلان من كذا أي تأثم وحلف بالمحرجات أي بالطلاق الثلاث (اليتيم والمرأة) وجه تسميتهما بالضعيفين ظاهرة بل محسوسة وقد مر ذلك مبسوطا فراجعه (ك) في الإيمان (هب) كلاهما (عن أبي هريرة) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر أي في الخطبة قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن فيه أبو صالح كاتب الليث ضعيف ومحمد بن عجلان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم: سيء الحفظ وسعيد بن أبي سعيد المقبري قال الذهبي: لا يحل الاحتجاج به وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن خويلد بن عمرو الخزاعي مرفوعا بلفظ اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة قال في الرياض: وإسناده حسن جيد فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى الحديث: 2651 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 2652 - (إني رأيت) أي في النوم كما جاء مصرحا به في رواية مالك (البارحة عجبا) أي شيئا يتعجب منه إذ البارحة أقرب ليلة مضت قالوا: وما هو يا رسول الله قال: (رأيت رجلا من أمتي) أي أمة الإجابة وكذا فيما بعده (قد احتوشته ملائكة العذاب) أي احتاطت به الملائكة الموكلون بالتعذيب من كل جهة يقال احتوش القوم بالصيد أقاموا به وقد يتعدى بنفسه فيقال احتوشوه (فجاء) إليه (وضوءه) يحتمل الحقيقة بأن يجسد الله ثواب الوضوء ويخلق فيه حياة ونطقا والقدرة صالحة ويحتمل أنه مضاف إلى الملك الموكل بكتابة ثواب الوضوء وكذا يقال فيما بعده (فاستنقذه من ذلك) أي استخلصه منهم يقال أنقذته من الشر إذا خلصته منه فنقذ نقذا من باب تعب تخلص والنقذ بفتحتين ما أنقذته كذا في المصباح وغيره يعلمك في هذا الحديث بأن من فوائد الوضوء وثمراته لمداوم عليه إذا توجه عليه عذاب القبر بما اكتسبه من الأدناس والآثام يأتيه وضوءه فينقذه منه فالمقصود الحث على إدامة الوضوء (ورأيت رجلا من أمتي يأتي على النبيين) أراد به ما يشمل المرسلين بدليل نصه الآتي على أنه كان معهم (وهم حلق حلق) بفتحتين على غير قياس كما في الصحاح كغيره أي دوائر دوائر قال الزمخشري: حلق حلقة إذا أدار دائرة وقال الأصمعي: الجمع حلق بالكسر كسدرة وسدر وقصعة وقصع وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء أن الحلقة بالفتح لغة السكون قال ثعلب وكلهم يجيزه على ضعفه (كلما مر على حلقة طرد) أي أبعد ونحي وقيل له اذهب عنا قال في الصحاح: طرده أبعده وأطرد الرجل غيره طريدا أو أطرده نفاه عنه وقال له اذهب عنا وطرده السلطان عن البلد مثل أخرجه منه وزنا ومعنى (فجاء اغتساله من الجنابة فأخذه بيده فأجلسه إلى جنبي) فيه تنويه عظيم بفضل الغسل من الجنابة حيث رفع صاحبه وأجلسه بجانب صدر الأنبياء وعظيم الأصفياء ولم يكتف بإدخاله حلقة من الحلق قال جدي رحمه الله: والاغتسال من الجنابة بقية من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الحكيم: فالجنابة إنما سميت جنابة لأن الماء الذي جرى من صلبه كان جاريا في الأصل من مياه الأعداء في ظهر آدم فأصابته زهومة تلك المياه بجوازه وممره من الصلب إلى مستقر العدو في الجوف ومستقره في المعدة في موضع الجنب فإذا خرج من العبد في يقظته أو نومه أوجب غسلا وإذا خرج عند خروج روحه أوجبه ولذلك يغسل الميت فالغسل تطهير من أثر العدو والجنب ممنوع من القراءة لأن الطهارة مقصودة وآثار العدو موجودة وهذا الرجل لو لم يغتسل في الدنيا لمنعه فقد طهارته الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه) بالبناء للمفعول (عذاب القبر) أي نشر عليه الملائكة الموكلون بإقامة عذاب القبر وعموه به يقال بسط الرجل الثوب بسطا نشره وبسط يده مدها منشورة وبسطها في الإنفاق جاوز القصد قال الزمخشري: ومن المجاز بسط عليهم العدل والعذاب وبسط لنا يده أو لسانه بما نحب أو بما نكره (فجاءته صلاته) أي ثوابها أو الملك الموكل بها (فاستنقذته من ذلك) أي خلصته من عذاب [ص: 22] القبر وذلك لأن العذاب إنما يقصد العبد الآبق الهارب من الله وأهل الصلاة كلما عادوا إلى الله في وقت كل صلاة فوقفوا بين يديه نادمين متعوذين مسلمين نفوسهم إليه مجددين لإسلامهم يترضونه بالتكبير والتسبيح والتحميد والتهليل والركوع والسجود والرغبة والرهبة والتضرع في التشهد فيسقط عنهم عيوب إباقهم فزالت العقوبة التي استوجبوها والقصد بذلك الحث على الاهتمام بالصلاة (ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الحق أو عن الرحمة على ما سبق (فجاءه ذكر الله) أي ثواب ذكره الذي كان يقوله في الدنيا أو ملائكته (فخلصه منهم) أي سلمه ونجاه من فتنتهم فقال خلص الشيء من التلف خلوصا من باب قعد وخلاصا ومخلصا سلم ونجا وخلص من الكدر صفا فالشيطان وجنده قد أعطوا السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طمعا في إغوائه فهو يوصل الزينة إلى النفوس ويهيجها تهييجا يزعزع أركان البدن ويستفز القلب حتى يزعجه عن مقره فلا يعتصم الآدمي بشيء أوثق ولا أحصن من الذكر لأن الذكر إذا هاج من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار فإذا رأى العدو ذلك ولى هاربا وخمدت نار الشهوة التي يهيجها وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده (ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا) أي يخرج لسانه من شدة العطش (فجاءه صيام رمضان) فيه الحمل السابق (فسقاه) حتى أرواه فهذا عبد اتبع هواه وأمعن في شهواته حتى بعد عن الرحمة عطش وإذا عطش يبس وإذا يبس قسا {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} وبالرحمة يرطب القلب ويروى والصيام ترك الشهوات ورفض الهوى وإنما جعل الحوض لأهل الموقف لأنهم يقومون من القبور عطاشا لأنهم دخلوها مع الهوى والشهوة ثم لم يفارقوها إلا بمفارقة الروح ومن ترك الهوى والشهوة سكن عطشه وروى برحمة الله وخرج من قبره إلى الله ريانا فأولئك الذين يسبقون إلى دخول الجنة قال في مختار الصحاح كأصله واللهثان بفتح الهاء العطش وبسكونها العطشان والمرأة لهثى وبابه طرب ولهاثا أيضا بالفتح واللهاث بالضم حر العطش ولهث الكلب أخرج لسانه من العطش والتعب قال الزمخشري: من المجاز هو يقاسي لهاث الموت شدته (ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة) يعني احتاطت به الظلمة من جميع جهاته الست بحيث صار مغموسا فيها مغمورا (فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة) إلى النور والظلمة عدم النور وجمعها ظلم وظلمات كغرف وغرفات في وجوهها والظلام أول الليل والظلماء الظلمة (ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت) أي عزرائيل عليه السلام على ما اشتهر قال ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر (ليقبض روحه) أي ينزعها من جسده ويأخذها يقال قبضت الشيء قبضا أخذته (فجاءه بره) بكسر الباء (بوالديه فرده عنه) أي رد ملك الموت عن قبض روحه في ذلك الوقت لما أن بر الوالدين يزيد في العمر وقد جاء ذلك في عدة أخبار وذلك بالنسبة لما في اللوح أو الصحف أما العلم الأزلي فلا يتغير قال الحكيم: فبر الوالدين شكر لأنه قال {اشكر لي ولوالديك إلي المصير} فإذا برهما فقد شكرهما وقال في تنزيله {لئن شكرتم لأزيدنكم} وإنما وجد العبد العمر من ربه في وقت انفصاله من أمه وقد كان في البطن حياة ولم [ص: 23] يكن عمر فلما خرج أعطي العمر بمقدار فإذا وصل والديه ببر كان قد وصل الرحم الذي منه خرج والصلب الذي منه جرى فكان فعله ذاك شكرا فزيد منه العمر الذي شكر من أجله فرد عنه ملك الموت يعلمك في هذا الحديث أن العبد إذا وصل رحمه زيد في عمره لأنه بالصلة صار شاكرا فشكر الله له ووفى له بما وعد في تنزيله فزاد في عمره (ورأيت رجلا من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءته صلة الرحم) بكسر الصاد إحسانه إلى أقاربه بالقول والفعل (فقالت إن هذا كان واصلا لرحمه) أي بارا لهم محسنا إليهم كما تقرر. قال الزمخشري: ومن المجاز وصل رحمه وأمر الله بصلة الرحم أي القرابة (فكلمهم وكلموه وصار معهم) هكذا ساقه المصنف والذي رأيته في خط مخرجه الحكيم رأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه فكلموه انتهى فالرحم أصل المؤمنين كلهم فمن تمسك بصلاته فقد أرضى المؤمنين كلهم ومن قطعها فقد أغضبهم كلهم وأيسوا من خيره وانقطعت الرحمة عنه لأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم كما في حديث (ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه) أي يجعل يديه وقاية لوجهه لئلا يصيبه حر النار وشررها والوهج بفتحتين كما في الصحاح كغيره حر النار والوهج بسكون الهاء مصدر وهجت النار من باب وعد هجانا أيضا بفتح الهاء أي اتقدت وأوهجها غيره وتوهجت توقدت ولها وهيج أي توقد (فجاءته صدقته) أي جاء تمليكه شيئا لنحو الفقراء بقصد ثواب الآخرة (فصارت ظلا على رأسه) أي وقاية عن وهج الشمس يوم تدنو من الرؤوس يقال أنا في ظل فلان أي في ستره وظل الليل سواده لأنه يستر الأبصار عن النفوذ قال الزمخشري: ومن المجاز بتنا في ظل فلان (وسترا عن وجهه) أي حجابا عنه لأنه إذا تصدق فإنما يفدي نفسه ويفك جنايته والسترة ما يستر المار من المرور أي يحجبه كما في المصباح وغيره (ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله تعالى) وذلك لأن الأخلاق مخزونة عند الله في الخزائن كما تقدم في حديث فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا منها ليدر عليه ذلك الخلق كرائم الأفعال ومحاسن الأمور فيظهر ذلك على جوارحه ليزداد العبد بذلك محبة توصله إليه في الدنيا قلبا وفي الآخرة بدنا وإذا أحب الله عبدا أهبط عليه خلقا من أخلاقه وإذا رحمه أذن له في عمل من أعمال البر فهذه ثمرة الرحمة وتلك ثمرة المحبة (ورأيت رجلا من أمتي جاءته زبانية العذاب) لفظ رواية الحكيم (قد أخذته الزبانية من كل مكان) أي الملائكة الذين يدفعون الناس في نار جهنم للعذاب من الزبن وهو الدفع يقولون أراد فلان حاجة فزبنه عنها فلان دفعه والناقة تزبن ولدها وحالبها عن ضرعها وزابنه دافعه وتزابنوا تدافعوا ووقع في أيدي الزبانية قال الزمخشري: وهم الشرط لزبنهم الناس وبه سميت زبانية النار لدفعهم أهلها إليها اه. (فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك) أي استخلصاه منهم ومنعهم من دفعه فيها وفي رواية الحكيم بدله فاستنقذاه إلخ أدخلاه على ملائكة الرحمة قال: فالزبانية شرط الملائكة والشرط لمن جاهر بالمعصية من أهل الريب يأخذونهم فمن استتر بستر الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو وإن استعمل أعمال أهل الريب بعد أن يكون مستورا لا ينهتك فينفعه في القيامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينجيه من الزبانية (ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار) أي سقط من أعلاها إلى [ص: 24] أسفلها والمراد نار جهنم (فجاءته دموعه) جمع دمع وهو ماء العين المتساقط عند البكاء لحزن القلب (اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية الله) أي من خوف عقابه أو عتابه أو عدم رضاه (فأخرجته من النار) نار جهنم فهذا عبد استوجب النار بعمله فأدركته الرحمة ببكائه من الخشية فأنقذته لأن دمعة من الخشية تطفئ بحورا من النيران (ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله) أي سقطت صحيفة أعماله في يده اليسرى والصحيفة ما يكتب فيه من نحو قرطاس أو جلد ولفظ رواية الحكيم بدل إلى شماله من قبل شماله (فجاءه خوفه من الله فأخذ صحيفته) من شماله (فجعلها في يمينه) ليكون ممن أوتي كتابه بيمينه فإن أعظم الأهوال في القيامة في ثلاثة مواطن عند نظائر الصحف وعند الميزان وعند الصراط بدليل حديث لا يذكر أحد أحدا في هذه المواطن فإذا وقعت الصحيفة في يمينه أمن وظهرت سعادته لقوله سبحانه وتعالى {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} الآية وسيجيء في خبر إن الله تعالى يقول: لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين فمن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة فمن قاسى خوفه في الدنيا أوجب له الأمن يوم القيامة فإذا جاءه الهول عند نظائر الكتب جاءه الخوف فنفعه بأن جعل صحيفته في يمينه (ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه) برجحان سيئاته على حسناته (فجاءه أفراطه) أي أولاده الصغار الذين ماتوا في حياته وذاق مرارة فقدهم: جمع فرط بفتحتين ومنه يقال للطفل الميت اللهم اجعله فرطا أي أجرا متقدما وافترط فلان فرطا إذا مات له أولاد صغار (فثقلوا ميزانه) أي رجحوها فثقلها رجحانها قال في الكشاف ومنه حديث أبي بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما في وصية له وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقلها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفتها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف انتهى <تنبيه> قال المولى التفتازاني كغيره جميع أحوال يوم القيامة من الصراط والميزان وغير ذلك أمور ممكنة أخبر بها الصادق فوجب التصديق بها ولا استبعاد في أن يسهل الله تعالى العبور على الصراط وإن كان أحد من السيف وأدق من الشعر وأن توزن صحائف الأعمال أو تجعل أجساما نورانية وظلمانية فلا حاجة إلى تأويل الصراط بطريق الجنة وطريق النار أو الأدلة الواضحة أو العبادات أو الشريعة والميزان بالعدل والإدراك ونحو ذلك (ورأيت رجلا من أمتي على شفير جهنم) أي على حرفها وشاطئها وشفير كل شيء حرفه كالنهر وغيره ومنه شفر الفرج ويقولون قعدوا على شفير النهر والبئر والقبر وقرحت أشفار عينيه من البكاء وهي منابت الهدب (فجاءه وجله من الله تعالى) أي خوفه منه (فاستنقذه من ذلك) أي خلصه (ومضى) فالوجل هو وقت انكشاف الغطاء لقلب المؤمن فإذا كان ذلك فتلك خشية العبد فاقشعر جلده وإن جهنم حائلة يوم القيامة بين العباد وبين الجنة حتى تضرب الجسور وتهيأ القناطر فعندها يستبين الصراط وهو الطريق لأهلها فالخلق كلهم على شفير النار فوجل العبد يجعل له السبيل لقطعها {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} فالمغفرة نورها ساطع وهو نور الرأفة فإذا جاءت الرأفة وجد العبد قلبا وذهبت الحيرة وشجعت النفس فمضت (ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السعفة) أي يضطرب كما تضطرب وتهتز أغصان النخل (فجاءه حسن ظنه بالله) تعالى (فسكن) بالتشديد (رعدته) بكسر الراء فحسن الظن من المعرفة بالله وعظم أمل العبد ورجائه لربه من المعرفة فلا يضيع الله معرفة العبد لأنه الذي من عليه بها فلم يرجع في منه وقابله بأن أعطاه حسن الظن به في الدنيا من تلك المعرفة وحقق ظنه فأنجاه وسكن رعدته حتى مضى والرعدة الاضطراب يقال أصابته رعدة من [ص: 25] البرد والخوف اضطراب وارتعد وأرعد وأرعده الخوف ورجل رعديد بالكسر ورعديدة جبان تصيبه رعدة من الخوف وقال الزمخشري: ومن المجاز رعد لي فلان وأبرق أرعد والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص فإن جرد الخوص قيل جريد (ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط) أي يجر أسته عليه لا يستطيع المشي (مرة ويحبو مرة) لفظ رواية الحكيم يزحف أحيانا ويحبو أحيانا هذا صريح في أن الحبو يغاير الزحف والذي في الصحاح والأساس وغيرهما أن الحبو الزحف فليحرر (فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز) أي حتى قطع الصراط ونفذ منه ومضى إلى الجنة سالما يقال جاز المكان يجوزه سار فيه وأجازه بالألف قطعه وأجازه نفذه وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة ولفظ رواية الحكيم بذل حتى جاز فأقامته ومضى على الصراط وذلك لأن الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم تأخذ بيده في وقت عثراته بمنزلة الطفل إذا مشى فتعثر في مشيه عجل إليه أبوه فبادر حتى يأخذ بيده فيقيمه فصارت صلوات العباد على نبيهم بمنزلة ذلك الأب العطوف الذي كلما عثر ولده بادر لعطفه بحفظه وإقامته (ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله فاكتفى بأحد الشقين عن الآخر لكونه معروفا بينهم (فأخذت بيده فأدخلته الجنة) أي فتحت له الأبواب التي أغلقت دونه فدخلها لأن هذه كلمة جامعة جعلت مفتاحا لأبواب الجنة وقد جاء في حديث إن المؤمنين يدعون من باب الجنة وإن أبوابها مقسومة على أبواب البر فباب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للحج وباب للجهاد وباب للأرحام وباب لمظالم العباد وهو آخرها فهذه سبعة أبواب مقسومة على أعمال البر وكذلك أبواب النيران مقسومة على أهلها ولكل باب منهم جزء مقسوم وباب للجنة زائد لأهل الشهادة يسمى باب التوبة فأري رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام هذه الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق ووحي ليعلم العباد قوة هذه الأفعال الصادرة من العبيد أيام الدنيا ينادى لكل نوع من هذه الأعمال من القوة هناك في الموقف وفي أي موطن يعينه ويؤيده ليعلم العباد أجناس هذه الأفعال ومنافعها عند ذلك الهول الأعظم. قال جمع من الأعلام: وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام فينبغي حفظه واستحضاره والعمل عليه مع الإخلاص فإنه الذي فيه الخلاص وقال ابن القيم: كان شيخنا يعظم أمر هذا الحديث ويفخم شأنه ويعجب به ويقول أصول السنة تشهد له ورونق كلام النبوة يلوح عليه وهو من أحسن الأحاديث الطوال ليس من دأب المصنف إيرادها في هذا الكتاب لكنه لكثرة فوائده وجموم فرائده وأخذه بالقلوب اقتحم مخالفة طريقته فأورده إعجابا بحسنه وحرصا على النفع به ولهذا لما أورده الديلمي في الفردوس استشعر الاعتراض على نفسه فاعتذر بنحو ذلك <تنبيه> قال القرطبي وغيره: هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالا خاصة تنجي من أحوال خاصة قال: لكن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الواردة في نفع الأعمال لمن أخلص لله في عمله وصدق الله في قوله وفعله وأحسن نيته في سره وجهره فهو الذي تكون أعماله حجة له دافعة عنه مخلصة إياه فلا تعارض بين هذا الحديث وبين أخبار آخر فإن الناس مختلفو الحال في خلوص الأعمال (الحكيم) الترمذي (طب) وكذا الديلمي والحافظ أبو موسى المديني وغيرهم وكلهم (عن عبد الرحمن بن سمرة) بضم الميم قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة فذكره قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن [ص 26) المخزومي وكلاهما ضعيف انتهى وعزاه الحافظ العراقي أيضا إلى الخرائطي في الأخلاق قال: وسنده ضعيف انتهى وقال ابن الجوزي بعد ما أورده من طريقيه هذا الحديث لا يصح لكن قال ابن تيمية: أصول السنة تشهد له وإذا تتبعت متفرقات شواهده رأيت منها كثيرا الحديث: 2652 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 2653 - (إن) بالكسر شرطية وسيجيء عن الزمخشري توجيهها في نحو هذا التركيب (أتخذ منبرا) بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع لأنه آلته أي إن كنت اتخذت منبرا لأخطب عليه فلا لوم علي فيه (فقد اتخذه) من قبلي (أبي إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام وقد أمرت فيما أوحي إلي باتباعه قال ابن أبي زيد: وكان اتخاذ نبينا صلى الله عليه وسلم له سنة سبع وقيل سنة ثمان أي من الهجرة وفي مسند البزار بسند فيه انقطاع إن أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام (وإن أتخذ العصا) لأتوكأ عليها وأغرزها أمامي في الصلاة (فقد اتخذها) من قبل (أبي إبراهيم) عليه الصلاة والسلام فلا لوم علي في اتخاذها والظاهر أن مراده بها العنزة التي كان يمشي بها بين يديه وإذا صلى ركزها أمامه (البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي وهو ضعيف الحديث: 2653 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 2654 - (إن اتخذت) يا جابر (شعرا) أي أردت إبقاء شعر رأسك وأن لا تزيله بنحو حلق (فأكرمه) أي عظمه بدهنه وتسريحه وهذا قاله لجابر أو لأبي قتادة فكان بعد ذلك يرجله كل يوم مرتين كذا في الشعب للبيهقي فالرجل مأمور ندبا إما بإزالة شعره أو بالإحسان إليه بدهنه وترجيله (هب عن جابر) وفيه أحمد بن منصور الشيرازي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: أدخل على جمع من الشيوخ بمصر وأنا بها الحديث: 2654 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 2655 - (إن أدخلت الجنة) أي أدخلك الله إياها وجاء في رواية الطبراني أن المخاطب عبد الرحمن بن ساعدة (أتيت بفرس من ياقوتة) زاد في رواية حمراء (له جناحان) يطير بهما كالطير (فحملت عليه) أي أركبته (ثم طار) ذلك الفرس (بك حيث شئت) مقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها كيف شاءت حتى لو اشتهى أحدا أن يركب فرسا لوجده بهذه الصفة {وفيها ما تشتهي الأنفس} {فائدة} قال ابن عربي: مراكب أهل الجنة تعظم وتصغر بحسب ما يريد الراكب. قال القاضي: معناه إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه والمعنى أنه ما من شيء تشتهيه الأنفس إلا وتجده في الجنة كيف تشاء حتى لو اشتهيت أن تركب فرسا على هذه الصفة لوجدت ذلك ويحتمل أن المراد إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن يكون لك مركب من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت ولا ترضى به فتطلب فرسا من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفة والمعنى فيكون لك من المراكب ما يغنيك عن الفرس المعهود ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية أخرى وهو إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه طار بك حيث شئت ولعله عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يبين الفرق [ص: 27] مراكب الجنة ومراكب الدنيا وما بينهما من التفاوت على سبيل التصوير والتمثيل مثل فرس الجنة من جوهرة بما هو عندنا أنفس الجواهر وأدومها وجودا وأنفعها وأصفاها جوهرا وفي شدة حركته وسرعة انتقاله بالطيران اه (ت) في صفة الجنة (عن أبي أيوب) الأنصاري قال: إن أعرابيا قال: يا رسول الله إني أحب الخيل أفي الجنة خيل فذكره قال: وسأله رجل هل في الجنة من إبل فلم يقل ما قال لصاحبه قال: إن يدخلك الله الجنة يكون لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك اه ثم قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي ولا نعرفه من حديث أبي أيوب الأنصاري إلا من هذا الوجه اه نعم رواه الطبراني عنه أيضا باللفظ المزبور قال المنذري والهيثمي: ورجاله ثقات اه فكان ينبغي للمصنف أن يضمه إلى الترمذي في العزو الحديث: 2655 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 2656 - (إن أردت) بكسر التاء خطابا لعائشة (اللحوق بي) أي ملازمتي في منزلتي في الجنة قال في المصباح: اللحوق اللزوم واللحاق الإدراك (فليكفك من الدنيا كزاد الراكب) فاعل فليكفك أي مثل الزاد للراكب وهو في الأصل راكب الإبل خاصة ثم أطلق على كل من ركب دابة (وإياك) بكسر الكاف (ومجالسة الأغنياء) أي احذري ذلك لأنه من مبادئ الطمع وسبب لازدراء نعمة الله تعالى لما يرى من سعة رزقهم فهو أمر بالتقليل من الدنيا والاكتفاء باليسير حتى يكون عيشه كما كانوا يعتادونه من الزاد الذي يتخذه المسافر. قال الثوري: إذا خالط الفقير الغني فاعلم أنه مراء وقال بعضهم: إذا مال الفقير إلى الأغنياء انحلت عروته فإذا طمع فيهم انقطعت عصمته فإذا سكن إليهم ضل (ولا تستخلقي) بخاء معجمة وقاف (ثوبا) أي لا تعديه خلقا من استخلق نقيض استجد (حتى ترقعيه) أي تخيطي على ما تخرق منه رقعة قال القاضي البيضاوي: وروي بالفاء من استخلفه إذا طلب له خلفا أي عوضا واستعماله في الأصل بمن لكنه اتسع فيه بحرفها كما اتسع في قوله تعالى {واختار موسى قومه} انتهى. قال ابن العربي: ومعنى الحديث أن الثوب إذا خلق جزء منه كان طرح جميعه من الكبر والمباهاة والتكاثر في الدنيا وإذا رقعه كان بعكس ذلك وقد ورد أن عمر طاف وعليه مرقعة باثنتي عشرة رقعة فيها من أديم ورقع الخلفاء ثيابهم وذلك شعار الصالحين وسنة المتقين حتى اتخذه الصوفية شعارا فرقعت الجديد وأنشأته مرقعا وذا ليس بسنة بل بدعة عظيمة وفعلة داخلة باب الرياء وإنما قصد الشارع بالترقيع استدامة الانتفاع بالثوب على هيئته حتى يبلى وأن يكون دافعا للعجب ومكتوبا في ترك التكلف ومحمولا على التواضع وقد قيل فيمن فعل ذلك منهم: لبست الصوف مرقوعا وقلتا. . . أنا الصوفي ليس كما زعمتا فما الصوفي إلا من تصفى. . . من الأيام ويحك لو عقلتا وقال الزين العراقي: فيه أفضلية ترقيع الثوب وقد لبس المرقع غير واحد من الخلفاء الراشدين كعمر وعلي حال الخلافة لكن إنما يشرع ذلك بقصد التقلل من الدنيا وإيثار غيره على نفسه أما فعله بخلا على نفسه أو غيره فمذموم لخبر إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وكذا ما يفعله حمقاء الصوفية وجهالهم من تقطيع الثياب الجدد ثم ترقيعها ظنا أن هذا زي الصوفية وهو غرور محرم لأنه إضاعة مال وثياب شهرة ومقصود الحديث أن من أراد الارتقاء في درجات دار البقاء خفف ظهره من الدنيا واقتصر منها على أقل ممكن (ت ك) في اللباس والرقاق أخرجه الترمذي والحاكم معا من حديث سعيد بن محمد الوراق عن صالح بن حسان عن عروة (عن عائشة) قالت: جلست أبكي عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يبكيك إن أردت إلخ. قال الحاكم: صحيح وشنع عليه الذهبي بأن الوراق عدم انتهى. وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري فقال: صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن حسان الذي [ص: 28] يروي عن ابن أبي ذئب ثقة إلى هنا كلامه وقال المنذري: رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من رواية صالح بن حسان وهو منكر الحديث وقال ابن حجر: تساهل الحاكم في تصحيحه فإن صالحا ضعيف عندهم انتهى وكما لم يصب الحاكم في الحكم بتصحيحه لم يصب ابن الجوزي في الحكم بوضعه وإن صالحا ضعيف متروك لكن لم يتهم بالكذب الحديث: 2656 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 2657 - (إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى) أي يعاملكم معاملة المحب لكم (ورسوله فأدوا) الأمانة (إذا ائتمنتم) عليها (واصدقوا إذا حدثتم) بحديث (وأحسنوا جوار من جاوركم) بكف طرق الأذى عنه ومعاملته بالإحسان وملاطفته وفي إفهامه أن من خان الأمانة وكذب ولم يحسن جوار جاره لا يحبه الله تعالى ولا رسوله بل هو بغيض عندهما (طب عن عبد الرحمن بن أبي قراد) ويقال ابن أبي القراد بضم القاف وخفة الراء الأنصاري السلمي ويقال له الفاكه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بطهور فغمس يده فيه ثم توضأ فتبعناه فقال: ما حملكم على ما صنعتم قلنا: حب الله ورسوله فذكره قال الهيثمي: فيه عبيد الله بن وافد القيسي وهو ضعيف الحديث: 2657 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 2658 - (إن أردت أن يلين قلبك) أي لقبول امتثال أوامر الله وزاجره (فأطعم المسكين) المراد به ما يشمل الفقير ومن كلمات إمامنا البديعة إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (وامسح رأس اليتيم) أي من خلف إلى قدام عكس غير اليتيم أي افعل به ذلك إيناسا وتلطفا به فإن ذلك يلين القلب ويرضي الرب (طب في مكارم الأخلاق هب عن أبي هريرة) قال: شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وفي سنده رجل مجهول الحديث: 2658 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 2659 - (إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار) أي طلب المغفرة من الله تعالى بأي صيغة دلت عليه والوارد أولى (فافعلوا) أي ما استطعتموه (فإنه ليس شيء أنجح عند الله تعالى ولا أحب إليه منه) لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من تحلى بشيء منها ومن صفاته الغفار وإنما وجه الأمر للإكثار لأن الآدمي لا يخلو من ذنب أو عيب ساعة بساعة فيقابله بالاستغفار فإذا أدمن ذلك خرج من العيوب والذنوب وعادت عليه الستور التي هتكها عن نفسه باقتراف الذنوب وأخرج ابن عساكر أن زيد بن أسلم مرض فأراد أن يكتب وصية فلم يقدر لوصب يده فنام فرأى رجلا مبيضا فقال له: أنا ملك الموت ما يبكيك ولم أؤمر بقبضك؟ قال: ذكرت النار قال: ألا أكتب لك براءة منها؟ فأخذ ورقة ثم كتبها ثم دفعها إلي فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم أستغفر الله أستغفر الله حتى ملأ القرطاس قلت: أين البراءة؟ قال: تريد أوثق من هذا؟ فاستيقظت والقرطاس بيدي فيه ذلك (الحكيم) الترمذي (عن أبي الدرداء) الحديث: 2659 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 2660 - (إن استطعت أن تكون أنت المقتول ولا تقتل أحدا من أهل الصلاة فافعل) سببه أن رجلا قال لسعد بن [ص: 29] أبي وقاص: أخبرني عن عثمان قال: كان أطولنا صلاة وأعظمنا نفقة في سبيل الله ثم سأله عن أمر الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره (ابن عساكر) في التاريخ (عن سعد) بن أبي وقاص وفيه محمد بن يعلى زنبور أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم وغيره: متروك عن الربيع بن صبح مضعف عن علي بن زيد ابن جدعان ضعفوه الحديث: 2660 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 2661 - (إن تصدق الله يصدقك) قاله لأعرابي غزا معه فدفع إليه قسمه فقال: ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك أن أرمي إلى هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال له ذلك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم صدق الله فصدقه ثم كفنه في جبته ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مجاهدا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك هكذا رواه النسائي مطولا فاختصره المؤلف (ن ك عن شداد بن الهاد) الليثي واسم الهاد أسامة بن عمرو وقيل له الهاد لأنه كان يوقد النار ليلا ليهتدي إليه الأضياف الحديث: 2661 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 2662 - (إن تغفر اللهم تغفر جما) أي كثيرا (وأي عبد لك لا ألما) أي لم يلم بمعصية يعني لم يتلطخ بالذنوب وألم إذا فعل اللمم وهو صغار الذنوب واللمم في الأصل كما قال القاضي الشيء القليل وهذا بيت لأمية بن أبي الصلت تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم والمحرم عليه إنشاء الشعر لا إنشاده ومعناه إن تغفر ذنوب عبادك فقد غفرت ذنوبا كثيرة فإن جميع عبادك خطاؤون (ت) في التفسير (ك) في الإيمان والتوبة (عن ابن عباس) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2662 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 2663 - (إن سركم أن تقبل) في رواية بدله أن تزكو (صلاتكم) أي يقبلها الله منكم بإسقاط الواجب وإعطاء الأمر (فليؤمكم خياركم في الدين) لأن الإمامة وراثة نبوية وشفاعة دينية فأولى الناس بها أزكاهم وأتقاهم ليحسن الأداء وتقبل الشفاعة (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) الباهلي ورواه الدارقطني عن أبي هريرة يرفعه بلفظ إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم ثم قال: فيه أبو الوليد خالد بن إسماعيل ضعيف وقال ابن القطان: فيه العلاء بن سالم الراوي عن خالد مجهول الحديث: 2663 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 2664 - (إن سركم أن تقبل صلاتكم) أي يقبلها الله ويثيبكم عليها (فليؤمكم علماؤكم) أي العاملون العالمون بأحكام الصلاة (فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم) أي هم الواسطة بينكم وبينه في الفيض لأن الواسطة الأصلي هو النبي صلى الله عليه وسلم وهم ورثته واستدل به وبما قبله ابن الجوزي للحنابلة على عدم صحة إمامة الفاسق ورده الذهبي بأنه لو صح لكان دليلا على الأولوية (طب عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة ابن أبي مرثد (الغنوي) بفتح المعجمة والنون صحابي بدري استشهد في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: فيه يحيى بن يعلى الأسلمي ضعيف جدا انتهى الحديث: 2664 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 2665 - (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (ما أول ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وما أول ما يقولون) هم (له) قالوا: [ص: 30] أخبرنا يا رسول الله قال: (فإن الله يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم) أحببناه (يا ربنا فيقول: لم؟) أحببتموه (فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك) أي أملنا منك ستر الذنوب ومحو أثرها (فيقول: قد أوجبت لكم عفوي ومغفرتي) لأنه عند ظن عبده به كما في الخبر الآخر فحقق لهم رجاءهم وفي رواية فيقول قد وجبت لكم رحمتي (حم طب عن معاذ) ابن جبل قال الهيثمي: فيه عبيد الله بن زحر ضعيف وأعاده مرة أخرى وقال: رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن انتهى الحديث: 2665 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 2666 - (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (عن الإمارة) بكسر الهمزة أي عن شأنها وحالها (وما هي أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل) لأنها تحرك الصفات الباطنة وتغلب على النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا فإذا كانت محبوبة كان الوالي ساعيا في حظ نفسه متبعا لهواه ويقدم على ما يريد وإن كان باطلا وعند ذلك يهلك ومن ثم أخرج ابن عوف عن المقداد قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل فلما رجعت قال: كيف وجدت الإمارة قلت: ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول والله لا آلي على عمل أبدا (طب) وكذا البزار (عن عوف بن مالك) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟ فناديت بأعلى صوتي وما هي يا رسول الله؟ قال: أولها ملامة إلخ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري: رواه البزار والطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح الحديث: 2666 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 2667 - (إن قضى الله تعالى شيئا) أي قدر في الأزل كون ولد (ليكونن) أي لا بد من كونه وإبرازه للوجود (وإن عزل) الواطئ ماءه عن الموطوءة بأن أنزل خارج فرجها وهذا قاله لمن سأله عن العزل يعني فلا فائدة للعزل ولا لعدمه كما سبق تقريره (الطيالسي) أبو داود (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2667 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 2668 - (إن قامت الساعة) أي القيامة سميت به لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لطولها فهو تلميح كما يقال في الأسود كافورا ولأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق (وفي يد أحدكم) أيها الآدميون (فسيلة) أي نخلة صغيرة إذ الفسيل صغار النخل وهي الودي (فإن استطاع أن لا يقوم) من محله أي الذي هو جالس فيه (حتى يغرسها فليغرسها) نديا قد خفي معنى هذا الحديث على أئمة أعلام منهم ابن بزيزة فقال: الله أعلم ما الحكمة في ذلك انتهى. قال الهيثمي: ولعله أراد بقيام الساعة أمارتها فإنه قد ورد إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها فإن للناس عيشا بعد والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا وفي الكشاف كان ملوك فارس قد أكثروا من [ص: 31] حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من عسف الرعايا فسأل بعض أنبيائهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي وأخذ معاوية في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره فقيل له فيه فقال: ما غرسته طمعا في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي: ليس الفتى بفتى لا يستضاء به. . . ولا يكون له في الأرض آثار ومن أمثالهم أمارة إدبار الأمارة كثرة الوباء وقلة العمارة وحكي أن كسرى خرج يوما يتصيد فوجد شيخا كبيرا يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه فقال: أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل فقال له كسرى: زه وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار فأعطاها الرجل فقال له: أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها فقال كسرى: زه فأعطى ألف دينار فقال له أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين فقال له زه فأعطى ألف دينار أخرى وساق جواده مسرعا وقال: إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا (حم خد) وكذا البزار والطيالسي والديلمي (عن أنس) قال الهيثمي: ورجاله ثقات وأثبات الحديث: 2668 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 2669 - (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا) أي يسعى على ما يقيم به أودهم (فهو) أي الإنسان الخارج لذلك أو الخروج أو السعي (في سبيل الله) أي في طريقه وهو مثاب مأجور إذ الخروج فيه كالخروج في سبيل الله أي الجهاد أو السعي كالسعي فيه (وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين) أي أدركهما الكبر أي الهرم عنده (فهو في سبيل الله) بالمعنى المقرر (وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها) أي عن المسألة للناس أو عن أكل الحرام أو عن الوطئ الحرام (فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى) لا لواجب أو مندوب بل (رياء ومفاخرة) بين الناس (فهو في سبيل الشيطان) إبليس أو المراد الجنس أي في طريقهم أو على منهجهم (طب عن كعب بن عجرة) بفتح فسكون قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فذكره قال الطبراني: لا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن كثير انتهى قال الهيثمي: ورواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح وسبقه إليه المنذري الحديث: 2669 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 2670 - (إن كان في شيء من أدويتكم خير) أي شفاء ذكره القرطبي وأتى هنا بصيغة الشرط من غير تحقق الإخبار وجاء في البخاري الشفاء في ثلاث وذكرها فحقق الخبر (ففي) أي فهو في أي فيكون في (شرطة محجم) أي استفراغ الدم وهو بفتح الشين ضربة مشراط على محل الحجم ليخرج الدم والمحجم بالكسر قارورة الحجام التي يجتمع فيها الدم وبالفتح موضع الحجامة وهو المراد هنا ذكره بعضهم وقال القرطبي: المراد هنا الحديدة التي يشترط بها قال في الفتح: وإنما خصه بالذكر لأن غالب إخراجهم الدم بالحجامة وفي معناه إخراجه بالفصد (أو شربة من عسل) أي بأن [ص: 32] يدخل في المعجزات المسهلة التي تسهل الأخلاط التي في البدن والمراد به حيث أطلق عسل النحل وفيه شفاء للناس ومنافعه لا تكاد تحصى فمن أراد الوقوف عليها فعليه بكتب المفردات أو الطب واقتبس بعضهم من لفظ الشك أن ترك التداوي أفضل يعني أنه فضيلة تسليما للقضاء والقدر (أو لذعة) وفي رواية أو كية (بنار) بذال معجمة وعين مهملة أي حرقتها والمراد الكي. قال الزمخشري: واللذع الخفيف مس الإحراق ومنه لذعه بلسانه وهو أذى يسير ومنه قيل للذكي الفهم الخفيف لوذع ولوذعي (توافق داء) فتذهبه قال بعضهم: أشار به إلى جميع ضروب المعالجات القياسية وذكر أن العلل منها ما هو مفهوم السبب وغيره فالأول لغلبة أحد الأخلاط الأربعة فعلاجه باستفراغ الإمتلاء مما يليق به من المذكورات في الحديث فمنها ما يستفرغ بإخراج الدم بالشرط وفي معناه نحو الفصد ومنها ما يستفرغ بالعسل وما في معناه من المسهلات ومنها ما يستفرغ بالكي فإنه يجفف رطوبة محل المرض وهو آخر الطب وأما ما كان من العلل عن ضعف بعض القوى فعلاجه بما يقوي تلك القوة من الأشربة ومن أنفعها العسل إذا استعمل على وجهه وما من العلل غير مفهوم السبب كسحر وعين ونظرة جني فعلاجه بالرقى وأنواع من الخواص وإلى هذا أشار بزيادته في رواية أو آية في كتاب الله وقال القرطبي: إنما خص المذكورات لأنها أغلب أدويتهم وأنفع لهم من غيرها بحكم العادة ولا يلزم كونها كذلك في حق غيرهم ممن يخالفهم في البلد والعادة والهوى والمشاهدة قاضية باختلاف العلاج والأدوية باختلاف البلاد والعادة (وما أحب أنا أن أكتوي) لشدة ألم الكي فإنه يزيد على ألم المرض فلا يفعل إلا عند عدم قيام غيره مقامه ولأنه يشبه التعذيب بعذاب الله انتهى فإن قيل: أصل إن الشرطية أن تستعمل في المشكوك وثبوت الخيرية في شيء من أدويتهم لا على التعيين محقق عندهم فما وجه إن؟ فالجواب: أنها قد تستعمل لتأكيد تحقق الجواب كما يقال لمن يعلم أن له صديقا إن كان له صديق فهو زيد (حم ق ن) من حديث عاصم (عن جابر) ابن عبد الله قال: جاءنا جابر في أهلنا ورجل يشتكي جراحا به أو جراحا فقال: ما تشتكي فقال: جراح بي قد شق علي فقال: يا غلام ائتني بحجام فقال الغلام: ما تصنع به قال: أريد أن أعلق عليه محجما قال: والله إن الذباب ليصيبني أو يصيب الثوب فيؤذيني ويشق علي فلما رأى تبريه من ذلك قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد الحديث: 2670 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 2671 - (إن كان شيء من الداء يعدي) أي يجاوز صاحبه لغيره (فهو هذا يعني الجذام) هذا من كلام الراوي لا من تتمة الحديث قال في المطامح: قوله إن كان دليل على أن هذا الأمر غير محقق عنده انتهى وحينئذ فلا تعارض بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة وسيجيء تحقق الجمع بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة (عد عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2671 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 2672 - (إن كان الشؤم) ضد اليمن مصدر تشاءمت وتيمنت قال الطيبي: واوه همزة خففت فصارت واوا ثم غلب عليها التخفيف ولم ينطق بها مهموزة (في شيء) من الأشياء المحسوسة حاصلا (ففي الدار والمرأة والفرس) يعني إن كان للشؤم وجود في شيء يكون في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلا ذكره عياض أي إن كان في شيء يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي: وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو للطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعا أو شرعا وقيل هذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن له دار يكره سكناها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا توافقه أن يفارقها بنقلة وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل بفراق أو بيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة قال القرطبي: ومقتضى هذا السياق أنه لم يكن متحققا لأمر [ص: 33] الشؤم في الثلاث في الوقت الذي نطق لفظ الحديث فيه لكنه تحققه بعد ذلك فقال في الحديث الآتي إنما الشؤم إلخ وخص الثلاثة بالذكر لكونها أعم الأشياء التي يتداولها الناس وقال الخطابي: اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من خير وشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله تعالى وهذه الثلاثة ظروف جعلت مواقع الأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان ولا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان (مالك) في الموطأ (حم خ هـ عن سهل بن سعد) الساعدي (ق عن ابن عمر) بن الخطاب (ن عن جابر) بن عبد الله الحديث: 2672 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 2673 - (إن كنت عبدا لله (1) فارفع إزارك إلى أنصاف الساقين) قال الزمخشري: إن هذه من الشرط الذي يجيء به المدلى بأمره المتحقق لصحته هو كان متحققا أنه عبد الله ومنه قوله تعالى {إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} مع علمه بأنهم لم يخرجوا إلا لذلك واعلم أن إسبال الإزار بقصد الخيلاء حرام وبدونه مكروه ومثل الإزار كل ملبوس كقميص وسراويل وجبة وقباء ونحوها بل روي عن أبي داود الوعيد على إسبال العمامة قال الزين العراقي: والظاهر أن المراد به المبالغة في تطويلها وتعظيمها لأجرها على الأرض فإنه غير معهود فالإسبال في كل شيء يحسبه قال: ولو أطال أكمامه حتى خرجت عن المعتاد كما يفعله بعض المكيين فلا شك في تناول التحريم لما مس الأرض منها بقصد الخيلاء بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد فقد كان كم قميص المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ (طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي إزار يتقعقع فقال: من هذا فقلت: عبد الله قال: إن كنت إلخ فرفعت إزاري إلى نصف الساقين ولم تزل إزرته حتى مات قال الزين العراقي: إسناده صحيح وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني بإسنادين وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح   (1) [في الأصل " عبد الله " وفي الفتح الكبير للنبهاني " عبدا لله " فاخترناه. دار الحديث] الحديث: 2673 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 2674 - (إن كنت) أيها الرجل الذي حلف بالله ثلاثا أنه يحبني (تحبني) حقيقة كما تزعم (فأعد للفقر تجفافا) أي مشقة وهو بكسر المثناة وسكون الجيم وبالفاء المكررة وهو ما جلل به الفرس ليقيه الأذى وقد يلبسه الإنسان فاستعير للصبر على مشاق الشدائد يعني أنك ادعيت دعوى كبيرة فعليك البينة وهو اختبارك بالصبر تحت أثقال الفقر الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم الموافق وتحمل مكروهه وتجرع مرارته والخضوع والخشوع بملابسته بأن تعد له تجفافا والتجفاف إنما يكون جنة لرد الشيء كذا قرره جمع وقال الزمخشري: معناه فلتعد وقاءا مما يورد عليه الفقر والتقلل ورفض الدنيا من الحمل على الجزع وقلة الصبر على شظف العيش. اه. وقال بعضهم: ذهب قوم إلى أن من أحب أهل البيت افتقر وهو خلاف الحقيقة والوجود بل معنى الخبر فليقتد بنا في إيثارنا الفقر على الدنيا (فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل) إذا انحدر من علو (إلى منتهاه) أي مستقره في سرعة نزوله ووصوله والفقر جائزة الله لمن أحبه وأحب رسوله وخلعته عليه وبره له لأنه زينة الأنبياء وحلية الأولياء وشبهه بالسيل دون غيره تلويحا بتلاحق النوائب به سريعا ولات حين مناص له منها (حم ت) في الزهد (عن عبد الله بن مغفل) قال: جاء رجل فقال يا رسول الله والله إني أحبك فقال: انظر ماذا تقول قال: والله إني أحبك ثلاثا فذكره قال الطيبي: قوله انظر ماذا تقول أي رمت أمرا عظيما وخطبا كبيرا فتفكر فيه فإنك موقع نفسك في خطر وأي خطر تستهدفها غرض سهام [ص: 34] البلايا والمصائب لاحقة به بسرعة لا خلاص له ولا مناص هذا على مقتضى قوله في الحديث الآتي المرء مع من أحب فيكون بلاؤه أشد من بلاء غيره فإن أشد الناس بلاءا الأنبياء وفيه أن الفقر أشد البلاء وأعظم المصائب ورواه عنه أيضا ابن جرير الحديث: 2674 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 2675 - (إن كنت صائما) شهرا بعد شهر (رمضان) الذي هو الفرض (فصم) ندبا (المحرم فإنه شهر الله) قال الزين العراقي: هذا كالتعليل لاستحباب صومه بكونه شهر الله لا ما علله به القرطبي وابن دحية لكونه فاتحة السنة وتفضيل الأشخاص والأزمنة والأمكنة حيث ورد لا يعلل إلا إن ورد تعليله في كتاب أو سنة (فيه يوم تاب الله فيه على قوم) قال العراقي: يحتمل أنه تتمة للعلة للأمر بصيامه أي فإنه كذا وكذا ويحتمل الاستئناف وأنه لا تعلق له بالأمر بالصوم وقوله (ويتوب فيه على آخرين) هذا من الإخبار بالغيب المستقبل قال: والظاهر أن هذا اليوم المبهم يوم عاشوراء ففي حديث أبي هريرة أنه يوم تاب الله فيه على آدم لكن فيه ضرار بن عمرو ضعفه ابن معين وغيره وقد ورد أيضا أنه تاب فيه على قوم يونس روى أبو الشيخ [ابن حبان] في فضائل الأعمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن نوحا هبط من السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح وأمر من معه بصيامه شكرا لله تعالى وفيه تاب الله على آدم وعلى أمه يونس وفيه فلق البحر لبني إسرائيل وفيه ولد إبراهيم وعيسى قال: وفيه عثمان بن مطر منكر الحديث وقال وهب: أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن مر قومك أن يتوبوا إلي في عشر المحرم فإذا كان في اليوم العاشر فليخرجوا إلي أغفر لهم. قال ابن رجب: هذا الحديث حث على التوبة فيه وأنه أرجى لقبول التوبة انتهى (ت عن علي أمير المؤمنين) قال: قال رجل: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان فذكره قال الترمذي: حسن غريب قال الزين العراقي: تفرد بإخراجه الترمذي وقد أورده ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد الله الواسطي ونقل تضعيف الأئمة له أحمد ابن حنبل وابن معين والبخاري والنسائي انتهى وما ذكره من تفرد الترمذي به لعله من حديث علي وإلا فقد أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة قال: جاء أعرابي بأرنب شواها فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل وأمر القوم أن يأكلوا فأمسك الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يمنعك أن تأكل قال: إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام فذكره الحديث: 2675 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 2676 - (إن كنت صائما) نفلا (فعليك بالغر البيض) أي الزم صومها (ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) أي ثالث عشر الشهر ورابع عشره وخامس عشره وهذا قاله لأبي ذر لما قال: يا رسول الله إني صائم قال: وأي الصيام تصوم قال: أول الشهر وآخره فقال له: إن كنت صائما إلخ قال أبو البقاء: أي هنا منصوبة بتصوم والزمان معها محذوف تقديره أي زمان الصوم تصوم ولذلك أجاب بفطر أول الشهر ولو لم يرد حذف المضاف لم يستقم لأن الجواب يكون على وفق السؤال فإذا كان الجواب بالزمان كان السؤال عن الزمان ويجوز أن لا يقدر في السؤال حذف مضاف بل يقدر في الجواب وبقدر صيام أول الشهر (ن طب عن أبي ذر) قال الهيثمي: وفيه حكيم بن جبير وفيه كلام كثير رواه عنه أيضا أحمد وفيه عنده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وقد اختلط الحديث: 2676 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 2677 - (إن كنت لا بد سائلا) أي طالبا أمرا من الأمور (فاسأل الصالحين) أي أهل الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق أو من يتبرك بدعاية وترجى إجابته إذا دعا لك أو الساعين في مصالح الخلق بنحو [ص: 35] شفاعة ومعروف ومع ذلك لا يمنون على أحد بما أعطوه أو فعلوه معه لكون الواحد منهم يرى الملك لله في الوجود ويرى نفسه كالوكيل المستخلف في مال سيده ليصرف منه على عبيده بالمعروف ومصداق ذلك في كلام الله ففي الزبور إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا ولا تسأل معادن الشر فترجع ملوما محسورا وفيه قيل: " اسأل الفضل إن سألت الكبارا ". قال المرسي: قال لي الشيخ يعني العارف والشاذلي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئا فمكثت على ذلك سنة ثم قال: إن أردت كونك منهم فلا تقبل من أحد شيئا فكنت أخرج إلى الساحل وألقط ما يقذفه البحر من القمح وقال في الحكم: لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعا من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعا؟ ومن كلامهم البديع: " قرع باب اللئيم قلع ناب الكريم ". وقال بعضهم: إذا احتاج الكريم إلى اللئيم. . . فقد طاب الرحيل إلى الجحيم وأنشد ابن الجوزي في الصفوة: لا تحسبن الموت موت البلاء. . . وإنما الموت سؤال الرجال كلاهما موت ولكن ذا. . . أشد من ذاك لذل السؤال وقال بعضهم: ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله. . . عوضا ولو نال الغنى بسؤال وإذا السؤال مع النوال وزنته. . . رجح السؤال وخف كل نوال (د ن) عن مسلم بن يخشى عن ابن الفراسي (عن الفراسي) بفتح الفاء قال: قلت: أسأل يا رسول الله؟ قال: لا ثم ذكره وإن كنت إلخ. قال الطيبي: اسأل أي اسأل وإن كنت عطف على محذوف أي لا تسأل الناس وتوكل على الله على كل حال وإن كان لا بد من السؤال فسل الصلحاء وخبر كان محذوف ولا بد معترضة مؤكدة بين الشرط والجزاء وفي وضع الصالحين موضع الكرماء إشارة إلى حل ما يمنحونه وصون عرض السائل صون ما لأن الصالح لا يمنح إلا حلالا ولا يكون إلا كريما لا يهتك العرض اه قال عبد الحق وابن الفراسي: لا يعلم أنه روى عنه إلا بكر بن سوادة الحديث: 2677 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 2678 - (إن كنت) يا عائشة (ألممت بذنب) أي أتيته من غير عادة بل على سبيل الهفوة والسقطة وفي الصحاح الإلمام مقابلة المعصية من غير موافقة وهذا المعنى له هنا لطف عظيم معلوم بالذوق (فاستغفري الله تعالى) أي اطلبي منه الغفر أي الستر للذنب (وتوبي إليه) توبة صحيحة نصوحا (فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار) وهذا بعض من حديث واتهام عائشة بصفوان والقصة مشهورة (هب عن عائشة) وفيه إبراهيم بن بشار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: اتهمه أحمد وقال ابن معين: ليس بشيء وقال ابن عدي: صدوق ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لا علاء من البيهقي ولا أحق بالعزو وهو ذهول فقد خرجه أحمد قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن يزيد الواسطي وهو ثقة اه وهو في الصحيحين بدون قوله فإن إلخ الحديث: 2678 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 2679 - (إن كنتم تحبون حلية الجنة) بكسر الحاء وسكون اللام زينتها والمراد حلي الذهب والفضة (وحريرها فلا [ص: 36] تلبسوهما في الدنيا) فإن من لبسهما من الرجال ومثلهم الخناثى في الدنيا لم يلبسهما في الآخرة كما في خبر آخر ويحرم على الرجل والخنثى استعمال حلي النقدين والحرير لغير ضرورة أو حاجة (حم ن ك عن عقبة بن عامر) الجهني الحديث: 2679 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 2680 - (إن لقيتم عشارا) أي مكاسا أي وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيما على دينهم أو مستحلا (فاقتلوه) لكفره قال في المصباح: عشرت المال عشرا من باب قتل وعشورا أخذت عشره واسم الفاعل على عاشر وعشار (طب عن مالك بن عتاهية) بن حرب الكندي مصري قال الذهبي: له هذا الحديث وفيه رجل مجهول وابن لهيعة اه وظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحق بالعزو من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد والبخاري في التاريخ وجازف ابن الجوزي فحكم بوضعه الحديث: 2680 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 2681 - (إن نساني الشيطان شيئا من صلاتي) أي من واجباتها كنسيان الاعتدال والقعود بين السجدتين أو مندوباتها كالتشهد الأول (فليسبح القوم) أي الرجال (وليصفق النساء) ندبا ونبه بذكر النسيان على أن من نابه شيء في صلاته يسبح الذكر وتصفق الأنثى ندبا فإن صفق وسبحت لم يضر لكنه خلاف السنة قال الزمخشري: القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال لقيامهم بأمور النساء والتصفيق ضرب أحد صفقي الكفين على الآخر اه (د عن أبي هريرة) الحديث: 2681 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 2682 - (أنا محمد بن عبد الله) علم منقول من مركب من إضافي سمي به بإلهام إلهي لجده لرؤيا رآها كما ذكر حديثها القيرواني العابر في كتاب البستان وهو أنه رأى سلسلة فضة خرجت منه لها طرف في السماء وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرقين معلقون بها فعبرت بمولود يتبعونه ويحمده أهل السماء (ابن عبد المطلب) اسمه شيبة الحمد أو غير ذلك وكنيته أبو الحارث كان مفزع قريش وشريفهم وملجأهم في الأمور وموئلهم في النوائب وأول من خضب بالسواد وكان يرفع من مائدته للطير والوحش في رؤوس الجبال ومن ثم يقال له مطعم طير السماء والشيخ الجليل صاحب الطير الأبابيل وجعل باب الكعبة ذهبا وكانت له السقاية والزيارة والسدانة والرفادة والحجابة والإفاضة والندوة وحرم الخمر على نفسه في الجاهلية (ابن هاشم) اسمه عمرو ولقب به لأنه أول من هشم الثريد لقومه في الجدب قال النيسابوري: كان النور على وجهه كالهلال لا يمر بشيء إلا سجد له ولا رآه أحد إلا أقبل نحوه سأله قيصر أن يتزوج ابنته لما رأى في الإنجيل من صفة ابنه قال ابن الأثير: مات وله عشرون أو خمس وعشرون سنة (ابن عبد مناف) اسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس كان يقال له قمر البطحاء لجماله سمي به لطوله وكان مطاعا في قريش (بن قصي) تصغير قصي أي بعيد لأنه بعد عن قومه في بلاد قضاعة مع أمه واسمه مجمع أو رند ملكه قومه عليهم فكان أول ملك من بني كعب وكان لا يعقد عقد نكاح ولا غزو إلا في داره (بن كلاب) بكسر الكاف والتخفيف منقول من المصدر بمعنى المكالبة أو من الكلاب جمع كلب لقب به لحبه للصيد اسمه حكيم أو حكيمة أو عروة وكنيته أبو زرعة وهو أول من حلى السيوف بالنقد (ابن مرة) بضم الميم كنيته أبو يقظة (بن كعب) كنيته أبو هصيص وهو أول من قال أما بعد وأول من جمع يوم [ص: 37] العروبة وكان يجمع قريشا يومها فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من ولده (ابن لؤي) بضم اللام وهمزة وتسهل (ابن غالب) كنيته أبو تيم (ابن فهر) بكسر فسكون اسمه قريش وإليه ينسب قريش فما كان فوقه فكناني (بن مالك) اسم فاعل من ملك يملك يكنى أبا الحارث (ابن النضر) بفتح فسكون اسمه قيس لقب به لنضارة وجهه وجماله ويكنى أبا مخلد أو عبد المطلب رأى في منامه شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان نور من نور فجذبت إلى السماء فأولت بالعز والسؤدد (بن كنانة) لقب به لأنه كان سترا على قومه كالكنانة أو الجعبة الساترة للسهام لأنه كان عظيم القدر يحج إليه العرب لعلمه وفضله (بن خزيمة) تصغير خزمة يكنى أبا أسد له مكارم وأفضال بعدد الرمال (بن مدركة) بضم فسكون اسمه عمرو وحكى الرشاطي عليه الإجماع وكنيته أبو هذيل لقب به لأنه أدرك أرنبا عجز عنها رفقاؤه (بن إلياس) بكسر الهمزة أو بفتحها ولامه للتعريف وهمزته للوصل عند الأكثر كنيته أبو عمرو وهو أول من أهدى البدن للبيت قيل وكان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج ولما مات أسفت زوجته خندف عليه فنذرت لا تقيم ببلد مات فيه ولا يظلها سقف وحرمت الرجال والطيب وخرجت سائحة حتى ماتت فضرب بها المثل (بن مضر) بضم ففتح معدول عن ماضر اسمه عمرو ومن كلامه من يزرع شرا يحصده وخير الخير أعجله واحملوا أنفسكم على مكروهها فيما يصلحها واصرفوها عن هواها فيما يفسدها وكانت له فراسة وقيافة (ابن نزار) بكسر النون والتخفيف من النذر القليل لأن أباه حين ولد نظر إلى نور النبوة بين عينيه ففرح به وأطعمه كثيرا وقال: هذا نور في حق هذا وكنيته أبو إياد بن مسعد بن عدنان إلى هنا معلوم الصحة متفق عليه. قال ابن دحية: أجمعوا على أنه لا يجاوز عدنان وعن الحبر بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون ومن ثم أنكر مالك على من رفع نسبه إلى آدم عليه السلام وقال: من أخبره به أي لأنه من كلام المؤرخين ولا ثقة بهم قال ابن القيم: ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وهو الذبيح على الصواب. قال: والقول بأنه إسحاق باطل من عشرين وجها. وقال ابن تيمية: هو إنما يتلقى من أهل الكتاب وهو باطل بنص كتابهم (وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما) فرقة (فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني من عهد الجاهلية) قال مغلطاي: إنما كان آباؤه فضلاء عظماء لأن النبوة ملك وسياسة عامة والملك في ذوي الأحساب والأخطار وكلما كانت خصال الفضل أكثر كانت الرعية أكثر انقيادا وأسرع طاعة وكلما كان في الملك نقيصة نقصت أتباعه ورعاياه فلذا جعل من خير الفرق وخير البقاع (وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب تلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة آبائه في كلاب (فأنا خيركم نسبا) النسب اسم لعموم القرابة (وخيركم أبا - البيهقي في الدلائل) أي في كتابه دلائل النبوة (عن أنس) ورواه الحاكم أيضا باللفظ المزبور عن أنس المذكور قال: بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجالا من كندة يزعمون أنه منهم فقال: إنما يقول ذلك العباس وأبو سفيان إذا قدما إليكم ليأمنا بذلك وإنا لا ننتفي من آبائنا نحن بنو النضر بن كنانة ثم خطب الناس فقال: أنا محمد إلخ الحديث: 2682 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 [ص: 38] 2683 - (أنا النبي) عرفه باللام لحصر النبوة فيه (لا كذب) أي أنا النبي حقا لا كذب فيه فلا أفر من الكفار ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أهزم بل وعدني الله بنصره فلا يجوز لي أن أفر (أنا ابن عبد المطلب) نسب لجده لا لأبيه لشهرته به وللتصريف والتذكير فيما أخبرهم به الكهنة قبيل ميلاده أنه آن أن يظهر من بني عبد المطلب نبي فذكرهم بأنه ذلك المقول عنه لا للفخر فإنه كان يكرهه وينهى عنه ولا للعصبية لأنه كان يذمها ويزجر عنها ولا يشكل ذا بحرمة الشعر عليه لأن هذا إنما هو من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إلا أنه اتفق ذلك بغير قصد كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ومنه في القرآن كثير. قال بعض شراح الشفاء: وذا عام في كل نبي لما في الشعر من الغلو ولا يقال قال الشافعي الشعر يزري بالعلماء فالنبوة أولى به (حم ن ق عن البراء بن عازب) الحديث: 2683 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 2684 - (أنا النبي لا كذب) أي أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول وقوله لا كذب بسكون الباء وحكى ابن المنير عن بعضهم فتحها ليخرج عن الوزن قال في المصابيح: وهذا تفسير للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس وقد ذكروا ما يدفع كون هذا شعرا فلا حاجة لإخراج الكلام عما هو عليه في الرواية. (أنا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر) يعني استرضعت فيهم وهم من أفصح العرب (فأنى يأتيني اللحن) تعجب أي كيف يجوز علي النطق باللحن وأنا أعرب العرب ولذلك أعيي فصحاء العرب الذين يتنافسون بالشعر في مناظم قريضهم ورجزهم ومقطعاتهم وخطبهم وما يتصرفون فيه من الكناية والتعريض والاستعارة والتمثيل وصنوف البديع وضروب المجاز والإفتتان في الإشباع والإيجاز حتى قعدوا مقهورين مغمورين وبقوا مبهوتين مبهورين حتى استكانوا وأذعنوا وأسهبوا في الاستعجاب وأمعنوا <تنبيه> قال في الروض: إنما دفع أشراف العرب أولادهم إلى المراضع في القبائل ولم يتركوهم عند أمهاتهم لينشأ الطفل في الأعراب فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا تفارقه الهيئة المعربة كما قال في الحديث: تمعددوا واخشوشنوا فكان ذلك يحملهم على الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات وكان عبد الملك بن مروان يقول: أضرنا حب الوليد لأن الوليد كان لحانا لكونه أقام مع أمه وغيره من إخوته أسكنوا البادية فتعربوا ثم أدبوا فتأدبوا (طب عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه ميسر بن عبيد وهو متروك الحديث: 2684 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 2685 - (أنا ابن العواتك) جمع عاتكة (من سليم) قال في الصحاح ثم القاموس: العواتك من جداته تسع وقال غيره: كان له ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج بالجيم بن ذكوان أم عبد مناف وعاتكة بنت مرة بنت هلال بن فالج أم هاشم وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة وبقية التسع من غير بني سليم قال الحليمي: لم يرد بذلك فخرا بل تعريف منازل المذكورات ومنازلهن كمن يقول كان أبي فقيها لا يريد به إلا تعريف حاله ويمكن أنه أراد به الإشارة بنعمة الله في نفسه وآبائه وأمهاته قال بعضهم: وبنو سليم تفخر بهذه الولادة [ص: 39] وفي رواية لابن عساكر أن ابن الفواطم وهذا قاله يوم حنين قال في الروض: وعاتكة اسم منقول من الصفات يقال امرأة عاتكة وهي المصفرة بالزعفران والطيب وفي القاموس العاتك الكريم والخالص من الألوان وقال ابن سعد: العاتكة هي في اللغة الطاهرة (ص طب عن سبابة) بمهملة مكسورة ومثناة تحتية ثم باء موحدة بضبط المصنف بخطه تبعا لابن حجر (ابن عاصم) ابن شيبان السلمي له صحبة قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال الذهبي كابن عساكر في التاريخ اختلف على هشيم فيه الحديث: 2685 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 2686 - (أنا النبي) هذا وما قبله وما بعده من قبل ما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد به هنا إظهار شرفه وكونه عند ربه بمكان علي حيث خصه بأنه النبي (الأمي) أي الذي جعلني الله بحيث لا أهتدي للخط ولا أحسنه لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض. {النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم} وهذا أعلى درجات الفضل له حيث كان أميا آتيا بالعلوم الجمة والحكم المتوافرة وأخبار القرون الماضية بلا تعلم خط واستفادة من كتاب (الصادق الزكي) أي الصالح يقال زكى الرجل يزكو إذا صلح زكيته بالتثقيل نسبته إلى الزكاء بالمد وهو الصلاح (الويل كل الويل) أي التحسر والهلاك كله (لمن كذبني) فيما جئت به من عند الله (وتولى عني) أعرض ونأى بجانبه (وقاتلني والخير لمن آواني) أي أنزلني عنده وأسكنني في سكنه (ونصرني) أعانني على عدوي وقوى شوكتي عليه يقال نصرني على عدوي ونصرته منه نصرا أعنته قويته (وآمن بي وصدق قولي) الظاهر أن الجمع للإطناب إذ الإيمان للتصديق وقد يتمحل للتغاير (وجاهد معي) في سبيل الله أي بذل وسعه وطاقته في القتال لنصرة الدين وذكره ابن ظفر عن سفيان المجاشعي أنه رأى قوما من تميم اجتمعوا على كاهنتهم فسمعها تقول العزيز من والاه والذليل من حالاه والموفور من مالاه فقال سفيان: من تذكرين؟ قالت: صاحب حل وحرم وهدي وعلم وبطش وحلم وحرب وسلم فقال سفيان: لله أبوك من هو؟ قالت: نبي قد أتى يبعث إلى الأحمر والأسود بكتاب لا يفند اسمه أحمد. قال المؤلف: من خصائصه إتيانه الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد عمرو بن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (الكلبي) له وفادة وشعر في الطبقات الحديث: 2686 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 2687 - (أنا أبو القاسم) هذا أشهر كناه وكنيته أيضا أبو ابراهيم وأبو المؤمنين قال ابن دحية: وأبو الأرامل ولم يطلع عليه ابن جماعة فعزاه لبعض مشايخه (الله يعطي) عباده من ماله من نحو فيء وغنيمة (وأنا أقسم) ذلك بينهم والمراد أن المال مال الله والعباد عباد الله وأنا قاسم بإذن الله بينكم فمن قسمت له قليلا أو كثيرا فبإذن الله وقد يشمل قسمة الأمور الدينية والعلوم الشرعية أي ما أوحى الله إليه من العلوم والمعارف والحكم يقسمه بينهم فيلقي إلى كل أحد ما يليق به ويحتمل والله يعطي فهم ذلك لمن شاء (ك) في أخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 2687 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 2688 - (أنا أكثر الأنبياء تبعا) بفتح المثناة الفوقية والباء الموحدة جمع تابع كخدم جمع خادم وهذا نصب على التمييز (يوم القيامة) خصه لأنه يوم ظهور ذلك بالجمع وهذا يوضحه حديث مسلم أيضا إن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد ثم إن الجزم هنا لا ينافيه قوله في حديث أبي هريرة وأرجو أن أكون أكثرهم تبعا فلعله [ص: 40] قبل أن يكشف له عن أمته ويراهم ثم حقق الله له رجاءه (وأنا أول من يقرع باب الجنة) أي يطرقه للاستفتاح فيفتح له فيكون أول داخل كما سبق والقرع بالسكون الطرق يقال طرقت الباب بمعنى طرقته ونقرت عليه (م) في الإيمان (عن أنس) بن مالك ولم يخرجه البخاري الحديث: 2688 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 2689 - (أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا) أي أثيروا من قبورهم. قال الزمخشري: بعث الشيء وبعثره أثاره ويوم البعث يوم يبعثنا الله من القبور. قال الرافعي في الكلام على هذا الخبر هو معنى قوله أنا أول من تنشق عنه الأرض وهذا من كمال عناية ربه به حيث منحه هذا السبق وفيه مناسبة لسبقه بالنبوة (وأنا خطيبهم إذا وفدوا) أي قدموا على ربهم قال بعض شراح الترمذي: وهذه خطبة الشفاعة وقيل قبلها وقال خطيبهم دون إمامهم لأن الكلام في الآخرة ولا تكليف فيها وفيه رفعته على جميع الخلق في المحشر (وأنا مبشرهم) أي وأنا مبشرهم بقبول شفاعتي لهم عند ربي ليريحهم (إذا أيسوا) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ أبلسوا وهو رواية من الإبلاس الانكسار والحزن لأنه البشير النذير (لواء الحمد) أي رايته (يومئذ) أي يوم القيامة (بيدي) جريا على عادة العرب أن اللواء إنما يكون مع كبير القوم ليعرف مكانه إذ موضوعه أصالة شهرة مكان الرئيس وقد سئل المؤلف عن لواء الحمد هل هو لواء حقيقي أو معنوي فأجاب بأنه معنوي وهو الحمد لأن حقيقة اللواء الراية ولا يمسكها إلا أمير الجيش فالمراد أنه يشهر بالحمد يومئذ وما ذكره ليس من عندياته بل هو أحد قولين نقلهما الطيبي وغيره فقال: يريد به انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته به على رؤوس الخلائق أو أن للحمد لواء يوم القيامة حقيقة يسمى لواء الحمد وعليه كلام النوربشتي حيث قال: لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين أرفع وأعلى من مقام الحمد ودونه ينتهي جميع المقامات ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحمد الخلائق في الدارين أعطي لواء الحمد ويأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وأضاف اللواء إلى الحمد الذي هو الثناء على الله بما هو أهله لأنه هو منصبه في الموقف وهو المقام المحمود المختص به (وأنا أكرم ولد آدم على ربي) إخبار بما منحه من السؤدد والإكرام وتحدث بمزيد الفضل والإنعام من كرامته على ربه أن أقسم بحياته وأشفق عليه فيما كان يتكلفه من العباد وطلب منه تقليلها ولم يطلبه من غيره بل حثهم على الزيادة وأقسم له أنه من المرسلين وأنه ليس بمجنون وأنه على خلق عظيم وأنه ما ودعه وما قلاه وولد مختونا على ما يأتي لئلا يرى أحد عورته واستأذن ملك الموت عليه في الدخول في قبض روحه ولم يفعل ذلك لأحد غيره وسبق أنه بعث بالبيان للتبيان ولما كان ذا من الأصول الاعتيادية التي قام الإجماع على وجوب اعتقادها بينه بهذا القول وأردفه بقوله (ولا فخر) دفعا لتوهم إرادته الافتخار به وهو حال مؤكدة أي أقول ذلك غير مفتخر به فخر تكبر قال القرطبي: إنما قال ذلك لأنه مما أمر بتبليغه لما يترتب عليه من وجوب اعتقاد ذلك وأنه حق في نفسه وليرغب في الدخول في دينه ويتمسك به من دخل فيه ولتعظم محبته في قلوب متبعيه فيكثر أعمالهم ويطيب أحوالهم فيحصل شرف الدنيا والآخرة لأن شرف المتبوع متعد لشرف التابع فإن قيل هذا راجع للاعتقاد فكيف يحصل القطع به من أخبار الآحاد قلنا من سمع شيئا من هذه الأمور من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة حصل له العلم به كالصحابة ومن لم يشافهه حصل له العلم به من طريق التواتر المعنوي لكثرة أخبار الآحاد به قال في الفتوحات وفي رواية بالزاي وهو التبجح بالباطل (ت عن أنس) وفيه الحسين بن يزيد الكوفي قال في الكاشف: قال أبو حاتم لين الحديث: 2689 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 2690 - (أنا أول من تنشق عنه الأرض) أي أول من تعاد فيه الروح يوم القيامة ويظهر (فأكسى) [ص: 41] بالبناء للمجهول (حلة من حلل الجنة) ويشاركه في ذلك إبراهيم الخليل عليه السلام وهذا دلالة على قربه من ربه وكرامته عليه إذ يكسى حيث عري الناس من لباس الجنة قبل دخولها كدأب الملوك مع خواصها فله المقام الخاص المعبر عنه بالمحمود ألا ترى إلى قوله (ثم أقوم عن يمين العرش) تلويح بقربه من ربه وكرامته عنده إذ يكسى من الجنة قبل دخولها بلباس ويقوم عن يمين العرش (ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري) خصيصة شرفني الله تعالى بها وأحد أعم العام وهو مدخول النفي والخلائق جمع خلق فبشمل الثقلين والملائكة وهذا هو الفضل المطلق ولا يعارضه خبر الشيخين أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة فإذا موسى عليه السلام متعلق بالعرش لجواز أن يكون بعد البعث صعقة فزع يسقط الكل ولا يسقط موسى عليه السلام اكتفاء بصعقة الطور فحين يرفع رأسه من هذه الصعقة يراه أخذا بجانب العرش فيكون المراد من النفخة تلك الصعقة ذكره القاضي (ت عن أبي هريرة) الحديث: 2690 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 2691 - (أنا أول من تنشق عنه) للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه (ثم أبو بكر) الصديق لكمال صداقته له (ثم عمر) الفاروق لفرقه بين الحق والباطل (ثم آتي أهل البقيع) لكرامتهم على ربهم وشرفهم لديه باستغفار نبيه لهم وقربهم منه قال القاضي: آتي فعل المتكلم والبقيع مقبرة المدينة (فيحشرون معي) أي أجتمع أنا وإياهم قال الطيبي: الحشر هنا الجمع كقوله تعالى {وأن يحشر الناس ضحى} (ثم أنتظر أهل مكة) أي المسلمين منهم حتى يأتون إلي وزاد في رواية حتى أحشر بين الحرمين قال السمهودي: وفيه بشرى عظيمة لكل من مات بالمدينة وإشعار بذم الخروج منها مطلقا وهو عام في كل زمان كان نقله المحب الطبري وارتضاه (ت ك) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: غريب وقال في الميزان: حديث منكر جدا وقال المناوي: فيه عاصم بن عمر العمري قال الترمذي: ليس بالحافظ والذهبي: ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح ومداره على عبيد الله بن نافع قال يحيى: ليس بشيء وقال علي يروي أحاديث منكرة وقال النسائي: متروك الحديث: 2691 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 2692 - (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) خصه لأنه يوم مجموع له الناس فيظهر سؤدده لكل أحد عيانا وصف نفسه بالسؤدد المطلق المفيد للعموم في المقام الخطابي على ما تقرر في علم المعاني فيفيد تفوقه على جميع ولد آدم حتى أولو العزم من الرسل واحتياجهم إليه كيف لا وهو واسطة كل فيض وتخصيصه ولد آدم ليس للاحتراز فهو أفضل حتى من خواص الملائكة كما نقل الإمام عليه الإجماع ومراده إجماع من يعتد به من أهل السنة (وأول من ينشق عنه القبر) أي أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصا له بتعجيل جزيل إنعامه قال القرطبي: ويعارضه خبر أنا أول من يبعث فأجد موسى عليه السلام متعلقا بساق العرش (وأول شافع) للعصاة أي لا يتقدمني شافع لا ملك ولا بشر في جميع أحكام الشفاعات (وأول مشفع) بشد الفاء أي مقبول الشفاعة ولم يكتف بقوله أول شافع لأنه قد يشفع الثاني فيشفع قبل الأول قال ذلك امتثالا لقوله تعالى {وأما بنعمة ربك فحدث} وهو من البيان الذي يجب تبليغه <تنبيه> عورض ما في هذا الحديث من الأولية بما اقتضاه حديث ابن مسعود الذي خرجه أحمد والنسائي والحاكم يشفع نبيكم رابع [ص: 42] أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه - الحديث - وأجيب بأن هذا ضعفه البخاري (م) في المناقب (د) في السنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 2692 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 2693 - (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أي أقول ذلك شكرا لا فخرا من قبيل قول سليمان عليه الصلاة والسلام {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس وقيل لا أتكبر به في الدنيا وإلا ففيه فخر الدارين وقيل لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة والفخر ادعاء العظم والمباهاة وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاما للأمة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء وأما خبر لا تفضلوا بين الأنبياء فمعناه تفضيل مفاخرة وهنا أجوبة غير مرضية (وبيدي لواء الحمد) بالمد والكسر علمه والعلم في العرصات مقامات لأهل الخير والشر ينصب في كل مقام لكل متبوع لواء يعرف به قدره وأعلى تلك المقامات الحمد ولما كان أعظم الخلائق أعطي أعظم الألوية وهو لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وعليه فالمراد باللواء الحقيقة فلا وجه لعدول البعض عنه وحمله على لواء الجمال والكمال (ولا فخر) أي لا فخر لي بالعطاء بل المعطي ولهذا المعنى المقرر افتتح كتابه بالحمد واشتق اسمه من الحمد وأقيم يوم القيامة المقام المحمود وسيفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبله ولا بعده (وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه -) اعتراض بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم عليه السلام بالرفع بدلا أو بيانا من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف وآثر الفاء التفصيلية في من للترتيب على منوال الأمثل فالأمثل إلا تحت لوائي (وأنا أول من تنشق عنه الأرض) وفي رواية تنشق الأرض عن جمجمتي (ولا فخر) أي أول من يعجل الله إحياءه مبالغة في الإكرام وتعجيلا لجزيل الإنعام قال الطيبي: قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر (وأنا أول شافع) يوم القيامة أو في الجنة لرفع الدرجات فيها بشهادة خبر مسلم أنا أول شافع في الجنة (وأول مشفع) بقبول شفاعته في جميع أقسام الشفاعة لله ثم أراد أن يتواضع لربه ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وبحالها في السيادة والشرف معجبا فقال (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارا وتبجحا بل شكرا وتحدثا بالنعمة وإعلاما للأمة وأما قوله لمن قال له يا خير البرية قال: ذاك إبراهيم فعلى جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء عليهم السلام أو قبل أن يعلم بتفضيله عليه لا يقال كيف يصح من معصوم الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لأجل تواضع أو آداب وكيف يكون ذلك خبرا عن أمر وجودي والأخبار الوجودية لا يدخلها نسخ لأن نقول نمنع أن هذا إخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه ولم يتعرض للمعنى فكأنه قال لا تطلقوا هذا اللفظ علي وأطلقوه على إبراهيم عليه الصلاة والسلام أدبا معه واحتراما فهو خبر عن الحكم الشرعي لا عن المعنى الوجودي سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل منه ما يتبدل ولا يلزم من تبدله تناقض ولا محال ولا نسخ كالإخبار عن الأمور الوضيعة وبيانه أن معنى كون الإنسان مكرما ومفضلا إنما هو بحسب ما يكرم به ويفضل على غيره ففي وقت يكرم بما يساوي فيه غيره وفي وقت يزاد على ذلك العير وفي وقت يكرم بشيء لم يكرم به أحد فيقال عليه في المنزلة الأولى مكرم وفي الثانية مفضل مقيد وفي الثالثة مفضل مطلقا ولا يلزم من ذلك تناقض ولا نسخ ذكره القرطبي قال: أغبط به وشد عليه يدك قال بعض الصوفية: وإنما أعلم أمته بالسادة وأنه أول شافع ليريحهم من التعب ذلك اليوم وذهابهم لنبي بعد نبي ليشفع لهم أو يرشدهم لنافع وأنهم يمكثون بمحلهم حتى تأتيه النوبة فيقول: أنا لها أنا لها فما ذهب إلي نبي بعد نبي إلا من لم يبلغه الخبر أو نسي وأخذ من الحديث أنه لا بأس بقول الشيخ لتلميذه: خذ مني هذا الكلام المحقق الذي [ص: 43] لا تجده عند غيري أو نحو ذلك بقصد اعتنائه وعدم تهاونه به. (تتمة) قالوا في الخصائص: خص نبينا صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى في فصل القضاء وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار لا يدخلها والشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة كما جوز النووي اختصاص هذه والتي قبلها به ووردت به الأخبار في التي قبلها وصرح به عياض وغيره وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد ذكره السبكي وبالشفاعة لجمع من صلحاء المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكره القزويني في العروة وبالشفاعة في الموقف تخفيفا عن من يحاسب وبالشفاعة فيمن دخل النار من الكفار أن يخفف عنه العذاب وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا وبالشفاعة في أهل بيته أن لا يدخل أحدا منهم النار (حم ت في المناقب هـ) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن صحيح الحديث: 2693 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 2694 - (أنا قائد المرسلين) والنبيين يوم القيامة أي أكون إمامهم وهم خلفي قال الخليل: القود أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بناصيتها (ولا فخر وأنا خاتم النبيين) والمرسلين (ولا فخر وأنا شافع) للناس (ومشفع) فيهم (ولا فخر) وجه اختصاصه بالأولية أنه تحمل في مرضات ربه ما لم يتحمله بشر سواه وقام لله بالصبر والشكر حق القيام فثبت في مقام الصبر حتى لم يلحقه من الصابرين أحد وترقى في درجات الشكر حتى علا فوق الشاكرين فمن ثم خص بذلك قال العارف ابن عربي: كما صحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثبتت السيادة له على جميع الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي إلا له فقد شفع في الرسل والأنبياء نعم والملائكة فأذن الله عند شفاعته له في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع فهو أول شافع بإذن الله وأرحم الراحمين آخر شافع يوم القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط فيخرجه المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين وآخر الدائرة متصل بأولها وأي شرف أعظم من شرف محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان ابتداء الدائرة به وحيث اتصل به آخرها لكمالها فيه ابتدئت الأشياء وبه كملت (الدارمي) في مسنده (عن جابر) قال الصدر المناوي: رجاله وثقهم الجمهور الحديث: 2694 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 2695 - (أنا سابق العرب) إلى الجنة كما صرح به هكذا في خبر أبي أمامة (وصهيب سابق الروم) أي إلى الجنة أو إلى الإسلام (وسلمان) الفارسي (سابق الفرس) بضم الفاء وسكون الراء (وبلال سابق الحبش) أي إلى الجنة أو إلى الإسلام (ك عن أنس) ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ أنا سابق العرب إلى الجنة وبلال سابق الحبش إلى الجنة وسلمان سابق فارس إلى الجنة انتهى. قال الزين العراقي في المغرب: حديث حسن وقال الهيثمي: سنده حسن قال الزين العراقي: وله شاهد من حديث أنس أيضا مرفوعا بلفظ السابق أربعة أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة وصهيب سابق الروم. حديث حسن أخرجه البزار هكذا في مسنده وأخرجه غيره بمعناه وقال: رجاله كلهم ثقات الحديث: 2695 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 [ص: 44] 2696 - (أنا أعربكم أنا من قريش) أي أنا أدخلكم في العرب يعني أوسطكم فيه نسبا وأنفسكم فيه فخذا لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ومضر ذروة نذار بن معد بن عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة ومحمد ذروة قريش (ولساني لسان بني سعد بن بكر) لكونه استرضع فيهم وكان العرب تعتني باسترضاع أولادها عند نساء البوادي قال الزمخشري: هذا اللسان العربي كأن الله عزت قدرته مخضه وألقى زبدته على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وقال الحرالي: من استجلى أحواله علم إطلاع حسه على إحاطة المحسوسات وإحاطة حكمها واستنهاء ناطقها وأعجمها حيها وجمادها جميعها يؤثر عن عمر أنه قال أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أبا بكر بلسان كأنه أعجم لا أفهم مما يقولان شيئا (ابن سعد) في الطبقات (عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا) الحديث: 2696 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 2697 - (أنا رسول من أدركت حيا) وكذا هو رسول من قبله كما دل عليه خبر وأرسلني إلى الخلق كافة (ومن يولد بعدي) إلى أن تقوم الساعة فلا نبي ولا رسول بعده بل هو خاتم الأنبياء والرسل وعيسى عليه الصلاة والسلام إنما ينزل بشرعه (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 2697 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 2698 - (أنا أول من يدق باب الجنة) من البشر (فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق) بالتحريك جمع حلقة بالسكون (على تلك المصاريع) يعني الأبواب والمصراع من الباب الشطر وفي رواية أنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين وفي رواية أقعقع حلق الجنة وفي أخرى فآخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها والأولية تقتضي تحريك غيره أيضا قال ابن القيم: وذا صريح في أنها حلق حسية تتقعقع وتتحرك (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) الحديث: 2698 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 2699 - (أنا) بتخفيف النون (فئة المسلمين) أي الذي يتحيز المسلمون إليه فليس من انحاز إلي في المعركة بعد يعد فارا ويأثم الفارين قاله لابن عمر وجمع فروا من زحف ثم ندموا فقالوا: نعرض أنفسنا عليه فإن كانت لنا توبة أقمنا وإلا ذهبنا فأتوه فقالوا: نحن الفارون قال: لا بل أنتم العكارون أي العائدون للقتال فقبلوا يده فذكره وأما قول المؤلف في المرقاة معناه أنا وحدي كاف لكل شيء من جهاد وغيره وكل من انحاز إلى بره مما يضره دينا ودنيا فلا يخفى ركاكته وبعده من ملائمة السبب (عن ابن عمر) ابن الخطاب وفيه يزيد بن زياد فإن كان المدني فثقة أو الدمشقي ففي الكاشف واه الحديث: 2699 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 2700 - (أنا فرطكم) بالتحريك أي سابقكم (على الحوض) أي إليه لأصلحه لكم وأهيئ لكم ما يليق بالوارد وأحوطكم وآخذ لكم طريق النجاة من قولهم فرس فرط متقدم للخيل ذكره الزمخشري وهذا تحريض على العمل الصالح المقرب له في الدارين وإشارة إلى قرب وفاته وتقدمه على وفاة صحبه (حم ق عن جندب خ عن ابن مسعود) عبد الله (م عن جابر [ص: 45] ابن سمرة) وسببه كما في مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون إنا قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. قالوا: كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال: أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطكم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كإيذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا انتهى وفي الباب سهل وأبو سعيد وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم الحديث: 2700 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 2701 - (أنا محمد وأحمد) أي أعظم حمدا من غيري لأنه حمد الله بمحامد لم يحمده بها غيره فهو أحق بهذين الاسمين من غيره (والمقفى) بشدة الفاء وكسرها لأنه جاء عقب الأنبياء وفي قفاهم أو المتبع آثار من سبقه من الرسل (والحاشر) أي أحشر أول الناس (ونبي التوبة) أي الذي بعث بقبول التوبة بالنية والقول وكانت توبة من قبله بقتلهم أنفسهم أو الذي تكثر التوبة في أمته وتعم أو أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم أو المراد أن توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له ولا يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة وغيره يؤاخذ في الدنيا. قال القرطبي: والمحوج إلى هذه الأوجه أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من مزية لنبينا صلى الله عليه وعليهم وسلم (ونبي الرحمة) بميم أوله بخط المصنف أي الترفق والتحنن على المؤمنين والشفقة على عباد الله المسلمين فقد مر أن الرحمة ومثلها المرحمة إذ هما بمعنى واحد كما قاله القرطبي إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطي هو وأمته منها ما لم يعطه أحد من العالمين ويكفي {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (حم م عن أبي موسى) الأشعري (زاد طب ونبي الملحمة) أي نبي الحرب وسمي به لحرصه على الجهاد ووجه كونه نبي الرحمة ونبي الحرب إن الله بعثه لهداية الخلق إلى الحق وأيده بمعجزات فمن أبى عذب بالقتال والاستئصال فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة وظاهر تخصيص المصنف الطبراني بهذه الزيادة أنها لا تعرف لأعلا منه والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد عن حذيفة بلفظ ونبي الملاحم قال الزين العراقي: وإسناده صحيح الحديث: 2701 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 2702 - (أنا محمد وأحمد) سبق أن هذا مما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد إظهار شرفه باختصاصه بهذا الاسم (أنا رسول الرحمة أنا رسول الملحمة) خص نفسه من بين الأنبياء بأنه نبي القتال مع مشاركة غيره منهم له فيه إشارة إلى أن غيره منهم لا يبلغ مبلغه فيه (أنا المقفى والحاشر بعثت بالجهاد ولم أبعث بالزراع) سره أنه لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدارين كان في الذروة العليا منه فاستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله بالجنان والبنان والسيف والسنان (ابن سعد) في الطبقات (عن مجاهد) بفتح الجيم وكسر الهاء بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (مرسلا) هو الإمام في القراءة والتفسير الحديث: 2702 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 [ص: 46] 2703 - (أنا دعوة إبراهيم) أي صاحب دعوته بقوله حين بنى الكعبة {ابعث فيهم رسولا منهم} وفائدته بعد فرض وقوعه نبيا مقدرا له ذلك التنويه بشرفه وكونه مطلوب الوجود تاليا للكتاب مطهرا للناس من الشرك معروفا عند الأنبياء المتقدمين (وكان آخر من بشر بي) أي ببعثتي (عيسى ابن مريم) بشر بذلك قومه ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون معجزة لعيسى عليه السلام عند ظهوره قال تعالى حكاية عنه {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وسماه لأنه مسمى به في الإنجيل ولأنه أبلغ من محمد (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبادة بن الصامت) قضية كلام المصنف أنه لم يقف لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر وهو غفلة فقد رواه الحارث ابن أبي أسامة والطيالسي وكذا الديلمي بأتم من هذا ولفظه أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ولما ولدت خرج من أمي نور أضاء ما بين المشرق والمغرب اه الحديث: 2703 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 2704 - (أنا دار الحكمة) وفي رواية أنا مدينة الحكمة (وعلي بابها) أي علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها ومن زعم أن المراد بقوله وعلي بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه الفاسد بما لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعا ما أنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها وأخرج عن ابن مسعود قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي كرم الله وجهه فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعنه أيضا أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله بطن وظهر وأما علي فعنده منه علم الظاهر والباطن وأخرج أيضا عن سيد المرسلين وإمام المتقين أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وأخرج أيضا علي راية الهدى وأخرج أيضا يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتسعى وأنزلت عليه هذه الآية {وتعيها أذن واعية} وأخرج عن ابن عباس كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي كرم الله وجهه سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى (ت) عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الضياء (عن علي) أمير المؤمنين وقال: غريب وزعم القزويني كابن الجوزي وضعه أطال العلاء في رده وقال: لم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة فادحة في هذا الخبر سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر وسئل عنه الحافظ ابن حجر في فتاويه فقال: هذا حديث صححه الحاكم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: إنه كذب والصواب خلاف قولهما معا وأنه من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب قال: وبيانه يستدعي طولا لكن هذا هو المعتمد اه الحديث: 2704 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 2705 - (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب) فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها أو لا بد للمدينة من باب فأخبر أن بابها هو علي كرم الله وجهه فمن أخذ طريقه دخل المدينة ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف خرج الكلاباذي أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عليا هو أعلم مني فقال: أريد جوابك قال: ويحك كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزه بالعلم عزا وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك وكان عمر يسأله عما أشكل عليه جاءه رجل فسأله فقال: ههنا علي فاسأله فقال: أريد أسمع منك يا أمير المؤمنين قال: قم لا أقام الله رجليك ومحى اسمه من الديوان وصح عنه من طرق [ص: 47] أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي قال: لا والله. قال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عنه القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء إلى ههنا كلامه (عق عد طب ك) وصححه وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في السنة كلهم (عن ابن عباس) ترجمان القرآن (عد ك عن جابر) بن عبد الله ورواه أحمد بدون فمن إلخ. قال الذهبي كابن الجوزي: موضوع. وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا به وقال ابن معين: لا أصل له. وقال الدارقطني: غير ثابت وقال الترمذي عن البخاري: منكر وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال: من حكم بوضعه فقد أخطأ والصواب أنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها العقول بل هو كخبر أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وقال الزركشي: الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفا فضلا عن كونه موضوعا وفي لسان الميزان هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقل أحواها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع اه ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ثم قال: قال القاسم: سألت ابن معين عنه فقال: هو صحيح. قال الخطيب: قلت أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه وأفتى بحسنه ابن حجر وتبعه البخاري فقال: هو حديث حسن الحديث: 2705 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 2706 - (أنا أولى الناس) أي أخص (بعيسى ابن مريم) وصفه بأمه إيذانا بأنه لا أب له أي الذي خلق منها بغير واسطة ذكر يعني أنا أقربهم إليه (في الدنيا) وفي رواية في الأولى لأنه بشر أنه يأتي من بعده ومهد قواعد دينه ودعى الخلق إلى تصديقه ولما كان ذلك قد لا يلازم الأولوية بعد الموت قال (وفي الآخرة) أيضا ثم كأن سائلا قال: ما سبب الأولوية فأجاب بقوله (ليس بيني وبينه نبي) أي من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه بينهما وإلا فقد قيل إن في سند خبره مقالا وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمنين صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب (والأنبياء أولاد علات) بفتح المهملة أي أخوة لأب والعلات أولاد الضرائر من رجل واحد والعلة الضرة (أمهاتهم شتى) أي متفرقة فأولاد العلات هم أولاد الرجل من نسوة متفرقة سميت علات لأن الزوج قد عل من المتأخرة بعد ما نهل من الأولى (ودينهم واحد) أي أصل دينهم واحد وهو التوحيد وفروع شرائعهم مختلفة شبه ما هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء وهو إرشاد الخلق بالأب وشبه شرائعهم المتفاوتة في الصورة بأمهات. قال القاضي: والحاصل أن الغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم فهم متفقون في هذا الأصل وإن اختلفوا في تفاريع الشرائع فعبر عما هو الأصل المشترك بين الكل بالأب ونسبهم إليه وعبر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصور المتقاربة في الغرض بالأمهات وأنهم وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أعوامهم فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كل في عصره واحد وهو الدين الحق الذي فطر الناس مستعدين لقبوله متمكنين من الوقوف عليه والتمسك به فعلى هذا المراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت عليهم ويحتمل تقريره بوجه آخر وهو أن أرواح الأنبياء لما بينهما من التشابه والاتصال كالشيء الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة المرأة المشبهة بالأمهات انتهى. وقال الطيبي: كما [ص: 48] يحتمل أن يراد بالأولى والآخرة الدنيا والقيامة ويحتمل أن يراد بهما الحالة الأولى وهي كونه مبشرا والحالة الآخرة وهي كونه ناصرا مقويا لدين المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بين هذا وبين آية {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} أي أنا أخصهم به لأن الحديث وارد في كونه عليه الصلاة والسلام متبوعا والتنزيل في كونه تابعا وله الفضل تابعا ومتبوعا فإن قيل: أي تعلق لهذا بأمهات الأنبياء فالجواب: أنه تنبيه على فضل أمه. قال الزمخشري: وعيسى بالسريانية أيسوع ومريم بمعنى الخادم وقيل مريم بالعربية من النساء كالزين من الرجال ووزن مريم عند النحاة مفعل لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية وفيه إبطال لزعم أنه كان بعد عيسى عليه الصلاة والسلام أنبياء ورسل منهم خالد بن سنان (حم ق د عن أبي هريرة) الحديث: 2706 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 2707 - (أنا أولى بالمؤمنين) بنص رب العالمين قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين} قال بعض الصوفية: وإنما كان أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة ويترتب على كونه أولى أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات نفوسهم وإن شق عليهم وأن يحبوه بأكثر من محبتهم لأنفسهم ويدخل فيه النساء بأحد الوجهين المفصلين في علم الأصول (من أنفسهم) أي أنا أولى بهم من أنفسهم في كل شيء من أمر الدارين لأني الخليفة الأكبر الممد لكل موجود فيجب عليهم أن أكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمي أنفذ عليهم من حكمها وهذا قاله عليه الصلاة والسلام لما نزلت الآية ومن محاسن أخلاقه السنية أنه لم يذكر ما له في ذلك من الحظوظ بل اقتصر على ما هو عليه حيث قال: (فمن توفي) بالبناء للمجهول أي مات (من المؤمنين) إلى آخر ما يأتي ومن هذا التقرير استبان اندفاع اعتراض القرطبي بأن الأولوية قد تولى المصطفى صلى الله عليه وسلم تفسيرها بقوله فمن توفي إلخ ولا عطر بعد عروس ووجه الاندفاع أنه تفريع على الأولوية العامة لا تخصيص فلا ينافي ما سبق بل أفاد فائدة حسنة وهي أن مقتضى الأولوية مرعي في جانب الرسول أيضا (فترك) عليه (دينا) بفتح الدال (فعلي) قال ابن بطال: هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين (قضاؤه) من بيت المال قيل وجوبا لأن فيه حق الغارمين وقيل وعدا والأشهر عند الشافعية وجوبه مما يفيء الله عليه من غنيمة وصدقة ولا يلزم الإمام فعله بعده في أحد الوجهين وإلا أثم إن كان حق الميت من بيت المال بقدر الدين وإلا فيسقطه (ومن ترك مالا) يعني حقا فذكر المال غالبي إذ الحقوق تورث كالمال (فهو لورثته) لفظ رواية البخاري فليرثه عصبته من كانوا وعبر بمن الموصولة ليعمم أنواع العصبة وفي الأولوية فيما ذكر وجه حسن حيث رد على الورثة المنافع وتحمل المضار والتبعات وخص هذا القسم بالبيان دفعا لتوهم الانحصار في جانب الأمة وفيه أنه لا ميراث بالتبني ولا بالخلف وأن الشرع أبطلهما قال النووي: وحاصل معنى الحديث أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم أو موته أنا وليه في الحالين فإن كان عليه دين قضيته إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال فلورثته لا آخذ منه شيئا وإن خلف عيالا محتاجين فعلي مؤونتهم (حم ق ن هـ عن أبي هريرة) الحديث: 2707 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 2708 - (أنا الشاهد على الله أن) أي بأن (لا يعثر) بعين مهملة ومثلثة أي يزل (عاقل) مسلم أي كامل العقل (إلا رفعه) الله من عثرته (ثم لا يعثر) مرة أخرى (إلا رفعه) منها (ثم لا يعثر) مرة ثالثة (إلا رفعه) منها كذلك وهكذا (حتى يجعل مصيره إلى الجنة) أي لا يزال يرفعه ويغفر له حتى يصير إليها وأفاد بذلك أن العبد إذا سقط في ذنب ثم [ص: 49] تاب منه عفي عنه ثم إذا سقط فيه عفي عنه أيضا كذلك وهكذا وإن بلغ سبعين مرة فإنه تعالى يحب كل مفتن تواب كما سيأتي في حديث والعثرة الكبوة ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم كما في المصباح كغيره وخص العاقل لأن العقل هو الذي يهديه ويرشده إلى التخلص من الذنب والتوبة منه فغير العاقل غافل لا يبالي بما ارتكبه (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: إسناده حسن وأعاده في موضع آخر ثم قال فيه محمد بن عمر بن الرومي وثقه ابن حبان وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات انتهى الحديث: 2708 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 2709 - (أنا بريء ممن حلق) أي من إنسان يحلق شعره عند المصيبة (وسلق) بسين وصاد أي رفع الصوت بالبكاء عندها أو الضارب وجهه عندها (وخرق) ثوبه عندها ذكرا أو أنثى وفي رواية والشاقة التي تشق ثوبها عندها أي أنا بريء من فعلهن أو من عهدة ما لزمني بيانه أو مما يستوجبن أو هو على ظاهره وهو البراءة من فاعل هذه الأمور (م ن هـ عن أبي موسى) الأشعري مرض أبو موسى فأغمي عليه فصاحت امرأته برنة فأفاق فقال: ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه لهما معا جمع منهم الصدر المناوي الحديث: 2709 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 2710 - (أنا وكافل اليتيم) أي القائم بأمره ومصالحه هبه من مال نفسه أو من مال اليتيم كان ذا قرابة أم لا (في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي أن الكافل في الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ويحتمل أن المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة الدخول وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا ومرشدا لهم ومعلما وكافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل فيرشده ويعقله وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة أو ضعفا عن القيام بحقها (حم خ د) في الأدب (ت) في البر (عن سهل بن سعد) وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم عن عائشة وابن عمر بزيادة ولفظه أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين أي سواء كان قريبا أو أجنبيا الحديث: 2710 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 2711 - (أنت أحق) أي أولى وهو أفعل من الحق الذي هو ملك الإنسان وجمعه حقوق تقديره أنت أثبت حقا (بصدر دابتك) أي بمقدم ظهرها (مني) أيها الرجل الذي تأخر وعزم علي أن أركب حماره فلا أركب على صدره لأنه المالك له ولمنفعته فأنت بصدره أحق (إلا أن تجعله) أي صدرها (لي) فجعله له إكراما لعظيم منزلته والتماسا لجليل بركته وهذا من كمال إنصاف المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتواضعه وإظهار حق المرء حيث رضي أن يركب خلفه (حم د ت عن بريدة) وفيه علي بن الحسين ضعفه أبو حاتم وقال العقيلي: كان مرجئا لكن معنى الحديث ثابت صحيح الحديث: 2711 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 2712 - (أنت) أيها الرجل القائل إن أبي يريد أن يجتاح مالي أي يستأصله (ومالك لأبيك) يعني أن أباك كان سبب وجودك [ص: 50] ووجودك سبب وجود مالك فصار له بذلك حق كان به أولى منك بنفسك فإذا احتاج فله أن يأخذ منه قدر الحاجة فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة ولوجوب نفقة الأصل على فرعه شروط مبينة في الفروع فكأنه لم يذكرها في الخبر لكونها معلومة عندهم أو متوفرة في هذه الواقعة المخصوصة (هـ) في التجارة (عن جابر) بن عبد الله قال: قال رجل: يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال ابن حجر في تخريج الهداية: رجاله ثقات لكن قال البزار: إنما يعرف عن هشام عن ابن المنكدر مرسلا وقال البيهقي: أخطأ من وصله عن جابر (طب) وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن إسماعيل الحوداني قال أبو حاتم: لين وبقية رجال البزار ثقات انتهى ومفهومه أن رجال الطبراني ليسوا كذلك. (وابن مسعود) قال: قال رجل: إن لي مالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن عبد الحميد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر: فيه من طريق ابن مسعود هذا معاوية بن يحيى وهو ضعيف وأما حديث سمرة فإن العقبلي بعد تخريجه عنه قال: وفي الباب أحاديث فيها لين وبعضها أحسن من بعض وقال البيهقي: روي من وجوه موصولا لا يثبت مثلها وقال ابن حجر في موضع آخر: قد أشار البخاري في الصحيح إلى تضعيف هذا الحديث الحديث: 2712 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 2713 - (أنتم) أيها المتوضئون من المؤمنين (الغر المحجلون) الغرة هنا محل الواجب والزائد عليه مطلوب ندبا وإن كان قد يطلق على الكل غرة لعموم النور لجميعه سمي النور الذي على مواضع الوضوء (يوم القيامة) غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس (من إسباغ الوضوء) أي من أثر إتمامه (فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) ندبا بأن يغسل مع الوجه مقدم الرأس وصفحة العنق ومع اليدين والرجلين العضدين والساقين وفي قوله منكم إشارة إلى أن الكفار لا يعتد بطهرهم ولا بقربتهم ولا يجازون عليها في الآخرة {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذا السيماء إنما يكون لمن توضأ في الدنيا وفيه رد لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة أن الغرة والتحجيل لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لا: كما يقال لهم أهل القبلة من صلى ومن لا قال في المطامح: وقد تعلق بالخبر على من زعم كالداودي وغيره من ضعفاء أهل النظر على أن الوضوء من خصائصنا وهو غير قاطع لاحتمال أن الخاص الغرة والتحجيل بقرينة خبر: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وقصره على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دون أممهم يرده أن الوضوء كان معروفا عند الأنبياء فالأصل أنه شرع ثابت لأممهم حتى يثبت خلافه (م عن أبي هريرة) رواه مسلم من حديث عبد الله بن محمد قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى حتى أشرع في الساق ثم اليسرى كذلك ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتم إلخ الحديث: 2713 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 2714 - (أنتم أعلم بأمر دنياكم) مني وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة الأبدية وفيه أنشدوا: إن الرسول لسان الحق للبشر. . . بالأمر والنهي والإعلام والخبر هم أذكياء ولكن لا يصرفهم. . . ذاك الذكاء لما فيه من الغرر ألا تراهم لتأبير النخيل وما. . . قد كان فيه على ما جاء من ضرر [ص: 51] هم سالمون من الأفكار إن شرعوا. . . حكما بحل وتحريم على البشر قال بعضهم: فبين بهذا أن الأنبياء وإن كانوا أحذق الناس في أمر الوحي والدعاء إلى الله تعالى فهم أسرج الناس قلوبا من جهة أحوال الدنيا فجميع ما يشرعونه إنما يكون بالوحي وليس للأفكار عليهم سلطان (م عن أنس) بن مالك (وعائشة) قالا: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح فخرج شيصا فذكره الحديث: 2714 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 2715 - (أنتم شهداء الله في الأرض) {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} فهم عدول بتعديل الله لهم فإذا شهدوا على إنسان بصلاح أو فساد قبل الله شهادتهم وتجاوز عن من يستحق العذاب في علمه فضلا وكرما لأوليائه. قال القاضي: والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر والإمام كأنه سمي به لأنه يحضر النوادي ويبرم بحضرته الأمور إذ التركيب للحضور إما بالذات أو التصور ومنه قيل للمقتول في سبيل الله شهيد لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضوره (والملائكة شهداء الله في السماء) قال الطيبي: الإضافة للتشريف وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند الله كما أن الملائكة كذلك وهذا تزكية من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار معداتهم وأن الله يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم إكراما وتفضيلا وقال الفخر الرازي: لما جعل المؤمنين شهودا دل على أنه تعالى لا يظهر قبح فعلهم يوم القيامة إذ لو أظهر ذنبهم صارت شهادتهم مردودة وذلك لا يليق بحكمة الحكيم اللهم حقق رجاءنا بكرمك وفضلك (طب عن سلمة بن الأكوع) الحديث: 2715 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 2716 - (انبسطوا في النفقة) على الأهل والحاشية وكذا الفقراء إن فضل عن أولئك شيء (في شهر رمضان) أي أكثروها وأوسعوها يقال بسط الله الرزق كثره ووسعه (فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله) في تكثير الأجر وتكفير الوزر أي يعدل ثوابها ثواب النفقة على الجهاد أي القتال لأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى وهذا خرج جوابا لسؤال إنسان لم يكن الجهاد في حقه أهم من الصرف في التوسعة في رمضان (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في جزئه الذي جمعه فيما ورد فيه (عن ضمرة) كان ينبغي تمييزه لكثرة من تسمى به (وراشد بن سعد) المقرائي بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة ثم ياء النسب الحمصي ثقة كثير الإرسال من الطبقة الثالثة (مرسلا) أرسل عن سعد وعوف بن مالك وشهد صفين وقال الذهبي: ثقة مات سنة 113 الحديث: 2716 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 2717 - (انتظار الفرج من الله عبادة) أي انتظاره بالصبر على المكروه وترك الشكاية واحتج به من زعم أن التوكل قطع الأسباب ورده الحليمي بأن مراد الخبر حيث لا مخلص ولا مفزع إلا بالصبر أما من جعل الله له إلى الخلاص طريقا فليسلكها متوكلا على الله أن يؤديه ذلك إلى الخلاص مما هو فيه ألا ترى أن الأسير لو أمكنه الانفلات من الكفار فعليه الانفلات ويتوكل على الله (عد خط) من حديث الحسن بن سليمان صاحب المصلى عن محمد الباغندي عن عبيد بن هشام الحلبي عن مالك عن الزهري (عن أنس) ثم قال الخطيب: وهم هذا الشيخ على الباغندي وعلى من فوقه وهما قبيحا لأنه لا يعرف إلا من رواية سليمان الخبائري عن بقية عن مالك وكذا حدث به الباغندي وصاحب المصلى له أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله انتهى. وقضية كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد من الستة لتخريجه وهو ذهول فقد قال هو نفسه في الدرر إنه عند الترمذي من حديث ابن مسعود في أثناء حديث بسند [ص: 52] حسن هذه عبارته وبه يعرف أنه كما لم يصب هنا في اقتصاره على العزو للخطيب وحذف ما عقبه به من بيان علته وضعفه لم يصب في عدوله عن العزو للترمذي لخروجه عن قانونهم الحديث: 2717 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 2718 - (انتظار الفرج بالصبر عبادة) لأن إقباله على ربه في تفريج كربه وكشف ضره أو الظفر بمطلوبه مع صبره وعدم ضجره وعدم شكواه المخلوق وعدم اتهامه للحق فيما ابتلاه وتأخير كشفه عبادة وأي عبادة أي إذا حل بعبد بلاء فترك الجزع الهلع وصبر على مر القضاء فذلك منه عبادة يثاب عليها لما فيه من الانقياد للقضاء والتسليم لما تقتضيه أوامر النواميس الإلهية (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال العامري في شرحه: حسن وأقول فيه عمرو بن حميد عن الليث قال في الميزان هالك أتى بخبر موضوع اتهم به ثم ساق هذا الخبر الذي هو حديث ابن عمرو (وعن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف قال: وروي من أوجه أخرى كلها ضعيفة وقضية صنيع المصنف أن لم يره لأشهر ولا أحق بالعزو من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن علي أمير المؤمنين الحديث: 2718 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 2719 - (انتظار الفرج من الله عبادة) أي من العبادة كما تقرر (ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من العمل) بمعنى أنه لا يعاتبه على إقلاله من نوافل العبادات لا أنه لا يعاقبه على ترك المفروضات وفي خبر رواه الديلمي وبيض لسنده: الدنيا دول فما كان منها لك آتيك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن انقطع رجاؤه استراح بدنه ومن رضي بما رزقه الله قرت عيناه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (الفرج) بعد الشدة (وابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن علي أيضا الحديث: 2719 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 2720 - (انتعلوا وتخففوا) أي البسوا النعال والخفاف في أرجلكم (وخالفوا أهل الكتاب) اليهود والنصارى فإن أولئك لا ينتعلون ولا يتخففون والظاهر أنه أراد في الصلاة ويحتمل الإطلاق وأن نصارى زمانه ويهود زمانه كان دأبهم المشي حفاة والأول أقرب (هب عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 2720 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 2721 - (انتهاء) بالمد (الإيمان إلى الورع) أي به تزكو الأعمال أي غاية الإيمان وأقصى ما يكون أن يبلغه من القوة والرسوخ أن يبلغ الإنسان درجة الورع الذي هو الكف عن المحرمات وتوقي التورط في الشبهات والارتباك في الشهوات (من قنع) أي رضي (بما رزقه الله تعالى) قليلا كان أو كثيرا (دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب فإنه لما ترك الحرص والطمع وفوض أمره إلى الله ورضي بما قسمه له وأمل منه الخير والبركة حقق الله ظنه وبلغه مأموله في الدنيا والآخرة. <تنبيه> قال الغزالي: الورع أربع مراتب: ورع العدول وهو الكف عما يفسق تناوله وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق الاحتمال له وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة في حله لكنه [ص: 53] قد يجر إلى محرم أو مكروه وورع الصديقين وهو ترك ما لا بأس به أصلا لكنه يتناول لغير الله (ومن أراد الجنة لا شك فلا يخاف في الله لومة لائم) أي لا يمتنع عن القيام بالحق للوم لائم له عليه (قط في الأفراد عن ابن مسعود) قال الدارقطني: تفرد به عنبسة عن المعلى والمعلى عن شقيق قال ابن الجوزي: وعنبسة والمعلى متروكان قاله النسائي وغيره وقال ابن حبان يرويان الموضوعات لا يحل الاحتجاج بهما الحديث: 2721 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 2722 - (أنزل الله علي) في القرآن (أمانين لأمتي) قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) مقيم بمكة بين أظهرهم حتى يخرجوك فلا يرد تعذيبهم ببدر أو المراد عذاب استئصال وأنت فيهم إكراما فإنك للعالمين رحمة فلما دنا العذاب أمر بالهجرة (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي وفيهم من يستغفر من لم يستطع الهجرة من مكة أو هم يقولون غفرانك أو لو استغفروا أو في أصلابهم من يستغفر أو وفيهم من يصلي ولم يهاجر بعد (فإذا مضيت) أي انتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء (تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة) فكلما أذنب الواحد منهم واستغفر غفر له وإن عاود الذنب ألف مرة وقيل: هذا منسوخ بقوله تعالى عقب هذه الآية {وما لهم ألا يعذبهم الله} وقيل: النسخ لا يرد على الخبر ولكن ذلك إذا لم يبق فيهم من يستغفر (ت عن أبي موسى) الأشعري وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 2722 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 2723 - (أنزل الله جبريل في أحسن ما كان يأتيني في صورة فقال: إن الله تعالى يقرئك السلام يا محمد ويقول لك إني قد أوحيت إلى الدنيا) وحي إلهام (أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي) أي لأجل محبتهم إياه (فإني خلقتها) فيه التفات من الحضور إلى الغيبة إذ الأصل خلقتك (سجنا لأوليائي وجنة لأعدائي) أي الكفار فإنه سبحانه وتعالى يبتلي بها خواص عباده ويضيقها عليهم غيرة عليهم فهم منها سالمون ويزيل عنهم كراهة الموت بلطائف يحدثها لهم حتى يسأموا الحياة كما فعل بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين جاءه ملك الموت ليقبض روحه فبكى إبراهيم عليه السلام فعاد إليه في صورة شيخ هرم يأكل العنب وماؤه يسيل على لحيته فسأله إبراهيم عليه السلام عن عمره فذكر مثل سنه فاشتهى الموت فقبضه (هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون الظفري البدري وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه لم نكتبه إلا بهذا الإسناد وفيهم مجاهيل اه الحديث: 2723 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 2724 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) اختلف فيه على نحو أربعين قولا من أحسنها ما قرره الحرالي حيث قال: الجوامع التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاياتها هي صلاح الدين والدنيا والمعاد وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة ستة هي حروف القرآن الستة التي لم يبرح يستزيدها من ربه حرفا حرفا فلما استوفى الستة وهبه ربه سابعا جامعا فرد الأزواج له فتم إنزاله على سبعة أحرف وتفصيل هذه السبعة تكفل بتبيانه [ص: 54] الحديث الآتي بعده بخمسة أحاديث المغني عن طلبتها بالحدس والتأويل المبطل لشعب تلك الأقاويل وفي بيانه شفاء العي وثلج اليقين (حم ت عن أبي) بن كعب (حم عن حذيفة) قال الهيثمي: فيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه كلام لا يضر الحديث: 2724 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 2725 - (أنزل القرآن من سبعة أبواب) أي أبواب البيان كما في المنجد (على سبعة أحرف كلها) قال في الديباج: المختار أن هذا من متشابه الحديث الذي لا يدرك تأويله والقدر المعلوم منه تعدد وجوه القراءات (شاف كاف) أي كل حرف من تلك الأحرف شاف للغليل كاف في أداء المقصود من فهم المعنى وإظهار البلاغة والفصاحة وقيل المراد شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى وكونها من عند الله كاف في الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه (طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 2725 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 2726 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) قال القاضي: أراد بها اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من لغات العرب وهي لغة قريش وهذيل وهوازن واليمن وبني تميم ودوس وبني الحارث وقيل القراءات السبع وقيل إنما أراد أجناس الاختلافات التي يؤول إليها اختلاف معاني القرآن فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات: الثاني كالتقديم والتأخير نحو {وجاءت سكرة الموت بالحق} وجاءت سكرة الحق بالموت والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها نحو {فإن الله هو الغني الحميد} قرئ بالضمير وعدمه أو تبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى مثل {كالعهن المنفوش} وكالصوف المنفوش أو اختلافه مثل {وطلح منضود} وطلع منضود أو بتغييرهما إما بتغيير هيئة كإعراب نحو {هن أطهر لكم} بالرفع والنصب أو صورة نحو {انظر إلى العظام كيف ننشزها} وننشرها أو حرف مثل {باعد وبعد بين أسفارنا} وقيل أراد أن في القرآن ما هو مقروء على سبعة أوجه نحو {فلا تقل لهما أف} فإنه قرئ بضم وفتح وكسر منونا وبسكون وقيل معناه أنزل مشتملا على سبعة معاني أمر ونهي وقصص وأمثال ووعد ووعيد وموعظة ثم قال: أعني البيضاوي: وأقول المعاني السبعة هي العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والأمثال والوعد والوعيد (فمن قرأ على حرف منهما فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه) بل يتم قراءته بذلك (طب عن ابن مسعود) قضية كلامه أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور من حديث أبي بن كعب وهكذا عزاه له جمع منهم الديلمي الحديث: 2726 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 2727 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) حرف الشيء طرفه وحروف التهجي سميت به لأنها أطراف الكلمة (لكل حرف) في رواية لكل آية (منها ظهر وبطن) فظهره ما ظهر تأويله وعرف معناه وبطنه ما خفي تفسيره وأشكل فحواه أو الظهر اللفظ والبطن المعنى أو الظهر التلاوة والرواية والبطن الفهم والدراية. قال الطيبي: على في قوله على سبعة أحرف ليس بصلة بل حال وقوله لكل آية منها ظهر جملة اسمية صفة لسبعة والراجع في منها للموصوف وكذا قوله (ولكل حرف حد) أي منتهى فيما أراد الله من معناه (ولكل حد) من الظهر والبطن (مطلع) بشدة الطاء وفتح اللام موضع الاطلاع أي مصعد وموضع يطلع عليه بالترقي إليه فمطلع الظاهر التمرن في فنون العربية وتتبع [ص: 55] أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومطلع الباطن تصفية النفس والرياضة والعمل بمقتضاه وقيل المنع ومعناه أن لكل حد من حدود الله وهي ما منع عباده من تعديه موضع إطلاع من القرآن فمن وفق لإرتقاء ذلك المرتقى اطلع على الحد الذي يتعلق بذلك المطلع. <تنبيه> قال ابن عربي: اغطس في بحر القرآن إن كنت واسع النفس وإلا فاقتصر على مطالعة كتب التفسير لظاهره ولا تغطس فتهلك فإن بحره عميق ولولا قصد الغاطس للمواضع القريبة من الساحل ما خرج لكم أبدا فالأنبياء والورثة هم الذين يقصدون هذه المواضع رحمة بالعالم وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا ولم يردوا ولم ينتفع بهم أحد ولا انتفعوا بأحد بل قصدهم بشج البحر فغطسوا فهم إلى الأبد لا يخرجون (طب عن ابن مسعود) ورواه البغوي في شرح السنة عن الحسن وابن مسعود مرفوعا الحديث: 2727 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 2728 - (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف) لا يناقض السبعة بجواز أن الله أطلعه أولا على القليل ثم الكثير كما عرف من نظائره (حم طب ك عن سمرة بن جندب) قال الحاكم: صحيح ولا علة له وأقره الذهبي الحديث: 2728 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 2729 - (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا) بحذف التاءين للتخفيف (فيه فإنه مبارك كله) أي زائد الخير كثير الفضل (فاقرأوه كالذي أقرئتموه) بالبناء للمجهول أي كالقراءات التي أقرأتكم إياها كما أنزله علي بها جبريل. {فائدة} قال المؤلف: من خصائصه أن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور ومشتمل على ما اشتملت عليه الكتب وزيادة وجامع لكل شيء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما على سبعة أحرف وسبعة أبواب وبكل لغة عد هذه ابن النقيب وقراءته بكل حرف عشر حسنات عد هذه الزركشي (ابن الضريس عن سمرة) بن جندب ورواه عنه أيضا الطبراني والبزار لكن بلفظ ولا تجافوا عنه بدل تحاجوا فيه قال الهيثمي: وإسنادهما ضعيف اه فما أوهمه صنيع المؤلف من أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز غير جيد الحديث: 2729 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 2730 - (أنزل القرآن على عشرة أحرف) أي عشرة وجوه (بشير) اسم فاعل من البشارة وهي الخبر السار (ونذير) من الإنذار الإعلام بما يخاف منه (وناسخ ومنسوخ) أي حكم مزال بحكم (وعظة) {قد جاءتكم موعظة من ربكم} (ومثل) {تلك الأمثال نضربها للناس} (ومحكم) فسره في الكشاف بما أحكمت عبارته بأن أحكمت من الاحتمال (ومتشابه) فسره بما يكون عبارته مشتبهة محتملة قال: ففي المحكم سهولة الاطلاع مع طمأنينة قلب وثلج صدر وفي المتشابه تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات (وحلال) وهو الذي به صلاح النفس والبدن لموافقته تقويمها (وحرام) وهو ما لا يصلح النفس والبدن إلا بالتطهير منه لبعده عن تقويمها وأشار بتأخير هذين الحرفين وهما حرفا صلاح الدنيا وأصلهما في التوراة وتمامها في القرآن ويلي هذين حرفا صلاح المعاد وهما حرفا البشارة والنذارة والزجر والنهي وذلك يأتي على كثير من خلال الدنيا لوجوب إيثار الآخرة لبقائها وكليتها على الدنيا لفنائها وجزئيتها وأصل هذين الحرفين في الإنجيل وتمامهما في القرآن ويليهما حرفا [ص: 56] صلاح الدين حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاقه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه بغير التفات لما سواه وحرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه خطأه من حيث قصور عقله عن دركه إلا أن يؤيده الله بتأييده فالحروف الخمسة للاستعمال والسادس للوقوف ليقف العبد لله بحرف كما أقدم الله على تلك الحروف ولينسخ بعجزه وإيمانه ما تقدم من طرفه وعلمه وأصل هذين في الكتب المتقدمة وتمامها في القرآن ويختص بالسابع الجامع بين المثل الأعلى ومظهر الممثول الأعظم حرف الحمد الخاص بمحمد وكتابه وهو حرف المثل ولا ينال إلا بموهبة من الله لعبده فليتدبره من عقل ذكره كله الحرالي (السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن عن أبي سلمة مرفوعا بلفظ نزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وخبر ما كان قبلكم وخبر ما هو كائن بعدكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله قال الكمال ابن أبي شريف: ورجال إسناده أئمة من رجال الصحيحين إلا عمر بن أبي سلمة فمن رجال السنن لكن فيه انقطاع الحديث: 2730 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 2731 - (أنزل القرآن بالتفخيم) أي التعظيم ومن تفخيمه إعطاؤه حقه وقفا وابتداء فإن رعاية الفواصل تزيد في البيان وزيادته تورث التوقير أي التعظيم يعني اقرأوه على قراءة الرجال ولا تخضعوا الصوت به ككلام النساء ولا يدخل فيه كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء (ابن الأنباري) في كتاب (الوقف) والابتداء (ك) في التفسير من حديث بكار بن عبد الله عن محمد بن عبد العزيز العوفي عن أبي الزناد عن خارجة (عن) أبيه (زيد بن ثابت) قال الحاكم: صحيح فقال الذهبي: لا والله العوفي مجمع على ضعفه وبكار ليس بعمدة والحديث واه منكر إلى هنا كلامه وأنت بعد إذ عرفت حاله علمت أن المصنف في سكوته عليه غير مصيب الحديث: 2731 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 2732 - (أنزل علي آيات) أحد عشر (لم نر) بالنون وروي بياء مضمومة (مثلهن قط) من جهة الفضل كذا قال والأظهر أن المراد لم تكن سورة آياتها كلها تعويذ من شر الأشرار وغيرهما وعلى الأول فلا يعارض ما تقدم في آية الكرسي لأن تلك آية واحدة وهذه آيات أو يقال إنه عام مخصوص أو يقال ضم هذا إلى ذلك ينتج أن الجميع سواء في الفضل. ذكره الأبي (قل أعوذ برب الفلق) الصبح لأن الليل يفلق عنه وفي المثل هو أبين من فلق الصبح أو الخلق لأنه فلق عنهم ظلمة العدم أو جهنم أو جب أو سجن أو بيت فيها إذا فتح صاح أهل النار من شدة حره أو ما ينفلق من النوى والحب أو ما ينفلق من الأرض عن النبات أو الجبال عن العيون والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد وقيل فلق القلوب بالأفهام حتى وصلت إلى الدلائل والأعلام والمراد هنا السورة بكمالها وهكذا فيما يأتي (وقل أعوذ برب الناس) أي مربيهم وخصه به تشريفا ولاختصاص التوسوس به فالاستعاذة واقعة من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من شر الجان والإنسان بغيرهما فلما نزلتا ترك التعوذ بما سواهما ولما سحر استشفى بهما هذا وقد بين بهذا الخبر عظم فضل هاتين السورتين وأن لفظة قل من القرآن وعليه الإجماع قال عياض: وفيه رد على من نسب لابن مسعود كونهما ليستا من القرآن وعلى من زعم أن لفظ قل ليس من السورتين وإنما أمر أن يقول فقال (م ت ن عن عقبة بن عامر) الجهني الحديث: 2732 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 [ص: 57] 2733 - (أنزل علي عشر آيات من أقامهن) أي عدلهن وأحسن قراءتهن بأن أتى بهن على الوجه المطلوب في حسن الأداء (دخل الجنة: قد أفلح المؤمنون) أي دخلوا في الفلاح والفلاح الظفر بالمراد أي فازوا وظفروا بمرادهم قطعا إذ قد لتقريب الماضي من الحال وللتأكيد فكأن الفلاح قد حصل وهو الشهادة أو إدراك المطلوب والنجاة من الموهوب قال في الكشاف: قد نقيضة لما تثبت المتوقع ولما تنفيه ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه اه (الآيات) العشرة من أول السورة والمراد أنه يدخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فالمؤمن الذي لم يقرأهن قط لا بد من دخوله الجنة وإن حوسب أو عذب (ت عن عمر) بن الخطاب الحديث: 2733 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 2734 - (أنزلت صحف إبراهيم) بضمتين جمع صحيفة وأصلها كما قال الزمخشري قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه وتقول أي العرب صحائف الكتب خير من صحاف الذهب وفي الصحاح الصحيفة الكتاب (أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) قال الحليمي: يريد به ليلة خمس وعشرين نقله عنه البيهقي وأقره اه. ثم إن ما ذكر من إنزاله في تلك الليلة أراد به إنزاله إلى اللوح المحفوظ فإنه نزل عليه فيها جملة ثم أنزل منه منجما في نيف وعشرين سنة وسره كما قال الفخر الرازي أنه لو نزل جملة واحدة لضلت فيه الأفهام وتاهت فيه الأوهام {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} فهو كالمطر لو نزل دفعة لقلع الأشجار وخرب الديار وقال السيد: في تنزيله منجما تسهيل ضبط الأحكام والوقوف على حقائق نظم الآيات قال ابن حجر: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} ولقوله {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول {اقرأ باسم ربك} (طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات اه. ورواه عنه أيضا أحمد والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور من هذا الوجه لكن لم أر في النسخة التي وقفت عليها في أوله صحف إبراهيم والبقية سواء الحديث: 2734 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 2735 - (أنزلوا الناس منازلهم) أي احفظوا حرمة كل واحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في عمر ودين وعلم وشرف فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس فإنه يورث عداوة وحقدا في النفوس والخطاب للأئمة أو عام وقد عد العسكري هذا الحديث من الأمثال والحكم وقال: هذا مما أدب به المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته من إيفاء الناس حقوقهم من تعظيم العلماء والأولياء وإكرام ذي الشيبة وإجلال الكبير وما أشبهه (م د عن عائشة) الصديقية وفيه أمران: الأول أنه يوهم أن مسلما خرجه مسندا ولا كذلك بل ذكره في أول صحيحه تعليقا فقال: وذكر عن [ص: 58] عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. الثاني أنه يوهم أن حديث أبي داود لا علة فيه وهو بخلافه بل هو منقطع فإنه أوله من حديث ميمون بن أبي شبيب أن عائشة مر بها سائل فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنزلوا إلخ. قال النووي في رياضه: ميمون لم يدرك عائشة قال وذكره الحاكم في علوم الحديث وذكر أنه صحيح الحديث: 2735 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 2736 - (أنزل) يا معاذ بن جبل (الناس منازلهم) أي المنازل التي أنزلهم الله إياها (من) وفي رواية في (الخير والشر) فإن الإكرام غذاء الآدمي والتارك لتدبير الله تعالى في خلقه لا يستقيم حاله وقد دبر الله تعالى الأحوال لعباده غنى وفقرا وعزا وذلا ورفعة وضعة ليبلوكم أيكم أشكر فالعامل عن الله يعاشر أهل دنياه على ما دبر الله لهم فإذا لم ينزله المنزلة التي أنزله الله ولم يخالقه بخلق حسن فقد استهان به وجفاه وترك موافقة الله في تدبيره فإذا سويت بين شريف ووضيع أو غني وفقير في مجلس أو عطية كان ما أفسدت أكثر مما أصلحت فالغني إذا أقصيت مجلسه أو أحقرت هديته يحقد عليك لما أن الله تعالى لم يعوده ذلك وإذا عاملت الولاة بمعاملة الرعية فقد عرضت نفسك للبلاء وقوله في الخير والشر يريد به أن من يستحق الهوان فلا يرفع أنفع قال علي: من أنزل الناس منازلهم رفع المؤونة عن نفسه ومن رفع أخاه فوق قدره فقد اجتر عداوته وقال زياد: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري ومعنا رجل مزاح فكان يقول لصاحب طعامنا جزاك الله خيرا وبرا فيغضب فقال: اقلبوه له فإنا كنا نتحدث أن من لم يصلحه الخير يصلحه الشر فقال له المزاح: جزاك الله شرا فضحك وقال: ما تدع مزاحك (وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة) أي تلطف في تعليمهم رياضة النفس على التحلي بمحاسن الأخلاق والتخلي عن رذائلها قال أبو زيد الأنصاري: الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتحرك بها الإنسان في فضيلة من الفضائل (الخرائطي) في كتاب (مكارم الأخلاق عن معاذ) بن جبل الحديث: 2736 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 2737 - (أنشد الله) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة والله بالنصب وفي رواية بالله (رجال أمتي) أي أسألهم بالله وأقسم عليهم به (لا يدخلون الحمام إلا بمئزر) يستر عورتهم عمن يحرم نظره إليها فإن كشف العورة بحضرته حرام (وأنشد الله نساء أمتي أن لا يدخلن الحمام) أي مطلقا لا بإزار ولا بغيره كما يدل عليه ما قبله فدخول الحمام لهن مكروه تنزيها إلا لضرورة متأكدة كنفاس أو حيض وكان الإغتسال في غيره يضرها قال ابن حجر: معنى أنشد أسأل رافعا نشدتي أو صوتي (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 2737 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 2738 - (انصر أخاك) في رواية أعن أخاك في الدين (ظالما) بمنعه الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه وهو من وجيز البلاغة (أو مظلوما) بإعانته على ظالمه وتخليصه منه (قيل) يعني قال أنس: (كيف أنصره ظالما) يا رسول الله (قال: تحجزه عن الظلم) أي تمنعه منه وتحول بينه وبينه (فإن ذلك) أي منعه منه (نصرة) له أي منعك إياه من الظلم نصرك إياه على شيطانه الذي يغويه وعلى نفسه الأمارة بالسوء لأنه لو ترك على ظلمه جره إلى الاقتصاص منه فمنعه من [ص: 59] وجوب القود نصرة له وهذا من قبيل الحكم للشيء وتسميته بما يؤول إليه وهو من عجيب الفصاحة ووجيز البلاغة (حم خ) في المظالم (ت) في الفتن (عن أنس) وروى مسلم معناه عن جابر الحديث: 2738 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 2739 - (انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما) قيل: كيف يا رسول الله ذلك؟ قال: (إن يك ظالما فاردده عن ظلمه وإن يك مظلوما فانصره) وفي رواية للبخاري انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما فقال: تأخذ فوق يديه كنى عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكن بالقول وعبر بالفوقية إيماء إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة وفيه وفيما قبله إشعار بالحث على محافظة الصديق والاهتمام بشأنه ومن ثم قيل حافظ على الصديق ولو على الحريق. <فائدة> في المفاخر للضبي إن أول من قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما جندب بن العنبر وعنى به ظاهره وهو ما اعتيد من حمية الجاهلية لا على ما فسره المصطفى صلى الله عليه وسلم (الدارمي) في مسنده (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله وفي الباب عائشة وغيرها الحديث: 2739 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 2740 - (انظر) من النظر بمعنى إعمال الفكر ومزيد التدبر والتأمل. قال الراغب: والنظر إجالة الخاطر نحو المرئي لإدراك البصيرة إياه فللقلب عين كما أن للبدن عينا (فإنك لست بخير من) أحد من الناس (أحمر) أي أبيض (ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى) أي تزيد عليه في وقاية النفس عما يضرها في الآخرة ومراتبها ثلاثة: التوقي عن العذاب المخلد ثم عن كل محرم ثم ما يشغل السر عن الحق تقدس (حم عن أبي ذر) قال الهيثمي كالمنذري: رجاله ثقات إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر الحديث: 2740 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 2741 - (انظروا قريشا) قال الزمخشري: من النظر الذي هو التأمل والتصفح (فخذوا من قولهم وذروا فعلهم) أي اتركوا اتباعهم في أفعالهم فإنهم ذو الرأي المصيب والحدس الذي لا يخطئ ولا يخيب لكنهم قد يفعلون ما لا يسوغ شرعا فاحذروا متابعتهم فيه (حم حب عن عامر بن شهر) بمعجمة الهمداني أبي الكنود بفتح الكاف ثم نون صحابي نزل الكوفة وهو أحد عمال المصطفى صلى الله عليه وسلم على اليمن وأول من اعترض على الأسود الكذاب باليمن الحديث: 2741 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 2742 - (انظروا إلى من هو أسفل منكم) أي في أمور الدنيا أي الأحق والأولى ذلك (ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) فيها (فهو أجدر) أي فالنظر إلى من هو أسفل لا إلى من هو فوق حقيق (أن لا تزروا) أي بأن لا تحتقروا (نعمة الله عليكم) فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا طمحت له نفسه واستصغر ما عنده من نعم الله وحرص على الازدياد ليلحقه أو يقاربه وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد. قال الغزالي: وعجب للمرء كيف لا يساوي دنياه بدينه أليس إذا لامته نفسه فارقها يعتذر إليها بأن في الفساق كثرة فينظر أبدا في الدين إلى من هو دونه لا لمن فوقه أفلا يكون في الدنيا كذلك. وقال الحكيم: لا يزال الإنسان يترقى في درجات النظر علوا علوا كلما نال درجة سما به حرصه إلى النظر إلى ما فوقها فإذا نظر إلى من دونه في درجات الدين اعتراه العجب فأعجب بنفسه فطال بتلك الدرجة على الخلق واستطال [ص: 60] فرمى به من ذلك العلو فلا يبقى منه عضو إلا انكسر وتبدد وكذا درجات الدنيا إذا رمى ببصره إلى من دونه تكبر عليه فتاه على الله بكبره وتجبر على عباده فخسر دينه وقد أخذ هذا الحديث محمود الوراق فقال: لا تنظرن إلى ذوي ال. . . مؤثل والرياش فتظل موصول النها. . . ر بحسرة قلق الفراش وانظر إلى من كان مث. . . لك أو نظيرك في المعاش تقنع بعيش كيف كا. . . ن وترض منه بانتعاش (حم م ت) كلاهما في الزهد (عن أبي هريرة) الحديث: 2742 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 2743 - (انظرن) بهمزة وصل وضم المعجمة من النظر بمعنى التفكر والتأمل والتدبر (من) استفهام (إخوانكن) أي تأملن أيها النساء في شأن إخوانكن من الرضاع أهو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه ضمن الرضاعة وقدر الارتضاع فإن التحريم إنما يثبت إذا توفرت الشروط قاله لعائشة وقد رأى عندها رجلا ذكرت أنه أخوها منه ثم علل الباعث على إمعان النظر بقوله (فإنما) الفاء تعليلية لقوله انظرن (الرضاعة) المحرمة للخلوة (من المجاعة) بفتح الميم الجوع أي إنما الرضاعة المحرمة ما سد مجاعة الطفل من اللبن بأن أغذاه وأنبت لحمه وقوى عظمه فلا يكفي بنحو مصتين ولا إن كان بحيث لا يشبعه إلا الخبز كأن جاوز الحولين لأن المدار على تقوية عظمه ولحمه من لبنها بحيث يصير كجزء منها وأدنى ما يحصل ذلك خمس رضعات تامات في حال يكون اللبن فيه كافيا للطفل مشبعا له لضعف معدته وإنما يكون ذلك فيما دون حولين (حم ق د ن هـ عن عائشة) قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال: يا عائشة من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة فذكره الحديث: 2743 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 2744 - (انظري) أيتها المرأة التي هي ذات بعل (أين أنت منه) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه (فإنما هو) أي الزوج (جنتك ونارك) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شيء فقال: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم قال: كيف أنت منه؟ قالت: لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة (ابن سعد) في الطبقات (طب عن عمة حصين) بضم الحاء وفتح الصاد بضبط المؤلف (ابن محصن) بضم أوله وسكون ثانيه وكسر الصاد المهملة قال حصين: حدثتني عمتي أنها ذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وصنيع المؤلف قاض بأنه لم ير هذا في أحد الكتب الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل لغيرها وهو عجيب فقد رواه النسائي من طريقين وعزاه له جمع جم منهم الذهبي في الكبائر ولفظه: قالت عمة حصين وذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: انظري أين أنت منه فإنه جنتك ونارك أخرجه الذهبي من وجهين وفي الباب أحاديث كثيرة هذا نصه بحروفه الحديث: 2744 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 2745 - (أنعم على نفسك) بالإنفاق عليها مما آتاك الله من غير إسراف ولا تقتير (كما أنعم الله عليك) أي ولا يحجزك عن ذلك خوف الفقر فإن الحرص لا يزيل الفقر كل حريص فقير ولو ملك الدنيا وكل قانع غني وإن كان صفر اليدين ومن حق من كان عبدا لغني أن يتحقق أنه غني بغنى سيده ففي الإمساك خوف الفقر إباق العبد عن ربه (ابن النجار) [ص: 61] في التاريخ (عن والد أبي الأحوص) بحاء وصاد مهملتين الحديث: 2745 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 2746 - (أنفق) بفتح الهمزة أمر بالإنفاق (يا بلال ولا تخشى من ذي العرش) قيد للمنفي (إقلالا) فقرا من قل بمعنى افتقر وهو في الأصل بمعنى صار ذا قلة وما أحسن من ذي العرش في هذا المقام أي أتخاف أن يضيع مثلك من هو مدبر الأمر من السماء إلى الأرض؟ كلا. قال الطيبي: الذي يقتضيه مراعاة السجع أن يوقف على بلال وإقلال بغير ألف وإن كتب بالألف ليزدوجا كما في قولهم آتيك بالغدايا والعشايا وقوله ارجعن مأزورات غير مأجورات اه. وإنما أمره بذلك لأنه تعالى وعد على الإنفاق خلفا في الدنيا وثوابا في العقبى فمن أمسك عن الإنفاق خوف الفقر فكأنه لم يصدق الله ورسوله. قال الطيبي: وما أحسن ذكر العرش في هذا المقام. قال الغزالي: قال سفيان: ليس للشيطان سلاح كخوف الفقر فإذا قبل ذلك منه أخذ بالباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه ظن السوء وخرج الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري عن بلال يرفعه يا بلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال: إذا رزقت فلا تمنع قال: وكيف لي بذلك؟ قال: ذاك وإلا فالنار قال المؤلف في مختصر الموضوعات: وهذه الأحاديث كانت في صدر الإسلام حين كان الإدخار ممنوعا والضيافة واجبة ثم نسخ الأمران وإنما يدخل الدخيل على كثير من الناس لعدم علمهم بالنسخ (البزار) في مسنده (عن بلال) المؤذن قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعندي صبر من تمر فقال: فما هذا فقلت: ادخرناه لشتائنا قال: أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم أنفق إلخ قال الهيثمي: إسناده حسن (طب عن ابن مسعود) قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر فقال: ما هذا قال: أعددته لأضيافك فذكره. قال الهيثمي: قال رواه بإسنادين أحدهما حسن وفي الآخر قيس بن الربيع وفيه كلام وبقية رجاله ثقات ورواه أيضا عن أبي هريرة وفيه مبارك بن فضيلة وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وأطلق الحافظ العراقي أن الحديث ضعيف من جميع طرقه لكن قال تلميذه الحافظ ابن حجر في زوائد البزار إسناد حديثه حسن الحديث: 2746 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 2747 - (أنفقي) أي تصدقي يا أسماء بنت أبي بكر الصديق (ولا تحصي) لا تبقي شيئا للإدخار أو لا تعدي ما أنفقتيه فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع إنفاقك (فيحصي الله عليك) أي يقلل رزقك بقطع البركة أو بحبس مادته أو بالمحاسبة عليه في الآخرة وهو بالنصب جواب النهي (1) والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العد ملزومه أو من الحصر الذي هو المنع (ولا توعي) بعين مهملة أي لا تحفظي فضل مالك في الوعاء وهو الظرف أو لا تجمعي شيئا في الوعاء وتدخريه بخلا به (فيوعي الله عليك) أي يمنع عنك مزيد نعمته عبر عن منع الله بالإيعاء ليشاكل قوله لا توعي فإسناد الإيعاء إليه تعالى المشاكلة والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عدا أو كيلا وكثيرا ما يراد بالإنفاق في كلام الشارع الأعم من الزكاة والصدقة فيشمل جميع وجوه الإنفاق من المعارف والحظوظ التي تكسب المعالي وتنجي من المهالك (حم ق) في الزكاة (عن أسماء بنت أبي بكر) قالت: قلت: يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير - أي زوجها - أفأتصدق؟ فذكره   (1) قوله: وهو بالنصب جواب النهي: الصحيح أنه منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية اه الحديث: 2747 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 2748 - (أنكحوا) أي أكثروا من الوطئ (فإني مكاثر بكم) أي الأمم يوم القيامة كما يجيء في خبر آخر (هـ عن أبي هريرة) الحديث: 2748 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 [ص: 62] 2749 - (أنكحوا الأيامى) أي النساء اللاتي بلا أزواج جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا أم ثيبا كما في الصحاح (على ما تراضى به الأهلون) جمع أهل وهم الأقارب والمراد هنا الأولياء (ولو قبضة) بفتح القاف وتضم ملء اليد (من أراك) أي ولو كان الصداق الذي وقع عليه التراضي شيئا قليلا جدا أي لكنه يتمول فإنه جائز صحيح وفيه رد على الحنفية في إيجابهم أن لا ينقص عن عشرة دراهم والأراك شجر معروف يستاك بقضبانه الواحدة أراكة أو شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة العود ولها ثمر في عناقيد يملأ العنقود الكف ولا تبعد إرادته هنا (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه ضعفوه انتهى وقال ابن حبان: يروى عن أبيه نسخة كلها موضوعة وقال الدارقطني: أبوه ضعيف أيضا الحديث: 2749 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 2750 - (أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة) يحتمل أن المراد بأمهات الأولاد النساء التي يلدن فهو حث على نكاح الولود وأن المراد السراري جمع سرية نسبة إلى السر وهو الجماع والإخفاء لأن المرء كثيرا ما يسر بها ويسترها عن حرمه وضمت سينه لأن الأبنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في السنة للدهر دهري وجعلها الأخفش من السرور لأنه يسر بها (حم) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الله المغافري وقد وثق وفيه ضعف الحديث: 2750 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 2751 - (أنهاكم عن كل مسكر) أي عن كل شيء من شأنه الإسكار (أسكر عن الصلاة) أي أزال كثرة العقل عن التمييز حتى صد عن أداء الصلاة كما أشير إليه بقوله تعالى {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} سواء اتخذ ذلك من العنب أم من غيره. قال النووي: هذا صريح في أن كل مسكر حرام وإن كان من غير العنب. وقال القرطبي: هذا حجة على من يعلق التحريم على وجود الإسكار والشارب من غير اعتبار وصف المشروب وهم الحنفية واتفق أصحابنا على تسمية جميع الأنبذة خمرا لكن قال أكثرهم هو مجاز وحقيقة الخمر عصير العنب وقال جمع: حقيقة فيهما. وقال ابن السمعاني: قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من جلي الأقيسة وأوضحها والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في النبيذ ومن ذلك أن علة الإسكار في الخمر كون قليله يدعو إلى كثيره وذلك موجود في النبيذ فالنبيذ عند عدم الخمر يقوم مقامه لحصول الفرح والطرب بكل منهما وإن كان النبيذ أغلظ والخمر أرق وأصفى لكن الطبع يحتمل ذلك في النبيذ لحصول السكر كما يحتمل المرارة في الخمر لطلب السكر قال: وبالجملة فالنصوص المحرمة بتحريم كل مسكر وإن قل مغنية عن القياس (م عن أبي موسى) الأشعري قال: استفتي النبي صلى الله عليه وسلم في البتع بكسر فسكون نبيذ العسل والمزن نبيذ الشعير حتى ينبذ أي حتى يشتد فذكره الحديث: 2751 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 2752 - (أنهاكم عن الكي) نهي تنزيه كما يعرف من أخبار أخرى وفي غير حالة الضرورة وعدم قيام غيره مقامه وقيل إنما نهى عنه لأنهم كانوا يعظمونه ويرون أنه يبرئ ولا بد أو أنه ينهى عنه قبل نزول الداء وعن استعماله على العموم فإن له داء مخصوصا ومحلا مخصوصا وفي مسلم عن عمران أنه كان يسلم عليه الملائكة فلما اكتوى تركت السلام فلما تركه يعني تاب عاد السلام عليه (وأكره الحميم) أي الماء الحار أي استعماله في نحو الشرب والطهارة لكن المراد إذا كانت شديدة [ص: 63] الحرارة لضرره ولمنعه الإساغة والكراهة حينئذ شرعية بل إن تحقق الضرر كان النهي للتحريم (ابن قانع) في معجم الصحابة (عن سعد الظفري) بفتح الظاء المعجمة والفاء وآخره راء نسبة إلى ظفر بطن من الأنصار قال الذهبي: الأصح أنه سعد بن النعمان بدري الحديث: 2752 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 2753 - (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) سواء كان من عصير العنب أو من غيره فالقطرة من المسكر حرام وإن انتفى تأثيرها فبين بهذا أن كل ما كانت فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله وإن لم يسكر متناوله بما تناوله لقلته كقطرة واحدة (ن عن سعد) بن أبي وقاص قال الزين العراقي: قال البيهقي في الخلافيات: رواته ثقات ورواه عنه أيضا ابن حبان والطحاوي واعترف بصحته الحديث: 2753 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 2754 - (أنهاكم عن صيام يومين) أي يوم عيد (الفطر و) يوم عيد (الأضحى) فصومهما حرام ولا ينعقد ومثلهما أيام التشريق لأنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى (ع عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 2754 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 2755 - (أنهاكم عن الزور) وفي رواية من قول الزور أي الكذب والبهتان لتماديه في القبح والسماجه في جميع الأديان أو شهادة الزور ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك أو هو كقولهم هذا حلال وهذا حرام وقولهم في التلبية لبيك لا شريك لك إلا شريك تملكه وما ملك والمراد اجتنبوا الانحراف عن سنن الشريعة لأن الزور من الإزورار وهو الانحراف فيرجع إلى الأمر بالاستقامة فكأنه قال استقم كما أمرت (طب عن معاوية) بن أبي سفيان الحديث: 2755 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 2756 - (أنهر) وفي رواية أمر وأخرى أمرر (الدم) أي أسله (بما شئت) أي أزهق نفس البهيمة بكل ما أسال الدم غير السن والظفر ذكره الزمخشري شبه خروج الدم من محل الذبح بجري الماء في النهر (واذكر اسم الله عليه) تمسك به من شرط التسمية عند الذبح وحمله الشافعية على الندب لخبر إن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال: سموا أنتم وكلوا (ن) في الصيد والذبائح (عن عدي بن حاتم) قلت: يا رسول الله أرسل كلبي فيأخذ الصيد ولا أجد ما أذكيه به أفأذكيه بالمروة أي وهي حجر أبيض والعصا فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه بل خرجه أيضا عن عدي أبو داود وابن ماجه. قال ابن حجر: ورواه أيضا الحاكم وابن حبان ومداره على سماك بن حرب عن مرمى عن قطري عن عدي انتهى الحديث: 2756 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 2757 - (أنهشوا اللحم) أزيلوه عن العظم بالفم ولا تحزوه بالسكين قالوا: ونهش اللحم أخذه بمقدم الأسنان قال ابن العربي: وإذا فعل غير ذلك لا يرده في القصعة وليحبسه بيده وليضعه أمامه (نهشا) بشين معجمة بخطه وقال الحافظ العراقي: بسين مهملة ولعلهما روايتان وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري. قال الزين العراقي: والأمر للإرشاد بدليل تعليله بقوله (فإنه أشهى وأهنأ وأمرأ) وفي رواية وأبرأ أي من السوء ونهش اللحم أخذه بمقدم الأسنان يقال هنؤ الطعام يهنو فهو هني ومرؤ فهو مري أي صار كذلك وهنأ في الطعام ومرأ من حد ضرب أي ساغ لي فإذا أفردوا قالوا: أمرأني بالألف وفي الكشاف: الهني والمري صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا ما ينقبض. قيل: الهني ما يلذ به الآكل والمري ما تحمد عاقبته وقيل: هو ما ينساغ في مجراه. قال العراقي: ولم يثبت النهي [ص: 64] عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما لو عسر نهشه بالسن فيقطع بالسكين وكذا لو لم يحضر سكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني (حم ت ك عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم انتهى وتعقبه مغلطاي بأنه في كتاب الأطعمة لأبي عاصم من حديث الفضل بن عباس قال: كنا في وليمة فسمعت صفوان يقول فذكره قال أعني مغلطاي: وفيه شيء آخر وهو أن حديث أبي عاصم متصل وحديث الترمذي منقطع فيما بين عثمان بن أبي سليمان وصفوان اه وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده الحديث: 2757 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 2758 - (أنهكوا الشوارب) أي استقصوا قصها والإنهاك الاستقصاء (وأعفوا اللحى) أي اتركوها فلا تأخذوا منها شيئا (خ عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهره أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي وغيره إلى مسلم من حديث عبد الله بن عمر الحديث: 2758 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 2759 - (اهتبلوا) أي اغتنموا الفرصة قال الزمخشري: من المجاز هو مهتبل عزته وسمعت كلمة فاهتبلتها اغتنمتها وافترصتها انتهى ومنه أخذ في النهاية قول اهتبل كذا اغتنمه (العفو عن عثرات ذوي المروءات) أي أصحاب المروءات فإن العفو عنهم فيها مندوب ندبا مؤكدا والخطاب للأئمة أو أعم وقد سبق هذا موضحا (أبو بكر المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء الموحدة نسبة إلى جده وهو محمد بن عمران بغدادي صاحب أخبار وتصانيف (في كتاب المروءة عن عمر) بن الخطاب الحديث: 2759 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 2760 - (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) أي تحرك فرحا وسرورا بنقلته من دار الفناء إلى دار البقاء لأن أرواح الشهداء مستقرها تحت العرش تأوي إلى قناديل هناك كما في خبر وإذا كان العبد ممن يفرح خالق العرش بلقائه فالعرش يدق في جنب خالقه أو اهتز استعظاما لتلك الوقعة التي أصيب فيها أو اهتز حملته فرحا به فأقيم العرش مقام حامليه وقوله عرش الرحمن نص صريح يبطل قول من ذهب إلى أن المراد بالعرش السرير الذي حمل عليه قال ابن القيم: كان سعد في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين لا تأخذه في الله لومة لائم وختم له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وحلفائه ووافق حكمه حكم الله من فوق سبع سماوات ونعاه جبريل عليه السلام يوم موته فحق له أن يهتز العرش له (حم م عن أنس) بن مالك (حم ق ت هـ عن جابر) قال المصنف: وهذا متواتر الحديث: 2760 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 2761 - (أهل البدع) أي أصحابها جمع بدعة ما خالف الكتاب والسنة مجملا أو مفصلا (شر الخلق) مصدر بمعنى المخلوق (والخليقة) بمعناه فذكره للتأكيد أو أراد بالخلق من خلق وبالخليقة من سيخلق أو الخلق الناس والخليقة البهائم وإنما كانوا شر الخلق لأنهم أبطنوا الكفر وزعموا أنهم أعرف الناس بالإيمان وأشدهم تمسكا بالقرآن فضلوا وأضلوا ذكره الطيبي وهذا مستمد من قوله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} و {أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} الآية. قال مجاهد: السبل البدع وسبق أن الكلام في بدعة تخالف أصول الشرع وإلا كوضع المذاهب وتدوينها وتصنيف العلوم وتقرير القواعد وكثرة التفريع وفرض ما لم يقع وبيان حكمه وتفسير القرآن [ص: 65] والسنة واستخراج علوم الأدب وتتبع كلام العرب فمندوب محبوب وأهله ليسوا بشر الخليقة بل خيرها (حل) من حديث محمد بن عبد الله بن عمار عن المعافى بن عمران عن الأوزاعي عن قتادة (عن أنس) ثم قال: تفرد به المعافى عن الأوزاعي بهذا اللفظ الحديث: 2761 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 2762 - (أهل الجنة عشرون ومئة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم) لا يعارضه خبر ابن مسعود أنتم شطر أهل الجنة وفي رواية نصفهم لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم رجا أولا أن يكونوا نصفا فأعطاه الله رجاءه ثم زاده (حم ت) في صفة الجنة (هـ حب ك) في الإيمان (عن بريدة) بن الحصيب وقال الحاكم: على شرطهما وقال الترمذي: حسن ولم يبين لم لا يصح. قيل: لأنه روي مرسلا ومتصلا قال في المنار: ولا ينبغي أن يعد ذلك مانعا لصحته (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن شريك الدمشقي وهو ضعيف ووثق (وعن ابن مسعود) قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وأنتم ربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها فقلنا: الله ورسوله أعلم فقال: كيف أنتم وثلثها قالوا: فذلك أكثر ثم ذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة (وعن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: وفيه القاسم بن حصن وهو ضعيف وأعاده مرة أخرى ثم قال: فيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف جدا وفي اللسان كالميزان هذا حديث منكر الحديث: 2762 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 2763 - (أهل الجنة جرد مرد) أي لا شعر على أبدانهم ولا لحالهم قيل إلا هارون أخا موسى عليه الصلاة والسلام فإن لحيه إلى سرته تخصيصا له وتفضيلا في ترجمة الأسعد وسئل عن ذلك فقال: وما في جنان الخلد ذو لحية يرى. . . سوى آدم فيما روينا في الأثر وما جاء في هارون فالذهبي قد. . . رأى ذاك موضوعا فكن صيقل الفكر حكاه الغزالي وفي رواية ذكرها في لسان الميزان إلا موسى فلحيته إلى سرته (كحل) أي على أجفانهم سواد خلقي (لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم) قيل: أراد أن الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل إرادة الجنس بل لا تزال عليهم الثياب الجدد كما أنها لا تنقطع أكلها من حينه بل كل مأكول يخلفه مأكول آخر وكل ثمرة قطعت خلفتها أخرى وهكذا لا يقال الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية متعرضة للاستحالات المؤدية إلى الانفكاك والانحلال فكيف يعقل خلودها في الجنان لأنا نقول إنه تعالى يعيدها بحيث لا يعتريها الاستحالة بأن يجعل أجزاءها مثلا متفاوتة في الكيف متساوية في القوة لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض على أن قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده نقص عقل وضعف بصيرة (ت) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب اه وفيه معاذ بن هشام حديثه في الكتب الستة قال ابن معين: صدوق وليس بحجة الحديث: 2763 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 2764 - (أهل الجنة من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع) في البحر يحتمل أن معناه من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا عمله ومن ملأ من ثناء الناس [ص: 66] شرا عمله فكأنه قال: أهل الجنة من لا يزال يعمل الخير حتى ينتشر عنه فيثنى عليه بذلك وفي الشر كذلك ومعنى قوله أهل الجنة أي الذين يدخلونها ولا يدخلون النار ومعنى أهل النار أي الذين استحقوها لسوء أعمالهم سموا بدخولها أهل النار لكنهم سيدخلون الجنة إذا صحبهم إيمان ويكون أهل النار بمعنى الذين استحقوها بعظائم وأفعال السوء ثم يخرجون بشفاعته ويجوز أن يرحم منهم من يشاء ولا يعذبه اه. فإن قلت: ما فائدة قوله وهو يسمع بعد قوله ملأ الله أذنيه؟ قلت: قد يقال فائدته الإيمان إلى أن ما اتصف به من الخير والشر بلغ من الاشتهار مبلغا عظيما بحيث صار لا يتوجه إلى محل ويجلس بمكان إلا ويسمع الناس يصفونه بذلك فلم تمتلئ أذنيه من سماعه ذلك بالواسطة والإبلاغ بل بالسماع المستفيض المتواتر واستعمال الثناء في الذكر الجميل أكثر من القبيح كما في المصباح وجعله ابن عبد السلام حقيقة في الخير مجازا في الشر (هـ عن ابن عباس) وفيه أبو الجوزاء قال الذهبي: قال البخاري فيه نظر الحديث: 2764 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 2765 - (أهل الجور) أي الظلم (وأعوانهم في النار) لأن الداعي إلى الجور الطيش والخفة والأشر والبطر الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان فجوزوا من جنس مرتكبهم (ك) في الأحكام (عن حذيفة) وصححه وتعقبه الذهبي فقال: بل منكر الحديث: 2765 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 2766 - (أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض) يعني هم عذابه الشديد يصبه على من يشاء من العبيد قال الزمخشري: من المجاز {صب عليهم ربك سوط عذاب} أي فلما علم أن الضرب بالسوط أشد ألما من غيره عبر به (ينتقم بهم ممن يشاء من عباده) أي يعاقبه بهم قال في الصحاح: انتقم الله منه عاقبه (وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم) أي يمتنع عليهم ذلك (وأن يموتوا إلا هما) أي قلقا (وغيظا) أي غضبا شديدا. قال في المصباح: الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الغضب (وغما) أي كربا ووهنا (وحزنا) في إشعاره إيذان بأن أهل الشام قد رزقوا حظا في سيوفهم وشاهده ما رواه الخطيب في التاريخ أن عمر كتب إلى كعب الأحبار: اختر لي المنازل فكتب إليه: بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال: السخاء أريد اليمن فقال: حسن الخلق أنا معك وقال: الجفاء أريد الحجاز فقال: الفقر وأنا معك وقال: البأس أريد الشام فقال السيف وأنا معك وقال: العلم أريد العراق فقال: العقل وأنا معك وقال: الغنى أريد مصر فقال: الذل وأنا معك فاختر لنفسك (حم ع طب والضياء) المقدسي (عن خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء (بن فاتك) بفتح الفاء وكسر المثناة التحتية الأسدي الصحابي قال ابن أبي حاتم: بدري له صحبة وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني موقوفا على خريم ورجالهما ثقات الحديث: 2766 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 2767 - (أهل القرآن) أي حفظته الملازمون لتلاوته العاملون بأحكامه في الدنيا وقيل أهله من بحث على أسراره ومعانيه (عرفاء أهل الجنة) الذين ليسوا بقرء أي هم زعماؤهم وقادتهم وفيه أن في الجنة أئمة وعرفاء فالأئمة الأنبياء فهم إمام القوم وعرفاءهم القراء والعريف من تحت يد الإمام فله شعبة من السلطان فالعرافة هناك لأهل القرآن الذين عرفوا بتلاوته وعملوا به (الحكيم) الترمذي (عن أبي أمامة الباهلي) الحديث: 2767 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 [ص: 67] 2768 - (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به سموا بذلك تعظيما لهم كما يقال بيت الله. قال الحكيم: وإنما يكون هذا في قارئ انتفى عنه جور قلبه وذهب جناية نفسه فأمنه القرآن فارتفع في صدره وتكشف له عن زينته ومهابته فمثله كعروس مزين مد يده إليها دنس متلوث متلطخ بالقذر فهي تعافه وتتقذره فإذا تطهر وتزين وتطيب فقد أدى حقها وأقبلت إليه بوجهها فصار من أهلها فكذا القرآن فليس من أهله إلا من تطهر من الذنوب ظاهرا وباطنا وتزين بالطاعة كذلك فعندها يكون من أهل الله وحرام على من ليس بهذه الصفة أن يكون من الخواص وكيف ينال هذه الرتبة العظمى عبد أبق من مولاه واتخذ إلهه هواه؟ {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} (أبو القاسم بن حيدر في مشيخته عن علي) أمير المؤمنين وظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول عجيب فقد خرجه النسائي في الكبرى وابن ماجه وكذا الإمام أحمد والحاكم من حديث أنس قال الحافظ العراقي: بإسناد حسن والعجب أن المصنف نفسه عزاه لابن ماجه وأحمد في الدرر عن أنس المذكور باللفظ المزبور الحديث: 2768 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 2769 - (أهل النار كل جعظري) أي فظ غليظ متكبر أو جسم عظيم أكول (جواظ) أي جموع منوع أو ضخم مختال في مشيته أو صياح مهدر (مستكبر) أي متعاظم مرتفع تيها وعجبا {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (وأهل الجنة الضعفاء) أي هم المتواضعون الخاضعون ضد المتكبرين الأشرين فهم الضعفاء عن حمل التكبر وأدنى الناس بمال أو جاه أو قوة بدن وعن المعاصي (المغلبون) بشد اللام المفتوحة أي الذين كثيرا ما يغلبون والمغلب الذي يغلب كثيرا وهؤلاء هم أتباع الرسل في هذه الأخلاق وغيرها (ابن قانع) في المعجم (ك) في التفسير (عن سراقة) بضم المهملة وخفة الراء وبالقاف (ابن مالك) ابن جعثم بضم الجيم وسكون المهملة الكناني بنونين المدلجي أبو سفيان أسلم بعد الطائف قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 2769 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 2770 - (أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأسمع طاعة) في رواية للطبراني بدله وأنجع طاعة يقال نجع له بحق إذا أقر به وبالغ فيه والرقة ضد الغلظة والجفوة واللين ضد القسوة فاستعيرت في أحوال القلب فإذا تباعد عن الحق وأعرض عن قبوله وأعرض عن الآيات والنذر يوصف بالغلظة فكان شغافه صفيقا لا ينفذ فيه الحق وجرمه طبا لا يؤثر فيه الحق وإذا انعكس ذلك يوصف بالرقة واللين فكان حجابه رقيقا لا يأباه نفوذ الحق وجوهره يتأثر عن النصح والفؤاد والقلب وإن كان واحدا على ما عليه الأكثر لكن الخبر ينبئ عن التمييز بينهما وهو أن الفؤاد سمي به لنفوذه والقلب سمي قلبا لكثرة تقلبه فكأنه أراد بالأفئدة ما يظهر منها للأبصار وبالقلوب ما يظهر منها للبصائر (طب عن عقبة ابن عامر) الجهني قال الهيثمي: وإسناده حسن وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد رواه من هذا الوجه بهذا اللفظ أحمد في المسند الحديث: 2770 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 2771 - (أهل شغل الله) بفتح الشين وسكون الغين وبفتحتين (في الدنيا هم أهل شغل الله في الآخرة وأهل شغل أنفسهم [ص: 68] في الدنيا هم أهل شغل أنفسهم في الآخرة) لأن الآخرة أعواض وثواب مرتب على ما كان في النشأة الأولى قال ابن عطاء الله: الدار الدنيوية بيت العمل وأساس الخير لأهل التوفيق والشر لغيرهم لأن فيها ما ليس في الدار الآخرة وهو كسب الأعمال وكل سر لم يظهر في الدنيا لم يظهر في الآخرة {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فمن كان مخلصا في شغله بالعمل في الدنيا كانت دنياه آخرته ومن اشتغل بلذة نفسه وآثر الحياة الدنيا على الآخرة {فإن الجحيم هي المأوى} (قط في الأفراد فر عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف الحديث: 2771 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 2772 - (أهون أهل النار عذابا) أي أيسرهم وأدونهم فيه (يوم القيامة رجل) لفظ رواية مسلم لرجل أي هو أبو طالب كما يجيء (يوضع في أخمص قدميه جمرتان) تثنية جمرة وهي القطعة من النار الملتهبة (يغلي منهما دماغه) وفي رواية للبخاري يغلي منهما أم دماغه قال الداودي: المراد أم رأسه وأطلق على الرأس أم الدماغ من تسمية الشيء مما يجاوره وفي رواية ابن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدميه وحكمة انتعاله بهما أنه كان مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بجملته لكنه كان مثبتا لقدميه على ملة عبد المطلب حتى قال عند الموت هو على ملة عبد المطلب فسلط العذاب على قدميه فقط لتثبيته إياهما على ملة آبائه الضالين قال الغزالي: انظر إلى من خفف عليه واعتبر به فكيف من شدد عليه؟ ومهما شككت في شدة عذاب النار فقرب أصبعك منها وقس ذلك به انتهى وتمسك به من ذهب إلى أن الحسنات تخفف عن الكافر وقال البيهقي: ولمن ذهب لمقابله أن يقول خبر أبي طالب خاص والتخفيف عنه بما صنع إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لقلبه وثوابا له في نفسه لا لأبي طالب فإن حسناته أحبطت بموته كافرا (م عن النعمان بن بشير) الأنصاري لكن لفظ رواية مسلم من حديث النعمان إن أهون وإنما قال أهون في حديث ابن عباس الآتي فهذا مما لم يحرر المؤلف فيه التخريج الحديث: 2772 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 2773 - (أهون أهل النار عذابا أبو طالب) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه) هذا وما قبله يؤذن بموته على الكفر وهو الحق ويزعم بعض الناس أنه أسلم قال الزمخشري: يا سبحان الله أكان أبو طالب أخمل أعمامه حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس ويخفى إسلامه؟ انتهى وأما ما رواه تمام في فوائده من حديث ابن عمر إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي وأخ لي كان في الجاهلية فتناوله المحب الطبري في حق عمه على أنها شفاعة في التخفيف كما في مسلم قال ابن حجر: ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت منها شيء وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة عن علي قال: لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: اذهب فواره قال: إنه مات مشركا قال: اذهب فواره وفيه أن عذاب الكفار متفاوت وأن الكافر قد ينفعه عمله الصالح في الآخرة. قال ابن حجر: لكنه مخالف للقرآن قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} وأجيب باحتمال أن هذا من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم وبأن منع التخفيف إنما يتعلق بذنب الكفر لا غيره وبذلك يحصل التوفيق بين هذا [ص: 69] الحديث وما أشبهه وبين قوله تعالى {لا يخفف عنهم العذاب} (حم م عن ابن عباس) وفي الباب أبو سعيد وجابر وغيرهما الحديث: 2773 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 2774 - (أهون الربا) بموحدة تحتية (كالذي ينكح) أي يطأ (أمه) في عظم الجرم وفظاعة الإثم (إن أربى الربا) أشده وأعظمه (استطالة المرء في عرض أخيه) في الإسلام أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه وذكره بما يؤذيه أو يكرهه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب (التوبيخ عن أبي هريرة) الحديث: 2774 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 2775 - (أوتروا) من الوتر بفتح أوله وبكسر والفتح لغة أهل الحجاز الفرد أي صلوا صلاة الوتر (قبل أن تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح يعني في أية ساعة من الليل فيما بين صلاة العشاء والفجر ولا يختص بوقت من الليل فإذا طلع الفجر خرج وقته وفيه إيماء إلى أن تأخيره أفضل أي لمن وثق باليقظة (حم م ت هـ عن أبي سعيد) قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فذكره الحاكم واستدركه فوهم الحديث: 2775 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 2776 - (أوتيت) بالبناء للمجهول (مفاتيح) وفي رواية مفاتح (كل شيء إلا الخمس) المذكورة في قوله تعالى ( {إن الله عنده علم الساعة} الآية) بكمالها ومنه أخذ أنه ينبغي للمفتي والعالم إذا سئل عن ما لم يعلم أن يقول لا أعلم ولا ينقصه ذلك بل هو آية ورعه وتقواه ووفور علمه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: وأبرد ما علي كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول لا أعلم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2776 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 2777 - (أوتي موسى الألواح وأوتيت المثاني) أي السور التي تقصر عن المئين فتزيد على المفصل كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني (أبو سعيد النقاش) بفتح النون وشد القاف وبعد الألف شين معجمة نسبة لمن ينقش السقوف وغيرها بغدادي في حديثه مناكير (في فوائد العراقيين) أي في جزئه الحديثي الذي جمعه في ذلك (عن ابن عباس) الحديث: 2777 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 2778 - (أوثق عرى الإيمان) أي أقواها أو أثبتها وأحكمها جمع عروة وهي في الأصل ما يعلق به نحو دلو أو كوز فاستعير لما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من شعب الإيمان وقال الحرالي: العروة ما يشد به العباءة ونحوها يتداخل بعضها في بعض دخولا لا ينفصم بعضه من بعض إلا بفصم طرفه فإذا انفصمت منه عروة انفصم جميعه وقال الزمخشري: هذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصور السامع كأنه ينظر إليه بعينه فبحكم اعتقاده والتيقن به (الموالاة) أي التحابب والمعاونة (في الله) أي فيما يرضيه (والمعاداة في الله) أي فيما يبغضه ويكرهه (والحب في الله والبغض في الله عز وجل) قال مجاهد: عن ابن عمر فإنك لا تنال الولاية إلا بذلك ولا تجد طعم الإيمان حتى تكون كذلك اه. ومن البغض في الله بغض كثير ممن ينسب نفسه للعلم في زمننا لما أشرق عليهم من مظاهر النفاق وبغضهم [ص: 70] لأهل الخير فيتعين على من سلم قلبه من المرض أن يبغضهم في الله لما هم عليه من التكبر والغلظة والأذى للناس قال الشافعي: عاشر الكرام تعش كريما ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم ومن ثم قيل مخالطة الأشرار خطر ومبالغة في الغرر كراكب بحر إن سلم من التلف لم يسلم قلبه من الحذر (طب عن ابن عباس) وفي الباب عن البراء أيضا كما خرجه الطيالسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة؟ قال: الصلاة حسنة وليست بذلك قلنا: الصيام؟ قال: مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال: مثل ذلك ثم ذكره الحديث: 2778 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 2779 - (أوجب) فعل ماض أي عمل الداعي عملا وجبت له به الجنة أو فعل ما يجب به الجنة والأول لابن حجر والثاني للمؤلف (إن ختم) دعاءه (بآمين) أي يقول آمين فذلك الفعل مما يوجب الجنة ويبعده من النار ويحتمل أن المراد أن إعطاءه المسؤول صار واجبا بذلك (د عن أبي زهير النميري) بضم النون وفتح الميم وسكون المثناة نسبة إلى نمير بن عامر بن صعصعة قال: ألح رجل في المسألة فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه فذكره الحديث: 2779 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 2780 - (أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء) أي أعلمه بواسطة الملك جبريل أو غيره والوحي لغة إعلام في خفاء وسرعة وشرعا إعلام الله نبيه بما شاء (أن قل لفلان العابد) الملازم لعبادتي (أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك) الزاهد في الدنيا المنقطع للتعبد إذ الزهد فيها يريح القلب والبدن كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أمت مطامعي فأرحت نفسي. . . فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا. . . وفي إحيائه عرضي مصون والراحة زوال المشقة والتعب كما في المصباح وغيره (وأما انقطاعك لي) أي لأجل عبادتي (فتعززت بي) أي صرت بي عزيزا (فماذا عملت فيما لي عليك قال: يا رب وماذا لك علي قال) أي الله لنبيه قل له (هل عاديت في عدوا أو واليت في وليا) زاد الحكيم في روايته وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال في ولم يعاد في اه. فذلك العابد ظن أنه بزهده في الدنيا وانقطاعه عن أهلها قد بلغ الغاية وارتقى النهاية فأعلمه الله بأن ذلك مشوب بحظوظ نفسانية وأن ترك بعض ما لا يزن كله عند الله جناح بعوضة ليس بكبير أمر بالنسبة لأولئك الكمل وإنما الذي عليه التعويل التصلب في مباراة أعداء الله ومباعدتهم ومعاداتهم {أولئك حزب الشيطان} فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من مولاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله بل هو الإخلاص بعينه فإذا أحببت الأشياء من أجله وعاديت الأشياء من أجله فقد أحببته بل ليس معنى حبنا له غير ذلك ذكره العارف ابن عربي وغيره وعلم منه أن الحب في الله والبغض في الله مرتبة من وراء مقام الزهد أعلى منه وأن من زهد في الدنيا لينال نعيم الآخرة ليس بزاهد كامل لأنه تعوض باق عن فان وقد انتقل من رغبة فيما سوى الله إلى رغبة فيما سواه أعلى منها وذلك كله من جملة معاملة الأكوان فلم تخلص معاملته لله وإنما تخلص إذا زهد في مقام الزهد بمعنى أنه لم ير له ملكا لشيء في الدارين حتى يزهد فيه كما قال بعضهم: ترحل عن مقام الزهد قلبي. . . فأنت الحق وحدك في شهودي أأزهد في سواك وليس شيء. . . أراه سواك يا سر الوجودي [ص: 71] (حل خط) في ترجمة محمد بن الورد الزاهد (عن ابن مسعود) وفيه علي بن عبد الحميد قال الذهبي: مجهول وخلف بن خليفة أورده في الضعفاء وقال ثقة كذبه ابن معين الحديث: 2780 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 2781 - (أوحى الله تعالى إلى ابراهيم: يا خليلي) أي يا صديقي فيا له من خطاب ما أشرفه (حسن خلقك) بضم اللام مع سائر الأنام (ولو مع الكفار) فإنك إن فعلت ذلك (تدخل مداخل الأبرار) أي الصادقين الأتقياء الذين أحسنوا طاعة مولاهم تحروا محابه وتوقوا مكارهه (فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي) أي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظله (وأن أسكنه حظيرة قدسي) أي جنتي وأصل الحظيرة موضع يحاط عليه لتأوي إليه الإبل والغنم يقيها نحو برد وريح وأن أدنيه من جواري بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح أي أقربه مني يقال جاوره مجاورة وجوارا إذا لاصقه في المسكن وقد امتثل هذا السيد الجليل أمر ربه فبلغ من حسن الخلق وكمال الدربة ما لم يبلغه أحد سواه إلا ما كان من ولده نبينا انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورطا فيه من الخطأ العظيم والزيغ الشنيع الذي عصى أمر العقل وانسلخ من قضية التمييز والغباوة التي لبس بعدها شيء كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق وساقه في أرشف مساق مع استعماله الملاطفة والمجاملة والرفق واللين والأدب الجميل وكمال حسن الخلق منتصحا في ذلك بنصيحة ربه مسترشدا بإرشاده <تنبيه> قال الراغب: التخلق والتشبيه بالأفاضل ضربان محمود وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدرب على الوجه الذي ينبغي وبالمقدار الذي ينبغي ومذموم وهو ما كان رياء وتصنعا ويتحراه فاعله ليذكر به ويسمى تصنعا وتشيعا ولا ينفك صاحبه من اضطراب يدل على تشيعه. <فائدة> قال العارف ابن عربي: ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم طائعهم وعاصيهم وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة وعموم لطائفه من حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه فمن عامل الخلق بهذه الطريقة صحت له الخلة وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه وهكذا حال الخليل فهو رحمة كله (الحكيم) الترمذي عن أبي هريرة قال الزيلعي: وهذا معضل (طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري ولم يوجهه وقال الهيثمي: فيه مؤمل بن عبد الرحمن وهو ضعيف الحديث: 2781 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 2782 - (أوحى الله إلى داود) عليه السلام يا داود (أن قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من يذكرني وإن ذكري إياهم أن ألعنهم) أي أطردهم عن رحمتي وأبعدهم عن إكرامي ودار كرامتي قال حجة الإسلام: هذا في عاص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان (ابن عساكر) في ترجمة داود (عن ابن عباس) قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو قصور فقد خرجه الحاكم والبيهقي في الشعب والديلمي باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور الحديث: 2782 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 2783 - (أوحى الله إلى داود) عليه الصلاة والسلام (ما من عبد يعتصم) أي يتمسك (بي دون خلقي أعرف ذلك [ص: 72] من نيته) أي والحال أني أعرف من نيته أنه يستمسك بي وحدي وأن ظاهره كباطنه في الإلتجاء والتعويل علي وحدي وفي بعض النسخ أعرف ذلك من قلبه بدل نيته (فتكيده السماوات) السبع (بمن فيها) من الملائكة وغيرهم والكواكب وأفلاكها وغير ذلك من سائر خلق الله أي يخدعونه ويمكرون به يقال كاده كيدا أخدعه ومكر به والاسم المكيدة (إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا) أي مخلصا من خداعهم له ومكرهم قال به بعضهم: وإنما قال تعالى أعرف ذلك إلخ وفيه نصرته بذلك إشارة إلى أنه مقام يعز وجوده في غالب الناس ولهذا قال في الحكم لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان له هو واضعا من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره دافعا اه في بعض الكتب المنزلة: يقول الله: وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل لغيري باليأس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ولأقطعنه من وصلي أتؤمل غيري وأنا الكريم وتطرق أبواب الغير وبيدي مفاتيحها وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيم وقطعت رجاه (وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يديه) أي حجبت ومنعت عنه الطرق والجهات والنواحي التي يتوصل بها إلى الاستعلاء والسمو ونيل المطالب وبلوغ المآرب فمن اعتصم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا واغتر بعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط من عين الله قال في الصحاح: السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره وأسباب السماء نواحيها قال الزمخشري: الأسباب الوصل وتقول ما لي إليه سبب أي طرق والسمو العلو ويقال سما يسمو سموا علا ومنه قيل سمت همته إلى معالي الأمور إذا طلب العز والشرف (وأرسخت الهوى من تحت قدميه) يحتمل أن الهوى بضم الهاء وكسر الواو وهو السقوط من علو إلى أسفل ويكون المعنى أثبت الهوى تحت قدميه فلا يزال في مهواه هابطا عن منازل العز والشرف متباعدا عن مولاه ويحتمل أنه الهوى بالقصر وهو ميل النفس وإشرافها إلى مذموم والهوى أيضا الشيء الخالي ومن كلامهم لا تتبع الهوى فمن تبع الهوى قال الإمام الرازي في تفسيره: الذي جربته طول عمري أن الإنسان كلما عول في أمر على غير الله صار سببا للبلاء والمحنة وإذا عول على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل المطلوب على أحسن وجه فهذه التجربة قد استمرت من أول عمري إلى هذا الوقت فعلم أن كل من استند في نصرته إلى الخلق بنفسه أو بوكيله أو بقلبه تخلفت عنه نصرة الحق تعالى إلا أن يكون مشهده أن نصرة الخلق من جملة نصرة الحق تعالى له من جهة أنه الملهم لهم أن ينصروه فإنه تعالى ينصر عبده بواسطة وبدونها والكل منه فلا يقدح ذلك في مقام الاستناد إليه تعالى بل هو أكمل لأن فيه استعمال الآلة وعدم تعطيلها (وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني وغافر له) ما فرط منه من الصغائر ومقيلا له ما سقط فيه من هفوة أو عثرة (قبل أن يستغفرني) أي قبل أن يطلب مني الغفر أي الستر وإنما نزلناه على الصغائر والهفوات لأنه فرضه أولا مطيعا له (ابن عساكر) في التاريخ (عن كعب بن مالك) ورواه عنه الديلمي أيضا في الفردوس الحديث: 2783 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 2784 - (أوسعوا مسجدكم) أيها المؤمنون الذين يعمرون مسجدا (تملؤوه) أي فإنكم مستكثرون حتى تملؤوه لأن الناس [ص: 73] سيدخلون في دين الله أفواجا فلا تنظروا إلى قلة عددكم اليوم وأصل الوسع تباعد الأطراف والحدود ذكره الحرالي (طب) وكذا أبو نعيم والخطيب (عن كعب بن مالك) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يبنون مسجدا فذكره قال الهيثمي: وفيه محمد بن درهم ضعيف انتهى وقال الذهبي في المهذب: هو واه وفي الميزان عن جمع محمد هذا ضعيف ثم ساق له هذا الحديث وأقول فيه أيضا يحيى الحماني قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد: كان يكذب جهارا ووثقه ابن معين وقيس بن الربيع ضعفوه وهو صدوق الحديث: 2784 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 2785 - (أوشك) بلفظ المضارع أي أقرب وأتوقع قال النحاة: واستعمال المضارع فيه أكثر من الماضي (أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير) أي تستبيح الرجال وطء الفروج على وجه الزنا وتستبيح لبس الحرير الذي حرم عليهم لغير ضرورة وأراد بالأمة طائفتين منهم ويكون ذلك آخر الزمان (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 2785 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 2786 - (أوصاني الله بذي القربى) أي ببرهم لأنهم أحق الناس بالمعروف قال الحرالي: هم المتوسلون بالوالدين لما لهم من أكيد الوصلة والقربى فعلي من القرابة وهو قرب في النسب الظاهر أو الباطن ذكره الحرالي (وأمرني أن أبدأ بالعباس ابن عبد المطلب) أي ببره فإنه عمي وعم الرجل صنو الأب فهو أب مجازا (ك عن عبد الله بن ثعلبة) بن صعير بمهملتين مصغرا ويقال ابن أبي صعير. قال في التقريب كأصله: له رواية ولم يثبت له سماع الحديث: 2786 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 2787 - (أوصي الخليفة من بعدي) قال الحرالي: قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحا في حضوره (بتقوى الله) أي بمخافته والحذر من مخالفته (وأوصيه) ثانيا (بجماعة المسلمين أن يعظم كبيرهم) قدرا أو سنا (ويرحم صغيرهم) أي كذلك (ويوقر) أي يعظم (عالمهم) بشيء من العلوم الشرعية (وأن لا يضرهم فيذلهم) أي يهينهم ويحقرهم (ولا يوحشهم) أي يبعدهم ويقطع مودتهم ويعاملهم بالجفاء وعدم الوفاء (فيكفرهم) أي يلجئهم إلى تغطية محاسنه ونشر مساوئه وعيوبه ويجحدون نعمته ويتبرأون منه فيؤدي إلى تفرق الكلمة وتحرك الفتنة. قال الفارابي: الوحشة بين الناس الإنقطاع وبعد القلوب عن المودات وكفر النعمة جحدها وتغطيتها (وأن لا يغلق بابه دونهم) يعني يمنعهم عن الوصول إليه وعرض الظلامات عليه (فيأكل قويهم ضعيفهم) أو يستولي على حقه ظلما قال الزمخشري: من المجاز فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه ثم الذي رأيته في نسخ البيهقي عقب قوله فيكفرهم وأن لا يخصيهم فيقطع نسلهم وليس قوله وألا يغلق إلخ ثابت في النسخ التي وقفت عليها فليحرر قال ابن العربي: قد جعل الله الخلافة مصلحة للخلق ونيابة عن الحق وضابطا للقانون وكافا عن الاسترسال بحكم الهوى وتسكينا لثائرة الدماء وثائرة الغوغاء أولهم آدم وآخرهم عيسى والكل خليفة لكن من أطاع الله فهو خليفة له ومن أطاع الشيطان فهو خليفة للشيطان. <تنبيه> ذهب الصوفية إلى أن الخليفة على الحقيقة بعده القطب قال العارف ابن عربي: حضرت الخلافة التي هي محل الإرث والأنبياء انتشرت راياتها ولاحت أعلامها وأذعن الكل لسلطانها ثم خفيت بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا تظهر أبدا إلى يوم القيامة عموما لكن قد تظهر خصوصا فالقطب [ص: 74] معلوم غير معين وهو خليفة الزمان ومحل النظر والتجلي ومنه تصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب وله صفات إذا اجتمعت في خليفة عصر فهو القطب وإلا فهو غيره ومنه يكون الإمداد لملك ذلك العصر (هق عن أبي أمامة) قال الذهبي: في المذهب وهذا لم يخرجوه الحديث: 2787 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 2788 - (أوصيك أن لا تكون لعانا) أي أن لا تلعن معصوما فيحرم لعن المعصوم المعين فإن اللعنة تعود على اللاعن كما في خبر سبق وصيغة المبالغة هنا غير مرادة (حم تخ طب) كلهم من طريق عبيد الله بن هودة الفريعي عن رجل من هجيم (عن جرموز) بالجيم الفريعي البصري قال: قلت: يا رسول الله أوصني فذكره وجرموز قال ابن السكن وابن أبي حاتم: له صحبة ونسبه ابن قانع فقال جرموز (بن أوس) بن جرير الهجيمي قال ابن حجر: ورأيت في رواية قال ابن هودة قال: حدثني جرموز فذكره فلعله سمعه عنه بواسطة ثم سمعه منه والرجل المبهم في الرواية الأولى جزم البغوي وابن السكن بأنه أبو تميمة الهجيمي. اه وقال الحافظ العراقي: لم يستحضره حيث قال في المغني فيه رجل لم يسم واقتصر على ذلك وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني من طريق عبيد الله بن هودة عن رجل عن جرموز وهي طريق رجالها ثقات وجرموز له صحبة الحديث: 2788 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 2789 - (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله والله مطلع على جميع أفعال خلقه فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها. <تنبيه> قال الراغب: حق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدا من نفسه كأنه يراه فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر ثم نفسه ثم الله تعالى ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره ومن استحى منها ولم يستح من الله فلعدم معرفته بالله ففي ضمن الحديث حث على معرفة الله تعالى (الحسن بن سفيان) في جزئه (طب هب) كلهم (عن سعيد بن يزيد بن الأزور) الأزدي قال الذهبي: روى عنه أبو الخير اليزني وزعم أن له صحبة اه. قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني فذكره قال الهيثمي: رجاله وثقوا على ضعف فيهم الحديث: 2789 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 2790 - (أوصيك بتقوى الله) بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره والتقوى أس كل فلاح ونجاح في الدارين قال الغزالي: ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى وإلا لما أوصى الله بها خواص خلقه فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها. قد جمع الله فيها كل نصح ودلالة وإرشاد وتأديب وتعليم فهي الجامعة لخيري الدارين الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات (والتكبير على كل شرف) أي محل عال من أشرف فلان إلى كذا إذا تطاول له ورماه ببصره ومنه قيل للشريف شريف لارتفاعه على من دونه وهذا قاله لمن قال له أريد سفرا فأوصني فذكره [ص: 75] فلما ولى الرجل قال: اللهم ازوي له الأرض وهون عليه السفر قال ابن القيم: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك (هـ عن أبي هريرة) وفيه أسامة بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد وجمع وأورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 2790 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 2791 - (أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شيء) إذ التقوى وإن قل لفظها جامعة لحق الحق والخلق شاملة لخير الدارين إذ هي تجنب كل منهي وفعل كل مأمور كما مر غير مرة ومن اتقى الله حفظه من أعدائه ونجاه من الشدائد ورزقه من حيث لا يحتسب وأصلح عمله وغفر زلله وتكفل له بكفلين من رحمته وجعل له نورا يمشي به بين يديه وقبله وأكرمه وأعزه ونجاه من النار إلى غير ذلك مما مر ويأتي ببراهينه (وعليك بالجهاد) أي الزمه (فإنه رهبانية الإسلام) أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل الله فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل (وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن) أي الزمهما (فإنه) يعني لزومهما (روحك) بفتح الراء راحتك (في السماء وذكرك في الأرض) بإجراء الله ألسنة الخلائق بالثناء الحسن عليك أي عند توفر الشروط والآداب ومنها أن يجمع حواسه إلى قلبه ويحضر في لبه كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذوات أحوال جوارحه حتى تأخذ كل جارحة منه قسطها منها وبذلك تنحات عنه الذنوب كما يتحات الورق عن الشجر فلم يقرأ القرآن من لم يكن ذا حاله ولم يذكر من لم يكن كذلك ذكره الحرالي وغيره (حم عن أبي سعيد) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 2791 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 2792 - (أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته) أي في باطنه وظاهره والقصد الوصية بإخلاص التقوى وتجنب الرياء فيها قال حجة الإسلام: وإذا أردنا تحديد التقوى على موضع علم السر نقول الحد الجامع تبرئة القلب عن شر لم يسبق عنك مثله بقوة العزم على تركه حتى يصير كذلك وقاية بينك وبين كل شر قال: وهنا أصل أصيل وهو أن العبادة شطران اكتساب وهو فعل الطاعات واجتناب وهو تجنب السيئات وهو التقوى وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب يصوموا نهارهم ويقوموا ليلهم واشتغل المنتبهون أولو البصائر والاجتناب إنما همتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى والبطون عن الفضول والألسنة عن اللغو والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم (وإذا أسأت فأحسن) {إن الحسنات يذهبن السيئات} (ولا تسألن أحدا) من الخلق (شيئا) من الرزق ارتقاء إلى مقام التوكل فلا تعلق قلبك بأحد من الخلق بل بوعد الله وحسن كفايته وضمانه {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} وقد قال أهل الحق: ما سأل إنسان الناس إلا لجهله بالله تعالى وضعف يقينه بل إيمانه وقلة صبره وما تعفف متعفف إلا لوفور علمه بالله وتزايد معرفته به وكثرة حيائه منه (ولا تقبض أمانة) وديعة أو نحوها مصدر أمن بالكسر أمانة فهو أمين ثم استعمل في الأعيان مجازا فقيل الوديعة أمانة ونحو ذلك والنهي للتحريم إن عجز عن حفظها وللكراهة إن قدر ولم يثق بأمان نفسه وإن وثق بأمانة نفسه فإن قدر ووثق ندب بل إن تعين وجب (ولا تقض بين اثنين) لخطر أمر القضاء وحسبك في خطره خير من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين والخطاب لأبي ذر وكان يضعف عن [ص: 76] ذلك كما صرح به في الحديث (حم عن أبي ذر) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفيه قضية اه. وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل سقط منه بعد ولا تسأل أحدا وإن سقط سوطك هكذا هو ثابت في رواية أحمد وكأنه سقط من القلم الحديث: 2792 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 2793 - (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء) يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير (ونور لك في الأرض) أي بهاء وضياء يعلو بين أهل الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص. قال الزمخشري: فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام بشكرها (وعليك بطول الصمت) أي الزم السكوت (إلا في خير) كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك (فإنه مطردة للشيطان) أي مبعدة له (عنك) يقال طردته أبعدته كما في الصحاح وغيره وهو مطرود وطريد واطرده السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد. وقال الزمخشري: طرده أبعده ونحاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد. قال ابن السكيت: طرده نفاه وقال له اذهب عنا (وعون لك على أمر دينك) أي ظهير ومساعد لك عليه (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب) أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات قال الطيبي: والضمير في أنه وفي فإنه يميت واقع موقع الإشارة أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا الغفلة (ويذهب بنور الوجه) أي بإشراقه وضيائه وبهائه قال الماوردي: واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار وقال حجة الإسلام: كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} (عليك بالجهاد (1) فإنه رهبانية أمتي) كما تقرر وجهه فيما قبله (أحب المساكين) المراد بهم ما يشمل الفقراء كما سبق في أمثاله (وجالسهم) فإن مجالستهم ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع الكبر (انظر إلى من) هو (تحتك) أي دونك في الأمور الدنيوية (ولا تنظر إلى من هو فوقك) فيها (فإنه أجدر) أي أحق وأخلق يقال هو جدير بكذا أي خليق وحقيق (أن لا تزدري نعمة الله عندك) كما سبق بتوجيهه أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه (صل قرابتك) بالإحسان إليهم (وإن قطعوك) فإن قطيعتهم ليست عذرا لك في قطيعتهم (قل الحق) أي الصدق يعني مر بالمعروف وانه عن المنكر (وإن كان مرا) أي وإن كان في قوله مرارة أي مشقة على القائل فإنه واجد أي ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع. قال الطيبي: شبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مر المذاق لكن عاقبته محممودة. قال بعض العارفين: من أمراض النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول ومواطنه ثم تقول: أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم إن بعد هذا كله [ص: 77] لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي الله من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه وتعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية ثم قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله} ثم زاد في التأكيد في قول الحق قوله (لا تخف في الله لومة لائم) أي كن صلبا في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك) أي ليمنعك عن التكلم في أعراض الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر (ولا تجد عليهم فيما يأتون) أي ولا تغضب عليهم فيما يفعلونه معك يقال وجد عليه موجدة غضب (وكفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه) أي يعرف من عيوبهم ما يجهله من نفسه (ويستحي مما هو فيه) أي ويستحي منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها وعدم إقلاعه عنها (ويؤذي جليسه) بقول أو فعل ولهذا روي أن أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فسمع إنسانا يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال: أرى الناس يذكرونني بما ليس في فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال: أنا أستحي من الله أن أوصف بما ليس في من عبادته (يا أبا ذر لا عقل كالتدبير) أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف المعيشة (2) (ولا ورع كالكف) أي كف اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق النظر عما حرمه الله (ولا حسب) أي ولا مجد ولا شرف (كحسن الخلق) بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة وناهيك بهذه الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده (عبد بن حميد في تفسيره) أي تفسيره للقرآن (طب عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي في مسند الفردوس   (1) أي بذل النفس في قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الله لهذه الأمة بمنزلة التبتل والانقطاع إلى الله تعالى عند النصارى (2) ويحتمل أن يكون المراد النظر في عواقب الأمور الحديث: 2793 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 2794 - (أوصيك يا أبا هريرة بخصال أربع لا تدعهن) أي لا تتركهن (أبدا ما بقيت) أي مدة بقائك في الدنيا فإنهن مندوبات ندبا مؤكدا (عليك بالغسل يوم الجمعة) أي الزمه وداوم عليه فلا تهمله إن أردت حضورها وإن لم تلزمك وأول وقته من صادق الفجر والأفضل تقريبه من رواحه إليها فإن عجز عن الماء تيمم بدلا عنه (والبكور إليها) من طلوع الفجر إن لم تكن معذورا ولا خطيبا وفيه رد على مالك في ذهابه إلى عدم ندب التبكير (ولا تلغ) أي لا تتكلم باللغو في حال الخطبة يقال لغا الرجل تكلم باللغو وهو اختلاط الكلام ولغا به تكلم به فالكلام حال الخطبة على الحاضرين مكروه عند الشافعية حرام عند الأئمة الثلاثة والخلاف في غير الخطيب ومن لم يستقر في محل ومن خاف وقوع محذور بمحترم وظن وقوعه به إن سكت وإلا فلا حرمة بل يجب الكلام في الأخيرة (ولا تله) [ص: 78] أي لا تشتغل عن استماعها بحديث ولا غيره فإنه مكروه عند الشافعية حرام عند غيرهم بل يحرم عند الشافعية أيضا على بعض الأربعين الذين يلزمهم كلام فوته سماع ركن (وأوصيك) أيضا بخصال ثلاث لا تدعهن أبدا ما بقيت في الدنيا عليك (بصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من أي أيام الشهر كانت فإنه مندوب مؤكد ويسن كون تلك الثلاث هي البيض وهي الثالث عشر وتالياه كما بينه في الخبر المار وهو قوله إن كنت صائما إلخ (فإنه) أي صيامها (صيام الدهر) أي بمنزلة صيامه لأن الحسنة بعشر أمثالها فاليوم بعشرة والشهر ثلاثين فذلك عدد أيام السنة (وأوصيك بالوتر) أي بصلاته ندبا مؤكدا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية ووقته بين العشاء والفجر ووقت اختياره إلى ثلث الليل إن أردت تهجدا أو لم تعتد اليقظة آخر الليل فحينئذ تصليه (قبل النوم) فإذا أردت تهجدا ووثقت بيقظتك فالأفضل تأخيره إلى آخر صلاة الليل التي يصليها بعد نومه (وأوصيك بركعتي الفجر) أي بصلاتهما والمحافظة عليهما (لا تدعهما) لا تتركهما ندبا (وإن صليت الليل كله) فإنه لا يجزئ عنهما (فإن فيهما الرغائب) أي ما يرغب فيه من عظيم الثواب جمع رغبة وهي العطاء الكثير ومن ثم كانت أفضل الرواتب مطلقا فيكره تركها بل حرمه بعض الأئمة (ع عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن داود اليماني قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 2794 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 2795 - (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) أي أهل القرن الثاني قال ابن العربي: أوصيكم بأصحابي إلخ وليس هناك أحد غيرهم يكون الموصى به غيرهم وإنما المراد ولاة أمورهم فكانت هذه وصية على العموم (ثم) بعد ذلك (يفشوا الكذب) أي ينتشر بين الناس بغير نكير (حتى يحلف الرجل) تبرعا (ولا يستحلف) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على الله (ويشهد الشاهد ولا يستشهد) أي لا يطلب منه الشهادة يجعل ذلك منصوبة لشيء يتوقعه من حطام الدنيا قال ابن العربي: وقد وجدنا وقوع ذلك في القرن الثاني لكنه قليل ثم زاد في الثالث ثم كثر في الرابع وقوله يحلف ولا يستحلف إشارة إلى قلة الثقة بمجرد الخبر لغلبة التهمة حتى يؤكد خبره باليمين وقوله يشهد ولا يستشهد أي يبديها من قبل نفسه زورا (ألا لا يخلون رجل بامرأة) أي أجنبية (إلا كان الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه والنهي للتحريم واستثنى ابن جرير كالثوري ما منه بد كخلوته بأمة زوجته التي تخدمه حال غيبتها (وعليكم بالجماعة) أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين قال ابن جرير: وإن كان الإمام في غيرهم وعلم منه أن الأمة إذا أجمعت على شيء لم يجز خلافها (وإياكم والفرقة) أي احذروا الإنفصال عنها ومفارقتهم ما أمكن يقال فرقت بين الشيئين فصلت بينهما وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضا (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة) بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وأخصبها وأحسنها وأوسعها مكانا قال في الصحاح: بحبوحة الدار بضم الباءين وسطها قال الزمخشري: ومن المجاز تبحبح في الأمر توسع فيه من بحبوحة الدار وهي وسطها وتبحبحت العرب في لغاتها اتسعت فيها [ص: 79] (فليلزم الجماعة) فإن من شذ انفرد بمذهبه عن مذاهب الأمة فقد خرج عن الحق لأن الحق لا يخرج عن جماعتها. قال الغزالي: ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بالعزلة نحو الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك لأن قوله عليكم بالجماعة إلخ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أنه يعني به في الدين والحكم إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال وليس منه من يعتزل عنهم لصلاح دينه الثاني عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا عنهم في نحو الجمع والجماعات فإن فيها جمال الإسلام وقوة الدين وغيظ الكفار والملحدين الثالث أن ذلك في زمن الفتنة للرجل الضعيف في أمر الدين (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) أي الكامل لأنه لا أحد يفعل ذلك إلا لعلمه بأن له ربا على حسناته مثيبا وسيئاته مجازيا ومن كان كذلك فهو لتوحيد الله مخلصا قال ابن جرير: وفيه تكذيب المعتزلة في إخراجهم أهل الكبائر من الإيمان فإنه سمى أهل الإساءة مؤمنين وإبطال لقول الخوارج هم كافرون وإن أقروا بالإسلام (حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما الحديث: 2795 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 2796 - (أوصيكم بالجار) أي بالإحسان إليه وكف صنوف الأذى والضرر عنه وإكرامه بسائر الممكن من وجوه الإكرام لما له من الحق المؤكد الذي ما يزال جبريل عليه السلام يؤكد فيه حتى كاد يورثه قال بعض العارفين: احفظ حق الجوار والجار وقدم الأقرب دارا وتفقدهم بما أنعم الله به عليك فإنك مسؤول وادفع عنهم الضرر وأردف عليهم الإحسان وما سمي جارا لك إلا لميلك بالإحسان له ودفع الضرر عنه وميله لك بذلك من جار إذا مال إذ الجور الميل فمن جعله من الميل إلى الباطل الذي هو الجور عرفا فهو كمن يسمي اللديغ سليما في القبض وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل بكفر أو فسق فلا يمنعك ذلك من رعاية حقه. قيل: نزل جراد بفناء شريف من العرب فخرج أهل الحي ليأكلوه فسمع أصواتهم فخرج من خبائه وقال: ما تبغون قالوا: جارك الجراد فقال: إذ سميتموه جاري لأقاتلنكم عنه فقاتلهم حتى دفع عنه لكونهم سموه جارا (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي أمامة) الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته الجذعاء في حجة الوداع يقول: أوصيكم بالجار حتى أكثر فقلنا إنه سيورثه انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من الخرائطي وهو غفلة فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن أبي أمامة المذكور قال المنذري والهيثمي وإسناده جيد الحديث: 2796 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 2797 - (أوفق الدعاء) أي أكثره موافقة للداعي (أن يقول الرجل) في دعائه وذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان رجلا أو امرأة (اللهم أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي يا رب فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي) لا رب غيرك (وإنه) أي الشأن أنه (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك السيد المالك إن غفرت فبفضلك وإن عاقبت فبعدلك وإنما كان هذا أوفق الدعاء لما فيه من الاعتراف بالظلم وارتكاب الجرم ثم الإلتجاء إليه تعالى مضطرا لا يجد لذنبه غافرا غير ربه {وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب [ص: 80] الصلاة له (عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 2797 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 2798 - (أوفوا) من الوفاء قال القاضي: وهو القيام بمقتضى العهد وكذا الإيفاء (بحلف الجاهلية (1)) أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع قال الحرالي: والإيفاء الأخذ بالوفاء والوفاء إنجاز الموعود في أمر معهود (فإن الإسلام لم يزده) أي العهد المبرم فيها (إلا شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به أما ما يخالف الشرع كالفتن والقتال فلا وفاء به (ولا تحدثوا حلفا في الإسلام) أي لا تحدثوا فيه حلفا ما فالتنكير للجنس أو إن كنتم حلفتم أن يعين بعضكم بعضا فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام يحرضكم على الوفاء به لكن لا تحدثوا مخالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم بعضا فإنه لا عبرة به ولا يناقضه أنه حالف بين المهاجرين والأنصار لأن المراد أنه آخى بينهم وبفرض أن المراد التحالف فطريق الجمع ما تقرر (حم ت) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه   (1) قال في النهاية: أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام فهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحق الحديث: 2798 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 2799 - (أوقد على النار) أي نار جهنم (ألف سنة حتى احمرت) بعدما كانت شفافة لا لون لها ولا ترى والظاهر أنه أراد بالألف فيه وفيما يأتي التكثير وأن المراد الزمن الطويل (ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة كالليل المظلم (1)) قال الطيبي: هذا قريب من قوله تعالى {يوم يحمى عليها في نار جهنم} أي يوقد الوقود فوق النار أي النار ذات طبقات توقد كل طبقة فوق أخرى اه. وقيل: ما خلق الله النار إلا من كرمه جعلها الله سوطا يسوق به المؤمنين إلى الجنة وقال بعضهم: النار أربعة نار لها نور بلا حرقة وهي نار موسى عليه الصلاة والسلام ونار لها حرقة ولا نور لها وهي نار جهنم ونار لها حرقة ونور وهي نار الدنيا ونار لا حرقة ولا نور وهي نار السحر (ت هـ عن أبي هريرة) مرفوعا وموقوفا قال الترمذي: ووقفه أصح ورواه البيهقي عن أنس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وقودها الناس والحجارة} ثم ذكره   (1) والقصد الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها الحديث: 2799 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 2800 - (أولم) أي اتخذ وليمة (ولو بشاة) مبالغة في القلة فلو تقلية لا امتناعية فلا حد لأقلها ولا لأكثرها ونقل القاضي الإجماع على أنه لا حد لقدره المجزئ والخطاب لعبد الرحمن بن عوف الذي تزوج والأمر للندب عند الجمهور وصرفه عن الوجوب خبر هل علي غيرها أي الزكاة قال: لا إلا أن تطوع وخبر ليس في المال حق سوى الزكاة ولأنها لو وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به. <تنبيه> قال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها [ص: 81] السابق تقديره أولم على كل حال ولو بشاة ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة (مالك) في الموطأ (حم ق عد) كلهم في النكاح (عن أنس) بن مالك (خ عن عبد الرحمن بن عوف) وله عدة طرق في الصحيحين والسنن الحديث: 2800 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 2801 - (أولياء الله) أي الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة (الذين إذا رؤوا ذكر الله) برؤيتهم يعني أن عليهم من الله سيما ظاهرة تذكر بذكره فإن رؤوا ذكر الخير برؤيتهم وإن حضروا حضر الذكر معهم وإن نطقوا بالذكر فهم يتقلبون فيه كيفما حلوا فمن كان بين يدي ربه وآخرته فإنما يفتتح إذا لقيك بذكره ومن كان أسير نفسه ودنياه فإنما يفتتح إذا لقيك بدنيا فكل يحدثك عما يطلع قلبه فتنبه (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أولياء الله؟ فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من الحكيم ولا أعلى وهو عجب فقد رواه البزار عن ابن عباس رواه عن شيخه علي بن حرب الرازي قال الهيثمي: لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن أبي وقاص الحديث: 2801 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 2802 - (أول الآيات) أي علامات الساعة (طلوع الشمس من مغربها) ولفظ رواية مسلم من المغرب والآيات إما أمارات دالة على قرب الساعة فأولها بعث نبينا صلى الله عليه وسلم أو أمارات متوالية دالة على وقوعها والكلام هنا فيها وجاء في خبر آخر أن أولها ظهور الدجال. قال الحليمي: وهو الظاهر فأولها الدجال فنزول عيسى عليه الصلاة والسلام فخروج يأجوج ومأجوج لأن الكفار في وقت عيسى عليه الصلاة والسلام يفتنون فمنهم من يقتل ومنهم من يسلم وتضع الحرب أوزارها فلو كانت الشمس طلعت قبل من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه الصلاة والسلام لأن طلوعها يزيل الخطاب ويرفع التكليف ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي: وهو كلام صحيح لو لم يعارض هذا الحديث الصحيح الذي في مسلم إن أول الآيات طلوع الشمس من المغرب (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه فضالة بن جبير وهو ضعيف وأنكر هذا الحديث اه. وقضية تصرف المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره بل وابن حجر إلى مسلم وأحمد وغيرهما من حديث ابن عمر باللفظ المذكور مع زيادة وخروج الدابة إلى الناس ضحى. (تتمة) أخرج عبد بن حميد في تفسيره عن ابن عمر موقوفا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة قال ابن حجر: وسنده جيد الحديث: 2802 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 2803 - (أول الأرض خرابا يسراها ثم يمناها) قال الديلمي: ويروى أسرع الأرضين. قال أبو نعيم: متفق عليه في الصحة وروى ابن عبد الحكم عن أبي هريرة كما في حسن المحاضرة وغيرها أن مصر أول الأرض خرابا ثم أرمينية على أثرها وفي مسند الفردوس عن حذيفة مرفوعا يبدو الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة وخراب البصرة من العراق وخراب مصر من جفاف النيل الحديث وفي الجفر الكبير للبسطامي خراب البصرة بالريح وخراب المدينة بالجوع وخراب بلخ بالماء والطاعون وخراب ترمذ بالطاعون وخراب مرو بالرمل وخراب اليمن بالجراد وخراب فارس بالقحط وخراب سمرقند ببني قنطوراء وخراب الشام بعدم الغيث وخراب السند بالريح وخراب سنجار بالرمل وخراب الروم ببني الأصفر وانقراض العرب بالضرب والحرب والطاعون وخراب الجبال بالصواعق والرواجف وخراب فرغانة بالزلازل والصيحة وخراب نسف بالجوع وخراب بخارى [ص: 82] بالريح والطاعون وخراب طالقان بالنار وخراب سرخس بالريح والرمل وخراب هداه بالظلام ونيسابور بالريح وهمدان بالبرد والثلج وجرجان بالترك وطبرستان بالفراعنة وأصبهان بالهرج وقسم بالجنون وبغداد بالغرق والخسف والكوفة بالحرق وواسط بريح السموم والبصرة بالأكراد والبحرين بخراب البحر وسجستان بالخسف والنار والشام بالروم وحلوان بالمسيح ومصر من انقطاع النيل ومكة من الحبش وحلب بالأتراك والقدس بالحريق (ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) بن عبد الله وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو غفلة فقد رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور عن جابر المذكور الحديث: 2803 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 2804 - (أول العبادة) بضم اللام قال أبو البقاء وهي ضمة بناء (الصمت) أي أول مقام السالكين إلى الله تعالى أن لا يشغل أحدهم لسانه بغير ذكر الله قال رجل لبعض العارفين: أوصني قال: اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف لئلا يدنسه قال: وما غلاف الدين؟ قال: ترك الكلام إلا فيما لا بد منه وترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه (هناد) بن السري التميمي الدارمي الحافظ الزاهد كان يقال له راهب الكوفة لتعبده (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 2804 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 2805 - (أول الناس هلاكا قريش) أي القبيلة بأسرها بنحو قتل أو فناء (وأول قريش هلاكا أهل بيتي) فهلاكهم من أشراط الساعة وأمارتها الدالة على قرب قيامها (طب) وكذا أبو يعلى (عن عمرو بن العاص) وفيه ابن لهيعة ومقسم مولى ابن عباس أورده البخاري في كتاب الضعفاء الكبير وضعفه ابن حزم وغيره الحديث: 2805 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 2806 - (أول الناس فناء) بالمد موتا وانقراضا (قريش وأول قريش فناء بنو هاشم) أي والمطلب كما يدل عليه ما قبله أي فيكون انقراضهم من علامات الساعة وأشراطها ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كما يأتي (حم ع عن ابن عمرو) بن العاص وفيه ابن لهيعة الحديث: 2806 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 2807 - (أول الوقت) أي إيقاع الصلاة أول وقتها (رضوان الله) بكسر الراء وضمها بمعنى الرضا وهو خلاف السخط (وآخر الوقت عفو الله) قال الصديق ثم الشافعي: رضوانه أحب إلينا من عفوه وفيه دليل للشافعية على ندب تعجيل الصبح وعدم ندب الإسفار الذي قال به الحنفية وفيه أيضا تعجيل العشاء أول الوقت لخوف الفوت فإن قيل: قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وتأخير العشاء قلنا: محمول على فضيلة صلاة الليل أو على انتظاره الخبر من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة والوقت الزمان المفروض للعمل ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو وقت كذا {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (قط عن جرير) سكت المؤلف عليه فلم يشر إليه بعلامة الضعف وكأنه ذهل عن قول الذهبي في التنقيح في سنده كذاب انتهى وعن قول ابن عبد الهادي عن معين فيه الحسين بن حميد كذاب ابن كذاب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح وقال ابن حجر في سنده من لا يعرف وقال في الباب ابن عمر وابن عباس وعلي وأنس وأبو محذورة وأبو هريرة فحديث ابن عمر رواه الترمذي والدارقطني وفيه يعقوب بن الوليد المدني كان من كبار الكذابين وحديث ابن عباس رواه البيهقي في الخلافيات وفيه نافع أبو هرمز متروك وحديث علي رواه البيهقي عن أهل البيت وقال أظن سنده أصح ما في الباب قال أعني ابن حجر: [ص: 83] ومع ذلك هو معلول ولهذا قال الحاكم لا أحفظ الحديث من وجه يصح وحديث أنس خرجه ابن عدي والبيهقي وقد تفرد به بقية عن مجهول مثله وحديث أبي محذورة رواه الدارقطني وفيه إبراهيم بن زكريا متهم وحديث أبي هريرة ذكره البيهقي وقال هو معلول انتهى الحديث: 2807 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 2808 - (أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله) أي تفضله وإحسانه (وآخر الوقت عفو الله) أي مغفرته ومحوه لذنب من قصر وأخر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث كاد يخرج بعضها عنه وقد أفاد هذا الحديث وما قبله طلب تعجيل الصلاة أول وقتها وحرمة إخراج بعضها عن الوقت (قط عن أبي محذورة) الجمحي المؤذن صحابي مشهور اسمه أوس أو سمرة أو سلمة أو سليمان وأبوه معين بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتية أو عمير الحديث: 2808 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 2809 - (أول بقعة) بضم الباء على الأشهر الأكثر فتجمع على بقع كغرفة وغرف وتفتح فتجمع على بقاع ككلبة وكلاب وهي القطعة من الأرض (وضعت من الأرض) أي من هذه الأرض التي نحن عليها (موضع البيت) الحرام أي الكعبة فله سر الأولية في المعابد كما قال تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا} وفي رواية لمسلم أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ثم الأقصى. قال الطيبي: لفظ الحديث موافق للفظ الآية والوضع غير والبناء غير ومعنى وضع الله جعله متعبدا قال الإمام الرازي: دلالة الآية على الأولية في الفضل والشرف أمر لا بد منه لأن المقصود الأولى من ذكر الأولية بيان الفضيلة ترجيحا له على بيت المقدس ولا تأثير لأوليته في البناء في هذا القصد (ثم مدت) بالبناء للمجهول أي بسطت (منها الأرض) من سائر جوانبها فهي وسط الأرض وقطبها (وإن أول جبل وضعه الله على ظهر الأرض أبو قبيس) بمكة وهو معروف (ثم مدت منه الجبال) واختلف في أول من بنى البيت قيل آدم وقيل شيث وقيل الملائكة قبل آدم ثم رفع في الطوفان فكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحجونه ولا يعلمون محله حتى بواه الله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فبناه. <تنبيه> في الروض الأنف: أول من بنى المسجد الحرام في الإسلام عمر وذلك أن الناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال: إنها بيت الله ولا بد للبيت من فناء وأنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم فاشترى الدور وهدمها وبنى المسجد المحيط بها ثم وسعه عثمان وزاد ابن الزبير في إتقانه لا في سعته (هب عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي قال في الميزان: عن العقيلي فيه جهالة وحديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر وفيه أيضا من لا يعرف الحديث: 2809 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 2810 - (أول تحفة المؤمن) أي الكامل الإيمان والتحفة كرطبة ويجوز الضم والسكون وفي القاموس بالضم وكهمزة فظاهره أنها ما أتحفت به غيرك من البر واللطف كما في الصحاح وغيره (أن يغفر) بالبناء للمفعول أي يغفر الله لمن صلى عليه صلاة الجنازة إكراما له وفي رواية لمن خرج في جنازته إذ من شأن الملك إذا قدم عليه بعض خدمه بعد طول غيبته أن يتلقاه ببشرى وكرامة وأن يخلع عليه ويجيزه بجائزة سنية فإذا قدم العبد على سيده أتحفه بما لا عين [ص: 84] رأت ولا أذن سمعت وأولها المغفرة للمصلين والحاملين لأنهم شيعوه إعظاما إلى بابه واهتموا بشأنه متقربين بذلك إلى مولاه فجعل المغفرة لهم تحفة له لان حامل الهدية وموصلها لا بد له من جائزة وإذا كان لو أهدي لبعض ملوك الدنيا هدية لم يرض في حقه بانصراف من أحضرها إليه خائبا وقد عد ذلك ازدراءا بالهدية فما بالك بأكرم الأكرمين (الحكيم) الترمذي (عن أنس) من حديث معبد بن مسرور العبدي عن الحكم بن سنان بن عون عن النميري والحكم بن سنان قال الذهبي: ضعفوه وزياد النميري أورده في الضعفاء وقال صالح: الحديث ابتلي برواة ضعفاء ورواه الخطيب عن جابر والديلمي عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع وعده ابن الجوزي من الموضوعات الحديث: 2810 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 2811 - (أول جيش من أمتي يركبون البحر) للغزو (قد أوجبوا) أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة بذلك والبحر معروف وحقيقته الماء الكثير المجتمع في فسحة سمي به لعمقه واتساعه ويطلق على الملح والعذب والمراد هنا الملح ومعنى ركوبه الاستعلاء على ظهره كما تركب الدابة وهو مجاز إذ الركوب إنما هو على السفن حقيقة فيه فحذف ذلك اتساعا لدلالة الحال عليه (وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر) ملك الروم يعني القسطنطينية أو المراد مدينته التي كان بها يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك (مغفور لهم) لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفورا له لكونه منهم إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك لخروجه بدليل خاص ويلزم من الجمود على العموم أن من ارتد ممن غزاها مغفور له وقد أطلق جمع محققون حل لعن يزيد به حتى قال التفتازاني: الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحادا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. قال الزين العراقي: وقوله بل في إيمانه أي بل لا يتوقف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده. <فائدة> قال البسطامي في كتاب الجفر: القسطنطينية مدينة بناها قسطنطين الملك وهو أول من أظهر دين النصرانية ودونه وهي مدينة مثلثة الشكل منها جانبان في البحر وجانب في البر ولها سبعة أسوار وسمك سورها الكبير أحد وعشرون ذراعا وفيه مئة باب وبابها الكبير يسمى باب الذهب وهو باب مموه بالذهب وفيها منارة من نحاس قد قلبت قطعة واحدة وليس لها باب وفيها منارة قريبة من مارستانها قد ألبست كلها بالنحاس وعليها قبر قسطنطين وهو راكب على فرس وقوائمه محكمة بالرصاص ما عدا يده اليمين فإنها مطلقة في الهواء كأنه سائر وقسطنطين على ظهره ويده موقوفة في الجو وقد فتح كفه يشير نحو بلاد الشام ويده اليسرى فيها كسرة مكتوب عليها ملكت الدنيا حتى بقيت في كفي مثل هذه الكسرة وخرجت منها كما ترى (خ عن أم حرام) بحاء وراء مهملتين (بنت ملحان) بن خالد بن يزيد ابن حرام الأنصارية النجارية خالة أنس وزوجة عبادة بن الصامت يقال لها العميصاء والرميصاء لها مناقب وكان أهل الشام يستسقون بها الحديث: 2811 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 2812 - (أول خصمين يوم القيامة جاران) لم يحسن أحدهما جوار صاحبه ولم يف له بحقه ومقصود الحديث الحث على كف الأذى عن الجار وإن جار وأنه تعالى يهتم بشأنه وينتقم للجار المظلوم من الظالم ويفصل القضاء بينهما وإلا فمن شعائر الإيمان الكف عن أذى الجيران وعدم منازعتهم ومعارضتهم فيما يصدر منهم وعنهم من الأضرار وسوء [ص: 85] العشرة والجوار ويجب أن تعلم أن ذلك ليس إلا بتسليط الله إياهم عليك لما تستوجبه أفعالك الذميمة وما يعفو الله أكثر فالحذر من المنازعة الحذر قال العارف ابن عربي: يا أيها المجادل كم ذا تتعنى ما ذاك إلا لخوفك من العدد وهذا لا يبطل حقيقة الواحد الأحد ولو علمت أن العدد هو الأحد ما شرعت في منازعة أحد (طب) وكذا أحمد (عن عقبة بن عامر) قال العراقي: سنده ضعيف وقال المنذري رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما جيد وقال الهيثمي: أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير أبي نسافة وهو ثقة وأعاده بمحل آخر وقال: إسناده حسن الحديث: 2812 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 2813 - (أول زمرة) بضم الزاي طائفة أو جماعة والزمر الأفواج المتفرقة بعضها إثر بعض (تدخل الجنة على صورة القمر) أي على صورة مثل صورة القمر (ليلة البدر) ليلة تمامه وكماله في الحسن والإضاءة (والثانية) أي التي تدخل عقبهم تكون (على لون أحسن كوكب دري) بضم الدال وكسرها وراء وياء مشددتين أي مضيء متلألئ كالزهرة في صفائها وزهرتها منسوب إلى الدر أو فعيل من الدرء بالهمزة فإنه يدفع الظلام بضوئه (في السماء) قال المحقق أبو زرعة: ورد في هذا المعنى ما يقتضي ما هو أبلغ من صورة القمر فروى الترمذي مرفوعا لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدت أساوره لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وقد يقال إنهم يكونون على صورة القمر عند دخولهم الجنة ثم يزداد إشراق نورهم فيها بدليل قوله لو أن رجلا إلخ أو يقال المذكور هنا إشراق وجوههم من غير حلي والمذكور ثم إشراق حليهم بدليل قوله فبدت أساوره فالزيادة للحلي لا للوجود (لكل رجل منهم زوجتان) في رواية اثنتان لتأكيد التكثير. قال الطيبي: ثناه للتكثير نحو {ارجع البصر كرتين} لا للتحديد لخبر أدنى أهل الجنة الذي له ثنتان وسبعون زوجة فاعترض بأن تأكيد المثنى باثنتين ورجع ضمير التثنية إليه يدل على أن القصد معنى الإثنينية فلا يبعد أن يكون لكل زوجتان موصوفتين أن (على كل زوجة) منهما (سبعون حلة) يعني حلل كثيرة جدا فالعدد للتكثير لا للتحديد كنظائره بحيث (يبدو مخ ساقها من ورائها) زاد الطبراني كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء وهو كناية عن غاية لطافتهما ويكون له سبعون لسن بهذا الوصف ثم إن هذا اللفظ محتمل لكونهما من نساء الدنيا أو الحور ويؤيد الأول خبر أبي يعلى فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما وبعده فلا تعارض بين ذا وخبر أقل ساكني الجنة النساء لأنهن في الجنة باعتبار الحور وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار كما شهدت به الأخبار (حم ت) وكذا الطبراني في الأوسط (عن أبي سعيد) الخدري وكذا ابن مسعود قال الترمذي: حسن صحيح قال الهيثمي: إسناد ابن مسعود صحيح وفي إسناد أبي سعيد عطية والأكثر على ضعفه ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على مثل القمر ليلة البدر والثانية على مثل أضوأ كوكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء الثياب وما في الجنة عزب اه ثم رأيته كذلك في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام وفي مسلم في صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه وليس في حديث الترمذي الذي آثره المصنف إلا زيادة عدد الحلل وفي رواية البخاري زيادة نفي وجود الأعزب فيها الحديث: 2813 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 [ص: 86] 2814 - (أول سابق إلى الجنة) أي إلى دخولها (عبد) يعني قن ذكرا كان أو أنثى أو خنثى (أطاع الله) بأن امتثل أوامره وتجنب نواهيه (وأطاع مواليه) أو قال سيده شك راويه أبو صيفي وذلك لأن له أجرين كما مر في عدة أخبار فاستحق بذلك السبق إلى دار القرار والمراد أنه أول سابق بعد من مر أنه أول داخل <تنبيه> قال الرضي: مذهب البصريين أن أول أفعل ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال جمهورهم على أنه من تركيب دول كددن ولم يستعمل هذا التركيب إلا في أول ومتصرفاتها (طس خط عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه بشر بن ميمون أبو صيفي وهو متروك وقال غيره وفيه بشر بن ميمون أبو صيفي قال في الميزان: عن البخاري يتهم بالوضع وعن الدارقطني متروك الحديث وعن ابن معين أجمعوا على طرح حديثه ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر الحديث: 2814 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 2815 - (أول شهر رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار) أي في أوله يصب الله الرحمة على الصائمين صبا ويسح عليهم البركة سحا وفي وسطه يغفر الله لصوامه وفي آخره يعني في آخر ليلة منه كما ورد في خبر يعتق جمعا حافلا عظيما من النار كانوا قد استوجبوها وهذا تنبيه عظيم بفضل صوامه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في كتاب فضائل رمضان (خط وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 2815 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 2816 - (أول شيء يحشر الناس نار تحشرهم) من المشرق إلى المغرب أي تخرج من جهة المشرق فتسوقهم إلى جهة المغرب فذلك أول الحشر والحشر الجمع مع سوق وفي وراية أول أشراط الساعة نار تحشر الناس إلخ قال القاضي: لعله لم يرد به أول الأشراط مطلقا بل الأشراط المتصلة بالساعة الدالة على أنها تقوم عما قريب أو أراد بالنار نار الحرب والفتن كفتنة الترك فإنها سارت من المشرق إلى المغرب (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما أبعد النجعة بالعزو للطيالسي وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري ومسلم وكذا أحمد ولفظهم أول من يحشر الناس نار تجيء من قبل المشرق فتحشر الناس إلى المغرب الحديث: 2816 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 2817 - (أول شيء) أي أول مأكول (يأكله أهل الجنة) في الجنة إذا دخلوها (زيادة كبد الحوت) (1) وهي القطعة المنفردة عن الكبد المتعلقة به وهي أطيب الكبد وألذه وفي رواية من زائدة كبد الثور أي ثور الجنة وحكمة خصوصية أكلهم منهما أنهما أساس الدنيا لأنها مركبة على متن ثور والثور على ظهر حوت والحوت في الماء ولا يعلم ما تحت الماء إلا الذي خلقه فالأكل منهما إشارة إلى خراب الدنيا وبشارة بفساد أساسها وأمن العود إليها وخص الأكل بالزائدة لما بينه الأطباء أن العلة إذا وقعت في الكبد دون الزائدة رجى برؤه وإن وقعت في الزائدة هلك العليل لا محالة فأكلهم من الزائدة أدخل في البشرى أفاده ابن جماعة ثم هذه الأولية لا تدافع بينها وبين خبر إذا سكن [ص: 87] أحدكم الجنة أتاكم ملك فيقول إن الله يأمركم أن تزوروه إلى أن قال ثم توضع مائدة الخلد الحديث ما ذاك إلا لأنه لا مانع من أن زيادة الكبد توضع قبل تلك المائدة وأن هذا جار على المألوف في الدنيا من أنه بمجرد الذبح يعجل بالكبد فتشوى فيأكلها الحاضرون حتى ينضج الطعام بعد (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير المكثرين الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن بهرام وهو ثقة بل رواه سلطان الفن البخاري بلفظ أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت يأكل منه سبعون ألفا انتهى فعدول المصنف للطيالسي واقتصاره عليه تقصير عجيب   (1) وحكمة اختصاصها بأولية الأكل أنها أبرد شيء في الحوت فبأكلها تزول الحرارة الحاصلة لهم في الموقف الحديث: 2817 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 2818 - (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة) أي المفروضة وهي الخمس لأنها أول ما فرض عليه بعد الإيمان وهي علم الإيمان وراية الإسلام (فإن صلحت) بأن كان قد صلاها متوفرة الشروط والأركان وشملها القبول (صلح له سائر عمله) يعني سومح له في جميع أعماله ولم يضايق في شيء منها في جنب ما واظب من إدامة الصلاة التي هي علم الدين (وإن فسدت) أن لم تكن كذلك (فسد سائر عمله) (1) أي ضويق فيه واستقصى فحكم بفساده وأخذ منه الأئمة أن حكمة مشروعية الرواتب قبل الفرائض وبعدها تكميلها بها إن عرض نقص قال الطيبي: الصلاح كون الشيء على حالة استقامته وكماله والفساد ضد ذلك وذلك لأن الصلاة بمنزلة القلب من الإنسان فإذا صلحت صلحت الأعمال كلها وإذا فسدت فسدت (طس والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي: فيه القاسم بن عثمان قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها وقال ابن حبان: هو ثقة وربما أخطأ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف عندهم وهو ذهول فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مع تغيير يسير ولفظه يعني الترمذي إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر انتهى. فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على مثل ذلك   (1) وهذا مخرج مخرج الزجر والتحذير من التفريط فيها واعلم أن من أهم أو أهم ما يتعين رعايته في الصلاة الخشوع فإنه روحها ولهذا عده الغزالي شرطا وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه وما كان كذلك فحق العبد أن يكون خاشعا فيه لصولة الربوبية على العبودية الحديث: 2818 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 2819 - (أول ما يرفع من الناس) (1) في رواية من هذه الأمة (الأمانة) قال ابن العربي: وهي أي هنا معنى يحصل في القلب فيأمن به المرء من الردى في الآخرة والدنيا وأصله الإيمان (وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة) كلما ضعف الإيمان بحب الدنيا ونقص نوره بالمعاصي والشهوات وذهبت هيبة سلطانه من القلوب اضمحلت الأمانة وإذا ضعفت الأمانة وخانت الرعية فيها فأخرت الصلاة عن أوقاتها وقصر في إكمالها أدى ذلك إلى ارتفاع أصلها (ورب مصل) آت بصورة الصلاة (لا خلاق له عند الله) أي لا نصيب له عنده [ص: 88] من قبولها والإثابة عليها وفي رواية ورب مصل لا خير فيه أي لكونه غافلا لاهي القلب وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل كما في حديث آخر وقد قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} فظاهر الأمر الوجوب والغفلة ضده فمن غفل في جميع صلاته لا يكون مقيما للصلاة لذكره تعالى فلا خلاق له عنده فافهم وقد روى ابن المبارك في الزهد عن عمار بن ياسر يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه (الحكيم) الترمذي (عن زيد بن ثابت) قال في اللسان عن العقيلي: حديث فيه نكارة ولا يروى من وجه يثبت وقال الأسدي: سلام بن واقد أي أحد رواته منكر الحديث انتهى وقضية تصرف المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد المشاهير الذين رمز لهم والأمر بخلافه فقد خرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عمر وغيره وخرجه الطبراني في الصغير من حديث عمر   (1) والأولية نسبية إذ رفع القرآن يسبقها الحديث: 2819 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 2820 - (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة) وتمامه عند مخرجه الطبراني في روايته عن أنس ولا دين لمن لا أمانة له ولا أمانة لمن لا عهد له وحسن العهد من الإيمان انتهى وفي رواية أول شيء يفقد من أمتي الأمانة من دينهم قال ابن العربي: وصفة رفع الأمانة وفقدها أن ينام الإنسان فتقبض من قلبه والمعنى فيه أن المرء في النوم متوفي ثم مرجوع إليه روحه فإذا قبضت على صفة من الأمانة ردت إليه بدونها وتحقيقه أن الأعمال لا يزال يضعفها نسيانها حتى إذا تناهى الضعف ذهبت بالنوم عن النفس فإذا ردت عليه ردت دونها فلا يبقى لها أثر وما عنده من الإيمان وأصل الإعتقاد الضعيف في ظاهر القلب ثم ينام فلا ترجع إليه إلا بعد نزع باقي الأمانة بقوة فلا يبقى شيء (طب عن شداد بن أوس) قال الهيثمي: فيه المهلب بن العلاء لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات الحديث: 2820 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 2821 - (أول ما يرفع من الناس الخشوع) أي خشوع الإيمان الذي هو روح العبادة وهو الخوف أو السكون أو معنى يقوم في النفس يظهر عنه سكون الأطراف يلائم مقصوده العبادة قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وخرج بخشوع الإيمان خشوع النفاق والفرق بينهما أن الأول خشوع القلب لله بالإجلال والوقار والمهابة والحياء والثاني يبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع (طب عن شداد بن أوس) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه أحمد الحديث: 2821 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 2822 - (أول شيء يرفع من هذه الأمة) المحمدية (الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا) خشوع إيمان بل خشوع تماوت ونفاق فيصير الواحد منهم ساكن الجوارح تصنعا ورياء ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يتخشع في الظاهر وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة وقال الراغب: قال رجل للحسن البصري: أمؤمن أنت قال: إن كنت تريد قول الله تعالى {آمنا بالله وما أنزل إلينا} فنعم به نتناكح ونتوارث وإن أردت قوله {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} فلا أدري (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: سنده حسن انتهى وظاهر اقتصار المصنف على عزوه للطبراني أنه لا يوجد مخرجا لأحد أعلى ولا أولى بالعزو وهو قصور فقد خرجه الإمام أحمد في المسند من حديث عوف بن مالك ولفظه أول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا يكاد يرى خاشعا وليكونن أقوام يتخشعون وهم ذئاب ضواري انتهى بحروفه الحديث: 2822 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 2823 - (أول) في رواية أثقل (ما يوضع في الميزان) من أعمال البر (الخلق الحسن) لجمعه جميع الخيرات وبه ينشرح الصدر [ص: 89] للعبادات وتسخو النفس في الدنيا في المعاملات ذكر الغزالي له تتمة وهي السخاء قال الجنيد: أربع ترفع العبد إلى أعلا الدرجات وإن قل علمه الحلم والتواضع والسخاء وحسن الخلق. قال الغزالي: وحسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل بكمال الحكم والى اعتدال قوة الغضب والشهوة وهذا الاعتدال يحصل على وجهين أحدهما بجود إلهي وكمال نظري بحيث يخلق الإنسان كامل العقل حسن الخلق قد كفي سلطان الغضب والشهوة فيصير بغير معلم عالما وبغير مؤدب متأدبا والثاني اكتسابه بالمجاهدة والرياضة (طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والقضاعي والديلمي (عن أم الدرداء) خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي نزلت الشام وماتت في إمرة عثمان ومن العجب قول الحافظ الزين العراقي في المغني لم أقف لحديث أول ما يوضع إلخ على أصل الحديث: 2823 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 2824 - (أول ما يوضع في الميزان نفقة الرجل على أهله) أي على من تلزمه مؤونته من نحو زوجة ووالد وولد وخادم وغيرها والأولية في هذا الخبر وما قبله على معنى من. خص الرجل لأنه الذي تلزمه النفقة غالبا لا لإخراج غيره فأول ما يوضع في ميزان الأنثى والخنثى نفقتهما على من تلزمهما نفقته من أصل وفرع وخادم ونحوها (طس عن جابر) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال المنذري: حديث ضعيف وقال غيره: فيه عبد الحميد بن الحسن الهلالي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة والدارقطني الحديث: 2824 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 2825 - (أول) بالرفع مبتدأ (ما يقضى) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة مبنيا للمفعول في محل الصفة وما نكرة موصوفة والعائد الضمير في يقضى أي أول قضاء يقضى (بين الناس يوم القيامة في الدماء) وفي رواية بالدماء أي أول ما يحكم الله تعالى بين الناس يوم القيامة في متعلقات الدماء أو أول القضايا القضاء في الدماء أو أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء وذلك لعظم مفسدة سفكها ولا يناقضه خبر أول ما يحاسب به العبد الصلاة لأن ذلك في حق الحق وذا في حق الخلق أي أن أول بمعنى من أول أو أول ما يحاسب به من الفرائض البدنية الصلاة ثم أول ما يحكم فيه من المظالم الدماء قال الحافظ العراقي: وظاهر الأخبار أن الذي يقع أولا المحاسبة على حق الله تعالى وفي حديث الصور الطويل أول ما يقضى بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول: يا رب سل هذا لم قتلني (حم ق ن هـ عن ابن مسعود) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الأربعة وليس كذلك بل رواه الكل إلا أبا داود والبخاري والترمذي وابن ماجه في الديات ومسلم في الحدود والنسائي في المحارم الحديث: 2825 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 2826 - (أول ما يحاسب به العبد) أي الإنسان حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى (الصلاة) لأنها أم العبادات وأول الواجبات بعد الإيمان (وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) لأنها أكبر الكبائر بعد الشرك والبداءة بها تدل على أهميتها وعظم مفسدة القتل فإنه هدم البنية الإنسانية التي بنتها القدرة الإلهية فليس بعد الكفر ذنب أعظم من القتل وما في هذا الحديث موصولة وهو موصول حرفي ويتعلق الجار بمحذوف أي أول القضاء يوم القيامة القضاء في ذلك وقد استدل بهذا الخبر وما قبله على أن القضاء يختص بالناس ولا دخل للبهائم فيه وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم بعد القضاء بين الناس (ن عن ابن مسعود) عبد الله الحديث: 2826 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 2827 - (أول ما يرفع من هذه الأمة) الإسلامية (الحياء والأمانة) تمامه كما في الفردوس فسلوهما الله عز وجل [ص: 90] الحياء خير كله فبزواله يحل الشر كله وبزوال الأمانة تحل الخيانة ثم يحتمل أن المراد الأمانة المتعارفة التي هي ضد الخيانة أو الصلاة (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو يعلى وأبو الشيخ [ابن حبان] (عن أبي هريرة) وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار وهو متروك فقول العامري حسن غير حسن الحديث: 2827 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 2828 - (أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان) أي الأصنام (شرب الخمر) قال القضاعي: وذلك من أول ما بعث من قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة فلم يبح له قط وقوله بعد عبادة الأوثان لا يقتضي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم عبدها حاشاه حاشاه من ذلك إذ الأنبياء معصومون (وملاحاة الرجال) أي مقاولتهم ومخاصمتهم ومنازعتهم ومناظرتهم بقصد الاستعلاء فتلك الملاحاة هي السم الناقع ولم يكن السلف يتناظرون على ذلك بل لقصد تحقيق الحق لوجه الله تعالى قال الشافعي: ما ناظرت أحدا وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه وعن علي: إياكم وملاحاة الرجال فإنهم لا يخلون من عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل لكم بما ليس فيكم واعلموا أن الكلام ذكر والجواب أنثى فإذا اجتمعا فلا بد من إنتاج. <تنبيه> من ألفاظهم البديعة البليغة من زرع الإحن حصد المحن (طب) وكذا البزار (عن أبي الدرداء وعن معاذ بن جبل) قال الهيثمي: فيه عمرو بن واقد وهو متروك رمي بالكذب وقال الذهبي في المهذب: فيه إسماعيل بن رافع واه وأورده في الميزان في ترجمة عمرو بن واقد من حديثه وقال البخاري: منكر الحديث وعن النسائي ومروان كان يكذب الحديث: 2828 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 2829 - (أول ما يهراق) أي يصب (من دم الشهيد) شهيد الدنيا والآخرة وهو من قائل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ومات في المعركة بسبب القتال (يغفر) الله (له ذنبه كله إلا الدين) بفتح الدال وفي رواية للطبراني أيضا أول قطرة تقطر من دم الشهيد يكفر بها ذنوبه والثانية يكسى من حلل الإيمان والثالثة يزوج من الحور العين انتهى. وفي هذا السياق دلالة على أن الكلام في دم القتل أو ما أدى إليه لا في دم جراحة لم يمت منها كما هو مبين وظاهر أن المراد بالدين دين الآدمي لا دين الله تعالى (طب ك عن سهل بن حنيف) بضم المهملة وفتح النون وسكون التحتية ابن واهب الأنصاري بدري جليل وفيه عند الحاكم عبد الرحمن بن سعد المدني قال الذهبي: له مناكير وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح الحديث: 2829 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 2830 - (أول من أشفع له) عند الله تعالى (يوم القيامة من أمتي) أمة الإجابة (أهل بيتي) مؤمنو بني هاشم والمطلب وأصحاب الكساء (ثم الأقرب) ثم بعدهم أشفع للأقرب (فالأقرب) إلى (من قريش) القبيلة المشهورة (ثم الأنصار) الأوس والخزرج (ثم من آمن بي واتبعني من اليمن) أي من أقطار اليمن وجهاته (ثم من سائر العرب) على اختلاف طبقاتهم وشعوبهم وقبائلهم (ثم) من آمن بي من (الأعاجم) جمع عجمي والمراد بهم هنا ما عدا العرب (ومن أشفع له أولا) [ص: 91] وهم أهل البيت (أفضل) ممن بعدهم أي ثم من بعدهم أفضل وهكذا ولا يعارضه خبر أول من أشفع له من أمتي أهل المدينة إلخ لأن الأول في الآحاد والجماعة والثاني في أهل البلد كله فيحتمل أن المراد البداءة في قريش بأهل المدينة ثم مكة ثم الطائف وكذا الأنصار ومن بعدهم ويحتمل أن المراد أنه يبدأ من أهل المدينة بقريش ثم الأنصار ثم من بعدهم من أهل مكة كذلك على هذا الترتيب ومن أهل الطائف بذلك كذلك (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم ورواه الدارقطني في الأفراد عن أبي الربيع الزهراني عن حفص بن داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال الدارقطني: تفرد به حفص عن ليث انتهى. وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال ليث ضعيف وحفص كذاب وهو المتهم به انتهى وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات وأخرجه أيضا أبو الطاهر المخلص في السادس من حديثه الحديث: 2830 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 2831 - (أول من أشفع له من أمتي) أمة الإجابة (أهل المدينة) النبوية (وأهل مكة وأهل الطائف) قد تقرر وجه الجمع بينه وبين ما قبله فلا تغفل (طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن جعفر) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم الحديث: 2831 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 2832 - (أول من يلحقني من أهلي) أي أول من يدرك ويصير معي بعد انتقالي من هذه الدار إلى ديار الأفراح والأخيار (أنت يا فاطمة) الزهراء خاطبها بذلك في مرضه الذي مات فيه وذلك أنها دخلت عليه فرحب بها وقبلها وأسر إليها أنه ميت فبكت فأسر إليها أنها أول أهله لحوقا به فضحكت (وأول من يلحقني من أزواجي زينب) مشتق من الزنب وهو الحسن كذا في المطامح عن شيخه البرجيني (وهي أطولكن كفا) كذا هو في خط المصنف وفي رواية يدا ولم يرد الطول الحسي بل المعنوي وهو كثرة الصدقة يقال: ما طالت يده لصرف كذا إذا لم يكن معه مال وفلان يده طولى يستعمله في الجاه والمال وأنه لذو طول في ماله وقدرته وهو ذو طول علي ومنة وقد تطول علي بذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن واثلة) بن الأسقع الحديث: 2832 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 2833 - (أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر) أي لا أقوله فخرا (ثم تنشق عن أبي بكر وعمر) رضي الله عنهما (ثم تنشق عن الحرمين) أي عن أهل الحرمين (مكة والمدينة) إكراما لهم وإظهارا لمزيتهم على غيرهم (ثم أبعث بينهما) أي أنشر وأذهب بين الحرمين لأجمع إلى الفريقين وقد سبق توضيحه قال في الصحاح وغيره: بعث الموتى نشرهم من قبورهم وقال الزمخشري: بعث الشيء أثاره ويوم البعث يوم يبعثنا الله من القبور (ك) في معرفة الصحابة من حديث عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: عاصم هو أخو عبيد الله ضعفوه الحديث: 2833 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 2834 - (أول من يشفع يوم القيامة) عند الله تعالى (الأنبياء) الفائزون بالإحاطة بالعلم والعمل المجاوزون حد الكمال إلى [ص: 92] درجة التكميل (ثم العلماء) الذين يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهو العلماء الراسخون في العلم العاملون به الذين هم شهداء الله في أرضه (ثم الشهداء) الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله ذكره كله القاضي قال القرطبي: فأعظم بمرتبة هي بين النبوة والشهادة (الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وموحدة تحتية نسبة إلى موهب بطن من المعاقر في كتاب (فضل) العلماء (والعلم) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (خط) كلهم (عن عثمان) بن عفان وفيه عنبسة بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: متروك متهم عن علاق بن أبي مسلم قال أعني الذهبي وهاه الأزدي عن أبان بن عثمان قال: متكلم فيه الحديث: 2834 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 2835 - (أول من يدعى إلى الجنة) زاد في رواية يوم القيامة (الحمادون) صيغة مبالغة أي (الذين يحمدون الله) تعالى كثيرا (على) في رواية في (السراء) سعة العيش والسرور (والضراء) الأمراض والمصائب فهم راضون من الله تعالى في كل حال ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر وقيل له: ما تشتهي؟ قال: ما يقضي الله تعالى وقال الفضيل: إن لم تصلح على تقدير الله وتحمده لم تصلح على تقدير نفسك ونظر رجل إلى قرحة في رجل ابن واسع فقال: إني لأرحمك قال: إني لأحمد الله عليها منذ خرجت إذ لم تخرج في عيني (طب) وكذا في الأوسط والصغير (ك) في كتاب الدعاء (هب) وكذا أبو نعيم كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للطبراني وأبو نعيم والبيهقي فيه قيس بن الرفيع ضعفه الجمهور وقال الهيثمي: في أحد أسانيد الطبراني قيس بن الربيع وثقه شعبة وضعفه القطان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 2835 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 2836 - (أول من يكسى) يوم القيامة (من الخلائق) على اختلاف أنواعها وطبقاتها وتباين أممها ولغاتها بعد ما يحشر الناس كلهم عراة أو الغالب أو بعد خروجهم من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكسى من ثياب الجنة (إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام لأنه جرد في ذات الله حين ألقي في النار أو لأنه لم يكن أخوف لله منه فتعجل كسوته إيناسا له ليطمئن قلبه أو لأنه أول من استن السراويل مبالغة في الستر وحفظا لفرجه فلما اتخذ هذا النوع الذي هو أستر للعورة من جميع الملابس جوزي بأنه أول من يكسى ثم يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم حلة أعظم من كسوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لينجبر التأخير بنفاسة الكسوة فيكون كأنه كسي معه فلا تعارض بينه وبين الخبر المار أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى (1) (البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس   (1) هذا التعليل فيه نظر فإن أول من يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم بدليل نص الحديث أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى اه الحديث: 2836 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 2837 - (أول من فتق لسانه) ببناء فتق للمفعول وللفاعل أي الله (بالعربية) أي باللغة العربية وهي كما في المصباح كغيره ما نطق به العرب (المبينة) أي الموضحة الصريحة الخالصة (إسماعيل) ابن إبراهيم الخليل قال الزمخشري: ويسمى أبو الفصاحة قال في الروض الأنف: وهو نبي مرسل إلى جرهم والعماليق الذين كانوا بأرض الحجاز فآمن بعض وكفر بعض (وهو ابن أربع عشرة سنة) قال الديلمي: أصل الفتق الشق أي أنطق الله لسان إسماعيل حتى تكلم بها وكان أول من [ص: 93] نطق بها كذلك وقال في المصباح: يقال العرب العاربة هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان وهو اللسان القديم والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن إبراهيم وهي لغة الحجاز وما والاها انتهى. قال ابن حجر: وأفاد بهذا القيد أعني المبينة أوليته في ذلك بحسب الزيادة والبيان لا الأولية المطلقة وإلا فأول من تكلم بالعربية جرهم وتعلمها هو من جرهم ثم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها ويشهد له ما حكي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل كون الأولية مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى إخوته من ولد إبراهيم (الشيرازي) في كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ظاهر عدول المصنف للشيرازي أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الطبراني والديلمي من حديث ابن عباس باللفظ المزبور قال ابن حجر: وإسناده حسن ورواه الزبير بن بكار من حديث علي رفعه باللفظ المزبور وحسن ابن حجر إسناده أيضا الحديث: 2837 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 2838 - (أول من خضب) أي لون شعره أي صبغه (بالحناء) يقال خضب بالتشديد كما في المصباح قال: والتخفيف من باب نفع لغة (والكتم) بفتحتين نبت فيه حمرة يخلط بالوشمة أو الحناء ويختضب به وفي كتب الطب الكتم من نبت الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر قدر الفلفل ويسود إذا نضج ويعتصر منه دهن يستصح به في البادية (إبراهيم) الخليل فلذلك كان الخضب بهما مسنونا (وأول من اختضب بالسواد فرعون) فلذا كان الخضب فيه لغير الجهاد محرما وفرعون فعلون اسم أعجمي والجمع فراعنة قال ابن الجوزي: وهم ثلاثة فرعون الخليل واسمه سنان وفرعون يوسف واسمه الربان وفرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب اه والظاهر أن المراد هنا الأول بقرينة ذكره مع إبراهيم (فر وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) وفيه منصور بن عمار قال العقيلي: فيه تجهم وقال الذهبي: له مناكير الحديث: 2838 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 2839 - (أول من دخل الحمامات) جمع حمام (وصنعت له النورة) بضم النون حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف إليه من زرنيخ وغيره تفعل لإزالة الشعر (سليمان بن داود) النبي بن النبي (فلما دخله) أي الحمام (وجد حره وغمه فقال: أوه من عذاب الله أوه قبل أن لا يكون أوه) بسكون الواو وكسر الهاء وقيل بتشديد الواو وفتحها كلمة تقال عند الشكاية والتوجع يعني أنه ذكر بحره وغمه حر جهنم وغمها فإن الحمام أشبه بيت بجهنم النار من تحت والظلام من فوق والعارف الكامل لا يغفل عن الآخرة في كل لحظة لكونها نصب عينه بل له في كل ما يراه من ماء ونار أو غيرهما عبرة وموعظة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد أو إلى حية ذكر أفاعي جهنم أو إلى بشع مهول ذكر منكر ونكير أو الزبانية أو سمع صوتا هائلا ذكر نفخة الصور فلا تصرفه مهمات الدنيا عن مشاهدة مهمات العقبى (عق طب) وكذا في الأوسط (عد هق) وكذا في الشعب (عن أبي موسى) الأشعري قضية كلام المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه والأمر بخلافه فقد تعقبه البيهقي بما نصه: تفرد به إسماعيل الأزدي. قال البخاري: ولا يتابع عليه وقال مرة: فيه نظر إلى هنا كلام البيهقي وفيه أيضا إبراهيم بن مهدي ضعفه الخطيب وغيره وقال الذهبي كابن عساكر في تاريخ الشام: حديث ضعيف وفي اللسان كأصله: هذا من مناكير إسماعيل ولا يتابع عليه وقال الهيثمي: بعد ما عزاه للطبراني فيه صالح مولى التوأمة ضعفوه بسبب اختلاطه وابن أبي ذؤيب سمع منه قبل الإختلاط وهذا من روايته عنه انتهى وأقول: لكن فيه أيضا هشام بن عمار وفيه كلام وعبد الله بن زيد البكري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو حاتم اه فتعصيب [ص: 94] الهيثمي الجناية برأس صالح وحده غير صالح الحديث: 2839 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 2840 - (أول من غير) بشد المثناة تحت (دين إبراهيم) الخليل وفي رواية دين إسماعيل ولا تدافع إذ دين إسماعيل هو دين إبراهيم أي أول من بدل أحكام شريعته وحولها وجعلها على خلاف ما هي عليه ففي القاموس غيره جعله على خلاف ما كان عليه وحوله وبدله (عمرو بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء المهملة كذا في هذه الرواية وفي رواية أخرى عمرو بن عامر ولا تعارض كما أشار إليه الكرماني وغيره فعامر اسم ولحي لقب أو عكسه أو أحدهما اسم الأب والآخر الجد فنسب تارة لأبيه وتارة لجده (ابن قمعة) بالقاف (ابن خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وآخره فاء وهو (أبو خزاعة) القبيلة المشهورة وهو أول من ولي البيت بعد جرهم وورد في رواية لابن إسحاق بيان ذلك التغيير فقال: فنصب الأوثان وسيب السوائب وبحر البحيرة (1) ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال: وسببه أنه كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال: أرحب أبا ثمامة فقال: لبيك من تهامة فقال: ادخل بلا ملامة فقال: ائت سيف جدة تجد آلهة معدة فخذها ولا تهب وادع إلى عبادتها تجب فتوجه إلى جدة فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فحملها إلى مكة ودعا إليها فانتشرت عنه عبادة الأصنام في العرب (طب عن ابن عباس)   (1) قال ابن عباس: البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها وتركوا الحمل عليها وركوبها ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكرا بحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى بحروا أذنها وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها وكانت منافعها خاصة للرجال فإذا ماتت حلت للرجال والنساء والسائبة البعير الذي يسيب وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية إذا مرض أو غاب له قريب نذر فقال: إن شفاني الله إلخ فناقتي هذه سائبة ثم يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة الحديث: 2840 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 2841 - (أول من يبدل سنتي) أي طريقتي وسيرتي القويمة التي أنا عليها بما أصلته لكم من الأحكام الإعتقادية والعملية (رجل من بني أمية) بضم الهمزة زاد الروياني في مسنده وابن عساكر يقال يزيد اه. قال البيهقي في كلامه على الحديث: هو يزيد بن معاوية لخبر أبي يعلى والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد (ع عن أبي ذر) الغفاري   (1) [وقال الهيثمي: وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا؟ ؟ أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبادة (لعله أبا عبيدة راوي الحديث) . دار الحديث] الحديث: 2841 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 2842 - (أول ما يرفع) أي من الدنيا في آخر الزمان (الركن) اليماني والظاهر أن المراد الحجر الأسود وكلام المصنف في الساجعة صريح فيه قال: ولن تزال هذه الأمة بخير ما دام فيها إلا أن يرفعه جبريل (والقرآن) أي بذهاب حفظته أو بمحوه من صدورهم (ورؤيا النبي في المنام) يحتمل أن أل في النبي للعهد والمعهود نبينا صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك من خصائصه ويحتمل أن المراد الجنس فلا يرى أحد من الناس أحدا من الأنبياء في النوم أصلا (الأزرقي في تاريخ مكة) المشهور (عن عثمان) بن عمر (بن ساج) بمهملة وآخره جيم الجزري مولى بني أمية وينسب إلى جده غالبا قال في التقريب: فيه ضعف (بلاغا) أي أنه قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث: 2842 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 [ص: 95] 2843 - (أول ما افترض الله تعالى على أمتي الصلوات الخمس) المعروفة (وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس (1)) أي بموت المصلين واتفاق خلفهم على تركها (وأول ما يسئلون عن الصلوات الخمس فمن كان ضيع شيئا منها) بأن لم يفعله أو فعله مع اختلال بعض الأركان أو الشروط أو مع توفرها ولم تقبل لعدم نحو إخلاص (يقول الله تبارك وتعالى) أي لملائكته (انظروا) أي تأملوا (هل تجدون لعبدي نافلة من الصلاة) أي صلاة نافلة (تتمون بها ما نقص من الفريضة) أي فإن وجدتم ذلك فكملوا به فرضه لأن المصلي مثل التاجر الذي لا يخلص الربح حتى يخلص له رأس المال فلا يقبل له نفل حتى يؤدي الفرض وكذا يقال فيما يأتي (وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان فإن كان ضيع شيئا منه) بالمعنى المذكور فيما قبله (فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون منها ما نقص من صيام وانظروا في زكاة عبدي فإن كان ضيع شيئا منها فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة فيؤخذ ذلك) أي النفل (على فرائض الله) أي عنها (وذلك برحمة الله) العبد أي برفقه به وإحسانه إليه (وعدله) إذ لو لم يكمل له بها فرضه لخسر وهلك (فإن وجد فضلا) أي زيادة بعد تكميل الفرض (وضع في ميزانه) فرجح (وقيل له) من قبل الله تعالى على لسان بعض ملائكته أو من شاء (ادخل الجنة مسرورا) أي حال كونك فرحا منشرحا والسرور ما يسر به الإنسان (وإن لم يجد له شيئا من ذلك) أي من الفرائض أو من النوافل التي يكمل بها نقصها (أمرت به الزبانية) أي أمرهم الله بإلقائه في النار (فأخذ) أي فأخذوا (بيديه ورجليه) خصهما إشارة إلى هوانه عليهم واستحقاره عندهم (ثم قذف به في النار) أي ألقي في نار جهنم ذميما مقبحا مستهانا به كالجيفة التي ترمى للكلاب. قال في المطامح: يؤخذ من هذه الأولية المذكورة في صدر هذا الخبر أن الصلاة لها أولوية عند الله سبحانه وتعالى. قال ابن عطاء الله: واعلم أن الحق سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا إلا وجعل له من جنسه نافلة حتى إذا قام العبد بذلك الواجب وفيه خلل ما يجبر بالنافلة التي هي من جنسه فلذا أمر بالنظر في فريضة العبد فإن قام بها كما أمر الله جوزي عليها وأثبتت له وإن كان فيه خلل كملت من نافلته حتى قال البعض: إنما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة ولما جعل الله تعالى عباده أقوياء وضعفاء فسح على الصعفاء بالإكتفاء [ص: 96] بالواجبات وفتح للأقوياء باب نوافل الخيرات فعباد أنهضهم إلى القيام بالواجبات خوف عقوبته فقاموا بها تخليصا لأنفسهم من وجود الهلكة وملافاة العقوبة فما قاموا شوقا له ولا طلبا للوفاء مع ربوبيته بل قوبلوا بالمخالفة فلم يقبل منهم قيامهم هذا فإنهم لم ينهضوا إلا لأجل نفوسهم ولم يطلبوا إلا حظوظهم فقاموا بواجبات الله مجرورين بسلاسل الإيجاب عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بسلاسل وآخرون عندهم من غليان الشغف وشدة الحب ما ليس يكفيهم الواجبات بالنوافل وسرمدوا بها الأوقات وحملوا أنفسهم ما لا يطيقون بطاعته لباعث الشغف فأشفق عليهم الشارع فأمرهم بالقصد في عدة مواضع (الحاكم) في كتاب (الكنى) والألقاب (عن ابن عمر) بن الخطاب   (1) ويحتمل أن يكون المراد أول ما يرفع إلى الله تعالى من ثواب أعمالهم ثواب الصلاة فلا تعارض بينه وبين أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة الحديث: 2843 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 2844 - (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته) لأن الله تعالى قد أذنه بتعظيم أمرها وأشار إليه بالاهتمام بشأنها فإنها مقدمة عنده على غيرها حيث كان أول شيء بدأ به عباده من الفرائض وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أسلم رجل أول شيء يعلمه الصلاة لأنه إنما يضع الأمور على حسب وضع ربه ناظرا في ذلك إلى حكمته الإلهية فبعد تقرر هذه الأولية والأهمية عند العبد ناسب أن يكون أول السؤال عنها إذ لا عذر لها حينئذ (فإن كان أتمها كتبت له) أي أمر الله تعالى بكتابتها في صحف الملائكة أو المحاسبة أو غيرهما (تامة وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع) بزيادة من للتأكيد (فتكملون بها فريضته ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) قال الحافظ العراقي: المراد من الإكمال إكمال ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة وأنه يحصل له ثوابه في الفرض وإن لم يفعله أو ما انتقص من فروضها وشروطها أو ما ترك من الفرائض رأسا اه. <تنبيه> قال ابن عربي: في الفرائض عبودية الاضطرار وهي الأصلية وفي الفرع وهو النفل عبودية الاختيار سمي نفلا لأنه زائد فإنك في أصلك زائد في الوجود إذ كان الله ولا أنت ثم كنت فأنت نفل في وجود الحق تعالى ففي أداء الفرائض أنت له وفي النفل أنت لك وحبه إياك من حيث ما أنت له أعظم من حبه إياك من حيث ما أنت لك ولا نفل إلا بعد فرض في عين النفل فروض ونوافل فما فيه من الفروض تكمل الفرائض ولما لم يكن في قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضا لتجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم إنها تشتمل على فرائض ونوافل وركوع وسجود مع كونها في الأصل نافلة وهذه الأفعال والأقوال فرائض فيها انتهى (حم د هـ ك عن تميم الداري) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 2844 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 2845 - (أول نبي أرسل نوح) قال السهيلي: اسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على نفسه ولا تعارض بينه وبين ما بعده من أن أولهم آدم لأن نوحا أرسل إلى الكفار وآدم أول رسول إلى بنيه ولم يكونوا كفارا ثم نوح هو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم أفضلهم (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) وهو في مسلم في أثناء حديث الشفاعة ولفظه: ائتوا نوحا أول رسول الحديث: 2845 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 [ص: 97] 2846 - (أول الرسل آدم) إلى بنيه وكانوا مؤمنين فعلمهم شرائع علم الله (وآخرهم محمد) صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {وخاتم النبيين} فلا نبي بعده (وأول أنبياء بني إسرائيل موسى) بن عمران (وآخرهم عيسى) بن مريم (وأول من خط بالقلم) أي كتب ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود (إدريس) قيل سمي به لكثرة درسه كتاب الله وأبطله الزمخشري بأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد العلمية فكان منصرفا فمنعه من الصرف دليل العجمة وهذا الحديث صريح في إبطال زعم الكلبي أن أول من وضع الخط نفر من طيء قيل وأول من كتب بالعربي إسماعيل وما ذكر هنا من أن أول من خط إدريس جرى عليه جمع وذكر آخرون منهم كعب الأحبار أن أول من كتب آدم كتب سائر الكتب قبل موته بثلاث مئة سنة في طين ثم طبخه فلما غرقت الأرض في زمن نوح بقيت الكتابة فأصاب كل قوم كتابهم وبقي الكتاب العربي إلى أن خص به إسماعيل فأصابه وتعلم العربية ذكره الماوردي وقال: كانت العرب تعظم قدر الخط وتعده من أجل نفع حتى قال عكرمة: بلغ فداء أهل بدر أربعة آلاف حتى إن الرجل ليفادى به على أن يعلم الخط لخطره وجلالته عندهم. <فائدة> قال ابن فضل الله: كان إدريس يسمى هرمس المثلث كان نبيا وحكيما وملكا ووزيرا. قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وأول من عمل الكيمياء وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه وأنذر بالطوفان وكان يسكن صعيد مصر فبنى هناك الأهرام والبرابي وصور فيها جميع الصناعات وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منها على تخليدها بعده وخيفة أن يذهب رسمها من العالم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ثم رفعه مكانا عليا (الحكيم) الترمذي (عن أبي ذر) وفيه عمرو بن أبي عمر أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: مجهول وإبراهيم بن هشام الغساني قال أبو حاتم غير ثقة ونقل ابن الجوزي عن أبي زرعة أنه كذبه ويحيى بن يحيى الغساني خرجه ابن حبان ذكره كله الذهبي الحديث: 2846 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 2847 - (أولاد المشركين) أي من مات من أولاد الكفار قبل البلوغ (خدم أهل الجنة) في الجنة فهم من أهلها فيما يرجع من أمور الآخرة لأن كل مولود يولد على الفطرة ويتبع أشرف الأبوين دينا فيما يرجع إلى الدنيا وعليه نزل خبر إنهم من آبائهم وقيل هم من أهل النار وقيل بين الجنة والنار ولا منعمين ولا معذبين وقيل من علم الله أنه يؤمن لو عاش ففي الجنة وغيره في النار وقيل بالوقف لعدم صحة التوقيف قال النووي: والصحيح الذي عليه المحققون الأول ورجح البيضاوي الأخير حيث قال: الثواب والعقاب ليسا لأحد بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون ذراري المسلمين والكفار من أهل الجنة والنار بل الموجب لهم هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآباؤهم في العدم فالواجب فيهم التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب لأن السعادة والشقاوة ليستا معللتين عندنا بل الله تعالى خلق من شاء سعيدا ومن شاء شقيا وعمل الأعمال دليل على السعادة والشقاوة وأنت تعلم أن عدم الدليل وعدم العلم به لا يوجبان عدم المدلول والعلم بعدمه وكما أن البالغين منهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا فهم مستعملون بأعمال أهل النار حتى يموتوا عليها فيدخلوا النار وأما الذين سعدوا فهم موفقون للطاعات وصالح الأعمال حتى يتوفوا عليها فيدخلوا الجنة فالأطفال منهم من سبق القضاء بأنه سعيد من أهل الجنة فهو لو عاش عمل عمل أهل الجنة ومنهم من جف القلم بأنه شقي من أهل [ص: 98] النار فهو لو أمهل لاشتغل بالعصيان وانهمك في الطغيان (طس عن سمرة) بن جندب (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: فيه عباد بن منصور وثقه القطان وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات الحديث: 2847 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 2848 - (ألا) بتخفيف اللام وفتح الهمزة حرف افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقق ما بعده وتوكيده (أحدثكم حديثا عن الدجال) أي عن صفاته من الدجل وهو الخلط لكثرة خلطه الباطل بالحق ذكره الزمخشري وسبق فيه مزيد (ما حدث به نبي قومه) الجملة صفة لحديث. وما نافية أي لم يحدث نبي قومه بمثله في الإيضاح ومزيد البيان فإنه ما من نبي إلا وقد أنذر قومه به سيما نوح عليه السلام لكن لم يوضحوا صفاته وأنا أوضحها غاية الإيضاح حتى كأنكم ترونه عيانا (إنه أعور) العين اليمنى كما في رواية وفي أخرى اليسرى وجمع بأن أحدهما ذاهبة والأخرى معيبة وأصل العور العيب فيصدق عليهما واقتصر عليه مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكن العور أثر محسوس يدركه حتى الجاهل ومن لا يهتدي للأدلة القطعية (1) (وأنه يجيء معه تمثال الجنة والنار) هذا بالنسبة للرائي فإما بالسحر فيخيل الدجال الشيء بصورة عكسه أو يجعل الله باطن الجنة نارا وعكسه أو كنى عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار (فالتي يقول إنها الجنة هي النار) أي سبب للعذاب بالنار يعني من دخل جنته استحق النار لأنه صدقه فأطلق اسم المسبب على السبب (وإني أنذركم) به (كما أنذر) به (نوح قومه) خصه به لأنه أول نبي أنذر قومه أي خوفهم ولأنه أول الرسل وأبو البشر الثاني وليس إنذاره خوفا من فتنته على العارفين بالله تعالى إذ لا يتخالجهم في الله الظنون إذ {ليس كمثله شيء} وإنما أعلم أن خروجه يكون في شدة من الزمان وأن يستولي على مواشيهم فتتبعه أقوام بأبدانهم ويصدقونه بألسنتهم وإن عرفوا كذبه لا يقال إذا كان خروجه إنما هو في هذه الأمة فلم أنذر الأنبياء السابقون به أممهم لأنا نقول بأن الأنبياء شاهدوا دقائق الكون واجتمع كله فيهم في آن واحد حتى صار كأنه كله جوهرة واحدة فصاروا عند غلبة التجليات على قلوبهم تندرج جميع الزمان لهم ويلوح لهم الأمر من وراء كل وراء وتضمحل الحجب وذلك طور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبدا وقت التجلي فباندراج مسافات الأزمان وتداخلها وامتزاج بعضها ببعض صار عندهم الأزمان كلها كأنه زمن واحد فتدبر (ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا   (1) فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب الحديث: 2848 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 2849 - (ألا) قال الطيبي: صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانا بعظم المحدث به (أحدثكم بما) أي بالعمل الذي (يدخلكم الجنة؟) قالوا: بلى يا رسول الله حدثنا قال: (ضرب بالسيف) أي قتال به في سبيل الله لإعلاء كلمة الله (وإطعام الضيف) لوجه الله لا رياء وسمعة كما يفعله كثير الآن (واهتمام بمواقيت الصلاة) أي بدخول أوقات الصلاة لإيقاع الصلاة أول وقتها يقال اهتم الرجل بالأمر قام به ويطلق الهم والاهتمام على العزم القوي والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت وهو مقدار من الزمان مفروض لأمر ما وكل شيء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا (وإسباغ الطهور) أي إتمام الوضوء أو الغسل قال في الصحاح: شيء سابغ أي كامل واف وسبغت النعمة اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أتمها وإسباغ الوضوء إتمامه قال الزمخشري: ومن المجاز أسبغ وضوءه (في الليلة القرة) بالتشديد أي [ص: 99] الشديدة البرد قال في الصحاح: ليلة قارة وقرة بالفتح أي باردة ويوم قار وقر بالفتح بارد والقرة بالكسر البرد (وإطعام الطعام على حبه) قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} أي مع حب الطعام أو شهوته أو عزته لقلته وحاجتهم وقيل على حب الله تعالى (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) الحديث: 2849 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 2850 - (ألا أحدثكم) في رواية أحمد والطبراني أحدثكما خطابا لعمار وعلي لما رآهما وقد اضطجعا في صور من النخل فناما فحركهما برجله وقال: ألا أحدثكما (بأشقى الناس؟ رجلين) عطف بيان وقال أبو البقاء: تمييز كما تقول هذا أشقى الناس رجلا وجاز تثنيته وجمعه كما قالوا نعم الرجلين الزيدان ونعم رجالا الزيدون وهم أفضل الناس رجالا (أحيمر ثمود) تصغير أحمر وهو قدار بن سالف (الذي عقر الناقة) أي قتلها لأجل قول نبيهم صالح عليه السلام {ناقة الله وسقياها} أي احذروا أن تصيبوها بمكروه ولا تمنعوها عن شربها وكان أخبرهم أن لها شرب يوم ولهم شرب يوم وإنما قال أحيمر لأنه كان أحمر أشقر أزرق قصيرا ذميما (والذي) أي وعبد الرحمن بن ملجم المرادي قبحه الله (يضربك يا علي) بن أبي طالب بالسيف (على هذه) يعني هامته (حتى يبل منها) بالدم (هذه) يعني لحيته فمرض علي كرم الله وجهه بعد موت المصطفى صلى الله عليه وسلم فخرج فضالة بن عبيد الأنصاري له عائدا فقال: ما يقيمك بهذا المنزل لو هلكت به لم يسلك إلا أعراب جهينة فقال: لست ميتا من مرضي هذا ثم ذكر الحديث رواه أحمد وعن أبي سنان الدولي أنه عاد عليا فقال: قد تخوفنا عليك قال: لكني بما ما تخوفت على نفسي سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر نحوه خرجه الطبراني وحسنه الهيثمي واعلم أن هذا الحديث من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع وذلك أنه لما كانت ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين استيقظ علي كرم الله وجهه سحرا فقال لابنه الحسن: رأيت الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوت له ما لقيت من أمته من اللدد فقال لي: ادع الله عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا وأبدلهم بي شرا لهم مني فدخل المؤذن على أثر ذلك فقال: الصلاة فخرج علي كرم الله وجهه من الباب ينادي الصلاة الصلاة فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل لدماغه فشد عليه الناس من كل جانب فأمسك وأوثق وأقام علي الجمعة والسبت وانتقل إلى رحمة الله ليلة الأحد فقطعت أطراف ابن ملجم ثم جعل في قوصرة وأحرق بالنار (طب ك) وكذا أحمد والبزار كلهم (عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: رجال البزار موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار الحديث: 2850 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 2851 - (ألا أخبرك) أي أعلمك (بأخير) وفي رواية بدله بأعظم (سورة في القرآن) قال الطيبي: نكرها وأفردها ليدل على أنك إذا تقصيت سورة سورة لم تجد به أعظم منها (الحمد لله رب العالمين) قال البيضاوي: خبر مبتدأ محذوف أي هي السورة التي مستهلها الحمد لله (1) قال النوربشتي: الحمد أعلى مقامات العبودية وقد جاء في البخاري أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها قال ابن النين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها وقال القرطبي: اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاوية لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله تعالى والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها [ص: 100] أخير وقال علي كرم الله وجهه: لو شئت لأمليت من تفسيرها سبعين وقرا وقد أفرد في جموم فضائلها تآليف كثيرة وذكر بعض العارفين أن من لازم قراءتها رأى العجب وبلغ ما يرجوه من كل أرب ومن خواصها إذا كتبت حروفها متفاصلة ومحيت بماء طاهر وشربها مريض لم يحضر أجله برئ وإذا قرئت إحدى وأربعين مرة بين سنة الفجر والصبح على وجع العين برئ بشرط حسن الظن من الوجيع والعازم اه وفي بحر الروياني أن البسملة أفضل آيات القرآن ونوزع بحديث آية الكرسي قال ابن حجر في الفتح: وهو صحيح واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع منه جمع محتجين بأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها وأجيب بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض فالتفضيل من حيث المعاني لا الصفة ويؤيده آية {نأت بخير منها أو مثلها} (حم عن عبد الله بن جابر البياضي) الأنصاري له صحبة قال الهيثمي: فيه عبد الله بن أحمد بن عقيل سيء الحفظ وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات وقضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول شنيع فقد رواه البخاري في التفسير والفضائل وأبو داود والنسائي في الصلاة وابن ماجه في ثواب التسبيح بلفظ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وأعظم سورة في القرآن   (1) أي سورة الحمد بكمالها فهي أعظم سور القرآن فإنها أمه وأساسه ومتضمنة لجميع علومه الحديث: 2851 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 2852 - (ألا) قال القاضي: كلمة مؤلفة من حرفي الاستفهام والنفي لإعطاء التنبيه على تحقيق ما بعدها وذلك لأن الهمزة فيه للإنكار فإذا دخلت على نفي أفادت تحقيق الثبوت ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا ما كانت مصدرة بما يصدر بها جواب القسم وشقيقتها أما التي هي من طلائع القسم ومقدماته (أخبرك عن ملوك الجنة) وفي رواية ملوك أهل الجنة (رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان مؤمن (ضعيف) في نفسه أي منكر الخاطر متواضع القلب لهوانه على الناس (مستضعف) بفتح العين على المشهور أي يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعفه ولفقره ورثاثته وخموله وفي رواية بكسر العين أي نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا (ذو طمرين) بكسر فسكون إزار ورداء خلقين (لا يؤبه له) أي لا يحتفل به (لو أقسم على الله لأبره) أي لو حلف يمينا على أن الله يفعل كذا أو لا يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه أي صدق وصدق يمينه يقال: أبر الله قسمك إذ لم يكن حانثا وقيل معنى أقسم على الله أن يقول اللهم إني أقسم عليك بجلالك أن تفعل كذا وهو غير مستقيم هنا لأنه قال لأبره أي صدقه ولا دخل للصدق والكذب في هذا اليمين فيدخلها الإبرار. قال الغزالي: وهذا الحديث ونحوه يعرفك مذمة الشهرة وفضيلة الخمول وإنما المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت والجاه والمنزلة في القلوب وحب الجاه منشأ كل فساد <تنبيه> هذا الحديث نص في تفضيل الضعيف على القوي وقد وقع عكسه في خبر مسلم " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف " فإنه نص في تفضيل القوي على الضعيف وأجاب النووي بأن المراد بالقوة فيه عزيمة النفس والقريحة في شؤون الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على أعداء الله وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبمدح الضعيف فمن حيث رقة القلوب ولينها واستكانتها لربها وضراعتها إليه (هـ عن معاذ) بن جبل قال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح إلا سويد بن عبد العزيز وقال الحافظ العراقي في المغني: سنده جيد وفي أماليه حديث حسن وفيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين والجمهور ووثقه دحيم والحديث له شواهد اه وظاهر كلامه أنه إنما هو حسن لشواهده الحديث: 2852 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 [ص: 101] 2853 - (ألا أخبركم بأهل النار) قالوا: أخبرنا قال: (كل) إنسان (جعظري) بجيم مفتوحة وظاء معجمة بينهما عين مهملة فظ غليظ أو الذي لا يمرض أو الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده (جواظ) بفتح الجيم وشد الواو وظاء معجمة ضخم مختال في مشيه أو الأكول أو الفاجر أو الفظ الغليظ أو السمين الثقيل من الشره والتنعم (مستكبر) ذاهب بنفسه تيها وترفعا (جماع) بالتشديد أي كثير الجمع للمال (منوع) أي كثير المنع له والشح والتهافت على كنزه (ألا) قال القاضي: حرف تنبيه تذكر لتحقق ما بعدها مركبة من همزة الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار ولا التي للنفي والإنكار إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ولذلك لا يقع بعدها إلا ما كان مصدرا بنحو ما يتلقى به القسم (أخبركم بأهل الجنة) قالوا: أخبرنا قال: (كل مسكين لو أقسم على الله لأبره) قال النووي: المراد بالحديث أن أغلب أهل الجنة والنار هذان الفريقان (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه خارجة بن مصعب وهو متروك الحديث: 2853 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 2854 - (ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون) أي ما اعتصم به المعتصمون قالوا: بلى أخبرنا قال: (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) زاد في رواية ولن يتعوذ الخلائق بمثلهما وسميتا بالمعوذتين لأنهما عوذتا صاحبهما أي عصمتاه من كل سوء (طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد رواه النسائي باللفظ المزبور عن عابس الجهني قال في الفردوس ويقال له صحبة الحديث: 2854 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 2855 - (ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله) أي ببيان معناها وإيضاح فحواها والفسر والتفسير البيان والإيضاح كما في الصحاح قال: أخبرني قال: (لا حول من معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله هكذا أخبرني جبريل يا ابن أم عبد) هو عبد الله بن مسعود قال ابن الأثير: الحول ههنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك والمعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله وقيل الحول الحيلة والأول أشبه اه. (تتمة) حكى النووي في بستانه أن الخليل بن أحمد رؤي في النوم فقيل له: ما فعل بك ربك قال: غفر لي قيل: بما نجوت قال: بلا حول ولا قوة إلا بالله قيل: كيف وجدت علمك أي الأدب والشعر قال: وجدته هباء منثورا (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وقال: تفرد به صالح بن بيان وليس بقوي الحديث: 2855 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 2856 - (ألا أخبركم بأهل الجنة) قالوا: بلى قال: (كل ضعيف) قال أبو البقاء: برفع كل لا غير أي هم كل ضعيف عن أذى الناس أو عن المعاصي ملتزم الخشوع والخضوع بقلبه وقالبه (متضعف) بفتح العين كما في التنقيح عن ابن الجوزي قال: وغلط [ص: 102] من كسرها لأن المراد أن الناس يستضعفونه ويحتقرونه وفي علوم الحديث للحاكم أن ابن خزيمة سئل عن الضعيف قال: الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين (لو أقسم على الله لأبره) (1) (ألا أخبركم بأهل النار) قالوا: بلى. قال: (كل عتل) بالضم والتشديد الجافي أو الجموع المنوع أو الأكول الشروب (جواظ) بفتح فتشديد كما تقرر (جعظري مستكبر) صاحب كبر والكبر تعظيم المرء نفسه واحتقاره غيره والأنفة من مساواته. <تنبيه> قال ابن عربي في كلامه على الأولين: إنما نالوا هذه المرتبة عند الله لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير الله أو تتعلق بكون من الأكوان سوى الله فليس لهم جلوس إلا مع الله ولا حديث إلا مع الله فهم في الله قائمون وفي الله ناظرون وإليه داخلون ومنقلبون وعنه ناطقون ومنه آخذون وعليه متوكلون وعنده قاطنون فما لهم معروف سواه ولا مشهود إلا إياه صانوا نفوسهم عن نفوسهم فلا تعرفهم نفوسهم فهم في غيابات الغيب المحجوبون وهم ضنائن الحق المستخلصون يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق مشي ستر كله حجاب فهذا حال هذه الطائفة (حم ق) في التفسير وغيره (ت) في صفة النار (ن) في التفسير (هـ) في الزهد (عن حارثة بن وهب الخزاعي) أخي عبد الله بن عمر لأمه قيل هو الذي استطول صلاة معاذ فانصرف وفي الباب أبو هريرة وابن عمر وغيرهما   (1) يوجد في النسخة هنا بياض الحديث: 2856 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 2857 - (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال الطيبي: من شركم حال أي أخبركم بخيركم مميزا من شركم اه والمراد أخبركم بما يميز بين الفريقين قالوا: بلى قال: (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره) أي من يؤمل الناس الخير من جهته ويأمنون الشر من جهته (وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) أي وشركم من لا يؤمل الناس حصول الخير لهم من جهته ولا يأمنون من شره. قال الطيبي: التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر قسمين ترغيبا وترهيبا وترك الآخرين إذ لا ترغيب ولا ترهيب فيهما. قال الماوردي: يشير بهذا الحديث إلى أن عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف. وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء ففسدوا وأفسدوا إلى هنا كلامه (حم ت حب عن أبي هريرة) قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ناس جلوس فقال: ألا أخبركم بخيركم من شركم فسكتوا فقال ثلاثا فقال له رجل: يا رسول الله أخبرنا فذكره لما توهموا معنى التمييز تخوفوا من الفضيحة فسكتوا حتى قالها ثلاثا فأبرز البيان في معرض العموم لئلا يفتضحوا قال الذهبي في المهذب: سنده جيد وفي الباب أنس وغيره الحديث: 2857 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 2858 - (ألا أخبركم بخير الناس) أي بمن هو من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقا وكذا قوله (وشر الناس) إذ الكافر شر منه (إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله عز وجل) أي جاهد الكفار لإعلاء كلمة الله (على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره) أي راكبا على واحد منهما وخصهما لأنهما مراكب العرب غالبا إن لم يكن دائما فالراكب على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك (أو على ظهر قدميه) أي ماشيا على قدميه ولفظ الظهر مقحم ويستمر ملازما على ذلك (حتى يأتيه الموت) بالقتل في سبيل الله أو بغيره (وإن من شر الناس رجلا فاجرا) أي منبعثا في المعاصي (جريئا) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة مثل ضخم ضخامة [ص: 103] والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام (يقرأ كتاب الله) القرآن (لا يرعوى) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شيء منه) أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده. <تنبيه> قد أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة مستدلين له بهذا الحديث ونحوه. وقال قوم: الناس يخلقون أخيارا بالطبع ثم يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشره والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون: الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر مطلقا واستدلوا بقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال في الفردوس: الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له (حم ن ك عن أبي سعيد) الخدري قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فذكره الحديث: 2858 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 2859 - (ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن) قالوا: أخبرنا قال: (الصمت) أي الإمساك عن الكلام فيما لا يعنيك (وحسن الخلق) بالضم أي مع الناس ومن ثم قال الداراني: المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام وروي أن عيسى عليه السلام قام خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم والأمور ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه وأمر بين غيه فاجتنبوه وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله تعالى. قال الماوردي: وهذا الحديث جامع لآداب العدل في الأحوال كلها (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت عن صفوان بن سليم) بضم المهملة وفتح اللام الزهري الإمام القدوة (مرسلا) قال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجيب فقد خرجه أبو الشيخ [ابن حبان] في طبقات المحدثين عن أبي ذر وأبي الدرداء مرفوعا وسنده ضعيف فإن قلت: إنما عدل للمرسل لأن سنده أمثل قلت: كان عليه الجمع بينهما كما هو عادته كغيره في مثله في هذا الكتاب وغيره الحديث: 2859 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 2860 - (ألا أخبركم عن الأجود) أي الأكرم والأسمح قالوا: بلى أخبرنا قالأ: (الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم) لأنه بث علوم الشريعة مع البيان والتعليم وأرشد السالكين إلى الصراط المستقيم وما سئل في شيء قط وقال لا وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر (وأجودهم من بعدي رجل علم علما) من علوم الشرع (فنشر علمه) أي بثه لمستحقيه ولم يبخل به (يبعث يوم القيامة أمة وحده) قال في الفردوس: الأمة ههنا هو الرجل الواحد المعلم للخير المنفرد به (ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل) أو ينتصر. قال ابن رجب: دل هذا على أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أجود [ص: 104] الآدميين على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم (ع عن أنس) قال المنذري: ضعيف وقال الهيثمي وغيره: فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث اه. وأخرجه ابن حبان عن مكحول عن محمد بن هاشم عن سويد بن عبد العزيز عن نوح بن ذكوان عن أخيه عن الحسن عن أنس بلفظ ألا أخبركم بأجود الأجودين قالوا: بلى قال: فإن الله تعالى أجود الأجودين وأنا أجود ولد آدم وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه فيبعث يوم القيامة أمة وحده كما يبعث النبي صلى الله عليه وسلم أمة وحده اه. وأورده الجوزي من حديث ابن حبان هذا ثم حكم بوضعه وقال: قال ابن حبان: منكر باطل وأيوب منكر الحديث وكذا نوح ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن أبا يعلى أخرجه ولم يزد على ذلك الحديث: 2860 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 2861 - (ألا أخبركم بشيء) يعني بدعاء بديع نافع للكرب والبلاء (إذا نزل برجل) يعني بإنسان وذكر الرجل وصف طردي وإنما ذكره لأن غالب البلايا والمحن إنما تقع للرجال قال: كتبت القتل والقتال علينا. . . وعلى الغانيات جر الذيول (كرب) أي مشقة وجهد والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس كما في الصحاح وغيره (أو بلاء) بالفتح والمد محنة (من أمر الدنيا دعا به) الله تعالى (فيفرج عنه) أي يكشف غمه قال الأزهري وغيره فرج الله الغم بالتشديد كشفه قالوا: بلى أخبرنا قال: (دعاء ذي النون) أي صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السلام حين التقمه الحوت فنادى في الظلمات (لا إله إلا أنت) أي ما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك (سبحانك) تنزيه عن كل النقائص ومنها العجز وإنما قاله لأن تقديره سبحانك مأجورا أو شهوة للانتقام أو عجزا عن تخليصي مما أنا فيه بل فعلته بحكم الإلهية وبقتضى الحكمة (إني كنت من الظالمين) يعني ظلمت نفسي كأنه قال إني كنت من الظالمين وأنا الآن من التائبين لضعف البشرية والقصور في أداء حق العبودية وهذا القدر كاف في السؤال. قال المتنبي: وفي النفس حاجات وفيك فطانة. . . سكوتي كلام عندها وخطاب وإنما كان هذا الدعاء منجيا من الكرب والبلاء لإقرار الإنسان فيه على نفسه بالظلم. قال الحسن: ما نجى يونس والله إلا لإقراره على نفسه بالظلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (ك عن سعد) ابن أبي وقاص الحديث: 2861 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 2862 - (ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها) أي فخمها وبجالتها وفي الصحاح التعظيم التبجيل والتفخيم (ما بين السماء والأرض ولكاتبها) في مصحف أو لوح أو تميمة (من الأجر مثل ذلك) أي ثوابا عظيما يملأ ما بين السماء والأرض لو جسم (ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة والجمعة الأخرى) أي الصغائر الواقعة من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة التي بعدها (وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ) الآيات (الخمس الأواخر منها عند نومه) أي عند إرادته النوم (بعثه الله) أي أهبه (أي الليل شاء) قالوا: بلى أخبرنا بها قال: (سورة أصحاب الكهف) قال الحافظ ابن حجر: وذكر أبو عبيد أنه وقع في رواية شعبة زيادة كما أنزلت عقب قوله ومن قرأها وأوله على أن المراد أن يقرأها بجميع وجوه القراءات قال: وفي تأويله [ص: 105] نظر والمتبادر أن المراد يقرؤها كلها بغير نقص حسا ولا معنى وقد يشكل بما رود من زيادة أحرف ليست من المشهورة ك " سفينة صالحة " ونحو " وأما الغلام فكان كافرا " أو يجاب بأن المراد المتعبد بتلاوته (ابن مردويه) في التفسير (عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وابن جرير وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ابن مردويه غير سديد لإيهامه وروي من طرق أخرى عن ابن الضريس وغيره لكن بعضها كما قال الحافظ ابن حجر في أماليه معضل وبعضها مرسل الحديث: 2862 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 2863 - (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار) أي دخول نار جهنم (غدا) أي يوم القيامة وأصل الغد اليوم الذي بعد يومك على أثره ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقب قالوا: أخبرنا قال: (على كل هين) مخففا من الهون بفتح الهاء وهو السكينة والوقار (لين) مخفف لين بالتشديد على فعيل من اللين ضد الخشونة قيل: يطلق على الإنسان بالتخفيف وعلى غيره على الأصل قال ابن الأعرابي: يمدح بهما مخففين ويذم بهما مثقلين (قريب) أي إلى الناس (سهل) يقضي حوائجهم وينقاد للشارع في أمره ونهيه. قال الماوردي: بين بهذا الحديث أن حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة ويحرمه على النار فإن حسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلمة كما سبق لكن لهذه الأوصاف حدود مقدرة في مواضع مستحقة فإن تجاوز بها الخير صارت ملقا وإن عدل بها عن مواضعها صارت نفاقا والملق ذل والنفاق لؤم (ع عن جابر) بن عبد الله (ت) في الزهد وقال: حسن غريب (طب) كلهم (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: بعد ما عزاه لأبي يعلى فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعيف وقال عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال الصحيح وقال العلائي: سند هذا أقوى من الأول انتهى الحديث: 2863 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 2864 - (ألا أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد قالوا: أخبرنا قال: (الذي يأتي بشهادته) أي يشهد عند الحاكم (قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلب منه المشهود له الأداء أو فسره مالك بمن عنده شهادة الإنسان لا يعلمها فيخبره أنه شاهد وحمله غيره على شهادة الحسبة فيما تقبل فيه فلا ينافي خبر شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد لأنه في غير ذلك (مالك حم م د) في القضاء (ت) في الشهادات (عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء صحابي مشهور ولم يخرجه البخاري الحديث: 2864 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 2865 - (ألا أخبركم بصلاة المنافق) قالوا: أخبرنا قال: (أن يؤخر) العصر أي صلاته (حتى إذا كانت الشمس) صفراء (كثرب البقرة) بمثلثة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة أي شحمها الرقيق الذي يغشى الكرش شبه به تفرق الشمس عند المغيب ومصيرها في موضع دون موضع (1) (صلاها) أي يؤخرها إلى ذلك الوقت تهاونا بها ويصليها فيه ليدفع عنه الاعتراض ومقصود الحديث أن ذلك من علامات النفاق وخصت لكونها الصلاة الوسطى عند الجمهور فمن تهاون بها تهاون بغيرها بالأولى. <تنبيه> قال العارف ابن عربي: اصفرار الشمس تغيير يطرأ على نور الشمس في عين الرائي من الجزء الأرضي [ص: 106] الحائل بين العين وبين إدراك خالص النور والنور في نفسه لا يصفر ولا يتغير (قط ك) في الصلاة (عن رافع بن خديج) قال الحاكم: وأقره عليه الذهبي   (1) [أي تتفرق صورتها كتفرق الشحم الذي حول الكرش. دار الحديث] الحديث: 2865 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 2866 - (ألا أخبركم بأفضل) أي بدرجة هي أفضل (من درجة الصيام والصلاة والصدقة) أي المستمرات أو الكثيرات قالوا: أخبرنا به قال: (إصلاح ذات البين) أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم (فإن فساد ذات البين هي الحالقة) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات (حم د) في الأدب (ت) في الزهد (عن أبي الدرداء) وصححه الترمذي وقال ابن حجر: سنده صحيح وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وغيره الحديث: 2866 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 2867 - (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة) قالوا: أخبرنا قال: (النبي في الجنة) أي في أعلى درجاتها وأل فيه للجنس أو العهد أو الاستغراق (والشهيد) أي القتيل في معركة الكفار لإعلاء كلمة الله (في الجنة والصديق) بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الصدق والتصديق للشارع (في الجنة والمولود) أي الطفل الذي يموت قبل البلوغ (في الجنة والرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (يزور أخاه) في الإسلام (في ناحية المصر في الله) أي لا لأجل تأميل ولا مداهنة بل لوجه الله تعالى (في الجنة) ولكونه يحبه لا يحبه إلا لله وأراد بقوله في ناحية المصر في مكان شاسع عنه والمصر كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات. (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة) قالوا: بلى قال: (الودود) بفتح الواو أي المتحببة إلى زوجها (الولود) أي الكثيرة الولادة ويعرف في البكر بأقاربها (العوود) بفتح العين المهملة أي التي تعود على زوجها بالنفع (التي إذا ظلمت) بالبناء للمفعول يعني ظلمها زوجها بنحو تقصير في إنفاق أو جور في قسم ونحو ذلك (قالت) مستعطفة له (هذه يدي في يدك) أي ذاتي في قبضتك (لا أذوق غمضا) بالضم أي لا أذوق نوما يقال أغمضت العين إغماضا وغمضتها تغمميضا أطبقت أجفانها (حتى ترضى) عني فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن فهي خليقة بكونها من أهل الجنة وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم (قط في الأفراد طب عن كعب بن عجرة) قال الطبراني: ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: فيه السري بن إسماعيل وهو متروك اه وفيه سعيد بن خيثم قال [ص: 107] الذهبي: قال الأزدي منكر الحديث والسري بن إسماعيل قال الذهبي: قال يحيى القطان استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي: متروك ورواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس وقال إسناده ضعيف بمرة الحديث: 2867 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 2868 - (ألا أخبركم بأفضل الملائكة) قالوا: أخبرنا قال: (جبريل) نص صريح بأفضليته على الكل لكن تردد المصنف بينه وبين إسرافيل وقال: لم أقف على نقل أيهما أفضل والآثار فيهما متعارضة اه وكلامه صريح كما ترى في أنه لم يقف في ذلك على شيء وقد صرح بذلك الإمام الرازي وغيره قال المصنف في المطالب العالية: اعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم أما الأصناف فأعلاهم درجة حملة العرش المرتبة الثانية الحافون حول العرش الثالثة أكابر الملائكة منهم جبريل عليه السلام وصفاته في القرآن كثيرة وقدمه في الذكر على ميكائيل وذلك يدل أفضليته لأن جبريل صاحب الوحي والعلم وميكائيل صاحب الأرزاق والخيرات النفسانية أفضل من الخيرات الجسمانية ولأنه جعل جبريل ثاني نفسه فقال: {وجبريل وصالح المؤمنين} وسماه روح القدس ولأنه ينصر أولياءه ويقهر أعداءه ولأنه مدحه بصفات ست {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} ومن أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام والأخبار كثيرة دلت عليهما وثبت أن عزرائيل عليه السلام ملك الموت ويجب أن يكون له شعب وأما إسرافيل عليه السلام فدلت الأخبار أنه صاحب الصور الرابعة ملائكة الجنة والنار الخامسة الموكلون ببني آدم السادسة الموكلون بأطراف العالم. إلى هنا كلامه. وذكر في تفسيره الكبير أن أشرف الملائكة جبريل وميكائيل عليهما السلام لتخصيصهما بالذكر في قوله {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} وأن جبريل أفضل من ميكائيل واحتج عليه بما تقدم وظاهر كلام الزمخشري أن جبريل عليه السلام أفضل مطلقا (وأفضل النبيين آدم) عليه السلام قاله قبل علمه بأفضلية أولي العزم عليه كذا قيل ويحتاج لثبوت هذه القبلية (وأفضل الأيام يوم الجمعة) لما سبق له من الفضائل (وأفضل الشهور شهر رمضان) الذي أنزل فيه القرآن والذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار إلى غير ذلك من فضائله التي يضيق عنها نطاق الحصر (وأفضل الليالي ليلة القدر) التي هي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم (وأفضل النساء مريم بنت عمران) الصديقة الكبرى ثم فاطمة فهي أفضل النساء بعدها قال العلقمي: هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين اه. وإطلاقه ذلك غير مرضي بل ينبغي أن يقال إنها أفضل من حيث البضعة الشريفة والصديق أفضل بل وبقية الخلفاء الأربعة من حيث المعرفة وجموم العلوم ورفع منار الإسلام وبسط ماله من الأحكام على البسيطة كما يدل على ذلك بل يصرح به كلام التفتازاني في المقاصد حيث قال بعد ما قرر أن أفضل الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم الأربعة ورتبهم على ترتيب الخلافة ما نصه وأما بعدهم فقد ثبت أن فاطمة سيدة نساء العالمين (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه نافع بن هرمز وأبو هرمز وهو ضعيف وقال في موضع آخر متروك الحديث: 2868 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 2869 - (ألا أدلك) بكسر الكاف بضبط المصنف خطابا لمؤنث وهي الشفاء لكن ما ذكرته في سبب الحديث لا يلائمه (على جهاد لا شوكة فيه) قال: بلى قال: (حج البيت) أي الكعبة يعني إتيانها للنسك فإنه جهاد للشياطين أو المراد أن ثواب الحج يعدل ثواب الغزو مع أن ذاك فيه مشقة وهذا لا مشقة فيه (طب عن الشفاء) جدة عثمان بن سليم أم أبيه قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريد الجهاد في سبيل الله فذكره قال الهيثمي: فيه الوليد بن [ص: 108] أبي ثور وضعفه أبو زرعة وجمع وزكاه شريك الحديث: 2869 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 2870 - (ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة) قال الطيبي: قوله من تحت العرش صفة كلمة ويجوز كون من ابتدائية أي ناشئة من تحت العرش وبيانية أي كائنة من تحت العرش ومستقرة فيه ومن الثانية بيانية وإذا قيل بأن الجنة تحت العرش والعرش سقفها جاز كون من كنز الجنة بدلا من تحت العرش قال: وليس ذا التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز بل من إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان: المتعارف وهو المال الكثير المحفوظ وغيره وهو هذه الكلمة الجامعة (تقول لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أجرها مدخر لقائلها كالكنز وثوابها معد له (فيقول الله أسلم عبدي واستسلم) أي فوض أمر الكائنات إلى الله وانقاد بنفسه لله مخلصا فإن لا حول دل على نفي التدبير للكائنات وإثباته لله والعرش منصة التدبير {ثم استوى على العرش يدبر الأمر} فقوله الله جزاء شرط محذوف أي إذا قال العبد هذه الكلمة يقول الله ذلك <تنبيه> قال العارف ابن عربي: رأيت الكنز الذي تحت العرش الذي خرجت منه لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا الكنز آدم عليه السلام ورأيت تحته كنوزا كثيرة أعرفها اه (ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) وقال صحيح ولا أحفظ له علة وأقره الذهبي وقال ابن حجر: سنده قوي اه. لكن قال الحافظ العراقي في أماليه: قد أعل بالاختلاف فيه على عمرو بن ميمون ولا مؤاخذة على الحاكم فيه فإنه نفى حفظه الحديث: 2870 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 2871 - (ألا أدلك) يا أبا هريرة (على غراس هو خير) لك (من هذا) الغراس الذي تغرسه وكان قد رآه يغرس فسيلا قال: بلى قال: (تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل كلمة منها) أي من هذه الكلمات الأربع (شجرة في الجنة) قد أفاد بهذا الحديث فضل هذه الكلمات وذكر الحميدي بعد التسبيح من قبيل الترقي فقد اتفقت الأخبار على أنه يملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح وذلك لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وهذه الكلمات هي الباقيات الصالحات عند جمع جم (هـ ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أغرس فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2871 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 2872 - (ألا أدلك) يا قيس بن سعد (على باب من أبواب الجنة) وفي رواية ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال: بلى قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها لما تضمنت براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت موصولة إلى الجنة والباب ما يتوصل به إلى مقصود قال أبو البقاء: يحتمل أن موضع لا حول الجر بدلا من باب أو كنز والنصب بتقدير أعني والرفع بتقدير هو (حم ت ك) في الأدب (عن قيس بن سعد) بن عبادة الخزرجي صاحب شرطة النبي صلى الله عليه وسلم كان جوادا نبيلا سيدا من ذوي الرأي والدهاء والتقدم مات في آخر خلافة معاوية قال: دفعني أبي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخدمه فمر بي وقد صليت فضربني برجله وقال: ألا أدلك فذكره قال [ص: 109] الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 2872 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 2873 - (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا) من صحف الحفظة ونحوها كناية عن غفرانها (ويرفع به الدرجات) أي المنازل في الجنة أو المراد رفع درجته في الدنيا بالذكر الجميل وفي العقبى بالثواب الجزيل (إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله واستيعاب أعضاءه بالغسل (على المكاره) جمع مكرهة بمعنى الكره والمشقة يعني إتمامه بإيصال الماء إلى مواضع الفرض حال كراهة فعله لشدة برد أو علة يتأذى معها بمس الماء أي من غير لحوق ضرر بالعلة وكإعوازه وتحمل مشقة طلبه أو ابتياعه بثمن غال ونحو ذلك ذكره الزمخشري (وكثرة الخطا) جمع خطوة بالضم وهي موضع القدمين وإذا فتحت تكون للمرة (إلى المساجد) وكثرتها أعم من كونها ببعد الدار أو كثرة التكرار. قال العارف ابن عربي: وهذا رفع الدرجات فإنه سلوك في صعود ومشي. قال ابن سيد الناس: وفيه أن بعد الدار عن المسجد أفضل فقد صرح به في قوله لبني سلمة وقد أرادوا أن يتحولوا قريبا من المسجد: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) سواء أدى الصلاة بجماعة أو منفردا في مسجد أو في بيته وقيل: أراد به الإعتكاف (فذلكم الرباط) أي المرابطة يعني العمل المذكور هو المرابطة لمنعه لاتباع الشهوات فيكون جهادا أكبر أو المراد أنه أفضل أنواع الرباط كما يقال جهاد النفس هو الجهاد أي أفضل أو المراد أنه الرباط الممكن المتيسر ذكر ذلك جمع وأصله قول البيضاوي: المرابطة ملازمة العدو مأخوذة من الربط وهو الشد والمعنى هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء قال الطيبي: فيما ذكر معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فإتيانه باسم الإشارة الدالة على بعد منزلة المشار إليه في مقام العظيم وإيقاع الرباط المحلى بلام الجنس خبرا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى {الم ذلك الكتاب} إذ التعريف في الخبر للجنس ولما أريد تقرير ذلك مزيد تقرير واهتمام بشأنه كرره فقال: (فذلكم الرباط فذلكم الرباط) كرره اهتماما به وتعظيما لشأنه وتخصيصها بالثلاث لأن الأعمال المذكورة في الحديث ثلاث وأتى باسم الإشارة إشارة إلى تعظيمه بالبعد وقيل: أراد ثوابه كثواب الرباط. وقال العارف ابن عربي: الرباط الملازمة من ربطت الشيء وبالإنتظار ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها فيه وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلوات يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى وقت فراغ اليوم وثاني يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان إلا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة فلذلك أكده بقوله ثلاثا فانظر إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور حيث أنزل كل عمل في الدنيا منزلة في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوءا ومشيا وانتظارا وذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاثا لثلاث هذا يدلك على شهوده ومواضع حكمه ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم. قال في المطامح: وهذه الخصال هي التي اختصم فيها الملأ الأعلى كما في خبر الترمذي: أتاني ربي في أحسن صورة فوضع يده بين كتفي. الحديث (مالك حم م ت ن عن أبي هريرة) ورواه عند الشافعي أيضا الحديث: 2873 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 [ص: 110] 2874 - (ألا أدلكم على أشدكم) قالوا: بلى قال: (أملككم لنفسه عند الغضب) لأن من لم يملكها عنده كان في قهر الشيطان وتحت أسره فهو ذليل ضعيف ومن راض نفسه بتجنب أسباب الغضب ومرنها على ما يوجب حسن الخلق وكظم الغيظ وطلاقة الوجه والبشر فقد ملك نفسه وصار الشيطان في أسره وتحت أمره (طب في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجرا فقال: ما يصنع هؤلاء قال: يريدون الشدة فذكره قال الهيثمي: فيه شعيب بن سنان وعمران القطان وثقهما ابن حبان وضعفهما غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقوله يرفعون هكذا روي بالفاء قال العسكري: والصواب يربعون بموحدة تحتية الحديث: 2874 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 2875 - (ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي) قالوا: بلى يا رسول الله قال: (هم حملة القرآن) أي حفظته المداومون على تلاوته بتدبر (و) حملة (الأحاديث عني وعنهم) أي عن الأنبياء والصحابة (في الله وإليه) أي لا لغرض دنيا ولا لطمع في جاه ونحو ذلك فهؤلاء الفريقان هم خلفاء الدين وخلفاء اليقين على الحقيقة فأعظم بها من بشرى ما أسماها ومنقبة ما أعلاها (السجزي) يعني السجستاني نسبة إلى سجستان البلد المعروفة (في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (خط في) كتاب بيان (شرف أصحاب الحديث عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورواه عنه أيضا اللالكائي في السنة وأبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد الحديث: 2875 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 2876 - (ألا أرقيك) يا أبا هريرة (برقية) أي أعوذك بتعويذة يقال رقيته أرقيه رقيا وعوذته بالله والاسم الرقيا فعلى والمرة رقية والجمع رقى (رقاني بها جبريل) قال: بلى. قال: (تقول بسم الله أرقيك والله يشفيك) لفظه خبر والمراد به الدعاء (من كل داء) بالمد أي مرض (يأتيك من شر النفائات في العقد) النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ مع ريق قال في الكشاف: ولا تأثير لذلك أي للسحر اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به لكن الله قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الإمتحان ليميز الثبت المحق من غيره والمراد الاستعاذة من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهن به أو أنه استعاذ من فتنتهن للناس لسحرهن وما يخدعهم به من باطلهن أو استعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن (ومن شر حاسد إذا حسد) أي إذا أظهر حسده وعمل بقضيته من بغي الغوائل الحسود لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر منه يعود على المحسود بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وقد يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره والحسد الأسف على الخير عند أهل الخير أو تمني زوال نعمة الغير وختم الشرور بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس وفي الأرض من قابيل (ترقي بها ثلاث مرات) لفظ رواية الحاكم ثلاث مرار أي فإنها تنفع من كل داء إن صحبها إخلاص وصدق نية وقوة توكل. قال في المفهم: فيه أن ذلك لم يكن مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يفعله كل أحد وقد تأكد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتتأكد المحافظة على ذلك ففيه أسرار يدفع الله به هذا الإضرار (هـ ك عن أبي هريرة) قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم [ص: 111] يعوذني فذكره ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن أبي هريرة هكذا الحديث: 2876 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 2877 - (ألا أعلمك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث بخط المصنف (كلمات) عبر بصيغة جمع القلة إيذانا بأنها قليلة اللفظ فيسهل حفظها ونكرها تنويها بعظيم خطرها ورفعة محلها فتنوينها للتعظيم (تقوليهن (1) عند الكرب) بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيحزنه ويغمه (الله الله) برفعهما والتكرير للتأكيد (ربي لا أشرك به) أي بعبادته أي فيها (شيئا) من الخلق برياء أو طلب أجر لمن يسره أن يطلع على عمله فالمراد الشرك الخفي أو المراد لا أشرك بسؤاله أحدا غيره {إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا} وينبغي الاعتناء بهذا الدعاء والإكثار منه عند الكرب (حم د هـ عن أسماء) بفتح الهمزة والمد (بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم وبالمهملة الخثعمية من المهاجرات تزوجها علي كرم الله وجهه بعد الصديق   (1) تقوليهن بحذف نون الرفع في جميع النسخ التي اطلعت عليها فإن كانت الرواية بحذفها فهو للتخفيف الحديث: 2877 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 2878 - (ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير) بإسقاط الباء جبل طيء وأما بإثباتها فجبل باليمن والمراد هنا الأول ذكره ابن الأثير لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيته كتبها صبير بالباء وضبطها بفتح الصاد (دينا) قال الطيبي: يحتمل كون دينا تمييزا عن اسم كان لما فيه من الإيهام وعليك خبره مقدما عليه وأن يكون دينا خير كان وعليك حال من المستتر في الخبر والعامل معنى الفعل المقدر ومن جوز إعمال كان في الحال فظاهر على مذهبه (أداه الله عنك) إلى مستحقه وأنقذك من مذلته قال: بلى قال: (قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) من الخلق وفيه وفيما قبله وبعده أنه ينبغي للعالم أن يذكر للمتعلم أنه يريد تعليمه وينبهه على ذلك قبل فعله ليكون أوقع في نفسه فيشتد تشوقه إليه وتقبل نفسه عليه فهو مقدمة استرعى بها نفسه لتفهيم ما يسمع ويقع منه بموقع (حم ت ك) في الدعاء (عن علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2878 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 2879 - (ألا أعلمك) أيها الرجل الذي شكا إلينا هموما وديونا لزمته (كلاما إذا قلته أذهب الله تعالى همك وقضى عنك دينك) قال: بلى قال: (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت) أي دخلت في الصباح أو المساء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل) هما متقاربان عند الأكثر لكن الحزن عن أمر انقضى والهم فيما يتوقع والكسل عند انبعاث النفس ذكره بعضهم وقال القاضي: الهم في المتوقع والحزن فيما وقع أو الهم حزن يذيب الجسم يقال همني الأمر بمعنى أذابني وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه فهو أبلغ من الحزن الذي أصله الخشونة والعجز أصله التأخر عن الشيء من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها والكسل التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية إليه (وأعوذ بك من الجبن) أي ضعف القلب (والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين) أي استيلائه وكثرته (وقهر الرجال) غلبتهم وقال النوربشتي: [ص: 112] غلبة الدين أن يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء لثقله وقهر الرجال الغلبة لأن القهر يراد به السلطان ويراد به الغلبة وأريد به هنا الغلبة لما في غير هذه الرواية وغلبة الرجال كأنه أراد به هيجان النفس من شدة الشبق وإضافته إلى المفعول أي يغلبهم ذلك إلى هذا المعنى سبق فهمي ولم أجد في تفسيره نقلا. وقال بعضهم: قهر الرجال جور السلطان وقال الطيبي: من مستهل الدعاء إلى قوله والجبن يتعلق بإزالة الهم والآخر بقضاء الدين فعليه قوله قهر الرجال إما أن يكون إضافته إلى الفاعل أي قهر الدين إياه وغلبته عليه بالتقاضي وليس معه ما يقضي دينه أو إلى المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء دين من رجاله وأصحابه قال الرجل: ففعلت ذلك فأذهب الله همي وغمي وقضى ديني (د) في الصلاة (عن أبي سعيد) الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: أراك جالسا هنا في غير وقت الصلاة فقال: هموم لزمتني وديون فذكره قال الصدر المناوي: فيه غسان بن عوف بصري ضعيف الحديث: 2879 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 2880 - (ألا أعلمك) يا علي (كلمات إذا قلتهن غفر الله لك) أي الصغائر (وإن كنت مغفورا لك) الكبائر قال: علمني. قال: (قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين) قال الحكيم: هذه جامعة وحده أولا ثم وصفه بالعلو والعظمة ونزهه بهما عن كل سوء منزه منه علا عن شبه المخلوقين وعظمه عن درك المنكرين أن تبلغه قرائهم ثم وحده ثانية ثم وصفه بالحلم والكرم حلم فوسعهم حلما وكرم فغمرهم بكرمه عاملوه بما يحبه فعاملهم بما يحبون ثم عفى عنهم وقال في تنزيله {وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} ثم قال: {ولقد عفى عنكم} هذه معاملته ثم تنزه بالتسبيح وختمه بالتحميد (ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه ورواه الحاكم وقال: على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن حجر في فتاويه: أخرجه النسائي بمعناه وسنده صحيح وأصله في البخاري من طريق آخر اه. (ورواه خط) في التاريخ (بلفظ إذا أنت قلتهن وعليك مثل عدد الذر) بذال معجمة ثم راء أي صغار النمل (خطايا غفر الله لك) وهكذا رواه أيضا الطبراني قال الهيثمي: وفيه حبيب ابن حبيب أخو حمزة الزيات وهو ضعيف اه الحديث: 2880 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 2881 - (ألا أعلمك خصلات) إذا عملت بهن (ينفعك الله تعالى بهن) قال: علمني فقال: (عليك بالعلم) أي الزمه تعلما وتعليما والمراد العلم الشرعي ويلحق به آلته (فإن العلم خليل المؤمن) لأنه قد خله أي ضمه إلى الإيمان فإنه لما علم اهتدى فمال إلى من آمن به ليأتمر وينتهي بنهيه والخلة لغة الضم فكذا العلم لما ظهر في صدر المؤمن وجمعه حتى لا تنتشر جوارحه في شهواته وهواه سمي خليله (والحلم وزيره) لأن الحلم سعة الصدر وطيب النفس فإذا اتسع الصدر وانشرح بالنور أبصرت النفس رشدها من غيها وعواقب الخير والشر فطابت وإنما تطيب النفس بسعة الصدر وإنما تتسع ولوج النور الإلهي فإذا أشرق نور اليقين في صدره ذهبت الحيرة وزالت المخاوف واستراح القلب وهي صفة الحلم فهو وزير المؤمن يؤازره على أمر ربه على ما يقتضيه العلم فإذا نفد الحلم ضاقت النفس [ص: 113] وانفرد بلا وزير (والعقل دليله) على مراشد الأمور يبصره عيوبها ويهديه لمحاسنها ويزجره عن مساويها (والعمل قيمه) يهيء له مساكن الأبرار في دار القرار ويدبر له في معاشه طيب الحياة {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم} الآية. فالقيم شأنه أن يتوكل على الله حتى يكفيه مهماته (والرفق أبوه) فالأب له تربية ومع التربية عطف وحنو وتلطف بالولد فكذا الرفق يحوطه ويتلطف له في أموره ويعطف عليه في الراحة (واللين أخوه) فكما أن الأخ معتمد أخيه به استراحته وإذا أعيا استند إليه فاستراح فكذا اللين راحة المؤمن يهدي نفسه ويطمئن قلبه ويستريح بدنه من الحدة والشدة والغضب وعذاب النفس (والصبر أمير جنوده) لأن الصبر ثبات القلب على عزمه فإذا ثبت الأمير ثبت الجند لحرب العدو وإذا أتت النفس بلذاتها فغلبت القلب حتى تستعمل الجوارح في المنهي فقد ذهب الصبر وهو ذهاب العزم فبقي القلب أسيرا للنفس فانهزم العقل والحلم والعلم والرفق واللين وجميع جنوده الذي أعطيها (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) الحديث: 2881 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 2882 - (ألا أعلمك كلمات من يرد الله به خيرا) أي كثيرا (يعلمهن إياه) بأن يلهمه إياها ويسخر له من يعلمه ذلك (ثم لا ينسيه) الله إياهن (أبدا) قال: علمني قال: (قل اللهم إني ضعيف) أي عاجز يقال ضعف عن الشيء عجز عن احتماله (فقو في رضاك ضعفي) أي اجبره به والضعف بفتح في الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة حسيا كان ذلك كضعف الجسد أو معنويا كضعف الرأي أو قلة الاحتمال (وخذ إلى الخير بناصيتي) أي جرني إليه ودلني عليه (واجعل الإسلام منتهى رضاي) أي غايته وأقصاه (اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل) أي مستهان بي عند الناس (فأعزني وإني فقير فارزقني) أي ابسط لي في رزقي وفي رواية بدله فأغنني (طب عن ابن عمرو) بن العاص (ع ن عن بريدة) بن الحصيب قال الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى وهو متروك وفي محل آخر واه ضعيف جدا انتهى وقال غيره كذاب الحديث: 2882 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 2883 - (ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وتنفع من علمته) إياهن قال: علمنيهن قال: (صل ليلة الجمعة) أي ليلة جمعة كانت (أربع ركعات) أمر بالصلاة قبل الدعاء لأن طالب الحاجة يحتاج إلى قرع من بيده الأمر كله وأفضل قرع بابه بالصلاة لما فيها من تعظيم الله وتمجيده والثناء عليه والخشوع والافتقار والخضوع وغير ذلك (تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب) أي بسورة الفاتحة بتمامها (ويس) أي وبعدها تقرأ سورة يس بكمالها (وفي الثانية بفاتحة الكتاب) بتمامها (وحم الدخان) وبعدها تقرأ سورة حم الدخان بتمامها (وفي الثالثة بفاتحة الكتاب) بكمالها (وبالم السجدة) أي وتقرأ بعدها سورة السجدة (وفي الرابعة بفاتحة الكتاب) بتمامها (وتبارك المفصل) أي تقرأ بعدها سورة تبارك الذي هي من المفصل (فإذا فرغت من التشهد) في آخر الرابعة (فاحمد الله وأثن عليه) بما يستحقه من المحامد [ص: 114] والثناء وظاهر هذا أن يأتي بذلك قبل السلام (وصل على النبيين) المراد بهم هنا ما يشمل المرسلين جميعا (واستغفر للمؤمنين) أي والمؤمنات كما في نظائره (ثم) بعد إتيانك بذلك (قل اللهم ارحمني بترك المعاصي) جمع معصية (أبدا ما أبقيتني) أي مدة دوام بقائك لي في الدنيا (وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني) من قول أو فعل فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع) بحذف حرف النداء وهو مراد (السماوات والأرض) أي مبتدعهما يعني مخترعهما على غير مثال سبق (ذا الجلال) أي العظمة (والإكرام والعزة التي لا ترام) أي لا يرومها مخلوق لتفردك بها (أسألك يا الله يا رحمن بجلالك) أي بعظمتك (ونور وجهك) الذي أشرقت له السماوات والأرض (أن تلزم قلبي حب كتابك) يعني القرآن (كما علمتني) إياه والظاهر أن المراد تعقل معانيه ومعرفة أسراره فإن قوله كما علمتني يشير إلى أنه يدعو بذلك وهو حافظ له قائل له بلسانه فإن المراد المعرفة العلمية القلبية (وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني) بأن توفقني إلى النطق به على الوجه الذي ترضاه في حسن الأداء (وأسألك أن تنور بالكتاب بصري وتطلق به لساني وتفرج به كربي وتشرح به صدري وتستعمل به بدني وتقويني على ذلك وتعينني عليه فإنه لا يعينني على الخير غيرك ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط) (1) بنصب مؤمن بخط المصنف (ت طب عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب) في إيراده لأنه غايته أنه ضعيف   (1) [" وما أخطأ مؤمنا قط ": أي أن فائدة هذا الدعاء لم تفشل قط في إدراك المؤمن إذا دعا به. دار الحديث] الحديث: 2883 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 2884 - (ألا أنبئك بشر الناس) أي بمن هو شرهم قال: بلى قال: (من أكل وحده) بخلا وشحا أن يأكل معه نحو ضيفه أو تكبرا أو تيها أن يأكل معه عياله وأولاده (ومنع رفده) بالكسر عطاءه وصلته (وسافر وحده) أي منفردا عن الرفقة (وضرب عبده) يعني قنه عبدا أو أمة (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان المتصف بهذه القبائح قال: أنبئني قال: (من) أي إنسان (يبغض الناس ويبغضونه) لدلالته على أن الملأ الأعلى يبغضه وأن الله يبغضه (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان الذي هو في عداد الأشقياء (من يخشى) بالبناء للمجهول أي من يخاف الناس [ص: 115] (شره ولا يرجى خيره) أي ولا يرجى الخير من جهته (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان الذي هو من أهل النيران (من باع آخرته بدنيا غيره) إذ هو أخس الأخساء وأخسر الناس صفقة وأطولهم ندامة يوم القيامة (ألا أنبئك بشر من هذا من أكل الدنيا بالدين) كالعالم الذي جعل علمه مصيدة يصطاد بها الحكام ومرقاة لمصاحبة الحكام والزاهد الذي قصد بزهده ولبسه الصوف أن يعتقد ويتبرك به فيعطي ويعظم في النفوس فمن طلب الدنيا بالدين فما أعظم مصيبته وما أطول بغيه وأقطع خزيه وخسرانه فإن الدنيا التي يطلبها بالدين لا تسلم له والآخرة تسلب منه فمن طلبها بهما خسرهما جميعا ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعا. <تنبيه> من كلماتهم البليغة: أرضى الناس بالخسار بائع الدين بالدينار (ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل ورواه الطبراني من حديث ابن عباس وضعفه المنذري الحديث: 2884 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 2885 - (ألا أنبئكم بخياركم) أي بالذين هم من خياركم أيها المؤمنون قالوا: بلى قال: (الذين إذا رؤوا ذكر الله) أي بسمتهم وهيئتهم لكون الواحد منهم حزينا منكسرا مطرقا صامتا تظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه لا ينظر إليه ناظر إلا كان نظره مذكرا بالله وكانت صورته دليلا على علمه فأولئك يعرفون بسيماهم في السكينة والذلة والتواضع وقال العارف ابن عربي: من تحقق بعبوديته وتستر بعبادته بحيث إذا رؤي في غاية الضعف ذكر الله عند رؤيته فذلك عندنا هو الولي فهؤلاء هم الذين إذا رؤوا ذكر الله من صبرهم على البلاء ومحنة الله لهم الظاهرة فلا يرفعون رؤوسهم لغير الله في أحوالهم فإذا رؤي منهم مثل هذه الصفة ذكر الله بكونه اختصهم لنفسه قال: ومن لا علم له بما قلنا يقول الولي صاحب الحال هو الذي له التكوين والفعل بالهمة والتحكم في العالم والقهر والسلطان وهذه كلها أوصاف فإذا رؤوا ذكر الله وهذا قول من لا يعلم ومقصود الشارع ما ذكرناه (حم هـ) وكذا أبو نعيم (عن أسماء بنت يزيد) من الزيادة ابن السكن الأنصارية صحابية جليلة صاحبة حديث قال الهيثمي: فيه شهر بن حوشب وثقه غير واحد وضعف وبقية رجال أحد إسناديه رجال الصحيح الحديث: 2885 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 2886 - (ألا) قال القاضي: حرف تنبيه يؤكد بها الجملة المصدرة بها (أنبئكم بخير أعمالكم) أي أفضلها (وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها عند ربكم ومالككم (وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة (وخير لكم من إنفاق الذهب) قال الطيبي: مجرور عطف على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم ونفوسكم (والورق) بكسر الراء الفضة (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم) يعني الكفار (فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلونكم بسيف أو غيره (ذكر الله) لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى [ص: 116] الله تعالى والذكر هو المقصود الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا الله وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره {قل إنما يوحى إلي أنما الهكم إله واحد} أي الوحي مقصور على استئثار الله بالوحدانية لأن القصد الأعظم من الوحي التوحيد {وما أمروا إلا ليعبدوا الله} ولأمر ما تجد العارفين يؤثرونها على جميع الأذكار لما فيها من الخواص التي لا طريق إلى معرفتها إلا الوجدان والذوق قالوا: وهذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به ولو خوطب به شجاع باسل حصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له الجهاد أو الغنى الذي ينتفع به الفقراء بماله قيل له الصدقة والقادر على الحج قيل له الحج أو من له أصلان قيل له برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار وقال ابن حجر: المراد بالذكر هنا الذكر الكامل وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب وهذا لا يعدله شيء وأفضل الجهاد وغيره إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد وهذا الحديث يقتضي أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن وقضية الحديث المار وهو قوله أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن يقتضي عكسه فوقع التعارض بينهما وجمع الغزالي بأن القرآن أفضل لعموم الخلق والذكر أفضل للذاهب إلى الله في جميع أحواله في بدايته ونهايته فإن القرآن مشتمل على صنوف المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق فما دام العبد مفتقرا إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى له فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه فمداومة الذكر أولى به فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة والذاهب إلى الله لا ينبغي أن يلتفت إلى الجنة بل يجعل همه هما واحدا وذكره ذكرا واحدا ليدرك درجة الفناء والاستغراق ولذلك قال تعالى: {ولذكر الله أكبر} . <تنبيه> أخذ ابن الحاج من ذلك ترك طلب الدنيا أعظم عند الله من أخذها والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن أنه لا شيء أفضل من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها لنفسه وترك الآخر الدنيا فقال: أحبهما إلي الذي جانب الدنيا. (تنبيه آخر) قد أخذ الصوفية بقضية هذا الحديث فذهبوا أنه لا طريق إلى الوصول إلا الذكر قالوا: فالطريق في ذلك أولا أن يقطع علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه عن الأهل والمال والولد والوطن والعلم والولاية والجاه ويصير قلبه إلى حالة يستوي عنده فيها وجود ذلك وعدمه ثم يخلو بنفسه مع الاقتصار على الفرض والراتبة ويقعد فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى ذكر الله فلا يزال قائلا بلسانه الله الله على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه لا يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح ورد عليهم النظار وذوي الاعتبار بما حاصله أن تقديم تعلم العلم أوفق وأقرب إلى الغرض ثم لا بأس أن يعقبه بالمجاهدة المذكورة (ت) في الدعوات (هـ) في ثواب التسبيح (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) عويمر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وسنده حسن الحديث: 2886 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 2887 - (ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا) أي مشغولة بلذات المطاعم والملابس غافلة عن أعمال الآخرة (جائعة عارية) بالرفع خبر المبتدأ أي هي لأنه إخبار عن حالها (يوم القيامة) أي تحشر جائعة عارية يوم الموقف الأعظم (ألا [ص: 117] يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة) من طعام دار الرضى (ناعمة يوم القيامة) بطاعتها مولاها وعدم رضاها بما رضي به الكفار في الدنيا قال تعالى: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة} (ألا يا رب مكرم لنفسه) بمتابعة هواها وتبليغها مناها بتبسطه بألوان طعام الدنيا وشرابها وتزينه بملابسها ومراكبها وتقلبه في مبانيها وزخاريفها (وهو لها مهين) فإن ذلك يبعده عن الله ويوجب حرمانه من منال حظ المتقين في الآخرة (ألا يا رب مهين لنفسه) بمخالفتها وإذلالها وإلزامها بعدم التطاول والاقتصار على الأخذ من الدنيا بأطراف الأصابع بقدر الحاجة (وهو لها مكرم) يوم العرض الأكبر لسعيه لها فيما يوصلها إلى السعادة الدائمة الأبدية والراحة المتصلة السرمدية ولله در القائل وهو أبو إسحاق الشيرازي: صبرت على بعض الأذى خوف كله. . . ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت وجرعتها المكروه حتى تجرعت. . . ولو جملة جرعتها لاشمأزت فيا رب عز ساق للنفس ذلة. . . ويا رب نفس بالتذلل عزت وما العز إلا خيفة الله وحده. . . ومن خاف منه خافه ما أقلت (ألا يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله عند الله من خلاق) أي نصيب في الآخرة لاستيفائه حظ نفسه في الدنيا فعلى المتصرف في الأموال العامة إذا أراد سلوك مناهج السلامة الاقتصار على الكفاف وقبض اليد عن التبسط في الاختصاص بالمال العام وقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتاب حين ولاه مكة عام الفتح درهما شرعيا كل يوم وقد فرض عمر لنفسه ولأهله لما ولي الخلافة وكذا فعل ابن عبد العزيز (ألا وإن عمل الجنة) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (حزن) ضد السهل (بربوة) بضم الراء وتفتح مكان مرتفع سمي ربوة لأنها ربت فعلت (ألا وإن عمل النار) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (سهل بسهوة) بسين مهملة أرض لينة التربة شبه المعصية في سهولتها على مرتكبها بأرض سهلة لا حزونة فيها وإيضاح ذلك أن طريق الجنة وإن كانت مشقة على النفس لاشتمالها على مخالفة هواها بتجنب ما تهواه وفعل ما يشق عليها فلا يتوصل إليها إلا بارتكاب ما يشق على النفس وترك ما تشتهيه من لذاتها لكن ليس في ذلك خطر الهلاك إذ لا خطر في قهر النفس وترك شهواتها (ألا يا رب شهوة ساعة) واحدة كشهوة نظر إلى مستحسن محرم يفضي به إلى مواقعة كبيرة أو كلمة باطلة يمنع بها حقا أو يحق بها باطلا كأن يقتطع بها مال مسلم أو يسفك دمه أو يهتك عرضه (أورثت حزنا طويلا) في الدنيا والآخرة فالعاقل الحازم لنفسه المحتاط لها يأخذ لنفسه من الدنيا بقصد الحاجة لا بقصد اللذة ويأخذ لأهله ولغيره بالحاجة واللذة لا بالتطاول وفي الحديث أعظم زجر عن متابعة الشهوات وأبلغ حث على حفظ اللسان والجنان وهو من جوامع الكلم (ابن سعد) في الطبقات (هب عن أبي البجير) بالجيم صحابي قال الذهبي: له حديث وخرجه عنه الديلمي في مسند الفردوس أيضا وعزاه المنذري إلى تخريج ابن أبي الدنيا ثم ضعفه الحديث: 2887 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 2888 - (إياك) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره من قبيل قولهم إياك والأسد وأهلك والليل وتقديره هنا باعد واتق (وكل أمر يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما تحتاج أن تعتذر عنه. قال ذا النون: ثلاثة من أعلام الكمال: [ص: 118] وزن الكلام قبل التفوه به ومجانبة ما يحوج إلى الاعتذار وترك إجابة السفيه حلما عنه وأخرج أحمد في الزهد عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه: إياك وما يعتذر منه من القول والعمل وافعل ما بدا لك وفي رواية فإنه لا يعتذر من خير وخرج ابن عساكر عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز: احفظ عني أربعا: لا تصحب سلطانا وإن أمرته بمعروف ونهيته عن منكر ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن ولا تصلن من قطع رحمه فإنه لك أقطع ولا تتكلمن بكلام تعتذر منه غدا. وأخرج القالي في أماليه عن بعضهم: دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فلست بموسع عذرا كل من أسمعته نكرا وهذا الحديث عده العسكري من الأمثال وقد قال جمع: بهاتين الكلمتين جميع آداب الدنيا والدين وفيه جمع لما ذكره بعض سلفنا الصوفية أنه لا ينبغي دخول مواضع التهم ومن ملك نفسه خاف من مواضع التهم أكثر من خوفه من وجود الألم فإن دخولها يوجب سقم القلب كما يوجب الأغذية الفاسدة سقم البدن فإياك والدخول على الظلمة وقد رأى العارف أبو هاشم عالما خارجا من بيت القاضي فقال له: نعوذ بالله من علم لا ينفع (الضياء) المقدسي (عن أنس) قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني وأوجز فذكره ورواه عنه أيضا الديلمي في مسند الفردوس وسنده حسن قال: وأخرج البخاري في تاريخه وأحمد في الإيمان والطبراني في الكبير بسند جيد عن سعد بن عبادة الأنصاري وله صحبة موقوفا انظر إلى ما يعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر بلفظ إياك وما يعتذر منه الحديث: 2888 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 2889 - (إياك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (وما يسوء الأذن) قال ذلك ثلاثا والمراد احذري النطق بكلام يسوء غيرك إذا سمع عنك ذلك فإنه موجب للتنافر والتقاطع والعداوة وربما أوقع في الشرور والمراد بالأذن قوة منبثة في العصب المفروش في قعر الصماخ فيه تحذير من الغيبة لوخامة عاقبتها (حم م عن ابن أبي الغادية) بغين معجمة في خط المصنف قال: خرجت أنا وحبيب بن الحرث وأم العلاء مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا فقالت المرأة: أوصني فذكره (أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن العاص بن عمرو الطفاوي بن حبيب (بن الحارث) قلت: يا رسول الله أوصني فذكره قال في الإصابة: العاص مجهول (طب عن عمة العاص بن عمرو الطفاوي) بضم الطاء وفتح الفاء وبعد الألف واو نسبة إلى طفاوة بطن من قيس عيلان قال: حدثتني عمتي قالت: دخلت مع ناس على النبي صلى الله عليه وسلم قلت: حدثني حديثا ينفعني الله به فذكره قال الهيثمي: فيه العاص بن عمرو الطفاوي وهو مستور روى عنه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وتمام بن السريع وبقية رجال المسند رجال الصحيح اه وقال السخاوي: هذا مرسل فالعاص لا صحبة له وقال شيخي يعني ابن حجر مجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات اه ولذلك لم يذكره الذهبي في الصحابة الحديث: 2889 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 2890 - (إياك وقرين السوء) بالفتح مصدر (فإنك به تعرف) أي تشتهر بما اشتهر من السوء قال تعالى: {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} ومن ثم قالوا: الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب. وقال علي كرم الله وجهه: الصاحب مناسب ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب. وقال بعض الحكماء: اعرف أخاك بأخيه قبلك وقال آخر: يظن بالمرء لا يظن بقرينه قال عدي: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه. . . فكل قرين بالمقارن يقتدي فمقصود الحديث التحرز من أخلاء السوء وتجانب صحبة الريب ليكون موفور العرض سليم العيب فلا يلام [ص: 119] بلائمة غيره (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) الحديث: 2890 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 2891 - (إياك والسمر بعد هدأة) بفتح وسكون (الرجل) بكسر الراء وسكون الجيم وفي رواية الليل بدل الرجل ذكره المصنف على حاشية نسخته (1) (فإنكم لا تدرون ما يأتي الله تعالى في خلقه) (ك) في الأدب (عن جابر) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي   (1) ومراده النهي عن التحدث بعد سكون الناس وأخذهم مضاجعهم ثم علل ذلك بقوله: فإنكم الحديث: 2891 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 2892 - (إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزا لكنه يوجب الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده فلا ينافيه ما ورد في المستدرك وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أهديت له حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة فلبسها مرة على أنه وإن داوم على ذلك فليس غيره مثله فإن المعصوم واقف على حدود المباح فلا يحمله ذلك على ما يخاف غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك وأما غيره فعاجز عن ذلك فالتفريج على تنعمه بالمباح خطر عظيم لإبعاده عن الخوف قال العارف الجنيد: دخلت على العارف السري وهو يبكي فسألته فقال: جاءته البارحة الصبية فقالت: يا أبت هذا الكوز أعلقه لك يبرد فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء فقلت: لمن أنت قالت: لمن لا يشرب الماء المبرد فكسرت الكوز (حم هب عن معاذ) قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وقال المنذري بعد ما عزاه لأحمد والبيهقي: رواة أحمد ثقات الحديث: 2892 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 2893 - (إياك والحلوب) أي احذر ذبح شاة ذات لبن فعولة بمعنى مفعولة يقال: ناقة حلوب أي هي مما يحلب قاله لأبي التيهان الأنصاري لما أضافه فأخذ الشفرة وذهب ليذبح له وفيه قصة طويلة مشهورة في الأطعمة (1) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وخرجه الترمذي في الشمائل مطولا   (1) وسببه أن سيد المرسلين رأى من نفسه جوعا فخرج فرأى أبا بكر وعمر قال: قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار وسألهما عما أخرجهما فقالا: الجوع يا رسول الله فقال: وأنا كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء الرجل ليذبح وفرح بهم قائلا: من أكرم مني اليوم أضيافا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك فذكره وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا: الجوع يا رسول الله قال: وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما قوما فقاما معه فأتوا رجلا من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا منها ومن ذلك العذق وشربوا حتى شبعوا ورووا الحديث: 2893 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 2894 - (إياك والخمر) أي احذر شربها (فإن خطيئتها تفرع) بمثناة فوقية مضمومة وفاء وراء مشددة وعين مهملة (الخطايا) أي تطول وتكثر الذنوب يعني خطيئة الشرب تطول سائر الخطايا وتعلوها وتزيد عليها (كما أن شجرتها) يعني الكرمة (تفرع الشجر) أي تطول سائر الشجر التي تتعلق بها وتتسلق عليها فتعلوها شبه المعقول بالمحسوس وجعل [ص: 120] الأحكام الشرعية كالأعيان المرئية والخمر طريق إلى الفواحش ومحسنة لها ومرقاة إلى كل خبيئة ولذا سميت أم الخبائث (هـ عن خباب) بن الأرت وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس الحديث: 2894 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 2895 - (إياك ونار المؤمن لا تحرقك) أي احذرها لئلا تحرقك يعني احذر أذى المؤمن فإن النار تسرع إلى من آذاه كهيئة الاختطاف فمن تعرض بمكروه أحرقه بنار نوره وذلك لأن لكل نور نار ولكل نار حريقا وحريق كل نار على قدره وعظم كل مؤمن على قدر نوره ونوره على قدر قربه ودنوه من ربه فاعلم أن الكلام في المؤمن الكامل فهو الذي له نار تحرق فأما غيره فلا نار له محرقة وإنما معه نور التوحيد فمن تعرض لأذى الكامل فقد تعرض للهلاك فليحذر من النظر إليه بعين الإزراء وإن وقعت منه هفوة أو هفوات (فإنه وإن عثر كل يوم سبع مرات) أراد التكثير لا التحديد وإن تكرر منه السقوط في الكبوات والهفوات كل يوم (فإن يمينه) أي يده اليمنى (بيد الله) بمعنى أنه لا يكله لنفسه ولا يتخلى عنه بل يقيله من عثرته ويعفو عن زلته (إذا شاء أن ينعشه) أي ينهضه ويقوي جانبه (أنعشه) أي إذا شاء أن يقيله من عثرته أقاله فهو ممسكه وحافظه وإنما قدر عليه تلك العثرة ليجدد عليه أمرا ويرفع له شأنا وقدرا إن أحدكم ليدخل الجنة بالذنب يصيبه وليست تلك عثرة رفض بل عثرة تدبير فعثرات الأولياء تتجدد لهم بها كرامات ويبرز لهم ما كان غيبا عنهم من المحبة والعطف فينعشهم بذلك (الحكيم) الترمذي (عن الغار بن ربيعة) لم أر في الصحابة فيما وقفت عليه من اسمه كذلك فلينظر الحديث: 2895 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 2896 - (إياكم) بالنصب على التحذير (والطعام الحار) أي تجنبوا أكله حتى يبرد (فإنه) أي أكله حارا (يذهب بالبركة (1) إذ الآكل منه يأكل وهو مشغول بأذية حره فلا يدري ما أكل (وعليكم بالبارد) أي الزموا الأكل منه (فإنه أهنأ) للأكل (وأعظم بركة) من الحار فإن قلت: أول الحديث ناطق بأنه لا بركة فيه وختامه يشير إلى أن في كليهما بركة لكنها في البارد أعظم فهو كالمتدافع قلت: يمكن حمل قوله أولا يذهب بالبركة على أن المراد بمعظمها لا كلها فلا تدافع (عبدان في) كتاب معرفة (الصحابة عن بولا) بموحدة غير منسوب قال ابن حجر: الحديث إسناده مجهول كذا أورده أبو موسى بالموحدة لكن ذكره عبد الغني في المؤتلف بمثناة فوقية وهو الصواب وذكره ابن قانع بالموحدة فصحفه وأخطأ في إسناده اه ملخصا   (1) قوله: يذهب بالبركة الباء للتعدية أي يذهب بمعظمها الحديث: 2896 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 2897 - (إياكم والحمرة) أي اجتنبوا التزين باللباس الأحمر القاني (فإنها أحب الزينة إلى الشيطان) بمعنى أنه يحب هذا اللون ويرضاه ويعطف على من تزين به ويقرب منه وهذا تمسك به من حرم لبس الأحمر القاني كالحنفية (طب عن عمران بن حصين) قال الديلمي: وفي الباب عبد الرحمن بن يزيد اه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي لم أعرفه وفي الآخر بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة وبقية رجالهما ثقات الحديث: 2897 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 2898 - (إياكم وأبواب السلطان) أي اجتنبوها ولا تقربوا بابا منها (فإنه) يعني باب السلطان الذي هو واحد الأبواب (قد [ص: 121] أصبح صعبا) أي شديدا (هبوطا) أي منزلا لدرجة من لازمه مذلا له في الدنيا والآخرة ثم إن لفظ هبوطا بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني حبوطا بحاء مهملة أي يحبط العمل والمنزلة عند الله تعالى. قال الديلمي: وروي خبوطا بخاء معجمة والخبط أصله الضرب والخبوط البعير الذي يضرب بيده على الأرض اه وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه أغلا منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلك ويهلك (طب عن رجل من بني سليم) يعني به الأعور السلمي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه أيضا باللفظ المزبور عن أبي الأعور المذكور أبو نعيم والديلمي والبيهقي في الشعب الحديث: 2898 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 2899 - (إياكم ومشارة الناس) في رواية مشارة بفك الإدغام مفاعلة من الشر أي لا تفعل بهم شرا تحوجهم إلى أن يفعلوا بك مثله (فإنها تدفن الغرة) بغين معجمة مضمومة وراء مشددة الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس وكل شيء ترتفع قيمته فهو غرة (وتظهر العرة) بعين مهملة مضمومة وراء مشددة وهي القذر استعير للعيب والدنس ورأيت بخط الحافظ ابن حجر في اللسان العورة بدل العرة قال رجل للأعمش: كنت مع رجل فوقع فيك فههمت به فقال: لعل الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئا وقيل لبعضهم: فلان يبغضك قال: ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال مالك لمطرف: ما تقول في الناس قال: الصديق يثني والعدو يقع قال: وما زال الناس هكذا عدو وصديق لكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها (هب عن أبي هريرة) ظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه تفرد به الوليد بن سلمة الأردني وله من مثال هذا أفراد لم يتابع عليها اه والوليد هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: تركه الدارقطني ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أن شيخ الطبراني محمد بن الحسن بن هديم لم أعرفه الحديث: 2899 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 2900 - (إياكم والجلوس) أي احذروا ندبا القعود (على) في رواية في (الطرقات) يعني الشوارع المسلوكة وفي رواية الصعدات بضمتين وهي كالطرقات وزنا ومعنى وذلك لأن الجالس بها قلما سلم من رؤية ما يكره أو سماع ما لا يحل والاطلاع على العورات ومعاينة المنكرات وغير ذلك مما قد يضعف القاعد عليها عن إزالته فقالوا: ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال: (فإن) وفي رواية فإذا (أبيتم) من الإباء (إلا) بالتشديد (المجالس) بفتح الميم مصدر ميمي أي إن امتنعتم إلا عن الجلوس في الطريق كأن دعت حاجة فعبر عن الجلوس بالمجالس وفي رواية فإن أتيتم إلى المجالس بالمثناة وبإلى التي للغاية (فأعطوا) بهمزة قطع (الطريق حقها) أي وفوها حقوقها الموظفة على الجالس فيها قالوا: يا رسول الله وما حق الطريق قال: (غض) وفي رواية لأحمد غضوض قال أبو البقاء: جمع غض وجاز أن يجمع المصدر هنا لتعدد فاعليه ولاختلافه قال: ويجوز أن يكون واحدا كالقعود والجلوس (البصر) أي كفه عن النظر إلى المحرم (وكف الأذى) أي الامتناع مما يؤذي المارة من نحو إزراء وغيبة (ورد السلام) على المسلم من المارة إكراما له (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإن ظن أن ذلك لا يفيد أي ونحو ذلك كإغاثة ملهوف وتشميت عاطس وإفشاء سلام وغير ذلك من كل ما ندبه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات وزاد أبو داود وإرشاد السبيل والطبراني وإغاثة الملهوف والنهي للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء هذه الحقوق واحتج به من قال إن سد الذرائع أولوي لا لزومي لأنه أولا نهى [ص: 122] عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا لا بد لنا منه فسح لهم فيه بشرط أن يعطوا الطريق حقها (حم د ق عن أبي سعيد) الخدري قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة وغيره الحديث: 2900 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 2901 - (إياكم والظن) أي احذروا اتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل قال الغزالي: وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضا فالمنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته فما لم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق انتهى وقال العارف زروق: إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. . . وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عدوه. . . وأصبح في ليل من الشك مظلم (فإن الظن) أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس فإنه لزيادة تمكن المسند إليه في ذكر السامع حث على الاجتناب (أكذب الحديث) أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان واستشكل تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقته الواقع قولا أو غيره أو ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا. قال الغزالي: من مكائد الشيطان سوء الظن بالمسلمين {إن بعض الظن إثم} ومن حكم بشيء على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو ينظر إليه بعين الإحتقار ويرى نفسه خيرا منه وكل ذلك من المهلكات ولذلك منع الشرع من التعرض للتهم. <تنبيه> قال الراغب: الظن إصابة بضرب من الأمارة ولما كانت الأمارة مترددة بين يقين وشك فيقرب تارة من طرف اليقين وتارة من طرف الشك صار تفسير أهل اللغة مبهما والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح ومتى كان عن تخمين لم يعتمد وذم به {إن بعض الظن إثم} اه (ولا تجسسوا) بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي: التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس وقال الزمخشري: التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك ويستثنى منه ما لو تعين طريقا لإنقاذ محترم من هلاك أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا برجل ليقتله أو امرأة ليزني بها فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده (ولا تحسسوا) بحاء مهملة أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية وقيل الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره والثاني أن يتولاه بنفسه وقيل الأول يختص بالشر والثاني أعم (ولا تنافسوا) بفاء وسين من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به ومنه {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وروي تناجشوا من النجش. قال القاضي: التناجش أن يزيد هذا على هذا وذاك على ذاك في البيع وقيل المراد بالحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة (ولا تحاسدوا) أي لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من التنافس وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا قال في العارضة: المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون [ص: 123] خاصة (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه لا يكتسب ابتداء (ولا تدابروا) أي تتقاطعوا من الدبر فإن كلا منهما يولي صاحبه دبره. قال في العارضة: التدابر أن يولي كل منهم صاحبه دبره محسوسا بالأبدان أو معقولا بالعقائد والآراء والأقوال قال ابن القيم: والفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة ليس فيها حرص على الخير (وكونوا عباد الله) بحذف حرف النداء (إخوانا) أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر وغيره فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لم تتركوا صرتم أعداء (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه) بكسر الخاء بأن يخطب امرأة فيجاب فيخطبها آخر وظاهره ولو كان الأول فاسقا (حتى ينكح أو يترك) أي يترك الخاطب الخطبة فإذا تركها جاز لغيره خطبتها وإن لم يأذن له فظاهر ذكر الأخ اختصاص النهي بما إذا كان الخاطب مسلما فإن كان كافرا لم تحرم لكن الجمهور على أن ذكر الأخ غالبي والنهي للتحريم لا للتنزيه اتفاقا لكن له شروط مبينة في الفروع. <تنبيه> أخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: ما لكم لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم (مالك) في الموطأ (حم ق) في الأدب (د ت عن أبي هريرة) الحديث: 2901 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 2902 - (إياكم والتعريس) أي النزول آخر الليل لنحو نوم (على جواد الطريق) بتشديد الدال جمع جادة أي معظم الطريق والمراد نفسها (والصلاة عليها) أي الطريق يعني فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن) أي الأمور الحاملة على اللعن والشتم الجالبة لذلك والمصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته رحيم بهم فأرشد إلى تجنب ما هو مظنة حصول التأذي (هـ عن جابر) بن عبد الله سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعف كعادته في الضعيف وكأنه اغتر بقول المنذري رواته ثقات لكن قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه: هذا الحديث معلل بأمرين: الأول ضعف عمرو بن أبي سلمة أحد رجاله فإن يحيى ضعفه وابن معين قال لا يحتج به والثاني أن فيه انقطاعا لكن رواه البزار مختصرا بسند على شرط مسلم اه. وقال الولي العراقي: فيه سالم الخياط وفيه خلف واختلف في سماع الحسن عن جابر ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 2902 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 2903 - (إياكم والوصال) أي اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها. قال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما قالوا: فإنك تواصل قال: (إنكم لستم في ذلك مثلي) أي على صفتي أو منزلتي من ربي (إني أبيت) في رواية أظل والبيتوتة والظلول يعبر بهما عن الزمن كله ويخبر بهما عن الدوام أي أنا عند ربي دائما أبدا وهي عندية تشريف (يطعمني ربي ويسقيني) حقيقة بأن يطعمه من طعام الجنة وهو لا يفطر أو مجازا عما يغذيه الله به من المعارف ويفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثرا من غذاء الأجسام والأشباح فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق فالنظر للأول الذي يفاض عليهم به من المبدأ الأول مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر وبالنظر للثاني الذي به يفيضون يلحقهم ذلك ظاهرا [ص: 124] لموافقته للجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم ربانية مغتذية بلذة المناجاة فلا منافاة بين ما ذكر هنا وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز البشرية من جوع ولا غيره فهاك هذا الجمع عفوا صفوا فقلما تراه مجموعا في كتاب وقل من تعرض له من الأنجاب (فاكلفوا) بسكون فضم احملوا (من العمل ما تطيقون) بين به وجه حكمة النهي وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله والخضوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة وشدة الجوع تنافيه وتحول بين المكلف وبينه ثم الجمهور على أن الوصال للنبي مباح وقال الإمام: قربة وفي المطلب أن خصوصيته به على كل أمته لا على كل فرد فرد فقد اشتهر عن كثير من الأكابر الوصال وقال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما (ق عن أبي هريرة) الحديث: 2903 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 2904 - (إياكم) نصب على التحذير (وكثرة الحلف في البيع) أي توقوا إكثاره فهو للزجر والتحذير على حد إياك والأسد أي باعد نفسك عنه واحذره وتقييده بالكثرة يؤذن بأن المراد النهي عن إكثار الأيمان ولو صادقة لأن الكثرة مظنة الوقوع في المكذب كالواقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه مع ما فيه من ذكر الله لا على جهة تعظيمه بل تعظيم السلعة فالحلف لها لا له أما الكاذبة فحرام وإن قلت (فإنه) تعليل لما قبله (ينفق) أي يروج البيع (ثم يمحق) بفتح حرف المضارعة أي يذهب بركته بوجه ما من تلف أو صرف فيما لا ينفع. قال الطيبي: ثم للتراخي في الزمن يعني وإن أنفق اليمين المبيع حالا فإنه يذهب بالبركة مآلا ويحتمل كونها للتراخي في الرتبة أي إن محقه لبركته أبلغ حينئذ من الإنفاق والمراد من محق البركة عدم النفع به دنيا أو دينا حالا أو مآلا أو أعم (حم م ن هـ) كلهم في البيع (عن أبي قتادة) الأنصاري ولم يخرجه بهذا اللفظ البخاري الحديث: 2904 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 2905 - (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول (على النساء) ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ذكر الغزالي أن راهبا من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان: اسجد لي تنج فسجد له فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده (حم ق ت عن عقبة بن عامر) وتمام الحديث قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو قال: الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية والحمو أخو الزوج وقريبه الحديث: 2905 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 [ص: 125] 2906 - (إياكم والشح) الذي هو قلة الإفضال بالمال فهو في المال خاصة أو عام رديف البخل أو أشد وإذا صحبه حرص أو مع الواجب أو أكل مال الغير أو العمل بالمعاصي كما سبق (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالشح) كيف وهو من سوء الظن بالله (أمرهم بالبخل فبخلوا) بكسر الخاء (وأمرهم بالقطيعة) للرحم (فقطعوها) ومن قطعها قطع الله عنه رحمته وإفضاله (وأمرهم بالفجور) أي الميل عن القصد والسداد والإنبعاث في المعاصي (ففجروا) أي أمرهم بالزنا فزنوا والحاصل أن الشح من جميع وجوهه يخالف الإيمان {أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا} ومن ثم ورد لا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبدا قال الماوردي: وينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق ناهيك بها ذما: الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق فالحرص شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية والاستكثار بغير حاجة وهذا فرق ما بين الحرص والشره وسوء الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها والخاتمة منع الحقوق لأن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول (د ك) في الزكاة (عن ابن عمرو) بن العاص قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2906 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 2907 - (إياكم والفتن) أي احذروا وقعها والقرب منها (فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف) فإنه يؤدي إلى وقع السيف بآخرة (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحارث الحارثي ضعفوه الحديث: 2907 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 2908 - (إياكم والحسد) وهو كما قال الحرالي: قلق النفس من رؤية النعمة على الغير وهو اعتراض على الحق ومعاندة له ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما أهله له ومن ثم قال: (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات. <تنبيه> قال الغزالي: الحاسد جمع لنفسه بين عذابين لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذبا بالحسد وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذابا في الآخرة فقصد محسوده فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته فهو صديقه وعدو نفسه وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده فقد قيل: وإذا أراد الله نشر فضيلة. . . طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت. . . ما كان يعرف طيب نشر العود (د) في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده (عن أبي هريرة) وجد إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال: لا يصح الحديث: 2908 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 2909 - (إياكم والغلو في الدين) أي التشديد فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها [ص: 126] وغوامض متعبداتها (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالغلو في الدين) والسعيد من اتعظ بغيره وهذا قاله غداة العقبة وأمرهم بمثل حصى الخذف قال ابن تيمية: قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن بقوله تعالى: {لا تغلوا في دينكم} وسبب هذا الأمر العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار على أنه أبلغ من الصغار ثم علله بقوله بما يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه الهلاك (حم ن هـ ك عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن منيع والحلواني والديلمي وغيرهم قال ابن تيمية: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم الحديث: 2909 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 2910 - (إياكم والنعي) بفتح فسكون وهو خبر الموت (فإن النعي من عمل الجاهلية) كانوا إذا مات منهم ذو قدر ركب منهم إنسانا فرسا ويقول نعاه أي كنزال فلانا أي انعه وأظهر خبر موته فهذا إذا وقع على وجه النوح يكون حراما وأما الإعلام بموته من غير نوح فلا بأس به (ت عن ابن مسعود) قال عبد الحق: روي مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وتعقبه ابن القطان بما محصوله أنه ضعيف كيفما كان لكن رواية الرفع ضعف وممن بين ضعفه مطلقا الترمذي نفسه نعم روى الترمذي بسند صحيح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي الحديث: 2910 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 2911 - (إياكم والتعري) أي التجرد عن اللباس وكشف العورة حرام إن كان ثم من يحرم نظره إليه وأما إن كان في خلوة فإن كان لغرض جاز وإن كان لغير غرض حرم كشف السوءتين فقط (فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله) أي يجامع حليلته يريد الكرام الكاتبين (فاستحيوهم) أي استحيوا منهم (وأكرموهم) بالتستر بحضرتهم وعدم هتك حرمتهم (ت) في الاستئذان (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال حسن غريب قال ابن القطان: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه ليث بن أبي سليم والترمذي نفسه دائما يضعفه ويضعف به الحديث: 2911 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 2912 - (إياكم وسوء ذات البين) أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد والبين من الأضداد الوصل والفراق (فإنها الحالقة) أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب أو المهلكة من حلق بعضهم بعضا أي قتل مأخوذ من حلق الشعر وقال الزمخشري: الحالقة قطيعة الرحم والتظالم لأنها تجتاح الناس وتهلكهم كما يحلق الشعر يقال: وقعت فيهم حالقة لم تدع شيئا إلا أهلكته اه (ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال: صحيح غريب انتهى وفيه عبد الله بن جعفر المخزومي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة وقال ابن حبان: يستحق الترك الحديث: 2912 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 2913 - (إياكم والهوى فإن الهوى يصم ويعمي) قال الحرالي: الهوى نزوع النفس إلى سفل شهواتها مقابلة معتلي الروح لمنبعث الإنبساط لأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار وكان العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علوا وسفلا قاله الحرالي وقال القاضي: الهوى ميل النفس إلى ما تشتهيه والمراد هنا الاسترسال في الشهوات ومطاوعة النفس في كل ما تريد وسمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا [ص: 127] إلى الداهية وفي الآخرة إلى الهاوية قال العارف الجنيد: أرقت ليلة وفقدت حلاوة وردي ثم اضطجعت لأنام فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط فخرجت فإذا برجل ملتف بعباءة مطروح في الطريق فقال: إلي الساعة قلت: من غير موعد قال: بلى سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك. قلت: قد فعل قال: متى يصير داء النفس دواءها قلت: إذا خالف هواها قال: يا نفس اسمعي أجبتك به مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد ثم انصرف اه وقال الماوردي: الهوى عن الخير صاد وللعقل مضاد ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهتوكا ومدخل الشر مسلوكا (السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عباس) الحديث: 2913 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 2914 - (إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا) إما شك من الراوي وإما لأن الحق غير مرادف للصدق فإن الحق يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على مطابقة الواقع ويقابله الباطل وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله الكذب (ومن تقول) بشد الواو (علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ له نزلا أي بيتا فيها ومن ثم كان أكابر الصحب يتحرون عدم التحديث قال علي كرم الله وجهه: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم أسمعه (حم هـ ك عن أبي قتادة) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على هذا المنبر فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وله شاهد بإسناد آخر وأقره الذهبي عليه الحديث: 2914 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 2915 - (إياكم ودعوة المظلوم) أي احذروا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كانت من كافر فإنه) أي الشأن وفي رواية للبخاري فإنها أي الدعوة (ليس لها حجاب دون الله عز وجل) يعني أنها مستجابة قطعا وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه قال ابن الجوزي: الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا لضعيف لا يمكنه الإنتصار وإنما نشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى اكتنفت الظالم ظلمات الظلم حتى لا يغني عنه ظلمه شيئا (سمويه عن أنس) وله شواهد كثيرة سبقت ويجيء كثير منها الحديث: 2915 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 2916 - (إياكم ومحقرات الذنوب) أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اه. وإن الله يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلا زيادة في التوضيح فقال: (فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به وقال الغزالي: تصير الصغيرة [ص: 128] كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله وكلما استصغره عظم عند الله لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به واستصغاره يصدر عن الألفة به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة والمحذور تسويده بالخطيئة وقال الحكيم: إذا استخف بالمحقرات دخل التخلط في إيمانه وذهب الوقار وانتقص من كل شيء بمنزلة الشمس ينكسف طرف منها فبقدر ما انكسف ولو كرأس إبرة ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا وخلص النقصان إلى كل شيء في الأرض فكذا نور المعرفة ينقص بالذنب على قدره فيصير قلبه محجوبا عن الله فزوال الدنيا بكليتها أهون من ذلك فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك حتى يستوجب الحرمان (حم طب هب والضياء) المقدسي كلهم (عن سهل ابن سعد) قال الهيثمي: كالمنذري رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة الحديث: 2916 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 2917 - (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة) ذكر الأرض أو الفلاة مقحم (فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما فيها) قال الغزالي: وتواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة مع لين الماء وصلابة الحجر قال العلائي: أخذ من كلام حجة الإسلام أن مقصود الحديث الحث على عدم التهاون بالصغائر ومحاسبة النفس عليها وعدم الغفلة عنها فإن في إهمالها هلاكه بل ربما تغلب الغفلة على الإنسان فيفرح بالصغيرة ويتحجج بها ويعد التمكن منها نعمة غافلا عن كونها وإن صغرت سبب للشقاوة حتى أن من المذنبين من يتمدح بذنبه لشدة فرحه بمفارقته فيقول أما رأيتني كيف مزقت عرضه ويقول المناظر: أما رأيتني كيف فضحته وذكرت مساوئه حتى أخجلته وكيف استخففت به وحقرته ويقول التاجر: أما رأيت كيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته وغبنته وذلك وأمثاله من المهلكات (حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمران القطان وقد وثق اه وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد وقال العلائي: حديث جيد على شرط الشيخين وقال ابن حجر سنده حسن الحديث: 2917 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 2918 - (إياكم ومحادثة النساء) أي الأجانب (فإنه) أي الشأن (لا يخلو رجل بامرأة) أجنبية بحيث تحتجب أشخاصهما عن أبصار الناس والحال أنه (ليس لها محرم) أي حاضر معهما (إلا هم بها) أي بجماعها أو بتعاطي مقدماته فيحرم ذلك تحرزا من مظان الفتنة ومواقع الشبهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه قال الغزالي: قال إبليس لموسى عليه السلام: أريد أن أتوب اشفع لي إلى ربك فأوحى إليه مره أن يسجد لقبر آدم عليه السلام ليتاب عليه فاستكبر [ص: 129] وقال: لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال إبليس: يا موسى لك علي حق بما شفعت لي فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن حين تغضب فإن وجهي في قلبك وعيني في عينك وحين الزحف فإني أذكر للمجاهد ولده وزوجته حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست ذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها (الحكيم) الترمذي (في كتاب أسرار الحج عن سعد بن مسعود) في الصحابة متعدد سعد بن مسعود الأنصاري وسعد بن مسعود الثقفي وسعد بن مسعود الكندي فكان ينبغي تمييزه الحديث: 2918 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 2919 - (إياكم والغيبة) التي هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة أو بالقلب كما في الإحياء (فإن الغيبة أشد من الزنا) أي من إثمه (إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه) وهيهات أن يغفر له فقد اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلا: ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها فكيف أمحوها قال الغزالي: والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقا فهو يرمي به حسناته شرقا وغربا ويمينا وشمالا وقد قيل للحسن: اغتابك فلان فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال: أهديت إلي بعض حسناتك فأحببت مكافأتك وقال ابن المبارك: لو كنت مغتابا لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي قال الغزالي: العجب ممن يطلق لسانه طول النهار في الأعراض ولا يستنكر ذلك مع قوله هنا أشد من الزنا فيجب على من لم يمكنه كف لسانه في المحاورات العزلة فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على السكون مع المخالطة اه وقد نقل القرطبي الإجماع على أنها كبيرة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة) وفي الصمت (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني في التوبيخ وابن حبان في الضعفاء وابن مردويه في التفسير كلهم (عن جابر) بن عبد الله (وأبي سعيد) الخدري ورواه الطبراني عن جابر بلفظ الغيبة أشد من الزنا والباقي سواء قال الهيثمي: وفيه عباد بن كثير متروك الحديث: 2919 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 2920 - (إياكم والتمادح) وفي رواية والمدح (فإنه الذبح) لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى وفي رواية فإنه من الذبح وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح فلذلك شبه به قال الغزالي رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم وطلبه للشكر ظلم وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير وأما ما مدح به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أرشد إلى ما يجوز من ذلك بقوله لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى اه. ويستثنى منه أيضا ما جاء عن المعصوم كالألفاظ التي وصف بها المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كقوله نعم العبد عبد الله (هـ عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والحارث والديلمي الحديث: 2920 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 2921 - (إياكم) وفي رواية إياكن وهو ظاهر لأنه وقع خطابا لنساء عثمان بن مظعون لما مات كما في النهاية وغيرها (ونعيق الشيطان) يعني الصياح والنوح وأضيف للشيطان لأنه الحامل عليه (فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان) أي هو الآمر والموسوس به وهو مما يحبه ويرضاه ولفظ رواية [ص: 130] مسند أحمد إياكن ونعيق الشيطان وهو من عنقه إذا أخذ بعنقه وعصر في حلقه ليصيح فجعل صياح النساء عند المصيبة مسببا عن الشيطان لحمله لهن عليه (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عباس) وفيه علي بن زيد بن جدعان وقد سبق بيان حاله ورواه عن أنس أيضا أحمد وابن منيع والديلمي الحديث: 2921 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 2922 - (إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلي الثوب وتنتن الريح وتظهر الداء الدفين) أي المدفون في البدن فالقعود فيها منهي عنه إرشادا لضرره وقد صرح بذلك جمع من الأطباء وقال الحارث بن كلدة: إياكم والقعود في الشمس فإن كنتم لا بد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم أربعين يوما ثم أنتم وهي سائر السنة (ك) في الطب من حديث محمد ابن زياد الطحان عن ميمون بن مهران (عن ابن عباس) وتعقب الذهبي على الحاكم بأنه من وضع الطحان انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه الحديث: 2922 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 2923 - (إياكم والخذف) بخاء وذال معجمتين أن تأخذ حصاة أو نواة بين سبابتيك وترمي بها (فإنها) أي هذه الفعلة (تكسر السن وتفقأ العين ولا تنكي العدو) نكاية يعتد بها (طب عن عبد الله بن مغفل) قال الهيثمي: فيه الحسن بن دينار وهو ضعيف لكن معناه في الصحيح ورواه عنه أيضا الدارقطني وزاد بيان السبب وهو أنه رأى رجلا يخذف فنهاه ثم ذكره الحديث: 2923 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 2924 - (إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال يذهب البهاء عن الوجه ويقطع الرزق) يعني يقلله ويقطع كثرة بركته (ويسخط الرحمن) أي يغضبه (والخلود) أي وفيه الخلود (في النار) أي نار جهنم أي إن استحله وهو زجر وتهويل وليس على ظاهره ويكفي في قبحه أنه مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأفضحها وأشنعها وأمر أن يشهد المؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن بعض البهائم يستقبحه ففي البخاري عن عمرو بن ميمون: رأيت في الجاهلية قردا زنا بقردة فاجتمع عليهما القردة فرجموهما حتى ماتا (طس عد) عن إسحاق بن أحمد بن جعفر عن محمد بن إسحاق البكائي عن الحكم بن سليمان عن عمرو بن جميع عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عمرو بن جميع وهو متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع من حديث ابن عدي هذا وقال: فيه عمرو بن جميع كذاب انتهى فتعقبه المؤلف بأن الطبراني خرجه ولم يزد على ذلك وهو تعقب أوهى من بيت العنكبوت لأن ابن جميع الذي حكم بوضع الحديث لأجله في سند الطبراني أيضا فما الذي ضعفه الحديث: 2924 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 2925 - (إياكم والدين) بفتح الدال (فإنه هم بالليل) لأن اهتمامه بقضائه والنظر في أسباب أدائه يسلبه لذة نومه (ومذلة بالنهار) [ص: 131] فإنه يتذلل لغريمه ليمهله هذا تحذير شديد عن إرتكاب الدين لا سيما لمن لا يرجو له وفاء وقيل الدين قد يعدم الدين (هب عن أنس) بن مالك وفيه الحارث بن شهاب قال الذهبي: ضعفوه ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 2925 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 2926 - (إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم) فكان من الكافرين قال ابن عطاء الله: كان الشاذلي يكرم الناس على نحو رتبتهم عند الله تعالى حتى أنه ربما دخل عليه مطيع فلا يهتبل به وعاص فأكرمه لأن ذلك الطائع جاء وهو متكبر بعمله والعاصي دخل بكثرة معصيته وذلة مخالفته ومن ثم قال بعض العارفين: العاصي الذليل الحقير خير من الطائع المتكبر المعجب بنفسه ومعصية أورثت ذلا واحتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا (وإياكم والحرص) وهو كما قال الماوردي: شدة الكد والاسراف في الطلب قال: وهو خلق يحدث عن البخل (فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة) فأخرج من الجنة فإنه حرص على الخلد في الجنة فأكل منها بغير إذن ربها طمعا فيها فالحرص على الخلد أظلم عليه فلو انكشفت عنه ظلمته لقال كيف أظفر بالخلد فيها مع أكلي منها بغير إذن ربي ففي ذلك الوقت حصلت الغفلة منه فهاجت من النفس شهوة الخلد فيها فوجد العدو فرصته فخدعه حتى صرعه فجرى ما جرى قال الخواص: الأنبياء قلوبهم صافية ساذجة لا تتوهم أن أحدا يكذب ولا يحلف كاذبا فلذلك صدق من قال له أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى حرصا على عدم خروجه من حضرة ربه الخاصة ونسي النهي السابق فانكشف له ستر تنفيذ احذار ربه فكانت السقطة في استعجاله بالأكل من غير إذن صريح فلذلك وصفه الله تعالى بأنه كان ظلوما جهولا حيث اختار لنفسه حالة يكون عليها دون أن يتولى الحق تعالى ذلك ولذلك قال: {خلق الإنسان من عجل} {وكان الإنسان عجولا} اه قال العارف ابن أدهم: قلة الحرص والطمع يورث الصدق والورع وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجذع قال الماوردي: الحرص والشح أصلا كل ذم وسببا كل لوم لأن الشح يمنع من أداء الحقوق ويبعث على القطيعة والعقوق فأما الحرص فيسلب كل فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من العبادة لتشاغله عنها ويبعث على التورط في الشبهات لقلة تحرزه منها فهذه ثلاث خصال هن جامعات للرذائل مانعات للفضائل مع أن الحريص لا يستزيد بحرصه على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه. وقال بعض الحكماء: الحرص مفسدة في الدين والمروءة والله ما عرفت في وجه رجل حرصا فرأيت أن فيه مصطنعا وقال آخر: المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشدة والمكالبة وليس للحريص غاية مطلوبة يقف عنها ولا نهاية محدودة يقنع بها لأنه إن وصل بالحرص إلى ما أمله أغراه ذلك بزيادة الحرص والأمل وإلا رأى إضاعة العناء لوما والصبر عليه حزما وصار لما سلف من عني به أقوى رجاء وأبسط أملا ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله لعلم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بما قسم (وإياكم والحسد فإن ابني آدم) قابيل وهابيل (إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا (1) فهو) أي الكبر والحرص والحسد (أصل كل خطيئة) فجميع الخطايا تنشأ عنها والكبر منازعة الذات المتعالية في الصفة التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياها فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء الله والذلة بين عباد الله وفي الآخرة نار الله والحرص مسابقة قدر الله ومن سبق القدر سبق [ص: 132] وهو مغالبة الحق تقدس ومن غالبه غلب فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي الآخرة النيران والحسد تسخط قضاء الله فيما لا عذر للعبد فيه فعقوبته في الدنيا الغيظ الشديد وفي الآخرة نار الوعيد وخص هذه الثلاثة بالذكر لأنها أصول الشر قال الحرالي: أصول الشر ثلاثة الكبر الذي كان سبب بلاء إبليس والحرص الذي كان سبب بلاء آدم عليه السلام من الشجرة والحسد الذي كان سبب قتل قابيل هابيل وقال أبو حاتم: أحيد الموت خوفا من ثلاثة أشياء الكبر والحرص والخيلاء فإن المتكبر لا يخرجه الله من الدنيا حتى يريه الهوان من أرذل أهله وخدامه والحريص لا يخرجه من الدنيا حتى يحوجه إلى كسرة أو شربة والمختال لا يخرجه منها حتى يمرغه ببوله وقذره (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود)   (1) قال البيضاوي: أوحى الله إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأم الآخر فسخط منه قابيل لأن أخته كانت أجمل فقال لهما آدم: قربا قربانا فمن أيهما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطا وفعل ما فعل الحديث: 2926 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 2927 - (إياكم والطمع) الذي هو انبعاث هوى النفس إلى ما في أيدي الناس (فإنه هو الفقر الحاضر) والحر عبد إن طمع والعبد حر إن قنع وقد قال علي كرم الله وجهه في قوله تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} إنها القناعة وقال حكيم: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع وقال بشر: لو لم يكن في القنوع إلا التمتع بالعز لكفى وقال الشافعي: من غلبت عليه شهوة الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع وقال العارف المرسي رضي الله عنه: أردت أن أشتري شيئا ممن يعرفني وقلت: لعله يحابيني فنوديت السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين وقال: الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبدا (وإياكم وما يعتذر منه) أي قوا أنفسكم الكلام فيما يحوج إلى الاعتذار كما سبق. (تتمة) قال بعض العارفين: الطمع طمعان طمع يوجب الذل لله وهو إظهار الإفتقار وغايته العجز والإنكسار وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية وطمع يوجب الذل في الدارين أي وهو المراد هنا وهو رأس حب الدنيا وحب الدنيا رأس كل خطيئة والخطيئة ذل وخزي وحقيقة الطمع أن تعلق همتك وقلبك وأملك بما ليس عندك فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود وألقي فيها بذر الطمع بسقت أغصانها بالذل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت وأضللت (طس) وكذا العسكري (عن جابر) قال الهيثمي: فيه ابن أبي حميد مجمع على ضعفه الحديث: 2927 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 2928 - (إياكم والكبر) فإنما أهلك إبليس الكبر قال: أنا خير منه وإنما كملت فضائل آدم عليه السلام باعترافه على نفسه (فإن الكبر يكون في الرجل) أي الإنسان (وإن عليه العباءة) من شدة الحاجة وضنك المعيشة وقلة الشيء ولا يمنعه رثاثة حاله عن النظر في عاقبته وماله وما ينبغي لمن خرج من مخرج البول مرتين أن يتكبر وقيل لحكيم: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها قال: التواضع قيل: فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه عليه قال: الكبر وقيل التواضع مع الجهل والبخل أحمد عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء وقيل في بخيل متكبر: جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما. . . تيه الملوك وأفعال المماليك قيل: أست في الماء وأنف في السماء (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 2928 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 2929 - (إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين) الثوم والبصل (أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا) فإن الملائكة تتأذى بريحهما (فإن كنتم لا بد آكليهما فاقتلوهما بالنار قتلا) هذا مجاز من باب قوله يميتون الصلاة لكنه عكسه فإن إحياء الصلاة أداؤها [ص: 133] لوقتها وإماتتها إخراجها عنه فحياة البقلتين عبارة عن قوة ريحهما عند طراوتهما وموتهما إزالة تلك الريح الكريهة بالنضج قال النوربشتي: وألحق بهما ما له ريح كريهة من كل مأكول وألحق به عياض من به بخر أو جرح له ريح وألحق بالمسجد نحو مدرسة ومصلى عيد من مجامع العبادات والعلم والذكر والولائم لا الأسواق ونحوها ذكره القاضي قال العراقي: وهل المراد بطبخهما استعمالهما في الطعام بحيث لا يبقى عينهما أو نضجهما مع بقائهما بحالهما؟ الأقرب الثاني (طس عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 2929 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 2930 - (إياكم والعضه) بفتح العين وسكون الضاد المعجمة على الأشهر هي (النميمة القالة بين الناس) أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بينهما فيما يحكى للبعض عن البعض وقيل القالة بمعنى المقولة وزعم بعضهم أن القالة هنا جمع وهم الذين ينقلون الكلام ويوقعون الخصومة بين الناس ومن ثم قيل اجعل كلام الواشي ريحا تستريح وتريح قال أبو تمام: ومن يأذن إلى الواشين يسلق. . . مسامعه بألسنة حداد وقال المتنبي: لقد أباحك غشا في معاملة. . . من كنت معه بغير الصدق تنتفع وقال العارف الشعراني رضي الله عنه: قال لي الشيخ عبد الحق السنباطي رضي الله تعالى عنه: إذا قل عمل عبد ونقصت درجاته وأراد الله رفعهما أوقع العلماء العاملين في الغيبة فيه فتنقلب أعمالهم التي تعبوا فيها طول عمرهم في صحائفه فيأخذ منها بقدر مظلمته فيصبح أعلى مقاما منهم من حيث لا يشعر ولا يشعرون (أبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه الحديث: 2930 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 2931 - (إياكم والكذب) فإن جريمته عظيمة وعاقبته وخيمة فإن العبد إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه الله وكذبه إيمانه من قلبه لأنه إذا قال لما لم يكن أنه كان فقد زعم أنه تعالى خلقه ولم يكن خلقه فقد افترى على الله فيكذبه إيمانه فلذلك قال: (فإن الكذب مجانب للإيمان) بنص القرآن فإنه سبحانه علل عذاب المنافقين به في قوله: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه فينبغي تجنبه لمنافاته لوصف الإيمان والتصديق روى ابن عبد البر في التمهيد أن عبد الله بن جراد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك قال: هل يكذب؟ قال: لا. ومن آفات الكذب أنه يضيق الرزق فقد روى أبو الشيخ [ابن حبان] في الطبقات عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: الكذب ينقص الرزق (حم وأبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ وابن لال في مكارم الأخلاق) وابن عدي في الكامل (عن أبي بكر الصديق) رضي الله عنه قال: قام فينا خطيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أول ثم بكى وقال: إياكم والكذب إلخ قال الزين العراقي: وإسناده حسن اه. وقال الدارقطني في العلل: الأصح وقفه ورواه ابن عدي من عدة طرق ثم عول على وقفه الحديث: 2931 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 2932 - (إياكم والالتفات في الصلاة فإنها) وفي رواية فإنه (هلكة) قال الراغب: الهلاك افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود ومنه {هلك عني سلطانيه} وهلاك الشيء استحالته وفساده كقوله {ويهلك الحرث والنسل} والموت نحو [ص: 134] {إن امرؤ هلك} والهلكة في الحديث من القسم الثاني لاستحالة كمال الصلاة بالالتفات اه. والالتفات في الصلاة بالصدر بحيث يخرج عن سمت القبلة حرام مبطل لها وبالوجه بلا حاجة مكروه تنزيها على الأصح عند أئمتنا الشافعية كالجمهور ولأن فيه ترك الاستقبال ببعض البدن وقال المتولي كالظاهرية: يحرم بلا ضرورة وقد ورد في كراهة الالتفات صريحا عدة أحاديث منها خبر أحمد وغيره لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه عنه انصرف فإن كان الالتفات لحاجة لم يكره للاتباع رواه مسلم عن جابر والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه من حديث بكر الأسود عن الحسن (هق عن أبي هريرة) ثم قال أعني العقيلي لا يتابع على هذا اللفظ قال وفي النهي عن الالتفات أحاديث صالحة كذا في لسان الميزان عنه وفيها بكر هذا قال البخاري: عن يحيى بن كثير كذاب وضعفه النسائي وغيره وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم يصب في اقتصاره على العزو للعقيلي واقتطاعه من كلامه ما عقب به الخبر من بيان حاله الموهم أنه خرجه وأقره لم يصب في إيثاره الطريق المعلول على الطريق الصالحة التي أشار إليها العقيلي نفسه وأعجب من ذلك أنه اقتصر على العزو للعقيلي من كلامه فإنه أوهم أنه لا يوجد لأحد من الستة وقد خرجه الترمذي عن أنس مرفوعا بأتم من هذا ولفظه إياكم والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة اه بحروفه ثم قال الترمذي حديث حسن فعدول المصنف عنه تقصير أو قصور الحديث: 2932 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 2933 - (إياكم والتعمق في الدين) أي الغلو فيه وادعاء طلب أقصى غاياته (فإن الله تعالى قد جعله سهلا فخذوا منه ما تطيقون فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا) أي ولا يحب العمل المتكلف غير الدائم وإن كان كثيرا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبغض المتعمقين وكان الصحب أقل الأمة تكلفا اقتداءا به ودين الله بين الغالي والجافي خير الناس النميط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين قال الحرالي: محصول الحديث أن الدين مع سهولته ويسرته شديد لن يشاده أحد إلا غلبه والأحكام مع وضوحها قد تخفى لما في تنزيل الكليات على الجزئيات من الدقة إذ الجزء الواحد قد يتجاذبه كليات فأكثر فلا يجردها من مواقع الشبه إلا من نور الله بصيرته (أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمر) بن الخطاب الحديث: 2933 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 2934 - (إياي) فيه تحذير المتكلم نفسه وهو شاذ عند النحاة كذا قيل قال ابن حجر: ويظهر أن الشذوذ في لفظه وإلا فالمراد بالتحقيق تحذير المخاطب فكأنه حذر نفسه بالأولى ليكون أبلغ ونحو نهي المرء نفسه ومراده نهي من يخاطبه (والفرج) أي دعني من الفرج (يعني في الصلاة) والمراد اتركوا إهمالها واصرفوا همتكم إلى سدها وظاهر أن قوله يعني إلخ من كلام الراوي أو المصنف لا من الحديث فتسوية الفرج من مندوبات الصلاة المؤكدة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 2934 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 2935 - (إياي أن تتخذوا) أي دعوني من اتخاذ (ظهور دوابكم منابر) يعني اتركوا جلوسكم عليها وهي واقفة كما تجلسون على المنابر فإن ذلك يؤذيها (فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل [ص: 135] لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم) والنهي مخصوص باتخاذ ظهورها مقاعد لغير حاجة أما لحاجة لا على الدوام فجائزة بدليل أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب على ناقته وهي واقفة (د عن أبي هريرة) قال ابن القطان: ليس مثل هذا الحديث يصح لأن فيه أبا مريم مولى أبي هريرة ولا يعرف له حال ثم قيل هو رجل واحد وقبل رجلان وكيفما كان فحاله أو حالهما مجهولة فمثله لا يصح الحديث: 2935 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 2936 - (أيام التشريق) وهي الثلاثة بعد يوم العيد سميت به لأن لحم الأضاحي يشرق فيها بمنى أي يقدد ويبرز للشمس وقيل يوم العيد من أيام التشريق فتكون أربعة وعلى الأول لم يعد يوم النحر منها لأن له اسما خاصا وإلا فالمعنى المقدر يشمله وهو المذكور في قوله (أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها هكذا ذكره بعض الشراح لكن حكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه إنما هو بالفتح فحسب واستشهد بقوله سبحانه وتعالى: {فشاربون شرب الهيم} وأقره التاج السبكي وقال أبو البقاء: الأفصح الأقيس فتح الشين وهو مصدر كالأكل وأما ضمها وكسرها ففيه لغتان في المصدر أيضا والمحققون على أن الضم والكسر اسمان للمصدر لا مصدر (وذكر الله) أي أيام يأكل الناس فيها ويشربون ويذكرون فإضافة الأيام إلى الأكل والشرب والذكر إضافة تخصيص قال الأشرفي: وعقب الأكل والشرب يذكر الله لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى في هذه الأيام حقوق الله وقال الطيبي: هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا للدعة والأكل والشرب لأن الناس في هذه الأيام ينبسطون فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية ونظيره في التتميم للصيانة قول الشاعر: فسقي ديارك غير مفسدها. . . صوب السحاب وديمة تهمي وقال جمع: إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للمضيف أن يصوم دون إذن من أضافه كذا علله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فيما رواه عن البيهقي بسند مقبول واقتفاه في ذلك أكابر الأئمة فقالوا: سر ذلك أنه تعالى دعى عباده إلى زيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه ومبلغ طاقته وذبحوا هديهم فقبله منهم واتخذ لهم منه ضيافة ونصب لهم مائدة جمعهم عليها وأطعمهم مما تقربوا به إليه والضيافة ثلاثة أيام فأوسع زواره طعاما وشرابا ثلاثة أيام وسنة الملوك أنهم إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم الله الكل بضيافته فقال: {فكلوا منها وأطعموا} ومذهب الشافعي أن صوم التشريق حرام ولا ينعقد وحرمه أبو حنيفة وعقده وجوزه مالك وأحمد للمتمتع العادم للهدي (حم م) في الصوم (عن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة وياء تحتية وشين معجمة وهو ابن عبد الله الهذلي قال ابن حجر: صحابي قليل الحديث ويقال له نبيشة الخير ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن نبيشة شيئا قال المصنف: وهذا متواتر الحديث: 2936 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 2937 - (أيكم خلف) بتخفيف اللام (الخارج) أي لنحو غزو (في أهله) أي حلائله وعياله (وماله بخير) أي بنوع من أنواعه كقضاء حاجة وحفظ مال (كان له) من الأجر (مثل أجر الخارج) لفظ رواية الصحيح مثل نصف أجر الخارج قال القرطبي: ولفظة مثل يشبه كونها مقحمة أي مزيدة من بعض الرواة قال ابن حجر: ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح ويظهر أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فإن [ص: 136] الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر قال ابن العربي: هذا من فضل الله تعالى حيث جعل خلافة الغازي في أهله كالغازي في الرتبة فإنه إذا خلفه بخير فكأنه لم يبرح من بيته لقيام أموره فيه وصلاح حاله فكأن هذا قد غزى والقائم على أهل الغازي وماله نائب عنه في عمل لا يمكن معه الغزو فليس مقتصرا على النية فقط بل عامل فيما يتعلق بالغزو فصار كأنه باشر معه الغزو فمن ثم كان له مثل أجره كاملا مضاعفا ولا يلزم تساوي ثوابيهما (م د عن أبي سعيد) الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم ذكره واستدركه الحاكم فوهم الحديث: 2937 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 2938 - (أيما) مركبة من أي وهي اسم ينوب مناب حرفه ومن ما المبهمة المزيدة (إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم) على التمام أي صحتهم (ثم ليغتسل هو) عن الجنابة (ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء) ساهيا (فمثل ذلك) فتصح صلاة المقتدين به ولا تصح صلاته فيلزمه الإعادة إلى هذا ذهب الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى بطلان صلاة المقتدي ببطلان صلاة إمامه مطلقا قال قياسا على ما لو صلى بغير إحرام والمصلي بلا طهر لا إحرام له والفرق بين الركن والشرط لا يؤثر إذ لازمهما متحد وهو ظهور عدم الشروع. (1) (أبو نعيم في معجم شيوخه وابن النجار) في التاريخ (عن البراء) بن عازب ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لمن ذكر مع وجوده لغيره فقد رواه الدارقطني والديلمي عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء وجويبر متروك والضحاك لم يلق البراء قال ابن حجر رحمه الله: خرجه الدارقطني بإسناد فيه ضعف وانقطاع   (1) [والقياس ورد هنا مع ضعف الحديث أما لو كان الحديث صحيحا فمعلوم أن أبا حنيفة لا يرده بالقياس. دار الحديث] الحديث: 2938 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 2939 - (أيما امرئ) بجر امرئ إضافة أي إليه وبرفعه بدل من أي وما زائدة (قال لأخيه) أي في الإسلام (كافر فقد باء بها أحدهما) أي رجع بها أحدهما (فإن كان كما قال) أي كان في الباطن كافر (وإلا) أي وإن لم يكن كذلك (رجعت عليه) أي فيكفر قال النووي: ضبطنا قوله كافر بالرفع والتنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف قال القرطبي: صواب تقييده كافر بالتنوين على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي أنت كافر وهو كافر وجعله بعضهم بغير تنوين فجعله منادى مفردا محذوف حرف النداء وهو خطأ لأن حرف النداء لا يحذف مع النكرات ولا مع المبهمات إلا فيما جرى مجرى أمثل نحو أطرق كراء والباقي بها راجع إلى التكفيرة الواحدة ويحتمل عوده إلى الكلمة (م ت عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 2939 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 2940 - (أيما امرأة) قال في التنقيح: أي مبتدأ في معنى الشرط وما زائدة لتوكيد الشرط وقوله الآتي فقد إلخ جواب الشرط (وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم (فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل) لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين به سوءاتهن وهو لباس التقوى وإذا لم تتقين الله وكشفن سوءاتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها وخانت زوجها يهتك الله [ص: 137] سترها والجزاء من جنس العمل والهتك خرق الستر عما وراءه والهتيكة الفضيحة (حم هـ ك) في الأدب (عن عائشة) رضي الله عنها دخل عليها نسوة من حمص فقالت: لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي لكن أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح وأطال في بيانه الحديث: 2940 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 2941 - (أيما) قال الكرماني: زيد لفظ ما على أي لزيادة التعميم (امرأة أصابت بخورا) بالفتح ما يتبخر به والمراد هنا ريحه (فلا تشهد) أي تحضر (معنا) أي الرجال (العشاء الأخيرة) لأن الليل آفاته كثيرة والظلمة ساترة خص العشاء لأنها وقت انتشار الظلمة وخلو الطريق عن المارة والفجار تتمكن حينئذ من قضاء الأوطار بخلاف الصبح عند إدبار الليل وإقبال النهار فتنعكس القضية ذكره الطيبي وقيد بالآخرة ليخرج المغرب قال ابن دقيق العيد: وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال قال: وألحق به حسن الملبس والحلي الظاهر (حم م) في الصلاة (د ن عن أبي هريرة) قال النسائي: ولا أعلم أحدا تابع يزيد بن خصيفة عن بشر بن سعيد على قوله عن أبي هريرة وقد خالفه يعقوب الأشج رواه عن زينب الثقفية ثم ساق حديث بشر عن زينب من طرق به ولم يخرجه البخاري الحديث: 2941 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 2942 - (أيما امرأة أدخلت على قوم) في رواية ألحقت بقوم (من ليس منهم) بأن تنسب لزوجها ولدها من غيره (فليست من الله في شيء) أي من الرحمة والعفو أو لا علاقة بينها وبينه ولا عندها من حكم الله وأمره ودينه شيء كأنه قال: هي بريئة من الله في كل أمورها ولذا أنكر شيئا ثم أردف هذا الذم العام الشامل لجميع الأقسام بقوله (ولن يدخلها الله جنته) مع السابقين المحسنين بل يؤخرها ويعذبها ما شاء وقال لن إلخ ولم يكتف بدخولها في الأول لعمومه لأن النساء لا تقف على حقيقة المراد منه لما فيه من نوع إجمال وخفاء فعقبه بذكر أحد أنواعه التي يفهمها كل سامع قال الحرالي: وفي فليست إفهام أن من حفظت فرجها فلم ترتكب هذه الفاحشة العظمى فهي من الله في شيء لما أنها متمسكة بآية {والذين هم لفروجهم حافظون} اه وذكر عدم دخول الجنة سيما النساء ودخولها من أقوى أسباب النعيم ولأن قوله لم يدخلها جنته تعريض بدخول النار إذ ليس ثم إلا جنة ونار (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه) أي وهو يرى أنه منه ويتحقق ذلك كأنه يشاهد ذلك عيانا وهو ينكره وعبر بالجحود ليفيد مع الوعيد على النفي الوعيد على قذف الزوجة (احتجب الله تعالى منه) أي منعه رحمته وحرمه منها وهذا وعيد غليظ إذ لا غاية في النعيم أعظم من النظر إليه تقدس وهو الغاية القصوى فويل لمن لم ينلها (وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة) بجحوده ولده وهو يعلم أنه منه وإظهار كذبه على زوجته وهذا من أقوى أسباب الوعيد وقد ورد الوعيد الشديد في حق من انتفى من ولده في عدة أخبار منها خبر وكيع عن ابن عمر رفعه من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة وفيه الجراح والد وكيع مختلف فيه ومنها خبر ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من انتفى من ولده فليتبوأ مقعده من النار وفيه محمد بن أبي الزعيرة منكر الحديث (د ن هـ حب ك) وصححاه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه [ص: 138] قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة فذكره قال ابن حجر في التخريج: صححه الدارقطني في العلل مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري وأنه لا يعرف إلا به وقال في الفتح بعد ما عزاه لأبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم في مسنده عن عبد الله بن يوسف حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد الحديث: 2942 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 2943 - (أيما امرأة خرجت من بيتها) أي محل إقامتها (بغير إذن زوجها) لغير ضرورة شرعية (كانت) في مدة خروجها (في سخط الله تعالى) أي غضبه (حتى ترجع إلى بيتها أو يرضى عنها زوجها) أما لو خرجت لما يجوز الخروج له كإرادة زوجها لها بسوء فتنعكس القضية (حط) من حديث إبراهيم بن هدية (عن أنس بن مالك) وقضية كلام المصنف أن الخطيب خرجه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه تعقبه بقوله قال أحمد بن حنبل إبراهيم بن هدية لا شيء في أحاديثه مناكير وقال ابن معين: إنه كتب عنه ثم تبين له أنه كذاب خبيث قال علي بن ثابت: هو أكذب من حماري هذا اه وقال الذهبي في الضعفاء هو كذاب فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب وليته إذ ذكره بين حاله وكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتصاره على عزوه للخطيب وحده فإن أبا نعيم خرجه من طريقه وعنه الخطيب فعزوه للفرع وإهماله الأصل من سوء التصرف الحديث: 2943 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 2944 - (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق) في رواية طلاقها (من غير ما بأس) بزيادة ما للتأكيد والبأس الشدة أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له أو بأن يضارها لتنخلع منه (فحرام عليها) أي ممنوع عنها (رائحة الجنة) وأول ما يجد ريحها المحسنون المتقون لا أنها لا تجد ريحها أصلا فهو لمزيد المبالغة في التهديد وكم له من نظير قال ابن العربي: هذا وعيد عظيم لا يقابل طلب المرأة الخروج من النكاح لو صح وقال ابن حجر: الأخبار الواردة في ترغيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك كحديث ثوبان هذا (حم د ت هـ حب ك عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وابن حجر وصححه ابن خزيمة وابن حبان الحديث: 2944 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 2945 - (أيما امرأة) ذات زوج (ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) أي مع الفائزين السابقين وإلا فكل من مات على الإسلام لا بد من دخوله إياها ولو بعد دخوله النار ومثله الزوجة السرية بل أولى (ت هـ) في النكاح (ك) في البر والصلة (عن أم سلمة) قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن الجوزي: هو من رواية مشادر الحميري عن أمه عن أم سلمة وهما مجهولان الحديث: 2945 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 2946 - (أيما امرأة صامت) نفلا (بغير إذن زوجها) وهو حاضر (فأرادها على شيء) يعني طلب منها أن يجامعها فهو كناية حسنة عن ذلك (فامتنعت عليه كتب الله عليها) أي أمر كاتب السيئات أن يكتب في صحيفتها (ثلاثا من الكبائر) [ص: 139] لصومها بغير إذنه واستمرارها فيه بعد نهيه ونشوزها عليه بعدم تمكينه أما الفرض فلا يجوز قطعه بجماع ولا غيره وهذا صريح في حرمة صوم المرأة نفلا بغير إذن زوجها وهو شاهد (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه بقية وهو ثقة ولكنه مدلس الحديث: 2946 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 2947 - (أيما إهاب) ككتاب جلد ميتة يقبل الدباغ قال الزمخشري: سمي الجلد به لأنه أهبة للحي وبناء للحماية على جسده كما قيل له المسك لإمساكه ما وراءه (دبغ) يعني اندبغ بنازع للعضول بحيث لا يعود له النتن والفساد لو نقع بماء (فقد طهر) بفتح الهاء وضمها أي ظاهره وباطنه دون ما عليه من شعر لكن قليله عفو وهذا حجة على أحمد في قوله إن جلد الميتة لا يطهر باندباغه ونص فيما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة أنه يطهر بدبغه لدلالة هذا اللفظ على الاستغراق من جهة الشرط ومن جهة الإبهام والتنكير بما وخرج بما يقبل الدباغ غيره كجلد خنزير فلا يطهر بالدبغ اتفاقا من الشافعية والحنفية وكذا الكلب عند الشافعية لا الحنفية قال الكمال: هذا الحديث كما تراه عام فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب فيه وهو قوله {أو لحم خنزير فإنه رجس} بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده وعند صلاح كل من المضافين لذلك يجوز كل من الأمرين وقد جوز عود الضمير عود ضمير " ميثاقه " في قوله تعالى {وينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} إلى كل من العهد ولفظ الجلالة وتعين عوده إلى المضاف إليه في قوله سبحانه {واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون} ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في نحو رأيت ابن زايد فكلمته لأن المحدث عنه بالرؤية رتب على الحديث الأول غير الحديث الثاني فتعين هو مرادا به وإلا اختل النظم وإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط وهو مما قلنا فإن قيل يجب أن يخرج من الخبر أيضا جلد الميتة بطريق النسخ بخبر أصحاب السنن الأربعة أنه كتب قبل موته بشهر أو شهرين لا تتعففوا من الميتة بإهاب ولا عصب قلنا الاضطراب في سنده ومتنه منع تقديمه على هذا الحديث الصحيح فإن الناسخ معارض فلا بد من مشاكلته في القوة ثم إن هذا الحديث مع حديث مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا: إنها ميتة فقال: إنما حرم أكلها إلى ما ذهبوا إليه من أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصص (ن هـ) قال ابن جماعة بأسانيد صحيحة (عن ابن عباس) وقضية صنيع المؤلف أن هذا الحديث ليس في أحد الصحيحين ولا كذلك بل هو في مسلم وهو مما تفرد به عن البخاري الحديث: 2947 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 2948 - (أيما رجل أم قوما) أي والحال أنهم (له) أي ولإمامته (كارهون) لأمر يذم فيه شرعا كوال ظالم ومن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها أو لا يتحرز عن النجاسة أو يمحق هيئات الصلاة أو يتعاطى معيشة مذمومة أو يعاشر الفساق ونحوهم وشبه ذلك سواء نصبه الإمام أم لا (لم تجز صلاته أذنيه) أي لا يرفعهما الله رفع العمل الصالح بل أدنى رفع فيحرم عليه أن يؤمهم إن اتصف بشيء من هذه الأوصاف وكرهه الكل لذلك كما في الروضة ونص عليه الشافعي فإن كرهه أكثرهم كره لذلك وعلم من هذا التقرير أن الحرمة أو الكراهة إنما هي في حقه أما المقتدون الذي يكرهونه فلا تكره لهم الصلاة خلفه وظن بعض أعاظم الشافعية أن المسئلتين واحدة فوهم وخرج بقولنا أولا لأمر يذم ما لو كرهوه لغير ذلك فلا كراهة في حقه بل اللوم عليهم (طب) من رواية سليمان بن أيوب الطلحي (عن طلحة) بن عبيد الله قال الهيثمي: وسليمان قال فيه أبو زرعة عامة أحاديثه لا يتابع عليها وقال البزار: صاحب مناكير الحديث: 2948 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 [ص: 140] 2949 - (أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس) أي جعله أميرا على طائفة ولو قليلة جدا كعشرة والحال أنه (علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين) بفعله ذلك لعكسه المقتضى لتأميره المفضول على الفاضل وموضع ذلك ما إذا لم يقتض الحال والوقت خلاف ذلك وإلا أنيط بالمصلحة وعلى ذلك ينزل تأمير المصطفى صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص على قوم فيهم أبو بكر وعمر وتأميره أسامة على من هما فيهم (ع عن حذيفة) بن اليماني الحديث: 2949 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 2950 - (أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه وكساها) منه (لمن دونه من خلق الله) أي وأطعم وكسى منه من دون نفسه من عياله وغيرهم (فإنها) يعني هذه الخصلة وهي الإطعام (له زكاة) أي نماء وبركة وطهرة (وأيما رجل مسلم لم تكن له صدقة) يعني لا مال له يتصدق منه (فليقل) ندبا (في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها) أي هذه الصلاة (له زكاة) فاستفدنا أن الصلاة عليه تقوم مقام الصدقة لذي العسرة وأنها سبب لبلوغ المآرب وإفاضة المطالب وقضاء الحاجات في الحياة وبعد الممات واقتصاره على الصلاة يؤذن بأنه لا يضم إليه السلام فيعكر على من كره الإفراد ونعما ذهب إليه البعض من تخصيص الكراهة بغير ما ورد فيه الإفراد بخصوصه كما هنا فلا نزيد فيه بل نقتصر على الوارد (ع حب ك عن أبي سعيد) الخدري قال القسطلاني: وهو مختلف فيه لكن إسناده حسن وأقول هو من رواية ابن لهيعة وهو معلوم الحال عن دراج عن أبي الهيثم وقد ضعفوه كما سبق الحديث: 2950 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 2951 - (أيما رجل) ذكر رجل غالبي والمراد إنسان (تدين دينا وهو مجمع) بضم الميم الأولى (على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا) أي يحشر في زمرة السارقين ويجازى بجزائهم قال في الفردوس: يقال أدان إذا أخذ منه الدين ويقال أدنت الرجل وداينته إذا بايعت منه بأجل وأدنت منه إذا اشتريت منه بأجل (هـ عن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء وسكون التحتية (بن سنان) بالنون ابن قاسط بالقاف الرومي الصحابي المعذب في الله وفيه يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال البخاري فيه نظر وعبد الحميد بن زياد قال البخاري شيخ الحديث: 2951 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 2952 - (أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا) قال الزمخشري: الصداق بالكسر أفصح عند أصحابنا البصريين (مات يوم يموت وهو زان) أي مات وهو ملتبس بإثم مثل إثم الزاني والزاني في النار بدليل قوله بعده والخائن في النار (وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن والخائن في النار) أي نار جهنم يعني يعذب فيها ما شاء الله ثم يخرج (ع طب) من حديث عمرو بن دينار وكيل الزبير [ص: 141] ابن شعيب البصري عن بني صهيب (عن صهيب) قال عمرو: قال بنو صهيب لصهيب: يا أبانا إن أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثون عن آبائهم فحدثنا فذكره قال الهيثمي: وعمرو بن دينار هذا متروك الحديث: 2952 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 2953 - (أيما رجل عاد مريضا فإنما يخوض) حالة ذهابه (في الرحمة) شبه الرحمة بالماء إما في التطهير وإما في الشيوع والشمول ثم نسب إليها ما هو منسوب إلى المشبه به من الخوض (فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة) أي غمرته وسترته وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل قالوا فهذا للصحيح فما للمريض قال: تحط عنه ذنوبه (حم) من حديث أبي داود ولعله الحبطي (عن أنس) قال أبو داود: أتيت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة المكان بعيد ونحن يعجبنا أن نعودك فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره قال الهيثمي وأبو داود ضعيف جدا الحديث: 2953 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 2954 - (أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه) أي رفع صوته قائلا (يا ويله عصم مني) بتزوجه (دينه) وفي رواية للديلمي والثعلبي إذا تزوج أحدكم عج شيطانه يا ويله عصم مني ثلثي دينه اه. وهي مبينة أن المراد بالدين هنا معظمه (ع) من حديث خالد بن إسماعيل المخزومي (عن جابر) قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك قال ابن الجوزي: تفرد به خالد وقال ابن عدي: وكان يضع وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال اه ورواه الطبراني في الأوسط من طريق خالد المذكور قال الهيثمي: وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي متروك الحديث: 2954 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 2955 - (أيما عبد جاءته موعظة) وهي التذكير بالعواقب (من الله في دينه) أي في شيء من أمور دينه (فإنها نعمة من الله سبقت إليه) أي ساقها الله إليه (فإن قبلها بشكر) زاده الله من تلك النعمة {لئن شكرتم لأزيدنكم} (وإلا) أي وإن لم يقابلها بالشكر (كانت حجة من الله عليه) {لئلا يكون للناس على الله حجة} (ليزداد بها إثما ويزداد الله عليه بها سخطا) أي غضبا وعقابا (ابن عساكر) في التاريخ (عن عطية بن قيس) أخي عبد الله المازني شامي وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر ولا لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن عطية المذكور وسببه أن المنصور أحضر الأوزاعي وقال له: ما أبطأ بك عنا قال: وما الذي تريده مني يا أمير المؤمنين قال: الأخذ عنك والاقتباس منك فساق له موعظة سنية جعل هذا الخبر مطلعها ورواه عن بسر أيضا ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء قال الحافظ العراقي: وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح قال ابن عدي: يحدث بمناكير وهو عندي من أهل الصدق الحديث: 2955 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 2956 - (أيما عبد أو امرأة قال أو قالت لوليدتها) فعيلة بمعنى مفعولة أي أمتها والوليدة الأمة وأصلها ما ولد من الإماء في ملك الإنسان ثم أطلق ذلك على كل أمة (يا زانية ولم يطلع منها على زنا جلدتها وليدتها يوم القيامة) حد القذف (لأنه [ص: 142] لا حد لهن في الدنيا) أي ليس لها مطالبتها فإقامة الحد عليه أو عليها في الدنيا لأنه لا يجب للولائد على ساداتهن في دار الدنيا فبين بالحديث سقوطه في الدنيا لشرف المالكية قال ابن العربي: وبه استدل علماؤنا على سقوط القصاص عنه بالجناية على أعضائه ونفسه لأنه عقوبة تجب للحر على الحر فسقط عن الحر بجنايته على العبد فأصل ذلك حد القذف وخبر من قتل عبده قتلناه باطل أو مؤول ففيه رد على مالك حيث ذهب إلى أن السيد لو قطع عضو عبده عتق عليه لكونه أتلف الرق في جزء منه فسرى إلى آخره كما لو أعتقه وخالفه عامة الفقهاء (ك عن عمرو بن العاص) أنه زار عمة له فدعت له بطعام فأبطأت الجارية فقالت: ألا تستعجلي يا زانية فقال عمرو: سبحان الله لقد قلت عظيما هل اطلعت منها على زنا؟ قالت: لا فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره قال الحاكم: صحيح وتعقبه المنذري فقال: وكيف وعبد الملك بن هارون متروك متهم الحديث: 2956 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 2957 - (أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه ثم أقيم عليه حده) في الدنيا أي وهو غير الكفر أما هو إذا عوقب به في الدنيا فليس كفارة بل زيادة في النكال وابتداء عقوبة (كفر) الله (عنه) بإقامة الحد عليه (ذلك الذنب) فلا يؤاخذ به في الآخرة فإن الله أكرم وأعدل أن يثني عليه العقوبة <تنبيه> قال ابن العربي: هذا الحديث موضعه في حقوق الله أما حق الآدمي فلا يدخل تحت المغفرة فلو زنى بامرأة فأقيم عليه الحد كفر عنه لكن حق زوجها وأهلها باق فيما هتك من حرمتهم وجر من العار إليهم وكذا القاتل إذا اقتص منه فهو كفارة للقتل في حق الله وحق الولي لا المقتول فله مطالبته به في الآخرة اه (ك) في الحدود (عن خزيمة بن ثابت) وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 2957 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 2958 - (أيما عبد) أي قن (مات في إباقه) (1) أي حال تغيبه عن سيده تعديا (دخل النار) يعني استحق دخولها ليعذب بها على عدم وفائه بحق سيده (وإن كان قتل) حال أباقه (في سبيل الله) تعالى أي في جهاد الكفار ثم يخرج منها إن مات مسلما ويدخل الجنة قطعا (طس هب عن جابر) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات   (1) [والعبد الآبق هو الهارب من سيده. دار الحديث] الحديث: 2958 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 2959 - (أيما عبد أبق من مواليه) بفتح الباء إعراضا عنهم وأي للشرط مبتدأ وما زائدة للتأكيد وأبق خبره لا صفة للعبد لأن المبتدأ يبقى بلا خبر وجواب الشرط قوله (فقد كفر) أي نعمة الموالي وسترها ولم يقم بحقها ويستمر هذا حاله (حتى يرجع إليهم) أو أراد بكفره أن عمله من عمل الكفار أو أنه يؤدي إلى الكفر فإن فرض استحلاله فذاك كافر حقيقة وذكره بلفظ العبدية هنا لا يناقضه خبر النهي عن تسميته عبدا بقوله لا يقل أحدكم عبدي لأن المقام هنا مقام تغليظ ذنب الإباق وثم مقام بيان الشفقة والإرفاق (م) في الإيمان (عن جرير) موقوفا ونقل عنه بعض رواته أنه قال سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لكن أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة الحديث: 2959 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 2960 - (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري) أي على حالة عري للمكسي (كساه الله تعالى من خضر الجنة) بضم الخاء وسكون الضاد جمع أخضر أي من ثيابها الخضر فهو من إقامة الصفة مقام الموصوف كما ذكره الطيبي (وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ) أي [ص: 143] عطش (سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق) اسم من أسماء الخمر (المختوم) أي يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك قال النوربشتي: الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه والمختوم الذي يختم من أوانيها وهو عبارة عن نفاستها وكرامتها وهذا إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل والنصوص فيه كثيرة والمراد أنه يختص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وشرابها ويظهر أن المراد المسلم المعصوم ويحتمل إلحاق الذمي العاري الجائع به (حم د) في الزكاة (ت) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال المنذري: رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي خالد بن يزيد الدالاني وحديثه حسن اه. ولينه ابن عدي الحديث: 2960 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 2961 - (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا) أي لوجه الله تعالى لا لغرض آخر (كان في حفظ الله تعالى) أي رعايته وحراسته (ما بقيت عليه منه رقعة) أي مدة بقاء شيء منه عليه وإن قل وصار خلقا جدا وليس المراد بالثوب في هذا الحديث وما قبله القميص فحسب بل كل ما على البدن من اللباس (طب عن ابن عباس) وفيه خالد بن طهمان أبو العلاء قال الذهبي: ضعيف قال ابن معين: خلط قبل موته الحديث: 2961 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 2962 - (أيما) قال الطيبي: أيما من المقحمات التي يستغنى بها إما عن تفصيل غير حامل أو تطويل غير ممل (امرأة نكحت) أي تزوجت في رواية أنكحت نفسها وهي أوضح (بغير إذن وليها (1)) أي تزوجت بغير إذن متولي أمر تزويجها من قريب أو غيره (فنكاحها باطل) أي فعقدها باطل ولا مجال لإرادة الوطء هنا لأن الكلام في صحة النكاح وفساده (فنكاحها باطل فنكاحها باطل) كرره لتاكيد إفادة فسخ النكاح من أصله وأنه لا ينعقد موقوفا على إجازة الولي وأنه ركب على ثلاثة فيفسخ بعد العقد ويفسخ بعد الدخول ويفسخ بعد الطول والولادة وتخصيصه البطلان هنا بغير الإذن غالبي بدليل خبر لا نكاح إلا بولي لكن لما كان الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بإذنه خص به (فإن دخل بها) أي أولج حشفته في قبلها (فلها المهر بما استحل من فرجها) قال الرافعي: فيه أن وطء الشبهة يوجب المهر وإذا وجب ثبت النسب وانتفى الحد (فإن اشتجروا) أي تخاصم الأولياء وتنازعوا ومنه {فيما شجر بينهم} قال الرافعي: المراد مشاجرة الفضل لا الاختلاف فيما يباشر العقد (فالسلطان) يعني من له السلطان على تزويج الأيامى فيشمل القاضي (مولى من لا مولى له) أي من ليس له ولي خاص وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن لما سبق أن أيما كلمة استيفاء واستيعاب فيشمل البكر والثيب والشريفة والوضيعة قال القاضي: وهذا يؤيد منع المرأة مباشرة العقد مطلقا إذ لو صحت عبارتها للعقد لأطلق لها ذلك عند عضل الأولياء واختلافهم ولما فوض إلى السلطان قال أصحابنا: ومن البعيد تأويل الحنفية الحديث على الصغيرة والأمة والمكاتبة يعني حمله بعضهم أولا على الصغيرة لصحة تزويج الكبيرة نفسها عندهم كجميع تصرفاتها فاعترض بأن الصغيرة غير امرأة في الحكم فحمله بعضهم إجراء على الأمة فاعترض [ص: 144] بقوله فلها المهر فإن مهر الأمة لسيدها فحمله بعض متأخريهم على المكاتبة فإن المهر لها (حم د ت هـ ك) كلهم في النكاح (عن عائشة) حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وإعلاله بأنه من حديث ابن جريج عن سليمان عن الزهري وابن جريج ذكر أنه سئل الزهري عنه فأنكره أبطله الحاكم بأن أبا عاصم وعبد الرزاق ويحيى بن أيوب وحجاج بن محمد صرحوا بسماعه عن الزهري والثقة قد بيناه فلا ينسى بإنكاره وذكر نحوه ابن حبان   (1) بغير إذن وليها لا مفهوم له عند الشافعي فنكاحها باطل وإن أذن لها وليها لحديث لا نكاح إلا بولي الحديث: 2962 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 2963 - (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن كان دخل بها فلها) عليه (صداقها) أي مهر مثلها (بما استحل من فرجها ويفرق بينهما) بالبناء للمجهول أي ويفرق القاضي بينهما لزوما (وإن كان لم يدخل بها فرق بينهما) بمعنى أنه يحكم ببطلان العقد (والسلطان ولي من لا ولي له) ولي امرأة ليس لها ولي خاص قال القاضي: هذه الأحاديث صريحة في المنع عن استقلال المرأة بالتزويج وأنها لو زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وقد اضطرب فيه الحنفية فتارة متجاسرون على الطعن فيها بما لا ينجع ومرة جنحوا إلى التأويل فقوم خصصوا امرأة بالأمة والصغيرة والمكاتبة فأبطلوا به ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل فإنه صدر الكلام بأي الشرطية وأكد بما الإبهامية ورتب الحكم على وصف الاستقلال وترتيب الجزاء على الشرط المقتضي مع أن الصغيرة لا تسمى امرأة في عرف أهل اللسان وعقد الصبية غير باطل عندهم بل موقوف على إجازة الولي والأمة لا مهر لها وقد قال: فلها المهر والكتابة بالنسبة إلى جنس النساء نادرة فلا يصح قصر العام عليها وقوم أولوا قوله باطل بأنه بصدد البطلان ومصيره إليه بتقدير اعتراض الأولياء عليها إذا زوجت نفسها بغير كفء وذلك مع ما فيه من إبطال قصد التعميم بزيف من وجوه أحدها أنه لا يناسب هذا التأكيد والمبالغة ثانيهما أن المنقول المتعارف في تسميته الشيء باسم ما يؤول إليه تسميته ما يكون المآل إليه قطعا {إنك ميت وإنهم ميتون} أو غالبا نحو {إني أراني أعصر خمرا} ثالثها أنه لو كان كذلك لاستحق المهر بالعقد لا بالوطء ولذلك قالوا: يتقدر المسمى بالوطء ويتشطر بالطلاق قبله وقد علق عليه السلام الاستحقاق على الوطء وجعل الاستحلال علة لثبوته وهو يدل على أن وطء الشبهة يوجب مهر المثل ولم أر أحدا غيرهم من العلماء رخص للمرأة تزويج نفسها مطلقا وجوزه مالك رضي الله عنه للدنيئة دون الشريفة اه (طب عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 2963 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 2964 - (أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها) وإن سفلت (فإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها) إن شاء (1) (وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل) بها (فلا يحل له نكاح أمها) أي لا يجوز ولا يصح والفرق أن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف ابنتها أخذ به الجماعة فقالوا: إذا دخل بامرأة حرمت عليه بنتها وقال داود: لا تحرم إلا إن كانت في حجره (ت عن ابن عمرو) ابن العاص ثم قال أعني الترمذي: لا يصح من قبل إسناده إنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح وهما يضعفان اه   (1) فقوله " فلينكح ابنتها " هو للإباحة كما هو ظاهر في هذا الحديث فقال المناوي: إن شاء. وليتنبه هنا أنه قد ترد صيغة الأمر للإباحة في أحاديث أخرى ولكن لا يظهر وجه كونها للإباحة بمثل ما يظهر في هذا الحديث من البداهة. فليتنبه من ادعى الاجتهاد بغير حق في تلك الأحاديث الأخرى فحلل وحرم بحسب ما ظهر لنظره الخاطئ وليراجع أقوال من شهدت له الأمة قاطبة من المجتهدين. دار الحديث) ] الحديث: 2964 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 [ص: 145] 2965 - (أيما رجل آتاه الله علما) تنكيره في حين الشرط يؤذن بالعموم لكل علم ولو غير شرعي لكن خصه جمع منهم الحليمي بالشرع ومقدماته (فكتمه) عن الناس عند الحاجة إليه (ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (1) شبه ما جعل من النار في فم الكاتم باللجام تشبيها بليغا حيث خص النار وهو الذي أخرجه من باب الاستعارة وهذا وعيد شديد سيما إن كان الكتم لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب نفوسهم واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة أو حطام دنيا أو لتقيه مما لا دليل عليه ولا أمارة أو لبخل بالعلم ومن ثم قال علي كرم الله وجهه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا (طب عن ابن مسعود) ورواه عنه في الأوسط أيضا قال الهيثمي: وفي سند الأوسط النضر بن سعيد ضعفه العقيلي وفي سند الكبير سواد بن مصعب وهو متروك اه والحديث أخرجه ابن الجوزي في العلل عن ابن مسعود من عدة طرق وطعن فيه بما محصوله أن فيه جماعة ما بين ضعيف ومتروك وكذاب   (1) لما لجم لسانه عن قول الحق والإخبار عن العلم والإظهار له عوقب في الآخرة بلجام من نار قال العلقمي: وهذا خرج على معنى مشاكة العقوبة للذنب وهذا في العلم الذي يتعين عليه كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول علموني ما الإسلام وما الدين وكيف أصلي وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام فيلزم أن يجاب السائل ويترتب على منعه الوعيد والعقوبة وليس الأمر كذلك ونوافل العلم الذي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها الحديث: 2965 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 2966 - (أيما رجل حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى لم يزل في سخط الله) أي غضبه (حتى ينزع) أي يقلع ويترك وهذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود أي إذا وصلت إلى الإمام وثبتت كما يفيده أخبار آخر وإلا فالستر أفضل (وأيما رجل شد غضبا) أي شد طرفه أي بصره بالغضب (1) (على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه وحرص على سخطه وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة) لأنه بمعاندة الله صار ظالما وقد قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وأصل اللعنة الطرد لكن المراد به هنا في وقت أو حال أو الشخص أو على صفة أو نحو ذلك (وأيما رجل أشاع على رجل مسلم) أي أظهر عليه ما يعيبه (بكلمة وهو منها بريء يشينه بها (2)) أي فعل ما فعل بقصد أن يشينه أي يعيبه أو يعيره بها (في الدنيا) بين الناس (كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بإنفاذ ما قال) وليس بقادر على إنفاذه فهو كناية عن دوام تعذيبه بها من قبيل الخبر المار كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين (3) ومن قبيل قوله للمصورون أحيوا ما خلقتم (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال المنذري: لا يحضرني الآن حال إسناده   (1) ويحتمل أن يكون المعنى اشتد غضبه (2) قال في المصباح: شانه شينا من باب عاب عابه والشين خلاف الزين (3) لعله خرج مخرج الزجر عن هذه الخصلة الحديث: 2966 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 2967 - (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض) ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد (كلفه الله أن يحفره [ص: 146] حتى يبلغ أخر سبع أرضين) بفتح الراء وتسكن (ثم يطوقه) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية فإنه يطوقه (يوم القيامة) أي يكلف نقل الأرض الذي أخذها ظلما إلى المحشر وتكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة أو معناه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض حالتئذ كالطوق في عنقه الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الطوق وبالأول جزم القشيري وصححه البغوي ولا مانع أن نتنوع هذه الصفات لهذا الجاني أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى ويستمر كذلك (حتى يقضى بين الناس) ثم يصير إلى الجنة أو إلى النار بحسب إرادة العزيز الجبار وهذا وعيد شديد للغاصب قاطع بأن الغضب من أكبر الكبائر (1) (طب) وكذا في الصغير (عن يعلى بن مرة) ورواه عنه أيضا أحمد بعدة أسانيد قال الهيثمي: ورجال بعضها رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان من هذا الوجه وكان ينبغي للمؤلف عزوه له ولأحمد فإنهما مقدمان عندهم على العزو للطبراني   (1) وهذا إن لم يحصل عفو من المغصوب منه ولم يفعل الغاصب ما يكفر التبعات الحديث: 2967 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 2968 - (أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما) من الضيافة أي لم يطعمه القوم تلك الليلة (فله أن يأخذ) من مالهم (بقدر قراه) أي ضيافته أي بقدر ما يصرف في ثمن طعام يشبعه ليلته (ولا حرج عليه) في ذلك الأخذ قال الطيبي: وقوله فأصبح الضيف مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأن المسلم الذي ضاف قوما يستحق لذاته أن يقرى فمن منع حقه فقد ظلمه فحق لغيره من المسلمين نصره وأخذ بظاهره أحمد فأوجب الضيافة وأن الضيف يستقل بأخذ ما يكفيه بغير رضى من نزل عليه أو على نحو بستانه أو زرعه وحمله الجمهور على أنه كان في أول الإسلام فإنها كانت واجبة حين إذ كانت المواساة واجبة فلما ارتفع وجوب المواساة ارتفع وجوب الضيافة أو على التأكيد كما في غسل الجمعة واجب فلما ارتفع وجود الاستقلال بالأخذ على المضطر لكنه يعزم بدله أو بعد على مال أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة من نزل بهم لأدلة أخرى كخبر لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس وأما قول بعض المالكية المراد أن له أن يأخذ من عرضهم بلسانه ويذكر للناس عيوبهم فعورض بأن من الأخذ العرض والتحدث بالعيب عيب ندب الشارع إلى تركه لا إلى فعله واستدل بالخبر على مسألة الظفر (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد باللفظ المزبور قال الهيثمي كالمنذري ورجاله ثقات ورواه أبو داود عن المقدام بلفظ أيما رجل ضاف قوما فأصبح محروما والباقي سواء الحديث: 2968 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 2969 - (أيما نائحة) أي امرأة نائحة (ماتت قبل أن تتوب ألبسها الله سربالا) وقد تطلق السرابيل على الدروع (من نار وأقامها للناس يوم القيامة) لتشتهر في عرصات القيامة بين أهل ذلك الموقف الأعظم فالنوح حرام شديد التحريم (ع عد ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: سنده حسن الحديث: 2969 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 [ص: 147] 2970 - (أيما امرأة نزعت ثيابها) أي قلعت ما يسترها منها (في غير بيتها) أي محل سكنها (خرق الله عز وجل عنها ستره) لأنها لما لم تحافظ على ما أمرت به من التستر عن الأجانب جوزيت بذلك والجزاء من جنس العمل والظاهر أن نزع الثياب عبارة عن تكشفها للأجنبي لينال منها الجماع أو مقدماته بخلاف ما لو نزعت ثيابها بين نساء مع المحافظة على ستر العورة إذ لا وجه لدخولها في هذا الوعيد (حم طب ك هب عن أبي أمامة) الحديث: 2970 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 2971 - (أيما امرأة استعطرت) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه (ثم خرجت) من بيتها (فمرت على قوم) من الأجانب (ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك (فهي زانية) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي: شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديدا وتشديدا عليها (وكل عين زانية) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن الله إذا حرم شيئا زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي الله عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب قال بعض الكبراء تزيين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهة والنفرة لأن العين رائد القلب فإذا استحسنت منظرا أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن إياك أن تقع عين زوجك على شيء لا يستملحه أو يشم منك ما يستقبحه (حم ن ك) في التفسير (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأقول فيه عند الأولين ثابت بن عمارة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: ليس بالمتين عندهم ووثقه ابن معين الحديث: 2971 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 2972 - (أيما رجل أعتق غلاما ولم يسم) في العتق (ماله) يعني ما في يده من كسبه وإضافته إليه إضافة اختصاص لا تمليك (فالمال له) أي للغلام يعني ينبغي لسيده أن يسمح له به منحة منه وتصدقا عليه بما في يديه ليكون إتماما للصنيعة وزيادة لنعمة الإعتاق ذكره ابن الكمال وغيره (عن ابن مسعود) الحديث: 2972 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 2973 - (أيما امرئ) بكسر الراء (ولي من أمر المسلمين شيئا لم يحطهم) بفتح فضم أي يكلؤهم ويحفظهم ويصونهم ويذب عنهم والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى عليه (بما يحوط به نفسه) أي بالذي يحفظ به نفسه ويصونها فالمراد لم يعاملهم بما يحب أن يعامل به نفسه من نحو بذل ونصح ونفقة وغيرها (لم يرح رائحة الجنة) حين يجد [ص: 148] ريحها الإمام العادل الحافظ لما استحفظ لا أنه لم يجده أبدا قال الحرالي: والولاية القيام بالأمر عن وصلة واصلة قال أبو مسلم الخولاني لمعاوية: لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفريقه إنما هي القول بالحق والعمل بالمعدلة وأخذ الناس في ذات الله وقال العارف ابن عربي: الإمارة ابتلاء لا تشريف ولو كانت تشريفا بقيت مع صاحبها في الآخرة في دار السعداء ولو كانت تشريفا ما قيل له ولا تتبع الهوى فحجر عليه والتحجير ابتلاء والتشريف إطلاق ويتحكم في العالم من أسعده الله به ومن أشقاه من المؤمنين ومع ذلك أمر بالحق أن يسمع له ويطيع وهذه حالة ابتلاء لا شرف فإنه في حركاته فيها على حذر وقدم غرور ولهذا تكون يوم القيامة ندامة (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه ساقه من حديث إسماعيل بن شبيب الطائفي وقال: أحاديثه مناكير غير محفوظة وأقره عليه في اللسان الحديث: 2973 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 2974 - (أيما رجل عاهر) العاهر الزاني وعهر إلى المرأة أتاها ليلا للفجور بها غلب على الزنى مطلقا (بحرة أو أمة) يعني زنى بها فحملت (فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث) لأن الشرع قطع الوصلة بينه وبين الزاني قريب له إلا من قبل أمه وماء الزنا لا حرمة له مطلقا ولا يترتب عليه شيء من أحكام التحريم والتوارث ونحوهما عند الشافعية (ت) في الفرائض من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه (عن) جده (ابن عمرو) بن العاصي قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم الحديث: 2974 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 2975 - (أيما مسلم شهد له أربعة) من المسلمين وفي رواية أربعة نفر أي رجال (بخير) بعد موته من الصحابة أو من غيرهم فمن اتصف بالعدالة لا نحو فاسق ومبتدع (أدخله الله الجنة) أي مع السابقين والأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فمن مات على الإسلام دخلها ولا بد شهد له أحد أم لا قال الراوي: فقلنا أو ثلاثة قال: (أو ثلاثة) فقلنا: أو اثنان قال: (أو اثنان) قال: ثم لم نسأله عن الواحد أي استبعادا للاكتفاء في مثل هذا المقام العظيم بأقل من نصاب وترك الشق الثاني وهو الشهادة بالشر لفهمه حكمه بالقياس على الخير أو اختصارا قال النووي: من مات فألهم الله الناس بالثناء عليه بخير كان دليلا على كونه من أهل الجنة سواء اقتضته أفعاله أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها وبه تظهر فائدة الثناء (حم خ) في الجنائز والشهادات (ن عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه مسلم الحديث: 2975 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 2976 - (أيما صبي) أو صبية (حج) حال صباه (ثم بلغ الحنث) بسن أو احتلام (فعليه أن يحج حجة أخرى) يعني يلزمه ذلك (وأيما أعرابي حج) قبل أن يسلم (ثم) أسلم و (هاجر) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بإسلامه في استطاعته وإن لم يهاجر (وأيما عبد) أي قن أو أمة (حج) حال رقه (ثم أعتق) أي أعتقه سيده (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بعد مصيره حرا قال الذهبي في المهذب: كأنه أراد بهجرته إسلامه كما تقرر وفيه أنه يشترط لوقوع الحج عن فرض الإسلام البلوغ والحرية فلا يجزئ حج الطفل والرقيق إن كملا بعده وعليه الشافعي نعم إن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزأهما وأعاد السعي (خط) في التاريخ (والضياء) المقدسي في المختارة (عن ابن عباس) وظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله [ص: 149] لم يرفعه إلا زيد بن زريع عن شعبة وهو غريب اه قال ابن حجر: تفرد برفعه محمد المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة عن الأعمش عنه وأخرجه ابن عدي وقال: إن يزيد بن زريع سرقه من محمد بن منهال اه. ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 2976 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 2977 - (أيما مسلمين التقيا) في نحو طريق (فأخذ أحدهما بيد صاحبه) أي أخذه يده اليمنى بيده اليمنى (وتصافحا) ولو من فوق ثوب والأكمل بدونه (وحمدا الله) أي اثنيا عليه وزاد قوله (جميعا) للتأكيد (تفرقا وليس بينهما خطيئة) ظاهره يشمل الكبائر وقياس نظائره قصره على الصغائر (حم والضياء) المقدسي (عن البراء) بن عازب قال أبو داود: لقيني البراء فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال: تدري لم أخذت بيدك؟ قلت: لا إلا أني ظننت أنك لم تفعله إلا لخير فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم ذكره الحديث: 2977 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 2978 - (أيما امرئ من المسلمين حلف عند منبري هذا على يمين كاذبة يستحق بها حق مسلم أدخله الله النار وإن كان على سواك أخضر) قال العكبري: تقديره وإن حلف على سواك فحذف لدلالة الأولى عليه وعلى في قوله على يمين زائدة أي حلف يمينا وفي ذكر المنبر زيادة في التأكيد قال الرافعي: وهذا إشارة إلى أن اليمين يغلظ بالمكان كما يغلظ بالزمان قال النووي: ودخل في قوله حق مسلم نحو جلد ميتة وسرجين وسائر الاختصاصات وكذا كل حق ليس بمال كحد قذف (حم عن جابر) بن عبد الله - (أيما امرئ اقتطع حق امرئ مسلم) أي ذهب بطائفة منه ففصلها عنه يقال اقتطعت من الشيء قطعة فصلتها (بيمين كاذبة كانت له نكتة) والنكتة في الشيء كالنقطة والجمع نكت ونكات مثل برمة وبرم وبرام ونكات الضم عامي (سوداء من نفاق في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة) فإن لم يدركه العفو أدخل النار حتى تنجلي تلك النكتة ويكون فيها حتى يطهر من درنه ويصلح لجوار الرحمن في الجنان (الحسن بن سفيان طب ك عن ثعلبة) بلفظ الحيوان المشهور ابن وديعة (الأنصاري) قيل: هو أحد الستة الذين تخلفوا عن تبوك قال الذهبي: وذلك ضعيف الحديث: 2978 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 2979 - (أيما عبد) يعني قن ولو أمة قال ابن حزم: لفظ العبد لغة يتناول الأمة لكن في الفتح فيه نظر ولعله أراد المملوك وقال القرطبي: العبد اسم للملوك الذكر بأصل وضعه والأمة اسم لمؤنثه بغير لفظه ومن ثم قال إسحاق: إن هذا الحكم لا يشمل الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى {إلا آتي الرحمن عبدا} فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا وإما بطريق الإلحاق لعدم الفارق وقد قال إمام الحرمين: إدراك كون الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع والفرق (كوتب على مئة اوقية) مثلا ورواية الحاكم كوتب على ألف أوقية (فأداها إلا عشرة أواق) في نسخ أواقي بشد الياء وقد تخفف جمع أوقية بضم الهمزة وشد الياء معروفة (فهو عبد وأيما عبد كوتب على مئة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد) المراد أنه أدى مال الكتابة إلا شيئا قليلا بدليل الخبر الآتي [ص: 150] المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فلا يعتق إلا بأداء جميع ما عدا القدر الذي يجب حطه عنه وهذا مذهب الجمهور ونقل عن علي كرم الله وجهه أنه يعتق عنه بقدر ما أدى والمكاتب بالفتح من تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة قال الراغب: اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه {كتب عليكم الصيام} أو جمع وضم ومنه كتب الخط وعلى الأول مأخذها من الالتزام وعلى الثاني من الخط لوجوده عند عقدها غالبا. قال الروياني: وهي إسلامية ونوزع بأنها كانت متعارفة في الجاهلية وأقرها الشارع وأحسن تعاريفها أنها تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة (حم د) في العتق والكتابة (هـ) في الأحكام كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص ورواه الحاكم باللفظ وصححه وأقره الذهبي الحديث: 2979 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 2980 - (أيما رجل مسلم) وفي رواية الاقتصار على رجل وفي أخرى على مسلم (أعتق رجلا مسلما) لوجه الله تعالى خالصا (فإن الله تعالى جاعل وقاء كل عظم) بكسر الواو وتخفيف القاف والوقاية ما يصون الشيء ويستره عما يؤذيه (من عظامه) أي العتيق (عظما من عظام محرره) بضم الميم وفتح الراء المشددة أي من عظام القن الذي حرره (من النار) نار جهنم جزاءا وفاقا (وأيما امرأة مسلمة) أعتقت امرأة معلمة لوجه الله تعالى (فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها) بفتح الراء المشددة (من النار يوم القيامة) فاستفدنا أن الأفضل للذكر عتق الذكر وللأنثى الأنثى وعتق الذكر أفضل من عتق الأنثى خلافا لمن عكس محتجا بأن عتقها يستدعي صيرورة ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد بخلاف الذكر وعورض بأن عتق الأنثى غالبا يستلزم ضياعها وبأن في عتق الذكر من المعاني العامة ما ليس في الأنثى لصلاحيته للقضاء وغيره مما لا يصلح له الإناث وفي قوله إن الله جاعل وقاء كل عظم إلى آخره إيماء إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقص ليحصل الاستيعاب وأنه ينبغي للفحل عتق فحل لينال المعنى المعهود في عتق جميع أعضائه وقول الخطابي هو نقص مجبور إذ الخصي ينتفع به فيما لا ينتفع بالفحل استنكره النووي وغيره والكلام في الأولوية (د حب عن أبي نجيح) بفتح النون (السلمي) وأبو نجيح السلمي في الصحابة اثنان أحدهما عمرو بن عبسة والآخر العرباض بن سارية فكان ينبغي تمييزه قال ابن حجر: إسناده صحيح ومثله للترمذي من حديث أبي أمامة وللطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف ورجاله ثقات الحديث: 2980 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 2981 - (أيما أمة ولدت من سيدها) أي وضعت منه ما فيه صورة خلق آدمي (فإنها) ينعقد لها سبب العتق وتكون (حرة إذا مات) السيد (إلا أن يعتقها قبل موته) فإنها تصير حرة بالعتق ولا يتوقف عتقها على موته (هـ ك عن ابن عباس) قال ابن حجر رحمه الله تعالى: له طرق عند ابن ماجه وأحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي وفيه الحسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف جدا اه. ورد الذهبي تصحيح الحاكم له بأن حسينا هذا متروك وممن تعقبه عبد الحق وتبعه في المنار وغيره الحديث: 2981 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 2982 - (أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس) وأكثروا اللغط (ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله) بأي صيغة كانت من صيغ [ص: 151] الذكر (أو يصلوا على نبيه) محمد صلى الله عليه وسلم كذلك وفيه تلميح إلى قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} (كانت عليهم ترة (1) من الله) أي نقص وتبعة وحسرة وندامة لتفرقهم ولم يأتوا بما يكفر لفظهم من حمد الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهاء ترة عوض عن واوه المتروكة كواو عدة وسعة (إن شاء) أي الله (عذبهم) لتركهم كفارة المجلس (وإن شاء غفر لهم) فضلا وطولا منه تعالى ورحمة لهم {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (ك عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي   (1) قوله ترة بالنصب خبر لكان وأنها ضمير يرجع للجلوس المفهوم من جلسوا الحديث: 2982 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 2983 - (أيما امرأة توفي عنها زوجها) أي مات وهي في عصمته (فتزوجت بعده فهي) أي فتكون هي في الجنة زوجة (لآخر أزواجها) (1) في الدنيا قالوا وهذا هو أحد الأسباب المانعة من نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعده لما أنه سبق أنهن زوجاته في الجنة (طب عن أبي الدرداء) وأصله أن معاوية خطب أم الدرداء بعد موت أبي الدرداء فقالت: سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة إلخ وما كنت لأختار على أبي الدرداء فكتب إليها معاوية فعليك بالصوم فإنه محسمة قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط   (1) [ولا يعارض هذا الحديث بالحديثين التاليين لضعفهما: ورد في حديث طويل: " يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا " - بضم الخاء واللام - قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي. وورد حيث مثله عن أنس خاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وقال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار باختصار وفيه عبيد بن إسحاق وهو متروك وقد رضيه أبو حاتم وهو أسوأ أهل الإسناد حالا ويمكن الجمع بين الأحاديث الثلاثة بأنها تكون لآخر أزواجها إذا تساووا في الخلق وإلا فتختار أحسنهم خلقا؟ ؟ والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 2983 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 2984 - (أيما رجل ضاف قوما) أي نزل بهم ضيفا (فأصبح الضيف محروما) من القرى بأن لم يقدموا له عشاء تلك الليلة (فإن نصره) بفتح النون نصرته وإعانته على أداء حقه (حق على كل مسلم) أي مستحقة على كل من علم بحاله من المسلمين (حتى يأخذ بقرى ليلته) أي بقدر ما يصرفه في عشائه تلك الليلة أي ليلة واحدة كما في رواية أحمد والحاكم (من زرعه وماله) ويقتصر على ما يشد الرمق أي بشين معجمة بقية الروح أو مهملة أي بسد الخلل الحاصل من الجوع قال الطيبي: وأفرد الضمير فيهما باعتبار المنزل عليه والمضيف وهو واحد ثم هذا في المضطر أو في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة المارة (1) (حم د ك) في الأطعمة (عن المقدام) بن معد يكرب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: إسناده على شرط الصحيح   (1) وقال العلقمي: قال شيخنا: هذه الأحاديث كانت في أول الأمر حين كانت الضيافة واجبة وقد نسخ وجوبها وقد أشار إليه أبو داود بقوله باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره الحديث: 2984 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 2985 - (أيما رجل كشف سترا) أي أزاله أو نحاه (فأدخل بصره) يعني نظر إلى ما وراء الستر من حرم أو غيرهن (من قبل أن يؤذن له) في الدخول (فقد أتى حدا لا يحل أن يأتيه) أي فيحرم عليه ذلك (ولو أن رجلا) من أصحاب ما وراء المكشوف من الستر (فقأ عينه) أي الناظر أي قذفه بنحو حصاة فقلع عينه (لهدرت) أي عينه فلا يضمنها الرامي وفيه حجة للشافعي أن من نظر من نحو كوة أو شق إلى بيت لا محرم له فيه فرماه صاحب البيت فقلع عينه هدر وأوجب أبو حنيفة الضمان (ولو أن رجلا مر على باب) أي منفذ نحو بيت (لا سترة عليه) أي ليس عليه باب [ص: 152] من نحو خشب يستر ما وراءه عن العيون (فرأى عورة أهله) من الباب (فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل الباب) في تركهم ما أمروا به من الستر وقلة مبالاتهم باطلاع الأجانب على عوراتهم وفي نسخ بدل الباب البيت وهي أقعد قال الزين العراقي: فيه أنه يحرم النظر في بيت غيره المستور بغير إذنه ولو ذميا وأنه يحرم الدخول بطريق أولى (حم ت عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أن كلا منهما روى الكل والأمر بخلافه فإن الترمذي لم يرو إلا بعضه وتمامه عند أحمد وقال الهيثمي كالمنذري ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف الحديث: 2985 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 2986 - (أيما وال ولي من أمر المسلمين شيئا) أي ولم يعدل فيهم (وقف به على جسر جهنم) يحتمل أنه أراد به الصراط ويحتمل غيره والواقف به بعض الملائكة أو الزبانية (فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو) منه عن مكانه الذي هو فيه فيقع في جهنم عضوا عضوا فعلى الإمام أن يقاسي النظر في أمر رعيته بظاهره وباطنه قال عمر: إن نمت الليل لأضيعن نفسي وإن نمت النهار لأضيعن الرعية فكيف بالنوم بين هاتين (ابن عساكر) في التاريخ (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن عاصم) بن سفيان السقفي وقيل المخزومي الحديث: 2986 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 2987 - (أيما راع غش رعيته) أي مرعيته يعني خانهم ولم ينصح لهم (فهو في النار) أي يعذب بنار جهنم شاء الله أن يعذبه قال الزمخشري: والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية ويقال من راعى هذا الشيء أي متوليه وصاحبه والرعي حفظ الشيء لمصلحته وذهب جمهور الصوفية إلى أن المراد بالراعي في هذا الخبر وما أشبهه كخبر كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته هو الروح الإنساني ورعية جوارحه فيجب أن يسلك بها في التخلية والتحلية أعدل المسالك وأن يعدل في مملكة وجودها لأنها بحسب الصورة هي المملكة وسلطان صولتها هو المالك ومرادهم بعدلها أن يستعمل كل جارحة فيما طلب منها شرعا على جهة الرفق والاقتصاد وأن يبدل كل خلق ذميم بخلق حميد قويم بناء على أن الخلق يقبل التغيير وهو القول المنصور اه (ابن عساكر) في التاريخ (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة (ابن يسار) ضد اليمين الحديث: 2987 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 2988 - (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه) أي ساداته (فهو زان) وفي رواية للترمذي فهو عاهر وهذا نص صريح في بطلان نكاحه بغير إذن سيده وإن أجازه بعد وهو مذهب الشافعي إذ لم يقل في الخبر إلا أن يجيزه السيد (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد: حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه بلفظ أيما مملوك نكح بغير إذن مولاه فهو عاهر وفي رواية للترمذي فنكاحه باطل الحديث: 2988 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 2989 - (أيما امرأة مات لها ثلاثة) وفي رواية ثلاث (من الولد) بفتحتين يشمل الذكر والأنثى وخص الثلاثة لأنها [ص: 153] أول مراتب الكثرة (كن) في رواية كانوا أي الثلاث (لها) وأنث باعتبار النفس أو النسمة وهو بضم الكاف وشد النون والولد يشمل الذكر والأنثى والمفرد والجمع ويخرج السقط لكن فيه حديث مر (حجابا من النار) أي نار جهنم وتمام الحديث عند البخاري نفسه قالت امرأة: واثنان قال: واثنان هذا لفظه وكأنه أوحى إليه به حالا ولا يبعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين أو كان عنده علم به لكن أشفق عليهم أن يتكلموا فلما سئل لم يكن بد من الجواب وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم يقاربه صبر ويصرح به خبر الطبراني من مات له ولد ذكر أو أنثى سلم أو لم يسلم رضي أو لم يرض صبر أو لم يصبر لم يكن له ثواب دون الجنة اه قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا عمرو بن خالد فضعيف (خ عن أبي سعيد) الخدري قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يوما فوعظهن فذكره وفي أخرى قالت امرأة: واثنان قال: واثنان الحديث: 2989 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 2990 - (أيما رجل مس فرجه) أي ذكر نفسه ببطن كفه أو حلقة دبره فالمس عام مخصوص كما سيأتي بيانه (فليتوضأ) وجوبا حيث لا حائل لانتقاض طهره بمسه (وأيما امرأة مست فرجها) أي ملتقى المنفد من قبلها أو حلقة دبرها ببطن كفها (فلتتوضأ) وجوبا لبطلان طهرها به وإذا كان كذلك فمس فرج غيره أفحش وأبلغ في اللذة فهو أولى بالنقض وبهذا أخذ الشافعية والحنابلة وخالف الحنفية وسيأتي تقريره (حم قط عن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الذهبي في التنقيح: وإسناده قوي وقال ابن حجر رحمه الله رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقيل عنه هكذا وقيل عن المثنى بن الصباح عنه عن سعيد بن المسيب عن بسرة بنت صفوان وفي الباب طلق بن علي وغيره الحديث: 2990 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 2991 - (أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما فهو فكاكه من النار) أي نار جهنم (يجزى) بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز أي ينوب (بكل عظم منه عظما منه) حتى الفرج بالفرج كما في رواية (وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فهي فكاكها من النار تجزى بكل عظم منها عظما منها حتى الفرج بالفرج وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما فكاكه) بفتح الفاء وتكسر أي كانتا خلاصه (من النار يجزى بكل عظمتين منهما عظما منه) فأفاد أن عتق العبد يعدل عتق أمتين (1) ولهذا كان أكثر عتق النبي صلى الله عليه وسلم ذكورا وهذا تنويه عظيم بفضل العتق لا يساويه فيه غيره إلا قليلا. قال الخطابي رحمه الله: ويندب أن لا يكون القن المعتق ناقصا عضوا بنحو عور أو شلل بل يكون سليما لينال معتقه الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه إياه من الرق في الدنيا قال: وقد يزيد نقص العضو في الثمن كالخصي يصلح لما لا يصلح له الفحل من نحو حفظ الحرم اه. وأشار به إلى أن النقص المجبور بالمنفعة مغتفر (طب عن [ص: 154] عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة (د هـ طب عن مرة) بفتح الميم (ابن كعب) بن مرة الفهري (ت عن أبي أمامة) الباهلي وقال: حسن   (1) قال القاضي: اختلف العلماء هل الأفضل عتق الإناث أم الذكور فقال بعضهم الإناث لأنها إذا عتقت كان ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد وقال آخرون عتق الذكور أفضل لما في الذكر من المعاني العامة التي لا توجد في الإناث كالقضاء والجهاد ولأن من الإناث من إذا عتقت تضيع بخلاف العبيد وهذا القول هو الصحيح الحديث: 2991 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 2992 - (أيما امرأة زوجها وليان) أي أذنت لهما معا أو أطلقت أو أذنت لأحدهما وقالت: زوجني بزيد وللآخر زوجني بعمرو (فهي) زوجة (للأول) أي السابق (منهما) ببينة أو تصادق معتبر فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا معا (وأيما رجل باع بيعا) أي مرتا (من رجلين فهو للأول) أي فالبيع للسابق (منهما) فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا (حم ع ك) كلهم في النكاح إلا القزويني ففي التجارة كلهم من حديث الحسن (عن سمرة) بن جندب وحسنه الترمذي وقال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي قال ابن حجر: وصحته موقوفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة فإن رجاله ثقات الحديث: 2992 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 2993 - (أيما امرأة نكحت) أي تزوجت (على صداق أو حباء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة والمد: أصله العطية وهي المسمى بالحلوان وقيل هو عطية خاصة (أو عدة) ظاهره أنه يلزمه الوفاء وعند ابن ماجه أو هبة بدل عدة (قبل عصمة النكاح) أي قبل عقد النكاح (فهو لها) أي مختص بها دون أبيها لأنه وهب لها قبل العقد الذي شرط فيه لأبيها ما شرط فليس لأبيها حق فيه إلا برضاها (وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه) أي وما شرط من نحو هبة أو عدة مع عقد النكاح فهو ثابت لمن أعطيه ولا فرق بين الأب وغيره قال الخطابي: هذا موكول على ما شرطه الولي لنفسه غير المهر (وأحق ما أكرم) بضم فسكون فكسر (عليه الرجل) أي لأجله فعلى للتعليل (ابنته (1)) بالرفع خبر أحق وقد ينصب على حذف كان تقديره أحق ما أكرم لأجله الرجل إذا كانت ابنته (أو أخته) قال ابن رسلان: ظاهر العطف أن الحكم المذكور لا يختص بالأب بل في معناه كل ولي ولم أر من قال به (حم د ن هـ عن ابن عمرو) ابن العاص   (1) وبهذا قال إسحاق بن راهويه وقد روى عن زين العابدين أنه زوج ابنته واشترط لنفسه شيئا وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين وقال للزوج: جهز امرأتك وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وسفيان النووي ومالك في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها شيئا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب قال أصحابنا: ولو نكح بألف على أن لأبيها أو أن يعطي أباها ألفا فالمذهب فساد الصداق المسمى ووجوب مهر المثل لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد والمهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها الحديث: 2993 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 2994 - (أيما امرأة) ثيب أو بكر (زوجت نفسها من غير ولي فهي زانية) نص صريح في اشتراط الولي لصحة النكاح وبهذا أخذ الشافعي وقوله من غير ولي إيضاح (خط عن معاذ) بن جبل قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وفيه أبو عصمة نوح بن أبي مريم قال يحيى ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال السعدي: سقط حديثه وقال مسلم والدارقطني ونوح وضع حديث فضائل القرآن الحديث: 2994 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 [ص: 155] 2995 - (أيما امرأة تطيبت) أي استعملت الطيب الذي هو ذو الريح (ثم خرجت إلى المسجد) تصلي فيه (لم تقبل لها صلاة) ما دامت متطيبة (حتى تغتسل) يعني تزيل أثر ريح الطيب بغسل أو غيره أي لأنها لا تثاب على الصلاة ما دامت متطيبة لكنها صحيحة مغنية عن القضاء مسقطة للفرض فعبر عن نفي الثواب بنفي القبول إرعابا وزجرا (هـ عن أبي هريرة) وفيه عاصم بن عبد الله ضعفه جمع الحديث: 2995 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 2996 - (أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه) فيه حجة لمذهب الليث أن الممتنع وصل الشعر بالشعر أما لو وصلت شعرها بغير شعر كخرقة وصوف فلا يشمله النهي وبه أخذ بعضهم وضعفه الجمهور مطلقا (1) (ن عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره   (1) وكما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة الحديث: 2996 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 2997 - (أيما رجل أعتق أمة ثم تزوج بها بمهر جديد فله أجران) أجر بالعتق وأجر بالتعليم والتزويج (طب عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 2997 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 2998 - (أيما رجل قام إلى وضوئه) يحتمل كونه بفتح الواو أي الماء ليتوضأ منه ويحتمل بالضم أي إلى فعل الوضوء (يريد الصلاة) بذلك الوضوء (ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة) تقطر منهما قال القاضي: هو مجاز عن غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة وكذا يقال فيما بعده وقال الطيبي: هذا وما بعده تمثيل وتصوير لبراءته عن الذنوب كلها على سبيل المبالغة لكن هذا العام خص بالتغاير (فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة) تقطر منه (فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له ومن كل خطيئة كهيئة (يوم ولدته أمه) ويصير سالما من الذنوب مثل وقت ولادته (فإذا قام إلى الصلاة) وصلاها (رفعه الله عز وجل بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وإن قعد) أي عن الصلاة أي لم يصلها بذلك (قعد سالما) من الخطايا قال الطيبي: فإن قلت ذكر لكل عضو ما يختص به من الذنوب وما يزيلها عن ذلك العضو والوجه مشتمل على الأنف والفم فلم خصت بالذكر دونهما قلت العين طليعة القلب ورائده وكذا الأذن فإذا ذكرا أغنيا عن سائرها قال: والبصر واليد والرجل كلها تأكيدات تفيد مبالغة في الإزالة واعلم أنه قد زاد في رواية للطبراني بعد غسل اليدين إلى المرفقين فإذا مسح برأسه تناثرت خطاياه من أصول الشعر والمراد بخطايا الرأس نحو الفكر في محرم وتحريك الرأس استهزاء بمسلم وتمكين المرأة أجنبيا من مسه مثلا والخيلاء بشعره والعمامة وإرسال العذبة فخرا وكبرا ونحو ذلك <تنبيه> قال القصيري: ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل يديه تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله ونفضهما مما يشغله عنه وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوباته [ص: 156] وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يملكه ويهبطه من أعلا عليين إلى أسفل سافلين وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله وتطهير الأنف من الأنفة والكبر والعين من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع أو ضر واليدين تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله والرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر والقدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز وهكذا ليصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس تعالى (حم عن أبي أمامة) الباهلي قال المنذري: رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقد حسبها الترمذي لغير هذا المتن وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به الحديث: 2998 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 2999 - (أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله) أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله (فبلغ) إلى العدو (مخطئا أو مصيبا فله من الأجر كرقبة) أي مثل أجر نسمة (أعتقها من ولد إسماعيل) بن إبراهيم الخليل عليه السلام (وأيما رجل شاب في سبيل الله) أي في الجهاد أو في الرباط يعني من هول ذلك ويحتمل أن المراد داوم على الجهاد حتى أسن (فهو له نور) أي فالشيب نور له فإن قلت: ورد في غير ما خبر أن الشيب نور لكل مؤمن فما الذي تميز به هذا المجاهد قلت: فالشيب في نفسه نور لكل مؤمن كما في حديث فالحاصل لهذا الرجل نور على نور (وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فكل عضو من المعتق) بكسر التاء (بعضو من المعتق) بفتحها (فداء (1) من النار) أي يجعله الله له فداء من نار جهنم والمرأة مثل الرجل (وأيما رجل قام) أي هب من نومه أو تحول من مقعده (وهو) أي والحال أنه (يريد الصلاة) يعني التهجد (فأفضى الوضوء إلى أماكنه سلم من كل ذنب وخطيئة هي له فإن قام إلى الصلاة رفعه الله بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وإن رقد) بعد ذلك (رقد سالما) من الذنوب والبلايا لحفظ الله له ورضاه عنه (طب عن عمرو بن عبسة) بن عامر أو ابن خالد السلمي   (1) بنصب فداء على الحال أو التمييز أو المفعول المطلق والمراد مثل الرجل الحديث: 2999 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 3000 - (أيما وال ولي أمر أمتي بعدي (1) أقيم على الصراط) أي وقف به على متن جهنم (ونشرت الملائكة صحيفته) التي فيها حسناته وسيئاته (فإن كان عادلا نجاه الله بعدله) أي بسبب عدله بين خليقته (وإن كان جائرا انتفض به الصراط انتفاضة تزايل بين مفاصله) أي تفارق كل مفصل مفصل منه (حتى يكون بين عضوين من أعضائه مسيرة عام) يعني بعدا كثيرا جدا فالمراد التكثير لا التحديد كما في نظائره (ثم ينخرق به الصراط فأول ما يتقي به النار أنفه وحر وجهه) لأنه لما [ص: 157] خرق حرمة من قلده الله أمره من عباده واستهان بهم وخان فيما جعل أمينا عليه ناسب أن ينخرق به متن الصراط والجزاء من جنس العمل وهذا وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد والظاهر أن في الحديث تقديما وتأخيرا وأن الانخراق به قبل تفرق أعضائه ثم تتفرق أعضاؤه من الهوى وقد يقال هو على بابه ويكون المراد بالأعضاء اليدين والرجلين خاصة (أبو القاسم بن بشران في أماليه عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه   (1) قوله بعدي قيد بالبعدية لإخراج من ولي أمر أمته في حياته من أمرائه فإنه لا يجري فيه التفصيل الآتي لأنهم كلهم عدول الحديث: 3000 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 3001 - (أيما مسلم استرسل إلى مسلم) أي استأنس واطمأن إليه (فغبنه) في بيع أو شراء أي غلبه بنقص في العوض أو غيره (كان غبنه ذلك ربا) أي مثل الربا في التحريم ومنه أخذ بعض الأئمة ثبوت الخيار في الغبن ومذهب الشافعي رضي الله عنه لا حرمة ولا خيار لتفريط المشتري بعدم الاحتياط (حل عن أبي أمامة) ورواه عنه الطبراني أيضا باللفظ المزبور وفيه موسى بن عمير القرشي الراوي عن مكحول قال الذهبي قال أبو حاتم ذاهب الحديث الحديث: 3001 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 3002 - (أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة) الظاهر أن المراد بقعودها عليهم تعزبها ليتمهم وصبرها عن الرجال وعن التوسع في النفقة منهم لأجل الأولاد وأن المراد بالمعية المعية في السبق إلى الجنة بقرينة خبر أنا أول من يدخل الجنة لكن تبادرني امرأة فأقول من أنت فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامي وأما درجة المصطفى صلى الله عليه وسلم فليس معه فيها أحد (ابن بشران) في أماليه (عن أنس) الحديث: 3002 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 3003 - (أيما راع) أي حافظ مؤتمن على شيء من أمور المسلمين وكل من وكل بحفظ شيء فهو راع ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام وأمرائه ولاية أمور الرعية (لم يرحم رعيته) بأن لم يعاملهم بالرحمة ولم يذب عنهم وأهمل أمرهم وضيع حقهم (حرم الله عليه الجنة) أي دخولها قبل تطهيره بالنار لأن الراعي ليس بمطلوب لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فإذا لم يتصرف فيه بما أمر به فقد غش وخان فاستحق دخول دار الهوان وهذا شامل حتى للرجل الذي هو من آحاد الناس فإنه راع لعياله فإذا لم ينظر إليهم بالشفقة والعطف والإحسان فهو داخل في هذا الوعيد الشديد نسأل الله الغفران وأن يرضي عنا خصماءنا يوم الحساب والميزان (خيثمة الطرابلسي في جزئه) الحديثي (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 3003 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 3004 - (أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة) تعميم بعد تخصيص (حتى يكبر (1)) أي يطعن في السن (أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا) بالتشديد أي مثل ثوابهم أجمعين. قال في الفردوس: النشئ الأحداث الواحد ناشئ مثل خادم وخدم وأنشأ الرجل إذا ابتدأ والنشئ ابتداع الشيء وابتداؤه اه. وظاهره أن هذا الثواب الموعود إنما هو في علم شرعي قصد بطلبه وجه الله تعالى (طب عن أبي أمامة) قال في الميزان: هذا منكر جدا اه. وقال الهيثمي: فيه يوسف [ص: 158] ابن عطية متروك الحديث   (1) بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السن ويموت على ذلك قال في الصحاح: كبر بمعنى طعن في السن بكسر الباء في الماضي وفتحها في المضارع وأما كبر بمعنى عظم فهو بضمها فيهما الحديث: 3004 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 3005 - (أيما قوم نودي فيهم بالأذان صباحا كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى) ذلك اليوم وتلك الليلة (حتى يمسوا وأيما قوم نودي فيهم بالأذان مساء كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى حتى يصبحوا) أي يدخلوا في الصباح والظاهر أن المراد بالعذاب هنا القتال بدليل خبر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل بساحة قوم فسمع الأذان كف عن القتال ذلك اليوم (طب عن معقل ابن يسار) قال الهيثمي: فيه أغلب بن تميم وهو ضعيف الحديث: 3005 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 3006 - (أيما مال أديت زكاته) الشرعية لمستحقيها (فليس بكنز (1)) فلا يدخل صاحبه بادخاره في قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} (خط) من حديث عبد العزيز البالسي (عن جابر) أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح قال أحمد: اضرب على حديث عبد العزيز البالسي فإنه كذاب وقال موضوع   (1) وإن دفن في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن لم يدفن فيدخل صاحبه في آية والذين يكنزون الحديث: 3006 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 3007 - (أيما راع استرعى رعية) أي طلب منه أن يكون راعي جماعة أي أميرهم (فلم يحطها) أي لم يحفظها يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا حفظه وصانه وذب عنه (بالأمانة والنصيحة) أي بإرادة الخير والصلاح (ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء (1) يعني أنه يبعد عن منازل الأبرار ويساق مع العصاة إلى النار فإذا طهر من دنسه شمله الغفران وصلح إلى جوار الرحمن قال العارف ابن عربي: فالحاكم خليفة الله فإن غفل بلهوه وشأنه وشارك رعيته فيما هم فيه من فنون اللذات وميل الشهوات ولم ينظر في أحوال من أمر النظر في أحواله من رعاياه فقد عزل نفسه عن الخلافة بفعله ورمت به المرتبة وبقي عليه السؤال من الله والوبال والخيبة وفقد الرياسة والسيادة وحرمه الله خيرها وندم حيث لا ينفعه الندم (خط عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب العبسي   (1) بمعنى أنه يحرم منها وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لأن رحمة الله ترجى للعاصين الحديث: 3007 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 3008 - (أيما وال ولي شيئا من أمر أمتي) أمة الإجابة (فلم ينصح لهم) في أمر دينهم ودنياهم (ويجتهد لهم) فيما يصلحهم (كنصيحته وجهده) أي اجتهاده (لنفسه كبه الله تعالى على وجهه يوم القيامة في النار) نار جهنم (1) لأن الله تعالى إنما ولاه واسترعاه على عباده ليديم النصيحة لهم لا لنفسه فلما قلب القضية استحق النار الجهنمية (طب عن معقل بن يسار) ضد اليمين   (1) أي ألقاه الله فيها على وجه الإذلال والإهانة والاحتقار وقد تدركه الرحمة فيعفى عنه الحديث: 3008 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 3009 - (أيما وال ولي على قوم فلان) لهم أي لاطفهم بالقول والفعل (ورفق) بهم وساسهم بلطف (رفق الله تعالى [ص: 159] به يوم القيامة) في الحساب والعتاب ومن عامله بالرفق في ذلك المقام فهو من السعداء بلا كلام والله تعالى يحب الرفق في الأمر كله (ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب عن عائشة) رضي الله عنها الحديث: 3009 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 3010 - (أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع) بالبناء للمجهول أي اتبعه على تلك الضلالة أناس (فإن عليه مثل أوزار من اتبعه) على ذلك (ولا ينقص من أوزارهم شيئا) فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع) بالبناء للمجهول أيضا أي اتبعه قوم عليها (فإن له مثل أجور من اتبعه) منهم (ولا ينقص من أجورهم شيئا) فإن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قيل وذا شمل عموم الدلالة على الخير قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} {وتعاونوا على البر والتقوى} {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} وفيه حث على ندب الدعاء إلى الخير وتحذير من الدعاء إلى ضلالة أو بدعة سواء كان ابتدأ ذلك أو سبق به (هـ عن أنس) الحديث: 3010 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 3011 - (أين الراضون بالمقدور) أي بما قدره الله تعالى لهم في علمه القديم الأزلي يعني هم قليل (أين الساعون للمشكور) أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله (عجبت لمن يؤمن بدار الخلود) وهي الجنة والنار (كيف يسعى لدار الغرور) أي الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه ميل إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل: أشد الغم عندي في سرور. . . تيقن عنه صاحبه انتقالا ولست بمفراح إذا الدهر سرني. . . ولا جازع من صرفه المتقلب وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا (هناد عن عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء ابن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام (مرسلا) الحديث: 3011 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 3012 - (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق (فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها) {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي: ومن الدليل على القضاء وكونه. . . بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق قال الفخر الرازي: يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته {نحن [ص: 160] قسمنا بينهم معيشتهم} وقال الزمخشري: قيل لبزرجمهر: تعال نتناظر في القدر قال: وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهرا دل على باطن ورأيت أحمق مرزوقا وعالما محروما فعلمت أن التدبير ليس للعباد وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع الخير إذ معها تنكف النفس عن أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم كرر لك فقال (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي اطلبوا الرزق طلبا رفيقا وبين كيفية الإجمال بقوله فيه (خذوا ما حل) لكم تناوله (ودعوا) أي اتركوا (ما حرم) عليكم أخذه ومدار ذلك على اليقين فإن المرء إذا علم أن له رزقا قدر له لا بد له منه علم أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد إلا الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه والعبد أسير القدرة سليب القبضة وأفعاله تبع لفعل الله به فإنها إنما تكون بالله والعبد مصروف عن نظره إلى أفعاله معترف بعجزه مقر باضطراره عالم بافتقاره والدنيا حجاب الآخرة ومن كشف عن بصر قلبه رأى الآخرة بعين إيقانه ومن نظر إلى الآخرة زهد في الدنيا إذ الإنسان حريص والنفس داعية قيل لابن عبد العزيز لما ولي الخلافة زهدت في الدنيا فقال: إن لي نفسا تواقة تاقت إلى أعظم مناصب الدنيا فلما نالت تاقت إلى مناصب الآخرة (هـ عن جابر) الحديث: 3012 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 3013 - (أيها الناس عليكم بالقصد) أي الزموا السداد والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (عليكم بالقصد) كرره للتأكيد قال الحكماء: الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين كما أن الخير متوسط بين رذيلتين فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة وقال حكيم للإسكندر: أيها الملك عليك بالاعتدال في كل الأمور فإن الزيادة عيب والنقصان عجز (فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيهما والملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والاعراض عنه وهذا مستحيل في حقه فإسناد الملال إليه تقدس على طريق المشاكلة من قبيل {وجزاء سيئة سيئة مثلها} أو هو محمول على غايته وهو الاعراض (هـ ع حب عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3013 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 3014 - (أيها الناس) قال ابن مالك في شرح الكافية: إذا قلت أيها الرجل فأيها والرجل كاسم واحد وأي مدعو والرجل نعت له ملازم لأن أي مبهم لا يستعمل بغير صلة إلا في الجزاء والاستفهام وها حرف تنبيه فإذا قلت يا أيها الرجل لم يصح في الرجل إلا الرفع لأنه المنادى حقيقة وأي يتوصل به إليه وإن قصد به مؤنث زيدت التاء نحو {يا أيتها النفس المطمئنة} (اتقوا الله) أي بالغوا في الخوف منه باستحضار ما له من العظمة وإظهار نواميس العدل يوم الفصل (فوالله لا يظلم مؤمن مؤمنا إلا انتقم الله تعالى) له (منه يوم القيامة) (1) الذي يظهر فيه عدله أتم الظهور ويدين فيه العباد بما فعلوا ولهذا لما سب رجل الحجاج عند الحسن فقال مه فإن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه (عبد بن حميد عن أبي سعيد) الخدري   (1) حيث لم يعف عنه المظلوم ولم تحفه العناية الإلهية فيرضيه الله عنه وذكر المؤمن غالبي فمن له ذمة أو عهد أو أمان كذلك الحديث: 3014 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 3015 - (أيها الناس لا تعلقوا علي بواحدة) أي لا تأخذوا علي في فعل ولا قول واحد يعني لا تنسبوني فيما أشرعه وأسنه [ص: 161] كان وحيا إلهيا وحكما ربانيا أي ما لم يقم دليل على أن ذلك من الخصوصيات (ما أحللت إلا ما أحل الله تعالى وما حرمت إلا ما حرم الله تعالى) أي فإني مأمور في كل ما آتيه أو أذره وقد فرض الله في الوحي اتباع الرسول فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله {وما آتاكم الرسول فخذوه} ومن رد فإنما رد على الله <تنبيه> قال العارف ابن عربي: لو جاز أن يجيء الكاذب بما جاء به الصادق لانقلبت الحقائق وتبدلت القدرة بالعجز ولاستند الكذب إلى حضرة العز وهذا كله محال وغاية الضلال فما ثبت للواحد الأول يثبت للثاني في جميع الوجوه والمعاني (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) الحديث: 3015 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 3016 - (أيها المصلي وحده) أي المنفرد عن الصف (ألا) هلا (وصلت إلى الصف فدخلت) معهم (أو جررت إليك رجلا) من الصف ليصطف معك (إن ضاق بك المكان) أي الصف (فقام معك) فصرتما صفا (أعد صلاتك) التي صليتها منفردا عن الصف (فإنه لا صلاة لك) أي كاملة قاله لرجل رآه يصلي خلف القوم والأمر بالإعادة للندب لا للوجوب (طب عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة ابن معبد رواه عنه أبو يعلى وفيه مالك بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة ضعفه أبو داود عن السري بن إسماعيل قال يحيى: استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي: متروك الحديث: 3016 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 3017 - (أيتها الأمة) أي أمة الإجابة (إني لا أخاف عليكم فيما لا تعلمون) فإن الجاهل إذا لم يقصر معذور (ولكن انظروا) أي تأملوا (كيف تعملون فيما تعلمون) قال عيسى عليه الصلاة والسلام: مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت وكذا من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وقال ابن دينار: إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفاء وقال السقطي: اعتزل رجل للتعبد كان حريصا على طلب علم الظاهر فسألته فقال: قيل لي في النوم كيف تضيع العلم ضيعك الله فقلت: إني لا أحفظه قال: حفظه العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل (حل) من حديث الحسين بن جعفر القتات عن حميد بن صالح عن فضيل عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال: لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا يحيى بن عبيد الله بن موهب المدني الحديث: 3017 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 3018 - (أي) بفتح الهمزة وتشديد الياء (عبد زار أخا له في الله (1) نودي) من قبل الله على لسان بعض ملائكته (أن طبت) في نفسك (وطابت لك الجنة ويقول الله عز وجل عبدي زارني علي قراه) أي علي ضيافته (ولن أرضى لعبدي بقرى دون الجنة) أضاف الزيارة إليه تعالى وإنما هي للعبد المزور العاجز حثا للخلق على المؤاخاة في الله والتزاور والتحابب فيه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن زيارة المؤمن لأخيه في الله تعالى عيادة لله من حيث أنها إنما فعلت لوجه الله فهو على المجاز والاستعارة فافهم. [ص: 162] (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس)   (1) وفي العزيزي في بالفاء كما في كثير من النسخ الحديث: 3018 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 3019 - (أي) بفتح الهمزة وتخفيف الياء مقلوب يا وهو حرف نداء ذكره أبو البقاء (أخي) ناداه نداء تعطف وشفقة ليكون أدعى إلى الإمتثال والقبول {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (إني موصيك بوصية (1) فاحفظها) عني (لعل الله أن ينفعك بها) أي باستحضارها والعمل بمضمونها (زر القبور) أي قبور المؤمنين لا سيما الصالحين (تذكر بها) أي بزيارتها أو مشاهدة القبور والاعتبار بحال أهلها (الآخرة) لأن من رأى مصارع من قبله وعلم أنه عما قريب صائر إليهم حركه ذلك لا محالة إلى تذكر الآخرة قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله بالليل؟ قال: لا (بالنهار) لما في الليل من مزيد الاستيحاش ولعل هذ لغير الكاملين أما من أنسه ليس إلا بالله ووحشته ليست إلا من الناس فهما في حقه سيان بشهادة خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ليلا يستغفر لأهله وتكون الزيارة (أحيانا) لا في كل وقت (ولا تكثر) منها لئلا تتعطل عن مهماتك الأخروية والدنيوية قال السبكي: وزيارتها أقسام أحدها لمجرد رؤيتها بغير معرفة بأصحابها ولا قصد استغفار لهم ولا تبرك بهم ولا أداء حق لهم وهو مستحب لهذا الخبر الثاني الدعاء لهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع وهو مستحب لكل ميت مسلم الثالث للتبرك إذا كانوا صلحاء قال السارمساجي المالكي: وذلك في غير قبر بني بدعة وفيه نظر الرابع لأداء حقهم فمن له حق على إنسان يبره بزيارته ومنه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فينبغي ذلك رحمة للميت ورقة وتأنيسا والآثار في انتفاع الموتى بزيارة الأحياء وإدراكهم لها لا تحصى (واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو) أي فارغ من الروح (عظة بليغة) وأعظم بها من عظة قال الذهبي: هو دواء للنفوس القاسية والطباع المتكبرة وقيل لبعض الزهاد: ما أبلغ العظات؟ قال: النظر إلى محلة الأموات وقال بعضهم: لنا من كل ميت نشاهده عظة بحاله وعبرة بمآله والموعظة بفتح الميم الوعظ وهي التذكير بالعواقب وقال بعضهم: الموعظة التذكير بالله وتليين القلوب بالترغيب والترهيب (وصل على الجنائز) من عرفت منهم ومن لم تعرف (لعل ذلك يحزن قلبك فإن الحزين في ظل الله تعالى) أي في ظل عرشه أو تحت كنفه (معرض لكل خير وجالس المساكين) أي والفقراء إيناسا لهم وجبرا لخواطرهم (وسلم عليهم) أي ابتدئهم بالسلام (إذا لقيتهم) في الطرق وغيرها (وكل مع صاحب البلاء تواضعا لله تعالى) بمؤاكلته (وإيمانا به) أي تصديقا بأنه لا يصيبك من ذلك البلاء إلا ما قدر عليك في الأزل وأنه لا عدوى ولا طيرة وهذا خوطب به من قوي توكله كما خاطب بقوله فر من المجذوم من كان ضعيف التوكل فالتدافع مدفوع (والبس الخشن الضيق من الثياب) من نحو قميص وجبة وعمامة (لعل العز والكبرياء لا يكون لهما فيك مساغ وتزين أحيانا) بالملابس الحسنة (لعبادة ربك) كما في الجمعة والعيدين (فإن المؤمن كذلك يفعل) أي يلبس الخشن حتى إذا جاء موسم من المواسم الإسلامية [ص: 163] أو اجتماع لعبادة تزين (تعففا) أي إظهارا للعفة على الناس (وتكرما) عليهم (وتجملا (2)) بينهم حتى يدفع عنه سمة الفقر ورثاثة الهيئة (ولا تعذب شيئا مما خلق الله بالنار) فإنه لا يعذب بالنار إلا خالقها وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وهذا هو المقام الذي درج عليه جمهور الأولياء والعاقل من تبعهم في ذلك فإن قيل إن بعض الصحب كان يلبس الحلة بخمس مئة دينار ولبس طاوس اليماني بردة بسبعين دينارا ولبس الشافعي حلة بألف دينار كساها له محمد بن الحسن لما ورد بغداد ومعلوم أن هؤلاء موصوفون بكمال الزهد فالجواب أنهم لم يفعلوه رغبة في الدنيا بل اتفاقا أو بيانا لامتهانهم إياها أو عملا برخصة الشارع أحيانا فإنه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وقد قال بعض العارفين: إذا أحكم العبد مقام الزهد لم يضره ما لبس وأكل <فائدة> أخبرنا والدي الشيخ تاج العارفين المناوي الشافعي قال: حدثنا الشيخ الصالح زين الدين معاذ قال: حدثنا شيخ الإسلام بقية المجتهدين الأعلام شرف الدين يحيى المناوي من حفظه ولفظه إملاء عن المحقق الحافظ أبي زرعة القرافي عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن أحمد بن عساكر عن زينب الشقرية عن علامة الإسلام أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري لنفسه: ليس السيادة أكماما مطرزة. . . ولا مراكب يجري فوقها الذهب وإنما هي أفعال مهذبة. . . ومكرمات يليها العقل والأدب وما أخو المجد إلا من بغى شرفا. . . يوما فهان عليه النفس والسلب وأفضل الناس حر ليس يغلبه. . . على الحجى شهوة فيه ولا غضب (ابن عساكر) في ترجمة أبي ذر (عن أبي ذر) وفيه موسى بن داود أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول ويعقوب ابن إبراهيم لا يعرف عن يحيى بن سعيد عن رجل مجهول   (1) أي بليغة عظيمة النفع لمن فتح الله قفل قلبه وجعل خليفته مستقيمة وأذنه سميعة (2) يحتمل أنه بالحاء المهملة أي تحملا عنهم مؤونة مواساته ويحتمل بالجيم أي تجملا في الملبس للتحدث بالنعمة الحديث: 3019 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 3020 - (أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا) أي لمثل نزول أحدكم قبره فليعد (1) وكان صلى الله عليه وسلم واقفا على شفير قبر وبكى حتى بل الثرى وإذا كان هذا حال ذاك الجناب الأفخم فكيف حال أمثالنا؟ والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة وأنفاسه محدودة فمطايا الليل والنهار تسرع إليه ولا يتفكر إلى أن يحمل ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت قلق لخراب ذاته وذهاب لذاته لما سبق من جناياته وسلف من تفريطاته حيث لم يقدم لحياته وفيه ندب تذكير الغافل خصوصا الإخوان ومثلهم الأقارب لأن الغفلة من طبع البشر وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بالتذكير ولله در حسان رضي الله عنه حيث يقول: تخير خليلا من فعالك إنما. . . قرين الفتى في القبر ما كان يفعل (تتمة) حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال: يا أبا سعيد يزعم الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال: من خيرهم ومن شرهم قال: يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال: ما أنا بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال: نعم والله العدة ثم قال الفرزدق: أخاف وراء القبر إن لم يعافني. . . أشد من القبر التهابا وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد. . . عنيف وسواق يسوق الفرزدقا [ص: 164] (حم هـ عن البراء) بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازة فجلس على شفير قبر فبكى ثم ذكره قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه: إسناده حسن وفيه محمد بن مالك أبو المغيرة قال في الميزان: قال ابن حبان لا يحتج به ثم أورد له هذا الخبر   (1) أي فليتخذ عدة تنفعه في بيت الظلمة والوحشة وهو العمل الصالح الحديث: 3020 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 3021 - (أيحسب) الهمزة للإنكار (أحدكم) فيه حذف تقديره أيظن أحدكم (إذا كان يبلغه الحديث عني) حال كونه (متكئا على أريكته (1) أي سريره أو فراشه أو منصته وكل ما يتكؤ عليه فهو أريكة قال القاضي: الأريكة الحجلة وهي سرير يزين بالحلل والأثواب للعروس جمعها أرائك وقال الراغب: سميت به إما لكونها متخذة من الأراك أو لكونها مكانا للإقامة وأصل الأراك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات قال البغوي: أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم وقال المظهر: أراد بالوصف التكبر والسلطنة (أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن (2)) هذا من تتمة مقولة ذلك الإنسان أي قد يظن بقوله بيننا وبينكم كتاب الله أن الله لم يحرم إلا ما في القرآن وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع للمصنف عازبا لأبي داود وقد سقطت منه لفظة وأصله أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئا هكذا هو ثابت في رواية أبي داود فسقط من قلم المؤلف لفظ يظن قال بعض شراح أبي داود وقوله يظن بدل من يحسب بدل الفعل من الفعل كقول الشاعر: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا. . . تجد حطبا جزلا ونارا تأججا فقوله تلمم بدل من تأتنا لأن الإلمام نوع من الإتيان (ألا) يعني تنبهوا لما ألقيه عليكم (وإني والله قد أمرت) بفتح الهمزة والميم (ووعظت) ومتعلق الأمر والوعظ محذوف أي أمرت ووعظت بأشياء (ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن) بكسر الميم وسكون المثلثة وتفنح أي قدره (أو أكثر) وهي في الحقيقة مستمدة مني فإنها بيان له {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس} قال المظهر: أو في قوله أو أكثر ليست للشك لترقبه الزيادة طورا بعد طور ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله ثم كوشف بالزيادة متصلا به قال الطيبي: مثلها في قوله تعالى {مئة ألف أو يزيدون} (وإن الله تعالى لم يحل لكم) بضم الياء وكسر الحاء (أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب) أي أهل الذمة (إلا بإذن) منهم لكم صريحا وفي معنى بيوتهم متعبداتهم من نحو كنيسة وبيعة (ولا ضرب نسائهم) أي ولا يحل لكم ضرب أحد نسائهم لأخذ الطعام أو غيره قهرا أو لتجامعوهن فلا تظنوا أن نساء أهل الذمة حل لكم كنساء الحربيين (ولا أكل ثمارهم) أي ونحوها من كل مأكول (إذا أعطوكم الذي عليهم) من جزية وغيرها والحديث كناية عن عدم التعرض لهم بالإيذاء في أهل أو مسكن أو مال إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية وإنما [ص: 165] وضع قوله الذي عليهم موضع الجزية إيذانا بفخامة العلة وفيه وجوب طاعة الرسول وقد نطق به التنزيل قال الطيبي: وكلمة التنبيه مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية معطية معنى تحقق ما بعدها ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا مصدرا بما يصدر به جواب القسم وشقيقتها أما وتكررها يؤذن بتوبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء عنها بالكتاب هذا مع الكتاب فكيف بمن رجح الرأي على الحديث؟ قيل وما أوتيه غير القرآن على أنواع: أحدها الأحاديث القدسية التي أسندها إلى رب العزة. الثاني ما ألهم. الثالث ما رآه في النوم. الرابع ما نفث جبريل عليه السلام في روعه أي في قلبه في غير ما موضع (د) في الخراج (عن العرياض) بكسر العين المهملة وفتح التحتية ابن سارية السلمي بضم المهملة قال: نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وكان صاحبها ماردا متكبرا فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأمر ابن عوف أن يركب فرسا وينادي إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وإن اجتمعوا للصلاة فاجتمعوا فصلى بهم فذكره قال المناوي رحمه الله: فيه أشعث بن شعبة المصيصي فيه مقال   (1) في النهاية: الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر ولا يسمى منفردا أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة اه. قال ابن رسلان: ويترجح هذا هنا فإنهم كانوا في غزوة خيبر ولم تكن الحجلة موجودة عليه وهي بفتح الحاء والجيم بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار (2) ليس بظاهر بل المقول محذوف أي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله إن الله لم يحرم إلخ الحديث: 3021 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 3022 - (أيمن امرئ وأشأمه) أي أعظم ما في جوارح الإنسان يمنا أي بركة وأعظم ما فيها شؤما أي شرا (ما بين لحييه) وهو اللسان واللحيان بفتح اللام وسكون المهملة العظمان اللذان بجانبي الفم فقوله أيمن بضم الميم من اليمن وهو البركة وأشأم بالهمزة بعد الشين من الشؤم وهو الشر وقد مر مرارا أن أكثر خطايا ابن آدم من اللسان وأن الأعضاء كلها تكفره وأنه إن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت فهو المتبوع والإمام في الخير والشر (طب عن عدي بن حاتم) الحديث: 3022 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 (فصل في المحلى بأل من هذا الحرف) أي حرف الهمزة وهو ختامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 3023 - (الآخذ) بالمد (بالشبهات) جمع شبهة وهي هنا محل تجاذب الأدلة وتعارض المعاني والأسباب واختلاف العلماء (يستحل الخمر بالنبيذ) أي يتناول الخمر بالنبيذ ويقول النبيذ حلال (والسحت بالهدية) أي يتناول ما يصل إليه من نحو الظلمة أو ما يأخذ من الرشوة بأنه هدية والهدية سائغة القبول والسحت بضمتين وإسكان الثاني تخفيف كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله كذا في المصباح (والبخس بالزكاة) بموحدة وخاء معجمتين وسين مهملة ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكس يتأولون فيه الزكاة والصدقة فالأخذ بالشبهات يقع فيما تحققت حرمته تثبتا بمجرد احتمال محض لا سبب له في الخارج إلا مجرد التجويز العقلي وهو لا عبرة به وكمغصوب احتمل إباحة مالكه فهو حرام صرف (فر عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا أبو نعيم وأبو الشيخ [ابن حبان] من طريقهما وعنهما أورده الديلمي مصرحا فعزوه إلى الأصل كان أولى ثم إن فيه بشار بن قيراط قال الذهبي: متهم أي بالوضع الحديث: 3023 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 3024 - (الآخذ والمعطي سواء في الربا) أي آخذ الربا ومعطيه في الإثم سواء لا مزية لأحدهما على الآخر فيه فليس الإثم مختصا بآخذه كما قد يتوهم وإن كان الآخذ محتاجا كما مر لكن الذي يظهر أنه يكون عند احتياجه أقل إثما فالتساوي في الإثم لا في مقداره (قط ك عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الطيالسي ومن طريقه خرجه الدارقطني. [ص: 166] الحديث: 3024 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 3025 - (الآمر) بالمد (بالمعروف) أي في الشيء المعروف في الشرع بالحسن (كفاعله) في حصول الأجر له والإثابة عليه في الآخرة (يعقوب بن سفيان في مشيخته) أي في الجزء الذي جمعه في تراجم مشايخه (فر) كلاهما (عن عبد الله بن جراد) الخفاجي العقيلي وفيه عمرو بن إسماعيل بن مجالد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي والدارقطني متروك عن يعلى بن الأشدق قال البخاري وغيره لا يكتب حديثه الحديث: 3025 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 3026 - (الآن حمي الوطيس) بفتح فكسر التنور أو شبهه أو الضراب في الحرب أو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأها عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق من قبيل الاستعارة لشدة المعركة والتحامها وقرنها بالحمو ترشيحا للمجاز قاله يوم حنين وقد نظر إلى الجيش وهو على بغلته وفي رواية هذا حمى الوطيس قال الطيبي: هذا مبتدأ والخبر محذوف أي هذا القتال حين اشتد الحرب وهذا لفظ بديع لم يسمع بمثله (حم م عن العباس) بن عبد المطلب (ك عن جابر) بن عبد الله (طب عن شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى العبدي الجبحي المكي قتل علي أباه يوم أحد وأسلم هو يوم الفتح الحديث: 3026 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 3027 - (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) بنونين وفي رواية بنون أي في هذه الساعة تبين لي من الله أنا أيها المسلمون نسير إلى كفار قريش ويكون لنا الظفر عليهم ولا يسيرون إلينا ولا يظفرون علينا أبدا قاله حين أجلي عنه الأحزاب وهذا من معجزاته فقد كان كذلك فإنه اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة قال السيرافي: معنى الآن أنه الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم وهو الزمان الذي هو آخر ما مضى وأول ما يأتي من الأزمنة وفي شرح المفصل للأندلسي الفرق بين الزمان والآن أن الزمان ماله مقدار يقبل التجزئة والآن لا مقدار له فإن ما كان من الأزمة متوسطا بين الماضي والمستقبل وهو اسم للوقت الحاضر وزعم الفراء أن أصله من آن يئين إذا أتى وقته كقولك آن لك أن تفعل فأدخلوا عليه أل وبنوه على ما كان عليه من الفتح وقيل أصله أو آن ثم حذفوا الواو ونوزع في ذلك (حم خ) في المغازي (عن سليمان بن صرد) بضم ففتح ابن الجوز بفتح الجيم الخزاعي صحابي بن صحابي مشهور الحديث: 3027 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 3028 - (الآن قد بردت عليه جلده) يعني الرجل الذي مات وعليه ديناران فقضاهما رجل عنه بعد يوم قال الراغب: الآن كل زمان مقدر بين زمانين ماضي ومستقبل نحو الآن أفعل كذا وأصل البرد خلاف الحرارة فتارة تعتبر ذاته فيقال برد كذا أي اكتسب بردا وبرد الماء كذا كسبه بردا ومنه البرادة لما يبرد الماء وبرد الإنسان مات لما يعرض له من عدم الحرارة بفقد الروح أو لما عرض له من السكوت وقولهم للنوم برد إما لما يعرض من البرد في ظاهر جلده أو لما يعرض له من السكون (حم قط ك عن جابر) قال: مات رجل فغسلناه وكفناه وأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلت: ديناران فانصرف فتحملهما أبو قتادة فصلي عليه ثم قال بعد بيوم ما فعل الديناران قلت: إنما مات بالأمس فعاد عليه الغد فقال: قبضتهما فقال: الآن بردت عليه جلدته ثم قال الهيثمي: سنده حسن الحديث: 3028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 [ص: 167] 3029 - (الآيات بعد المائتين) مبتدأ وخبر أي تتابع الآيات وظهور الأشراط على السابع والتوالي بعد المائتين قال الطيبي: والظاهر في اعتبار المائتين بعد الإخبار وهذا قاله قبل أن يعلمه الله تعالى بأنها تتأخر زمنا طويلا وفي الميزان: قال البخاري هذا حديث منكر. لقد مضى مائتان ولم يكن من الآيات شيء (هـ ك) في الفتن كلاهما معا من حديث عون بن عمارة عن عبد الله بن المثنى عن أبيه عن جده (عن أبي قتادة) قال الحاكم: على شرطهما وشنع عليه الذهبي وقال: أحسبه موضوعا وعون بن عمارة ضعفوه اه. وابن المثنى ضعيف أيضا وسبقه إلى الحكم بوضعه ابن الجوزي وتعقبه المصنف فما راح ولا جاء الحديث: 3029 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 3030 - (الآيات خرزات) بالتحريك جمع خرزة كقصب وقصبة (منظومات في سلك فانقطع) أي فإذا انقطع (السلك فيتبع بعضها بعضا) أي فيقع بعضها أثر بعض من غير فصل بزمن طويل قال ابن حجر: حديث ابن عمرو هذا ورد عنه ما يعارضه وهو ما أخرجه عنه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد موقوفا وخرجه عنه البالسي مرفوعا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة هذا لفظه قال: ويمكن الجواب بأن المدة ولو كانت عشرين ومئة سنة لكنها تمر مرا سريعا كمقدار عشرين ومئة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر. الحديث (حم ك) في الفتن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه أي عند أحمد علي بن زيد وهو حسن الحديث الحديث: 3030 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 3031 - (الآيتان من آخر سورة البقرة) وهما قوله {آمن الرسول} إلى آخر السورة (من قرأهما) بكمالهما (في ليلة) وفي رواية بعد العشاء الأخيرة (كفتاه) في ليلته شر الشيطان أو الثقلين أو الآفات أو أغنتاه عن قيام الليل أو الكل (حم ق هـ عن ابن مسعود) ظاهر صنيعه أنه لم يخرجه من الأربعة إلا ابن ماجه وليس كما أوهم فقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي في فضائل القرآن عن ابن مسعود أيضا فاقتصاره على القزويني رحمه الله تعالى غير جيد الحديث: 3031 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 3032 - (الأبدال) بفتح الهمزة جمع بدل بفتحتين خصهم الله تعالى بصفات منها أنهم ساكنون إلى الله بلا حركة ومنها حسن أخلاقهم (في هذه الأمة ثلاثون رجلا) قيل سموا أبدالا لأنهم إذا غابوا تبدل في محلهم صور روحانية تخلفهم (قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن) عليه السلام أي انفتح لهم طريق إلى الله تعالى على طريق إبراهيم عليه السلام وفي رواية قلوبهم على قلب رجل واحد قال الحكيم: إنما صارت هكذا لأن القلوب لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتعلق واحد فهي كقلب واحد قال في الفتوحات: قوله هنا على قلب إبراهيم وقوله في خبر آخر على قلب آدم وكذا قوله في غير هؤلاء ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو من الملائكة معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بقلب ذلك الشخص إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب فكل علم يرد على القلب ذلك الكبير من ملك أو رسول يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان ومعناه ما ذكر وقال القيصري الرومي عن العارف ابن عربي: إنما قال على قلب إبراهيم عليه السلام لأن الولاية مطلقة ومقيدة والمطلقة هي الولاية الكلية التي جميع الولايات الجزئية أفرادها والمقيدة تلك الأفراد وكل من الجزئية والكلية تطلب ظهورها [ص: 168] والأنبياء قد ظهر في هذه الأمة جميع ولاياتهم على سبيل الإرث منهم فلهذا قال هنا على قلب إبراهيم عليه السلام وفي حديث آخر على قلب موسى عليه السلام وفلان وفلان ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاحب الولاية الكلية من حيث أنه صاحب دائرة الولاية الكلية لأن باطن تلك النبوية الكلية الولاية المطلقة للكلية ولما كان لولاية كل من الأنبياء في هذه الأمة مظهرا كان من ظرائف الأنبياء أن يكون في هذه الأمة من هو على قلب واحد من الأنبياء (كلما مات رجل) منهم (أبدل الله مكانه رجلا) فلذلك سموا أبدالا أو لأنهم أبدلوا أخلاقهم السيئة وراضوا أنفسهم حتى صارت محاسن أخلاقهم حلية أعمالهم وظاهر كلام أهل الحقيقة أن الثلاثين مراتبهم مختلفة قال العارف المرسي: جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش رجل أشقر أزرق العين فقلت له: ما علومك ومقامك قال: علومي أحد وسبعين علما ومقامي رابع الخلفاء ورأس الأبدال السبعة قلت: فالشادلي قال: ذاك بحر لا يحاط به وقال العارف المرسي: كنت جالسا بين يدي أستاذي الشاذلي فدخل عليه جماعة فقال: هؤلاء أبدال فنظرت ببصيرتي فلم أرهم أبدالا فتحيرت فقال الشيخ: من بدلت سيئاته حسنات فهو بدل فعلمت أنه أول مراتب البدلية وأخرج ابن عساكر أن ابن المثنى سأل أحمد ابن حنبل: ما تقول في بشر الحافي بن الحارث قال: رابع سبعة من الأبدال (حم عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما الحديث: 3032 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 3033 - (الأبدال في أمتي) أمة الإجابة (ثلاثون) رجلا (بهم تقوم الأرض) أي تعمر (وبهم تمطرون وبهم تنصرون) على عدوكم لأن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم هؤلاء فيهم يغاث أهل الأرض ويكثر إدرار الفيض وفي بعض الآثار أن الأرض شكت إلى الله ذهاب الأنبياء عليهم السلام وانقطاع النبوة فقال: سوف أجعل على ظهرك صديقين ثلاثين فسكتت <تنبيه> في خبر لأبي نعيم في الحلية بدل قوله هنا بهم تقوم الأرض إلخ بهم يحيى ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء قال: وقيل لابن مسعود راوي الخبر: كيف بهم يحيي ويميت ويمطر قال: لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فتنبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء. (تتمة) روى الحكيم الترمذي أن الأرض شكت إلى ربها انقطاع النبوة فقال تعالى: فسوف أجعل على ظهرك أربعين صديقا كلما مات رجل منهم أبدلت مكانه رجلا ولذلك سموا بدلا أبدال الله أخلاقهم فهم أوتاد الأرض وبهم تقوم الأرض وبهم تمطرون (طب عنه) أي عن عبادة قال المصنف: سنده صحيح الحديث: 3033 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 3034 - (الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون) على العدو (وبهم يرزقون) أي يمطرون فيكثر النبات {وفي السماء رزقكم وما توعدون} ولا ينافي تقييد النصرة هنا بأهل الشام إطلاقها فيما قبله لأن نصرتهم لمن هم في جوارهم أتم وإن كانت أعم <فائدة> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه في كتاب حلية الأبدال: أخبرني صاحب لنا قال: بينا أنا ليلة في مصلاي قد أكملت وردي وجعلت رأسي بين ركبتي أذكر الله تعالى إذ حسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي وبسط عوضا عنه حصيرا وقال: صلي عليه وباب بيتي علي مغلوق فداخلني منه فزع فقال لي: من يأنس بالله لم يجزع ثم قال: اتق الله في كل حال ثم إني ألهمت الصوت فقلت: يا سيدي بماذا تصير الأبدال أبدالا فقال: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت: الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف ولا أعرف كيف دخل ولا كيف خرج وبابي مغلوق انتهى. قال العارف ابن عربي: وهذا رجل من الأبدال اسمه معاذ بن أشرس والأربعة المذكورة هي [ص: 169] عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه ومن لا قدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق الله تعالى قال: وإذا رحل البدل عن موضع ترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي. فإن ظهر شوق من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمتهم وكلموه وهو غائب عنهم وقد يكون هذا من غير البدل لكن الفرق بينهما أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك غيره وغير البدل لا يعرف ذلك وإن تركه لأنه لم يحكم هذه الأربعة المذكورة في ذلك قلت: يا من أراد منازل الأبدال. . . من غير قصد منه للأعمال لا تطمعن بها فلست من أهلها. . . إن لم تزاحمهم على الأحوال واصمت بقلبك واعتزل عن كل من. . . يدنيك من غير الحبيب الوالي وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم. . . وصحبتهم في الحل والترحال بيت الولاية قسمت أركانه. . . ساداتنا فيه من الأبدال ما بين صمت واعتزال دائم. . . والجوع والسهر النزيه العالي (طب عن عوف بن مالك) قال المصنف: سنده حسن الحديث: 3034 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 3035 - (الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب) زاد الحكيم في رواية عن أبي الدرداء لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شخصا آخر يشبههم كما تقرر وإذا جاز في الجن أن يتشكلوا في صور مختلفة فالملائكة والأولياء أولى وقد أثبت الصوفية عالما متوسطا بين عالم الأجسام وعالم الأرواح سموه عالم المثال وقالوا: إنه ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وقد وجه تطور الولي بثلاثة أمور: الأول أنه من باب تعدد الصور بالتمثيل والتشكل كما يقع للجان الثاني من طي المسافة وزوي الأرض من غير تعدد فيراه الرائيان كل في بنية وهي بنية واحدة لكن الله طوى الأرض ورفع الحجب المانعة من الاستغراق فظن به أنه في مكانين وإنما هو في واحد وهذا أجود ما حمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم الثالث أنه من باب عظم جثة الولي بحيث ملأ الكون فشوهد في كل مكان (حم عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال المصنف: أخرجه عنه أحمد والحاكم والطبراني من طرق أكثر من عشرة الحديث: 3035 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 3036 - (الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا وكلما ماتت امرأة أبدل الله تعالى مكانها امرأة) فإذا كان عند قيام الساعة ماتوا جميعا ثم إنه لا تناقض بين أخبار الأربعين والثلاثين لأن الجملة أربعون رجلا منهم ثلاثون قلوبهم على قلب إبراهيم وعشرا ليسوا كذلك فلا خلاف كما يصرح به خبر الحكيم عن أبي هريرة (الخلال) في كتابه الذي ألفه (في كرامات الأولياء فر عن أنس) وأورده ابن الجوزي في الموضوع ثم سرد [ص: 170] أحاديث الأبدال وطعن فيها واحدا واحدا وحكم بوضعها وتعقبه المصنف [أي السيوطي] بأن خبر الأبدال صحيح وإن شئت قلت متواتر وأطال ثم قال مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوي بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة اه. وقال السخاوي: خبر الأبدال له طرق بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة ثم ساق الأحاديث المذكورة هنا (1) ثم قال: وأصح مما تقدم كله خبر أحمد عن علي مرفوعا البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم [أي بدعائهم] الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب ثم قال أعني السخاوي رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة اه وقال شيخه ابن حجر في فتاويه: الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا وأما القطب فورد في بعض الآثار وأما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت   (1) [أنظر الأحاديث 3032، 3033، 3034، 3035، 3037. دار الحديث والحاصل كما ذكر السيوطي أن وجود الأبدال تواتر معنويا حيث أن تعريف الخبر المتواتر هو ما بلغت طرقه حدا يستحيل معه التواطؤ على الكذب وذلك بصرف النظر عن صحة تلك الطرق. فكيف وقد حكم بصحة بعض هذه الطرق أو حسنه. فنسأل الله أن يوفقنا لقبول الحق ويعصمنا من التعصب آمين. دار الحديث] الحديث: 3036 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 3037 - (الأبدال من الموالي) ظاهره أن ذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه الحاكم: ولا يبغض الموالي إلا منافق اه. وفي بعض الروايات أن من علامتهم أيضا أنه لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئا قال الغزالي: إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت لأنهم عندهم جهال بالله وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء. (خاتمة) قال ابن عربي: الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال والإمامان أخص منهم والقطب أخص الجماعة والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ويكون على قلب عيسى له اليماني والذي على قلب نبي من الأنبياء فالذي على قلب آدم له الركن الشامي والذي على قلب إبراهيم له العراقي والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد الله (الحاكم في) كتاب (الكنى) له (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا علة له غير الإرسال والأمر بخلافه بل فيه الرحال ابن سالم قال في الميزان: لا يدرى من هو والخبر منكر اه. وخرجه عنه [أي عن عطاء] أيضا أبو داود في مراسيله وإنما خالف المصنف [أي السيوطي] عادته باستيعاب هذه الطرق إشارة إلى بطلان زعم ابن تيمية أنه " لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع " فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته [أي ابن تيمية] وليته نفى الرواية [أي وليته حكم بعدم صحة الأحاديث] بل نفى الوجود [أي نفى أن يكون قد ورد لفظ الأبدال في خبر صحيح أو ضعيف] وكذب من ادعى الورود ثم قال: وهذا التنزل لهذا العدد ليس حقا في كل زمن فإن المؤمنين يقلون ويكثرون وأطال وهو خطأ بين بصريح هذه الأخبار بأن كل من مات منهم أبدل بغيره وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معاند متعصب والظن به أنه من القبيل الثاني. (1)   (1) ما بين الأقواس المربعة أعلاه [هكذا] هو من دار الحديث ولا يخفى ما في كلام المناوي من شدة قد اعترت الكثير من العلماء - ومنهم ابن تيمية نفسه - في معالجة بعض الأمور التي اشتد فيها الخلاف. والمتحتم علينا أن نظن الخير بحسن نياتهم جميعا حيث كانوا كالمجتهدين في مثل هذه الأمور وللمخطئ منهم أجر وللمصيب أجران كما ورد في الحديث 565: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد ". وعلينا إن أردنا البحث في هذه الأمور اختيار الحق بدون تعصب والتحرز عما قد يجرح الطرف الآخر. دار الحديث الحديث: 3037 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 3038 - (الأبعد فالأبعد) أي من داره بعيدة (من المسجد) الذي تقام فيه الجماعة (أعظم أجرا) ممن هو أقرب منه فكلما زاد البعد زاد الأجر لما في البعد من كثرة الخطى وفي كل خطوة عشر حسنات قال ابن رسلان: بشرط كونه متطهرا وفيه تأمل وهذا الحديث يوافقه خبر مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاهم عن بيع بيوتهم لبعدها عن المسجد وقال: إن لكم بكل خطوة درجة ولا يعارض ذلك الخبر الآتي فضل الدار القريبة من المسجد إلخ لأن كل واقعة لها حكم يخصها فأصل القضية تفضيل الدار القريبة من المسجد على البعيدة فلما ثبت لها هذا الفضل رغب كل الناس في ذلك حتى أراد بنو سلمة بيع دورهم والإنتقال قرب المسجد فكره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يعرى ظاهر المدينة فأعطاهم هذا الفضل في هذه الحالة ونزل فيه {ونكتب ما قدموا وآثارهم} وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم حين نزلت: يا بني سلمة [ص: 171] دياركم تكتب آثاركم ذكره المؤلف وفي الإسناد كما قال الأزدي نظر (حم د هـ ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح مدني الإسناد فرد اه. وأقره الذهبي في التلخيص وقال في المهذب إسناده صالح وفي الميزان المتن معروف الحديث: 3038 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 3039 - (الإبل عز لأهلها) أي لملاكها (والغنم بركة) يشمل المعز والضأن (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) أي منوط بها ملازم لها كأنه عقد فيها لإعانتها على جهاد أعداء الدين وقمع شر الكافرن وعدم قيام غيرها مقامها في الإجلاب والفر والكر عليهم (هـ عن عروة) بضم العين (ابن الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة أو ابن أبي الجعد (البارقي) بموحدة وقاف صحابي نزل الكوفة وكان أول من قضى بها الحديث: 3039 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 3040 - (الإثمد) بكسر الهمزة والميم حجر الكحل المعروف (يجلو البصر) أي يزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة إليه من الرأس كما مر ويأتي (ويثبت الشعر) بتحريك العين هنا أفصح للازدواج وأراد بالشعر هدب العين لأنه يقوي طبقاتها (تخ عن معبد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة (بن هوذة) بالذال المعجمة بضبط المصنف وهو الأنصاري كما قال في التقريب كأصله صحابي له حديث أي وهو هذا وهو جد عبد الرحمن بن النعمان الحديث: 3040 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 3041 - (الأجدع) بسكون الجيم ودال مهملة مقطوع نحو أنف أو أذن وغلب إطلاقه على الأنف (شيطان) قيل سمي به لأن المجادعة لمخاصمة وربما أدت لقطع طرف كما سمي المار بين يدي المصلي شيطانا لكون الشيطان هو الداعي إلى المرور. قال الطيبي: هو استعارة عن مقطوع الأطراف لمقطوع الحجة (حم د هـ) جميعا في الأدب (ك) كلهم (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال المناوي: فيه مجالد بن سعيد قال أحمد: ليس بحجة وابن معين لا يحتج به والدارقطني ضعيف وكذا الحاكم اه. فعزو المصنف الحديث للحاكم وسكوته عن تضعيفه له غير سديد الحديث: 3041 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 3041 - (الإحسان) أي المذكور في نحو {للذين أحسنوا الحسنى} {إن الله يحب المحسنين} {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} فأل فيه للعهد الذهني قيل وحقيقته سجية في النفس تحمل على مجازات المسيء بجوائز المحسن وقيل هو معرفة الربوبية والعبودية معا وقيل انفاق المعنى على العيان والإحسان لمن أساء كائنا من كان وقيل هو إتقان العبادة بإيقاعها على وجهها مع رعاية حق الحق مراقبته واستحضار عظمته ابتداء ودواما وهو نحو أن أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق كما قال (أن تعبد الله) من عبد أطاع والتعبد التنسك والعبودية الخضوع والذلة (كأنك تراه) بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه فجمع مع الإيجاز بيان المراقبة في كل حال والإخلاص في سائر الأعمال والحث عليهما بحيث لو فرض أنه عاين ربه لم يترك شيئا من ممكنه والثاني من لا ينتهي إلى هذه الحال لكن عليه أن الحق مطلع عليه ومشاهد له وقد بينه بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (1) أي فإن لم ينته اليقين والحضور إلى هاتيك الرتبة فإلى أن تحقق من نفسك [ص: 172] أنك بمرأى منه تقدس لا يخفى عليه خافية قائم على كل نفس بما كسبت مشاهد لكل أحد من خلقه في حركته وسكونه فكما أنه لا يقصر في الحال الأول لا يقصر في الحال الثاني لاستوائهما بالنسبة إلى إطلاع الله وقوله فإن لم إلخ تعليل لما قبله فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله في عبادته واستحضار قربه منه حتى كأنه يراه شق عليه فيستعين عليه بإيمانه بأن الله مطلع عليه لا يخفاه منه شيء يسهل عليه الانتقال إلى ذلك المقام الأكمل الذي هو مقام الشهود الأكبر (م 3 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (حم ق هـ عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا   (1) قال النووي: وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبقية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته؟ الحديث: 3041 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 3043 - (الإحصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف) فإن إحصان النكاح هو الوطء في القبل في نكاح صحيح وإحصان العفاف أن يكون تحته من يعفه وطأها عن النظر إلى الوطء الحرم (ابن أبي حاتم طس) وكذا البزار (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه مبشر بن عبيد وهو متروك اه الحديث: 3043 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 3044 - (الاختصار في الصلاة) أي وضع اليد على الخصر (راحة أهل النار) يعني اليهود لأن ذلك عادتهم في العبادة وهم أهلها لا أن لأهل جهنم راحة لقوله سبحانه وتعالى {لا يفتر عنهم العذاب} ذكره الزمخشري. وقال القاضي: أي يتعب أهل النار من طول قيامهم في الموقف فيستريحون بالاختصار (حب هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب: قلت هذا منكر ورواه جماعة حفاظ عن هشام اه. وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن الأزور هشام بن هشام أتى بخبر ساقط ثم أورد هذا الخبر وساقه في اللسان عن العقيلي وقال: لا يتابع على لفظه الحديث: 3044 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 3045 - (الأذان) هو لغة الإعلام من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو لاستماع الناس من الأذن التي هي آلة السمع كأنه يلقي الشيء فيها وشرعا كلمات مخصوصة شرعت للإعلام بدخول وقت المكتوبة (تسع عشرة كلمة) بالترجيع وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سرا قبل قولهما جهرا (والإقامة إحدى عشرة كلمة) وفي الحديث حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن التكبير في أول الأذان أربع إذ لا يكون ألفاظه تسعة عشر إلا بناء على ذلك وذهب مالك إلى أنه مرتين لروايته من وجوه أخر قال القرطبي: الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية المتضمنة لوجوده تعالى وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة المحمدية ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وهو إشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد تأكيدا وحكمة اختيار القول له دون الفعل لسهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان <تنبيه> قال العارف ابن العربي رضي الله عنه في حكمة ترتيب الأذان إذا نظر الإنسان بعين بصره وبصيرته إلى الأسباب التي وضعها الله أعلاما وشعائر لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء حين سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعض ودل البرهان على توقف وجود بعضها على بعض وسمع الحق يعظم شعائر الله قال الله أكبر أي هي وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وبما أنه أمر بتعظيمها فهو أكبر منها فلما أتمها كوشف على حقارة الأسباب في أنفسها وافتقارها إلى موجدها ورآها مسبحة خالقها بنطقها وحالها من حيث دلالتها على واضعها قال ثانيا الله أكبر أي الذي وضع الأسباب وأمر بتعظيمها أكبر وأتى بها مرتين أخرتين إشارة إلى أنه أكبر بدليل الحس وبدليل العقل ثم تشهد خفيا يسمع نفسه كمن يتصور الدليل أولا في نفسه ثم يقولها ثانيا نافيا لألوهية كل من ادعاها لنفسه من دون مثبتها [ص: 173] لمستحقها عقلا وشرعا هذا كله مع نفسه ثم يرفع بها صوته فيسمع غيره من متعلم ومدع وجاهل وغافل ثم لما شهد بالتوحيد بما أعطاه الدليل مشهد به علما وقربة بالنداء على أن الرسول جاء به من عند الله ثم شرع بعد الشهادتين الحيعلتين ليدعو بالواحدة نفسه وبالأخرى غيره فيقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره أقبلوا على ما ينجيكم من عذابه بنعيمه ومن حجابه بتجليه ثم يقول الله أكبر الله أكبر لنفسه ولغيره ولمن ينتظر الصلاة بالمسجد ولمن هو خارجه في أشغاله أي الله أولى بالتكبير من الذي منعكم من الإقبال على الصلاة وإنما لم يرفع الحيعلتين والتكبير الثاني لأن القصد به القربة والعقل لا يستقل بإدراكها فهي للشرع وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره ثم ختمه بالتوحيد المطلق لما تضمن الأذان أفعالا منسوبة للعبد فربما وقع في نفس المدعو أو الداعي إلى فعلها فخيف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا كما يراه بعضهم فختم بالتوحيد إشارة إلى تفرده بالخلق وإنما قال في الإقامة قد قامت بلفظ الماضي والصلاة مستقلة إشارة إلى أن من كان منتظرا للصلاة أو آتيا إليها أو مشتغلا ببعض شروطها فمات قبل إدراكها فقد قامت له الصلاة فجاء بلفظ الماضي لتحقق الحصول فإذا حصلت بالفعل فله أجر الحصول بالفعل وإقامة الصلاة تمام نشأتها وكمالها أي هي لكم قائمة النشأة كاملة الهيئة على حسب ما شرعت فإذا دخلتم فيها وأجرتم الأجر الثاني فقد يكون كالأول في إقامة نشأتها وقولا كمن يأتي بها خداجا من حيث فعلها (ن عن أبي محذورة) بحاء مهملة وذال معجمة أوس بن معير وقيل سمرة بن معير الجمحي كما مر فظاهر صنيع المصنف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي أيضا بل عزاه القسطلاني لمسلم أيضا الحديث: 3045 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 3046 - (الأذنان من الرأس) لا من الوجه ولا مستقلتان يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء بل يجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس وإلا لكان بيانا للخلقة فقط والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك ربه قال الأئمة الثلاثة واستظهروا بآية {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} قالوا بإذنه وقال الشافعية هما عضوان مستقلان وإضاقتها هنا إلى الرأس إضافة تقريب لا تحقيق بدليل خبر البيهقي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذه لرأسه والآية فيها خلاف للمفسرين (حم) من حديث سنان بن ربيعة عن شهر عن أبي أمامة قال الذهبي سنان ليس بحجة (د ت هـ عن أبي أمامة) قال ابن حجر عن الترمذي ليس بالقائم وقال الدارقطني في حديث أبي أمامة هذا شهر بن حوشب وليس بقوي ووقفه أصح (هـ عن أبي هريرة وعن عبد الله بن زيد) قال ابن حجر كالبيهقي: فيه سويد بن سعيد وقد اختلط (قط عن أنس) وقال: إرساله أصح (وعن أبي موسى) الأشعري (وعن ابن عباس) وقال: تفرد به أبو كامل عن غندر وهو مبهم وتابعه الربيع بن بدر وهو متروك والصواب إرساله (وعن ابن عمر) بن الخطاب قال أعني الدارقطني وهو وهم والصواب موقوف (وعن عائشة) قال أعني الدارقطني فيه أبو اليمان حذيفة ضعيف والمرسل أصح ومن ثم قال في الخلافيات: هذا الحديث روي بأسانيد كثيرة ما منها إسناد إلا وله علة وقال ابن حزم: أسانيده كلها واهية وقال عبد الحق: هذه طرق لا يصح منها شيء لكن تعقبه ابن القطان بأن خبر الحبر ليس بضعيف بل حسن أو صحيح وبرهن عليه ومغلطاي بأن خبر أبي هريرة لا علة له إلا من قبل سويد وقد خرج له مسلم وقول البيهقي اختلط منازع فيه الحديث: 3046 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 3047 - (الارتداء) وهو وضع الرداء على الكتفين (لبسة العرب) بضم اللام أي توارثوها عن آبائهم في الجاهلية كانوا كلهم [ص: 174] في إزار ورداء وكانوا يسمونها حلة (والالتفاع) وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه (لبسة الإيمان) أي أهله لأنهم لما علاهم من الحياء من ربهم ما أخجلهم اضطروا إلى مزيد الستر فرأوا أن الالتفاع أستر لستره ما فيه الحياء وهو الوجه والرأس لأن الحياء من عمل الروح وسلطان الروح في الرأس ولذا قال الصديق رضي الله عنه: إني لأدخل الخلاء فأتقنع حياء من الله فكانوا في الأعمال التي فيها حشمة يعلوهم الحياء كما يعلوها في غيرهم وكان الالتفاع لبسة بني إسرائيل ورثوه عن آبائهم وهذه الأمة أيدت باليقين النافذ لحجب القلوب فمن تقنع من الحياء تقنع لعلمه بأن الله يراه علم يقين لا علم تعلم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه سعد بن سنان الشامي وهو ضعيف جدا ونقل عن بعضهم توثيقه ولم يصح وقال غيره: وفيه سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية قال الذهبي في الضعفاء: متهم أي بالوضع الحديث: 3047 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 3048 - (الأرض كلها مسجد) أي محل للسجود (إلا الحمام والمقبرة) فإنهما غير محل للصلاة فيهما تنزيها وتصح ما لم تتبين نجاسة محل منها للصلاة كما لو نبشت المقبرة هذا ما عليه الشافعية وأخذ أحمد بظاهره فأبطل الصلاة فيهما مطلقا ومنع بأن التأكيد بكل ينفي المجاز فدل على الصحة فيهما عند التحرز من النجاسة قال ابن حجر رحمه الله: وهذا الحديث يعارضه عموم الخبر المتفق عليه وجعلت الأرض طيبة وطهورا ومسجدا قال الرافعي: واحتج بهذا بعض أصحابنا على أنه لو قال جعلت هذه الأرض مسجدا لا تصير وقفا مسجدا بمجرد هذا اللفظ (حم د ت هـ حب ك) كلهم في الصلاة وكذا البزار (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حديث في اضطراب وتبعه عبد الحق وضعفه جمع قال النووي رحمه الله والذي ضعفوه أتقن من الحاكم الذي صححه وقال ابن حجر في تخريج الشرح هو حديث مضطرب وقال في تخريج المختصر رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وقال في تخريج الهداية قال الترمذي: فيه اضطراب أرسله سفيان ووصله حماد واختلف فيه علي بن إسحاق وصححه ابن حبان والحاكم قال: ويعارضه عموم قوله في حديث جابر وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا ومسجدا متفق عليه وفي حديث أبي أمامة وجعلت لي الأرض كلها مسجدا اه. وقال ابن تيمية: أسانيده جيدة ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه الحديث: 3048 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 3049 - (الأرض أرض الله والعباد عباد الله من أحيا مواتا فهو له) أي فهو ملكه والموات كسحاب وغراب الأرض التي لم يتيقن عمارتها في الإسلام وليست من حقوق عامر فتملك بالأحياء من غير لفظ لأنها إعطاء من المصطفى صلى الله عليه وسلم بنص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث لأنه تعالى أقطعه أرض الدنيا كأرض الجنة ليقطع منها من يشاء ما شاء ولذلك أفتى السبكي بكفر معارض أولاد تميم فيما أقطعه لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأرض الشام (طب عن فضالة) بفتح الفاء وضاد معجمة (بن عبيد) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 3049 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 3050 - (الأرواح) التي تقوم بها الأجساد (جنود مجندة) أي جموع متجمعة وأنواع مختلفة (فما تعارف) توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق (منها ائتلف) أي ألف قلبه قلب الآخر وإن تباعدا كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة (وما تناكر منها) أي لم يتوافق ولم يتناسب (اختلف) أي نافر قلبه قلب الآخر وإن تقاربا جسدا فالإئتلاف والاختلاف للقلوب والأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرائب مختلفة وشواكل متباينة فكل ما تشاكل منها في عالم الأمر تعارف في عالم الخلق وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأمر تناكر في عالم الخلق فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه وبالتناكر ما بينهما من التباين والتنافر وذلك لأنه سبحانه عرف ذاته للأرواح [ص: 175] بنعوته فعرفها بعض بالقهر والجلال وبعض باللطف والجمال وبعض بصفات أخر ثم استنطقها بقوله {ألست بربكم} ثم أوردها في الأبدان فالتعارف والتنافر يقع بحسب ذلك والتعارف والتناكر بحسب الطباع التي جبل عليها من خير وشر وكل شكل يميل إلى شكله فالتعارف والتناكر من جهة المناسبة المحكمة بين الفريقين فيميل الطيب للطيب والخبيث للخبيث ويألفه ومنشأ ذلك أحكام التناسب ولهذا قال الشافعي: العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم. (حكى) الشيرواني أن تمرلنك كان يحب رجلا من معتقدي العجم ويتردد إليه فوجد الرجل في قلبه ميلا لتمرلنك فتخوف وقال: ما المناسبة فمنع تيمورا من دخوله عليه فسأله عن سببه فذكر ما خطر له فقال تمرلنك: بيني وبينك مناسبة وهي أنك تحب بيت آل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا والله أحبهم وأنت رجل كريم وأنا أحب الكرم فهذه المناسبة المقتضية للميل لا ما في من الشر وقد يتفق اجتماع مادتي الخبيث والطيب في شخص واحد فيصدران منه ويميل لكل منهما بكل من الوصفين (نكتة) حكى بعضهم أن اثنين اصطحبا في سفينة فقعد أحدهما على طرفها والآخر بوسطها فسقط من على الطرف في البحر فرما الآخر نفسه عليه فأخرجا بالحياة فقال الأول للثاني: أنا كنت بطرفها فوقعت فمالك أنت قال لما وقعت: أنت غبت بك عني. . . فحسبت أنك أني (خ) في بدء الخلق (عن عائشة) لكن معلقا ولم يصل به سنده كما قاله عبد الحق وغيره فإطلاق المصنف العزو إليه غير سديد (حم م) في الأدب (د عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح الحديث: 3050 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 3051 - (الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين لا خير في أسفل من ذلك) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: قوله لا خير إلخ لأنه إما حرام إن نزل عن الكعبين أو شبهه إن حاذاهما ولا خير في كل من الأمرين اه. وذلك لما فيه من التشبه بالنساء بل إن قصد الخيلاء حرم مطلقا وما ذكروه في الإزار حلا وحرمة وكراهة فهو في القميص فقد خرج أبو داود عن ابن عمر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص (حم) وكذا الطبراني (عن أنس) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 3051 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 3052 - (الإسبال في الإزار) (1) قال الطيبي: قوله في الإزار هو خبر مبتدأ أي الإسبال المذموم أو الذي فيه الكلام بالجواز وعدمه كائن في هذه الثلاثة الإسبال المذموم والمراد إرخاؤه إلى الأرض (والقميص والعمامة فمن جر منها شيئا) على الأرض (خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) أي نظر رحمة ورضى إذا لم يتب فيندب للرجل الاقتصار على نصف الساق وله إرساله إلى الكعبين فحسب وللمرأة الزيادة بنحو شبر قال ابن حجر: وفي تصوير جر العمامة نظر إلا أن [ص: 176] يراد ما جرت به العادة من العرب من إرخاء العذبات فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وقد خرج النسائي من حديث جعفر بن أمية عن أبيه كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفيها بين كتفيه وقد يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه الذي يظهر أن إطالتها بحيث يخرج عن العادة كفعل بعض الحجازيين يدخل فيه وقال الزين العراقي: ما مس الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد (د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال النووي في رياضه: إسناده صحيح وقال المناوي: فيه عبد العزيز بن رواد تكلموا فيه   (1) قال النووي: وحكم المسألة أنه لا يجوز الإسبال إلى تحت الكعبين إن كان للخيلاء فإن كان لغيرها فهو مكروه وكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وأجمعوا على جواز الإسبال للنساء فقد صح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإذن لهن في إسبال ذيولهن ذراعا وأما القدر المستحب للرجال فإلى نصف الساقين والجائز بلا كراهة فإلى الكعبين اه. قال في الفتح: والحاصل أن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين وكذلك للنساء حالان: حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر شبر وحال جواز بقدر ذراع الحديث: 3052 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 3053 - (الاستئذان) للدخول وهو استدعاء الإذن أي طلبه (ثلاث) من المرات (فإن أذن لك فادخل وإلا) أي وإن لم يؤذن لك (فارجع) لأنه سبحانه وتعالى أمر بالاستئذان بقوله {فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم} قال ابن العربي رحمه الله تعالى ولا يتعين هذا اللفظ (م ت عن أبي موسى) الأشعري (وعن أبي سعيد) الخدري قال: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال: أنشدكم بالله هل سمع أحد منكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان إلخ قال: ومم ذاك؟ قال: استأذنت على عمر فسلمت ثلاثا ثم انصرفت فقال: قد سمعناك ونحن على شغل استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت فشهدت وقضية تصرف المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد عزاه الحافظ العراقي وغيره إلى البخاري وعبارته في المغني وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث إلخ ولما روى أبو موسى هذا الخبر لعمر في خلافته قال: لتأتيني عليه ببينة وإلا فعلت وفعلت فأتي بأبي سعيد وفي رواية فأتي بأبي بن كعب فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحببت أن أتثبت واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أم لا؟ فقال المازري: صورة الاستئذان أن يقول السلام عليكم أدخل؟ ثم هو مخير بين أن يسمي نفسه أو لا قال ابن العربي: ولا يتعين هذا اللفظ وفيه أنه لا يجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاثة نعم إن علم أنه لم يسمع زاد على الأصح عند الشافعية وحكمة كون الاستئذان ثلاثا تكفل ببيانها الحديث الآتي على أثره وفيه أن لرب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا يأذن إذا كان في شغل ديني أو دنيوي كذا قيده الحافظ ابن حجر وليس على ما ينبغي بل الصواب فك القيد الحديث: 3053 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 3054 - (الاستئذان ثلاث) من المرات (فالأولى تستمعون) بالتاء المثناة الفوقية أوله بضبط المصنف أي يستمعون أهل المنزل الاستئذان عليهم (والثانية يستصلحون) أي يصلحون المكان ويسوون عليهم ثيابهم ونحو ذلك (والثالثة يأذنون) للمستأذن عليهم (أو يردون) عليه بالمنع. <تنبيه> قال ابن عربي: لما كان أول مطلع الحكمة هو الباء وجب أن يكون في أول رتبة من العدد وهو الزوج الأول ولما خفي الواحد في حجاب الباء جعلت عليه آية من الوتر الذي هو جمع الباء وذلك الحرف هو الجيم فكان كفاية في الإبلاغ والتعريف والإعلان حتى كثر في الشرع ومواقع العلم ظهور أثر الثلاث فيمن له قطرة قبول ومن لم يظهر أثر الثلاث فيه قضى عليه بفقد الفطرة القابلة لما استعملت له الثلاث فيه كان الأولى يخرج ويتحرك من حال الفقد الأول والثانية تطلع على مبادئ ما إليه الوجهة والثالثة تخلص ما إليه الوجهة ويكمل التحقق به ومثل ذلك في الشرائع [ص: 177] ورتب العلم كثير وعليه ورد هذا الخبر ونحوه وهذا الحديث كالذي قبله يقتضي أن المستأذن لا يشرع له طرق الباب لكن محله من قرب محله من بابه أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه الصوت فيدق عليه الباب كما في قصة جابر المسطورة في البخاري في أبواب الاستئذان (قط في الأفراد عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: سنده ضعيف اه. وذلك لأن فيه عمر ابن عمران السدوسي قال في الميزان: مجهول وقال الأزدي: منكر الحديث أحد المتروكين ثم ساق له هذا الخبر مما أنكر عليه الحديث: 3054 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 3055 - (الاستجمار تو) بفتح المثناة فوق وشد الواو أي وتر وهو ثلاثة والتو الفرد قال الزمخشري: ومنه قولهم سافر سفرا توا إذا لم يخرج في طريقه على مكان والتو حبل مفتول طاقا واحدا (ورمي الجمار) في الحج (تو) أي سبع حصيات (والسعي بين الصفا والمروة تو) أي سبع (والطواف تو) أي سبعة أشواط وقيل أراد بفردية السعي والطواف أن الواجب منهما مرة ولا يثنى ولا يكرر أو أراد بالاستجمار الاستنجاء (وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو) ليس تكرارا بل المراد بالأول الفعل وبالثاني عدد الأحجار وفيه وجوب تعدد الحجر لضرورة تصحيح الإيتار بما يتقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بحجر واحد أي مسحة واحدة قيل وفيه حل الاستنجاء بالحجر مع وجود الماء وهو هفوة إذ مفاد الخبر إنما هو الأمر بالإيتار وأما كونه مع وجود الماء أو فقده فمن أين (م) في الحج (عن جابر) وخرج منه البخاري الاستجمار خاصة الحديث: 3055 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 3056 - (الاستغفار في الصحيفة) أي في صحيفة المكلف التي يكتب عليه فيها كاتب اليمين (يتلألأ نورا) يحتمل أن ذلك التلألؤ يكون يوم القيامة حين يعطى كتابه بيمينه ويحتمل أنه في الدنيا أيضا فهو يتلألأ فيها من حين كتابته وأعظم بهذه منقبة جليلة للاستغفار والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو إلباس الشيء بما يصونه عن الدنس ومن قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله أن يصون عبده عن العذاب والتوبة ترك الذنوب على أحد الوجوه (ابن عساكر) في التاريخ (فر عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة القشيري بضم القاف كما مر وفيه بهز بن حكيم وقد مر قول الذهبي فيه الحديث: 3056 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 3057 - (الاستغفار ممحاة للذنوب) بكسر الميم وسكون الثانية مفعلة أي مذهب للآثام لأن الإدمان عليه يخرج العبد من الذنوب ويعيد عليه الستور التي هتكها عن نفسه بارتكاب الخطايا وفي بعض الآثار أن الاستغفار يجيء يوم القيامة محدقا بأعمال الخلائق له رنين حول العرش يقول إلهي حقي حقي. <تنبيه> سئل أحدهم أيما أفضل: التسبيح والتهليل والتكبير أو الاستغفار؟ فقال: يا هذا الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون منه إلى البخور ولا بد من قرن التوبة بالاستغفار لأنه إذا استغفر بلسانه وهو مصر عليه فاستغفاره ذنب يحتاج للاستغفار ويسمى توبة الكذابين (فر عن حذيفة) ابن اليمان وفيه عبيد بن كثير التمار قال الذهبي: قال الأزدي متروك عن عبيد الله بن خراش ضعفه الدارقطني وغيره عن عمه العوام بن حوشب الحديث: 3057 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 3058 - (الاستنجاء) وهو كما في المشارق إزالة النجو: أي الأذى الباقي في فم المخرج وأكثر استعماله في الحجر (بثلاثة أحجار) [ص: 178] أي محصور في ذلك فلا يصح بأقل منها وإن أنقى لورود النهي عن الأقل في حديث مسلم ولفظه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم والمراد ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر لكن الأحجار أفضل من حجر فإن حصل الإنقاء بالثلاث فذاك وإلا زيد إلى الإنقاء فإن حصل بوتر فذاك وإلا سن الإيتار ويجب أن تكون الثلاثة (ليس فيهن رجيع) أي ليس فيهن عذرة لأنه نجس وفي معناه كل نجس فلو استنجى به ولو جافا لم يجزه وتعين الماء لأن المحل صار نجسا بنجاسة أجنبية والرجيع وهو فعيل بمعنى مفعول ذكره الزمخشري في المجاز وقيل سمي به لرجوعه عن الطهارة بالاستحالة ولرجوعها إلى الظهور بعد كونها في البطن أو لرجوعها عن كونها طعاما أو علفا قال الرافعي: فيه إشارة إلى أن غير الأحجار من كل جامد طاهر قالع غير محترم كالأحجار وتعددها وأنها ثلاثة قيل وصحة العمل بالمفهوم حتى لا يجب التكرار في الاستنجاء بالماء وقد حمله شرذمة من السلف على ظاهره فمنعوا الاستنجاء بالماء والسنة تبطل قولهم وقول ابن المسيب لما سئل عن الاستنجاء بالماء ذاك وضوء النساء إنما ذكره لفهمه غلوا من السائل في منع الأحجار فقابله بالمبالغة في رد غلوه. <فائدة> الاستنجاء لغة إزالة النجو بفتح فسكون بغسل أو مسح كما في الصحاح كغيره لكن استعماله كما قال عياض في الغسل أكثر وفي النهاية هو إخراج النجو من البطن والنجو العذرة (طب عن خزيمة بن ثابت) وفي الباب عائشة وغيرها الحديث: 3058 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 3059 - (الإسلام) قال الراغب: أصله الدخول في السلم وهو أن يسلم كل من ضرر صاحبه ثم صار اسما للشريعة (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة) اسم جنس أراد به الصلوات الخمس قال القاضي: إقامتها تعديل أركانها وإدامتها والمحافظة عليها والصلاة فعلة من صلى إذا دعى (وتؤتي الزكاة) لمستحقيها (وتصوم رمضان) حيث لا عذر (وتحج البيت) اسم جنس غلب على الكعبة وصار سلما لها كالنجم للثريا والسنة لعام القحط (إن استطعت إليه سبيلا) أي طريقا بأن تجد زادا أو راحلة بشرطهما وقيد بها في الحج مع كونها قيدا فيما قبله اتباعا للنظم القرآني وإشارة إلى أن فيه من المشقة ما ليس في غيره على أن فقدها في نحو صلاة وصوم لا يسقط فرضها بل وجوب أدائه بخلاف الحج ثم المراد الإسلام الكامل فتارك ما عدا الشهادتين ليس بمسلم كامل؟ لا كافر قال العارف ابن عربي: الصلاة وقعت في المرتبة الثانية من قواعد الإيمان مشتقة من المصلي وهو الذي يلي السابق في الجلبة والسابق ههنا التوحيد ثم جعل بجنبها الزكاة لكونها طهرة المال كما كان في الصلاة طهارة الثوب والبدن والمكان وأولاها الصوم دون الحج لكون زكاة الفطر مشروعة بانقضاء الصوم فلما كان الصوم أقرب نسبة إلى الزكاة جعل بجنبها فلم يبق للحج مرتبة إلا الخامسة (م 3 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وظاهره أن الكل رواه هكذا فقط لكن في الفردوس بقية وتغتسل من الجنابة وعزاه لمسلم الحديث: 3059 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 3060 - (الإسلام علانية والإيمان في القلب) وأشار بيده إلى صدره قال الراغب: إنما قال ذلك لأن الإيمان يقال باعتبار العلم وهو متعلق بالقلب والإسلام بفعل الجوارح اه. واعلم أن الإسلام والإيمان طال فيما بينهما من النسب الكلام والحق أنهما متلازما المفهوم فلا ينفك أحدهما عن الآخر فلا يوجد شرعا إيمان بدون إسلام ولا عكسه فإن الإسلام يطلق على الأعمال كما يطلق على الانقياد لغة وشرعا وأن الإيمان يطلق عليهما شرعا باعتبار أنه متعلق بهما فهما على وزان الفقير والمسكين فإذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر [ص: 179] بانفراده وإن قرن بينهما كما هنا فهما متغايران باعتبار أصل مفهومهما فاكتف بذلك عما هنالك من الإسهاب (ش عن أنس) قال عبد الحق: حديث غير محفوظ تفرد به علي بن مسعدة وفي توثيقه خلف قال أبو حاتم: لا بأس به والبخاري فيه نظر وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح الحديث: 3060 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 3061 - (الإسلام ذلول) كرسول أي سهل منقاد من الذل بالكسر اللين ضد الصعوبة (لا يركب إلا ذلولا) يعني لا يناسبه ويليق به ويصلحه إلا اللين والرفق والعمل والتعامل بالمسامحة والتسامح (حم عن أبي ذر) قال الهيثمي: فيه أبو خلف الأعمى منكر الحديث اه. وأقول فيه أيضا معاذ بن رفاعة أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره الحديث: 3061 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 3062 - (الإسلام يزيد ولا ينقص) قال البيهقي: قال عبد الوارث: أراد أن حكم الإسلام يغلب ومن تغليبه أن يحكم للولد بالإسلام بإسلام أحد أبويه اه. وقال جمع: معناه أن الإسلام يزيد بالداخلين فيه ولا ينقص بالمرتدين أو يزيد بما فتح الله من البلاد ولا ينقص بما غلب عليه الكفرة منها وتعلق بظاهره من ورث المسلمين من الكفار والأئمة الأربعة كالخلفاء الأربعة على المنع والخبر بفرض دلالته على التوريث فيه مجهول وضعيف قال القرطبي: الحديث ليس نصا في المراد بل محصوله أنه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث وقد عارضه قياس آخر وهو أن التوارث متعلق بالولاية ولا ولاية بين مسلم وكافر لقوله تعالى: {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الآية وأطال في ذلك فلا يقاوم الخبر الصحيح الصريح وهو أن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم (حم) عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو عن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلمي عن معاذ (د) أي أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة به (ك) وقال: صحيح ولم يتعقبه الذهبي (هق) كلهم من هذا الوجه (عن معاذ) بن جبل قال الحافظ في الفتح قال الحاكم صحيح وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ لكن سماعه منه ممكن وقد زعم الجوزقاني أنه باطل وهي مجازفة وقال القرطبي في المفهم هو كلام يحكى ولا يروى ولعله ما وقف على ما ذكر اه. وسبب هذا الحديث كما في أبي داود عن عبد الله بن بريدة أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر يهوديا ومسلما في ميراث أخ لها يهودي فورث المسلم وقال: حدثني أبو الدرداء أن رجلا حدثه عن معاذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره قال ابن عبد البر: وهذا لا حجة فيه وليس في اللفظ ما يعطيه. وجعله ابن الجوزي موضوعا ونازعه المؤلف الحديث: 3062 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 3063 - (الإسلام يعلو ولا يعلى) عليه قال البيهقي: قال قتادة: يعني إذا أسلم أحد أبوين فالولد مع المسلم فالعلو في نفس الإسلام بأن يثبت الإسلام إذا ثبت على وجه ولا يثبت على آخر كما في المولود بين مسلم وكافر فإنه يحكم بإسلامه وقال ابن حزم: معناه إذا أسلمت يهودية أو نصرانية تحت كافر يفرق بينهما ويحتمل العلو بحسب الحجة أو بحسب النصرة في العاقبة فإنهما للمسلمين وبذلك عرف أن الحديث ليس نصا في توريث المسلم من الكافر كما قيل (الروياني) محمد بن هارون في مسنده (قط هق والضياء) المقدسي والخليل في فوائده كلهم (عن عائذ) بالمد والهمزة والمعجمة (ابن عمرو) المزني ممن بايع تحت الشجرة وكان صالحا تأخرت وفاته وعلقه البخاري ورواه الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل قال ابن حجر: وسنده ضعيف الحديث: 3063 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 3064 - (الإسلام يجب) أي يقطع وفي رواية يهدم (ما كان قبله) من كفر وعصيان يترتب عليهما من حقوق الله أما حقوق [ص: 180] عباده فلا تسقط إجماعا ولو كان المسلم ذميا والحق ماليا وظاهر الخبر أن مجرد الإسلام مكفر للسوابق هبه أساء وأحسن بعد وأما خبر من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر فوارد على منهج التحذير (ابن سعد) في الطبقات (عن الزبير) بن العوام (وعن جبير بن مطعم) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه باللفظ المزبور الحديث: 3064 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 3065 - (الإسلام نظيف) أي نقي من الوسخ والدنس (فتنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) يحتمل النظافة الحسية ويحتمل المعنوية أي لا يدخلها إلا المطهر من دنس العيوب ووسخ الآثام ومن كان ملطخا بذلك لا يدخلها حتى يطهر بالنيران أو يدركه عفو الرحمن وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكابر صحبه من الحرص على النظافة الحسية والمعنوية ما لا يوصف وكان عمر إذا قدم مكة يطوف سككها فيقول: قموا فناءكم فمر بدار أبي سفيان فأمره فقال: نعم حتى يجيء مهاتنا الآن فطاف فلم يره فعل فأعاد وأعاد ثلاثا فوضع الدرة بين أذنيه ضربا فقالت هند: لرب يوم لو ضربته لاقشعر بطن مكة (طس) من حديث نعيم بن موزع عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي: فيه نعيم بن موزع وهو ضعيف قال ابن الجوزي: تفرد به نعيم قال ابن عدي: وهو ضعيف يسرق الحديث وعامة ما يرويه غير محفوظ وقال ابن حبان: يروي عن الثقات العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال اه. ومن ثم ضعفه السخاوي وغيره الحديث: 3065 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 3066 - (الأشرة) بشين معجمة البطر أو أشده (شر) في كل ملة قال في المصباح: أشر أشرا من باب تعب بطر وكفر النعمة فلا يشكرها (خد ع عن البراء) بن عازب الحديث: 3066 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 3067 - (الأشعريون في الناس كصرة فيها مسك) بتشديد الياء هم قبيلة ينسبون إلى الأشعر بن أدد بن زيد بن يشخب نزلوا غور تهامة من اليمن فيما بين جبال السروات وما يليها من جبال اليمن إلى أسياف البحر ولما قدموا على المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: أنتم مهاجرة اليمن من ولد إسماعيل ثم ذكره وكان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يحبهم وقال في حديث الشيخين: إنهم مني وأنا منهم وسياقه أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أي فرغ زادهم أو قل طعام عيالهم جمعوا ما عندهم في ثوب ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم وفيه تنبيه على مكارم أخلاقهم ومواساة لإخوانهم وحث على التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم وفيه منقبة عظيمة للأشاعرة وكذا قيل فإن عنى قائله ما هو المتبادر من هذا اللفظ وهم أهل السنة المنسوبون إلى شيخ السنة أبي الحسن الأشعري ففساده بين وإن أراد تلك القبيلة فصحيح (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن البصري عن الزهري مرسلا) الحديث: 3067 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 3068 - (الأصابع يجري مجرى السواك) في حصول أصل السنة بها (إذا لم يكن سواك) يعني إذا كانت خشنة لأنها حينئذ تزيل القلح وهذا في أصبع غيره أما أصبعه فلا تجزئ مطلقا ولو خشنة متصلة أو منفصلة عند الشافعية لأنها لا تسمى سواكا وقوله إذا لم يكن سواك يفهم أنه إذا كان ثم سواك لا تجزئ والتفصيل بين الوجود وعدمه لم أره لأحد من المجتهدين والحديث ضعيف (أبو نعيم في كتاب السواك عن عمرو بن عوف المزني) بضم الميم والزاي ورواه عنه [ص: 181] أيضا باللفظ المزبور الطبراني وقال: لم يروه عن كثير بن عبد الله إلا أبو غزية قال الهيثمي: ضعيف وقد حسن الترمذي حديثه اه وأقول أبو غزية أورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 3068 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 3069 - (الأضحى) جمع أضحاة وهي الأضحية وسميت باسم الوقت الذي يشرع فيه ذبحها وهو ارتفاع النهار (علي فريضة) أي واجبة وجوب الفرض (وعليكم) أيها الأمة (سنة) غير واجبة فالوجوب من خصائصه ولا خلاف في كونها من شرائع الدين وهي عند الشافعية والجمهور سنة كفاية مؤكدة أخذا بهذا الحديث وما أشبهه وهي رواية عن مالك وله قول آخر بالوجوب وعن أبي حنيفة يلزم الموسر قال أحمد: يكره أو يحرم تركها لخبر أحمد وابن ماجه من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا (طب عن ابن عباس) قال ابن حجر: رجاله ثقات لكن في رفعه خلف الحديث: 3069 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 3070 - [ (1) (الاقتصاد) أي التوسط في النفقة بين التبذير والتقتير (نصف العيش) أي المعيشة (وحسن الخلق) بضم الخاء واللام: أي كرم الأخلاق (نصف الدين) لأنه يحمل صاحبه على ترك ما يشين دينه ومروءته فمن حازه فقد حاز نصف الدين والنصف الثاني هو معاملة الخالق (خط عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف   (1) هذا الحديث والأحاديث التي بعده إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة) لم نجد للعلامة المناوي عليها شرحا في عامة النسخ ولعله سقط من النساخ شاعت به النسخ فآثرنا وضع شرح لها مقتبس من كلام المحققين إتماما للفائدة وسدا للخلل وبالله التوفيق اه مصححه الحديث: 3070 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 3071 - (الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة والتودد) أي التحبب والتقرب (إلى الناس) بفعل المعروف ومساعدة الضعفاء وغير ذلك من مكارم الأخلاق (نصف العقل) إذ ينشأ عنه الألفة والمحبة والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى كله وينشأ عنه السلامة من شرهم (وحسن السؤال نصف العلم) لأن السائل إذا أحسن السؤال مع شيخه أقبل عليه وبين له ما أشكل عليه مراعاة لأدبه معه ويترتب على ذلك أن ينتفع بعلمه (طب في مكارم الأخلاق هب عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما الحديث: 3071 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 3072 - (الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب) في الإكرام والاحترام والرجوع إليه والتعويل عليه وتقديمه في المهمات والمراد: الأكبر دينا وعلما وإلا فسنا (طب عد هب عن كليب الجهني) الحديث: 3072 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 3073 - (الأكل في السوق دناءة) قال في القاموس: الدنيئة النقيصة اه. فهو خارم للمروءة راد للشهادة إن صدر ممن لا يليق به. (1) (طب عن أبي أمامة خط عن أبي هريرة) بسند ضعيف   (1) [وفي أيامنا يحمل هذا الحديث على الأكل في السوق ماشيا أو واقفا. أما الأكل في الأماكن المعدة للأكل فلا يتناولها هذا النهي وإن كانت قد توجد قريبا من الأسواق خصوصا لأصحاب الحرف والأعمال. وبعض أسباب كراهة الأكل في السوق تظهر بعد التأمل في الأحاديث الأخرى التالية: رقم 14 - " آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد " رقم 1599 - " أما أنا فلا آكل متكئا " رقم: 2581 - " إنما أنا عبد: آكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب العبد " ورقم 9694 - " لا آكل وأنا متكئ " ففي هذه الأحاديث تبيان لعبوديته صلى الله عليه وسلم. أما الأكل واقفا أو ماشيا في السوق فيحول دون حسن الاتصاف بالعبودية بل يمنع الإنسان من التوجه إلى شكر الله على نعمة الطعام أثناء تناوله ففيه مشابهة ولو في الظاهر فقط لصورة الاستخفاف بتلك النعمة وعدم القيام بحق شكرها بالالتفات إلى المولى بأدنى ما يمكن من المحاولة وأقلها الجلوس. وقد اعتبر كثير من العلماء الأكل في السوق رادا للشهادة إن صدر ممن لا يليق به. هذا ما ظهر من أسباب الكراهة والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 3073 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 3074 - (الأكل بأصبع واحدة أكل الشيطان) أي مثل أكله وأضيف إليه لأنه الآمر به والحامل عليه وإنما ذمه [ص: 182] بذلك لما فيه من التكبر (وباثنين أكل الجبابرة) أي العتاة الظلمة أهل التكبر (وبالثلاث) أي الإبهام والسبابة والوسطى (أكل الأنبياء) وخلفائهم وورثتهم وهو الأنفع الأكمل الذي ينبغي أن يقتدى به. والأكل بالخمس مذموم لأنه فعل أهل الشره. ولهذا لم يحفظ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه أكل بالخمس (أبو أحمد الغطريف) بكسر المعجمة والراء بينهما طاء ساكنة (في جزئه وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) الحديث: 3074 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 3075 - (الأكل مع الخادم) يطلق على الذكر والأنثى والعبد والحر (من التواضع) فهو مندوب إليه حيث لا مانع: كأن كان الخادم أمردا جميلا يخشى منه الفتنة وتمام الحديث: فمن أكل معه اشتاقت له الجنة (فر عن أم سلمة) بسند ضعيف الحديث: 3075 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 3076 - (الإمام ضامن) أي متكفل بصحة صلاة المقتدين لارتباط صلاتهم بصلاته لأنه يتحمل الفاتحة عن المأموم إذا أدركه في الركوع (والمؤذن مؤتمن) أي أمين على صلاة الناس وصيامهم وإفطارهم وسحورهم وعلى حرم الناس لإشرافه على دورهم فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة (اللهم أرشد الأئمة) ليأتوا بالصلاة على أتم الأحوال (واغفر للمؤذنين) تقصيرهم في مراعاة الوقت بتقدم عليه أو تأخر عنه واستدل بعضهم بهذا على تفضيل الأذان على الإمامة لأن الأمين أفضل من الضمين (د ت حب هق عن أبي هريرة حم عن أبي أمامة) وسنده صحيح الحديث: 3076 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 3077 - (الإمام ضامن فإن أحسن) الطهور والصلاة (فله) الأجر (ولهم) أي المأمومين الأجر كذلك (وإن أساء) في صلاته أو طهوره بأن أخل ببعض الأركان أو الشروط (فعليه) الوزر والتبعة (ولا عليهم) وتمام الحديث كما في ابن ماجه: كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه يصلون بهم فقيل له: تفعل ذلك ولك من القدم ما لك قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: الإمام فذكره (هـ ك عن سهل بن سعد) الساعدي الحديث: 3077 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 3078 - (الإمام) الأعظم (الضعيف) عن إقامة الأحكام الشرعية (ملعون) أي مطرود من منازل الأبرار وعليه التخلي عن منصبه إن أراد الخلاص في الدنيا والآخرة وعلى الأمة نصب غيره وإنما خصه بهذا الوعيد لأنه مسؤول عن رعيته متحمل بكل ما يأتون من أوزار (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3078 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 3079 - (الأمانة) أي كثرتها وقوتها (في الأزد والحياء في قريش) أي هما في القبيلتين أكثر منهما في غيرهما (طب عن أبي معاوية بن الأزدي) الحديث: 3079 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 3080 - (الأمانة غنى) بوزن رضى: أي هي سبب الغنى لأن من اتصف بها رغب الناس في معاملته فيحسن حاله ويكثر ماله (القضاعي) في الشهاب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه الحديث: 3080 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 [ص: 183] 3081 - (الأمانة تجلب) وفي رواية تجر (الرزق) أي هي سبب لتيسيره وحلول البركة فيه وحب الناس له (والخيانة تجلب الفقر) أي تمحق بركة الرزق وتنفر الناس عن صاحبها (فر عن جابر) بن عبد الله (القضاعي) في الشهاب (عن علي) بإسناد حسن الحديث: 3081 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3082 - (الأمراء من قريش ما عملوا فيكم) أي مدة دوام معاملتهم لكم (بثلاث) من الخصال وبينها بقوله (ما رحموا إذا استرحموا) بالبناء للمجهول: أي طلبت منهم الرحمة (وأقسطوا) أي تمسكوا بسيرة العدل (إذا قسموا) ما جعل إليهم من غنيمة أو خراج أو فيء (وعدلوا إذا حكموا) فلم يجوروا في حكم من الأحكام. ومفهوم الحديث أنهم إذا عدلوا عن هذه الأحكام جاز العدول بالإمارة عنهم ولعل المراد أن هذا حض لهم على أن يتمسكوا بتلك الخصال إذ لا يجوز الخروج على الإمام بمجرد الجور (ك عن أنس) بن مالك الحديث: 3082 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3083 - (الأمراء من قريش من ناوأهم) أي عاداهم (أو أراد أن يستفزهم) أي يفزعهم ويزعجهم (تحات) أي تفتت (تحات) أي كتفتت (الورق) من الشجرة وذلك كناية عن إهلاكه وإذلاله وإهانته (ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن كعب بن عجرة) الحديث: 3083 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3084 - (الأمر) أي هجوم الموت (أسرع) وفي رواية أعجل (من ذاك) أي من البناء وسببه كما رواه أبو (1) عبد الله بن عمرو بن العاص قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطا " أي حائط خص في الرواية الأخرى وهو بيت يعمل من خشب وقصب " فذكره (د عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص   (1) ولكن الصحابي المعروف هو عبد الله بن عمرو بن العاص فليدقق قوله " أبو عبد الله ". دار الحديث الحديث: 3084 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3085 - (الأمر المفظع) بفاء وظاء أي الشديد (والحمل المضلع) أي المثقل (والشر الذي لا ينقطع) هو (إظهار البدع) من أصول: كالعقائد الزائغة وفروع: كالمحدثات على خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (طب عن الحكم بن عمير) والحديث ضعيف الحديث: 3085 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3086 - (الأمن والعافية نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس) لأن بهما يتيسر التنعم بغيرهما من النعم (طب عن ابن عباس) رضي الله عنهما الحديث: 3086 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3087 - (الأمور كلها خيرها وشرها من الله تعالى) أي كل كائن وما يكون بقدرته وإرادته فهو سبحانه وتعالى خالق الخير [ص: 184] والشر والنفع والضر والإيمان والكفر ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} (طس عن ابن عباس) بسند ضعيف الحديث: 3087 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 3088 - (الأناة) بوزن قناة: أي التأني (من الله تعالى) أي مما يرضاه ويثيب عليه (والعجلة من الشيطان) أي هو الحامل عليها بوسوسته لأن العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب (ت عن سهل بن سعد) الساعدي الحديث: 3088 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 3089 - (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) لأنهم كالشهداء بل أفضل والشهداء أحياء عند ربهم. وفائدة التقييد بالعندية الإشارة إلى أن حياتهم ليست بظاهرة عندنا وهي كحياة الملائكة وكذا الأنبياء ولهذا كانت الأنبياء لا تورث وقوله يصلون قيل المراد به التسبيح والذكر (ع عن أنس) بن مالك وهو حديث صحيح الحديث: 3089 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 3090 - (الأنبياء قادة) جمع قائد: أي يقودون الناس للعلم والموعظة (والفقهاء سادة) جمع سيد وهو الذي يفوق قومه في الخير والشرف: أي مقدمون في أمر دين الله (ومجالستهم زيادة) في الخير والعلم والتفقه في الدين (القضاعي عن علي) الحديث: 3090 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 3091 - (الأيدي ثلاثة فيد الله) هي (العليا) لأنه المعطي في الحقيقة (ويد المعطي) أي المناول (التي تليها) وفيه حث على التصدق (ويد السائل) أي الآخذ للصدقة (السفلى) وفيه زجر للسائل عن سؤاله الخلق وحث له على الرجوع إلى مولاه الحق (فأعط الفضل) أي الفاضل عن عيالك (ولا تعجز) بفتح التاء وكسر الجيم: بعد عطيتك (عن) نفقة (نفسك) ومن تلزمك نفقته بأن تتصدق بمالك كله ثم تقعد تسأل الناس (حم د ك عن مالك بن نضلة) بفتح فسكون: والد أبي الأحوص الصحابي الحديث: 3091 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 3092 - (الإيمان) هو (أن تؤمن) تصدق (بالله) أي بأنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله (وملائكته) أي بأن لله ملائكة مخلوقين من النور وهم عباد له تعالى سفراء بينه وبين رسله لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} ليسوا بذكور ولا إناث (وكتبه) بأنها كلام الله القديم القائم بذاته المنزه عن الحروف والأصوات التي أنزلها على بعض رسله لهداية الناس (ورسله) وبأن لله رسلا أرسلهم الله إلى الناس لإرشادهم إلى ما فيه مصلحة معاشهم ومعادهم وهم معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها (و) تؤمن (باليوم الآخر) وهو من الحشر إلى ما لا نهاية أو إلى فصل القضاء (وتؤمن بالقدر خيره وشره) حلوه ومره: أي بأن ما قدره الله في الأزل من خير أو شر لا بد من وقوعه (م عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه والحديث صحيح الحديث: 3092 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 3093 - (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار) أي بأنهما موجودتان الآن لأنهما [ص: 185] باقيتان لا تفنيان: الجنة للطائعين والنار للفاسقين (والميزان) أي بأن وزن الأعمال حق (وتؤمن بالبعث بعد الموت) أي بإعادة الأجساد بعد فنائها للحساب (وتؤمن بالقدر خيره وشره) أي تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك (هب عن عمر) بن الخطاب الحديث: 3093 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 3094 - (الإيمان) هو (معرفة) أي اعتقاد (بالقلب وقول باللسان) أي إقرار (وعمل بالأركان) والمراد أن الأعمال شرط في كماله وأن الإقرار باللسان يعرب عن التصديق القلبي (هـ طب عن علي) وهو حديث ضعيف الحديث: 3094 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 3095 - (الإيمان بالله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان) المراد بذلك الإيمان الكامل الذي تترتب عليه الثمرة الكبرى (الشيرازي في الألقاب عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. والحديث ضعيف.] (1)   (1) إلى هنا تم ما قد نقص من شرح الإمام المناوي فتنبه الحديث: 3095 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 3096 - (الإيمان) أي ثمراته وفروعه فأطلق الإيمان وهو الإقرار والتصديق عليها مجازا لكونها من حقوقه ولوازمه (بضع) بفتح الباء وكسرها من ثلاث إلى تسع على الأصح (وسبعون) بتقديم السين على الموحدة (شعبة) بضم أوله خصلة وأصلها الطائفة من الشيء والغصن من الشجر قال الكرماني: شبه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب كما شبه في حديث بني الإسلام على خمس بخباء ذي أعمد وأطناب قال القاضي: أراد التكثير على حد {إن تستغفر لهم} واستعمال لفظ السبعة والسبعين للتكثير كثيرا والمراد الحصر فيقال إن شعب الإيمان وإن كانت متعددة لكن حاصلها يرجع إلى أصل واحد وهو تكميل النفس على وجه يصلح معاشه ويحسن معاده وذلك أن يعتقد ويستقيم في العمل اه. قال الطيبي: والأظهر معنى التكثير ويكون ذكر البضع للترقي يعني شعب الإيمان أعداد مبهمة ولا نهاية لكثرتها إذ لو أريد التحديد لم يبهم (وأفضلها قول لا إله إلا الله) أي أفضل الشعب هذا الذكر فوضع القول موضع الذكر لا موضع الشهادة فإنها من أصله لا من شعبه والتصديق القلبي خارج منهما إجماعا قال القاضي: ويمكن أن يراد أنه أفضلها من وجه وهو أنه يوجب عصمة الدم والمال لا أنه أفضل من كل وجه وإلا لزم كونه أفضل من الصلاة والصوم ويجوز أن يقصد الزيادة المطلقة لا على ما أضيف إليه أي المشهور من بينها بالفضل في الأديان قول لا إله إلا الله (وأدناها) مقدارا (إماطة الأذى) أي إزالة ما يؤذي كشوك وخبث وحجر (عن الطريق) الظاهر أن المراد المسلوك ويحتمل العموم وسيجيء في خبر تقييد الطريق بكونه للمسلمين (والحياء) بالمد (شعبة من الإيمان) أي الحياء الإيماني وهو المانع من فعل القبيح بسبب الإيمان لا النفساني المخلوق في الجبلة وأفرده بالذكر لأنه كالداعي إلى سائر الشعب فإن الحي يخاف فضيحة الدنيا وفظاعة الآخرة فيزجر عن الآثام وزعم أن الحياء قد يمنع الأمر بالمعروف فكيف يدعو إلى سائرها يمنع بأن هذا المانع ليس بحياء حقيقة بل عجز وإعياء وإطلاق الحياء عليه مجاز وإنما الحقيقي خلق يبعث على تجنب القبيح. قال الزمخشري: جعل الحياء من الإيمان لأنه قد يكون خلقيا واكتسابيا لجميع أعمال البر وقد يكون [ص: 186] غريزة لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثا على أعمال الخير ومانعا من المعاصي قال: وهذا الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال ومنعه الكرماني بأن معناه شعب الإيمان بضع ولفظ إماطة الأذى غير داخلة في حقيقة الإيمان والتصديق خارج عنه اتفاقا (د ن) في الإيمان (هـ) في السنة (عن أبي هريرة) ورواه عنه الترمذي أيضا لكن أسقط والحياء إلخ وفيه عنده عبد الله بن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ليس بقوي ورواه البخاري مختصرا بلفظ الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان قال الكرماني: وتخصيص الستين لأن العدد إما زائد وهو ما أجزاؤه أكثر منه كاثني عشر فإن لها نصفا وثلثا وربعا وسدسا ونصف السدس فمجموع الأجزاء أكثر من اثني عشر وإما ناقص فهو ما أجزاؤه أقل منه كأربعة فإن لها ربع ونصف فقط وإما تام فهو ما أجزاؤه مثله كستة فإن أجزاءها النصف والثلث والسدس وهي مساوية للستة والفضل من بين الأنواع الثلاثة التام فلما أريد المبالغة فيه جعلت آحادها أعشارا فذكره لمجرد الكثرة قال القاضي: والتركيب دال كما ترى على التفرق والانقسام الحديث: 3096 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 3097 - (الإيمان يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن لاذعانهم إلى الإيمان من غير كبير كلفة ومن اتصف بشيء وقوي إيمانه ونسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيره فلا تعارض بينه وبين خبر الإيمان في أهل الحجاز ثم المراد الموجودين حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمن وهو نسبة إلى اليمن وألفه عوض عن ياء النسبة فلا يجتمعان واليمن ما على يمين الكعبة من بلاد الغور قال أبو عبيد: مكة من أرض تهامة وتهامة من اليمن ولذا سميت مكة وما يليها من أرض الحجاز تهامة فعليه مكة يمانية ومنها ظهر الإيمان وقيل قاله بتبوك ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريدهما وقيل أراد الأنصار وهم يمانيون في الأصل وقد نصروا الإيمان فنسبه لهم (ق عن ابن مسعود) قال المصنف: وهو متواتر وفي الباب عن ابن عباس بزيادة والفقه يمان والحكمة يمانية رواه البزار الحديث: 3097 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 3098 - (الإيمان قيد الفتك) أي يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان عذرا كما يمنع القيد من التصرف بمنع الإيمان من الغدر (لا يفتك مؤمن) خبر بمعنى النهي لأنه متضمن للمكر والخديعة أو هو نهي وما روي من الفتك بكعب بن الأشرف وابن أبي حقيق وغيرهما فكان قبل النهي أو هي وقائع مخصوصة بأمر سماوي لما في المفتوكين من الغدر وسب الإسلام وأهله قال الزمخشري: الفرق بين الفتك والغيلة أن الفتك أن تهتبل غرته فتهلكه جهارا والغيلة أن تكتمن له في محل فتقتله خفية اه. وظاهر أن المراد في الحديث هما معا قال العسكري: الناس يستحسنون لامرئ القيس قيد الأوابد في وصف فرسه يريد أن الأوابد من الوحش إذا رأته أيست أن تنجو منه فتكون الفرس كالقيد لها ويزعمون أنه اخترعه وابتدعه وقد اتفق في هذا الحديث ما هو أحسن منه من غير تعمل (تخ د) في الجهاد (ك عن أبي هريرة حم عن الزبير) بن العوام جاء إليه رجل فقال: ألا أقتل لك عليا؟ فقال: كيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: أفتك به قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره (د عن معاوية) وسبب تحديثه به أنه دخل على عائشة فقالت: أقتلت حجرا وأصحابه يا معاوية ما أمنك أن يقعد لك رجلا يفتك بك؟ فقال معاوية: إني في بيت أمان سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره ثم قال: كيف أنا في حوائجك قالت: صالح قال: فدعيني وحجرا غدا نلتقي عند الله قال المناوي وغيره وسنده جيد ليس فيه إلا أسباط بن الهمداني وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي وقد خرج لهما مسلم الحديث: 3098 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 3099 - (الإيمان الصبر والسماحة) قال البيهقي: يعني بالصبر الصبر عن محارم الله وبالسماحة أن يسمح بأداء ما افترض عليه اه [ص: 187] ففسر الإيمان بهما لأن الأول يدل على الترك والثاني على الفعل وبما قاله البيهقي صرح الحسن البصري فقال: الصبر عن المعصية والسماحة على أداء الفرائض. <تنبيه> قال الغزالي: الصبر ملاك الإيمان لأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر والصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع مقامات السالكين ينتظم من معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل وكذا الصبر لا يتم إلا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة والصبر على التحقيق عبارة عنهما ولا يعرف هذا إلا بمعرفة كيفية الترتيب بين الملائكة والإنس والبهائم فإن الصبر خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم لنقصانها ولا الملائكة لكمالها لأن البهائم سلطت عليها الشهوات فصارت مسخرة لها فلا باعث لها على حركة أو سكون إلا هي ولا قوة لها تصادم الشهوة حتى تسمى ثبات تلك القوة صبرا والملائكة جردوا للأشواق إلى الحضرة الربوبية والابتهاج بدرجة القرب منها ولم يسلط عليها شهوة صادة صارفة عنها حتى يحتاج إلى مصادمة ما يصرفها عن حضرة الجلال بجند آخر وأما الإنسان فقد تعارض فيه الأمران فاحتاج إلى ثبات جند في مقابلة جند آخر قام للقتال بينهما لتضاربهما وذلك هو حقيقة الصبر (ع طب في مكارم الأخلاق عن جابر) قال الهيثمي: فيه يوسف بن محمد ابن المنكدر متروك وقال النسائي: ضعيف انتهى. وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر الحديث: 3099 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 3100 - (الإيمان بالقدر نظام التوحيد) إذ لا يتم نظامه إلا باعتقاد أن الله تعالى منفرد بإيجاد الأشياء على ما هي عليه وأن كل نعمة منه فضل وكل نقمة عدل وأنه أعلم بطباع خلقه منهم وأنه غير ملوم ولا مطعون عليه وأن له تكليفهم بما شاء من الأفعال مع تقدير أسباب منعهم منها وهو تكليف ما لا يطاق (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن معاذ قال في الميزان فيه لين وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال حديث لا يصح ومحمد بن معاذ في حديثه وهم الحديث: 3100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 3101 - (الإيمان بالقدر) بفتحتين (يذهب الهم والحزن) لأن العبد إذا علم أن ما قدره الله في الأزل لا بد من وقوعه وما لم يقدره يستحيل وقوعه استراحت نفسه وذهب حزنه على ما وقع له من المكروه الماضي ولم يهتم لما يتوقعه وأذى الناس للعبد لا بد له منه كالحر والبرد لا حيلة فيه والمتسخط من أذاهما غير عاقل والكل جار بقدر ومن ثم قال ذو النون: من وثق بالمقادير لم يغتم ومن عرف الله رضي بالله وسر بقضائه وقال بعضهم: الإتكال على القضاء أروح وقلة الاسترسال أحزم (ك في تاريخه والقضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) وفيه السدي بن عاصم الهمداني مؤدب المعتز قال في الميزان وهاه ابن عدي وقال يسرق الحديث وكذبه ابن خراش قال ومن بلاياه هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال السري قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به الحديث: 3101 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 3102 - (الإيمان عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع) أي شأن أهله تجنب المحرمات والاكتفاء بالبلغة وترك التشوق إلى المفقود والاستغناء بالموجود والعفة قمع النفس عن تعاطي ما لا ينبغي (جل) من حديث بشر بن منصور عن عمارة بن راشد (عن محمد بن النضر الحارثي) الصوفي الزاهد (مرسلا) ثم قال: وهذا مما لا يعرف له طريقا عن محمد إلا مرسلا وهذا نقل الرواية عنه نقلا وحفظ عنه أحاديث لم يذكر إسنادها فذكرها إرسالا قال: وكان محمد وضرباؤه من [ص: 188] المتعبدين لم يكن من شأنهم الرواية كانوا إذا وصوا إنسانا أو وعظوه ذكروا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إرسالا الحديث: 3102 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 3103 - (الإيمان بالنية واللسان) أي يكون بتصديق القلب والنطق بالشهادتين (والهجرة) من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام تكون (بالنفس والمال) متى تمكن من ذلك فإن لم يتمكن إلا بنفسه فقط هاجر بها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور <فائدة> قال القونوي: للإيمان صورة وروح ولكل منهما صفتان ولكل صفة حكمان وصفة صورة الإيمان هي المعبر عنها بقولهم الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان وله شرطان معنويان عليهما يتوقف صحة الإقرار والعمل وهما النية والإخلاص إذ بهما يثبت الانقياد المحقق والتمييز بين المنافق ولهذين الشرطين حكمان أحدهما زماني والآخر مكاني فالزماني كأوقات الصلاة وهو اسم الصوم والحج والمكاني استقبال القبلة ووجوب اجتناب الصلاة في البيع المصورة والمواضع النجسة ونحو ذلك وفي الحج يجتمع أحكام الزمان والمكان والتصديق الذي هو روح الإيمان ينقسم قسمان جملي وهو تصديق المخبر الصادق على وجه كلي إما بأمر يجده في نفسه دون سبب خارجي أو يكون الموجب له آية ومعجزة والقسم الآخر تصديق تفصيلي منسحب الحكم على أفراد اختبارات المخبر المصدق وما يتضمنه من الأمور المحكوم بوقوعها ويتبع ذلك رغبة أو رهبة موجبات استحضار ما قرن المخبر الصادق بإخبار أنه من تفاصيل الوعد والوعيد ولهذا الاستحضار درجات (عبد الخالق بن زاهر الشحاني) بضم المعجمة وإهمال الحاء ثم نون محدث مشهور (في الأربعين عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه الحديث: 3103 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 3104 - (الإيمان والعمل أخوان) أي (شريكان في قرن واحد لا يقبل أحدهما إلا بصاحبه) لأن العمل بدون الإيمان الذي هو تصديق القلب لا فائدة له والتصديق بمجرده بلا عمل لا يكفي أي في الكمال (ابن شاهين في السنة) عن علي أمير المؤمنين وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الحاكم والديلمي باللفظ المزبور عن علي المذكور الحديث: 3104 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 3105 - (الإيمان والعمل قرينان لا يصلح كل واحد منهما إلا مع صاحبه (1)) وهما الخلطان اللذان يتركب منهما الأدوية لأمراض القلوب كلها (ابن شاهين) في السنة (عن محمد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم بن الحنفية ثقة المدني عالم من الطبقة الثانية (مرسلا) وأخرجه عنه الحاكم أيضا قال: ومحمد بن علي هذا لا يبعد أن يكون ابن الحنفية   (1) أي فإذا انتفى الإيمان لم ينفع العمل وإذا انتفى العمل لم يكمل الإيمان الحديث: 3105 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 3106 - (الإيمان نصفان فنصف في الصبر ونصف في الشكر) أي ماهية مركبة منهما وذلك لأن الناس صنفان معطى فعليه الشكر وممنوع فعليه الصبر فإذا شكر هذا فقد أتى من الإيمان بنصفه وإذا صبر هذا فقد أتى من الإيمان بنصفه أو يقال وجه التصنيف أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى شرطين فعل وترك فالفعل العمل بالطاعة وهو حقيقة الشكر والترك الصبر عن المعصية والدين كله في هذين فعل المأمور وترك المحظور وأن الإيمان مبني على [ص: 189] ركنين يقين وصبر فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهي عنه ولا يحصل له التصديق بذلك إلا باليقين ولا يمكن الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلا بالصبر فصار الصبر نصفا والشكر نصفا قال الغزالي رحمة الله عليه: فالجهل بحقيقة الصبر والشكر جهل بكلا شطري الإيمان ثم هو غفلة عن وصفين من أوصاف الرحمن ولا سبيل للوصول إلى القرب إلى الله تعالى إلا بالإيمان وكيف يتصور سلوك الإيمان دون معرفة ما به الإيمان ومن به الإيمان فهذا قاله في موضع وقال في آخر هذا باعتبار النظر إلى الأعمال والتعبير عنها بالإيمان (هب عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال الذهبي وغيره: متروك ورواه القضاعي بهذا اللفظ وذكر بعض شراحه أنه حسن الحديث: 3106 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 3107 - (الإيماء خيانة) أي الإشارة بالعين والحاجب أو غيرهما خفية من الخيانة المنهي عنها (وليس لنبي أن يومىء) وهذا قاله لما أمر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح كان رجل من الأنصار نذر إن رآه أن يقتله فجاء عثمان فشفع له وقد أخذ الأنصاري بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم متى يومىء إليه فشفع عثمان حتى تركه فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأنصاري هلا وفيت بنذرك قال: انتظرت متى تومىء فذكره (ابن سعد) في الطبقات (عن سعيد بن المسيب مرسلا) وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعفوه قال ابن عساكر: وروى معناه الحسن بن بشر عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس الحديث: 3107 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 3108 - (الأئمة من قريش) لفظ الأئمة جمع تكسير معرف باللام ومحله العموم على الصحيح وبه احتج الشيخان يوم السقيفة فقبله الصحب وأجمعوا عليه ولا حجة لمن منع اشتراط القرشية في خبر السمع والطاعة ولو عبد لحمله على من أمره الإمام على نحو سرية أو ناحية جمعا بين الأدلة قال السبكي: وفيه شاهد للشافعي بالإمامة بل بانحصار الإمامة لأن الأئمة من قريش يدل بحصر المبتدأ على الخبر عليه ولا يعني بالإمامة إمامة الخلافة فحسب بل هي وإمامة العلم والدين (أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها) قال ابن الأثير: هذا على جهة الإخبار عنهم لا على طريق الحكم فيهم أي إذا صلح الناس وبروا وليهم الأخيار وإذا فسدوا وفجروا وليهم الأشرار وهو كحديثه الآخر كما تكونوا يولى عليكم قال ابن حجر: وقع مصداق ذلك لأن العرب كانت تعظم قريشا في الجاهلية بسكناها الحرم فلما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعى إلى الله توقف غالب العرب عن اتباعه وقالوا: ننظر ما يصنع قومه فلما فتح مكة وأسلمت قريش تبعوهم ودخلوا في دين الله أفواجا واستمرت الخلافة والإمارة فيهم وصارت الأبرار تبعا للأبرار والفجار تبعا للفجار (وإن أمرت عليكم قريش عبدا حبشيا مجدعا) بجيم ودال مقطوع الأنف أو غيره (فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه فإن خير بين إسلامه وضرب عنقه فليقدم عنقه) ليضرب بالسيف ولا يرتد عن الإسلام ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بحال. <تنبيه> ذهب الجمهور إلى العمل بقضية هذا الحديث فشرطوا كون الإمام قرشيا وقيده طوائف ببعضهم فقالت طائفة وهم الشيعة: لا يجوز إلا من ولد علي. وقالت طائفة: يختص بولد العباس وهو قول أبو مسلم الخراساني وأتباعه. وقالت طائفة: لا يجوز إلا من ولد جعفر بن أبي طالب نقله ابن حزم. وقالت أخرى: من ولد عبد المطلب. وقال بعضهم: لا يجوز إلا من ولد أمية وبعضهم لا يجوز إلا من ولد عمر. قال ابن حزم: ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق وقال الخوارج وطائفة من المعتزلة: يجوز كون الإمام [ص: 190] غير قرشي وإنما الإمام لمن قام بالكتاب والسنة ولو أعجميا وبالغ ضرر ابن عمر فقال: تولية غير القرشي أولى لأنه أقل عشيرة فإذا عصى أمكن خلعه. قال ابن الطيب: ولم يعرج على هذا القول بعد ثبوت خبر الأئمة من قريش وانعقد الإجماع على اعتباره قبل وقوع الخلاف قال ابن حجر: عمل بقول ضرار من قبل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري ودام فتنتهم أكثر من عشرين سنة حتى أييدوا فكذا من تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج كابن الأشعث ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس وكعبد المؤمن وذويه ببلاد المغرب كلها وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بمذاهبهم بل كانوا من أهل السنة داعين إليها وقال عياض: اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب كافة العلماء وقد عدوها في مسائل الإجماع ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة قال ابن حجر: ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر فقد أخرج أحمد عنه بسند رجاله ثقات أنه قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن أدركني أجلي بعده استخلفت معاذ بن جبل ومعاذ أنصاري لا قرشي فيحتمل أن يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر أو رجع عمر (ك) في المناقب (هق عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: حديثه منكر وقال ابن حجر رحمه الله: حديث حسن لكن اختلف في رفعه ووقفه ورجح الدارقطني وقفه قال: وقد جمعت طرق خبر الأئمة من قريش في جزء ضخم عن نحو أربعين صحابيا فقول العلائي لم أجده ذهول قال التاج السبكي رحمه الله تعالى: ذكر في المجموع أن حديث الأئمة من قريش في الصحيحين ولعله أراد بالمعنى وإلا فالذي فيهما لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان قال ابن حجر: وفيهما الناس تبع لقريش الحديث: 3108 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 3109 - (الأيم) في الأصل من لا زوج له والمراد هنا عند الشافعي الثيب بأي طريق كان كما يفيده عطف البكر عليها إذ الشيء لا يعطف على نفسه وما خالفه فزائل عن الظاهر تابع لدليله (أحق بنفسها من وليها) في الرغبة والزهد في الزواج وفي اختيار الزوج لا في العقد فإن مباشرته لوليها لخبر لا نكاح إلا بولي ونبه بأحق على أن لوليها حقا أيضا لكن حقها آكد وآمن ثم قالوا: لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم تجبر وفي عكسه تجبر (والبكر البالغ تستأذن في نفسها) أي يستأذنها وليها في تزويجه إياها أيا كان أو غيره (وأذنها صماتها) بالضم سكوتها قال الشافعية: مفهوم الحديث أن ولي البكر أحق بها من نفسها لأن الشيء إذا قيل بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه فقوله أحق بنفسها جمع نصا ودلالة والعمل بالدلالة واجب كوجوبه بالنص وإنما شرع للولي استئذانها تطييبا لنفسها لا وجوبا عند الشافعي بدليل جعله صماتها إذنها والصمات ليس بإذن وإنما جعل بمنزلة الإذن لأنها قد تستحي أن تفصح (مالك) في الموطأ (حم م ع) كلهم في النكاح (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الشافعي ولم يخرجه البخاري الحديث: 3109 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 3110 - (الأيمن فالأيمن) أي ابتدؤا بالأيمن أو قدموا الأيمن يعني من عند اليمين في نحو الشرب فهو منصوب وروى رفعه وخبره محذوف أي الأيمن أحق ورجحه العيني بقوله في بعض طرق الحديث الأيمنون فالأيمنون وكرر لفظ الأيمن للتأكيد إشارة إلى ندب البداءة بالأيمن ولو مفضولا وحكى عليه الاتفاق بل قال ابن حزم: لا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذنه قال ابن العربي: وكل ما يدور على جمع من كتاب أو نحوه فإنما يدور على اليمين قياسا على ما ذكر وتقديم من [ص: 191] على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن عن اليمين بل لجهته ولا يعارض هذا ما مر في خبر الأمر بمناولة السواك الأكبر ولا ما يجيء في خبر من قوله في القسامة كبر كبر ولا قوله في حديث أبي يعلى: كان إذا سقي قال: ابدأوا بالكبير لحمله على الحالة التي يجلسون فيها متساويين بين يديه أو عن يساره أو خلفه فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن أو يخص من عموم الأمر بالبداءة بالكبير ما لو قعد بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل فالأيمن لم يمتز بمجرد القعود في الجهة اليمنى بل لخصوص كونها يمين الرئيس فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل وأخذ من الحديث أن كل ما كان من أنواع التكريم يقدم فيه من على اليمين (مالك حم ق ع عن أنس) قال: أتي النبي بلبن شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي ثم ذكره وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله عند الكل والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البخاري: ألا فيمنوا هذا لفظه في كتاب الكتابة وفيه ندب التيامن وتفضيل اليمين على الشمال وأن ما يتناول من نحو طعام وشراب فالسنة إدارته من جهة اليمين وأن الجلوس عن يمين الإمام والعالم أفضل وإن كل من أكل أو شرب في مجلس ندب له أن يشرك أهل المجلس فيه وأن من جلس مجلسا مشتركا فهو أولى بمجلسه ولا يقام عنه وإن كان ثم أفضل منه وغير ذلك الحديث: 3110 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 حرف الباء الموحدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 أي هذا باب الأحاديث التي أولها حرف الباء الموحدة التحتية (فصل) في حرف الباء مع الهمزة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 3111 - (بسم الله) قال العارف ابن عربي: لما كانت الأسماء الإلهية سبب وجود العالم المؤثرة له كانت البسملة خبر مبتدأ مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره فكأنه يقول بسم الله ظهر العالم واختصت الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها والرحمن صفة عامة الله (الرحمن الرحيم) فهو رحمن الدنيا والآخرة لأنه رحم كل شيء من العالم في الدنيا والرحمة في الآخرة مختصة بقبضة السعادة وكل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة والسين سين وياء ونون والميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض والتنوين في اسم لتحقق العبودية فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين فقال بسم الله بحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي (مفتاح كل كتاب) أي لفظ البسملة قد افتتح به كل كتاب من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء عليهم السلام ويحتمل أن المراد أن حقها أن تكون في مفتتح كل كتاب استعانة وتيمنا بها ويعكر على الأول المتبادر ما ورد في حديث ضعيف أنها مما خص به إلا أن يقال أن هذا اللفظ متروك الظاهر لضعفه ومخالفته للقطعي وهو {إنه من سليمان وإنه} الآية وفي رواية للدارقطني سندها متصل بسم الله الرحمن الرحيم أم القرآن وهي أم الكتاب وهي السبع المثاني والبسملة آية من كل سورة مطلقا (1) قال العارف ابن عربي: وبسملة براءة هي التي في النمل فإن الحق سبحانه وتعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم فلما خرجت رجمته براءة وهي البسملة بحكم التبري من أهلها برفع الرحمة عنهم وقف الملك بها لا يدري أين يضعها لأن كل أمة من الأمم الإنسانية قد أخذت رحمتها [ص: 192] بإيمانها تنبيها فقال أعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السلام وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا وهو البسملة التي سلبت عن المشركين وصف عين خلاصة تلك الآية ذلك الحرف المقدم لأنه أول البسملة في كل سورة والسورة التي لا بسملة لها أبدلت بالباء فقال تعالى براءة قال لنا بعض أحبار الإسرائيلين: ما لكم في التوحيد حظ لأن افتتاح سور كتابكم بالباء فأجبته ولا أنتم فإن أول التوراة باء وكذا بقية الكتب فأفحم ولا يمكن غير ذلك فإن الألف لا يبدأ بها أصلا اه. قال البوني: من علم ما أودع الله في البسملة من الأسرار وكتبها لم يحترق بالنار وروي أنها لما نزلت اهتزت الجبال لنزولها وقالت الزبانية من قرأها لم يدخل النار وهي تسعة عشر حرفا على عدد الملائكة الموكلين بالنار ومن أكثر ذكرها رزق الهيبة عند العالم السفلي والعلوي وهي أول ما خط بالقلم العلوي على الصفح اللوحي وهي التي أقام الله تعالى بها ملك سليمان فمن كتبها ست مئة مرة وحملها معه رزق الهيبة في قلوب الخلائق ومن كتبها وجودها إعظاما لها كتب عند الله من المتقين (خط في الجامع) بين آداب القارئ والسامع (عن أبي جعفر معضلا (2))   (1) قال صاحب الاستغناء في شرح الأسماء الحسنى عن شيخه السويسي: أجمع علماء كل أمة على أن الله عز وجل افتتح كل كتاب من الكتب المنزلة من السماء بالبسملة (2) المعضل ما سقط من سنده اثنان سواء كان الساقط الصحابي والتابعي أم غيرهما الحديث: 3111 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 3112 - (باب أمتي) أي باب الجنة المختص بأمتي من بين الأبواب قال الحكيم الترمذي: وهو المسمى باب الرحمة والمراد أمة الإجابة فإن قلت: هذا يناقضه النص على تخيير بعض هذه الأمة بين الدخول من أي أبواب الجنة شاء وأن باب الصائم يدعى الريان إلى غير ذلك قلت: كلا لا منافاة لأن لهم بابا خاصا بهم فلا يدخل منه غيرهم ويشاركون غيرهم من بقية الأبواب (الذي يدخلون منه الجنة) بعد فصل القضاء والانصراف من الموقف (عرضه) أي مساحة عرضه (مسيرة الراكب المجد) أي صاحب الجواد وهو الفرس الجيد أو المجود الذي يكون دوابه جيادا وقال الديلمي: المجود المسرع والتجويد السير بسرعة وقال الطيبي: المجود يحتمل أن يكون صفة لراكب والمعنى الذي يجود ركض الفرس وأن يكون المضاف إليه والإضافة لفظية أي الفرس الذي يجود في عدوه (ثلاثا) من الأيام مع لياليها (ثم إنهم ليضغطون) أي ليعتصرون (عليه) أي على ذلك الباب حال الدخول (حتى تكاد مناكبهم تزول) من شدة الزحام ولا ينافيه خبر إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر لأن الراكب المجود غاية الإجادة على أسرع مجرى ليلا ونهارا يقطع المسافة بينهما ثم إنه لا تعارض بين الخبرين وخبر أحمد أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما لما سيجيء فيه قال القرطبي: وقوله باب أمتي يدل على أنه لسائر أمته ممن لم يغلب عليه عمل يدعى به ولهذا يدخلون مزدحمين (ت) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمر) بن الخطاب واستغربه قال: وسألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يعرفه وقال خالد بن أبي بكر أي أحد رجاله له مناكير عن سالم اه ومن ثم أعله المناوي بخالد هذا وقال له مناكير الحديث: 3112 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 3113 - (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا) أي قبل موت فاعليها (البغي) أي مجاوزة الحد والظلم (والعقوق) للوالدين وإن عليا أو أحدهما أي إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع (ك) في البر (عن أنس) وقال صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3113 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 3114 - (بادروا) أي سابقوا وتعجلوا من المبادرة وهي الاسراع (الصبح بالوتر) أي سابقوه به بأن توقعوه قبله [ص: 193] قال الطيبي: كأن الصبح مسافر يقدم عليك طالبا منك الوتر وأنت تستقبله مسرعا بمطلوبه وإيصاله إلى بغيته (م ت) كلاهما في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من الستة غير هذين وهو عجيب فقد خرجه معهما أبو داود الحديث: 3114 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 3115 - (بادروا) أي أسرعوا (بصلاة المغرب) أي بفعلها (قبل طلوع النجم) أي ظهور النجوم للناظرين فإن المبادرة بها مندوبة لضيق وقتها ويبقى وقتها إلى مغيب الشفق على المفتى به عند الشافعية والحنابلة <تنبيه> فرق ابن القيم بين المبادرة والعجلة بأن المبادرة انتهاز الفرصة في وقتها فلا يتركها حتى إذا فاتت طلبها فهو لا يطلب الأمور في أدبارها ولا قبل وقتها بل إذا حضر وقتها بادر إليها ووثب عليها والعجلة طلب أخذ الشيء قبل وقته (حم قط عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه ابن لهيعة قال الذهبي: وشاهده لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم الحديث: 3115 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 3116 - (بادروا أولادكم بالكنى) جمع كنية أي بوضع كنية حسنة للولد من صغره (قبل أن تغلب عليهم الألقاب) أي قبل أن يكبروا فيضطر الناس إلى دعائهم بلقب يميز الواحد منهم زيادة تمييز على الاسم لكثرة الاشتراك في الأسماء وقد يكون ذلك اللقب غير مرضي كالأعمش ونحوه فإذا نشأ الولد وله كنية كان في دعائه بها غنية وهذا أمر إرشادي <تنبيه> قال ابن حجر: الكنية بضم فسكون من الكناية تقول كنيت عن الأمر بكذا إذا ذكرته بغير ما تستدل به عليه صريحا وقد اشتهرت الكنى للعرب حتى غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وقد يكون للواحد أكثر من كنية واحدة وقد يشتهر باسمه وكنيته معا فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم بالتحريك وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم والكنية ما صدرت بأب أو أم وما عدا ذلك هو الاسم (قط في الأفراد عد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب وابن حبان في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال مخرجه ابن عدي بشر بن عبيد أحد رجاله منكر الحديث وقد كذبه الأزدي وأورده في الميزان في ترجمته وقال: إنه غير صحيح وقال ابن حجر في الألقاب: سنده ضعيف والصحيح عن ابن عمر من قوله اه وأورده ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بأن الشيرازي في الألقاب رواه من طريق آخر فيه إسماعيل بن أبان وهو متروك وجعفر الأحمر ثقة ينفرد الحديث: 3116 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 3117 - (بادروا بالأعمال فتنا) جمع فتنة وهي الاختبار ويطلق على المصائب وعلى ما به الاختبار (كقطع الليل المظلم) جمع قطعة وهي طائفة منه يعني وقوع فتن مظلمة سوداء والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذره أو تعسره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرة والمتراكمة كتراكم ظلام الليل ثم وصف نوعا من شدائد الفتن بقوله (يصبح الرجل) فيها (مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا) هذه رواية الترمذي ورواية مسلم بأو على الشك وهذا لعظم الفتن يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذه الإنقلابات (يبيع أحدهم دينه بعرض) بفتح الراء (من الدنيا قليل) أي بقليل من حطامها قال في الكشاف: العرض ما عرض لك من منافع الدنيا قال في المطامح: هذا وما أشبهه من أحاديث الفتن من جملة معجزاته الاستقبالية التي أخبر أنها ستكون بعده وكانت وستكون وقد أفردها [ص: 194] جمع بالتأليف (حم م) في الإيمان (ت) في الفتن (عن أبي هريرة) لكن قليل لم أره في النسخة التي وقفت عليها من مسلم الحديث: 3117 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 3118 - (بادروا بالأعمال هرما) أي كبرا وعجزا (ناغصا) بغين معجمة وصاد مهملة أي مكدرا (وموتا خالسا) أي يخلسكم بسرعة على غفلة كأنه يختطف الحياة عند هجومه (ومرضا حابسا) أي معوقا مانعا (وتسويفا مؤيسا) قال في الفردوس: هو قول الرجل سوف أفعل سوف أعمل فلا يعمل إلى أن يأتيه أجله فييأس من ذلك قال الحكماء: والإمهال رائد الإهمال (هب عن أبي أمامة) ورواه الديلمي في الفردوس عن أنس الحديث: 3118 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 3119 - (بادروا بالأعمال ستة) أي أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وتأنيث الست لأنها حطط ودواه ذكره الزمخشري وقال القاضي: أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال أو سد عليهم باب التوبة وقبول العمل (طلوع الشمس من مغربها) فإنها إذا طلعت منه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل (والدخان) أي ظهوره (ودابة الأرض والدجال) أي خروجهما سمي به لأنه خداع ملبس ويغطي الأرض بأتباعه من الدجل وهو الخلط والتغطية ومنه دجلة نهر بغداد منها غطت الأرض بمائها (وخويصة أحدكم) تصغير خاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان وصغرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم من بعث وحساب وغيرهما وقيل هي ما يخص الإنسان من الشواغل المقلقة من نفسه وماله وما يهتم به (وأمر العامة) القيامة لأنها تعم الخلائق أو الفتنة التي تعمي وتصم أو الأمر الذي يستبد به العوام وتكون من قبلهم دون الخواص (حم م عن أبي هريرة) وما ذكره المؤلف من أن سياق حديث مسلم هكذا غير صحيح فإنه عقد لذلك بابا وروى فيه حديثين عن أبي هريرة لفظ الأول بادروا بالأعمال ستة طلوع الشمس من مغربها أو الدجال أو الدخان أو الدابة أو خاصة أحدكم وأمر العامة ولفظ الثاني بادروا بالأعمال ستا الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم اه الحديث: 3119 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 3120 - (بادروا بالأعمال ستا) من أشراط الساعة قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: (إمارة السفهاء) بكسر الهمزة أي ولايتهم على الرقاب لما يحدث منهم من العنف والطيش والخفة جمع سفيه وهو ناقص العقل والسفه كما في المصباح وغيره نقص العقل (وكثرة الشرط) بضم فسكون أو فتح أعوان الولاة والمراد كثرتهم بأبواب الأمراء والولاة وبكثرتهم يكثر الظلم والواحد منهم شرطي كتركي أو شرطي كجهني سمي به لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها والشرط العلامة (وبيع الحكم) بأخذ الرشوة عليه فالمراد به هنا معناه اللغوي وهو مقابلة شيء بشيء (واستخفافا بالدم) أي بحقه بأن لا يقتص من القاتل (وقطيعة الرحم) أي القرابة بإيذائه أو عدم إحسان أو هجر وإبعاد (ونشئا يتخذون القرآن) أي قراءته (مزامير) جمع مزمار وهو بكسر الميم آلة الزمر يتغنون به ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة وقد كثر ذلك في هذا الزمان وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها (يقدمون) يعني الناس الذين [ص: 195] هم أهل ذلك الزمان (أحدهم ليغنيهم) بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها ويزيدون وينقصون لأجل موافاة الألحان وتوفر النغمات (وإن كان) أي المقدم (أقلهم فقها) إذ ليس غرضهم إلا الالتذاذ والإسماع بتلك الألحان والأوضاع. قال العارف ابن عطاء الله: أمره بالمبادرة بالعمل في هذه الأخبار يقتضي أنها من الهمم إلى معاملة الله والحث على المبادرة إلى طاعته ومسابقة العوارض والقواطع قبل ورودها (طب) من حديث عليم (عن عابس) بموحدة مكسورة ثم مهملة ابن عبس (الغفاري) بكسر المعجمة وخفة الفاء نزيل الكوفة قال عليم: كنا جلوسا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليم: لا أعلمه إلا عابس أو عبس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون فقال: يا طاعون خذني ثلاثا فقلت: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب فقال: سمعته يقول: بادروا إلخ قال الهيثمي: فيه عثمان بن عمير وهو ضعيف الحديث: 3120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 3121 - (بادروا بالأعمال سبعا) أي سابقوا وقوع الفتن بالإشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها (ما) في رواية هل (ينتظرون) بمثناة تحتية بخطه (إلا فقرا منسيا) بفتح أوله أي نسيتموه ثم يأتيكم فجأة (أو غنى مطغيا) أي {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (أو مرضا مفسدا) للمزاج مشغلا للحواس (أو هرما مفندا) (1) أي موقعا في الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان (أو موتا مجهزا) بجيم وزاي آخره أي سريعا يعني فجأة ما لم يكن بسبب مرض كقتل وهدم بحيث لا يقدر على التوبة من أجهزت على الجريح أسرعت قتله (أو الدجال) أي خروجه (فإن شر منتظر) بل هو أعظم الشرور المنتظرة كما في خبر سيجيء (أو الساعة والساعة أدهى وأمر) قال العلائي: مقصود هذه الأخبار الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول الآجال واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات وقد كان صلى الله عليه وسلم من المحافظة على ذلك بالمحل الأسمى والحظ الأوفى قام في رضا الله حتى تورمت قدماه (ت ك) في الفتن وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عن أبي هريرة) قال المنذري: رواه الترمذي من رواية محرر ويقال محرز بالزاي وهو واه عن الأعرج عنه   (1) قال العلقمي: الفند في الأصل الكذب وأفند تكلم بالفند ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة وأفنده الكبر إذا أوقعه في الفند الحديث: 3121 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 3122 - (باكروا بالصدقة) سارعوا بها والإبكار الإسراع إلى الشيء لأول وقته (فإن البلاء لا يتخطى الصدقة) تعليل للأمر بالتبكير وهو تمثيل جعلت الصدقة والبلاء كفرسي رهان فأيهما سبق لم يلحقه الآخر ولم يتخطه والتخطي تفعل من الخطو وفي خبر مرفوع عند الطبراني أن نفرا مروا على عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فقال: يموت أحد هؤلاء اليوم فرجعوا ومعهم حزم حطب فحل حزمة فإذا حية سوداء فقال لصاحبها: ماذا عملت اليوم قال: ما عملت شيئا إلا أنه كان معي فلقة خبز فسألني فقير فأعطيته فقال: دفع بها عنك (طس عن علي) أمير المؤمنين (هب عن أنس) قال الهيثمي: فيه عيسى بن عبد الله بن محمد وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 3122 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 3123 - (باكروا في طلب الرزق) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ المصححة بادروا طلب الرزق (والحوائج [ص: 196] فإن الغدو بركة ونجاح) أي هو مظنة الظفر بقضاء الحوائج ومن ثم قالوا المباكرة مباركة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار فيندب التبكير للسعي في المعاش وقضاء القضايا قال ابن الكمال: ولهذا ندبوا الإبكار لطلب العلم وقيل: إنما ينال العلم ببكور الغراب قيل لبزرجمهر: بم أدركت العلم قال: ببكور كبكور الغراب وتملق كتملق الكلب وتضرع كتضرع السنور وحرص كحرص الخنزير وصبر كصبر الحمار (طس عد) وكذا البزار (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن قيس بن سعد وهو ضعيف الحديث: 3123 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 3124 - (بحسب المرء) بسكون السين أي يكفيه في الخروج عن عهدة الواجب والباء زائدة (إذا رأى منكرا) يعني علم به والحال أنه (لا يستطيع له تغييرا) بيده ولا بلسانه (أن يعلم الله تعالى) من نيته (أنه له منكر) بقلبه لأن ذلك مقدوره فيكرهه بقلبه ويعزم أنه لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله (تخ طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه الربيع ابن سهل وهو ضعيف الحديث: 3124 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 3125 - (بحسب امرئ من الإيمان) أي يكفيه منه من جهة القول (رضيت بالله ربا) أي وحده لا شريك له (وبمحمد رسولا) أي مبلغا (وبالإسلام دينا) أتدين بأحكامه دون غيره من الأديان فإذا قال ذلك بلسانه أجريت عليه أحكام الإيمان من عصمة الدم والمال وغير ذلك من الأحكام الدنيوية فإن اقترن بذلك التصديق القلبي صار مؤمنا إيمانا حقيقيا موجبا لدخول الجنة وظاهر الحديث أنه لا يشترط الاتيان بلفظ الشهادتين بل يكفي ما ذكر لتضمنه معناه واشترط الاتيان بلفظهما جمع لأدلة أخرى ومحل تفصيله كتب الفروع (طس عن ابن عباس) قال الطبراني: تفرد به محمد بن عمير عن هشام انتهى ورواه عنه الديلمي أيضا بإسقاط الباء أوله الحديث: 3125 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 3126 - (بحسب امرئ من الشر) أي يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يشار إليه بالأصابع) أي يشير الناس بعضهم لبعض بأصابعهم (في دين أو دنيا) فإن ذلك شر وبلاء ومحنة (إلا من عصمه الله تعالى) لأنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة عظيمة فيشار إليه بها وفي دنيا لكونه أحدث منكرا من الكبائر غير متعارف بينهم بخلاف ما تقارب الناس فيه ككثرة صلاة أو صوم فليس محل إشارة ولا تعجب لمشاركة غيره له فأشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإشارة بالأصابع إلى أنه عبد هتك الله ستره فهو في الدنيا في عار وغدا في النار ومن ستره الله في هذه الدار لم يفضحه في دار القرار كما في عدة أخبار قال الغزالي: حب الرياسة والجاه من أمراض القلوب وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها يبتلى به العلماء والعباد فيشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات وحملوها على العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ولم تعتقد [ص: 197] باطلاع الخالق فأحبت مدح الخلق لهم وإكرامهم وتقديمهم في المحافل فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وهو يظن أن حياته بالله وبعبادته وإنما حياته الشهوة الخفية وقد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عنده من المقربين فإذن المحمود المحو والخمول إلا من شهره الله لينشر دينه من غير تكلف منه كالأنبياء والخلفاء الراشدين والعلماء المحققين والأولياء العارفين (هب عن أنس) وفيه يوسف بن يعقوب فقد قال النيسابوري: قال أبو علي الحافظ: ما رأيت بنيسابور من يكذب غيره وإن كان القاضي باليمن فمجهول وابن لهيعة وسبق ضعفه (د عن أبي هريرة) رواه عنه من طريقين وضعفه وذلك لأن في أحدهما كلثوم بن محمد بن أبي سدرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: تكلموا فيه وعطاء بن مسلم الخراساني فيهم أيضا وقال ضعفه بعضهم وفي الطريق الآخر عبد العزيز بن حصين ضعفه يحيى والناس ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن أبي هريرة وقال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن حصين وهو ضعيف اه الحديث: 3126 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 3127 - (بحسب امرئ يدعو) أي يكفيه إذا أراد أن يدعو (أن يقول اللهم اغفر لي وارحمني وأدخلني الجنة) فإنه في الحقيقة لم يترك شيئا يهتم به إلا وقد دعى به ومن رحمة الله فهو من سعداء الدارين (طب عن السائب بن يزيد) بن سعد المعروف بابن أخت عز قيل وهو ليثي كناني وقيل كندي قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وفيه ضعف الحديث: 3127 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 3128 - (بحسب أصحابي القتل) أي يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل فإنه كفارة لجرمه وتمحيص لذنوبه وأما المصيب فهو شهيد ذكره ابن جرير حيث قال: يعني يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل إن قتل فيها عن العقاب في الآخرة على قتاله من قاتل من أهل الحق إن كان القتال المخطئ عن اجتهاد وتأويل أما من قاتل مع علمه بخطئه فقتل مصرا فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه ولا يناقضه خبر من فعل معصية فأقيم عليه الحد فهو كفارة لأن قتال أهل الحق له كفارة عن قتاله لهم وأما إصراره على معصية ربه في مدافعته أهل الحق عن حقهم وإقامته على العزم للعود لمثله فأمره إلى الله فقتله على قتاله هو الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه عقوبة ذنبه إلى هنا كلامه (حم طب عن سعيد بن زيد) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيكون فتن يكون فيها ويكون فقلنا: إن أدركنا ذلك هلكنا فذكره قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات الحديث: 3128 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 3129 - (بخ بخ (1)) كلمة تقال للمدح والرضا وتكرر للمبالغة فإن وصلت جرت ونونت وربما شددت (لخمس) من الكلمات (ما أثقلهن) أي أرجحهن (في الميزان) التي توزن بها أعمال العباد يوم التناد (لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر) يعني أن ثوابهن يجسد ثم يوزن فيرجح على سائر الأعمال وكذا يقال في قوله (والولد الصالح) أي المسلم (يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه) عند الله تعالى قال الديلمي: الاحتساب أن يحتسب الرجل الأجر بصبره على ما أصابه من المصيبة (البزار) في مسنده (عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: حسن يعني البزار [ص: 198] إسناده إلا أن شيخه العباس ابن عبد العزيز البالساني لم أعرفه (ن حب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي سلمى) راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حمصي له صحبة وحديث في أهل الشام ورواه عنه أيضا ابن عساكر وقال: يعرف بكنيته ولم يقف على اسمه وقال غيره اسمه حريث (حم عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا الطبراني من حديث سفينة قال المنذري: ورجاله رجال الصحيح   (1) بفتح الموحدة وكسر المعجمة منون فيها صيغة تعظيم ويقال في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة وبخ منونة وبخ منونة مضمومة وتكرر بخ بخ للمبالغة الأول منون والثاني مسكن ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين وبخ بخ مشددين كلمة تقال للمدح والرضى الحديث: 3129 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 3130 - (بخل الناس بالسلام) أي بخلوا حتى بخلوا بالسلام الذي لا كلفة فيه ولا بذل مال ومن بخل به فهو بغيره من سائر الأشياء بخل وفيه حث على بذل السلام وإفشائه والإمساك عنه من أخبث الأفعال الرديئة والخصال المؤدية إلى الضرر والأذية (حل عن أنس) الحديث: 3130 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 3131 - (براءة من الكبر لبوس) لفظ رواية البيهقي لباس (الصوف) بقصد صالح لا إظهار للتزهد وإيهاما لمزيد التعبد (ومجالسة فقراء المؤمنين) بقصد إيناسهم والتواضع معهم (وركوب الحمار) أي أو نحوه كبرذون حقير (واعتقال العنز) أو قال البعير هكذا وقعت في رواية مخرجه البيهقي على الشك يعني اعتقاله ليحلب لبنه والمراد أن فعل هذه الأشياء بنية صالحة تبعد صاحبها عن التكبر (حل هب) من حديث محمد بن عيسى الأديب عن عثمان بن مرداس عن محمد بن بكير عن القاسم بن عبد الله العمري عن زيد عن عطاء (عن أبي هريرة) قال أبو نعيم: ورواه وكيع عن خارجة ابن زيد مرسلا وقال البيهقي: رواه القاسم من هذا الوجه وروى أيضا عن أخيه عاصم عن زيد كذلك مرفوعا وقيل عن زيد عن جابر مرفوعا اه ورواه الديلمي عن السائب بن يزيد والقاسم بن عبد الله العمري هذا أورده الذهبي في المتروكين وقال الزين العراقي في شرح الترمذي فيه القاسم العمري ضعيف وجزم المنذري بضعف الحديث ولم يبينه الحديث: 3131 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 3132 - (بريء من الشح) الذي هو أشد البخل (من أدى الزكاة) الواجبة إلى مستحقيها (وقرى الضيف) إذا نزل به (وأعطى في النائبة) أي أعان الإنسان على ما ينوبه أي ينزل به من المهمات والحوادث (هناد) في الزهد (ع) في مسنده (طب) كلهم من طريق مجمع بن يحيى بن زيد بن حارثة (عن) عمه (خالد بن زيد بن حارثة) ويقال ابن زيد بن حارثة الأنصاري قال في الإصابة: إسناده حسن لكن ذكره يعني خالد بن زيد البخاري وابن حبان في التابعين الحديث: 3132 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 3133 - (برئت الذمة) أي ذمة أهل الإسلام (ممن) أي من مسلم (أقام مع المشركين) يعني الكفار وخص المشركين لغلبتهم حينئذ (في ديارهم) فلم يهاجر منها مع تمكنه من الهجرة وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره قيل: لم يا رسول الله قال: لا تتراءى نارهما وكانت الهجرة في صدر الإسلام واجبة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أما بعد الفتح فلا هجرة كما نطق به الحديث الآتي (طب عن جرير) بن عبد الله البجلي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يوجد مخرجا لأحد من الستة لكن رأيته في الفردوس رمز للترمذي وأبي داود فلينظر الحديث: 3133 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 [ص: 199] 3134 - (بردوا طعامكم) أي أمهلوا بأكله حتى يبرد قليلا فإنكم إن فعلتم ذلك (يبارك لكم فيه) وأما الحار فلا بركة فيه كما في عدة أخبار ويظهر أن المراد بتبريده أن يصير باردا تقبله البشرة ويتهنئ به الآكل بأن يكون فاترا لا باردا بالكلية فإن أكثر الطباع تأباه فالمراد بالبرد أول مراتبه (عد عن عائشة) ولم يقف الديلمي على سنده فبيض له الحديث: 3134 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 3135 - (بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام) أي إطعام الطعام للمسافرين ومخاطبتهم باللين والتلطف وترك الشح والتعسف فإن ذلك من مكارم الأخلاق المأمور بها في جميع الملل (ك عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3135 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 3136 - (بر الوالدين) بالكسر الاحسان إليهما قولا وفعلا قال الحرالي: البر الاتساع في كل خلق جميل (يجزئ عن الجهاد) في سبيل الله تعالى أي ينوب عنه ويقوم مقامه يقال جزا بغيره يجزي أي ينوب ويقضي وهذا في حق بعض الأفراد فكأنه ورد جوابا لسائل اقتضى حاله ذلك وإلا فالجهاد مرتبة عظيمة في الدين كما سلف وقد ثبت في الشريعة في حرمة الوالدين ووجوب برهما والقيام بحقهما ولزوم مرضاتهما ما صيره في حيز التواتر وسئل المحابسي عن برهما أيجب فقال: ما يزيد أمرهما على أمر الله ومنه واجب ومندوب فإذا تقابل أمرهما وأمر الله فأمر الله أوجب وقال العلائي: ذكر جمع أن ضابط برهما يعبر بضابط جامع مانع. <تنبيه> قال الإمام الرازي: أجمع أكثر العلماء على أنه يجب تعظيم الوالدين والإحسان إليهما إحسانا غير مقيد بكونهما مؤمنين لقوله تعالى {وبالوالدين إحسانا} وقد ثبت في الأصول أن الحكم المترتب على الوصف مشعر بعلية الوصف فدلت الآية على أن الأمر بتعظيم الوالدين بمحض كونهما والدين وذلك يقتضي العموم (ش عن الحسن مرسلا) هذا تصريح من المصنف بأن مراده الحسن البصري وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الحسن بن علي فلا يكون مرسلا الحديث: 3136 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 3137 - (بر الوالدين يزيد في العمر) أي في عمر البار كما نطقت به الكتب السماوية ففي السفر الثاني من التوراة أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيكها الرب إلهك (والكذب) أي الذي لغير مصلحة مهمة (ينقص الرزق) أي يضيق المعيشة لأن الكذب خيانة والخيانة تجلب الفقر كما مر في غيرما حديث (والدعاء) بشروطه وأركانه (يرد القضاء) الإلهي أي غير المبرم في الأزل فإنه لا بد من وقوعه كما بينه بقوله (ولله عز وجل في خلقه قضاءان قضاء نافذ وقضاء محدث) مكتوب في صحف الملائكة أو في اللوح المحفوظ فهذا هو الذي يمكن تغييره وأما الأزلي الذي في علم الله فلا تغيير فيه البتة (وللأنبياء) أي والمرسلين (على العلماء) أي العلماء بعلم طريق الآخرة العاملون بما علموا (فضل درجتين) أي زيادة درجتين أي هم أعلا منهم بمنزلتين عظيمتين في الآخرة (وللعلماء) الموصوفين بما ذكر (على الشهداء) في سبيل الله بقصد إعلاء كلمة الله (فضل درجة) يعني هم أعلى منهم بدرجة فأعظم بدرجة هي تلي النبوة وفوق الشهادة وذلك يحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع في تحصيل العلوم النافعة بشرط الإخلاص والعمل <تنبيه> قال الماوردي: البر نوعان صلة ومعروف فالصلة التبرع ببذل المال في جهات محمودة لغير غرض مطلوب وهذا يبعث على سماحة النفس [ص: 200] وسخائها ويمنع منه شحها وإبائها {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والثاني نوعان قول وعمل فالقول طيب الكلام وحسن البشر والتودد بحسن قول ويبعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع لكن لا يسرف فيه فيصير ملقا مذموما (أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في) كتاب (التوبيخ عد) كلاهما (عن أبي هريرة) وضعفه المنذري الحديث: 3137 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 3138 - (بروا آباءكم) أي وأمهاتكم وكأنه اكتفى به عنه من قبيل {سرابيل تقيكم الحر} وأراد بالآباء ما يشمل الأمهات تغليبا كالأبوين فإنكم إن فعلتم ذلك (يبركم أبناؤكم) وكما تدين تدان (وعفوا) عن نساء الناس فلا تتعرضوا لمزاناتهم فإنكم إن التزمتم ذلك (تعف نساؤكم) أي حلائلكم عن الرجال الأجانب لما ذكر قال الراغب: دخلت امرأة يزيد ابن معاوية وهو يغتسل فقالت: ما هذا قال: جلدت عميرة ثم دخل وهي تغتسل فقال: ما هذا قالت: جلدني زوج عميرة (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: إسناده حسن وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أحمد غير منسوب والظاهر أنه من المتكثرين من شيوخه فلذلك لم ينسبه اه وبالغ ابن الجوزي فجعله موضوعا الحديث: 3138 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 3139 - (بروا آباءكم) يعني أصولكم وإن علوا (تبركم أبناؤكم وعفوا عن النساء تعف نساؤكم) عن الرجال (ومن تنصل إليه) أي انتفى من ذنبه واعتذر إليه (فلم يقبل) اعتذاره (فلم يرد على الحوض) الكوثر يوم القيامة قال عبد الحق: في هذا الحديث ونحوه دلالة على وجوب الإيمان بالحوض وقد أنكره بعض الزائغين ومن أنكره لم يرده (طب) عن أحمد بن داود المكي عن علي بن قتيبة الرفاعي عن مالك عن أبي الزبير عن جابر (ك) من طريق إبراهيم بن الحسين ابن ديديل عن علي بن قتيبة عن مالك عن أبي الزبير (عن جابر) قال ابن الجوزي: موضوع علي بن قتيبة يروي عن الثقات البواطيل اه وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا اه وأورده في الميزان في ترجمة علي بن قتيبة الرفاعي وقال: قال ابن عدي: له أحاديث باطلة عن مالك ثم أورده في هذا الخبر الحديث: 3139 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 3140 - (بركة الطعام) أي نموه وزيادة نفعه في البدن (الوضوء قبله) أي تنطيف اليد بغسلها (والوضوء بعده) كذلك قال الطيبي: معنى بركته قبله نموه وزيادة نفعه وبعده دفع ضرر الغمر الذي علق بيده وعيافته وقال الزين العراقي: أراد نفع البدن به وكونه يمري فيه لما فيه من النظافة فإن الأكل معها بنهمة وشهوة بخلافه مع عدمها فربما يقذر الطعام فلا ينفعه بل يضره قال الراغب: وأصل البرك صدر البعير وبرك البعير ألقى بركه واعتبر منه معنى اللزوم وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء به والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء سمي به لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير قال تعالى: {ذكر مبارك} تنبيها على ما يفيض من الخيرات الإلهية ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة خير زيادة غير محسوسة مبارك وفيه بركة اه وهذا لا يناقضه خبر الترمذي أنه قرب إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بوضوء فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة لأن المراد بذلك الوضوء الشرعي وذا الوضوء اللغوي وفيه رد على من زعم كراهة غسل اليد قبل الطعام وبعده وما تمسك به من أنه من فعل الأعاجم لا يصلح حجة ولا يدل على اعتباره دليل (حم د ت ك) كلهم في الأطعمة (عن سلمان) قال: قرأت في التوراة بركة الطعام الوضوء قبله فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه خرجوه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل صرح بضعفه أبو داود وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث قيس [ص: 201] ابن الربيع وهو مضعف وقال الحاكم: تفرد به قيس قال الذهبي: هو مع ضعف قيس فيه إرسال اه. ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث لكن قال المنذري: قيس وإن كان فيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد عن حد الحسن الحديث: 3140 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 3141 - (بشرى الدنيا) كذا بخط المصنف أي بشرى المؤمن في الدنيا (الرؤيا الصالحة) يراها في منامه أو ترى له فيه والبشارة الخبر الصدق السار وأما {فبشرهم بعذاب أليم} فاستعارة تهكمية. <تنبيه> قال بعضهم: الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي فيطلع الله النائم على ما جهله من معرفة الله والكون في يقظته ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أصبح سأل هل رأى أحد منكم رؤيا هذه الليلة؟ وذلك لأنها آثار نبوة في الجملة فكان يحب أن يشهدها في أمته قال: والناس في غاية من الجهل بهذه المرتبة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعتني بها ويسأل عنها كل يوم وأكثرهم يهزأ بالرائي إذا رآه يعتمد الرؤيا (طب عن أبي الدرداء) الحديث: 3141 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 3142 - (بشر من شهد بدرا) أي حضر وقعة بدر للقتال مع أهل الإسلام (بالجنة) أي بدخولها مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يشهد شيئا من المشاهد (قط في الأفراد عن أبي بكر) الصديق الحديث: 3142 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 3143 - (بشر هذه الأمة) أمة الإجابة (بالسناء) بالمد ارتفاع المنزلة والقدر (والدين) أي التمكن فيه (والرفعة) أي العلو في الدنيا والآخرة (والنصر) على الأعداء (والتمكين في الأرض) {ونمكن لهم في الأرض ونجعلهم أئمة} (فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا) أي قصد بعمله الأخروي استجلاب الدنيا وجعله وسيلة إلى تحصيلها (لم يكن له في الآخرة من نصيب) لأنه لم يعمل لها (حم) عن أبي قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن أبي) ابن كعب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في موضع ورده في آخر بأن فيه من الضعفاء محمد بن أشرس وغيره الحديث: 3143 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 3144 - (بشر) خطاب عام لم يرد به معين (المشائين) بالهمز والمد أي من تكرر منه المشي إلى إقامة الجماعة (في الظلم) بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلمة بسكونها ظلمة الليل (إلى المساجد) القريبة أو البعيدة (بالنور التام) أي من جميع جوانبهم فإنهم يختلفون في النور بقدر عملهم (يوم القيامة) أي على الصراط والمراد المنابر التي من نور لما قاسوا مشقة ملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنور يضيء لهم يوم القيامة وهو النور المضمون لكل مشاء إلى الجماعة في الظلم وإن كان منهم من يمشي في ضوء مصباحه لأنه ماش في ظلمة الليل متكلف زيادة مؤونة الزيت أو الشمع فله ثواب ذلك مع نور مشيه كالحاج إذا زادت مؤونته لبعد المشقة فله ثوابها مع ثواب الحج وقيل إنما قيد النور بالتمام لأن أصل النور يعطى لكل من تلفظ بالشهادتين من مؤمن أو منافق لظاهر حرمة الكلمة ثم يقطع نور المنافقين فيقولون {ربنا أتمم لنا نورنا} وقال الطيبي: تقييده بيوم القيامة تلميح إلى قصة المؤمنين وقولهم فيه {ربنا أتمم لنا نورنا} ففيه إيذان أن من انتهز هذه الفرصة وهي المشي إليها في الظلم في الدنيا كان مع النبيين والصديقين في الأخرى {وحسن أولئك رفيقا} (د ت) كلاهما في الصلاة (عن بريدة) بن الخصيب قال الترمذي: غريب قال المنذري: ورجاله ثقات اه. (هـ ك عن أنس) وسكت عليه وسنده عن داود بن سليمان عن أبيه عن ثابت البناني به وقال ابن طاهر: لم يتابع داود عليه وهو عن ثابت غير ثابت وسليمان هذا هو ابن مسلم مؤذن مسجد [ص: 202] قال في الميزان: عن العقيلي لا يتابع على حديثه ثم ساق له هذا الخبر وقال: لا يعرف إلا به زاد في اللسان عنه وفي هذا المتن أحاديث متقاربة في الضعف واللين. (د عن سهل بن سعد) الساعدي وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه اه. وقال ابن الجوزي: حديث لا يثبت اه. وعده المصنف في الأحاديث المتواترة الحديث: 3144 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 3145 - (بطحان) بضم الموحدة وسكون المهملة واد بالمدينة لا ينصرف قال عياض: هذه رواية المحدثين وأهل اللغة بفتح الموحدة وكسر الطاء (على بركة من برك الجنة) وفي رواية على ترعة من ترع الجنة قال الديلمي: الترعة الروضة على المكان المرتفع خاصة وقيل هي الدرجة (البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه راو لم يسم الحديث: 3145 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 3146 - (بعثت) أي أرسلت (أنا والساعة) بالنصب مفعول معه والرفع عطف على ضمير بعثت وقول أبي البقاء الرفع يفسد المعنى إذ لا يقال بعثت الساعة اعترضوه (كهاتين) الأصبعين السبابة والوسطى وقال عياض: هو تمثيل لاتصال زمنه بزمنها وأنه ليس بينهما شيء كما أنه ليس بينهما أصبع أخرى ويحتمل أنه تمثيل لقرب ما بينهما من المدة كقرب السبابة والوسطى قال الأبي: وهل يعني بما بينهما في الطول أو العرض؟ والأرجح الأول وقال غيره: إن دينه متصل بقيام الساعة لا يفصله عنه دين آخر كما لا فصل بين السبابة والوسطى وقال القاضي: معناه أن نسبة تقدم بعثته على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الأصبعين على الأخرى وفيه إشهار بأنه لا نبي بينه وبينها كما لا يتخلل أصبع بين هاتين الأصبعين ومحصوله أنه كناية عن قربها وبه جاء التنزيل {اقتربت الساعة} . <تنبيه> قال القرطبي: لا منافاة بين هذا وبين قوله ما المسؤول عنها بأعلم من السائل لأن مراده هنا أنه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع ولا يلزم منه علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة وقال الكرماني: لا معارضة بين هذا وبين خبر إن الله عنده علم الساعة لأن علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها عينا (حم ق ت عن أنس) بن مالك (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي وفي الباب عن جابر وبريدة وغيرهما قال المصنف: وهذا متواتر الحديث: 3146 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 3147 - (بعثت إلى الناس كافة) قال الإمام: يختص بالمكلف واعترض بأن البعثة لشخص لا يقتضي تكليفه بل يكفي جري أحكام الإسلام عليه كتوارث ونحوه وقيل تقتضي البعثة إلى الناس أن كل من سمعه منهم يجب عليه إذا عقل وبلغ اتباعه فشمل الطفل وغيره (فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب) كافة (فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش) الذين هم قومي (فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم) الذين هم آلي (فإن لم يستجيبوا لي فإلي وحدي) أي فلا أكلف حينئذ إلا نفسي ولا يضرني مخالفة من أبى واستكبر {لا تكلف إلا نفسك} وهذا مسوق لبيان عموم رسالته وأنها ثابتة كيفما كان وعلى أي حال فرض يعني بعثت إلى الناس كافة وأمرت أن أدعوهم إلى دين الإسلام سواء استجابوا لي أو لا وفيه أنه مرسل إلى نفسه وعليه أهل الأصول (ابن سعد) في الطبقات (عن خالد بن معدان مرسلا) الحديث: 3147 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 3148 - (بعثت من خير قرون بني آدم) أي من خير طبقاتهم كائنين (قرنا فقرنا) طبقة بعد طبقة (حتى كنت من القرن [ص: 203] الذي كنت فيه) إذ القرن أهل كل زمان من الاقتران لأنهم يقترنون في أعمارهم وأحوالهم في زمن واحد وحتى غائبة لبعثت وأراد به تقلبه في الأصلاب أبا فأبا حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه فالفاء للترتيب في الفضل على الترقي تقربا من أبعد آبائه إلى أقربهم فأقربهم كما في: خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل (ع) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة) ولم يخرجه الحديث: 3148 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 3149 - (بعثت بجوامع الكلم) أي القرآن سمي به لإيجازه واحتواء لفظه اليسير على المعنى الغزير واشتماله على ما في الكتب السماوية وجمعه لما فيها من العلوم السنية: وعلى تفنن واصفيه بحسنه. . . يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف (ونصرت بالرعب) أي الفزع يلقى في قلوب الأعداء قال ابن حجر: ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو ما ينشأ عنه من الظفر بالعدو (وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) قال الزمخشري وغيره: أراد ما فتح على أمته من خزائن كسرى وقيصر لأن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير والغالب على نقود قيصر الدراهم أقول وهذا يرجح الحديث الوارد في صدر الكتاب أتيت بمقاليد الدنيا إلخ أنه كان مناما (فوضعت) بالبناء للمجهول أي المفاتيح (في يدي) بالإفراد وفي رواية بالتثنية أي وضعت حقيقة أو مجازا باعتبار الاستيلاء عليها (ق ن عن أبي هريرة) قال أبو هريرة: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتشلونها أي تستخرجونها الحديث: 3149 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 3150 - (بعثت بالحنيفية السمحة) أي الشريعة المائلة عن كل دين باطل قال ابن القيم: جمع بين كونها حنيفية وكونها سمحة فهي حنيفة في التوحيد سمحة في العمل وضد الأمرين الشرك وتحريم الحلال وهما قربتان وهما اللذان عابهما الله في كتابه على المشركين في سورة الأنعام والأعراف (ومن خالف سنتي) أي طريقتي بأن شدد وعقد وتبتل وترهب (فليس مني) أي ليس من المتبعين لي العاملين بما بعثت به الممتثلين لما أمرت به من الرفق واللين والقيام بالحق والمساهلة مع الخلق قال الحرالي: إنما بعث بالحنيفية السمحة البيضاء النقية واليسر الذي لا حرج فيه {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} اه واستنبط منه الشافعية قاعدة إن المشقة تجلب التيسير (خط عن جابر) بن عبد الله وفيه علي بن عمر الحربي أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق ضعفه البرقاني ومسلم بن عبد ربه ضعفه الأزدي ومن ثم أطلق الحافظ العراقي ضعف سنده وقال العلائي: مسلم ضعفه الأزدي ولم أجد أحدا وثقه لكن له طرق ثلاث ليس يبعد أن لا ينزل بسببها عن درجة الحسن الحديث: 3150 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 3151 - (بعثت بمداراة الناس) أي خفض الجناح ولين الكلمة لهم وترك الأغلاط عليهم فإن ذلك من أقوى أسباب الألفة واجتماع الكلمة وانتظام الأمر وهي غير المداهنة كما سبق ويجيء (طب عن جابر) قال: لما نزلت سورة براءة قال ذلك وفيه عبد الله بن لؤلؤة عن عمير بن واصل قال في لسان الميزان يروي عنه الموضوع وعمر بن واصل اتهمه الخطيب بالوضع وفيه أيضا مالك بن دينار الزاهد أورده الذهبي في الضعفاء ووثقه بعضهم الحديث: 3151 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 3152 - (بعثت بين يدي الساعة) مستعار مما بين يدي جهة الإنسان تلويحا بقربها والساعة هنا القيامة وأصلها قطعة من [ص: 204] الزمان (بالسيف) خص نفسه به وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضا لأنه لا يبلغ مبلغه فيه أقول ويحتمل أنه إنما خص نفسه به لأنه موصوف بذلك في الكتب فأراد أن يقرع أهل الكتابين ويذكرهم بما عندهم أخرج أبو نعيم عن كعب خرج قوم عمارا وفيهم عبد المطلب ورجل من يهود فنظر إلى عبد المطلب فقال: إنا نجد في كتبنا التي لم تبدل أنه يخرج من ضئضئى هذا من يقتلنا وقومه قتل عاد (حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له) أي ويشهد أني رسوله وإنما سكت عنه لأنهم كانوا عبدة أوثان فقصر الكلام على الأهم في المقام (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) قال الديلمي: يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي قال العامري: يعني أن معظم رزقه كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر وقد نصر بالرعب فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله ولأنه جعل السنان للجهاد وهو أكبر الطاعات فجعل له الرزق في ظله أي ضمنه وإن كان لم يقصده كذا ذكره ابن أبي جمرة ولا يخفى تكلفه (وجعل الذل) أي الهوان والخسران (والصغار) بالفتح أي الضيم (على من خالف أمري) فإن الله تعالى خلق خلقه قسمين علية وسفلة وجعل عليين مستقرا لعليه وأسفل سافلين مستقرا لسفله وجعل أهل طاعته وطاعة رسوله الأعلين في الدارين وأهل معصيته الأسفلين فيها والذلة والصغار لهؤلاء وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره فالعز لأهل طاعته ومتابعيه {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وعلى قدر متابعته تكون العزة والكفاية والفلاح (ومن تشبه بقوم فهو منهم) أي حكمه حكمهم وذلك لأن كل معصية من المعاصي ميراث أمة من الأمم التي أهلكها الله فاللوطية ميراث عن قوم لوط وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث قوم شعيب والعلو في الأرض ميراث قوم فرعون والتكبر والتجبر ميراث قوم هود فكل من لابس من هؤلاء شيئا فهو منهم وهكذا (حم ع طب) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن ثابت عن ثوبان وثقه ابن المديني وأبو حاتم وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات وذكره البخاري في الصحيح في الجهاد تعليقا وفي الباب أبو هريرة وغيره الحديث: 3152 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 3153 - (بعثت داعيا) بحذف مفعوله للتعميم وفاعله تعظيما وتفخيما أي بعثني الله داعيا لمن يريد هدايته (ومبلغا) ما أوحاه الله إلي إلى الخلق (وليس إلي من الهدى شيء) لأني عبد لا أعلم المطبوع على قلبه من غيره قال الزمخشري: وقد جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن لم يتبعه فقد ضيع نفسه ومثاله أن يفجر الله عينا غديقة فيسقي ناس زرعهم وماشيتهم بمائها فيفلحوا ويبقى ناس مفرطون عن السقي فيضيعوا فالعين المعجزة في نفسها نعمة من الله ورحمة للفريقين لكن الكسلان حرم نفسه ما ينفعها كذا قرره (وخلق) لفظ رواية العقيلي وجعل (إبليس مزينا) للدنيا والمعاصي ليضل بها من أراد الله إضلاله (وليس إليه من الضلالة شيء) فالرسل إنما هم مستجلبون لأمر جبلات الخلق فطرهم فيبشرون من فطر على خير وينذرون من جبل على شر والشيطان إنما ينشر حبائله لأمر جبلات الخلق كما تقرر فكلا الفريقين لا يستأنفون أمرا لم يكن بل يظهرون أمرا كان مغيبا وكذا حال كل إمام وعالم في زمنه ودجال وضلال في أوانه فإنما يميز كل منهما الخبيث من الطيب (عق) عن محمد بن زكريا البلخي عن عيسى بن أحمد البلخي عن إسحاق [ص: 205] ابن الفرات عن خالد بن عبد الرحمن بن الهيثم عن سماك عن طارق عن عمر ثم قال مخرجه العقيلي خالد ليس بمعروف بالنقل وحديثه غير محفوظ ولا يعرف له أصل (عن عمر) بن الخطاب ثم قال: أعني ابن عدي في قلبي من هذا الحديث شيء ولا أدري سمع خالد من سماك أم لا؟ ولا أشك أن خالدا هذا هو الخراساني فالحديث مرسل عن سماك انتهى. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المؤلف بأن خالدا روى له أبو داود ووثقه ابن معين قال: وحينئذ فليس في الحديث إلا الإرسال اه. وقال الذهبي: خالد بن عبد الرحمن قال الدارقطني: لا أعلمه روى غير هذا الحديث الباطل ثم ساق هذا بلفظه وسنده الحديث: 3153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 3154 - (بعثت مرحمة) للعالمين (وملحمة) يعني بالقتال قال في الفردوس: الملحمة المقتلة (ولم أبعث تاجرا) أي أحترف بالتجارة (ولا زارعا) وفي رواية ولا زراعا صيغة مبالغة (ألا) حرف تنبيه كما سبق (وإن شرار الأمة) أي من شرارهم (التجار والزارعون إلا من شح على دينه) أي أمسك عليه ولم يفرط في شيء من أحكامه بإهمال رعايته قيل أراد تجار الخمر وقيل أعم والمراد من ينفق سلعته بالأيمان الكاذبة أو لا يتوقى الربا ونحو ذلك وعلى نقيضه يحمل مدحه للتجارة في عدة أخبار (حل) عن عبد الله بن محمد عن صالح الوراق عن عمرو بن سعيد الحمال عن الحسين بن حفص عن سفيان عن أبي موسى السمالي عن وهب (عن ابن عباس) ورواه ابن عدي أيضا من طريق آخر فحكاه عنه ابن الجوزي ثم حكم بوضعه فتعقبه المؤلف بوروده من طريق أخرى وهو طريق أبي نعيم هذا وبأن الدارقطني خرجه في الأفراد من طريق ثالث فينجبر الحديث: 3154 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 3155 - (بغض بني هاشم والأنصار كفر) أي صريح أن بغض بني هاشم من حيث كونهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وبغض الأنصار من حيث كونهم ناصروه وظاهروه (وبغض العرب نفاق) أي لا يصدر بغضهم إلا عن نوع نفاق إما في الإعتقاد أو في العمل المنبعث عن هوى النفس ونصيب الشيطان فإنهم إنما شرفوا بالدين وخير الناس وأفضلهم في الدين كانوا من العرب وهم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد الناس وسيد كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وإذا كان هؤلاء خيار الناس وهم من العرب صار للعرب بهم الشرف أما أوائلهم فلأنهم كانوا سببا لنصرة هذا الدين وأما من بعدهم فلكونهم نسلهم فصح لهم الشرف ورجع الشرف إلى الدين (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم وأعاده في محل آخر بعينه وقال رجاله ثقات وقال شيخه الزين العراقي في القرب حديث حسن صحيح ورواه مسلم بمعناه الحديث: 3155 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 3156 - (بكاء المؤمن) ناشئ (من قلبه) أي من حزن قلبه (وبكاء المنافق من هامته) أي رأسه يرسله منها متى شاء فهو يملك إرساله دفعة كما سيجيء في خبر قال الصلاح الصفدي: رأيت من يبكي بإحدى عينيه ثم يقول لها قفي فتقف دمعها ويقول للأخرى ابك أنت فيجري دمعها ورأيت آخر له محبوب فإذا قال له ابكي بكى وإذا قال له وهو في وسط البكاء اضحك ضحك ورأيت من يبكي بإحدى عينيه والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر وإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه كذا في مختصر الفتح (عق طب حل عن حذيفة) وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي قال العقيلي والأزدي: منكر الحديث ثم ساق له العقيلي هذا قال في لسان [ص: 206] الميزان ويشبه أن يكون موضوعا اه. فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه غير صواب الحديث: 3156 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 3157 - (بكروا بالإفطار) أي تقدموا به وقدموه في الوقت وقت الفطر قال الديلمي: والتبكير التقدم في أول الوقت وإن لم يكن أول النهار (وأخروا السحور) أي أوقعوه آخر الليل ما لم يؤد إلى شك في طلوع الفجر فإنه أعظم للأجر (عد عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي في الفردوس أيضا الحديث: 3157 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 3158 - (بكروا في الصلاة في يوم الغيم) أي حافظوا عليها وقدموها فيه لئلا يخرج الوقت وأنتم لا تشعرون وإخراج الصلاة عن وقتها عظيم الجرم جدا لا سيما العصر كما يشير إليه قوله (فإنه) أي الشأن (من ترك صلاة العصر حبط عمله) أي بطل ثوابه وليس ذلك من إحباط ما سبق من عمله فإنه في حق من مات مرتدا بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه ذلك وحمله الدميري على المستحل أو من تعود الترك أو على حبوط الأجر (حم هـ حب عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي وظاهر صنيع المصنف أن ذا ليس في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول عجيب مع كونه كما قال الديلمي وغيره في البخاري عن بريدة باللفظ المزبور الحديث: 3158 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 3159 - (بلغوا عني) أي انقلوا عني ما أمكنكم ليتصل بالأمة نقل ما جئت به (ولو) أي ولو كان الإنسان إنما يبلغه مني أو عني (آية) واحدة من القرآن وخصها لأنها أقل ما يفيد في باب التبليغ ولم يقل ولو حديثا إما لشدة اهتمامه بنقل الآيات لأنها المعجزة الباقية من بين سائر المعجزات ولأن حاجة القرآن إلى الضبط والتبليغ أشد إذ لا مندوحة عن تواتر ألفاظه وإما للدلالة على تأكد الأمر بتبليغ الحديث فإن الآيات مع كثرة حملتها واشتهارها وتكفل حفظ الله لها عن التحريف واجبة التبليغ فكيف بالأحاديث فإنها قليلة الرواة قابلة للإخفاء والتغير؟ ذكره القاضي البيضاوي وقال الطيبي: بقوله بلغوا عني يحتمل أن يراد باتصال السند بنقل عدل ثقة عن مثله إلى منتهاه لأن التبليغ من البلوغ وهو انتهاء الشيء إلى غايته وأن يراد أداء اللفظ كما سمعه من غير تغيير والمطلوب بالحديث كلا الوجهين لوقوع قوله بلغوا عني مقابلا لقوله الآن حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج إذ ليس في التحديث ما في التبليغ من الحرج والضيق ويعضد هذا التأويل آية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} أي وإن لم تبلغ لما هو حقه فما بلغت ما أمرت به وحديث نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها الحديث وقوله ولو آية أي علامة تتميم ومبالغة أي ولو كان المبلغ فعلا أو إشارة بنحو يد أو أصبع فإنه يجب تبليغه حفظا للشريعة وفي صحيح ابن حبان فيه دليل على أن السنن يقال لها آي قال في التنقيح: وفيه نظر إذ لم ينحصر التبليغ عنه في السنن بل القرآن مما بلغ وفيه جواز تبليغ بعض الحديث قال الطيبي: ولا بأس به للعالم وإباحة الكتابة والتقييد لأن النسيان من طبع الإنسان ومن اعتمد على حفظه لا يؤمن عليه الغلط في التبليغ فترك التقييد يؤدي إلى سقوط أكثر الحديث وتعذر تبليغه ذكره في شرح السنة وفي الجليس للمعافى النهرواني الآية لغة تطلق على العلامة الفاصلة والأعجوبة الحاصلة والبلية النازلة فمن الأول قوله تعالى {أن لا تكلم الناس} ومن الثاني {إن في ذلك لآية} ومن الثالث جعل الأمير فلانا اليوم آية ويجمع بين هذه المعاني أنه قيل لها آية لدلالتها وفضلها وإبانتها وقال ولو آية أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما عنده من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به الشارع اه. (وحدثوا عن بني إسرائيل) بما بلغكم عنهم مما وقع لهم من الأعاجيب وإن استحال مثلها في هذه الأمة كنزول النار من السماء لأكل القربان ولو [ص: 207] كان بلا سند لتعذر الاتصال في التحديث عنهم لبعد الزمان بخلاف الأحكام المحمدية (ولا حرج) لا ضيق عليكم في التحديث به إلا أن يعلم أنه كذب أو لا حرج أن لا تحدثوا وعليه فزاده دفعا لتوهم وجوب التحديث من صورة صدور الأمر به قال الطيبي: ولا منافاة بين إذنه هنا ونهيه في خبر آخر عن التحديث وفي آخر عن النظر في كتبهم لأنه أراد هنا التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم وبالنهي العمل بالأحكام لنسخها بشرعه أو النهي في صدر الإسلام قبل استقرار الأحكام الدينية والقواعد الإسلامية فلما استقرت أذن لأمن المحذور (ومن كذب علي متعمدا) يعني ومن لم يبلغ حق التبليغ ولم يحفظ في الأداء ولم يراع صحة الإسناد (فليتبوأ) بسكون اللام فليتخذ (مقعده من النار) أي فليدخل في زمرة الكاذبين نار جهنم والأمر بالتبوئ تهكم كما مر وقد استفدنا وجوب تبليغ العلم على حامليه وهو الميثاق الذي أخذه الله على العلماء قال البغوي: ولهذا الحديث كره قوم من الصحب والتابعين إكثار الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوفا من الزيادة والنقصان والغلط حتى أن من التابعين من كان يهاب رفع المرفوع فيقفه على الصحابي (حم خ) في بني إسرائيل (ت) في العلم (عن ابن عمر) الحديث: 3159 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 3160 - (بلوا أرحامكم) أي أندوها بما يجب أن تندى به وواصلوها بما ينبغي أن توصل به (ولو بالسلام) يقال الوصل بلل يوجب الالتصاق والاتصال والهجر يفضي إلى التفتت والانفصال. قال الزمخشري: استعار البلل للوصل كما يستعار اليبس للقطيعة لأن الأشياء تختلط بالنداوة وتتفرق باليبس وقال الطيبي: شبه الرحم بالأرض الذي إذا وقع الماء عليها وسقاها حق سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء وإذا تركت بغير سقي يبست وبطل نفعها فلا تثمر إلا البغض والجفاء ومنه قولهم سنة جماد أي لا مطر فيها وناقة جماد أي لا لبن فيها وقال الزين العراقي: بين به أن الصلة والقطيعة درجات فأدنى الصلة ترك الهجر وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مندوب (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه يزيد بن عبد الله بن البراء الغنوي وهو ضعيف (طب عن أبي الطفيل) بضم المهملة عامر بن واثلة بمثلثة مكسورة الليثي الكناني ولد عام أحد وكان من شيعة علي قال الهيثمي: فيه راو لم يسم (هب عن أنس) بن مالك (وسويد) بضم المهملة (بن عمرو) الأنصاري قتل يوم موته قال البخاري: طرقه كلها ضعيفة ويقوي بعضها بعضا الحديث: 3160 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 3161 - (بنو هاشم وبنو المطلب كشيء واحد) أي كشيء واحد في الكفر والإسلام ولم يخالف بنوا المطلب بني هاشم أصلا بل ذبوا عنهم بعد البعثة وناصروهم فلذا شاركوهم في خمس الخمس وجعلوا من ذوي القربى وأما عبد شمس ونوفل فإنهما وإن كانوا أخوي هاشم والمطلب فأولادهم خالفوا آباءهم فحرموا من الخمس وروى سي بسين مهملة وياء مشددة أي كل منهما مقترن بالآخر ملتصق به والسي المثل والنظير يعني هما سواء نظراء أكفاء قال الخطابي: وهذه الرواية أجود ولم يبين وجهه وقال الدماميني: هما سواء (تتمة) قال ابن جرير: كان هاشم توأم عبد شمس خرج ورجله ملصقة برأس عبد شمس فما خلص حتى سال بينهما دم فأول بأن يكون بينهما حروب فكان بين بني أمية وبين بني العباس ما كان (طب عن جبير بن مطعم) قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بينهما قلت أنا وعثمان: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة فذكره ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى [ص: 208] من الطبراني وهو عجب فقد خرجه الإمام الشافعي من عدة طرق عن جبير بل عزاه في الفردوس لأمير المحدثين البخاري ثم رأيته فيه في كتاب الجهاد بأداة الحصر ولفظه إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد الحديث: 3161 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 3162 - (بني الإسلام) بالبناء للمفعول أي أسس واستعمال الموضوع للمحسوس في المعاني مجاز علاقته المشابهة شبه الإسلام ببناء محكم وأركانه الآنية بقواعد ثابتة محكمة حاملة لذلك البناء فتشبيه الإسلام بالبناء استعارة ترشيحية (على) دعائم وأركان (خمس) وهي خصاله المذكورة قيل المراد القواعد ولذلك خلت عن التاء ولو أريد الأركان لالتحقت ونوزع بأن في رواية مسلم خمسة وهي صريحة في إرادة الأركان وتقدير خمس وصفا أقرب من تقديره مضافا لجواز حذف الموصوف إذا علم بخلاف المضاف إليه (شهادة) يجره مع ما بعده بدلا من خمس وهو أولى ويصح رفعه بتقدير مبتدأ أي هي أو أحدها أو خبر أي منها ونصبه بإضمار أعني وخص الخمس بكونها أركانه ولم يذكر معها الجهاد مع كونه ذروة سنامه لأنها فروض عينية وهو كفاية ولأن فرضيته تنقطع بنزول عيسى عليه السلام بخلاف الخمس (أن لا إله إلا الله) في رواية إيمان بالله ورسوله (وأن محمدا رسول الله) أخذ منه أبو الطيب أنه يشترط في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد عليه بالرسالة ولم يتابع مع اتجاهه قال ابن حجر رحمه الله: لم يذكر الإيمان بالملائكة وغيره مما هو في خبر جبريل عليه السلام لأنه أراد بالشهادة تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما جاء به فيستلزم ذلك (وإقام) أصله إقامة حذفت تاؤه للازدواج (الصلاة) أي المداومة عليها (وإيتاء) أي إعطائها (الزكاة) أهلها فحذف للعلم به ورتب هذه الثلاثة في جميع الروايات لأنها وجبت كذلك وتقديما للأفضل فالأفضل (وحج البيت) أي الكعبة (وصوم رمضان) لم يذكر فيهما الاستطاعة لشهرتها ووجه الحصر أن العبادة إما بدنية محضة كصلاة أو مالية محضة كزكاة أو مركبة كالأخيرين وأفاد ببناء الإسلام عليها أن البيت لا يثبت بدون دعائمه وليست هي إلا هذه الخمس وما بقي من شعب الإيمان المذكور في حديثه المار تجري مجرى تحسين البناء وتكميله والشهادتان هما الأساس الكلي الحامل لجميع ذلك البناء ولبقية تلك القواعد (حم ق ت ن) في الإيمان كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي: وقع في جامع الأصول أن ذا لفظ مسلم خاصة ولفظ الشيخين غيره وقد انعكس عليه بل هو لفظ الصحيحين الحديث: 3162 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 3163 - (بورك لأمتي في بكورها) يوم الخميس هكذا ساقه ابن حجر في الفتح عازيا للطبراني فكأنه سقط من قلم المصنف وفي رواية أخرى بعد بكورها قال ابن حجر: هذا لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط ثم قال أعني ابن حجر وأما حديث بورك لأمتي في بكورها أي بدون ذكر الخميس فأخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بغين معجمة هكذا ذكره في الفتح في تضاعيف أفعال الجهاد (طس) من حديث عبد الله بن جعفر عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرا (عبد الغني في) كتاب (الإيضاح) أي إيضاح الأشكال (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الديلمي: وفي الباب جابر بن عبد الله الحديث: 3163 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 3164 - (بول الغلام) أي الذي لم يطعم غير لبن للتغذي ولم يعبر حولين (ينضح) أي يرش بماء يغلبه وإن لم يسل لأنه حالتئذ ليس لبوله عفونة يفتقر في إزالتها إلى مبالغة (وبول الجارية) أي الأنثى (يغسل) وجوبا كسائر النجاسات لأن [ص: 209] بولها لغلبة البرد على مزاجها أغلظ وأنتن قال القاضي: المراد من النضح رش الماء بحيث يصل إلى جميع موارد البول من غير جري والغسل إجراء الماء على موارده والفرق بين الذكر والأنثى أن بولها بسبب استيلاء الرطوبة والبرد على مزاجها أغلظ وأنتن فتفتقر إزالته إلى مزيد مبالغة بخلافه وقيل الفرق أن نجاستها مكدرة لأنها تخالط رطوبة فرجها في الخروج وهي نجسة أي عند بعض العلماء في حديث عمرو بن شعيب (هـ عن أم كرز) بضم أوله وسكون الراء بعدها زاي الكعبية المكية صحابية لها أحاديث قال مغلطاي: فيه انقطاع بين عمرو وأم كرز كما نص عليه في تهذيب الكمال في غير ما موضع وقال النقاش: عمرو ليس تابعيا الحديث: 3164 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 3165 - (بيت لا تمر فيه جياع أهله) لكونه أنفس الثمار التي بها قوام النفس والأبدان مع كونه أغلب أقوات الحجاز وفي رواية لابن ماجه بسند جيد كما قاله زين الحفاظ بيت لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه اه كان عن غير الغالب أخلى فيجوع أهله قال القرطبي: ويصدق هذا على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد وبكون الغالب فيه صنفا واحدا فيقال على بلد ليس فيه إلا البر بيت لا بر فيه جياع أهله فكأن التمر إذ ذاك قوتهم كما تقوله أهل الأندلس بيت لا تين فيه جياع أهله وبقول أهل إيلان بيت لا رب فيه جياع أهله قال ابن العربي رحمه الله تعالى: وأنا أقول ما يناسب الخلقة والشرعة وتصدقه التجربة بيت لا زبيب فيه جياع أهله وأهل كل قطر يقولون في قوتهم مثله وقال الطيبي: الحديث يحمل على الحث على القناعة في بلاد يكثر فيه التمر يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله وإنما الجائع من ليس عنده تمر وفيه تنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادخاره (حم م د ت هـ) كلهم في الأطعمة (عن عائشة) ذكر الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال لا أعرفه إلا من حديث يحيى بن حسان بن سليمان بن بلال الحديث: 3165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 3166 - (بيت لا صبيان فيه) يعني لا أطفال فيه ذكورا أو إناثا (لا بركة فيه) ظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو الشيخ [ابن حبان] بيت لا خل فيه قفار أهله وبيت لا تمر فيه جياع أهله اه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون الفروي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له مناكير واتهمه بعضهم أي بالوضع وقدامة بن محمد المدني خرجه ابن حبان الحديث: 3166 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 3167 - (بيع المحفلات) أي المجموعات اللبن في ضروعها لإيهام كثرة لبنها (خلابة) أي غش وخداع (ولا تحل الخلابة لمسلم) يعني لا يحل لمسلم أن يفعلها مع غيره ويثبت للمشتري الخيار (حم هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا ابن أصبغ قال عبد الحق: روي مرفوعا وموقوفا وقال ابن القطان: وهذا منه مسالمة الحديث كأنه لا عيب فيه إلا إن وقف ورفع وذا منه عجب فإن الحديث في غاية الضعف ثم أطال في بيانه الحديث: 3167 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 3168 - (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة فحمل أحد الاسمين على الآخر شائع سائغ كالقمرين ذكره الزمخشري وتبعه القاضي فقال: غلب الأذان على الإقامة وسماها باسم واحد قال غيره: لا حاجة لارتكاب التغليب فإن الإقامة أذان حقيقة لأنها إعلام بحضور الوقت للصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت فهو حقيقة لغوية وتبعه الطيبي وقال: الاسم لكل منهما حقيقة لغوية إذ الأذان لغة الإعلام فالأذان إعلام بحضور الوقت والإقامة إيذان بفعل الصلاة (صلاة) أي وقت صلاة والمراد صلاة نافلة ونكرت لتناول كل عدد نواه المصلي من النفل وإنما لم يجر على ظاهره [ص: 210] لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والخبر نطق بالتخيير بقوله (لمن شاء) أن يصلي فذكره دفعا لتوهم الوجوب قال المظهر: وإنما حرض أمته على صلاة النفل بين الأذانين لأن الدعاء لا يرد بينهما ولشرف هذا الوقت وإذا كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر وبقية الخبر عند البخاري وغيره ثلاثا قال ابن الجوزي: فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز (حم ق 4 عبد الله بن مغفل) كلهم في كتاب الصلاة الحديث: 3168 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 3169 - (بين كل أذانين صلاة إلا المغرب) فإنه ليس بين أذانها وإقامتها صلاة بل يندب المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها كان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها ولم تكن الصحابة يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه أنه يسن صلاة ركعتين قبلها. قال في شرح مسلم: قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها ممنوع انتهى (البزار) في مسنده عن عبد الواحد بن غياث عن حبان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة (عن) أبيه (بريدة) ثم قال البزار: لا نعلم رواه إلا حبان وهو بصري مشهور لا بأس به قال الهيثمي في موضع: لكنه اختلط وفي آخر فيه حبان بن عبد الله ضعفه ابن عدي وقيل: إنه اختلط انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: تفرد به حبان وهو كذاب كذبه الفلاس وتعقبه المؤلف بأن الذي كذبه الفلاس غير هذا الحديث: 3169 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 3170 - (بين) وفي رواية لمسلم إن بين (الرجل) أراد الإنسان وإنما خص الرجل لأن الخطاب معه غالبا (وبين الشرك) بالله (والكفر) عطف عام على خاص إذ الشرك نوع من الكفر وكرر بين تأكيدا والتعبير بالواو هو ما وقع في جميع الأصول وعند أبي عوانة وأبي نعيم أو الكفر (ترك الصلاة) أي تركها وصلة بين العبد وبين الكفر يوصله إليه (م) في كتاب الإيمان (د ت هـ عن جابر) ولم يخرجه البخاري الحديث: 3170 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 3171 - (بين الملحمة) بفتح الميمين الحرب ومحل القتال من اشتباك الناس واختلاطهم أو من اللحم لكثرة لحوم الموتى (وفتح المدينة) القسطنطينية (ست سنين ويخرج المسيح الدجال في السابعة) قال ابن كثير: يشكل بخبر الملحمة الكبرى وفتح المدينة وخروج الدجال في سبعة أشهر إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين وبين آخرها وفتح المدينة مدة قريبة تكون مع خروج الدجال في سبعة أشهر (حم د) في الملاحم (هـ) في الفتن (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة كما مر قال المناوي: وفيه بقية وفيه مقال انتهى وأقول فيه أيضا سويد بن سعيد الحديث: 3171 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 3172 - (بين الركن والمقام ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلا برئ) يعني استجاب دعاءه وأبرأه من عاهته وفي رواية للطبراني أيضا بين الركن والمقام ملتزم من دعى الله عز وجل من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج الله عنه (طب عن ابن عباس) الحديث: 3172 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 3173 - (بين العبد والجنة) أي دخولها (سبع عقبات) جمع عقبة كذا في نسخ ثم رأيت خط المصنف عقاب (أهونها [ص: 211] الموت وأصعبها الوقوف بين يدي الله تعالى) في الموقف الأعظم يوم الفزع الأكبر (إذا تعلق المظلومون بالظالمين) قائلين يا ربنا أنت الحكم العدل فاقتص لنا منهم وهذا قد يشكل بخبر القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أهون (أبو سعد النقاش) بفتح النون وقاف مشددة وشين معجمة نسبة إلى نقش الحيطان والسقوف (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك الحديث: 3173 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 3174 - (بين يدي الساعة) أي قدامها وأصله أن يستعمل في مكان يقابل صدر الشخص وبين يديه ثم نقل إلى الزمن (أيام الهرج) أي قتال واختلاط والساعة الوقت التي تقوم فيه القيامة وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم (حم طب عن خالد بن الوليد) الحديث: 3174 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 3175 - (بين يدي الساعة فتن) أي حروب وفساد في الأهواء والاعتقادات والمذاهب والمناصب (كقطع الليل المظلم) أي فتن مظلمة سوداء فظيعة جدا وقطع الليل طائفة منه زاد أحمد وأبو يعلى والطبراني يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا يسير انتهى قال الحسن: فوالله لقد رأيناهم صورا ولا عقولا وأجساما ولا أحلاما فراش نار وذباب طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز (ك عن أنس) بن مالك وفي الباب النعمان بن بشير الحديث: 3175 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 3176 - (بين يدي الساعة مسخ) قلب الخلقة من شيء إلى شيء أو تحويل الصورة إلى أقبح منها أو مسخ القلوب (وخسف) أي غور في الأرض (وقذف) أي رمي بالحجارة من جهة السماء قال التوربشتي: هذا من باب التغليظ والتشديد (هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية وقال: غريب من حديث النووي لم يكتبه إلا من إبراهيم بن بسطام عن مؤمل الحديث: 3176 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 3177 - (بين العالم) أي العامل بعلمه (والعابد) غير العالم (سبعون درجة) يعني أن العالم فوقه بسبعين منزلة في الجنة وفي رواية للأصبهاني في الترغيب مئة درجة ولا تدافع لامكان أنه أراد بالسبعين هنا التكثير لا التحديد أو أن ذلك يختلف باختلاف أشخاص العلماء والعباد (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو نعيم أيضا قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف من طريقه الحديث: 3177 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 3178 - (بين كل ركعتين تحية) الظاهر أن المراد في كل ركعتين تشهدا يعني أن الأحب في النفل أن يتشهد في كل ركعتين والوصل مفصول بالنسبة إليه (هق عن عائشة) الحديث: 3178 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 3179 - (بئس) كلمة جامعة للمذام مقابلة لنعم الجامعة لوجوه المدائح كلها قاله الحرالي (العبد عبد تخيل) بخاء معجمة أي تخيل في نفسه شرفا وفضلا على غيره (واختال) تكبر من الخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب يقال اختال فهو مختال [ص: 212] وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر (ونسي) الله (الكبير المتعال) أي ونسي أن الكبرياء والتعالي ليس إلا للواحد القهار (بئس العبد عبد تجبر) من الجبروت فعلوت من الجبر القهر بأن احتشى من الشهوات وجبر الخلق على هواه فيها فصار ذلك عادة له (واعتدى) في جبريته فمن خالف هواه قهره بقتل أو غيره (ونسي الجبار الأعلى) الذي له الجبروت الأعظم وقد صغرت الدنيا بمن فيها من الخلق والخليقة في جنب جبروته (بئس العبد عبد سها) بالأماني مستغرقا في شؤون هذا الحطام الفاني (ولها) بالإكباب على الشهوات والاشتغال باللهو واللعب أو ربما لا يعنيه عما خلق لأجله من العبادات (ونسي المقابر والبلى (1)) أي من القبر يضمه يوما ويحتوي على أركانه ويبلي لحمه ودمه (بئس العبد عبد عتا وطغى) أي بالغ في ركوب المعاصي وتمرد حتى صار لا ينفع فيه وعظ ولا يؤثر فيه زجر فصار إيمانه محجوبا والعتو التجبر والتكبر والطغيان مجاوزة الحد (ونسي المبتدأ والمنتهى) أي نسي من أين بدأ والى أين يعاد وصيرورته ترابا أي من كان ذلك ابتداؤه ويكون انتهائه هذا جدير بأن يطيع الله في أوسط الحالين (بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين) بتحتية ثم خاء معجمة فمثناة فوقية مكسورة أي يطلب الدنيا بعمل الآخرة بخداع كما يطلب الصائد الصيد من قولهم ختل الصيد إذا اختفى له وختل الصائد إذا مشى للصيد قليلا قليلا لئلا يحس به شبه فعل من يرى ورعا ودينا ليتوصل به إلى المطالب الدنيوية بختل الذئب وللصائد فهذا عبد متضع مداهن قلت مبالاته بنفسه على الحقيقة إنما يبالي بما يعرض في العاجل فيطمس معالم الإيمان بحطام الدنيا وأوساخها يظهر الخشوع عند لقاء الخلق وتنفس الصعداء تحسرا على أدبار أمره ويظهر أنه في هيئة الزاهدين ويظهر الانقباض ليهاب ويكون في فريسته كالسباع والذئاب والختل الخداع والمراوغة (بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات) التي هي محل تعارض الأدلة واختلاف العلماء أو المكروه والمراد أنه يتشبث بالشبهات ويؤول المحرمات (بئس العبد عبد طمع يقوده) قال الأشرفي: تقديره وطمع ويمكن جعل قوله طمع فاعل يقوده متقدما على فعله قال الطيبي: وهو أقرب (بئس العبد عبد هوى يضله) أراد الهوى القصور وهو هوى النفس (بئس العبد عبد رغب) بفتح الراء بضبط المصنف (يزله) بضم الياء وكسر الزاي بضبط المصنف أي حرص وشدة على الدنيا وقيل سعة الأمل وطلب الكثير قال القاضي: الرغب شره الطعام وأصله سعة الجوف بمعنى الرحب وإضافة العبد إليه للإهانة كقولهم عبد البطن ولأن مجامع همته واجتهاده مقصور عليه وعائد إليه (ت ك) في الرقاق (هب عن أسماء) فتح الهمزة وبالمد (بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم الخثعمية صحابية هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب قال البيهقي في الشعب: إسناده ضعيف انتهى وكذا ذكره البغوي والمنذري وصححه الحاكم وليس كما زعم فقد رده الذهبي وقال: سنده مظلم (طب هب عن نعيم) بضم النون ابن حمار قال الذهبي: والصحيح همار غطفاني روى عنه كثير بن مرة حديثا واحدا قال الهيثمي: وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف   (1) البلى بكسر الموحدة والقصر أو بفتحها والمد أي لم يستعد ليوم نزول قبره ولم يتفكر فيما هو صائر إليه من بيت الوحشة والدود الحديث: 3179 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 3180 - (بئس العبد المحتكر) أي حابس القوت الذي تعم حاجة الناس إليه ليغلو فيبيعه بزيادة فإنه (إن أرخص الله الأسعار) [ص: 213] أي أسعار الأقوات (حزن وإن أغلاها فرح) فهو يحزن لمسرة خلق الله ويفرح لحزنهم وكفى به ذما ومن ثم حرم الشافعية الاحتكار وقال القاضي رحمه الله تعالى: السعر القيمة التي يشيع البيع بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع (طب هب عن معاذ بن جبل) وفيه بقية وحاله معروف وثور بن يزيد ثقة مشهور بالقدر الحديث: 3180 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 3181 - (بئس) فعل ذم (البيت الحمام ترفع فيه الأصوات) فيتشوش الفكر عن الشغل بالذكر (وتكشف فيه العورات) أي غالبا بل لا يكاد يخلو عن ذلك لأن ما تحت السرة إلى ما فوق العانة لا يعده الناس عورة منهم لا ينفكون عن كشفه وقد ألحقه الشرع بالعورة وجعله كحريمها ولهذا يسن إخلاء الحمام وقال بعضهم: لا بأس بدخول الحمام لكن بإزارين إزار للعورة وإزار للرأس يستر عينيه عن النظر (عد عن ابن عباس) وفيه صالح بن أحمد القيراطي البزار قال في الميزان: قال الدارقطني: متروك كذاب دجال أدركناه ولم نكتب عنه وقال ابن عدي: يسرق الحديث ثم ساق هذا الخبر فما أوهمه اقتصار المصنف على عزو الحديث عدي من أنه خرجه وأقره غير صواب الحديث: 3181 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 3182 - (بئس البيت الحمام بيت لا يستر) أي لا تستر فيه العورة عن العيون (وماء لا يطهر) بضم الياء وشد الهاء وكسرها أي لكونه مستعملا عالبا وهذا تمام المرفوع منه ثم قالت عائشة عقب رفعها له كما هو ثابت في رواية مخرجه البيهقي: وما يسر عائشة أن لها مثل أحد ذهبا وأنها دخلت الحمام وقالت: لو أن امرأة أطاعت ربها وحفظت فرجها ثم آذت زوجها بكلمة باتت والملائكة تلعنها اه (هب) من حديث يحيى بن أبي طالب عن أبي خباب عن عطاء (عن عائشة) ويحيى أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: وثقه الدارقطني وقال موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب وأبو جناب هو يحيى بن أبي حية أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي والدارقطني اه. ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح وقال القطان: لا أستحل أو أروي عن حباب وقال الفارس: متروك الحديث الحديث: 3182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 3183 - (بئس الشعب) بالكسر الطريق أو الطريق في الجبل (جياد) قالوا: يا رسول الله لم ذلك قال: (تخرج الدابة) أي تخرج منه دابة الأرض (فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين) هما طرفا السماء والأرض أو المشرق والمغرب (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه رباح بن عبد الله بن عمر وهو ضعيف اه وفي الميزان فيه رباح بن عبد الله قال أحمد والدارقطني: منكر الحديث وفي اللسان قال البخاري: لم يتابع عليه رباح وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء الحديث: 3183 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 3184 - (بئس الطعام طعام العرس يطعمه الأغنياء) استئناف جواب عن من سأل عن كونه مذموما (ويمنعه المساكين) والفقراء فهو لذلك مذموم وقضيته أنه إذا لم يخص بدعوته الأغنياء ولم يمنع منه المساكين لا يكون مذموما وهو ظاهر والإجابة إليه حينئذ واجبة (قط في فوائد ابن مردك عن أبي هريرة) الحديث: 3184 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 [ص: 214] 3185 - (بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف) أي لا ينزلونه عندهم للقيام بضيافته فإن الضيافة من شعائر الإسلام فإذا أجمع أهل محلة على تركها دل على تهاونهم بالدين (هب) وكذا الطبراني (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: مصعب قال رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة الحديث: 3185 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 3186 - (بئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم بالتقية والكتمان) أي يتقي شرهم ويكتم عنهم حاله لما علمه منهم أنهم بالمرصاد للأذى والإضرار إذا رأوا سيئة أفشوها وإذا رأوا حسنة كتموها وستروها ومن ثم استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم ممن هذا حاله كما تقدم في أدعيته فيظهرون الصلح والأخوة والاتفاق وباطنهم بخلافه (فر عن ابن مسعود) وفيه يحيى بن سعيد العطار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: بين الضعف عن سوار وقال النسائي وغيره متروك وقال البخاري: منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر الحديث: 3186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 3187 - (بئس الكسب أجر الزمارة) بفتح الزاي وشد الميم الزانية كذا في الفردوس والنهاية والقاموس وغيرها فهو نهي عن كسب المغنية وقيل بتقديم الراء على الزاي من الرمز الإشارة بنحو حاجب أو عين والزواني تفعلنه قال ثعلب: الزمارة البغي الحسناء (وثمن الكلب) ولو معلما فإن أكله من أكل أموال الناس بالباطل لعدم صحة بيعه (أبو بكر ابن مقسم في جزئه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 3187 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 3188 - (بئس مطية الرجل) أي بعيره فعيلة بمعنى مفعولة (زعموا) يعني كلمة زعموا أراد به النهي عن التكلم بكلام يسمعه من غيره ولا يعلم صحته أو عن اختراع القول بإسناده إلى من لا يعرف فيقول زعموا أنه قد كان كذا وكذا فيتخذ قوله زعموا مطية (1) يقطع بها أودية الإسهاب وقيل سماه مطية لأنه يتوصل بهذا المقصود من إثبات شيء في المشيئة كما أنه يتوصل إلى موضع بواسطة المطية وأكثر ما ورد في القرآن فهو في معرض الذم وإنما صح الإسناد إليه والفعل لا يسند إليه لأن المراد منه هو المعنى دون اللفظ قال الخطابي: وأصل هذا أن الرجل إذا أراد الظفر لحاجة والسير لبلد ركب مطية وسار فشبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يقدم الرجل أمام كلامه ويتوصل به لحاجته من قولهم زعموا بالمطية وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا يثبت قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيله وأمر بالتوثق فيما يحكي والتثبت فيه لا يرويه حتى يجده معزوا إلى ثبت (حم د) في الأدب (عن حذيفة) قال الذهبي في المهذب: فيه إرسال وقال ابن عساكر في الأطراف: حديث منقطع لأنه من رواية عبد الله بن زيد الجرمي عن حذيفة وهو لم يسمع منه   (1) [يتخذ قوله " زعموا " مطية ليحمله ما لم يتحقق من صحته بنفسه فيروج هذا الكلام وإن كان كذبا. دار الحديث] الحديث: 3188 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 3189 - (بئس) فعل ذم (ما) نكرة موصوفة أي شيئا كائنا (لأحدكم أن يقول) هو المخصوص بالذم (نسيت آية كيت وكيت) بفتح التاء أشهر من كسرها أي كذا وكذا أوجه الذم دلالة هذا القول على تفريطه بعدم ملازمة تلاوة القرآن ودرسه نسبة الفعل إلى نفسه وهو فعل الله أو هو خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل [ص: 215] ويدل عليه قوله (بل هو نسي) فهو نهي عن نسبة ذلك إليهم وإنما الله أنساهم لما له فيه من الحكمة ذكره الخطابي كغيره وقال الطيبي: قوله بل نسي إضراب عن القول بنسبة النسيان إلى النفس المسبب عن عدم التعاهد إلى القول بالإنساء الذي هو من فعل الله من غير تقصير منه أي لا تقولوا ذلك القول بل قولوا ما قيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما يشهد له ما روي عن عائشة رضي الله عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ بالليل فقال: يرحمه الله قد أذكرني كذا وكذا آية كنت نسيتها قال أبو عبيد: أما الحريص على حفظ القرآن المداوم على تلاوته لكن النسيان يغلبه فلا يدخل في هذا وقيل معنى نسي عوقب بالنسيان على ذنب أو سوء تعهده للقرآن من قوله تعالى {أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} (حم ق ت ن عن ابن مسعود) الحديث: 3189 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الباء] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 3190 - (البادئ) أخاه المسلم (بالسلام) إذا لقيه (بريء من الصرم) بفتح الصاد المهملة وسكون الراء الهجر والقطع فإذا تلاح رجلان مثلا ثم تلاقيا فحرص أحدهما على البداءة بالسلام دون الآخر فقد خلص من إثم الهجران دونه (حل) من حديث محمد بن يحيى بن منده عن عبد الرحمن بن عمر بن رسته عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن أبي إسحاق عن أبي الأحوص (عن ابن مسعود) وقال: غريب تفرد به عن النووي ابن مهدي الحديث: 3190 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 3191 - (البادئ بالسلام بريء من الكبر) بالكسر العظمة وفي رواية لابن منيع البادئ بالسلام أولى بالله ورسوله والمراد بهذا الحديث وما قبله من يلقى صاحبه وهما سيان في الوصف بأن لا يكون أحدهما راكبا والآخر ماشيا أو ماشيا والآخر قاعدا إلى غير ذلك وإلا فالراكب يبدأ الماشي والماشي القاعد كما في الحديث الآتي فلا تدافع بين الحديثين (هب خط في الجامع عن ابن مسعود) وفيه أبو الأحوص قال ابن معين: ليس بشيء وأورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 3191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 3192 - (البحر) حقيقة الماء الكثير المجتمع في فسحة من الأرض سمي بحرا لعمقه واتساعه ويطلق على الملح والعذب والمراد هنا الملح (من جهنم) كناية عن أنه ينبغي تجنبه ولا يلقي العاقل بنفسه إلى المهالك ويرتعها مراتع الأخطار إلا لأمر ديني فالقصد بالحديث تهويل شأن البحر وتهويل خطر ركوبه فإن راكبه متعرض للآفات المتراكمة فإن أخطأته ورطة جذبته أخرى بمخالبها فكان الغرق رديف الحرق والغرق حليف الحرق والآفات تسرع إلى راكبه كما يسرع الهلاك من النار لمن لابسها ودنا منها (أبو مسلم) إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن باعر بن كش الكشي (الكجي) بفتح الكاف وشدة الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص قيل له ذلك لأنه كان يبني دارا في البصرة وكان يقول هاتوا الكج وأكثر منه فقيل له ذلك وقيل له الكشي نسبة إلى جده الأعلى عاش كثيرا حتى روى عنه القطيعي وغيره (في سننه) وكذا رواه أحمد كما في الدرر ولعل المؤلف أغفله ذهولا (ك هق) من حديث أبي عاصم عن محمد بن حي عن صفوان بن يعلى (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد التحتانية التميمي المكي وهو يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمة من مسلمة الفتح شهد حنينا والطائف وتبوك وكان جوادا خيرا قال الذهبي في المهذب: لا أعرف ابن حي الحديث: 3192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 3193 - (البحر الطهور ماؤه) بفتح الطاء المبالغ في الطهارة قاله لما سألوه أتتوضأ بماء البحر؟ ولم يقل في جوابه نعم مع [ص: 216] حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعا لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز وهذا وقع جوابا لسائل ومن حاله كحاله ممن سافر في البحر ومعه ماء قليل يخشى إن تطهر به عطش فبين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماء الطهور لأنه في هذا المقام أشد اهتماما بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو للطهورية فالتطهر به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم افجزاء به مؤول أو مزيف (الحل ميتته) أي الحلال كما في رواية سوار سألوا عن ماء البحر فأجابهم عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهما الحاجة انتظم الجواب بهما. قال ابن عربي: وذلك من محاسن الفتوى بأن يأتي بأكثر مما يسأل عنه تتميما للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسؤول عنه ويتاكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفا قال اليعمري: هذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته لأنه عام مبتدأ إلا في معرض الجواب عن مسؤول عنه والباقي ورد مبتدأ بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسؤول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن كانت الإضافة سائغة فيه بحكم اللغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير (هـ عن أبي هريرة) وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد والأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق قيل يا رسول الله: إننا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته قال الترمذي: حسن صحيح وسألت عنه البخاري فقال: صحيح وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم وإنما اقتصر المصنف على عزوه لابن ماجه لأنه بلفظ البحر في أوله ليس إلا فيه وعجب من العز بن جماعة رضي الله عنه مع سعة نظره كيف ذكر أنه لم يره فيما وقف عليه من كتب الحديث مع كونه في أحد دواوين الإسلام المتداولة الحديث: 3193 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 3194 - (البخيل) أي الكامل في البخل كما يفيده تعريف المبتدأ (من ذكرت عنده) أي ذكر اسمي بمسمع منه وقال في الإتحاف: هذا صادق بذكر اسمه وصفته وكنيته وما يتعلق به من المعجزات (فلم يصل علي) لأنه بخل على نفسه حين حرمها صلاة الله عليه عشرا إذ هو صلى واحدة ومنع أن يكتال له الثواب بالمكيال الأوفى فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه شبه تركه الصلاة عليه ببخله بإنفاق المال في وجوه البر ثم اشتق منه إسم الفاعل فجرت الاستعارة في المصدر أصلية وفي اسم الفاعل تبعية أو شبه تاركها على طريق الاستعارة المكنية عن تركه إنفاقه في وجوهه ثم أثبت له البخل تخييلا حتى كأنه من جنسه تلويحا بحرمانه من الأجر وإيذانا بأن من تكاسل عن الطاعة يسمى بخيلا قال الفاكهاني: وهذا أقبح بخل وأشنع شح لم يبق بعده إلا الشح بكلمة الشهادة وهو يقوي القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكره. <تنبيه> قوله من ذكرت عنده قال المؤلف: كذا الرواية وأورده الطيبي بلفظ البخيل الذي ذكرت عنده وقال الموصول الثاني مزيد مقحم بين الموصول وصلته كما في قراءة زيد بن علي {الذي خلقكم والذين من قبلكم} (حم ت) وقال: حسن غريب (ن حب ك) في الدعاء من حديث عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه (عن) جده (الحسين) بن علي قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي اه وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول عجاب فقد عزاه هو نفسه في الدرر للترمذي من [ص: 217] حديث الحسين وقال ابن حجر في الفتح: أخرجه باللفظ المذكور الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن فاقتصار المؤلف على عزوه لابن حبان والحاكم من حديث الحسين وحده قصور وتقصير ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأب عن الجد الحديث: 3194 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 3195 - (البذاء) بفتح الباء وبالهمزة وبالمد وبقصر الفحش في القول (شؤم) ضد اليمين وأصله الهمز فخفف واوا (وسوء الملكة لؤم) أي الإساءة إلى المماليك ونحوهم دناءة وشح نفس وسوء الملكة يدل على سوء الخلق وهو شؤم والشؤم يورث الخذلان ودخول النيران. <تنبيه> قال الراغب: البذاء الكلام القبيح يكون من القوة الشهوية طورا ومن القوة الغضبية طورا فمتى كان معه استعانة بالقوة المفكرة كان منه السباب ومتى كان من مجرد الغضب كان صوتا مجردا لا يفيد نطقا كما يرى ممن فار غضبه وهاج هائجه (تتمة) قالوا: علاج من ابتلي بالبذاء أو الفحش والسفه تعويد لسانه القول الجميل ولزوم الصمت أو الذكر فإن الإكثار منه يزيل هذا الداء (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن غرارة وثقه أبو داود وضعفه ابن معين الحديث: 3195 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 3196 - (البذاذة) بفتح الموحدة وذالين معجمتين قال الراوي: يعني التقحل بالقاف وحاء مهملة رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس إيثارا للخمول بين الناس (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعا وزهدا وكفا للنفس عن الفخر والتكبر لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال وإلا فليس من الإيمان من عرض النعمة للكفران وأعرض عن شكر المنعم المنان فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات <تنبيه> قال العارف ابن عربي: عليك بالبذاذة فإنها من الإيمان وورد اخشوشنوا وهي من صفات الحاج وصفة أهل القيامة فإنهم غبر شعث عراة حفاة وذلك أنفى للكبر وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع والعرف فلذلك جعلها من الإيمان وألحقها بشعبه فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة فلذلك جعلها من الإيمان (حم هـ) في الزهد (ك) في الإيمان من حديث صالح بن صالح عن عبد الله بن أبي أمامة (عن أبي أمامة) إياس بن ثعلبة الحارثي قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا فقال: ألا تسمعون ألا تسمعون ثم ذكره قال الحاكم: احتج به مسلم بصالح وأقره الذهبي عليه وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن وقال الديلمي: هو صحيح ورواه عنه أيضا أبو داود في الترجل وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه حديث صحيح فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد ابن ماجه به غير جيد الحديث: 3196 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 3197 - (البر) بالكسر أي الفعل المرضي الذي هو في تزكية النفس كالبر في تغذية البدن وقوله البر أي معظمه فالحصر مجازي وضده الفجور والإثم ولذا قابله به وهو بهذا المعنى عبارة عما اقتضاه الشارع وجوبا أو ندبا والإثم ما ينهى عنه وتارة يقابل البر بالعقوق فيكون هو الإحسان والعقوق الإساءة (حسن الخلق) أي التخلق مع الخلق والخالق والمراد هنا المعروف وهو طلاقة الوجه وكف الإذى وبذل النداء وأن يحب للناس ما يحب لنفسه وهو راجع لتفسير [ص: 218] البعض له بأنه الانصاف في المعاملة والرفق في المجادلة والعدل في الأحكام والإحسان في العسر واليسر الى غير ذلك من الخصال الحميدة (والإثم ما حاك) بحاء مهملة وكاف (في صدرك) اختلج في النفس وتردد في القلب ولم يمازج نوره ولم يطمئن إليه (وكرهت أن يطلع عليه الناس) أي وجوههم أو أماثلهم الذي يستحيا منهم وحمله على العموم بعيد المراد بالكراهة هنا الدينية الخارمة فخرج العادية كمن يكره أن يرى آكلا لنحو حياء أو بخل وغير الخارمة كمن يكره أن يركب بين مشاة لنحو تواضع وإنما كان التأثير في النفس علامة للإثم لأنه لا يصدر إلا لشعورها بسوء عاقبته وظاهر الخبر أن مجرد خطور المعصية إثم لوجود الدلالة ولا مخصص وذا من جوامع الكلم لأن البر كلمة جامعة لكل خير والإثم جامع للشر وقال الحرالي: الإثم سوء اعتداء في قول أو فعل أو حال ويقال للكذوب أثوم لاعتدائه بالقول على غيره (خد م) في الأدب (ت) في الزهد (عن النواس) بفتح النون وشد الواو (بن سمعان) بكسر المهملة وفتحها الكلابي قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم والبر فذكره واستدركه الحاكم فوهم وعجب ذهول الذهبي عنه في اختصاره الحديث: 3197 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 3198 - (البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) قال الراغب: قابل الإثم بالبر وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما إذ الإثم للأفعال المبطئة عن الثواب ولتضمنه معنى البطء قال الشاعر: جمالية تكتفي بالرداف. . . إذا كذب الآثمات الهجيرا (والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن له القلب) لأنه سبحانه فطر عباده على الميل إلى الحق والسكون إليه وركز في طبعهم حبه (وإن أفتاك المفتون) أي جعلوا لك رخصة وذلك لأن على قلب المؤمن نورا يتقد فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور القلب فامتزجا وائتلفا فاطمئن القلب وهش وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب ولم يمازجه فاضطرب القلب وإنما ذكر طمأنينة النفس مع القلب إيذانا بأن الكلام في نفوس ماتت منها الشهوات وزالت عنها حجاب الظلمات فالنفس المرتكبة في الكدورات المحفوفة بحجب اللذات تطمئن إلى الإثم والجهل وتسكن إليه ويستغرقها الشر والباطل فأعلم بالجمع بينهما أن الكلام في نفس رضيت وتمرنت حتى تجلت بأنوار اليقين قال بعض الصوفية: وإنما اشتبه على علماء الظاهر الحلال بالحرام أحيانا لأنهم أفسدوا الشاهد الذي في قلوبهم كما أفسدوا عقولهم بحب الدنيا فدنسوها وأفسدوا إيمانهم بالطمع فأسقموه وأفسدوا جوارحهم بالسحت فلطخوها وأفسدوا طريقهم إلى الله فسدوها فليس لأهل التخليط من هذه العلامات شيء لأن الحق الأعظم الذي تشعبت منه الحقوق لا يسكن إلا في قلب طاهر وكذا الحكمة واليقين (حم عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة (الخشني) بضم المعجمة وفتح المعجمة الثانية وكسر النون اسمه جرثوم أو جرثوم أو جرهم أو ناشم قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بما يحل وبما يحرم فصعد النبي صلى الله عليه وسلم وصوب في النظر ثم ذكره قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3198 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 3199 - (البر) بالكسر (لا يبلى) أي لا ينقطع ثوابه ولا يضيع بل هو باق عند الله تعالى وقيل أراد الإحسان وفعل الخير لا يبلى ثناؤه وذكره في الدنيا والآخرة (والذنب لا ينسى) أي لا بد أن يجازى عليه {لا يضل ربي ولا ينسى} ونبه به على شيء دقيق يغلط الناس فيه كثيرا وهو أنهم لا يرون تأثير الذنب فينساه الواحد منهم ويظن أنه لا يغير بعد ذلك وأنه كما قال: إذا لم يغير حائط في وقوعه. . . فليس له بعد الوقوع غبار [ص: 219] قال ابن القيم: وسبحان الله ما أهلكت هذه البلية من الخلق وكم أزالت من نعمة وكم جلبت من نقمة وما أكثر المفترين بها من العلماء فضلا عن الجهال ولم يعلم المفتري أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم والجرح المندمل على دغل (والديان لا يموت) فيه جواز إطلاق الديان على الله سبحانه وتعالى لو صح الخبر (اعمل ما شئت) تهديد شديد وفي رواية بدله فكن كما شئت (كما تدين تدان) أي كما تجازي تجازى يقال دنته بما صنع أي جزيته ذكره الديلمي ومن مواعظ الحكماء: عباد الله الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر ولقد أمهل كأنه أهمل (عب عن أبي قلابة) بكسر القاف وخفة اللام (مرسلا) ورواه عنه أيضا كذلك البيهقي في الزهد وفي الأسماء ووصله أحمد فرواه في الزهد له من هذا الوجه بإثبات أبي الدرداء من قوله وهو منقطع مع وقفه ورواه أبو نعيم الديلمي مسندا عن ابن عمر يرفعه وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري ضعيف وحينئذ فاقتصار المصنف على رواية إرساله قصور أو تقصير الحديث: 3199 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 3200 - (البربري) نسبة للبربر قال في الكشف: قوم معروفون بين اليمن والحبشة كان أكثر سودان مكة منهم سموا به لبربرة في كلامهم وفي الفائق أن أبا بلقيس لما غزاهم قال: ما أكثر بربرتهم فسموا به (لا يجاوز إيمانه تراقيه) جمع ترقوة عظم بين شفرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين قال الديلمي: زاد أنس في روايته أتاهم نبي قبلي فذبحوه وطبخوه وحسوا مرقه (طس) من حديث ابن أبي ذؤيب عن صالح مولى التوأمة (عن أبي هريرة) قال الديلمي: لم يروه عن ابن أبي ذؤيب إلا عبد المنعم بن بشير قال أعني الديلمي وفي الباب أنس الحديث: 3200 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 3201 - (البركة) أي النمو والزيادة في الخير (في نواصي الخيل) أي تنزل في نواصيها كما جاء هكذا مصرحا به في رواية الإسماعيلي وكنى بنواصيها عن ذواتها للمبالغة بينهما وذلك لأنها بها يحصل الجهاد الذي فيه إعلاء كلمة الله وسعادة الدارين وقد يراد بالبركة هنا ما يكون من نسلها والكسب عليها والمغانم والأجور ثم إنه لا تنافي بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي الشؤم في ثلاث: في الفرس. الحديث لأن الخبر فسر بالغنيمة والثواب ولا منافاة بين الخبر بهذا المعنى والشؤم لجواز أن يحصلا به مع اشتماله على ما يتشاءم به وقيل المتشائم به غير المعد لنحو الغزو (حم ق) في الجهاد (ت) في الخيل (عن أنس) ورواه عنه ابن منيع والطيالسي وغيرهما وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه الحديث: 3201 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 3202 - (البركة) حاصلة (في ثلاث) من الخصال (في جماعة) أي صلاة الجماعة أو لزوم جماعة المسلمين (والثريد) مرقة اللحمة بالخبز (والسحور) يعني أنه قوت وزيادة قدرة على الصوم ففيه زيادة رفق وزيادة حياة إذ لولاه لكان نائما والنوم موت واليقظة حياة (طب هب عن سلمان) الفارسي قال الزين العراقي: رجاله معروفون بالثقة إلا أبا عبد الله البصري وبقية رجاله ثقات وقال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة الحديث: 3202 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 3203 - (البركة في صغر القرص) أي في تصغير أقراص الخبز (وطول الرشاء) أي الحبل الذي يسقى به الماء (وقصر الجدول) (1) فعول النهر الصغير فالنهر القصير أعظم بركة وأكثر عائدة على الشجر والزرع من الطويل (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] في) كتاب (الثواب عن ابن عباس) السلفي بكسر المهملة وفتح اللام الحافظ أبو طاهر أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني محدث مكثر رحالة مرحول إليه (في الطيوريات عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: قال النسائي: هذا الحديث كذب وقال الحافظ ابن حجر نقل عن النسائي أن هذا كذب قال السخاوي: وهو عند الديلمي بلا سند عن [ص: 220] ابن عباس وكل ذلك باطل اه. وما ذكره من أن الديلمي لم يسنده باطل بل قال: أنبأنا بجير بن جعفر بن محمد الأبهري عن أبي إسحاق بن أبي حماد عن محمد بن يونس العبسي عن عبد الله بن حمزة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن داود بن الحصين عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به وداود بن الحصين أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لينه أبو زرعة ورمي بالقدر وقال أبو حاتم: لولا رواية مالك عنه لترك حديثه وابن أبي حبيبة وثقه أحمد وضعفه النسائي وابن أبي فديك مختلف فيه أيضا   (1) البركة في " قصر الجدول " وصول الماء للزرع بلا هدر أما الجدول الطويل فيتسرب الماء منه إلى الأرض تحته وحوله ويجف بعضه. دار الحديث الحديث: 3203 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 3204 - (البركة في المماسحة) أي المصافحة في البيع كذا ذكروه ولا مانع من إعماله بإطلاقه ويكون المراد المصافحة حتى عند ملاقاة الإخوان ونحو ذلك (د في مراسيله عن محمد بن سعد) بن منيع الهاشمي مولاهم البصري نزل بغداد كاتب الواقدي مات سنة ثلاثين ومئة عن اثنين وستين سنة الحديث: 3204 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 3205 - (البركة مع أكابركم) المجربين للأمور المحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم أو المراد من له منصب العلم وإن صغر سنه فيجب إجلالهم حفظا لحرمة ما منحهم الحق سبحانه وتعالى وقال شارح الشهاب: هذا حث على طلب البركة في الأمور والتبحبح في الحاجات بمراجعة الأكابر لما خصوا به من سبق الوجود وتجربة الأمور وسالف عبادة المعبود قال تعالى {قال كبيرهم} وكان في يد المصطفى صلى الله عليه وسلم سواك فأراد أن يعطيه بعض من حضر فقال جبريل عليه السلام: كبر كبر فأعطاه الأكبر وقد يكون الكبير في العلم أو الدين فيقدم على من هو أسن منه (حب) صححه (حل ك هب) وكذا البزار والطبراني كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرط البخاري وقال الديلمي: صحيح وقال البغدادي: حسن لكن قال الهيثمي: فيه نعيم بن حماد وثقه جمع وضعفه وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وصححه في الاقتراح قال الزركشي: وفي صحته نظر وله علة ثم أطال في بيانها وقال: لم يقف على هذه العلة تقي الدين فصححه قال: لكن له شواهد منها خبر الصحيح كبر كبر أي يتكلم الأكبر الحديث: 3205 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 3206 - (البركة في أكابرنا) أيها المؤمنون يحتمل أن المراد بالأكابر الأئمة ونوابهم كما يرشد إليه (فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا) أي يعظمه (فليس منا) أي على طريقتنا ولا عاملا بهدينا وفيه كالذي قبله إيذان بأن الأمة تختل بعد نبيها بما فقد من نوره ومن وجوده معهم ولهذا قالوا: ما نفضنا أيدينا من ترابه صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه علي بن يزيد الألباني وهو ضعيف الحديث: 3206 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 3207 - (البزاق والمخاط والحيض والنعاس) بعين مهملة كذا هو في نسخة المصنف بخطه فما في نسخ من أن اللفظ النفاس من تحريف النساخ أي طرو هذه المذكورات (في الصلاة) فرضها ونفلها (من الشيطان) يعني أنه يحب ذلك ويرضاه ويسر به لقطع الأخيرين للصلاة وللاشتغال بالأولين عن القراءة والذكر والخضوع والخشوع (هـ) من حديث عدي بن ثابت عن أبيه (عن) جده (دينار) قال مغلطاي: هو ضعيف لضعف ثابت بن عدي وغيره الحديث: 3207 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 3208 - (البزاق في المسجد) من المصلي وغيره ولو لحاجة (سيئة) أي حرام معاقب عليه لأنه تقذير للمسجد واستهانة به [ص: 221] (ودفنه) في أرضه إن كانت ترابية أو رملية (حسنة) مكفرة لتلك السيئة وقوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه فبصق من هو خارج المسجد فيه حرام قال ابن أبي جمرة: ولم يقل تغطيته لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يقعد غيره عليها فيؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم التعميق في باطن الأرض وخرج بالرملية والترابية المسجد المبلط والمرخم فدلكها فيه ليس دفنا بل زيادة تقذير قال القفال: والحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس أما ما يخرج من الصدر فينجس فلا يدفن بالمسجد قال ابن حجر: وهذا على اختياره وينبغي التفصيل فيما لو خالط البصاق نحو دم فيحرم دفنه فيه وأما إذا لم يخالطه فيحل (حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجال أحمد موثوقون الحديث: 3208 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 3209 - (البصاق في المسجد) أي إلقاؤه في أرضه أو جدره أو أي جزء منه وإن كان الباصق خارجه (خطيئة) بالهمز فعيلة وربما أسقطت الهمزة وشدت الياء أى إثم (وكفارتها) أى إذا ارتكب تلك الخطيئة فكفارتها (دفنها) أي دفن عينها وهو البصاق في تراب المسجد إن كان وإلا تعين اخراجه منه كأن يأخذه بنحو عود ولم يقل تغطيتها لما مر وظاهره أنه خطيئة وإن أراد دفنه وتقييد عياض بما لو لم يرده رده النووي (ق 3) في الصلاة (عن أنس) بن مالك الحديث: 3209 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 3210 - (البضع) بكسر الباء وفتحها (ما بين الثلاث) من الآحاد (إلى التسع) منها قاله في تفسير قوله تعالى: {في بضع سنين} (طب وابن مردويه) في تفسيره وكذا الديلمي (عن نيار) بكسر النون والفتح التحتية (بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء الأسلمي له صحبة ورواية وهو أحد من دفن عثمان ليلا وعاش إلى أول خلافة معاوية قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي وهو متروك الحديث: 3210 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 3211 - (البطن) أي الموت بداء البطن من نحو استسقاء وذات جنب (والغرق) أي الموت بالغرق في الماء مع عدم ترك التحرز (شهادة) أي الميت بهما من شهداء الآخرة (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 3211 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 3212 - (البطيخ) أي أكله (قبل) أكل (الطعام يغسل البطن) أي المعدة والأمعاء وما هنالك (غسلا) مصدر مؤكد للغسل (ويذهب بالداء) الذي بالبطن (أصلا) أي مستأصلا أي قاطعا له من أصله والمراد الأصفر لأنه المعهود عندهم وقول ابن القيم: المراد الأخضر قال الحافظ العراقي فيه نظر (ابن عساكر) في التاريخ (عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم) ورواه عنه الطبراني أيضا وعنه ومن طريقه خرجه ابن عساكر ثم قال: أخطأ فيه الطبراني في موضعين أحدهما أنه أسقط والده الفضل بن صالح بينه وبين أبي اليماني الثاني أنه صحف اسم جده قال بشير وإنما هو بشر اه. وقال ابن عساكر: (شاذ) (1) بل (لا يصح) أصلا إذ فيه مع شذوذه أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار الجرجاني قال البيهقي: روى أحاديث موضوعة لا أستحل رواية شيء منها ومنها هذا الخبر وقال الحاكم: أحمد هذا يضع الحديث كاشفته وفضحته اه   (1) الشاذ ما خالف فيه الثقة غيره وتعذر الجمع بينهما والمخالفة بزيادة أو نقص في السند أو المتن وقيل ما انفرد به الراوي فقط الحديث: 3212 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 [ص: 222] 3213 - (البغايا) جمع بغي بالتشديد وهي الباغية التي تبغي الرجال (اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة) أي شهود فالنكاح بدونهم باطل عند الشافعي والحنفي ومن لم يشرط الشهود أوله بأنه أراد بالبينة ما به تبيين النكاح من الولي وكيفما كان هو شبهة فتسميتهن بالبغايا زجر وتغليظ (ت) في النكاح (عن ابن عباس) وقال لم يرفعه غير عبد الأعلى ووقفه مرة والوقف أصح اه. وقال الذهبي: عبد الأعلى ثقة الحديث: 3213 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 3214 - (البقرة) ومثلها الثور مجزأة (عن سبعة) في الأضاحي (والجزور) من الإبل خاصة يطلق على الذكر والأنثى من الجزر القطع مجزئ (عن سبعة) في الأضاحي قال ابن العربي: قال بهذا الحديث جميع العلماء إلا مالك وليس لهذا تأويل ولا يرده القياس اه فيصح الاشتراك في النصيحة بكل من ذينك واجبا أو تطوعا سواء كانوا كلهم متقربين أو أراد بعضهم القربة وبعضهم اللحم كما اقتضاه الإطلاق وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: يجوز للمتقربين لا لغيرهم (حم د) في الأضاحي (عن جابر) بن عبد الله وظاهره أنه لم يخرجه من الستة غيره وليس كما توهم بل خرجه مسلم في المناسك والنسائي وابن ماجه في الأضاحي عن جابر أيضا ولفظهم البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة وفي مسلم نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة الحديث: 3214 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 3215 - (البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة) أي تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة فلو ضحى ببقرة أو جزور كان الزائد على السبع تطوعا يصرفه إلى أنواع التطوع إن شاء وقوله (في الأضاحي) بين بذلك أن الكلام في الأضحية وفي رواية للترمذي عن ابن عباس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نحر البدنة عن عشرة والبقرة عن سبعة قاله إسحاق ولا أظن غيره وافقه (طب عن ابن مسعود) ومر غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يعزى لغيره فاقتصار المصنف على ذنيك من ضيق العطن وما أراه إلا ذهل عنه الحديث: 3215 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 3216 - (البكاء) من غير صراخ ولا صياح (من الرحمة) أي رقة القلب (والصراخ من الشيطان) ولهذا بكى المصطفى صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم بغير صوت وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وسن لأمته الحمد والاسترجاع والرضا (ابن سعد) في الطبقات (عن بكير) بالتصغير (ابن عبد الله بن الأشج) بفتح المعجمة والجيم المدني (مرسلا) الحديث: 3216 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 3217 - (البلاء موكل بالقول) قال الديلمي: البلاء الامتحان والاختبار ويكون حسنا ويكون سيئا والله يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بما يكره ليمتحن صبره ومعنى الحديث أن العبد في سلامة ما سكت فإذا تكلم عرف ما عنده بمحنة النطق فيتعرض للخطر أو الظرف ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أنت في سلامة ما سكت فإذا تكلمت فلك أو عليك ويحتمل أن يريد التحذير من سرعة النطق بغير تثبت خوف بلاء لا يطيق دفعه وقد قيل اللسان ذئب الإنسان وما من شيء أحق بسجن من لسان قال حمدون القصار: إذا رأيت سكران يتمايل فلا تبغ عليه فتبتلى بمثل ذلك (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغيبة) عن عبد الله بن أبي بدر عن يزيد بن هارون عن جرير بن حازم (عن الحسن) البصري (مرسلا عنه هب) عن أبي عن الحسن (عن أنس) ثم قال أعني البيهقي تفرد به [ص: 223] أبو جعفر بن أبي فاطمة المصري أي وهو ضعيف ورواه القضاعي أيضا وقال: بعض شراحه غريب جدا الحديث: 3217 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 3218 - (البلاء موكل بالقول ما قال عبد لشيء) أي على شيء (لا والله لا أفعله أبدا إلا ترك الشيطان كل عمل وولع بذلك منه حتى يؤثمه) أي يوقعه في الإثم بإيقاعه في الحنث بفعل المحلوف عليه ولهذا قال إبراهيم النخعي: إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به (هب خط عن أبي الدرداء) وفيه هشام بن عمار قال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كلما لقن يتلقن وقال أبو داود: حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وفيه محمد بن عيسى بن سميع الدمشقي قال أبو حاتم: لا يحتج به وقال ابن عدي: لا بأس به وفيه محمد بن أبي الزعزعة وهما اثنان أحدهما كذاب والآخر مجروح ذكرهما ابن حبان وأوردهما الذهبي في الضعفاء قال الزركشي: لكن يقويه ما رواه الفقيه ابن لال في المكارم من حديث ابن عباس بلفظ " ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق " الحديث: 3218 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 3219 - (البلاء موكل بالمنطق) زاد ابن أبي شيبة في روايته عن ابن مسعود ولو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا وفي تاريخ الخطيب: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فقدموا الكسائي يصلي جهرية فأرتج عليه في قراءة الكافرون فقال اليزيدي: قارئ الكوفة يرتج عليه في هذه؟ فحضرت جهرية أخرى فقام اليزيدي فأرتج عليه في الفاتحة فقال الكسائي: احفظ لسانك لا تقول فتبتلى. . . إن البلاء موكل بالمنطق (القضاعي) في مسند الشهاب (عن حذيفة) بن اليمان (وابن السمعاني) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين ظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى منهما وهو عجيب فقد خرجه البخاري في الأدب من حديث ابن مسعود وكذا ابن أبي شيبة وغيرهما الحديث: 3219 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 3220 - (البلاء موكل بالمنطق فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها) وعليه أنشدوا: لا تنطقن بما كرهت فربما. . . نطق اللسان بحادث فيكون وقال آخر: لا تمزحن بما كرهت فربما. . . ضرب المزاح عليك بالتحقيق (خط) في ترجمة نصر الخراساني (عن ابن مسعود) وقضية كلام المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وليس كذلك فإنه أورده في ترجمة نصر المذكور ونقل عن جمع أنه كذاب خبيث اه وفيه أيضا عاصم بن ضمرة قال الذهبي: عن ابن عدي يحدث بأحاديث باطلة اه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه الحديث: 3220 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 3221 - (البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم) وهذا معنى قوله: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} وظاهره أنه لا فضل للزوم الوطن والإقامة به على الإقامة بغيره لكن الأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة علم مهما سلم له حاله في وطنه وإلا فليطلب موضعا أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل اه وجرى على نحوه في الكشاف فقال: معنى الآية أنه إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمشى أمر دينه كما يجب فليهاجر لبلد آخر يقدر أنه فيه أسلم قلبا وأصح دينا وأكثر عبادة وأحسن خشوعا قال: وقد جربنا فلم نجد أعون على ذلك من مكة. (نكتة) قال ابن الربيع: قال سفيان: ما أدري أي البلاد أسكن قيل له: [ص: 224] خراسان قال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة قيل: فالشام قال: يشار إليك بالأصابع قيل: فالعراق قال: بلد الجبابرة قيل: فمكة قال: تذيب الكبد والبدن (حم) من حديث أبي يحيى مولى آل الزبير (عن الزبير) بن العوام قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف وقال تلميذه الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم وتبعه السخاوي وغيره ورواه الدارقطني عن عائشة وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح له مناكير وزمعة ضعفوه الحديث: 3221 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 3222 - (البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض) أي أن قراءة القرآن بإخلاص وحضور قلب وفي رواية البيت الذي يذكر فيه الله لينير لأهل السماء كما تنير النجوم لأهل الأرض (هب عن عائشة) الحديث: 3222 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 3223 - (البيعان) بتشديد الياء أي المتبايعان يعني البائع والمشتري فالمتبايعان متفاعلان في البيع فكل منهما باع ماله بمال الآخر فلا حاجو لدعوى التغليب وأكثر الروايات المتبايعان قال أبو زرعة: ولم يرد في شيء من طرقه البائعان فيما أعلم وإن كان استعمال لفظ البائع أغلب (بالخيار) في فسخ البيع او إمضائه عند الشافعي والباء في بالخيار متعلقة بمحذوف تقديره معاملان بالخيار قال في المنضد: ولا يجوز تعلقها بالبيعان إذ لو علقت بما في المتبايعين من معنى الفعل كان الخيار مشروطا بينهما في العقد وليس مرادا بدليل زيادته في رواية إلا بيع الخيار وإنما الفرض إذا تعاقد البيع كان لهما خيار فالباء للملابسة (ما لم) وفي رواية حتى (يتفرقا) بأبدانهما عن محلهما الذي تبايعا فيه قال القاضي: المفهوم من التفرق: التفرق بالأبدان وعليه إطباق أهل اللغة وإنما سمي الطلاق تفرقا في {وإن يتفرقا} لأنه يوجب تفرقهما بالأبدان ومن نفى خيار المجلس أول التفرق بالقول وهو الفراغ من العقد وحمل المتبايعين على المتساويين لأنهما بصدد البيع فارتكب مخالفة الظاهر من وجهين بلا مانع يعوق عليه مع أن الحديث رواه البخاري بعبارة تأبى قبول هذا التأويل (فإن صدقا) يعني صدق كل منهما فيما يتعلق به من ثمن ومثمن وصفة مبيع وغير ذلك (وبينا) ما يحتاج لبيانه من نحو عيب وإخبار بثمن وغير ذلك من كل ما كتمه غش وخيانة (بورك لهما) أي أعطاهما الله الزيادة والنمو (في بيعهما) أي في صفقتهما وفي رواية للشافعي: وجبت البركة فيهما وقال الرافعي: فالأول جعل البركة مفعولة والثاني فاعلة (وإن كتما) شيئا مما يجب الإخبار به شرعا (وكذبا) في نحو صفات الثمن والمثمن (محقت) ذهبت واضمحلت (بركة بيعهما) أتى به لقصد الإزدواج بين النماء والمحق قيل: هذا يختص بمن وقع منه التدليس وقيل عام فيعود شؤم أحدهما على الآخر. (1) قال في المنضد: وهذه جملة أخرى مما يؤمر به في البيع لا تتعلق بقول البيعان إلخ (حم ق 3) في البيوع (عن حكيم بن حزام)   (1) [والأوجه القول الأول لأن شرط محق بركة الإثنين في الحديث هو صدور المخالفة من الإثنين بنص قوله " وإن كتما وكذبا " فعندها تمحق بركة بيع الإثنين. أما إذا صدرت المخالفة من أحدهما فقط فيعود محق البركة عليه وحده لا على الآخر لقوله تعالى {. . . ألا تزر وازرة وزر أخرى} ولأن هذا الحال - غش أحدهما - خارج عن نص الحديث أصلا كما مر. أما الذي لم يغش فمع أن هذا الحديث لم يصرح بالوعد له بالبركة غير أنه تعود عليه البركة بتوكله على الله في صدقه وإخلاصه. فحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين. دار الحديث] الحديث: 3223 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 3224 - (البيعان) تثنية بيع قال الزمخشري: فيعل من باع بمعنى اشترى كلين من لان اه. وقد اتفق أهل اللغة على أن بعت واشتريت من الألفاظ المشتركة وتسميها حروف الأضداد ويقال في الشيء مبيع ومبيوع كمخيط ومخيوط قال الخليل: المحذوف من مبيع واو مفعول لأنها زائدة فهي أولى بالحذف وقال الأخفش: بل عين الكلمة قال الأزهري: وكلاهما صحيح (إذا اختلفا في البيع) أي في صفة من صفاته بعد الاتفاق على الأصل ولا بينة أو أقام كل منهما بينة (ترادا البيع) أي بعد التحالف فيحلف كل منهما على إثبات قوله ونفي قول صاحبه ثم يفسخ أحدهما العقد أو الحاكم ويرد المشتري المبلغ والبائع الثمن إن كان باقيا فإن كان تالفا فبدله عند الشافعي وقال أبو حنيفة: يتحالفان إن كانت السلعة باقية فإن [ص: 225] تلفت فالقول للمبتاع وعن مالك روايتان كالمذهبين (طب عن ابن مسعود) وسببه أن ابن مسعود باع سبيا من مسبي للأشعث بن قيس بعشرين ألفا فجاءه بعشرة فقال: ما بعت إلا بعشرين فقال: إن شئت حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أجل فذكره الحديث: 3224 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 3225 - (البينة على المدعي) وهو من يخالف قوله الظاهر أو من لو سكت لخلى (واليمين على المدعى عليه) وهو من يوافق قوله الظاهر أو من لو سكت لم يترك لأن جانب المدعي ضعيف فكلف حجة قوية وهي البينة وجانب المدعى عليه قوي فقنع منه بحجة ضعيفة وهي اليمين إلا في مسائل مفصلة في الفروع. قال ابن العربي: وهذا الحديث من قواعد الشريعة التي ليس فيها خلاف وإنما الخلاف في تفاصيل الوقائع والبينة في الأصل ما يظهر برهانه في الطبع والعلم والعقل بحيث لا مندوحة عن شهود وجوده ذكره الحرالي وقال القاضي: هي الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل (ت) في الأحكام (عن ابن عمرو) وهي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ابن حجر: وإسناده ضعيف وفي الباب ابن عباس وابن عمر وغيرهما الحديث: 3225 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 3226 - (البينة على المدعي) وفي رواية على من ادعى (واليمين على من أنكر) ما ادعى عليه به (إلا في القسامة) فإن الأيمان فيها في جانب المدعي وبه أخذ الأئمة الثلاثة وخالف أبو حنيفة فأجراه على القاعدة وألحق الشافعية بالقسامة دعوى قيمة المتلفات وغير ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وعلم مما تقرر أن هذا الحديث مخصص للحديث المتقدم وحكمته أن القتل إنما يكون غيلة وعلى ستر فبدئ فيه بأيمان المدعي لإيجاب الدية عند الشافعية والقتل عند المالكية الرادع للمتعدي والصائن للدماء الحاقن لها (هق وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه مسلم الزنجي قال في الميزان: عن البخاري منكر الحديث وضعفه أبو حاتم وقال أبو داود: لا يحتج به ثم أورد له أخبارا هذا منها ورواه الدارقطني باللفظ من طريقين وفيهما الزنجي المذكور وقال ابن حجر في تخريج المختصر خرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وهو حديث غريب معلول الحديث: 3226 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 حرف التاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 3227 - (تابعوا بين الحج والعمرة) أي إذا حججتم فاعتمروا وإذا اعتمرتم فحجوا ونظمها في سلك واحد ليفيد وجوب العمرة كالحج وقال المحب الطبري: يجوز أن يراد التتابع المشار إليه بقوله تعالى: {فصيام شهرين متتابعين} فيأتي بكل منهما عقب الآخر بلا فصل وهذا ظاهر لفظ المتابعة وأن يراد اتباع أحدهما الآخر ولو تخلل بينهما زمن بحيث يظهر مع ذلك الاهتمام بهما ويطلق عليه عرفا أنه اتبعه (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) إزالته للفقر كزيادة الصدقة للمال كذا قال الطيبي وقال في المطامح: يحتمل كون ذلك لخصوصية علمها المصطفى صلى الله عليه وسلم وكونه إشارة إلى أن الغنى الأعظم هو الغنى بطاعة الله ولا عطاء أعظم من مباهاة الله بالحاج الملائكة (كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) مثل متابعتهما في إزالة الذنوب بإزالة النار الخبث لأن الإنسان مركوز في جبلته القوة الشهوية والغضبية محتاج لرياضة تزيلها والحج جامع لأنواع الرياضات من إنفاق المال والجوع والظمأ واقتحام المهالك مفارقة الوطن [ص: 226] والإخوان وغير ذلك (وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) أي لا يقتصر لصاحبها من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة والمبرور المقبول أو الذي لا يشوبه إثم أو ما لا رياء فيه أو غير ذلك (حم ت ن) في الحج (عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن صحيح غريب الحديث: 3227 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 3228 - (تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر والرزق وتنفي الذنوب من بني آدم كما ينفي الكير خبث الحديد) لجمعه لأنواع الرياضات كما تقرر قال ابن العربي: لكن ما مر يفيد أن المكفر من الذنوب إنما هو الصغائر لا الكبائر وإذا كانت الصلاة لا تكفرها فكيف الحج والعمرة لكن هذه الطاعات ربما أثرت في القلب فأورثت توبة تكفر كل خطيئة كما قرره ابن العربي (قط في الأفراد طب عن ابن عمر) بن الخطاب اقتصاره على هذين يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المذكور لكنه قال وينفيان الذنوب وممن رواه أيضا أحمد وأبو يعلى وغيرهما الحديث: 3228 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 3229 - (تأكل النار) أي نار جهنم (ابن آدم إلا أثر السجود) من الأعضاء السبعة المأمور بالسجود عليها (حرم الله عز وجل على النار أن تأكل أثر السجود) إكراما للمصلين وإظهارا لفضلهم (هـ عن أبي هريرة) الحديث: 3229 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 3230 - (تبا للذهب والفضة) أي هلاكا لهما والتب الخسران والهلاك ينصب على المصدر أو بإضمار فعل أي ألزمهما الله الهلاك والخسران وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في مسند أحمد قالوا: يا رسول الله فأي المال نتخذ قال: قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة (حم عن رجل) من الصحابة (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه الطبراني وغيره عن ثوبان الحديث: 3230 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 3231 - (تبسمك في وجه أخيك) أي في الإسلام (لك صدقة) يعني إظهارك له البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة قال بعض العارفين: التبسم والبشر من آثار أنوار القلب {وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة} قال ابن عيينة: والبشاشة مصيدة المودة والبر شيء هين وجه طليق وكلام لين وفيه رد على العالم الذي يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم وعلى العابد الذي يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه منزه عن الناس مستقذر لهم أو غضبان عليهم قال الغزالي: ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى يقطب ولا في الوجه حتى يعفر ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلب (وأمرك بالمعروف) أي بما عرفه الشرع وحسنه (ونهيك عن المنكر) أي ما أنكره وقبحه (صدقة) بالمعنى المقرر (وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة) بالمعنى المذكور وهكذا اقتصر عليه المؤلف وقد سقط من قلمه خصلة ثابتة في الترمذي وغيره وهي قوله [ص: 227] وبصرك تبصيرك فأوقع الاسم موقع المصدر (وإماطتك) تنحيتك (الحجر والشوك والعظم عن الطريق) أي المسلوك أو المتوقع السلوك فيما يظهر (لك صدقة وإفراغك) أي صبك (من دلوك) بفتح فسكون واحد الدلاء التي يسقى منها (في دلو أخيك) أي في الإسلام (لك صدقة) يشير بذلك كله إلى أن العزلة وإن كانت فضيلة محبوبة لكن لا ينبغي قطع المسلمين بالكلية فإن لهم عليك حقا فاعتزلهم لتسلم من شرهم لكن لا تصير وحشيا نافرا بل قم بحق الحق والخلق من البشاشة للمسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند القدرة وإكرام الضيف وبذل السلام وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وإرشاد الضال وإزالة الأذى ونحو ذلك لكن لا تكثر من عشرتهم وراقب الله وأعط كل ذي حق حقه كذا قرره البعض وقال ابن العربي: ذكر خصالا سبعة الأولى القلب الثانية والثالثة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وذلك صدقة على المأمور والمنهي من الآمر الناهي الرابعة إرشاد الضال في أرض الضلال وهي عظمى إذ فيه خلاص من هلاك نفس كما أن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلاص من تلف الدين الخامسة إرشادك الرجل إلخ وذلك بقود الأعمى إلى نحو ما يريد ومثله من هدى رفاقا يعني عرف طريقا في عمارة فهو أيضا صدقة وإن كان أقل من الأول السادسة إماطة الأذى عن الطريق وهو أقل درجات الأعمال ومع ذلك فأعظم بها من صدقة فقد غفر الله لمن جر غصن شوك عن الطريق السابعة إفراغك من دلوك في دلو أخيك سيما إذا لم يكن رشاء (خد ت حب) وكذا البزار (عن أبي ذر) أورده في الميزان في ترجمة عكرمة عن عمار العجلي من حديثه وقال: قال أبو حاتم: ثقة ربما يهم وقال أحمد: ضعيف وقال البخاري: لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه الحديث: 3231 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 3232 - (تبلغ الحلية) بكسر الحاء أي التحلي بأساور الذهب والفضة المكلل بالدر والياقوت (من المؤمن) يوم القيامة قال الطيبي: ضمن تبلغ معنى تتمكن وعدى بمن أي تتمكن من المؤمن الحلية مبلغا يتمكن الوضوء منه قال الحسن: الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء (حيث يبلغ الوضوء) بفتح الواو ماؤه وقال أبو عبيد: الحلية هنا التحجيل لأنه العلامة الفارقة بين هذه الأمة وغيرها اه. وجزم به الزمخشري فقال: أراد التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء وقد استدل بالخبر على ندب التحجيل وزعم ابن القيم أنه لا يدل لأن الحلية إنما تكون في الساعد والمعصم لا في العضد والكتف في حيز المنع لأن كل ما في الجنة مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما في خبر ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء (م) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال أبو حازم: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة وكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت له: ما هذا قال: لو علمت أنكم هنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يبلغ إلخ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الصدر المناوي لهما معا الحديث: 3232 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 3233 - (تجافوا عن عقوبة ذي المروءة) على هفوة أو زلة صدرت منه فلا تعزروه عليها ندبا وقد سبق بيان ذي المروءة (أبو بكر بن المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وموحدة خفيفة وآخره نون واعلم أني قد وقفت على هذا الحديث بخط الكمال بن أبي شريف عازيا للطبراني في المكارم بلفظ تجافوا عن عقوبة ذي المروءة وهو ذو الصلاح فلعل قوله وهو إلخ سقط من كلام المصنف أو ظهر له أنه مدرج (في كتاب المروءة) تأليفه (طب في) كتاب [ص: 228] (مكارم الأخلاق) له (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف قال فيه البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبة متروك الحديث: 3233 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 3234 - (تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة) أي لا تؤاخذوه بذنب ندر منه لمروءته (إلا في حد من حدود الله تعالى) فإنه إذا بلغ الحاكم وثبت عنده وجبت إقامته (طس عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: فيه محمد بن كثير بن مروان الفهري وهو ضعيف الحديث: 3234 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 3235 - (تجاوزوا) أي سامحوا من المجاوزة مفاعلة من الجواز وهو العبور من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى ذكره الحرالي (عن ذنب السخي) أي الكريم وفي رواية تجاوز للسخي عن ذنبه (فإن الله تعالى آخذ بيده كلما عثر) أي سقط وفيه بيان محبة الله للسخي ومعونته له في مهماته وقد جاء في محبته أحاديث كثيرة فلما سخى بالأشياء اعتمادا على ربه وتوكلا عليه شمله بعين عنايته فكلما عثر في مهلكة أنقذه منها والمعاثر المهالك التي يعثر فيها ومعنى أخذ بيده خلصه من قولهم خذ بيدي أي خلصني مما وقعت فيه (قط في الأفراد) عن محمد بن مخلد عن إبراهيم بن حماد الأزدي عن عبد الرحيم بن حماد البصري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود ثم قال الدارقطني: تفرد به عبد الرحيم وقد قال العقيلي: إنه حدث عن الأعمش بما ليس من حديثه اه. ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف بأن عبد الرحيم لم ينفرد به كما تشير إليه رواية الطبراني وهي ما ذكر ههنا بقوله (طب) عن أحمد بن عبيد الله بن جرير بن جبلة عن أبيه عن بشر بن عبيد الله الدارسي عن محمد بن حميد العتكي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود حل هب) من هذا الطريق بعينه (عن ابن مسعود) ثم قال البيهقي: عقبه هذا إسناد ضعيف مجهول اه. وقال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم وقال مرة أخرى: بشر بن عبد الله الدارسي وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره وهو تلبيس شنيع فإنه تعقبه بما نصه: هذا إسناد مجهول ضعيف وعبد الرحيم بن حماد أي أحد رجاله منفرد به واختلف عليه في إسناده اه وقال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: عبد الرحيم له مناكير اه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المصنف فأبرق وأرعد ولم يأت بطائل كعاداته الحديث: 3235 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 3236 - (تجاوزوا عن ذنب السخي) أي تساهلوا وخففوا فيه (وزلة العالم) العامل بقرينة ذكر العدل فيما بعده (وسطوة السلطان العادل) في أحكامه (فإن الله تعالى آخذ بيدهم كلما عثر عاثر منهم) لما أنهم مشمولون بعنايته كما مر (خط عن ابن عباس) الحديث: 3236 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 3237 - (تجاوزوا لذوي المروءة) بالهمزة وتركه الإنسانية والرجولية والتخلق بخلق أمثاله (عن عثراتهم والذي نفسي بيده) أي بقدرته وإرادته وتصريفه (إن أحدهم ليعثر وإن يده لفي يد الله) تعالى يعني ينعشه من عثرته ويسامحه في [ص: 229] زلته (ابن المزربان) في معجمه (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق ففيه إمام صدق ثبت (معضلا) الحديث: 3237 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 3238 - (تجب الصلاة) أي الصلوات الخمس (على الغلام) أي الصبي ومثله الصبية (إذا عقل والصوم) أي ويجب صوم رمضان (إذا أطاق صومه والحدود) أي وتجب إقامة الحدود عليه إذا فعل موجبها (والشهادة) أي وتجب شهادته أي قبولها إذا شهد (إذا احتلم) أي إذا بلغ سن الاحتلام أو خرج منيه وما ذكر من وجوب الصلاة والصوم بالتمييز والإطاقة لم أر من أخذ به من الأئمة (الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وباء موحدة نسبة إلى موهب بطن من المغافر وهو عمارة بن الحكم بن عباد المغافري الاسكندراني كان فاضلا صالحا صاحب تآليف (في) كتاب فضل (العلم عن ابن عباس) وفيه جويبر بن سعيد الأزدي قال ابن معين: لا شيء والنسائي متروك وساق له في الميزان هذا الخبر الحديث: 3238 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 3239 - (تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا) بين ذلك أن وجوب الجمعة يختص بالذكور فخرج به المرأة ومثلها الخنثى فلا تلزمهما والبالغين فخرج بذلك الصبي الأحرار فخرج القن وكذا المبعض ويشترط مع ذلك الإقامة فلا تلزم المسافر لكن تستحب له وللعبد والصبي (الشافعي) في المسند (هق عن رجل) من الصحابة (من بني وائل) بفتح الواو وسكون الألف وكسر المثناة التحتية قبيلة معروفة قال الذهبي في المهذب: فيه إبراهيم بن أبي يحيى واه الحديث: 3239 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 3240 - (تجد المؤمن مجتهدا فيما يطيق) من صنوف العبادات وضروب الخيرات (متلهفا) أي مكروبا (على ما لا يطيق) فعله من ذلك كالصدقة كفقد المال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم وجود شرطه والمراد أن المؤمن هذا خلقه وهذه طبيعته وعادته (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد بن عمير) بتصغيرهما هو الليثي قاضي مكة قال الديلمي: تابعي ثقة (مرسلا) الحديث: 3240 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 3241 - (تجدون الناس معادن) أي أصولا مختلفة ما بين نفيس وخسيس كما أن المعدن كذلك (فخيارهم في الجاهلية) هم (خيارهم في الإسلام) قال الرافعي رحمه الله: وجه الشبه أن اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر وأن رسوخ الاختلاف في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها وأن المعادن كما أن منه ما لا تتغير صفته فكذا صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فإن أسلم استمر شرفه فكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية ثم لما أطلق الحكم خصه بقوله (إذا فقهوا) بضم القاف على الأجود ذكره أبو البقاء أي صاروا فقهاء ففيه إشارة إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم وأن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالفقه وأنه الفضيلة العظمى والنعمة الكبرى والمراد بالخيار في هذا ونحوه من كان متصفا بمحاسن الأخلاق كالكرم والفقه والحلم وغيرها متوقيا لمساوئها كالبخل والفجور والظلم وغيرها (وتجدون خير الناس في [ص: 230] هذا الشأن) أي الخلافة أو الإمارة (أشدهم له كراهية) يعني خيرهم دينا وعقلا يكره الدخول فيه خوفا منه لصعوبة لزوم العدل وحمل الناس على دفع الظلم (قبل أن) وفي رواية حتى (يقع فيه) فإذا وقع فيه قام بحقه ولا يكرهه أو معناه من لم يكن راغبا فيه إذا حصل له بلا سؤال تزول كراهته لما يرى من عون الله له فيأمن على دينه أو معناه أن العادة جرت بذلك وأن من حرص على شيء ورغب في طلبه قلما يحصل له ومن أعرض عنه وقلت رغبته فيه حصل له غالبا أو المراد بالشأن الإسلام أي تجدون خير الناس أكثرهم كراهية للإسلام كعمر وعكرمة وأضرابهما ممن كان يكره الإسلام أشد كراهة فلما دخله أخلص وقال الطيبي: من خير الناس ثاني مفعول تجد والأول قوله أشدهم ولما قدم المفعول الثاني أضمر في الأول الراجع إليه كقولك على التمرة مثلها زبدا ويجوز أن يكون المفعول الأول خير الناس على مذهب من يجوز زيادة من في الإثبات (وتجدون شر الناس) وفي رواية بزيادة من يوم القيامة (عند الله ذا الوجهين) وفسره بأنه (الذي) يشبه المنافق (يأتي هؤلاء) القوم (بوجه ويأتي هؤلاء) القوم (بوجه) فيكون عند ناس بكلام وعند أعدائهم بضده {مذبذبين بين ذلك} وذلك من السعي في الأرض بالفساد أي إذا لم يكن لإصلاح ونحوه وشمل من يظهر الخير والصلاح وإذا خلا خلا بالمعاصي القباح. قال القرطبي: إنما كان شر الناس لأن حاله حالة المنافق إذ هو يتملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ويخلف لضدها وصنيعه نفاق محض وخداع بحت وتحيل على الاطلاع على أسرار الفريقين وهي مداهنة محرمة أما بقصد الإصلاح فمحمود وقوله ذا الوجهين ليس المراد به الحقيقة بل هو مجاز عن الجهتين كالمدحة والمذمة قال تعالى {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية (حم ق) في الأدب والفضائل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 3241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 3242 - (تجري الحسنات على صاحب الحمى ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق) يعني يكتب له بكل اختلاج أو ضرب حسنة وتكثر له الحسنات بتكثر ذلك وفيه رد على من زعم أن المرض ونحوه من المصائب إنما يحصل به التكفير لا الأجر وإنما يحصل بالصبر والرضا قال ابن حجر: والأولى حمل الإثبات والنفي على حالين فمن له ذنوب أفاد المرض تمحيصا ومن لا ذنوب له يكتب له بقدره من الأجر ولما كان الأغلب من بني آدم وجود الخطايا فيهم أطلق من أطلق أن المرض كفارة ومن أثبت الأجرية يحمل على تحصيل ثواب يعادل الذنب فإن لم يكن توفر للمريض الثواب (طب عن أبي) بن كعب قال الهيثمي: فيه محمد بن معاذ ابن أبي كعب عن أبيه وهما مجهولان كما قال ابن معين وغيره الحديث: 3242 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 3243 - (تجعل النوائح) من النساء جمع نائحة (يوم القيامة) في الموقف (صفين صف عن يمينهم وصف عن يسارهم) يعني أهل النار كما يدل عليه قوله (فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب) جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا وهذا وعد شديد يفيد أن النوح كبيرة. قال البلخي: من أصيب فمزق ثوبا أو ضرب صدرا أو نتف شعرا فكأنما أخذ رمحا ليقاتل به الله ومات ابن لابن المبارك فعزاه مجوسي فقال: ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد أسبوع فقال ابن المبارك: اكتبوا هذه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه سليمان بن داود اليماني ضعيف الحديث: 3243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 [ص: 231] 3244 - (تجوزوا) أي خففوا (في الصلاة) أي صلاة الجماعة والخطاب للأئمة بقرينة قوله (فإن خلفكم الضعيف والكبير وذا الحاجة) والإطالة تشق عليهم فإن صلى الإنسان لنفسه فليطول ما شاء وكذا إمام محصورين راضين (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وقال الديلمي: حديث صحيح أورده الأئمة الكبار الحديث: 3244 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 3245 - (تجيء ريح) أي طيبة كما في رواية (بين يدي الساعة) أي قدامها قريبا منها (فيقبض فيها روح كل مؤمن) حتى لا يقال في الأرض الله الله (طب ك عن عياش) بفتح المهملة وشد التحتية وآخره معجمة (ابن أبي ربيعة) المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي واسم أبيه عمرو ويلقب ذا الرمحين أسلم قديما وهاجر الهجرتين الحديث: 3245 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 3246 - (تحرم الصلاة) التي لا سبب لها متقدم ولا مقارن (إذا انتصف النهار) أي عند الاستواء كل يوم (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تحرم فيه ولو لمن لم يحضرها وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه اعتضد بخبر يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف أو صلى في هذا المسجد أية ساعة شاء من ليل أو نهار (هق عن أبي هريرة) ظاهر كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال إسناده ضعيف وتبعه الذهبي قالا: وفي الباب عمر وابنه وأبو سعيد الحديث: 3246 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 3247 - (تحروا) بفتح أوله اطلبوا باجتهاد وهو بمعنى قوله في الحديث السابق التمسوا فكل منهما بمعنى الطلب والقصد لكن التحري أبلغ لاقتضائه الطلب بجد واجتهاد (ليلة القدر) بسكون الدال قال التوربشتي: إنما سكنت وإن كان الشائع في القدر الذي هو قرين القضاء فتحها إيذانا بأنه لم يرد به ذلك فإن القضاء سبق الزمان وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وتبيينه وتحديده في المدة التي بعدها إلى مثلها من قابل ليحصل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار (في الوتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان) أي تعمدوا طلبها فيها والتحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالقول والفعل (حم ق) في الصوم (ت عن عائشة) وفي الباب ابن عمر وابن عمرو وغيرهما الحديث: 3247 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 3248 - (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) قال التوربشتي: يحتمل أن يراد بها السبع التي تلي آخر الشهر وأن يراد السبع بعد العشرين وحمله على هذا مثل لتناوله إحدى وعشرين وثلاثا وعشرين وهذا لا ينافي حديث فالتمسوها في العشر الأواخر لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما قال ابن رجب: انتهاء بيان المصطفى صلى الله عليه وسلم لليلة القدر إلى أنها في السبع الآخر وهذا مما يستدل به من رجح ليلة ثلاث وعشرين على أحد وعشرين فإنها ليست من السبع الأواخر وأول السبع الأواخر ليلة ثلاث وعشرين على حساب نقص الشهر دون تمامه لأنه المتيقن وقيل يحسب تماما واختاره ابن عبد البر ويجري ذلك في رواية العشر الأواخر وقيل لا قطعا لأن المعبر عنها بالعشر الأواخر وقيامها هو العشر الأواخر (مالك) في الموطأ (م د عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3248 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 3249 - (تحروا ليلة القدر فمن كان متحريها) أي مجتهدا في طلبها منكم لينال فضلها (فليتحرها ليلة سبع وعشرين) أي فإن كونها ليلتها أقرب من كونها غيرها وبهذا أخذ أكثر أهل الصوفية قالوا: لا سيما إن وافقت ليلة جمعة (حم عن ابن [ص: 232] عمر) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 3249 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 3250 - (تحروا ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين) من رمضان حاول جمع الجمع بينه وبين ما قبله بأنها تنتقل لكن مذهب الشافعي لزومها ليلة معينة وأجمع من يعتد به على وجودها وبقائها ما بقيت الدنيا (طب عن عبد الله بن أنيس) مصغر أنس الأنصاري قال الهيثمي: سنده جيد الحديث: 3250 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 3251 - (تحروا الدعاء عند فيء الأفياء) أي عند الزوال كذا في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ الحلية تحروا الدعاء في الفيافي وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تمامه عند أبي نعيم وثلاثة لا يرد دعاؤهم عند النداء للصلاة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول القطر (حل عن سهيل بن سعد) الساعدي الحديث: 3251 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 3252 - (تحروا الصدق) أي قوله والعمل به (وإن رأيتم أن فيه الهلكة) في ظاهر الأمر (فإن فيه النجاة) في باطن الأمر باعتبار العاقبة والكذب بخلاف ذلك ومن ثم قال الحكماء: الصدق ينجيك وإن خفته والكذب يرديك وإن أمنته وقال الجاحظ: الصدق والوفاء توأمان والصبر والحلم توأمان فهن تمام كل دين وصلاح كل دنيا وأضدادهن سبب كل فرقة وأصل كل فساد قال الماوردي: وقد يظن بعض الناس أن في الكذب اجتلاب النفع واستدفاء الضر فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فرخص لنفسه فيه اغترارا بالخدع واستشفاقا للطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمن وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يكون خيرا وهل يجنى من الشوك العنب ومن الكرم الحنظل (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في الصمت) أي في كتاب فضل الصمت (عن منصور بن المعتمر) بن عبد الله السلمي أبو غياث بمثلثة ثقيلة ثم موحدة ثقة ثبت من طبقة الأعمش (مرسلا) قال المنذري: رواه هكذا معضلا ورواته ثقات انتهى ومنصور كان من أئمة الكوفة قال: ما كتبت حديثا قط ومناقبه جمة الحديث: 3252 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 3253 - (تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة) ظاهرا (فإن فيه النجاة) باطنا وآخرا (واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة) ولهذا قال بعض الحكماء: ليكن مرجعك إلى الحق ومفزعك إلى الصدق فالحق أقوى معين والصدق أفضل قرين ومحل هذا وما قبله ما إذا لم يترتب على الصدق وقوع محذور أو على الكذب مصلحة ظاهرة محققة وإلا ساغ الكذب بل قد يجب (هناد عن مجمع) بضم أوله وفتح الجيم وشد الميم مكسورة (بن يحيى) بن يزيد (مرسلا) هو الأنصاري الكوفي قال الذهبي: ثقة وفي التقريب صدوق الحديث: 3253 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 3254 - (تحريك الأصابع) وفي رواية الأصبع (في الصلاة) يعني في التشهد (مذعرة) أي مخوفة والذعر الخوف (للشيطان) أي أنه يفرق منه فيتباعد عن المصلي لذلك فعلى هذا فتحريك المصلي أصبعه فيه سنة وإليه ذهب جمع شافعية فسنوا تحريك السبابة لكن المصحح عندهم أنه لا يحركها بل يقتصر على رفعها عند قوله إلا الله (هق هـ) وكذا الديلمي عن [ص: 233] (ابن عمر) بن الخطاب ثم قال: أعني البيهقي تفرد به الواقدي وليس بالقوي وقال الذهبي في المهذب: بل مجمع على تركه وقال في موضع آخر: هالك وفي الميزان عن ابن المديني يضع الحديث ثم أورد له أخبارا هذا منها الحديث: 3254 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 3255 - (تحفة الصائم) بضم التاء وسكون الحاء وقد تفتح أصله وحفة أبدلت الواو تاء (الدهن والمجمر) يعني طرفته التي تذهب عنه مشقة الصوم وشدته وأصل التحفة طرفة الفاكهة ثم استعمل في غير الفاكهة من الألطاف ذكره ابن الأثير (ت هب) من حديث سعد بن طريف عن عمير بن مأمون (عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين قال الديلمي: وسعد وعمير ضعيفان وقال ابن الجوزي: لا يعرف إلا من حديث سعد وقد قال يحيى: لا تحل الرواية عنه وقال ابن حبان: يضع الحديث انتهى وقال الذهبي: تركه واتهمه ابن حبان الحديث: 3255 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 3256 - (تحفة الصائم الزائر) أخاه المسلم حال صومه (أن تغلف (1) لحيته ويذرر (2) وتجمر ثيابه (3) وتحفة المرأة الصائمة الزائرة) لنحو أهلها أو بعلها أو أخوتها (أن تمشط) ببنائه للمفعول وكذا ما بعده (رأسها وتجمر ثيابها وتذرر) أي أن ذلك يذهب عنها مشقة الصوم وهل المراد أن ذلك يفعل بدل الضيافة أو أنه يضاف إلى الضيافة عند الغروب؟ فيه احتمالان (هب) من رواية سعد بن طريف المذكور عن عمير المزبور (عنه) أي الحسن ثم قال أعني البيهقي عقبه وسعد غيره أوثق منه   (1) " تغلف لحيته ": تلطخها بكثرة وذلك بالطيب. دار الحديث (2) " يذرر ": يطيب بنوع طيب أو يكحل بنوع كحل ففي حديث عائشة " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه بذريرة " وهو نوع من الطيب. وفي حديث آخر " تكتحل المحد بالذرور " وهو ما يذر في العين من الدواء اليابس. من " النهاية " لابن الأثير بتصرف يسير. وفي لسان العرب " ذر الشيء يذره ": أخذه بأطراف أصابعه ثم نثره على الشيء. دار الحديث (3) " تجمر ثيابه ": تطيب بالبخور. دار الحديث الحديث: 3256 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 3257 - (تحفة المؤمن) زاد الديلمي في روايته في الدنيا والتحفة ما يتحف به المؤمن من العطية مبالغة في بره وألطافه (الموت) لأن الدنيا محنته وسجنه وبلاؤه إذ لا يزال فيه في عناء من مقاساة نفسه ورياضة شهواته ومدافعة شيطانه والموت إطلاق له من هذا العذاب وسبب لحياته الأبدية وسعادته السرمدية ونيله للدرجات العلية فهو تحفة في حقه وهو وإن كان فناءا واضمحلالا ظاهرا لكنه بالحقيقة ولادة ثانية ونقله من دار الفناء إلى دار البقاء (1) ولو لم يكن الموت لم تكن الجنة ولهذا من الله علينا بالموت فقال: {خلق الموت والحياة} قدم الموت على الحياة تنبيها منه على أنه يتوصل منه إلى الحياة الحقيقية وعده علينا من الآلآء في قوله {كل من عليها فان} ونبه بقوله {ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} على أن هذه التغيرات لخلق أحسن فنقض هذه البينة لإعادتها على وجه أشرف قال أبو داود: ما من مؤمن إلا والموت خير له فمن لم يصدق فإن الله يقول: {وما عند الله خير للأبرار} وقال حبان بن الأسود: والموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب والمؤمن كريم على ربه فإذا قدم عليه أتحفه ولقاه روحا وريحانا وأمر له في قبره بكسوة ورياحين وبرد مضجعه وآنسه بملائكة كرام إلى أن يلقاه وقال الإمام الرازي: الموت سبب لخلاص الروح عن رحمة البدن والاتصال بحضرة الله ورحمته فكيف يعد من المكاره؟ ومن ثم تمناه كثير وتمنى آخرون طول البقاء لإقامة الدين وإكثار العمل الصالح الرافع للدرجات المذهب للخطيئات وفرقة ثالثة لم تختر شيئا بل اختارت ما اختار الحق لها ومنهم الصديق قيل له في مرضه ألا ندعو لك طبيبا قال: قد رآني قال: فما قال؟ قال: قال أنا الفعال لما أريد. <تنبيه> قال العارف ابن عربي: العارف أخرس منقطع منقمع خائف متبرم [ص: 234] بالبقاء في هذا الهيكل وإن كان منورا لما عرفه الشارع أن الموت لقاء الله وأنه تحفة له فنغصت عليه الحياة الدنيا شوقا إلى ذلك اللقاء فهو صاف العيش رطيب الحياة في نفس الأمر لا في نفسه قد ذهب عنه كل مخوف وهابه كل ناظر إذا رؤي ذكر الله وأنس بالله بلا فصل ولا وصل. (تتمة) ذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بالموت في هذا الخبر ونحوه فناء اختيار العبد في مراد الله قال فلا يعارض ذلك الأحاديث المصرحة بأن حياة المؤمن أحسن من موته ومما جمع به أيضا أن الموت في حق من لم يصبر على الزمان وسخط الأقدار والحياة في الصابر على الأقدار المسلم لها (طب حل ك) في الرقاق (هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أبو نعيم: غريب من حديثه لم يروه عنه غير أبي عبد الرحمن الجيلي قال المنذري: بعد عزوه للطبراني إسناده جيد ورواه عنه القضاعي في الشهاب وقال شارحه حسن غريب وقال الحاكم: صحيح ورواه الذهبي بأن فيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف اه. لكن قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات وأفاد الحافظ العراقي أنه ورد من طريق جيد فقال: رواه محمد بن خفيف الشيرازي في شرف الفقراء والديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بسند لا بأس به ورواه الديلمي من حديث ابن عمر بسند ضعيف جدا اه. وبه يعرف أن المصنف قصر حيث اقتصر على عزوه للطرق التي لا تخلو عن مقال وإهمال الطريق السالمة عن الإشكال   (1) ولله در من قال: قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا. . . في الموت ألف فضيلة لا تعرف منها أمان عقابه بلقائه. . . وفراق كل معاشر لا ينصف الحديث: 3257 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 3258 - (تحفة المؤمن في الدنيا الفقر) لأنه سبحانه لم يفعله إلا لعلمه بأنه لا يصلحه إلا هو وأن الغنى يطغيه وقد يختار للعبد ما لا مصلحة له فيه فيرده مولاه إلى ما يعلمه أنه الأصلح الأنفع له قال كعب الأحبار: قال الله تعالى: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين (فر عن معاذ) بن جبل وفيه يعقوب بن الوليد المدني قال الذهبي في الضعفاء: كذبه أحمد والناس وقال السخاوي: حرف اسمه على بعض رواته فسماه إبراهيم وللحديث طرق كلها واهية الحديث: 3258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 3259 - (تحفة الملائكة تجمير المساجد) أي تبخيرها بنحو عود والتجمير التبخير كما تقرر يقال جمرت المرأة ثوبها إذا بخرته فإنهم يأوون إليها ويعكفون عليها وليس لهم حظ فيما في أيدينا إلا في الريح الطيبة والتحفة وزان رطبة ما أتحفت به غيرك وحكى الصاغاني سكون الحاء قال الأزهري: والتاء أصلها واو (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في الثواب (عن سمرة) ابن جندب ورواه عنه الديلمي عنه أيضا وفيه ضعف الحديث: 3259 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 3260 - (تحفظوا من الأرض فإنها أمكم) التي خلقتم منها (وإنه ليس من أحد) من الآدميين (عاملا عليها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة به) يحتمل بناء مخبرة للفاعل أي أنها تخبر به الملائكة أي ملائكة العذاب أو ملائكة الرحمة عند نزول الميت القبر أو أنها تشهد عليه بما عمله يوم القيامة ويحتمل على بعد بناؤه للمفعول وأن المراد أن الملائكة تخبرها به لتخفف أو تضيق عليه في الضم إذا أقبر فيها (طب عن ربيعة) بن عمرو ويقال ابن الحارث الدمشقي (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي: مختلف في صحبته قتل يوم مرج واهط وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره الحديث: 3260 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 3261 - (تحول إلى الظل) يا من هو جالس في الشمس (فإنه) أي الظل والتحول إليه (مبارك) كثير البركة والخير والنفع لمن تجنب الجلوس في الشمس الذي يحرك الداء الدفين (ك) في التوبة (عن أبي حازم) والد قيس اسمه حصين أو عوف [ص: 235] أو عبد عوف قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد في الشمس فذكره الحديث: 3261 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 3262 - (تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة) بالنوم عن صلاة الصبح قاله في قصة التعريس بالوادي فأمرهم بالتحول وقال: إنه مكان حضر فيه الشيطان فلما تحولوا أمر بلالا فأذن وأقام وصلى بهم الصبح واستفدنا ندب التحول لمن نام عن نحو ورده من مكانه (د هق عن أبي هريرة) وأصله في مسلم بدون ذكر الأذان والإقامة الحديث: 3262 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 3263 - (تختموا بالعقيق فإنه مبارك) أي كثير الخير والمراد المعدن المعروف قال الزركشي: وروى تخيموا بمثناة تحتية أي اسكنوا العقيق وأقيموا به وقال حمزة الأصبهاني في التنبيه على التصحيف: الرواة يروونه تختموا بالعقيق وإنما هو تخيموا وهو اسم واد بظاهر المدينة قال ابن الجوزي: بعيد وقائله أحق بأن ينسب إليه التصحيف اه. قال الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس: لكن قول الأصبهاني لعله يعضده ما خرجه البخاري بلفظ أتاني جبريل فقال: صل في هذا الوادي المبارك يعني العقيق وقل عمرة في حجة اه. وفي الفتح روى أحمد عن عائشة تخيموا بالعقيق فإنه واد مبارك وقوله تخيموا بخاء معجمة وتحتية أمر بالتخيم والمراد به النزول هنالك اه. وقال في حديث له شأن من تختم بالعقيق (1) وفق لكل خير وأحبه الملكان ومن خواصه تسكين الروع عند الخصام ويقطع نزف الدم (عق) من حديث محمد ابن زكريا البلخي عن الفضل بن الحسن الجحدري عن يعقوب بن الوليد المدني عن هشام عن أبيه عن عائشة ثم قال أعني العقيلي: ولا يثبت في هذا شيء وقال ابن الجوزي وتبعه المؤلف: يعقوب كذاب يضع (وابن لال في مكارم الأخلاق ك في تاريخه هب خط وابن عساكر) في التاريخ خرجه هو والخطيب من طريق أبي سعيد شعيب بن محمد الشعيبي عن محمد بن وصيف الغامي عن محمد بن سهل بن الفضل عن خلاد بن يحيى عن هشام عن عروة عن عائشة (فر) كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قال الزركشي: رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها وأنس وعمر وعلي وغيرهم بأسانيد متعددة وفي اليواقيت للمطرزي عن إبراهيم الحربي أنه صحيح اه. وخالفه المصنف فقال في الدرر سنده ضعيف وذلك لأن فيه أحمد بن عمير وغيره من الضعفاء وحكم ابن الجوزي بوضعه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وأمثل ما ورد في هذا الباب حديث البخاري في تاريخه من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالتي هي أحسن اه. فهذا أصل أصيل فيه   (1) في القاموس العقيق كأمير خرز أحمر يكون باليمن وسواحل بحر رومية منه جنس كدر كماء يجري من اللحم المملح وفيه خطوط بيض خفية من تختم به سكنت روعته عند الخصام وانقطع عنه الدم من أي موضع كان ونحاتة جميع أصنافه تذهب صفر الأسنان ومحروقه يثبت متحركها الحديث: 3263 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 3264 - (تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر) قيل أراد به اتخاذ خاتم فصه من عقيق وقال ابن الأثير: يريد أنه إذا ذهب ماله باع خاتمه فوجد به غنى اه. وأقول يرده زيادته في رواية الديلمي عقب ينفي الفقر واليمين أحق بالزينة وقوله في رواية أخرى تختموا بالخواتم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه اه. فدل السياق على أن المراد حقيقة التختم وهو جعله في الأصبع ولذا قال بعضهم: الأشبه إن صح الحديث أن تكون لخاصية فيه كما أن النار لا توثر فيه ولا تغيره وأن من تختم به أمن من الطاعون وتيسرت له أمور المعاش ويقوى قلبه ويهابه الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج <فائدة> روى الطبراني عن عائشة قالت: أتى بعض بني جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرسل معي [ص: 236] من يشتري لي نعلا وخاتما فدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلالا فقال: انطلق فاشتر له نعلا واستجدها ولا تكن سوداء واشتر له خاتما وليكن فصه عقيق (عد) من حديث عيسى بن محمد البغدادي عن الحسين بن إبراهيم البابي عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك ثم قال ابن عدي: حديث باطل والحسين مجهول وفي الميزان حسين لا يدرى من هو فلعله من وضعه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات قال: وقد أخرجه ابن عساكر عن أنس أيضا بلفظ تختموا بالعقيق فإنه أنجح للأمر واليمين أحق بالزينة اه. قال في اللسان: وهو موضوع بلا ريب ولكن لا أدري من وضعه اه. وبما تقرر يعرف أن اقتصار المؤلف على عزو الحديث لمخرجه ابن عدي وحذفه ما عقبه به من بيان كونه باطلا من سوء التصرف وتلبيس فاحش ولا قوة إلا بالله وقال ابن رجب رحمه الله: وكل أحاديث التختم بالعقيق لا يثبت منها شيء وقال العقيلي: لا يصح في التختم به شيء وجزم في الميزان بأنه موضوع وروى ابن زنجويه بسند ضعيف عن علي كرم الله وجهه مرفوعا من تختم بالياقوت الأصفر منع من الطاعون الحديث: 3264 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 3265 - (تخرج الدابة) من الأرض تكلم الناس وهي ذات زغب وريش (ومعها خاتم سليمان) نبي الله بن داود (وعصى موسى) الكليم (فتجلو وجه المؤمن بالعصا) بإلهام من الله تعالى فيصير بين عينيه نكتة يبيض بها وجهه (وتخطم) أي تسم من خطم البعير كواه خطاما من أنفه إلى أحد خديه (أنف الكافر بالخاتم) فيسود وجهه (حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا لهذا يا مؤمن ويقول هذا لهذا يا كافر) قال الزمخشري: تخطم تؤثر على أنفه من خطمت البعير إذا وسمته بالكي بخطم من الأنف إلى أحد خديه وتسمى تلك السمة الخطام (حم ت هـ ك عن أبي هريرة) الحديث: 3265 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 3266 - (تخرج الدابة) من الأرض (فتسم) بسين مهملة (الناس) يعني الكفار منهم أي تؤثر في وجهه أثرا كالكي والوسم بالمهملة الأثر في الوجه وبالمعجمة في البدن (على خراطيمهم) جمع خرطوم وهو الأنف (ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة) مثلا (فيقال ممن اشتريت فيقول من الرجل المخطم) وفي رواية من أحد المخطمين (حم عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمرو بن عبد الرحمن بن عطية وهو ثقة الحديث: 3266 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 3267 - (تخللوا) أي استعملوا الخلال لاستخراج ما بين الأسنان من نحو طعام (فإنه نظافة) للفم والأسنان (والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة) وفي رواية بدل فإنه إلخ فإنه مصحة للناب والنواجذ والتخلل إخراج الخلة بالكسر وهي ما يبقى بين الأسنان من أثر الطعام والخلال بالكسر العود يتخلل به والخلالة بالضم ما يقع منها يقال فلان يأكل خلالته أي ما يخرجه من بين أسنانه إذا تخلل وهو مثل كما في الصحاح (طس عن ابن مسعود) سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس كذلك قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن حبان قال ابن عدي: أحاديثه موضوعة وقال المنذري: رواه في الأوسط هكذا مرفوعا ووقفه في الكبير على ابن مسعود بإسناد حسن وهو الأشبه الحديث: 3267 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 [ص: 237] 3268 - (تخيروا لنطفكم) أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور ذكره الزمخشري قال: والاختيار أخذ ما هو خبر يتعدى إلى أحد مفعوليه بواسطة من ثم يحذف ويوصل الفعل نحو {واختار موسى قومه} وأصل النطفة الماء القليل والمراد هنا نطفة المني سمي نطفة لأن أصل النطف القطر (فانكحوا الأكفاء) جمع كفء (وأنكحوا إليهم) (1) فيه دليل ظاهر على اشتراط الكفاءة ورد على من لم يعتبرها (هـ ك) في النكاح من حديث الحارث بن عمران الجعفري عن عكرمة بن إبراهيم عن هشام عن عائشة وصححه الحاكم ورده الذهبي في التلخيص بأن الحارث متهم وعكرمة ضعفوه (هق) عن سعيد الأشج عن الحارث بن عمران عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال في المهذب: قلت الحارث وصاحباه ضعفاء وقال ابن حبان: الحارث كان يضع الحديث اه. وقال ابن حجر في التخريج مداره على أناس ضعفاء أمثلهم صالح بن موسى الطلحي والحارث الجعفري وقال في الفتح: رواه ابن ماجه والحاكم وصححه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال ويقوي أحد الإسنادين في الآخر   (1) يحتمل أن المراد تزوجوا الخيرات وانضموا إليهن فالهمزة همزة وصل وإلا اتبعت ولا يصح مخالفتها في الفعلين وأطلق ضمير المذكر على المؤنث هذا والذي يظهر أن الهمزة في الثاني مقطوعة أي فأنكحوا مولاتكن الأكفاء ففيه حذف المفعول للأول للعلم به وزيادة إلى في الثاني على رأي الفراء وإبقاء ضمير المذكرين على أصله فتأمل والتأسيس خير من التأكيد لأن نكح يتعدى للثاني بالهمز كما في المصباح وهذا إذا لم تعلم الرواية الحديث: 3268 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 3269 - (تخيروا لنطفكم) أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر (فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن) أي غالبا <تنبيه> قال الحكماء: ينبغي للرجل أن يقصد بالتزوج حفظ النسل والتحصين ونظام المنزل وحفظ المال لا مجرد نحو شهوة والمطلوب في الزوجة العقل والعفة والحياء فهذه أصول الصفات المطلوبة إذ الفطانة ومعرفة مصالح المنزل من فروع العقل ورقة القلب وطيب الكلام وطاعة الزوج وخدمته من فروع العفة والستر والبر وإخفاء الفوت وعدم الميل للزوج لنحو تهنئة وتعزية أو حمام من فروع الحياء وبعد الدخول ينبغي أن يراعى إيقاع الهيبة في نفسها بإظهار الفضائل وستر العيوب والانبساط فإن اطلاعها عليها يوجب الاستخفاف وكثرة الانبساط توجب الجرأة والتهاون في الطاعة (عد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) رضي الله عنها قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه عيسى بن ميمون قال ابن حبان: منكر الحديث لا يحتج بروايته وقال الخطيب رحمه الله: حديث غريب وكل طرقه واهية اه وقال السخاوي: أنجب وهو ضعيف وروى ابن عدي عن ابن عمرو مرفوعا تخيروا لنطفكم وعليكم بذوات الإدراك فإنهن أنجب وهو ضعيف الحديث: 3269 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 3270 - (تخيروا لنطفكم) فإن الولد ينزع إلى أصل أمه وطباعها قيل: ويدخل فيه اختيار المرضعة في أصلها وأهلها وخلقها (واجتنبوا هذا السواد) أي اللون الأسود كالزنج (فإنهن لون مشوه) (1) أي قبيح وهو من الأضداد يقال للمرأة الحسناء الرائعة شوهاء (حل) عن أحمد بن إسحاق عن أحمد بن عمرو بن الضحاك عن عبد العظيم بن إبراهيم السلمي عن عبد الكريم بن يحيى عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن (أنس) بن مالك رضي الله عنه ثم قال مخرجه أبو نعيم من حديث زياد الزهري لم يكتبه إلا من هذا الوجه اه وقال ابن الجوزي في العلل: فيه مجاهيل ونقل ابن أبي حاتم في علله عن أبيه تضعيف الحديث من جميع طرقه   (1) [وفي ثبوت الحديث نظر لمخالفته الأصول. وورد في الحديث 4185: دخلت الجنة فإذا جارية أدماء لعساء. فقلت: ما هذه يا جبريل؟ فقال: إن الله تعالى عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس فخلق له هذه. وفي شرحه: " أدماء ": شديدة السمرة. و " لعساء ": في لونها أدنى سواد ومشربة بالحمرة. فلو كان السواد تشويه لما حصل مكافأة لجعفر رضي الله عنه في الجنة والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 3270 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 [ص: 238] 3271 - (تداووا عباد الله) وصفهم بالعبودية إيذانا بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل الذي هو من شرطها يعني تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه (فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء) وهو سبحانه لو شاء لم يخلق دواء وإذا خلقه لو شاء لم يأذن في استعماله لكنه أذن ومن تداوى فعليه أن يعتقد حقا ويؤمن يقينا بأن الدواء لا يحدث شفاء ولا يولده كما أن الداء لا يحدث سقما ولا يولده لكن الباري تعالى يخلق الموجودات واحدا عقب آخر على ترتيب هو أعلم بحكمته (غير داء واحد الهرم) أي الكبر جعل داء تشبيها به لأن الموت يعقبه كالداء ذكره البيضاوي كابن العربي رحمه الله وجعله أولى من القول بأنه استثناء منقطع وقال العكبري: لا يجوز في غير هنا إلا النصب على الاستثناء من دواء أما الهرم فيجوز رفعه بتقدير هو والجر على البدل من المجرور بغير والنصب على إضمار أعني قال ابن القيم: وقد تداوى وأمر بالتداوي لكن لم يكن هو وأصحابه يستعملون الأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان وجاء في بعض الروايات الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع بل قد يحدث داء آخر. <تنبيه> نقل أبو يعلى الحنبلي عن الإمام أحمد أنه يجوز الرجوع إلى قول طبيب ومن ثم خصه بما إذا لم يتعلق بالدين كإشارته بالفطر في رمضان أو الصلاة قاعدا لاتهامه فيه (حم 4) كلهم (في الطب حب ك) في الطب من حديث زياد بن علاقة (عن أسامة بن شريك) الثعلبي بمثلثة ومهملة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده كأن على رؤوسهم الطير فسئل فذكره قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأسامة ما روى عنه غير زياد الحديث: 3271 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 3272 - (تداووا من ذات الجنب) وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع والمراد هنا ورم يعرض في نواحي الجنب عن ريح غليظ مؤذ (بالقسط البحري) وهو العود الهندي (والزيت) المسخن بأن يدق ناعما ويخلط ويدلك به محله أو يلعق فإن جمعها كان أولى فإنه نافع له محلل لمادته مقو للأعضاء الباطنة مفتح للسدد وغير ذلك. <تنبيه> قال الحرالي: على المريض والطبيب أن يعلما أن الله أنزل الداء والدواء وأن المرض ليس بالتخليط وإن كان معه وأن الشفاء ليس بالدواء وإن كان عنده وإنما المرض بتأديب الله والبرء برحمته حتى لا يكون كافرا بالله مؤمنا بالدواء كالمنجم إذا قال مطرنا بنوء كذا ومن شهد الحكمة في الأشياء ولم يشهد مجريها صار بما علم منها أجهل من جاهلها (حم ك) في الطب (عن زيد بن أرقم) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3272 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 3273 - (تداووا بألبان البقر المعروفة فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء فإنها تأكل من كل الشجر) أفاد كالذي قبله أن التداوي لا ينافي التوكل وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام اعتل فعرف بعض بني إسرائيل علته فقالوا: تداوى بكذا تبرأ فقال: لا حتى يعافيني بلا دواء فطالت علته فأوحى الله إليه أردت أن تبطل حكمتي في خلقي بتوكلك علي لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك من أودع العقاقير المنافع غيري؟ (طب عن ابن مسعود) قال السخاوي: لهذا الحديث طرق بألفاظ مختلفة وفي الباب أبو هريرة وأسامة وجابر وغيرهم الحديث: 3273 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 [ص: 239] 3274 - (تداركوا الهموم) جمع هم بالفتح وهو الحزن (والغموم) جمع غم وأصله التغطية ومنه قيل للحزن الشديد غم لأنه يغطي السرور (بالصدقات) فإنكم إن داويتموها بذلك (يكشف الله تعالى ضركم وينصركم على عدوكم) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه الديلمي ويثبت عند الشدائد أقدامكم اه بلفظه وهذا من الطب الروحاني (فر) من حديث مكحول (عن أبي هريرة) وفيه ميسر بن عبد ربه قال الذهبي في الضعفاء: كذاب مشهور اه الحديث: 3274 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 3275 - (تدرون ما يقول الأسد في زئيره) أي في صياحه قالوا: لا قال: (يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف) قال في الفردوس: المعروف الخير يقال زأر يزأر زأرا اه. ثم إن ذلك القول يحتمل الحقيقة بأن يطلب ذلك من الله بهذا الصوت ويحتمل أن ذلك عبارة عن كونه قد ركز في طباعه محبة أهل المعروف وعدم أذيتهم (طب في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 3275 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 3276 - (تذهب الأرض كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنها ينضم بعضها إلى بعض) يحتمل أنه يريد وتصير بقعة في الجنة أو أنها تأتي شاهدة أو شافعة لزوارها وعمارها ثم تذهب (طس عد) عن وصيف بن عبد الله الأنطاكي عن الحسن بن محبوب عن أصرم بن حوشب عن قرة بن خالد عن الضحاك (عن ابن عباس) قال الهيثمي وغيره: فيه أصرم بن حوشب كذاب وفي الميزان أن أصرم كذاب هالك وقال يحيى كذاب خبيث والدارقطني منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث عدي هذا وأقره عليه المؤلف فلم يتعقبه بشيء الحديث: 3276 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 3277 - (تذهبون الخير فالخير) بالتشديد والنصب أي الأفضل فالأفضل (حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذه) وأشار إلى حشف التمر أي لا يبقى إلا نخالة الناس وأشرارهم وأرذالهم ولا يزال الأمر في قهقرى حتى لا يقال في الأرض الله (تخ طب ك عن رويفع) بالفاء مصغر بن (ثابت) الأنصاري البخاري سكن مصر وولي إمرة المغرب له صحبة الحديث: 3277 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 3278 - (تربوا صحفكم) أي أمروا التراب عليها بعد كتابتها (فإنه أنجح لها) أي أكثر نجاحا ثم وجه ذلك بقوله (إن التراب مبارك) قال في مسند الفردوس: يعني يجفف المكتوب بالتراب بأن ينشر عليه وقيل أراه يضع المكتوب إذا فرغ منه على التراب سواء جف أم لا فإن فيه نجاح الحاجة والبركة وفي رواية لابن قانع تربوا الكتاب فإنه أنجح له وجميع ما في الباب ضعيف كما سبق روى الخطيب في الجامع من حديث عبد الوهاب الحجي: كنت بمجلس بعض [ص: 240] المحدثين وابن معين بجنبي فكتبت صحفا فذهبت لأتربها فقال: لا تفعل فإن الأرض تسرع إليه فسقت إليه هذا الحديث فقال: إسناد لا يساوي فلسا (هـ) من حديث أبي أحمد الدمشقي عن أبي الزبير (عن جابر) قال البيهقي: وأبو أحمد من مشايخ بقية المجهولين وروايته منكرة وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه فقال: حديث منكر وأورده ابن الجوزي عن جابر من أربعة طرق وزيفها كلها وفي الميزان كاللسان ما حاصله أنه موضوع الحديث: 3278 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 3279 - (ترك الدنيا أمر من الصبر) أي أشد مرارة منه قال بعض الحكماء: الدنيا من نالها مات منها ومن لم ينلها مات عليها (وأشد من حطم السيوف في سبيل الله عز وجل) في الجهاد وحطم الشيء كسره وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول عجيب بل بقيته عند مخرجه الديلمي من حديث ابن مسعود هذا ولا يتركها أحد إلا أعطاه الله مثل ما يعطي الشهداء وتركها قلة الأكل والشبع وبغض الثناء من الناس فإنه من أحب الثناء من الناس أحب الدنيا ونعيمها ومن سره النعيم فليدع الدنيا والثناء من الناس اه. بلفظه فاقتصار المصنف على الجملة الأولى منه من سوء التصرف وإن كان جائزا <تنبيه> طريق ترك الدنيا بعد إلفها والأنس بها ورسوخ القدم فيها بمباشرة العادة أن يهرب من موضع أسبابها ويكلف نفسه في أعماله أفعالا يخالف ما يعتاده فيبدل التكلف بالتبذل وزي الحشمة بزي التواضع وكذا كل هيئة وحال في مسكن وملبس ومطعم وقيام وقعود كان يعتاده وما يقتضي جاهه فيبدلها بنقيضها حتى يترسخ باعتياد ذلك ضدها كما رسخ فيه من قبل باعتياده ضده فلا معنى للمعالجة إلا المضادة ويراعى في ذلك التلطف بالتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه إلا بالتدريج فيترك البعض ويسلي نفسه به وهكذا شيئا فشيئا إلى أن تنقمع لك الصفات التي رسخت فيه والى هذا التدريج الإشارة بخبر إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق الحديث. (تنبيه آخر) قال بعضهم: دواء الحرص على الدنيا إكثار التفكر في مدة قصرها وسرعة زوالها وما في أبوابها من الأخطار والهموم والتفكر في خساسة المطلب وملاحظة أن من أفضل المأكولات العسل وهو رضاب حيوان وأفضل المشروبات الماء وهو أهون شيء وأيسره وألذ الاستمتاعات المجامعة وهي تلاقي مبولين وأشرف الملابس الديباج وهو من دودة (فر عن ابن مسعود) ورواه عنه البزار أيضا ومن طريقه عنه أورده الديلمي الحديث: 3279 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 3280 - (ترك السلام على الضرير خيانة) لأن شرعية السلام أن يفيض كل من المتلاقين الخير والأمان على صاحبه فمن امتنع من إفاضة هذا الخير فقد خان صاحبه والضرير معذور بعدم الإبصار (فر عن أبي هريرة) من طريق الطيالسي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى ثم إن فيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد ويحيى ليس بشيء وأبو زرعة غير قوي الحديث: 3280 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 3281 - (ترك الوصية عار) وهو كل شيء يلزم منه عيب أو شبه أو شين (في الدنيا ونار وشنار) بالفتح والتخفيف أقبح العيب كما في القاموس وغيره وفي الفردوس الشنار أقبح العيب والعار (في الآخرة) وفيه أن الوصية واجبة أي على من عليه حق لله أو لآدميين بلا شهود أما بالتطوع فمستحبة (طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم ورواه فيه الديلمي أيضا الحديث: 3281 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 3282 - (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله) القرآن (وسنتي) أي طريقتي وكتاب بدل مما قبله أو خبر [ص: 241] لمحذوف أي وهما إلخ (ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) قد مر بيانه موضحا بما منه أنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما ولا هدى إلا منهما والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما وهما الفرقان الواضح والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما والمبطل إذا خلاهما فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة لكن القرآن يحصل به العلم القطعي يقينا وفي السنة تفصيل معروف والمحصول مبسوط في الأصول (ك عن أبي هريرة) قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذكره الحديث: 3282 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 3283 - (تزوجوا في الحجز) بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم الأصل والمنبت (الصالح) كناية عن العفة وقيل هو فصل ما بين فخذ الرجل والفخذ الآخر من عشيرته سمي به لأنه يحتجز بهم أي يمتنع وبالكسر بمعنى الحجز كناية عن العفة وطيب الإزار ذكره الزمخشري (فإن العرق دساس) أي دخال بالتشديد لأنه ينزع في خفاء ولطف يقال دسست الشيء إذا أخفيته وأخملته ومنه {وقد خاب من دساها} أي أخمل نفسه وأبخس حظها وقيل معنى دساس خفي قليل وكل من أخفيته وقللته فقد دسسته والمعنى أن الرجل إذا تزوج في منبت صالح يجيء الولد يشبه أهل الزوجة في العمل والأخلاق ونحوهما وعكسه بعكسه (عد) من حديث الموقدي عن الزهري (عن أنس) قال ابن الجوزي: قال يحيى الموقدي ليس بشيء وقال النسائي متروك وقال علي لا يكتب حديثه ورواه الديلمي في مسند الفردوس والمديني في كتاب تضييع العمر عن ابن عمر وزاد وانظر في أي نصاب تضع ولدك قال الحافظ العراقي وكلها ضعيف الحديث: 3283 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 3284 - (تزوجوا النساء) ندبا عند الشافعية وقال الظاهرية: وجوبا عينا وبعض الحنفية هو فرض كفاية كالجهاد وأولى (فإنهن يأتين) وفي رواية يأتينكم (بالمال) وفي رواية ذكرها المصنف فإنهم يأتينكم بالأموال بمعنى أن إدرار الرزق يكون بقدر العيال والمعونة تنزل بحسب المؤونة فمن تزوج قاصدا بتزوجه المقاصد الأخروية لتكثير الأمة لا قضاء الوطر ونيل الشهوة رزقه الله من حيث لا يحتسب ولا ينافي الأمر بالتزوج بشرطه {ذلك أدنى أن لا تعولوا} لأن معناه أن لا تجوروا ولا تميلوا يقال عال إذا مال وجار وتفسيره بتكثير عيالكم اعترضوه وقد أخذ بظاهر هذا الخبر وما بعده من ذهب من الشافعية إلى ندب النكاح مع فقد الأهبة والأصح عند الشافعية أن تركه حينئذ أولى ولا دلالة لأولئك في الحديث ولا في آية {إن يكونوا فقراء} عند التأمل إذ لا يلزم من الفقر وإتيائهن بالمال عدم وجدان الأهبة (البزار) في مسنده (خط) في التاريخ وكذا الدارقطني والحاكم وابن مردويه والديلمي كلهم من حديث مسلم بن جنادة عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال الحاكم: تفرد بوصله مسلم وهو ثقة وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا مسلم بن جنادة وهو ثقة (د في مراسيله) وكذا ابن أبي شيبة (عن عروة) بضم العين ابن الزبير (مرسلا) قال المصنف: وله شواهد منها خبر الثعلبي عن ابن عجلان أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر فقال: عليك بالباءة الحديث: 3284 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 3285 - (تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما) بنون ومثناة فوقية وقاف أي أكثر أولادا (وأرضى باليسير) في رواية من العمل أي الجماع ولولا هذه الرواية لكان الحمل على الأعم أتم فيشمل الرضا بالقليل من المعيشة [ص: 242] لأن من لم تمارس الرجال لا تقول كنت فصرت وتقنع غالبا (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني الحديث: 3285 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 3286 - (تزوجوا الودود) المتحببة لزوجها بنحو تلطف في الخطاب وكثرة خدمة وأدب وبشاشة (الولود) ويعرف في البكر بأقاربها فلا تعارض بينه وبين ندب نكاح البكر قال أبو زرعة: والحق أنه ليس المراد بالولود كثرة الأولاد بل من هي في مظنة الولادة وهي الشابة دون العجوز الذي انقطع نسلها فالصفتان من واد واحد (فإني مكاثر بكم) أي أغلب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزويج الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود (د ن) كلاهما في النكاح (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وقاف (بن يسار) ضد اليمين قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم ذكره ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن أنس قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح إلا حفص بن عمر وقد روى عنه جمع الحديث: 3286 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 3287 - (تزوجوا فإني مكاثر بكم) تعليل للأمر بالتزوج أي مفاخر (الأمم) السالفة أي أغالبهم بكم كثرة (ولا تكونوا كرهبانية النصارى) الذين يترهبون في الديورات ولا يتزوجون وهذا يؤذن بندب النكاح وفضل كثرة الأولاد إذ بها حصول ما قصده من المباهاة والمغالبة. <تنبيه> قال الحجة: لا ينتظم أمر المعاش حتى يبقى بدنه سالما ونسله دائما ولا يتم كلاهما إلا بأسباب الحفظ لوجودهما وذلك ببقاء النسل وقد خلق الغذاء سببا للحيوان وخلق الإناث محلا للحراثة لكن لا يختص المأكول والمنكوح ببعض الآكلين والناكحين بحكم الفطرة ولو ترك الأمر فيها سدى من غير تعريف قانون في الاختصاصات لتهاوشوا وتقاتلوا وشغلهم ذلك عن سلوك الطريق بل أفضى بهم إلى الهلاك فشرح القرآن قانون الاختصاص بالأموال في آيات نحو المبايعات والمداينات والمواريث ومواجب النفقات والمناكحات ونحو ذلك وبين الاختصاص بالإناث في آيات النكاح ونحوها انتهى والنكاح تجري فيه الأحكام الخمسة فيكون فرض كفاية لبقاء النسل وفرض عين لمن خاف العنت ومندوبا لمحتاج إليه واجد أهبته ومكروها لفاقد الحاجة والأهبة أو واجدهما وبه علة كهرم أو عنة أو مرض دائم ومباحا لواجد أهبة غير محتاج ولا علة وحراما لمن عنده أربع (هق) قال: حدثنا الفلاس أنا محمد بن ثابت البصري عن أبي غالب (عن أبي أمامة) قال الذهبي في المهذب: محمد ضعيف وقال ابن حجر: فيه محمد بن ثابت ضعيف الحديث: 3287 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 3288 - (تزوجوا) فإن النكاح ركن من أركان المصلحة في الدين جعله الله طريقا لنماء الخلق وشرعة من دينه ومنهاجا من سبله قال ابن العربي: وقد اختلف هل الأمر بالتزوج للوجوب أو للندب أو للإباحة على أقوال والإنصاف أن الأزمة تختلف وحال الناس يتباين فرب زمان العزوبة فيه أفضل وحالة الوحدة فيها أخلص فإن لم يستطع فليتكل على الله ويتزوج فإني ضامن أن لا يضيعه (ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) يعني السريعي النكاح السريعي الطلاق قال ابن الأثير: هذا من المجاز أن يستعمل الذوق وهو مما يتعلق بالأجسام في المعاني نحو {ذق إنك أنت العزيز الكريم} . <تنبيه> اعلم أن الطلاق تجري فيه الأحكام الخمسة يكون واجبا وهو طلاق الحكمين والمولى ومندوبا وهو من خاف أن لا يقيم حدود الله في الزوجية ومن وجد ريبة وحراما وهو البدعي وطلاق من لم يوفها حقها من [ص: 243] القسم ومكروها فيما عدا ذلك وعليه حمل الحديث ومباحا عند تعارض مقتضى الفراق وضده (طب عن أبي موسى) الأشعري قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة الحديث: 3288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 3289 - (تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق) أي بلا عذر شرعي (يهتز منه العرش) يعني تضطرب الملائكة حوله غيظا من بغضه إليهم كما هو بغيض إلى الله لما فيه من قطع الوصلة وتشتت الشمل أما لعذر فليس منهيا عنه بل قد يجب كما سلف في الإتحاف هذا دليل على كراهة الطلاق وبه قال الجمهور (عد) وكذا أبو نعيم والديلمي كلهم (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال السخاوي: وسنده ضعيف قال ابن الجوزي: بل هو موضوع الحديث: 3289 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 3290 - (تساقطوا الضغائن) بينكم جمع ضغينة وهي الحقد والعداوة والحسد فإن ذلك من الكبائر (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3290 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 3291 - (تسحروا) وهو تفعل من السحر وهو الأكل قبيل الصبح والأمر للندب إجماعا قال في شرح الترمذي: أجمعوا على أن السحور مندوب لا واجب (فإن في السحور بركة) قال العراقي: روي بفتح السين وضمها فبالضم الفعل وبالفتح ما يتسحر به والمراد بالبركة الأجر فيناسب الضم أو التقوي على الصوم فيناسب الفتح وللبركة في السحور جهات كالتقوي والنشاط والانبساط ذكره بعضهم وقال الزين العراقي: البركة فيه محتملة لمعان منها أنه يبارك في القليل منه بحيث يحصل به الإعانة على الصوم ويدل له قوله في حديث ولو بلقمة وقوله في الحديث الآتي ولو بالماء ويكون بالخاصية كما بورك في الثريد والطعام الحار إذا برد ومنه أنه يراد نفي التبعة فيه بدليل حديث الديلمي ثلاثة لا يحاسب العبد عليها أكل السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان ومنها أنه يراد بالبركة القوة على الصيام وغيره من أعمال النهار (حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ن عن أبي هريرة وعن ابن مسعود حم عن أبي سعيد الخدري) وفي الباب جابر وابن عباس وعرباض الحديث: 3291 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 3292 - (تسحروا من آخر الليل) أي في آخره (هذا الغذاء (1)) في رواية فإنه الغذاء (المبارك) أي الكثير الخير لما يحصل بسببه من قوة وزيادة قدرة على الصوم قال الكلاباذي: فالبركة فيه بمعنى الإباحة بعد الحظر عنه من أول الليل فكأنها إباحة زائدة على الإفطار آخر النهار فهو رخصة والله يحب أن تؤتى رخصه فالترغيب في السحور ترغيب في قبول الرخصة ومعنى البركة فيه الزيادة ويمكن كونها زيادة في العمر لكون النوم موتا واليقظة حياة ففي مدة الحياة معنيان اكتساب الطاعة للمعاد والمرافق للمعاش وهو مما خصت به هذه الأمة واعلم أن القصد من الصوم كسر شهوتي البطن والفرج فينبغي تخفيف الأكل في السحور فإن زاد في قدره حتى فاتت حكمة الصوم لم يكن مندوبا بل فاعله ملام نبه عليه بعض الأفاضل (طب عن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية (ابن عبد) بغير إضافة السلمي أبو الوليد صحابي شهير أول مشاهده قريظة (وأبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه جبارة بن مفلس ضعيف   (1) الغذاء بكسر الغين وذال معجمة وبالمد ما يغتذى به من طعام وشراب أما الغداء بفتحها ودال مهملة فضد العشاء الحديث: 3292 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 [ص: 244] 3293 - (تسحروا ولو بجرعة من ماء) لأنه طهور مزيل للمانع من أداء العبادة ولهذا من الله على عباده بقوله {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} ويحتمل أنه تحصل به الإعانة على الصوم بالخاصية ولأن به يحصل نشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره العطش وفيه رد على من ذهب من أئمتنا إلى أن التسحر إنما يسن لمن يرجو نفعه إذ من البين أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع بل لبيان أقله نفع أم لا (ع عن أنس) قال الهيثمي: فيه عبد الواحد بن ثابت الباهلي وهو ضعيف اه. وسبقه الذهبي بأوضح منه فقال في الميزان: انفرد به عبد الواحد بن ثابت الباهلي قال العقيلي: لا يتابع عليه ورواه عنه إبراهيم بن الحجاج وقال البخاري: منكر الحديث الحديث: 3293 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 3294 - (تسحروا ولو بالماء) فإن البركة في الفعل باستعماله السنة لا في نفس الطعام وفي رواية للديلمي: تسحروا ولو بحبة وفي رواية ولو بتمرة ولو بحبات زبيب ويكون ذلك بالخاصية كما بورك في الثريد والاجتماع على الطعام وفيه كالذي قبله وبعده ندب التسحر وحصول أصل سنته ولو بجرعة ماء ويدخل وقته بنصف الليل وهل حكمته التقوي على الصوم أو مخالفة أهل الكتاب وجهان للشافعية <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة التسحر وتعجيل الفطر وإباحة الأكل والشرب والجماع ليلا إلى الفجر وكان محرما على من قبلهم بعد النوم وإباحة الكلام في الصوم وكان محرما على من قبلهم فيه عكس الصلاة ذكره في الأحوذي (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الله بن سراقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف وهو ابن المعتمر العدوي قال في الكاشف: قيل له صحبة وهو حديث ضعيف لكن يقويه وروده من طريق آخر عند ابن النجار في تاريخه بلفظ تسحروا ولو بجرعة ماء صلوات الله على المتسحرين الحديث: 3294 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 3295 - (تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا) إذا تحققتم الغروب (ولو على شربة من ماء) ولا تواصلوا فإن الوصال عليكم حرام قال الغزالي: شذ جمع ممن يدعي التصوف فصرف ألفاظ الشارع عن ظاهر المفهوم منها إلى أمور باطنة لا تسبق الأفهام إليها فقالوا أراد بالسحور الاستفسار كما قالوا في {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أنه أشار إلى قلبه فهو الطاغي وفي {ألق عصاك} أي كل ما يتوكأ عليها مما سوى الله يلقيه وهذه خرافات يحرفون بها الكتاب والسنة وبطلانه قطعي وكيف يحمل التسحر على الاستغفار مع كون المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتسحر بتناول الطعام في السحر ويقول تسحروا (عد عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه هكذا رواه في الكامل من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي وحسن هذا متروك قاله أحمد وغيره الحديث: 3295 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 3296 - (تسعة أعشار الرزق في التجارة) قال ابن الأثير: جمع عشير وهي العشر كنصيب وأنصباء اه (والعشر في المواشي) في رواية بدل المواشي السائمات قال الزمخشري: وهي الناج فمرجعها واحد قال الماوردي: وإنما كان كذلك لأن التجارة فرع لمادتي الناج والزرع وهي نوعان تقليب في الحضر من غير نقلة ولا سفر والثاني تقليب في المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار مما يحتاجه الخاص والعام إذ هي مادة أصل الحضر وسكان الأمصار والمدن والاستمداد بها أعم نفعا وأكثر ربحا ولا يستغني عنه أحد من الأنام وأما المواشي فإنما هي مادة أهل الفلوات وسكان الخيام أنهم لما لم يستقر بهم دار ولم يضمهم أمصار افتقروا إلى الأموال المتنقلة فاتخذوا الحيوان ليستقل في النقلة بنفسه ويستغنى [ص: 245] في العلوفة برأيه فمعظم نفعه إنما هو لأولئك اه. وهذا لا يقتضي أفضلية التجارة على الصناعة والزراعة لأنه إنما يدل على أن الرزق في التجارة أكثر ولا تعارض بين الأكثرية والأفضلية (ص عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي) مقبول من الطبقة الثانية (ويحيى بن جابر الطائي مرسلا) هو قاضي حمص قال في الكشاف: صدوق وفي التقريب: ثقة يرسل كثيرا ورواه أيضا إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن نعيم المذكور قال الحافظ العراقي: ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن منده ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان تابعي فعلى هذا الحديث من طريقه مرسل الحديث: 3296 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 3297 - (تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود) قال البيهقي في الشعب: يحتمل أن المراد كراهته الاقتصار على الإشارة في التسليم دون التلفظ بكلمة التسليم إذا لم يكن في حالة تمنعه من التكلم وقال السمهودي: هذا الحديث ربما دل على أن السلام شرع لهذه الأمة دون غيرهم وسيجيء في خبر ما ظاهره ينافيه (ع طس هب عن جابر) قال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح وقال المنذري: رواته رواة الصحيح الحديث: 3297 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 3298 - (تسمعون) بفتح فسكون (ويسمع) مبني للمجهول (منكم) خبر بمعنى الأمر أي لتسمعوا مني الحديث وتبلغوه عني وليسمعه من بعدي منكم قال الزمخشري: وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به فيجعل كأنه يوجد فهو مخبر عنه (ويسمع) بالبناء للمجهول (ممن يسمع) بفتح فسكون أي ويسمع الغير من الذي يسمع (منكم) حديثي كذا من بعدهم وهلم جرا وبذلك يظهر العلم وينشر ويحصل التبليغ وهو الميثاق المأخوذ عن العلماء قال العلائي: هذا من معجزاته التي وعد بوقوعها أمته وأوصى أصحابه أن يكرموا نقلة العلم وقد امتثلت الصحابة أمره ولم يزل ينقل عنه أفعاله وأقواله وتلقى ذلك عنهم التابعون ونقلوه إلى أتباعهم واستمر العمل على ذلك في كل عصر إلى الآن (حم د ك عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ولا علة له وأقره الذهبي وقال العلائي: حسن وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته ثم يأتي من بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن ويشهدون قبل أن يسألوا الحديث: 3298 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 3299 - (تسموا باسمي) محمد وأحمد وحقيقة التسمية تعريف الشيء بالشيء لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم وجوده أو إلى ثلاثة أيام أو سبعة أو فوقها والأمر واسع وهذا نص صريح في الرد على من منع التسمي باسمه كالتكني قال المؤلف في مختصر الأذكار وأفضل الأسماء محمد (ولا تكنوا) بفتح التاء والكاف وشد النون وحذف إحدى التاءين أو بسكون الكاف وضم النون (بكنيتي) أي القاسم إعظاما لحرمتي فيحرم التكني به لمن اسمه محمد وغيره في زمنه وغيره على الأصح عند الشافعية وجوز مالك التكني بعده به حتى لمن اسمه محمد وقوله تسموا جملة من فعل وفاعل وباسمي صلة وكذا ولا تكنوا بكنيتي وهو من عطف منفي على مثبت وهذا قاله حين نادى رجل يا أبا القاسم فالتفت فقال لم أعنك إنما دعوت فلانا قال الحرالي: والتسمية إبداء الشيء باسمه للسمع في معنى المصور وهو إبداء الشيء بصورته في العين. <تنبيه> من الغريب ما قيل إنه يحرم التسمي باسمه محمد والتسمي بالقاسم لئلا يكنى أبوه أبا القاسم حكاهما النووي رضي الله عنه في شرح مسلم فأما الثاني فمحتمل وأما الأول فيكاد يكون باطلا لقيام الإجماع وظاهر كلامهم أنه إنما كنى بأبي القاسم فقط دون غيره وليس كذلك فقد أخرج البيهقي وابن الجوزي وغيرهما عن أنس قال: لما ولد إبراهيم ابن المصطفى صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه حتى أتاه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم قال ابن الجوزي عقبه وقد نهى أن يكنى بكنيته هذا لفظه وقضيته الحرمة كأبي القاسم لكن قد يقال إنما [ص: 246] حرم بأبي القاسم لأنه كان ينادى به لكونه أول ولد ولد له فاشتهر به ولم يكن يدعى بأبي إبراهيم (حم ق ن هـ عن أنس) بن مالك قال: نادى رجل رجلا بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلانا فذكره (حم ق هـ عن جابر) قال: ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه: لا تدعه يسمى باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ولد لي ولد فسميته محمدا فمنعني قومي فذكره قال ابن حجر: في الباب ابن عباس وغيره الحديث: 3299 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 3300 - (تسموا بأسماء الأنبياء) لفظه أمر ومعناه الإباحة لأنه خرج على سبب وهو تسموا باسمي وإنما طلب التسمي بالأنبياء لأنهم سادة بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق وأعمالهم أصلح الأعمال فأسماؤهم أشرف الأسماء فالتسمي بها شرف للمسمى ولو لم يكن فيها من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة مع ما فيه من حفظ أسماء الأنبياء عليهم السلام وذكرها وأن لا تنسى فلا يكره التسمي بأسماء الأنبياء بل يستحب مع المحافظة على الأدب قال ابن القيم: وهو الصواب وكان مذهب عمر كراهته ثم رجع كما يأتي وكان لطلحة عشرة أولاد كل منهم اسمه اسم نبي والزبير عشرة كل منهم مسمى باسم شهيد فقال له طلحة: أنا أسميهم بأسماء الأنبياء وأنت بأسماء الشهداء فقال: أنا أطمع في كونهم شهداء وأنت لا تطمع في كونهم أنبياء (وأحب الأسماء إلى الله) تعالى (عبد الله وعبد الرحمن) لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وعبده بالرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر (وأصدقها حارث وهمام) إذ لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما (وأقبحهما حرب ومرة) لما في حرب من البشاعة وفي مرة من المرارة وقيس به ما أشبهه كحنظلة وحزن ونحو ذلك (1) (خد د ن عن أبي وهب الجشمي) بضم الجيم وفتح المعجمة وآخره ميم نسبة إلى قبيلة جشم بن الخزرج من الأنصار صحابي نزل الشام قال ابن القطان: فيه عقيل بن شبيب قالوا: فيه غفلة   (1) كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن الحديث: 3300 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 3301 - (تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم؟) وفي رواية لعبد بن حميد تسبونهم بدل تلعنونهم وهذا استفهام إنكاري محذوف الهمزة. قال القاضي: أنكر اللعن إجلالا لاسمه كما منع ضرب الوجه تعظيما لصورة آدم وشذت طائفة فأخذوا من هذا الحديث منع التسمي بمحمد وأيدوه بأن عمر كتب إلى الكوفة لا تسموا أحدا باسم نبي وبأمره جماعة من المدينة بتغيير أسماء أبنائهم ورد بمنع دلالة الحديث على ذلك إذ مقتضاه النهي عن لعن من اسمه محمد لا عن التسمية به وقد مرت النصوص الدالة على الإذن فيه بل يأتي أخبار تدل على الترغيب فيه كقوله ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمدا وأحمد وقوله ما اجتمع قوم في مشورة فيهم من اسمه محمد الحديث وبأن كتابة عمر رضي الله عنه كانت لكونه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد: فعل الله بك يا محمد وصنع فقال: لا أرى رسول الله يسب بك والله لا يدعى محمدا أبدا وكتب بذلك وأمر به فذكر له جماعة سماهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك فترك قال الطيبي: أمر أولا بالتسمي بأسماء الأنبياء فرأى فيه نوع تزكية للنفس وتنويها بشأنها فنزل إلى قوله: أحب الأسماء إلخ لأن فيه خضوعا واستكانة ثم نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها فلا يصدق عليه هذا الاسم فنزل إلى قوله حارث وهمام (البزار) في مسنده (ع ك) في الأدب من حديث الحكم بن عطية عن ثابت (عن أنس) قال الذهبي: [ص: 247] والحكم وثقه بعضهم وهو لين اه. وقال ابن القطان: رواه من حديث الحكم بن عطية وهو واه قال أحمد: لا بأس به لكن أبو داود روى عنه أحاديث منكرة وهذا من روايته عنه وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار وفيه الحكم بن عطية وثقه أحمد وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر في الفتح: خرجه البزار وأبو يعلى وسنده لين الحديث: 3301 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 3302 - (تصافحوا) من الصفحة والمراد الإفضاء من اليد إلى صفحة اليد (يذهب الغل) أي الحقد والضغن (عن قلوبكم) (عد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الأصبهاني في الترغيب وخرجه مالك في الموطأ عن عطاء مرسلا قال المنذري: رواه مالك هكذا معضلا قال: وقد أسند من طريق فيها مقال يشير إلى حديث ابن عدي المذكور وقال ابن البارد: حديث مالك جيد الحديث: 3302 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 3303 - (تصدقوا فسيأتي عليكم زمان) يستغني الناس فيه عن المال لظهور الكنوز وكثرة العدل وقلة الناس وقصر آمالهم أول ظهور الأشراط وكثرة الفتن بحيث (يمشي الرجل) الإنسان فيه (بصدقته) يلتمس من يقبلها منه (فيقول) الإنسان (الذي يأتيه بها) يعني الذي يريد المتصدق أن يعطيه الصدقة (لو جئت بها) إلي (بالأمس) حيث كنت محتاجا إليها (لقبلتها) منك (فأما الآن) وقد كثرت الأموال اشتغلنا بأنفسنا وإنما نقصد نجاة مهجنا (فلا حاجة لي فيها) أي في قبولها فيرجع بها (فلا يجد من يقبلها) منه فكيفما كان هو من أشراط الساعة وزعم أن ذلك وقع في زمن عمر بن عبد العزيز فليس من الأشراط بعيد جدا وفيه حث على الإسراع بالصدقة وتهديد لمن أخرها عن مستحقها ومطلوبها حتى استغنى يعني المستحق الفقير لا يخلص ذمة الغني المماطل (1) (حم ق ت) في الزكاة (عن حارثة) بحاء مهملة ومثلثة (ابن وهب) الخزاعي صحابي نزل الكوفة وهو ربيب عمر بن الخطاب   (1) قال القسطلاني: وهذا إنما يكون في الوقت الذي يستغني فيه الناس عن المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة وهذا في زمن الدجال أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره وهذا يكون في زمن المهدي وعيسى أما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فلا يلتفت أحد إلى شيء بل يقصد نجاة نفسه ومن استطاع من أهله وولده ويحتمل أن يكون يمشي بصدقته إلى آخر ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز فلا يكون من أشراط الساعة وفي تاريخ يعقوب بن سفيان من طريق يحيى بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بسند جيد قال: لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى قعد الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله فيتذكر من بضعه فيهم فلا يجده فيرجع قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس وسبب ذلك بسط عمر بن عبد العزيز العدل وإيصال الحقوق إلى أهلها حتى استغنوا الحديث: 3303 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 3304 - (تصدقوا فإن الصدقة فكاكم من النار) أي هي خلاصكم من نار جهنم لأن من ثمراتها إزالة سوء الظن بالله عن العبد المردي في النار وتكذيب الشيطان فيما يعده من الفقر في الإنفاق فيها (1) (طس حل) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] والديلمي (عن أنس) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وكأنه لم يصدر عن تحرير فقد قال الدارقطني: تفرد به الحارث بن عمير عن حميد قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: الحارث يروي عن الأثبات الموضوعات   (1) قال العبادي: الصدقة أفضل من حج التطوع عند أبي حنيفة الحديث: 3304 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 [ص: 248] 3305 - (تصدقوا ولو بتمرة) وفي رواية ولو بشق تمرة (فإنها تسد من الجائع) قال الزمخشري: يريد أن نصف التمرة يسد رمق الجائع كما يورث الشبعان كظة على وقاحته فلا تستقلوا من الصدقة شيئا وقيل المراد المبالغة لا حقيقة التمرة لعدم غنائها وقف أعرابي على الدولي وهو يأكل تمرا فقال شيخ: هم غابر ماضيين ووفد محتاجين أكلني الفقر وردني الدهر ضعيفا مسيفا فناوله تمرة فضرب بها وجهه وقال له: جعلها الله حظك من حظك عنده (وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) قال الطيبي: أصله تذهب الخطيئة لقوله {إن الحسنات يذهبن السيئات} ثم في الدرجة الثانية تمحو الخطيئة لخبر أتبع السيئة الحسنة تمحها ثم في الثالثة تطفئ الخطيئة لمقام الحكاية عن المباعدة عن النار فلما وضع الخطيئة موضع النار على الاستعارة المكنية أثبت لها على الاستعارة التخييلية ما يلازم النار من الإطفاء لتكون قرينة مانعة لها عن إرادة الحقيقة أو ما {إنما ياكلون في بطونهم نارا} فمن إطلاق اسم المسبب على السبب (ابن المبارك) في الزهد (عن عكرمة) البربري أحد الأعلام مولى ابن عباس متكلم في عقيدته وقيل يكذب على سيده (مرسلا) قال الحافظ العراقي: ولأحمد من حديث عائشة بسند حسن استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان الحديث: 3305 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 3306 - (تطوع الرجل في بيته) أي في محل سكنه بيتا كان أو غيره (يزيد على تطوعه) أي صلاته التطوع (عند الناس) أي بحضرتهم أو بمجامعهم أو بالمسجد ونحوه (كفضل) أي كما يزيد فضل (صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده) وهو خمس وعشرون درجة أو سبع وعشرون أو غير ذلك مما سيجيء وذلك لأنه أبعد عن الرياء (ش عن رجل) من الصحابة وإبهامه لا يضر لأن الصحب كلهم عدول الحديث: 3306 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 3307 - (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم) يعني يجب على من صلى ثم تبين له أنه كان بملبوسه أو بدنه قدر درهم من الدم أن يعيد صلاته وأخذ بمفهومه أبو حنيفة وابن جرير فقال: لا تعاد الصلاة من نجاسة دون الدرهم ومذهب الشافعي العفو عن قليل دم الأجنبي عرفا ولا يعفى عن نجاسة غير الدم وإن قل (عد هق) عن روح بن الفرج عن يوسف بن عدي عن القاسم بن مالك عن روح بن غطيف عن الزهري بن أبي سلمة (عن أبي هريرة) ثم تعقبه العقيلي بقوله: حدثني آدم قال: سمعت البخاري يقول هذا الحديث باطل وروح هذا منكر الحديث وذكره ابن عدي في ترجمة روح بن غطيف وقال ابن معين وهاه وقال النسائي: متروك ثم ساق له هذا الخبر اه. وقال الذهبي: واه جدا ورواه الدارقطني من هذا الوجه ثم قال: روح بن غطيف متروك الحديث وقال الحافظ ابن حجر: روح بن غطيف تفرد به عن الزهري وهو متروك وقال الذهبي: أخاف أن يكون موضوعا وقال البخاري حديث باطل وقال ابن حبان موضوع وحكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه وقال البزار: أجمع أهل العلم على نكرته قال أعني ابن حجر وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق أخرى عن الزهري لكن فيها أيضا أبو عصمة متهم بالكذب اه. وبذلك استبان أن عزو المصنف لابن عدي وسكوته عما عقبته به من بيان القادح غير صواب بل وإن لم يتعقبه مخرجه فسكوت المصنف عليه غير مرضي لأنه من أحاديث الأحكام وهو شديد الضعف فعدم بيان حاله لا يليق بكماله الحديث: 3307 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 [ص: 249] 3308 - (تعافوا الحدود) بفتح التاء وضم الواو بغير همز (فيما بينكم) أي تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي (فما بلغني من حد) أي ثبت عندي (فقد وجب) علي إقامته والخطاب لغير الأئمة يعني أن الحدود الذي بينكم ينبغي أن يعفوها بعضكم لبعض قبل أن تبلغني فإن بلغتني وجب علي أن أقيمها لأن الحد بعد بلوغ الإمام والثبوت لا يسقط بعفو الآدمي كالمسروق منه وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى سقوطه (د ن) في القطع (ك) في الحدود من حديث عمرو بن شعيب (عن) أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: سنده إلى عمرو ابن شعيب صحيح اه. مع أن فيه إسماعيل بن عياش وفيه كلام كثير وخلاف طويل وسببه كما في مسند أبي يعلى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق فأمر بقطعه ثم بكا فسئل فقال: كيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم قالوا: أفلا عفوت قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود ولكن تعافوا إلخ الحديث: 3308 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 3309 - (تعافوا تسقط الضغائن بينكم) هذا كالتعليل للعفو في هذا وما قبله كأنه قيل: لم التعافي قال: لأجل أن يسقط ما بينكم من الضغائن فإن الحدود إذا أقيمت أورثت شبهة للنفوس وحقدا ومنه التغرير (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رواه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وهو ضعيف الحديث: 3309 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 3310 - (تعاهدوا القرآن) أي داوموا على تكراره ودرسه لئلا تنسوه قال القاضي: تعاهد الشيء وتعهده محافظته وتجديد العهد به والمراد منه الأمر بالمواظبة على تلاوته والمداومة على تكراره ودرسه (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفصيا) بمثناة فوقية وفاء وصاد مهملة أي أسرع تفصيا وتخلصا وذهابا وانقلابا وخروجا (من قلوب الرجال) يعني حفظته (1) (من الإبل من عقلها) جمع عقال أي لهو أشد ذهابا من الإبل إذا تخلصت من العقال فإنها تفلت حتى لا تكاد تلحق شبه القرآن وكونه محفوظا على ظهر قلب بالإبل الآبدة النافرة وقد عقل عقلها وشد بذراعيها بالحبل المتين وذلك أن القرآن ليس من كلام البشر بل كلام خالق القوى والقدر وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث وهو قديم والله سبحانه بلطفه العميم من عليهم ومنحهم هذه النعم العظيمة فينبغي تعاهده بالحفظ والمواظبة ما أمكن (حم ق عن أبي موسى) الأشعري   (1) وخصهم لأنهم الذين يحفظونه غالبا فالأنثى كذلك الحديث: 3310 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 3311 - (تعاهدوا نعالكم) أي تفقدوها (عند أبواب المساجد) بأن تنظروا ما فيها فإن رأيتم بها خبثا فامسحوه بالأرض قبل أن تدخلوا قال الحافظ العراقي: وفي معنى النعل المداس اه. وأقول وفي معناهما القبقاب المعروف والمراد كل ما يداس فيه بلا حائل بينه وبين الأرض (قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (خط) في ترجمة محمد العكبري وكذا أبو نعيم (عن عمر) بن الخطاب وقال أعني الخطيب: هو غريب من حديث يزيد الفقيه ومن حديث مسعر بن كدام تفرد به يحيى بن هاشم السمسار اه وقال ابن الجوزي: حديث باطل لا يصح وقال: قال ابن عدي: يحيى بن هاشم كان يضع اه وقال الذهبي في الضعفاء: قالوا كان يضع الحديث الحديث: 3311 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 [ص: 250] 3312 - (تعتري الحدة) أي النشاط والخفة (خيار أمتي) والمراد هنا الصلابة والشدة والسرعة في إمضاء الخير وعدم الالتفات في ذلك إلى الغير (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه سلام بن سلم الطويل وهو متروك الحديث: 3312 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 3313 - (تعجلوا إلى الحج) أي بادروا به (فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) زاد الديلمي في روايته من مرض أو حاجة فالحج وإن كان وجوبه على التراخي فالسنة تعجيله خوفا من هجوم الآفات القاطعة والعوارض المعوقة وذهب أبو حنيفة إلى وجوب فوريته تمسكا بظاهر هذا الخبر ولأنه لو مات قبله مات عاصيا ولولا فوريته لم يعص ورد الأول بأنه محمول على الندب والاحتياط والثاني بأنه إذا مات ولا نزاع فيه والثالث بالمنع لأنه إنما يحل تأخيره بشرط سلامة العاقبة فلما مات تبين عصيانه (حم عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن لال وغيره الحديث: 3313 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 3314 - (تعرض أعمال الناس) الظاهر أنه أراد المكلفين منهم بقرينة ترتيبه المغفرة على العرض وغير المكلف لا ذنب له يغفر له كل جمعة مرتين قال القاضي: أراد بالجمعة الأسبوع فعبر عن الشيء بآخره وما يتم به ويوجد عنده والمعروض عليه هو الله تعالى أو ملك يوكله على جميع صحف الأعمال وضبطها (في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس (1) وسبق الجمع بينه وبين رفع الأعمال بالليل مرة وبالنهار مرة (فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا) بالنصب لأنه استثناء من كلام موجب وفي رواية عبد بالرفع وتقديره فلا يحرم أحد من الغفران إلا عبد ومنه {فشربوا منه إلا قليل} بالرفع ذكره الطيبي (بينه وبين أخيه في الإسلام شحناء) بفتح فسكون ونون ممدودة أي غل فيقال اتركوا هذين (حتى يفيئا) أي يرجعا عما هما عليه من التقاطع والتباغض والفيئة كبيعة الحالة من الرجوع قال الطيبي: أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التعبير والتنفير (م) في البر (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري   (1) أي تعرض على الله وأما رفع الملائكة فإنه في الليل مرة وفي النهار مرة الحديث: 3314 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 3315 - (تعرض الأعمال على الله تعالى يوم الاثنين والخميس فيغفر الله) أي للمذنبين ذنوبهم المعروضة عليه (إلا ما كان من متشاحنين) أي متعاديين (أو قاطع رحم) فيؤخر كل منهم حتى يرجع ويقلع. قال الحليمي: في عرض الأعمال يحتمل أن الملائكة الموكلين بأعمال بني آدم يتناوبون فيقيم معهم فريق من الاثنين إلى الخميس ثم يعرضون وفريق من الخميس إلى الاثنين وهكذا كلما عرج فريق قرأ ما كتب في موقفه من السماء فيكون ذلك عرضا في الصورة وهو غني عن عرضهم ونسخهم وهو أعلم بعباده منهم قال البيهقي: وهذا أصح ما قيل قال: والأشبه أن توكيل ملائكة الليل والنهار بأعمال بني آدم عبادة تعبدوا بها وسر عرضهم خروجهم عن عهدة التكليف ثم قد يظهر الله لهم ما يريد فعله بمن عرض عمله (طب عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي: فيه موسى بن عبيدة وهو متروك الحديث: 3315 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 [ص: 251] 3316 - (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله وتعرض على الأنبياء) أي الرسل أي يعرض عمل كل أمة على نبيها (وعلى الآباء والأمهات) أي يعرض عمل كل فرع على أصله والكلام في أصل مسلم (يوم الجمعة) أي يوم كل جمعة (فيفرحون) يعني الآباء والأمهات ويمكن رجوعه إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أيضا (بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا) والمراد وجود أرواحهم أي ذواتها أي ويحزنون بسيئاتهم كما يدل عليه قوله (فاتقوا الله) خافوه (ولا تؤذوا موتاكم) الذين يقع العرض عليهم بارتكاب المعاصي وفائدة العرض عليهم إظهار الله للأموات عذره فيما يعامل به أحياءهم من عاجل العقوبات وأنواع البليات في الدنيا فلو بلغهم ذلك من غير عرض أعمالهم عليهم لكان وجدهم أشد قال القرطبي: يجوز أن يكون الميت يبلغ من أفعال الأحياء وأقوالهم ما يؤذيه أو يسره بلطيفة يحدثها الله لهم من ملك يبلغ أو علامة أو دليل أو ما شاء الله {وهو القاهر فوق عباده} وعلى ما يشاء وفيه زجر عن سوء القول في الأموات وفعل ما كان يسرهم في حياتهم وزجر عن عقوق الأصول والفروع بعد موتهم بما يسوءهم من فعل أو قول قال: وإذا كان الفعل صلة وبرا كان ضده قطيعة وعقوقا (الحكيم) الترمذي (عن والد عبد العزيز) الحديث: 3316 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 3317 - (تعرف) بشد الراء (إلى الله) أي تحبب وتقرب إليه بطاعته والشكر على سابغ نعمته والصبر تحت مر أقضيته وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول بليته (في الرخاء) أي في الدعة والأمن والنعمة وسعة العمر وصحة البدن فالزم الطاعات والإنفاق في القربات حتى تكون متصفا عنده بذلك معروفا به (يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك وجعله لك من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا بما سلف من ذلك التعرف كما وقع للثلاثة الذين آووا إلى الغار فإذا تعرفت إليه في الرخاء والاختيار جازاك عليه عند الشدائد والاضطرار بمدد توفيقه وخفي لطفه كما أخبر تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام بقوله {فلولا أنه كان من المسبحين} يعني قبل البلاء بخلاف فرعون لما تنكر إلى ربه في حال رخائه لم ينجه اللجأ عند بلائه قال: {آلآن وقد عصيت قبل} وقيل المراد تعرف إلى ملائكته في الرخاء بالتزامك الطاعة والعمل فيما أولاك من نعمه فإنه يجازيك في الشدة يعرفك في الشدة بواسطة شفاعتهم بتفريج كربك والأول أولى لاستغنائه عن التقدير قال الصوفية: ينبغي أن يكون بينه وبين ربه معرفة خاصة بقلبه بحيث يجده قريبا للاستغناء له من فيأنس به في خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته ولا يزال العبد يقع في شدائد وكرب في الدنيا والبرزخ والموقف فإذا كان بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه ذلك كله (أبو القاسم بن بشران في أماليه عن أبي هريرة) ورواه عنه القضاعي وغيره وقال بعض الشراح: حسن غريب الحديث: 3317 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 3318 - (تعشوا ولو بكف من حشف) تمر يابس فاسد أو ضعيف لا نوى له كالشيص (فإن ترك العشاء مهرمة) أي مظنة للضعف والهرم كما ذكره الزمخشري لأن النوم والمعدة خالية من الطعام يورث تحليلا للرطوبات الأصلية لقوة الهاضمة وفي رواية بدل مهرمة مسقمة وذلك لما فيه من هجوم المرة وهيجان الصفراء سيما في الصيف وشدة الحر وقال الزين العراقي: دل الحديث لو كان محلا للحجة على ندب العشاء لكون تركه مهرمة وفيه أنه لا ينبغي تعاطي الأمور المؤدية للهرم لأنه يضعفه عن العبادة وفي قوله ولو بكف من حشف إرشاد إلى سد الجائع جوعته بما تيسر من غير [ص: 252] تكلف وقال العسكري: ربما توهم متوهم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حث على الإكثار من الطعام وهذا غلط شديد فإن من أكل فوق شبعه أكل ما لا يحل له فكيف يأمر بأكله وإنما معناه أن القوم كانوا يخففون في المطعم ويدع المتغذي منهم الغذاء ولم يبلغ الشبع ويتواصون بذلك (ت) من حديث محمد بن يعلى الكوفي عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي بن عبد الملك بن علاق (عن أنس) بن مالك ثم قال الترمذي: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعنبسة ضعيف وعبد الملك بن علاق مجهول اه. وبه يعرف أن اقتصار المؤلف على عزو الحديث لمخرجه وحذفه ما عقبه به من بيان حاله وعلله غير صواب وقال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: عنبسة هذا متروك متهم وقال الزين العراقي: متفق على ضعفه وقال النسائي: متروك وقال أبو حاتم: وضاع قال الزين: ومدار الحديث على عنبسة هذا ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وكذا الصغاني وتعقبه المؤلف فلم يأت إلا بما حاصله أن له شاهدا الحديث: 3318 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 3319 - (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) أي مقدارا تعرفون به أقاربكم لتصلوها فتعليم النسب مندوب لمثل هذا وقد يجب إن توقف عليه واجب (فإن صلة الرحم محبة) مفعلة من الحب كمظنة من الظن (في الأهل مثراة) بفتح فسكون مفعلة من الثرى أي الكثرة (في المال) أي سبب لكثرته (منسأة في الأثر) مفعلة من النسء في العمر أي مظنة لتأخيره وقيل دوام استمرار في النسل والمعنى أن يمن الصلة يفضي إلى ذلك ذكره البيضاوي وسمى الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال في العارضة: أما المحبة فالإحسان إليهم وأما النسأ في الأثر فيتمادى الثناء عليه وطيب الذكر الباقي له وهذا لا يناقضه ما في الخبر الآتي علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر لأن محل النهي إنما هو التوغل فيه والاسترسال بحيث ينتقل به عما هو أهم منه كما يفيده قوله وجهالة لا تضر أما علم ما يعرف به النسب بقدر ما يوصل به الرحم فمحبوب مطلوب للشارع كما يوضحه بل يصرح به خبر ابن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا وتعلموا من العريبة ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا فتأمل قوله ثم انتهوا تجده صريحا فيما قررته قال ابن حزم في كتاب النسب: من علم النسب ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية ومنه مستحب فمن ذلك يعلم أن محمدا رسول الله هو ابن عبد الله الهاشمي فمن ادعى أنه غير هاشمي كفر وأن يعلم أن الخليفة من قريش وأن يعرف من يلقاه بنسب في رحم محرمه ليجتنب تزويج ما يحرم عليه منهم وأن يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب بره من صلة أو نفقة أو معاونة وأن يعرف أمهات المؤمنين وأن نكاحهن حرام وأن يعرف الصحابة وأن حبهم مطلوب ويعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك ولأن حبهم إيمان وبغضهم نفاق ومن الفقهاء من يفرق في الحرية والاسترقاق بين العرب والعجم فحاجته إلى علم النسب آكد ومن يفرق بين نصارى بني تغلب وغيرهم في الجزية وتضعيف الصدقة وما فرض عليهم عمر الديوان إلا على القبائل ولولا علم النسب ما تخلص له ذلك وتبعه علي وعثمان وغيرهما اه. وقال ابن عبد البر: لعمري لم ينصف من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر اه وكأنه لم يطلع على كونه حديثا أو رأى فيه قادحا يقتضي الرد (حم ت) في البر والصلة (ك) في البر (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد قد وثقوا قال ابن حجر: لهذا الحديث طرق أقواها ما خرجه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة وجاء هذا عن عمر أيضا ساقه ابن حزم بإسناد رجاله موثقون إلا أن فيه انقطاعا الحديث: 3319 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 [ص: 253] 3320 - (تعلموا مناسككم فإنها من دينكم) أي فإنها جزء من دينكم أو من جنسس دينكم أو من جملة ما فرض عليكم في الدين فالحج من الفروض العينية وكذا العمرة عند الشافعية فتعلم كيفيتهما من الفروض العينية كتوقف أدائهما عليه قالوا: والتعلم فعل يترتب عليه العلم غالبا (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر ممن يوضع لهم الرموز مع أنه قد خرجه أبو نعيم والطبراني والديلمي وغيرهم الحديث: 3320 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 3321 - (تعلموا العلم وتعلموا للعلم الوقار) الحلم والرزانة قال ابن المبارك: كنت عند مالك فلدغته عقرب ست عشرة لدغة فتغير لونه وتصبر ولم يقطع الحديث فلما فرغ سألته فقال: صبرت إجلالا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتب مالك إلى الرشيد إذا علمت علما فلير عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره لخبر العلماء ورثة الأنبياء (حل) من حديث حبوش بن رزق الله عن عبد المنعم بن بشير عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن عمر) ثم قال: غريب من حديث مالك عن زيد لم نكتبه إلا من حديث حبوش بن رزق الله عن عبد المنعم الحديث: 3321 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 3322 - (تعلموا العلم) أي الشرعي زاد في رواية فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده (وتعلموا للعلم السكينة) بتخفيف الكاف وشذ من شدد أي السكون والطمأنينة أو الرحمة (والوقار) لما ينبغي للعالم مراقبة الله في السر والعلن ولزوم السكينة والوقار والخضوع والخشوع والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله فإنه أمين على ما استودع من العلوم ومنح من الحواس الفهوم (وتواضعوا لمن تعلمون) بحذف إحدى التاءين (منه) فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع وإلقاء السمع وتواضع الطالب لشيخه رفعة وذلة عز وخضوعه فخر وأخذ الحبر مع جلالته وقرابته للمصطفى صلى الله عليه وسلم بركاب زيد بن ثابت وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا قال السليمي: ما كان إنسان يجترئ على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير وقال الشافعي: كنت أصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر (طس عد عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه عباد بن كثير وهو متروك الحديث الحديث: 3322 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 3323 - (تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن ينفعكم الله) بما تعلمتوه (حتى تعملوا بما تعلمون) {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} قال العلائي: مقصود الحديث أن العمل بالعلم هو المطلوب من العباد النافع عند قيام الأشهاد ومتى تخلف العمل عن العلم كان حجة على صاحبه وخزيا وندامة يوم القيامة (عد خط) في كتاب اقتضاء العلم للعمل (عن معاذ) ابن جبل و (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف قال ورواه الدارمي موقوفا على معاذ بسند صحيح الحديث: 3323 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 [ص: 254] 3324 - (تعلموا من أهل العلم ما شئتم فوالله لا تؤجروا بجمع العلم حتى تعملوا) بمقتضاه لأن العلم كالشجرة والتعبد كالثمرة فإذا كانت الشجرة لا ثمر لها فلا فائدة لها وإن كانت حسنة المنظر فينبغي مزج العلم بالتعبد لأنه ليس ثم عمر طويل غالبا حتى يترك له برهة من العلم قبل العمل فيخشى عليه أن يموت وهو في السبب قبل وصوله للمقصود وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم العمل بالعلم من الأمور التي يغبط صاحبها عليها والمراتب التي يتمنى المرء الوصول إليها. " أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ويلبسون مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر: إياي تخادعون وبي تستهزؤون لأتيحن لكم فتنة تذر الحليم حيرانا " (أبو الحسن بن الأحزم) بخاء معجمة وراء مهملة بضبط المصنف (المديني في أماليه عن أنس) بن مالك الحديث: 3324 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 3325 - (تعلموا الفرائض وعلموا الناس فإنه نصف العلم) إذ في الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت أي قسم واحد منه سماه نصفا توسعا في الكلام أو اعتبارا بحالتي الحياة والموت أو المراد أنه نصف العلم لما فيه من كثرة الغرض والتقدير والتعلقات ولا يعارضه ما في بعض الروايات من قوله فإنه من دينكم لأن من للتبعيض والجزء أعم من النصف وصدقهما ممكن ولا ينافيه الخبر الآتي العلم ثلاث: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة لأنه لم يجعله أثلاثا بل أقساما ثلاثة فيجوز أن تكون الفريضة العادلة نصف العلم والباقيات النصف الآخر (وهو ينسى) فيه كما في الكافي دلالة على أن المراد بالتعلم هنا التكرار ولا يكفي تعلمه مرة واحدة وقد سقط الوجوب عن الأمة بل المراد تعلمه بحيث لا ينسى فإنه أخبر بأنه مما ينسى وليس المراد الخبر عنه بذلك بل إنه يسرع إليه النسيان دون غيره لكثرة تشابهه فيكون قد حث على تكرار تعلمه ومداومة مدارسته فكأنه يقول تعلموا الفرائض وكرروها فإنها تنسى ومصداقه موجود فإنها أسرع العلوم نسيانا وأحوجها إلى المذاكرة والرياضة فيه بعمل المسائل وقال الماوردي: إنما حث على علم الفرائض لأنهم كانوا قريبين العهد بغير هذا التوارث ولئلا يعطل بتشاغلهم بعلم أعم منه في عباداتهم ومعاملاتهم فيؤدي إلى انقراضه (وهو أول شيء ينزع من أمتي) أي ينزع علمه منهم بموت من يعلمه وإهمال من بعدهم له. <تنبيه> قال بعضهم: قد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذا العلم أنه ينسى وأنه أول ما ينسى وخبر الصادق واجب الوقوع وواجب الوقوع لا يرفعه تعلمه ولا غيره فكيف أوقعه موقع العلة للحث على تعلمه؟ وأجيب بأن تعلم العلم من حيث هو فخار في الدارين وزمن الانتزاع غيب عنا فكأنه حث على تعلمه واغتنام زمن وجوده وانتهاز الفرصة في تحصيله قبل انتزاعه فيفوت تحصيل أجره وذلك يدل على عظم شأنه فهو كخبر حجوا قبل أن لا تحجوا أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بهذا الثواب العظيم قبل أن يفوت لأنه فائت (هـ ك) في الفرائض (عن أي هريرة) قال الحافظ الذهبي: فيه حفص بن عمر بن العطاف واه بمرة وقال ابن حجر: مداره على حفص هذا وهو متروك قال البيهقي: تفرد به حفص وليس بقوي الحديث: 3325 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 3326 - (تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس فإني مقبوض) قال الطيبي: هذا كقوله تعالى: {إنما أنا بشر مثلكم} أي كوني [ص: 255] امرءا مثلكم علة لكوني مقبوضا لا أعيش أبدا وتمامه وأن العلم سيقبض أي بموت أهله كما تقرر وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في فريضة فلا يجدان من يفصل بينهما قال التوربشتي: ذهب بعضهم إلى أن الفرائض هنا علم المواريث ولا دليل معه والظاهر أن المراد ما افترضه الله على عباده وقيل أراد السنن الصادرة منه المشتملة على الأمر والنهي الدالة على ذلك كأنه قال تعلموا الكتاب والسنة فإني مقبوض أي سأقبض أراد به موته وخص هذين القسمين لانقطاعهما بقبضه إذ أحدهما أوحي إليه والثاني إعلام منه للأمة به (ت) في الفرائض من حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) وقال فيه اضطراب انتهى فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه ما عقبه له من بيان علته غير مرضي وقضية صنيع المؤلف أيضا أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد قال الحافظ في الفتح: خرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما انتهى قال الحافظ: رواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي الحديث: 3326 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 3327 - (تعلموا القرآن واقرأوه وارقدوا) أي اجعلوا آخر عملكم بالليل قراءة شيء منه كآية الكرسي وسورة الكافرون (فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به) يحتمل أنه أراد في الصلاة (كمثل جراب) بكسر الجيم معروف وقال الصدر المناوي: العامة تفتحها (محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك) فهو لا يفوح منه شيء وإن فاح فقليل وهذا يشير إلى أن المراد بالقيام فيه قراءته في التهجد وأما حمل القيام به على العمل بما فيه فلا يلاءم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (ت) في فضائل القرآن (ن) في السير (هـ) في السنة (حب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب انتهى واعلم أني وقفت على أصول صحيحة فلم أر فيها لفظ وارقدوا - فليحرر الحديث: 3327 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 3328 - (تعلموا كتاب الله) القرآن أي احفظوه وتفهموه (وتعاهدوه) زاد في رواية واقتنوه أي الزموه (وتغنوا به) أي اقرأوه بتحزين وترقيق وليس المراد قراءته بالألحان والنغمات (فوالذي نفسي بيده) بقدرته وتصرفه (لهو أشد تفلتا) أي ذهابا (من المخاض) أي النوق الحوامل (في العقل) حمع عقال وعقلت البعير حبسته وخص ضرب المثل بها لأنها إذا انفلتت لا تكاد تلحق (حم عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 3328 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 3329 - (تعلموا من قريش) القبيلة المعروفة (1) (ولا تعلموها) الشجاعة أو الرأي الصائب والحزم الثاقب والقيام بمعاظم الأمور ومهمات العلوم فإنها بها عالمة (وقدموا قريشا) في المطالب العالية والمصادر السامية (ولا تؤخروها) زاده [ص: 256] تأكيدا في طلب التقديم وإلا فهو معلوم منه وعلل ذلك بقوله (فإن للقرشي) أي للرجل القرشي (قوة رجلين) أي مثل قوة اثنين (من غير قريش) فعلم أن المراد القوة العلمية والقوة في الشجاعة والرأي كما تقرر وهو يدل على أن المراد بالتقديم التقديم للإمامة العظمى والإمارة (ش عن سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير مات المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه فإنه ولد سنة ثلاث من الهجرة وله أحاديث غير هذا واختلف في اسم أبي خثمة فقيل عبد الله وقيل عامر مات سهل في خلافة معاوية   (1) وحذف المعمول يفيد العموم أي تعلموا منها كل شيء يطلب تعلمه الحديث: 3329 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 3330 - (تعلموا من النجوم) أي من علم أحكامها (ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر) فإن ذلك ضروري لا بد منه سيما للمسافر (ثم انتهوا) فإن النجامة تدعو إلى الكهانة والمنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر في النار كذا علله علي كرم الله وجهه قال ابن رجب: والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير فإنه باطل محرم قليله وكثيره وفيه ورد الخبر الآتي من اقتبس شعبة من النجوم إلخ وأما علم التسيير فتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور بهذا الخبر قال ابن رجب: وما زاد عليه لا حاجة إليه لشغله عما هو أهم منه وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين كما وقع من أهل هذا العلم قديما وحديثا وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ السلف في صلاتهم وهو باطل. <فائدة> قال الزمخشري: كان علماء بني إسرائيل يكتمون علمان عن أولادهم: النجوم والطب لئلا يكونا سببا لصحبة الملوك فيضمحل دينهم (ابن مردويه) في التفسير (خط في كتاب النجوم عن عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه قال عبد الحق: وليس إسناده مما يحتج به وقال ابن القطان: فيه من لا أعرف اه لكن رواه ابن زنجويه من طريق آخر وزاد: وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا الحديث: 3330 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 3331 - (تعمل هذه الأمة برهة) بضم الباء وقد تفتح أي مدة من الزمان (بكتاب الله) أي القرآن يعني بما فيه (ثم تعمل برهة بسنة رسول الله) صلى الله عليه وسلم أي بهديه وطريقته وما سنه من الأحكام (ثم تعمل) بعد ذلك (بالرأي) (1) في النهاية: المحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي يعنون أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث وما لم يأت به خبر ولا أثر (فإذا عملوا بالرأي) كما ذكر (فقد ضلوا وأضلوا) أي استحسنوا رأي أنفسهم وعملوا به فقد ضل العاملون في أنفسهم وأضلوا من تبعهم (ع عن أبي هريرة) قال المحقق أبو زرعة: لا ينبغي الجزم بهذا الحديث فإنه ضعيف اه ولم يبين وجه ضعفه وبينه الهيثمي فقال: فيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري متفق على ضعفه اه وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه غير مرضي وقال في الميزان: عثمان هذا قال البخاري تركوه ثم ساق له أخبارا هذا منها   (1) [والرأي المذموم هو في حال وجود النص الواضح. أما إذا أشكل الحديث أو لم يأت في الموضوع آية أو خبر أو أثر فقد لجأ معظم المجتهدين وأصحاب المذاهب إلى الاستنباط والقياس وهما ثابتان مقبولان بنص القرآن والسنة. قيل لأبي حنيفة؟ ؟ : إنك تقيس وأول من قاس إبليس. فأجاب ما حاصله أن إبليس قاس ليعصي (رغم وجود الأمر) وإني أقيس لأطيع (لعدم وجود النص) . . . فرحم الله امرأ عرف الحق فوقف عنده ولم يتعسف. دار الحديث] الحديث: 3331 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 3332 - (تعوذوا بالله من جهد البلاء) بفتح الجيم أفصح من ضمها الحالة التي يمتحن بها الإنسان أو بحيث يتمنى الموت [ص: 257] ويختاره عليها أو قلة المال وكثرة العيال أو غير ذلك (ودرك الشقاء) بتحريك الراء وسكونها اسم من الإدراك لما يلحق الإنسان من تبعة والشقاء بمعنى الشقاوة وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: هو الهلاك وقيل هو واحد درجات جهنم ومعناه من موضع أهل الشقاوة وهي جهنم أو من موضع يحصل لنا فيه شقاوة أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل أي من درك الشقاء إيانا أو من دركنا الشقاء (وسوء القضاء) أي المقضي لأن قضاء الله كله حسن لا سوء فيه وهذا عام في أمر الدارين (وشماتة الأعداء) أي فرحهم ببلية تنزل بعدوهم وسرورهم بما حل بهم من البلايا والرزايا والخصلة الأخيرة تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء وشماتة الأعداء تقع لكل منهما (خ) في القدر وغيره (عن أبي هريرة) قضية كلام المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم الديلمي في مسند الفردوس والصدر المناوي إلى مسلم أيضا في الدعوات ورواه عنه أيضا النسائي وغيره الحديث: 3332 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 3333 - (تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام فإن الجار البادي يتحول عنك) قال الديلمي: البادي الذي يسكن البادية قال لقمان عليه السلام لابنه فيما رواه البيهقي عنه بسند عن الحسن: يا بني حملت الجندل والحديد وكل ثقيل فلم أحمل شيئا أكثر من جار السوء وذقت المرار فلم أذق شيئا أمر من الصبر (ن) وكذا البيهقي في الشعب (عن أبي هريرة) وأبي سعيد معا قال الحافظ العراقي: وسنده صحيح الحديث: 3333 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 3334 - (تعوذوا بالله من ثلاث فواقر) أي دواهي واحدتها فاقرة كأنها تحطم فقار الظهر (جار سوء) بالإضافة (إن رأى خيرا) عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي إن اطلع منك على خير (كتمه) عن الناس حسدا وشرة وسوء طبيعة (وإن رأى) عليك (شرا أذاعه) أي أفشاه بين الناس ونشره (وزوجة سوء) بالإضافة (إن دخلت) أنت (عليها) في بيتك (لسنتك) أي رمتك بلسانها وآذتك به (وإن غبت عنها خانتك) في نفسها أو مالك أو عرضك (وإمام سوء) بالإضافة (إن أحسنت) إليه بقول أو فعل (لم يقبل) ذلك منك (وإن أسأت لم يغفر) لك ما فرط منك من زلة أو سهوة أو هفوة أو جفوة (هب عن أبي هريرة) وفيه أشعث بن هجام الهجيمي قال الذهبي في الضعفاء: ضعفوه وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر الحديث: 3334 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 3335 - (تعوذوا بالله من الرغب) بالتحريك العشار المكاس أي تعوذوا من مثل حاله أو من قربه أو من أذيته وسعايته هذا ما قرره بعض الشارحين ثم وقفت على نسخة المصنف التي بخطه فرأيته كتب على الحاشية بإزاء الرغب هو كثرة الأكل هكذا كتب بخطه وهو حسن غريب ثم رأيت مخرج الحديث الحكيم الترمذي فسره بكثرة الأكل والجماع فقال: الرغب كثرة الأكل والشبع مفقود حتى يحتاج صاحبه أن يأكل في اليوم مرات وصاحب هذا ممن الحرص عليه غالب فالتهاب نار الحرص يهضم طعامه وينشف رطوبته حتى يسرع في يبسه فيصير تفلا يحتاج إلى أن ينقصه قال: وكانت لأبي سعيد الخدري ابنة رغيبة فدعا الله عليها فماتت [ص: 258] قال: والحرص على الطعام جعامة النفس وإذا كانت النفس جعمة فصاحبها مفتون وابتلى الله الآدمي بهذه الشهوات فرب نفس مالت جعامتها إلى البطن ورب نفس مالت إلى الفرج فلذلك تجد الناس على ذلك فإذا عجز عنه فعلا لنحو كبر أو ضعف فقلبه منهوم ولسانه رافث وعينه طماحة خائنة (الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 3335 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 3336 - (تغطية الرأس بالنهار فقه) أي من نتائج الفهم لكلام العلماء الحكماء فإن عندهم أن التقنع نهارا محبوب مطلوب (وبالليل ريبة) أي تهمة يستراب منها فإن من وجد إنسانا متقنعا ليلا إنما يظن به أنه لص أو يريد الفجور بامرأة أو نحو ذلك وإلا لما غطى وجهه وستر أمره ومحصول ذلك أنه نهارا حسن وليلا مذموم (عد عن واثلة) بن الأسقع وفيه نعيم بن حماد قال الذهبي: لين الحديث عن بقية وحاله معروف الحديث: 3336 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 3337 - (تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء) ممن دعا بدعاء متوفر الشروط والأركان (في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف في سبيل الله) أي في جهاد الكفار (وعند نزول الغيث) أي المطر (وعند إقامة الصلاة) يحتمل أنه يريد الصلوات الخمس ويحتمل العموم (وعند رؤية الكعبة) يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب والأول أقرب قال الغزالي: شرف الأوقات يرجع بالحقيقة إلى شرف الحالات فحالة القتال في سبيل الله يقطع عندها الطمع عن مهمات الدنيا ويهون على القلب حياته في حب الله وطلب رضاه وكذا يقال بنحوه في الباقي (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو مجمع على ضعفه جدا وقال ابن حجر: حديث غريب وقد تساهل الحاكم في المستدرك فصححه فرده الذهبي بأن فيه عفير بمهملة وفاء مصغرا واه جدا وقد تفرد به وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه الحديث: 3337 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 3338 - (تفتح أبواب السماء لخمس: لقراءة القرآن وللقاء يوم الزحف) في قتال الكفار (ولنزول القطر ولدعوة المظلوم وللأذان) أي أذان الصلاة والمراد أن الدعاء في هذه الأوقات مستجاب كما أفصح به فيما قبله وقال العامري: كأنها تفتح لنزول النصر عند القتال ونزول البر للمصلين فإذا صادف الدعاء فتحها لم يرد كما إذا صادف السائل باب السلطان الكريم مفتوحا لا يكاد يخيب أمله وفيه حث على حضور المسجد في الوقت لانتظار الفريضة وإجابة الدعاء (طس) من حديث حفص بن سليمان (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: غريب وحفص هو القارئ إمام في القراءة ضعيف في الحديث وقال الهيثمي: فيه حفص بن سليمان ضعفه الشيخان وغيرهما الحديث: 3338 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 3339 - (تفتح أبواب السماء نصف الليل) الظاهر أن المراد ولا يزال مفتوحا إلى الفجر (فينادي مناد) أي من السماء من الملائكة بأمر الله تعالى (هل من داع) أي طالب من الله (فيستجاب له هل من سائل فيعطى) مسؤوله والجمع بينه [ص: 259] وبين ما قبله للتأكيد (هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له إلا زانية تسعى بفرجها) أي تكتسب (أو عشار) أي مكاس فإنه لا يستجاب لهما لجرم ذنبهما قالوا: إنما كان الفتح نصف الليل لأنه وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات وهو وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب واستدرار الرحمة وفيوض الخيور (طب عن عثمان بن أبي العاص) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد وفيه كلام الحديث: 3339 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 3340 - (تفتح لكم أرض الأعاجم) يعني العراقين بلاد كسرى ويحتمل أن المراد ما عدا أرض العرب وهو أقرب (وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات) من الحميم وهو الماء الحار وأول من اتخذه سليمان عليه السلام كما سبق (فلا يدخلها الرجال إلا بإزار) لأن دخولهم بدونه إن كان فيها أحد رأى عورته أو لا أحد فقد يفجأه أحد ذكره ابن جرير (وامنعوا النساء أن يدخلنها) مطلقا ولو بإزار كما يفيده السياق (إلا مريضة أو نفساء) وقد خافت محذورا من الاغتسال في البيت أو احتاجت إلى دخوله في شد الأعضاء ونحو ذلك فلا تمنعونهن حينئذ للضرورة فدخول النساء الحمام مكروه إلا لضرورة وهذا من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقد وقع (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه الحديث: 3340 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 3341 - (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) حقيقة لأن الجنة مخلوقة وفتح أبوابها ممكن أو هو بمعنى كثرة الغفران ورفع المنازل وإعطاء جزيل الثواب (فيغفر فيهما لكل عبد لا يشرك بالله شيئا) أي ذنوبه الصغائر (1) بغير وسيلة طاعة (إلا رجل) قال التوربشتي: الوجه نصبه لأنه استثناء من كلام موجب وبه وردت الرواية الصحيحة وروى بالرفع قال الطيبي: وعليه فيقال الكلام محمول على المعنى أي لا يبقى ذنب أحد إلا ذنب رجل وذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان (كان بينه وبين أخيه) أي في الإسلام (شحناء) بفتح الشين المعجمة والمد أي عداوة (فيقال انظروا) بقطع الهمزة يعني يقول الله للملائكة النازلة بهدايا المغفرة أخروا وأمهلوا ذكره البيضاوي وقال الطيبي: ولا بد هنا من تقدير من يخاطب بقوله أنظروا كأنه تعالى لما غفر للناس سواهما قيل اللهم اغفر لهما أيضا فأجاب أنظروا (هذين) أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التغيير والتنفير ذكره القاضي يعني لا تعطوا منها أنصباء رجلين بينهما عداوة (حتى) ترتفع و (يصطلحا) ولو بمراسلة عند البعد قال المنذري: قال أبو داود: إذا كان الهجر لله فليس من هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوما وابن عمر هجر ابنا له حتى مات قال ابن رسلان: ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح وفي رواية اتركوا هذين حتى يفيئا. <تنبيه> عد المصنف من خصائص هذه الأمة فتح السماء لأعمالهم وأرواحهم (خد م) في البر (د) في الأدب (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي وابن حبان ولم يخرجه البخاري ووهم المحب الطبري في عزوه له   (1) فإن لم يوجد صغائر أو كفرت بخصال أخرى فنرجو من فضل الله أن يكفر من الكبائر بهذا وفي فتح الباري أن كل نوع من الطاعات مكفر لنوع مخصوص من المعاصي كالأدوية بالنسبة للداءات الحديث: 3341 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 [ص: 260] 3342 - (تفتح) بضم الفوقية مبنيا للمفعول (اليمن) أي بلادها سمي يمنا لأنه يمين الكعبة أو الشمس أو باسم يمن بن قحطان (فيأتي قوم يبسون) بفتح المثناة التحتية أو ضمها مع كسر الموحدة أو ضمها وشد السين من البس وهو سوق بلين أي يسوقون دوابهم إلى المدينة أو معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها (فيتحملون) من المدينة إلى اليمن (بأهليهم) أي زوجاتهم وأبنائهم (ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى اليمن وهو عطف على أهليهم والمراد أن قوما ممن يشهد فتحها إذا رأوا سعة عيشها هاجروا إليها ودعوا إلى ذلك غيرهم (والمدينة) أي والحال أن الإقامة بالمدينة (خير لهم) من اليمن لكونها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات (لو كانوا يعلمون) بفضلها وما في الإقامة بها من الفوائد الدينية والعوائد الأخروية حتى يحتقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها ذكره البيضاوي وأيده الطيبي بتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم توكيده بقوله لو كانوا يعلمون لإشعاره بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني وأعرض عن الإقامة في جوار المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك كرر قوما ووصفه في كل مرتبة بقوله يبسون استهجانا لذلك الفعل القبيح وجواب لو محذوف أي لو كانوا من العلماء لعلموا أن إقامتهم بالمدينة أولى وقد تجعل للتمني فلا جواب لها (وتفتح الشام) سمي به لكونه عن شمال الكعبة وفتح اليمن قبل الشام كما يلوح به ابتداء الخبر وللإتفاق على أنه لم يفتح شيء من الشام في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم فقول مسلم تفتح الشام ثم اليمن ثم العراق مؤول بأن الثانية للترتيب الإخباري (فيأتي قوم يبسون) بفتح أوله وضمه وكسر الموحدة وضمها (فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى الشام (والمدينة خير لهم) منها لما ذكر (لو كانوا يعلمون) بفضلها فالجواب محذوف كما في السابق واللاحق دل عليه ما قبله وإن كانت لو بمعنى ليت فلا جواب لها وكيفما كان ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا جسيما (وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) راحلين إلى العراق (والمدينة خير لهم) من العراق (لو كانوا يعلمون) وهذه معجزة ظاهرة للمصطفى صلى الله عليه وسلم لإخباره بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحولون إليها بأهليهم ويفارقون المدينة ولو لازموها لكان خيرا وقد كان ذلك كله على الترتيب المذكور وأما رواية تقديم فتح الشام على اليمن فمعناها أن استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام وأفاد فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو إجماع وأن بعض البقاع أفضل من بعض (مالك) في آخر الموطأ (ق) في الحج (عن سفيان) بتثليث السين (بن أبي زهير) قال ابن حجر: واسم أبي زهير القرد بكسر القاف الشنؤي بفتح المعجمة وضم النون وبعد النون همزة ويقال الشنأى النمري بفتح النون صحابي حديثه في البخاري الحديث: 3342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 3343 - (تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم) لأن تفريغ المحل شرط لتنزلات غيث الرحمة وما لم يتفرغ المحل لم يصادف الغيث محلا ينزل فيه ولو فرغ العبد المحل وهيأه وأصلحه لرأى العجائب وفضل الله لا يرده عن العبد إلا المانع الذي في قلبه من دنس الدنيا ودغلها وإذا تفرغ منها العبد وأقبل على ربه صنع له جميلا وهيأ له تدبيرا ينال به فوز العاجل والآجل وسعادة الدارين ولهذا [ص: 261] قال بعضهم: هذا أصل عظيم في تمهيد الطريق إلى الحق تقدير بصرف هموم الدنيا المستولية على قلوب الورى الشاغلة لهم عن الإقبال على مولاهم وهمومها كل هم ينشأ عن الهوى في لذة من لذاتها كملبس ومأكل ومنكح ومال وحشم وجاه فكل هم منها يحجب عن الله وعن الآخرة بحسب قوته وضعفه ولا طهارة للقلب إلا بالفراغ منها هما هما ولهذا قال (ما استطعتم) أي لا تتكلفوا بالتفريغ منها كلها جملة واحدة فإنه غير ممكن بل بالتدريج حسبما يعرفه خواص المسلكين وإنما يزال الشيء بضده فيستحضر بدوام الذكر وصفاء القلب هما من هموم الآخرة فيدفع هما من هموم الدنيا وينزله مكانه وهكذا لو غلب عليه الحرص يستحضر التوكل أو الأمل يستحضر قرب الأجل أو العاجل استحضر الآجل أو الحرام استحضر غضب الملك العلام وهكذا حتى يدفع بجميع همومها فيسير إلى الحق بكليته ويقبل عليه بحقيقته (فإن من كانت الدنيا أكبر همه) أي أعظم شيء يهتم به ويصرف كليته إليه (أفشى الله تعالى ضيعته) أي كثر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة (وجعل فقره بين عينيه) لأنه إذا رأى منه إقبالا على هذه الدنيا الدنيئة والشهوة الرديئة أعرض عنه حتى يتمكن حب هذه القاذورات منه ويتعالى في الغلو فيها فيضاد أقضية الله وتدبيره فيبوء بتدبيره ومن ثم قيل: من كانت الدنيا همه كثر في الدنيا والأخرى غمه (ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل قلوب المؤمنين تفد) أي تسرع (إليه بالود والرحمة) أي من تفرغ من هموم الدنيا أقبل قلبه على الله بكليته أي حبا ومعرفة وخوفا فدل على أن هذا الإقبال ممكن وثمرته عاجلة أن يجعل الله تعالى له محبة ورحمة في قلوب خواص عباده ثم بين أثر ذلك بقوله تفد إليه بالود أي تقبل على مهماته وخدمته محبة له ثم أكد ذلك بغاية المنى فقال: (وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع) أي إلى حبه وكفايته ومعونته من جميع عباده ليعرف بركة فراغ قلبه ومن الخير الذي يسرع الله به إليه ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا والآخرة ومن كانت الدنيا أكبر همه تخوف بأحوالها وتقلبها ورغب في الجمع والمنع وذلك سم قاتل فمن رفض ذلك انكشف له الغطاء فوجد الله كافيا له في كل أمر فرفع باله عن التدبير لنفسه وأقبل على ملاحظة تدبير الله واستراح وسخر إليه الناس وأفاض عليه الخير بغير حساب ولا قياس فإن امرءا دنياه أكبر همه. . . لمستمسك منها بحبل غرور قال الغزالي: ومن الأدوية النافعة في ذلك أن يتحقق أن فوات لذات الآخرة أشد وأعظم من فوات لذات الدنيا فإنها لا آخر لها ولا كدر فيها فلذات الدنيا سريعة الدثور وهي مشوبة بالمكدرات فما فيها لذة صافية عن كدر وفي الإقبال على الأعمال الأخروية والطاعات الربانية تلذذ بمناجاته تعالى واستراحة بمعرفته وطاعته وطول الأنس به ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاته لكفى فكيف بما يضاف إليه من النعيم الأخروي لكن هذه اللذة لا تكون في الإبتداء بل بعد مدة حتى يصير له الخير ديدنا كما كان السوء له ديدنا (طب) وكذا في الأوسط (عن أبي الدرداء) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب وهو كذاب اه. وكذا ذكره غيره الحديث: 3343 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 3344 - (تفقدوا نعالكم عند أبواب المساجد) إذا أردتم دخولها وإدخال النعال معكم فإن كان علق بها قذر فأميطوه لئلا يصيب شيئا من أجزاء المسجد فينجسه أو يقذره وتقذيره ولو بالطاهرات حرام (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ثم [ص: 262] قال: لم نكتبه إلا من حديث أحمد بن صالح الشمومي انتهى. وأحمد هذا قال في الميزان عن ابن حبان يضع الحديث وساق هذا الحديث من مناكيره الحديث: 3344 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 3345 - (تفكروا في كل شيء) استدلالا واعتبارا من التفكر وهو يد النفس التي تنال بها المعلومات كما تنال بيد الجسم المحسوسات قاله الحرالي وقال الراغب: الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم وهو تخيل عقلي موجود في الإنسان والتفكر جولان تلك القوة بين الخواطر بحسب نظر العقل وقد يقال للتفكر الفكر وربما ضل الفكر وأخطأ ضلال الرائد وخطاه والتفكر لا يكون إلا فيما له ماهيته مما يصح أن يجعل له صورة في القلب مفهوما فلهذا قال (ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق (1) ذلك كله) قال الديلمي: وفي رواية لابن عباس زيادة وإن ملكا من حملة العرش يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقت قدماه في الأرض السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا والخالق أعظم من المخلوق. قال الفخر الرازي: أشار بهذا الحديث إلى أن من أراد الوصول إلى كنه العظمة وهوية الجلال تحير وتردد بل عمي فإن نور جلال الإلهية يعمي أحداق العقول البشرية وذلك النظر بالكلية في المعرفة يوقع في الضلال والطرفان مذمومان والطريق القويم أن يخوض الإنسان البحث المعتدل ويترك التعمق ومن ثم سميت كلمة الشهادة كلمة العدل فإن قيل كيف أمر الله بالعدل في بحر التوحيد وقد قال {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} فمن عجز عن العدل فيهن كيف يقدر على العدل في معرفته قلنا أظهر عجزك في الضعيف وأقدرك على الشريف لتعرف أن الكل منه (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة (عن ابن عباس)   (1) [" وهو فوق ذلك ": " فوقية " منزهة عن صفات الأجسام فهي لا تزيده من الأرض بعدا ولا من السماء قربا كما في قواعد العقائد لحجة الإسلام الإمام الغزالي. دار الحديث] الحديث: 3345 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 3346 - (تفكروا في الخلق) أي تأملوا في المخلوقات ودوران الفلك وارتفاع هذا السقف المرفوع بغير عمد ومجاري هذه البحار والأنهار فمن تحقق ذلك علم أن له صانعا ومدبرا لا يعزب عنه مثقال ذرة وفي النصائح املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر (ولا تفكروا في الخالق) فإن كل ما يخطر بالبال فهو بخلافه (فإنكم لا تقدرون قدره) أي لا تعرفونه حق معرفته لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبلتم عليه من النقص قال العارف ابن عطاء الله: الفكرة سير القلب في ميدان الأغيار الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له الفكرة فكرتان فكرة تصديق وإذعان وهي لأرباب الاعتبار المستدلين بالصفة على الصانع وبالمخلوق على الخالق أخذا من قوله سبحانه وتعالى {قل انظروا ماذا في السماوات} {سنريهم آياتنا في الآفاق} وفكرة أهل شهود وعيان وهم الذين عرفوا الصنعة بالصانع وشهدوا الخلق بالخالق استمدادا من قوله تعالى {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في كتاب العظمة (عن ابن عباس) قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال: ما لكم لا تتكلمون فقالوا: نتفكر في الله فذكره الحديث: 3346 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 3347 - (تفكروا في خلق الله) أي مخلوقاته التي يعرف العباد أصلها جملة لا تفصيلا كالسماوات بكواكبها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها والأرض بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها وما بينهما وهو الجو بغيومه وأمطاره ورعده وبرقه وصواعقه وما أشبه ذلك فلا تتحرك ذرة منه إلا ولله سبحانه ألوف من الحكمة فيه [ص: 263] شاهدة له بالوحدانية دل على عظمته وكبريائه والتفصيل يطول والتفكر هو المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق قال القاضي: وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله: وفي كل شيء له آية. . . تدل على أنه واحد ألا ترى إلى نصبه السماء ذات الطرائق ورفعه الفلك فوق رؤوس الخلائق وإجرائه الماء بلا سائق وإرساله الريح بلا عائق؟ فالسماوات تدل على نعته والفلك يدل على حسن صنعته والرياح نشر من نسيم رحمته والأرض تدل على تمام حكمته والأنهار تفجرت بعذوبة كلمته والأشجار تخبر بجميل صنعته (ولاتفكروا في الله فتهلكوا) لأن للعقول كما قال ابن عربي: حد اتفق عنده من حيث هي مفكر وآية مناسبة بين الحق الواجب الوجود لذاته وبين الممكن وإن كان واجبا به عند من يقول به وما أخذه الفكر به إنما يقوم صحيحه من البراهين الوجودية ولا بد بين الدليل والمدلول والبرهان والمبرهن عليه من وجه به يكون التعلق له نسبة إلى الدليل ونسبة إلى المدلول فلا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات بل من حيث إن هذه الذات منعوتة بالألوهية فهذا حكم آخر يستقل العقول بإدراكه وكم من عاقل يدعي العقل الرصين من العلماء النظار يقول: إنه حصل على مفرقة الذات من حيث النظر الفكري وهو غالط لتردده بفكره بين السلب والإثبات راجع إلى الوجود والسلب إلى العدم والنفي لا يكون صفة ذاتية لأن الصفات الذاتية للموجودات إنما هي ثبوتية فما حصل هذا المفكر المتردد بينهما من العلم بالله على شيء (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في العظمة (عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 3347 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 3348 - (تفكروا في آلاء الله) أي أنعمه التي أنعم بها عليكم قال القاضي: والتفكر فيها أفضل العبادات (ولا تفكروا في الله) فإن العقول تحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون ثم لا يطيقون دوام النظر بل سائر الخلق أحوال أبصارهم بالإضافة إلى جلاله كبصر الخفاش بالإضافة إلى الشمس فلا يطيقه البتة نهارا ويتردد ليلا لينظر في بقية نور الشمس فحال الصديقين كحال الإنسان في النظر إلى الشمس فإنه يقدر على نظرها ولا يطيق دوامه فإنه يفرق البصر ويورث الدهش فكذا النظر إلى ذات الله يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل فالصواب أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذاته وصفاته لأن أكثر العقول لا تحتمله. (تنبيه} قال الراغب: نبه بهذا الخبر على أن غاية معرفة الإنسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة ويعرف أثر الصنعة فيها وأنها محدثة وأن محدثها ليس إياها ولا مثلا لها بل هو الذي يصح ارتفاع كلها بعد بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه ولما كان معرفة العالم كله يصعب على المكلف لقصور الأفهام عن بعضها واشتغال البعض بالضروريات جعل تعالى لكل إنسان من نفسه وبدنه عالما صغيرا أوجد فيه مثال كل ما هو موجود في العالم الكبير ليجري ذلك من العالم مجرى مختصر عن كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها حضرا وسفرا وليلا ونهارا فإن نشط وتفرغ للتوسع في العلم نظر في الكتاب الكبير الذي هو العالم فيطلع منه على الملكوت ليقرر علمه وإلا فله مقنع بالمختصر {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] ) في العظمة (طس عد هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي: هذا إسناد فيه نظر قال الحافظ العراقي: قلت فيه الوزاع بن نافع متروك الحديث: 3348 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 3349 - (تفكروا في خلق الله) قال الجنيد: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد (ولا تفكروا في الله) فإنه لا تحيط به الأفكار قالوا: كان الرجل من بني إسرائيل إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته سحابة ففعله رجل فلم تظله فشكى لأمه فقالت: لعلك أذنبت قال: لا قالت: فهل نظرت إلى السماء فرددت طرفك غير مفكر فيها قال: نعم قالت: من ههنا أتيت فعلى العاقل أن لا يهمل التفكر ومن الجوائز أن تروح غدا مع الجائز فالحازم لا يترك مسارح [ص: 264] النظر ترقد ولا تكرى إلا وهو يقظان الفكر نهار يحول وليل يزول وشمس تجري وقمر يسري وسحاب مكفهر وبحر مستطر وخلق تمور ووالد يتلف وولد يخلف ما خلق الله هذا باطلا وأن بعد ذلك أثوابا وأحقابا وحشرا ونشرا وثوابا وعقابا قال الروذباذي: التفكر على أربعة أنحاء فكرة في آيات الله وفكرة في خلقه وعلامتها تولد المحبة وفكرة في وعد الله بثواب وعلامتها تولد الرغبة وفكرة في وعيده بالعذاب وعلامته تولد الرهبة وفكرة في جفاء النفس مع إحسان الله وعلامتها تولد الحياء من الله (حل عن ابن عباس) قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما تفكرون قالوا: نتفكر في الله فذكره قال الهيثمي: فيه الوزاع متروك شيخه العراقي سنده ضعيف جدا قال: ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه أصح من هذا وقال السخاوي: هذه الأحاديث أسانيدها كلها ضعيفة لكن اجتماعها يكسب قوة الحديث: 3349 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 3350 - (تقبلوا) ويروى تكفلوا (لي بست) من الخصال (أتقبل لكم الجنة) أي تكفلوا لي بفعل هذه الستة أتكفل لكم بدخول الجنة والقبيل الكفيل (إذا حدث أحدكم فلا يكذب) أي إلا لضرورة أو مصلحة محققة كما سبق (وإذا وعد فلا يخلف) وإن كان وعد صبية كما سبق ويجيء في خبر (وإذا ائتمن فلا يخن) فيما جعل أمينا عليه (غضوا أبصاركم) عن النظر فيما لا يجوز (وكفوا أيديكم) فلا تبسطوها لما لا يحل (واحفظوا فروجكم) عن الزنا واللواط ومقدماتهما والسحاق ونحوه ومن تكفل بالتزام هذه المذكورات فقد توقى أكثر المحرمات فهو جدير بأن يتكفل له بالجنة (ك هب) وكذا ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي (عن أنس) وفيه سعد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفوه وفي الميزان: أحاديثه واهية وقال النسائي: منكر الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر وقال المنذري: رواته ثقات إلا سعد بن سنان قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير أن ابن سنان لم يسمع من أنس الحديث: 3350 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 3351 - (تقربوا إلى الله) أي اطلبوا رضاه فالمراد بقرب العبد من ربه قربه بالعمل الصالح لا قرب المكان لأنه من صفات الأجسام المستحيلة عليه (ببغض أهل المعاصي) من حيث كونهم أهل المعاصي لا لذواتهم فالمأمور ببغضه في نفس الأمر إنما هو تلك الأفعال التي نهى الشارع عنها (والقوهم بوجوه مكفهرة) أي عابسة قاطبة فعسى أن ينجع ذلك فيهم فينزجروا (والتمسوا) ببذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة (رضا الله) عنكم (بسخطهم) عليكم فإنهم أعداء الكمال والفلاح والنجاح والصلاح (وتقربوا إلى الله بالتباعد عنهم) فإن مخالطتهم والقرب منهم دخان وصدأ للقلوب في وجه مرآة القلب وما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه ومظانه وشاهد ذلك من التنزيل {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال البسطامي: إذا نظرت إلى رجل أعطي من الكرامات حتى ارتفع في الهواء فلا تغتر به حتى تنظر حاله عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة وفي الحديث شمول للعالم العاصي قال بشر: من طلب الرياسة بالعلم فتقرب إلى الله ببغضه فإنه مقيت في السماء والأرض كما يطلب التقرب بمحبة أهل الطاعات قال ابن عمر: والله لو صمت النهار لا أفطره وقمت الليل لا أنامه وأنفقت مالي في سبيل الله ثم أموت وليس في قلبي حب لأهل الطاعة وبغض لأهل المعصية ما نفعني ذلك شيئا وقال العارف ابن السماك عند موته: اللهم إنك تعلم أني إذ كنت أعصيك أحب من يطيعك فاجعله قربة مني إليك وقال الشافعي: [ص: 265] أحب الصالحين ولست منهم. . . لعلي أن أنال بهم شفاعه وأكره من بضاعته المعاصي. . . وإن كنا جميعا في البضاعه (ابن شاهين في الأفراد عن ابن مسعود) الحديث: 3351 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 3352 - (تقعد الملائكة) أي الذين في الأرض منهم (على أبواب المساجد) أي الأماكن التي تقام فيها الجمعة وخص المساجد لما أن الغالب إقامتها فيها (يوم الجمعة) من أول النهار بقصد كتابة المبكرين إليها (فيكتبون) في صحفهم (الأول والثاني والثالث) وهكذا (حتى إذا خرج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (رفعت الصحف) أي طووا تلك الصحف ورفعوها للعرض (1) والمقصود بيان فضل التبكير وهو نص صريح في الرد على مالك حيث لم يذهب لندبه (حم عن أبي أمامة) الباهلي   (1) فمن جاء بعد ذلك فلا نصيب له في ثواب التبكير الحديث: 3352 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 3353 - (تقوم الساعة) أي القيامة (والروم أكثر الناس) ومن عداهم بالنسبة إليهم قليل وثبت في الصحيح أنه لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة لكن يكون الروم وهو قوم معروفون وهم أكثر الكفرة ذلك الوقت (حم م عن المستورد) ابن شداد فقال عمرو بن العاص للمستورد عند روايته ذلك: انظر ما تقول قال: أقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعة إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وأمنعهم ممن ظلم الملوك الحديث: 3353 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 3354 - (تقول النار للمؤمن يوم القيامة) بلسان القال أو الحال (جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبي) (1) لأن من أفاض الله الإيمان على قلبه وشرح به صدره فالنار أذل وأقل من أن تجترئ عليه بل إذا لمعت بوارق نور اليقين عليها أخمدها وأطفأها ولخواص أهل الله السطوة التي لا تضاها وبه عرف أن المراد المؤمن الكامل ومن خاف الله حق خيفته خافته المخاوف ذكره الكلاباذي وقال العارف المرسي رضي الله عنه: الدنيا كالنار تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نور قناعتك لهبي وقال بعضهم: أطفىء البلوى بماء الصبر وبرده فليست نار البلية أعظم من نار جهنم لهذا الخبر وذلك لأن نور المؤمن الذي يطفؤ به نار جهنم في القيامة هو نوره الذي كان معه في الدنيا فليطفئ به لهب البلوى ما دام في الدنيا وهذا الحديث وما أشبهه لا ينبغي أن يقص على العوام ولا يذكر على المنابر وفي المحافل وقد اشتد النكير على من قال: وددت أن قد قامت القيامة حتى نصب خيمتي على متن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق وحمله على ذلك الانبساط بالدعاوى ولو اتبع السلف الصالح لأمسك عن هذا الشطح ولم ينطق بما يوهم تحقير ما عظم الله شأنه من أمر النار حيث بالغ في وصفها فقال: {اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} (طب حل) وكذا ابن عدي (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (بن منية) بضم الميم وسكون النون وهو ابن أمية كما مر ومنية أمه وقيل جدته [ص: 266] من مسلمة الفتح شهد حنينا والطائف وتبوك وهو أول من أرخ الكتب وكان جوادا معروفا بالخير والكرم قال الهيثمي: فيه سليم بن منصور وهذا منكر الحديث وعن العقيلي فيه تجهم وعن الدارقطني يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها ثم له هذا الخبر قال السخاوي: وهو مع ذلك منقطع بين خالد ويعلى   (1) يحتمل أن المراد عند المرور على الصراط الحديث: 3354 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 3355 - (تكفير كل لحاء) بكسر اللام وحاء مهملة والمد أي مخاصمة ومسابة (ركعتان) يركعهما بعد الوضوء لهما فإنه يذهب الغضب كما ورد به خبر يجيء (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف (1) وبين ذلك تلميذه الهيثمي فقال: فيه مسلمة بن علي وهو متروك وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه كلام كثير   (1) قال الجوهري: لاحيته ملاحاة ولحاء إذا نازعته وفي المثل من لاحاك فقد عاداك وتلاحوا إذا تنازعوا الحديث: 3355 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 3356 - (تكون لأصحابي) من بعدي (زلة يغفرها الله لهم لسابقتهم معي) زاد الطبراني في روايته ثم يأتي بعدهم قوم يكبهم الله على مناخرهم في النار انتهى والحديث إشارة إلى ما وقع بين عظماء أصحابه من الحروب والمشاجرات التي مبدؤها قتل عثمان وكان بعده ما كان (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين ورواه الطبراني عن حذيفة قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن أبي الفياض يروي عن أشهب مناكير الحديث: 3356 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 3357 - (تكون) بعدي (أمراء) بضم الهمزة جمع أمير (يقولون) أي ما يخالف الشرع والظاهر أنه أراد بالقول ما يشمل الفعل (ولا يرد عليهم) أي لا يستطيع أحد أن يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر لما يعلمون من حالهم أنه لا جواب لذلك إلا السيف (يتهافتون) أي يتساقطون من الهتف السقوط وأكثر ما يستعمل في الشر (في النار) نار جهنم (يتبع بعضهم بعضا) أي كلما مات واحد فأدخل فيها يتولى آخر فيعمل عمله فيموت فيقفو أثره وهذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع (طب عن معاوية) بن أبي سفيان الحديث: 3357 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 3358 - (تكون فتن) أي محن وبلايا (لا يستطيع أن يغير فيها) ببناء بغير للمجهول أي لا يستطيع أحد أن يغير فيها ما يقع من المنكرات المخالفة للشرع (بيد ولا لسان) لعدم امتثال أمره وخوف القتل فيكفي فيها إنكار ذلك بالقلب بحيث يعلم الله منه أنه ليس براض بذلك وأنه لو استطاع لغيره وكل ذلك قد وقع (رسته في الإيمان عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 3358 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 3359 - (تكون النسم) بعد الموت (طيرا) أي على هيئة الطير أو في حواصل الطير على ما سبق تفصيله (تعلق (1) بالشجر) أي تأكل منه والمراد شجر الجنة (حتى إذا كان يوم القيامة) يعني إذا نفخ في الصور النفخة الثانية (دخلت كل نفس في جسدها) الذي كانت فيه في الدنيا بأن يعيد الله الأجساد كما كانت عند الموت وتسكن أرواحها إليها قال الحكيم الترمذي: لعل هذا أي كونها في جوف الطيور في أرواح كمل المؤمنين اه (طب عن أم هانئ) بنت أبي طالب أو امرأة أنصارية ذكر كل منهما الطبراني من طريق قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد باللفظ المذكور عن [ص: 267] أبي هريرة المزبور وقد سبق عن الحافظ ابن حجر وغيره أن الحديث إذا كان في غير الكتب الستة ورواه أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة   (1) وهو في الأصل للإبل إذا أكلت العصاة ويقال علقت تعلق علوقا فنقل إلى الطير الحديث: 3359 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 3360 - (تمام البر) بالكسر (أن تعمل في السر عمل العلانية) فإن أبطن خلاف ما أظهر فهو منافق وإن اقتصر على العلانية فهو مرائي قال الماوردي: قال بعض الحكماء: من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر قال: فسري كإعلاني وتلك خليقتي. . . وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا ومن استوى سره وعلنه فقد كمل فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر وصار بالفضل مشهورا وبالجميل مذكورا (طب عن أبي عامر السكوني) بفتح المهملة وضم الكاف وأخره نون الشامي قال: قلت: يا رسول الله ما تمام البر فذكره قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف لم يتعمد الكذب وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ورواه الطبراني باللفظ المزبور من طريق آخر عن أبي مالك الأشعري ولو ضمه المصنف له لأحسن الحديث: 3360 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 3361 - (تمام الرباط) أي المرابطة يعني مرابطة النفس بالإقامة على مجاهدتها لتستبدل أخلاقها الردية بالحميدة قال الراغب: المرابطة كالمحافظة وهي ضربان مرابطة في ثغور المسلمين ومرابطة النفس فإنها كمن أقيم في ثغر وفوض إليه مراعاته فيحتاج أن يراعيه غير مخل به كالمجاهدة بل هو الجهاد الأكبر كما في الحديث الآتي (أربعين يوما) لأنها مدة يصير المداومة فيها على الشيء خلقا كالخلق الأصلي الغريزي (ومن رابط أربعين يوما لم يبع ولم يشتر ولم يحدث حدثا) أي لم يفعل شيئا من الأمور الدنيوية الغير الضرورية والحاجية أو غلق الباب وهجر الأصحاب وتجنب الأحباب (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب قال البوني: أجمع السلف على أن حد الفتح الرباني والكشف الوهباني لا يصح لمن في معدته مثقال ذرة من طعام وهو حد الصمدانية الجسمانية والأشهر عندهم أنه لا يصح ولا يكون إلا بتمام الأربعين كما اشترط الله على كليمه عليه السلام وأشار بهذا الحديث وذلك لتطهر معدته من كثائف الأغذية فتقوى روحانية روحه ويصفو عقله وقلبه وليس في مراتب السالكين إلى الله تعالى في أطوار سلوك الاسم أقل من أربعة عشر يوما ولا أقل لسالك مبادئ أسرار الصمدية من رياضة أربعة عشر وأما من تحركت عليه آثار العادة في أسبوع فقد ألزموه السبب وأخرجوه من الخلوات لعلمهم بخراب باطنه عن المرادات الربانية إلى هنا كلامه (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه أيوب بن مدركة وهو متروك الحديث: 3361 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 3362 - (تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار) أي النجاة من دخولها فذلك هو الغاية المطلوبة لذاتها فإن النعم تنقسم إلى ما هو غاية مطلوبة لذاتها والى ما هو وسيلة له أما الغاية فهي سعادة الآخرة ويرجع حاصلها إلى أمور أربعة بقاء لا فناء له وسرور لا غم فيه وعلم لا جهل معه وغنى لا فقر بعده وهي النعمة الحقيقية التي أشار إليها هنا وسئل بعض العارفين ما تمام النعمة قال: أن تضع رجلا على الصراط ورجلا في الجنة (حم خد ت) وكذا ابن منيع (عن معاذ) ابن جبل قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقول اللهم إني أسألك تمام نعمتك قال: ما تدري تمام النعمة فذكره الحديث: 3362 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 3363 - (تمسحوا بالأرض) ندبا بأن تباشروها بالصلاة بلا حائل بينكم وبينها (فإنها بكم برة) أي مشفقة كالوالدة [ص: 268] البرة بأولادها يعني أن منها خلقتم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم فهي أصلكم الذي منه تفرعتم وأمكم التي منها خلقتم ثم هي كفاتكم إذا متم ذكره كله الزمخشري وبقوله أن تباشروها بالصلاة يعلم أن من قصر الأمر بالمباشرة على الجبهة حال السجود فقد قصر وقيل أراد التيمم وقيل التواضع بمباشرتها قاعدا أو نائما بلا حائل تشبها بالفقر أو إيثارا للتقشف والزهد (طص) وكذا القضاعي في مسند الشهاب (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: رواه عن شيخه جبلة بن محمد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن محمد بن عمرو الغنوي وهو ثقة الحديث: 3363 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 3364 - (تمعددوا) أي تشبهوا بمعد بن عدنان في تقشفهم وخشونة عيشهم وكانوا أهل تقشف وفي رواية ذكرها ابن الأثير تمعززوا أي تشددوا في الدين وتصلبوا من العز والقوة والشدة والميم زائدة كتمسكنوا من السكون (واخشوشنوا) أمر من الخشونة أي البسوا الخشن لا الحسن واطرحوا ذي العجمة وتنعمهم وإيثارهم لين العيش وفي رواية ذكرها ابن الأثير واخشوشبوا بالباء الموحدة (وانتضلوا (1) وامشوا حفاة) قال الرامهرمزي: يعني اقتدوا بمعد بن عدنان في لبس الخشن والمشي حفاة فهو حث على التواضع ونهي عن إفراط الترفه قال بعضهم: وقد أجمع العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك إلا بترك التنعم قال الغزالي رحمه الله: التزين بالمباح غير حرام لكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تمكن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من مراعاتها إرتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخلق فالحزم اجتناب ذلك نعم يحرم على غني لبس ثوب خشن ليعطى لأن كل من أعطي شيئا لصفة ظنت فيه وخلى عنها باطنا حرم عليه قبوله ولم يملكه وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا من مشى حافيا في طاعة الله لا يسأله الله عز وجل يوم القيامة عما افترض عليه قال الطبراني: تفرد به محمد وشيخه لم أرض ذكرهما قال بعضهم: ورد الحفاء من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وفعله وأخذ منه ندب الحفاء في بعض الأحوال بقصد التواضع حيث أمن مؤذيا وتنجيسا ويؤيده ندبه لدخول مكة بهذه الشروط قالوا: ومتى قصد بلباس أو نحوه نحو تكبر كان فاسقا (طب) عن أبي حدرد وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] وابن شاهين وأبو نعيم كلهم من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبي سعيد المقبري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي ورواه أيضا البغوي وفيه اختلاف ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة والكل ضعيف   (1) يحتمل أن المراد تعلموا الرمي بالسهام في الصحاح انتضل القوم وتناضلوا رموا السبق الحديث: 3364 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 3365 - (تناصحوا في العلم) أي في تعلمه وتعليمه يعني علموه وتعلموه بإخلاص وصدق نية وعدم غش (ولا يكتم بعضكم بعضا) شيئا من العلم عن أهله (فإن خيانة في العلم أشد من خيانة في المال) والمراد بالعلم الشرعي وما كان آلة له وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو نعيم والله سائلكم عنه (حل) عن الحسن بن أحمد السبيعي عن علي بن الحميد الفضائري عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن عبد الرحمن بن مهدي عن الحسين بن زياد عن يحيى بن سعيد الحمصي عن إبراهيم بن المختار عن الضحاك (عن ابن عباس) والحسين بن زياد قال الأزدي متروك ويحيى بن سعيد الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال ابن عدي بين الضعف وإبراهيم بن المختار فيه خلاف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف ورواه تمام في فوائده من حديث عبد القدوس بن حبيب الشامي عن عكرمة عن ابن عباس قال السخاوي: وعبد القدوس متروك الحديث ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال المنذري: ورواته ثقات إلا أن أبا سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان فيه خلاف الحديث: 3365 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 [ص: 269] 3366 - (تناكحوا) لكي (تكثروا) ندبا وقيل وجوبا (فإني) تعليل للأمر بالتناكح لكثرة النسل (أباهي بكم) أي أفاخر بسبب كثرتكم (الأمم) السالفة (يوم القيامة) بين به طلب تكثير الناس من أمته وهو لا يكون إلا بكثرة التناسل وهو بالتناكح فهو مأمور به قال بعض الشراح: وفيه أي بإطلاقه بحث لأن الشروع فيه بالفعل والاشتغال به تضييع ما هو أهم من العبادة ولذا علقوا الحكم بالمستطيع وقد اختلف فيه هل هو عبادة فقيل نعم وقيل لا ينعقد نذره قال ابن حجر: والتحقيق أن الصورة التي يستحب فيها يستلزم كونه حينئذ عبادة فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى صورة مخصوصة اه. واعلم أن النكاح من أثقل السنن محملا وأصعب الحقوق قضاء وأعم الأمور نفعا وأجزل القضايا أجرا فإنه بموضوعه للدين تحصين وللخلق تحسين وفيه ستر العورة المعرضة للآفات وجلب للغنى والرزق وتكثير سواد أهل التوحيد. <فائدة> في فتاوى بعض أكابر الحنفية من له أربع نسوة وألف أمة وأراد شراء أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر ولو لامه أحد لو أراد تزوج ما فوق امرأة فكذلك قال تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} (عد عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري المدني (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد متصلا وهو قصور فقد أسنده ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف ورواه البيهقي في المعرفة وزاد في آخره عن الشافعي بلاغا حتى السقط وسند المرسل والمسند مضعف الحديث: 3366 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 3367 - (تنام عيناي ولا ينام قلبي) لأن النفوس الكاملة القدسية لا يضعف إدراكها بنوم العين واستراحة البدن ومن ثم كان سائر الأنبياء مثله لتعلق أرواحهم بالملأ الأعلى ومن ثم كان إذا نام لم يوقظ لأنه لا يدري ما هو فيه ولا ينافيه نومه بالوادي عن الصبح لأن رؤيتها وظيفة بصرية (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن مرسلا) الحديث: 3367 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 3368 - (تنزهوا من البول) أي تباعدوا عنه واستبرأوا منه والنزاهة البعد عن السوء فمن بمعنى عن وفي الزاهد أصل التنزه في كلامهم البعد مما فيه الأدناس والقرب مما فيه الطهارة (فإن عامة عذاب القبر منه) أي من ترك التنزه عنه يعني أنكم وإن خفف عنكم في شرعنا ورفعت عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأولين من قطع ما أصابه البول من بدن أو أثر فلا تتهاونوا بترك التحرز منه جملة فإن من أهمل ذلك عذب في أول منازل الآخرة وهذه المنزلة إن كانت سهلة فما بعدها أسهل منه أو صعبة فما بعدها أصعب وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة ووجهه النووي بأنه يستلزم بطلان الصلاة وتركها كبيرة وتعقبه العراقي بأن قضيته أنه ليس كبيرة لذاته وظاهر الحديث يخالفه فإنه رتب العذاب على ترك التنزه منه ولو كان لما يترتب عليه من بطلان الصلاة كان العذاب على تركها أو على الصلاة بنجس لا على ترك التنزه منه قال: فإن كان النووي لا يقول بأن ترك التنزه منه بانفراده كبيرة فلعله إنما صار كبيرة بالإصرار عليه ثم ترك التنزه منه إما بترك ملابسته وإما بغسله بتقدير حصول ملابسته فيستدل به على حرمة التضمخ بالبول بلا حاجة لمنافاته للتنزه عنه وعليه الشافعية وإطلاق الحديث الآمر بالتنزه عنه يتناول بوله وبول غيره وفيه أيضا وجوب الاستنجاء وهو مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عن أبي حنيفة ومالك أنه سنة قال الحكيم: إنما كان عامة عذاب القبر من البول لأن البول من معدن إبليس من جوف الآدمي فإنه مقره ومقعده فإذا لم يتنزه منه دخل القبر بنجاسة العدو فعذب فيه وصرح الحكيم أيضا بأن عذاب القبر إنما هو للمؤمنين لا للكافرين أما هم فعذابهم في القيامة لأن المؤمن حسابه في القبر أهون عليه من كونه بين يدي الله فيحاسبه الله في القبر على ألسنة الملائكة كأنه يستحي من عبده المؤمن فيعذب [ص: 270] فيه ليخرج يوم القيامة طاهرا كما قال حذيفة في القبر حساب وفي الآخرة حساب فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في الآخرة عذب إلى هنا كلامه وقال ابن عبد البر: الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإسلام دمه وخالفهما عبد الحق وقال: بل تعم الكافر قال ابن سيد الناس: وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية محضة دون جميع المعاصي مع العذاب بسبب غيره إن أراد الله في حق بعض عباده انتهى (قط) من حديث قتادة (عن أنس) ثم عقبه مخرجه الدارقطني بقوله مرسل انتهى وقال الذهبي: سنده وسط الحديث: 3368 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 3369 - (تنظفوا بكل ما استطعتم) من نحو سواك وحلق وإزالة وسخ وصنان وغير ذلك في بدن وملبوس (فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة) شبهه ببيت قام على عمود أو أعمدة والمراد النظافة صورة ومعنى والشرائع كلها منظفات أو صورة عن الحدثين والخبث والمكروه والثناء عليها مبالغة لبناء الأصول من نحو صلاة وقراءة وزكاة وصوم وحج ومخالطة وفروعها عليها فالتشبيه من وجهين أو بمعنى أنها مما بنى عليه كخبر بني الإسلام على خمس فلا حصر ولا منافاة وبه انزاح الإشكال (ولن يدخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (إلا كل نظيف) أي نقي من الأدناس الحسية والمعنوية الظاهرة والباطنة كما تقرر وفيه أن النظافة مطلوبة في نظر الشرع وقد دل على هذا فيما ذكره بعضهم قوله تعالى {ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} (أبو الصعاليك الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي ينسب إليها كثير من العلماء (في جزئه عن أبي هريرة) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة بلفظ تنظفوا فإن الإسلام نظيف والطبراني في الأوسط بسند ضعيف فيه جدا كما قال الحافظ العراقي: النظافة تدعو إلى الإيمان الحديث: 3369 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 3370 - (تنق (1)) بالنون (وتوق) أي تخير الصديق ثم احذره أو اتق الذنب واحذر عقوبته أو تبق بالباء أي ابق المال ولا تسرف في الإنفاق (البارودي في المعرفة عن سنان) بن سلمة بن المحبر البصري الهذلي ولد يوم حنين وله رؤية وقد أرسل أحاديث   (1) بفتح المثناة الفوقية والنون وشد القاف وتوق بفتح المثناة الفوقية والواو وشد القاف الحديث: 3370 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 3371 - (تنقه وتوقه) الهاء للسكت أي استنق النفس ولا تعرضها للهلاك وتحرز من الآفات (طب حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن مسعر بن كدام وهو متروك وفي الميزان عن العقيلي لا يتابع على حديثه والحديث لا يعرف إلا به ثم ساقه ذكر عقبه أنه تالف الحديث: 3371 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 3372 - (تنكح المرأة لأربع) أي لأجل أربع أي أنهم يقصدون عادة نكاحها لذلك (لمالها (1)) بدل من أربع بإعادة العامل ذكره الطيبي (ولحسبها) بفتح المهملتين فموحدة تحتية شرفها بالآباء والأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل أراد بالحسب هنا أفعالها الحسنة الجميلة (ولجمالها (2)) أي حسنها ويقع على الصور والمعاني قال الماوردي: فإن كان عقد النكاح لأجل [ص: 271] المال وكان أقوى الدواعي إليه فالمال إذن هو المنكوح فإن اقترن بذلك أحد الأسباب الباعثة على الائتلاف جاز أن يثبت العقد وتدوم الألفة وإن تجرد عن غيره فأخلق بالعقد أن ينحل وبالألفة أن تزول سيما إذا غلب الطمع وقل الوفاء وإن كان العقد رغبة في الجمال فذلك أدوم ألفة من المال لأن الجمال صفة لازمة والمال صفة زائلة فإن سلم الحال من الإدلال المفضي للملل دامت الألفة واستحكمت الوصلة وقد كرهوا شدة الجمال البارع لما يحدث عنه من شدة الإدلال المؤدي إلى قبضة الإذلال (ولدينها) ختم به إشارة إلى أنها وإن كانت تنكح لتلك الأغراض لكن اللائق الضرب عنها صفحا وجعلها تبعا وجعل الدين هو المقصود بالذات فمن ثم قال (فاظفر بذات الدين) أي اخترها وقربها من بين سائر النساء ولا تنظر إلى غير ذلك (تربت يداك) افتقرتا أو لصقتا بالتراب من شدة الفقر إن لم تفعل قال القاضي: عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال عدها واللآئق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره فلذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة وقوله تربت وغير مرة أن أصله دعاء لكن يستعمل لمعان أخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث على الشيء وهو المراد أيضا هنا وقد استدل بهذا الخبر من اعتبر المال في الكفاءة وأجيب من لم يعتبره كالشافعية بأن معنى كونها تنكح لذلك أن الغالب في الأغراض ذلك (ق د ن هـ) في النكاح (عن أبي هريرة) وعد جمع هذا الحديث من جوامع الكلم   (1) لأنه أوقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد الدين أولى (2) وفي الحديث خير النساء من تسر إذا نظرت وتطيع إذا أمرت ولا تخالف في نفسها ومالها ويؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة لكنهم كرهوا ذات الجمال البارع فإنها تزهو بجمالها الحديث: 3372 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 3373 - (تهادوا تحابوا) قال ابن حجر تبعا للحاكم إن كان بالتشديد فمن المحبة وإن كان بالتخفيف فمن المحاباة ويشهد للأول خبر البيهقي تهادوا يزيد في القلب حبا وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء وحث عليه خلق وهم الأولياء تؤلف القلوب وتنفي سخائم الصدور قال الغزالي: وقبول الهدية سنة لكن الأولى ترك ما فيه منة فإن كان البعض تعظم منته دون البعض رد ما تعظم (ع عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد رواه النسائي في الكنى وسلطان المحدثين في الأدب المفرد قال الزين العراقي: والسند جيد وقال ابن حجر: سنده حسن الحديث: 3373 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 3374 - (تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل) بكسر الغين المعجمة (عنكم) أي الحقد والشحناء لأن ابن آدم مقسوم عن ثلاثة أجزاء قلب بما فيه من الإيمان وروح بما فيه من طاعة الرحمن ونفس بما فيها من شهوة العصيان فالإيمان يدعو إلى الله والروح إلى الطاعة والنفس إلى البر والنوال فالقلوب تتآلف بالإيمان والروح بالطاعات وحظ النفس باق فإذا تهادوا تمت الألفة ولم يبق ثم حزازة (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) الحديث: 3374 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 3375 - (تهادوا تزدادوا حبا) ندب إلى دوام المهاداة لتزايد المحبة بين المؤمنين فإن الشيء متى لم يزد دخله النقصان على مر الزمان ويحتمل تزدادوا حبا عند الله لمحبة بعضكم لبعض بقرينة خبر إن المتحابين في الله يظلهم الله تحت ظل عرشه (وهاجروا تورثوا أبناءكم مجدا) كانت الهجرة في الإسلام تجب من مكة إلى المدينة وبقي شرف الهجرة لأولاد المهاجرين بعد نسخها (وأقيلوا الكرام عثراتهم) أي زلاتهم في غير الحدود إذا بلغت الإمام على ما سبق تفصيله وفي [ص: 272] حديث شر الناس من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة (ابن عساكر) في التاريخ والقضاعي (عن عائشة) قال ابن حجر: في إسناده نظر وفي آخر الموطأ عن عطاء الخراساني برفعه تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه أيضا عن عائشة بلفظ تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم. قال الهيثمي: فيه المثنى أبو حاتم لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات الحديث: 3375 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 3376 - (تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة في أرزاقكم) ومن كان واسع الإطعام أعطاه عطاءا واسعا ومن قتر قتر عليه (تنبيه} قال شيخنا العارف الشعراوي: كان التابعون يرسلون الهدية لأخيهم ويقولون نعلم غناك عن مثل هذا وإنما أرسلنا ذلك لتعلم أنك منا على بال (عد عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي في الفردوس وزاد بعد قوله لأرزاقكم في عاجل الخلق من جسيم الثواب يوم القيامة الحديث: 3376 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 3377 - (تهادوا إن) في رواية الترمذي فإن (الهدية تذهب وحر الصدر) بواو وحاء مهملة مفتوحتين وراء غله وغشه وحقده وذلك لأن القلب مشحون بمحبة المال والمنافع فإذا وصله شيء منها فرح به وذهب من غمه بقدر ما دخل عليه من فرحه (ولا تحقرن جارة لجارتها) أي إهداء شيء لجارتها (ولو) أن تبعث إليها وتتفقدها (بشق فرسن شاة) وهو قطعة لحم بين ظلفي الشاة وحرف الجر زائد. قال الطيبي: وهو تتميم للكلام السابق أرشد إلى أن التهادي يزيل الضغائن ثم بالغ حتى ذكر أحقر الأشياء من أبغض البغيضين إذا حملت الجارة على الضرة وهو الظاهر كما يدل له خبر أم زرع للمجاورة بينهما اه. وسبقه الزمخشري فقال: كنوا عن الضرة بالجارة تطيرا من الضرر (حم ت) من طريق أبي معشر (عن أبي هريرة) وقال أعني الترمذي غريب وأبو معشر مضعف وقال الطوفي إنه أخطأ فيه قال البخاري: وغيره منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر وقال ابن حجر: في سنده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف جدا الحديث: 3377 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 3378 - (تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة) بمهملة فمعجمة الحقد في النفس والعداوة والبغضاء التي تسود القلب من السخام وهو الفحم جمعه سخائم لأن السخط جالب للحقد والبغضاء والهدية جالبة للرضى فإذا جاء بسبب الرضى ذهب بسبب السخط قال في الكشاف: والهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطى فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه (ولو دعيت إلى كراع) يد شاة (لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت) قال ابن حجر: هذا يرد قول من قال في حديث لو دعيت إلى كراع لأجبت أن الكراع فيه اسم مكان لا يثبت وفي المثل أعط العبد كراعا يطلب ذراعا قال ابن بطال: أشار عليه الصلاة والسلام بالكراع إلى الحث على قبول الهدية وإن قلت لئلا يمتنع الباعث من الهدية لاحتقار الشيء فحث على ذلك لما فيه من التآلف (هب) من حديث محمد بن منده عن بكر بن بكار عن عائذ بن شريح (عن أنس) بن مالك ومحمد بن منده أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم لم يكن بصدوق وبكر بن بكار هو القيسي قال النسائي: غير ثقة وعائذ لم يروه عن أنس غيره وقد ضعف وفي اللسان عن مهران أنه كذاب وفي الميزان عن أبي ظاهر عائذ [ص: 273] ليس بشيء وهذا الحديث رواه الطبراني عن أنس بلفظ تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة وتورث المودة فوالله لو أهدي إلي كراع لقبلته ولو دعيت إلى ذراع لأجبت. قال الهيثمي: وفيه عائذ بن شريح ضعيف الحديث: 3378 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 3379 - (تهادوا فإن الهدية تضعف الحب) أي تزيده (وتذهب بغوائل الصدر) جمع غل وهو الحقد والتهادي تفاعل فيكون من الجانبين والطلب في جانب المهدى إليه آكد فإن للبر أثقالا والكريم لا يكاد يتخلص من تلك الأثقال إلا بأضعاف ذلك البر وإلا فهو في حياء وشغل نفس من الذي بره فإذا ضاعف عنه في المكافأة انحطت عنه أثقال بره وذهب خجل نفسه (طب عن أم حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف (بنت وداع) الخزاعية قال الهيثمي: وفيه من لا يعرف قال الحافظ ابن طاهر إسناده غريب وأقره ابن حجر الحديث: 3379 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 3380 - (تواضعوا) للناس بلين الجانب وخفض الجناح (وجالسوا المساكين) والفقراء جبرا وإيناسا فإنكم إن فعلتم ذلك (تكونوا من كبراء الله) أي الكبراء عنده الذين يفيض عليهم رحمته (وتخرجوا من الكبر) فإنه من تواضع لله رفعه الله قال في الحكم: من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا إذ ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع وقال ابن عربي: التواضع سر من أسرار الله منحه الله النبيين والصديقين وليس كل من تواضع تواضع ولا تنظر أن هذا التواضع الظاهر على أكثر الناس وبعض الصالحين هو التواضع بل هو تملق لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه وقال العارف الفضيل: من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب وقال زروق: الكبر اعتقاد المزيد وإن كان في أدنى درجات الضعة والتواضع عكسه هذا هو الحقيقة وهو عند أهل الرسوم والعموم ما يقدر عليه أرباب الفطنة والكياسة من شبه التملق (حل عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3380 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 3381 - (تواضعوا لمن تعلمون منه) العلم أو غيره قال الماوردي: اعلم أن للمتعلم في زمن تعلمه ملقا وتذللا إن استعملهما غنم وإن تركهما حرم لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه والتذلل له سبب لإدامة صبره وبإظهار مكنونه تكون الفائدة وباستدامة صبره يكون الإكثار قال الحكماء: من لم يحتمل ذل العلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا وقالوا: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب قعدت وأنت كبير حيث لا تحب قال: إن المعلم والطبيب كلاهما. . . لا ينصحان إذا هما لم يكرما فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه. . . واصبر لجهلك إن جفوت معلما ولا يمنعه من ذلك علو منزلته وإن كان العالم خاملا فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم لا بالشهرة والمال وربما وجد الطالب قوة في نفسه لجودة ذكائه وحدة خاطره فترفع على معلمه ورماه بالإعنات والاعتراض فيكون كمن جاء فيه المثل السائر أعلمه الرماية كل يوم. . . فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي. . . فلما قال قافية هجاني وهذا من مصائب العلماء وانعكاس حظوظهم أن يصيروا عند من علموه مستجهلين ولدى من قدموه مرذولين وقد رجح كثير حق الشيخ على حق الوالد (1) . (تنبيه} قال العارف ابن عربي: حرمة الحق في حرمة الشيخ وعقوقه في [ص: 274] عقوقه والمشايخ حجاب الحق الحافظون أحوال القلوب فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه بأن يدخل عليه في كلامه ويزاحمه في رتبته فإن وجود الحق إنما هو للأدباء ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيخ ومن قعد معهم في مجالسهم وخالفهم فيما يتحققون به من أحوالهم نزع الله نور الإيمان من قلبه فالجلوس معهم خطر وجليسهم على خطر (تنبيه آخر) قال الغزالي: إن قيل هل يحصل العلم الذي تعلمه فرض ينظر الإنسان من غير معلم فاعلم أن الأستاذ فاتح وسهل والتحصيل معه أسهل وأروح والله تعالى بفضله يمن على من يشاء من عباده فيكون هو معلمهم (وتواضعوا لمن تعلمون) (2) بخفض الجناح والملاطفة (ولا تكونوا جبابرة العلماء) تمامه كما في مسند الفردوس فيغلب جهلكم علمكم انتهى قال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وإذا شرع التواضع لمطلق الناس فكيف بمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة وشرف الطلب وهم أولاده وينبغي أن يخاطب كلا منهم سيما الفاضل بكنية ونحوها من أحب الأسماء إليه وما فيه تعظيمه وتوقيره وتبجيله <تنبيه> لما أراد الخليفة الرشيد أن يقرأ على مالك الموطأ قعد بجانبه وأمر وزيره أن يقرأ فقال له مالك: يا أمير المؤمنين هذا العلم لا يؤخذ إلا بالتواضع وقد جاء في الخبر تواضعوا لمن تعلمون منه فقام الخليفة وجلس بين يديه مع أن الخليفة في الفضل بحيث يعلم موضعه ولأجل ما عنده من فضيلة العلم انقاد إلى الأدب والتواضع ولم يزده ذلك إلا رفعة وهيبة بل ارتفع قدره بذلك حتى أثنى به عليه على مر الزمان. (غريبة) روي أن شيخ الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر المشهور احتاج إلى إزاحة كنيف فراح يطلب السراباتي فجاء شيخ خليل في غيبته فتجرد ونزل الكنيف يعمل فيه فجاء الشيخ فوجده يعمل فرفع يده وابتهل في صلاح باطنه وشيوع علمه جزاء لما صنعه فأنجب حالا فسارت به الركبان إلى الآن وفي نشر الروض لليافعي رحمه الله تعالى أن أبا الغيث بن جميل أمره شيخه ابن مفلح رضي الله عنه بخدمة نسائه وعادتهم لا يخدمهن إلا من انتهى في السلوك لأن رضاهن لا يحمله إلا من له سعة باطن فكان إذا فرغ من خدمتهن يجد فقيرا يعطيه رغيفا وحلوى فسأله ابن مفلح رضي الله تعالى عنه يوما: ما هذا فأخبره فقال: إنه الخضر عليه السلام فإن كان شيخك رح إليه وإن كنت شيخك فلا تأخذ منه فجاءه فأعطاه فرده فقال له الخضر عليه السلام: تفلح يا أبا الغيث بامتثال أمر شيخك وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما: ما جلست مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم وما جلست قط مجلسا أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح (خط في الجامع عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال الذهبي: رفعه لا يصح وروى من قول عمر هو الصحيح انتهى   (1) قيل للإسكندر إنك لتعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك قال: لأن أبي سبب لحياتي الفانية وهو سبب حياتي الباقية وقيل لأبي منصور المغربي: كيف صحبت أبا عثمان قال: خدعته لا صحبته وقال بعضهم: من لم يعلم حرمة من تأدب به حرم بركته ومن قال لشيخه لا: لا يفلح أبدا (2) ومن التواضع المتعين على العالم أن لا يدعى وقد قيل لسان الدعوى إذا نطق أخرسه الإمتحان وقال شاعر: ومن البلوى التي. . . ليس لها في العلم كنه أن من يحسن شيئا. . . يدعي أكثر منه الحديث: 3381 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 3382 - (توبوا إلى الله) أيها المؤمنون وإن كنتم من الكاملين قياما بحق العبودية إعظاما لمنصب الربوبية لا رغبة في الثواب ولا رهبة من العقاب قال العلائي: بالتوبة الاستغفار الذي كان يكثر منه (فإني أتوب إليه كل يوم) امتثالا لقوله تعالى {وتوبوا إلى الله جميعا} أمرهم مع طاعتهم بالتوبة لئلا يعجبوا بطاعتهم فيصير عجبهم حجبهم فساوى فيه الطائع العاصي ووصفهم بالإيمان لئلا تتمزق قلوبهم من خوف الهجران فتوبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من غفلة القلوب وتوبة خواص الخواص مما سوى المحبوب فذنب كل عبد بحسبه لأن أصل معنى الذنب أدنى مقام العبد وكل ذي مقام أعلاه أحسنه وأدناه ذنبه ولذلك في كل مقام توبة حتى ترتفع التوبة عن التوبة ويكمل الوجود والشهود ذكره الحرالي (مئة مرة) ذكر المئة هنا والسبعين في رواية أخرى عبارة عن الكثرة لا للتحديد ولا للغاية كما يدل عليه {إن تستغفر لهم سبعين [ص: 275] مرة} إذ لو استغفر لهم مدة حياته لم يغفر لهم لأنهم كفار به فالمراد هنا أتوب إليه دائما أبدا وتوبته ليست عن ذنب كما تقرر بل لكونه دائما في الترقي فكل مرتبة ارتقى إليها فما دونها ذنب يستغفر منه (خد عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه مسلم في الدعوات من حديث الأغر المزني الصحابي الحديث: 3382 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 3383 - (توضأوا مما مست) وفي رواية لأبي نعيم غيرت (النار) أي من أكل كل ما أثرت فيه بنحو طبخ أو شي أو قلي وأخذ بظاهره جماعة من الصحب والتابعين وقال الجمهور: منسوخ بخبر أبي داود عن جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء منه لكن عورض بخبر ابن عبد البر وغيره عن عائشة رضي الله عنها كان آخر الأمرين الوضوء منه ويجاب بأن حديث أبي داود أصح وبفرض عدم النسخ فالمراد الوضوء اللغوي جمعا بين الأدلة وهو غسل اليد والفم من الزهومة قال البيضاوي: الوضوء في أصل اللغة غسل بعض الأعضاء وتنظيفه من الوضاءة بمعنى النظافة والشرع نقله إلى الفعل المخصوص وقد جاء هنا على أصله والمراد فيه وفي نظائره غسل اليدين لإزالة الزهومة جمعا بين الأخبار وحمله بعضهم على المعنى الشرعي وزعم أنه منسوخ بحديث ابن عباس أنه لا وضوء من ذلك وهو إنما يتجه لو علم تاريخهما وتقدم الأول لا يقال ابن عباس متأخر الصحبة فيكون حديثه ناسخا لأنا نقول تأخر الصحبة وحده لا يقتضي تأخر الحديث نعم لو كانت صحبته بعد موت الآخر أو غيبته دل ذلك على تأخره أما لو اجتمعا عند الرسول فلا لجواز أن يسمع الأقدم صحبة من بعد سماعه اه قال النووي: والخلاف كان في الصدر الأول ثم وقع الإجماع على عدمه قال الرافعي: وفي الحديث دلالة على أن لفظ المس يصح على إطلاقه وإن كان هناك حائل (حم م ن) في أبواب الطهارة في الدعوات (ن عن أبي هريرة) الدوسي زاد أبو نعيم في روايته فقال ابن عباس: كيف يصنع بالماء السخن فقال أبو هريرة: إذا حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال (حم م ن عن عائشة) أشار بإيراده عن مسلم من طريقيه والنسائي وابن ماجه للرد على ما قاله الصدر المناوي أنه من أفراد مسلم على الستة وعده المصنف من الأحاديث المتواترة الحديث: 3383 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 3384 - (توضأوا من لحوم الإبل) أي من أكلها فإنها لحوم غليظة زهمة فكانت أولى بالغسل من غيرها كلحوم الغنم وبهذا أخذ أحمد وابن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر والبيهقي فنقضوا الوضوء بالأكل منها واختاره النووي من الشافعية والجمهور على عدمه وأجيب بأنه منسوخ أو محمول على الندب أو غسل اليد والفم وبأنه أكل لحم كتف شاة ولم يتوضأ والأصل عدم الاختصاص (ولا توضأوا من لحم الغنم) أي من أكلها والفرق ما تقرر (وتوضأوا من ألبان الإبل) أي شربها (ولا توضأوا من ألبان الغنم) لما ذكر في لحمها (وصلوا في أمراح الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل) فإنها من الشياطين كذا علله في خبر أبي داود قال الخطابي: ذهب جمع إلى إيجاب الوضوء من تلك وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم النظافة ونفي الزهومة وفي لحم الإبل ولبنها من الزهومة ما ليس في غيرها قال ابن سيد الناس: وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في مبارك الإبل (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال مغلطاي: قال أبو حاتم: كنت أنكر هذا الحديث فوجدت له أصلا لكنه موقوف أصح الحديث: 3384 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 [ص: 276] (فصل في المحلى بأل من هذا الحرف) [أي حرف التاء] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 3385 - (التائب من الذنب) توبة مخلصة صحيحة (كمن لا ذنب له) لأن العبد إذا استقام ضعفت نفسه وانكسر هواه وتغيرت أحواله وساوى الذي قبله ممن لا صبوة له قال الطيبي: هذا من قبيل إلحاق الناقص بالكامل مبالغة كما نقول زيد كالأسد ولا يكون المشرك التائب معادلا بالنبي المعصوم (هـ) من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود (عن) أبيه عبد الله (بن مسعود) قال في الميزان: قال أبو حاتم: حديث ضعيف وابن أبي سعيد مجهول رواه عنه مجهول هو يحيى بن خالد قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه والطبراني: رواة الطبراني رواة الصحيح لكن أبو عبيد لم يسمع من أبيه وقال ابن حجر: حسن (الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري وحمل السخاوي تحسين ابن حجر رحمه الله للطريق الأول على أنه باعتبار شواهده قال وإلا فأبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه الحديث: 3385 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 3386 - (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) لأن التائب حبيب الله {إن الله يحب التوابين} وهو سبحانه لا يعذب حبيبه بل يغفر له ويستره ويسامحه (وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب) لأن المحب يستر الحبيب فإن بدا منه شين غفره فإذا أحب عبدا فأذنب ستره فصار كمن لا ذنب له فالذنب يدنس العبد والرجوع إلى الله يطهره وهو التوبة فرجعته إليه تصيره في محل القرب منه كذا ظهر لي في تقريره ثم رأيت حجة الإسلام قال: معناه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت كما لا يضره الكفر الماضي بعد الإسلام (القشيري في الرسالة) المشهورة في التصوف (وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) ورواه الديلمي أيضا باللفظ المزبور الحديث: 3386 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 3387 - (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) أخذ منه الغزالي أن التوبة تصح من ذنب دون ذنب إذ لم يقل التائب من الذنوب كلها لكن التوبة عما تمائل في حق الشهوة كمدمن الخمر دون آخر منه غير ممكن نعم تجوز التوبة عن الخمر دون النبيذ لتفاوتهما في السخط وعن الكثير دون القليل لأن لكثرة المعصية تأثيرا في كثرة العقوبة وقد اختلف في حد التوبة قال في المفهم: وأجمع العبارات وأسدها أنها اختيار ترك ذنب سبق حقيقة وتقديرا لأجل الله (والمستعفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) ومن ثم قيل: الاستغفار باللسان توبة الكذابين وقالت ربيعة رحمها الله: استغفارنا يحوج إلى استغفار قال الغزالي: والاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو ما يكون بمجرد اللسان ولا جدوى له فإن إنضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق فهذه حسنة في نفسها تصلح لأن يدفع بها السيئة وعليه تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار والحاصل أن النطق بالاستغفار وإن خلا عن حل عقد الإصرار من أوائل الدرجات وليس يخلو عن الفائدة أصلا فلا ينبغي أن يظن أن وجوده كعدمه ذكره بعض الأكابر وقال النووي رضي الله عنه: فيه أن الذنوب وإن تكررت مئة مرة بل ألفا وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الكل مرة واحدة صحت توبته وفي الأذكار عن الربيع بن خيثم: لا تقل أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا إن لم تكن تفعل بل قل اللهم اغفر وتب علي قال النووي رضي الله عنه: هذا حسن وأما كراهة أستغفر الله وتسميته كذبا [ص: 277] فلا يوافق عليه لأن معنى أستغفر الله أطلب مغفرته وليس كذبا ويكفي في رده خبر أبي داود من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف قال ابن حجر: هذا في لفظ أستغفر الله أما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع أنه كذب وهو كذلك إذا قاله ولم يتب وفي الاستدلال للرد عليه بالخبر نظر لجواز كون المراد ما إذا قالها وفعل شروط التوبة ويحتمل أن الربيع قصد مجموع اللفظين لا خصوص أستغفر الله (ومن آذى مسلما كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل) أي في الكثرة المفرطة التي لا تحصى وضرب المثل بمنابت النخل دون غيرها لأن المدينة كانت كثيرة النخل ولا شيء أكثر منه فيها فخاطبهم بما يعرفون (هب وابن عساكر) في التاريخ وكذا الطبراني والديلمي وابن أبي الدنيا كلهم (عن ابن عباس) قال الذهبي: إسناده مظلم وقال السخاوي: سنده ضعيف وفيه من لا يعرف وقال المنذري: الأشبه وقفه وقال في الفتح: الراجح أن قوله والمستغفر إلخ موقوف الحديث: 3387 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 3388 - (التؤدة) بضم التاء الفوقية وهمزة مفتوحة ودال مهملة مفتوحة التأني (في كل شيء خير) أي مستحسن محمود (إلا في عمل الآخرة) فإنه غير محمود بل الحزم بذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع الدرجات ذكره القاضي وقال الطيبي: معناه أن الأمور الدنيوية لا يعلم أنها محمودة العواقب حتى يتعجل فيها أو مذمومة حتى يتأخر عنها بخلاف الأمور الأخروية لقوله سبحانه {فاستبقوا الخيرات} {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} كان البوشنجي في الخلاء فدعى خادمه فقال: انزع قميصي وأعطه فلانا فقال: هلا صبرت حتى تخرج قال: خطر لي بذله ولا آمن على نفسي التغير (د) في الإيمان (هب عن سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم: صحيح على شرطهما المنذري لم يذكر الأعمش فيه من حدثه ولم يجزئه برفعه الحديث: 3388 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 3389 - (التؤدة والاقتصاد) التوسط في الأمور والتحرز عن طرفي الإفراط والتفريط (والسمت الحسن) أي حسن الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره وفي رواية والهدي بفتح الهاء السيرة السرية (جزء من أربع) وفي رواية من خمس (وعشرين جزءا من النبوة) أي أن هذا من أخلاق النبوة ومما لا يتم أمر النبوة بدونها وحق هذا اللفظ من أربعة بتاء التأنيث لكنه أنث باعتبار الأصل وفي رواية بالتاء على الأصل والتفاوت بين العددين من خمس وأربع لعله من وهم الرواة وطريق معرفة ذلك العدد بالرأي والاستنباط مسدود فإنه من علوم النبوة وروى ابن السني عن عائشة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إلى إخوانه فنظر في كوة من ماء إلى لمته وهيئته ثم قال: إن الله جميل يحب الجمال إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيء من نفسه (طب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة كما مر الحديث: 3389 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 3390 - (التأني) أي التثبت في الأمور (من الله والعجلة من الشيطان) قال ابن القيم: إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم وتوجب وضع الشيء في غير محله وتجلب الشرور وتمنع الخيور وهي متولدة بين خلقين مذمومين التفريط والاستعجال قبل الوقت. قال الحرالي: والعجلة فعل الشيء قبيل وقته [ص: 278] الأليق به وهذا الحديث من شواهده ما رواه البيهقي أيضا في سننه عن ابن عباس مرفوعا إذا تأنيت أصبت أو كدت وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ (هب) من حديث سعد بن سنان (عن أنس) قال الذهبي: وسعد ضعفوه وقال الهيثمي: لم يسمع من أنس وهو الراوي عنه ورواه أبو يعلى باللفظ المزبور وزاد فيه وما أحد أكثر معاذير من الله وما من شيء أحب إلى الله من الحمد قال المنذري: ورواته رواة الصحيح وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إهماله وإيثاره رواية البيهقي الحديث: 3390 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 3391 - (التاجر الأمين الصدوق) فيما يخبر به مما يتعلق بأحكام البيع من نحو إخباره بما قام عليه ومن عيب فيه وغير ذلك ولعل الجمع بينهما للتأكيد (المسلم مع الشهداء يوم القيامة) قال ابن العربي: هذا الحديث وإن لم يبلغ درجة المتفق عليه من الصحيح فإن معناه صحيح لأنه جمع الصدق والشهادة بالحق والنصح للخلق وامتثال الأمر المتوجه إليه من قبيل الرسول ولا يناقضه ذم التجار في الخبر المار لأنه محل لذم أهل الفجور والرياء والحرص بقرينة هذا الخبر أما مع تحري الأمانة والديانة فالإتجار محبوب مطلوب ولهذا كان السلف يقولون: اتجروا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل بدينه (هـ ك) في البيوع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح واعترضه ابن القطان بأنه من رواية كثير بن هشام وهو وإن خرج له مسلم ضعفه أبو حاتم وغيره الحديث: 3391 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 3392 - (التاجر الصدوق الأمين) يحشر يوم القيامة (مع النبيين والصديقين والشهداء) قال الحكيم: إنما لحق بدرجتهم لأن احتظى بقلبه من النبوة والصديقية والشهادة فالنبوة انكشاف الغطاء والصديقية استواء سريرة القلب بعلانية الأركان والشهادة احتساب المرء بنفسه على الله فيكون عنده في حد الأمانة في جميع ما وضع عنده وقال الطيبي: قوله مع النبيين بعد قوله التاجر الصدوق حكم مرتب على الوصف المناسب من قوله {ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} وذلك أن اسم الإشارة يشعر بأن ما بعده جدير بما قبله لاتصافه بإطاعة الله وإنما ناسب الوصف الحكم لأن الصدوق بناء مبالغة من الصدق كالصديق وإنما يستحقه التاجر إذا أكثر تعاطيه الصدق لأن الأمناء ليسوا غير أمناء الله على عباده فلا غرو لمن اتصف بهذين الوصفين أن ينخرط في زمرتهم {وقليل ما هم} (ت ك) في البيوع (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: من مراسيل الحسن اه لكن له شواهد عند الدارقطني رحمه الله وغيره الحديث: 3392 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 3393 - (التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة) يعني يقيه الله من حر يوم القيامة على طريق الكناية أو يجعله الله في ظل عرشه حقيقة والتجارة صناعة التجار وهي القصد للبيع والشراء لتحصيل الربح (الأصبهاني في ترغيبه) أي في كتاب الترغيب والترهيب (فر) كلاهما (عن أنس) بن مالك الحديث: 3393 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 3394 - (التاجر الصدوق لا يحجب من) أي عن (أبواب الجنة) أي أنه يدخل من أي أبواب الجنة شاء ولا يمنعه عنه خزنته وذلك لنفعه لنفسه ولصاحبه وسرايته إلى عموم الخلق قال سفيان الثوري وكانت له تجارة يقلبها: لولا تمندل بنو العباس بي أي جعلوني كالمنديل يمسحون بي أوساخهم ما فعلت (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عباس) الحديث: 3394 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 [ص: 279] 3395 - (التاجر الجبان) ضد الشجاع (محروم والتاجر الجسور) أي ذو الإقدام في البيع والشراء (مرزوق) قال الديلمي: ليس معناه أن الجبان يحرم الرزق لجبن قلبه ولا الجسور يرزق أكثر بل معناه أنهما يظنان كذلك وهما مخطئان في ظنيهما وما قسم لهما من الرزق لا يزاد فيه ولا ينقص ويؤيده خبر إن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يرده كره كاره والجبان المهيب عن الإقدام على الأمور فلعل جبنه من البذل لعزة المال عنده وقنوطه من عوده إلى يده سبب لحرمان الرزق وذلك ينشأ من ظلمة الشرك والشك فيحرم الرزق فيعذب قلبه ويتعسر أمره والجسور يقدم سخاوة نفسه على بذل ما في يده ومنشأه من كمال التوحيد والثقة بوعده تعالى فتسهل عليه أسباب الرزق ببركته فنبه على أن ربح الدنيا والدين ببركة بذل الدنيا وإخراجها انتهى والأقرب إجراؤه على ظاهره ولا مانع من أن يجعل الله جسارة التاجر وعدم تهيئته للإقدام على البيع والشراء بقصد الاعتماد على الله في تحصيل الربح سببا لسعة رزقه ومن ثم قيل: لا تكونن للأمور هيوبا. . . فإلى خيبة يكون الهيوب (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) بن مالك قال شارحه العامري: حسن الحديث: 3395 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 3396 - (التثاؤب) بمثناة فوقية فمثلثة فهمزة بعد مدة أي سببه وهو كثرة الغذاء وثقل البدن (من الشيطان) أي ناشئ عن إبليس لأنه ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس واسترخائها ويميل بالبدن إلى الكسل والنوم فأضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة (فإذا تثاءب أحدكم) زاد الترمذي في الصلاة مع أنها غير قيد لكن طلب الرد فيها آكد (فليرده) أي فليأخذ في أسباب رده (ما استطاع) بأن يسد فمه مهما أمكن لقبحه وليس المراد أنه يملك رده لأن الواقع لا يرد (فإن أحدكم إذا قال ها) مقصور من غير همز حكاية صوت التثاؤب (ضحك منه الشيطان) فرحا بموافقة غرضه المذموم فأضافه إليه كأنه يحبه ويرتضيه ويتوسل به إلى ما يبتغيه من الكسل عن الصلاة والفتور عن العبادة ولأنه إنما يغلب غالبا من الشره وشدة الشبع الذي هو من عمل الشيطان والشيطان هو الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة (ق عن أبي هريرة رضي الله عنه) وفي الباب أبو سعيد الحديث: 3396 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 3397 - (التثاؤب الشديد) بمثلثة بعد الفوقية وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخار المختنق في عضلات الفم الشديد الذي يشوه صورة الإنسان (والعطسة الشديدة من الشيطان) ومن ثم عدوا من خصائص الأنبياء أنهم ما تثاءب أحد منهم قط ولا احتلم فإذا أحس الإنسان بتثاؤب أو عطس فليكظم وليضع يده على فمه ويخفض صوته ما أمكنه لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وفيه وفيما قبله كراهة التثاؤب في الصلاة وغيرها وبه صرح في التحقيق للشافعية قال الحافظ ابن حجر: والمراد بكونه مكروها أنه لا يجري معه وإلا فدفع وروده غير مقدور له وإنما خص الصلاة في بعض الروايات لأنها أولى الأحوال به (ابن السني في عمل يوم وليلة عن أم سلمة) الحديث: 3397 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 3398 - (التحدث بنعمة الله شكر) أي إشاعتها من الشكر {وأما بنعمة ربك فحدث} والشكر ثلاثة أقسام شكر اللسان بالتحدث [ص: 280] بالنعمة وشكر الأركان بالقيام بالخدمة وشكر الجنان بالاعتراف بأن كل نعمة منه تعالى (وتركها كفر) أي ستر وتغطية لما حقه الإظهار والإذاعة قال بعض العارفين: ذكر النعم يورث الحب في الله ثم هذا الخبر موضعه ما لم يترتب على التحدث بها ضرر كحسد وإلا فالكتمان أولى كما يفيده قول الزمخشري: وإنما يجوز مثل هذا إذا قصد أن يقتدى به وأمن على نفسه الفتنة وإلا فالستر أفضل ولو لم يكن فيه إلا التشبه بأهل السمعة والرياء لكفى (ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير) فاشكر لمن أعطى ولو سمسمة (ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله) أي من كان طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان عادته كفران نعم الله وترك الشكر له أو المراد أن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس وينكر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر (والجماعة بركة والفرقة عذاب) أي اجتماع جماعة المسلمين وانتظام شملهم زيادة خير وأو أجر وتفرقهم يترتب عليه من الفتن والحروب والقتل وغير ذلك مما هو أعظم من كل عذاب في الدنيا وأمر الآخرة إلى الله. (فائدة} أخرج في الحلية عن وهب أن بعض الأنبياء عليه السلام سأل ربه عن سبب سلب بلعام بعد تلك الآيات والكرامات فقال تعالى: إنه لم يشكرني يوما على ما أعطيته ولو شكرني على ذلك مرة واحدة لما سلبته نعمتي (هب عن النعمان بن بشير) وفيه أبو عبد الرحمن الشامي أورده الذهبي في الضعفاء وقال الأزدي كذاب ورواه عنه أحمد بسند رجاله ثقات كما بينه الهيثمي فكان ينبغي للمؤلف عزوه له الحديث: 3398 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 3399 - (التدبير) أي النظر في عواقب الإنفاق إذ التدبير كما قاله المحقق الدواني أعمال الروية في أدبار الأمور وعواقبها لتتقن الأفعال وتصدر على أكمل الأحوال (نصف المعيشة) إذ به يحترز عن الإسراف والتقتير وكمال العيش شيئان مدة الأجل وحسن الحال فيها وهذا لا يعارض قول الصوفية أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك ما ذاك إلا لأن الكلام هنا في تدبير صحبه تفويض وكلامهم فيما لا يصحبه (والتودد) أي التحبب إلى الناس (نصف العقل) لأن العقل صنفان مطبوع ومسموع والمسموع صنفان معاملة مع الله ومعاملة مع الخلق كما قال بعضهم: العقل العبودية لله وحسن المعاملة مع خلقه وإقامة العبودية الرضا والوفاء حتى يكون الحكم في القضاء والوفاء في الأمر بالأداء وحسن المعاملة كف الأذى وبذل الندى فمن كف أذاه وبذل نداه وده الناس ومن فعل هذا فقد جاز نصف العقل وإن أقام العبودية لله استكمل العقل كله (والهم نصف الهرم) الذي هو ضعف ليس وراءه قوة ومن لم يصل إلى الهرم وزال الهم عادت القوة فالهم إذن نصف الضعف (وقلة العيال أحد اليسارين) اليسار خفض العيش واليسر زيادة الدخل على الخرج أو وفاء الدخل بالخرج فمن كثر عياله ودخله فضل له من خرجه أو وفى دخله بخرجه ومن قل دخله وعياله ووفى دخله بخرجه أو فضل من دخله ففي كل من الحالين يكون في يسر ومن قل دخله وكثر عياله فهو في عسر كذا قرره بعضهم في شرح الحديث وقال البغدادي في شرح الشهاب: التدبير الإنفاق قصدا بغير إسراف ولا إقتار {إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} والعقل ليستعان ببصيرته على جلب المنافع ودفع المضار فإذا تودد إلى الناس بما لا يثلم دينه كفوه بودهم من المؤن مثل ما يكفيه العقل فقام تودده مقام نصف العقل وجعل الهم نصف الهرم لأنه إذا توالى على القلب يضني ويبلي ويؤثر في نقصان بنية الإنسان ويوهن الظاهر والخيال مثل تأثير الهرم بطول الزمان فحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الاسترسال مع كثرة الهموم في الدنيا والمسامرة لهموم القلب ما يقدر يكن وما ترزق يأتك وقد قال: تفرغوا من هموم الدنيا فما أقبل عبد على الله بكل قلبه إلا جعل قلوب [ص: 281] المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة والله بكل خير أوسع وجعل خفة العيال أحد اليسارين لأن الغنى نوعان غنى بالشيء والمال وغنى عن الشيء لعدم الحاجة إليه وهذا هو الحقيقي فقلة العيال لا حاجة معها إلى كثرة المؤن قالوا: وهذا الحديث من جوامع الكلم (القضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال العامري في شرح الشهاب: غريب حسن وأقول وفيه إسحاق بن إبراهيم الشامي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له مناكير وابن لهيعة وقد مر غير مرة (فر) كلاهما (عن أنس) قال العراقي: فيه خلاد بن عيسى جهله العقيلي ووثقه ابن معين الحديث: 3399 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 3400 - (التذلل للحق أقرب إلى العز من التعزز بالباطل) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي ومن تعزز بالباطل جزاه الله ذلا بغير ظلم انتهى بلفظه (فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن الحسين ابن بندار قال الذهبي: في الذيل اتهمه ابن ظاهر وأحمد بن عبد الرحمن الرقي قال الذهبي: قال الخطيب كان كذابا وهشام بن عمار قال أبو داود حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وإسماعيل بن عياش غير قوي ومحمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن عمر) بن الخطاب (موقوفا) الحديث: 3400 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 3401 - (التراب ربيع الصبيان) أي التراب لهم يرتعون فيه ويلعبون ويهشون إليه طبعا كوقت الربيع للبهائم والأنعام أصله من الرتع المرج الذي ترتع الناس فيه والماشية حيث شاؤوا ولا يحتاجون إلى نجعة لعموم نفعه وارتفاقهم به بعد خروجها من الشتاء (خط في رواة مالك) بن أنس (عن سهل بن سعد) الساعدي وكذا رواه عنه الطبراني ومن طريقه الديلمي (د عن ابن عمر) بن الخطاب قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبيان يلعبون بالتراب فنهاهم بعض أصحابه فقال: دعهم فذكره ثم قال الخطيب: المتن لا يصح وقال ابن الجوزي: قال ابن عدي: حديث منكر وقال الهيثمي: فيه محمد الرعيني متهم بهذا الحديث الحديث: 3401 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 3402 - (التسبيح للرجال) أي السنة لأحدهم إذا نابه شيء في صلاته أن يسبح (والتصفيق) أي ضرب إحدى اليدين على الأخرى وفي رواية للبخاري بدل التصفيق التصفيح قال الزركشي: بالحاء وبالقاف في آخره سواء يقال: صفق بيده وصفح إذا ضرب إحداهما على الأخرى قيل بالحاء الضرب بظاهر إحداهما على باطن الأخرى وقيل بل بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى للإنذار والتنبيه وبالقاف الضرب بجميع إحدى الصفحتين على الأخرى للهو واللعب (للنساء) إذا ناب إحداهن شيء في صلاتها فإذا ناب المصلي شيء في صلاته كتنبيه الإمام على سهو وإذنه لداخل وإنذاره أعمى خيف وقوعه في بئر أو نهش حية فالسنة عند ذلك للرجل أن يقول سبحان الله بقصد الذكر ولو مع التفهم وللمرأة أن تصفق بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر أخرى أو ضرب ظهرها على بطن أخرى فلا تضرب بطنها على بطن الأخرى بل إن فعلته لاعبة عالمة بالتحريم بطلت صلاتها وإن قل لمنافاته الصلاة والمراد بيان التفرقة بينهما فيما ذكر لا بيان حكم التنبه وإلا فإنذار نحو الأعمى واجب فإن لم يحصل الإنذار إلا بكلام أو فعل مبطل وجب وتبطل الصلاة به على الأصح وخص النساء بالتصفيق صونا لهن عن سماع كلامهن لو سبحن واللام في الرجال والنساء للتخصيص أي هما مختصان بهما فلا يكون التسبيح للنساء ولا التصفيق للرجال هذا هو المشروع لكن لو خالفوا فصفقوا وخالفن وسبحن لم تبطل وفي التسبيح والتصفيق للجنس أي هذا الجنس من القول والفعل فهو عام في بابه والخبر حجة على مالك [ص: 282] في ذهابه إلى أن المرأة تسبح كالرجل وعلى أبي حنيفة في قوله إذا كان التسبيح جوابا قطع الصلاة وقد تدافع مفهوم الجملتين في الخنثى وألحقه الشافعية بالأنثى احتياطا (حم عن جابر) قضية تصرف المصنف أن الشيخين لم يخرجاه وهو ذهول فقد جزم بعزوه لهما معا من حديث أبي هريرة وغيره الحافظ ابن حجر كالصدر المناوي وغيرهم وفي المنضد صحيح متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي اه وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: حديث أبو هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء أخرجه الأئمة الستة وقال ابن عبد الهادي: أخرجه الأئمة كلهم الحديث: 3402 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 3403 - (التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه) فيه وجهان الأول يراد التسوية بين التسبيح والتحميد بأن كل واحد منهما يأخذ نصف كفة الحسنات فيملآنها معا لأن الأذكار هي أم العبادات البدنية والغرض الأصلي من شرعها ينحصر في التنزيه والتمجيد والتسبيح يستوعب القسم الأول والتحميد يتضمن الثاني والثاني أن يراد بيان تفضيل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثواب التسبيح فالتسبيح نصف الميزان والتحميد وحده يملؤه وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان مبرءا عن النقائص منعوتا بنعوت الجلال وصفات الإكرام فيكون الحمد شاملا للأمرين وأعلى القسمين ويؤيده الترقي في قوله (ولا إله إلا الله ليس لها من دون الله حجاب) أي ليس لقبولها حجاب يحجبها عنه لاشتمالها على التنزيه والتحميد ونفي السوري صريحا ومن ثم جعله من جنس آخر لأن الأولين دخلا في معنى الوزن والمقدار في الأعمال وهذا حصل منه القرب إلى الله من غير حاجز (حتى تخلص) أي تصل (إليه) المراد بهذا وشبهه سرعة القبول وكمال الثواب كما سبق (ت عن ابن عمرو) بن العاص رضي الله عنه الحديث: 3403 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 3404 - (التسبيح نصف الميزان) لأنه نصف العبودية (والحمد لله يملؤه) لأنه كمال العبودية إذ كمالها معرفة الله والافتقار إليه فصفاء معرفته تنزيهه عما يهجس في الخواطر وتقع عليه النواظر وكمال الافتقار إليه أن ترى نفسك في قبضته يصرفك كيف يشاء فمن قال سبحان الله على يقين من قلبه فقد صفت معرفته لله ومن قال الحمد لله على بصيرة منه فقد صح افتقاره إليه (والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض) لأن نظر العبد في مصالح نفسه إلى السماء والأرض إذ رزقه في السماء وقوته وقراره في الأرض فكلما دخل عليه مما يخل بعبودية الله من نظر إلى غير الله ورجاء وسكون لغيره فذلك المنظور إليه والمعكوف عليه هو بين السماء والأرض فإذا قال الله أكبر على يقين من أن يرد قضاؤه أو يضر معه ضار أو ينفع دونه نافع فكأنه لم ير بين السماء والأرض ولا فيهما إلا هو فإذا رفع الوسائط بينه وبينه ملأ له ما بين سمائه وأرضه نورا وجعل ما بينهما قواما لعيشه وخداما لإرادته وسخر له ذلك بإرادته كله (والصوم نصف الصبر) لأن الصبر حبس النفس على ما أمر الله أن يؤديه والصوم حبسها عن شهواتها وهي مناهي الله فمن حبس نفسه عنها فهو آت بنصف الصبر فإن صبر على إقامة أوامره فقد أتى بكمال الصبر (والطهور نصف الإيمان) لأن الإيمان تطهير السر عن دنس الشرك وتطهير الجوارح عن عبادة غير الله فمن تطهر لله فقد طهر ظاهره فقد أتى بنصف الإيمان فإن طهر باطنه استكمل الإيمان (ت عن رجل من بني سليم) الحديث: 3404 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 3405 - (التسويف) أي المطل (شعار) في رواية الديلمي شعاع (الشيطان يلقيه في قلوب المؤمنين) فيمطل أحدهم غريمه [ص: 283] فيعجب الشيطان تأثيمه لأن مطل الغني ظلم وهو من الكبائر لكن اشترط بعضهم تكرره (فر عن عبد الرحمن بن عوف) وفيه حميد بن سعد قال الذهبي في الضعفاء: مجهول الحديث: 3405 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 3406 - (التضلع من ماء زمزم) أي الإكثار من الشرب منه حتى تتمدد الأضلاع والأجناب (براءة من النفاق) لدلالة فاعل ذلك أنه إنما فعله إيمانا وتصديقا بما جاء به الشارع من ندب الإكثار منه واعتقادا لفضله قالوا: ومن خواصه أنه يقوي القلب ويجلو البصر (الأزرقي) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الراء وكسر القاف نسبة إلى جده إذ هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي (في تاريخ مكة عن ابن عباس) هذا كالصريح في أن المصنف لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل عنه وهو ذهول شنيع فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس وخرجه أيضا الديلمي في الفردوس وغيره الحديث: 3406 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 3407 - (التفل) بمثناة فوقية أي البصاق وفي القاموس التفل والتفال بضمهما البصاق (في المسجد خطيئة) أي حرام (وكفارته أن يواريه) بمثناة فوقية أو تحتية في أرضه إن كانت ترابية أو رملية على ما مر (د عن أنس) بن مالك وظاهره أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين لكن في مسند الفردوس عزاه لهما معا فليحرر الحديث: 3407 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 3408 - (التكبير) قال الحرالي: التكبير إشراق القدر أو المقدار حسا أو معنى (في الفطر) أي في صلاة عيد الفطر (سبع في الأولى) أي سبع تكبيرات في الركعة الأولى سوى تكبيرة التحرم بعد دعاء الإفتتاح وقبل القراءة (وخمس) من التكبيرات (في الآخرة) بعد استوائه قائما قبل التعوذ زاد الدارقطني في روايته سوى تكبيرة الصلاة (والقراءة بعدهما) أي السبع والخمس (كلتيهما) أي في كلتا (1) الركعتين وفيه أن السنة في الأولى من صلاة عيد الفطر سبع تكبيرات وفي الثانية خمس ومثلها في ذلك صلاة عيد الأضحى قال بعض الأعاظم: حكمة هذا العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاته وترا وجعل سبعا في الأولى لذلك وتذكيرا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقا إليها لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر وتذكيرا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع لأنه خلقهما في ستة أيام وخلق آدم عليه السلام في السابع يوم الجمعة ولما جرت عادة الشارع بالرفق بهذه الأمة ومنه تخفيف الثانية على الأولى وكانت الخمسة أقرب وترا إلى السبعة من دونها جعل تكبير الثانية خمسا لذلك (د حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال: هو صحيح اه ومن ثم أخذ به الشافعي دون خبر الترمذي الذي أخذ به أبو حنيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر بعد القراءة لأن فيه كذبا ومن ثم قال ابن دحية: هو أقبح حديث في جامع الترمذي   (1) في كلتا هكذا بالألف مجرور بالكسرة المقدرة على الألف لأنه مقصور ولا يصح إعرابه إعراب المثنى لعدم إضافته إلى ضمير وأما الواقعة في المتن فإنها مجرورة بالياء تأكيدا للضمير المجرور لوجود شرطها وهو إضافتها للضمير الحديث: 3408 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 3409 - (التلبينة (1)) بفتح فسكون حساء يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل بعسل أو لبن وشبهه باللبن في بياضه سمي [ص: 284] بالمرة من التلبين مصدر لبن القوم إذا سقاهم اللبن حكى الزيادي عن بعض العرب لبناهم فلبنوا أي سقيناهم اللبن فأصابهم منه شبه سكر. ذكره الزمخشري (مجمة) بالتشديد وفتح الميمين أي مريحة قال القرطبي: روي بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم فعلى الأول مصدر أي جمام وعلى الثاني اسم فاعل من أجم وفي رواية البخاري تجم بضم الجيم (لفؤاد المريض) أي تريح قلبه وتسكنه وتقويه وتزيل عنه الهم وتنشطه بإخمادها للحمى من الإجمام وهو الراحة فلا حاجة لما تكلفه بعض الأعاظم من تأويل الفؤاد برأس المعدة فتدبر ونفع ماء الشعير للحي لا ينكره إلا جاهل بالطب (تذهب ببعض الحزن) فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته لقلة الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها لكن كثيرا ما يجتمع بمعدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي والحساء يجلوه عن المعدة قال ابن حجر: النافع منها ما كان رقيقا نضيجا غليظا نيئا (حم ق) في الطب من حديث عروة (عن عائشة) قال: كانت عائشة إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة (2) فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلوا منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكرته ورواه عنها أيضا الترمذي والنسائي   (1) وقال أبو نعيم في الطب: هي دقيق بحت أو فيه شحم والداودي يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا فيكون لا يخالطه شيء فلذا يكثر نفعه وقال الموفق البغدادي: التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء (2) وتقول هو البغيض النافع وتقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ثم قال: إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء وفي رواية والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء الحديث: 3409 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 3410 - (التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير) هذا ظاهر في أن البر والشعير صنفان وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وقال مالك صنف (والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو استزاد) أي طلب أكثر (فقد أربى) أي فعل الربا المحرم (إلا ما اختلفت ألوان) يعني أجناسه (حم م ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 3410 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 3411 - (التواضع (1) لا يزيد العبد إلا رفعة) في الدنيا لأنه بالتواضع للناس يعظم في القلوب وترتفع منزلته في النفوس (فتواضعوا يرفعكم الله تعالى) في الدنيا بوضع القبول في القلوب وإعظام المنزلة في الصدور وفي الآخرة بتكثير الأجر وإعظام [ص: 285] القدر كما ذكره العلائي وغيره وحمله على الدنيا فقط والآخرة فقط في الثلاثة من ضيق العطن (والعفو) أي التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه (لا يزيد العبد إلا عزا) لأن من عرف بالعفو ساد وعظم في القلوب فهو على ظاهره أو المراد عزه في الآخرة بكثرة الثواب وترك العقاب (فاعفوا يعزكم الله) في الدارين (والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة) بمعنى أنه يبارك فيه وتندفع عنه المفسدات فينجبر نقص الصورة بذلك (فتصدقوا يرحمكم الله عز وجل) أي يضاعف عليكم رحمته بإضعافه لكم أجرها قالوا: وهذا من جوامع الكلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في ذم الغضب) أي في كتاب ذمه (عن محمد بن عمير) بالتصغير (العبدي) ورواه الأصبهاني في الترغيب والديلمي في مسند الفردوس عن أنس قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف   (1) من الضعة بالكسر الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه لفضله وقيل هو الاستسلام للحق وترك الإعراض على الحكم وقيل هو أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله صغيرا أو كبيرا شريفا أو وضيعا عبدا أو حرا ذكرا أو غيره نظرا للقول لا للقائل فهو إنما يتواضع للحق وينقاد له وقيل هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا يفضل بهما غيره ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه (تتمة} مر الحسن بن علي بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه أدبا معه فنزل وأكل معهم وإن كان ذا جاه وحرمة تواضعا ولخبر من دعي فليجب ولو إلى كراع ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم وقال: اليد أي النعمة لهم حيث أحسنوا أولا وبذلوا ما أمكنهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه الحديث: 3411 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 3412 - (التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبدا) قال العلائي: ليس معناه أن صحتها مشروطة بعدم العود في مثل ذلك الذنب بل إنها مشروطة بالعزم على عدم الوقوع قال الغزالي رضي الله عنه: للتوبة ثمرتان إحداهما تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له والثاني نيل الدرجات حتى يصير حبيبا وللتكفير درجات فبعضها محو لأصل الذنب بالكلية وبعضها تخفيف له وكان الحسن البصري رضي الله تعالى عنه يقول: إذا أذنب العبد ثم تاب لم يزدد من الله إلا قربا وهكذا كلما أذنب لأنه دائم السير بذنب وبلا ذنب حتى يصل إلى الآخرة (ابن مردويه) في التفسير (هب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: رفعه ضعيف اه. وهو مع وقفه ضعيف أيضا ففيه كما قال العلائي إبراهيم بن مسلم الهجري وبكر بن خنيس ضعفهما النسائي وغيره وقال الهيثمي: رواه أحمد بلفظ التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه وسنده ضعيف أيضا الحديث: 3412 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 3413 - (التوبة النصوح) أي الصادقة أو البالغة في النصح أو الخالصة أو غير ذلك قال القرطبي: في تفسيرها ثلاث وعشرون قولا (الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله ثم لا تعود إليه أبدا) أي ثم تنوي أن لا تعود إليه بقية عمرك بأن يوطن قلبه ويجرد عزمه على عدم العود إليه البتة فإن ترك وتردد في عوده إليه فهو لم يتب منه. (تنبيه} قال العارف ابن عربي: إذا فتح الله عين بصيرتك ورزقك الرجوع إليه المسمى توبة فانظر أي حالة أنت عليها لا تزول عنها إن كنت واليا اثبت على ولايتك أو عزبا فلا تتزوج أو متزوجا فلا تطلق واشرع في العمل بتقوى الله في الحالة التي أنت عليها كائنة ما كانت فإن لله في كل حال باب قربة إليه فاقرع ذلك الباب يفتح لك فلا تحرم نفسك خيره ولا تتحرك بحركة ناويا فيها قربة حتى المباح فإن فيه قربة من حيث إن إيمانك به أنه مباح ولهذا أتيته فتثاب عليه ولا بد حتى المعصية إذا أتيتها فانو المعصية فيها أي أنها معصية فتؤجر في الإيمان بها أنها معصية ولذلك لا تخلص معصية للمؤمن من غير أن يخالطها عمل صالح وهو الإيمان بكونها معصية وهم الذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا إلى هنا كلامه (ابن أبي حاتم وابن مردويه) في التفسير (عن أبي) بن كعب الحديث: 3413 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 [ص: 286] 3414 - (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) فلا يكفي الاقتصار على الكفين عند الشافعية والحنفية إعطاء للبدل حكم المبدل واكتفى مالك رضي الله تعالى عنه بالكفين تمسكا بخبر عمار المصرح بالاكتفاء بالكفين قلنا المراد بالكفين الذراعان إطلاقا لاسم الجزء على الكل والمراد ظاهرهما مع الباقي وكون أكثر عمل الأمة على هذا يرجح هذا الحديث على حديث عمار فإن تلقي الأمة الحديث بالقبول يرجحه على ما أعرضت عنه وقوله ضربتان يفيد أن الضرب ركن لا يحتمل السقوط وعدم الاكتفاء بضربة واحدة وهو المفتى به عند الشافعية ومن ذهب إلى الاكتفاء بالضربة حمل الضربتين على إرادة الأعم من المسحين أو أنه خرج مخرج الغالب (طب ك) من حديث عبد الله بن الحسين عن جابر بن علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال الذهبي: عبد الله بن الحسين بن جابر رماه ابن حبان بسرقة الأخبار وابن ظبيان وهوه اه وظبيان بمعجمة فموحدة تحتية وقال الهيثمي: قال ابن معين وجمع: ابن ظبيان كذاب خبيث اه ورواه الدارقطني أيضا عن ابن عمر من طريقين وقال: في إحداهما علي بن ظبيان وقد تركه النسائي وغيره وفي الأخرى سليمان بن أبي داود الحراني وابن الأرقم وهما ضعيفان قال: والصواب أنه موقوف على ابن عمر قولا وفعلا وقال ابن حجر رحمه الله في تخريج الرافعي: علي بن ظبيان ضعفه غير واحد وروى من طريق فيها كلها مقال وقال في تخريج الهداية: رواه الدارقطني من طريقين آخرين واهيين وهو في الصحيحين بدون المرفقين اه وبذلك عرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب الحديث: 3414 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 حرف الثاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 3415 - (ثلاث) نكرة هي صفة لمحذوف ومن ثم وقعت مبتدأة أي خصال ثلاث والخبر قوله (من كن) أي حصلن (فيه وجد) أصاب (حلاوة الإيمان) أي التلذذ بالطاعة وتحمل المشقة في رضى الله ورسوله وإيثار ذلك على عرض الدنيا وهذا استعارة بالكناية ثم شبه الإيمان بنحو العسل للجهة الجامعة وهو الالتذاذ فأطلق المشبه وأضاف إليه ما هو من خصائص المشبه به ولوازمه وهو الحلاوة على جهة التخييل وادعى بعض الصوفية أنها حلاوة حسية لأن القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يجد طعم الإيمان كذوق الفم طعم العسل يمكن كون الجملة الشرطية صفة لثلاث فيكون الخبر ثم إن هذه الثلاثة لا توجد إلا (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وأن مصدرية خبر مبتدأ محذوف أي أول الثلاثة كون الله ورسوله في محبته إياهما أكثر محبة من محبة سواهما من نفس وأهل ومال وكل شيء قال النووي: وعبر بما دون من لعمومها وجمعه بين اسم الله ورسوله في ضمير لا ينافيه إنكاره على الخطيب ومن يعصهما لأن المراد في الخطب الإيضاح لا الرمز وهنا إيجاز اللفظ ليحفظ وأولى منه قول البيضاوي ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة فإنها وحدها لاغية وأمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعارا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم اه. وهنا أجوبة أخرى لا ترتضى ومحبة العبد ربه تنقسم باعتبار سببها والباعث عليها إلى قسمين أحدهما ينشأ عن مشاهدة الإحسان ومطالعة الآلاء والنظر في النعم فإن القلوب جبلت على حب المحسن إليها [ص: 287] ولا إحسان أعظم من إحسان الرب تقدس وهذا القسم يدخل فيه كل أحد والثاني يتعلق بالخواص وهي محبة الجلال والجمال ولا شيء أكمل ولا أجمل منه فلا يجد كماله ولا يوصف جلاله ولا ينعت جماله وأسباب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها أنه أنقذنا به من النار وأوجب لنا باتباعه الفلاح الأبدي والنعيم السرمدي (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) أي لا يحبه لغرض إلا لغرض رضى الله حتى تكون محبته لأبويه لكونه سبحانه أمر بالإحسان إليهما ومحبته لولده لكونه ينفعه في الدعاء الصالح له وهكذا (وأن يكره أن يعود في الكفر) أي يصير إليه واستعمال العود بمعنى الصيرورة غير عزيز (بعد إذ انقذه الله منه) أي نحاه منه بالإسلام (كما يكره أن يلقى في النار) لثبوت إيمانه وتمكنه في جنانه بحيث انشرح صدره والتذ به وفيه تنبيه على الكفر كالنار وإشارة إلى التحلي بالفضائل وهو حب الله ورسوله وحب الخلق والتخلي عن الرذائل وهو كراهة الكفر وما يلزمه من النقائص وهو بالحقيقة لازم للأول إذ إرادة الكمال تستلزم كراهة النقصان فهو تصريح باللازم قال البيضاوي: جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان المحصل لتلك اللذة لأنه لا يتم إيمان عبد حتى يتمكن في نفسه أن المنعم والقادر على الإطلاق هو الله وما مانح ولا مانع سواه وما عداه وسائط وأن الرسول هو العطوف الحقيقي الساعي في إصلاح شأنه وإعلاء مكانه وذلك يقتضي أن يتوجه بشراشره نحوه ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطا بينه وبينه وإن تيقن أن جملة ما وعد به وأوعد حق فيتيقن أن الموعود كالواقع وقال البيضاوي: المراد بالحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل فالمرء لا يؤمن إلا إذا تيقن أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل والعقل يقتضي ترجح جانبه وكماله بأن يمون نفسه بحيث يصير هواه تبعا لعقله ويلتذ به التذاذا عقليا إذ اللذة إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك وليس بين هذه واللذة الحسية نسبة يعتل بها والشارع عبر عن هذه الخلة بالحلاوة لأنها أظهر من اللذات المحسوسة فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة وأكل مال اليتيم أكل النار والعود إلى الكفر إلقاء في النار (حم ق) في الإيمان (ت ن هـ عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه قال النووي رحمه الله تعالى: هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام الحديث: 3415 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 3416 - (ثلاث من كن فيه نشر الله عليه) بشين معجمة: من ضد النشر الطبي (كنفه) بكاف ونون وفاء أي ستره وصانه وروى بمثناة تحتية وسين مهملة وبدل كنفه حتفه بحاء مهملة أي موته على فراشه وعلى الأول هو تمثيل لجعله تحت ظل رحمته يوم القيامة (وأدخله جنته) الإضافة للتشريف والتعظيم (رفق بالضعيف) ضعفا معنويا يعني المسكين أو حسيا ولا مانع من شموله لهما (وشفقة على الوالدين) أي الأصلين وإن عليا (والإحسان إلى المملوك) أي مملوك الإنسان نفسه ويحتمل إرادة الأعم فيدخل فيه ما لو رأى غيره يسيء إلى مملوك ويكلفه ما لا يطيق فيحسن إليه بنحو إعانة له في العمل أو شفاعة عند سيده في التخفيف عنه ونحو ذلك (ت) في الزهد (عن جابر) بن عبد الله وقال غريب اه وفيه عبد الله بن إبراهيم المغافري قال المزي: هو متهم أي بالوضع الحديث: 3416 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 [ص: 288] 3417 - (ثلاث من كن فيه آواه الله) بالمد (في كنفه ونشر عليه رحمته وأدخله جنته) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وفي رواية بدل ونشر إلخ وألبسه محبته وأدخله في جنته قالوا: من ذا يا رسول الله قال: (من إذا أعطي شكر) المعطي على ما أعطاه (وإذا قدر غفر) أي وإذا قدر على عقوبة من استوجب العقوبة لجنايته عليه عفى عنه فلم يؤاخذه بذنبه (وإذا غضب) غضبا لغير الله (فتر) أي سكن عن حدته ولان عن شدته وكظم الغيظ ورد الشيطان خاسئا (ك هب) من حديث عمر بن راشد عن هشام عن محمد بن علي (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي فقال: قلت بل هو واه فإن عمر قال فيه أبو حاتم وجدت حديثه كذبا اه وذكر نحوه في الفردوس مع زيادة بل منبه على ذلك مخرجه البيهقي نفسه فقال عقب تخريجه: عمر بن راشد هذا شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه قال: وهو غير عمر بن راشد اليمامي اه وبه يعرف أن المصنف كما أنه أساء التصرف في إسقاطه من كلام البيهقي وكما أعل به الحديث لم يصب في إيراده رأسا الحديث: 3417 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 3418 - (ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال) أي اجتماعها فيه يدل على كونه منهم (الرضى بالقضاء) أي بما قدره الله وحكم به (والصبر عن محارم الله) أي كف النفس عن ارتكابها أو شيء منها (والغضب في ذات الله عز وجل) أي عند رؤيته من ينتهك محارم الله وظاهر صنيع المصنف أن الديلمي خرجه هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل أسقط منه المصنف بعد قوله الأبدال الذين بهم قوام الدين وأهله اه بلفظه (فر عن معاذ) بن جبل وفيه ميسرة بن عبد ربه قال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: كذاب مشهور وشهر بن حوشب قال ابن عدي: لا يحتج به الحديث: 3418 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 3419 - (ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا) يوم القيامة فلا يناقشه ولا يشدد عليه ولا يطيل وقوفه لأجله (وأدخله الجنة برحمته) أي وإن كان عمله لا يبلغه ذلك بقلته (تعطي من حرمك) عطاءه أو مودته أو معروفه (وتعفو عمن ظلمك) في نفس أو مال أو عرض (وتصل من قطعك) من ذوي قرابتك وغيرهم وتمامه كما في الطبراني قال يعني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إذا فعلت هذا فما لي يا نبي الله قال: يدخلك الله الجنة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب طس ك) في التفسير من حديث سليمان بن داود اليماني عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: سليمان ضعيف وقال في المهذب سليمان واه وفي الميزان قال البخاري: سليمان منكر الحديث قال: ومن قلت فيه منكر الحديث لا تحل رواية حديثه ثم ساق له أخبارا هذا منها وقال العلائي: فيه سليمان ضعفه غير واحد وقال الهيثمي: فيه سليمان متروك الحديث: 3419 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 3420 - (ثلاث من كن فيه وقي شح نفسه) بالبناء للمفعول من الوقاية أي صانه الله تعالى عن أذى شح نفسه {ومن يوق [ص: 289] شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (من أدى الزكاة) الواجبة عليه إلى مستحقيها (وقرى الضيف) أي أنزله عنده وقربه وقرب إليه طعاما (وأعطى في النائبة) أي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث والفتن والحروب وغيرها (طب عن خالد بن زيد بن حارثة) ويقال ابن يزيد بن حارثة بحاء مهملة ومثلثة الأنصاري قال الذهبي: مختلف في صحبته وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: ذكره البخاري وابن حبان في التابعين قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعيف اه. لكن قال في الإصابة إسناده حسن الحديث: 3420 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 3421 - (ثلاث من كن فيه فإن الله تعالى يغفر له ما سوى ذلك) من الذنوب وإن كثرت (من مات لا يشرك بالله شيئا) في ألوهيته (ولم يكن ساحرا يتبع السحرة) ليتعلم السحر ويعلمه ويعمل به (ولم يحقد على أخيه في الإسلام) فإن الحقد شؤم وقد ورد في ذمه من الكتاب والسنة ما لا يحصى وهو من البلايا التي ابتلي بها المناظرون قال الغزالي: لا يكاد المناظر ينفك عنه إذ لا ترى مناظرا يقدر على أن لا يضمر حقدا على من يحرك رأسه عند كلام خصمه ويتوقف في كلامه فلا يقابله بحسن الإصغاء بل يضمر الحقد ويرتبه في النفس وغاية تماسكه الإخفاء بالنفاق (خد طب عن ابن عباس) بإسناد حسن الحديث: 3421 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 3422 - (ثلاث من كن فيه فهي راجعة على صاحبها) أي فشرها يعود عليه (البغي) أي مجاوزة الحد في الاعتداء والظلم (والمكر) أي الخداع (والنكث) بمثلثة نقض العهد ونبذه وتمامه عند الخطيب وغيره ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} وقرأ {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} وقرأ {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] وابن مردويه معا في التفسير) أي تفسير القرآن العظيم (خط) في ترجمة زيد بن علي الكوفي (عن أنس) وفيه مروان بن صبيح قال في الميزان: لا أعرفه وله خبر منكر ثم أورد هذا الخبر الحديث: 3422 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 3423 - (ثلاث من كن فيه استوجب الثواب) من الله تعالى (واستكمل الإيمان) في قلبه (خلق) بضم اللام (يعيش به في الناس) بأن يكون عنده ملكة يقتدر بها على مداراتهم ومسالمتهم ليسلم من شرهم (وورع) أي كف عن المحارم والشبهات (يحجزه) أي يمنعه (عن محارم الله) أي عن الوقوع في شيء منها (وحلم) بالكسر عقل يرده (عن جهل الجاهل) إذا جهل عليه فلا يقابله بمثل صنعه بل بالعفو والصفح واحتمال الأذى ونحو ذلك (البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن سليمان قال البزار: حدث بأحاديث لا يتابع عليها وقال في موضع آخر فيه من لم أعرفهم الحديث: 3423 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 [ص: 290] 3424 - (ثلاث من كن فيه أو واحدة منهن فليتزوج من الحور العين حيث شاء) أي في الجنة (رجل ائتمن على أمانة فأداها مخافة الله عز وجل) أي مخافة عقابه إن هو خان فيها (ورجل خلى عن قاتله) بأن ضربه ضربا قاتلا فعفى عنه قبل موته (ورجل قرأ في دبر كل صلاة) أي في آخرها والظاهر أن المراد الصلوات الخمس (قل هو الله أحد) أي سورتها بكمالها (عشر مرات) وذكر الرجل وصف طردي فالمرأة والخنثى كذلك وهذا تعظيم عظيم بقدر الأمانة وتنويه شريف بشرف سورة الإخلاص وفضيلة جليلة في العفو عن القاتل (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه الحديث: 3424 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 3425 - (ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الوضوء على المكاره) أي المشاق من كونه بماء شديد البرد في شدة البرد (والمشي إلى المساجد) أي للصلاة فيها جماعة ويمكن إرادة نحو الاعتكاف أيضا (في الظلم) بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلمة بسكونها (وإطعام الجائع) الطعام لوجه الله تعالى لا لنحو رياء وسمعة قال القاضي: كونها تحت العرش عبارة عن اختصاصها بمكان من الله تعالى وقربة وباعتبار أنه لا يضع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها كما هو حال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه الملازمين لحضرته (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] في) كتاب (الثواب والأصبهاني في) كتاب (الترغيب) والترهيب (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3425 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 3426 - (ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء) أي يخير بين دخوله من أيها شاء (وزوج) بالبناء للمفعول أي زوجه الله (من الحور العين) في الجنة (حيث شاء: من عفا عن قاتله وأدى دينا خفيا) إلى مستحقه بأن لم يكن عالما به كأنه ورثه من نحو أبيه ولم يشعر به (وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة) أي مفروضة من الخمس (عشر مرات قل هو الله أحد) أي سورتها وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه أبي يعلى فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله قال: أو إحداهن (ع) من حديث عمر بن شهاب (عن جابر) بن عبد الله قال مغلطاي: في عمر هذا كلام انتهى قال الهيثمي: فيه عمر بن شهاب متروك وأعاده في محل آخر وقال ضعيف جدا وقال الزين العراقي: رواه أيضا الطبراني وهو ضعيف الحديث: 3426 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 3427 - (ثلاث من حفظهن فهو ولي حقا) أي يتولاه الله ويحفظه (ومن ضيعهن فهو عدو لي حقا: الصلاة) المفروضة يعني المكتوبات من الخمس (والصيام) أي صيام رمضان (والجنابة) أي الغسل من الجنابة ومثلها الغسل عن حيض [ص: 291] أو نفاس في حق المرأة والمراد يكون المضيع عدوا لله أنه يعاقبه ويذله ويهينه إن لم يدركه العفو فإن ضيع ذلك جاحدا فهو كافر فتكون العداوة على بابها (طس عن أنس) قال الهيثمي: فيه عدي بن الفضل وهو ضعيف (ص عن الحسن مرسلا) يعني الحسن البصري الحديث: 3427 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 3428 - (ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق) يعني لقتال من لا يجوز له قتاله شرعا (أو عق والديه) أي أصليه وإن عليا (أو مشى مع ظالم لينصره) تمامه عند الطبراني يقول الله تعالى: {إنا من المجرمين منتقمون} <تنبيه> أخرج البيهقي في الشعب أن كعب الأحبار سئل عن العقوق للوالدين ما يجدونه في كتاب الله قال: إذا أقسم عليه لم يبره وإذا سأله لم يعطه وإذا ائتمنه خان فذلك العقوق (ابن منيع) في المعجم (طب) كلاهما (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: فيه عبد العزيز بن عبد الله بن حمزة وهو ضعيف الحديث: 3428 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 3429 - (ثلاث من فعلهن أطاق الصوم) يعني سهل عليه فلم يشق (من أكل قبل أن يشرب وتسحر) أي آخر الليل (وقال) من القيلولة الاستراحة نصف النهار ولو بلا نوم ومعلوم بالوجدان أن هذه الثلاث تخفف مشقة الصوم (البزار) في المسند (عن أنس) ورواه عنه الحاكم أيضا لكن قال: ويمس شيئا من الطيب مكان القيلولة الحديث: 3429 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 3430 - (ثلاث من فعلهن ثقة بالله واحتسابا) للأجر عنده (كان حقا على الله أن يعينه) في معاشه وطاعته ويوفقه لمرضاته (وأن يبارك) في عمره ورزقه (من سعى في فكاك رقبته) أي خلاصها من الرق بأن أعتقها أو تسبب في إعتاقها (ثقة بالله واحتسابا) لا لغرض سوى ذلك (كان حقا على الله أن يعينه وأن يبارك له) كرره لمزيد التأكيد والتشويق إلى فعل ذلك (ومن تزوج ثقة بالله واحتسابا) أي فلم يخش العيلة بل توكل على الله وامتثل أمره في التزويج وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تناكحوا تناسلوا (كان حقا على الله أن يعينه) على الإنفاق وغيره (وأن يبارك له) في زوجته (ومن أحيا أرضا ميتة ثقة بالله واحتسابا) أي طلبا للأجر بعمارتها نحو مسجد أو لتأكل منه العافية أو نحو ذلك (كان حقا على الله أن يعينه) على إحيائها وغيره (وأن يبارك له) فيها وفي غيرها لأن من وثق بالله لم يكله إلى نفسه بل يتولى أموره ويسدده في أقواله وأفعاله ومن طلب منه الثواب بإخلاص أفاض عليه من بحر جوده ونواله (طس) وكذا البيهقي من حديث عبيد الله بن الوازع عن أيوب بن أبي الزبير (عن جابر) قال الذهبي في المهذب: إسناده صالح مع نكارته عن أبي أيوب الحديث: 3430 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 [ص: 292] 3431 - (ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي داود) أي من أوتيهن فقد أوتي الشكر فهو شاكر كشكر آل داود المأمور به في قوله تعالى {اعملوا آل داود شكرا} (العدل في الغضب والرضى) فإذا عدل فيهما صار القلب ميزانا للحق لا يستفزه الغضب ولا يميل به الرضى فكلامه للحق لا للنفس وهذا عزيز جدا إذ أكثر الناس إذا غضب لم يبال بما يقول ولا بما يفعل ومن ثم كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم أسألك كلمة الحق في الغضب والرضى (والقصد في الفقر والغنى) بحيث لا يضطره الغنى حتى ينفق في غير حق ولا يعوزه الفقر حتى يمنع من فقره حقا (وخشية الله في السر والعلانية) لأن الخشية ولوج القلب باب الملكوت وحينئذ يستوي سره وعلنه فإذا أوتي العبد هذه الثلاث قوي على ما قوي عليه آل داود وفي الحديث إشعار بذم إظهار الخشية والخشوع من غير تزيين الباطن بهما وذلك من الأمراض القلبية قال الغزالي: ودواؤه الاشتغال بحفظ السر والقلب ليتزين بأنوار باطنه أفعال ظاهره فيكون مزينا من غير زينة مهيبا من غير أتباع عزيزا من غير عشيرة وقال غيره: داود تيقن أن الخلق لا يكرمونه إلا بقدر ما جعل الله له في قلوبهم ويعلم أن باطنه موضع نظر الحق (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلى هذه الآية {اعملوا آل داود شكرا} ثم ذكره الحديث: 3431 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 3432 - (ثلاث من أخلاق الإيمان من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل) بأن يكون عنده ملكة تمنعه من ذلك خوفا من الله تعالى (ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق) بل يقول الحق حتى على أبيه وابنه ويفعله معه (ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له) أي لم يتناول غير حقه يقال: تعاطيت الشيء إذا تناولته (طص عن أنس) بن مالك رضي الله عنه قال الحافظ الهيثمي: فيه بشر بن الحسين وهو كذاب اه فكان ينبغي للمصنف حذفه من هذا الكتاب الحديث: 3432 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 3433 - (ثلاث من الميسر) كمسجد (القمار) بكسر القاف ما يتخاطر الناس عليه كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بهما (والضرب بالكعاب) أي اللعب بالنرد قيل لما وجد الحكماء الدنيا تجري على أسلوبين مختلفين منها ما يجري بحكم الاتفاق ومنها ما يجري بحكم الفكر والتخييل والسعي وضعوا النرد مثالا للأول والشطرنج للثاني (والصفير بالحمام) أي دعاؤها للعب بها وفي المصباح الصفير الصوت الخالي عن الحروف (د في مراسيله عن يزيد بن شريح) بالتصغير كذا وقفت عليه في نسخ وهو إما تحريف من النساخ أو سهو من المؤلف وإنما هو شريك بن طارق (التيمي) الكوفي قال ابن حجر: يقال إنه أدرك الجاهلية (مرسلا) أرسل عن أبي ذر وعمر قال الذهبي: ثقة الحديث: 3433 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 [ص: 293] 3434 - (ثلاث من أصل الإيمان) أصل الشيء قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعها أي ثلاث خصال من قاعدة الإيمان (الكف عمن قال لا إله إلا الله) مع محمد رسول الله فمن قالها وجب الكف عن نفسه وماله وحكم بإيمانه ظاهرا (ولا يكفر بذنب) بضم التحتية وجزم الراء على النهي وكذا قوله (ولا يخرجه من الإسلام بعمل) أي بعمل يعمله من المعاصي ولو كبيرة بل هو تحت المشيئة خلافا للخوارج (والجهاد ماض) يعني الخصلة الثالثة اعتقاد كون الجهاد نافذا حكمه (منذ بعثني الله) يعني أمرني بالقتال وذلك بعد الهجرة وأول ما بعث أمر بالإنذار بلا قتال ثم أذن له فيه إذا بدأه الكفار ثم أحل له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم ثم مطلقا (1) (إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال) فينتهي حينئذ الجهاد وإنما جعل غاية الجهاد وخروجه لأن ما بعده يخرج يأجوج ومأجوج فلا يطاقون ثم بعد هلاكهم لم يبق كافر (لا يبطله جور جائر) أي لا يسقط فرض الجهاد بظلم الإمام وفسقه ولا ينعزل الإمام بجور أو فسق أو خلع (ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار) أي بأن الله قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على ما قدرها وزعمت القدرية (2) أنه إنما يعلمها بعد وقوعها قال في المطامح: هذا الخبر أصل من أصول القواعد من أعظم فوائده الإيمان بالقدر وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به من الغيب لأنه الناطق عن الله المؤيد بالله (د) في الجهاد (عن أنس) وفيه كما قال المناوي رضي الله عنه يزيد بن أبي نشبة بضم النون لم يخرج له أحد من الستة غير أبي داود وهو مجهول كما قاله المزي وغيره   (1) أي من غير شرط ولا زمان ووجوب القتال مستمر بعد ذلك (2) وسميت هذه الفرق قدرية لإنكارهم القدر الحديث: 3434 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 3435 - (ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائما) فإن البول قائما خلاف الأولى أي إلا لضرورة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها (أو يمسح جبهته) من نحو حصى وتراب إذا رفع رأسه من السجود (قبل أن يفرغ من صلاته) ولو نفلا (أو ينفخ في) حال (سجوده) أي ينفخ التراب في الصلاة لموضع سجوده كما بينه هكذا في رواية الطبراني لهذا الحديث وظاهر أن ذكر الرجل في الثلاثة وصف طردي وأن المرأة والخنثى مثله (البزار) في المسند (عن بريدة) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه تلميذه الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه وقال: لا يروى عن بريدة إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو عبيدة الحداد عن سعيد بن حبان وتعقبه العراقي بمنع التفرد بل تابعه عبد الله بن داود الحديث: 3435 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 3436 - (ثلاث من فعل الجاهلية) (1) أي من عادة العرب في الحالة التي كانوا عليها قبل الإسلام (لا يدعهن أهل الإسلام) أي لا يتركوهن (استسقاء بالكواكب) قال في الفردوس: عن الزهري إنما غلظ القول فيه لأن العرب كانت تزعم أن المطر [ص: 294] فعل النجم لا سقيا من الله أما من لم يرد هذا وقال: مطرنا في وقت كذا بنجم طالع أو غارب فجائز اه والاعتماد على قول المنجمين والرجوع إليهم شديد التحريم مشهور فيما بين القوم ومن مجازفات المصنف التي كان ينبغي له الكف عنها قوله حكى لي من أثق به أني لما ولدت اجتمع بعض أهلي برجل من أرباب التقويم فأخذ لي طالعا فقال عليه في كل سنة فرد من عمره قطوع فاتفق أن الأمر وقع كذلك ما مررت على سنة فرد من عمري إلا وضعفت فيها ضعفة شديدة اه. فكان الأولى به كف لسانه وقلمه عن مثل ذلك كيف وهو ممن ينكر على من يشتغل بعلوم الأوائل أو ينقل أو يحكي عنها شيئا في كتبه حتى قال في بعض تآليفه إن الهيويين زعموا أن الشمس لا تكسف إلا في وقت كذا للمقابلة التي يزعمونها قاتلهم الله عليها هذا لفظه وقال في محل آخر: أما نحن معاشر أهل السنة فلا ننجس كتبنا بقاذورات أهل المنطق ونحوه من علومهم (وطعن في النسب) أي في أنساب الناس كأن يقول هذا ليس من ذرية فلان أو ليس بابنه ونحو ذلك (والنياحة على الميت) فإنه من عمل الجاهلية ولا يزال أهل الإسلام يفعلونه مع كونه شديد التحريم وهذا من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع فلم يزل الناس بعده في كل عصر على ذلك وإن أنكر منهم شرذمة فلا يلتفت إلى إنكارهم ولا يؤبه باعتراضهم. (تنبيه} قال ابن تيمية: ذم في الحديث من ادعى بدعوى الجاهلية وأخبر أن بعض أمور الجاهلية لا يتركه الناس ذما لمن يتركه وهذا يقتضي أن ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم مذموم في دين الإسلام وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها ومعلوم أن إضافتها إليها خرج مخرج الذم (تخ طب) كلاهما من طريق الوليد بن القاسم عن مصعب بن عبد الله بن جنادة عن أبيه (عن) جده (جنادة) بضم الجيم ثم نون (بن مالك) الأزدي الشامي نزيل مصر يقال اسم أبيه كثير مختلف في صحبته قال العجلي: تابعي ثقة قال في التقريب: والحق أنهما اثنان صحابي وتابعي متفقان في الاسم وكنية الأب قال ابن سعد: وهو غير جنادة بن أبي أمية قال في الإصابة: رواه البخاري في تاريخه وقال: في إسناده نظر   (1) أي من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك الحديث: 3436 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 3437 - (ثلاث من الكفر بالله: شق الجيب) عند المصيبة (والنياحة) على الميت (والطعن في النسب) والمراد بالكفر بالله كفر نعمته فإن فرض أن فاعل ذلك استحله فالكفر على بابه (ك) في الجنائز (عن أبي هريرة) وصححه وأقره الذهبي الحديث: 3437 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 3438 - (ثلاث من نعيم الدنيا وإن كان لا نعيم لها) يدوم أو يعتد به (مركب وطئ) أي دابة لينة السير سريعته (والمرأة الصالحة) بأن تكون صالحة للاستمتاع بها والاعفاف صالحة لدينها صالحة لحفظ ماله ومنزله بحيث لا تخونه في نفسه ولا في ماله حضر أو غاب (والمنزل الواسع) لأن المنزل الضيق يضيق الصدر ويجلب الغم والهم والأمراض ويسيء الأخلاق ويمنع الارتفاق فأعظم بالثلاثة من نعمة (ش عن ابن قرة أو قرة) بن إياس بن هلال المزني جد إياس بن معاوية بن قرة قال الذهبي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله وفي التقريب: صحابي نزل البصرة الحديث: 3438 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 3439 - (ثلاث من كنوز البر) بالكسر (إخفاء الصدقة) حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله (1) (وكتمان المصيبة) عن الناس (وكتمان الشكوى) عنهم بأن لا يشكو بثه وحزنه إلا إلى الله (يقول الله تعالى إذا ابتليت عبدي) ببلية في نفسه كمرض [ص: 295] ونحوه (فصبر) على ذلك (ولم يشكني إلى عواده) بضم المهملة وتشديد الواو أي زواره في مرضه (أبدلته لحما خيرا من لحمه) الذي أذابه شدة مقاساة المرض (ودما خيرا من دمه) الذي أحرقته الحمى بوهج حرها (فإن أبرأته) أي قدرت له البرء من مرضه (أبرأته) منه (ولا ذنب له) بأن أغفر له جميع ذنوبه حتى يعود كيوم ولدته أمه كما في رواية وظاهره أن المرض يكفر حتى الكبائر وفيه ما سلف تقريره (وإن توفيته فإلى رحمتي) أي فأتوفاه ذاهبا إلى رحمتي (طب حل) كلاهما من طريق قطن بن إبراهيم النيسابوري عن الجارود بن يزيد عن سفيان بن أشعث عن ابن سيرين (عن أنس) رضي الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال: تفرد به الجارود وهو متروك وتعقبه المؤلف بأنه لم يتهم بوضع بل هو ضعيف قال الحافظ العراقي: ورواه أيضا أبو نعيم في كتاب الإيجاز وجوامع الكلم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه وسنده ضعيف   (1) لأنه أبعد من الرياء لكن قال الفقهاء إذا كان المتصدق ممن يقتدى بهم فإظهار الصدقة في حقه أفضل الحديث: 3439 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 3440 - (ثلاث من كنوز البر) بالكسر (كتمان الأوجاع) في المصباح وجع فلان رأسه يجعل الإنسان مفعولا والعفو فاعلا ويجوز عكسه على القلب (والبلوى) أي الامتحان والاختبار (والمصيبات) هي كل ما يصيب الإنسان من مكروه وكل شيء ساءه فهو مصيبة (ومن بث) أي أذاع ونشر وشكى مصيبته للناس (لم يصبر) لأن الشكوى منافية للصبر (تمام) في فوائده من طريق ثابت بن عمرو عن مقاتل عن قيس بن سكن (عن ابن مسعود) وثابت هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ثابت بن عمرو عن مقاتل قال الدارقطني رحمه الله: ضعيف الحديث: 3440 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 3441 - (ثلاث من الإيمان) وفي رواية ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان (الإنفاق من الاقتار) أي القلة إذ لا يصدر إلا عن قوة ثقة بالله تعالى بإخلافه ما أنفقه وقوة يقين وتوكل ورحمة وزهد وسخاء قال ابن شريف: والحديث عام في النفقة على العيال والأضياف وكل نفقة في طاعة وفيه أن نفقة المعسر على أهله أعظم أجرا من نفقة الموسر (وبذل السلام للعالم) بفتح اللام والمراد به جميع المسلمين من عرفته ومن لم تعرفه كبير أو صغير شريف أو وضيع معروف أو مجهول لأنه من التواضع المطلوب وفي نسخ بدل للعالم الشفقة على الخلق وهو بذل السلام العام والأول هو ما في البخاري (والإنصاف) أي العدل يقال أنصف من نفسه وانتصفت أنا منه (من نفسك) بأداء حق الله وحق الخلق ومعاملتهم بما يجب أن يعاملوه به والحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وشمل إنصافه نفسه من نفسه فلا يدعي ما ليس لها من كبر أو عظم وغير ذلك فتضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه قال أبو الزناد وغيره: إنما كان من جمع الثلاث مستكملا للإيمان لأن مداره عليها إذ العبد إذا اتصف بالانصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا إلا أداه ولم يترك شيئا نهاه إلا اجتنبه وهذا يجمع أركان الإسلام وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواصل وعدم الاحتقار ويحصل به التآلف والتحبب والإنفاق من الاقتار يتضمن غاية الكرم لأنه إذا أنفق مع الحاجة كان مع التوسع أكثر إنفاقا وكونه مع الاقتار يستلزم الوثوق بالله والزهد في الدنيا وقصر الأمل وقال في الأذكار: جمع في هذه الكلمات الثلاث خير الدارين فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدي حق الله وما أمر به ويجتنب ما نهى عنه ويؤدي للناس حقهم ولا يطلب ما ليس له وينصف نفسه فلا يوقعها في قبيح وبذل السلام للعالم يتضمن أن لا يتكبر على أحد [ص: 296] ولا يكون بينه وبين أحد حق يمتنع بسببه السلام عليه والإنفاق يقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل وقال في البستان: على هذه الثلاث مدار الإسلام لأن من أنصف من نفسه فيما لله وللخلق عليه ولنفسه من نصيحتها وصيانتها فقد بلغ الغاية في الطاعة وبذل السلام للخاص والعام من أعظم مكارم الأخلاق وهو متضمن للسلامة من المعاداة والأحقاد واحتقار الناس والتكبر عليهم والارتفاع فوقهم وأما الإنفاق من الاقتار فهو الغاية في الكرم وقد مدحه الله تعالى بقوله {ويؤثرون على أنفسهم} الآية وهذا عام في نفقته على عياله وضيفه والسائل وكل نفقة في طاعة وهو متضمن للتوكل على الله والاعتماد على فضله والثقة بضمانه للرزق وللزهد في الدنيا وعدم ادخار متاعها وترك الاهتمام بشأنها والتفاخر والتكاثر وغير ذلك وقال الكرماني: هذه جامعة لخصال الإيمان كلها لأنها إما مالية أو بدنية والإنفاق إشارة إلى المالية المتضمنة للوثوق بالله والزهد في الدنيا والبدنية إما مع الله وهو التعظيم لأمر الله وإما مع الناس وهو الانصاف والشفقة على الخلق وبذل السلام (البزار) في مسنده عن عمار قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن بن عبد الله الكوفي شيخ البزار لم أر من ذكره (طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: فيه القاسم أبو عبد الرحمن وهو ضعيف الحديث: 3441 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 3442 - (ثلاث من تمام الصلاة) أي من مكملاتها (إسباغ الوضوء) أي إتمامه بسننه وآدابه وتجنب مكروهاته (وعدل الصف) أي تسوية الصفوف وإقامتها على سمت واحد (والاقتداء بالإمام) يعني الصلاة جماعة فإنها من مكملات الصلاة ومن ثم كانت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ ببضع وعشرين درجة (هب عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) هو الفقيه العمري أحد الأعلام وقد سبق الحديث: 3442 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 3443 - (ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل) الصائم (بالإفطار) بعد تحقق الغروب ولا يؤخر لاشتباك النجوم كما يفعله أهل الكتاب (وتأخير السحور) إلى قبيل الفجر ما لم يوقع في شك (ووضع اليمين على الشمال في قيام الصلاة) بأن يجعلهما تحت صدره فوق سرته قابضا باليمين (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: رواه مرفوعا وموقوفا والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه الحديث: 3443 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 3444 - (ثلاث من الفواقر) أي الدواهي واحدتها فاقرة كأنها التي تحطم الفقار كما يقال قاصمة الظهر ذكره الزمخشري (إمام) يعني خليفة أو أميرا (إن أحسنت لم يشكر) ك على إحسانك (وإن أسأت لم يغفر) لك ما فرط من هفوة أو كبوة بل يعاقب عليه (وجار) جائر (إن رأى) أي علم منك (خيرا) فعلته (دفنه) أي ستره وأخفى أثره حتى كأنه لم يعرف خبره (وإن رأى) عليك (شرا أشاعه) أي نشره وأظهره وأفشاه بين الناس ليشينك به ويلحق بذلك العار والعيب (وامرأة) [ص: 297] أي زوجة لك (إن حضرت) عندها (آذتك) بالقول والفعل (وإن غبت عنها خانتك) في نفسها بالخنا والزنا وفي مالك بالإسراف والإعتساف وعدم الرفق والإلطاف فكل واحدة من هذه الثلاث هي الداهية والبلية العظمى فإن اجتمعت فذلك البلاء الذي لا يضاهى والحزن الذي لا يتناهى (طب عن فضالة) بفتح الفاء ومعجمة خفيفة (ابن عبيد) بالتصغير قال الحافظ العراقي: سنده حسن وقال تلميذه الهيثمي: فيه محمد بن عصام بن يزيد ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه ولم يوثقه وبقية رجاله وثقوا الحديث: 3444 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 3445 - (ثلاث أخاف على أمتي) الوقوع فيها والمراد أمة الإجابة (الاستسقاء بالأنواء) هي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله من ساعته فكانت العرب إذا سقط نجم وطلع آخر قالوا: لا بد من مطر عنده فينسبونه لذلك النجم لا لله ولو لم يريدوا ذلك وقالوا: مطرنا في ذلك الوقت جاز. <فائدة> في تذكرة المقريزي في ترجمته طه المطرز المعروف بابن شحم أن من شعره يخاطب الملك الكامل بقوله: دع النجوم لطرفي يعيش بها. . . وبالعزائم فانهض أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا. . . عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا (وحيف السلطان) أي جوره وظلمه وعسفه (وتكذيب بالقدر) محركا على ما سبق عما قريب. (نكتة} قال الماوردي: من الأجوبة المسكتة أن إبليس ظهر لعيسى عليه الصلاة والسلام فقال: ألست تقول إنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله لك وعليك قال: نعم قال: فارم بنفسك من ذروة الجبل فإنه إن يقدر لك السلامة سلمت قال: يا ملعون إن لله تعالى أن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه (حم طب) وفي الأوسط والصغير وكذا البزار كلهم (عن جابر بن سمرة) وفيه محمد بن القاسم الأزدي وثقه ابن معين وكذبه أحمد وضعفه بقية الأئمة ذكره الهيثمي وغيره الحديث: 3445 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 3446 - (ثلاث أحلف عليهن) أي على حقيقتهن (لا يجعل الله تعالى من له سهم في الإسلام) من أسهمه الآتية (كمن لا سهم له) منها أي لا يساويه به في الآخرة (وأسهم الإسلام) هي (ثلاثة الصلاة) أي المفروضات الخمس (والصوم) أي صوم رمضان (والزكاة) بسائر أنواعها فهذه واحدة من الثلاث (و) الثانية (لا يتوفى الله عبدا) من عباده (في الدنيا) فيحفظه ويرعاه ويوفقه (فيوليه غيره يوم القيامة) بل كما يتولاه في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة يتولاه في العقبى ولا يكله إلى غيره (و) الثالثة (لا يحب رجل قوما) في الدنيا (إلا جعله الله) أي حشره (معهم) في الآخرة فمن أحب أهل الخير كان معهم ومن أحب أهل الشر كان معهم والمرء مع من أحب (والرابعة لو حلفت عليها) كما حلفت على أولئك الثلاث (رجوت) أي أملت (أن لا آثم) أي لا يلحقني إثم بسبب حلفي عليها وهي (لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة) في رواية الحاكم في الاخرة بدل يوم القيامة ثم قال فقال عمر بن عبد العزيز: إذا سمعتم مثل هذا الحديث يحدث به عروة عن عائشة رضي الله عنها فاحفظوه اه (حم ن ك هب) من حديث شيبة الحضرمي (عن عائشة) قال [ص: 298] الحاكم: شيبة الحضرمي ويقال الخضري قد أخرجه البخاري وتعقبه الذهبي بأنه ما خرج له النسائي سوى هذا الحديث وفيه جهالة اه. وفيه أيضا همام بن يحيى أورده الذهبي في الضعفاء وقال: من رجال الصحيحين لكن قال القطان: لا يرضى حفظه (ع عن ابن مسعود طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3446 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 3447 - (ثلاث إذا خرجن) أي ظهرن (لا تنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها) فلا ينفع كافرا قبل طلوعها إيمانه بعده ولا مؤمنا لم يعمل صالحا قبل عمله بعده لأن حكم الإيمان والعمل حالتئذ كهو عند الغرغرة (والدجال) أي ظهوره (ودابة الأرض) أي ظهورها فإن قيل هذه الثلاث غير مجتمعة في الوجود فإذا وجد إحداها لم ينفع نفسا إيمانها بعد فما فائدة ذلك الآخرين قلنا لعله أراد أن كلا من الثلاثة مستبد في أن الإيمان لا ينفع بعد مشاهدتها فأيتها تقدمت ترتب عليها عدم النفع (م) في الإيمان (ت عن أبي هريرة) ولم يذكر البخاري هذا اللفظ إلا في طلوع الشمس من مغربها الحديث: 3447 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 3448 - (ثلاث إن كان في شيء شفاء فشرطة محجم أو شربة عسل أو كية تصيب ألما) أي تصادفه فتذهبه (وأنا أكره الكي ولا أحبه) فلا ينبغي أن يفعل إلا لضرورة (حم عن عقبة بن عامر) الجهني الحديث: 3448 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 3449 - (ثلاث أقسم عليهن) أي على حقيقتهن (ما نقص مال قط من صدقة) فإنه وإن نقص في الدنيا فنفعه في الآخرة باق فكأنه ما نقص وليس معناه أن المال لا ينقص حسا قال ابن عبد السلام: ولأن الله يخلف عليه لأن ذا معنى مستأنف (1) (فتصدقوا) ولا تبالوا بالنقص الحسي (ولا عفا رجل) ذكر الرجل غالبي والمراد إنسان (عن مظلمة ظلمها) بالبناء للمجهول (إلا زاده الله تعالى بها عزا) في الدنيا والآخرة كما سلف تقريره (فاعفوا يزدكم الله عزا ولا فتح رجل) أي إنسان (على نفسه باب مسألة) أي شحاذة (يسأل الناس) أي يطلب منهم أن يعطوه من مالهم ويظهر لهم الفقر والحاجة وهو بخلاف ذلك (إلا فتح الله عليه باب فقر) لم يكن له في حساب بأن يسلط على ما بيده ما يتلفه حتى يعود فقيرا محتاجا على حالة أسوأ مما أذاع عن نفسه جزاءا على فعله {ولا يظلم ربك أحدا} (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي [ص: 299] (في) كتاب (ذم الغضب عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة   (1) معناه أن ابن آدم لا يضيع له شيء وما لم ينتفع به في دنياه انتفع به في الآخرة فالإنسان إذا كان له داران فحول بعض ماله من إحدى داريه إلى الأخرى لا يقال ذلك البعض المحول نقص من ماله وقد كان بعض السلف يقول إذا رأى السائل مرحبا بمن جاء يحول مالنا من دنيانا لأخرانا فهذا معنى الحديث وليس معناه أن المال لا ينقص في الحس الحديث: 3449 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 3450 - (ثلاث أقسم عليهن) أي أحلف على حقيقتهن (ما نقص مال عبد من صدقة) تصدق بها منه بل يبارك الله له فيه في الدنيا ما يجبر نقصه الحسي زيادة ويثيبه عليها في الآخرة (ولا ظلم عبد) بالبناء للمجهول (مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عز وجل عزا) في الدنيا والآخرة (ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) من حيث لا يحتسب (وأحدثكم حديثا فاحفظوه) عني لعل الله أن ينفعكم به (إنما الدنيا لأربعة نفر) أي إنما حال أهلها حال أربعة: الأول (عبد رزقه الله مالا) من جهة حل (وعلما) من العلوم الشرعية النافعة في الدين (فهو يتقي فيه) أي في كل من المال والعلم (ربه) بأن ينفق من المال في وجوه القرب ويعمل بما علمه من العلم ويعلمه لوجه الله تعالى لا لغرض آخر (ويصل فيه رحمه) أي في المال بالصلة منه وفي العلم بإسعافه بجاه العلم ونحو ذلك (ويعلم لله فيه حقا) من وقف وإقراء وإفتاء وتدريس (فهذا) الإنسان القائم بذلك (بأفضل المنازل) عند الله تعالى لجمعه بين المال والعلم وجوزه لفضلهما في الدنيا والآخرة (و) الثاني (عبد رزقه الله علما) من العلوم الشرعية (ولم يرزقه مالا) يتصدق منه وينفق في وجوب القرب (فهو صادق النية يقول) فيما بينه وبين الله تعالى بصدق نية وصلاح طوية (لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان) أي الذي له مال ينفق منه في مرضاة الله ابتغاء لوجهه (فهو بنيته) أي يؤجر على حسبها ويعطى بقضيتها (فأجرهما سواء) أي فأجر علم هذا أو مال هذا سواء في المقدار أو فأجر عقد عزمه على أنه لو كان له من المال ما ينفق منه في الخير وأجر من له مال ينفق منه فيه سواء لأنه لو كان يملكه لفعل وعلى هذا فيكون أجر العلم زيادة له (و) الثالث (عبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما) أي من العلوم الشرعية وإن كان عنده من علم غيرها (يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه) أي لا يخافه فيه بأن لم يخرج ما فرض عليه من الزكاة (ولا يصل منه رحمه) أي قرابته (ولا يعلم لله فيه حقا) من إطعام جائع وكسوة عار وفك أسير وإعطاء في نائبة ونحو ذلك (فهذا) العامل على ذلك (بأخبث المنازل) عند الله أي أخسها وأحقرها عنده (و) الرابع (عبد لم يرزقه الله مالا ولا علما) ينتقع به (فهو يقول) بنية صادقة وعزيمة قوية (لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان) ممن أوتي مالا فعمل فيه صالحا (فهو بنيته) أي فيؤجر عليها ويجازي بحسبها (فوزرهما سواء) أي من رزق مالا فأنفق منه في وجوه القرب ومن علم الله منه أنه لو كان له مال لعمل فيه ذلك العمل فيكونان بمنزلة واحدة في الآخرة لا يفضل أحدهما على صاحبه من هذه الجهة (حم ت عن أبي كبشة) واسمه سعيد بن عمرو أو عمرو بن سعيد وقيل عمرو أو عامر بن سعيد صحابي نزل الشام (الأنماري) [ص: 300] بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وآخره راء نسبة إلى أنمار الحديث: 3450 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 3451 - (ثلاث جدهن جد (1) بكسر الجيم فيهما ضد الهزل (وهزلهن جد) فمن هزل بشيء منها لزمه وترتب عليه حكمه قال الزمخشري: والهزل واللعب من وادي الاضطراب والخفة كما أن الجد من وادي الرزانة والتماسك (النكاح) فمن زوج ابنته هازلا انعقد النكاح وإن لم يقصده (والطلاق) فيقع طلاق الهازل وحكى عليه الإجماع (والرجعة) ارتجاع من طلقها رجعيا إلى عصمته فإذا قال راجعتك عادت إليه واستحل منها ما يستحل من زوجته وبهذه أخذ الأئمة الثلاثة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ويعضده {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} فجعل الهزو في الدين جهلا ولن يلحق الجهل إلا بأهله وقال المالكية: لا يصح نكاح الهازل لأن الفرج محرم فلا يصح إلا بجد انتهى قال ابن العربي: وروى بدل الرجعة العتق ولم يصح وقال ابن حجر: وقع عند الغزالي العتاق بدل الرجعة ولم أجده وخص الثلاثة بالذكر لتأكد أمر الفروج وإلا فكل تصرف ينعقد بالهزل على الأصح عند أصحابنا الشافعية إذ الهازل بالقول وإن كان غير مستلزم لحكمه فترتب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى ولا يقف على اختياره وذلك لأن الهازل قاصدا للقول مريدا له مع علمه بمعناه وموجبه وقصد اللفظ المتضمن للمعنى قصد لذلك المعنى لتلازمهما إلا أن يعارضه قصد آخر كالمكره فإنه قصد غير المعنى المقول وموجبه فلذلك أبطله الشارع (د ت هـ) في الطلاق (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب وتعقبه الذهبي أخذا من ابن القطان بأن فيه عبد الرحمن بن حبيب المخزومي قال النسائي: منكر الحديث ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر   (1) وهذا الحديث له سبب وهو ما رواه أبو الدرداء قال: كان الرجل يطلق في الجاهلية وينكح ويعتق ويقول أنا طلقت وأنا لاعب فأنزل الله هذه الآية {ولا تتخذوا آيات الله هزوا} أي لا تتخذوا أحكام الله في طريق الهزاء فإنها جد كلها فمن هزل فيها لزمته وفيه إبطال أمر الجاهلية وتعزيز الأحكام الشرعية اه الحديث: 3451 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 3452 - (ثلاث حق على الله تعالى أن لا يرد لهم) أي لكل منهم (دعوة) دعا بها مع توفر الأركان والشروط وصدق النية (دعوة الصائم) بدل مما قبله على حذف مضاف أي دعوة الإنسان في حال تلبسه بالصوم (حتى يفطر) أي إلى أن يتعاطى مفطرا ويحتمل إلى أن يدخل أوان إفطاره وإن لم يفطر بالفعل قال في الأذكار: هكذا الرواية حتى بمثناة فوقية (والمظلوم) فإن دعوته على ظالمه مستجابة (حتى) أي إلى أن (ينتصر) أي ينتقم ممن ظلمه باليد أو باللسان لأنه مضطر ملهوف قال تعالى {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} أي لا يجيبه ولا يكشف ما به إلا الله (والمسافر) أي سفرا في غير معصية كما هو القياس الظاهر (حتى) أي إلى أن (يرجع) إلى وطنه لأنه مستوفز مضطرب قلما يسكن إلا إلى الرحل والترحال وهو على وجل من الحوادث فهو كثير الإنابة إلى الله تعالى فسره منفصل عن الأغيار ومتعلق بالجبار فلما صفا سره أسرعت له الإجابة وحتى في القرائن كلها بمعنى إلى كمال قدرته (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه إسحاق بن زكريا الأيكي شيخ البزار ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 3452 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 3453 - (ثلاث دعوات) بفتح العين (مستجابات) عند الله تعالى إذا توفرت شروطها (دعوة الصائم) حتى يفطر ومراده [ص: 301] كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه (ودعوة المسافر) حتى يصدر إلى أهله (ودعوة المظلوم) على من ظلمه حتى ينتقم منه بيد أو لسان (نكتة} قال الماوردي: من الأجوبة المسكتة أنه قيل لعلي كرم الله وجهه كم بين السماء والأرض قال: دعوة مستجابة قيل كم بين المشرق والمغرب قال: مسيرة يوم للشمس فسؤال السائل إما اختبار وإما استبصار فصدر عنه من الجواب ما أسكته (عق هب عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سليمان الباغندي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: صدوق فيه لين الحديث: 3453 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 3454 - (ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن) أي في إجابتهن (دعوة المظلوم) على من ظلمه وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه (ودعوة المسافر) في سفر جائز (ودعوة الوالد لولده) لأنه صحيح الشفقة عليه كثير الإيثار له على نفسه فلما صحت شفقته استجيبت دعوته ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد لأنه معلوم بالأولى. (فائدة} قال المقريزي في تذكرته: يستجاب الدعاء في أوقات منها عند القيام إلى الصلاة وعند لقاء العدو في الحرب وإذا قال مثل ما يقول المؤذن ثم دعا وبين الأذان والإقامة وعند نزول المطر ودعوة الوالد لولده والمظلوم حتى ينتصر ودعوة المسافر حتى يرجع والمريض حتى يبرأ وفي ساعة من الليل وفي ساعة من يوم الجمعة وفي الموقف بعرفة ودعوة الحاج حتى يصدر والغازي حتى يرجع وعند رؤية الكعبة ودعاء تقدمه الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ودعاء الصائم مطلقا ودعاؤه عند فطوره ودعاء الإمام العادل ودعاء عبد رفع يديه إلى الله تعالى والدعاء عند خشوع القلب واقشعرار الجلد ودعاء الغائب للغائب (هـ عن أبي هريرة) عدل عن عزوه للترمذي لأنه عنده من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر وأبو جعفر لا يعرف حاله ولم يروه عنه غير يحيى ذكره ابن القطان الحديث: 3454 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 3455 - (ثلاث دعوات) مبتدأ (مستجابات) خبره (لا شك فيهن) أي في استجابتهن (دعوة الوالد على ولده) ومثله سائر الأصول قبل ومثلهم الشيخ والمعلم (ودعوة المسافر) حتى يرجع (ودعوة المظلوم) حتى ينتصر أما المظلوم فلظلامته وقهره وأما المسافر فلغربته ووحدته وأما الوالد فلرفعة منزلته ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره فلا ينافي خبر الديلمي عن ابن عمر يرفعه إني سألت الله أن لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه (تنبيه} قد ورد في التحذير من دعاء المظلوم أحاديث لا تكاد تحصى ومصرع الظالم قريب والرب تعالى في الدعاء عليه مجيب سيما بحالة الاحتراق والانكسار والذلة والصغار بين يدي الملك الجبار في ساعة الأسحار {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (حم خد) في الصلاة (د ت) في البر (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن انتهى. والحديث رووه كلهم من حديث أبي جعفر المدني ويقال له المؤذن قال المناوي وغيره: ولا يعرف وقال ابن العربي في العارضة: الحديث مجهول وربما شهدت له الأصول الحديث: 3455 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 3456 - (ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد لولده) يعني الأصل لفرعه كما تقرر (ودعوة الصائم) حتى يفطر (ودعوة [ص: 302] المسافر) حتى يرجع قال هنا لا ترد في الحديث مستجابات وقيدها بلا شك فيهن تفننا في التقرير لأن لا ترد كناية عن الاستجابة والكناية أبلغ من الصريح فجبر الصريح هنا بقوله لا شك فيهن وهنا لم يحتج للجبر مع وجود الأبلغية وأخذ من هذا الخبر وما أشبهه أن الأب أولى بالصلاة على جنازة ولده (أبو الحسن بن مردويه في) الأحاديث (الثلاثيات والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن وفيه إبراهيم بن أبي بكر المروزي قال الذهبي: لا أعرفه الحديث: 3456 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 3457 - (ثلاث أعلم أنهن حق) أي ثابت واقع لا شك فيه (ما عفا امرؤ) بدل مما قبله (عن مظلمة) ظلمها (إلا زاده الله تعالى بها عزا) في الدارين (وما فتح رجل على نفسه باب مسألة للناس) ليعطوه من أموالهم (يبتغي بها) أي المسألة (كثرة) من حطام الدنيا (إلا زاده الله بها فقرا) من حيث لا يشعر (وما فتح رجل على نفسه باب صدقة) أي تصدق من ماله (يبتغي بها وجه الله تعالى) لا رياء وسمعة وفخرا (إلا زاده الله) بها كثرة في ماله وآجره وسبق أن ذكر الرجل في هذا ونحوه ليس للاحتراز عن المرأة بل هو وصف طردي والمراد كل إنسان (هب عن أبي هريرة) الحديث: 3457 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 3458 - (ثلاث حق على كل مسلم) أي فعلهن متأكد عليه كما تقرر فيما قبل (الغسل يوم الجمعة) بنيتها وتقريبه من ذهابه أفضل (والسواك) سيما للصلاة والعبادات ولحضور المجامع (والطيب) أي التطيب بما تيسر من أنواع الطيب فإن لم يجد شيئا منه تنظف ولو بالماء (ش عن رجل) من الصحابة وإبهامه غير ضار لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول الحديث: 3458 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 3459 - (ثلاث كلهن حق على كل مسلم) أي فعلهن متأكد على كل منهم بحيث يقرب من الواجب (عيادة المريض) وإن كان المرض رمدا على الأصح وإن لم يكن له ثلاثة أيام على الأرجح في فروع الشافعية (وشهود الجنازة) أي حضور جنازة المسلم والمشي معه للصلاة عليه ودفنه (وتشميت العاطس إذا حمد الله) بأن يقول له يرحمك الله كما سبق مفصلا فإن لم يحمد الله لم يشمته لإساءته (خد عن أبي هريرة) الحديث: 3459 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 3460 - (ثلاث خصال من سعادة المرء المسلم في الدنيا الجار الصالح) أي المسلم الذي لا يؤذي جاره (والمسكن الواسع) أي الكثير المرافق بالنسبة لساكنه ويختلف سعته حينئذ باختلاف الأشخاص فرب واسع لرجل ضيق على آخر وعكسه (والمركب الهنيء) أي الدابة السريعة غير الجموح والنفور والخشنة المشي التي يخاف منها السقوط وانزعاج الأعضاء وتشويش البدن وفي إفهامه أن الجار السوء والمسكن الضيق والمركب الصعب من شقاوته وبذلك أفصح في رواية ابن حبان وجعلها أربعا بزيادة خصلة في كل من الجهتين فأخرج من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده مرفوعا أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء وأربع [ص: 303] من الشقاوة الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء (حم طب ك عن نافع بن عبد الحارث) الخزاعي صحابي استعمله عمر رضي الله عنه على مكة والطائف وكان فاضلا قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3460 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 3461 - (ثلاث خلال من لم تكن فيه واحدة منهن كان الكلب) الذي يجوز قتله وهو في غاية المهانة والحقارة (خيرا منه) فضلا عن كونه مثله (ورع يحجزه عن محارم الله عز وجل أو حلم يرد به جهل الجاهل) إذا جهل عليه (أو حسن خلق) بضم اللام (يعيش به في الناس) فمن جمع هذه الثلاثة فقد رفع لقلبه علما شهد به مشاهد القيامة وصار الناس منه في عفاء وهو في نفسه في عناء ومن وصل إلى هذا المقام فقد خلف الدنيا ومن خلفها فقد خلف الهموم والغموم أوحى الله إلى موسى عليه السلام أنه لم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم فإنه ليس من عبد يلقاني إلى يوم القيامة إلا ناقشته الحساب إلا ما كان من الورعين فإني أجلهم وأدخلهم الجنة بغير حساب (هب عن الحسن) البصري (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو عجب فقد رواه الطبراني من حديث أم سلمة قال الهيثمي: رواه عن شيخه إبراهيم بن محمد وضعفه الذهبي الحديث: 3461 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 3462 - (ثلاث ساعات للمرء المسلم ما دعا فيهن) بدعوة (إلا استجيب له) بالبناء للمفعول يعني استجاب الله له (ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثما) أي ما فيه قطيعة قرابة أو ما فيه حرام وهو من عطف العام على الخاص وتلك الساعات هي (حين يؤذن المؤذن بالصلاة) أي صلاة كانت (حتى يسكت) يعني يفرغ من أذانه فمن عزم على حضور تلك الصلاة استجيب دعاؤه لاهتمامه بالمسارعة إلى ما أمر به (وحين يلتقي الصفان) في الجهاد لإعلاء كلمة الله (حتى يحكم الله بينهما) بنصر من شاء {لا يسأل عما يفعل} قال الحليمي: ولذلك ورد أن أبواب السماء تفتح عند ذلك واجد ما يفتتحها أن يكون مثلا لإجابته الدعاء وأنها لا تحجب ومعنى لا تحجب لا ترد (وحين ينزل المطر) من السحاب (حتى يسكن) أي إلى أن ينقطع ويستقر في الأرض وقال الحليمي رحمه الله: وذلك لأن نزول الغيث حال نزول رحمة الله والاسترحام في حال الرحمة أرجى منه في حال لا يعرف حقيقتها (حل عن عائشة) بإسناد ضعيف الحديث: 3462 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 3463 - (ثلاث) في نسخ ثلاثة (فيهن) في رواية فيها (البركة) أي النمو وزيادة الخير والأجر (البيع) بثمن معلوم (إلى أجل) معلوم (والمعارضة) بعين مهملة وراء مهملة في خط المصنف وقال على الحاشية: أي بيع العرض بالعرض وقال ابن حجر: النسخ مختلفة هل هي المفاوضة بفاء وواو أو بقاف وراء وقد أخرجه الحربي في غريبه بعين وراء وفسره ببيع عرض بعرض اه. وجعله الديلمي المقارضة بقاف وراء وقال: هي في عرف أهل الحجاز المضاربة (وإخلاط [ص: 304] البر) القمح (بالشعير) المعروف (للبيت) أي لأكل أهل بيت الخالط الذين هم عياله (لا للبيع) أي لا ليخلطه ليبيعه فإنه لا بركة فيه بل هو مذموم لما فيه من نوع تدليس قد يخفى على المشتري قال الطيبي: وفي الخلال الثلاث هضم من حقه والأولان منهما يسري نفعهما إلى الغير وفي الثالث إلى نفسه قمعا لشهوته (هـ) في البيع من طريق عبد الرحمن بن داود بن صالح بن صهيب عن أبيه (ابن عساكر عن صهيب) قال المؤلف: قال الذهبي: حديث واه جدا اه. وخرجه العقيلي من حديث بشر بن ثابت عن عمر بن بسطام عن نصير بن القاسم عن داود بن علي عن صالح بن صهيب عن صهيب فقال ابن الجوزي: موضوع وعبد الرحمن وعمر مجهولان وحديثهما غير محفوظ قال في الميزان: وعمر بن بسطام أتى بسند مظلم المتن باطل وفي اللسان قال العقيلي: إسناده مجهول وحديثه غير محفوظ ثم ساقه بهذا اللفظ الحديث: 3463 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 3464 - (ثلاث) من النبات (فيهن شفاء من كل داء) من الأدواء (إلا السام) أي الموت فإنه لا دواء له البتة (السنا) (1) بالقصر نبت معروف شريف مأمون الغائلة قريب الاعتدال يسهل الصفراء والسوداء ويقوي القلب (والسنوت) بفتح السين أفصح العسل أو الرب أو الكمون أو التمر أو الرازبانج أو الشبت وكل منهما نفعه عظيم ظاهر كذا وقفت عليه وساق المصنف هذا الحديث فقال أولا ثلاث ثم ذكر ثنتين وقد كنت توهمته أن فيه خللا من النساخ حتى وقفت على نسخة المصنف التي بخطه فوجدتها بهذا اللفظ لا زيادة ولا نقص (ن عن أنس) بن مالك   (1) وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي ومن شقاق الأطراف وتشنج العضو وانتشار الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والحكة وإذا طبخ في زيت وشرب نفع من أوجاع الظهر والوركين وهو يكون بمكة كثيرا وأفضل ما يكون هناك ولذلك اختار السنا المكي وقال في الهدي شرب مائه مطبوخا أصلح من شربه مدقوقا الحديث: 3464 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 3465 - (ثلاث لازمات) أي ثابتات دائمات (لأمتي سوء الظن) بالناس بأن لا يظن بهم الخير (والحسد) لذوي النعم على ما منحهم الله تعالى (والطيرة) بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن التشاؤم فقال ما يذهبهن يا رسول الله؟ فقال: (فإذا ظننت فلا تحقق) الظن وتعمل بمقتضاه بل توقف عن القطع به والعمل بموجبه (وإذا حسدت فاستغفر الله تعالى) أي تب إليه من اعتراضك عليه في تصرفه وخلقه فإنه حكيم لا يفعل شيئا إلا لحكمة (وإذا نظرت) من شيء (فامض) لمقصدك ولا ترجع كما كانت الجاهلية تفعله فإن ذلك ليس له تأثير في جلب نفع ولا دفع ضر. <تنبيه> أشار بهذا الحديث إلى أن هذه الثلاثة من أمراض القلب التي يجب التداوي منها وأن علاجها ما ذكر فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه بقلبه ولا بجارحته أما تحقيقه بالقلب فبأن يصمم عليه ولا يكرهه ومن علامته أن يتفوه به فبأن يعمل بموجبه فيها والشيطان يلقي للإنسان أن هذا من فطنتك وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو إذا أساء الظن ناظر بنور الشيطان وظلمته أما إذا أخبرك به عدل فظننت صدقه فأنت مغرور (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] في) كتاب (التوبيخ طب عن حارثة بن النعمان) بن نقع بن زيد من بني مالك ابن النجار من فضلاء الصحابة شهد بدرا قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري ضعيف الحديث: 3465 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 3466 - (ثلاث لم تسلم منها هذه الأمة) أي أمة الإجابة (الحسد) للخلق (والظن) بالناس سوءا (والطيرة) أي التطير يعني التشاؤم (ألا أنبئكم بالمخرج منها) قالوا: أخبرنا يا رسول الله قال: (إذا ظننت فلا تحقق) مقتضى ظنك (وإذا حسدت) أحدا [ص: 305] (فلا تبغ) أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به (وإذا تطيرت فامض) لأن الحسد واقع في النفس كأنها مجبولة عليه فلذلك عذرت فيه فإذا استرسلت فيه بمقالها وفعالها كانت باغية وينبغي للحاسد أن يرى أن حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا في إزالة حظه فإن ذلك مما يضره ولا يعيده ذكره القاضي وقال الغزالي: إذا يئس الإنسان أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقص وإنما يزول بأن ينال مثلها أو تزول نعمة المحسود فإذا انسد أحد الطريقين لا ينفك القلب عن شهوة الآخر فإذا زالت نعمة المحسود كان أشهى عنده من دوامها وبزوالها يزول تخلفه ويقدم غيره وهذا لا ينفك القلب عنه فإن كان لورود الأمر لاختياره سعى في إزالة النعمة عنه فهو الحسد المذموم وإن كان نزعه التقوى من إزالة ذلك عفي عنه فيما يجده من طبعه من ارتياح إلى زوال نعمة محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه وهذا هو المعنى بالخبر (رسته في) كتاب (الإيمان) له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري الإمام المشهور بضم الراء وسكون المهملة وفتح المثناة لقب عبد الرحمن ابن عمر الأصبهاني الحافظ الحديث: 3466 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 3467 - (ثلاث لن تزلن في أمتي التفاخر بالأحساب) هذا ورد للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطبع من الإفتخار بالآباء والإتكال عليهم والمسارعة إلى السعادة إنما هي بالأعمال لا بالأحساب (1) : وما الفخر بالعظم الرميم وإنما. . . فخار الذي يبغي الفخار لنفسه (والنياحة) على الميت كدأب أهل الجاهلية (والأنواء) قال الزمخشري: هي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها يسقط منها في كل ثلاثة عشر ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته وانقضاء هذه النجوم مع انقضاء السنة فكانوا إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا: لا بد من رياح ومطر فينسبون كل غيم يكون عند ذلك إلى النجم الساقط فيقولون: مطرنا بنوء الثريا والدبران والسماك والنوء من الأضداد فسمي به النجم إما الطالع أو الساقط اه <فائدة> قال الخطيب البغدادي رضي الله عنه: لقي منجم رجلا فقال المنجم: كيف أصبحت قال: أصبحت أرجو الله وأخافه وأصبحت ترجو المشتري وزحل وتخافهما فنظمه بعضهم فقال: أصبحت لا أرجو ولا أخشى سوى. . . الجبار في الدنيا ويوم المحشري وأراك تخشى ما تقدر أنه. . . يأتي به زحل وترجو المشتري شتان ما بيني وبينك فالتزم. . . طرق النجاة وخل طرق المنكري (ع عن أنس) ورواه عنه البزار أيضا قال الهيثمي: ورجاله ثقات   (1) لئن فخرت بآباء ذوي حسب. . . لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا أو كيف يتكبر بنسب ذوي الدنيا وهي عند الله لا تساوي جناح بعوضة وكيف يتكبر بنسب أهل الدين وهم لم يكونوا يتكبرون وكان شرفهم بالدين والتواضع قد شغلهم خوف العاقبة عن التكبر مع عظيم علمهم وعملهم فكيف يتكبر بنسبهم من عاطل عن خصالهم؟ الحديث: 3467 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 3468 - (ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن ما أخذن إلا بسهمة) أي قرعة فلا يتقدم إليها إلا من خرجت له القرعة (حرصا على ما فيهن من الخير) الأخروي (والبركة) أي الزيادة في الخير (التأذين بالصلاة) فإن المؤذن يغفر له مدى صوته ولا يسمعه إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له به يوم القيامة (والتهجير) أي التكبير (بالجماعات) أي المحافظة على حضورها في أول الوقت (والصلاة في أول الصفوف) أي الصف المتقدم منها وهو الذي يلي الإمام وقد ورد في فضله نصوص [ص: 306] لا تكاد تحصى (ابن النجار) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] وغيره قال الديلمي: وفي الباب علي غيره الحديث: 3468 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 3469 - (ثلاث ليس لأحد من الناس) فيهن رخصة أي في تركهن (بر الوالدين مسلما كان) الواحد منهم (أو كافر) يحتمل تقييده بالمعصوم ويحتمل خلافه (والوفاء بالعهد لمسلم كان أو كافر) فيه الاحتمالان المذكوران (وأداء الأمانة لمسلم كان أو كافر) فيه ما في قبله (هب عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه وفيه إسماعيل بن أبان فإن كان هو الغنوي الكوفي فهو كما قال الذهبي: كذاب وإن كان الوراق فثقة الحديث: 3469 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 3470 - (ثلاث معلقات بالعرش) أي عرش الرحمن (الرحم) متعلقا به (تقول اللهم إني بك فلا أقطع) أي أعوذ بك من أن يقطعني قاطع يريد الله والدار الآخرة (والأمانة) معلقة به (تقول اللهم إني أعوذ بك فلا أختان) أي إني أعوذ بك أن يخونني خائن يخشاك (والنعمة) معلقة به (تقول اللهم إني أعوذ بك فلا أكفر) أي أعوذ بك أن يكفر بي المنعم عليه الذي يخاف الله قال العارف ابن أدهم: إذا أردت معرفة الشيء بفضله فاقلبه بنقيضه فاقلب الأمان خيانة والصدق كذبا والإيمان كفرا تعرف فضل ما أوتيت فالحذر الحذر وقال العارف المحاسبي: ثلاثة عزيزة أو معدومة حسن وجه مع صيانة وحسن خلق مع ديانة وحسن إخاء مع أمانة (هب) وكذا البزار (عن ثوبان) بضم الثاء بضبط المصنف قال العلائي: حديث غريب فيه يزيد بن ربيعة الرجي ضعيف متكلم فيه اه. قال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة متروك الحديث: 3470 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 3471 - (ثلاث منجيات) من عذاب الله تعالى (خشية الله) أي خوفه (تعالى في السر والعلانية والعدل في الرضى والغضب) العادل من لا يميل في الهوى فيجور في الحكم (والقصد في الفقر والغنى) أي التوسط فيهما (وثلاث مهلكات) أي يردين فاعلهن في الهلاك (هوى متبع وشح مطاع) قال ابن الأثير: هو أن يطيعه صاحبه في منع الحقوق التي أوجبها الله عليه في ماله يقال أطاعه يطيعه فهو مطيع وطاع له يطوع ويطيع فهو طائع أي أذعن وأقر والاسم الطاعة (وإعجاب المرء بنفسه) قال القرطبي: وهو ملاحظة لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة الله فإن وقع على الغير واحتقره فهو الكبر قال الغزالي: أحذرك ثلاثا من خبائث القلب هي الغالبة على متفقهة العصر وهي مهلكات وأمهات لجملة من الخبائث سواها الحسد والرياء والعجب فاجتهد في تطهير قلبك منها فإن عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز ولا تظن أنه يسلم لك بنية صالحة في تعلم العلم وفي قلبك شيء من الحسد والرياء والعجب فأما الحسد فالحسود هو الذي ينشق عليه إنعام الله على عبد من عباده بمال أو علم أو محبة أو حظ حتى يحب زوالها عنه وإن لم يحصل له شيء فهو المعذب الذي لا يرحم [ص: 307] فلا يزال في عذاب فالدنيا لا تخلو عن كثير من أقرانه فهو في عذاب في الدنيا إلى موته ولعذاب الآخرة أشد وأكبر وأما الهوى المتبع فهو طلبك المنزلة في قلوب الخلق لتنال الجاه والحشمة وفيه هلك أكثر الناس وأما العجب فهو الداء العضال وهو نظر العبد إلى نفسه بعين العز والاستعظام ونظره لغيره بعين الاحتقار وثمرته أن يقول أنا وأنا كما قال إبليس ونتيجته في المجالس التقدم والترفع وطلب التصدر وفي المحاورة الاستنكاف من أن يرد كلامه وذلك مهلك للنفس في الدنيا والآخرة قال الزمخشري: الإعجاب هو فتنة العلماء وأعظم بها من فتنة وقال في العوارف: وما نقل عن جمع كبار من كلمات مؤذنة بالإعجاب فهو بسقيا السكر وانحصارهم في مضيقه وعدم خروجهم لفضاء الفقر في ابتداء أمرهم فإنه إذا حدق صاحب البصيرة نظره علم أنه من استراق النفس قال عند نزول الوارد على القلب والنفس عند الاستراق المذكور تظهر بصفتها فتصدر عنها تلك الكلمات كقول بعضهم ما تحت خضر السماء مثلي وقول بعضهم أسرجت وألجمت وطفت في أقطار الأرض وقلت هل من مبارز فلم يخرج إلي أحد فهذا كله يطفح عليهم حال السكر فيحتمل (أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] في التوبيخ) وكذا البزار وأبو نعيم والبيهقي (طس) كلهم (عن أنس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف الحديث: 3471 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 3472 - (ثلاث مهلكات) أي موقعات لفاعلها في المهالك (وثلاث منجيات) لفاعلها (وثلاث كفارات) لذنوب فاعلها (وثلاث درجات) أي منازل في الآخرة (فأما المهلكات فشح مطاع) أي بخل يطيعه الناس فلا يؤدون الحقوق وقال الراغب: خص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به ذم إذ ليس هو من فعله وإنما يذم بالانقياد له (1) (وهوى متبع) بأن يتبع كل أحد ما يأمره به هواه (وإعجاب المرء بنفسه) أي تحسين كل أحد نفسه على غيره وإن كان قبيحا قال القرطبي: وإعجاب المرء بنفسه هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله والإعجاب وجدان شيء حسنا قال تعالى في قصة قارون {قال إنما أوتيته على علم عندي} قال الله تعالى {فخسفنا به} فثمرة العجب الهلاك قال الغزالي: ومن آفات العجب أنه يحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى فإن عجب مخذول فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يهلك قال عيسى عليه الصلاة والسلام: يا معشر الحواريين كم سراج قد أطفأته الريح وكم عابد أفسده العجب (وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية) قدم السر لأن تقوى الله فيه أعلى درجة من العلن لما يخاف من شوب رؤية الناس وهذه درجة المراقبة وخشيته فيهما تمنع من ارتكاب كل منهي وتحثه على فعل كل مأمور فإن حصل للعبد غفلة عن ملاحظة خوفه وتقواه فارتكب مخالفة مولاه لجأ إلى التوبة ثم داوم الخشية (وأما الكفارات) جمع كفارة وهي الخصال التي من شأنها أن تكفر أي تستر الخطيئة وتمحوها (فانتظار الصلاة بعد الصلاة) ليصليها في المسجد (وإسباغ الوضوء في السبرات) جمع سبرة بسكون الموحدة وهي شدة البرد كسجدة وسجدات (ونقل الأقدام إلى الجماعة) أي إلى الصلاة مع الجماعة [ص: 308] (وأما الدرجات فإطعام الطعام) للجائع (وإفشاء السلام) بين الناس من عرفته ومن لم تعرفه (والصلاة بالليل والناس نيام) أي التهجد في جوف الليل حال غفلة الناس واستغراقهم في لذة النوم وذلك هو وقت الصفاء وتنزلات غيث الرحمة وإشراق الأنوار (طس) وكذا أبو نعيم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال العلاء: سنده ضعيف وعده في الميزان من المناكير قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة ومن لا يعرف   (1) لأنه من لوازم النفس مستمد من أصل جبلتها الترابي وفي التراب قبض وإمساك وليس ذلك بعجيب من الآدمي وهو جبلي إنما العجيب وجود السخاء في الغريزة وهو النفوس الفاضلة الداعي إلى البذل والإيثار الحديث: 3472 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 3473 - (ثلاث من كن فيه فهو منافق) أي حاله يشبه حال المنافق (وإن صام) رمضان (وصلى) الصلوات المفروضة (وحج) البيت (واعتمر) أي أتى بالعمرة وإن عمل أعمال المسلمين من صلاة وصوم وحج واعتمار وغيرها من العبادات وهذا الشرط اعتراضي وأراد للمبالغة لا يستدعي الجواب ذكره الزمخشري (وقال إني مسلم إذا حدث كذب) في حديثه (وإذا وعد أخلف) فيما وعد (وإذا ائتمن خان) فيما جعل أمينا عليه وقد سبق الكلام على هذا مستوفى بما منه أنه ليس الكلام فيمن لم تتمكن منه هذه الخصال إنما المراد من صارت هجيراه وديدنه وشعاره لا ينفك عنها بدليل قرن الجملة الشرطية بإذا الدالة على تحقق الوقوع (رسته في) كتاب (الإيمان وأبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (التوبيخ) كلاهما (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور لكن بدون حج واعتمر والباقي سواء فلو عزاه له ثم قال وزاد فلان وحج واعتمر لكان أقعد وأجود الحديث: 3473 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 3474 - (ثلاث من الإيمان) أي من قواعد الإيمان وشواهد أهله (الحياء) بحاء مهملة ومثناة تحتية (والعفاف والعي) والمراد به (عي اللسان) عن الكلام عند الخصام (غير عي الفقه) أي الفهم في الدين (والعلم) فإن العي عنهما ليس من أصل الإيمان بل محض النقص والخسران (وهن مما ينقصن من الدنيا) لأن أكثر الناس لا حياء عندهم فمن استحيا معهم ضيعوه والعفاف ليس من شأنهم فمن قصر منهم في الخصام خصموه (و) هن (يزدن في الآخرة) أي في عمل الآخرة الذي لا معول عند كل ذي لب إلا عليه (وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا) {وللآخرة خير لك من الأولى} (وثلاث من النفاق) أي من علامات النفاق وشأن أهله (البذاء والفحش) في القول والفعل (والشح) الذي هو أشد البخل (وهن مما يزدن في الدنيا) لكونهن طباع أهلها (وينقصن من الآخرة) لما فيهن من الوزر وارتكاب الإصر (وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا) (رسته عن عون) بفتح المهملة وآخره نون (ابن عبد الله بن عتبة بلاغا) وهو الهذلي الكوفي الزاهد الفقيه تابعي جليل وقيل روايته عن الصحب مرسلة قال الذهبي: وثقوه الحديث: 3474 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 3475 - (ثلاث) أي صوم ثلاث (من كل شهر) زاد النسائي أيام البيض (ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله) [ص: 309] قال بعض الكمل: إشارة إلى مجموع صوم رمضان أدخل الفاء في الخبر لكون المبتدأ نكرة موصوفة أو الفاء زائدة واعترض بأنه صح خبر صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر فما فائدة إضافة رمضان إليه مع أن قوله إلى رمضان يصير مستدركا على توجيهه فالأقرب تعلق قوله إلى رمضان بمحذوف خبر لرمضان أي صوم رمضان إلى رمضان ولا يبعد أن يعطي الله بمجرد صوم رمضان ثواب سنة تفضلا (م د ن) كلهم في الصوم (عن أبي قتادة) ولم يخرج البخاري عن أبي قتادة شيئا الحديث: 3475 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 3476 - (ثلاث هن علي فريضة) لازمة ولفظ رواية الحاكم فرائض (وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الضحى والفجر) قال ابن حجر: يلزم من قال به وجوب ركعتي الفجر عليه ولم يقولوا به وإن وقع في كلام بعض السلف ووقع في كلام الآمدي وابن الحاجب وقد ورد ما يعارضه انتهى (أقول) أخشى أن يكون ذلك تحريفا فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك النحر بالنون وحاء مهملة لا بفاء وجيم ولعله هو الصواب فلينظر (حم ك) في الوتر عن شجاع عن يحيى بن أبي حبة عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الذهبي: ما تكلم الحاكم عليه وهو حديث منكر ويحيى ضعفه النسائي والدارقطني وقال ابن حجر: ولفظ رواية أحمد ركعتا الفجر بدل الضحى وفي رواية لابن عدي الوتر والضحى وركعتا الفجر ومداره على أبي جناب الكلبي عن عكرمة وأبو جناب ضعيف ومدلس وقد عنعنه وقد أطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد والبيهقي وابن الصلاح وابن الجوزي والنووي وغيرهم وخالف الحاكم فخرجه في مستدركه لكن لم يتفرد به أبو جناب بل تابعه أضعف منه وهو جابر الجعفي انتهى وقال في موضع آخر: الحديث ضعيف من جميع طرقه وقال في موضع: فيه أبو جناب ضعيف وله طريق أخرى فيها مندل وأخرى وضاح بن يحيى وأخرى فيها جابر الجعفي والكل ضعفاء وقال في موضع آخر: حديث غريب أورده ابن عدي في منكرات أبي جناب بجيم ونون خفيفة وموحدة وقد ضعفوه الحديث: 3476 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 3477 - (ثلاث وثلاث وثلاث) أي أعدهن وأبين حكمهن (فثلاث لا يمين فيهن) أي يعمل بمقتضاها بل إذا وقع الحلف ينبغي الحنث والتكفير لا يجب فيهن يمين (وثلاث الملعون فيهن وثلاث أشك فيهن) فلا أجزم فيهن بشيء (فأما الثلاث التي لا يمين فيهن فلا يمين للولد مع والده) أي لو كانت يمين الولد يحصل بسببه لوالده نحو أذى طلب للولد أن يكفر عن يمينه وكذا يقال في قوله (ولا للمرأة مع زوجها) فإذا حلفت على شيء يتأذى به فتحنث وتكفر (ولا للمملوك مع سيده) فإذا حلف المملوك على فعل شيء أو تركه وتأذى به سيده فيحنث ويكفر بالصوم لكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق في كل ذلك (وأما الملعون فيهن فملعون من لعن والديه) أي يعود لعنه عليه (وملعون من ذبح لغير الله) كالأصنام (وملعون من غير تخوم الأرض) بضم المثناة الفوقية وخاء معجمة أي حدودها جمع تخم بفتح فسكون [ص: 310] (وأما التي أشك فيهن فعزيز لا أدري أكان نبيا أم لا ولا أدري ألعن تبع أم لا) وهذا قبل علمه بأنه كان قد أسلم بدليل ما سيجيء في حديث لا تسبوا وفي رواية لا تلعنوا تبعا فإنه كان قد أسلم وهو تبع الحميري كان مؤمنا وقومه كافرين فلذلك ذمهم الله ولم يذمه (ولا أدري الحدود) التي تقام على أهلها في الدنيا (كفارة لأهلها في العقبى أم لا) وهذا قاله قبل علمه بأنها كفارة لها فقد صح عند أحمد وغيره خبر من أصابه ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته وظاهره التكفير وإن لم يتب وعليه الجمهور واستشكل بأن قتل المرتد ليس بكفارة وأجيب بأن الخبر خص بآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وظاهر الخبر أن القاتل إذا قتل سقطت عنه المطالبة في الآخرة وأباه جماعة (الإسماعيلي) بكسر الهمزة وسكون المهملة وفتح الميم وكسر العين المهملة نسبة إلى جد له اسمه إسماعيل (في معجمه وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) رضي الله عنهما الحديث: 3477 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 3478 - (ثلاث لا تؤخر وهن الصلاة إذا أتت) أي دخل وقتها قال ابن سيد الناس: رويناه بمثناتين فوقيتين وروي آنت بنون ومد بمعنى حانت وحاضرت وقال التوربشتي: أكثر المحدثين أنه بمثناتين فوقيتين وهو تصحيف وإنما المحفوظ من ذوي الإتقان أنه آنت على وزان حانت (والجنازة إذا حضرت) فإذا حضرت للمصلى لا تؤخر لزيادة المصلي ولا غيره للأمر بالإسراع بها نعم ينبغي انتظار الولي إن لم يخف تغيره قال المظهر: وفيه أن الصلاة على الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة وفي تحفة الألباب أن بلاد بلغار يشتد بردها فتصير الأرض كالحديد لا يمكن الدفن بها إلا تعهد الشتاء بثلاثة أشهر (والأيم إذا وجدت كفؤا) فإنه لا يؤخر تزويجها ندبا قال الطيبي: وجمع تعجيل الصلاة والجنازة والأيم في قرن واحد لما يشملها من معنى اللزوم فيها وثقل محلها على من لزم عليه مراعاتها والقيام بحقها وهذا الحديث فيه قصة وهي ما أخرجه ابن دريد والعسكري أن معاوية قال يوما وعنده الأحنف: ما يعدل الأناة شيء فقال الأحنف: إلا في ثلاث تبادر بالعمل الصالح أجلك وتعجل إخراج ميتك وتنكح كفء أيمك فقال رجل: إنا لا نفتقر في ذلك إلى الأحنف قال: لم قال: لأنه عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا علي كرم الله وجهه فذكره الترمذي في الصلاة (ك) في النكاح (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الترمذي: غريب وليس سنده بمتصل وهو من رواية وهب عن سعيد مجهول وقد ذكره ابن حبان انتهى وجزم ابن حجر في تخريج الهداية بضعف سنده وقال في تخريج الرافعي: عنه رواه الحاكم من هذا الوجه وجعل محله سعيد بن عبد الرحمن الحجمي وهو من أغاليطه الفاحشة انتهى ومما رواه البيهقي في سننه عن سعيد بن عبد الله هذا قال وفي الباب أحاديث كلها واهية أمثلها هذا وبه عرف ما في جزم الحافظ العراقي بحسنه وما في قول المناوي رجاله ثقات الحديث: 3478 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 3479 - (ثلاث لا ترد) أي لا ينبغي ردها (الوسائد) جمع وسادة المخدة (والدهن) قال الترمذي: يعني بالدهن الطيب (واللبن) قال الطيبي: يريد أن يكرم الضيف بالطيب والوسادة واللبن ولا يردها فإنها هدية قليلة المنة فلا ينبغي ردها وأنشد بعضهم يقول: قد كان من سيرة خير الورى. . . صلى الله عليه طول الزمن [ص: 311] أن لا يرد الطيب والمتكا. . . واللحم أيضا يا أخي واللبن (ت) في الاستئذان (عن عمر) بن الخطاب وقال: غريب وفي الميزان عن أبي حاتم هذا حديث منكر وقال ابن القيم: حديث معلول رواه الترمذي وذكر علته ولا أحفظ الآن ما قيل فيه إلا أنه من رواية عبد الله بن مسلم بن حبيب عن أبيه عن ابن عمر وقال ابن حبان: إسناده حسن لكنه ليس على شرط البخاري الحديث: 3479 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 3480 - (ثلاث لا يجوز اللعب فيهن) لكون هزلهن جدا (الطلاق والنكاح والعتق) في رواية بدله الرجعة قال ابن حجر: وهذا هو المشهور فيه اه فمن طلق أو تزوج أو أعتق هازلا نفذ له وعليه (طب عن فضالة بن عبيد) الأنصاري قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح قال ابن حجر: وفيه رد على النووي إنكاره على الغزالي إيراد اللفظ قائلا المعروف الخبر المار ثلاث جدهن إلخ اه الحديث: 3480 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 3481 - (ثلاث) أصله ثلاث خصال بالإضافة حذف المضاف إليه ولهذا جاز الإبتداء بالنكرة (لا يحل لأحد) من الناس (أن يفعلهن) وأن وما بعدها يقدر بالمصدر الذي هو فاعل تقديره لا يحل لأحد فعلهن (لا يؤم رجل) أي ولا امرأة للنساء (قوما فيخص) منصوب بأن المقدرة لوروده بعد النفي على حد {لا يقضى عليهم فيموتوا} (نفسه بالدعاء دونهم) في رواية بدعوة فتخصيص الإمام نفسه بالدعاء مكروه فيندب له أن يأتي بلفظ الجمع في نحو القنوت (1) قال ابن رسلان رحمه الله: وكذا التشهد ونحوه من الأدعية (فإن فعل) أي خص نفسه بالدعاء (فقد) أي حقيق (خانهم) لأن كل ما أمر به الشارع فهو أمانة وتركه خيانة (ولا ينظر) بالرفع عطفا على يوم (في قعر) كفلس (بيت) أي صدره وفي المصباح قعر الشيء نهاية أسفله (قبل أن يستأذن) على أهله فيحرم الاطلاع في بيت الغير بغير إذنه (فإن فعل) أي اطلع فيه بغير إذنهم (فقد دخل) أي فقد ارتكب إثم من دخل البيت (2) (ولا يصلي) بكسر اللام المشدودة مضارع والفعل في معنى النكرة والنكرة في معرض النفي تعم فتشمل صلاة فرض العين والكفاية والسنة فلا يفعل شيء منها (وهو حقن) أي حاقن أي حابس للبول كالحاقب للغائط والحازق لذي خف ضيق (حتى يتخفف) بفتح المثناة التحتية ومثناة فوقية أي يخفف نفسه بإخراج الفضلتين لئلا يؤذيه بقاؤه وفي معناه الريح ونحوه مع الطهارة بلفظه (ت) في الصلاة بمعناه كلاهما (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه عنه أيضا ابن ماجه (د) في اختلاف يسير لفظي   (1) أي خاصة بخلاف دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد (2) والظاهر أن محل هذا إذا كان فيه من يحرم النظر إليه أو ما يكره المالك اطلاع الناس عليه الحديث: 3481 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 3482 - (ثلاث لا يحاسب بهن العبد) الفاعل لهن (ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته) قال في الفردوس: الخص من قصب وقيل مكتوب في التوراة يا ابن آدم كسرة تكفيك وخرقة تواريك وجحر يؤويك (حم في) كتاب (الزهد) له (هب) كلاهما (عن الحسن) البصري (مرسلا) ثم قال أعني البيهقي هكذا جاء مرسلا وهو [ص: 312] مرسل جيد اه ورواه الديلمي عمن له صحبة ويعضده ما خرجه هو أيضا عن الحسن بن علي وعثمان مرفوعا ثلاث ليس على ابن آدم فيهم حساب طعام يقيم صلبه وبيت يسكنه وثوب يواري عورته فما فوق ذلك فكله حساب الحديث: 3482 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 3483 - (ثلاث لا يفطرن الصائم) إذا وقعت في الصوم (الحجامة) فلو حجم نفسه أو حجمه غيره بإذنه لم يفطر لكن الأولى تركه وخبر أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ أو مؤول (والقيء) فمن ذرعه القيء أي سبقه فهو لا يفطر مطلقا ولا قضاء عليه (والاحتلام) فمن نام نهارا واحتلم فأنزل لم يبطل صومه ولا قضاء عليه قال الحافظ العراقي: فيه أن الحجامة لا تفطر الصائم قال ابن العربي: وكنت مترددا فيه لكثرة المعارضات في الروايات حتى أخبرني القاضي أبو المطهر بحديث أفطر الحاجم والمحجوم فرأيت حديثا عظيما ورجالا وسندا صحيحا فكنت تارة أحمله على لفظه وتارة أتأوله وتترامى بي الخواطر حتى قرأت على أبي الحسين بن المبارك فذكر بإسناد حديث أنس مر النبي صلى الله عليه وسلم بجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يحتجم فقال: أفطر هذا ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحجامة للصائم وهذا نص فيه ثلاث فوائد تسمية المحتجم وثبوت خطر الحجامة ومنعها للصائم وثبوت الرخصة بعد في الحظر (ت) وكذا البيهقي (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: هذا غير محفوظ وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم مضعف والمشهور عن عطاء مرسل وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن من حديث أبي سعيد ونقل عن ابن عباس عند البزار بسند معلول وعن ثوبان عند الطبراني وهو ضعيف الحديث: 3483 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 3484 - (ثلاث لا يعاد صاحبهن) أي لا تندب إعادته لا أنها لا تجوز (الرمد) أي وجع العين (وصاحب الضرس) أي الذي به وجع الضرس أو غيره من الأسنان (وصاحب الدمل) أي الذي به دمل أي خراج صغير وإن تعدد لأن هذه من الآلام التي لا ينقطع صاحبها بسببها غالبا وهذا صريح في أن وجع العين ليس بمرض وبه تمسك قوم وذهب آخرون إلى أنه مرض وعليه مالك فإنه سئل عمن به صداع شديد فقال: هو من الإفطار في سعة فقالوا: لا تندب عيادته لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو وتعقب بأنه أمر خارجي قد يأتي مثله في بقية الأمراض كالمغمى عليه قال في المطامح: فجعله مرضا اه. ويشهد له ما في أبي داود وصححه الحاكم عن زيد بن أرقم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم عاده من وجع بعينه وهو عند البخاري رحمه الله تعالى في الأدب المفرد وسياقه أتم وبه أخذ الشافعية وحملوا الحديث على الغالب من عدم الانقطاع لذلك (طس عد عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال البيهقي في الشعب: حديث ضعيف وقال الهيثمي: فيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف اه. وقال ابن حجر: هذا الحديث صحح البيهقي وقفه على يحيى بن أبي كثير وذلك لا يوجب الحكم بوضعه إذ مسلمة لم يجرح بكذب فجزم ابن الجوزي بوضعه وهم الحديث: 3484 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 3485 - (ثلاث لا يمنعهن) أي لا يجوز لأحد منعهن (الماء) أي ماء البئر المحفورة في موات فماؤها مشترك بين الناس والحافر كأحدهم فإن حفرها بملك أو موات للتملك ملكه أو للارتفاق فهو أولى به حتى يرتحل وفي جميع الحالات يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته للمحتاج (والكلأ) بالهمز والقصر النبات أي المباح وهو النابت في موات فلا يحل منع أهل الماشية من رعيه لأنه مجرد ظلم أما كلأ نبت بأرض ملكها بالإحياء فمذهب الشافعية حل بيعه (والنار) يعني الأحجار التي توري النار فلا يمنع أحد من الأخذ منها وأما نار يوقدها الإنسان فله منع من أخذ جذوة منها لا أن [ص: 313] يأخذ منها مصباحا أو يدني منها ضغثا إذ لا ينقصها كذا ذكره جمع وقال صاحب العدة: لو أضرم نارا بحطب مباح بصحراء لم يمنع من ينتفع بها فلو جمع الحطب ملكه فإن أضرمه نارا فله منع غيره منها (هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي رضي الله عنه: سنده صحيح الحديث: 3485 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 3486 - (ثلاث يجلين البصر) بضم أوله وشد اللام (النظر إلى الخضرة) أي إلى الزرع الأخضر أو الشجر أو إلى كل أخضر (والى الماء الجاري) في نحو نهر خرج به الراكد كبركة (والى الوجه الحسن) أي عند ذوي الطباع السليمة والسلائق المستقيمة ويحتمل عند الناظر (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور عن محمد بن أحمد بن هارون الشافعي عن أحمد بن عمر الزنجاني عن أبي البحتري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال ابن الجوزي: باطل موضوع ووهب كذاب والشافعي هو الريرندي ليس بشيء قال الحاكم: حدث عن قوم لا يعرفون فقلت له: إن أحمد بن عمر ما خلق بعد اه. ولم يتعقب المؤلف إلا بأنه ورد من طريق آخر وهو ينافي قوله (د عن ابن عمر) أي عن محمد بن أحمد الوارق عن علي بن القباني عن عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي عن يحيى بن أيوب المقابري عن شعيب بن حرب عن مالك بن مغول عن طلحة عن مصرف عن نافع عن ابن عمر قال المؤلف: رجاله من شعيب فصاعدا رجال الصحيح والخوارزمي قال أبو نعيم في حديثه نكارة (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي عن محمد الأنماطي عن محمد الأهوازي عن النعمان بن أحمد عن محمد بن حرب عن عباد بن يزيد عن سليمان بن عمرو النخعي عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه صفية (عن عائشة) رضي الله عنها أورده المؤلف في مختصر الموضوعات وقال: سليمان النخعي كذاب (الخرائطي في) كتاب (اعتلال القلوب) في التصوف عن أحمد بن الهيثم الكندي عن محمد بن زكريا عن محمد بن يحيى النيسابوري عن عيسى بن إبراهيم البركي عن حماد بن حميد الطويل عن أبي الصديق الناجي (عن أبي سعيد) الخدري قال المؤلف: حماد هو ابن سلمة وهو فمن فوقه عن رجال الصحيح وعيسى البركي روى له أبو داود ووثق وخالد بن يحيى هو الهذلي ثم قال أعني المؤلف وبمجموع هذه الطرق يرتقي الحديث عن درجة الوضع الحديث: 3486 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 3487 - (ثلاث يزدن في قوة البصر الكحل بالإثمد) أي التكحل بالكحل الأسود المشهور (والنظر إلى الخضرة) فيه الإحتمالات المقررة (والنظر إلى الوجه الحسن) على ما سبق قال السخاوي: كان النسائي يلبس الأخضر من الثياب ويقول الأخضر مما يزيد في قوة البصر (نكتة) قال في اللسان وروى جعفر بن علي الدقاق رضي الله عنه عن الحسين بن سهل التركي عن أبيه عن يحيى بن أكثم قال: دخلت على المأمون والعباس ابنه عن يمينه وكان من أحسن الناس وجها فجعلت أتأمله فنظر إلي المأمون فزجرني قلت: يا أمير المؤمنين حدثني عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رفعه النظر إلى الوجه المليح يجلو البصر وإن في بصري ضعفا أردت أن أجلوه قال فأطرق ثم أنشد يقول: ألا لله درك أي قاض. . . رمته المرد بالحدق المراض يجن إذا رأى وجها مليحا. . . ويغلط في الحديث المستفاض [ص: 314] قال في اللسان: هذا موضوع (أبو الحسن الفراء) بفتح الفاء وشد الراء نسبه إلى خياطة الفراء وبيعها (في فوائده) تخريج السلفي عن أحمد بن الحسن الشيرازي عن الحسين بن محمد الأهوازي عن الحسين بن محمد البيع عن محمد المحدث عن جعفر الطرائقي عن عبد الله بن عباد العبدي عن إسماعيل بن عيسى عن أبي هلال الراسبي عن أبي بريدة (عن) أبيه (بريدة) وأبو هلال ضعفه قوم ووثقه آخرون الحديث: 3487 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 3488 - (ثلاث يدخلون الجنة بغير حساب: رجل غسل ثيابه فلم يجد له خلفا) يلبسه حتى تجف ثيابه يعني أنه لفقره ليس له إلا ثيابه التي عليه ولا يمكن تحصيل شيء غيرها (ورجل لم ينصب على مستوقده قدران) يعني لا قدرة له على تنويع الأطعمة وتلوينها لفقره ورثاثة حاله (ورجل دعى بشراب فلم يقل له) بالبناء للمجهول أي لم يقل له خادمه أو نحوه الذي استدعى منه إحضار الطعام والشراب (أيهما تريد) يعني لا قدرة له على تحصيل نوعين من الأشربة لضيق حاله وقلة ماله فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب (أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أبي سعيد) الخدري قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة الحديث: 3488 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 3489 - (ثلاث يدركن بهن) أي بفعلهن (العبد) الإنسان (رغائب) جمع رغبة وهي العطاء الكثير (الدنيا والآخرة: الصبر على البلاء والرضا بالقضاء والدعاء في الرخاء) أي في حال الأمن وسعة الحال وفراغ البال فإن من تعرف إلى الله في الرخاء تعرف إليه في الشدة كما سبق تقريره موضحا والرخاء بالمد العيش الهنيء والخصب والسعة (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن عمران بن حصين) ورواه الديلمي عن أبي هلال التيمي مرفوعا الحديث: 3489 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 3490 - (ثلاث يصفين لك ود أخيك) في الإسلام (تسلم عليه إذا لقيته) في نحو طريق (وتوسع له في المجلس) إذا قدم عليك وأنت جالس فيه (وتدعوه بأحب الأسماء إليه) من اسم أو كنية أو لقب (1) وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البيهقي وثلاث من البغي تجد على الناس فيما تأتي وترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك وتؤذي جليسك فيما لا يعنيك (طس ك هب) كلهم من حديث أبي مطرف عن موسى بن عبد الملك (عن عثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عثمان بن عبد الدار العبدري (الحجبي) بفتح وكسر الحاء المهملة والجيم الموحدة نسبة إلى حجابة الكعبة المعظمة صحابي شهير استشهد بأجنادين أو غيرها قال الحاكم: أبو مطرف ثقة قال الذهبي: لكن موسى ضعفه أبو حاتم وقال الهيثمي في كلامه على أحاديث الطبراني: فيه موسى بن عبد الملك بن عمير وهو ضعيف وعثمان بن طلحة هذا قتل أبوه وعمه يوم أحد كافرين وهاجر مع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ودفع إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفتاح الكعبة (هب عن عمر) بن الخطاب (موقوفا عليه) من قوله   (1) فيندب فعل هذه الخصال والملازمة عليها لتنشأ عنها المحبة وتدوم المودة الحديث: 3490 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 3491 - (ثلاث إذا رأيتهن فعند ذلك) أي عند رؤيتهن يعني عقبها على القرب منها (تقوم الساعة) القيامة (إخراب العامر وعمارة [ص: 315] الخراب) قال ابن قتييبة: أراد به نحوا مما يفعله الملوك من إخراب بناء جيد محكم وإنتاج غيره في الموات بغير علة إلا إعطاء النفس الشهوة ومتابعة الهوى (وأن يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا) أي يكون ذلك دأب الناس وديدنهم فمن أمرهم بمعروف عدوا أمره به منكرا وآذوه ومقتوه ومن نهاهم عن منكر فعلوه عدوا نهيه عنه نهيا عن معروف فعلوه فآذوه ومقتوه (وأن يتمرس الرجل) بمثناة تحتية فمثناة فوقية فميم مفتوحات فراء مشددة مفتوحة فسين مهملة (بالأمانة) أي يتلعب بها (تمرس البعير بالشجرة) أي يتلعب ويعبث بها كما يعبث البعير بالشجرة ويتحكك بها والتمرس شدة الالتواء (ابن عساكر) في التاريخ (عن محمد بن عطية) بن عروة (السعدي) صدوق من الطبقة الثالثة كلام المؤلف كالصريح في أنه صحابي وهو غفلة عن قول التقريب وغيره وهم من زعم أنه له صحبة مات على رأس المئة ورواه أيضا من هذا الوجه الطبراني قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الله النابلسي وهو ضعيف فما أوهمه صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير غير سديد الحديث: 3491 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 3492 - (ثلاث أصوات يباهي الله بهن الملائكة الأذان) أي أذان المؤذن للصلاة (والتكبير في سبيل الله) أي حال قتال الكفار (ورفع الصوت بالتلبية) في النسك يقول لبيك اللهم لبيك وهذا في حق الذكر (ابن النجار) في تاريخه (فر) كلاهما (عن جابر) رضي الله تعالى عنه وفيه معاوية بن عمرو البصري قال الذهبي في الضعفاء: واه ورشدين بن سعد قال أبو زرعة والدارقطني ضعيف وقرة بن عبد الرحمن قال أحمد منكر الحديث جدا اه. ومن ثم قال ابن حجر رحمه الله: حديث غريب ضعيف الحديث: 3492 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 3493 - (ثلاثة أعين لا تمسها النار) أي نار جهنم في الآخرة (عين فقئت) أي خسفت وبخست (في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله (وعين حرست) المسلمين (في سبيل الله) في الجهاد (وعين بكت من خشية الله) قال الطيبي: كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} حيث وقع حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحصلت النسبة بين العينين: عين مجاهدة مع النفس والشيطان وعين مجاهدة مع الكفار والخوف والخشية متلازمان. قال في الإحياء: الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة إلى العلم والعمل (ك) في الجهاد عن محمد الأسدي عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عمر ضعفوه الحديث: 3493 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 3494 - (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) ذكر الثلاثة ليس للتقييد فإنه خصم كل ظالم لكنه أراد التغليظ عليهم لغرابة قبح فعلهم والخصم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد وهذ الحديث من الأحاديث القدسية [ص: 316] فقد رواه البخاري رضي الله عنه بلفظ قال الله تعالى فوقع في هذه الرواية اختصار (ومن كنت خصمه خصمته) لأنه لا يغلبه شيء (رجل أعطى بي) أي أعطى الأمان باسمي أو بذكري أو بما شرعته من الدين كأن يقول عليك عهد الله أو ذمته (ثم غدر) أي نقض العهد الذي عاهد عليه لأنه جعل الله كفيلا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى والكفيل خصم المكفول به للمكفول له (ورجل باع حرا فأكل ثمنه) يعني انتفع به على أي وجه كان وخص الأكل لأنه أخص المنافع وذلك لأن من باع حرا فهو غاصب لعبد الله الذي ليس لأحد غير الله عليه سبيل فالمغصوب منه خصم الغاصب (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه) أي العمل (ولم يوفه) أجره لأنه استأجر عبدا وغلة العبد لمولاه فهو الخصم في صلب أجرة عبده هذا حكمة تخصيص هؤلاء لكنه تعالى أكرم الخصوم وأغناهم والكريم إذا ملك أحسن وإذا حاسب سمح وإذا سئل وهب والخبر مسوق لمعنيين أحدهما تعظيم هذه الخصال وأنها كبائر جرائم وخطايا عظائم يتعين الحذر منها الثاني الإخبار عن كرم الله وفضله وأن الخصم الغني الكريم الرؤوف الرحيم وإذا كان هو الخصم كان أرجى للعبد لأنه غني لا يتعاظمه ذنب ولا ينقصه شيء فيناقش فيه بل يرضى خصوم من شاء من عنده كما جاء في كثير من الأخبار فيا له من حديث جمع الخوف والرجاء اللذين هما سهما العبودية إذ هي اضطرار وافتقار فالخوف اضطرار والرجاء افتقار والعبادة لله إنما تصفو بخوف التقصير وشكر التوفيق فرؤية التقصير توجب الخوف ورؤية التوفيق توجب الرجاء وقد قيل في معنى هذا الخبر أقاويل كثيرة وما سمعت أجود (هـ) في الأحكام (عن أبي هريرة) ظاهر اقتصاره على ابن ماجه أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين والأمر بخلافه فقد رواه سلطان المحدثين البخاري في البيع والإجارة لكن بدون ومن كنت خصمه خصمته ولفظه عن الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره اه فهو عند البخاري من الأحاديث القدسية كما مر الحديث: 3494 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 3495 - (ثلاث تحت العرش يوم القيامة القرآن له ظهر وبطن يحاج العباد) وقال ابن الأثير وغيره: ظهره لفظه وبطنه معناه أو ظهره ما ظهر تأويله وبطنه ما بطن تفسيره أو ظهره تلاوته وبطنه تفهمه أو ظهره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان والعمل بمقتضاه وبطنه ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد على حسب مراتبهم في الأفهام والعقول وتباين منازلهم في المعارف والعلوم وفيه تنبيه على أن كلا منهم إنما يطلب بقدر ما انتهى إليه من علم الكتاب وفهمه وقال الحكيم: ظهره يحاج الأمة وبطنه يحاج الخاصة فإن أهل الملة صنفان قال التوربشتي: وقوله له ظهر وبطن جملة مفصولة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تنبه السامع على جلالة شأن القرآن وامتيازه عما سواه واعترضه الطيبي ثم اختار أنها جملة اسمية واقعة حالا من ضمير القرآن بلا واو أي القرآن يحاج العباد مستقصيا فيه (والرحم تنادي صل من وصلني واقطع من قطعني) لأن الله تعالى أعطاها ذلك في الدنيا وأمر بالتراحم والتعاطف بها فمن امتثل أمره فاز بالكرامة ومن أبى نودي عليه بالخسران واستحقاق النيران (والأمانة) تنادي ألا من حفظني حفظه الله ومن ضيعني ضيعه الله قال القاضي: تحت العرش عبارة عن اختصاص هذه الثلاثة من الله بمكان وقرب منه واعتبار عنده بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها كما هو حال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه فإن التوسل بهم وشكرهم وشكايتهم لها تأثير عظيم لديه وخص الثلاثة لأن كل ما يحاوله المرء إما أمر دائر بينه [ص: 317] وبين ربه خاصة أو بينه وبين الخلق عامة أو بينه وبين أقاربه وأهل بيته والقرآن وصلة بين العبد وربه فمن راعى أحكامه واتبع ظواهره وبواطنه أدى حق الربوبية وأتى بوظيفة العبودية والأمانة تعم عموم الناس فإن دمائهم وأموالهم وأعراضهم أمانات بينهم فمن قام بحقها أقام العدل وجانب الظلم ومن وصل الرحم وراقب الأقارب ودفع عنهم المخاوف وأحسن إليهم أدى حقه وخرج من عهدته ولما كان القرآن أعظم قدرا وأرفع منارا والقيام به يشمل الأمرين الآخرين قدم ذكره وأخبر عنه بأنه يحاج العباد أي يخاصمهم فيما أعرضوا عن أحكامه ولم يلتفتوا لمواعظه وأمثاله سواء ما ظهر معناه فأغنى عن التأويل أو خفي واحتاج إليه وأخر الأمانة لأنها أخصها وأفردها بالذكر وإن اشتملت محافظته على الأولين على محافظتها لأنها أحق حقوق الخلق أن تحفظ ولأنه أراد أن يبين أن صلة الرحم وقطيعته بهذه المثابة العظيمة من الوعد والوعيد اه. وقال الأشرف: الضمير في تنادي عائد إلى الرحم ويمكن عوده إلى كل من الأمانة والرحم (الحكيم) الترمذي في نوادره (ومحمد بن نصر) في فوائده (عن عبد الرحمن بن عوف) ورواه عنه أيضا البغوي في شرح السنة قال المناوي: وفيه كثير بن عبد الله اليشكري متكلم فيه الحديث: 3495 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 3496 - (ثلاث تستجاب دعوتهم الوالد) لولده (والمسافر والمظلوم) على ظالمه لأن السفر مظنة حصول انكسار القلب بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق والانكسار من أعظم أسباب الإجابة والمظلوم مضطر (حم طب عن عقبة ابن عامر الجهني) الحديث: 3496 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 3497 - (ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله) لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى (والمكاتب) أي العبد الذي كاتبه سيده على نجوم إذا أداها عتق (الذي يريد الأداء) أي الذي نيته أن يؤدي للسيد ما كاتب عليه (والناكح الذي يريد العفاف) أي المتزوج بقصد عفة فرجه عن الزنا واللواط أو نحوهما وإنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الثلاثة من الأمور الشاقة التي تكدح الإنسان وتقصم ظهره لولا أنه يعان عليها لما قام بها قال الطيبي: وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المذكورة في النفس وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل سافلين فإذا استعف وتداركه عون إلهي ترقى إلى منزلة الملائكة في أعلى عليين. <تنبيه> قال العارف ابن عربي: إذا رأيت واحدا من هؤلاء فأعنه بطائفة من مال أو قال أو حال فإنك إذا أعنتهم فأنت نائب الحق في عونهم فإنه إذا كان عون هؤلاء حقا على الله فمن أعانهم فقد أدى عن الله ما أوجبه على نفسه فيتولى الله كرامته بنفسه فما دام المجاهد مجاهدا بما أعنته عليه فأنت شريكه في الأجر ولا ينقصه شيء وإذا ولد للناكح ولد صالح كان لك في ولده وعقبه أجر وأقر به عين محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وهو أعظم من عون المكاتب والمجاهد لما أن النكاح أفضل النوافل وأقربه نسبة للفضل الإلهي في إيجاده العالم وبعظم الأجر يعظم النسب إلى هنا كلامه (حم ت ن) في الجهاد (هـ) في الأحكام (ك) في النكاح (عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم وقال الترمذي: حسن الحديث: 3497 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 3498 - (ثلاثة على كثبان المسك) جمع كثيب بمثلثة الرمل المستطيل المحدوب (يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون) أي يتمنون جميعا أن يكون لهم مثل الذي لهم ويدوم عليهم ما هو فيهم والغبطة حسد خاص ليس بمذموم (عبد) أي قن ذكر أو أنثى (أدى حق الله وحق مواليه) أي قام بالحقين جميعا فلم يشغله أحدهما عن الآخر (ورجل يؤم قوما وهم [ص: 318] به راضون) أو امرأة تؤم نساء وهن بها راضيات والتخصيص بالرجل غالبي (ورجل ينادي بالصلوات الخمس كل يوم وليلة) أي يؤذن محتسبا كما جاء في رواية طالبا بأذانه الأجر من الله سبحانه وتعالى ولا يأخذ عليه أجرا في الدنيا (حم ت) في الأدب (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: حسن غريب وقال الصدر المناوي: فيه أبو اليقظان عثمان بن عمير قال الذهبي: كان شيعيا ضعفوه الحديث: 3498 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 3499 - (ثلاث على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم الفزع) أي الخوف (ولا يفزعون حين يفزع الناس) يوم القيامة (رجل تعلم القرآن فقام به يطلب وجه الله) أي لا للرياء والسمعة ولا ليتسلق به على حصول دنيا (وما عنده) من جزيل الأجر (ورجل نادى في كل يوم وليلة بخمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده ومملوك لم يمنعه رق الدنيا من طاعة ربه) بل قام بحق الحق وحق سيده وجاهد نفسه على حمل مشقات القيام بالحقين ومن ثم كان له أجران واستوجب الأمان وارتفع على الكثبان (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه بحر بن كنين السقاء ضعيف بل متروك الحديث: 3499 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 3500 - (ثلاثة في ظل الله) أي في ظل عرشه كما في رواية (عز وجل يوم لا ظل إلا ظله) أي يوم القيامة (رجل حيث توجه علم أن الله معه) حيثما توجه {أينما تولوا فثم وجه الله} {وهو معكم أينما كنتم} (ورجل دعته امرأة) أجنبية (إلى نفسها) أي إلى الزنا بها (فتركها) أي ترك الزنا بها (من خشية الله تعالى) لا لغرض آخر كخوف من حاكم أو قالة أو نحو ذلك (ورجل أحب بجلال الله) أي يحب رجلا لا يحبه إلا إعظاما لله الذي خلقه فعدله فلم يحبه لنحو إحسانه له بمال أو جاه أو غير ذلك (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه بشر بن نمير وهو متروك الحديث: 3500 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 3501 - (ثلاثة في ظل العرش) أي عرش الرحمن (يوم القيامة) في الموقف (يوم لا ظل إلا ظله واصل الرحم) أي القرابة بالإحسان ونحوه (يزيد الله في رزقه) في الدنيا أي يوسع عليه فيه (ويمد في أجله) أي يطيل حياته بسبب صلته لأقربائه (وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا) يعني أولادا منه ومن في معناهم كأولاد ولدها منه الذي مات عنهم ولا كافل لهم إلا هو (فقالت لا أتزوج بل أقيم على أيتامي) أكفلهم وأقوم بهم (حتى يموتوا أو يغنيهم الله تعالى) كأن يكبروا ويستغنوا بنحو كسب (وعبد) أي إنسان (صنع طعاما) أي طبخه وهيأه (فأضاف) منه (ضيفه وأحسن [ص: 319] نفقته) أي أحسن القيام بها (فدعا عليه) أي طلب له (اليتيم والمسكين) المراد به هنا ما يشمل الفقير لأنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (فأطعمهم لوجه الله) عز وجل عن كل نقص ووصف ليس في الكمال المطلق أقصاه وغايته أي فعل ذلك لوجه الله لا لغرض آخر كرياء أو سمعة أو توصل إلى شيء من المقاصد الدنيوية كبعض من يجمع الأيتام والزمناء والعميان عنده في نحو زاوية ويتشيطن على ولاة الأمور ويدخل عليهم بأنه ليس يريد الدنيا وإنما يريد مرتبا للقيام بأدواء هؤلاء حتى إذا تحصل على حظه من ذلك كتبه باسم نفسه واستخدم أهل الزاوية كالعبيد كما فعل الناس الآن ممن يزعم الصلاح (أبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (الثواب والأصبهاني) في الترغيب (فر) كلهم (عن أنس) وفيه حفص بن عبد الرحمن قال الذهبي في الضعفاء: قال أبو حاتم: مضطرب الحديث الحديث: 3501 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 3502 - (ثلاثة في ضمان الله عز وجل) أي في حفظه وكلاءته ورعايته (رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله) أي يريد الصلاة أو الاعتكاف فيه (ورجل خرج غازيا في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (ورجل خرج حاجا) أي بمال حلال (حل عن أبي هريرة) الحديث: 3502 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 3503 - (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة) أي دخولها (مدمن الخمر) أي الملازم لشربها آناء الليل وأطراف النهار المداوم عليها (والعاق) لوالديه أو أحدهما وقد سبق معنى العقوق فلا تغفل (والديوث) بمثلثة وهو الذي (يقر في أهله) أي زوجته أو سريته وقد يشمل الأقارب أيضا (الخبث) يعني الزنا بأن لا يغار عليهم وهؤلاء الثلاثة إن استحلوا ذلك فهم كفار والجنة حرام على الكفار أبدا وإن لم يستحلوا فالمراد بتحريمها عليهم منعهم من دخولها قبل التطهير بالنار فإذا تطهروا بها أدخلوها (حم عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات الحديث: 3503 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 3504 - (ثلاثة كلهم ضامن على الله) أي مضمون على حد {عيشة رضية} أي مراضية أو ذو ضمان كالقاسط والابن فهو من باب النسب ذكره البيضاوي وسبق نحوه النووي في الأذكار فقال: معنى ضامن صاحب الضمان والضمان الرعاية للشيء كما يقال تامر ولابن أي صاحب تمر ولبن (رجل خرج غازيا في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله (فهو ضامن على الله) الآية {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} ولا يزال مضمونا عليه (حتى يتوفاه) الله (فيدخله الجنة) برحمته (أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة ورجل دخل بيته بسلام) أي لازم بيته إيثارا للعزلة وطلبا للسلامة من الفتنة أو المراد أنه إذا دخله سلم على أهله ائتمارا بقوله سبحانه {إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} قال الطيبي: والأول أوجه وبملاءمة ما قبله [ص: 320] أوفق لأن المجاهدة في سبيل الله سفرا والرواح إلى المسجد حضرا ولزوم البيت اتقاء من الفتن أخذ بعضها بحجزة بعض (فهو ضامن على الله) قال النووي رضي الله عنه في الأذكار: معناه أنه في رعايته وما أجزل هذه العطية وقال الطيبي: عدى ضامن بعلى تضمينا لمعنى الوجوب والمحافظة على سبيل الوعد أي يجب على الله وعدا أن يكلأه من مضار الدنيا والدين ولم يذكر الشيء المضمون به في الثالث اكتفاء بما قبله (د) في الجهاد ولم يضعفه (حب ك) في البيوع (عن أبي أمامة) صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3504 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 3505 - (ثلاثة ليس عليهم حساب) يوم القيامة (فيما طعموا) أي أكلوا أو شربوا (إذا كان) المأكول أو المشروب (حلالا: الصائم) عند الفطر (والمتسحر) للصوم (والمرابط في سبيل الله عز وجل) أي الملازم لبعض الثغور بقصد الجهاد (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن عصمة عن أبي الصباح وهما مجهولان الحديث: 3505 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 3506 - (ثلاثة من كن فيه يستكمل إيمانه) بالبناء للمجهول أي اجتماعهن في إنسان تدل على كمال إيمانه (رجل لا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله) بل إنما يعمل لوجه الله تعالى مراعيا للإخلاص في سائر أعماله (وإذا عرض عليه أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة اختار أمر الآخرة) لبقائها ودوامها (على الدنيا) لفنائها واضمحلالها وسرعة زوالها (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) الحديث: 3506 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 3507 - (ثلاثة من قالهن دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب (1) (من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا) إلى الثقلين كافة (والرابعة لها من الفضل كما بين السماء والأرض وهي الجهاد في سبيل الله عز وجل) لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله العليا (حم عن أبي سعيد) الخدري   (1) فإن قيل لا حاجة إلى التقدير لأنه من انتفى منه خصلة من الخصال الثلاث لا يدخل الجنة أصلا فالجواب أن هذا فيمن قالهن من المسلمين وهل المراد قالهن في كل يوم أو مرة في عمره؟ الظاهر الثاني الحديث: 3507 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 3508 - (ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاوة فمن السعادة المرأة الصالحة) الدينة العفيفة الجميلة (التي تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها) فلا تخونك بزنا ولا بسحاق ولا بتبرج ونحو ذلك (ومالك) فلا تخون فيه بسرقة ولا [ص: 321] تبذير (والدابة تكون وطيئة) أي هنية سريعة المشي سهلة الانقياد (فتلحقك بأصحابك) بلا تعب ولا مشقة في الإحثاث (والدار تكون واسعة كثيرة المرافق) بالنسبة لحال ساكنها ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال (وثلاثة من الشقاء المرأة) السوء وهي التي (تراها فتسوؤك) لقبح ذاتها أو أفعالها (وتحمل لسانها عليك) بالبذاءة (وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك والدابة تكون قطوفا) بفتح القاف أي بطيئة السير والقطوف من الدواب البطيء (فإن ضربتها) لتسرع بك (اتبعتك وإن تركتها) تمشي بغير ضرب (لم تلحقك بأصحابك) أي رفقتك بل تقطعك عنهم (والدار تكون ضيقة قليلة المرافق) بالنسبة لحال الساكن وعياله فرب دار ضيقة بالنسبة لإنسان واسعة بالنسبة لآخر (ك) في النكاح (عن سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم: تفرد به محمد بن سعد عن أبيه فإن كان حفظه فعلى شرطهما وتعقبه الذهبي فقال محمد قال أبو حاتم صدوق يغلط وقال يعقوب بن شبة ثقة الحديث: 3508 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 3509 - (ثلاثة من الجاهلية) أي من أفعال أهلها (الفخر بالأحساب) أي التعاظم بالآباء (والطعن في الأنساب) أي أنساب الناس (والنياحة) على الميت كما مر بيانه موضحا (طب عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: فيه عبد الغفور أبو الصباح ضعيف الحديث: 3509 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 3510 - (ثلاثة من مكارم الأخلاق عند الله) أضافها إليه للتشريف (أن تعفو عمن ظلمك) فلا تنتقم منه عند القدرة (وتعطي من حرمك) عطاءه أو تسبب في حرمانك عطاء غيره (وتصل من قطعك) ولا تعامله بمثل فعله. <فائدة> قال العارف ابن عربي: الأخلاق ثلاثة أنواع خلق متعد وخلق غير متعد وخلق مشترك والمتعدي قسمان متعدي بمنفعة كالجود والفتوة ومتعد بدفع مضرة كالعفو والصفح وتحمل الأذى مع القدرة على الجزاء والتمكن منه وغير المتعدي كالورع والزهد والتوكل والمشترك كالصبر على أذى الخلق وبسط الوجه وكمال البشر (خط عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الديلمي باللفظ المذكور الحديث: 3510 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 3511 - (ثلاثة من السحر الرقى والتول والتمائم) قال الديلمي: التول ما يحبب المرأة إلى زوجها وقيل ما تجعله المرأة في عنقها لتحسن عند زوجها والتمائم واحدتها تميمة خرزات تعلقها العرب على أولادها لاتقاء العين فأبطلها الشارع ونهى عنها وأما ما ذكر في الرقى فمحمول على ما كان من كلام الجاهلية ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفرا بخلاف الرقى بالذكر ونحوه كما مر ويأتي (طب) من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف الحديث: 3511 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 [ص: 322] 3512 - (ثلاثة من أعمال الجاهلية لا يتركهن الناس) أي أهل الإسلام (الطعن في الأنساب والنياحة) على الميت (وقولهم مطرنا بنوء كذا وكذا) أي بالنجم الفلاني من النجوم الثمانية والعشرين سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءا فيعتقدون أن المطر هو فعل النجم قال الحليمي: أما القول بأنه قد يكون لبعضها بعض اتصال يمتزج منه طبائعها أي تتأدى بتلك الطبائع بالمجاوزة إلى الجو ويوصله الجو بمجاوزته الأرض إلى الأرض فيكون سببا لآثار تحدث في الأجسام الأرضية فهذا قد يكون إلا أن تلك الآثار أفعال لله لا للكواكب فتنقل الكواكب وتبدل أحوالها مواقيت لأقضية الله كجعله تحول الشمس ميقاتا للصلاة إلى هنا كلامه (طب) والبزار (عن عمرو بن عوف) بن مالك المزني قال الهيثمي: فيه كثير بن عبد الله المزني ضعيف الحديث: 3512 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 3513 - (ثلاثة مواطن لا ترد فيها دعوة عبد رجل يكون في برية بحيث لا يراه أحد إلا الله فيقوم فيصلي ورجل يكون معه فئة) في الجهاد (فيفر عنه أصحابه فيثبت) هو للعدو فيقاتل حتى يقتل أو ينتصر (ورجل يقوم من آخر الليل) أي يتهجد فيه عند فتح أبواب السماء وتنزلات الرحمة (ابن منده وأبو نعيم) كلاهما (في الصحابة عن ربيعة بن وقاص) قال الذهبي: حديث مضطرب الحديث: 3513 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 3514 - (ثلاث نفر) بفتحتين أي ثلاث من الرجال (كان لأحدهم عشرة دنانير فتصدق منها بدينار وكان لآخر عشرة أواق فتصدق منها بأوقية وآخر كان له مئة أوقية فتصدق منها بعشرة أواق فهم في الأجر سواء كل قد تصدق بعشر ماله) أي فأجر الدينار بقدر أجر الأوقية بقدر أجر العشرة الأواق فلا فضل لأحدهم على الآخر (طب عن أبي مالك الأشعري) كعب بن عاصم وقيل عبيد وقيل عمر وقيل الحارث يعد في الشاميين الحديث: 3514 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 3515 - (ثلاثة هم حداث الله يوم القيامة) أي يكلمهم ويكلمونه في الموقف والناس في ذلك الهول مشغولون بأنفسهم (رجل لم يمش بين اثنين بمراء قط) بضم الطاء المشددة في الزمن الماضي (ورجل لم يحدث نفسه بزنا قط) ولا بلواط (ورجل لم يخلط كسبه بربا قط) الرجل في الثلاثة وصف طردي فالمرأة كذلك (حل عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 3515 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 [ص: 323] 3516 - (ثلاثة لا تحرم عليك أعراضهم) بل يجوز لك اغتيابهم (المجاهر بالفسق) فيجوز ذكره بما تجاهر به أي فقط (والإمام الجائر) أي السلطان الجائر الظالم (والمبتدع) أي المعتقد بما لا يشهد له شيء من الكتاب والسنة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في كتاب (ذم الغيبة عن الحسن مرسلا) هو البصري الحديث: 3516 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 3517 - (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم أذانهم) في رواية رؤوسهم أي لا ترتفع إلى السماء وهو كناية عن عدم القبول كما صرح به في رواية للطبراني وقال التوربشتي: لا يرتفع إلى الله رفع العمل الصالح بل شيئا قليلا من الرفع كما نبه عليه بذكر الأذن وخصها بالذكر لما يقع فيها من التلاوة والدعاء وهذا كقوله في المارقة يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم عبر عن عدم القبول بعدم مجاوزته الآذان بدليل التصريح بعدم القبول في رواية أخرى أو المراد لا يرفع عن آذانهم فتظلهم كما يظل العمل الصالح صاحبه يوم القيامة قال الطيبي: ويمكن أن يقال إن هؤلاء استوصوا بالمحافظة على ما يجب عليهم من مراعاة حق السيد والزوج والصلاة فلما لم يقوموا بما استوصوا به لم تتجاوز طاعتهم عن مسامعهم كما أن القارئ الكامل هو من يتدبر القرآن بقلبه ويتلقاه بالعمل الصالح فلما لم يقم بذلك لم يتجاوز من صدره إلى ترقوته (العبد الآبق) بدأ به تغليظا للأمر فيه (حتى يرجع) من إباقه إلى سيده إلا أن يكون إباقه لإضرار السيد به ولم يجد له ناصرا كما قاله بعض الأئمة (وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط) لأمر شرعي كسوء خلق وترك أدب ونشوز وهذا أيضا خرج مخرج الزجر والتهويل (وإمام قوم وهم له كارهون) فإن للإمام شفاعة ولا يستشفع المرء إلا بمن يحبه ويعتقد منزلته عند المشفوع إليه فيكره أن يؤم قوما يكرهه أكثرهم وهذا إن كرهوه لمعنى يذم به شرعا وإلا فلا كراهة واللوم على كارهه (ت) في الصلاة (عن أبي أمامة) وقال حسن غريب وضعفه الهيثمي وأقره عليه الزين العراقي في موضع وقال في آخر: إسناده حسن وقال الذهبي: إسناده ليس بقوي وروي بإسنادين آخرين هذا أمثلهما اه الحديث: 3517 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 3518 - (ثلاثة لا ترى أعينهم النار) أي نار جهنم (يوم القيامة) إشارة إلى شدة إبعادهم عنها ومن بعد عنها قرب من الجنة (عين بكت من خشية الله وعين حرست في سبيل الله) أي في الجهاد ويمكن شموله للرباط أيضا (وعين غضت) بالتشديد أي خفضت وأطرقت وليس المراد بالبكاء من خشية الله بكاء النساء ورقتهن فتبكي ساعة ثم تترك العمل وإنما المراد خوف يسكن القلب حتى تدمع منه العين قهرا ويمنع صاحبه عن مقارفة الذنوب وتحثه على ملازمة الطاعات فهذا هو البكاء المقصود وهذه هي الخشية المطلوبة لا خشية الحمقاء الذين إذا سمعوا ما يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا ويقولوا يا رب سلم نعوذ بالله وهم مع ذلك مصرون على القبائح والشيطان يسخر بهم كما تسخر أنت بمن رأيته وقد قصده سبع ضاري وهو إلى جانب حصن منيع بابه مفتوح إليه فلم يفزع وإنما اقتصر على رب سلم حتى جاء السبع فأكله (عن محارم الله) أي عن النظر إلى ما حرمه الله عليها فلم تنظر إلى شيء منها امتثالا لأمر الله (طب عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي: فيه أبو حبيب [ص: 324] العبقري ويقال العنزي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 3518 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 3519 - (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا) بل شيئا قليلا (رجل أم قوما وهم له كارهون) أي أكثرهم لما يذم شرعا كفسق وبدعة وتساهل في تحرز عن خبث وإخلال بهيئة من هيئات الصلاة وتعاطي حرفة مذمومة وعشرة نحو فسقة (وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط) لنحو سوء خلقها أو لتفويتها عليه حقا من حقوقه المتوجهة عليها شرعا وجوبا أو ندبا (وأخوان) من نسب أو دين (متصارمان) أي متهاجران متقاطعان في غير ذات الله قال الطيبي: وأخوان أعم من جهة النسب أو الدين لما ورد ولا يحل لمسلم أن يصارم مسلما فوق ثلاث أي يهجره ويقطع مكالمته قال الزين العراقي: وفيه وما قبله أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت زوجها ساخطا عليها من الكبائر لكن إذا كان غضبه عليها بحق (هـ عن ابن عباس) قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: إسناده لا بأس به ثم اندفع في بيانه وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن الحديث: 3519 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 3520 - (ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل) بين الرعية (والصائم حتى) أي إلى أن (يفطر (1)) من صومه وفي نسخ حين يفطر قال القاضي: الإمام بدل من دعوتهم على حذف مضاف أي دعوة الإمام ودعوة الصائم بدليل عطف (ودعوة المظلوم) عليه وقوله (يرفعها الله) في موضع الحال ويحتمل أن يجعل تفصيل ثلاثة وأن يكون القسم الثالث محذوفا لدلالة ودعوة المظلوم عليه وهو مبتدا ويرفعها خبره استأنف به الكلام لفخامة شأن دعاء المظلوم واختصاصه بمزيد قبول ورفعها (فوق الغمام) أي السحاب وقوله (وتفتح له أبواب السماء ويقول الرب تعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك) مجاز عن إشارة الآثار العلوية وجميع الأسباب السماوية وعلى انتصاره من الظالم وإنزال البأس عليه (ولو بعد حين) بدل على أنه سبحانه يمهل الظالم ولا يهمله. (تنبيه} قال الغزالي: فيه أن الإمارة والخلافة من أفضل العبادات إذا كانتا مع العدل والإخلاص ولم يزل المتقون يحترزون منها ويهربون من تقلدها لما فيها من عظيم الخطر إذ تتحرك به الصفات الباطنة ويغلب على النفس حب الجاه والاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا (حم ت) في الدعوات (هـ) في الصوم (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن اه وفيه مقال طويل بينه ابن حجر وغيره   (1) قال الدميري: يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا له ولمن يحب وللمسلمين لهذا الحديث والرواية فيه حتى بالمثناة فوق فيقتضي استحباب دعاء الصائم من أول يومه إلى آخره لأنه يسمى صائما في كل ذلك اه قلت: قوله والرواية فيه حتى بالمثناة من فوق هو كذلك في بعض الأصول وفي بعضها بالمثناة التحتية والنون وفي خط شيخنا كذلك ويؤيده رواية إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد كما تقدم وقول سائر أصحابنا يستحب للصائم أن يدعو عند إفطاره الحديث: 3520 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 3521 - (ثلاثة لا تسأل عنهم) أي فإنهم من الهالكين (رجل فارق) بقلبه ولسانه واعتقاده أو ببدنه ولسانه وخص [ص: 325] الرجل بالذكر لشرفه وأصالته وغلبة دوران الأحكام عليه فالأنثى مثله من حيث الحكم (الجماعة) المعهودين وهم جماعة المسلمين (وعصى إمامه) إما بنحو بدعة كالخوارج المتعرضين لنا والممتنعين من إقامة الحق عليهم المقاتلين عليه وإما بنحو بغي أو حرابة أو صيال أو عدم إظهار الجماعة في الفرائض فكل هؤلاء لا تسأل عنهم لحل دمائهم (ومات عاصيا) فميتته ميتة جاهلية (وأمة أو عبد أبق من سيده) أو سيدته أي تغيب عنه في محل وإن كان قريبا (فمات) فإنه يموت عاصيا (وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤونة الدنيا فتزوجت بعده فلا تسأل عنهم) فائدة ذكره ثانيا تأكدا العلم ومزيد بيان الحكم (خد ع طب ك هب عن فضالة بن عبيد) قال الحاكم: على شرطهما ولا أعلم له علة وأقره الذهبي وقال الذهبي: رجاله ثقات الحديث: 3521 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 3522 - (ثلاثة لا تسأل عنهم رجل ينازع الله ازاره ورجل ينازع الله رداءه فإن رداءه) أكد بإن الجملة الإسمية لمزيد الرد على المنكر (الكبرياء وإزاره العز) فمن تكبر من المخلوقين أو تعزز فقد نازع الخالق سبحانه رداءه وإزاره الخاصين به فله في الدنيا الذل والصغار وفي الآخرة عذاب النار (ورجل في شك من أمر الله) {أفي الله شك} (والقنوط) بالضم أي اليأس (من رحمة الله) {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (خد ع طب عن فضالة بن عبيد) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3522 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 3523 - (ثلاثة لا تقربهم الملائكة) أي الملائكة النازلون بالبركة والرحمة والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين في شيء من أحوالهم الحسنة والسيئة {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (جيفة الكافر والمتضمخ) أي الرجل المتضمخ (بالخلوق) بالفتح طيب له صبغ يتخذ من الزعفران وغيره لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء (والجنب إلا أن يتوضأ) قال الكلاباذي: يجوز كونه فيمن أجنب من محرم أما من حلال فلا يجتنبه الملك ولا البيت الذي فيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا بغير حلم ويصوم ذلك اليوم وكان يطوف على نسائه بغسل واحد ويجوز كونه فيمن أجنب باحتلام وترك الغسل مع وجود الماء فبات جنبا لأن الحلم من الشيطان فمن تلعب به في يقظته أو نومه تجنبه الملك الذي هو عدو الشيطان اه (د عن عمار بن ياسر) الحديث: 3523 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 3524 - (ثلاثة لا تقربهم الملائكة بخير) ملائكة الرحمة والبركة ونحو ذلك لا الكتبة ولا ملائكة الموت كما سبق (جيفة الكافر) أي جسد من مات على الكفر (والمتضمخ بالخلوف) أي المتلطخ به قال القاضي: وهو طيب له صبغ يتخذ من زعفران ونحوه وسببه أنه توسع في الرعونة وتشبه بالنساء وذلك يؤذن بخسة النفس وسقوطها (والجنب إلا أن يبدو له أن يأكل) أي أو أن يشرب (أو ينام) قبل الاغتسال (فيتوضأ) فإنه إذا فعل ذلك لم تنفر الملائكة عنه [ص: 326] ولم تمتنع عن دخول بيت هو فيه وبين بقوله (وضوءه للصلاة) أي المراد الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي وهو رد صريح على من اكتفى به قال القاضي: والكلام في جنب تهاون في الغسل وأخره حتى مر عليه وقت صلاة وجعل ذلك دأبا وعادة فإنه مستخف بالشرع متساهل في الدين غير مستعد لاتصالهم والاختلاط بهم لا أي جنب كان لما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد (طب عن عمار بن ياسر) قال في الفردوس: وفي الباب ابن عباس وغيره الحديث: 3524 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 3525 - (ثلاثة لا تقربهم الملائكة) بخير (السكران) أي سكرا تعدى به (والمتضمخ بالزعفران) أي تعديا (والحائض والجنب) ومثلهما النفساء ويظهر أن المراد بالحائض والنفساء انقطع من دمه منهما وأمكنه الغسل لتفريطه بإهماله أما غيره ففيه احتمال (البزار) في مسنده (عن بريدة) بن الحصيب المسلمي قال الهيثمي: فيه عبد الله بن حكيم لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 3525 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 3526 - (ثلاثة لا يجيبهم ربك عز وجل) أي لا يجيب دعاءهم (رجل نزل بيتا خربا) لأنه عرض نفسه للهلاك وخالف قول الله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (ورجل نزل على طريق السبيل) أي بالنهار يتخطاه المارة وربما تعثر به فرس فأهلكه وكذا بالليل فإن لله تعالى دواب يبثها فيه كما سبق في الخبر (ورجل أرسل دابته) أي أطلقها عبثا (ثم جعل يدعو الله أن يحبسها) عليه فلا يجيب الله دعوتهم لمخالفتهم ما أمروا به من التحفظ إذ الأول عرض نفسه لانهدام البيت عليه أو للسارق بنزوله بغير ما هو محفوف بالعمارة والثاني عرض نفسه للمار على الطريق والثالث لم يعمل بخبر اعقلها وتوكل (طب عن عبد الرحمن بن عائذ) بالمد والهمز والمعجمة (الثمالي) بمثلثة مضمومة والتخفيف نسبة إلى ثمالة بطن من الأزد وفي نسخ الثمامي قال الهيثمي: فيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه دحيم وضعفه أحمد الحديث: 3526 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 3527 - (ثلاثة لا يحجبون عن النار) أي نار جهنم (المنان) بما أعطاه (وعاق والده) فعاق أمه أولى (ومدمن الخمر) أي المداوم على شربها الملازم له لا ينفك عنه (رسته في) كتاب (الإيمان) له (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه الحديث: 3527 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 3528 - (ثلاثة لا يدخلون الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب كما مر (مدمن الخمر وقاطع الرحم) أي القرابة (ومصدق بالسحر) قال الذهبي في الكبائر: ويدخل فيه تعليم السيمياء وعملها وهي محض السحر وعقد المرء عن زوجته ومحبة الزوج لامرأته وبغضها وبغضه وأشباه ذلك بكلمات مجهولة (ومن مات وهو مدمن الخمر) جملة حالية (سقاه الله من نهر الغوطة نهر) بدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف وهو نهر في نار جهنم (يجري) فيه القيح والصديد السائل (من فروج المومسات) الزانيات (يؤذي أهل النار ريح فروجهن) أي ريح نتنها وهذا أمر مهول جدا يحمل من له أدنى عقل على الإحجام عن الزنا وفيه أن الثلاثة كبائر قال الذهبي: وكثير من الكبائر بل عامتها إلا [ص: 327] الأقل يجهل خلق من الأمة تحريمه وما بلغه الزجر فيه ولا الوعيد عليه فهذا الضرب فيهم تفصيل فينبغي للعالم أن لا يعجل على الجاهل بل يرفق به ويعلمه سيما إذا اقترب عهده بجهلته كمن أسر وأجلب إلى أرض الإسلام وهو تركي فبالجهد أنه تلفظ بالشهادتين فلا يأثم أحد إلا بعد العلم بحاله وقيام الحجة عليه (حم طب ك) في الأشربة (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3528 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 3529 - (ثلاثة لا يدخلون الجنة) بالمعنى المقرر فيما قبله (العاق لوالديه) وإن عليا (والديوث) فيعول من ديثت البعير إذا دللته ولينته بالرياضة فكأن الديوث ذلل حتى رأى المنكر بأهله فلا يغيره (ورجلة النساء) بفتح الراء وضم الجيم وفتح اللام أي المتشبهة بالرجال في الزي والهيئة لا في الرأي والعلم فإنه محمود وقال الذهبي: فيه أن هذه الثلاثة من الكبائر قال فمن كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبته فيها فهو دون من يعرس عليها ولا خير فيمن لا غيرة فيه والقوادة التي لا تزال بالحرة حتى تصيرها بغيا عليها وزنيان (ك) في الإيمان (هب) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص وقال في الكبائر: إسناده صحيح لكن بعضهم يقول عن عمر عن أبيه وبعضهم يقول عن ابن عمر مرفوعا وقال في الفردوس صحيح الحديث: 3529 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 3530 - (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا) تقييده هنا بأبدا التي لا يجامعها تخصيص على ما قيل يؤذن بأن الكلام في المستحل (الديوث والرجلة من النساء) بمعنى المترجلة (ومدمن الخمر) أي المداوم على شربها وتمامه عند مخرجه الطبراني قالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله قلنا: فما الرجلة قال: التي تتشبه بالرجال قال ابن القيم: وذكر الديوث في هذا وما قبله يدل على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحمي القب فتحمي له الجوارح فترفع السوء والفواحش وعدمها يميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة كان الهلاك (طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: فيه مساتير وليس فيهم من قيل إنه ضعيف ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب الحديث: 3530 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 3531 - (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم) إذا توفرت شروطه وأركانه (الذاكر الله كثيرا) يحتمل على الدوام ويحتمل الذاكر كثيرا عند إرادة الدعاء (والمظلوم) وإن كان كافرا (والإمام المقسط) أي العادل في رعيته (هب عن أبي هريرة) وفيه حميد بن الأسود أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان عفان يحمل عليه عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ثقة ضعفه أبو حاتم عن شريك بن أبي تمر قال يحيى والنسائي ليس بقوي الحديث: 3531 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 3532 - (ثلاثة لا يريحون رائحة الجنة) حين يجد المقربون ريحها (رجل ادعى إلى غير أبيه) لأنه كاذب آثم كالذي يدعي [ص: 328] أن الله خلقه من ماء فلان غير ماء أبيه فهو كاذب على الله (ورجل كذب علي) أي أخبر عني بما لم أقل أو أفعل (ورجل كذب على عينيه) أي قال رأيت في منامي كذا لأنه كذب على الله وعلى ملك الرؤيا إذ الرؤيا الصالحة بشرى من الله وذلك ذنب كبير فيستحق العقوبة ولأن رؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة كما يجيء في عدة أخبار فكان الكاذب فيها متنبئا بادعائه جزء من ستة وأربعين جزءا من أجزاء النبوة ومدعي الجزء كمدعي الكل ذكره الكلاباذي (خط عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار قال الهيثمي: وفيه عبد الرزاق بن عمر ضعيف ولم يوثقه أحد الحديث: 3532 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 3533 - (ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم) أي الشرعي (وإمام مقسط) أي عادل وهذا ضعيف لكن قالوا له شواهد منها ما رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعا لا يوسع المجلس إلا لثلاث لذي علم لعلمه ولذي سلطان لسلطانه ولذي سن لسنه وعن كعب قال: نجد في كتاب الله عليما أن يوسع في المجلس لذي الشيبة المسلم والإمام العادل ولذي القرآن ونعظمهم ونوقرهم ونشرفهم (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: هو من رواية عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد وكلاهما ضعيف اه الحديث: 3533 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 3534 - (ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق بين النفاق: ذو الشيبة في الإسلام) وكذا ذات الشيبة فيه (وذو العلم والإمام) الأعظم (المقسط) أي العادل في حكمه والمراد في هذا وما قبله النفاق العملي (أبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (التوبيخ عن جابر) وهذا ضعيف الحديث: 3534 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 3535 - (ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة) المراد به نفي كمال القبول (صرفا) توبة أو نافلة أو وجها يصرف فيه عن نفسه العذاب (ولا عدلا) أي فريضة يعني لا يقبل الله فريضتهم قبولا تكفر به هذه الخطيئة وإن كان يكفر بها ما شاء من الخطايا (عاق) لوالديه (ومنان) بما يعطيه (ومكذب بالقدر) بالتحريك أي بأن الأشياء كلها بتقدير الله وإرادته وأخذ الذهبي وغيره من هذا الحديث ونحوه أن المن كبيرة فعدوه منها (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رواه بإسنادين في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف اه. ومن ثم قال ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: عمر بن يزيد يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل اه. لكن خالفهم الذهبي فقال: عمر صويلح الحديث: 3535 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 3536 - (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة) أي قبولا كاملا صلاة (الرجل) ومثله صلاة المرأة للنساء (يؤم قوما وهم) يعني أكثرهم (له كارهون) لمذموم شرعي قام به (والرجل لا يأتي الصلاة إلا دبارا) بكسر الدال أي بعد فوت وقتها وقيل جمع دبر وهو آخر وقت الشيء نحو {وأدبار السجود} والمراد يأتيها حين أدبر وقتها وهذا وارد فيمن اتخذه ديدنا وعادة [ص: 329] (ورجل اعتبد محررا) أي اتخذه عبدا كأن يعتقه ثم يكتمه أو يعتقه بعد العتق فيستخدمه كرها أو يأخذ حرا فيدعي رقه ويتملكه (د هـ) كلاهما في الصلاة من رواية عبد الرحمن بن زياد الأفريقي عن عمران المغافري (عن ابن عمرو) ابن العاص قال في شرح المهذب: وهو ضعيف قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: عبد الرحمن الأفريقي ضعفه الجمهور وقال المناوي رضي الله عنه: ضعفه الشافعي رضي الله عنه وغيره الحديث: 3536 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 3537 - (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا ترفع لهم إلى السماء حسنة) رفعا كاملا (العبد الآبق) أي الهارب ومثله الأمة (حتى يرجع إلى مواليه) ذكره بلفظ الجمع ولم يقل مولاه لأن العبد تتناوله أيدي الناس غالبا كذا قيل (والمرأة الساخط عليها زوجها) لموجب شرعي (حتى يرضى) عنها زوجها (والسكران) أي المتعدي بسكره فيما يظهر (حتى يصحو) من سكره وروى ابن عمرو مرفوعا من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما فيها فسلبها ومن ترك الصلاة أربع مرات سكرا كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال قال: عصارة أهل جهنم قال الذهبي في الكبائر: سنده صحيح (ابن خزيمة) في صحيحه (حب هب) من حديث هشام عن عمار عن الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن ابن المنكدر (عن جابر) قال البيهقي في السنن: تفرد به زهير قال الذهبي في المهذب: قلت هذا من مناكير زهير اه. وهشام سبق فيه كلام الحديث: 3537 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 3538 - (ثلاثة) من الناس (لا يكلمهم الله) تكليم رضى عنهم أو كلاما يسرهم أو لا يرسل لهم الملائكة بالتحية وملائكة الرحمة ولما كان لكثرة الجمع مدخل عظيم في مشقة الخزي قال (يوم القيامة) الذي من افتضح في جمعه لم يفز (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة وعطف ولطف (ولا يزكيهم) يطهرهم من الذنوب أو لا يثني عليهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم يعرفون به ما جهلوا من عظمته واجترحوا من مخالفته وكررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال (المسبل إزاره) أي المرخي له (1) الجار طرفيه خيلاء وخص الإزار لأنه عامة لباسهم فلغيره من نحو قميص حكمه (والمنان الذي لا يعطي) غيره (شيئا إلا منه) أي اعتد به على من أعطاه أو المراد بالمن النقص من الحق والخيانة من نحو كيل ووزن ومنه {وإن لك لأجرا غير ممنون} أي منقوص (والمنفق سلعته) بشد الفاء أي الذي يروج بيع متاعه (بالحلف) بكسر اللام وسكونها (الكاذب) أي الفاجر قال الطيبي: جمع الثلاثة في قرن لأن المسبل إزاره هو المتكبر المرتفع بنفسه على الناس ويحتقرهم والمنان إنما من بعطائه لما رأى من علوه على المعطى له والحالف البائع يراعي غبطة نفسه وهضم صاحب الحق والحاصل من المجموع احتقار الغير وإيثار نفسه ولذلك يجازيه الله باحتقاره له وعدم التفاته إليه كما لوح به لا يكلمهم الله وإنما قدم ذكر الجزاء مع أن رتبته التأخير عن الفعل لتفخيم شأنه وتهويل أمره ولتذهب النفس كل مذهب ولو قيل المسبل والمنان والمنفق لا يكلمهم لم يقع هذا الموقع (حم م 4 عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنه   (1) إلى أسفل الكعبين بقصد الخيلاء الحديث: 3538 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 [ص: 330] 3539 - (ثلاثة لا يكلمهم الله) كلاما يسرهم بل بنحو {اخسأوا فيها} (يوم القيامة) استهانة بهم وغضبا عليهم بما انتهكوا من حرمته (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة (رجل) خبر مبتدأ محذوف (حلف على سلعته لقد أعطى بها أكثر مما أعطى) بالبناء للفاعل أي حلف أنه دفعت لبائعها أكثر مما أعطى فيها أو للمفعول أي أعطاني من يريد شراءها أكثر (وهو كاذب) أي والحال أنه كاذب في إخباره بذلك وكلمة قد هنا للتحقيق (ورجل حلف على يمين) بزيادة حرف الجر (كاذبة) أي محلوف يمين فسماه يمينا مجازا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفا عليه (بعد العصر) خصه لشرفه بكونه وقت ارتفاع الأعمال وقول البعض لاجتماع ملائكة الليل والنهار حينئذ زيفه ابن حجر رحمه الله بأن بعد الصبح يشاركه في ذلك ولم يرد فيه فالأولى التوجيه بأن وقت ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه وقيل هو ليس بقيد بل خرج مخرج الغالب لأن مثله يقع غالبا في آخر النهار حيث يريدون الفراغ من معاملتهم (ليقتطع بها مال رجل مسلم) أي ليأخذ قطعة من ماله وتخصيص الثالثة غالبي للإختصاص فالأنثى والخنثى والذمي كذلك (ورجل منع فضل مائه) الزائد على حاجته عن المحتاج (فيقول الله عز وجل اليوم) أي يوم القيامة (أمنعك) بضم العين (فضلي) الذي لا ينجي في ذلك اليوم غيره (كما منعت فضل ما لم تعمله يداك) وظاهر قوله فضل مائه بالإضافة أن الكلام في بئر حفرها بملكه أو بموات للارتفاق أو أطلق وفضل عن حاجته ما يحتاجه غيره وأما ما حفر للمارة فيجب بذله فضلا وأصلا فإن الحافر فيه كواحد من المارة فظاهر قوله آخرا ما لم تعمل يداك أن الكلام في المياه المباحة النابعة في موضع لا يختص بأحد ولا صنع للآدميين في انبساطها وإجرائها كماء الأودية والعيون ثم الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة لا ينحصرون في الثلاثة لأن العدد لا ينفي الزائد (ق عن أبي هريرة) واللفظ للبخاري الحديث: 3539 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 3540 - (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) كلام رضى ورحمة (ولا ينظر إليهم) نظر إنعام وإفضال (ولا يزكيهم) لا يطهرهم من دنس ذنوبهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم على ما اجترحوه (رجل على فضل ماء) يعني له ماء فاضل عن حاجته (بالفلاة) أي في المفازة (يمنعه) أي الفاضل من الماء (من ابن السبيل) أي المسافر المضطر للماء لنفسه أو حيوان محترم معه وقوله رجل مرفوع خبر مبتدأ محذوف (و) الثاني من الثلاثة (رجل بايع رجلا) بلفظ الماضي (بسلعة) أي ساوم فيها وروي سلعة بدون باء فعليه يكون بايع بمعنى باع (بعد العصر) خص العصر لكونه وقت نزول الملائكة لرفع أعمال النهار وإذا حلف كاذبا في ذلك الوقت ختم عمل نهاره بعمل سيء فكان جديرا بالإبعاد والطرد عن رب العباد (فحلف له) أي البائع للمشتري (بالله) تعالى (لأخذها) بصيغة الماضي (بكذا وكذا فصدقه) أي المشتري البائع (وهو على غير ذلك) أي والحال أن البائع لم يشترها بما ذكره من الثمن (و) الثالث (رجل بايع إماما) أي عاقد الإمام الأعظم على أن يعمل بالحق ويقيم الحد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والحال أنه (لا يبايعه) لا يعاقده (إلا لدنيا) بلا تنوين [ص: 331] كحبلى أي لغرض دنيوي (فإن) الفاء تفسيرية (أعطاه منها) أي الدنيا (وفا) بالتخفيف للفاء أي ذلك الرجل المبايع بما عاقده عليه (وإن لم يعطه) أي الإمام (منها لم يف) ببيعته لأن الإمامة نيابة عن الله ورسوله فمن عدل في متابعة ذلك النائب عن قانون الشريعة ومنهاج السنة وقصر متابعته له على ما يعطاه دون ملاحظة المبايع عليه فقد خسر خسرانا مبينا وضل ضلالا عظيما واستحق هذا الوعيد الشديد لتركه الواجب عليه من الإخلاص في البيعة. قال الخطابي: الأصل في المبايعة للإمام أن يبايع على أن يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فمن جعل مبايعته لما يعطاه دون ملاحظة المقصود فقد دخل في الوعيد (حم ق 4 عن أبي هريرة) الحديث: 3540 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 3541 - (ثلاثة لا يكلمهم الله) بما يسرهم أو بشيء أصلا وأن الملائكة يسألونهم (يوم القيامة) أو لا ينتفعون بآيات الله وكلماته قال القاضي: والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم لقوله (ولا يزكيهم) أي لا يثني عليهم (ولا ينظر إليهم) فإن من سخط على غيره واستهان به أعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات إليه كما أن من اعتد بغيره يكثر النظر إليه (ولهم) مع ذلك الأمر المهول (عذاب أليم) مؤلم موجع قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه قال الراغب: الألم الوجع الشديد (شيخ زان) لاستخفافه بحق الحق وقلة مبالاته به ورذالات طبعه إذ داعيته قد ضعفت وهمته قد فترت فزناه عناد ومراغمة (وملك كذاب) لأن الكذب يكون غالبا لجلب نفع أو دفع ضر والملك لا يخاف أحدا فيصانعه فهو منه قبيح لفقد الضرورة (وعائل) أي فقير (مستكبر) لأن كبره مع فقد سببه فيه من نحو مال وجاه وكونه مطبوعا عليه مستحكما فيه فيستحق أليم العذاب وفظيع العقاب وفيه دلالة على كرم الله في قبول عذر عبيده مما يكون منهم عن مخالفته <تنبيه> قال القونوي: سر عد الملك الكذاب منهم أن الكذب قسمان ذاتي وصفاتي فالصفاتي محصور في موجبين الرغبة والرهبة والملك محلها ظاهرا وليس حكمه مع الرعية بصورة رهبة منهم أو رغبة فيما عندهم يوجب الإقدام على الكذب فإذا كان الملك كذابا فلا موجب له إلا لؤم الطبع فهو وصف ذاتي له والأوصاف الذاتية الجبلية تستلزم نتائج تناسبها (م ن عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 3541 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 3542 - (ثلاثة لا ينظر الله إليهم) ولما كان لكثرة الجميع دخل عظيم في مشقة الخزي زاد قوله (يوم القيامة) الذي من افتضح في جمعه لم يفز (العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى) قال الطيبي: يؤول على وجهين أحدهما من المنة الذي هي الاعتداد بالضيعة وهي إن وقعت في صدقة أحبطت الثواب أو في معروف أبطلت الضيعة وقيل من المنن وهو النقص يعني النقص من الحق والخيانة فيه (حم ن ك) وكذا البزار (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وفيه عبد الله بن يسار الأعرج قال: قال الصدر المناوي لا يعرف حاله الحديث: 3542 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 3543 - (ثلاث لا ينظر الله) أي الملك الأعظم (إليهم يوم القيامة: المنان عطاءه) أي الذي يكثر المنة على غيره لإحسانه إليه [ص: 332] والمنة لا تليق إلا بالله تعالى إذ هو الملك الحقيقي وغيره يعطي من ملك غيره فلم يجز له المن فإذا من كأنه ادعى لنفسه الملك والحرية وانتفى من العبودية ونازع الله صفات رب البرية فلا ينظر إليه نظر رحمنية (والمسبل إزاره) الذي يطول ثوبه ويرسله إذا مشى تيها وفخرا (خيلاء) أي يقصد الخيلاء بخلافه لا بقصدها ولذلك رخص المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر حيث كان جره لغير الخيلاء (ومدمن الخمر) قال الطيبي: جمع الثلاثة في قرن لأن المنان إنما من بعطائه لما رأى من فضله وعلوه على المعطى له أو صاحب الحق والمسبل إزاره وهو المتكبر الذي يترفع بنفسه على الناس ويحط منزلتهم ومدمن خمر يراعي لذة نفسه ويفخر حال السكر على غيره ويتيه والحاصل من المجموع عدم المبالاة بالغير (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3543 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 3544 - (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة) استهانة بهم وغضبا عليهم بما انتهكوا من محرماته وخالفوا من أوامره (ولا يزكيهم) لكونهم لم يزكوا أحكامه (ولهم عذاب أليم) يعرفون به ما جهلوا من عظمته واجترحوا من حرمته (أشيمط زان) في النهاية الشمط الشيب (وعائل مستكبر) أي فقير ذو عيال لا يقدر على تحصيل مؤونتهم ولا يطلب من بيت المال أو من الناس المتكبر فهو آثم لإيصال الضرر إلى عياله (ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) فيه أن المن صفة ذم في حق العبد إذ لا يكون غالبا إلا عن بخل وكبر وعجب ونسيان منن الله عليه <تنبيه> قال القونوي: سر ما تقرر في الحديث أن الزنا في الشباب له فيه نوع عذر فإن الطبيعة تنازعه وتتقضاه وأما الشيخ فشهوته ضعفت وقوته انحطت فإذا كان زانيا فليس ذلك إلا لكونه مفسدا بالطبع فهو مجبول على الفساد فلذلك وصف ذاتي له فيستلزم النتائج الرديئة وأما العائل المستكبر فالعائل الفقير والمستكبر الذي يتعانى الكبر وهذا ينقسم أعني التكبر إلى قسمين ذاتي وصفاتي فالتكبر الصفاتي محصور في موجبين المال والجاه فالتكبر من الناس وإن كان قبيحا شرعا وعقلا لكن لأصحاب الجاه والمال فيه صورة عذر وأما عادمهما إذا تكبر فلا عذر له بوجه فالتكبر إذن صفة ذاتية له فلا جرم ينتج نتيجة رديئة ويأتي نحو ذلك التوجيه في الخلاف (طب هب عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الثلاثة: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 3544 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 3545 - (ثلاثة لا ينظر الله إليهم غدا) أي في الآخرة (شيخ زان) لاستخفافه بحق الله وقصده معصية بلا حاجة فإنه ضعفت شهوته عن الوطء الحلال فكيف بالحرام وكمل عقله ومعرفته وتجاربه وإنما يدعو إلى الزنا غلبة الحرارة وقلة المعرفة وضعف العقل الحاصل كل ذلك زمن الشباب ولهذا قيل من لم يرعو عند الشيب ولم يستح من العيب ولم يخش الله في الغيب فليس لله فيه حاجة شيب وعيب (ورجل اتخذ الأيمان) أي الحلف بالله (بضاعته يحلف في كل حق وباطل وفقير مختال) أي مخادع مراوغ والختل الخداع والمراوغة (يزهو) أي يتكبر ويفتخر ويتعاظم (طب عن عصمة) بكسر العين وسكون الصاد المهملتين (ابن مالك) الأنصاري الخطم وغلط ابن منده في جعله خثعميا قال الهيثمي: إسناده ضعيف الحديث: 3545 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 [ص: 333] 3546 - (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة) نظر رحمة (رجل حر باع حرا) فأكل ثمنه لكونه سلبه نعمة الحرية وأدخله في ذل العبودية (وحر باع نفسه) لكونه أذلها وأحقرها (ورجل أبطل كراء أجير حين جف رشحه) أي استعمله حتى تعب وعرق بدنه فلما فرغ من عمله لم يعطه أجره فالرجل في الثلاثة وصف طردي ثم إن ما ذكر في الثانية لا يعارض بما جاء في خبر إن الخضر باع نفسه لرجل لأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا على أنه لمقاصد أخروية جليلة المقدار وليس الكلام فيها (الإسماعيلي في معجمه عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الحديث: 3546 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 3547 - (ثلاثة لا ينفع معهن عمل الشرك بالله وعقوق الوالدين) بضم العين من العق وهو القطع قال الحافظ: والمراد به هنا صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل ما لم يتعنت الوالد وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباح فعلا وتركا وندبها في المندوب وفرض الكفاية كذلك (والفرار من الزحف) أي حين لا يجوز الفرار (طب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف الحديث: 3547 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 3548 - (ثلاثة) من الرجال أو رجال ثلاثة وخبره قوله (يؤتون أجورهم مرتين) وفي رواية البخاري ثلاثة لهم أجران (رجل من أهل الكتاب) أي الإنجيل لأن اليهودية نسخت يرشد إليه رواية البخاري رجل آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام بدل (آمن بنبيه) أو هو على عمومه لأن اليهود كانوا مأجورين بإيمانهم لكن بطل ذلك بكفرهم بعيسى عليه الصلاة والسلام فبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم يحسب ذلك الأجر (وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم) في عهد بعثته على ما جزم به العيني تبعا للكرماني لأن نبيه بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم بعثته أو بعدها إلى يوم القيامة على ما جرى عليه ابن حجر رحمه الله كشيخه البلقيني رضي الله عنه عملا بظاهر اللفظ والمؤمن من أهل الكتاب لا بد أن يكون مع إيمانه بنبيه مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم للميثاق المتقدم في آية {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} (فآمن به واتبعه وصدقه) فيما جاء به إجمالا في الإجمالي وتفصيلا في التفصيلي ووجه تعدد إيمانه المترتب عليه تعدد أجره أن إيمانه أولا تعلق بأن المنعوت بكذا رسوله وإيمانه ثانيا تعلق بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المتصف بتلك الوصاف فهما معلومان متباينان (فله أجران) أجر الإيمان بنبيه وأجر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذا حكم الكتابية لأن النساء شقائق الرجال كما هو مطرد في جل الأحكام حيث يدخلن مع الرجال تبعا إلا ما خصه الدليل ثم لا يلزم على ذلك أن الصحابي الذي كان كتابيا أجره زائد على أجر كبار الصحابة كالخلفاء الأربعة لأن الإجماع خصهم وأخرجهم من هذا الحكم ويلتزم ذلك في كل صحابي لم يقم دليل على زيادة أجره على من كان كتابيا ولم يقل ومحمد مع كونه اخص إيذانا باستقلال كل منهما بالإيمان واعلم أن أهل الكتاب قسمان قسم غيروا وبدلوا وماتوا على ذلك فهم كفرة وقسم لا ولا وماتوا قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم فهم مؤمنون ولهم أجر واحد وقسم أدركوا بعثته ودعاهم فلم يؤمنوا به فهم كفار وقسم آمنوا به فلهم أجران [ص: 334] والحديث فيهم (وعبد مملوك) وصفه به لأن جميع الناس عباد الله فأراد تمييزه بكونه مملوكا للناس (أدى حق الله) من صلاة ونحوها (وحق سيده) بأن خدمه ونصح جهده له لأن من اجتمع عليه فرضان فأداهما ليس كمن عليه فرض واحد فأداه وفي رواية البخاري بدل سيده مواليه وعليه فإنما لم يقل مولاه لأن المراد من العبد جنس العبد حتى يكون عند التوزيع لكل عبد مولى لأن مقابلة الجمع بالجمع أو ما يقوم مقامه مفيدة للتوزيع أو أراد أن استحقاق الأجرين إنما هو عند أداء جميع حق مواليه لو كان مشتركا (فله أجران) أجر تأديته للعبادة وأجر نصحه وإحسانه وكرره لطول الكلام اهتماما والمراد أن له أجران من هذه الجهة وقد يكون لسيده جهات أخر يستحق بها أضعاف ذلك (ورجل كانت له أمة) يطؤها بملك اليمين وفي رواية الترمذي له جارية وضيئة قال العراقي: ليس في الكتب الستة وصفها بالوضاءة إلا فيه وفي كونها شرط لحصول الأجر الموعود بحث والمراد بقوله يطؤها يحل له وطؤها وإن لم يطأها (فغذاها) بتخفيف الذال المعجمة (فأحسن غذاءها) بالمد (ثم أدبها) بأن راضها بحسن الأخلاق وحملها على جميل الخصال (فأحسن تأديبها) بأن استعمل فيه الرفق والتلطف والتأني من غير ضرب ولا عنف (وعلمها) ما يتعين عليها من أحكام الدين وما يتيسر من مندوباته ومطلوباته (فأحسن تعليمها) بأن استعمل معها ما ندبوا إليه من اتصاف المعلم به من نحو حسن خلق ورفق في ضرب وغاير بين التأديب والتعليم مع أنه قد يدخل فيه لأن الأول عرفي والثاني شرعي والأول دنيوي والثاني أخروي (ثم أعتقها) عبر فيما قبله بالفاء وفيه بثم لأن التعليم والتأديب يتعاقبان على الوطء بل لا بد منهما فيه بل قبله لتعينهما على السيد بعد التمليك بخلاف الإعتاق (وتزوجها) بعد أن أصدقها قرن العتق بالتزويج لما فيه من قمع الكبر وإذلال النفس وترك التعاظم إن لم يكتف سيدها بعتقها حتى تزوجها ولم يتزوج ذات شرف وأصالة ومال (فله أجران) أحدهما في مقابل تعليمها وتأديبها والثاني لاعتاقها وتزوجها أو أحدهما لاعتاقها والثاني لتزوجها وكما كانت جهة الأجر فيه متعددة ومظنة الاستحقاق أكثر من ذلك أعاد قوله فله أجران وخص هذه الثلاثة بالأجرين مع ثبوت مثله لغيرهم كأزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم وكولد أدى حق الله وحق أبيه لأن الفاعل في كل منهما جامع بين أمرين بينهما مخالفة عظيمة فكان العامل لهما فاعل الضدين عامل بالمتنافيين بخلاف غيره وهذا أقعد من جواب البلقيني بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن فإن قيل ينبغي أن يكون للأخير أربعة أجور للتأديب والتعليم والإعتاق والتزويج قلنا لم يعتبر فيهما إلا الأجرين الأخيرين اللذين هما كالمتنافيين كأخواته وإن تميز بغيرهما ولهذا ميز بينهما على الأمرين الذين بلفظ ثم دون غيره وفيه ندب تأديب الأمة والزوجة وليس لك أن تقول ليس فيه إلا الأمة لأنه من التنبيه بالأدنى على الأعلى (حم ق ت ن هـ عن أبي موسى) الحديث: 3548 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 3549 - (ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب رجل لم تأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم الله عليه) لأنه لما حفظ جوارحه التي هي أمانة عنده فلم يستعملها في غير ما أمر الله به أو نهى عنه وكفها وقهرها خوفا من الله جوزي بالأمن يوم الفزع الأكبر (الأصبهاني في ترغيبه عن ابن عمر) [ص: 335] ابن الخطاب رضي الله عنه الحديث: 3549 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 3550 - (ثلاثة يحبهم الله تعالى وثلاثة يبغضهم الله فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم لقرابة بينهم وبينه فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم) بقاف وباء موحدة بعد الألف كما في صحيح ابن حبان وغيره وما وقع في الترمذي وتبعه البغوي بأنه بعين مهملة فياء آخر الحروف فألف فنون تصحيف كما بينه المناوي وغيره (فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم فقام أحدهم يتملقني) أي يتضرع إلي ويزيد في الود والدعاء والإبتهال (ويتلو آياتي) القرآن (ورجل كان في سرية فلقي العدو) يعني الكفار (فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له والثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم) بفتح الظاء صيغة مبالغة أي الكثير الظلم للناس أو لنفسه (ت) في صفة الجنة (ن) في الزكاة (حب ك) في الزكاة والجهاد (عن أبي ذر) قال الترمذي: حديث صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي ورواه ابن عساكر من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: بلغني عن أبي ذر حديث فكنت أحب أن ألقاه فلقيته فسألته عنه فذكره الحديث: 3550 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 3551 - (ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنأهم الله) أي يبغضهم فأما الذين يحبهم الله (الرجل يلقى العدو في فئة) أي جماعة من أصحابه (فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون) عن دوابهم (فيتنحى أحدهم فيصلي) وهم نيام (حتى) يصبح و (يوقظهم لرحيلهم) من ذلك المكان (والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما) بالبناء للمفعول والفاعل الله حتى يفرق الله أي بينه وبينه (بموت) لأحدهما (أو ظعن) بفتحتين أي ارتجال لأحدهما (والذين يشنأهم الله) أي يبغضهم (التاجر الحلاف) بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الحلف على سلعته وفيه إشعار بأن القليل الصدق ليس محلا الذم (والفقير المختال والبخيل المنان) بما أعطاه (حم عن أبي ذر) قال الحافظ العراقي: فيه ابن الأحمس ولا يعرف حاله قال: ورواه أيضا أحمد والنسائي بلفظ آخر بإسناد جيد انتهى الحديث: 3551 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 [ص: 336] 3552 - (ثلاثة يحبهم الله عز وجل رجل قام من الليل) أي للتهجد فيه (يتلو كتاب الله) القرآن في صلاته وخارجها (ورجل تصدق صدقة بيمينه يخفيها) أي يكاد يخفيها (عن شماله ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه) دونه (فاستقبل العدو) وحده فقاتل حتى قتل أو فتح عليه (ت) في صفة أهل الجنة من حديث أبي بكر بن عياش (عن ابن مسعود) وقال: غريب غير محفوظ وأبو بكر بن عياش كثير الغلط انتهى الحديث: 3552 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 3553 - (ثلاثة) من الأشياء (يحبها الله عز وجل) يثيب فاعلها ويرضاها (تعجيل الفطر) أي تعجيل الصائم الفطر إذا تحقق الغروب (وتأخير السحور) إلى آخر الليل ما لم يوقع التأخير في شك (وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة) (طب) وكذا الديلمي (عن يعلى بن مرة) قال الهيثمي: وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى وهو ضعيف   (1) [" ضرب اليدين ": أي وضع الواحدة على الأخرى. دار الحديث] الحديث: 3553 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 3554 - (ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق) بالضم (فلم يطلقها) فإذا دعى عليها لا يستجيب له لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها وهو في سعة من فراقها (ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه) فأنكره فإذا دعى لا يستجاب له لأنه المفرط المقصر بعدم امتثال قوله تعالى {وأشهدوا شهيدين من رجالكم} (ورجل أتى سفيها) أي محجورا عليه بسفه (ماله) أي شيئا من ماله مع علمه بالحجر عليه فإذا دعى عليه لا يستجاب له لأنه المضيع لماله فلا عذر له (وقد قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (1) (ك) في التفسير (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم على شرطهما ولم يخرجاه لأن الجمهور رووه عن شعبة موقوفا ورفعه معاذ عنه انتهى وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في المهذب قال: هو مع نكارته إسناده نظيف   (1) قال البيضاوي: نهى الأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة وقيل: نهى لكل أحد إلى ما خوله الله من المال فيعطي امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم وهو أوفق لقوله {التي جعل الله لكم قياما} أي تقومون بها وتنتفعون وعلى الأول أول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياما الحديث: 3554 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 3555 - (ثلاثة يضحك الله إليهم) أي يرضى عليهم ويلطف بهم قالوا: الضحك منه تعالى محمول على غاية الرضى والرأفة والدنو والقرب كأنه قيل إنه تعالى يرضى عنهم ويدنو إليهم برأفته ورحمته قال الطيبي: ويجوز أن يضمن الضحك معنى النظر ويعدى تعديته بإلى فالمعنى أنه تعالى ينظر إليهم ضاحكا راضيا عنهم متعطفا عليهم لأن الملك إذا نظر إلى بعض رعيته بعين الرضى لا يدع من الإنعام والإكرام شيئا إلا فعله في حقهم وفي عكسه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم على والوجه [ص: 337] الأول يضحك مستعار للرضى على سبيل التبعية والقرينة الصارفة نسبة الضحك إلى من هو متعال عن صفات الخلق (الرجل إذا) إذا متمحض للظرفية وهو بدل من الرجل والرجل موصوف أي رجال ثلاثة يضحك الله منهم وقت قيام الرجل بالليل فوضع الظرف مقام الرجل مبالغة على منوال قولهم أخطب ما يكون الأمير قائما أي أخطب أوقاته والأخطبية ليست للأوقات وإنما هي للأمير (قام من الليل يصلي) النافلة وهو التهجد (والقوم إذا صفوا للصلاة) وسووا صفوفهم على سمت واحد كما أمرهم به في حديث آخر (والقوم) أي المسلمون (إذا صفوا للقتال) أي لقتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الله قال الطيبي: قدم قيام الليل على صف الصلاة وأخر صف القتال إما تنزلا فإن محاربة النفس التي هي أعدى عدو لله أشق من محاربة عدوك الذي هو الشيطان ومحاربة الشيطان أصعب من محاربة أعداء الدين أو ترقيا فإن محاربة من يليك أقدم والأخذ بالأصعب فالأصعب أحرى وأولى من أخذ الأصعب ثم الأسهل (حم ع عن أبي سعيد) ورواه ابن ماجه في باب ما أنكرت الجهمية من حديث أبي سعيد مع بعض خلف لفظي الحديث: 3555 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 3556 - (ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعي الشمس بالنهار) يعني المؤذن ويظهر أن هذا في محتسب لا ياخذ على أذانه أجرا (ك في تاريخه فر عن أبي هريرة) وفيه جماعة مجاهيل الحديث: 3556 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 3557 - (ثلاثة يهلكون عند الحساب) يوم القيامة (جواد) بالتخفيف أي إنسان كثير الجود أعطى لغير الله (وشجاع) قاتل لغير إعلاء كلمة الله (وعالم) لم يعمل بعلمه وفيه إثبات الحساب والعذاب (ك عن أبي هريرة) الحديث: 3557 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 3558 - (ثلاثون) أي من السنين (خلافة نبوة) بالإضافة (وثلاثون خلافة وملك وثلاثون تجبر ولا خير فيما وراء ذلك) من السنين (يعقوب بن سفيان في تاريخه) ولفظ رواية الطبراني جبروت وكذا ابن عساكر في تاريخه (عن معاذ) بن جبل ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز في ديباجة كتابه وهو عجيب فقد رواه الطبراني عن معاذ أيضا وكذا الديلمي قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: وفيه مطر بن العلاء الرملي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 3558 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 3559 - (ثمانية) من الناس (أبغض خليفة الله إليه يوم القيامة) قيل: ومن هم يا رسول الله قال: (السقارون) بسين أو صاد مهملتين وقاف مشددة (وهم الكذابون) وفسره في خبر آخر بأنهم نشء يكون في آخر الزمان تحيتهم إذا التقوا التلاعن وإليه يميل كلام أهل اللغة (والخيالون) بخاء معجمة وشد التحتية (وهم المستكبرون والذين يكنزون البغضاء لإخوانهم) في الإسلام (في صدورهم) أي قلوبهم (فإذا) رأوهم و (لقوهم تخلقوا لهم) بمثناة فوقية وخاء معجمة مفتوحتين ولام [ص: 338] مفتوحة شديدة وقاف أي أظهروا من خلقهم خلاف ما في طويتهم (والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله) أي إلى طاعتهما (كانوا بطاء) بكسر الموحدة والمد بضبطه (وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره) من اللهو والمعاصي (كانوا سراعا) بتثليث السين المهملة (والذين لا يشرف لهم طمع من الدنيا إلا استحلوه بأيمانهم وإن لم يكن لهم ذلك بحق والمشاؤون) بين الناس (بالنميمة) ليفسدوا بينهم (والمفرقون بين الأحبة) بالفتن ونحوها (والباغون البرآء) أي الطالبون (الدحضة) بالتحريك في المصباح دحض الرجل زلق (أولئك يقذرهم الرحمن عز وجل) أي يكره فعالهم (أبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (التوبيخ وابن عساكر) في التاريخ (عن الوضين بن عطاء مرسلا) هو الخزاعي الدمشقي قال الذهبي: ثقة وبعضهم يضعفه مات سنة تسع وأربعين ومئة الحديث: 3559 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 3560 - (ثمن الجنة لا إله إلا الله) أي قولها باللسان مع إذعان القلب وتصديقه فمن قالها كذلك استحق دخولها زاد الديلمي في روايته وثمن النعمة الحمد لله قال الحرالي: والثمن ما لا ينتفع بعينه حتى يصرف إلى غيره من الأعراض (عد وابن مردويه) في التفسير (عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا (عبد بن حميد في تفسيره عن الحسن) البصري (مرسلا) قال الديلمي: وفي الباب ابن عباس وغيره الحديث: 3560 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 3561 - (ثمن الخمر حرام) فلا يصح بيعه ولا يحل ثمنه ولا قيمة على متلفه قال البغوي: فلو أراق خمر ذمي أو قتل خنزيره فلا غرامة عليه لأنه لا ثمن لهما في حق الدين وفي تحريم بيعه دليل على تحريم بيع الأعيان النجسة وإن انتفع بها في الضرورة كالزبل (ومهر البغي حرام) أي ما تعطاه الزانية على الزنا بها حرام لا يحل لها تناوله وإن كان الزاني إنما أعطاه عن طيب قلب (وثمن الكلب حرام) لنجاسة عينه وعدم صحة بيعه ولو معلما عند الشافعية وخص الحنفية المنع بغيره وعن مالك فيه روايتان (والكوبة حرام) بضم فسكون طبل ضيق الوسط واسع الطرفين وبيعه باطل عند الشافعي وأخذ ثمنه أكل له بالباطل ونبه به على تحريم بيع جميع آلات اللهو كطنبور ومزمار لكن إذا غيرت عن حالتها جاز بيعها (وإن أتاك صاحب الكلب يلتمس ثمنه فاملأ يديه ترابا) كناية عن منعه ورده خائبا (والخمر والميسر حرام وكل مسكر حرام) قال الحكيم: اعلم أن الخمر اسم لازم لجميع أنواع الأشربة ولو لم يكن كذلك لم يقل كل ثم بين أن علامة الخمر كل شيء أسكر والمسكر هو مفعل للسكر والسكر سد العقل ومنه يقال لسد النهر سكرا ومن قوله {إنما سكرت أبصارنا} أي سدت فالخمر اسم فيه صفة الفعل الذي يظهر منه الفساد لأنه يخمر الفؤاد أي يغطيه ويحول بينه وبين شعاع العقل فكل شراب فيه هذه الصفة فقد لزمه اسم التحريم (حم [ص: 339] عن ابن عباس) ورواه أيضا الطيالسي والديلمي وغيرهما ورواه عنه الدارقطني وقال الغرياني في مختصره: وفيه يزيد بن محمد عن أبيه لم أجدهما الحديث: 3561 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 3562 - (ثمن القينة) الأمة غنت أو لا كما في الصحاح من التقيين وهو التزيين سميت به لأنها تزين البيت قال البيضاوي: وهنا أريد بها المغنية إذ لا وجه لحرمة ثمن غيرها (سحت) بضم فسكون أي حرام سمي به لأنه يسحت البركة أي يذهبها (وغناؤها حرام) أي استماعه (1) (والنظر إليها حرام وثمنها مثل ثمن الكلب) قال البيضاوي: التحريم مقصور على البيع والشراء لأجل التفخم وحرمة ثمنها يدل على فساد بيعها لكن الجمهور صححوه وأولوا الحديث بأن أخذ الثمن عليهن حرام كأخذ ثمن العنب من الخمار لأنه إعانة وتوسل لمحرم لا لأن البيع باطل (وثمن الكلب سحت ومن نبت لحمه على السحت) بتناوله أثمان شيء من هؤلاء أو غيرها قال في النهاية: السحت الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها والسحت الرشوة في الحكم (فالنار) أي نار جهنم (أولى به) لأن الخبيث للخبيث فأسند ما ذكر إلى اللحم لا إلى صاحبه إشعارا بالغلبة وأنه حيث لا يصلح لدار الطيبين التي هي الجنة بل لدار الخبيثين التي هي النار هذا على ظاهر الاستحقاق أما إذا تاب الله عليه أو غفر له بغير توبة أو أرضى خصمه أو نالته شفاعة شفيع فهو خارج من هذا الوعيد (طب عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الديلمي أيضا قال الذهبي: والخبر منكر   (1) حيث خيف منه فتنة وفي شرح البهجة لشيخ الإسلام زكريا وفي شرائه مغنية - بالغين - تساوي ألفا بلا غناء وجوه ثالثها إن قصد الغناء بطل وإلا فلا والأصح في الروضة صحته مطلقا واعتمده الرملي الحديث: 3562 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 3563 - (ثمن الكلب خبيث) فيبطل بيعه عند الشافعي وأخذ ثمنه أكل له بالباطل أو رديء دنيء فيصح بيعه عند الحنفية قالوا الخبيث كما يستعمل في الحرام يستعمل في الرديء الدنيء (ومهر البغي) أجرة الزانية فعيل من البغاء وهو صفة لمؤنث ولذلك سقطت التاء (خبيث) أي حرام إجماعا لأن بذل العوض في الزنا ذريعة إلى التوصل إليه فيكون في التحريم مثله (وكسب الحجام خبيث) أي مكروه لدناءته ولا يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أجره ولو كان حراما لم يعطه قال الخطابي: قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ويفرق بينهما في المعنى بالأغراض والمقاصد قال القاضي: الخبيث في الأصل ما يكره لرداءته وخسته ويستعمل للحرام من حيث كرهه الشارع واسترداه كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} أي الحرام بالحلال والرديء من المال قال سبحانه وتعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} أي الدنيء من المال ولما كان مهر الزانية وهو ما تأخذه عوضا عن الزنا حرام كان الخبيث المسند إليه بمعنى الحرام وكسب الحجام لما لم يكن حراما لأنه عليه الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجرته كان المراد من المسند إليه المعنى الثاني وأما الأول فمبني على صحة بيع الكلب فمن صححه كالحنفية فسره بالدناءة ومن لم يصححه كأصحابنا فسره بأنه حرام قال عياض: وليس المراد بالحجام المزين بل من يخرج الدم (حم م د ت) كلهم في البيع (عن رافع بن خديج) ولم يخرجه البخاري الحديث: 3563 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 3564 - (ثمن الكلب خبيث وهو) أي الكلب (أخبث منه) أي أشد خبثا لنجاسة عينه أو رداءته على ما تقرر عن المذهبين. [ص: 340] (ك) من حديث يوسف بن خالد السمتي عن الضحاك عن عكرمة (عن ابن عباس) قال أعني الحاكم ويوسف واه خرجته لشدة الحاجة إليه اه فعزو المصنف الحديث لمخرجه وسكوته عما عقبه به من بيان علته من سوء الصنيع ورواه عنه البيهقي في سننه وقال يوسف غيره أوثق منه فقال الذهبي عليه بل هو واه جدا الحديث: 3564 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 3565 - (ثنتان) أي دعوتان (لا تردان) وفي رواية لأبي داود قلما تردان (الدعاء عند النداء) أي عند حضور النداء أي الأذان وفي رواية حين تقام الصلاة (وعند البأس) بهمزة بعد الباء بمعنى الصف في سبيل الله للقتال كما في رواية (حتى يلحم بعضهم بعضا) بحاء مهملة مكسورة وأوله مضموم أي حين يلتحم الحرب بينهم ويلزم بعضهم بعضا وفي رواية بالجيم والإلجام إدخال الشيء في الشيء (د) في الجهاد (حب ك عن سهل بن سعد) قال في الأذكار: إسناده صحيح لكن قال الصدر المناوي رضي الله عنه: فيه موسى بن يعقوب الزمعي روى له أصحاب السنن قال النسائي: ليس بقوي وثقه ابن معين قال الذهبي: صويلح فيه لين وقال الحاكم: تفرد به موسى وله شواهد الحديث: 3565 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 3566 - (ثنتان ما) في رواية لا (تردان الدعاء عند النداء) يعني الأذان للصلاة (وتحت المطر) أي دعاء من هو تحت المطر لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة لا سيما أول قطر السنة والكلام في دعاء متوفر الشروط والأركان والآداب (ك عنه) ثم قال: تفرد به موسى المذكور فيما قبله وله شواهد اه. قال الذهبي: قلت لم ينفرد به الحديث: 3566 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الثاء] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 3567 - (الثالث) أي الإنسان الذي ركب على البهيمة وعليها اثنان فكان هو الثالث وكانت لا تطيق ذلك (ملعون) أي مطرود عن منازل الأبرار يطهر بالنار فقوله (يعني على الدابة) مدرج من كلام الراوي لا من تتمة الحديث فلو بينه المصنف لكان أولى ثم إنه إنما قال في ثلاثة أقبلوا من سفر على هذه الهيئة فالكلام في ثلاثة مخصوصة ودابة معينة فلا يلزم منه حرمة ركوب أي ثلاثة كانوا على أي دابة كانت فلو كانت تطيق الدابة حمل ثلاثة أو أكثر لقوتها أو خفة راكبيها أو قصر المسافة جاز كما ذكره النووي وغيره أنه مذهبنا ومذهب الكافة وحكاية عياض عن البعض منعه فاسد ثم إني أقول: قد ذكر الفقهاء أن للسيد أن يكلف عبده في بعض الأحيان ما لا يطيقه إلا بمشقة وأن الممنوع أن يكلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام فقياسه هنا كذلك ولم أر من تعرض له (طب عن مهاجر) بضم الميم وفتح الهاء وبالجيم (بن قنفد) بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة بن عمير بن جذعان بضم الجيم وسكون المعجمة التيمي صحابي أسلم يوم الفتح ثم مات بالبصرة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة على بعير فذكره. قال الهيثمي: رجاله ثقات اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب الحديث: 3567 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 3568 - (الثلث) بالرفع فاعل فعل محذوف أي يكفيك يا سعد الثلث أو خبر مبتدأ محذوف أي المشروع الثلث أو مبتدأ [ص: 341] خبره محذوف أي الثلث كافيك وبالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر أو أعط الثلث (والثلث كثير) بموحدة أو بمثلثة شك الراوي والأكثر المثلثة أي هو كثير بالنسبة لما دونه في الوصية وهو مسوق لبيان الجواز بالثلث وأن الأولى أن ينقص عنه أو هو بيان لكون التصدق بالثلث أكمل أي أكثر أجرا والأول هو المتبادر إلى الفهم ومن ثم ذهب الشافعي إلى أنه يسن النقص عن الثلث إن كان ورثته فقراء وقد أجمعوا على جواز الوصية بالثلث وكذا بأكثر إن أجازها الورثة (حم ق ن هـ عن ابن عباس) قال: قال سعد في مرضه للنبي صلى الله عليه وسلم: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فالشطر؟ قال: لا. قال: فالثلث؟ فذكره الحديث: 3568 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 3569 - (الثلث) يا سعد بن أبي وقاص (والثلث كثير) في الوصية (إنك إن تذر) بذال معجمة تترك وفي رواية البخاري تدع (ورثتك أغنياء خير) وروي بفتح همزة أن على للتعليل أي لأن تذر فمحله جر أو هو مبتدأ فمحله رفع وخبره خير وبكسرها على الشرط وجوابها جملة (من أن تذرهم عالة) أي فقراء جمع عائل وهو الفقير والفعل من عال يعيل إذا افتقر (يتكففون الناس) يطلبون الصدقة من أكف الناس أو يسألونهم بأكفهم وزاد في رواية ما في أيديهم أعطوهم أو منعوهم ثم عطف على قوله " إنك إن تذر " ما هو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث فقال (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله) أي ذاته لا للرياء والسمعة (إلا أجرت) بضم الهمزة مبنيا للمفعول (بها) أي عليها (حتى ما تجعل) أي الذي تجعله (في في امرأتك) إلا أجرت بالنفقة التي تبتغي بها وجه الله حتى بالشيء الذي تجعله في فم امرأتك فما اسم موصول وحتى عاطفة وقول الزركشي كابن بطال تجعل برفع اللام وما كافة كفت حتى عن عملها رده في مصابيح الجامع بأنه لا معنى للتركيب حينئذ إن تاملت فالأجود ما ذكر وفيه كالذي قبله إباحة جمع المال وحث على صلة الرحم وندب الإنفاق في القرب وأن الواجب يزداد أجره بالنية وأن ثواب الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله قال ابن دقيق العيد: وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله ويشق تخليص هذا المقصود مما يشوبه قال: وقد يدل على أن الواجبات إذا أديت على قصد الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها فإن قوله حتى ما تجعله في في امرأتك لا تخصيص له بغير الواجب وحتى هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة للمعنى (مالك حم ق 4) في الوصية (عن سعد) بن أبي وقاص قال: جاءني المصطفى صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال: لا قلت: فالشطر قال: لا قلت: فالثلث فذكره ورواه عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه أيضا الحديث: 3569 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 3570 - (الثوم والبصل والكراث من سك إبليس) بسين مهملة مضمومة وكاف مشددة طيب معروف وهو عربي والمراد أن هذا طيبه الذي يحب ريحه ويميل إليه (طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه رجل يقال له أبو سعيد روى عن أبي غالب وعنه عبد العزيز بن عبد الصمد ولم أجد من ترجمه الحديث: 3570 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 [ص: 342] 3571 - (الثيب أحق بنفسها من وليها) في الإذن بمعنى أنه لا يزوجها حتى تأذن له بالنطق لأنها أحق منه بالعقد كما تأوله الحنفية لأن ذلك ترده الأخبار الصحاح المفيدة لاشتراط الولي كخبر لا نكاح إلا بولي وأحق للمشاركة أي لها في نفسها حق ولوليها حق وحقها آكد (والبكر) أي البالغ (يستأذنها أبوها) يعني وليها أبا كان أو جدا وإن علا ندبا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية (في نفسها) يعني في تزويجها (وإذنها صماتها) بضم الصاد أي سكوتها زاد البيهقي وربما قال وصماتها إقرارها وهذه حجة لمن أجبر البكر البالغ والمخالف زعم أن الدلالة منه بطريق المفهوم وفي كونه حجة خلف وبتقديره فالمفهوم لا عموم له فيحمل على غير البالغ (حم د ن عن ابن عباس) وظاهره أنه ليس في أحد الصحيحن وهو ذهول فإنه في صحيح مسلم بلفظه الحديث: 3571 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 3572 - (الثيب تعرب) أي تبين وتتكلم قال الزمخشري: الإعراب والتعريب الإبانة يقال أعرب عنه لسانه وعرب عنه (عن نفسها) لزوال حيائها بممارسة الرجال فيحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد فإذا لم تصرح فزوجها فهو باطل مطلقا عند الشافعي وجعله أبو حنيفة موقوفا على الإجازة (والبكر رضاها صمتها) أي سكوتها فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها نطقا اتفاقا إلا من شذ والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقا إلا من شذ وفي الثيب غير البالغ قال أبو حنيفة ومالك: يزوجها أبوها كالبكر وقال الشافعي: لا والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء واختلف في استئمارها والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها لو امتنعت وألحق الشافعي الجد بالأب وقال أبو حنيفة: يزوج الثيب الصغيرة كل ولي فإذا بلغت فلها الخيار وقال أحمد: إذا بلغت تسعا وعن مالك يلحق بالأب وصيه دون بقية الأولياء والحديث مسوق لاشتراط رضى المزوجة بكرا أو ثيبا صغيرة أو كبيرة لكن يستثنى الصغيرة من حيث المعنى لإلغاء عبارتها (حم هـ عن عميرة) بفتح العين المهملة بن جابر (الكندي) بكسر الكاف وسكون النون نسبة إلى كندة قبيلة كبيرة مشهورة من اليمن قال الذهبي: صحابي قال الديلمي: وفي الباب عمر وعائشة رضي الله عنهما الحديث: 3572 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 حرف الجيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 3573 - (جاءني جبريل) أي على هيئة من الهيئات المارة فقد سبق أنه كان يأتيه على كيفيات (فقال يا محمد إذا توضأت) وضوء الصلاة (فانتضح) أى رش الفرج والإزار الذي يليه بماء قليل بعد الوضوء لنفي الوسواس أو رشه بالماء بعد الاستنجاء لينتف ذلك أو استنج بالماء أو صب الماء على العضو ولا تقتصر على مسحه فإنه لا يجزئ والأول كما قال النووي هو قول الجمهور وهو كما قال ابن سيد الناس: الأرجح ويؤيده ما صح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ نضح فرجه بالماء (ت) في الطهارة (هـ) من حديث الحسن بن علي الهاشمي عن الأعرج (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن الترمذي اقتصر على تخريجه فلم يتعقبه بقادح والأمر بخلافه بل عقبه بقوله حديث غريب سمعت محمدا يعني البخاري يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث اه. وقال العقيلي: لا يتابع على ما حدث به قال الدارقطني: ضعيف [ص: 343] بمرة وقال ابن الجوزي في العلل: حديث باطل اه الحديث: 3573 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 3574 - (جار الدار أحق بدار الجار) فللجار إذا باع جاره داره أن يأخذها بالشفعة وعليه الحنفية وتأوله الشافعية وفيه نوع من البديع ويسمى العكس والتبديل وهو تقديم جزء على جزء ثم تأخير المقدم وتقديم المؤخر نحو كلام السيد سيد الكلام (ن ع حب عن أنس) بن مالك (حم د ت عن سمرة) بن جندب قال الترمذي: حسن صحيح اه قال مغلطاي فيما كتبه على الترمذي: قال ابن حزم قال ابن حبان والدارقطني أخطأ الترمذي إنما هو موقوف على الحسن اه الحديث: 3574 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 3575 - (جار الدار أحق بالشفعة) أي مقدم على الأخذ بها على غيره وهذا من أدلة من أثبت الشفعة للجار كالحنفية وللمخالفين عنه أجوبة شهيرة (طب عن سمرة) بن جندب وضعفه الهيثمي وغيره الحديث: 3575 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 3576 - (جار الدار أحق بالدار من غيره) أي إذا باعها جاره (ابن سعد) في الطبقات (عن شريد بن سويد) الثقفي قيل: هو من حضرموت فخالف ثقفيا شهد الحديبية الحديث: 3576 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 3577 - (جالسوا) في رواية جالس بالإفراد فيه وفيما بعده (الكبراء) الشيوخ الذين لهم التجارب وقد سكنت حدتهم وذهبت خفتهم لتتأدبوا بآدابهم وتتخلقوا بأخلاقهم أو أراد من له رتبة في الدين وإن صغر سنه وكبير الحال من جمع علم الوراثة إلى علم الدراسة وعلم الأحكام إلى علم الإلهام وقال بعضهم: مجالسة الصالحين هي الإكسير للقلوب بيقين لكن لا يشترط ظهور الأثر حالا وسيظهر بصحبتهم بعد حين وحسبك بصحبتهم إضافة التشريف والاختصاص وفي قواعد زروق: الولي إذا أراد أغنى ومنه قول الناس خاطري أن أكون على بالك لعل الله ينظر إلي فيما أنا فيه قال: وأكثرهم في البداية يسرع أثر مقاصدهم في الوجود لاشتغالهم بما يعرض بخلافه في النهاية لاشتغال قلوبهم بالله تعالى قال العارف ابن عربي: والمأمور بمجالستهم من الشيوخ هم العارفون بالكتاب والسنة القائلون بها في ظواهرهم المتحققون بها في بواطنهم يراعون حدود الله ويوفون بعهده ويقومون بمراسم الشريعة وهم الذين إذا رؤوا ذكر الله أما من ليس لهم في الظاهر ذلك التحفظ فنسلم لهم أحوالهم ولا يصحبون ولو ظهر عليهم من خرق العوائد ما عسى أن يظهر فلا يعول عليه مع سوء أدبه مع الشرع وهل للمريد أن يجالس غير شيخه فيه خلاف قال بعضهم: نعم إذا ظهر للمريد أن الشيخ الآخر ممن يقتدى به فله ذلك وقال آخرون: لا كما لا يكون المكلف بين رسولين مختلفي الشرائع والمرأة بين زوجين وهذا إذا كان مريد تربية فإن كان يريد صحبة البركة فلا مانع من الجمع لأنه ليس تحت حكمهم لكن لا يجيء منه رجل في الطريق اه. وقال رجل للعارف ياقوت العرش: ما بال سوس الفول يخرج صحيحا إذا دش وسوس القمح يخرج ميتا مطحونا فقال: لأن الأول جالس الأكابر فحفظوه والثاني صحب الأصاغر فطحن معهم ولم يقدروا على حمايته قال العارف المرصفي: وإذا كان من يجالس أكابر الأولياء يحفظ من الآفات فكيف من يجالس رب الأرض والسماوات <تنبيه> قال بعض الصوفية: ينبغي لمن يخدم كبيرا كاملا ثم فقده أن لا يصحب إلا من هو أكمل منه وإلا جعل صحبته مع الله قال رجل للعارف التستري: أريد أصحبك قال: إذا مات أحدنا من يصحبه الثاني قال: [ص: 344] الله تعالى قال: اصحبه الآن وجاء إليه رجل يبكي فقال: ما يبكيك قال: مات أستاذي قال: ما لك اتخذت أستاذا يموت (وسائلوا العلماء) العاملين عما يعرض لكم من الأحكام ومن كان بالصفة المقررة فهو من كبراء زمانه وعلماء أوانه فيجب أن يجالس بالتوقير والإحترام ويسائل بالتبجيل والإعظام وذم الجوارح ومراقبة الخواطر (وخالطوا) في رواية خاللوا (الحكماء) أي اختلطوا بهم في كل وقت فإنهم المصيبون في أقوالهم المتقنون لأفعالهم المحافظون في أحوالهم ففي مداخلتهم تهذيب للأخلاق وفي النص على مسائلة العلماء تنبيه على إيجاب تقديم العلم على العمل ولم يوقت إيذانا بملازمة السؤال إلى الترحال من دار الزوال فكأنه قال كن متعلما أبدا وإذا أطلق العلماء فالمراد العارفون بالحلال والحرام وغيرهم يعرفه أو يضاف كعلم الكلام فكأنه حث على تعلم الفقه لعموم البلوى ومس الحاجة <تنبيه> قال الراغب: قال بعض الحكماء: مجالسة العلماء ترغبك في الثواب ومجالسة الحكماء تقربك من الحمد وتبعدك عن الذم ومجالسة الكبراء تزهدك فيما عدا فضل الله الباري تعالى وقال بعضهم: إذا جالست أهل الدنيا فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تحقيرها وتعظيم الآخرة أو أهل الآخرة فحاضرهم بوعظ الكتاب والسنة وتعظيم دار البقاء وتحقير دار الفناء أو الملوك فبسيرة أهل العدل مع حفظ الأدب والعفاف أو العلماء فبالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة مع الإنصاف وعدم الجدال المظهر حب العلو عليهم أو الصوفية فيما يشهد لأحوالهم ويقيم حجتهم على المنكر عليهم مع أدب الباطن قبل الظاهر والعارفين فيما شئت فإن لكل شيء عندهم وجه من وجوه المعرفة بشرط عدم المزج وحفظ الأسرار سيما من الأشرار. (تتمة) من أمثالهم طأ أعتاب العالمين تطأ رقاب العالمين (طب عن ابن جحيفة) بالتصغير قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين أحدهما هذه والأخرى موقوفة وفيه عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي ضعفه أبو زرعة والدارقطني وساق له مناكير هذا منها الحديث: 3577 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 3578 - (جاهدوا) من المجاهدة مفاعلة من الجهد فتحا وضما وهو الإبلاغ في الطاقة والمشقة وكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيل الله لكنه إذا أطلق عرفا لا يقع إلا على جهاد الكفار (المشركين) يعني الكفار وخص أهل الشرك لغلبتهم إذ ذاك (بأموالكم) أي في كل ما يحتاجه المسافر من سلاح ودواب وزاد (وأنفسكم) أي بالقتال بالسلاح {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم} (وألسنتكم) بالمكافحة عن الدين وهجو الكافرين فلا تداهنهم بالقول بل جادلهم واغلظ عليهم ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين لحمله على البذاءة به لا على من أجاب منتصرا (حم د ن حب ك) في الجهاد (عن أنس) بن مالك قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود: إسناد صحيح الحديث: 3578 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 3579 - (جبل الخليل) أي الجبل المعروف بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام (مقدس) أي مطهر (وإن الفتنة لما ظهرت في بني إسرائيل أوحى الله إلى أنبيائهم) أي الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل (أن يفروا بدينهم إلى جبل الخليل) فلا مزية على ذلك من بين جميع الأجبل فلا بأس بزيارته والتبرك به (ابن عساكر) في التاريخ (عن الوضين بن عطاء) مرسلا الحديث: 3579 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 3580 - (جبلت القلوب) أي خلقت وطبعت (على حب من أحسن إليها) بقول أو فعل (وبغض من أساء إليها) بذلك لأن الآدمي مركب على طبائع شتى وأخلاق متباينة والشهوات فيه مركبة ومن رؤوس الشهوات نيل المنى وقضاء الوطر فمن بلغ نفس غيره مرامها فلنفسه أقامها فإذا أحسن إليها صفت وصارت طوعا له وإلا فهي كالكره فاستبان أن الألفة [ص: 345] إنما تتم بين النفوس كأنها تقول شأني اللذات لا الطاعات فهل يبرني أحد حتى أحبه قال العارف ابن عطاء الله: من أحسن إليك فقد استرقك بامتنانه ومن آذاك فقد أعتقك ومن رق إحسانه وأخذ بعضهم من هذا الخبر (1) تأكد رد هدايا الكفار والفجار لأن قبولها يميل القلب إليهم بالمحبة قهرا نعم إن دعت إلى ذلك مصلحة دينية فلا بأس <تنبيه> لهذا الحديث قصة: أخرج العسكري قيل للأعمش إن الحسن بن عمارة ولي القضاء فقال الأعمش: يا عجبا من ظالم ولي المظالم ما للحائكين والمظالم فبلغ الحسن فقال: علي بمنديل وأثواب فوجه بها إليه فلما كان من الغد سئل الأعمش عنه فقال: بخ بخ هذا الحسن بن عمارة زان العمل وما زانه فقيل له: قلت بالأمس ما قلت واليوم تقول هذا فقال: دع عنك هذا حدثني خيثمة عن ابن عمر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: جبلت إلى آخره وفي رواية ذكر للأعمش ابن عمارة فقال: بالأمس يطفف في المكيال والميزان واليوم ولي أمور المسلمين فلما كان جوف الليل بعث إليه ابن عمارة بصرة وتخت ثياب فلما أصبح أثنى عليه وقال: ما عرفته إلا من أهل العلم فقيل له في ذلك فقال: دعوني منكم ثم ذكره (عد حل هب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] وابن حبان في روضة العقلاء والخطيب في التاريخ وآخرون كلهم من طريق إسماعيل بن أبان الخياط قال: بلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش وقع فيه فبعث إليه بكسوة فمدحه فقيل له: ذميته ثم مدحته فقال: إن خيثمة حدثني (عن ابن مسعود) فذكره وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح فإن إسماعيل الخياط مجروح قال أحمد: كتبت عنه ثم وجدته حدث بأحاديث موضوعة فتركناه وقال يحيى هو كذاب وقال الشيخان والدارقطني: متروك وقال ابن حبان: يضع على الثقات انتهى وفي لسان الميزان في ترجمة إسماعيل الخياط قال الأزدي: هو كوفي زائغ وهو الذي روى حديث جبلت القلوب قال الأزدي: هذا الحديث باطل انتهى. (وصحح هب وقفه) ابن مسعود وقال: إنه المحفوظ وقال ابن عدي: المعروف وقفه وتبعه الزركشي وقال السخاوي: هو باطل مرفوعا وموقوفا وقول البيهقي كابن عدي الموقوف معروف عن الأعمش يحتاج لتأويل فإنهما أورداه كذلك بسند فيه من اتهم بالكذب والوضع إلى هنا كلامه وأقول: رأيت بخط ابن عبد الهادي في تذكرته قال مهنأ سألت أحمد ويحيى عنه فقالا: ليس له أصل وهو موضوع   (1) ولهذا حرم على القاضي قبول الهدية لأنه إذا قبلها لم يمكنه العدل ولو حرص وكره قبولها من الكافرين إلا أن رجى إسلامه الحديث: 3580 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 3581 - (جددوا إيمانكم) قيل: يا رسول الله كيف نجدده قال: (أكثروا من قول لا إله إلا الله) فإن المداومة عليها تجدد الإيمان في القلب وتملأه نورا وتزيده يقينا وتفتح له أسرارا يدركها أهل البصائر ولا ينكرها إلا كل ملحد جائر (حم ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح فاعترضه الذهبي بأن فيه صدقة بن موسى ضعفوه اه لكن قال الهيثمي: إن سند أحمد جيد وقال في موضع آخر: رجاله ثقات الحديث: 3581 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 3582 - (جرير بن عبد الله) البجلي (منا أهل البيت ظهر) بالرفع بخط المصنف (لبطن) تمامه عند مخرجه قالها ثلاثا وجرير هذا من كبار الصحابة وفضلائهم ومشاهيرهم كان أميرا بهمدان من قبل عمر وشرع لأهلها أحكام الدين وعلمهم الفرائض والسنن ونصب قبلتهم وأعقب بها قال في الإصابة: كان جرير جميلا قال عمر: هو يوسف هذه الأمة وكان له أثر عظيم في فتح القادسية وكان طوله ستة أذرع (طب عد) من حديث أبي بكر بن حفص (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: وأبو بكر هذا لم يدرك عليا وفيه أيضا سليمان بن جرير لم أجد من وثقه وبقية رجاله ثقات اه وفي الميزان عن ابن عدي أن هذا الحديث مما أنكر على أبان بن أبي حازم الحديث: 3582 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 [ص: 346] 3583 - (جزاء الغني من الفقير) إذا فعل معه معروفا أي قضاء ذلك (النصيحة) له (والدعاء) لأنهما مقدوره فإذا نصح ودعا له فقد كافأه على صنيعه يقال جزى عني أي قضى (ابن سعد) في الطبقات (ع طب) وكذا الديلمي كلهم (عن أم حكيم) بنت وداع الأنصارية قال الهيثمي: فيه رواية أربع نسوة بعضهن عن بعض وهو مما يعز وجوده اه أي فيكون هذا من لطائف إسناده الحديث: 3583 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 3584 - (جزى الله الأنصار) اسم إسلامي سمى به المصطفى صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وخلفاءهم والأوس منسوبون إلى أوس بن حارثة والخزرج منسوبون إلى الخزرج بن حارثة وهما أبناء قبيلة وهي اسم أمهم وأبوهم حارثة بن عمرو (عنا خيرا) أي أعطاهم ثواب ما آووا ونصروا وجهدوا في ذلك (ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام) والد جابر بن عبد الله من كبار الأنصار وعلية الصحابة وفضلائهم (وسعد بن عبادة) بضم العين وخفة الموحدة التحتية عظيم الأنصار (ع حب ك) في الأطعمة وكذا أبو نعيم والديلمي (عن جابر) بن عبد الله قال: أمر أبي بحزيرة فصنعت ثم حملتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألحم هذا فقلت: لا فرجعت إلى أبي فحدثته فقال: عسى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهى اللحم فشوى داجنا ثم أمرني بحملها إليه فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3584 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 3585 - (جزى الله العنكبوت) معروف يقع على الذكر والأنثى والجمع والمذكر والمؤنث (عنا خيرا) أي أعطاها جزاء ما أسلفت من طاعته (فإنها نسجت علي في الغار) لفظ رواية الديلمي فإنها نسجت علي وعليك يا أبا بكر في الغار حتى لم يرنا المشركون ولم يصلوا إلينا اه بلفظه (ابن سعد) البصري (السمان) بفتح المهملة وشد الميم نسبة إلى بيع السمن أو حمله روى عن حميد الطويل وعنه أهل العراق مات سنة ثلاث أو تسع ومائتين (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة بمحبة العنكبوت (فر) كلاهما (عن أبي بكر) الصديق وهو عنده مسلسل أيضا بالمحبة للعنكبوت فقال: أخبرنا والدي وأنا أحبها أخبرنا فلان وأنا أحبها منذ سمعت ذلك إلخ الحديث: 3585 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 3586 - (جزوا) وفي لفظ قصوا وفي آخر أحفوا (الشوارب) أي خذوا منها قال ابن حجر: هذه الألفاظ تدل على طلب المبالغة في الإزالة لأن الجز قص يبلغ الجلد والإحفاء الاستقصاء ومن ثم استحب أبو حنيفة وأحمد استئصاله بالحلق لكن المختار عند الشافعية قصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يستأصله فيكره وعزى لمالك والأمر للندب وجعله ابن حزم للوجوب وكأن ابن دقيق العيد لم يطلع عليه أو لم يلتفت إليه حيث قال: لا أعلم أحدا قال بالوجوب قاله العراقي قال ابن دقيق العيد: والحكمة في قصها أمر ديني وهو مخالفة شعار المجوس في إعفائه وأمر دنيوي وهو تحسين الهيئة والتنظيف (وأرخوا اللحى) بخاء معجمة على المشهور وقيل بالجيم وهو ما وقفت عليه في خط المؤلف من مسودة هذا الكتاب من الترك والتأخير وأصله الهمز فحذف تخفيفا ومنه قوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن} وقوله {أرجه وأخاه} وكان من زي آل كسرى كما قاله الروياني وغيره قص اللحى وتوفير الشوارب فندب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مخالفتهم في الزي والهيئة بقوله (خالفوا المجوس) فإنهم لا يفعلون ذلك عقب الأمر [ص: 347] بالوصف المشتق المناسب وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع وهو العلة في هذا الحكم أو علة أخرى أو بعض علة وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها من هدي المجوس قال أبو شامة: ووجدت في بعض الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل رأى له شاربا طويلا: خذ من شاربك فإنه أنقى لموضع طعامك وشرابك وأشبه بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأعفى من الجذام وإبراء من المجوسية. <تنبيه> لو استعمل غير القص مما يقوم مقامه في الإزالة كقرض الشارب بالأسنان كفى في حصول السنة لكن القص أولى اتباعا للفظ الحديث ذكره ابن دقيق العيد قال الزين العراقي: وقد يقال إن فيه استنباط معنى من النص يبطله كما في إخراج القيمة عن الشاة المنصوص عليها في الزكاة (م عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا الحديث: 3586 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 3587 - (جعل الله) أي اخترع وأوجد أو قدر (الرحمة مئة جزء) في رواية في مئة جزء أي أنه تعالى أظهر تقديره لذلك يوم تقدير السماوات والأرض (فأمسك) في رواية فأخر (عنده تسعة وتسعين جزءا) وفي رواية أخر عنده تسعة وتسعين رحمة وفي رواية وخبأ عنده مئة إلا واحدة (وأنزل في الأرض) بين أهلها (جزءا واحدا) وفي رواية وأرسل في خلقه كلهم رحمة قال القرطبي: هذا نص في أن الرحمة يراد بها الإرادة لا نفس الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم. وقال الكرماني: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة في نفسها غير متناهية والتعلق غير متناه لكن حصره في مئة على التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله. وقال ابن أبي جمرة: نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فيفيد أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة وحكمة هذا العدد الخاص أنه عدد درج الجنة والجنة محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة (فمن ذلك الجزء) الواحد (يتراحم الخلق) أي يرحم بعضهم بعضا وفي رواية بها يتراحمون بها يعطف الوحش على ولدها وفي رواية تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض (حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن يصيبه) بمثناة تحتية أوله بضبط المصنف خص الفرس لأنها أشد الحيوان المألوف إدراكا ومع ما فيها من خفة وسرعة تتحرز أن يصل الضرر منها لولدها رحمة له وعطفا عليه وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تتكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها وإدخال السرور على المؤمنين إذ النفس يكمل فرحها بما وهب لها وحث على الإيمان واتساع الرجاء في الرحمة المدخرة وغير ذلك. <تنبيه> قال الزركشي: قال في هذه الرواية جعلها وفي غيرها خلق فإن قيل كيف هذا والرحمة صفة لله عز وجل وهي إما صفة ذات فتكون قديمة أو صفة فعل فكذلك عند الحنفية قيل عند الأشعري أن صفة الفعل حادثة وأصل النعمة الرحمة ورواية جعل أشبه من خلق وتؤول بما أول به {إنا جعلناه قرآنا عربيا} (ق عن أبي هريرة) ورواه أحمد عن سلمان الحديث: 3587 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 3588 - (جعل الله الأهلة) جمع هلال (مواقيت للناس) للحج والصيام (فصوموا) رمضان (لرؤيته) أي الهلال هو واحد الأهلة (وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم) أي حال بينكم وبينه غيم أي سحاب (فعدوا) شعبان (ثلاثين يوما) ثم صوموا وإن لم تروه وعدوا رمضان ثلاثين يوما ثم أفطروا وإن لم تروه فإن الشهر يكون تسعة وعشرين وثلاثين ولا [ص: 348] يكون أنقص ولا أكثر من ذلك (ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أبو نعيم والطبراني والديلمي عن طلق بن علي ورواه الدارقطني عن قيس بن طلق عن أبيه وقال: فيه محمد عن جابر ليس بقوي وقيس ضعفه أحمد وابن معين ووثقه العجلي الحديث: 3588 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 3589 - (جعل الله التقوى زادك) أي المسافر وقد سألنا أن ندعو له (وغفر ذنبك) أي محا عنك ذنوبك فلم يؤاخذك بها (ووجهك) بشدة الجيم (للخير) أي البركة والنمو (حيث ما تكون) أي في أي جهة توجهت إليها قاله لقتادة حين ودعه فيندب قول ذلك للمسافر مؤكدا (طب) وكذا الديلمي (عن قتادة بن عياش) أبي هاشم الجرشي وقيل الرهاوي الحديث: 3589 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 3590 - (جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار يقومون الليل ويصومون النهار ليسوا بأثمة) بالتحريك أي بذوي إثم (ولا فجار) جمع فاجر وهو الفاسق والظاهر أن المراد بالصلاة هنا الدعاء من قبيل دعائه لقوم أفطر عندهم بقوله صلت عليكم الملائكة (عبد الله بن حميد والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك الحديث: 3590 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 3591 - (جعل الله الحسنة بعشر أمثالها الشهر بعشرة أشهر) أي صيام الشهر وهو رمضان بعشرة أشهر (وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة) قال في الفردوس: وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فقد صام السنة كلها انتهى (أبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (الثواب عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث: 3591 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 3592 - (جعل الله عذاب هذه الأمة في دنياها) أي بقتل بعضهم بعضا في الحروب والاختلاف ولا عذاب عليهم في الاخرة وهذه بشرى عظيمة لهم (1) <تنبيه> جعل لها معاني: أحدها: الشروع في الفعل كأنشأ وطفق ولها اسم مرفوع وخبر منصوب ولا يكون غالبا إلا فعلا مضارعا مجردا من أن. قال ابن مالك: وقد تجيء جملة فعلية مصدرة بإذا كقول ابن عباس: فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا. الثاني: بمعنى اعتقد فتنصب مفعولين نحو {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} . الثالث: بمعنى صبر فتنصب مفعولين أيضا نحو {فجعلناه هباءا} . الرابع: بمعنى أوجد وخلق فتتعدى إلى مفعول واحد نحو {وجعل الظلمات والنور} . الخامس: بمعنى أوجب نحو جعل للعامل كذا. السادس: بمعنى ألقى كجعلت بعض متاعي على بعض (طب عن عبد الله بن يزيد) بن حصن بن عمرو الأوسي الخطمي شهد الحديبية   (1) هذه بشرى عظيمة لهم: إذا صح الحديث. وحيث أنه لم يصح فذلك يحول دون التواكل. دار الحديث وورد في هذا المعنى الحديث 1622: أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة إنما عذابها في الدنيا: الفتن والزلازل والقتل والبلايا. دار الحديث] الحديث: 3592 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 3593 - (جعلت قرة عيني في الصلاة) لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهم على مطالعة جلال الله وصفاته فيحصل له من آثار ذلك ما تقر به عينه <تنبيه> سئل ابن عطاء الله هل هذا خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم أم لغيره منه شرب فقال: قرة العين بالشهود على قدر المعرفة بالمشهود وليس معرفة كمعرفته فلا قرة عين كقرته انتهى ومحصوله أنه ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكنه أعطي في هذا المقام أعلاه وبذلك صرح الحكيم الترمذي فقال: إن الصلاة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم فلمحمد صلى الله عليه وسلم من ربه تعالى بحر ولما سواه أنهار وأودية فكل إنما ينال من الصلاة [ص: 349] من مقامه فالأنبياء ثم خلفاؤهم الأولياء ينالون من الصلاة مقاما عاليا وليس للعباد والزهاد والمتقين فيه إلا مقام الصدق ومجاهدة الوسوسة ومن بعدهم من عامة المسلمين لهم مقام التوحيد في الصلاة والوساوس معهم بلا مجاهدة والأنبياء وأعاظم الأولياء في مفاوز الملكوت وليس للشيطان أن يدخل تلك المفاوز وما وراء المفاوز حجب وبساتين شغلت القلوب بما فيها عن أن يخطر ببالهم ما وراءها انتهى (طب عن المغيرة) بن شعبة ورواه عنه الخطيب في التاريخ أيضا الحديث: 3593 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 3594 - (جعلت لي الأرض مسجدا) أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود أو يصلح أن يبنى فيه مكانا للصلاة ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح لأن التنجس وصف طارئ والاعتبار بما قبله (وطهورا) فيه إجمال يفصله خبر مسلم جعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها لنا طهورا والخبر وارد على منهج الامتنان على هذه الأمة بأن رخص لهم في الطهور بالأرض والصلاة في بقاعها وكان من قبلهم إنما يصلون في كنائسهم وفيما يتيقنوا طهارته قال الحافظ العراقي: وعموم ذكر الأرض هنا مخصوص بغير ما نهى الشارع عن الصلاة فيه كخبر الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ثم هذا الخبر وما بعده قد تمسك بظاهره الحنفية في تصحيحهم أن يجمع بتيمم واحد أكثر من فرض قالوا: يريد بقوله طهورا مطهرا وإلا لما تحققت الخصوصية لأن طهارة الأرض بالنسبة إلى جميع الأشياء ثابتة وإذا كان مطهرا تبقى طهارتها إلى وجود غايتها من وجود الماء أو ناقض آخر ونوزعوا من طرف الشافعية المانعين للجميع بأن القول بموجب طهوريته لا يفيد إلا أنه مطهر وليس الكلام فيه بل في بقاء تلك الطهارة المفارقة به بالنسبة لغرض آخر وليس فيه دليل عليه وردوا عليهم بما فيه تكلف وتعسف يظهر ببادي الرأي للمصنف (هـ عن أبي هريرة د عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 3594 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 3595 - (جعلت لي كل أرض طيبة) بالتشديد من الطيب الطاهر أي نظيفة غير خبيثة (مسجدا وطهورا) قال الزين العراقي: أراد بالطيبة الطاهرة وبالطهور المطهر لغيره فلو كان معنى طهورا طاهرا لزم تحصيل الحاصل وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة وإن غلب ظن النجاسة وأن الصلاة بالمسجد لا تجب وإن أمكن بسهولة وكان جارا بالمسجد وخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد لم يثبت وبفرضه المراد لا صلاة كاملة وهذا الخبر وما بعده قد احتجت به الحنفية على جواز التيمم بسائر ما على وجه الأرض ولو غير تراب وأخذ منه بعض المجتهدين أنه يصح التيمم بنية الطهارة المجردة لأنه لو لم يكن طهارة لم تجز الصلاة به وخالف الشافعي ورد ذلك بأنه مجاز لتبادر غيره والأحكام تناط باسم الحقيقة دون المجاز وبأنه لا يلزم من نفي الطهارة الحقيقية نفي المجازية. <تنبيه> قال القاضي: قد جاء فعول في كلام العرب لمعان مختلفة منها المصدر وهو قليل كالقبول والولوغ ومنها الفاعل كالصفوح والشكور وفيه مبالغة ليست في الفاعل ومنها المفعول كالركوب والحلوب ومنها ما يفعل به كالوضوء والغسول والفطور ومنها الإسمية كالذنوب وقد حمل الشافعي {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} على المعنى الرابع لقوله {ليطهركم به} ولقوله في هذا الخبر جعلت إلى آخره وهو ههنا بمعنى المصدر. (تتمة) قال في الاختيار: إنما جعلت الأرض له مسجدا بوفور الحظ البارز على جميع الرسل منه تعالى ولأمته من حظه ما برزوا به على جميع الأمم حتى أقبل الله عليهم فإقباله عليهم طهرت بقاع الأرض حيثما انتصبوا فإذا كبروا رفعت الحجب ودخلوا في ستره وطهرت البقاع لهم حيثما وقفوا وإنما جعلت طهورا فإنهم إذا لم يجدوا الماء الذي جعله الله طهورا للخلق تطهروا بالصعيد فجعل ما تحت أقدامهم طهورا لهم عند فقد ما فوق رؤوسهم من الماء المذكور في قوله {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} وهو ماء الحياة الراكد تحت العرش خلقه الله حياة لكل شيء فمنه حياة القلوب ومنه حياة الأرواح (حم والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا ابن المنذر وابن الجارود قال ابن حجر: وإسناده صحيح الحديث: 3595 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 [ص: 350] 3596 - (جعل الله الخير كله في الربعة) يعني المعتدل الذي ليس بطويل ولا بقصير وخير الأمور أوساطها ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم ربعة قال السخاوي: وما اشتهر على الألسنة من خبر ما خلا قصير من حكمة لم أقف عليه (ابن لال) وكذا الديلمي عن عائشة بإسناد ضعيف الحديث: 3596 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 3597 - (جلساء الله غدا) أي في الآخرة (أهل الورع) أي المتقون للشبهات (والزهد في الدنيا) لأن الدنيا يبغضها الله ولم ينظر إليها منذ خلقها وبقدر قرب الإنسان منها يكون بعده عن الله وبقدر بعده منها يكون قربه إلى الله فكلما ازداد منها بعدا ازداد من ربه قربا فلا يزال يقرب حتى يشرفه بإجلاسه عنده (ابن لال) في مكارم الأخلاق (عن سلمان) الفارسي ورواه عنه الديلمي أيضا بإسناد ضعيف الحديث: 3597 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 3598 - (جلوس الإمام) أي الذي يقتدي به في الصلاة (بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب من السنة) بقدر ما يتطهر المقتدون قال ابن عبد الهادي كابن الجوزي: وفيه أنه يسن الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها وهو مذهب أحمد وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يسن انتهى (فر) وكذا تمام في فوائده (عن أبي هريرة) وفيه هيثم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة حجة يدلس وهو في الزهري لين انتهى الحديث: 3598 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 3599 - (جمال الرجل فصاحة لسانه) أي أن يكون من فصحاء المصاقع الذين أورثوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال بالسليقة من غير تصنع ولا ارتجال ولا يناقضه خبر إن الله يبغض البليغ من الرجال لأن ذلك فيما كان فيه نوع تيه ومبالغة في التشدق والتفصح وذا في خلقي صحبه اقتصاد وساسه العقل ولم يرد به الاقتدار على القول إلى أن يصغر عظيما عند الله أو يعظم صغيرا أو ينصر الشيء وضده كما يفعله أهل زماننا ذكره ابن قتيبة قالوا: وذا من جوامع الكلم (القضاعي) والعسكري كلاهما من حديث محمد بن المنكدر (عن جابر) وكذا رواه عنه الخطيب والقضاعي وفيه أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود قال في الميزان عن الخطيب كذاب ومن بلاياه هذا الخبر وفي اللسان عن ابن طاهر كان يضع الحديث الحديث: 3599 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 3600 - (جنات الفردوس أربع جنات) مبتدأ (من ذهب) خبر قوله (حليتهما) بكسر الحاء (وآنيتهما وما فيها) والجملة خبر المبتدأ الأول ومتعلق من ذهب محذوف أي حليتهما وآنيتهما كائنة من ذهب (وجنات من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيها) وفي رواية جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين خرجه الطبراني وابن أبي حاتم ورجاله كما قال ابن حجر ثقات وصرح جمع بأن الأولتين أفضل وعكس بعض المفسرين والحديث حجة للأولين وظاهر الحديث أن الجنتين من ذهب لا فضة فيهما وبالعكس قال ابن حجر: ويعارضه حديث أبي هريرة قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال: لبنة من ذهب ولبنة من فضة خرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي حديث البزار خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وفي خبر البيهقي أن الله أحاط حائط الجنة لبنةمن ذهب ولبنة من فضة وجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنان كلها ثم الظاهر أن هذه الأربع ليس منها جنة عدن (1) فإنها ليست [ص: 351] من ذهب ولا فضة بل من لؤلؤ وياقوت وزبرجد لخبر أن ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم إنه تعالى جعل تركيب الصلاة على منوال ترتيب الجنة إشارة إلى أنه لا يدخلها إلا المصلون فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة ولبنة من ركوع ولبنة من سجود وملاطها التسبيح والتحميد والتهليل والتمجيد ومن ثم قال النبي إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم) ما هذه نافية (إلا رداء الكبرياء) قال النووي: لما كان يستعمل الاستعارات للتفهيم عبر عن مانع رؤيته تقدس برداء الكبرياء فإذا تجلى الله عليهم يكون إزالة لذلك وقال غيره: المراد أنه إذا دخل المؤمنون الجنة وتبوؤوا مقاعدهم رفع ما بينهم وبين النظر إلى ربهم من الموانع والحجب التي منشأها كدورة الجسم ونقص البشرية والانهماك في المحسوسات الحادثة ولم يبق ما يحجزهم عن رؤيته إلا هيبة لجلال وسبحات الجمال وأبهة الكبرياء فلا يرفع ذلك منهم إلا برأفة ورحمة منه تفضلا على عباده وقال عياض: استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وجلاله المانع لإدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته (على وجهه) أي ذاته وقوله (في جنة عدن) راجع إلى القوم أي وهم في جنة عدن لا إلى الله لأنه لا تحويه الأمكنة تعالى الله عن ذلك ذكره عياض وقال القرطبي: متعلق بمحذوف في محل الحال من القول أي كائنين في جنة عدن وقال القاضي: متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف ليفيد المفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة قال الهروي: هو ظرف لينظروا بين به أن النظر لا يحصل إلا بعد الإذن لهم في الدخول في جنة عدن سميت بها لأنها محل قرار رؤية الله ومنه المعدن لمستقر الجواهر (وهذه الأنهار تشخب) بمثناة فوقية مفتوحة وشين معجمة ساكنة وخاء معجمة مضمومة فموحدة أي تجري وتسيل (من جنة عدن ثم تصدع) أي تتفرق (بعد ذلك أنهارا) في الجنان كلها وفيه أن الجنان أربع وقال القرطبي: هي سبع وعدها وقال الحكيم: الفردوس سرة الجنة ووسطها والفردوس جنات فعدن كالمدينة والفردوس كالقرى حولها فإذا تجلى الوهاب لأهل الفردوس رفع الحجاب وهو المراد برداء الكبرياء هنا فينظرون إلى جلاله وجماله فيضاعف عليهم من إحسانه ونواله (حم طب عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح   (1) قال القرطبي: قيل: الجنان سبع دار الجلال ودار السلام ودار الخلود وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم والفردوس وقيل: أربع فقط لهذا الحديث فإنه لم يذكر فيه سوى أربع كلها توصف بالمأوى والخلد والعدن والسلام وهذا ما اختاره الحليمي فقال: إن الجنتين الأولتين للمقربين والآخرتين لأصحاب اليمين وفي كل جنة درجات ومنازل وأبواب الحديث: 3600 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 3601 - (جنبوا مساجدنا) وفي رواية مساجدكم (صبيانكم) أراد به هنا ما يشمل الذكور والإناث (ومجانينكم) فيكره إدخالهما تنزيها إن أمن تنجيسهم للمسجد وتحريما إن لم يؤمن (وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم) أي إخراجها من أغمادها (واتخذوا على أبوابها) أي المساجد (المطاهر) جمع مطهرة ما يتطهر منه للصلاة (وجمروها) أي بخروها (في الجمع) جمع جمعة أي في كل يوم جمعة وكذا عيدان أقيمت صلاة العيد فيهما وفيه إنباء بأن من عمل في مساجد الله بغير ما وضعت له من ذكر الله كان ساعيا في خرابها وناله الخوف في محل الأمن وقد أجرى الله سنته أن من لم يقم حرمة مساجده شرده منها وأحوجه لدخولها تحت ذمة من أعدائه كما شهدت به بصائر أهل التبصرة سيما في الأرض المقدسة دول القلب بين هذه الأمة وأهل الكتاب <تنبيه> حكى ابن التين عن اللخمي أن هذا الحديث ناسخ لحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد ورد بأن الحديث ضعيف وليس فيه تصريح بذلك ولا عرف تاريخ فيثبت النسخ واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد [ص: 352] للعدو وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال مجمع الدين وأهله جاز فيه المتداول فيها دول القلب بين هذه الأمة وأهل الكتاب (هـ) من رواية الحرث بن نبهان عن عتبة عن أبي سعيد عن مكحول (عن واثلة) ابن الأسقع قال الزين العراقي في شرح الترمذي: والحرث بن نبهان ضعيف وقال ابن حجر في المختصر: حديث ضعيف وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح وقال ابن حجر في تاريخ الهداية: له طرق وأسانيد كلها واهية وقال عبد الحق: لا أصل له الحديث: 3601 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 3602 - (جهاد الكبير) أي المسن الهرم (والصغير) الذي لم يبلغ الحلم (والضعيف) خلقة أو لنحو مرض (والمرأة الحج والعمرة) يعني هما يقومان مقام الجهاد لهم ويؤجرون عليهما كأجر الجهاد وقال العامري: الجهاد أكبر وأصغر فالأصغر جهاد أعداء الدين ظاهرا والكفار والأكبر جهاد أعداء الباطن النفس والشيطان سماه الأكبر لأنه أدوم وأخطر فجعل تعالى جهاد من ضعف عن الكفار الحج ولما فقدت المرأة أهلية الجهاد ألحقت بكرم الله بمن بذل نفسه وماله وجاهد فنظر إلى صدق نيتها لجهادها لنفسها في أداء حقوق زوجها وتبعها له وأداء أمانتها له في نفسها وبيته وماله (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا باللفظ المزبور وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 3602 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 3603 - (جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشيء) فإن ذلك شدة بلاء وإن الفقر يكاد يكون كفرا كما يأتي في حديث فكيف إذا انضم إليه كثرة عيال ولهذا قال ابن عباس: كثرة العيال أحد الفقرين وقلة العيال أحد اليسارين (ك في تاريخه عن ابن عمر) ابن الخطاب قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يتعوذ بالله من جهد البلاء فذكره ورواه الديلمي أيضا كما ذكر الحديث: 3603 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 3604 - (جهد البلاء قلة الصبر) أي على الفقر والمصائب والآلام والأسقام فإن لم يصبر على البلاء لا يثاب فيفوته حظه من الدنيا والآخرة وأي بلاء أعظم من ذلك (أبو عثمان) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد المعروف بشيخ الإسلام (الصابوني) بفتح الصاد المهملة وضم الميم وآخره نون نسبة إلى الصابون قال السمعاني: لعل أحد أجداده عمله فعرف به كان إماما مفسرا محدثا فقيها واعظا صوفيا خطيبا أوحد وقته وعظ ستين سنة روى عن الحاكم وعنه البيهقي ومن لا يحصى (في) الأحاديث (المائتين فر عن أنس) بن مالك قال: الصابوني لم يروه عن وكيع مرفوعا إلا مسلم بن جنادة الحديث: 3604 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 3605 - (جهد البلاء أن تحتاجوا إلى ما في أيدي الناس فتمنعوا) أي فتسألونهم فيمنعونكم فيجتمع على الإنسان شدة الحاجة وذل المسألة وكلاحة الرد ومما ينسب إلى الشافعي رضي الله عنه: ومن العجيب من القضاء وصنعه. . . بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق وأحق أهل الله بالهم امرؤ. . . ذو همة يبلى برزق ضيق ولربما مرت بقلبي فكرة. . . فأود منها أنني لم أخلق (فر عن ابن عباس) ورواه عنه ابن لال أيضا ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فكان عزوه إليه أولى الحديث: 3605 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 3606 - (جهنم تحيط بالدنيا) أي من جميع الجهات كإحاطة السوار بالمعصم (1) (والجنة من ورائها) أي والجنة تحيط بجهنم (فلذلك صار الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة) فهو كالقنطرة عليها فما يعبر إلا عليه إليها وإن ذلك لسهل على من سهله الله عليه (خط فر) [ص: 353] وكذا أبو نعيم (عن ابن عمر) ابن الخطاب وفيه محمد بن مخلد قال الذهبي: قال ابن عدي: حدث بالأباطيل ومحمد بن حمزة الطوسي قال الذهبي: قال ابن منده: حدث بمناكير عن أبيه قال الذهبي: قال ابن معين: ليس بشيء عن قيس قال الذهبي في الضعفاء: ضعف وهو صدوق اه وفي الميزان هذا أي الخبر منكر جدا ومحمد واه وحمزة ترك وقال معن: سألت أحمد عن حمزة الطوسي فقال: لا يكتب عن الخبيث شيء اه   (1) فالدنيا فيها كمح البيضة في البيضة ويحتمل أن يكون المراد بالدنيا أرض المحشر أو هو على حذف المضاف أي بأهل الدنيا الحديث: 3606 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الجيم] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 3607 - (الجار أحق بصقبه) (1) محركا روي بصاد وبسين أي بسبب قربه من غيره وهذا كما يحتمل كون المراد أنه أحق بالشفعة يحتمل أنه أحق بنحو بر أو صلة والدليل إذا تطرق له الاحتمال سقط به الاستدلال فلا حجة فيه للحنفية على ثبوت الشفعة للجار على أنه يستلزم أن يكون الجار أحق من الشريك ولا قائل به (2) (خ د ن هـ عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ن هـ عن الشريد) بوزن الطويل (ابن سويد) ولم يخرجه ورواه الشافعي عن أبي رافع قال في المنضد: والحديث في سنده اضطراب وأحاديث أنه لا شفعة إلا للشريك لا اضطراب فيها   (1) سئل الأصمعي عن معنى هذا الحديث فقال: لا أدري ولكن العرب تزعم أن الصقب اللزيق قال في المنتقى: معنى الخبر الحث على عرض المبيع على الجار وتقديمه على غيره (2) فائدة: إذا قضى حنفي بشفعة الجوار قيل ينقض قضاؤه لمخالفة النص والصحيح أنه لا ينقض للأحاديث الدالة له وعلى هذا هل يحل للمقضي له أن يفعله باطنا إذا كان شافعيا وجهان أصحها نعم وعليه النووي الحديث: 3607 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 3608 - (الجار أحق بشفعة جاره) أي الشريك أحق بشفعة شريكه (ينتظر) بالبناء للمفعول (بها) أي بحقه من الشفعة أو ينتظر بها الصبي حتى يبلغ (وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) قال الأبي: هذا أظهر ما يستدل به الحنفية على شفعة الجار لأنه بين بما يكون أحق ونبه على الاشتراك في الطريق لكنه حديث لم يثبت بل هو مطعون به (حم ع م عن جابر) قال البيهقي: فيه عبد الملك بن أبي سليمان تركه جماعة وقال الشافعي عن جمع تخلق أن لا يكون محفوظا وقال أحمد: حديث منكر وقال الترمذي: سألت عنه البخاري فقال: لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به وقال ابن معين: لم يروه غير عبد الملك وأنكروه عليه وقال الترمذي: إنما ترك شعبة الحديث عن عبد الملك لهذا الحديث وقال الصدر المناوي: عبد الملك خرج له مسلم واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث لتفرده به وإنكار الأئمة عليه فيه حتى قال بعضهم: هو رأى لفظا أدرجه عبد الملك في الحديث الحديث: 3608 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 3609 - (الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق) أي التمس قبل السلوك في الطريق رفيقا تحصل به المرافقة على قطع السفر كما سبق (والزاد (1) قبل الرحيل) أي وأعد لسفرك زادا قبل الشروع فيه وإعداده لا ينافي التوكل وزاد الديلمي في رواية واتخذوا ذكر الله تجارة يأتكم الرزق بغير بضاعة اه وكذا عند رافع بن خديج قال الزركشي: وأسانيده ضعيفة (خط في الجامع عن علي) أمير المؤمنين (تتمة) قال الراغب: قيل لرابعة لم لا تسألين الله في دعائك الجنة فقالت: [ص: 354] الجار قبل الدار وبهذا النظر قال بعضهم: من عبد الله بعوض فهو لئيم وقال المصنف في الدرر: وسنده ضعيف انتهى ورواه عنه أيضا الحاكم والدارمي والعقيلي في الضعفاء والعسكري قال السخاوي: وكلها ضعيفة لكن بالانضمام يتقوى   (1) وكل من الجار والرفيق والزاد يجوز نصبه بفعل مقدر ورفعه بالإبتداء أي اتخذه أو يتخذ الحديث: 3609 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 3610 - (الجالب) أي الذي يجلب المتاع يبيع ويشتري (مرزوق) أي يحصل له الربح من غير إثم (والمحتكر) أي المحتبس للطعام الذي تعم الحاجة إليه للغلاء (ملعون) أي مطرود عن الرحمة ما دام مصرا على ذلك الفعل الحرام (هـ) في البيوع من حديث إسرائيل عن علي بن سالم عن علي بن زيد بن المسيب (عن عمر) بن الخطاب قال الذهبي: علي عن علي ضعفاء اه وقال المناوي: فيه علي بن سالم مجهول وقال البخاري: لا يتابع على حديثه اه وقال ابن حجر: سنده ضعيف وفي الميزان علي بن سالم بصري قال البخاري: لا يتابع على حديثه ثم أورد له هذا الخبر قال أعني في الميزان وماله غيره الحديث: 3610 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 3611 - (الجالب إلى سوقنا) أيها المؤمنون (كالمجاهد في سبيل الله) في حصول مطلق الأجر (والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله) القرآن في مطلق حصول الوزر وإن اختلفت المقادير وتفاوت الثواب والعقاب (الزبير بن بكار في أخبار المدينة) النبوية (ك) في البيع (عن اليسع بن المغيرة) المخزومي المكي التابعي قال في التقريب: كأصله لين الحديث (مرسلا) قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل في السوق يبيع طعاما بسعر هو أرخص من سعر السوق فقال: تبيع في سوقنا بأرخص قال: نعم قال: صبرا واحتسابا قال: نعم قال: أبشر فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي: خبر منكر وإسناده مظلم الحديث: 3611 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 3612 - (الجاهر بالقرآن) (1) أي بقراءته (كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة) شبه القرآن جهرا وسرا بالصدقة جهرا وسرا ووجه الشبه أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل لخائفه فإن لم يخفه فالجهر لمن لم يؤذ غيره أفضل (د ت ن) في الصلاة وحسنه الترمذي (عن عقبة بن عامر) الجهني (ك عن معاذ) بن جبل وفيه من الطريق الأول إسماعيل بن عياش ضعفه قوم ووثقه آخرون   (1) قال الشيخ يحيى النووي: جاءت أحاديث بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإسرار قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف فإن لم يخف فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما الحديث: 3612 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 3613 - (الجبروت في القلب) ومن ثم قالوا الظلم كمين في النفس القوة تظهره والعجز يخفيه قال الديلمي: وأصل الجبروت القهر والسطوة والامتناع والتعظيم اه (ابن لال) والديلمي (عن جابر) بن عبد الله بسند ضعيف لكن شاهد خبر أحمد وابن منيع والحارث عن علي مرفوعا: إن الرجل ليكتب جبارا وما يملك غير أهله ببيته الحديث: 3613 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 3614 - (الجدال في القرآن كفر) أي الجدال المؤدي إلى مراء ووقوع في شك أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعا إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم ولا يقضى فيه بضرس قاطع وليس فيه اتباع للبرهان ولا تأول على النصفة بل يخبط [ص: 355] خبط عشواء غير فارق بين حق وباطل (ك) من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال: الشيخان لم يحتجا بعمر اه. وعمر هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن معين وقال النسائي: ليس بقوي الحديث: 3614 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 3615 - (الجراد) بفتح الجيم والتخفيف اسم جنس واحده جرادة للذكر والأنثى: من الجرد لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده وحلقه (نثرة حوت) بنون ومثلثة وراء أي عطسته يقال نثرت الشاة نثرا إذا عطست (في البحر) والمراد أن الجراد من صيد البحر كالسمك يحل للمحرم أن يصيده. ذكره كله الزمخشري وقال الديلمي: قال زياد حدثني من رأى الحوت ينثره وقد أجمعوا على حل أكله بغير تذكية لكن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته ثم اختلفوا في صفتها فقالوا: يقطع رأسه وقيل يوضع في قدر أو نار وقال ابن وهب أخذه ذكاة (هـ) وكذا الخطيب كلاهما (عن أنس) بن مالك (وجابر) بن عبد الله (معا) قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو على الجراد اللهم اقتل كباره وأهلك صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معائشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء فقال رجل: يا رسول الله تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره فقال: إنما الجراد فذكره قال ابن حجر: سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 3615 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 3616 - (الجراد من صيد البحر) تمامه فكلوه قال القاضي: عده من صيده لأنه يشبهه من حيث أنه تحل ميتته ولا يفتقر إلى التذكية أو لما قيل إن الجراد يتوالد من الحيتان كالديدان وقال في الفتح: هذا حديث ضعيف ولو صح كان فيه حجة لمن قال: إنه لا جزاء فيه إذا قتله المحرم والجمهور على خلافه (د) في الحج (عن أبي هريرة) قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة قال: فاستقبلنا جراد فجعلنا نضرب بنعلنا وأسواطنا فذكره خرجه أبو داود من طريقين وافقه الترمذي في واحدة وكلاهما ضعيفة فالرواية التي انفرد بها فيها ميمون بن حبان وهو كما قال المناوي كعبد الحق ضعيف لا يحتج به والآخر فيها أبو المهزم ضعيف ولما خرجهما أبو داود نفسه قال الحديثان جميعا وهم اه الحديث: 3616 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 3617 - (الجرس) بالتحريك الجلجل وحكى عياض سكون الراء قال جدنا الأعلى للإمام الزين العراقي: والتحقيق أن الذي بالفتح اسم الآلة وبالسكون اسم الصوت فإن أصل الجرس بالسكون الصوت الخفي اه. وتقدمه القرطبي فقال: بفتح الراء ما يعلق في أعناق الإبل مما له صلصلة وأما بسكونها فالصوت الخفي فقال بفتح الجيم وكسرها اه. (مزامير) وفي رواية مزمار وفي رواية من مزامير (الشيطان) أخبر عن المفرد بالجمع لإرادة الجنس وأضافه إلى الشيطان لأن صوته شاغل عن الذكر والفكر فيكره سفرا وحضرا وينبغي لمن سمعه سد أذنيه لكن لا يجب لقولهم لو كان بجواره ملاهي محرمة لم يلزمه النقلة ولا يأثم بسماعها بلا قصد قال ابن حجر: الكراهة لصوته لأن فيه شبها لصوت الناقوس وشكله. قال النووي: والجمهور على أن الكراهة تنزيهية لا تحريمية (حم م د عن أبي هريرة) ووهم الحاكم فاستدركه الحديث: 3617 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 3618 - (الجزور) بوزن فعول من الجزر وهو القطع الواحد من الإبل يتناول الذكر والأنثى إلا أن اللفظة مؤنثة (عن سبعة) أي تجزئ عن سبعة أنفس في الأضاحي فيجوز شركة سبعة في بدنة أو بقرة يشترونها ويذبحونها عن أنفسهم وبه قال الأئمة الثلاثة وهو حجة على مالك والليث في ذهابهما إلى المنع أما الشاة فلا تجزئ عن واحد (الطحاوي) بفتح الطاء والحاء المهملتين نسبة إلى طحا قرية بصعيد مصر وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة تفقه على خاله المزني صاحب [ص: 356] الشافعي ثم تحول حنفيا وصنف في الحديث عدة كتب (عن أنس) بن مالك ظاهر اقتصاره على الطحاوي أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه أبو داود في الأضاحي عن جابر بزيادة فقال: البدنة عن سبعة والجزور عن سبعة ورواه الترمذي بلفظ الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة في الأضاحي وما أراه إلا ذهل عنه الحديث: 3618 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 3619 - (الجزور في الأضحى عن عشرة) أي مجزئة عن عشرة ولم أر من قال به من المجتهدين بل حكى القرطبي الإجماع على المنع فيما زاد على سبعة (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط انتهى ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن مسعود المذكور ثم قال: أيوب أبو الجمل أحد رواته ضعيف ولم يروه عن عطاء غيره الحديث: 3619 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 3620 - (الجفاء كل الجفاء) أي البعد كل البعد (والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي) أي سمع المؤذن يؤذن (بالصلاة) المكتوبة (ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه) أي يدعوه إلى سبب البقاء في الجنة وهو الصلاة في الجماعة (1) والفلاح والفلح البقاء ذكره الديلمي قال أبو البقاء: الجفاء في الأصل مصدر وهو هنا مبتدأ وكل الجفاء توكيد والكفر والنفاق معطوفان على الجفاء ومن سمع خبر المبتدأ إذ لا بد فيه من حذف مضاف أي إعراض من سمع لأن من بمعنى شخص أو إنسان والجفاء ليس بالإنسان والخبر يجب أن يكون هو المبتدأ في المعنى والإعراض جفاء وهذا الحديث من أقوى حجج من أوجب الجماعة لما أفاده من الوعيد قال الكمال: والمراد به أن وصف النفاق يتسبب عن التخلف عنها لا الإخبار بالواقع أن التخلف لا يقع إلا من منافق فإن الإنسان قد يتخلف كسلا مع صحة الإسلام ويقين التوحيد وعدم النفاق (طب) وكذا الديلمي من حديث ابن لهيعة عن زيان عن سهل بن معاذ (عن) أبيه (معاذ بن أنس) ورواه عنه أيضا أحمد باللفظ المزبور من الوجه المذكور ولعل المؤلف ذهل عنه وإلا فهو أحق بالعزو كما مر غير مرة قال الهيثمي: وفيه زيان بن فائد ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم   (1) بالسعي إلى الجماعة والمراد الحث على حضور الجماعة لأن المتخلف يصير كافرا أو منافقا الحديث: 3620 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 3621 - (الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة بعد الصلاة عبادة) أي من العبادة التي يثاب عليها فاعلها (والنظر في وجه العالم) أي العامل بعلمه والمراد العلم الشرعي (عبادة ونفسه) بفتح الفاء (تسبيح) أي بمنزلة التسبيح (فر عن أسامة بن زيد) وفيه أحمد بن عيسى المصري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان ابن معين يكذبه وهو ثقة الحديث: 3621 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 3622 - (الجلوس مع الفقراء) إيناسا لهم وجبرا لخواطرهم (من التواضع) الذي تطابقت الشرائع والملل على مدحه (وهو من أفضل الجهاد) إذ هو جهاد للنفس عما هو طبيعتها وسجيتها من التكبر والتعاظم والتيه سيما على الفقراء (فر عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القطان كان يضع الحديث الحديث: 3622 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 3623 - (الجماعة بركة) أي لزوم جماعة المسلمين زيادة في الخير (والسحور) للصائم (بركة) أي نمو وزيادة في الأجر (والثريد بركة) لما فيه من المنافع التي ربما أربت على اللحم قال الديلمي: زاد أنس بن مالك والمشورة بركة (ابن شاذان في مشيخته [ص: 357] عن أنس) بن مالك ورواه الحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى والديلمي من حديث أبي هريرة ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لابن شاذان مع وجوده لمن ذكر الحديث: 3623 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 3624 - (الجماعة رحمة) أي لزوم جماعة المؤمنين موصل إلى الرحمة {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (والفرقة عذاب) لأنه تعالى جمع المؤمنين على معرفة واحدة وشريعة واحدة ليألف بعضهم بعضا بالله وفي الله فيكونون كرجل واحد على عدوهم فمن انفرد عن حزب الرحمن انفرد به الشيطان وأوقعه فيما يؤديه إلى عذاب النيران قال العامري في شرح الشهاب: لفظ الجماعة ينصرف لجماعة المسلمين لما اجتمع فيهم من جميل خصال الإسلام ومكارم الأخلاق وترقي السابقين منهم إلى درجة الإحسان وإن قل عددهم حتى لو اجتمع التقوى والإحسان اللذان معهما الرحمة في واحد كان هو الجماعة فالرحمة في متابعته والعذاب في مخالفته (عبد الله) بن أحمد (في زوائد المسند) أي مسنده المشهور (والقضاعي) في مسند الشهاب (عن النعمان بن بشير) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: الجماعة إلخ قال الزركشي بعد عزوه لأحمد والطبراني: فيه الجراح بن وكيع قال الدارقطني: ليس بشيء وقال المصنف في الدرر: سنده ضعيف وقال السخاوي: سنده ضعيف لكن له شواهد الحديث: 3624 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 3625 - (الجمال في الرجل اللسان) أي فصاحة اللسان كما تفسره روايات أخر وهو معدود من جوامع الكلم ولما أرسل المصطفى إلى الكافة أيد طبعه بالفصاحة من غير تكلف لا كتكلف المتشدقين وسجع المتملقين المتصنعين (ك عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو قصور فقد رواه ابن لال والديلمي من حديث العباس بن عبد المطلب الحديث: 3625 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 3626 - (الجمال صواب القول بالحق والكمال حسن الفعال بالصدق) لأن جمال الكمال في سعة العلم والحق والعدل والصواب والصدق والأدب فإذا لم يعمل فهو جاهل وإذا علم احتاج أن يكون محقا فيعمل بذلك العلم فإذا عمل احتاج إلى إصابة الصواب فقد يعمل ذلك الغير في غير وقته فلا يصيب فإذا عمل الصواب احتاج إلى العدل فيكون مزيدا به وجه الله فإذا عدل احتاج إلى الصدق بأنه لا يلتفت إلى نفسه فيوجب لها ثوابا فتحتجب عنه المنية فذلك هو الجمال والكمال في الحقيقة وهذا قاله لعمه العباس لما جاءه وعليه ثياب بيض فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يضحكك قال: جمالك قال: وما الجمال فذكره (الحكيم) الترمذي (عن جابر) بن عبد الله قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس والبيهقي في الشعب فعدوله للحكيم واقتصاره عليه الموهم غير لائق ثم إن فيه أيوب بن يسار الزهري قال الذهبي: ضعيف جدا تفرد به عنه عمر بن إبراهيم وهو ضعيف جدا الحديث: 3626 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 3627 - (الجمال في الإبل) أي في اتخاذها واقتنائها (والبركة) أي النمو والزيادة في الخير (في الغنم) يشمل الضأن [ص: 358] والمعز (والخيل في نواصيها الخير) أي معقود في نواصيها إلى يوم القيامة وسيجيء بيانه (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن أنس) بن مالك الحديث: 3627 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 3628 - (الجمعة إلى الجمعة) المضاف محذوف أي صلاة الجمعة منتهى إلى الجمعة والجمعة بضم الجيم مخففة أشهر من فتحها وسكونها وكسرها وشدها وتاؤه ليست للتأنيث لأن اليوم مذكر بل للمبالغة كما في علامة (كفارة ما بينهما) من الذنوب الصغائر (ما لم تغش الكبائر) حكى ابن عطية عن جمهور أهل السنة أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر فإن لم تجتنب فلا تكفير بالكلية وعن الحذاق أنها تكفر الصغائر ما لم يصر عليها وإن فعل الفرائض لا يكفر شيئا من الكبائر أصلا وإلا لزم بطلان فرضية التوبة وقول ابن حزم العمل يكفر الكبائر رد بأنه إن أريد أن من عمل وهو مصر على كبير يغفر فهو معلوم البطلان من الدين ضرورة وأن من لم يصر وحافظ على الفرائض بغير توبة كفرت بذلك فمحتمل لظاهر آية {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} كذا قرره جمع لكن أطلق الجمهور أن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة (هـ عن أبي هريرة) ورواه الحاكم والديلمي بنحوه الحديث: 3628 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 3629 - (الجمعة) إنما تجب (على من سمع النداء) أي أذان المؤذن لها وفي رواية للدارقطني بدله التأذين فتجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء أكان داخل البلد أو خارجه عند الشافعي كالجمهور وقصر أبو حنيفة الوجوب على أهل البلد <تنبيه> قال في الروض: يوم الجمعة كان يسمى في الجاهلية يوم العروبة ولم يسم الجمعة إلا في الإسلام ولهذا قال بعضهم: إنه اسم إسلامي وكعب بن لؤي جد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أول من جمع يوم العروبة وقيل هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش تجتمع إليه فيخطبهم ويذكرهم ذكره الماوردي في كتاب الأحكام (د) في الجمعة (عن ابن عمرو) بن العاص قال عبد الحق: الصحيح وقفه وقال ابن القطان: فيه أبو سلمة بن نبيه مجهول وعبد الله بن هارون مجهول وفي الميزان أبو سلمة بن نبيه نكرة تفرد عنه محمد بن سعيد الطائفي وشيخه ابن هارون كذلك الحديث: 3629 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 3630 - (الجمعة حق واجب على كل مسلم مكلف) زاد في رواية يؤمن بالله واليوم الآخر (في جماعة) فيشترط أن تقام في جماعة (إلا على أربعة) بالنصب لأنه استثناء من موجب (عبد مملوك) فلا جمعة عليه لشغله بخدمة سيده (أو امرأة) ومثلها الخنثى (أو صبي) ولو مراهقا (أو مريض) وكذا مسافر وكل من له عذر مرخص في ترك الجماعة وفي نسخ عبدا مملوكا إلى آخره بالنصب وهو أحسن لأنها عطف بيان لأربعة المنصوب وقد جرت عادة المتقدمين أن يكتبوا المنصوب بغير ألف فصورة الرفع مخرجة عليه وقد يعرب خبر مبتدأ محذوف وقال المظهر: إلا بمعنى غير وما بعده بالجر صفة لمسلم (د ك) في الجمعة (عن طارق) بالمهملة والقاف (ابن شهاب) ابن عبد شمس البجلي بفتح الموحدة والجيم الأحمسي الصحابي الكوفي وقد مر. ظاهر صنيع المصنف أن أبا داود خرجه ساكتا عليه وليس كذلك بل تعقبه بقوله طارق هذا رأى النبي ولم يسمع منه شيئا اه. وقال الخطابي: إسناده ليس بذلك ولعل المصنف اغتر بقول النووي على شرط الشيخين ومراده أنه مرسل صحابي وهو حجة على أن بعض المحققين رده بأن فيه عياش بن عبد العظيم ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا فكيف هو على شرطهما وبأن مرسل الصحابي إنما يكون حجة إن ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة اه. ولما ذكر ابن حجر الخبر قال: فيه أربعة أنفس ضعفاء على الولاء قاله ابن القطان الحديث: 3630 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 [ص: 359] 3631 - (الجمعة على من آواه الليل إلى أهله) أي الجمعة واجبة على من كان بمحل لو أتى إليها أمكنه الرجوع بعدها إلى وطنه قبل دخول الليل وبه قال الحنفية واستشكل بأنه يلزم منه أن يجب السعي من أول النهار وهو مخالف لقوله تعالى {إذا نودي للصلاة} الآية قال الحرالي: والأهل مسكن المرء من زوج ومستوطن (ت عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه رواه ساكتا والأمر بخلافه بل تعقبه فقال: إسناده ضعيف إنما يروى من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري والمقبري مضعف قال أعني الترمذي: وقد ذكر أحمد بن الحسن هذا الحديث لأحمد ابن حنبل فغضب عليه وقال له استغفر ربك مرتين انتهى قال الدارقطني: عبد الله بن سعيد المقبري قال أحمد متروك وقال البخاري عن القطان استبان كذبه انتهى وقال الذهبي: معارك ضعيف وعبد الله ساقط متهم وحجاج متروك الحديث: 3631 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 3632 - (الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر) (1) <فائدة> قال ابن سراقة في الأعداد: خص نبينا بصلاة الجمعة والجماعة وصلاة الليل وصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء والوتر (طب عن تميم الداري) قال البخاري: فيه نظر وقال ابن القطان: فيه أبو عبد الله الشامي مجهول انتهى وأورده في الميزان في ترجمة الحكم بن عمر الجزري وقال: قال البخاري: لا يتابع عليه وفي اللسان قال أبو حاتم: هو شيخ مجهول وكذا الأزدي كذاب ساقط   (1) أي لا يلزمه الحضور إليها فإن حضر إلى المكان الذي تقام فيه حرم انصرافه ما لم يزد ضرره الحديث: 3632 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 3633 - (الجمعة على الخمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة) وبه أخذ بعض المجتهدين واشترط الشافعي أربعين لدليل آخر (طب عن أبي أمامة) قال الذهبي في المهذب: حديث واه وقال الهيثمي: فيه جعفر بن الزبير صاحب القسم وهو ضعيف جدا وقال ابن حجر: جعفر بن الزبير متروك وهياج بن بسطام متروك الحديث: 3633 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 3634 - (الجمعة واجبة على كل) أي على أهل كل (قرية) زاد في رواية للدارقطني فيها إمام (وإن لم يكن فيها إلا أربعة) من الرجال وفي رواية وإن لم يكن إلا ثلاثة رابعهم إمامهم قال البيهقي: يعني بالقرى المدائن وكذا روى عن الموقري والحكم الأيلي عن الزهري (قط هب) عن معاوية بن سعيد التجيبي والوليد بن محمد والحكم بن عبد الله قالوا حدثنا الزهري (عن أبي عبد الله الدوسية) قال الدارقطني: كل هؤلاء متروكون ولم يسمع الزهري من الدوسية وكل من رواه متروك وقال الذهبي: فيه متروكان وتالف وقال ابن حجر: هو ضعيف ومنقطع أيضا وقال في محل آخر: إسناده واه جدا الحديث: 3634 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 3635 - (الجمعة حج المساكين) جمع مسكين وهو الذي أسكنه الخلة وأصله دائم السكون كالمستكبر الدائم الكبر ذكره القاضي يعني من عجز عن الحج وذهابه يوم الجمعة إلى المسجد هو له كالحج وليس معناه سؤال الناس له (ابن زنجويه في ترغيبه والقضاعي) في مسند الشهاب والحارث بن أبي أسامة كلهم من حديث عيسى بن إبراهيم الهاشمي عن مقاتل عن الضحاك (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة عيسى هذا وقال عن جمع: هو منكر الحديث متروك انتهى وقال السخاوي: مقاتل ضعيف وكذا الراوي عنه الحديث: 3635 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 3636 - (الجمعة حج الفقراء) قال العامري: لما عجز المسكين عن مال الحج أو ضعف وكان يتمناه بقلبه نظر الكريم [ص: 360] إلى تحسره فأعطاه ثواب الحج بقصده على منوال خبر إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا إلا وقد سبقوكم إليه حبسهم العذر (القضاعي وابن عساكر عن ابن عباس) الحديث: 3636 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 3637 - (الجنازة متبوعة وليست بتابعة) وفي رواية الجنازة متبوعة لا تبع (1) قال الطيبي: قوله لا تبع صفة مؤكدة أي متبوعة غير تابعة (ليس منا) كذا قال هو في خط المصنف وفي نسخ ليس منها وفي نسخ المصابيح والمشكاة وغيرها ليس معها وهو أوضح (من تقدمها) أي لا يعد مشيعا لها قال الطبري: هذا تقرير بعد تقرير ينبغي من تقدم الجنازة ليس ممن يشيعها فلا يثبت له الأجر وبهذا أخذ أبو حنيفة ووافقه النووي في الراكب وفضل الشافعية إطلاق المشي أمامها لأنهم شفعاء الميت إلى الله والشفيع يمشي قدام المشفوع له (2) قالوا: والخبر ضعيف وقال البيهقي: الآثار بالمشي أمامها أصح وأكثر (هـ) في الجنائز (عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت وفيه أبو ماجد قال الدارقطني: مجهول وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه تفرد بإخراجه من بين الستة وأنه لا علة له والأمر بخلافه أما أولا فلأن أبا داود والترمذي خرجاه أيضا في الجنائز واستغربه الترمذي وأما ثانيا فلأنه عندهم من رواية أبي ماجد وقد قال الترمذي عن البخاري أنه ضعفه وأن ابن عيينة قال ليحيى التميمي الراوي عن أبي ماجد من هو فقال: طائر طار فحدثنا اه وقال الدارقطني: مجهول. وابن عدي: منكر الحديث. والذهبي: تركوه. وقال البيهقي: أحاديث المشي خلفها كلها ضعيفة   (1) في العلقمي قال شيخنا قال العراقي في قوله الجنازة متبوعة يحتمل ذلك في حالة الصلاة عليها جمعا بين الأحاديث (2) والأفضل أن يكون قريبا منها وكل ما قرب منها هو أفضل سواء كان راكبا أو ماشيا ولو تقدم عليها كثيرا فإن كان بحيث لا ينسب إليها لكثرة بعده وانقطاعه عن تابعيها لم يحصل له فضيلة المتابعة ولو مشى خلفها حصل له فضيلة أصل المتابعة ولكنه فاته كمالها الحديث: 3637 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 3638 - (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) (1) أحد سيور النعل التي بوجهها والنعل ما وقيت به القدم (والنار مثل ذلك) أي النار مثل الجنة في كونها أقرب من شراك النعل فضرب القرب مثلا بالشراك لأن سبب حصول الثواب والعقاب إنما هو سعي العبد ومجرى السعي بالأقدام وكل من عمل خيرا استحق الجنة بوعده ومن عمل شرا استحق النار بوعيده وما وعد وأوعد منجزان فكأنهما حاصلان ذكره الطيبي وقال غيره: أراد أن سبب دخول الجنة والنار مع صفة الشخص وهو العمل الصالح والسيء وهو أقرب إليه من شراك نعله إذ هو مجاوز له والعمل صفة قائمة به وقيل وجه الأقربية أن يسيرا من الخير قد يكون سببا لدخول الجنة وقليلا من المنكر قد يكون سببا للنار فينبغي الرغبة في كل أسباب الجنة وتجنب جميع أسباب النار (2) وعلى هذا فالقرب معنوي وإلا فالجنة فوق السماوات السبع قال تعالى {عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} وثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء وفي خبر رواه أبو نعيم وغيره أن الجنة في السماء وروى ابن منده عن مجاهد قلت لابن عباس: أين الجنة قال: فوق سبع سماوات قلت: فأين النار قال: تحت سبعة أبحر مطبقة ولا ينافيه خبر ابن أبي شيبة عن ابن عمرو موقوفا الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كل عام مرة لأنه أراد ما يحدثه الله بالشمس كل سنة مرة من أنواع الثمار والفواكه والنبات جعلها الله تذكيرا بتلك الجنة وآية تدل عليها كما جعل النار مذكرة بتلك وإلا فالجنة فوق الشمس وأكبر منها فكيف تعلق بقرونها (حم خ) [ص: 361] في الرقائق (عن ابن مسعود) ولم يخرجه مسلم   (1) والشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة بعدها عين مهملة السير الذي يجعل فيه أصبع الرجل من النعل وكلاهما يختل المشي بفقده (2) فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها وقال ابن الجوزي: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية الحديث: 3638 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 3639 - (الجنة لها ثمانية أبواب (1) والنار لها سبعة أبواب (2)) إنما كانت أبواب الجنة ثمانية لأن مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وكذلك المفتاح ثمانية أسنان: الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبر والصلة فلكون أنواع الأعمال ثمانية جعلت أبوابها ثمانية وإنما كانت أبواب النار سبعة لأن الأديان سبعة: واحد للرحمن وستة للشيطان فالتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية والدهرية والإبراهيمية والصنف السابع أهل التوحيد كالخوارج والمبتدعة والظلمة والمصرين على الكبائر فهؤلاء كلهم صنف فوافق عدة الأبواب عدة الأصناف ذكره السهيلي (ابن سعد) في الطبقات (عن عتبة بن عبد) عتبة بن عبد في الصحابة ثمالي وأنصاري وسلمي فكان ينبغي تمييزه   (1) بعضها مختص بجماعة لا يدخل منه غيرهم كالريان للصائمين وباب الضحى للملازمين على صلاتها وبعضها مشترك (2) يدخلون منها أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية الحديث: 3639 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 3640 - (الجنة مئة درجة) يعني درجها الكبائر مئة وفي ضمن كل درجة منها درجات صغار كثيرة فلا تعارض بينه وبين خبر أحمد يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه (1) (ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) هذا التفاوت إما بحسب الصورة كطبقات السماء أو بحسب المعنى أي باعتبار التفاوت في القرب إلى الله ولا مانع من الجمع وفيه دلالة على أنها في غاية العلو ونهاية الارتفاع ففيه رد لما روى ابن منده عن عبد الله أن الجنة في السماء الرابعة والذي قاله ابن عباس ودلت عليه الأحاديث أنها في السابعة ذكره السمهودي في ختم ابن ماجه وقوله ما بين كل درجتين إلى آخره يقتضي أن المسافة في ذلك مسيرة خمس مئة عام وهو مخالف لما رواه الترمذي أن ما بين كل درجتين مئة عام وأجيب بأن ذلك يختلف بالسرعة والبطء في السير فالمئة للسريع والخمس مئة للبطيء ذكره ابن القيم (ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذي وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجب فقد خرجه الحاكم باللفظ المزبور وقال على شرطهما   (1) فهذا يدل على أن في الجنة درجات على عدد آي القرآن وهي تنيف على ستة آلاف آية فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن جمعت له تلك الدرجات كلها وهكذا كلما زادت أعماله زادت درجاته الحديث: 3640 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 3641 - (الجنة مئة درجة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم) لسعة أرجائها وكثرة مرافقها ولعظم سعتها وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها (حم ع عن أبي سعيد) الخدري ظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد رواه الترمذي عن أبي سعيد المذكور بلفظ الجنة مئة درجة ولو أن الناس كلهم في درجة واحدة لوسعتهم اه بلفظه فالعدول عنه من ضيق العطن الحديث: 3641 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 3642 - (الجنة تحت أقدام الأمهات) يعني التواضع لهن وترضيهن سبب لدخول الجنة وتمامه كما في الميزان من شيئين أدخلن ومن شيئين أخرجن وقال العامري: المراد أنه يكون في برها وخدمتها كالتراب تحت قدميها مقدما لها على [ص: 362] هواه مؤثرا برها على بر كل عباد الله لتحملها شدائد حمله ورضاعه وتربيته وقال بعض الصوفية: هذا الحديث له ظاهر وباطن وحق وحقيقة لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم فقوله الجنة إلخ ظاهره أن الأمهات يلتمس رضاهن المبلغ إلى الجنة بالتواضع لهن وإلقاء النفس تحت أقدامهن والتذلل لهن والحقيقة فيه أن أمهات المؤمنين هن معه عليه السلام أزواجه في أعلى درجة في الجنة والخلق كلهم تحت تلك الدرجة فانتهاء زوس الخلق في رفعة درجاتهم في الجنة وآخر مقام لهم في الرفعة أول مقام أقدام أمهات المؤمنين فحيث انتهى الخلق فهن ثم ابتداء درجاتهن فالجنة كلها تحت أقدامهن وهذا قاله لمن أراد الغزو معه وله أم تمنعه فقال: الزمها ثم ذكره قال الذهبي: فيه أن عقوق الأمهات من الكبائر وهو إجماع (القضاعي) في مسند الشهاب (خط في الجامع) كلاهما من حديث منصور بن مهاجر عن النضر الأبار (عن أنس) قال ابن طاهر: ومنصور وأبو النضر لا يعرفان والحديث منكر اه. فقول العامري على شرحه حسن غير حسن. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه النسائي وابن ماجه وكذا أحمد والحاكم وصححه وأعجب من ذلك أن المصنف في الدرر عزاه إلى مسلم باللفظ المذكور من حديث النعمان بن بشير فيا له من ذهول ما أبشعه الحديث: 3642 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 3643 - (الجنة تحت ظلال) وفي رواية للبخاري بارقة (السيوف) أي الجهاد مآله الجنة فهو تشبيه بليغ كزيد بحرا وهو استعارة يعني أن ظلال السيوف والضرب بها في سبيل الله سبب للفوز بظلال بساتين الجنة ونعيمها لما أنه سبب موصل إليها ذكره بعضهم وفي النهاية هو كناية عن الدنو من الضرب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه وقال الطيبي: معناه ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله فاحضروا الجهاد بصدق النية واثبتوا وإنما نهى عن لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإتكال على النفس والوثوق بالقوة ولمخالفته للحزم والاحتياط وخص السيوف لكونها أعظم آلات الحرب وأنفعها (ك) في الجهاد (عن أبي موسى) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وكان على المصنف إثبات هذا في حرف إن لأنه في رواية الحاكم بأن في أوله كما رأيته في المستدرك بخط الذهبي ثم إن ظاهر كلام المصنف أن هذا مما لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وهو ذهول فقد رواه البخاري عن ابن أبي أوفى مرفوعا بلفظ اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف وأخرجه مسلم أيضا في المغازي وأبو داود في الجهاد فاقتصار المؤلف على الحاكم من ضيق العطن وممن عزاه إلى الشيخين معا صاحب مسند الفردوس الحديث: 3643 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 3644 - (الجنة دار الأسخياء) السخاء المحمود شرعا لأن السخاء من أخلاق الله العظيمة وهو يحب من يتخلق بشيء من أخلاقه فلذلك صلحوا لجواره في داره ولذا ورد في خبر عبد الحكيم ما جبل الله وليا قط إلا على السخاء ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل سخت أنفسهم بدنياهم لأخراهم فوصلوا أرحامهم وآثروا بها فقراءهم وسلموا أنفسهم لعبادة الرحمن فظفروا بالجنان وأعلى من هؤلاء من سخت أنفسهم عن الدنيا بما فيها وعابوا الالتفاف إليها لشغلها عن المولى (خاتمة) قال الإمام الرازي: الجنة موضعها فوق السماء وتحت العرش كما ذكره الإمام مالك فالجنة فوق السماوات والنار في أسفل الأرضين كذا ذكره في تفسيره وذهب ابن حزم أن الجنة في السماء السادسة تعلقا بقوله تعالى {عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} وسدرة المنتهى في السماء السادسة (عد) عن زيد بن عبد العزيز عن جحدر عن بقية عن الأوزاعي عن الزهري عن عائشة ثم قال مخرجه ابن عدي يسرق الحديث ويروي المناكير وقال الدارقطني: حديث لا يصح (والقضاعي) وكذا الدارقطني في المستجار والخرائطي كلهم (عن عائشة) وقال في الميزان: حديث منكر [ص: 363] ما أفته سوى جحدر ومن ثم قال الدارقطني: لا يصح وأورده ابن الجوزي في الموضوع انتهى. قال العامري: في قوله حسن غريب غير مصيب الحديث: 3644 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 3645 - (الجنة) أي أبنيتها (لبنة من ذهب ولبنة من فضة) بين به أنها مبنية بناء حقيقيا دفعا لتوهم أن ذلك تمثيل وأن ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها تنظر إليها عيانا وهل المراد بناء قصورها ودورها أو بناء حائطها وسورها احتمالات رجح الحافظ ابن حجر الثاني لخبر جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما (طس) وكذا البزار كلاهما (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. وقضية كلام المصنف أن ما ذكره هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته وملاطها المسك   (1) " لبن " ككتف [أي بفتح اللام وكسر الباء] : المضروب من الطين مربعا للبناء [المضروب: المصنوع بالقوالب] من " القاموس " وما بين قوسين مربعين [هكذا] فمن دار الحديث الحديث: 3645 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 3646 - (الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين مسيرة خمس مئة عام) حقيقة إذ الجنة درجات بعضها أرفع من بعض أو المراد الرفعة المعنوية من كثرة النعيم وعظيم المنال وقد يصار إلى الجمع هنا بين الحقيقة والمجاز كما تقرر فيما قبله (طس عن أبي هريرة) هذا من المصنف كالصريح في أن هذا الحديث لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما عدل عنه وأعظم به من غفلة فقد خرجه سلطان المحدثين البخاري وكذا أحمد والترمذي باللفظ المزبور وزادوا والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجرت أنهار الجنة الأربع وفوق ذلك يكون العرش اه الحديث: 3646 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 3647 - (الجنة بالمشرق) الظاهر أن المراد به أن جهة بلاد المشرق كالعراقين وما والاهما كثيرة الأشجار الملتفة والغياض المونقة فإن الجنة اسم لذلك وإلا فقد ورد أن الجنة فوق السماء السابعة (فر عن أنس) فيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد أعلى ولا أشهر ولا أقدم من الديلمي وهو عجيب فقد خرجه الحاكم من هذا الوجه بهذا اللفظ ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فإهمال المصنف للأصل واقتصاره على العزو للفرع غير جيد الحديث: 3647 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 3648 - (الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها) الفاحش ذو الفحش في قوله أو فعله أي لا يدخلها مع الأولين الفائزين أو لا يدخلها قبل تعذيبه إلا إن عفي عنه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (الصمت) أي فضله (حل) كلاهما (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحافظ العراقي: سنده لين الحديث: 3648 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 3649 - (الجنة لكل تائب) توبة صحيحة (والرحمة لكل واقف) أي مصر على المعاصي. قال الديلمي: ويروى وقاف وهو المتأني كأنه يريد أن يتوب ثم يحجم ويتوقف فالرحمة قريب منه انتهى (أبو الحسن بن المهتدي في فوائده) الحديث (عن ابن عباس) وظاهر حال المصنف أن لم يقف عليه مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه في مسند الفردوس الحديث: 3649 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 3650 - (الجنة بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها) بكسر الميم طينها الذي يكون بين كل لبنتين أو ترابها الذي يخالطه الماء (المسك الآذفر) بذال معجمة في خط المصنف أي الذي لا خلط فيه أو الشديد الريح قالوا: لكن [ص: 364] لونه مشرف لا يشبه مسك الدنيا بل هو أبيض (وحصباؤها) أي حصاؤها الصغار (اللؤلؤ والياقوت) الأحمر والأصفر (وتربتها الزعفران) وفي رواية تربتها درمكة بيضاء مسك خالص فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين يسمى ترابا فلما كانت تربتها طينة وماؤها طيب فانضم أحدهما إلى الآخر حدث لهما طيب آخر فصار مسكا أو يحتمل أن كونه زعفرانا باعتبار اللون مسكا باعتبار الريح وهذا من أحسن شيء وأظرفه تكون البهجة والإشراق في لون الزعفران والريح ريح المسك وكذا تشبيهها بالدرمكة وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها وهو معنى قول مجاهد: أرض الجنة من فضة وترابها مسك فاللون في البياض لون الفضة والريح ريح المسك مثل كثبان الرمل ولا يعارض ذلك كله خبر أبي الشيخ قلت ليلة أسري بي يا جبريل إنهم يسألوني عن الجنة فقال: أخبرهم أنها درة بيضاء وأرضها عقيان والعقيان الذهب لأن إخبار جبريل عن أرض الجنتين الذهبيتين اهتماما منه بالأفضل الأعلى (من يدخلها ينعم لا يبأس) أي لا يفتقر ولا يحتاج يعني أن نعيم الجنة لا يشوبه بؤس ولا يعقبه شدة تكدره يقال بئس الرجل إذا اشتدت حاجته أي لا يكون في شدة وضيق (لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم) إشارة إلى بقاء الجنة وجميع ما فيها ومن فيها وأن صفات أهلها من الشباب ونحوه لا يتغير وملابسهم لا تبلى وقد نطق بذلك التنزيل في عدة آيات لهم فيها نعيم مقيم أكلها دائم وظلها وفي طي ذلك تعريض بذم الدنيا فإن من فيها وإن نعم يبأس ومن أقام فيها لم يخلد بل يموت ويفنى شبابه ويبلى جسده وثيابه (حم ت) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) ورواه عنه الطيالسي الحديث: 3650 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 3651 - (الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون) قال الحكيم: والصنف الثاني ثم الذين ورد النهي عن قتلهم في خبر نهى عن قتل ذوي البيوت وخبر نهى عن قتل الحيات فإن تلك في صور الحيات وهم من الجن وهم سكان البيوت <تنبيه> قال ابن عربي: من الجن الطائع والعاصي مثلنا ولهم التشكل في الصور كالملائكة وأخذ الله بأبصارنا عنهم فلا يراهم إلا بعضنا بكشف إلهي ولما كانوا من عالم اللطف قبلوا التشكيل فيما يرون من الصور الحسنة فالصورة الأصلية التي ينسب إليها الروحاني إنما هي أول صورة أوجده الله عليها ثم تختلف عليه الصور بحسب ما يريد أن يدخل فيها ولو كشف الله عن أبصارنا حتى نرى ما تصوره القوة المصورة التي وكلها الله بالتصوير في خيال المتخيل لرأيت مع كل إنسان ألف صورة مختلفة لا يشبه بعضها بعضا وكما وقع التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم وقع التناسل في الجان بإلقاء الهوى في رحم الأنثى فكانت الذرية والتوالد وهم محصورون في اثني عشر قبيلة أصولا ثم يتفرعون إلى أفخاذ وتقع بينهم حروب وبعض الزوابع يكون عند حربهم فإن الزوبعة تقابل ريحين يمنع كل منهما صاحبتها أن تخترقها فيؤدي ذلك إلى الدور المشهود في الغيرة في الحس فهذه حربهم لكن ما كل زوبعة حرب (مهمة) هذا العالم الروحاني إذا تشكل وظهر في صورة حسنة يقيده البصر بحيث لا يقدر أن يخرج عن تلك الصورة ما دام البصر ناظر إليه بالخاصية من الإنسان فإذا قيده ولم يبرح نظرا له وليس ثم ما يتوارى فيه أظهر له ذلك الروحاني صورة جعلها عليه كالستر ثم خيل له مشى تلك الصورة إلى جهة مخصوصة فيتبعها بصره فإذا تبعها خرج الروحاني عن تقييده فغاب عنه وبمغيبه تزول تلك الصورة عن النظر فإنها للروحاني كالنور مع السراج المنتشر في الزوايا نوره فإذا غاب جسم السراج فقد النور فمن يعرف هذا ويحب تقييده لا يتبع الصورة بصره وهذا من الأسرار الإلهية وليست الصورة غير الروحاني بل عينه وإن كانت بألف مكان وأشكال مختلفة وإذا قتلت صورة من تلك الصور تنقل ذلك الروحاني من الحياة [ص: 365] الدنيا إلى البرزخ كما ننتقل نحن بالموت ولا يبقى له في الدنيا حديث مثلنا والفرق بين الجن والملائكة وإن اشتركوا في الروحانية أن الجن غذاؤهم من الأجسام الطبيعية بخلاف الملائكة (طب والبيهقي في) كتاب (الأسماء) والصفات وكذا أبو نعيم والديلمي كلهم (عن أبي ثعلبة الخشني) في اسمه أقوال قال الهيثمي: رجاله وثقوا وفي بعضهم ضعف وقال شيخه العراقي: صحيح الإسناد الحديث: 3651 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 3652 - (الجن لا تخبل) بخاء معجمة وباء موحدة في خط المصنف (أحدا في بيته عتيق من الخيل) لخاصية فيه علمها الشارع (1) وفيه تصريح بأن الجن تخبط وتخبل وما وقع للقاضي كالزمخشري مما يوهم إنكاره في آية الذي يتخبطه الشيطان حيث قال: إن التخبط والمس وارد على ما تزعم العرب أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع وأن الجني يمسه فيختلط عقله فيشنع عليها بأن وجود الجن مما انعقد عليه الإجماع ونطق به كلام الله والأنبياء وحكى مشاهدتهم عن كثير من العقلاء وأهل الكشف فلا وجه لنفيها كما في شرح المقاصد وغيره <فائدة> أخرج ابن عباس عن ابن جرير في آية {ومن الأرض مثلهن} قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق قال ابن حجر: إسناده صحيح وأخرجه الحاكم والبيهقي في كل أرض أي من السبع آدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ونبي كنبيكم قال البيهقي: إسناده صحيح لكنه شاذ (تتمة) قال الحكيم: الجن ألطف في الفهم وأسرع في الذكاء من الإنس لأن أجسامهم من نار مارج والآدمي من تراب فجوهرهم أرق وجوهر الآدمي أغلظ ولم تشغلهم الشهوات كشغل الآدمي فرقة جوهرهم عون لهم على درك الأشياء (طب عن عريب) بفتح العين المهملة بضبط المصنف وقال ابن حجر: بفتح أوله وكسر الراء بعدها تحتية ثم موحدة أبو عبد الله المليكي شامي قال البخاري: يقال له صحبة قال الذهبي: له حديث من وجه ضعيف وأشار إلى هذا   (1) وحيث أن هذا الحديث ضعيف فلا يجزم به. وإن كان صلى الله عليه وسلم قاله فعلا فيكون ذلك كما قال المناوي: لخاصية في العتيق من الخيل علمها الشارع. والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 3652 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 3653 - (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير) أي مسلم (برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر) وفجوره إنما هو على نفسه والإمام لا ينعزل بالفسق (والصلاة) يعني المكتوبة (الخمس واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر) لأن مرتكب الكبائر لا يخرج بارتكابها عن الإيمان فتصح الصلاة خلف كل فاسق ومبتدع لا يكفر ببدعته قال الأشرفي: قوله واجبة عليكم أي جائزة عليكم لأن الوجوب والجواز مشتركان في جانب الإتيان بهما قال: وقد تمسك بظاهره القائل بوجوب الجماعة وفي قوله وإن عمل الكبائر دلالة على أن من أتى الكبائر لا يكفر ولفظ الكبائر على صيغة الجمع يدل على تعدد صدور الكبيرة منه اه. (والصلاة واجبة عليكم على كل مسلم يموت برا كان أو فاجرا وإن هو عمل الكبائر) لكن الوجوب هنا على الكفاية فيسقط الفرض بواحد ولا يجوز دفن من مات على الإسلام بدون صلاة وإن تعاطى جميع الكبائر ومات مصرا عليها ولم يتب عن شيء منها قال الطيبي: وفي ظاهر كل قرينة دلالة على وجوب أمر وجواز أمر فالأولى تدل على وجوب الجهاد على المسلم وعلى جواز كون الفاسق أميرا والثانية تدل على وجوب الصلاة جماعة وجواز أن يكون الفاجر إماما والثالثة على وجوب الصلاة عليهم وعلى جواز صدورها عن الفاجر هذا ظاهر الحديث ومن قال إن الجماعة لا تجب عينا تأوله بأنه فرض على الكفاية كالجهاد وعليه دليل إثبات ما ادعاه (د ع) وكذا البيهقي في السنن كلهم من حديث عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحرث عن مكحول (عن أبي هريرة) قال في المهذب: وهذا منقطع وفي الميزان بعد ما ساقه من مناكير عبد الله بن صالح كاتب الليث هذا [ص: 366] مع نكارته منقطع اه. وتقدمه للتنبيه عليه الدارقطني فقال مكحول لم يلق أبا هريرة وقال ابن حجر: لا بأس برواته إلا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة وفي الباب عن أنس خرجه سعيد بن منصور وأبو داود وفي إسناده أيضا ضعف الحديث: 3653 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 3654 - (الجهاد أربع) أي جهاد النفس الذي هو أصل جهاد العدو الخارج ومقدم عليه أربع مراتب المرتبة الأولى والثانية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أي مجاهدتها على أن تأمر بالمعروف وتنتهي عن المنكر في ذاتها ثم جهادها على أن تصدع الظلمة بالأمر والنهي وتجاهدهم باليد عند القدرة فاللسان بحيث لا يخاف في ذلك لومة لائم (و) المرتبة الثالثة (الصدق في مواطن الصبر) بأن يجاهدها على صدق العزيمة والصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق وتحمل ذلك كله لله وحده (و) المرتبة الرابعة (شنآن الفاسق) أي إظهار معاداته لله لأجل فسقه والمراد به ما يشمل المنافق فجهاد الكفار أخص بالسنان وجهاد المنافقين أخص باللسان قال ابن القيم وغيره: وجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمعانون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا ومددا ثم ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم فمن أمر بالمعروف شد عضد المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق ومن صدق في مواطن الصبر فقد قضى ما عليه. اه بحروفه فاقتصار المصنف على بعض الحديث بغير ملجئ تقصير وإن كان جائزا (حل) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه عبيد الله الوصافي نقل في الميزان عن جميع تضعيفه واستحقاقه للترك ثم أورد له أخبارا هذا منها الحديث: 3654 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 3655 - (الجلاوزة) قال في الفردوس: هم أصحاب الشرط وفي القاموس الجلواز بالكسر الشرطي (والشرط) جمع شرطي وهو شرطي السلطان وشرط السلطان هم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على سائر الجند (وأعوان الظلمة كلاب النار) أي نار جهنم يعني أخسهم وأحقرهم كما أن الكلاب أخس الحيوانات وأحقرها أو ينبحون على أهلها لشدة العذاب كالكلاب أو يكون فيها على صورة الكلاب (حل عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه الديلمي باللفظ المزبور الحديث: 3655 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 3656 - (الجيران) بكسر الجيم جمع جار (ثلاثة: فجار له حق واحد) على جاره (وهو أدنى الجيران حقا وجار له حقان وجار له ثلاث حقوق فأما الذي له حق واحد فجار مشرك) يعني كافر وخص المشرك لغلبته حينئذ (لا رحم له) أي لا قرابة بينه وبين جاره المؤمن فهذا (له حق الجوار) فقط بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح (وأما الذي له حقان) على جاره (فجار مسلم) فهذا (له حق الإسلام وحق الجوار وأما الذي له ثلاث حقوق فجار مسلم ذو رحم) فهذا له (حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم) فاستفدنا أن المجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض على هذا الترتيب وأقرب أهل المرتبة الثالثة وأحقها بما يستوجبه الجار من الإكرام الزوجة فإن كانت قريبة فهي آكد وقد ورد في الإكرام من الأخبار والآثار ما لا يخفى على الموفقين. قال سبحانه وتعالى {والجار ذي القربى والجار الجنب} قيل الأول المسلم والثاني الكافر وقيل الأول القريب المسكين والثاني بعيده وقيل الأول البعيد والثاني الزوجة (البزار) [ص: 367] في مسنده (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (حل) وكذا الديلمي كلهم (عن جابر) ابن عبد الله قال الحافظ العراقي: والكل ضعيف اه. وقال بعضهم: له طرق متصلة ومرسلة وكلها لا تخلو عن مقال ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن شيخه عبد الله بن محمد الحازمي قال الهيثمي: وهو وضاع الحديث: 3656 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 حرف الحاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 3657 - (حافظ) من المحافظة مفاعلة من الحفظ وهو رعاية العمل علما وهيئة ووقتا وإقامة بجميع ما يحصل به أصله ويتم به عمله وينتهي إليه كماله وأشار إلى كمال الاستعداد لذلك بإرادة الاستعلاء فقال (على العصرين) فجمع وعرف ليعم جميع كيفياتهما أي افعل في حفظهما فعل من يناظر آخر فإنه لا مندوحة بينهما في حال من الأحوال وهذا الحديث له تتمة وهو قول الصحابي قلت: يا رسول الله وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها. قال الزمخشري: سماهما بالعصرين وهما الغداة والعشي ولقد أحسن القائل: أماطله العصرين حتى يملني. . . ويرضى بنصف الدين والأنف وقال الأكمل: هذا من باب التغليب غلب العصر على الفجر لأن رعاية العصر أشد من حيث الإشتغال بمصالحهم وقال الخطابي: غلب العصر على الفجر لزيادة فضلها لأنها الوسطى والغالب في التغليب رعاية الأشرف وتعقبه المحقق العراقي بأنه لا حاجة لادعاء التغليب لقول الصحاح العصران الغداة والعشي فالصلاتان واقعتان في نفس العصرين وخصهما بالأمر لأن وقتها مظنة للإشتغال عنهما (د ك هق) في المناقب (عن فضالة الليثي) الزهراني صحابي اسم أبيه عبد الله أو وهب قال: كان فيما علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لي ذلك الحديث: 3657 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 3658 - (حامل القرآن) أي حافظه المواظب على تلاوته (موقى) بالقاف مبنيا للمفعول أي محفوظ من النار أي من كل شر وبلاء مصان من الأذى فمن أراده بسوء مقت وخذل والعاقبة للمتقين وفي رواية يوقى بياء أوله (فر عن عثمان) ابن عفان ورواه عنه من طريقين وفيه حمد بن راشد المكحولي قال النسائي: ليس بقوي الحديث: 3658 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 3659 - (حامل كتاب الله تعالى) أي حافظ القرآن (له في بيت المسلمين في كل سنة مائتا دينار) أي يستحق فيه ذلك القدر أي إن كان لائقا بمؤونته ومؤونة ممونه وإلا زيد أو نقص بقدر الحاجة والمصلحة كما دل عليه نصوص أخر ثم ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي فإن مات وعليه دين قضى الله عز وجل ذلك الدين اه بلفظه فإتيان المصنف ببعض الحديث وحذفه بعضا من سوء التصرف وإن جاز (فر) وكذا العقيلي (عن سليك) بن عمرو وقيل ابن هدية الذي جاء والنبي يخطب (الغطفاني) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء [ص: 368] نسبة إلى غطفان قبيلة كبيرة من قيس عيلان وفيه العباس بن الضحاك قال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: قال ابن حبان: دجال كذاب ومقاتل بن سليمان قال الذهبي في الضعفاء والمتروكين: قال ابن حبان: كذبه وكيع وغيره ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف الحديث: 3659 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 3660 - (حامل القرآن حامل راية الإسلام) استعارة فإنه لما كان حاملا للحجة المظهرة للإسلام وقمع الكفار كان كحامل الراية في حربهم قال الغزالي: فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن واشتغالا برفع راية الإيمان (من أكرمه فقد أكرم الله ومن أهانه) من حيث أنه حامله (فعليه لعنة الله) أي الطرد والبعد عن رحمة الله وهذا في قارئ عمل على أنه مظهر لنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وسننه وأخلاقه وعشرته وصار للناس قدوة في مفروضات الدين وأسوة في مسنوناته وكمالاته ونور هدي في علمه غير قاصدين علوا ولا معاشا ذكره الحرالي (فر عن أبي أمامة) وفيه محمد بن يونس قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: اتهم بالوضع وعبد الله بن داود قال الذهبي: ضعفوه وأبو بكر بن عياش قال الذهبي: ضعفه ابن نمير وهو ثقة ونور بن يزيد قال الذهبي: ثقة مشهور بالقدر الحديث: 3660 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 3661 - (حاملات) يعني النساء (والدات مرضعات رحيمات بأولادهن) أي لا يزلن كذلك فهن خيرات مباركات (لولا ما يأتين إلى أزواجهن) أي من كفران العشرة ونحوه (دخل مصلياتهن الجنة) في إفهامه أن غير مصلياتهن لا يدخلنها وهو وارد على منهج الزجر والتهويل والتخويف وإلا فكل من مات على الإسلام لا بد أن يدخلها أو لا يدخلنها حتى يطهرن بالنار إن لم يعف عنهن وسبب الحديث أن النساء ذكرن عنده فذكره (حم هـ طب ك) وصححه (عن أبي أمامة) ظاهر صنيع المصنف أن كلا من مخرجيه رواه كله وليس بصواب فابن ماجه والحاكم إنما رواه كما قال الحافظ العراقي دون قوله مرضعات وهي عند الطبراني في الصغير الحديث: 3661 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 3662 - (حب الدنيا رأس كل خطيئة) بشاهد التجربة والمشاهدة فإن حبها يدعو إلى كل خطيئة ظاهرة وباطنة سيما خطيئة يتوقف تحصيلها عليها فيسكر عاشقها حبها عن علمه بتلك الخطيئة وقبحها وعن كراهتها واجتنابها وحبها يوقع في الشبهات ثم في المكروه ثم في المحرم وطالما أوقع في الكفر بل جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حب الدنيا فإن الرسل لما نهوا عن المعاصي التي كانوا يلتمسون بها حب الدنيا حملهم على حبها تكذيبهم فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا ولا تنسى خطيئة الأبوين فإن سببها حب الخلود في الدنيا ولا تنسى خطيئة إبليس فإن سببها حب الرياسة التي هي شر من حب الدنيا وكفر فرعون وهامان وجنودهما فحبها هو الذي عمر النار بأهلها وبغضها هو الذي عمر الجنة بأهلها ومن ثم قيل الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى خاسرا نادما <تنبيه> قال الغزالي: قد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم حب الدنيا رأس كل خطيئة ولو لم يحب الناس الدنيا هلك العالم وبطل المعاش إلا أنه علم أن حب الدنيا مهلك وإن ذكر كونه مهلكا لا ينزع الحب من قلب الأكثر إلا الأقلين الذي لا تخرب الدنيا بتركهم فلم يترك النصح وذكر ما في حب الدنيا من الخطر ولم يترك ذكره خوفا من أن يترك ثقة بالشهوات المهلكة التي سلطها الله على عباده ليسوقهم بها إلى جهنم تصديقا لقوله {ولكن حق القول مني} الآية. <تنبيه> أخذ بعضهم من الحديث أنه ينبغي أن [ص: 369] لا يؤخذ العلم إلا عن أقل الناس رغبة في الدنيا فإنه أنور قلبا وأقل إشكالات في الدين فكيف يؤخذ علم عمن جمع في قلبه رأس خطيئات الوجود كيف وذلك يمنع من دخول حضرة الله وحضرة رسوله فإن حضرته تعالى كلامه وحضرة رسوله كلامه ومن لم يتخلق بأخلاق صاحب الكلام لا يمكنه دخول حضرته ولو في صلاته إذ لا يفهم أحد عن أعلى صفة إلا أن صلح لمجالسته فمن زهد في الدنيا كما زهد فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أهل لفهم كلامه ولو رغب فيها كغالب الفقهاء لا يؤهل لذلك ولا يفهم مراد الشارع إلا إن فسر له بكلام مغلق قلق ضيق كذا في إرشاد الطالبين قال: وسمعت نصرانيا يقول لفقيه: كيف يزعم علماؤكم أنهم ورثة نبيهم وهم يرغبون فيما زهد رهباننا قال: كيف قال: لأنهم يأخذون في إقامة شعار دينهم من تدريس وخطابة وإمامة ونحوها عرضا من الدنيا ولو منعوه لعطلوها وجميع الرهبان يقومون بأمر ديننا مجانا فانظر قوة يقين أصحابنا وضعف يقين أصحابكم فلو صدقوا ربهم أن ما عنده خير وأبقى لزهدوا في الدنيا كما زهد فيها نبيهم والرهبان وشكى بعضهم لعارف كثرة خواطر الشيطان فقال: طلق بنته يهجر زيارتك وهي الدنيا تريد أن يقطع رحمه لأجلك قال: هو يأتي لمن لا دنيا عنده قال: إن لم تكن عنده فهو خاطب لها ومن خطب بنت رجل فتح باب مودته وإن لم يدخل بها وكان الربيع بن خيثم يقول: أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم يدخلها حب الآخرة (هب عن الحسن) البصري (مرسلا) ثم قال أعني البيهقي ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ الزين العراقي: ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح ومثل به في شرح الألفية للموضوع من كلام الحكماء وقال هو من كلام مالك بن دينار كما رواه ابن أبي الدنيا أو من كلام عيسى عليه السلام كما رواه البيهقي في الزهد وأبو نعيم في الحلية وعد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن ابن المديني أثنى على مراسيل الحسن والإسناد إليه حسن وأورده الديلمي من حديث علي وبيض لسنده الحديث: 3662 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 3663 - (حب الثناء من الناس يعمي ويصم) أي يعمي عن طريق الحق والرشد ويصم عن استماع الحق وإذا غلب الحب على القلب ولم يكن له رادع من عقل أو دين أصم عن العدل وأعمى عن الرشد وقال: وعين الرضى عن كل عيب كليلة. . . ولكن عين السخط تبدي المساويا (فر عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: في سنده ضعيف وذلك لأن فيه حميد بن عبد الرحمن قال الخطيب: مجهول والفضل بن عيسى قال الذهبي: ضعفوه عن عباد بن منصور ضعف أيضا وهذا الحديث رواه أيضا البغوي والعسكري عن أبي الدرداء بلفظ حبك الشيء يعمي ويصم وعده العسكري من الأمثال الحديث: 3663 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 3664 - (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) أي إذا أحبهم كان حبهم آية إيمانهم وإذا أبغضهم كان بغضهم علامة نفاقه لأن هذا الدين نشأ منهم وكان قيامه بسيوفهم وهممهم والظاهر من حال من أبغضهم أنه إنما أبغضهم لذلك وهو كفر ومن أمثالهم فرقك بين الرطب والفحم هو الفرق بين العرب والعجم (ك) في المناقب من حديث مغفل بن مالك عن الهيثم بن حماد عن ثابت (عن أنس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن الهيثمي متروك ومعقل مضعف الحديث: 3664 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 3665 - (حب أبي بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (إيمان وبغضهما نفاق) أي نوع منه على ما تقرر فيما قبله وهذا من مفاخرهما الشريفة ومناقبهما المنيفة قال ابن تيمية: وإذا كان بغضهم نوع نفاق فمقتضاه أن حبهم نوع إيمان (عد عن أنس) بن مالك وفيه حازم بن الحسين قال في الميزان عن أبي داود روى مناكير وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 3665 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 [ص: 370] 3666 - (حب قريش إيمان وبغضهم كفر وحب العرب إيمان وبغضهم كفر فمن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني) لأن من علامة صدق الحب حب كل ما ينسب إلى المحبوب فإن من يحب إنسانا يحب كلب محلته فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما يكتنف بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه ذلك وليس شركة في حب الله فإن من أحب رسول المحبوب لكونه رسوله وكلامه لكونه كلامه ومن ينتمي إليه لكونه من حزبه لم يجاوز حبه إلى غيره بل هو كمال حبه (طس عن أنس) قال الهيثمي: فيه الهيثم بن حماد وهو متروك ورواه عن أنس أيضا الحاكم وقال: حسن صحيح واعترض بأن فيه عنده الهيثم المذكور قال الزين العراقي في القرب: لكن له شاهد من حديث ابن عمر في المعجم الكبير للطبراني الحديث: 3666 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 3667 - (حب الأنصار آية الإيمان) أي علامته (وبغض الأنصار آية النفاق) فإنهم آووا النبي صلى الله عليه وسلم وبذلوا الجهد في رفع منار الإسلام وجادوا بالأموال بل بالأنفس فمن أبغضهم من هذه الجهة فهو كافر حقيقة (ن عن أنس) بن مالك ورواه عنه أبو يعلى بلفظ حب الأنصار آية كل مؤمن وبغضهم آية كل منافق الحديث: 3667 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 3668 - (حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهم كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة) قال الحليمي: في هذا وما قبله تفضيل العرب على العجم فلا ينبغي لأحد إطلاق لسانه بتفضيل العجم على العرب بعد ما بعث الله أفضل رسله من العرب وأنزل آخر كتبه بلسان العرب فصار فرضا على الناس أن يتعلموا لغة العرب ليعقلوا عن الله أمره ونهيه ومن أبغض العرب أو فضل العجم عليهم فقد آذى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أسمعه في قومه خلاف الجميل ومن آذاه فقد آذى الله ذكره الحليمي (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما عدل عنه وهو غفلة فقد رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس عن جابر باللفظ المزبور لكنهما قالا بدل قوله هنا فأنا إلخ فلا لعنه الله الحديث: 3668 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 3669 - (حبب) بالبناء للمفعول (إلي من دنياكم) هذا لفظ الوارد ومن زاد كالزمخشري والقاضي لفظ ثلاث فقد وهم قال الحافظ العراقي في أماليه: لفظ ثلاث ليست في شيء من كتب الحديث وهي تفسد المعنى وقال الزركشي: لم يرد فيه لفظ ثلاثة وزيادتها مخلة للمعنى فإن الصلاة ليست من الدنيا وقال ابن حجر في تخريج الكشاف: لم يقع في شيء من طرقه وهي تفسد المعنى إذ لم يذكر بعدها إلا الطيب والنساء ثم إنه لم يضفها لنفسه فما قال أحب تحقيرا لأمرها لأنه أبغض الناس فيها لا لأنها ليست من دنياه بل من آخرته كما ظن إذ كل مباح دنيوي ينقلب طاعة بالنية فلم يبق لتخصيصه حينئذ وجه [ص: 371] ولم يقل من هذه الدنيا لأن كل واحد منهم ناظر إليها وإن تفاوتوا فيه وأما هو فلم يلتفت إلا إلى ما ترتب عليه مهم ديني فحبب إليه (النساء) والإكثار منهن لنقل ما بطن من الشريعة مما يستحيا من ذكره من الرجال ولأجل كثرة سواد المسلمين ومباهاته بهم يوم القيامة (والطيب) لأنه حظ الروحانيين وهم الملائكة ولا غرض لهم في شيء من الدنيا سواه فكأنه يقول حبي لهاتين الخصلتين إنما هو لأجل غيري كما يوضحه قول الطيبي جيء بالفعل مجهولا دلالة على أن ذلك لم يكن من جبلته وطبعه وإنما هو مجبول على هذا الحب رحمة للعباد ورفقا بهم بخلاف الصلاة فإنها محبوبة له بذاتها ومنه قوله أرحنا يا بلال بالصلاة أي أشغلنا عما سواها بها فإنها تعب وكدح وإنما الاسترواح في الصلاة فأرحنا بالنداء بها فلذلك قال " وجعلت قرة عيني في الصلاة " ذات الركوع والسجود وخصها لكونها محل المناجاة ومعدن المصافاة وقيل المراد صلاة الله عليه وملائكته ومنع بأن السياق يأباه وقدم النساء للاهتمام بنشر الأحكام وتكثير سواد الإسلام وأردفه بالطيب لأنه من أعظم الدواعي لجماعهن المؤدي إلى تكثير التناسل في الإسلام مع حسنه بالذات وكونه كالقوت للملائكة الكرام وأفرد الصلاة بما يميزها عنهما بحسب المعنى إذ ليس فيها تقاضي شهوة نفسانية كما فيهما وإضافتها إلى الدنيا من حيث كونها ظرفا للوقوع وقرة عينه فيها بمناجاته ربه ومن ثم خصها دون بقية أركان الدنيا هذا ما ذكره القاضي كغيره في بيان وجه الترتيب وقال بعضهم: لما كان القصد بسياق الحديث بيان ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم من متاع الدنيا بدأ بالنساء كما قال في الحديث الآخر ما أصبنا من دنياكم إلا النساء ولما كان الذي حبب إليه من متاع الدنيا هو أفضلها النساء بدليل خبر الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ناسب أن يضم إليه بيان أفضل الأمور الدينية وهو الصلاة فالحديث على أسلوب البلاغة من جمعه بين أفضل أمور الدنيا وأفضل أمور الدين وفيه ضم الشيء إلى نظيره وعبر في أمر الدين بعبارة أبلغ مما عبر به اقتصر في أمر الدنيا على مجرد التحبب وقال في أمر الدين جعلت قرة عيني في الصلاة فإن في قرة العين من التعظيم ما لا يخفى قال الغزالي: جعل الصلاة من جملة ملاذ الدنيا لأن كل ما يدخل في الحس والمشاهدة فهو من عالم المشاهدة والشهادة وهو من الدنيا والتلذذ بتحريك الجوارح في السجود والركوع إنما يكون في الدنيا فلذلك أضافها للدنيا والعابد قد يأنس بعبادته فيستلذ بها بحيث لو منع منها لكان أعظم العقوبات عليه حتى قال بعضهم: ما أخاف من الموت إلا من حيث أنه يحول بيني وبين قيام الليل وقال آخر: اللهم ارزقني قوة الصلاة في القبر. <تنبيه> قالوا: قد رجعت التكاليف كلها في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم قرة عين وإلهام طبع فصلاته كتسبيح أهل الجنة ليس على وجه الكلفة والتكليف وقال بعضهم: من كمال أهل الله بقاء حكم الطبع فيهم ليستوفي به أحدهم ما قسم له من الحظوظ المأذون فيها فالكامل لما فني عن الدنيا وما فيها رد إليه ما حبس عنه حال سيره إلى ربه في بدايته فاستوفاها امتثالا لأمر ربه فلم ينقص مقامه بذلك بل زاد كمالا (حم ن ك هق عن أنس) ابن مالك قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد وقال ابن حجر: حسن واعلم أن المصنف جعل في الخطبة حم رمزا لأحمد في مسنده فاقتضى ذلك أن أحمد روى هذا في المسند وهو باطل فإنه لم يخرجه فيه وإنما خرجه في كتاب الزهد فعزوه إلى المسند سبق ذهن أو قلم وممن ذكر أنه لم يخرجه في مسنده المؤلف نفسه في حاشيته للقاضي فتنبه لذلك وزعم الزركشي أن للحديث تتمة في كتاب الزهد لأحمد هي أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن وتعقبه المؤلف بأنه مر عليه مرارا فلم يجده فيه لكن في زوائده لابنه عبد الله بن أحمد عن أنس مرفوعا قرة عيني في الصلاة وحبب إلي النساء والطيب. الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من النساء فلعله أراد هذا الطريق الحديث: 3669 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 3670 - (حببوا الله إلى عباده يحبكم الله) أي ذكروهم بآلائه عليهم ليحبوه فيشكروه فيضاعف مزيده عليهم لأنكم إن فعلتم ذلك أحبكم والمحبة توصل إلى القلوب ألطافا وتجلب إليها انعطافا أوحى الله تعالى إلى داود ذكر عبادي إحساني [ص: 372] إليهم ليحبوني فإن عبادي لا يحبون إلا من أحسن إليهم (1) . <فائدة> قال المحقق الصفدي: محبة العبد إلى ربه قسمان أحدهما ينشأ عن مشاهدة الإحسان ومطالعة الآلاء والنعم فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها ولا إحسان أعظم من إحسان الرب (طب والضياء) المقدسي (عن أبي أمامة) وفيه عبد الوهاب بن الضحاك الحميصي قال في الميزان: كذبه أبو حاتم وقال النسائي وغيره: متروك والدارقطني: منكر الحديث والبخاري: عنده عجائب ثم أورد له أوابد هذا منها   (1) ويحتمل أن يكون المراد بأن يخبروهم بأنه سبحانه وتعالى يقبل توبة المذنب وإن ملأت ذنوبه ما بين السماء والأرض الحديث: 3670 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 3671 - (حبذا) أصله حبب بضم الحاء بدليل مجيء اسم الفاعل منه على فعيل نحو حبيب نحو كريم من كرم قال الزمخشري: وهو مسند إلى اسم الإشارة إلا أنهما جريا بعد التركيب مجرى الأمثال الذي لا تتغير (المتخللون من أمتي) أي المنقون أفواههم بالخلال من آثار الطعام أو المراد المخللون لشعورهم في الطهارة ولا مانع من الجمع ويدل عليه الخبر الآتي على أثره (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه في الأوسط قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي جعفر الأنصاري لم أجد من ترجمه الحديث: 3671 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 3672 - (حبذا) كلمة مدح ركبت من كلمتين أي حب هذا الأمر (المتخللون من أمتي في الوضوء والطعام) من آثاره وفضلات زهومة اللحم ونحوه فيستحب ذلك لأنه إذا بقي زمانا أنتن فتأذى برائحته هو وغيره (حم عن أبي أيوب) الأنصاري ورواه القضاعي في الثواب وقال شارحه حسن وقال المنذري: مدار طرقه كلها على واصل بن عبد الرحمن الرقاشي وفيه خلاف الحديث: 3672 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 3673 - (حبذا المتخللون بالوضوء والمتخللون من الطعام. أما تخليل الوضوء فالمضمضة والاستنشاق وبين الأصابع وأما تخليل الطعام فمن الطعام) أي من أثره (إنه ليس شيء أشد على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهو قائم يصلي) أي الكاتبين الملازمين للمكلف وقوله حبذا أي هو حبيب جعل حب وذا كشيء واحد وهو اسم وما بعده مرفوع به ولزم ذا حب وجرى كالمثل بدليل قوله في المؤنث حبذا لا حبذة وحب هذا الشيء حبا حببه إلي جعلني أحبه (طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي: فيه واصل بن السائب الرقاشي وهو ضعيف اه وقال ابن القيم: حديث لا يثبت وفيه واصل بن السائب قال البخاري والرازي: منكر الحديث والنسائي والأزدي: متروك الحديث: 3673 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 3674 - (حبك الشيء) في رواية للشيء (يعمي ويصم) أي يجعلك أعمى عن عيوب المحبوب أصم عن سماعها حتى لا تبصر قبيح فعله ولا تسمع فيه نهي ناصح بل ترى القبيح منه حسنا وتسمع منه الخنا قوله جميلا وهذا معنى قول كثير يعمي العين عند النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن العذل فيه أو يعمي ويصم عن الآخرة أو عن طرق الهدى وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في حبه وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال والحب لذة تعمي عن رؤية غير المحبوب وتصمه عن سماع العذل فيه والمحبة إذا استولت على القلب سلبته عن صفاته وقال القائل: وعين الرضى عن كل عيب كليلة. . . ولكن عين السخط تبدي المساويا [ص: 373] وقال بعضهم: وكذبت طرفي فيك والطرف صادق. . . وأسمعت أذني فيك ما ليس تسمع وقال أيضا: أصمني الحب إلا عن تسارره. . . فمن رأى حب جب يورث الصمما وكفني الحب إلا عن رعايته. . . فالحب يعمي وفيه القتل إن كتما (حم تخ د) في الأدب (عن أبي الدرداء) قال الحافظ العراقي: وإسناده ضعيف وقال الزركشي: روي من طرق في كل منها مقال وقال المصنف في الدرر كأصله الوقف أشبه (الخرائطي في) كتاب (اعتلال القلوب عن أبي برزة) الأسلمي فضلة بن عبيد (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الله بن أنيس) أشار بتعدد مخرجيه وطرقه إلى دفع زعم الصغاني وضعه وقوله فيه ابن أبي مريم كذوب أبطله الحافظ العراقي بأنه لم يتهمه أحد بكذب ويكفينا سكوت أبي داود فزعم وضعه بهت بل ولا نسلم حذفه بل ولا ضعفه بل هو حسن وما اشتهر على الألسنة من خبر المحبة مكبة لا أصل له الحديث: 3674 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 3675 - (حتم على الله أن لا يستجيب دعوة مظلوم) دعى بها على من ظلمه (ولأحد) من الخلق (قبله) بكسر ففتح أي جهته (مثل مظلمته) أي في النوع والجنس والحتم الواجب يقال حتم عليه الأمر حتما أوجبه جزما وانحتم الأمر وتحتم وجب وجوبا لا يمكن إسقاطه (عد عن ابن عباس)   (1) [أي أن الله لا يستجيب لدعوته إذا كان لأحد من الخلق مظلمة مثلها ضده. دار الحديث] الحديث: 3675 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 3676 - (حجبت) وفي رواية القضاعي حفت (النار بالشهوات) أي ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع منه أصالة أو لاستلزامه ترك مأمور وألحق به الشبهات والإكثار من المباحات خوف الوقوع في محرم (وحجبت الجنة بالمكاره) أي بما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالإتيان بالعبادة على وجهها والمحافظة عليها وتجنب المنهي قولا وفعلا وأطلق عليها مكاره لمشقتها وصعوبتها على العامل فلا يصل إلى النار إلا بتعاطي الشهوات ولا إلى الجنة إلا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم (خ عن أبي هريرة) وظاهر صنيعه أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول بل هو في مسلم أيضا كما ذكره الديلمي وغيره الحديث: 3676 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 3677 - (حجج تترى وعمر نسقا) بفتحتين فعل بمعنى مفعول أي منظومات عطف بعضهن على بعض (يدفعن ميتة السوء وعيلة الفقر) بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية أي شدة الفقر (عب عن عامر بن عبد الله بن الزبير مرسلا) عابد كبير القدر قال ابن عيينة: اشترى نفسه من الله ست مرات مات بعد العشرين ومئة (فر عن عائشة) وفيه أحمد بن عصام فإن كان هو الموصلي فقد قال الدارقطني: ضعيف أو البلخي فقال أبو حاتم: مجهول الحديث: 3677 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 3678 - (حجة) بكسر الحاء وفتحها قال الكرماني والمعروف في الرواية الفتح قال الجوهري: الحجة بالكسر المدة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس الفتح (لمن لم يحج) حجة الإسلام (خير من عشر غزوات) أي هي أفضل في حقه من عشر غزوات يغزوها في سبيل الله (وغزوة لمن قد حج خير له من عشر حجج وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر [ص: 374] ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها والمائد) أي الدايخ (فيه كالمتشحط في دمه) (طب) وفي الأوسط (هب) كلاهما (عن ابن عمرو) بن العاص وسنده لا بأس به الحديث: 3678 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 3679 - (حجة) واحدة (خير من أربعين غزوة) أي لمن لم يحج وقد وجب عليه الحج (وغزوة) واحدة (خير من أربعين حجة) لمن حج حجة الإسلام وتعين عليه الجهاد وهذا ظاهر (البزار) في مسنده من حديث عنبسة بن عشرة (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات وعنبسة وثقه ابن حبان وجهله الذهبي الحديث: 3679 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 3680 - (حجة قبل غزوة أفضل من خمسين غزوة) لمن لم يحج حجة الإسلام (وغزوة بعد حجة أفضل من خمسين حجة) أي إن تعين فرض الجهاد عليه (ولموقف ساعة) أي لحظة لطيفة (في سبيل الله أفضل من خمسين حجة) تطوعا لمن كان الجهاد في حقه فرضا عينيا والحاصل أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال (1) (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي باللفظ المزبور   (1) وظاهر هذه الأحاديث أن الجهاد في حق من حج حجة الإسلام أفضل مطلقا أي سواء تعين عليه أو لم يتعين الحديث: 3680 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 3681 - (حج) يا أبا رزين (عن أبيك) عقيل الذي كبر (واعتمر) عنه (1) أما الصحيح فلا يحج عنه لا في فرض ولا نفل كما قال الشافعي وجوزه أبو حنيفة وأحمد في النفل ثم هذا الحديث مخصوص بمن حج عن نفسه كما يفيده الخبر الآتي وحمله الحنفية على عمومه فأجازوا حج من لم يحج نيابة عن غيره وفيه تأكيد أمر الحج حتى المكلف لا يعذر بتركه عند عجزه عن من يستنيب وفيه وجوب العمرة وأما خبر جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أهي واجبة فقال: لا وأن تعتمر خير لك فضعيف قال في المجموع: وقول الترمذي حسن صحيح غير مقبول فإن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف مدلس اتفاقا (ت ن هـ) في الحج (ك عن أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزاي لقيط بن عامر العقيلي قال التتائي: حسن صحيح وقال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة أجود ولا أصح منه   (1) وسببه كما في ابن ماجه عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: حج فذكره الحديث: 3681 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 3682 - (حج) أولا (عن نفسك) (1) يا أبا طيش (2) بن نبيشة الذي لم يحج عن نفسه وقد قال لبيك عن شبرمة (ثم حج عن [ص: 375] شبرمة) بشين معجمة مضمومة فموحدة ساكنة فراء مضمومة ومن قال شبرمنت فقد صحف وحرف وفيه أنه لا يصح ممن عليه حج واجب الحج عن غيره وكذا العمرة فإن أحرم عن غيره وقع عن نفسه وعليه الشافعي وصححه أبو حنيفة ومالك والحديث حجة عليهما والجمهور على كراهة إجازة الإنسان نفسه للحج لكن حمل على منع قصد الدنيا أما بقصد الآخرة لاحتياجه للأجرة ليصرفها في واجب أو مندوب فلا (د) في الحج (عن ابن عباس) ظاهر اقتصاره على أبي داود أنه تفرد به عن الستة والأمر بخلافه فقد رواه ابن ماجه بالخبر أيضا وقال البيهقي: صحيح ليس في الباب أصح منه وقال ابن حجر: رواته ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد مرسل   (1) وسببه كما في أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال: من شبرمة قال: أخ أو قريب لي قال: حججت عن نفسك قال: لا قال: حج عن نفسك فذكره (2) قوله يا أبا طيش بن نبيشة هذا سبق قلم صوابه يا نبيشة قال العلقمي: قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة الحديث: 3682 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 3683 - (حجوا قبل أن لا تحجوا) أي اغتنموا فرصة الإمكان والفوز بتحصيل هذا الشعار العظيم الحاوي للفضل العميم قبل أن يفوت فإنه فائت ولا بد أن يمتنع عليكم الحج ويحال بينكم وبينه (فكأني أنظر إلى) عبد (حبشي أصمع) بصاد مهملة أي صغير الأذن وفي رواية بدله أصلع (أفدع) (1) بوزن أفعل أي متفاصل المفاصل والفدع محركا اعوجاج الرسغ من اليد والرجل فينقلب الكف والقدم إلى الجانب الآخر (بيده معول يهدمها) حال كونه هدمه (حجرا حجرا) زاد في رواية ويتناولونها حتى يرمونها يعني حجارة الكعبة إلى البحر وزاد أحمد فلا تعمر بعد ذلك أبدا وذلك قرب الساعة وهو من أشراطها وقال الطيبي: وهذا استحضاره لتلك الحالة القريبة في الذهن تعجبا وتعجيبا للغير ونحوه {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم} في وجه وقد جاء في تخريب الكعبة أحاديث كثيرة عند البخاري وغيره وهذا التخريب لا ينافيه قوله تعالى {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا} ولا خبر الصحيح إني أحلت لي مكة ساعة من نهار ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة لأن تخريبه مقدمة لخراب الدنيا بدليل الحديث القدسي قال الله تعالى: إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته فكونه آمنا محترما إنما هو قبل ذلك على أن الحكم بالحرمة والأمن باق إلى يوم القيامة بالفعل لكن باعتبار أغلب أوقاته وإلا فكم وقع فيه من قتال وإخافة لأهله جاهلية وإسلاما في زمن ابن الزبير وبعده إلى زمننا ولو لم يكن إلا وقعة القرامطة (ك هق) في الحج من حديث الحارث بن سويد (عن علي) أمير المؤمنين قال الحارث: سمعت عليا يقوله فقلت له شيء تقول برأيك أو سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكنني سمعته من نبيكم انتهى وتعقبه الذهبي في التلخيص والمهذب بأن حصين بن عمر الأحمش أحد رواته واه ويحيى ليس بعمدة   (1) أصمع بفتح الهمزة ثم سكون الصاد المهملة ثم ميم مفتوحة ثم عين مهملة قال في النهاية: الأصمع الصغير الأذن من الناس وغيرهم وأفدع بفاء ودال مهملة بوزن أفعل أي يمشي على ظهور قدميه قال في النهاية: الفدع بالتحريك زيغ بين عظم القدم وبين عظم الساق وكذلك في اليد وهو أن ترذل المفاصل عن أماكنها الحديث: 3683 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 3684 - (حجوا قبل أن لا تحجوا) قالوا: وما شأن الحج يا رسول الله قال: (تقعد أعرابها على أذناب أوديتها) أي المواضع التي تنتهي إليه مسائل الماء وذبابة الوادي بالضم الموضع الذي ينتهي إليه سيله (فلا يصل إلى الحج أحد) (1) قال القرطبي: وذلك بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف وذلك بعد موت عيسى عليه الصلاة والسلام حتى لا يبقى في الأرض من يقول الله الله وقد مر لذلك مزيد تبيان وفي رواية حجوا قبل أن تنبت شجرة في البادية لا تأكل منها دابة إلا نفقت ولا تعارض لاحتمال وقوع الأمرين معا (هق) في الحج (عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب: إسناده واه اه. [ص: 376] ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور وتعقبه مختصره الغرياني بأن فيه عبد الله بن عيسى بن يحيى شيخ لعبد الرزاق مجهول ومحمد بن أبي محمد مجهول وأورده ابن الجوزي في العلل وجعل علته جهالة محمد بن أبي محمد   (1) فيحولون بين الناس وبين البيت الحديث: 3684 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 3685 - (حجوا فإن الحج يغسل الذنوب) وفي رواية الإثم (كما يغسل الماء الدرن) أي الوسخ (1) (طس عن عبد الله ابن جراد) قال الهيثمي: فيه يعلى بن الأشدق وهو كذاب اه   (1) فهو يكفر الكبائر والصغائر الحديث: 3685 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 3686 - (حجوا تستغنوا) بغناء الله تعالى بأن يبارك لكم فيما رزقكم (وسافروا تصحوا) فإن السفر مصحة للبدن وزاد الديلمي في روايته وتناكحوا تكثروا فإني مباهي بكم الأمم (عب عن صفوان بن سليم) بضم الميم وفتح اللام (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه متصلا لأحد وإلا لما اقتصر على رواية إرساله وهو عجب فقد رواه في مسند الفردوس من حديث ابن عمر الحديث: 3686 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 3687 - (حد) بدال مهملة على ما وقفت عليه من الحروف ثم رأيته في نسخة المصنف بخطه كذلك لكن رأيته ثانيا في أصل الروضة حق بالقاف وهكذا ذكره ابن الملقن وابن جماعة وأثبته الكمال بن أبي شريف هكذا بخطه ثم رأيت في مسند أبي يعلى وغيره من الأصول كذلك وبه يعرف أن التحريف إنما هو من المصنف لا من النساخ (الجوار أربعون دارا) من كل جانب من جوانب الدار وبه أخذ جمع من السلف وقيل هو في المسجد من سمع الأذان والإقامة فيقدر مثله في الدور وقيل مساكنك في محلة أو بلد فهو جارك (هق عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل قال: روي عن عائشة هذا وروي عنها أوصاني جبريل بالجار إلى أربعين دارا وكلاهما ضعيف والمعروف المرسل الذي أخرجه أبو داود اه. ولفظ مرسل أبي داود حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا وأشار قداما ويمينا وخلفا قال الزركشي: سنده صحيح وابن حجر رجاله ثقات ورواه أبو يعلى عن أبي هريرة مرفوعا باللفظ المزبور لكن سنده كما قال الزركشي ضعيف وقال ابن حجر: فيه عبد السلام بن أبي الجنوب منكر الحديث الحديث: 3687 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 3688 - (حد الساحر ضربة بالسيف) روي بالتاء وبالهاء والأول أولى ثم رأيت المصنف ذكره في نسخته بخطه بالهاء وكان الظاهر أن يقال حد الساحر القتل فعدل لما ذكره تصويرا له وإن كان يتجاوز منه إلى أمر آخر قال البيضاوي: محل الحديث إذا اعتقد الساحر أن لسحره تأثيرا بغير القدر وكان سحره لا يتم إلا بدعوة كوكب أو شيء يوجب كفرا اه. وحاصله أنه يقتل إذا كان ما يسحر به كفرا أو أقر أنه قتل بسحره وأنه يقتل غالبا هذا مذهب الشافعي وقالت المالكية: إذا وقع من فاعله فهو كفر مطلقا فيقتل عملا بظاهر الحديث. <فائدة> في تفسير الإمام الرازي أن أهل السنة قد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء أو يقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا لكنهم قالوا إن الله هو الخلاق لهذه الأشياء عند ما يلقي الساحر في أشياء مخصوصة وكلمات معينة (ت ك) كلاهما في الحدود (عن جندب) قال الحاكم: صحيح غريب وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وفيه إسماعيل المكي وهو مضعف من قبل حفظه والصحيح وقفه اه. كذا في جامعه وقال في العلل: سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال: هذا لا شيء وإسماعيل ضعيف جدا اه. ولهذا قال في الفتح: في سنده ضعف وقال الذهبي في الكبائر: الصحيح أنه من قول جندب [ص: 377] انتهى ورواه الطبراني والبيهقي عن جندب مرفوعا وأشار مغلطاي إلى أنه وإن كان ضعيفا يتقوى بكثرة طرقه وقال: خرجه جمع منهم البغوي الكبير والصغير والطبراني والبزار ومن لا يحصى كثرة الحديث: 3688 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 3689 - (حد يعمل في الأرض) أي يقام على من استوجبه (خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا) (1) (ن هـ عن أبي هريرة) قال الديلمي: وفي الباب ابن عباس وابن عمر   (1) أي أنفع من ذلك لئلا تنتهك حقوق الله فيغضب لذلك الحديث: 3689 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 3690 - (حد الطريق) أي مقدار عرضه (سبعة أذرع) يوضحه ما رواه مخرجه الطبراني أيضا عن عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قضى بالرحبة تكون بين الطريق ويريد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك بينهما للطريق سبعة أذرع وفي رواية قضى في الرحبة تكون بين القوم أن الطريق سبعة أذرع (طس عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: فيه سويد بن عبد العزيز وثقه دحيم وضعفه جمهور الأئمة الحديث: 3690 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 3691 - (حدثوا عن بني إسرائيل) أي بلغوا عنهم قصصهم ومواعظهم ونحو ذلك مما اتضح معناه فإن في ذلك عبرة لأولي الأبصار (ولا حرج) عليكم في التحديث عنهم ولو بغير سند لتعذره بطول الأمد فيكفي غلبة الظن بأنه عنهم إنما الحرج فيما لم يتضح معناه وهنا تأويلات بعيدة ووجوه غير سديدة فاحذرها. وتناول حد التحديث ما استحال وقوعه في هذه الأمة كإطالة الثياب ونزول نار من السكاء تأكل القربان (د عن أبي هريرة) قال السخاوي: أصله صحيح وفي رواية ابن منيع وتمام والديلمي حدثوا عن بني إسرائيل فإنه كانت فيهم أعاجيب الحديث: 3691 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 3692 - (حدثوا عني بما تسمعون) يعني بما صح عندكم من حيث السند الذي به يقع التحرز عن الكذب ولا تحدثوا عني بكل ما بلغكم كما في بني إسرائيل لأن ذاك إنما اغتفر لطول الأمد وحصول الفترة بين زمني النبوة (ولا تقولوا) عني (إلا حقا) أي إلا شيئا مطابقا للواقع (ومن كذب علي) بتشديد الياء أي قولني ما لم أقله (بني) بالبناء للمفعول (له بيت في جهنم يرتع فيه) لجرأته على منصب النبوة وهجومه على خرق الشريعة وما ذكر من أن الرواية بما تسمعون بالموحدة في بما هو ما رأيته في نسخ الكتاب وهكذا هو في نسخة مضبوطة محررة من كامل ابن عدي لكن رأيت في أصول صحيحة قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر كما يدل بما وهو أنسب وما تقرر من أن اللفظ من كذب على نبي له هو ما في عدة نسخ وهو الموجود المضبوط في الكامل لابن عدي من نسخ مسموعة على عدة من الجهابذة لكن رأيته في بعض الأصول المفردة أيضا من كذب على نبي والظاهر الأول الذي عليه المعول (طب عن أبي قرصافة) بكسر القاف حيدرة بن خيشنة الكناني ورواه عنه أيضا أبو يعلى وابن عدي ثم قال: هذا الحديث عن أبي قرصافة لا يروى إلا من هذا الطريق الحديث: 3692 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 3693 - (حدثوا الناس) بصيغة الأمر أي كلموهم (بما يعرفون) أي يفهمونه وتدركه عقولهم زاد أبو نعيم في المستخرج [ص: 378] ودعوا ما ينكرون أي ما يشتبه عليهم فهمه (أتريدون) بهمزة الاستفهام الإنكاري ولفظ رواية البخاري أتحبون وهو بمثناة فوقية (أن يكذب الله ورسوله) بفتح الذال المشددة لأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته جهلا فلا يصدق وجوده بل يلزم التكذيب فأفاد أن المتشابه لا ينبغي ذكره عند العامة وقد ذكر ابن عبد السلام في أماليه أن الولي إذا قال إن الله عزر التعزير الشرعي ولا ينافي ذلك الولاية لأنهم غير معصومين انتهى فعلم أن المدرس ينبغي أن يكلم كل طالب على قدر فهمه وعقله فيجيبه بما يحتمله حاله ومن اشتغل بعمارة أو تجارة أو مهنة فحقه أن يقتصر به من العلم على قدر ما يحتاج إليه من هو في رتبته من العامة وأن يملأ نفسه من الرغبة والرهبة الوارد بهما القرآن ولا يولد له الشبه والشكوك فإن اتفق اضطراب نفس بعضهم بشبهة تولدت له أو ولدها له ذو بدعة فتاقت إلى معرفة حقيقتها اختبره فإن وجده ذا طبع موفق للعلم وفهم ثابت وتصور صائب خلى بينه وبين التعلم وسوعد عليه لما يجد من السبيل إليه وإن وجده شريرا في طبعه أو ناقصا في فهمه منعه أشد المنع ففي اشتغاله مفسدتان تعطله عما يعود نفعه إلى العباد والبلاد وشغله بما يكثر من شبهة وليس فيه منفعة وكان بعض المتقدمين إذا ترشح أحدهم لمعرفة حقائق العلوم والخروج من العامة إلى الخاصة اختبر فإن لم يوجد خيرا أو غير منتهى للتعلم منع وإلا شورط على أن يقيد بقيد في دار الحكمة ويمنع أن يخرج حتى يحصل العلم أو يأبى عليه الموت ويقولون إن من شرع في حقائق العلوم ثم لم يبرع فيها تولدت له الشبه وتكثر عليه فيصير ضالا مضلا فيعظم على الناس ضرره وبهذا النظر قيل نعوذ بالله من نصف فقيه أو متكلم (فر عن علي) أمير المؤمنين مرفوعا (وهو في خ موقوفا) على علي بن أبي طالب وهذا بمعنى خبر الحسن بن سفيان عن الحبر يرفعه أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم وسنده كما قال ابن حجر ضعيف جدا لا موضوع الحديث: 3693 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 3694 - (حدثني جبريل قال: يقول الله تعالى لا إله إلا الله حصني) مكان لا يقدر عليه لارتفاعه والحصين المنيع وتحصن دخل الحصن واحتمى به (فمن دخله أمن عذابي) قال الغزالي: فمن أراد دخول ذلك الحصن فليجمع آداب النطق بكلمة الشهادة بأن يجمع جميع حواسه إلى قلبه ويحضر في فؤاده كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذات وأحوال نفس وجوارح بدن حتى يأخذ كل عضو منه وكل جارحة منه قسطه منها فلم ينطق من لم يكن حاله ذلك فيها (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 3694 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 3695 - (حذف السلام) بمهملة فمعجمة أي الإسراع به وعدم مده (سنة) قال ابن الأثير في النهاية: معناه لا يمد ولا يعرب بل يسكن آخره (1) وتبعه المحب الطبري قال ابن حجر: وهو مقتضى كلام الرافعي في الاستدلال به على أن التكبير جزم لا يمد وفيه نظر لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل الإعراب اصطلاح حادث لأهل العربية فكيف تحمل عليه الألفاظ النبوية قال الكمال ابن أبي شريف: بل هو عندهم اصطلاح غريب إذ الجزم عندهم نوع من أنواع الإعراب لا مقابل له وهو مختص بالفعل قال ابن حجر: وأما خبر " التكبير جزم " فلا أصل له. ثم إن ما تقرر من كون المراد بحذف السلام ما ذكر هو ما درجوا عليه لكن رأيت الديلمي فسره بسرعة القيام بعد السلام من الصلاة فقال عقب قوله " سنة ": يعني إذا سلم يقوم عجلا انتهى (حم د ك) وصححه (هق) كلهم (عن أبي هريرة) وقال الترمذي: حسن صحيح وأقره الإشبيلي قال ابن القطان: وهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا كما ذكره أبو داود وقال ابن القطان: لا معرج على ما رفع ولا ما وقف ولو صححه الترمذي وغيره   (1) وقال في النهاية: " حذف السلام في الصلاة سنة " هو تخفيفه وترك الإطالة فيه. ويدل عليه حديث النخعي " التكبير جزم والسلام جزم " فإنه إذا جزم السلام وقطعه فقد خففه وحذفه. انتهى من النهاية. فمثلا لا يقول في التكبير " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا " بل يقتصر على لفظ " الله أكبر " الوارد في السنة ولا يقول في السلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " كما يفعله البعض بل يقتصر على لفظ " السلام عليكم ورحمة الله " الوارد في السنة فليتنبه. دار الحديث) ] الحديث: 3695 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 [ص: 379] 3696 - (حرس ليلة في سبيل الله) أي في الجهاد في سبيله (على ساحل البحر أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله) يعني في وطنه وهو مقيم في عياله (ألف سنة السنة ثلاث مئة يوم) وستون يوما (اليوم كألف سنة) في الميزان هذه عبارة عجيبة ولو صحت كان مجموع ذلك الفضل ثلاث مئة ألف ألف سنة وستين ألف ألف سنة (هـ عن أنس) وفيه سعيد بن خالد ضعفه أبو زرعة وغيره وقال أبو حاتم: منكر الحديث وابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به الحديث: 3696 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 3697 - (حرس ليلة في سبيل الله عز وجل أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها) ببناء يقام ويصام للمجهول أي يحيي الإنسان ليلها بالتهجد فيه كله ويصوم نهارها لله تعالى وهذا منزل على ما إذا تعين الحرس واشتد الخوف وعظم الخطب (طب ك هب) من حديث كهمس عن مصعب بن ثابت عن أبي الزبير (عن عثمان) بن عفان قال أبو الزبير: قال عثمان وهو يخطب: أحدثكم حديثا لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن به سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص وهو غير سديد كيف وقد أورد هو مصعبا هذا في الضعفاء وقال ضعفوا حديثه وقال في الكاشف: فيه لين لغلطه نعم قال ابن حجر: إسناده حسن الحديث: 3697 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 3698 - (حرم الله الخمر) أي شرب شيء منها كثير أو قليل وما كان وسيلة إليه لأنها رجس ولما كانت الخمر هي المشتد من ماء العنب أردف ذلك بقوله (وكل مسكر حرام) ليفيد حرمة المسكر من أي شيء اتخذ والمراد كل ما من شأنه الإسكار وتأوله الحنفية على أنه أراد ما يقع السكر عنده قال الحرالي: ألحق النهي بتحريم الخمر الذي سكرها مطبوع تحريم المسكر الذي سكره مصنوع قال أبو المظفر السمعاني وكان حنفيا ثم تحول شافعيا: ثبتت الأخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بتحريم المسكر وساق كثيرا منها ثم قال: والأخبار فيه كثيرة ولا مساغ لأحد في العدول عنها والقول بخلافها فإنها حجج قواطع قال: وقد زل الكوفيون في هذا الباب ورأوا أخبارا معلولة لا تعارض هذه الأخبار بحال ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب مسكرا فقد دخل في أمر عظيم وباء بإثم كبير وإنما الذي شربه كان حلوا ولم يكن مسكرا (ن عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الطبراني أيضا والديلمي الحديث: 3698 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 3699 - (حرم) بالبناء للمجهول بضبط المصنف عند الأكثر وفي رواية بفتحتين (لباس الحرير) أي الخالص وما أكثره منه (والذهب على ذكور أمتي) أي الرجال العقلاء فخرج بلفظ الأمة الكفار وقيل بإدخالهم باعتبار الرسالة وقد كان لبسهما مباحا للرجال ثم نسخ بهذا الخبر ونحوه وفيه حجة لقول الجمهور إن الذهب والحرير محرمان على الرجال دون النساء وقد حكى عياض ثم النووي الإجماع عليه بعد الخلاف المتقدم وحكى ابن العربي فيه عشرة أقوال بعضها لا أصل له وفيه رد لقول أبي حنيفة يجوز للرجل افتراش الحرير وتأييد لقول مالك أنه يحرم إلباس الصبي الحرير وأن للرجل استعمال الحرير تبعا للمرأة كفرش الزوجة والأصح عند الشافعية فيها خلافه وهل التحريم على الرجل للسرف أو الخيلاء أو التشبه بالكفار أو النساء وجوه أصحها الأخير وأبعدها الأول بل ليس عليه معول كيف والسرف منهي عنه للفريقين بغير مين وللمسألة تفاريع طويلة الذيل محلها كتب الفروع (وأحل [ص: 380] لإناثهم) (ت) من حديث سعيد بن أبي هند (عن أبي موسى) الأشعري وقال حسن صحيح فاعترضه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام بأن الصحة من شرطها الإتصال وقد حكى الداراني في الإيماء عن الدارقطني أن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى قال الزين العراقي: لا حاجة إلى إبعاد النجعة في حكايته من كتاب غريب ومؤلف غريب فقد ذكره ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل ومن ثم ضعف ابن حبان الخبر وقال: معلول لا يصح. قال الزين: وقد يجاب أنه يرتفع بالشواهد إلى درجة الصحة كما يتأكد المرسل بمجيئه من غير ذلك الوجه اه. واقتصر ابن حجر على نقله والإنقطاع عن الدارقطني ساكتا ثم قال: وفي الباب عن علي وعمر وابنه وعقبة وأم هانئ وأنس وحذيفة وعمران وابن الزبير وابن عمرو وأبي ريحانة وغيرهم الحديث: 3699 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 3700 - (حرم على عينين أن تنالهما النار) أي نار جهنم قيل: وما هما يا رسول الله؟ قال: (عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر) في أيام القتال أو في الرباط في الثغر فهذان لا يردان النار إلا تحلة القسم جزاءا بما كانوا يعملون (ك هب) من حديث صالح عن أبي عبد الرحمن (عن أبي هريرة) وسكت عليه الحاكم فتعقبه الذهبي فقال: فيه انقطاع الحديث: 3700 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 3701 - (حرم) بالبناء للمجهول أو بفتحتين خبر مقدم وقوله (ما بين لابتي المدينة) مبتدأ وأيد الأول برواية أحمد إن الله حرم ما بين لابتي المدينة جمع لابة بالتخفيف الحرة حجارة سود (على لساني) أي لم تكن محرمة كما كانت مكة بل أحدث تحريمها على لساني. قال ابن العربي: لا خلاف أن المدينة محرمة لتحريم الله على لسان رسوله مضاعفة الحرم كمكة لكن أبو حنيفة قال: لا يحرم صيدها والحديث نص في الرد عليه (خ عن أبي هريرة ن عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 3701 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 3702 - (حرم على النار) هكذا هو فيما وقفت عليه من النسخ والذي في مسند أحمد حرمت النار على (كل) مكلف (هين لين) أي رقيق الفؤاد (سهل قريب من الناس) والمراد المسلم الذي يكون كذلك (حم عن ابن مسعود) وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير والأوسط عن معيقيب وقال: فيه أبو أمية بن يعلى ضعيف قال الحافظ الزين العراقي: ورواه الترمذي لكن بدون لين وقال: حسن غريب قال في الفردوس: وفي الباب معيقيب وأبو هريرة الحديث: 3702 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 3703 - (حرمت التجارة في الخمر) أي بيعها وشراؤها لا يصح لنجاستها ولكونه إعانة على معصية (خ د عن عائشة) قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن علينا فقال: حرمت إلخ فذكره الحديث: 3703 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 3704 - (حرمت النار على عين بكت من خشية الله) أي من خوفه (وحرمت على عين سهرت في سبيل الله) أي في الحرس في الرباط أو القتال (وحرمت النار على عين غضت) أي خفضت وأطرقت عن نظر (محارم الله) أي عن تأمل شيء مما حرمه الله على الناظر (أو عين فقئت) أي بخصت وغارت أو شقت (في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله فلا يرد إنسان من هؤلاء الثلاثة نار جهنم إلا تحلة القسم (طب ك) في الجهاد عن عبد الرحمن بن شريح عن محمد بن سمير عن أبي يعلى (عن أبي ريحانة) شمعون بشين معجمة وقيل مهملة بن زيد الأزدي حليف الأنصار ويقال مولى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم صحابي شهد فتح دمشق وقدم مصر وسكن بيت المقدس قال: خرجنا مع [ص: 381] رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأوفى بنا على شرف فأصابنا برد شديد حتى كاد أحدنا يحفر الحفير فيدخل فيه ويغطي بحجفته فلما رأى ذلك فقال: ألا رجل يحرسنا الليلة أدعو الله له بدعاء يصيب فضلا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا فدعى له فقلت: أنا فدعا لي ثم ذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي والطبراني: رجال أحمد ثقات الحديث: 3704 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 3705 - (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتكم) عليكم في حرمة التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة ونحو ذلك وفي برهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن لله تعالى (وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله) أي يقوم مقامه في محافظتهم ورعاية أمورهم (فيخونه) أي يخون المجاهد (فيهم) أي في أهله (إلا وقف له يوم القيامة فقيل له) أي فتقول له الملائكة بإذن ربهم (قد خانك) هذا الرجل (في أهلك فخذ من حسناته ما شئت فيأخذ من عمله) أي الصالح (ما شاء فما) استفهامية (ظنكم) أي فما ظنكم بمن أحله الله بهذه المنزلة وخصه بهذه الفضيلة ربما يكون وراء ذلك من الكرامة والمراد فما تظنون في ارتكاب هذه الجريمة العظيمة هل تتركون معها أو ينتقم منكم ويلزم من هذا تعظيم شأن المجاهدين <تنبيه> قال ابن السيد البطليوسي: الذي ذهب إليه جمهور النحاة والصرفيين أن الهاء في أمهات زائدة وواحدتها أم وأمة ولا يكادون يقولون أمهة والغالب على أمة بالتأنيث أن يستعمل في النداء كقولهم يا أمة لا تفعلي وتاء التأنيث فيها معاقبة بالإضافة لا يجامعها وقد جاءت في الشعر مستقلة في غير النداء وحكى اللغويون أمهة بالهاء (حم د ن) كلهم في الجهاد (عن بريدة) وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما في روايات وفي بعضها بعد يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضيهم ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما ظنكم كذا عزاه النووي لمسلم بهذا اللفظ الحديث: 3705 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 3706 - (حرمة الجار على الجار) أي حرمة ماله وعرضه عليه (كحرمة دمه) أي كحرمة إراقة دمه بالقتل فكما أن قتله حرام فماله وعرضه عليه حرام وإن تفاوت مقدار الحرم واختلفت مراتب العقاب (أبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 3706 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 3707 - (حرمة مال المسلم) في رواية بدله مؤمن (كحرمة دمه) أي كحرمة سفكه فكما لا يحل قتله لا يحل أخذ شيء من ماله بغير رضاه وإن تافها فإن أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فهو غاصب وله أحكام مبينة في الفروع وخص المال لأن به قوام النفوس وأنه جزء منها فألحقت بها في التحريم من تعرض له استحق الهوان لدخوله حريم الإيمان وقال ابن العربي: قوله حرمة مال المسلم كحرمة دمه أي في وجوب الدفع عنه وصيانته له لكن على طريق التبع للنفس (حل) من حديث الحسن بن صالح عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص (عن ابن مسعود) ثم قال: غريب من حديث الحسن والهجري وأخرجه عنه الدارقطني باللفظ المذكور قال الغرياني في اختصاره: وفيه عمرو بن عثمان الكلاني قال النسائي [ص: 382] وغيره: متروك وأخرجه عنه البزار من رواية عمرو بن عثمان عن ابن شهاب عن الأعمش عن أبي وائل عنه وقال: تفرد به ابن شهاب قال ابن حجر: وله طرق أخرى عن حميد عن أنس وقال الهيثمي: رواه البزار وأبو يعلى وفيه محمد بن دينار وثقه جمع وضعفه جمع وبقية رجال أبي يعلى ثقات الحديث: 3707 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 3708 - (حريم البئر) الذي يلقي فيه نحو ترابها ويحرم على غير من له الاختصاص بها الانتفاع به (مد رشائها) بكسر الراء والمد حبلها الذي يتوصل به لمائها والمراد من جميع الجهات (هـ عن أبي سعيد) الخدري قال الذهبي: فيه منصور بن صفر وفيه لين الحديث: 3708 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 3709 - (حريم النخلة مد جريدها) أي سعفها فإذا كان طول جريدتها خمسة مثلا فحريمها خمسة (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه منصور بن صفر وهو ضعيف (وعن عبادة بن الصامت) ورواه الطحاوي عن أبي سعيد من فعل المصطفى فقال: اختصم إليه رجلان في نخلة فقطع منها جريدة ثم ذرع بها النخلة فإذا هي خمسة أذرع فجعلها حريما الحديث: 3709 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 3710 - (حزقة) بالرفع والتنوين خبر مبتدأ محذوف أي أنت حزقة وهو بضم الحاء المهملة وضم الزاي وشد القاف وقوله (حزقة) كذلك أو خبر مكرر وروي بالضم غير منون منادى أي يا حزقة فحذف حرف النداء وهو شاذ كقولهم أطلق كرا لأن حرف النداء إنما يحذف من العلم المضموم أو المضاف وعليه فالثاني كذلك أو تكريرا للمنادى والحزقة القصير الضعيف المقارب الخطر من ضعفه قال امرئ القيس - وأعجبني مشي الحزقة خالد كمشي أتان حليت بالمناهل - وقيل هو القصير العظيم البطن (ترق) أي اصعد (عين بقة) منادى ذهب به إلى صغر عينه تشبيها له بعين البعوضة إشارة إلى الصغر فلا شيء أصغر من عينها ذكره كله الزمخشري وتبعه ابن الأثير من غير عزو له كعادته وسبب هذا أنه كان يرقص الحسن والحسين ويقول له ذلك مداعبة وإيناسا فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره الشريف وهذه من مزاحه ومباسطته من قبيل يا أبا عمير ما فعل النغير (وكيع) بفتح فكسر (في الغرر) أي في كتاب الغرر (وابن السني في عمل يوم وليلة خط) في التاريخ (وابن عساكر) في ترجمة الحسن من حديث حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن أبي مزود عن أبيه (عن أبي هريرة) قال: سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفيه جميعا يعني حسنا وحسينا وقدماه على قدمه وهو يقول حزقة إلى آخره فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره ثم قال له افتح فاك فقبله وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير غير هؤلاء وهو عجب فقد خرجه الطبراني وأبو نعيم وغيرهما ومن طريقهم أورده ابن عساكر مصرحا قال الهيثمي: وأبو مزود لم أجد من وثقه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 3710 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 3711 - (حسان حجاز) بالزاي وفي رواية بالياء الموحدة بدلها قال في الفردوس: ويروى حاجز أيضا (بين المؤمنين والمنافقين) لكونه كان يناضل عنهم بسنانه ولسانه فلأجل ذلك كان (لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن) وهو حسان بن ثابت الأنصاري شاعر النبي صلى الله عليه وسلم عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام مثلها ومات في زمن معاوية ولما كان يوم الأحزاب ورد الله المشركين بغيظهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين فقال ابن كعب: [ص: 383] أنا وقال ابن رواحة: أنا وقال حسان: أنا فقال: نعم هجهم أنت وسيعينك عليهم روح القدس (ابن عساكر) في ترجمة حسان من تاريخه (عن عائشة) قالت: استأذن حسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين فقال: كيف نسبي فيهم قال: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يره لأحد من أصحاب الرموز التي اصطلح عليها مع أن أبا نعيم خرجه في الحلية والديلمي في الفردوس الحديث: 3711 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 3712 - (حسب المؤمن من الشقاق والخيبة) أي يكفيه منهما (أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه) قال في الفردوس: التثويب الرجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة فإذا قال المؤذن حي على الصلاة قال هلموا إليها فإذا قال حي على الفلاح فقد رجع إلى كلام يؤول إلى المبادرة إلى الصلاة أيضا انتهى (طب) وكذا الديلمي (عن معاذ بن أنس) قال الهيثمي: فيه زبان بن فائد ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم الحديث: 3712 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 3713 - (حسب امرئ) أي كفاه (من البخل أن يقول) لمن له عليه دين (آخذ حقي كله ولا أدع منه شيئا) فإن من البخل بل الشح والدناءة المضايقة في التافه ومن ثم رد الفقهاء الشهادة به (فر عن أبي أمامة) الباهلي وفيه هلال بن العلاء الرقي والد المعلى بن هلال أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو حاتم الحديث: 3713 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 3714 - (حسبك) أي أحسبك والاستفهام مقدر (من نساء العالمين) أي يكفيك في معرفتك فضلهن بقوله حسبك مبتدأ ومن نساء العالمين متعلق به و (مريم) خبر المبتدأ (بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وخديجة بنت خويلد) زوج حبيب الرحمن (وفاطمة بنت محمد) خاتم الأنبياء (وآسية امرأة فرعون) والخطاب إما عام أو لأنس أي كافيك معرفة فضلهن من العرفة جميع النساء ذكره الطيبي (حم ت حب ك) في مناقب أهل البيت (عن أنس) بن مالك قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 3714 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 3715 - (حسبي الله ونعم الوكيل) أي النطق بهذا اللفظ مع اعتقاد معناه بالقلب والاخلاص وقوة الرجاء (أمان لكل خائف) أليس الله بكاف عبده ومن يتوكل على الله فهو حسبه فمتى اعتقد العبد أن لا فاعل إلا الله وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وفقر وغنى هو المنفرد به اكتفى به عن كل موجود ولم ينظر إلى غيره بل كان منه خوفه ورجاؤه وبه ثقته وعليه اتكاله وكفى بالله وكيلا وهذا قاله في غزوة الخندق لما نزل {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} <تنبيه> قال التفتازاني في المطول: قولهم ونعم الوكيل إما عطف على الجملة الأولى والمخصوص محذوف كما في قوله تعالى {نعم العبد} فيكون من عطف الجملة الإنشائية على الإسمية الإخبارية وإما على تضمين حسبنا الله معنى الفعل وقال السيد في قوله تعالى {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} أي وقالوا ونعم الوكيل فيحتمل أن يقدر مثله هنا (فر عن شداد بن أوس) وفيه بقية بن الوليد وحاله معروف ومكحول قال الذهبي: حكى ابن سعد أنه ضعيف ووثقه غيره ورواه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 3715 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 [ص: 384] 3716 - (حسبي رجائي من خالقي) أي يكفيني قوة رجائي فيه أنه يفيض علي صنوف الخيرات ويرفعني في أعلى الدرجات والرجاء ارتياح القلب لانتظار محبوب متوقع وهذا بالنسبة لمنصب المعصوم ظاهر أما غيره فإنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ولم يبق إلا ما لا يدخل تحت اختياره وهو فضل الله بصرف القواطع فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات وطهر قلبه عن شر الأخلاق الرديئة انتظر من فضل الله تثبيته على ذلك إلى الموت وحسن الخاتمة كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا باعثا على القيام بمقتضى الإيمان وإن قطع عرى بذر الإيمان تعهده بماء الطاعة أو ترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق وانهمك في اللذات ثم تشبث بالرجاء فهو حمق وغرور (وحسبي ديني من دنياي) لأن المال غاد ورائح والعاقل من آثر ما يبقى على ما يفنى والدنيا مزرعة الآخرة. والحاصل أن قوة رجاء عبد في ربه تعالى يكفي صاحبه لمهمات الدارين (حل) من حديث الحسن بن عبد الله القطان عن إسماعيل بن عمرو الحمصي عن يزيد بن عبد ربه عن بقية (عن إبراهيم بن أدهم) بن منصور العجلي وقيل التميمي البلخي الزاهد ذي الكرامات والخوارق (عن أبي ثابت) أيمن بن ثابت أو محمد بن عبد الله (مرسلا) وإبراهيم هو البلخي الزاهد العارف المشهور روى عن منصور وأبي إسحاق وطائفة من التابعين وعنه بقية والفزاري وضمرة وخلق الحديث: 3716 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 3717 - (حسن الخلق خلق الله الأعظم) أي هو أعظم الأخلاق المئة والسبعة عشر التي خزنها لعباده في خزائن جوده قال الحكيم: وجميع محاسن الأخلاق تؤول إلى الكرم والجود والسخاء ومن أراد الله به خيرا منحه حسن الخلق (طب) وكذا في الأوسط (عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: فيه عمرو بن الحصين وهو متروك انتهى ومن ثم قال شيخه العراقي كالمنذري: سنده ضعيف جدا الحديث: 3717 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 3718 - (حسن الخلق نصف الدين) لأن حسنه يؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وإذا صفا وطهر عظم النور وانشرح الصدر فكان هو الباعث الأعظم على إدراك أسرار أحكام الدين فهو نصف بهذا الاعتبار (فر عن أنس) بن مالك وفيه خلاد بن عيسى ضعفوه وقال العقيلي: مجهول وساق له من مناكيره في الميزان هذا الخبر الحديث: 3718 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 3719 - (حسن الخلق يذيب الخطايا) في رواية يذيب الذنوب (كما تذيب الشمس الجليد) وهو الماء الجامد من شدة البرد لأن صنائع المعروف لا تكون إلا من حسن الخلق والصنائع حسنات والحسنات يذهبن السيئات ولهذا جاء في خبر عند ابن النجار في تاريخه من حديث أنس مرفوعا من حسن الله خلقه وخلقه ورزقه الإسلام أدخله الجنة (عد عن ابن عباس) ورواه البيهقي في الشعب وضعفه والخرائطي في المكارم قال العراقي: والسند ضعيف لكن شاهده خبر الطبراني بسند ضعيف أيضا الحديث: 3719 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 3720 - (حسن الشعر مال وحسن الوجه مال وحسن اللسان مال والمال مال) قال في الميزان: متصلا بهذا يعني في المنام اه. أي فإذا رأى الإنسان في منامه أنه حصل شيء من ذلك يؤول بحصول مال له فإذا رأى أن شيئا منها خرج من يده يؤول بخروج مال [ص: 385] منه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) قضية عزوه لابن عساكر أنه لم يره مخرجا لأقدم ولا أشهر منه ممن وضع لهم الرموز وكأنه ذهول فقد رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس باللفظ المزبور عن أنس المذكور الحديث: 3720 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 3721 - (حسن الصوت زينة القرآن) لأن ترتيله والجهر به بترقق وتحزن زينة وبهجة وأي زينة (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه سعيد بن زرقي وهو ضعيف الحديث: 3721 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 3722 - (حسن الظن) أي بصلحاء المسلمين (من) جملة (حسن العبادة) يعني اعتقاد الخير والصلاح في حق المسلمين عبادة ذكره المظهر قال الطيبي: فعليه من للتبعيض أي من جملة العبادة ويجوز كونها للإبتداء أي حسن الظن بعباد الله من عبادة الله اه وجوز البعض كون حسن العبادة من إضافة الصفة للموصوف أي حسن الظن من العبادة الحسنة ويجوز أن يكون المراد حسن الظن بالله تعالى قال في الحكم: إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه حسن ظنك به لوجود معاملته معك فهل عودك إلا حسنا وهل أسدى إليك إلا مننا <تنبيه> قالوا: حسن الظن صنيعة وسوء الظن حرمان وقيل: أسوء الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله وقد بلغ حسن الظن عند بعضهم إلى أنه يجد الجلاد الذي يضرب الرقاب ويعذب أخف حسابا منه يوم القيامة وأقرب إلى رضا الله منه. قال العارف الشعراوي رحمه الله: وممن رأيته على هذا القدم أخي أفضل الدين كان يسأل الجلاد الدعاء. قال: والثاني في ذلك إنما هو وصول العبد إلى هذا المشهد في الجلاد ببادئ الرأي بغير تفكر وتأمل ليخرج عن التفضل في المقام (د) في الأدب (ك) في التوبة (عن أبي هريرة) وفيه عند أبي داود مهنأ بن عبد الحميد البصري. قال أبو حاتم: مجهول وعند الحاكم صدقة بن موسى قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 3722 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 3724 - (حسن الملكة) قال القاضي: الملكة والملاك واحد غير أن الملكة غالبا تستعمل في المملوك يعني حسن الصنيعة معه (يمن) أي يوجب البركة والخير لأنه يرغب فيه حينئذ ويحسن خدمته ويؤثر طاعته فلذلك قالوا: إن حسن الملكة أصل كبير في الدين (وسوء الخلق) مع المملوك (شؤم) لأنه يورث البغض والنفرة ويثير اللجاج والعناد والشؤم ضد اليمن والبركة <تنبيه> قال الماوردي في أدب الملوك: الأخلاق يظهر حميدها بالاختيار ويقهر ذميمها بالاضطرار وسميت أخلاقا لأنها تصير كالخلقة لكنها مع ذلك تقبل التغيير فالفاضل من غلبت فضائله ثم لا تزال غالبة حتى تستقيم جميع أخلاقه لتصير حميدة بعضها خلق مطبوع وبعضها تخلق مصنوع وقال الغزالي في ميزان العمل: الفضيلة تارة تحصل بالطبع إذ رب صبي يخلق صادق اللهجة سخيا وتارة بالانقياد ومرة بالتعلم فمن صار ذا فضيلة طبعا واعتيادا وتعلمها فهو في غاية النفاسة هذا ويحسن تشبيه النفس التي تعتريها الأخلاق الذميمة والحميدة ببدن تعتريه الأمراض البدنية والصحة التي بها انتظام المعائش والأمور الأخروية فكما لكل مرض بدني من علاج فلا بد لكل مرض قلبي يعبر عنه بالخلق الدنئ ويعبر عن علاجه بتبديله بخلق سني فالجهل مرض وعلاجه بالعلم والبخل مرض وعلاجه بالسخاء والكبر مرض وعلاجه بالتواضع والشهوة مرض وعلاجه بالكف عن المشتهى وهكذا كل علاج لا بد فيه من مرارة فمن أراد شفاء القلب فعليه باحتمال مرارة المجاهدة التي هي معراج المشاهدة ومن ثم قالوا: المشاهدات مواريث المجاهدات التي هي معراج فجاهد تشاهد وزوال مرض القلوب أهم مطلوب إذ به ينال المحبوب والقلوب هي الجواهر وبصونها عن أمراضها يحصل جميع أغراضها ومعرفة جواهر الأشياء من أعراضها وصون حقوق [ص: 386] الآدميين كدمائها وأموالها وأعراضها وبمعرفة ذلك تتميز قيم أفراد الإنسان وإن اختلفت نفسه بحسب إقبالها وإعراضها (د) في الأدب من طريق بقية عن عثمان بن زفر عن محمد بن خالد بن رافع (عن رافع بن مكيث) بفتح الميم وكسر الكاف بعدها تحتية ثم مثلثة الجهني شهد الحديبية كذا في الكاشف وقيل بل هو تابعي فهو مرسل وفيه بقية وفيه مقال معروف اه. وقال في الإصابة: الحارث بن مكيث أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين الحديث: 3724 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 3723 - (حسن الملكة نماء) بالفتح والتخفيف والمد أي زيادة رزق وأجر وارتفاع مكانة عند الله تعالى يقال فلان حسن الملكة إذا كان حسن الصنيع إلى مماليكه (وسوء الخلق) مع المملوك (شؤم) والشؤم يورث الخذلان ودخول النيران قال يحيى بن معاذ: سوء الخلق سيئة لا ينفع معها كثرة الحسنات وحسن الخلق حسنة لا يضر معها كثرة السيئات (والبر زيادة في العمر) معنى زيادته بركته أو أراد أنه سبحانه جعل ما علم منه من البر سببا لزيادة عمره ونماء وزيادة باعتبار طوله كما جعل التداوي سببا للصحة (والصدقة تمنع ميتة السوء) الميتة الحالة التي يكون عليها الإنسان من موته وميتة السوء أن يموت على وجه النكال والفضيحة ككونه سكرانا أو بغير توبة أو قبل قضاء دينه أو غير ذلك (حم طب عن رافع بن مكيث) قال الهيثمي: فيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات الحديث: 3723 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 3725 - (حسن الملكة يمن) قال البغدادي: الملكة القدرة والتسلط على الشيء والمراد هنا المماليك والعبيد وحسن الملكة الرفق بهم ولا يحملون ما لا يطيقون والتعهد لمهماتهم والعفو عن زللهم وعن ذلك ينشأ النماء والبركة وفي ضده الصرم والهلكة (وسوء الخلق) أي معهم (شؤم) قال القاضي: الملكة والملك واحد غير أن الملكة يغلب استعمالها في المماليك وحسن رعاية المماليك والقيام بحقوقهم وحسن الصنيع واليمن البركة والمعنى أنه يوجبه إذ الغالب أنهم إذا راقبهم السيد وأحسن إليهم كانوا أشفق عليه وأطوع له وأسعى في حقه وكل ذلك يؤدي إلى اليمن والبركة وسوء الخلق يورث البغض والنفرة ويثير اللجاج والعناد وقصد الأنفس والأموال بما يضر (وطاعة المرأة ندامة) أي غم لازم لسوء آثاره (والصدقة تدفع القضاء السوء) <تنبيه> حاول بعضهم جمع الأخلاق الحسنة فقال: الإحسان والاخلاص والإيثار واتباع السنة والاستقامة والاقتصاد في العبادة والمعيشة والاشتغال بعيب النفس عن عيب الناس والانصاف وفعل الرخص أحيانا والاعتقاد مع التسليم والافتقار الاختياري والإنفاق بغير تقتير وإنفاق المال لصيانة العرض والأمر بالمعروف وتجنب الشبهة واتقاء ما لا بأس به لما به بأس وإصلاح ذات البين وإماطة الأذى عن الطريق والاستشارة والاستخارة والأدب والاحترام والإجلال لأفاضل البشر والأزمنة والأمكنة وإدخال السرور على المؤمن والاسترشاد والإرشاد بتربية وتعليم وإفشاء السلام والإبتداء به وإكرام الجار وإجابة السائل والإعطاء قبل السؤال واستكثار قليل الخير من الغير واحتقار عظيمه من نفسه وبذل الجاه والجهد والبشر والبشاشة والتواضع والتوبة والتعاون على البر والتقوى والتؤدة والتأني وتدبير المنزل والمعيشة والتفكر والتكبر على المتكبر وتنزيل الناس منازلهم وتقديم الأهم والتصبر والتغافل عن زلل الناس وتحمل الأذى والتهنئة والتسليم لمجاري القدر وترك الأذى والبطانة ومعاداة الرجال والتكلف والمراء والتحميض لدفع الملالة والتحدث بالنعمة والتكثير من الإخوان والأعوان وتجمل الملبس والتسمية باسم حسن مع تغيير اللقب القبيح والتوسعة على العيال وتجنب مواقع التهم ومواضع الظلم والكلام المنهي عنه والتعرف بالله والتطبب بالطب النبوي والثبات في الأمور والثقة بالله وجهاد النفس وجلب [ص: 387] المصالح والحب في الله والبغض في الله والحلم والحياء وحفظ الأمانة والعهد والعرض وحسن الصمت والتفهيم والتعقل في المقال والسمت والظن والحزم وطلب المعيشة والمعاشرة والحمية وخدمة الصلحاء والفقراء والعلماء والإخوان والضيف والخشوع وخوف الله وخداع الكفار ودرء المفاسد ودوام التفكر والاعتبار والدأب في طلب العلم والذلة لله والرفق في المعيشة ورحمة الصغار والمساكين واليتيم والحيوان والمريض والرضى بالدون من المجالس والرجاء والرقة للغير لتأذيه والزهد والسخاء والسماح والسلام عند اللقاء حتى على من لا تعرفه والشجاعة والشهامة والشفاعة والشكر والصبر والصدق والصلح والصداقة والصحبة وصلة الرحم والصمت والصوم وضبط النفس عن النفرة وطهارة الباطن والعفة والعدل والعفو والعزلة وعلو الهمة والغضب لله والغيرة لله الحميدة والغبطة والفزع إلى الصلاة عند الشدائد والفراسة وفعل ما لا بد منه والقيام بحق الحق في الخلق وقبول الحق وقوله وإن كان مرا والقنع وقضاء حوائج الناس وكظم الغيظ وكفالة اليتيم ولقاء القادم ولزوم الطهارة والتهجد والصلوات المأثورة والفوائد الجميلة والمداراة والمخاطبة بلين ومحاسبة النفس ومخالفتها والمعاشرة بالمعروف ومعرفة الحق لأهله ولمن عرفه ذلك ومحبة أهل البيت والمكافأة والمزح القليل والعدل والنهي عن المنكر والنصح والنزاهة والورع وهضم النفس واليقين ونحو ذلك اه وأخرج البيهقي في الشعب قال رجل للأحنف: دلني على مؤونة بلا تعب قال: عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح واعلم أن الداء الذي أعيي الأطباء اللسان البذيء والفعل الرديء (ابن عساكر) في التاريخ والقضاعي في الشهاب (عن جابر) بن عبد الله قال العامري: حديث حسن الحديث: 3725 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 3726 - (حسنوا القرآن بأصواتكم) أي رتلوه واجهروا به قال الطيبي: هذا الحديث لا يحتمل القلب كما يحتمله الحديث الاتي زينوا القرآن بأصواتكم لتعليله بقوله (فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا (1)) قال القشيري: هذا دليل على فضيلة الصوت الحسن فالسماع لا بأس به وتعقبه ابن تيمية بأنه إنما يدل على فضل الصوت الحسن بكتاب الله لا بالغناء فمن شبه هذا بهذا فقد شبه الحق بالباطل (الدارمي) في مسنده (وابن نصر) محمد في كتاب (الصلاة) تأليفه (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب   (1) فيه طلب الجهر بالقراءة وتحسين الصوت ومحله فيمن أمن الرياء ولم يؤذ نحو مصل الحديث: 3726 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 3727 - (حسين مني وأنا منه) قال القاضي: كأنه بنور الوحي علم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصه بالذكر وبين أنهما كشيء واحد في وجوه المحبة وحرمة التعرض والمحاربة وأكد ذلك بقوله (أحب الله من أحب حسينا) فإن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله (الحسن والحسين سبطان من الأسباط) جمع سبط وهو ولد الولد أكد به البعضية وقدرها ويقال القبلية قال تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} أي قبائل ويحتمل إرادته هنا على معنى أنه يتشعب منهما قبيلة ويكون من نسلهما خلق كثير وقد كان (خد ت هـ ك عن يعلى بن مرة) قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعي له فإذا حسين يلعب في السكة فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم وبسط يديه وجعل الغلام يفر ههنا وههنا ويضاحكه صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى فوق رأسه فقبله قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 3727 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 [ص: 388] 3728 - (حصنوا أموالكم بالزكاة) أي بإخراجها فإنه ما تلف مال في بئر ولا بحر إلا بمنع الزكاة كما سيجيء في خبر فأداء الزكاة كالحصن للأموال تحرس بها وتحصن بأدائها من آفات عقوبات تركها (وداووا مرضاكم بالصدقة) فإنها من أنفع الدواء الحسي (وأعدوا للبلاء الدعاء) فإنه يرد القضاء المعلق وفي رواية واستقبلوا بالبلاء الدعاء فإنه يرده أي بأن تدعو عند نزول البلاء برفعه فلعله عرض ابتلاء ليصل إليه التضرع والإبتهال فإنه تعالى يحب أن يسأل أو بأن يكثر التضرع والالتجاء في حال عاقبته وأمنه ودعته قبل البلاء عدة لوقت نزوله فيعرف الله منه ذلك فيوفقه للرضى حتى أن بعضهم يراه نعمة فيشكره عليها وهذا حال خواص المؤمنين (طب حل خط عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح تفرد به موسى بن عمير قال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه اه وقال الهيثمي: فيه موسى بن عمير الكوفي متروك وفي الميزان: أبو حاتم ذاهب الحديث كذاب وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له أخبارا منها هذا الحديث: 3728 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 3729 - (حصنوا أموالكم بالزكاة) أي بتزكيتها (وداووا مرضاكم بالصدقة) يعني صدقة التطوع مهما أمكن طلبا للشفاء بها فإنها نعم الدواء (واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء) إلى الله (والتضرع) إليه فإنه يرفعه أو يسهل وقوعه كما سيأتي قال بعضهم: إنما أمر بتحصين المال بالزكاة لأن للمال مستحقين المساكين والحوادث فالمطالب بحق الفقراء هو الله والحوادث تأتي بها الأقدار فمن زكى فقد أرضى الله فيجوز أن ترفع المقادير نزول الحوادث بمن أدى حق الله وقد قال: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} أي يوقع الحوادث بها ليرفعهما عنده ويخلق منها قال تعالى: {ما عندكم يفنى وما عند الله باق} فالزكاة حصن لها إن بقيت وهي لها أحصن إن حصلت عند الله (د في مراسيله عن الحسن) وأسنده البيهقي وغيره من وجوه ضعيفة الحديث: 3729 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 3730 - (حضرموت خير من بني الحارث) أي هذه القبيلة أفضل من هذه عند الله تعالى (طب) في ضمن حديث طويل (عن عمرو بن عبسة) قال الهيثمي: رواه عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي وفيه مقال وقال الذهبي: حمل عنه الناس وهو مقارب الحال وقال النسائي: ضعيف وبقية رجاله رجال الصحيح وقد روى نحوه بإسناد جيد عن شيخين آخرين الحديث: 3730 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 3731 - (حضر ملك الموت رجلا يموت) أي في حالة النزاع لقبض روحه (فشق أعضاء) يعني جرى فيها وسلكها وفتشها لا أنه شقها بالقطع كما يفعل الآدمي (فلم يجده عمل خيرا قط) بعضو من أعضائه (ثم شق قلبه فلم يجد فيه خيرا قط ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول لا إله إلا الله فغفر له بكلمة الإخلاص) بين به أن التوحيد المحض الخالص عن شوائب الشرك لا يبقى معه ذنب فإنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب فلو لقي الموحد المخلص ربه بقراب الأرض خطايا قابله بقرابها مغفرة فإن نجاسة الذنوب عارضة والدافع لها قوي فلا تثبت معه خطيئة قال الفخر الرازي: وإنما سميت كلمة الإخلاص لأن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص لله سمي خالصا (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب المحتضرين هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي الحديث: 3731 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 3732 - (حفت الجنة بالمكاره) أي أحاطت بنواحيها جمع مكرهة وهي ما يكرهه المرء ويشق عليه من القيام بحقوق العبادة على وجهها كإسباغ الطهر في الشتاء وتجرع الصبر على المصائب قال القرطبي: وأصل الحق الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى [ص: 389] غيره فمثل المصطفى صلى الله عليه وسلم المكاره والشهوات بذلك فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها والنار لا ينجى منها إلا بفطم النفس عن مطلوباتها قال ابن حجر: وهذا من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحث على الطاعات وإن كرهتها وشقت عليها (وحفت) في رواية حجبت في الموضعين (النار بالشهوات) وهي كل ما يوافق النفس ويلائمها وتدعو إليه ذكره القرطبي بأن أطيفت بها من جوانبها وهذا تمثيل حسن معناه يوصل إلى الجنة بارتكاب المكاره من الجهد في الطاعة والصبر عن الشهوة كما يوصل المحجوب عن الشيء إليه بهتك حجابه ويوصل إلى النار بارتكاب الشهوات ومن المكاره الصبر على المصائب بأنواعها فكل ما صبر على واحدة قطع حجابا من حجب الجنة ولا يزال يقطع حجبها حتى لا يبقى بينه وبينها إلا مفارقة روحه بدنه فيقال {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية} الآية. قال الغزالي: بين بهذا الحديث أن طريق الجنة وعر وسبيل صعب كثير العقبات شديد المشقات بعيد المسافات عظيم الافات كثير العوائق والموانع خفي المهالك والقواطع غزير الأعداء والقطاع عزيز الاتباع والأشياع وهكذا يجب أن يكون (حم م) في صفة الجنة (ت) في صفة الجنة (عن أنس) بن مالك (م عن أبي هريرة حم في الزهد عن ابن مسعود موقوفا) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد رواه البخاري في الرقائق وقال: احتجبت بدل حفت والعجب أن المصنف في الدرر عزاه للشيخين معا باللفظ المزبور هنا بعينه من حديث أنس الحديث: 3732 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 3733 - (حفظ الغلام الصغير كالنقش في الحجر وحفظ الرجل بعد ما يكبر كالكتابة على الماء) أي فإن حفظه لا يثبت كما لا تثبت الكتابة على المائع كالماء لضعف حواسه وأما الصغير فينطبع حفظه في صورته الإدراكية الحاصلة في القوة المدركة ولا يزول عنها كما لا يزول النقش في الحجر وقيل لبعضهم: التعليم في الصغر كالنقش في الحجر فقال: الكبير أوفر عقلا لكنه أكثر شغلا (خط في) كتاب (الجامع عن ابن عباس) الحديث: 3733 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 3734 - (حقا) بالنصب مصدر لفعل محذوف أي حق حقا كحديث أعمدا فعلته يا عمر ذكره الزين العراقي وقال الطيبي: هو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه (على المسلمين) أي على كل منهم (أن يغتسلوا) فاعل قال الطيبي: وكان حقه أن يؤخر عن قوله (يوم الجمعة) لكنه قدمه اهتماما بشأنه (وليمس) بفتح الميم وضمها كما في الديباج (أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب) قال الطيبي: وليمس عطف على معنى الجملة السابقة إذ فيه سمة من الأمر أي ليغتسلوا وليمسوا قال العراقي: المشهور في الرواية كسر الطاء وسكون التحتية أي يقوم مقام الطيب <تنبيه> قال بعض العارفين: حكمة الأمر بالغسل أن الله خلق سبعة أيام وهي أيام الجمعة فإذا انقضت جمعة دارت الأيام فهي الجديدة الدائرة فلا تنصرف عنك دورة إلا عن طهارة تحدثها فيها إكراما بذلك وتقديسا وتنظيفا وكما أن السواك مطهرة الفم [ص: 390] مرضاة للرب فالغسل في الأسبوع مطهرة للبدن مرضاة للرب يعني أن فاعله فعل فعلا يرضى الله به من حيث أنه تعالى أمره بذلك فامتثل أمره (ت عن البراء) ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى والديلمي قال: وفي الباب أبو سعيد الحديث: 3734 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 3735 - (حق المسلم على المسلم) أي حق الحرمة والصحبة (خمس) من الخصال والحق يعم وجوب العين والكفاية والندب قال في التحرير: والحق الشيء المستحق على الغير من غير أن يكون فيه تردد وفي المفهم الحق الثابت وفي الشرع يقال للواجب والمندوب المؤكد لأن كلا منهما ثابت في الشرع فإنه مطلوب مقصود قصدا مؤكدا لكن إطلاقه على الواجب أولى وقد أطلق هنا على القدر المشترك بين الواجب وغيره (رد السلام) فهو واجب كفاية من جماعة من سلم عليهم لأن السلام معناه الأمان فإذا ابتدأ به أخاه فلم يجبه توهم منه الشر فوجب دفع ذلك التوهم بالرد (وعيادة المريض) المسلم فهي واجبة حيث لا متعهد له فإن كان ندبت (واتباع الجنائز) فإنه فرض كفاية كرد السلام قال ابن الكمال: وقد نقل أهل الإجماع أن إيجاب تجهيزه لقضاء حقه فكان على الكفاية لصيرورة حقه مقضيا بفعل البعض (وإجابة الدعوة) بفتح الدال إذا دعى مسلم مسلما إلى وليمة عرس وجبت أو لغيرها أو لنحو إعانة ندبت (وتشميت العاطس) أي الدعاء له بالرحمة والبركة إذا حمد الله قال الطيبي: يجوز عطف السنة على الواجب إن دلت عليه قرينة كصوم رمضان وستة من شوال قال البغوي: وهذه كلها يستوي فيها جميع المسلمين برهم وفاجرهم غير أنه يختص البر بنحو بشاشة ومساءلة ومصافحة دون المظهر للفجور <تنبيه> قال ابن العربي: عليك في رعاية هذه الحقوق وغيرها بالمساواة بين المسلمين كما سوى في الإسلام بينهم في أعيانهم ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وهذا فقير وحقير ولا تحقر صغيرا واجعل الإسلام كله كالشخص الواحد والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخص فإن الإسلام لا وجود له إلا بالمسلمين كما أن الإنسان لا وجود له إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة. (تتمة) قال بعض العارفين: إذا رعيت حق المسلم لله فإن الله يؤتيك أجرك مرتين من حيث ما أديت من حقه ومن حيث ما أديت من حق تعين عليك حقه من خلقه (ق) في كتاب الجنائز (عن أبي هريرة) الحديث: 3735 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 3736 - (حق المسلم على المسلم ست) أي الحقوق المشتركة بين المؤمنين عند ملابسة بعضهم بعضا (إذا لقيته فسلم عليه) ندبا لأنه إذا لم يسلم عليه فقد احتقره واحتقاره احتقار لما خلق الله في أحسن تقويم وعظمه وشرفه فهو من أعظم الجرائم والذنوب العظائم (وإذا دعاك فأجبه) إلى مأدبته حيث لا عذر (وإذا استنصحك فانصح له) غير وان في الفكرة ولا مقصر في الإرشاد بل ابذل الجهد لكن ينبغي أن لا يشير قبل أن يستشار ولا يتبرع بالرأي فيكون رأيه متهما أو مطرحا (وإذا عطس فحمد الله فشمته) بأن تقول له يرحمك الله وظاهر الأمر الوجوب وعليه أهل الظاهر وقال ابن أبي حمزة: قال جمع من علمائنا أنه فرض عين وقواه ابن القيم في حواشي السنن (وإذا مرض فعده) أي زره في مرضه وجوبا أو ندبا على ما تقدم (وإذا مات فاتبعه) أي اتبع جنازته حتى تصلي عليه فإن صحبته إلى الدفن كان أولى ومعنى هذه الجمل أن من حق الإسلام ذلك وله حقوق أخرى ذكرت في أحاديث أخرى وفيه كالذي قبله أنه لو قال له علي حق ثم فسره بنحو رد السلام أو عيادة قيل لأن الحق يطلق عرفا على ذلك وهو مذهب الشافعي <تنبيه> مفهوم العدد ليس بحجة عند الأكثر فذكره في هذا الحديث وما قبله لا ينفي الزائد فقد ذكروا له حقوقا أخرى منها ما رواه [ص: 391] الأصبهاني بسنده إلى علي مرفوعا كما في روضة الأفكار للمسلم على المسلم ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالأداء والعفو يغفر زلته ويرحم عبرته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود مودته ويشهد ميته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسألته ويطيب كلامه ويبر إنعامه ويصدق أقسامه وينصره ظالما أو مظلوما ويواليه ولا يعاديه ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه (خد م) في الاستئذان (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري في صحيحه الحديث: 3736 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 3737 - (حق الزوج على زوجته أن لا تمنعه نفسها) إذا أراد جماعها فإنها إن فعلت ذلك وقت حاجته فقد عرضته للهلاك الأخروي فربما صرفها في محرم فعليها حيث لا عذر أن تمكنه (وإن كانت على ظهر قطب) ذكره تتميما ومبالغة ومعناه لا تمنعه من وطأها ولو حال ولادتها (وأن لا تصوم يوما واحدا) أي صوم تطوع (إلا بإذنه) إن كان حاضرا وأمكن استئذانه (إلا الفريضة) كذا في نسخة المصنف بخطه وفي رواية المريضة أي التي لا يمكن الاستمتاع بها فإن لها الصوم بغير إذنه إذ لا يفوت حقا (فإن فعلت) ما نهيت عنه بأن صامت بغير إذنه وهو شاهد (أثمت) مع صحة صومها لاختلاف الجهة (ولم يتقبل منها) صومها فلا تثاب عليه (وأن لا تعطي) فقيرا ولا غيره (من بيته شيئا) من طعام ولا غيره (إلا بإذنه) الصريح أو علم رضاه بذلك وبمقدار المعطى (فإن فعلت) بأن أعطت منه تعديا (كان له الأجر) أي الثواب عند الله على ما أعطته من ماله (وكان عليها الوزر) أي العقاب على ما افتات عليه من حقه (وأن لا تخرج من بيته) من المحل الذي أسكنها فيه (إلا بإذنه) الصريح وإن مات أبوها أو أمها (فإن فعلت) بأن خرجت بغير إذنه لغير ضرورة كانهدام الدار (لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو تراجع) أي ترجع والظاهر أن أو بمعنى الواو والمراد التوبة والرجوع (وإن كان ظالما) في منعه لها من الخروج وهذا كأنه لمزيد الزجر والتهويل عليها فلو ظلمها حقا من حقوقها ولم يمكن التوصل إليه إلا بالحاكم فلها الخروج بغير إذنه أو كان بجوار البيت نحو سراق أو فساق يريدون الفجور بها فمنعها من الخروج منه فلها الخروج وأفهم باقتصاره على ما ذكر من الحقوق أنه لا يجب عليها ما اعتيد من نحو طبخ أو اصلاح بيت وغسل ثوب ونحوها وهو مذهب الشافعي وعليه فينزل ما يقتضي وجوب ذلك على الندب (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3737 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 3738 - (حق الزوج على المرأة) أي امرأته (أن لا تهجر فراشه) بل تأتيه فيه فيقضي منها أربه إن أراد (وأن تبر قسمه) إذا حلف على فعل شيء أو تركه وهو مما لا يخالف الشرع (وأن تطيع أمره) إذا أمرها بما لا يخالفه أيضا (وأن لا تخرج) من بيته (إلا بإذنه) الصريح (وأن لا تدخل) بضم أوله بضبط المصنف (إليه) إلى بيته (من يكره) أي من يكرهه أو يكره دخوله وإن لم يكرهه وإن كان نحو أبيها أو أمها أو ولدها من غيره فإن فعلت أثمت. ويؤخذ من اقتصاره على هذه الخمسة أنه لا يجب [ص: 392] عليها أن تخدمه الخدمة التي اطردت بها العادة وهو مذهب الشافعية بل صرح بعضهم بأنه لا يلزمها عند الجماع أن ترفع رجليها ليجامعها بل إن شاء رفع ووطئ وإن شاء ترك (2) وأما ما جرت به عادة النساء في الأعصار والأمصار والبلاد والقرى والعجم والعرب من زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الآن فهو بر وإحسان من جانب النساء ومسامحة صحبة منهن للأزواج بحمل كل الخدمة عنهم الواجبة لهن عليهم. (1) (طب عن تميم الداري) نسبة إلى جده الدار بن هانئ أو إلى دارين محل بالبحرين أو غير ذلك قال الهيثمي: فيه ضرار بن عمر وهو ضعيف اه وعنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي   (1) [أي أنهن حملن نصيب الرجال من الخدمة والذي هو واجب عليهم وانظر شرح الأحاديث 3737 و 3739. دار الحديث] (2) [وهو مذهب الأحناف كما ذكره العالم الكبير والمحدث الجليل الشيخ محمود الرنكوسي في دروسه في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق ولا تزال مراجع ذلك قيد البحث؟ ؟ دار الحديث] الحديث: 3738 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 3739 - (حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها) بلسانها غير متقذرة لذلك (ما أدت حقه) (1) حكى البيهقي في الشعب أن أسماء بنت خارجة الفزاري لما أراد اهداء ابنته إلى زوجها قال لها: يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا ولا تدني منه يملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلت لأمك: خذي العفو مني تستديمي مودتي. . . ولا تنطقي في سورتي حين أغضب فإني رأيت الحب في الصدر والأذى. . . إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب (ك) في النكاح من حديث ربيعة بن عثمان (عن أبي سعيد) الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنته فقال: هذه ابنتي أبت أن تتزوج فقال: أطيعي أباك فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته فذكره قال الحاكم: صحيح ورواه البزار عن أبي سعيد بأتم من هذا فقال: أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج فقال: أطيعي أباك قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته فقال: حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنكحوهن إلا بإذنهن قال المنذري: رواه البزار باسناده جيد حسن رواته ثقات مشهورون وابن حبان في صحيحه انتهى فلو عدل المؤلف لهذا كان أولى   (1) أي حق الزوج على زوجته عظيم لا تستطيع تأديته والمراد الحث على طاعة الزوج وعدم كفران نعمته الحديث: 3739 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 3740 - (حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح) بشد الموحدة أي لا يسمعها المكروه ولا يقل قبحك الله ولا يشتمها (ولا يهجر) كذا في كثير من النسخ وفي رواية أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ورأيت في أصول صحيحة من كتب كثيرة ولا يهجرها (إلا في البيت) (1) وفي رواية للبخاري غير أن لا يهجر إلا في البيت والحصر الواقع في خبر معاوية هذا غير معمول به بل يجوز الهجر في غير البيوت كما وقع للمصطفى صلى الله عليه وسلم من هجره أزواجه في المشربة قال ابن حجر: والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فربما كان الهجر في البيت أشق منه في غيره وعكسه والغالب أن الهجر في غير البيت آلم للنساء لضعف نفوسهن واختلف المفسرون في المراد بالهجر فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية من الهجران وهو البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يترك جماعها وقيل يجامعها ولا يكلمها (طب ك) في النكاح (عن معاوية ابن حيدة) بفتح الحاء المهملة صحابي مشهور وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حق زوجة أحدنا عليه فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود وابن ماجه في النكاح والنسائي في عشرة النساء عن معاوية المذكور باللفظ [ص: 393] المزبور وصححه الدارقطني في العلل وعلقه البخاري وممن عزاه لأبي داود النووي وغيره   (1) أي في المضجع عند النشوز أما الهجر في الكلام فإنه حرام إلا لعذر الحديث: 3740 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 3741 - (حق الجار) على جاره (إن مرض عدته) في مرضه (وإن مات شيعته) إلى المصلى ثم إلى القبر (وإن استقرضك) أي طلب منك أن تقرضه شيئا (أقرضته) إن تيسر معك (وإن أعوز سترته وإن أصابه خير) أي حادث سرور (هنأته) به (وإن أصابته مصيبة) في نفس أو مال أو أهل (عزيته) بما ورد في السنة من المأثور (ولا ترفع بناءك فوق بنائه) رفعا يضره كما أشار إليه بقوله (فتسد عليه الريح) أو الضوء فإن خلا عن الضرر جاز الرفع إلا لذمي على مسلم (ولا تؤذيه بريح قدرك) بكسر فسكون أي طعامك الذي تطبخه في القدر فأطلق الظرف وأراد المظروف ومثله غير عزيز (إلا أن تغرف له منها) شيئا يهدى مثله عرفا فلا يحصل سنة القيام بحقه بقليل مختصر لا يقع موقعا من كفايته كما يدل له قوله في رواية أخرى فأصبهم منها بمعروف إذ هو ظاهر في أن المراد شيء يهدى مثله عادة ذكره العلائي قال ابن أبي جمرة: والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الأذى والإضرار على اختلاف أنواعه حسيا كان أو معنويا إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار بالقول أو الفعل والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن ما يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه وإظهار محاسنه والترغيب فيه برفق ويعظ الفاسق بما يناسبه أيضا ويستر عليه زلله عن غيره وينهاه برفق فإن أفاد وإلا هجره قاصدا تأديبه مع إعلامه بالسبب لينفك (طب عن معاوية بن حيدة) قلت: يا رسول الله ما حق جاري علي فذكره قال الهيثمي: فيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف وقال العلائي: فيه إسماعيل بن عياش ضعيف لكن ليس العهدة عليه بل على شيخه أبي بكر الهذلي فإنه أحد المتروكين وقال ابن حجر: هذا حديث روي بأسانيد واهية لكن اختلاف مخرجيها يشعر بأن للحديث أصلا الحديث: 3741 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 3742 - (حق الولد على والده (1) أن يعلمه الكتابة) لعموم نفعها وجموم فضلها وأهميتها (والسباحة) أي العوم (والرماية) بالقسي (وأن لا يرزقه إلا طيبا) بأن يرشده إلى ما يحمد من المكاسب ويحذره من الإكتساب من غيره ويبغضه إليه ما استطاع لينشأ على ذلك قال الشافعي: وإياك أن تسترضي الولد إذا غضب بلين الكلام وخفض الجناح فإن ذلك يتلف حاله ويهون عليه العقوق بل ذكره بخطئته وما أعد له من العقاب عليها وإياك أن تسبه أو تشتمه فإن ذلك يجرئه على النطق بمثله مع إخوانه بل معك (الحكيم) الترمذي في النوادر (وأبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (هب) كلهم (عن أبي رافع) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله للولد علينا حق كحقنا عليهم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي سكت عليه وهو خلاف الواقع بل تعقبه بقوله عيسى بن إبراهيم أي أحد رجاله يروي ما لا يتابع عليه اه وفي الميزان أنه منكر الحديث وفي الضعفاء تركه أبو حاتم ومن ثم قال ابن حجر إسناد الحديث ضعيف   (1) أي الأصل وإن علا: أي من حقه عليه الحديث: 3742 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 [ص: 394] 3743 - (حق الولد على والده أن يحسن اسمه) أي يسميه باسم حسن لا قبيح وقلما ترى اسما قبيحا إلا وهو على إنسان قبيح والله سبحانه بحكمته في قضائه يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها لتناسب حكمته بين اللفظ ومعناه كما يناسب بين الأسباب ومسبباتها. قال ابن جني: ومر بي دهر وأنا أسمع الاسم لا أدري معناه فآخذ معناه من لفظه فأكشفه فإذا هو ذلك المعنى بعينه أو قريب منه (ويزوجه إذا أدرك) أي بلغ (ويعلمه الكتاب) يعني القرآن ويحتمل إرادة الخط ويرجح الأول ما في رواية للديلمي ويعلمه الصلاة إذا عقل مكان الكتاب (حل فر عن أبي هريرة) وفيه يوسف بن سعيد مجهول والحسن بن عمارة قال الذهبي في الضعفاء: متروك اتفاقا الحديث: 3743 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 3744 - (حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده) أي في وجوب احترامه وتعظيمه وتوقيره وعدم مخالفة ما يشير به ويرتضيه (هب عن سعيد بن العاص) قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف ورواه الحاكم والديلمي باللفظ المزبور ثم قال: وفي الباب أبو هريرة أي عند أبي الشيخ وغيره الحديث: 3744 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 3745 - (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه) فلا يسميه باسم مستكره كحرب ومرة وحزن قال صاحب القاموس في سفر السعادة: أمر الأمة بتحسين الأسماء فيه تنبيه على أن الأفعال ينبغي أن تكون مناسبة للأسماء لأنها قوالبها دالة عليها لا جرم اقتضت الحكمة الربانية أن يكون بينهما تناسب وارتباط وتأثير الأسماء في المسميات والمسميات في الأسماء ظاهر بين وإليه أشار القائل بقوله: وكلما أبصرت عيناك ذا لقب. . . إلا ومعناه إن فكرت في لقبه (ويحسن أدبه) قال الماوردي: والتأديب يلزم من وجهين أحدهما ما لزم الوالد للولد في صغره والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند كبره فالأول يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها وينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر قال الحكماء: بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الإشتغال وتفرق البال والثاني أدبان أدب مواضعة واصطلاح وأدب رياضة واصطلاح قال: ولا يؤخذ تقليدا على ما استقر عليه اصطلاح العقلاء والثاني ما لا يجوز في العقل أن يكون بخلافه وأمثلته كثيرة وقال الغزالي: الصبي أمانة عند أبيه وقلبه جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلم نشأ عليه وشارك في ثوابه أبويه وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم به والولي عليه (هب عن ابن عباس) قال: قالوا يا رسول الله قد علمنا حق الوالد على الولد فما حق الولد على والده فذكره وقضية تصرف المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال محمد الفضل بن عطية أحد رواته ضعيف بمرة لا يحتج بما انفرد به انتهى وقال الذهبي: محمد هذا تركوه واتهمه بعضهم أي بالوضع وفيه أيضا محمد بن عيسى المدائني قال في الضعفاء: قال الدارقطني: ضعيف متروك وقيل كان مغفلا الحديث: 3745 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 3746 - (حق الولد على والده أن يحسن اسمه) فيكره أن يسميه بما يتطير بنفيه أو بإثباته كنافع وأفلح وبركة ويسار ورباح ونجاح أو مرة أو وليد أو شهاب (ويحسن موضعه) (1) بالواو على ما رأيت في نسخ هذا الكتاب وفي نسخ الفتح بالراء ووجهها ظاهر (ويحسن أدبه) بأن ينشئه على الأخلاق الحميدة ويعلمه القرآن ولسان العرب وما لا بد منه [ص: 395] من أحكام الدين فإذا بلغ حد العقل عرفه الباري بالأدلة التي توصله إلى معرفته من غير أن يسمعه شيئا من مقالات الملحدين لكن يذكرها له في الجملة أحيانا ويحذره منها وينفره عنها بكل ممكن ويبدأ من الدلائل بالأقرب الأجلى ثم ما يليه وكذا يفعل بالدلائل الدالة على نبوة نبينا ذكره الحليمي. <فائدة> كان لعامر بن عبد الله بن الزبير ابن لم يرض سيرته فحبسه وقال: لا أخرجك حتى تحفظ القرآن فأرسل إليه قد حفظته فأخرجني فقال: لا بيت خير لك من بيت جمعت فيه كتاب الله فأقم فما أخرج إلا لجنازة عامر وأدخل شابا فخرج شيخا (هب عن عائشة) قال أعني البيهقي وهو ضعيف انتهى وقد مر غير مرة أن ما يفعل المصنف من عزو الحديث لمخرجه وحذفه من كلامه مما عقبه به من تضعيفه وبيان حاله غير صواب وإنما ضعف لأن فيه عبد الصمد بن النعمان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال الدارقطني: غير قوي عن عبد الملك بن حسين وقد ضعفوه عن عبد الملك بن عمير وقد قال مضطرب الحديث وابن معين مختلط   (1) بأن تكون أمه دينة من أصل طيب أو يكون موضع إقامته يتيسر فيه تحصيل القرآن والعلم لكثرة القراء والعلماء فيه الحديث: 3746 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 3747 - (حق الله على كل مسلم) محتلم حضر الجمعة (أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما) هكذا أبهمه في هذا الطريق وعينه جابر في حديث النسائي فقال وهو يوم الجمعة وصححه ابن خزيمة (يغسل فيه) أي في اليوم (رأسه) ويغسل (جسده) ذكر الرأس وإن كان الجسد يشمله للاهتمام به لأنهم يجعلون فيه الدهن والخطمي ونحوهما وكانوا يغسلونه أولا ثم يغتسلون وقال البغوي: أراد به وجوب الإختيار لا وجوب الحتم كما يقول الرجل لصاحبه حقك علي واجب ولا يريد به اللزوم واختلف في غسل الجمعة فذهب أبو هريرة والحسن البصري ومالك إلى وجوبه أخذا بظاهر الحديث وذهب الجمهور إلى ندبه لخبر من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل (ق) في الصلاة (عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب: إنما رواه البخاري تعليقا وسنده صحيح الحديث: 3747 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 3748 - (حق على كل مسلم السواك) بما يزيل القلح (وغسل يوم الجمعة) ويدخل وقته بطلوع الفجر (وأن يمس من طيب أهله) أي حلائله (إن كان) متيسرا لأن الملائكة تحبه والشيطان ينفر منه وأحب شيء إليه الريح المنتن والكريه فالأرواح الطيبة تحب الريح الطيب والخبيثة الخبيث وكل روح تميل إلى ما يناسبها (البزار) في مسنده (عن ثوبان) قال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة ضعفه البخاري والنسائي وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به الحديث: 3748 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 3749 - (حق على كل من قام من مجلس أن يسلم عليهم) أي على أهل ذلك المجلس عند مفارقتهم (وحق على من أتى مجلسا أن يسلم) أي عليهم عند قدومه وتمامه عند مخرجيه فقام رجل ورسول الله يتكلم فلم يسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسرع ما نسي اه قال الحليمي: وإنما كان رد السلام فرضا وابتداؤه سنة لأن أصل التسليم أمان ودعاء بالسلامة وأنه لا يريد شرا وكل اثنين أحدهما أمن من الآخر يجب أن يكون الآخر آمنا منه فلا يجوز إذا سلم واحد على الآخر أن يسكت عنه فيكون قد أخافه وأوهمه الشر (طب هب عن معاذ بن أنس) الجهني قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وريان بن فائد وقد ضعفا انتهى وأقول تعصيبه الجناية برأسهما وحدهما غير حسن مع وجود من هو أوهى منهما الحديث: 3749 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 3750 - (حق على الله عون من نكح التماس) أي طلب (العفاف عما حرم الله) عليه من الزنا أو مقدماته فمن كان قصده [ص: 396] ذلك أعانه الله على تحصيل حليلة تعفه ويسر له صداقها ومؤونتها من حيث لا يحتسب والأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها (عد عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن منيع والديلمي الحديث: 3750 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 3751 - (حقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها) بنفسه قال الحرالي: أول المسير إلى الله التزام الذكر والخلوة به وأول ما ابتدأ به النبي أن حبب إليه الخلاء فكان يخلو في غار حراء ولا تصح جلوة إلا بعد خلوة (ويذكر ذنوبه) أي يستحضرها في ذهنه (فيستغفر الله منها) أي يطلب الرضى وغفرها أي سترها فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة ومن ثم قيل لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وقيل النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك وقال الحسن: إنما يخف الحساب غدا على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا. <تنبيه> قال في الفتوحات: إذا لزم المتأهب الخلوة والذكر وفرغ المحل من الفكر وقعد فقيرا لا شيء له عنه باب ربه منحه الله وأعطاه من العلم به والأسرار الإلهية والمعارف الربانية ما تعجز عنه العقول قيل للجنيد: بم نلت ما نلت قال: بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة وقال أبو يزيد: أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله جلت هيبته وعظمت منته من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم على البسيطة بل كل صاحب نظر وبرهان ليس له هذه الحالة فإنها وراء النظر العقلي (هب عن مسروق مرسلا) هو ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام مات سنة ثلاث وستين الحديث: 3751 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 3752 - (حكيم أمتي عويمر) هو أبو الدرداء قاله لما هزم الصحابة يوم أحد فكان أبو الدرداء فيمن فاء إليه في الناس فلما أظلهم المشركون من فوقهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ليس لهم أن يعلونا فثاب إليه ناس وانتدبوا وفيهم أبو الدرداء حتى أدحضوهم عن مكانهم وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء فذكره (طس عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء (ابن عبيد) الحضرمي (مرسلا) أرسل عن أبي أمامة وغيره وفيه يحيى البايلي قال ابن عدي: الضعف على حديثه بين وقال الذهبي في الضعفاء: له حديث موضوع اتهم به اه. وكان يشير إلى هذا الحديث: 3752 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 3753 - (حلق القفا) أي الشعر الذي فيه (من غير حجامة مجوسية) أي من عمل المجوس وزيهم ومن تشبه بقوم فهو منهم ومن ثم كره قتادة وأحمد للرجل أن يحلق قفاه أما للحجامة فلا بأس به فيها (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) ابن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني والديلمي خرجاه باللفظ المزبور فكأنه ذهل عنه الحديث: 3753 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 3754 - (حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة) يعني لا تجتمع الرغبة فيها والرغبة في الله والآخرة بها ولا يسكن هاتان الرغبتان في محل واحد إلا طردت إحداهما الأخرى واستبدت بالمسكن فإن النفس واحدة والقلب واحد فإذا اشتغلت بشيء انقطع عن ضده (1) قال الإمام الرازي: الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير [ص: 397] ممكن والله يمكن المكلف من تحصيل أيهما شاء فإذا أشغله بتحصيل أحدهما فقط فقد فوت الأجر على نفسه (حم طب ك هب عن أبي مالك الأشعري) لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين ليبلغ الشاهد الغائب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني ثقات   (1) ولهذا قال روح الله عيسى لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد ويحتمل أن يكون المراد حلوة الدنيا ما تشتهيه النفس في الدنيا مرة الآخرة أي يعاقب عليه في الآخرة ومرة الدنيا ما يشق عليه من الطاعات حلوة الآخرة أي يثاب عليه في الآخرة الحديث: 3754 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 3755 - (حليف القوم منهم) الحليف المعاهد يقال تحالفا إذا تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصر والحماية قال إبراهيم الحربي: الحلف أيمان كانوا يتحالفون على أن يلزم بعضهم بعضا (وابن أخت القوم منهم) أي متصل بهم في جميع ما ينبغي أن يتصل به كالنصرة (طب) وكذا البزار (عن عمرو بن عوف) قال الهيثمي: فيه الواقدي وهو ضعيف قال ابن حجر: وفيه قصة الحديث: 3755 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 3756 - (حمزة بن عبد المطلب) أسد الله وأسد رسوله يلقب أبا عمارة (أخي من الرضاعة) قاله حين قيل له ألا تخطب ابنة حمزة فإنها أجمل بنات قريش وفيه أن الرجل لا يحل له تزوج بنت أخيه من الرضاع (ابن سعد) في الطبقات (عن ابن عباس وأم سلمة) وهو في مسلم بدون ابن عبد المطلب فعدول المصنف عنه غير صواب الحديث: 3756 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 3757 - (حمزة سيد الشهداء يوم القيامة) لجموم نفعه في نصرة الإسلام حين بدأ غريبا استشهد بأحد بعد أن قتل أحدا وثلاثين كافرا ولم ير المصطفى صلى الله عليه وسلم باكيا على أحد كبكائه عليه (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3757 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 3758 - (حمل) نبي الله (نوح معه في السفينة) حين الطوفان (من جميع الشجر) (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 3758 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 3759 - (حملة القرآن) أي حفظته العاملون به (عرفاء أهل الجنة يوم القيامة) زاد ابن النجار في روايته عن أبي هريرة والشهداء قواد أهل الجنة والأنبياء سادة أهل الجنة وفي رواية عن علي والمجاهدون في سبيل الله قوادها والرسل سادة أهل الجنة (طب) وكذا الخطيب (عن الحسين بن علي) وفيه إسحاق بن إبراهيم ابن سعيد المدني وهو ضعيف ذكره الهيثمي وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه أيضا فائد متروك وتعقبه المؤلف بأن المتن صحيح الحديث: 3759 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 3760 - (حملة القرآن أولياء الله فمن عاداهم فقد عادى الله ومن والاهم فقد والى الله) المراد بحملته حفظته العاملون بأحكامه المتبعون لأوامره ونواهيه وليس منهم من حفظه ولم يعمل به (فر وابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه داود بن المحبر قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات ورواه عنه أبو نعيم في الحلية ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى الحديث: 3760 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 3761 - (حمل العصا) بالقصر على العاتق أو للتوكئ عليها (علامة المؤمن وسنة الأنبياء) بشهادة عصى موسى وكان للنبي عنزة تحمل معه في سفره فحملها سنة (فر عن أنس) بن مالك وفيه يحيى بن هاشم الغساني قال الذهبي في الضعفاء: قالوا كان يضع الحديث الحديث: 3761 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 [ص: 398] 3762 - (حواري الزبير) بن العوام ابن عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرة بالجنة والد الإمام الأعظم عبد الله الذي استشهد بسيف الحجاج (من الرجال) كلهم (وحواري من النساء عائشة) بنت الصديق أخرج أبو يعلى أن ابن عمر سمع رجلا يقول يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت من آل الزبير وإلا فلا والحواري الناصر والحواريون أصحاب عيسى قيل لهم ذلك لأنهم كانوا يحررون الثياب أي يبيضونها (الزبير بن بكار وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الخير مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وبمثلثة (ابن عبد الله) اليزني بفتح التحتية والزاي وبالنون مفتي أهل مصر (مرسلا) أورده ابن عساكر في ترجمة ابن الزبير الحديث: 3762 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 3763 - (حوسب رجل) يعني يحاسب رجل يوم القيامة فأورده بصيغة الماضي لتحقق وقوعه (ممن كان قبلكم) من الأمم السابقة (فلم توجد له من الخير شيء) أي من الأعمال الصالحة قال القرطبي: عام مخصوص لأن عنده الإيمان ولذلك تجاوز عنه بالعفو {إن الله لا يغفر أن يشرك به} والأليق أن ممن وقي شح نفسه والمعنى أنه لم يوجد له من النفل إلا هذا ويحتمل أنه له لكن غلب هذا عليه ويحتمل أنه أراد بالخير المال أي لم يوجد له فعل بر في المال إلا إنظار المعسر (إلا أنه كان رجلا موسرا وكان يخالط الناس) أي يعاملهم ويضاربهم (وكان يأمر غلمانه) وفي رواية بدله فتيانه الذين يتقاضون ديونه (أن يتجاوزوا عن المعسر) أي الفقير المقل المديون له بأن يحطوا عنه أو ينظروه إلى ميسرة (فقال الله عز وجل لملائكته نحن أحق بذلك منه) كلام حق لأنه المتفضل على الحقيقة إذ لا حق عليه لأحد (تجاوزوا عنه) أي عن ذنوبه ومقصود الحديث الحث على المساهلة والمسامحة في التقاضي وبيان عظيم فضل ذلك وأن لا يحتقر من الخير شيئا وإن قل وأنه تعالى يتجاوز عن القليل من العمل وجواز الإذن للعبد في التجارة والتوكيل في التقاضي وأنه بركة ظاهرة وكرامة بينة وسبب للغفران ومرقاة لدخول الجنان (خد ت ك هب) وكذا أبو يعلى كلهم (عن ابن مسعود) ظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم في الصحيح الحديث: 3763 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 3764 - (حوضي كما بين صنعاء والمدينة) أي مسافة عرضه كالمسافة بينهما قال القاضي: الحوض على ظاهره عند أهل السنة وحديثه متواتر تواترا معنويا فيجب الإيمان به وتردد البعض في تكفير منكره وقال القرطبي: أحاديث الحوض متواترة فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين ورواه عنهم من التابعين أمثالهم ثم لم تزل تلك الأحاديث تتوالى وتشير الرواية إليها في جميع الأعصار إلى أن تنتهي ذلك إلينا وقامت به حجة الله علينا فأجمع عليه السلف والخلف وقد أنكره قوم من المبتدعة فأحالوه عن ظاهره وغلطوا في تأويله من غير إحالة عقلية ولا عادية تلزم من إجرائه على ظاهره ولا معارضة سمعية ولا نقلية تدعو إليه فتأويله تحريف صدر عن عقل سخيف (فيه الآنية مثل الكواكب) يعني الكيزان التي يشرب بها منه كالنجوم في الكثرة والإضاءة وورد إن لكل نبي حرضا على قدر رتبته وأمته فالحوض ليس من خصائصه وماء الحوض من ماء الجنة واعلم أن هذه الرواية تخالفها رواية الحوض ما بين أيلة وصنعاء ورواية ما بين جرباء وأذرح قال في التنقيح: ووجه الجمع بينهما أن هذه الأقوال صورة على جهة التمثيل في بعد أقطار الحوض [ص: 399] وخاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل كل جهة بما يعرفون من تلك المواضع اه وسبقه لنحوه القرطبي فقال: اختلفت الروايات الدالة على قدر الحوض فظن بعض القاصرين أنه اضطراب ولا كذلك بل تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرارا وذكر تلك الألفاظ المختلفة إشعارا بأنه تقدير لا تحقيق وكلها تفيد أنه كبير متسع وسبب ذكره الجهات المختلفة في قدره أنه كان بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات فخاطب كلا بالجهة التي يعرفها (ق عن حارثة بن وهب) الخزاعي (والمستورد) بن شداد بن عمر القرشي الحجازي الحديث: 3764 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 3765 - (حوضي مسيرة) أي مسيرة حوضي (شهر) قال المصري: فالشهر عظمه في الكبر (وزواياه سواء) أي هو مربع لا يزيد طوله ولا عرضه (وماؤه أبيض) اسم تفضيل من الألوان وكفاك به شاهدا لجواز بنائه لفعل التعجب منها بدون أشد وأبلغ وإن منعه النحاة فيقال ما أبلغ زيد وهو أبيض (من اللبن) فهو لغة قليلة ولا يلزم من قتلها عدم فصاحتها لصدورها عن صدر الفصحاء وفي رواية لمسلم وماؤه أبيض من الورق (وريحه أطيب من) ريح (المسك) خصه لأنه أطيب الطيب ذكره القاضي وتلاه القرطبي جاء أبيض هنا على الأصل المرفوض والمستعمل الفصيح كما في الرواية الأخرى أشد بياضا من الثلج فلا معنى لقول من قال من النحاة لا يجوز التلفظ بهذه الأصول المرفوضة مع صحة هذه الروايات وشهرة تلك الكلمات (وكيزانه) التي يشرب بها منه (كنجوم السماء) في الإشراق والكثرة (من شرب منها) أي الكيزان (فلا يظمأ أبدا) وفي رواية لم يظمأ بعدها أبدا فإن قيل كل لذة لا تحقق بدون اشتهاء وقد قال تعالى {وفيها ما تشتهيه الأنفس} وعدم الظمأ يمنع اشتهاء الشرب وتجدد اللذة تجدد نعم وأهل الجنة يتنعمون فكيف تنقطع شهوة الشرب عنهم قلنا يحمل الظمأ على البالغ المؤلم ولا ألم في دار النعيم فبقي عطش الإشتهاء قيل والحوض بعد الصراط قال الغزالي: وهو غلط والصواب قبله والناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديمه اه وخالفه القرطبي فقال: الظاهر أنه بعد النجاة من النار وأهوال القيامة لأن من وصل إلى موضع فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يمنع عنه كيف يعاد إلى حساب أو يذوق تنكيلا (ق عن ابن عمرو) بن العاص لكنه لم يذكر البخاري وزواياه سواء ولا أبيض من اللبن بل هو لمسلم وزاد في روايته عن ابن عمرو عقب ما ذكر قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليه منكم وسيؤخذ أناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال أما شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم الحديث: 3765 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 3766 - (حوضي من عدن) بفتح العين والدال بضبط المصنف (إلى عمان) بضم العين وتخفيف الميم قربة باليمن لا بفتحها وشد الميم فإنها قرية بالشام وليست مرادة كذا ذكره جمع لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيت ضبطه فيها بفتح العين وشد الميم وفتحها (البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه) بباء موحدة في خط المصنف (عدد نجوم السماء) قال القاضي: إشارة إلى غاية الكثرة من قبيل خبر لا يضع العصا عن عاتقه واختار النووي أن المراد الحقيقة إذ لا مانع منه وللقاضي أن ينازعه بأن الحوض عرضه نحو ثلاثة أيام فالظاهر أن لا يسع من الأواني ما تسعه النجوم من السماء وأمور الآخرة غير معقولة فتفويض كيفية ذلك إلى علم الشارع أولى (من شرب منه شربة لم يظمأ [ص: 400] بعدها أبدا) أي لم يعطش عطشا يتأذى به (أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم السدد) أي الأبواب احتقارا لهم وهذا السياق ربما يعطي اختصاصه بأمته فلا يرده غيرهم لكن قال في المطامح إلى أن الخصوصية بالنسبة للأولية فلهم صفوه ثم يرده غيرهم (ت) في الزهد (ك) في اللباس (عن ثوبان) قال الترمذي: غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفيه قصة ورواه عنه أيضا ابن ماجه فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد الترمذي به من الستة غير جيد الحديث: 3766 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 3767 - (حولها) يعني الجنة كذا هو بخط المصنف فما في نسخ من أنه حولهما بالتثنية تحريف وإن كان رواية (ندندن) أي ما ندندن إلا حول طلب الجنة والتعوذ من النار وهذا قاله لما قال لرجل ما تقول في الصلاة قال أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار أما والله ما أحسن من دندنتك ولا دندنة معاذ قال الزمخشري: الدندنة كلام أرفع من الهينمة تسمع نغمته ولا يفهم ويجوز كونه من الدنن التطامن وضمير حولها للجنة والنار فالمراد ما ندندن إلا لأجلها بالحقيقة لا مباينة بين ما ندعو به وبين دعائك (د عن بعض الصحابة هـ عن أبي هريرة) ولا تضر جهالة الصحابي في الأول لأنهم عدول الحديث: 3767 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 3768 - (حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني) لأن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل بالمشاهدة بنفسها وبإخبار الملك بها وفيه سر يطلع عليه من تيسر له ذكره القاضي قال في الإتحاف: ويستثنى من هذا العموم المكنة التي لا يذكر الله فيها كالأخلية فلا يصلى عليه فيها (طب) وكذا في الأوسط (عن الحسن بن علي) قال الهيثمي: وفيه حميد بن أبي زينب لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح قال السخاوي: وله شواهد الحديث: 3768 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 3769 - (حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار) هذا وارد على منهج التهكم نحو {فبشرهم بعذاب أليم} قاله لمن قال إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو قال: في النار فكأنه وجد من ذلك فقال: أين أبوك فذكره (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن سعد) بن أبي وقاص الحديث: 3769 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 3770 - (حياتي) أي في الدنيا والأنبياء أحياء في قبورهم (خير لكم) أي حياتي في هذا العالم موجبة لحفظكم من الفتن والبدع والاختلاف والصحب وإن اجتهدوا في إدراك الحق لكن الأوفق الوفاق وغير المعصوم في معرض الخطأ (ومماتي) وفي رواية موتي (خير لكم) لأن لكل نبي في السماء مستقرا إذا قبض كما دلت عليه الأخبار فالمصطفى صلى الله عليه وسلم مستمر هناك يسأل الله لأمته في كل يوم لكل صنف فللمتهافتين التوبة وللتائبين الثبات وللمستقيمين الاخلاص ولأهل الصدق الوفاء وللصديقين وفور الحظ فبين بقوله ومماتي خير لكم عدم انقطاع النفع بالموت بل الموت في وقته أنفع ولو من وجه ومن فوائده فتح باب الاجتهاد وترك الإتكال والمشي على الاحتياط وغير ذلك فزعم البعض أنه لم يبين له كون موته خيرا جمود أو قصور <تنبيه> أخذ المقريزي من هذا الخبر ضعف حزم إمام الحرمين بأن ما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم باق على ملكه كما كان في حياته فإن الأنبياء أحياء قال: وهذا الخبر يرد عليه بل القرآن ناطق بموته قال تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} وقال إني امرؤ مقبوض (تتمة) استشكل بعضهم تركيب هذا الحديث فقال: أفعل التفضيل يوصل بمن عند تجرده ووصله بها غير ممكن هنا إذ يصير الكلام حياتي خير لكم من مماتي ومماتي خير لكم من حياتي وأجاب المؤلف بأن الإشكال إنما هو من ظن أن خير هنا أفعل تفضيل ولا كذلك فإن لفظة خير لها استعمالان أحدهما أن يراد بها معنى التفضيل [ص: 401] لا الأفضلية وضدها الشر الثاني أن يراد بها معنى الأفضلية وهي التي توصل بمن وهذه أصلها أخير فحذفت همزتها تخفيفا فخير في هذا الحديث أريد بها التفضيل لا الأفضلية فلا توصل بمن وليست بمعنى أفضل وإنما المقصود أن في كل من حياته ومماته خيرا لا أن هذا خير من هذا ولا هذا خير من هذا (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن أنس) قال الحافظ العراقي في المغني: إسناده ضعيف أي وذلك لأن فيه خراش بن عبد الله ساقط عدم وما أتى به غير أبي سعيد العدوي الكذاب وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار ثم ساق له أخبارا هذا منها ورواه البزار باللفظ المزبور من حديث ابن مسعود وقال الحافظ العراقي: ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن خرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي ضعفه بعضهم انتهى فأعجب للمصنف كيف عدل العزو لرواية مجمع على ضعف سندها وأهمل طريق البزار مع كون رجاله رجال الصحيح ووقع له أعني المؤلف في تخريج الشفاء أنه عزا الحديث للحارث من حديث بكر بن عبد الله المزني وللبزار وأطلق تصحيحه وليس الأمر كما ذكر الحديث: 3770 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 3771 - (حياتي خير لكم تحدثون) بضم المثناة الفوقية أوله بخط المصنف (ويحدث) بضم الياء وفتح الدال بخطه (لكم فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فإذا رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت) فيها (شرا استغفرت لكم) أي طلبت لكم مغفرة الصغائر وتخفيف عقوبات الكبائر ومن فوائد الموت أيضا عرض الملائكة صلاة من صلى عليه والتوجه في آن واحد إلى ما لا يحصى من أمور الأمة ولم يثبت ذلك في الحياة ومن فوائده أيضا الإثابة بالحزن بموته وتسهيل كل مصيبة بمصيبته والاعتبار به والرحمة الناشئة من اختلاف الأئمة وارتفاع التشديد في التوقير ونحو ذلك (ابن سعد) في الطبقات (عن بكر بن عبد الله) المزني بضم الميم وفتح الزاي وكسر النون (مرسلا) أرسل عن ابن عباس وغيره قال الذهبي: ثقة إمام وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره موصولا وهو ذهول فقد رواه البزار من حديث ابن مسعود قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح انتهى فأعجب له من قصور من يدعي الإجتهاد المطلق. [انتهى كلام المناوي وحمله الشديد هنا بنية حسنة: ليبين أن دعوى الاجتهاد المطلق يجب ألا يستهان بشأنها. وله أجر حسن نيته. والحق أن ادعاء السيوطي للاجتهاد المطلق مختلف فيه حيث ذكر الإمام الشعراني في مقدمة كشف الغمة أن ذلك كان ادعاء الاجتهاد المطلق ضمن المذهب الشافعي؟ ؟ هذا وإن وجدت بعض المبالغة عند المناوي في تتبع أسانيد السيوطي وما نقص منها غير أنه قال في شرح الحديث 6179: " ولا يقدح عدم الاطلاع على مخرجه في جلالة المؤلف - أي السيوطي - لأنه ليس من شرط الحافظ إحاطته بمخرج كل حديث في الدنيا ". ففي كلام الإمام المناوي هذا غاية الإنصاف والإقرار العادل بجلالة السيوطي والتأكيد على عدم اشتراط إحاطة الحافظ بجميع مخرجي الأحاديث هذا بالإضافة إلى أن السيوطي لم يشترط ذلك على نفسه وقليل في الأمة الإسلامية من قام بمثل عمله في جمع الأحاديث ولا يشترط كما مر ذكر جميع أسانيد الأحاديث في جوامعه والتي تبلغ أكثر من ستة وأربعين ألف حديث فعلينا الأخذ بعلوم السلف والحذو على منهاجهم فيها مع الإعراض عما شجر بينهم وعدم تقليدهم فيه التقليد الأعمى بعد تفهم أسباب ذلك ونياتهم الحسنة المحمودة فيه فلا نقع فيما يقع فيه البعض وللأسف من التجرؤ على أكابر علماء الأمة. والواقع أن الله قد من على هذه الأمة بأمثال السيوطي والمناوي حيث قل وجود المصنفات ذات النفع المماثل للجامع الصغير هذا وشرحه للمناوي. فنسأله سبحانه وتعالى أن يجزيهم خير الجزاء وينفعنا النفع الخالص بعلومهم آمين. دار الحديث] الحديث: 3771 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الحاء] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 3772 - (الحائض والنفساء إذا أتتا على الوقت) الذي يصح فيه الإحرام بنسك (تغتسلان) غسل الإحرام بنيته حال الحيض أو النفاس مع أن الغسل لا يبيح لهما شيئا حرمه الحيضان بل يفعلانه تشبها بالمتعبدين رجاء مشاركتهم في نيل المثوبة (وتحرمان) بضم التاء والإحرام الدخول في النسك (وتقضيان) أي تؤديان (المناسك) أي أعمال الحج والعمرة (كلها) حال الحيض والنفاس (غير الطواف) أي إلا الطواف (بالبيت) فرضا أو نفلا وإلا ركعتي الطواف والإحرام فإن ذلك لا يصح مع الدم كما هو مبين في الفروع (حم د عن ابن عباس) الحديث: 3772 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 3773 - (الحاج الشعث) مصدر الأشعث وهو المغبر الرأس (التفل) بمثناة فوقية وكسر الفاء أي الذي ترك استعمال الطيب من التفل وهو الريح الكريه من تفل الشيء من فيه رماه متكرها له يعني من هذه صفته فهو الحاج حقيقته الحج المقبول [ص: 402] فاللائق به كونه أشعث أغبر رث الهيئة غير متزين ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب من المتكبرين المترهفين ويخرج من حزب الصالحين (ت) وكذا ابن ماجه خلافا لما يوهمه إفراد المصنف للترمذي بالعزو (عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه عنه أحمد قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 3773 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 3774 - (الحاج الراكب له بكل خف يضعه بعيره حسنة) يعني بكل خطوة تخطوها دابته التي يركبها وإنما خص البعير لأن الحاج غالبا إنما يكون عليه وهذا ترغيب عظيم في الحج وبيان لجزيل النوال فيه وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي والماشي له بكل خطوة يخطوها سبعون حسنة انتهى فاقتصاره على بعضه من سوء التصرف وهذا صريح في تفضيل الحج ماشيا وصحح الشافعية مقابله لأدلة أخرى (فر عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن محمد بن ربيعة قال الذهبي: ضعفه ابن عدي ومحمد بن مسلم الطائفي ضعفه أحمد ووثقه غيره الحديث: 3774 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 3775 - (الحاج في ضمان الله مقبلا) أي حجه ذاهبا إليه (ومدبرا) أي راجعا إلى وطنه يعني هو في حفظه في حال الذهاب والإياب جميعا وقضية تصرف المصنف أن ذا هو الحديث بكماله بل هو ذهول بل تمامه عند مخرجه الديلمي فإن أصابه في سفره تعب أو نصب غفر الله عز وجل له بذلك سيئاته وكان له بكل قدم يرفعه ألف درجة في الجنة وبكل قطرة تصبيه من مطر أجر شهيد اه بلفظه فاقتصاره على بعضه بلا موجب تقصير (فر عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 3775 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 3776 - (الحاج والغازي وفد الله) عز وجل والوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد ويقصدون الكبراء للاسترفاد (إن دعوه) أي سألوه شيئا (أجابوه) أي أعطاهم سؤلهم (وإن استغفروه) أي طلبوا منه غفر ذنوبهم أي سترها (غفر لهم) حتى الكبائر في الحج وهذا إذا راعوا ما عليهم من الشروط والآداب التي منها كما قال الحرالي استطابة الزاد والاعتماد على رب العباد والرفق بالرفيق والظهير وتحسين الأخلاق والإنفاق في الهدي والإعلان بالتلبية وتتبع الأركان على ما تقتضيه الأحكام وإقامة الشعائر على معلوم السنة لا على معهود العادة وغير ذلك (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي قال: وفي الباب ابن عمر وغيره الحديث: 3776 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 3777 - (الحاج والمعتمر والغازي في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (والمجمع) أي مقيم الجمعة (في ضمان الله دعاهم) إلى طاعته (فأجابوه وسألوه فأعطاهم) إما سألوه ما عينه وإما ما هو خير منه وهو أعلم بما يصلح به عباده (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3777 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 3778 - (الحافي أحق بصدر الطريق من المنتعل) قال في الفردوس: الحافي الذي لا خف في رجليه ولا نعل انتهى: أي فهو أحق بصدر الطريق لأنه أسهل عليه (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة ويحيى بن عثمان بن صالح وحديثهما حسن وفيهما ضعف الحديث: 3778 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 3779 - (الحباب) بالضم والتخفيف (شيطان) أي هو اسم شيطان من الشياطين قال الزمخشري: اشترك الشيطان والحية في [ص: 403] اسم الحباب كما اشتركا في الشيطان والحبان وابن فترة (ابن سعد) في الطبقات (عن عروة) بن الزبير العالم المتقن الثقة (وعن الشعبي) عامر بن شراحيل (وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة وأميرها (مرسلا) ظاهره أنه لم يقف عليه مسندا وهو قصور فقد رواه الطبراني من حديث خيثمة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأبي: هذا ابنك قال: نعم قال: ما اسمه قال: الحباب قال: لا تسمه الحباب فإن الحباب شيطان الحديث: 3779 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 3780 - (الحبة السوداء فيها شفاء من كل داء إلا الموت) قيل: هذا من العام المراد به الخاص والمراد كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم لأنها حارة يابسة (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن بريدة) بن الحصيب ورواه الطبراني عن أسامة بن زيد قال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 3780 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 3781 - (الحجامة في الرأس هي المغيثة) أي تسمى المغيثة من الأمراض والأدواء (أمرني بها جبريل حين أكلت طعام اليهودية) يعني الشاة التي سمتها له زينب اليهودية بخبير وقالت: إن كان نبيا لم يضره وإلا استرحنا منه قيل: قتلها وقيل: لا. وجمع: بأنه عفى عنها من حق نفسه فلما مات بعض صحبه من أكله منها قتلها به والحجامة إخراج الدم من صفحة القفا لا بالفصد ورد في حديث أن الملائكة أمرت المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يأمر بالحجامة قال التوربشتي: ووجه مبالغة الملائكة فيها سوى ما عرفوا فيها من المنفعة التي تعود إلى الأبدان أن الدم مركب من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى ملكوت السماوات والوصول إلى الكشوف الروحانية وبغلبته يزداد جماح النفس وصلابتها فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعا وخمودا ولينا ورقة وبذلك تنقطع الأدخنة الناشئة من النفس الأمارة وتنحسم مادتها فتزداد البصيرة نورا إلى نورها (ابن سعد) في الطبقات (عن أنس) بن مالك الحديث: 3781 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 3782 - (الحجامة في الرأس يوم الثلاثاء لسبع عشرة) تمضي (من الشهر) أي شهر كان (دواء لداء سنة) أي لما يحدث في تلك السنة من الأمراض وفي خبر احتجموا يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي صرف فيه عن أيوب البلاء ونص الأطباء على أن الحجامة في وسط الشهر أولى وبعد وسطه وبالجملة في الربع الثالث من أرباع الشهر لأن الدم حينئذ يكون في نهاية التزايد بخلافه في أوله وآخره (ابن سعد) في الطبقات والديلمي (طب عد) من حديث زهير بن عباد عن سلام الطويل عن زيد العمي عن معاوية بن قرة (عن معقل بن يسار) قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه زيد بن أبي الحواري العمي وهو ضعيف وقد وثقه الدارقطني وبقية رجاله رجال الصحيح اه. وقال ابن جرير: هذا عندنا خبر واه لا يثبت في الدين بمثله حجة ولا نعلمه يصح لكن روي من كلام بعض السلف وقال ابن الجوزي: موضوع وسلام وشيخه متروكان. وقال الذهبي في الضعفاء: سلام الطويل تركوه باتفاق وزيد العمي ضعيف متماسك الحديث: 3782 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 3783 - (الحجامة في الرأس) تنفع (من الجنون والجذام والبرص والأضراس) أي وجعها (والنعاس) أي تذهبه أو تخففه وإطلاق الرأس هنا قد ورد تقييده في خبر آخر بغير نقرة الرأس فإن الحجامة فيها تورث النسيان كما في الفردوس عن أنس [ص: 404] مرفوعا (عق عن ابن عباس طب وابن السني في الطب) أي النبوي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه مسلمة ابن سالم الجهيني ويقال مسلم بن سالم وهو ضعيف وفيه عند الطبراني إسماعيل بن شبيب أو ابن شيبة الطائفي قال في الميزان واه وأورد له مما أنكر عليه هذا الحديث وقال: قال النسائي منكر الحديث وفي اللسان عن ابن عدي أحاديثه غير محفوظة الحديث: 3783 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 3784 - (الحجامة في الرأس شفاء من سبع) أي من سبعة أدواء (إذا ما نوى صاحبها) بها الاستشفاء بنية صالحة صادقة (من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينه) قال الأطباء: الحجامة في وسط الرأس نافعة جدا قال ابن حجر: وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلها وورد أنه احتجم في الأخدعين والكاهل خرجه الترمذي وحسنه وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه وذكر الأطباء أن الحجامة على الأخدعين شفاء من أمراض الرأس والوجه والأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس وعلى ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث وحكة الأنثيين وعلى أسفل الصدر تنفع دماميل الفخذ وجربه وبثوره والنقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض (طب وأبو نعيم) في الطب وكذا ابن عدي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عمر بن رباح العبدي وهو متروك وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال في الفتح: حديث ضعيف وعمر بن رباح أحد رواته متروك رماه الفلاس وغيره بالكذب الحديث: 3784 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 3785 - (الحجامة على الريق) أي قبل الفطر (أمثل وفيها شفاء وبركة) أي زيادة في الخير (وتزيد في الحفظ وفي العقل فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس) لفظ رواية الحاكم بعد قوله وبركة وهي تزيد في العقل وتزيد الحافظ حفظا فمن كان محتجما فليحتجم يوم الخميس (واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب نبيه (من البلاء) الذي ابتلاه به قال الطيبي: ظاهره يخالف الحديث المار أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ ولعله أراد به يوما مخصوصا وهو سابع عشر الشهر كما في حديث معقل المذكور (واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي ابتلى فيه أيوب) أي كان ابتداء إبلائه فيه (وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء أو في ليلة الأربعاء) في الموجز من فوائد الحجامة تنقية العضو وقلة استفراغ جوهر الروح وهي على الساقين تقارب العضد وتدر الطمث وتصفي الدم وعلى القفا لنحو رمد وبخر قلاع وصداع خاصية ما كان في مقدم الرأس لكنها تورث النسيان قال ابن القيم: وتكره على الشبع لأنها تورث أمراضا (ك) في الطب (وابن السني وأبو نعيم) معا في الطب النبوي (عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يصححه الحاكم وقال الذهبي: فيه عطاف وثقه أحمد وغيره وقال أبو حاتم: ليس بذلك [ص: 405] انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح من جمع طرقه الحديث: 3785 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 3786 - (الحجامة تنفع من كل داء) من أدواء البدن (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فاحتجموا) أمر إرشاد لمن لاق بحاله ومرضه وقطره الحجامة قالوا خاطب بالحجامة أهل الحجاز ومن في معناهم من ذوي البلاد الحارة فإن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة الخارجة بها إلى سطح البدن (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن حمدان قال الذهبي في الذيل: قال أبو أحمد الحاكم: رأيتهم يكذبونه الحديث: 3786 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 3787 - (الحجامة يوم الأحد شفاء) من الأمراض وتخصيص يوم الأحد لسر علمه الشارع (فر عن جابر بن عبد الملك ابن حبيب في الطب النبوي عن عبد الكريم) بن الحارث (الحضرمي) بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى حضرموت من أقصى بلاد اليمن (معضلا) هو المصري العامد واعلم أن الديلمي خرج الحديث في الفردوس من حديث جابر مرفوعا فاقتصار المصنف على رواية إعضاله تقصير أو قصور ثم إن فيه المنكدر بن محمد قال الذهبي: اختلف قول أحمد وابن معين فيه وقد وثق الحديث: 3787 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 3788 - (الحجامة تكره) تنزيها كراهة إرشادية لا شرعية (في أول الهلال ولا يرجى نفعها حتى ينقص الهلال) لأن الأخلاط في أول الشهر لا تكون تحركت وهاجت وفي وسطه تكون هائجة تابعة في مزيدها لتزايد النور في جرم القمر (ابن حبيب) في الطب النبوي (عن عبد الكريم الحضرمي معضلا) الحديث: 3788 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 3789 - (الحجاج والعمار) أي المعتمرون قال الزمخشري: لم يجئ فيما أعلم عمر بمعنى اعتمر لكن عمر الله إذا عبده فيحتمل أن يكون العمار جمع عامر من عمر بمعنى اعتمر وإن لم نسمعه ولعل غيرنا سمعه وأن يكون مما استعمل منه في بعض التصاريف دون بعض كما قيل يذر ويدع (وفد الله دعاؤهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) ساء لهم وهذا في حج مبرور وعمرة كذلك كما مر التنبيه عليه قال الزمخشري: والوفد الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترقاد وغير ذلك (البزار) في المسند (عن جابر) ابن عبد الله قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3789 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 3790 - (الحجاج والعمار وفد الله يعطيهم ما سألوه ويستجيب لهم ما دعوا ويخلف عليهم ما أنفقوا) في الحج والعمرة (الدرهم) الواحد (ألف ألف) درهم لأن الحج أخو الجهاد في المشقة والنزوح عن الوطن والأجر على قدر النصب ومن ثم سماه النبي صلى الله عليه وسلم أحد الجهادين وضم إليه العمرة التي هي الحج الأصغر لمشاركتها في إظهار فخاره وإعلاء مناره (هب) من حديث ثمامة البصرى عن ثابت (عن أنس) ثم قال: أعني البيهقي ثمامة غير قوي اه فحذف المصنف لذلك من كلامه غير صواب وثمامة هذا قال أبو حاتم: منكر الحديث وفيه أيضا محمد بن عبد الله بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن منده مجهول الحديث: 3790 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 [ص: 406] 3791 - (الحجاج والعمار وفد الله إن سألوا أعطوا) بالبناء للمجهول أي أعطاهم الله (وإن دعوا أجابهم) إلى ما طلبوه (وإن أنفقوا) المال (أخلف لهم) ما أنفقوه (والذي نفس أبي القاسم بيده) أي بقدرته وتصرفه (ما كبر مكبر) في حج أو عمرة (على نشز) بنون وشين معجمة وزاي أي ارتفع على رابية في سفره (ولا أهل مهل على شرف) بالتحريك أي محل عال (من الأشراف) أي من الأماكن العالية (ألا أهل ما بين يديه) أي أمامه وعن يمينه وشماله ومدر وغيرهما (وكبر) كل ذلك ويستمر ذلك كذلك (حتى تنقطع به منقطع التراب) في المصباح منقطع الشيء بصيغة اسم مفعول حيث ينتهي طرفه كمنقطع الوادي والرمل والطريق والمنقطع بالكسر الشيء بنفسه فهو اسم عين والمفتوح اسم معنى (هب عن ابن عمرو) بن العاص وفيه بكر بن بكار أورده الذهبي في الضعفاء وقال النسائي: غير ثقة ومحمد أبي حميد قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 3791 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 3792 - (الحج) قال الحرالي: وهو حشر الخلائق من الأقطار للوقوف بين يدي الغفار في خاتمة منيتهم ومشارفة وفاتهم لتكون لهم آمنة من حشر ما بعد مماتهم فكمل به بناء الدين وفرض في آخر سني الهجرة اه (سبيل الله تضعف فيه النفقة بسبع مئة ضعف) فيه إعلام بفضيلة النفقة في الحج الأكبر والأصغر يلحق به وهو العمرة وبيان عظيم فضله كيف وقد جعلت مواقفه أعلاما على الساعة والحج آية الحشر وأهل الحشر {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} (سمويه عن أنس) ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي بلفظ الحج من الجهاد ونفقته تضاعف سبع مئة ضعف الحديث: 3792 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 3793 - (الحج المبرور) أي المقابل بالبر ومعناه المقبول وهو الذي لا يخلطه شيء من الإثم ومن علامة القبول أنه برجع خيرا مما كان ولا يعاود والمعاصي (ليس له جزاء إلا الجنة) أي إلا الحكم له بدخول الجنة فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخلها أي مع السابقين أو بغير عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يحج (طب عن ابن عباس حم عن جابر) قال الهيثمي: فيه محمد بن ثابت وهو ضعيف اه وقضية تصرف المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ له العدول عنه وهو ذهول فقد رواه الشيخان باللفظ المزبور وزادا عقبه والعمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما اه بلفظه الحديث: 3793 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 3794 - (الحج عرفة) مبتدأ وخبر على تقدير مضاف من الجانبين أي معظمه أو ملاكه الوقوف بها لفوت الحج بفوته ذكره البيضاوي وقال الطيبي: تعريفه للجنس وخبره معرفة فيفيد الحصر نحو {ذلك الكتاب} (من جاء قبل طلوع الفجر من ليلة الجمع) أي ليلة المزدلفة وهي ليلة العيد سميت ليلة جمع لأنه يجمع صلواتها (فقد أدرك الحج) أي من أدرك الوقوف ليلة النحر قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج لأن وقت الوقوف بعرفة من زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر وبه قال عامة العلماء وقال مالك: من فاته الوقوف نهاره فاته الحج (أيام منى ثلاثة) هي الأيام المعدودات وأيام التشريق ورمي الجمار وهي الثلاثة بعد النحر (فمن تعجل) النفر (في يومين) أي اليومين الأولين (فلا إثم عليه) في تعجيله وسقط [ص: 407] عنه مبيت الليلة الثالثة ورمى اليوم الثالث وتعجل جاء لازما ومتعديا (ومن تأخر) عن النفر في الثاني من التشريق إلى الثالث حتى نفر فيه (فلا إثم عليه) في تأخيره بل هو أفضل والتخيير هنا وقع بين الفاضل والأفضل (حم 4 ك) كلهم في الحج (هق) كلهم (عن عبد الرحمن بن يعمر) بفتح المثناة التحتية وسكون المهملة وفتح الميم الديلي بكسر الدال المهملة وسكون التحتية صحابي نزل الكوفة قال: إن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى الحج عرفة ولم يضعفه أبو داود الحديث: 3794 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 3795 - (الحج والعمرة فريضتان) رواه الحاكم في رواية على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتهم طوافهم (لا يضرك بأيهما بدأت) أي بالحج أو بالعمرة واعلم بأنه قد قام إجماع الأمة على ما نطق به هذا الحديث من فريضة الحج وذلك لأن الاستطاعة صفة موجودة بالمطيع وهي القدرة فكل من قدر على الوصول بحوله وقوته اللذين خلقهما الله له في ذاته فهو قادر مستطيع ومن لم يقدر على ذلك بحوله وقوته لكن يقدر بحيلته وهي تحصيل الأسباب بالمال ففيه خلاف بين الأئمة والجمهور على اللزوم لأنه مطيق بوجه من الإطاقة اعتبره الشرع وجعله بمنزلة القدرة القائمة بالذات في عبادات الشرع كلها من الطهارة في الصلاة وسننها فكذا الحج وأما العمرة فأخذ أحمد والشافعي بقضية هذا الحديث فأوجباها وقال أبو حنيفة ومالك: لا تجب (ك) وكذا الدارقطني (عن زيد بن ثابت) قال ابن حجر: سنده ضعيف والمحفوظ عن زيد بن ثابت موقوف أخرجه البيهقي بسند صحيح اه. (فر) في الحج (عن جابر) وقال: الصحيح موقوف وقال الذهبي في التنقيح: هذا الحديث إسناده ساقط الحديث: 3795 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 3796 - (الحج جهاد كل ضعيف) لأن الجهاد تحمل الآلام بالبدن والمال وبذل الروح والحج تحمل الآلام بالبدن وبعض المال دون الروح فهو جهاد أضعف من الجهاد في سبيل الله فمن ضعف عن الجهاد لعذر فالحج له جهاد (هـ) وكذا أحمد والقضاعي من حديث أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عن أم سلمة) قال السخاوي: ورجاله ثقات يحتج بهم في الصحيح لكن لا يعرف لأبي جعفر من أم سلمة اه وبما ذكره صرح الترمذي فإنه أورده في العلل عن أم سلمة اه. ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: إنه مرسل لأنه من حديث محمد بن علي عن أم سلمة وهو لم يدركها اه الحديث: 3796 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 3797 - (الحج جهاد) كتب المصنف على الحاشية في رواية فريضة (والعمرة تطوع) تمسك به من لم يوجب العمرة وقال: هي مندوبة والشافعي كالجمهور علي الوجوب لأدلة أخرى (هـ عن طلحة بن عبيد الله طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب وقال الذهبي في المهذب: متروك وفي المطامح: فيه ماهان ضعيف وقال ابن حبان وابن حجر خرجه ابن ماجه عن طلحة وهو ضعيف والبيهقي عن ابن عباس وقال: لا يصح من ذلك شيء الحديث: 3797 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 3798 - (الحج قبل التزويج) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ التزوج بدون الياء ولا أصل له في نسخته أي هو مقدم عليه لاحتمال أن يشغله التزوج عنه وذهب ذاهبون إلى أن الأولى تقديم التزوج على الحج ليكون فكرة مجتمعا تمسكا بأدلة أخرى وكأنهم لم يبالوا بهذا الحديث لشدة ضعفه إن سلم عدم وضعه ولهذا قال ابن المنير عند قول البخاري باب من أحب أن يتزوج قبل الغزو ما نصه يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنا منهم أن [ص: 408] التعفف إنما يتأكد بعد الحج بل الأولى أن يتعفف ثم يحج هذه عبارته وحكاه عنه ابن حجر وأقره ولو كان في الحديث نوع تماسك لما ساغ لهما التعبير بهذه العبارة (فر عن أبي هريرة) وفيه غياث بن إبراهيم قال الذهبي: تركوه وميسرة ابن عبد ربه قال الذهبي: كذاب مشهور الحديث: 3798 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 3799 - (الحجر الأسود) ويسمى الركن الأسود وهو ركن الكعبة الذي في الباب من جانب الشرق وارتفاعه من الأرض الآن ذراعان وثلث ذراع على ما ذكره الأزرقي وبينه وبين المقام ثمانية وعشرون ذراعا (من الجنة) حقيقة أو بمعنى أنه لما له من الشرف واليمن يشارك جواهر الجنة فكأنه منها قال القاضي: لعل هذا الحديث جار مجرى التمثيل والمبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة وما فيه من اليمن والبركة يشارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض منها مسودا فكيف بقلوبهم أو من حيث أنه مكفر للخطايا محاء للذنوب كأنه من الجنة ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم كان ذا بياض شديد فسودته الخطايا هذا وإن احتمال إرادة الظاهر غير مدفوع عقلا ولا سمعا واله أعلم بالحقائق قال المظهر: وفي الحديث فوائد منها امتحان إيمان الرجل فإن كان كاملا يقبل هذا فلا يتردد وضعيف الإيمان يتردد والكافر ينكر ومنها التخويف فكان الرجل إذا علم أن الذنوب تسود الحجر يحترز منه لئلا يسود بدنه بشؤمه ومنها التحريض على التوبة ومنها الترغيب في مسح الحجر لتنقل الذنوب إليه قال ابن العربي: هذا لا يؤمن به إلا من كان سنيا والقدرية تنكره من وجهين أحدهما أن الجنة بعد لم تخلق الثاني أنه زاد في عدة أخبار أن الخطايا تسوده وهي لا تسود ولا تبيض حقيقة ولا توليدا وقد أقمنا الأدلة الواضحة على أن الجنة مخلوقة الآن وأن تعلق السواد بالأبيض والبياض في الأسود غير مستنكر في القدرة (حم عن أنس) بن مالك (ن عن ابن عباس) الحديث: 3799 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 3800 - (الحجر الأسود من حجارة الجنة) يحتمل ما تقرر من الحقيقة أو المجاز ويحتمل أيضا أن معناه بعد خراب هذا العالم ينقل إلى الجنة فيكون فيها تشريفا له. <فائدة> في تذكره المقريزي عن ابن جبير أن ارتفاع الكعبة بين الركن اليماني والحجر الأسود سبع وعشرون ذراعا وسائر الجوانب ثمان وعشرون بسبب انصباب السطح إلى الميزاب وارتفاع الباب من الأرض أحد عشر شبرا ونصفا وغلظ الحائط الذي ينطوي عليه الباب خمسة أشبار وقام البيت على ثلاثة أعمدة بين كل عمودين أربع خطا ومن الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى الركن اليماني أربعة وخمسون شبرا ومن اليماني إلى الشامي ثمانية وأربعون شبرا ودور الحجر من الركن إلى الركن أربعون خطوة وهي مئة وعشرون شبرا ومن جدار البيت وسط صحن الحجر إلى جدار الحجر أربعون شبرا وعمق بئر زمزم أحد عشر قامة وعمق الماء سبع قامات ودور البئر أربعون شبرا وارتفاع سور البئر أربعة أشبار ونصف وفي الحجر الأسود على يمين المستلم له نقطة بيضاء صغيرة مشرقة تلوح كأنها خال في تلك الصفحة وفي هذه الشامة البيضاء أثران النظر إليهما يجلو البصر اه (سمويه عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن أنس وكذا الطبراني في الأوسط والبزار والسند ضعيف الحديث: 3800 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 3801 - (الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك) حقيقة أو مجازا للمبالغة في التعظيم وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض مسودا ولأنه من حيث كونه مكفرا للخطايا كأنه منها ومن كثرة [ص: 409] تحمله لأوزارنا كأنه ذو بياض فسودته الذنوب قال الطبري: وفي بقائه أسود عبرة لمن تبصر فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر ففي القلب أشد وروى الجنيد في فضائل مكة بسند ضعيف عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة (حم عد هب عن ابن عباس) الحديث: 3801 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 3802 - (الحجر الأسود من حجارة الجنة وما في الأرض من الجنة غيره وكان أبيض كالماء) أي في صفائه وإلا فهو لا لون له على الأصح (ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برئ) فيه التحريض على التوبة والتحذير من شؤم الذنوب والترغيب في مس الحجر لينالوا بركته فتنتقل ذنوبهم من أبدانهم إليه ذكره القاضي <تنبيه> في الروض عن الزبير بن بكار حكمة كون الخطايا سودته دون غيره من حجارة الكعبة وأستارها إلى العهد الذي أخذه الله على ذرية بني آدم أن لا يشركوا به كتبه في صك وألقمه الحجر الأسود كما ورد في رواية فالعهد الذي فيه هي الفطرة التي فطر الناس عليها من التوحيد وكل مولود يولد على ذلك الميثاق حتى يسود قلبه بالشرك لما حال عن العهد فصار ابن آدم محلا لذلك العهد والحجر محلا لما كتب فيه العهد فتناسب فاسود قلب ابن آدم من الخطايا بعد ما ولد عليه من ذلك العهد واسود الحجر بعد بياضه وكانت الخطايا سبب في ذلك (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام كثير الحديث: 3802 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 3803 - (الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين يبعث يوم القيامة مثل أحد) في المقدار (يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا) قال المظهر: لما كان الياقوت من أشرف الأحجار كان بعد ما بين ياقوت هذه الدار الفانية وياقوت الجنة أكثر ما بين الياقوت وغيره من الأحجار أعلمنا أنه من ياقوت الجنة ليعلم أن المناسبة الواقعة بينه وبين أجزاء الأرض في الشرف والخاصية كما بين ياقوت الجنة وسائر الأحجار. وقال الطيبي: هذا ليس بتشبيه ولا استعارة بل من قبيل القلم أحد اللسانين فمن في من ياقوت بيانية والياقوت نوعان متعارف وغيره وذا من غير المتعارف ولذلك أثبت له ما ليس للمتعارف. <تنبيه> في البخاري أن عمر قبل الحجر وقال: إني أعلم أنك لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك فقيل: إنما قال ذلك لأنه لم يبلغه هذا الخبر ونحوه وقال الطبري: إنما قاله لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأوثان فخاف أن يطن الجاهل أن استلامه تعظيم للأحجار كما كانوا يفعلونه في الجاهلية فأعلمهم بأن استلامه إنما هو اتباع وأنه لا يضر ولا ينفع بذاته بل بأمر الله (ابن خزيمة عن ابن عباس) الحديث: 3803 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 3804 - (الحجر يمين الله في الأرض يصافح به عباده) أي هو بمنزلة يمينه ومصافحته فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه (خط وابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن جابر) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه إسحاق بن بشير كذبه ابن أبي شيبة وغيره وقال الدارقطني: هو في عداد من يضع وقال ابن العربي: هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه الحديث: 3804 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 3805 - (الحجر يمين الله) أي يمنه وبركته أو من باب الاستعارة التمثيلية إذ من قصد ملكا أم بابه (فمن مسحه فقد بايع [ص: 410] الله) أي صار بمنزلة من بايعه كما تقرر واعلم أن هذا الحديث لم أر الديلمي ذكره بهذا السياق بل لفظه الحجر يمين الله فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله عز وجل أن لا يعصيه (فر عن أنس) وفيه علي ابن عمر العسكري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: صدوق ضعفه البرقاني والعلاء بن سلمة الرواس قال الذهبي: متهم بالوضع (الأزرقي) في تاريخ مكة (عن عكرمة) مولى ابن عباس موقوفا الحديث: 3805 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 3806 - (الحجر الأسود نزل به ملك من السماء) هذا يبعد إرادة المجاز ويقرب الحقيقة (تتمة) قال المصنف في الساجعة الحجر الأسود بتقبيله تبيض الوجوه ويسعد من يؤمه ويرجوه هو يمين الله في بلاده يصافح بها من أمه من عباده عنده تنسكب العبرات وتذهب الحسرات طف واستلم ركنا لأشرف منزل. . . واخضع وذل تفز بكل مؤمل (الأزرقي) في تاريخ مكة (عن أبي) بن كعب الحديث: 3806 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 3807 - (الحدة تعتري خيار أمتي) أي تمسهم وتعرض لهم النشاط والسرعة في الأمر والمراد هنا الصلابة في الدين (طب) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن ابن عباس) أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح وفيه آفات سلام الطويل متروك والفضل بن عطية والبلاء فيه منه الحديث: 3807 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 3808 - (الحدة تعتري حملة القرآن) وفي رواية للديلمي جماع القرآن (لعزة القرآن في أجوافهم) فيحملهم ذلك على المبادرة بالحدة قهرا فينبغي للواحد منهم الاستقامة في نفسه وكفها عن التعزز بسطوة القرآن لأن العزة للرب الأعلى لا للعبد الأدنى ذكره الحرالي (عد عن معاذ) بن جبل وفيه وهب بن وهب بن كثير قال في الميزان: قال ابن معين يكذب وقال أحمد: يضع ثم سرد له أخبارا أختمها بهذا ثم قال: وهذه أحاديث مكذوبة الحديث: 3808 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 3809 - (الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي) أي خيارهم والمراد أمة الإجابة وذا غالبي بشاهد المشاهدة (وأبرارها ثم تفيء) أي ترجع يقال إذا رجع يعني فلا تجاوزهم إلى غيرهم [وقد يعني: ثم تخف هذه الحدة كما ورد في الحديث 3977: " خيار أمتي أحداؤهم الذين إذا غضبوا رجعوا ". وانظر شرح الحديث 3808، والله أعلم. دار الحديث] (فر) من حديث بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي (عن أنس) وبشر هذا قال الذهبي: قال الدارقطني متروك الحديث: 3809 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 3810 - (الحديث عني ما تعرفون) أي الذي تعرفونه بأن تلين له قلوبكم وأبشاركم كما يفسره الخبر السابق والمراد إذا حدث عني بحديث فإن عرفته قلوبكم فهو حديثي الحق وإلا فلا (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه صالح بن كيسان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة رمي بالقدر ولم يصح عنه ورواه أيضا الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: وفيه روح ابن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وضعفه ابن عدي وبقية رجاله ثقات الحديث: 3810 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 3811 - (الحرائر صلاح البيت والإماء فساد البيت) لأن الإماء مبتذلات خارجات غالبا والحرة إذا تعودت ملازمة [ص: 411] الخدر لا يقوم بإصلاح شأن الرجل وإقامة ناموس نظامه إلا هي قال الشاعر: إذا لم يكن في منزل المرء حرة. . . تدبره ضاعت عليه مصالحه (فر عن أبي هريرة) قال السخاوي وغيره: وفيه متروك الحديث: 3811 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 3812 - (الحرب خدعة) (1) بفتح فسكون أو فضم أي هي خدعة واحدة من تيسرت له حق له الظفر وبضم فسكون أي هي خداعة للمرء بما تخيل إليه وتمنيه فإذا لابسها وجد الأمر بخلاف ما تخيله وبضم ففتح كهمزة ولمزة صيغة مبالغة وبفتحتين جمع خادع وبكسر فسكون أي تخدع أهلها أو هي محل الخداع وموضعه ومظنته قال النووي: وأفصح اللغات فيها فتح الخاء وسكون الدال وهي لغة النبي قيل: والتاء للدلالة على الوحدة أو الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة أو الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة وقال العسكري: أراد بالحديث أن المماكرة في الحرب أنفع من الطعن والضرب والمثل السائر إذا لم تغلب فاخلب أي اخدع وهذا قاله في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود مخذلا بين قريش وغطفان واليهود ذكره الواقدي وتكون بالتورية واليمين وإخلاف الوعد قال النووي: اتفقوا على حل خداع الكفار في الحرب كيف كان حيث لا نقض عهد ولا أمان فينبغي قدح الفكر وإعمال الرأي في الحرب حسب الاستطاعة فإنه فيها أنفع من الشجاعة وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال قال الحرالي: والحرب مدافعة بشر عن اتساع المدافع بما يطلب منه الخروج فلا يسمح به ويدافع عنه بأشد مستطاع (حم ق د ت) في الجهاد (عن جابر) بن عبد الله (ق عن أبي هريرة حم عن أنس) بن مالك (د عن كعب) بن مالك الأنصاري (هـ عن ابن عباس وعن عائشة) قالت: إن نعيم بن مسعود قال: يا نبي اله إني أسلمت ولم أعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت فقال: إنما أنت فينا كرجل واحد فخادع إن شئت فإنما الحرب خدعة (البزار) في مسنده (عن الحسين بن علي طب عن الحسين) بن علي (وعن زيد بن ثابت وعبد الله بن سلام وعوف بن مالك) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما أراد سفرا أو غزوة إلا وارى بغيرها قال: وكان يقول الحرب خدعة (وعن نعيم بن مسعود) الأشجعي (وعن النواس بن سمعان) الكلابي الصحابي (ابن عساكر عن خالد بن الوليد) وهو متواتر   (1) بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال وبضمها مع فتح الدال والأول أفصح وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه يعني الحرب الكامل إنما هو المخادعة لا المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير حظر وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز قال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعويض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله الحج عرفة الحديث: 3812 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 3813 - (الحرير ثياب من لا خلاق له) أي من لا حظ له ولا نصيب في الآخرة والخلاق النصيب الوافر والمراد الرجال العقلاء (طب عن ابن عمر) ورواه عنه الديلمي ثم قال: وفي الباب حفصة وأبو هريرة الحديث: 3813 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 [ص: 412] 3814 - (الحريص) هو (الذي يطلب المكسبة من غير حلها) فمن طلبها من وجه حل لا يسمى حريصا بل حازما عاقلا فإن الله خص الإنسان بالقوى الثلاث ليسعى في المكاسب فإن فضيلة القوة الشهوية تطالبه بالمكاسب التي تنميه وفضيلة القوة الغضبية تطالبه بالمجاهدات التي تحميه وفضيلة القوة الفكرية تطالبه بالعلوم التي تهديه فحقه أن يتأمل قوته فيسعى بحسبها فإذا كانت قوته لاكتساب المال واكتسبه من وجه حل لا يسمى حريصا بل هو محمود على ذلك إذ الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية وكل هيئة بل كل عضو ترك واستعماله يبطل كالعين إذا غمضت واليد إذا عطلت ولذلك وضعت الرياضة في كل شيء ولما جعل الله للإنسان قوة التحريك لم يجعل له رزقا إلا بسعي منه لئلا تتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك وقد أفاد هذا الخبر أن الاعتبار في تناول الدنيا والاستكثار منها والاستقلال والزهد فيها والرغبة ليس بتناول القليل بل بتناولها من حيث ما يجب ووضعها كما يجب قال علي كرم الله وجهه: لو أخذ رجل جميع ما في الأرض وأراد به وجه الله سمى زاهدا ولو ترك جميع ما فيها ولم يرد بتركه وجه الله لم يسم زاهدا ولا كان لله في ذلك عابدا فليكن أخذك ما تأخذه وتركك ما تتركه لله لا لغيره (طب عن واثلة بن الأسقع) الحديث: 3814 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 3815 - (الحزم) قال الزمخشري: هو ضبط الأمر واتقانه والحذر من قوته وقال الطيبي: ضبط الإنسان أموره وأخذه بالتقية (سوء الظن) بمن يخاف شره يعني لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم والحزم والحزامة جودة الرأي في الحذر قالوا: وذوي الحجى والنهى يرجح جانب الحزم في كل شيء لأن من وقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه وعليه معظم أساس قاعدة العارفين في معاملتهم للنفس الأمارة ومعظم مكائد الحروب قال الطيبي: ولو لم يكن للحازم سوى قوله تعالى {من خشي الرحمن بالغيب} لكفى يعني بلغ من حزمه أنه يخاف من هو واسع الرحمة جدا فكيف خشيته من وصف بالقهارية (أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الديلمي أيضا (القضاعي) في مسند الشهاب (عن عبد الرحمن بن عائد) بمثناة تحتية ومعجمة قال العامري في شرحه: صحيح وأقول: فيه علي بن الحسن بن بندار قال الذهبي في ذيل الضعفاء: اتهمه ابن طاهر أي بالوضع وبقية وقد مر ضعفه والوليد بن كامل قال في الميزان: ضعفه أبو حاتم والأزدي وقال البخاري: عنده عجائب وساق هذا الحديث منها. <تنبيه> قد نظم بعضهم معنى هذا الحديث فقال: لا تترك الحزم في شيء تحاذره. . . فإن سلمت فما في الحزم من بأس العجز ذل وما في الحزم من ضرر. . . وأحزم الحزم سوء الظن بالناس وقال بعضهم: ولقد بلوت الناس في أحوالهم. . . وحككت إبرين القلوب بميلق فرأيت غشا في البواطن كامنا. . . وظواهرا تبدو بحسن تملق فقبضت كفي من تمني خيرهم. . . ودعوت ربي بعدها لا نلتق وقال بعضهم: ولقد بلوت الناس أطلب منهم. . . أخا ثقة عند اشتداد الشدائد فلم أر فيما جاءني غير شامت. . . ولم أر فيما سرني غير حاسد ولبعضهم: وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي. . . فأدبني هذا الزمان وأهله وقال الخرائطي: احذر صديقك لا عدوك إنما. . . جمهور سرك عند كل صديق وقيل لمعاوية: ما بلغ من عقلك قال: ما وثقت بأحد قط الحديث: 3815 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 3816 - (الحسب المال والكرم التقوى) أي الشيء الذي يكون فيه الإنسان عظيم القدر عند الناس هو المال والذي يكون به عظيما عند [ص: 413] الله هو التقوى والتفاخر بالآباء ليس واحدا منهما فلا فائدة له أو المراد أن الغني يعظم ما لا يعظم الحسيب فكأنه لا حسب إلا المال وأن الكريم هو المتقي لا من يجود بماله ويخاطر بنفسه ليعد جوادا شجاعا وقيل: أصل الكرم كثرة الخير فلما كان المتقي كثير الخير كثير العوائد والفوائد في الدنيا وله الدرجات العلى في العقبى كان أعم الناس كرما فكأنه لا كرم إلا التقوى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وقال الزمخشري: الحسب ما يعد مآثره ومآثر آبائه فالمراد أن الفقير ذا الحسب لا يوقر ولا يحتفل به ومن حسب له إذا أثرى جل في العيون اه. وقال العامري في شرح الشهاب: أشار بالخبر إلى أن الحسب الذي يفتخر به أبناء الدنيا اليوم المال فقصد ذمهم بذلك حيث أعرضوا عن الأحساب الخفية ومكارم الأخلاق الدينية ألا ترى أنه أعقبه بقوله والكرم التقوى والتقوى تشمل المكارم الدينية والشيم المرضية التي فيها شرف الدارين <تنبيه> قال الراغب: المال إذا اعتبر بكونه أحد أسباب الحياة الدنيوية فهو عظيم الخطر وإذا اعتبر سائر المقتنيات فهو صغير الخطر إذ هو أحسن المقتنيات فالمال من الخيرات المتوسطة لأنه كما يكون سببا للخير قد يكون سببا للشر لكن لما كان غالبا يوجب كرامة أصحابه وتعظيم أربابه حتى صدق القائل: الناس أعداء لكل مدقع. . . صفر اليدين وأخوة للمكثر وحتى قيل: رأيت ذا المال مهيبا وأستصوب قول طلحة في دعائه: اللهم ارزقني مجدا ومالا ولا يصلح المجد إلا بالمال ولا المال إلا بالمجد ونظمه المتنبي فقال: فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله. . . ولا مال في الدنيا لمن قل مجده (حم ت) في التفسير (هـ) في الزهد (ك) في النكاح (عن سمرة) بن جندب وقال الترمذي: صحيح اه. وقال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي لكن قيل: إنه من حديث الحسن عن سمرة وقد تكلموا في سماعه منه الحديث: 3816 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 3817 - (الحسد) أي المذموم وهو تسخط قضاء الله والاعتراض عليه (يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) لأنه اعتراض على الله فيما لا عذر للعبد فيه لأنه لا يضره نعمة الله على عبده والله لا يعبث ولا يضع الشيء بغير محله فكأنه نسب ربه للجهل والسفة ومن لم يرض بقضائه فليطلب ربا سواه والحاسد معاقب في الدنيا بالغيظ الدائم والآخرة بإحباط الحسنات ومن ثم كان من الكبائر قال القاضي: تمسك به من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي كالمعتزلة وأجيب بأن المعنى أن الحسد يذهب حسناته ويتلفها عليه بأن يحمله على أن يفعل بالمحسود من إتلاف مال وهتك عرض وقصد نفس ما يقتضي صرف تلك الحسنات بأسرها في عرضه وقال الطيبي: الأكل هنا استعارة لعدم القبول وأن حسناته مردودة عليه وليست بثابتة في ديوان عمله الصالح حتى يحبط واستثنى الحسد في نعمتي كافر وفاجر يستعين بها على فتنة أو فساد (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والصلاة نور المؤمن) أي ثوابها يكون نورا للمصلي في ظلمة القبر أو على الصراط أو فيهما (والصيام جنة من النار) بضم الجيم أي وقاية من نار جهنم فلا يدخل صاحبه النار إلا تحلة القسم ولعل المراد الإيمان الكامل (هـ عن أنس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وقال البخاري: لا يصح لكنه في تاريخ بغداد بسند حسن اه الحديث: 3817 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 3818 - (الحسد في اثنتين) يعني الحسد الذي لا يضر صاحبه ليس إلا في خصلتين أو طريقتين أي في شأنهما أحدهما (رجل آتاه الله القرآن) أي حفظه وفهمه (فقام به) أي بتلاوته في الصلاة والعمل بما فيه (وأحل حلاله وحرم حرامه) بأن فعل الحلال وتجنب الحرام (ورجل آتاه الله مالا) أي حلالا كما يفيده السياق (فوصل به أقرباءه ورحمه) عطف [ص: 414] خاص على عام (وعمل بطاعة الله) كأن تصدق منه وأطعم الجائع وكسى العاري وأعان الغازي وغير ذلك من وجوه القرب (تمنى أن يكون مثله) من غير تمني زوال نعمة ذلك عنه فالحسد حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال نعمة الغير والمجازي تمني مثلها ويسمى غبطة وهو مباح في دنيوي مندوب في أخروي وخص هذين لشدة اعتنائه بهما كأنه قال لا غبطة أكمل ولا أفضل منها فيهما قال العلائي: وبينهما نوع تلازم لأن المرء مجبول على حب المال وحبه للرياسة والجاه بالعلم أشد فالنفس تدعوه لكثرة المال وعدم إنفاقه خوف الفقر وللتصنع بالعلم المأخوذ من القرآن ليتقدم على غيره فإذا وفق لقهر نفسه ببذل المال في القرب والقيام بحق العلم فجدير بأن يغيظ ويتمنى مثل حاله (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه روح ابن صلاح ضعفه ابن عدي وقواه غيره وخرجه الجماعة كلهم بتفاوت قليل ولفظهم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آتاه الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آتاه الليل والنهار الحديث: 3818 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 3819 - (الحسد) أي المذموم وهو تمني زوال نعمة الغير (يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل) قال الغزالي: الحسد هو المفسد للطاعات الباعث على الخطيئات وهو الداء العضال الذي ابتلي به كثير من العلماء فضلا عن العامة حتى أهلكهم وأوردهم النار وحسبك أن الله أمر بالاستعاذة من شر الحاسد فقال: {ومن شر حاسد إذا حسد} كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان فانظر كم له من شر وفتنة حتى أنزله منزلة الشيطان والساحر وينشأ عن الحسد إفساد الطاعات وفعل المعاصي والشرور والتعب والهم بلا فائدة وعمى القلب حتى لا يكاد يفهم حكما من أحكام الله والحرمان والخذلان فلا يكاد يظفر بمراد نفس دائم وعقل هائم وغم لازم اه وزعم بعضهم أنه لا حيلة للمحسود في إزالة حسد الحاسد فإن سعى فيه ضاع سعيه كما قال: كل العداوة قد ترجى إزالتها. . . إلا عداوة من عادك في الحسد ويكفي في قبح الحسد كما في الإحياء أنه أول ذنب عصى الله به لأن إبليس لم يحمله على ترك السجود إلا الحسد كما أن قابيل لم يحمله على قتل هابيل إلا الحسد وقد عم وقوعه وطم قال في المنهاج: ولا حيلة في دفعه حتى أعرف بعض الناس بذل جهده في استجلاب دواعي التآلف وأسباب كف التنكر مع شخص من أقرانه فلم يجد ولم يفد <تنبيه> قالوا: كلما عظمت النعمة على العبد كثرت حساده وعظمت الشماتة فيه وأقول كما قال شيخنا الشعراوي من أعظم نعم الله علي أن حكمي بين الحسدة كبهلوان يمشي علي الحبل بقبقاب وجميع الأعداء والحساد والمتعصبين من أهل مصر واقفون تحتي ينتظرون لي زلفة لأنزل إلى الأرض متقطعا فما تغيب الشمس علي أو تطلع كل يوم وأنا لم أقع في شيء يشمتون بي فيه وما في عيني قطرة وهو من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع الغضب والغضب أصل أصله وله أسباب وعلامات وعلاج وهو من أمراض القلب فمن لم يرزق قلبا سليما منه فعليه بمعالجته ليزول ولعلاجه أدوية مبينة في كتب القوم كالإحياء والمنهاج (فر عن معاوية بن حيدة) وفيه فحيس بن تيم قال الذهبي في الضعفاء: مجهول وقال العقبلي: لا يتابع على حديثه عن بهز بن حكم وفيه لين الحديث: 3819 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 3820 - (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) قال ابن الحاجب: الإضافة للتوضيح باعتبار بيان العام بالخاص فليس ذكر الشباب وقع ضائعا وفي فتاوى بعضهم: أراد أنهما سيدا كل من مات شابا ودخل الجنة فإنهما ماتا وهما شيخان ولا يقال وقع الخطاب حين كان شابين لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهما دون ثمان سنين فلا يسميان شابين [ص: 415] ومر لذلك مزيد (حم ت) في المناقب (عن أبي سعيد) الخدري (طب عن عمرو عن علي) وما ذكر أنه عن عمرو عن علي هو ما في خط المصنف فما في بعض النسخ عن ابن علي لا يصح (عن جابر) بن عبد الله (وعن أبي هريرة طس عن أسامة بن زيد وعن البراء) بن عازب (عد عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن صحيح قال المصنف: وهذا متواترا الحديث: 3820 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 3821 - (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما) علي أمير المؤمنين (خير منهما) أي أفضل كما يصرح به لفظ رواية الطبراني أفضل منهما وكان أبو بكر وعمر يعظمانهما غاية التعظيم وكان عمر يحبهما ويقدمهما على أولاده في العطاء (هـ ك) في فضائل أهل البيت من حديث معلى بن عبد الرحمن عن أبي ذئب عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي: ومعلى متروك (طب عن قرة) بضم القاف بن إياس بكسر الهمزة وفتح التحتية وبالمهملة ابن هلال المزني قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن مالك بن الحويرث) مصغر الحارث الليثي له وفادة وصحبة ورواية قال الهيثمي: وفيه عمران بن أبان ومالك بن الحسن ضعيفان وقد وثقا (ك) في فضائل أهل البيت (عن أبي سعيد) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه الحكم بن عبد الرحمن فيه لين الحديث: 3821 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3822 - (الحسن والحسين سيدا أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران) (حم ع حب طب ك عن أبي سعيد) الحديث: 3822 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3823 - (الحسن مني والحسين من علي) قال الديلمي: معناه أن الحسن يشبهني والحسين يشبه عليا اه وكان الغالب على الحسن الحلم والإنابة وعلى الحسين الجراءة وشدة البأس كعلي فالشبه معنوي وقيل: صوري (حم وابن عساكر) في التاريخ (عن المقدام) بكسر الميم (بن معدي يكرب) بن عمرو بن يزيد الكندي نزيل حمص قال الحافظ العراقي: وسنده جيد وقال غيره: فيه بقية صدوق لكن له مناكير وغرائب وعجائب الحديث: 3823 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3824 - (الحسن والحسين شنفا العرش) بشين معجمة ونون (وليسا بمعلقين) قال الديلمي: يعني بمنزلة الشنفين من الوجه والشنف القرط المعلق في الوجه أي الأذن والمراد أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يساره وما ذكر من أن الرواية شنفا بشين معجمة هو ما في نسخ وهو الموجود في مسند الفردوس وغيره لكن اطلعت علي نسخة المصنف بخطه فرأيته كتبها بالسين المهملة (طس عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي: فيه حميد بن علي وهو ضعيف الحديث: 3824 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3825 - (الحق أصل في الجنة والباطل أصل في النار) وكل أصل منهما يتبعه فروعه من الناس (تخ عن عمر) بن الخطاب الحديث: 3825 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3826 - (الحق بعدي مع عمر) أي القول الصادق الثابت الذي لا يعتريه الباطل يكون مع عمر (حيث كان) وفي رواية يدور [ص: 416] معه حيثما دار وهذه منقبة عظيمة لعمر (الحكيم) الترمذي (عن الفضل بن عباس) ابن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم ورديفه بعرفة مات بطاعون عمواس ثم إن فيه القاسم بن يزيد قال في الميزان عن العقيلي: حديث منكر ثم ساق له مما أنكر عليه الحديث: 3826 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 3827 - (الحكمة) التي هي كما قال القاضي البيضاوي: استعمال النفس الإنسانية باقتباس النظريات وكسب الملكة التامة للأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية قيل: وفيه قصور لعدم شموله لحكمة الله فالأولى أن يقال العلم بالأشياء على ما هي والعمل كما ينبغي وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة (تزيد الشريف شرفا) أي رفعة وعلو قدر {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} فعلى المرء ولو شريفا أن يحرص على الفائدة حتى ممن دونه بمراحل قال علي كرم الله وجهه: خذ الحكمة أنى تأتك فإن الكلمة منها تكون في صدر المنافق فتتلجلج حتى تسكن إلى صاحبها قال الزمخشري: أي تتحرك وتفلق في صدره حتى يسمعها المؤمن فيأخذها وحينئذ تأنس أنس الشكل إلى الشكل فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها (وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك) قال الغزالي: نبه على غمرتها في الدنيا ومعلوم أن الآخرة خير وأبقى قال ابن أبي الجعد: اشتراني مولاي بثلاث مئة درهم فأعتقني فقلت: بأي حرفة أحترف فاحترفت بالعلم فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائرا فلم آذن له انتهى وشاهده في القرآن فإن الهدهد مع حقارته أجاب سليمان مع علو رتبته بصولة العلم بقوله {أحطت بما لم تحط به} غير مكترث بتهديده <تنبيه> قال بعضهم: الحكمة حياة النفوس وزراعة الخير في القلوب ومثيرة الحظ وحاضرة الغبطة وجامعة السرور ولا يخبو نورها ولا يكبو زنادها الحكمة حلية العقل وميزان العدل ولسان الإيمان وعين البيان وروضة الآداب ومزيل الهموم عن النفوس وأمن الخائفين وأنس المستوحشين ومتجر الراغبين وحظ الدنيا والآخرة وسلامة العاجل والآجل (عد حل) من حديث عمرو بن حمزة عن صالح عن الحسن (عن أنس) ثم قال مخرجه أبو نعيم غريب تفرد به عمرو بن حمزة عن صالح انتهى وقال العراقي: سنده ضعيف وقال العسكري: ليس هذا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بل من كلام الحسن وأنس الحديث: 3827 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 3828 - (الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحدة في الصمت) أخذ منه أنه ينبغي للطالب تجنب العشرة سيما لغير الجنس خصوصا لمن كثر لعبه وقلت فكرته فإنه من أعظم القواطع والطباع سراقة وآفة العشرة ضياع العمر بلا فائدة أو ذهاب المال والعرض وكذا الدين إن كانت لغير أهله قال الفضيل: إذا رأيت أسدا فلا يهولنك وإذا رأيت آدميا ففر. وقال: تباعد عن القراء فإن أحبوك مدحوك بما ليس فيك وإن غضبوا شهدوا عليك بما ليس فيك وقبل منهم. <تنبيه> قال النووي: في الحكمة أقوال كثيرة مضطربة اقتصر كل من قابلها على بعض صفاتها وقد صفا لنا منها أنها عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس والأخلاق وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك (عد وابن لال) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الذهبي في الزهد: إسناده واه الحديث: 3828 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 3829 - (الحلف حنث أو ندم) لأنه إما أن يحنث فيأثم لكذب اليمين أو يندم على منعه نفسه مما كان له فعله وقوله لا فعلت [ص: 417] ولأفعلن نوع تأل على الله فربما أكذبه بحنث أو عذب قلبه بندم فحق المسلم أن يتحاشى من الحلف فإن اضطر سلك سبيل التعريض وإن بدر منه سهو يتبعه بالاستثناء وقيل: العاقل إذا تكلم أتبع كلامه ندما والأحمق إذا تكلم أتبع كلامه حلفا وعلامة الكاذب جودة بيمينه بغير مستحلف كما قال بعضهم: وفي اليمين على ما أنت واعده. . . ما دل أنك في الميعاد متهم (تخ ك) في الإيمان (عن ابن عمر) بن الخطاب رواه البيهقي قال في المهذب: وفيه ضعف الحديث: 3829 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 3830 - (الحلف) أي اليمين الكاذبة على البيع وفي رواية مسلم اليمين قال الزركشي: وهو أوضح وفي رواية أحمد اليمين الكاذبة وهي أصرح (منفقة) مفعلة من نفق البيع راج البيع راج ضد كسد أي مزيدة (للسلعة) بكسر البضاعة أي رواج لها (ممحقة) مفعلة من المحق أي مذهبة (للبركة) يعني مظنة لمحقها أي نقصها أو ذهابها وحكى عياض ضم أوله وكسر الحاء بصيغة اسم الفاعل قال الزركشي: لكن الرواية بفتح أولهما وسكون ثانيهما مفعلة من المحق وأسند الفعل إلى الحلف إسنادا مجازيا لأنه سبب لرواج السلعة ونفاقها وقوله الحلف مبتدأ خبره منفقة وممحقة خبر بعد خبر وصح الأخبار بهما مع أنه مذكر وهما مؤنثان بأنها أما بتأويل الحلف باليمين أو أن لها للمبالغة لا للتأنيث واعلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث كالتفسير لآية {يمحق الله الربا} لأن الربا الزيادة فيقال كيف يجتمع المحق والزيادة فبين بالحديث أن اليمين مزيدة في الثمن ممحقة للبركة منه والبركة أمر زائد على العدد وقوله تعالى {يمحق الله الربا} أي يمحق البركة منه وإن بقى عدده كما كان. قال الراغب: فحق المسلم أن يتحاشى من الاستعانة باليمين في الحق وأن يتحقق قدر المقسم به ويعلم أن الأغراض الدنيوية أخس من أن يفزع فيها إلى الحلف بالله فإنه إذا قال والله إنه لكذا تقديره إن ذلك حق كما أن وجود الله حق وهذا الكلام يتحاشى منه من في قلبه حبة خردل من تعظيم الله {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} (ق) في البيع (د ن عن أبي هريرة) واللفظ للبخاري ولفظ مسلم ممحقة للربح الحديث: 3830 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 3831 - (الحليم) أي الذي يضبط النفس عند هيجان الغضب (سيد في الدنيا سيد في الآخرة) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة قديمة من تاريخ الخطيب رشيد بدل سيد وذلك لأنه سبحانه أثنى على من هذه صفته في عدة مواضع من التنزيل وقد ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام الغاية التي لا ترتقى لكن إنما يكون الحلم محمودا إذا لم يجر إلى محذور شرعي أو عقلي روى البغوي في معجمه وابن عبد البر في استيعابه والبزار في مسنده أن النابغة الجعدي أنشد بحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة حتى وصل إلى قوله: ولا خير في حلم إذا لم يكن له. . . بوادر تحمى صفوه أن يكدرا فقال: أحسنت يا أبا ليلى لا يفضض الله فاك (خط) في ترجمة محمد بن سعيد البزوري (عن أنس) وفيه قبيصة ابن حريث قال البخاري: في حديثه نظر والربيع بن صبيح أورده الذهبي في الضعفاء ويزيد الرقاشي تركوه ومن ثم قال ابن الجوزي: حديث لا يصح الحديث: 3831 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 3832 - (الحمد لله رب العالمين) أي السورة المفتتحة بالتحميد ولذلك سميت الفاتحة ذكره السيد (هي السبع المثاني) سميت به لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد أو لأنها يثنى بها على الله أو غير ذلك (الذي أوتيته والقرآن العظيم) زيادة [ص: 418] على الفاتحة (خ د عن أبي سعيد بن المعلى) بضم الميم وفتح المهملة وشد اللام المفتوحة وقيل الحرث قال ابن عبد البر: الأصح الحارث بن نفيع بن المعلى الأنصاري الزرقي الحديث: 3832 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 3833 - (الحمد لله رب العالمين) أي سورتها هي (أم القرآن) لتضمنها لجميع علومه كما سميت مكة أم القرى (وأم الكتاب) فيه رد على من كره تسميتها بذلك كالحسن (والسبع المثاني) قال الزمخشري: المثاني هي السبع كما قيل السبع هي المثاني سميت مثاني لأنها تثنى أي تكرر في قومات الصلاة اه (د ت عن أبي هريرة) الحديث: 3833 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 3834 - (الحمد لله دفن) في رواية موت (البنات من المكرمات) لآبائهن وعلى وفقه قيل: خير البنات من بات في القبر قبل أن يصبح في المهد وأنشدوا: القبر أخفى سترة للبنات. . . ودفنها يروى من المكرمات أما ترى الله تعالى اسمه. . . قد وضع النعش بجنب البنات وقيل: موت الحرة خير من المعرة (طب عن ابن عباس) قال: لما عزي النبي صلى الله عليه وسلم بابنته رقية ذكره قال الهيثمي: وفيه عثمان بن عطاء الخراساني وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه المؤلف في مختصره ساكتا عليه قال ابن الجوزي: وسمعت شيخنا الأنماطي الحافظ يحلف بالله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا شيئا قط. وقال الخليلي في الإرشاد: رواه بعض الكذابين من حديث جابر وإنما يروى عن عطاء الخراساني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وعطاء متروك الحديث: 3834 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 3835 - (الحمد) لله (رأس الشكر) لأن الحمد باللسان وحده والشكر به وبالقلب والجوارح فهو إحدى شعبه ورأس الشيء بعضه فهو من هذا القبيل بعضه وجعل رأسه لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في عمل الجوارح من الاحتمال يخالف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن الكل كذا في الكشاف وفي الفائق الشكر مقابلة النعمة قولا وعملا ونية وذلك أن يثني على المنعم بلسانه ويدئب نفسه في طاعته ويعتقد أنه ولي نعمته وأما الحمد فالوصف بالجميل على المحمود وهو شعبة واحدة من شعب الشكر وكأنه رأسه لأن فيه إظهار النعمة والنداء عليها (ما شكر الله عبد لا يحمده) لأن الإنسان إذا لم يئن على المنعم بما يدل على تعظيمه لم يظهر منه شكر وإن اعتقد وعمل فلم يعد شاكرا لكون حقيقة الشكر إظهار النعمة كما أن كفرانها إخفاؤها والاعتقاد خفي وعمل الجوارح محتمل بخلاف النطق ذكره السيد (عب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال المصنف في شرح التقريب: رواه الخطابي في غريبه والديلمي في الفردوس بسند رجاله ثقات لكنه منقطع وفي حاشية القاضي منقطع بين قتادة وابن عمرو الحديث: 3835 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 3836 - (الحمد) لله (على النعمة أمان لزوالها) ومن لم يحمده عليها فقد عرضها للزوال وقلما نفرت فعادت وقال بعض العارفين: ما زال شيء عن قوم أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وإنما ثبتت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم وفي الحكم: من لم يشكر النعمة فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها وقال الغزالي: والشكر قيد النعم به تدوم وتبقى وبتركه تزول وتتحول قال الله تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وقال {فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} وقال {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} وقال {لئن شكرتم لأزيدنكم} فالسيد الحكيم إذا رأى العبد قام بحق نعمته يمن عليه بأخرى [ص: 419] ويراه أهلا لها وإلا فيقطع عنه ذلك قال إمام الحرمين: وشدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأن تلك الشدائد نعم بالحقيقة لأنها تعرضه لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة (فرعن عمر) بن الخطاب الحديث: 3836 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 3837 - (الحمرة من زينة الشيطان) يعني أنه يخيل بها ويدعو لها ويحبها لا أنه يلبسها ولا أنه يتزين بها ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المعصفر للرجال وأعلم أنها زينة الشيطان والتختم بالحديد وأعلم أنه حلية أهل النار أي أنه لهم مكان الحلية سلاسل وأغلال وإلا فأهل النار لا حلى لهم ذكره ابن قتيبة ولذلك تعلق بهذا من ذهب إلى تحريم لبس الأحمر وللسلف فيه سبعة أقوال: الأول: الجواز مطلقا الثاني: المنع الثالث: يحرم المشبع بالحمرة ويحل ما صبغه خفيف الرابع: يكره لبس الأحمر لقصد الزينة والشهرة ويجوز في البيوت الخامس: يجوز لبس ما صبغ غزله ثم نسج دون ما صبغ بعد نسجه السادس: يحرم ما صبغ بالعصفر دون غيره السابع: يحرم ما صبغ كله لا ما فيه لون غير أحمر (عب عن الحسن مرسلا) هو البصري وخرجه عنه أيضا ابن أبي شيبة قال في الفتح: ووصله ابن السكن الحديث: 3837 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 3838 - (الحمى من فيح) وفي رواية من فوح وفي أخرى من فور (جهنم) أي من شدة حرها يعني من شدة حر الطبيعة وهو يشبه نار جهنم في كونها معذبة ومذيبة الجسد والمراد أنها أنموذج ودقيقة اشتقت من جهنم يستدل بها على العباد عليها ويعتبروا بها كما أظهر الفرح واللذة ليدل على نعيم الجنة (فابردوها) بصيغة الجمع مع وصل الهمزة على الأصح في الرواية وروى قطعها مفتوحة مع كسر الراء حكاه عياض لكن قال الجوهري: هي لغة رديئة وقال أبو البقاء: الصواب وصل الهمزة وضم الراء والماضي برد وهو متعد يقال برد الماء حرارة جوفى وقال القرطبي: صوابه بوصل الألف وأخطأ من زعم قطعها (بالماء) أي أسكنوا حرارتها بالماء البارد بأن تغسلوا أطراف المحموم منه وتسقوه إياه ليقع به التبرد لأن الماء البارد رطب ينساغ بسهولة فيصل بلطافته إلى أماكن العلة فيدفع حرارتها من غير حاجة إلى معاونة الطبيعة قلا تشتغل بذلك عن مقاومة العلة كما بينه بعض الأطباء والمنكر عندهم إنما هو استحمامه بالماء البارد ولا دلالة في الحديث عليه وبذلك يعرف أنه لا حاجة إلى ما تكلفه البعض من جعل اللام في الحمى للجنس وإعادة ضمير ابردوها على الحمى المغبة المندرجة تحت الجنس وبهذا التقرير عرف أن تشكيك بعض الضالين هنا بأن غسل المحموم مهلك وأن بعضهم فعله فهلك أو كاد لجمعه المسام وخنقه البخار وعكسه الحرارة لداخل البدن جهل نشأ عن عدم فهم كلام النبوة (حم خ عن ابن عباس حم ق ن هـ عن ابن عمر بن الخطاب ق ت هـ عن عائشة حم ق ت ن هـ عن رافع بن خديج ق ت هـ عن أسماء بنت أبي بكر الصديق) الحديث: 3838 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 3839 - (الحمى كير من جهنم) أي حقيقة أرسلت منها إلى الدنيا نذيرا للجاحدين وبشيرا للمقربين أنها كفارة لذنوبهم أو حرها شبيه بحر كير جهنم (فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار) أي نصيبه من الحتم المقضي في قوله سبحانه {وإن منكم إلا واردها} أو نصيبه مما اقترف من الذنوب قال الطيبي: وهو الظاهر أي الأول خلاف الظاهر لما يجيء عن ابن القيم قال المصنف: أنزل الله في الحمى أول الزمان ليذل بها الأسد ثم جعلها في الأرض لتصلح من بدن الإنسان ما فسد (حم) وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب (عن أبي أمامة) قال المنذري: إسناد أحمد لابأس به وقال الهيثمي: فيه أبو الحسين الفلسطيني ولم أر له راويا غير محمد بن مطرف الحديث: 3839 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 [ص: 420] 3840 - (الحمى كير من) كير (جهنم) قال بعضهم: فيه أن جهنم خلقت ورد لمن قال ستخلق (فنحوها عنكم بالماء البارد) بأن تصبوا قليلا منه في طوق المحموم أو بأن تغسلوا أطرافه وكيفما كان فيراعى ما يليق بالحال نوعا وزمنا وسببا وشخصا وكيفية والطبيب ينزل الأدوية الكلية على الأمراض الجزئية قال المصنف: قد تواتر الأمر بإبرادها بالماء وأصح كيفياته أن يرش بين الصدر والجنب (تتمة) خرج الترمذي من حديث ثوبان مرفوعا إذا أصاب أحدكم الحمى وهي قطعة من النار فليطفها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل بسم الله اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح قبل الشمس ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ فخمس وإلا فسبع وإلا فتسع فإنه لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله تعالى قال الترمذي: غريب قال الزين العراقي: عملت بهذا الحديث فانغمست في بحر النيل فبرئت منها قال ولده: ولم يحم بعدها ولا في مرض موته (هـ عن أبي هريرة) الحديث: 3840 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 3841 - (الحمى كير من جهنم وهي تصيب المؤمن من النار) أي نار جهنم فإذا ذاق لهيبها في الدنيا لا يذوق لهب جهنم في الأخرى قال الزين العراقي: إنما جعلت حظه من النار لما فيها من الحر والبرد المغير للجسم وهذه صفة جهنم فهي تكفر الذنوب فتمنعه دخول النار قال المصنف: هي طهور من الذنوب وتذكرة للمؤمن بنار جهنم كي يتوب لها منافع بدنية ومآثر سنية فإنها تنقي البدن وتنقي عنه العفن رب سقم أزلي ومرض عولج منه زمانا وهو ممتلئ فلما طرأت عليه أبرأته فإذا هو منجلي وربما صحت الأجساد بالعلل وذكروا أنها تفتح كثيرا من السدد وتنضح من الأخلاط والمواد ما فسد وتنفع من الفالج واللوقة والتشنج الامتلائي والرمد (طب عن أبي ريحانة) شمعون قال الهيثمي كالمنذري: فيه شهربن حوشب وفيه كلام معروف قال ابن طاهر إسناده: فيه جماعة ضعفاء الحديث: 3841 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 3842 - (الحمى حظ أمتي) أي أمة الإجابة (من جهنم) قال ابن القيم: ليس المراد أنها هي نفس الورود المذكور في القرآن لأن سياقه يأتي حمله على الحمى قطعا بل إنه تعالى وعد عباده كلهم بورودهم النار فالحمى للمؤمن تكفر خطاياه فيسهل عليه الورود فينجو منها سريعا (طس عن أنس) قال الهيثمي: فيه عيسى بن ميمون ضعفه جمع وقال ابن الفلاس: صدوق كثير الخطأ والوهم متروك الحديث الحديث: 3842 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 3843 - (الحمى تحت الخطايا) أي تفتتها (كما تحت الشجرة ورقها) شبه حال الحمى وإصابتها للجسد ثم محو السيئات عنه سريعا بحالة الشجرة وهبوب الرياح الخريفية وتناثر الأوراق منها سريعا وتجردها عنها سريعا فهو تشبيه تمثيلي لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه به فوجه التشبيه أن الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب عن سبب الإنسان كماله وإزالة الأوراق عن الشجر سبب نقصه (ابن قانع) في المعجم (عن أسد) بلفظ الحيوان المفترس هو ابن كرز بن عامر بن عبيد الله القشيري جد خالد أمير العراق قال الذهبي: له صحبة الحديث: 3843 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 3844 - (الحمى رائد الموت) أي رسوله الذي يتقدمه كما يتقدم الرائد قومه فهي مشعرة بقدومه فيستعد صاحبها له بالمبادرة إلى التوبة والخروج من المظالم والاستغفار والصبر واعداد الزهد وهذا المعنى لا ينافيه عدم استلزام كل حمى للموت لأن الأمراض كلها من حيث هي مقدمات للموت ومنذرات به وإن أفضت إلى سلامة جعلها الله تذكرة لابن آدم [ص: 421] يتذكر بها الموت وقد خرج أبو نعيم عن مجاهد ما من مرض يمرضه العبد إلا رسول ملك الموت عنده حتى إذا كان آخر مرض يمرضه أتاه ملك الموت فقال: أتاك رسول بعد رسول فلم تعبأ به وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا فوضح أن الأمراض كلها رسل للموت بمعنى أنها مقدمات ومنذرات به إلى أن يجيء في وقته المقدر فليس شيء من الأمراض موجبا للموت بذاته (وسجن الله في الأرض) هذا قد تولى النبي شرحه في الحديث بعده ولا عطر بعد عروس وهذا الحديث قد صار من الأمثال وكان الحسن البصري يدخله في قصصه ويقول: قال صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فالمؤمن يتزود والكافر يتمتع والله إن أصبح مؤمن فيها إلا حزينا وكيف لا يحزن من جاءه عن الله عز وجل أنه وارد جهنم ولم يأته أنه صادر عنها (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) وكذا رواه القضاعي في الشهاب ورواه العسكري وزاد بيان السبب فقال: لما افتتح المصطفى صلى الله عليه وسلم خيبر وكانت مخضرة من الفواكه فوقع الناس فيها فأخذتهم الحمى فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس الحمى رائد الموت وسجن الله تعالى في الأرض وقطعة من النار الحديث: 3844 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 3845 - (الحمى رائد الموت وهي سجن الله في الأرض للمؤمن يحبس به عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء ففتروها بالماء) قال الزمخشري: الرائد رسول القوم الذي يرتاد لهم مساقط العشب والكلأ فشبه به الحمى كأنها مقدمة الموت وطليعة لشدة أمرها تقول العرب الحمى أخت الحمام (هناد في) كتاب (الزهد وابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشى (في) كتاب (المرض والكفارات هب عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 3845 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 3846 - (الحمى حظ كل مؤمن من النار) أي أنها تكفر ما يوجب النار ذكره المؤلف أي هي سوط الجزاء الذي أهل الدنيا بأجمعهم مضربون به ومنهل التهجم الذي أجمعهم واردونه من حيث لا يشعر به أكثرهم انتهى (البزار) في مسنده (عن عائشة) قال المنذري: إسناده حسن وقال الهيثمي: فيه عثمان بن مخلدة ولم أجد من ذكره الحديث: 3846 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 3847 - (الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة) أي أنها تسهل عليه الورود حتى لا يشعر به أصلا <فائدة> قال المصنف: مما ينفع تعليقه للحمى السمك الرعد وعظمة جناح الديك اليمنى والطويل العنق من الجراد وورد أن من كانت له حمى يوم كتب له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وستر عليه الستار (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (عن عثمان) بن عفان ورواه عنه أيضا العقيلي في الضعفاء باللفظ المزبور ولهذا الحديث طرق متعددة متكثرة لا تخفى على من له أدنى ممارسة للحديث ومن العجائب قول ابن العربي في شرح الترمذي قد قال بعض الغافلين إن الحمى حظ المؤمن من النار وهو مستثنى من هذا قال: وهذا غفلة عظيمة لا بد لكل أحد من الصراط فتلفح النار قوما وتقف دون آخرين والكل وارد عليها إلى هنا كلامه الحديث: 3847 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 3848 - (الحمى حظ كل مؤمن من النار) لأن المؤمن لا ينفك عن ذنب فتعجل عقوبته لطفا به ليلقى ربه طيبا كما قال: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} (وحمى ليلة تكفر سنة مجرمة) بضم الميم وفتح الجيم وشد الراء يقال سنة مجرمة بالجيم أي تامة كذا في مسند الفردوس وذلك لأنها تهد قوة سنة فقد قال بعض الأطباء: من حم يوما لم تعاوده قوته إلى سنة فجعلت مثوبته على قدر رزيته وقيل: لأن للإنسان ثلاث مئة وستين مفصلا وهي تدخل في الكل فيكفر عنه [ص: 422] فكل مفصل ذنوب يوم وقيل: لأنها تؤثر في البدن تأثيرا لا يزول بالكلية إلا إلى سنة وكان أبو هريرة يقول: أحب الأوجاع إلي الحمى لأنها تعطي كل مفصل حقه من الأجر بسبب عموم الوجع قال العراقي: وقد أفاد هذا الخبر وما أشبهه كالخبر المار في إذا مرض العبد ثلاثة أيام أن المرض صالح لتكفير الذنوب فيكفر الله به ما يشاء منها ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) وأعله ابن طاهر بالحسن بن صالح وقال: تركه يحيى القطان وابن مهدي فقول شارحه العامري إنه صحيح خطأ صريح الحديث: 3848 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 3849 - (الحمى شهادة) أي الميت بها يموت شهيدا ولما نظر جماعة من السلف ما ورد فيها عن طائفة من الصحابة بملازمة الحمى لهم إلى توفيها وممن دعى بذلك سعد بن معاذ وكذا أبي دعى على نفسه أن لا يفارقه الوعك حتى يموت ولا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صلاة جماعة فما مس رجل جلده بعدها إلا وجد حرها حتى مات وقد قال بعض من اقتقى آثارهم وتدثر بدثارهم: زارت ممحصة الذنوب لصبها. . . أهلا بها من زائر ومودع وقالت وقد عزمت على ترحالها. . . ماذا تريد فقلت أن لا تقلعي (فر عن أنس) وفيه الوليد بن محمد الموقري قال الذهبي في الضعفاء: كذبه يحيى انتهى ورواه عنه الخطيب أيضا في التاريخ الحديث: 3849 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 3850 - (الحمام (1) حرام على نساء أمتي) أي دخولها لغير عذر شرعي كحيض ونفاس وبهذا أخذ بعض العلماء وذهب الأكثر إلى أن دخولها لهن مكروه تنزيها نزلوا الحديث على ما إذا كان فيه كشف عورات أو غيره من المنكرات (ك) في الأدب (عن عائشة) دخل عليها نسوة فقالت: من أنتن؟ قلن: من حمص. قالت: صواحب الحمامات؟ قلن: نعم. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكرته قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي   (1) [هو الحمام في السوق وذلك إذا كان فيه كشف عورات أو غيره من المنكرات. دار الحديث] الحديث: 3850 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 2851 - (الحواميم) أي السور التي أولها حم (ديباج القرآن) أي زينته وفي القاموس الديباج النقش وهو فارسي معرب فيقال بكسر الدار وقد تفتح (أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال (عن أنس) بن مالك (ك عن ابن مسعود موقوفا) الحديث: 2851 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 3852 - (الحواميم روضة من رياض الجنة) يعني السور التي أولها حم لها شأن وفضل يوصل إلى روضة من رياض الجنة قال الزمخشري: وفيه حديث ابن مسعود إذا وقعت في آل حم فكأني وقعت في روضات دمثات فنبه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن ذكرها لشرف منزلتها وفخامة شأنها عند الله مما يستظهر به على استنزال رحمة الله تعالى الوصلة إلى الحلول بدار رضوانه ومن زعم أن حم اسم من أسماء الله ففيه نظر لأن أسماءه تقدست ما منها شيء إلا وهو صفة مقصودة مفصحة عن ثناء وتحميد وحم ليس إلا حرفين من حروف المعجم فلا معنى تحته يصلح لكونه بتلك المثابة (ابن مردويه) في التفسير (عن سمرة) بن جندب ورواه عنه أيضا الديلمي فما أوهمه عدول المصنف لابن مردويه من أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز عجيب الحديث: 3852 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 3853 - (الحواميم) أي سورها (سبع وأبواب جهنم تجيء كل حم منها) يوم القيامة (نقف على كل باب من هذه الأبواب [ص: 423] تقول اللهم لا تدخل هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأ بي) بباء موحدة بخط المصنف في الدنيا أي تقول ذلك على وجه الشفاعة فيه فيشفعهما الله تعالى في كل من آمن بها وكان يقرؤها في الدنيا والتعبير بكان يشعر بأن ذلك إنما هو لمن دوام على قراءتها (هب عن الخليل بن مرة) بضو الميم وشد الراء (مرسلا) هو الضبي نزيل الكوفة قال أبو حاتم: غير قوي مات سنة 160 الحديث: 3853 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 3854 - (الحور العين خلقن) أي خلقهن الله في الجنة (من الزعفران) أي من زعفران الجنة فإذا أراد الإنسان أن يتخيل حسنهن ينظر إلى أحسن صورة في الدنيا رآها أو سمع بها ثم ينظر مم خلقت ومعلوم أنها من طين أسود يؤطأ بالارجل فما الظن بمن خلق من زعفران الجنة لكن نساء الدنيا إذا دخلنها كن أفضل منهن كما جاء مصرحا به في خبر الطبراني <فائدة> في فتاوى المؤلف الحديثية أن الحور والولدان والزبانية لا يموتون وهم ممن استثنى الله في قوله {إلا من شاء الله} وأما الملائكة فيموتون بالنص والإجماع ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت ويموت ملك الموت بلا ملك الموت (ابن مردويه) في تفسيره (خط) في التاريخ (عن أنس) وفيه الحارث بن خليفة قال الذهبي في الذيل: مجهول وقال ابن القيم: وقفه أشبه بالصواب الحديث: 3854 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 3855 - (الحور العين خلقن من تسبيح الملائكة) فكل تسبيحة يسبحها ملك تصير حوراء وقد لا يعارض هذا ما قبله بأن يقال بعضهن خلق من تسبيح الملائكة وبعضهن خلق من الزعفران (ابن مردويه عن عائشة) الحديث: 3855 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 3856 - (الحلال) ضد الحرام لغة وشرعا (بين) أي ظاهر واضح لا يخفى حله وهو ما نص الله أو رسوله وأجمع المسلمون على تحليله بعينه أو جنسه ومنه ما لم يرد فيه منع في أظهر الأقوال (والحرام بين) واضح لا يخفى حرمته وهو ما نص أو أجمع على تحريمه بعينه أو جنسه أو على أن فيه عقوبة أو وعيدا ثم التحريم إما لمفسدة أو مضرة خفية كالزني ومذكي المجوس وإما لمفسدة أو مضرة واضحة كالسم والخمر وتفصيله لا يحتمله المقام (وبينهما) أي الحلال والحرام الواضحين (أمور) أي شؤون وأحوال (مشتبهات) بغيرها لكونها غير واضحة الحل والحرمة لتجاذب الأدلة وتنازع المعاني والأسباب فبعضها يعضده دليل التحريم والبعض بالعكس ولا مرجح لأحدهما إلا خفاء ومن المشتبه معاملة من في ماله حرام فالورع تركه وإن حل وقال الغزالي: إن كان أكثر ماله الحرام حرمت ثم الحصر في الثلاثة صحيح لأنه إن صح نص أو إجماع على الفعل فالحلال أو على المنع جزما فالحرام أو سكت أو تعارض فيه نصان ولا مرجح فالمشتبه (لا يعلمها كثير من الناس) أي من حيث الحل والحرمة لخفاء نص أو عدم صراحة أو تعارض نصين وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس أو استصحاب أو لاحتمال الأمر فيه الوجوب والندب والنهي والكراهة والحرمة أو لغير ذلك إنما يعلمه قليل من الناس وهم الراسخون فان تردد الراسخ في شيء لم يرد فيه نص ولا إجماع اجتهد بدليل شرعي فيصير مثله وقد يكون دليل غير خال من الاحتمال فيكون الورع تركه كما قال (فمن اتقى) من التقوى وهي لغة جعل النفس في وقاية مما يخاف وشرعا حفظ النفس عن الآثام وما يجر إليها وهي عند الصوفية التبري مما سوى الله وعدل إلى التقى عن ترك المرادف له ليفيد أن تركها إنما يعتد به في استبراء في الدين والعرض إن خلا عن نحو رياء (المشبهات) بميم أوله بخط المصنف أي اجتنبها ووضع الظاهر موضع المضمر تفخيما لشأن اجتناب الشبهات والشبهة ما يخيل للناظر أنه حجة وليس كذلك وأريد هنا ما سبق في تعريف الشبهة (فقد أستبرأ) بالهمز وقد يخفف أي طلب البراءة [ص: 424] (لدينه) من الدم الشرعي (وعرضه) بصونه عن الوقيعة فيه بترك الورع الذي أمر به فهو هنا الحسب وقيل النفس لأنها الذي يتوجه إليها المدح والذم وعطف العرض على الدين ليفيد أن طلب براءته منظور إليه كالدين (ومن وقع في المشبهات) بميم بخطه أيضا يعني فعلها وتعودها (وقع في الحرام) أي يوشك أن يقع فيه لأنه حام حول حريمه وقال وقع دون يوشك أن يقع كما قال في المشبه به الآتي لأن من تعاطى المشبهات صادف الحرام وإن لم يتعمده إما لإثمه بسبب تقصيره في التحري أو لاعتياده التساهل وتجرئه على شبهة بعد أخرى إلى أن يقع في الحرام أو تحقيقا لمداناة الوقوع كما يقال من اتبع هواه هلك وسره أن حمى الملوك محسوسة يحترز عنها كل بصير وحمى الله لا يدركه إلا ذو البصائر ولما كان فيه نوع خفاء ضرب المثل بالمحسوس بقوله (كراع) أصله الحافظ بغيره ومنه قيل للوالي راعي والعامة رعية وللزوج راع ثم خص عرفا بحافظ الحيوان كما هنا (يرعى حول الحمى) أي المحمى وهو المحذور على غير مالكه (يوشك) بكسر الشين يسرع (أن يواقعه) أي تأكل ماشيته منه فيعاقب شبه آخذ الشهوات بالراعي والمحارم بالحمى والشبهات بما حوله ثم أكد التحذير من حيث المعنى بقوله (ألا) حرف افتتاح قصد به أمر السامع بالإصغاء لعظم موقع ما بعده (وإن لكل ملك) من ملوك العرب (حمى) يحميه عن الناس ويتوعد من قرب منه بأشد العقوبات (ألا وإن حمى الله) تعالى وهو ملك الملوك (في أرضه محارمه) أي المحارم التي حرمها وأريد به هنا ما يشمل المنهيات وترك المأمور ومن دخل حمى الله بارتكاب شيء منها استحق العقاب ومن قاربه يوشك الوقوع فيه فالمحافظ لدينه لا يقرب مما يقرب إلا الخطيئة والقصد إقامة البرهان على تجنب الشبهات وأنه إذا كان حمى الملك يحترز منه خوف عقابه فحمى الحق أولى لكون عذابه أشق ولما كان التورع يميل القلب إلى الصلاح وعدمه إلى الفجور أردف ذلك بقوله (ألا وإن في الجسد) أي البدن (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ لكنها وإن صغرت حجما عظمت قدرا ومن ثم كانت (إذا صلحت) بفتح اللام انشرحت بالهداية (صلح الجسد كله) أي استعملت الجوارح في الطاعات لأنها متنوعة له وهي وإن صغرت صورة كبرت رتبة (وإذا فسدت) أي أظلمت بالضلالة (فسد الجسد كله) باستعمالها في المنكرات (ألا وهي القلب) سمي به لأنه محل الخواطر المختلفة الحاملة على الانقلاب أو لأنه خالص البدن وخالص كل شيء قلبه أو لأنه وضع الجسد مقلوبا وذلك مبدأ الحركات البدنية والإرادات النفسانية فإن صدرت عنه إرادة صالحة تحرك البدن حركة صالحة أو إرادة فاسدة تحرك حركة فاسدة فهو ملك والأعضاء رعيته وهي تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده وأوقع هذا عقب قوله الحلال بين إشعارا بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه والشبه تقسيه وللحديث فوائد جمة أفردت بالتآليف (ق 4 عن النعمان بن بشير) قال ابن العربي: وقد جعلوا هذا الحديث ثلث الإسلام وربعه وأكثروا في التقسيمات وأكثرها تحكمان تحمل الزيادة والنقص وبالجملة فالمعاني مشتركة ولو قيل إنه نصف الإسلام لكان له وجه من الكلام ولو قال قائل إنه جملة الدين لما عدم وجها لكن هذه المعاني مدخلة لمتعاطيها في المتكلفين قال بعض شراح مسلم: هذا الحديث عليه نور النبوة عظيم الموقع من الشريعة الحديث: 3856 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 3857 - (الحلال بين) أي جلي الحل (والحرام بين) لا تخفى حرمته بالأدلة الظاهرة أو البين من كل منهما ما استقر الشرع على تحليله أو تحريمه كحل لحم الأنعام وتحريم لحم الخنزير قال الغزالي: يظن الجاهل أن الحلال مفقود وأن السبيل [ص: 425] للوصول إليه مسدود حتى لم يبق من الطيب إلا الماء والحشيش النابت في الموات وما عداه فقد أحالته الأيدي العادية وأفسدته المعاملة الفاسدة وليس كذلك بل قال المصطفى صلى الله عليه وسلم الحلال بين ولا تزال هذه الثلاثة وإنما الذي فقد العلم بالحلال وبكيفية الوصول إليه اه وقال القاضي: معنى الحديث أنه تعالى مهد لكل منهما أصلا يتمكن الناظر المتأمل فيه من استخراج أحكام ما يعن له من الجزئيات وتعرف أحوالها لكن قد يتفق في الجزئيات ما يقع فيه الاشتباه لوقوعه بين الأصلين ومشاركته لأفراد كل منهما من وجه فينبغي أن لا يجترئ المكلف على تعاطيه بل يتوقف حيث ما يتأمل فيه فيظهر له أنه من أي القبيلين فإن اجتهد ولم يظهر له أثر الرجحان بل رجع طرف الذهن عن إدراكه حسيرا تركه في حيز التعارض أسيرا وأعرض عما يريبه إلى ما لا يريبه استبراء لدينه أن يختل بالوقوع في المحارم وصيانة لعرضه أن يتهم بعدم المبالاة بالمعاصي والبعد عن الورع كما أشار إليه بقوله (فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فما اطمأن إليه القلب فهو بالحلال أشبه وما نفر عنه فهو بالحرام أشبه قال الحكيم: هذا عند المحققين الموصوفين بطهارة القلوب ونور اليقين فأولئك هم أهل هذه الرتبة أما العوام والعلماء الذين غذوا بالحرام فلا التفات إلى ما تطمئن إليه قلوبهم المحجبة بحجب الظلمات <تنبيه> روى الحافظ العراقي عن الإمام أحمد بن حنبل أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث الأعمال بالنيات وحديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وحديث الحلال بين والحرام بين وقد مر ذلك ونظمه الزين العراقي: أصول الإسلام ثلاث إنما. . . الأعمال بالنيات وهي القصد كذا الحلال بين وكل ما. . . ليس عليه أمرنا فرد (طص عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي في موضع: إسناده حسن وقال في موضع آخر: فيه أحمد بن شبيب قال الأزدي: منكر الحديث وتعقبه الذهبي بأن أبا حاتم وثقه الحديث: 3857 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 3858 - (الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه) فلم ينص على حله ولا حرمته نصا جليا ولا نصا خفيا (فهو مما عفى عنه) أي فيحل تناوله وهذا قاله لما سئل عن الجبن والسمن والفراء قال الحافظ الزين العراقي: فيه حجة للقائلين بأن الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الإباحة حتى يتبين التحريم أو الوجوب وهي قاعدة من قواعد الأصول لا يكتفى بهذا الحديث الضعيف في إثباتها <تنبيه> قال ابن العربي: القرآن هو الأصل فإن كانت دلالته خفية نظر في الجلي من السنة فإن كانت الدلالة منها خفية نظر فيما اتفق عليه الصحب فإن اختلفوا رجح فإن لم يوجد عمل بما يشبه نص الكتاب ثم السنة ثم الاتفاق ثم الراجح (تنبيه آخر) قال القونوي: الحل ممن لوازم الطهارة والحرمة تتبع النجاسة وكل من الحلال والحرام ينقسم ثلاثة أقسام كانقسام الطهارة والنجاسة فالحلال التام الطاهر كل ما لا ضرر فيه من حيث مزاجه بالنسبة للإنسان ولا يتعلق به حق لأحد يستلزم توجه نفسه إليه فإن لتوجهات النفوس إلى الأشياء على هذا الوجه خواص رديئة تسري في بدن الإنسان المباشر لذلك الشيء دون حق له فيه أكلا كان أو لبسا أو مسكنا أو غيرها وكلها نجاسات معنوية الثاني ما يستعمل من الأكل والشرب ونحوهما يكون سليما من تعلقات أحكام النفوس وخواصها غير أنه لا يخلو في نفسه من حيث مزاجه ومن حيث روحانيته من خواص رديئة لا يلائم أكثر الناس فأمثال هذه ليست في مقام الحل التام وكذا في الملابس إذا فصلت وخيطت في وقت رديء اتصل بها خواص رديئة وكذا ما ورد في الحديث من شؤم المرأة والدار والفرس وشهد بصحته التجارب فإن لها في بواطن أكثر الناس بل وفي ظواهرهم خواص مضرة تتعدى من المباشر إلى نفسه وأخلاقه وصفته فتحدث نسبتها للقلوب والأرواح تلويثات هي من قسم النجاسات المعنوية وقد نبهت الشريعة على كراهيتها دون الحكم عليها بالحرمة [ص: 426] الثالث وهو الطاهر صورة النجس معنى من حيث إنه حرام كطعام وشراب ومسكن ومشموم ونحوها وإذا علمت ذلك فاعلم أن لأحكام الحل والحرمة والنجاسة والطهارة امتزاجات على أنحاء وغلبة ومغلوبية بحسب قوة بعض الأحكام ورجحانها لقوة الكمال أو الكثرة أو هما معا على غيرهما من الأحكام التي تقع معها الممازجة وهذا هو القسم المشترك فإنه لا بد من الامتزاجات من حصول هيئات متعلقة بها متوحدة الكثرة لمزاج متحد والحكم يترتب على تلك الامتزاجات بحسب الغلبة والمغلوبية وتعقل المساواة بين قوى تلك الخواص وأحكامها والقرب من المساواة هو مرتبة المكروه والمتشابه المشار إليه في هذه الأحاديث فندب الشارع إلى التورع في هذا القسم تحرزا من حذر متوقع (ت هـ ك) في الأطعمة (عن سلمان) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عن السمن والجبن والفراء فذكره قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال ما أراه محفوظا وقال الذهبي: فيه سيف بن هارون البرجمي ضعفه جمع وقال الدارقطني: متروك الحديث: 3858 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 3859 - (الحياء) بالمد وسيق تعريفه وأنه غريزي أصلا واكتسابي كمالا (من الإيمان) أي من أسباب أصل الإيمان وأخلاق أهله تمنع من الفواحش وتحمل على البر والخير كما يمنع الإنسان صاحبه من ذلك فعلم أن أول الحياء وأولاه الحياء من الله وهو أن لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وكماله إنما ينشأ عن المعرفة ودوام المراقبة (م ت عن ابن عمر) بن الخطاب قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يعظ أخاه في الحياء أي في تركه فقال دعه ثم ذكره وكلام المصنف كالصريح في أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد عزاه هو في الدرر إلى الشيخين معا من حديث ابن عمر وعزاه لهما أيضا في الأحاديث المتواترة وذكر أنه متواتر الحديث: 3859 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 3860 - (الحياء والإيمان مقرونان لا يفترقان إلا جميعا) قال الطيبي: فيه رائحة التجريد حيث جرد من الإيمان شعبة منه وجعلها قرينا له على سبيل الاستعارة كأنهما رضيعا لبان ثدي أي تقاسما أن لا يفترقا (طس عن أبي موسى) الأشعري وقال: تفرد به محمد بن عبيدة القرشي وهو ضعيف الحديث: 3860 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 3861 - (الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما) من إنسان (رفع الآخر) منه أي معظمه أو كماله <تنبيه> قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبائح وهو من خصائص الإنسان وأول ما يظهر من قوة الفهم في الصبيان وجعل في الإنسان ليرتدع عما تنزع إليه الشهوة من القبائح فلا يكون كالبهيمة وهو مركب من جبن وعفة ولذلك لا يكون المستحي فاسقا ولا الفاسق مستحيا لتنافي اجتماع العفة والفسق وقلما يكون الشجاع مستحيا والمستحي شجاعا لتنافي اجتماع الجبن والشجاعة ولعزة وجود ذلك يجمع الشعراء بين المدح بالشجاعة والمدح بالحياء كقوله: كريم يغض الطرف فضل حيائه. . . ويدنو وأطراف الرماح دواني وأما الخجل فحيرة النفس لفرط الحياء ويحمد في النساء والصبيان ويذم باتفاق في الرجال والوقاحة مذمومة بكل لسان وهي انسلاخ من الإنسانية وحقيقتها لجاج النفس في تعاطي القبيح واشتقاقه من حافر وقاح أي صلب ولهذه المناسبة قال الشاعر: يا ليت لي من جلد وجهك رقعة. . . فأقد منها حافرا للأشهب وما أصدق قول الآخر: صلابة الوجه لم تغلب على أحد. . . إلا تكمل فيه الشر فاجتمعا (حل ك) في الإيمان (هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي: حديث صحيح غريب إلا أنه قد اختلف على جرير بن حازم في رفعه ووقفه الحديث: 3861 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 [ص: 427] 3862 - (الحياء هو الدين كله) لأن مبدأه ومنتهاه يفضيان إلى ترك القبيح وترك القبيح خير لا محالة فكان لا يأتي إلا بخير ولأن من استحيا من الخلق قل شره وكثر خيره وغلب عليه السخاء والسماح الموصلان إلى ديار الأفراح وأشفق أن يرى أحد في دينه خللا أو في عمله زللا فمن ثم كان فيه كمال الدين لمصير من هو شعاره من المتقين (طب عن قرة) ابن إياس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر عنده الحياء فقالوا: الحياء من الدين فقال: بل هو الدين كله وضعفه المنذري ولم يبين وبينه الهيثمي فقال: فيه عبد الحميد بن سوار وهو ضعيف الحديث: 3862 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 3863 - (الحياء خير كله) لأن مبدأه انكسار يلحق الإنسان مخافة نسبته إلى القبيح ونهايته ترك القبيح وكلاهما خير ومن ثمراته مشهد النعمة والإحسان فإن الكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه وإنما يفعله اللئيم فيمنعه مشهد إحسانه إليه ونعمته عليه من عصيانه حياء منه أن يكون خيره وإنعامه نازلا عليه ومخالفته صاعدة إليه فملك ينزل بهذا وملك يعرج بهذا فأقبح به من مقابلة (م د) من الإيمان (عن عمران بن الحصين) ورواه عنه أيضا أبو داود وفي الباب أنس وغيره الحديث: 3863 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 3864 - (الحياء لا يأتي إلا بخير) لأن من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد فلا يضيع فريضة ولا يرتكب خطيئة. قال ابن عربي: الحياء أن لا يفعل الإنسان ما يخجله إذا عرف منه أنه فعله والمؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك وبأنه لا بد أن يقرره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه وذلك هو الحياء فمن ثم لا يأتي إلا بخير انتهى لا يقال صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يعظمه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على إخلاله ببعض الحقوق كما هو معروف عادة لأنا نقول هذا ليس بحياء حقيقة بل عجز ومهانة وخور وإنما يطلق عليه أهل العرف حياء مجازا وحقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق الغير وقال بعض الحكماء: من كسى الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه (ق عن عمران بن الحصين) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره الحديث: 3864 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 3865 - (الحياء من الإيمان) قال الزمخشري: جعل كالبعض منه لمناسبته له في أنه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان وقال ابن الأثير: جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو اكتساب لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن لم يكن له نقية فصار كالإيمان الذي يقطع بينهما وبينه وجعله بعضه لأن الإيمان ينقسم إلى اتئمار بما أمر الله وانتهاء عما نهى عنه فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان أخص الإيمان (والإيمان في الجنة) أي يوصل إليها (والبذاء) بذال معجمة ومد الفحش في القول (من الجفاء) بالمد أي الطرد والإعراض وترك الصلة والبر (والجفاء في النار) يوضحه قوله في خير آخر وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم <تنبيه> سئل بعضهم: هل يكون الحياء من الإيمان مقيد أو مطلق فقال: مقيد بترك الحياء في المذموم شرعا وإلا فعدمه مطلوب في النصح والأمر والنهي الشرعي فتركه في هذه الأشياء من النعوت الإلهية {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا} {والله لا يستحيي من الحق} وأنشدوا: إن الحياء من الإيمان جاء به. . . لفظ النبي وخير كله فيه فليتصف كل من يرعى مشاهده. . . وليس يعرف هذا غير منتبه مستيقظ غير نوام ولا كسل. . . مراقب قلبه لدى تقلبه إن الحياء من أسماء الإله وقد. . . جاء التخلق بالأسماء فاحظ به [ص: 428] وأنشدوا في مدح ترك الحياء في المشروع: ترك الحياء تحقق وتخلق. . . جاءت به الآيات في القرآن فإذا فهمت الأمر يا هذا فكن. . . مثل اللسان بقية الميزان (ت ك هب عن أبي هريرة خد هـ ك هب عن أبي بكرة طب هب عن عمران بن الحصين) قال الهيثمي في موضع: رجاله رجال الصحيح وأعاده في آخر وقال: فيه محمد بن موسى بن أبي نعيم وثقه أبو حاتم وكذبه جمع وبقية رجاله رجال الصحيح وأطلق الذهبي في الكبائر أنه صحيح الحديث: 3865 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 3866 - (الحياء والعي) أي سكون اللسان تحرزا عن الوقوع في البهتان لاعي القلب ولاعي العمل ولاعي اللسان لخلل (شعبتان من) شعب (الإيمان) أي أثران من آثاره بمعنى أن المؤمن يحمله الإيمان على الحياء فيترك القبائح حياء من الله ويمنعه من الاجتراء على الكلام شفقا من عثر اللسان والوقيعة في البهتان (والبذاء) هو ضد الحياء وقيل فحش الكلام (والبيان) أي فصاحة اللسان والمراد به هنا ما يكون فيه إثم من الفصاحة كهجو أو مدح بغير حق (شعبتان من النفاق) بمعنى أنهما خصلتان منشأهما النفاق والبيان المذكور هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الغير تيها وعجبا كما تقرر قال القاضي: لما كان الإيمان باعثا على الحياء والتحفظ في الكلام والاحتياط فيه عد من الإيمان وما يخالفهما من النفاق وعليه فالمراد بالعي ما يكون بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال لا لخلل في اللسان والبيان ما يكون بسببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان والتحرز عن الزور والبهتان وقال الطيبي: إنما قوبل العي في الكلام مطلقا بالبيان الذي هو التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس مبالغة لذم البيان وأن هذه القضية غير مضرة بالإيمان مضرة ذلك البيان (حم ت ك عن أبي أمامة) قال الترمذي: حسن وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن وقال الذهبي: صحيح الحديث: 3866 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 3867 - (الحياء والإيمان في قرن) أي مجموعهما في حبل أو قرن والقرن ضفيرة الشعر والجمع قرون يعني هما كشيء واحد (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) لأن من نزع منه الحياء ركب كل فاحشة وقارن كل قبيح ولا يحجزه عن ذلك دين إذا لم تستح فاصنع ما شئت والمراد الحياء الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وهو المراد بقول مجاهد لا يتعلم العلم مستحي وهو بسكون الحاء ولا في كلامه نافية لا ناهية ولهذا كانت ميم يتعلم مضمومة كأنه أراد تحريض المتعلمين وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية قال ابن حجر في المختصر: وهو إسناد صحيح على شرط البخاري (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي وغيره: فيه يوسف بن خالد السمني كذاب خبيث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه الحديث: 3867 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 3868 - (الحياء زينة) لأنه من فعل الروح والروح سماوي وعمل أهل السماء يشبه بعضه بعضا في العبودية والنفس شهواني أرضي ميال إلى شهوة ثم أخرى وهكذا لا يهدي ولا يستقر فأعمالنا مختلفة فمرة عبودية ومرة ربوبية ومرة عجز ومرة [ص: 429] اقتدار فإذا ريضت النفس وذللت وأدبت وكان السلطان والغلبة للروح جاء الحياء وهو خجل الروح عن كل ما لا يصلح في السماء وذلك يزين الجوارح الظاهرة والباطنة ومنه الوقار والحلم والأناة (والتقى كرم) لأن الكرم ما انقاد وذل ومن ثم سميت شجرة العنب كرما لأنها تمد فأينما مدت امتدت ولذلك شبه بها قلب المؤمن في الخير فإذا ولج النور في القلب ترطب ولان فتلين النفس ويذهب يبسها لأن حر الشهوة قد طغى بالنور الوارد على القلب فانقاد فاتقى (وخير المراكب الصبر) لأن الصبر ثبات العبد بين الرب لأحكامه ما أحب منها وما كره فهو خير مركب ركب به إليه وهو مركب الوفاء بالعهد خلق الله الدنيا ممرا إلى الآخرة والمجتازون يأخذون الزاد ويمرون أولا بالقبور ثم يخرجون إلى ربهم وجعل بابه الذي يدخلون عليه منه أمر باب وأهواله ليطهرهم من الدنس فبلغوه طاهرين فيمكن لهم في دار القدس فمن الوفاء بعهده أن يلتفت إلى شيء غير الزاد (وانتظار الفرج من الله عز وجل عبادة) لأن فيه قطع العلائق والأسباب إلى الله وتعلق به وشخوص الأمل إليه وتبرأ من الحول والقوة فهذا خالص الإيمان (الحكيم) الترمذي (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3868 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 3869 - (الحياء من الإيمان) لأن الحياء أول ما يظهر في الإنسان من أمارة العقل والإيمان آخر مرتبة العقل ومحال حصول آخر مرتبة العقل لمن لم يحصل له المرتبة الأولى فبالواجب كان من لا حياء له ولا إيمان له ذكره الراغب (وأحيا أمتي عثمان) بن عفان فهو أكمل إيمانا قال ابن القيم: الحياء مشتق من الحياة والغيث يسمى حيا بالقصر لأن به حياة الأرض والنبات والحيوان وبهذا الحياء حياة الدنيا والآخرة فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقي في الآخرة وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تناسب فكل يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا من عقوبته عند لقائه ومن لم يستحي من معصيته لم يستحي من عقوبته (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ذكره في ترجمة عثمان الحديث: 3869 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 3870 - (الحياء عشرة أجزاء فتسعة في النساء وواحد في الرجال) ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي نفسه ولولا ذلك ما قوى الرجال على النساء اه. بلفظه أي فلولا ما ألقى الله عليهن من مزيد الحياء لم يصبرن عن طلب الجماع من الرجال طرفة عين (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحسن بن قتيبة الخزاعي قال الذهبي: قال الدارقطني متروك ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه خرجه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إليه لكان أجود الحديث: 3870 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 3871 - (الحيات مسخ الجن) أي أصلهن من مسخ الجن الذين مسخوا (كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل) الظاهر أن المراد بعض الحيات لا كلها بدليل ما ذكر في أخبار أخر (طب وأبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (العظمة) كلاهما (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله يعني الطبراني رجال الصحيح الحديث: 3871 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 3872 - (الحية فاسقة والعقرب فاسقة والفأرة فاسقة والغراب فاسق) أي غير غراب الزرع. قضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه ولعله ذهول بل بقيته عند مخرجه ابن ماجه والكلب الأسود البهيم شيطان اه وهذه هي الفواسق الخمس التي يحل قتلها في الحل والحرم (هـ عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وغيره الحديث: 3872 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 [ص: 430] حرف الخاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 3873 - (خاب عبد وخسر) أي حرم وهلك (لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر) {فويل للقاسية قلوبهم} (الدولابي) بضم الدال وآخره موحدة تحتية موحدة نسبة إلى دولاب بفتح الدال قال الإمام السمعاني لكن الناس يضمونها نسبة إلى قرية بالري وهو محمد بن أحمد بن سعد الوراق والأنصاري عالم عامل بالحديث حسن التصرف روى عن العطاردي وغيره وعنه الطبراني وابن حبان (في) كتاب (الكنى) والألقاب (وأبو نعيم) الأصبهاني صاحب الحلية (في) كتاب (المعرفة) وكذا الديلمي (وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن عمرو بن حبيب) بن عبد شمس قال الذهبي: ويقال له عمرو بن سمرة له صحبة الحديث: 3873 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 3874 - (خالد بن الوليد سيف من سيوف الله) (البغوي عن عبد الله بن جعفر) الحديث: 3874 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 3875 - (خالد بن الوليد) بن المغيرة الذي قيل له: احذر السم لا تسقيكه الأعاجم قال: ائتوني به فأخذه فاقتحمه وقال: بسم الله فلم يضره (سيف من سيوف الله سله الله على المشركين) وفي رواية بدل سله إلخ صبه الله على الكفار وفي رواية على المشركين (ابن عساكر) في التاريخ من حديث أبي العجفاء السلمي (عن عمر) بن الخطاب قيل لعمر: لو عهدت قال: لو أدركت أبا عبيدة لقلت سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ثم قدمت على ربي لقلت سمعت عبدك وخليلك يقول: خالد سيف الله إلخ وفيه الوليد بن شجاع قال أبو حاتم: لا يحتج به ورواه أبو يعلى في الطبراني والديلمي عند خالد الحديث: 3875 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 3876 - (خالد سيف من سيوف الله ونعم فتى العشيرة) (حم) من حديث عبد الملك بن عمير (عن أبي عبيدة) بن الجراح قال عبد الملك: استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد فقال خالدا بعث عليكم أمين هذه الأمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: رجاله رجاله الصحيح إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك أبا عبيدة ولا عمر الحديث: 3876 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 3877 - (خالد بن الوليد سيف الله وسيف رسوله وحمزة) بن عبد المطلب (أسد الله وأسد رسوله وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله وحذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن عز وجل) لأن قصده بالتجارة إنما كان بالتعاون على عمارة الدنيا مع سائر خلق الله وحمل سلع الأقطار وبضائعها من أرض إلى أرض لنفع الخلق وعمارة الكون فيكون عمله لله إضافته إليه (فر عن ابن عباس) وفيه أحمد بن عمران قال البخاري: يتكلمون فيه الحديث: 3877 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 [ص: 431] 3878 - (خالفوا المشركين) في زيهم (أحفوا الشوارب) من الإحفاء وأصله الاستقصاء في الكلام ثم استعير في الاستقصاء في أخذ الشارب والمراد أحفوا ما طال عن الشفة فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يستأصله (وأوفروا اللحى) بالضم والكسر اتركوها لتكثر وتغزر ولا تتعرضوا لها قال ابن تيمية: هذه الجملة الثانية بدل من الأولى فإن الأبدال تقع في الجمل كما تقع في المفردات كقوله {يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم} (ق عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3878 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 3879 - (خالفوا اليهود) زاد ابن حبان في روايته والنصارى أي وصلوا في نعالكم وخفافكم (فإنهم لا يصلون في نعالهم) فصلوا أنتم فيها إذا كانت طاهرة غير متنجسة وأخذ بظاهره بعض السلف قال: من تنجس نعله إذا دلكه على الأرض طهر وجاز الصلاة فيه وهو قول قديم للشافعي والجديد خلافه (ولا خفافهم) وكان من شرع موسى نزع النعال في الصلاة {اخلع نعليك} وكان الموجب للنزع أنهما من جلد حمار ميت فالتزمه اليهود فلذا أمر بمخالفة اليهود فيه قال العراقي: وحكمة الصلاة في النعلين مخالفة أهل الكتاب كما تقرر وخشية أن يتأذى أحد بنعليه إذا خلعهما مع ما في لبسهما من حفظهما من سارق أو دابة تنجس نعله قال: وقد نزعت نعلي مرة فأخذه كلب فعبث به ونجسه ثم هذا كله إذا لم يعلم فيها نجاسة قال ابن بطال: هذا محمول على ما لو يكن فيها نجس ثم هي من الرخص كما قال القشيري لا من المندوب لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة لكن من ملامسة الأرض الذي يكثر فيه الخبث قد تقصر به عن هذه الرتبة وإذا تعارضت رعاية التحسين وإزالة الخبث قدمت الثانية لأنها من دفع المفاسد والأخرى من جلب المصالح إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه فيترك هذا النظر اه. وقال ابن حجر: وهذا الحديث دليل يرجع إليه فيكون ندب ذلك من جملة المخالفة المذكورة وورد في كون الصلاة من النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف أورده ابن عدي وابن مردويه والعقيلي من حديث أنس (د ك هق عن شداد بن أوس) صححه الحاكم وأقره الذهبي ولم يضعفه أبو داود وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن الحديث: 3879 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 3880 - (خدر الوجه) أي ضعفه واسترخاؤه (من النبيذ) أي من شربه (تتناثر منه) أي من شربه (الحسنات) فلا يبقى لشاربه حسنة وفي رواية خدر الوجه من السكر يهدر الحسنات ذكرها في الميزان من حديث أنس وهذا لو صح لكان صريحا في تحريمه (البغوي) في المعجم (وابن قانع) في المعجم (عد طب عن شيبة بن أبي كثير الأشجعي) قال الذهبي: وفيه الواقدي كذبه أحمد وابن المدني وغيرها وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه الواقدي وهو ضعيف جدا وقد وثق الحديث: 3880 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 3881 - (خدمتك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (زوجك صدقة) قاله للمرأة التي قالت ليس لي مال فأتصدق إلا أن أخرج من بيت زوجي فأعين الناس على حوائجهم وفيه إشعار بأن خدمة الزوج من تعاطي نحو طبخ وعجن وكنس وغيرها لا تجب (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مسلم بن محمد الطائفي وضعفه أحمد ووثقه غيره الحديث: 3881 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 3882 - (خديجة) بنت خويلد القرشية الأزدية ذات الشرف الظاهر والحسب الفاخر أفضل أمهات المؤمنين قال الحافظ العراقي: على الصحيح المختار وذكر نحوه ابن العماد وسبقهما السبكي كيف وهي (سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد) أي وبما جاء به محمد عن الله سبحانه فهي أول من آمن به من النساء مطلقا وأرسل الله إليها السلام مع جبريل قال ابن القيم: وهذه خصوصية لا تعرف لامرأة غيرها وقد استدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة (ك) [ص: 432] في فضائل الصحابة (عن حذيفة) بن اليمان الحديث: 3882 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 3883 - (خديجة) بنت خويلد زوجة المصطفى وهي أول من آمن به من هذه الأمة (خير نساء عالمها) زاد في رواية (ومريم) بنت عمران أم عيسى عليه السلام (خير نساء عالمها وفاطمة) بنت محمد صلى الله عليه وسلم سميت به لأن الله فطمها عن النار (خير نساء عالمها) قال بعضهم: الكناية الأولى راجعة إلى هذه الأمة والثانية إلى الأمة التي فيها مريم والثالثة إلى هذه الأمة أيضا اه وليس بجيد وسيأتي عن قرب له مزيد تقرير (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن عروة) بن الزبير (مرسلا) قالوا: وهو مرسل صحيح قال في الفتح: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة وماتت على الصحيح بعد البعثة بعشر سنين في رمضان وقيل بثمان وقيل بسبع فأقامت مع المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة على الصحيح وموتها قبل الهجرة بثلاث سنين وقد صدقت النبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة وتقدم من ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها لا جرم كانت أفضل نسائه على الأرجح إلى هنا كلامه قال: وقد جاء ما بين المراد صريحا فروى البزار والطبراني عن عمار بن ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين قال: وهو حديث حسن الإسناد الحديث: 3883 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 3884 - (خذل عنا) يا حذيفة أمر من التخذيل وهو هنا حمل الأعداء على الفشل وترك القتال (فإن الحرب خدعة) بفتح الخاء وشد الدال بضبط المصنف قاله لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف واشتد الخوف وأتاهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى (عن نعيم) بن مسعود بن عامر (الأشجعي) صحابي مشهور ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وكأن المصنف ذهل عنه وإلا لما أبعد النجعة الحديث: 3884 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 3885 - (خذ الأمر بالتدبير) أي التفكر فيه وجلب مصالحه ودرء مفاسده والنظر في عواقبه وعبر بالأخذ الذي هو بمعنى القهر والغلبة إشارة إلى طلب قهر شهوة نفسه في ما فيه الحزم والرشد (فإن رأيت في عاقبته خيرا فامض) أي افعله (وإن خفت) من فعله (غيا) أي شرا من خسران عاقبته وضلالها (فأمسك) أي كف عن فعله قال الطيبي: الخوف هنا بمعنى الظن كما في {إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله} ويجوز كونه بمعنى العلم واليقين لأن من خاف شيئا احترز منه وهذا أنسب بالمقام لأنه وقع في مقابلة رأيت وهو بمعنى العلم وهما نتيجتا الفكر والتدبير (عب عد هب) وكذا أبو نعيم والبغوي والديلمي من حديث أبان بن أبي عياش (عن أنس) قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني فذكره ظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه البيهقي بما نصه أبان بن عياش ضعيف في الرواية اه قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد تركوا حديثه وفي الميزان عن بعضهم أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق هذا الحديث فيما أنكر عليه الحديث: 3885 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 3886 - (خذ الحب من الحب) أي في الزكاة ومفهومه أن ما سوى الحب ونحوه لا زكاة فيه كورق سدر وأنه لا زكاة [ص: 433] في الأزهار كزعفران وعصفر وقطن لأنه غير حب ولا في معناه (والشاة من الغنم) إذا بلغت أربعين (والبعير من الإبل) إذا بلغت خمسا وعشرين فأكثر (والبقرة من البقر) إذا كانت ثلاثين فصاعدا والمراد أن الزكاة من جنس المأخوذ منه هذا هو الأصل وقد يعدل عنه لموجب (د هـ ك) كلهم من حديث عطاء بن يسار (عن معاذ) بن جبل قال الحاكم على شرطهما إن صح سماع عطاء عن معاذ وقال البزار: لا نعلم أنه سمع منه الحديث: 3886 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 3887 - (خذ عليك ثوبك) أيها العريان أي ألبسه (ولا تمشوا عراة) عم الخطاب بعد ما خص ليفيد أن الحكم عام لا يختص بواحد دون آخر فيحرم المشي عريانا أي بحيث يراه من يحرم نظره لعورته أما مشيه خاليا أو لعجزه عن السترة بأنواعها ومراتبها المبينة في الفروع فجائز للحاجة فإن كان غيرها فخلاف صحح الشافعية التحريم (د عن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري قال: حملت حجرا ثقيلا أمشي فسقط ثوبي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره الحديث: 3887 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 3888 - (خذ حقك في عفاف) أي عف في أخذه عن الحرام بسوء المطالبة والقول السيء (واف أو غير واف) أي سواء وفى لك حقك أو أعطاك بعضه لا تفحش عليه في القول قال في الفردوس: وهذا قاله لرجل مر به وهو يتقاضى رجلا وقد ألح عليه وأخرج العسكري عن الأصمعي قال: أتى أعرابي قوما فقال لهم: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق قالوا: وما خير من الحق قال: التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله وهذا الحديث قد عد من الأمثال قال الراغب: والأخذ حوز الشيء وتحصيله (هـ ك) وصححه (عن أبي هريرة) قال الحافظ الزين العراقي: إسناده حسن (طب عن جرير) بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحق خذ إلخ قال الهيثمي: وفيه داود بن عبد الجبار وهو متروك الحديث: 3888 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 3889 - (خذوا القرآن) أي تعلموه (من أربعة) اثنان من المهاجرين واثنان من الأنصار (من ابن مسعود و) من (أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى) امرأة (أبي حذيفة) بن عتبة الأنصارية وكان أبو حذيفة تبناه لما تزوج بها فنسب إليه أمر بالأخذ عنهم لكونهم تفرغوا لأخذ القرآن مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم بإتقان وضبط ولا يلزم منه أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظه وقد قتل في بئر معونة سبعون رجلا من الصحابة كان يقال لهم القراء وقول الكرماني أراد الإعلام بما يكون بعده أن الأربعة ينفردون بذلك رد بأن الذين مهدوا في تجريد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر وأبي وابن مسعود في خلافة عثمان وتأخر زيد بن ثابت وإليه انتهت الرياسة في القراءة وعاش بعدهم دهرا (ت ك) في المناقب (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه البزار عن ابن مسعود قال الهيثمي: ورجاله ثقات وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وهو غفلة فقد خرجه البخاري في صحيحه ولفظه خذ القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب اه بنصه الحديث: 3889 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 3890 - (خذوا من العمل) في رواية الأعمال (ما تطيقون) أي خذوا من الأوراد ما تطيقون الدوام عليه (فإن الله لا يمل) أي لا يعرض عنكم إعراض الملوك عن الشيء أو لا يقطع الثواب والرحمة عنكم ما بقي لكم نشاط الطاعة [ص: 434] أو لا يترك فضله عنكم حتى تتركوا سؤاله ذكر بهذه العبارة للازدواج نحو {نسوا الله فنسيهم} وإلا فالملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل وهو محال عليه تعالى (حتى تملوا) بفتح الأول والثاني أي تقطعوا أعمالكم (ق عن عائشة) ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحولاء بنت ثويت لا تنام الليل فذكره وثويت بضم المثناة الفوقية وفتح الواو وهو قطعة من حديث الحديث: 3890 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 3891 - (خذوا من العبادة ما تطيقون) المداومة عليه بلا ضرر (فإن الله لا يسأم حتى تسأموا) قال القاضي: السآمة فتور في النفس من كثرة مزوالة شيء فيوجب الكلال في الفعل والإعراض عنه وهو وأمثاله إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من ينزه عنه فيستحيل تصور هذا المعنى في حقه بل إذا أسند إليه شيء من ذلك يجب أن يؤول ويحمل على منتهاه وغاية منتهاه كإسناد الرحمة والغضب والحياء إليه سبحانه فمعنى الحديث اعملوا بحسب وسعكم وطاقتكم فإن الله لا يعرض عنكم إعراض الملوك ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط وأريحية فإذا سئمتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على سآمة وكلال كان معاملة الله معكم معاملة الملول عنكم والداعي إلى هذا التجوز قصد الازدواج وله في القرآن نظائر جمة {يخادعون الله وهو خادعهم} {فيسخرون منهم سخر الله منهم} {نسوا الله فنسيهم} إلى غير ذلك (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه بشر بن نمير ضعيف ورواه مسلم من حديث عائشة بلفظ خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا الحديث: 3891 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 3892 - (خذوا عني) أي خذوا الحكم في حد الزنا عني ذكره القاضي وقال القرطبي: أي افهموا عني تفسير السبيل المذكور في قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت} الآية واعملوا به وذلك أن مقتضى الآية أن من زنى حبس في بيته حتى يموت وبه قال ابن عباس في النساء وابن عمر فيهما فكان هو حد الزنا لأن به يحصل الإيلام والعقوبة بأن يمنع من التصرف والنكاح حتى يموت فذلك حده غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلا غير الحبس فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند الله لنبيه فبلغه لأصحابه فقال خذوا عني وعدى الأخذ بعن دون من الذي هو الأصل لأنه لما كان الأمر صادرا عنه أعطاه معناه أو لأنه أعطى فعل الأخذ معنى الرواية أي ارووا حكم الزنا عني وهذا خرج مخرج التنبيه والتأكيد إذ هو لم يبعث إلا لتؤخذ عنه (خذوا عني) قال الطيبي: تكرير خذوا يدل على ظهور أمر كان خفي شأنه واهتم به (قد جعل الله لهن) أي للنساء الزواني على حد {حتى توارت بالحجاب} (سبيلا) أي خلاصا عن إمساكهن في البيوت المأمور به في سورة النور يعني جعل لهن طريقا يخلصن بها من الحبس فيها (البكر بالبكر (1)) بكسر الباء في الأصل من لم تؤطأ والمراد هنا من لم تزوج من الرجال والنساء كذا في المحرر (جلد مئة) أي ضربة مئة ضربة (ونفي سنة) عن البلد الذي وقع الزنا فيها (والثيب بالثيب) في الأصل من تزوج ودخل من ذكر أو أنثى والمراد هنا المحصن يعني إذا زنا بكر ببكر وثيب بثيب فحذف ذلك اختصارا لدلالة السياق عليه (جلد مئة والرجم) بالحجارة إلى أن يموت فرجم المحصن واجب بإجماع المسلمين قال القرطبي: ولا التفات لإنكار الخوارج والنظام إما لكونهم غير مسلمين عند من يكفرهم وإما لأنهم لا يعتد بخلافهم وأخذ الظاهرية بظاهر هذا الخبر وأوجبوا الجمع بين الجلد والرجم واقتصروا على الرجم [ص: 435] لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم ماعز فهو ناسخ وللرجم شروط أخرى ودلائل أخرى مبينة في الفروع وفيه حجة للشافعي في وجوب نفي المرأة وقال مالك: لا تنفى خوف الفساد فيخص عموم التغريب بالمصلحة وقال أبو حنيفة: لا نفي مطلقا لأن نص الكتاب الجلد والتغريب زيادة عليه والزيادة على النص نسخ فيلزم نسخ القرآن بخبر الواحد ورد بما هو مبسوط في الفروع (حم م 4) في الحدود كلهم (عن عبادة بن الصامت) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد له وجهه فأنزل عليه فلقى ذلك ثم سرى عنه فقال خذوا عني إلخ ولم يخرج البخاري عن عبادة شيئا   (1) وقوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر إلخ على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى بكر أم ثيب وحد الثيب الرجم سواء زنا بثيب أم ببكر الحديث: 3892 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 3893 - (خذوا العطاء) من السلطان أي الشيء المعطى من جهته (ما كان) أي في الزمن الذي يكون (عطاء) أي عطاء الملوك فيه يكون عطاء لله لا لغرض دنيوي فيه فساد وفي رواية ما دام عطاء (فإذا تجاحفت) بفتح الجيم وحاء وفاء مخففات قال الزمخشري: من الإجحاف ويقال الجحف الضرب بالسيف والمجاحفة المزاحفة يقال تجاحف القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضا بالسيوف (قريش) أي قبيلة قريش (بينها الملك) يعني تقاتلوا عليه وقال كل منهم أنا أحق بالخلافة (وصار العطاء) الذي يعطيه الملك منهم (رشا عن دينكم) أي مجاوزا لدين أحدكم مباعدا له بأن يعطي العطاء حملا لكم على ما لا يحل لكم شرعا (فدعوه) أي اتركوا أخذه لأن أخذه حينئذ يحمل على اقتحام الحرام فأفاد أن عطاء السلطان إذا لم يكن كذلك يحل أخذه وشرط قوم تيقن حل المأخوذ واكتفى آخرون بعدم تيقن حرمته وهذا الحديث رواه الطبراني عن معاذ وزاد فيه ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة (تخ د عن ذي الزوائد) صحابي جهني سكن المدينة فيل اسمه يعيش روى عنه ابن أبي ليلى وحكى ابن ماكولا عن بعضهم أنه البراء بن عازب الحديث: 3893 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 3894 - (خذوا على أيدي سفهائكم) أي امنعوا المبذرين الذين يصرفون المال فيما لا ينبغي ولا دراية لهم بحسن التصرف فيه لضعف رأيهم ونقص حظهم من حكمة الدنيا يقال أخذت على يدي فلان إذا منعته مما يريد فعله كأنك تمسك بيده والخطاب للأولياء وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه الطبراني قبل أن يهلكوا وتهلكوا (طب) وكذا البيهقي في الشعب (عن النعمان بن بشير) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي الحديث: 3894 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 3895 - (خذوا جنتكم) بضم الجيم وقايتكم قالوا: من عدو حضر؟ قال: خذوا جنتكم (من النار) أي وقايتكم من نار جهنم ومنه قيل للترس جنة ومجنة لأن صاحبه يتستر به قالوا: يا رسول الله كيف نفعل قال: (قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإنهن يعني ثواب هذه الكلمات (يأتين يوم القيامة مقدمات) لقائلهن (ومعقبات ومجنبات وهن الباقيات الصالحات) المشار إليهن في القرآن سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى وكل من عمل عملا ثم عاد إليه فقد عقب وقيل المعقب من كل شيء ما خلف لعقب ما قبله كذا في مسند الفردوس (ن ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 3895 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 3896 - (خذوا) في لعبكم (يا بني أرفدة) بفتح فسكون وفاء مكسورة وقد تفتح لقب للحبشة أو اسم جنس لهم أو اسم جدهم [ص: 436] الأكبر أو معناه يا بني الإماء (حتى تعلم اليهود والنصارى) الذين يشددون (أن في ديننا) أيها المسلمون (فسحة) قاله يوم عيد للحبشة وقد رآهم يرقصون ويلعبون بالدرق والحراب وفيه رخصة في النظر إلى اللعب أي إذا لم يكن ثم أوتار ولا مزمار واستدل به قوم من الصوفية على جواز الرقص وسماع آلة اللهو قال ابن حجر: وطعن فيه الجمهور باختلاف القصدين فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب فلا يحتج به للرقص في اللهو (أبو عبيد في الغريب) أي في كتابه الذي ألفه في غريب الحديث (والخرائطي في) كتابه (اعتلال القلوب) كلاهما (عن الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى شعب بطن من همدان واسمه عامر بن شراحيل من كبار التابعين وفقهائهم (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله وأنه لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول فقد خرجه أبو نعيم والديلمي من حديث الشعبي قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذين يدركلون بالمدينة فقام عليهم وكنت أنظر فيما بين أذنيه وهو يقول خذوا إلخ قال فجعلوا يقولون أبو القاسم الطيب أبو القاسم الطيب فجاء عمر فانذعروا قال في الميزان: هذا الحديث منكر وله إسناد آخر واه الحديث: 3896 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 3897 - (خذوا) في وضوئكم (للرأس ماء جديدا) يعني لمسحه كذا في الفردوس فمسحه ببل غسل اليدين لا يكفي لاستعماله (طب) وكذا الديلمي (عن جارية) بفتح الجيم وكسر الراء وفتح المثناة التحتية (بن ظفر) بفتح المعجمة والفاء الحنفي اليمامي أبو عران نزيل الكوفة قال الهيثمي: فيه دهشم بن قفران ضعفه جمع وذكره ابن حبان في الثقات الحديث: 3897 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 3898 - (خذوا من) شعر (عرض لحاكم) ما طال منه (وأعفوا طولها) أي اتركوه فلا تأخذوا منه شيئا ندبا فيهما وهذا مر وسيأتي موضحا (أبو عبد الله) محمد (بن مخلد) بفتح الميم واللام ابن حفص العطار (الدوري) بضم الدال المهملة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى محلة ببغداد سمع الدورقي والزبير بن بكار وعنه الدارقطني والآجري والجعاني ثقة ثبت (في جرئه) الحديثي (عن عائشة) ورواه الديلمي في الفردوس عنها وبيض لسنده الحديث: 3898 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 3899 - (خذي) أيتها المرأة التي سألت عن الاغتسال من الحيض واسمها أسماء بنت شكل أو أسماء بنت يزيد بن السكن (فرصة) بكسر الفاء قطعة من نحو قطن مطببة (من مسك) بكسر الميم الطيب المعروف وروي بالفتح كما يأتي وهو من فرصت الشيء إذا قطعته وفيه حذف مبين عند مسلم حيث قال: تأخذ من إحداكن ماءها وسدرها فتتطهر فتحسن الطهور ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة قال المصنف: وبه سقط سؤال كيف يكون أخذ الفرصة بيانا للاغتسال (فتطهري) أي تنظفي بأن تتبعي (بها) أثر دم نحو الحيض بأن تجعليه في نحو صوفة وتدخليه فرجك وكذا ما أصابه الدم من بدنها على ما عليه المحاملي أخذا من عموم الخبر والجمهور اقتصروا على الفرج وما تقرر من أن المراد هنا المسك بالكسر المعروف هذا هو المشهور المعروف ووراءه أقوال منه أن المراد المسك بالفتح وهو الجلد قال عياض: وهو رواية الأكثر ومنها ما في الفائق أن المراد قطعة ممسكة وهو الخلقة التي أمسكت كثيرا كأنه أراد أن لا يستعمل الجديد للارتفاق به لكن يؤيد هذا ما في رواية مسلم خذي فرصة ممسكة (ق ن) في الطهارة (عن عائشة) ورواه الطيالسي وأبو يعلى والحلواني وغيرهم الحديث: 3899 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 3900 - (خذي) يا هند التي قالت إن زوجها أبا سفيان والد معاوية شحيح لا يعطيها ما يكفيها وولدها إلا ما أخذت منه وهو [ص: 437] لا يعلم (من ماله) أي لا حرج عليك أن تأخذي منه كما في رواية فالأمر كما قال القرطبي للإباحة (بالمعروف) أي من غير تقتير ولا إسراف بل بالعدل قال القرطبي: وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا مقيدة فكأنه إن صح أو ثبت ما ذكرت فخذي (ما يكفيك) أي قدر كفايتك عرفا (ويكفي بنيك) منه كذلك لأنك الكافلة لأمورهم وأحالها على الصرف فيما ليس فيه تحديد شرعي والباء في بالمعروف يجوز تعلقها بخذي ويكفيك وهذا إفتاء لا حكم لعدم استيفاء شروطه قال العلائي: وإذا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم قول حمل على أغلب تصرفاته وهو الإفتاء ما لم يقم دليل على خلافه وفيه أن نفقة الزوجة والأبناء على الآباء لا الأمهات وأن القول للزوجة في النفقة وأن نفقتها مقدرة بالكفاية والشافعي على خلافه وأن للأم طلب ذلك عند الحاكم وأن لها ولاية نفقة ولدها ولو في حياة الأب قال الرافعي: وهو وجه والظاهر خلافه وأن من له حق عند من يمنعه منه له أخذه بغير علمه ولو من غير جنسه وأن المظلوم له أن يتظلم إلى المفتي فيقول قد ظلمني أبي أو زوجي فكيف طريقي في الخلاص وأنه لا يلزمه أن يقول ما قولك في إنسان ظلمه أبوه أو زوجته لهذا الخبر فإنها ذكرت الظلم والشح لها ولولدها وعينت أبا سفيان لكن عدم التعيين أولى وليس بواجب ذكره الغزالي وأن المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئا وإن قل فإنه قال بالمعروف فمنعها أن تأخذ من ماله شيئا إلا القدر الذي يجب لها ولولدها (ق د ن هـ عن عائشة) وله عندهما ألفاظ الحديث: 3900 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 3901 - (خرجت من نكاح غير سفاح) بالكسر: زنا قيل لما رمى بمائه حيث لا ينفع أشبه المسفوح قال بعض المحققين: أراد بالسفاح ما لم يوافق شريعة (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) قال الذهبي: فيه الواقدي هالك الحديث: 3901 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 3902 - (خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح) أي متولد من نكاح لا زنا فيه والمراد عقد معتبر في دين بل روى البيهقي مرفوعا ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح الإسلام يعني الموافق للطريقة الإسلامية وقضية الخبر أن لا سفاح في آبائه مطلقا لكن استظهر بعض المحققين أن المراد طهارة سلسلته فقط ويشهد له ما في المواهب مرفوعا لم يلتق أبواي على السفاح (ابن سعد) في الطبقات (عن ابن عباس) الحديث: 3902 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 3903 - (خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء) أبدى بعضهم هنا إشكالا قويا وهو أن أئمة التاريخ ذكروا أن كنانة بن خزيمة تزوج برة زوجة أبيه فولدت نضرا أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن نضرا إنما هو من ريحانة وباستثناء ذلك وبأنه كان نكاحا قبل الإسلام وكلها إقناعية ولا دلالة في قوله تعالى {إلا ما قد سلف} على الجواز كما وهم الدلجي فإنه استثناء من الفعل لا الحرمة وبأن الجاحظ نقل عن أبي عثمان أن كنانة لم يولد له من زوجة أبيه برة بل من بنت أختها واسمها برة أيضا فغلظ كثير لموافقة الاسم والقرابة (العدني) بفتح العين والدال المهملتين وآخره نون نسبة إلى عدن مدينة باليمن وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر ساكن مكة (عد طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: فيه محمد بن جعفر بن محمد صحح له الحاكم في مستدركه وقد تكلم فيه وبقية رجاله ثقات الحديث: 3903 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 3904 - (خرجت) من حجرتي (وأنا أريد) أي والحال أني أريد (أن أخبركم بلية القدر) أي أخبركم بليلة القدر هي [ص: 438] الفلانية وهي بسكون الدال مرادف القدر بفتحها سميت له لما تكتب الملائكة فيها من الأقدار ولم يعبر بمفتوح الدال لأن المراد تفصيل ما جرى به القضاء مجردا من تلك واختلف في تعيين ليلتها على أكثر من أربعين قولا (فتلاحى) تنازع وتخاصم وتشاتم (رجلان) من المسلمين كذا هو في البخاري وهما كعب بن مالك وابن أبي حدرة بحاء مفتوحة ودال مهملة مكسورة الأسلمي كان على عبد الله دين لكعب وطلبه فتنازعا ورفعا أصواتهما بالمسجد (فاختلجت مني) أي من قلبي ونسيت تعيينها بالاشتغال بالمتخاصمين قال عياض: دل به على ذم المخاصمة وأنها سبب للعقوبة لكن ليست المخاصمة في طلب الحق مذمومة مطلقا بل لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو (فاطلبوها) أي اطلبوا وقوعها لا معرفتها واستنبط منه السبكي ندب كتمها لمن رآها ووجه الدلالة أنه تعالى قدر لنبيه أنه لا يخبر بها والخبر كله فيما قدره فيسن اتباعه في ذلك (في العشر الأواخر) من رمضان (في تاسعة تبقى) أي في ليلة يبقى بعدها تسع ليال وهي ليلة إحدى وعشرين (أو سابعة تبقى) وهي ليلة ثلاث وعشرين (أو خامسة تبقى) وهي ليلة خمس وعشرين واستفيد التقييد بالعشرين وبرمضان من أحاديث أخرى مصرحة به قال الطيبي: قوله في تاسعة بدل من قوله في العشر الأواخر وتبقى صفة لما قبله من العدد قال جمع من شراح البخاري وغيره: وإنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترا من الليالي على ما ذكره في الأحاديث إذا كان الشهر ناقصا فإن كان كاملا فلا يكون إلا في شفع لأن الباقي بعدها ثمان فتكون التاسعة الباقية ليلة ثنتين وعشرين والسابعة الباقية بعد ست ليلة أربع وعشرين والخامسة الباقية بعد أربع ليال ليلة السادس وعشرين وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر فإنهم إنما يؤرخون بالباقي منه لا الماضي وفيه ذم الملاحاة سيما بالمسجد وذم فاعلها وأن ليلة القدر غير معينة قال في المطامح: ومن أعجب الأقوال المنكرة قول أبي حنيفة أنها رفعت تمسكا بظاهر الخبر وإنما القصد رفع تعيينها لا وجودها بدليل قوله اطلبوها والتماس المرتفع محال (الطيالسي) أبو داود (عن عبادة) بضم العين وخفة الموحدة (ابن الصامت) وهو بنحوه في البخاري ولفظه عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحا رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة وفي رواية أيضا عن ابن عباس مرفوعا التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى الحديث: 3904 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 3905 - (خرج رجل ممن كان قبلكم) قيل هو قارون وقيل الهيرن (في حلة له يختال فيها) من الاحتيال وهو التكبر في المشي ولا يكون إلا مع سحب الإزار ونحوه فكأن المختال تخيل فضيلة في نفسه على غيره فاختال متكبرا بها في مشيه على غيره (فأمر الله الأرض فأخذته) أي ابتلعته (فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) أي يغوص في الأرض ويضطرب ويتحرك في نزوله فيها وهذا تحذير من الخيلاء وترهيب من التكبر (ت عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 3905 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 3906 - (خرج نبي من الأنبياء) في رواية أحمد أنه سليمان (بالناس يستسقون الله تعالى) أي يطلبون منه السقيا (فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال ارجعوا) أيها الناس (فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة) في رواية من أجل شأن النملة وفي رواية ارجعوا فقد كفيتم بعيركم زاد ابن ماجه في روايته ولولا البهائم لم تمطروا واستدل به على [ص: 439] ندب إخراج الدواب في الاستسقاء (ك) في الاستسقاء (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 3906 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 3907 - (خروج الآيات بعضها) أي أشراط الساعة بعضها (على أثر بعض يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام) يعني لا يفصل بينهن فاصل طويل عرفا (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وداود الزهراوي وهما اثنان اه الحديث: 3907 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 3908 - (خروج الإمام) الذي هو الخطيب (يوم الجمعة للصلاة) يعني صعوده للمنبر (يقطع الصلاة) أي يمنع الإحرام بصلاة لا سبب لها متقدم ولا مقارن (وكلامه يقطع الكلام) أي وشروعه في الخطبة يمنع الكلام يعني النطق بغير ذكر ودعاء يعني أنه يكره من ابتدائه فيها إلى إتمامه إياها تنزيها عند الشافعية وتحريما عند غيرهم وبه استدل الصاحبان على ذهابهما إلى جواز الكلام إلى خروج الإمام مخالفين لإمامهما في قوله خروج الإمام قاطع للصلاة والكلام (هق عن أبي هريرة) قال ابن حجر: ورواه مالك في الموطأ عن الزهري والشافعي من وجه آخر عنه وروي عن أبي هريرة مرفوعا قال البيهقي: وهو خطأ والصواب من قول الزهري وفي الباب ابن عمر مرفوعا اه الحديث: 3908 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 3909 - (خشية الله رأس كل حكمة) لأنها الدافعة لأمن مكر الله والاغترار الذي لا تنال الحكمة مع وجودهما (والورع سيد العمل) ومن لم يذق مذاق الخوف ويطالع أهواله بقلبه فباب الحكمة دونه مرتج ومن ثم كان الأنبياء أوفر حظا منه من غيرهم ومطالعتهم لأهوال الآخرة بقلوبهم أكثر ولهذا قيل إن إبراهيم عليه السلام كان يخفق قلبه في صدره حتى تسمع قعقعة عظامه من نحو ميل من شدة خوفه قال الحرالي والخشية وجل نفس العالم مما يستعظمه (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) ورواه عنه الديلمي من هذا الوجه باللفظ المزبور وزاد ومن لم يكن له ورع يحجزه عن معصية الله إذا خلا بها لم يعبأ الله بسائر عمله شيئا الحديث: 3909 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 3910 - (خص البلاء بمن عرف الناس) لفظ رواية الديلمي خص بالبلاء من عرفه الناس وفي رواية خص بالبلاء من عرف الناس أو عرفه الناس قال شيخنا العارف الشعراوي: فالأصل مبتلى بنفسه والثاني مبتلى بالناس وذلك لأن معرفتهم والتعرف إليهم وبهم توجب مراعاتهم وحفظهم والتحفظ منهم بحسب قلتهم وكثرتهم فالشخص مبتلى بمعارفه دينا ودنيا {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} (وعاش فيهم من لم يعرفهم) أي عاش مع ربه وحفظ دينه بتركهم وفيه حجة لمن فضل العزلة وترك التعرف إيثارا للسلامة. قال الغزالي: عن ابن عيينة رأيت سفيان الثوري في النوم كأنه في الجنة يطير من شجرة إلى شجرة يقول {لمثل هذا فليعمل العاملون} فقلت: أوصني قال: أقل من معرفة الناس. وقال الفضيل: هذا زمان احفظ لسانك واخف مكانك وعالج قلبك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وقال الطائي: صم عن الدنيا واجعل فطرك الآخرة وفر من الناس فرارك من الأسد وقال أبو عبيد: ما رأيت حكيما قط إلا قال لي عقب كلامه: إن أحببت أن لا تعرف فأنت من الله على بال (القضاعي) في مسند الشهاب (عن محمد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم بن الحنفية (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال وأنه لا يوجد مسندا وإلا لما عدل للمرسل بخلافه أما أولا فلأن جمعا منهم السخاوي ضعفوه فقالوا: ضعيف مع إرساله وأما ثانيا فلأن الديلمي وابن لال والحلواني [ص: 440] خرجوه مسندا من حديث عمر بن الخطاب فاقتصار المصنف على ذلك غير صواب الحديث: 3910 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 3911 - (خصاء أمتي الصيام والقيام) قاله لعثمان بن مظعون وقد قال: تحدثني بأن أختصي وأن أترهب في رؤوس الجبال فنهاه عن الرهبانية وأرشده إلى ما يقوم مقامها في حصول الثواب بل هو أعظم منها فيه وأيسر وهو الصيام والقيام في الصلاة يعني التهجد في الليل فإن الصوم يضعف الشهوة ويكسرها والصلاة تذبل النفس وتكسب النور وبذلك ينكسر باعث الشهوة فتذل النفس وتنقاد إلى ربها (حم طب عن ابن عمر) بن العاص. قال الزين العراقي: إسناده جيد وقال تلميذه الهيثمي: رجاله ثقات وفي بعضهم كلام الحديث: 3911 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 3912 - (خصال) جمع خصلة وهي الخلة أو الشعبة مأخوذة من خصل الشجر ما تدلى من أطرافه ومن المجاز خصلة حسنة كذا في الأساس (لا تنبغي في المسجد) أي لا ينبغي فعلها فيه (لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا ينبض فيه بقوس) أي لا يؤثر فيه القوس يقال أبيض القوس بنون وضاد معجمتين إذا حرك وترها لترن (ولا ينشر فيه نبل ولا يمر فيه) ببناء يمر للمفعول (بلحم نيء) بكسر النون وهمزة بعد الياء ممدودة وهو الذي لم يطبخ وقيل لم ينضج (ولا يضرب فيه حد ولا يقتص فيه من أحد ولا يتخذ سوقا) (هـ) من حديث زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن (ابن عمر) بن الخطاب وزيد بن جبيرة قال في الميزان: قال البخاري: متروك وأبو حاتم: لا يكتب حديثه وابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه وساق من مناكيره هذا الخبر وداود: حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ومن ثم قال ابن الجوزي: لا يصح وقال المنذري: ضعيف الحديث: 3912 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 3913 - (خصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن) أي حال تلبسه بفعلها (إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير عذاب (رجل خرج مجاهدا) للكفار لإعلاء كلمة الله (فإن مات في وجهه) يعني في سفره لذلك (كان ضامنا على الله) كرره لمزيد التأكد (ورجل تبع جنازة فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله عز وجل ورجل) يعني إنسان ولو أنثى فذكر الرجل هنا غالبي (توضأ) الوضوء الشرعي (فأحسن الوضوء) بأن أتى به موفر الشروط والأركان والآداب (ثم خرج إلى المسجد لصلاة) أي إلى أية صلاة كانت في أي مسجد كان (فإن مات في وجهه) أي في حال خروجه لذلك (كان ضامنا على الله) كرره للتأكيد أيضا (ورجل) جالس (في بيته) أي في محل سكنه بيتا أو غيره (لا يغتاب المسلمين) يعني لا يذكر أحدا منهم في غيبته بما يكرهه (ولا يجر إليه سخطا) أي لا يتسبب في إيصال ما يسخطه أي يبغضه أو يؤذيه (ولا تبعة) أي ولا يجر تبعة أي شيئا يتبع به (فإن مات في وجهه) أي حال جلوسه وهو على تلك الحالة (كان ضامنا على الله) كرره للتأكيد أيضا والقصد الحث على [ص: 441] فعل هذه الخصال وتجنب نقائضها (طس عن عائشة) قال الهيثمي: فيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي فروة وهو متروك الحديث: 3913 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 3914 - (خصلتان لا يجتمعان في منافق حسن سميت) أي حسن هيئة ومنظر في الدين قال القاضي: السمت في الأصل الطريق ثم استعير لهدى أهل الخير يقال ما أحسن سمته أي هديه (ولا فقه في الدين) عطفه على السمت مع كونه مثبتا لكونه في سياق النفي قال في الإحياء: ما أراد بالحديث الفقه الذي ظننته وأدنى درجات الفقيه أن يعلم أن الآخرة خير من الدنيا وقال التوربشتي: حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب ثم ظهر على اللسان فأفاد العلم وأورث التقوى وأما ما يتدارس المغرورون فبمعزل عن الرتبة العظمى لتعلق الفقه بلسانه دون قلبه وقال الطيبي: قوله خصلتان لا يجتمعان ليس المراد به أن واحدة منهما قد تحصل في المنافق دون الأخرى بل هو تحريض للمؤمن على اتصافه بهما معا وتجنب أضدادهما فإن المنافق من يكون عاريا منهما وهو من باب التغليظ قال بعضهم: السمت الحسن هيئة أهل الخير وقال بعضهم: مراده بالفقه في الدين العلم بالدنيا في باطنه فالمنافق قد يقصد سمت الدين من غير فقه في باطنه وقد يحصل الإنسان علم الدين ويغلبه هواه فيخرج عن سمت الصالحين فإذا اجتمع الظاهر والباطن انتفى النفاق لا يستوي سره وعلنه (ت) في العلم (عن أبي هريرة) وقال: غريب لا نعرفه من حديث عوف عن خلف بن أيوب العامري ولا أدري كيف هو انتهى وقال الذهبي: تفرد به خلف وقد ضعفه ابن معين وقال السخاوي: سنده ضعيف الحديث: 3914 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 3914 - (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن) أي كامل الإيمان فلا يرد أن كثيرا من الموحدين موجودتان فيه (البخل وسوء الخلق) أو المراد بلوغ النهاية فيهما بحيث لا ينفك عنهما ولا ينفكان عنه فمن فيه بعض ذا وبعض ذا وينفك عنه أحيانا فبمعزل عن ذلك والفضل للمتقدم إذ كثيرا ما يطلق المؤمن في التنزيل ويراد المؤمن حقا الذي ارتقى إلى أعلا درجات الإيمان <تنبيه> قال الطيبي: خصلتان لا يجتمعان مبتدأ موصوف والخبر محذوف أي فيما أحدثكم به خصلتان كقوله {سورة أنزلناها وفرضناها} أي فيما أوحينا إليك والبخل وسوء الخلق خبر مبتدأ محذوف والجملة مبنية ويجوز أن يكون خبرا والبخل وسوء الخلق مبتدأ قال: وأفرد البخل عن سوء الخلق وهو بعضه وجعله معطوفا عليه يدل على أنه أسوؤها وأبشعها لأن البخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس (خد ت) في البر (عن أبي سعيد) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى انتهى قال الذهبي: وصدقة ضعيف ضعفه ابن معين وغيره وقال المنذري: ضعيف الحديث: 3914 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 3916 - (خصلتان لا يحافظ عليهما) أي على فعلهما على الدوام (عبد مسلم إلا دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب (ألا) حرف تنبيه يؤكد به الجملة (وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله تعالى في دبر كل صلاة) من المكتوبات وذلك بأن يقول سبحان الله (عشرا) من المرات (وبحمده) بأن يقول الحمد لله (عشرا) من المرات (ويكبره) بأن يقول الله أكبر (عشرا) من المرات (فذلك) أي هذه العشرات (خمسون ومئة) يعني في اليوم والليلة (باللسان وألف وخمس مئة في الميزان) أي يوم القيامة لأن الحسنة بعشر أمثالها (ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمده ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فتلك مئة باللسان وألف في الميزان) [ص: 442] وذلك لأن عدد الكلمات المحصاة خلف كل صلاة ثلاثون وعدد الصلوات خمس في اليوم والليلة فإذا ضرب أحدهما في الآخر بلغ هذا العدد (فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مئة سيئة) يعني إذا أتى بهؤلاء الكلمات خلف الصلوات وعند الاضطجاع حصل الألف وخمس مئة حسنة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة فأيكم يأتي كل يوم وليلة بذلك يعني يصير مغفورا له ذكره المظهر قال الطيبي: والفاء في فأيكم جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا تقرر ما ذكرت فأيكم يأتي بألفين وخمس مئة سيئة حتى تكون مكفرة لها فما بالكم لا تأتون بها (حم خد 4 عن عمرو) ابن العاص قال الترمذي: حسن صحيح وقال في الأذكار: وإسناده صحيح إلا أن فيه عطاء بن السائب وفيه خلف سببه اختلاط وقد أشار أبو أيوب السجستاني إلى صحة حديثه هذا الحديث: 3916 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 3917 - (خصلتان معلقان في أعناق المؤذنين للمسلمين صيامهم وصلاتهم) شبه حالة المؤذنين وإناطة الخصلتين للمؤمنين بهم بحال أسير في عنقه ربقة الرق لا يخلصه منها إلا لمن أو الفداء ذكره الطيبي (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: فيه مروان بن سالم الجزري وهو ضعيف ورواه الشافعي مرسلا قال الدارقطني: والمرسل هو الصحيح الحديث: 3917 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 3918 - (خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا من نظر في دينه إلى من هو فوقه) في الدين (فاقتدى به ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه شاكرا صابرا ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف) أي حزن وتلهف (على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا) قال الطيبي: هذا حديث جامع لأنواع الخير لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واحتقر ما عنده من نعم الله وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه وإن نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه ظهرت له نعمة الله وشكرها وتواضع وفعل الخير (ت) في الزهد (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه المثنى بن صباح ضعفه ابن معين وقال النسائي: متروك الحديث: 3918 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 3919 - (خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار) وذكر في رواية الطبراني معهما الملح وعلل ذلك في رواية للطبراني أيضا فإن الله تعالى جعلهما متاعا للمقوين وقوة للمستضعفين (البزار) في مسنده (طص) كلاهما (عن أنس) قال أبو حاتم: هذا حديث منكر وأقره عليه الذهبي والحافظ ابن حجر وقال الهيثمي: فيه الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف وفيه توثيق لين الحديث: 3919 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 3920 - (خطوتان) تثنية خطوة بالضم وهو ما بين القدمين في المشي وبالفتح المرة (إحداهما أحب الخطأ) بالضم (إلى الله [ص: 443] تعالى) بمعنى أنه يثيب صاحبها ويرضى عنه (والأخرى أبغض الخطا إلى الله تعالى) يعني أنه يعاقب صاحبها ولا يرضى عنه (فأما التي يحبها فرجل نظر إلى خلل في الصف) أي في صف من صفوف الصلاة (فسده) أي سدد ذلك الخلل بوقوفه فيه (وأما التي يبغض فإذا أراد الرجل أن يقوم مد رجله اليمنى ووضع يده عليها وأثبت اليسرى ثم قام) (ك هق عن معاذ) بن جبل قال الذهبي في المهذب: قلت هذا منقطع الحديث: 3920 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 3921 - (خفف) مبني لما لم يسم فاعله أي سهل (على داود) النبي عليه السلام (القرآن) أي القراءة أو المقروء والمراد هنا الزبور أو التوراة سمي قرآنا نظرا للمعنى اللغوي باعتبار الجمع وقيل إنما قال القرآن لأنه قصد به إعجازه من طريق القراءة وهذا كان من معجزاته وقال بعضهم: قرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحى إليه. وقال في التنقيح: القرآن الأول بمعنى القراءة والثاني الزبور ثم بين هذه الجملة بقوله (فكان يأمر بداوبه) في رواية بدابته ولا تعارض لأن المراد بالأفراد الجنس لا التوحيد وزمن إسراج الدواب أطول إلا أن يكون لكل دابة سائق (فتسرج) كذا هو بالفاء في خط المصنف وفي رواية تسرج بدونها وعليه هو بالرفع استئنافا كأنه قيل بماذا فقيل السرج أو النصب بإضمار أن على حد تسمع بالمعيدي (فيقرأ القرآن) الزبور أو التوراة (من قبل أن تسرج دوابه) أي من قبل الفراغ من إسراجها وقد دل الحديث على أنه سبحانه يطوي الزمان لمن شاء من عباده كما يطوي لهم المكان وذلك لا يدرك إلا بفيض سبحاني قال القسطلاني: قال لي البرهان ابن أبي شريف إن أبا طاهر المقدسي وهو من معاصريه كان يقرأ في اليوم والليلة خمسة عشر ختمة ولما كان قد يهم من كون له دواب وخدم تسرجها أنه كان على زي ملوك الدنيا في السعة في المطعم نبه به على أنه مع الاتساع إنما كان يأكل من عمل يده تحريا للحلال فقال: (ولا يأكل) أي ومع ذلك يتقلل من الدنيا ولا يأكل (إلا من عمل يده) من ثمن ما كان يعمله وهو نسج الدروع فكان يبيعها ويأكل من ثمنها لأن عمل اليد أطيب المكاسب وخص داود لأن اقتصاره في أكله على عمل يده لم يكن لحاجة لأنه كان ملكا مفخما وإنما تحرى الأفضل (حم خ) في أحاديث الأنبياء (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد الحديث: 3921 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 3922 - (خففوا بطونكم وظهوركم لقيام الصلاة) أي قللوا الأكل ليسهل عليكم القيام إلى التهجد في الليل فإن من كثر أكله كثر نومه فقلة الأكل ممدوحة شرعا وطبا وكثرته مذمومة شرعا وطبعا وقلة الأكل أصل لكل خير ولو لم يكن إلا تنوير الباطن وإفاضة النور على الجوارح لكفى ونقل عن المعلم الأول أرسطو أنه قال يا أبناء الحكمة لا تتخذوا بطونكم قبورا للحيوانات ومعادن للجيف فإن ذلك يفضي بكم إلى التلف (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 3922 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 3923 - (خلقت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما) إذا استمسكتم بهما (كتاب الله) القرآن (وسنتي) أمي طريقتي وهدايتي (ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) الكوثر يوم القيامة وقد تقدم تقريره فيما فيه بلاغ (أبو بكر الشافعي في الغيلانيات [ص: 444] عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الدارقطني باللفظ المزبور وفيه كما قال الفرياني صالح بن موسى ضعفوه وعنه داود بن عمر الضبي قال أبو حاتم: منكر الحديث الحديث: 3923 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 3924 - (خلقان) تثنية خلق بالضم وهو الطبع والسجية (يحبهما الله) أي يرضاهما ويثيب عليهما ثوابا جزيلا (وخلقان يبغضهما الله) أي ينهى عنهما ويعاقب عليهما (فأما اللذان يحبهما الله فالسخاء) بالمد الجود والكرم (والسماحة) أي الإعطاء بطيب نفس وفي رواية للديلمي الشجاعة بدل السماحة (وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل) وهما مما يقرب إلى النار ويقود إليها كما في عدة أخبار (وإذا أراد الله بعبد خيرا) أي عظيما جدا كما يفيده التنكير (استعمله على قضاء حوائج الناس) أي ثم ألهمه القيام بحقها والوفاء بما استعمل عليه فمن وفقه الله لذلك فقد أنعم عليه بنعم جليلة يلزمه الشكر عليها وذلك علامة حسن الخاتمة لكن الأمر كله على النية والعمل لوجه الله تعالى لا الغرض ولا لعرض وإلا انعكس الحال فاعلم ذلك فإنه لا بد منه (هب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه الأصفهاني وغيره الحديث: 3924 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 3925 - (خلق الله الخلق) أي قدرهم والخلق التقدير وهو الأصل مصدر (فكتب آجالهم وأرزقهم) {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ومن رام منهم فوق ما فرض له من الرزق فقد كد نفسه وأتعب جسمه ولم يأت إلا ما قدر له (خط عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن بن عبد العزيز قال الذهبي في الضعفاء: مضطرب الحديث وبشر بن المفضل مجهول الحديث: 3925 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 3926 - (خلق الله جنة عدن) قيل اسم لجنة من الجنات وقال ابن القيم: الصحيح أنها اسم لها كلها فكلها جنات عدن قال الله تعالى {جنات عدن} والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن أقام (غرس أشجارها بيده) أي بصفة خاصة وعناية تامة فإن الشخص لا يضع يده في أمر إلا إذا كان له به عناية شديدة فأطلق اللازم وهو اليد وأراد الملزوم وهو العناية مجازا لأن اليد بمعنى الجارحة محال على الله وذلك تفضيل لها على غيرها فاصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه قال بعضهم: فهي سيدة الجنان وهو سبحانه وتعالى يختص من كل نوع أمثله وأفضله كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا ومن البلاد مكة ومن الأشهر المحرم ومن الليالي ليلة القدر ومن الأيام الجمعة ومن الليل أوسطه ومن الدعاء أوقات الصلوات وقوله أعني ابن القيم ومن السماوات العليا جرى فيه على عقيدته الزائغة من القول بالجهة والرجل يصرح بذلك ولا يكنى وينعق به ولا يشير ومن جملة عبارته: الله على العرش والكرسي موضع قدميه وفي موضع هو على العرش فوق السماء السابعة وفي آخر جنة عدن مسكنه الذي يسكن فيه لا يكون معه أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون اه وما ذكره آخرا نقيض لما صححه أولا من أنها اسم لجملة الجنان لا لواحدة منها إذ كيف يكون اسما لجميعها ولا يسكنها إلا من ذكر فأين يكون عامة الناس (فقال لها) أي الله تعالى (تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون) أي فازوا وظفروا زاد في رواية طوبى لهم منزل [ص: 445] الملوك وهذا الكلام يحتمل كونه بلسان الحال ولا مانع من كونه بلسان المقال فإن الذي خلق النطق في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في أي شيء أراد (ك) في التفسير (عن أنس) وقال: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: بل ضعيف انتهى وفي الميزان باطل الحديث: 3926 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 3927 - (خلق الله آدم من تراب) في رواية من طين (الجابية وعجنه بماء الجنة) قال القاضي: قد اشتهر أن آدم قد خلق من طين وأنه كان ملقى ببطن عمان وهو من أودية عرفات وظاهر هذا الحديث وصريح غيره أنه خلق في الجنة ووفق بأن طينته خمرت في الأرض وألقيت فيها حتى استعدت لقبول الصورة الإنسانية فحملت إلى الجنة فصورت ونفخ فيه الروح فيها (الحكيم) الترمذي (عد عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن رافع قال في الميزان: قال الدارقطني وغيره: متروك الحديث وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر ثم ساق هذا الخبر الحديث: 3927 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 3928 - (خلق الله آدم على صورته) أي على صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته ولم تتغير هيئته بخلاف بنيه فإن كلا منهم يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما وأعصابا عارية ثم مكسوة لحما ثم حيوانا مجننا لا يأكل ولا يشرب ثم يكون مولودا رضيعا ثم طفلا مترعرعا ثم مراهقا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا أو خلقه على صورة حال يختص به لا يشاركه أنواع أخر من المخلوقات فإنه يوصف مرة بالعلم وأخرى بالجهل وتارة بالغواية والعصيان وطورا بالهداية والاستغفار ولحظة يقرن بالشيطان في استحقاق اسم العصيان والإخراج من الجنان ولحظة يتسم بسمة الاجتباء ويتوج بتاج الخلافة والاصطفاء وبرهة يستعمل بتدبير الأرضين وساعة يصعد بروحه إلى عليين وطورا يشارك البهائم في مطعمه ومنكحه وطورا يسابق الكروبيين في ذكره وفكره وتسبيحه وتهليله وقيل الضمير لله تعالى بقرينه رواية خلق آدم على صورة الرحمن (1) والمعنى خلق آدم على صورة اجتباها وجعلها من جميع مخلوقاته إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته ولذلك قيل الإنسان عالم صغير. <تنبيه> قال ابن عربي: لما وصل الوقت المعين في علمه تعالى لإيجاد هذا الخليفة الذي يهدي الله المملكة بوجوده وذلك بعد أن مضى من عمر الدنيا سبعة عشر ألف سنة أمر بعض ملائكته أن يأتيه بقبضةة من كل أجناس تربة الأرض فأتاه بها فأخذها سبحانه وخمرها بيده حتى تغير ريحها وهو المسنون وهو ذلك الجزء الهوائي الذي في الإنسان وجعل جسده محلا للأشقياء والسعداء من ذريته وجمع في طينته الأضداد بحكم المجاورة وأنشأه على الحركة المستقيمة وذلك في دولة السنبلة وجعله ذا جهات ست فوق وهو ما يلي رأسه وتحت وهو ما يلي رجليه ويمين وهو ما يلي جانبه الأقوى وشمال وهو ما يلي جانبه الأضعف وأمام وهو ما يلي الوجه وخلف وهو ما يلي الفضاء وصوره وعدله وسواه ثم نفخ فيه روحه المضاف إليه فسرى في أجزائه أربعة أركان الأخلاط إذ كانت الصفراء عن الركن الناري والسوداء عن التراب والدم عن الهواء وهو قوله مسنون والبلغم من الماء الذي عجن به التراب فصار طينا ثم أحدث فيه القوة الجاذبة التي بها تجذب الأغذية ثم الماسكة وبها يمسك الحيوان ما يتغذى به ثم الهاضمة وبها يهضم الغذاء ثم الدافعة وبها يهضم الفضلات عن نفسه من عرق وبخار [ص: 446] وريح وبراز وأما سريان الأبخرة وتقسم الدم في العروق وفي الكبد فبالقوة الجاذبة لا الدافعة ثم أحدث فيه القوة الغاذية والمنمية والحاسة والخيالية والوهمية والحافظة والذاكرة وهذا كله في الإنسان بما هو حيوان لا بما هو إنسان فقط إلا أن هذه القوى الأربع قوة الخيال والوهم والحفظ والذكر في الإنسان أقوى ثم خصت بالقوة المصورة المفكرة والعاقلة وجعل هذه القوى آلات للنفس الناطقة ليصل بها إلى جميع منافعها وجعله دارا لهذه القوى فتبارك الله أحسن الخالقين ثم ما سمى نفسه باسم من الأسماء إلا وجعل للإنسان من التخلق به حظا منه يظهر به في العالم على قدر ما يليق به ولذلك تأول بعضهم قوله في الخبر خلق الله آدم على صورته على هذا المعنى والحديث خرج مخرج الزجر والتهويل لوروده عقب قوله لا تقولوا قبح الله وجهك فإن الله خلق آدم على صورته أي صورة هذا الوجه المقبح ذكره القاضي. (وطوله ستون ذراعا) بذراع نفسه أو بالذراع المتعارف يومئذ للمخاطبين أو بالذراع المعروف عندنا ورجح الأول بأن حسن الخلق يقتضي اعتدال الأعضاء وتناسبها ومن قصرت ذراعه عن ربع قامته أو طالت خرج عن الاعتدال ومن قامته ستون ذراعا بذراع نفسه فذراعه سدس من عشر قامته فيخرج عن الاعتدال وزاد أحمد في روايته بعد ما ذكر في سبعة أذرع عرضا ولم ينتقل أطورا كذريته (ثم قال له اذهب فسلم على أولئك النفر) فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد ولا حجة فيه لمن أوجب ابتداء السلام لأنها واقعة حال لا عموم لها (وهم نفر من الملائكة جلوس) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينهم (فاستمع) في رواية فاسمع (ما يحيونك) بمهملة من التحية وفي رواية بجيم من الجواب (فإنها تحيتك وتحية ذريتك) من جهة الشرع أو أراد بالذرية بعضهم وهم المسلمون (فذهب فقال السلام عليكم) يحتمل أنه تعالى علمه كيفية ذلك نصا وكونه فهمه من قوله له سلم وكونه ألهمه ذلك (فقالوا السلام عليك ورحمة الله) وهذا أول مشروعية السلام وتخصيصه لأنه فتح باب المودة وتأليف لقلوب الأخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان كما في خبر مسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم واستأنس بهذا من أجاز حذف الواو في الرد ووجهه أن المسلم عليه مأمور بمثل تحية المسلم عدلا وأحسن منها فضلا فإذا رد بالمثل أتى بالعدل (فزادوه) الضمير لآدم والزيادة تتعدى إلى مفعولين ومفعوله الثاني قوله (ورحمة الله) وفيه مشروعية زيادة الرد واتفقوا على وجوب الرد لأن السلام الآمان فإذا ابتدأ به المسلم فلم يحيه أوهم الشر قال القرطبي: وقد دل هذا الخبر على تأكد السلام وأنه من الشرائع القديمة الذي كلف بها آدم ثم لم تنسخ في شريعة اه لكن في خبر ما حسدتكم اليهود إلخ يدل على أنه من خصوصياتنا (فكل من يدخل الجنة) من بني آدم يدخلها وهو (على صورة آدم) أي على صفته في الحسن والجمال والطول ولا يدخلها على صورة نفسه من نحو سواد وعاهة وهو يدل على عفة البعض من نحو سواد ينتفي عند دخولها (في طوله ستون ذراعا) بذراع نفسه أو بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين أو بذراع الشرع المعروف الآن على ما تقرر فيما قبله وروى ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا يدخل أهل الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين اه وقال ابن حجر: وروى عبد الرزاق أن آدم لما هبط كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء فحطه الله إلى ستين ذراعا فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء فطرته وظاهر هذا الحديث أنه خلق ابتداء على طول ستين ذراعا وهو المعتمد (فلم تزل الخلق تنقص بعده) في الجمال والطول (حتى الآن) فانتهى التناقص إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك فإذا دخل الجنة عادوا إلى ما كان آدم عليه من الكمال والجمال وامتداد القامة وحسن الهامة وفي مثير الغرام في زيارة القدس والشام أن آدم كان أمرد وإنما حدثت اللحية لولده وكان أجمل البرية <تنبيه> قال السمهودي ما ذكر من الصفات من طول آدم وغيره ثابت لكل من دخل الجنة كما [ص: 447] تقرر فيشمل من مات صغيرا بل جاء ما يقتضي ثبوت جميع ذلك للسقط فروى البيهقي بسند حسن عن المقداد ما من أحد يموت سقطا ولا هرما وأنحاء الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاث وثلاثين فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم وصورة يوسف وقلب أيوب ومن كان من أهل النار عظم كالجبال والآن بالنصب ظرف يعني حتى وصل النقصان إلى الوقت الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه الحديث قيل هذا مقدم في الترتيب على قوله فكل من يدخل الجنة إلخ <تنبيه> قال ابن حجر: يشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السابقة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب المار وعهدهم قديم والزمن الذي بينهم وبين آدم دون ما بينهم وبين أولاد هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال (حم ق عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني وغيره   (1) والمراد بالصورة الصفة والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك وإن كانت صفات الله لا يشبهها شيء الحديث: 3928 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 3929 - (خلق الله) أي قدر (مئة رحمة) ورحمته إرادة الأنعام أوفعل الإكرام (فوضع) منها (رحمة واحدة بين خلقه) أي بين جميع مخلوقاته من أنس وجن وحيوان وغيرها (يتراحمون بها) أي يرحم بعضهم بعضا بها حتى أن الدواب ترحم أولادها فترفع حافرها مخافة أن يصيبه فيؤلمه (وخبأ عنده مئة إلا واحدة) إلى يوم القيامة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة الواسعة لم ييأس من الجنة كما مر ذلك مبسوطا (م ت عن أبي هريرة) الحديث: 3929 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 3930 - (خلق الله التربة) يعني الأرض والترب والتراب والتربة واحد لكنهم يطلقون التربة على التأنيث ذكره ابن الأثير (يوم السبت) قال الحرالي: أصل السبت القطع للعمل ونحوه اه وفيه رد زعم اليهود أنه أبتدأ في خلق العالم يوم الأحد وفرغ يوم الجمعة واستراح السبت قالوا: ونحن نستريح فيه كما استراح الرب وهذا من جملة غباوتهم وجهلهم إذ التعب لا يتصور إلا على حادث {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} (وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء) لا ينافيه رواية مسلم وخلق التقوي أي ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء لأن كلاهما خلق فيه (وخلق النور) بالراء ولا ينافيه رواية النون أي الحوت لأن كلاهما خلق فيه (يوم الأربعاء) مثلث الباء كما سبق وما تقرر من أن المراد بالمكروه الشر هو الظاهر الملائم للسياق بقرينة قوله وخلق النور يوم الأربعاء والنور خير ذكره ابن الأثير وإنما سمى الشر مكروها لأنه ضد المحبوب (وبث فيها) قال الحرالي: من البث وهو تفرقه آحاد متكثرة في جهات مختلفة (الدواب) من الدبيب وهو الحركة بالنفس (يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل) استدل به في المجموع للمذهب الصحيح أن أول الأسبوع السبت وعليه أكثر أصحاب الشافعي بل في الروض الأنف لم يقل بأن أوله الأحد إلا ابن جرير وإنما خلقها في هذه الأيام ولم يخلقها في لحظة وهو قادر عليه تعليما لخلقه الرفق والتثبيت <تنبيه> سئل شيخ الإسلام زكريا هل خلق الله السماوات والأرض في الأسبوع الذي خلق فيه آدم أم قبله وهل عمر الأرض قبل خلقه أم لا فأجاب بما نصه ظاهر الأحاديث أن الله خلق السماوات والأرض في الأسبوع الذي خلق فيه آدم فقد روى أنه خلق الأرض يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الاثنين والظلمة يوم الثلاثاء والنور يوم الأربعاء والدواب يوم الخميس وخلق فيه السماوات إلى ثلاث ساعات بقيت من يوم الجمعة فخلق في الساعة الأولى الآفات والآجال والثانية الأرزاق والثالثة آدم وأما الأرض فعمرها قبل آدم الجن ومنهم إبليس اه بنصه (حم م) وكذا النسائي [ص: 448] (عن أبي هريرة) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فذكره قال الزركشي: أخرجه مسلم وهو من غرائبه وقد تكلم فيه ابن المديني والبخاري وغيرهما من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الأحبار وأن أبا هريرة إنما سمعه منه لكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا وقد حرر ذلك البيهقي ذكره ابن كثير في تفسيره وقال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها من سبعة أيام وهذا خلاف القرآن لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين الحديث: 3930 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 3931 - (خلق الله عز وجل الجن ثلاثة أصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض) أي على صورتها ومن ثم ندب إنذارها قبل قتلها (وصنف كالريح في الهواء) وهذان الصنفان لا حساب ولا عقاب عليهما كما يشير إليه قوله (وصنف عليهم الحساب والعقاب) أي مكلفون ولهم وعليهم فيما كلفوا ما يستحقونه (وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف صنف كالبهائم) زاد الديلمي في روايته هنا قال الله تعالى {لهم قلوب لا يفقهون بها} الآية (وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأروحهم أرواح الشياطين) أي مثلها في الخبث والشر (وصنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله) يعني في ظل عرشه فلا يصبهم وهج الحر في ذلك الموقف الأعظم حين يصيب الناس ويلجمهم العرق إلجاما قال الغزالي: قال وهب: بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى بن زكريا فقال: أخبرني عن بني آدم قال: هم عندنا ثلاثة أصناف أما صنف منهم فأشد الأصناف علينا نقبل عليه حتى نعنته ونتمكن منه ثم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود إليه فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن منه في عناء والصنف الآخر في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا والصنف الثالث مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء (الحكيم) الترمذي في النوادر (وابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (مكايد الشيطان وأبو الشيخ [ابن حبان] في) كتاب (العظمة وابن مردويه) في تفسيره وكذا الديلمي كلهم (عن أبي الدرداء) وفيه يزيد بن سنان الزهاوي قال في الميزان: ضعفه ابن معين وغيره وتركه النسائي ثم ساق له مناكير هذا منها الحديث: 3931 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 3932 - (خلق الله آدم فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم اللبن ثم ضرب كتفه اليسرى فخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم قال هؤلاء في الجنة) واستعملهم بالطاعة (ولا أبالي وهؤلاء في النار) واستعملهم بالمعاصي (ولا أبالي) فمن سبقت له السعادة قيض الله له من الأسباب ما يخرجه من الظلمات إلى النور ومن غلبت عليه الشقوة سلط عليه الشياطين فأخرجته من نور الفطرة إلى ظلمات الكفر والحيرة فهو الهادي والمضل يضل من يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه فتعالى الله الملك {لا يسأل عما يفعل} (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول عجيب فقد خرجه عن [ص: 449] أبي الدرداء أحمد والطبراني والبزار وغيرهم قال الهيثمي: ورجاله ثقات انتهى. فعدول المصنف لابن عساكر مع وجود هؤلاء قصور أو تقصير الحديث: 3932 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 3933 - (خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا وخلق فرعون في بطن أمه كافرا) قال الذهبي: وكذلك جميع من خلقه فليس للرسل أثر في سعادة أحد كما أنه ليس لإبليس أثر في شقاوة أحد لتمييز أهل القبضتين عند الحق قبل بعثة الرسل لا يزيدون ولا ينقصون اه ومذهب أهل الحق أن الإيمان لا ينفع عند الغرغرة ولا عند معاينة عذاب الاستئصال وأخذ علماء الأمة الذين عليهم المعول من ذلك إجماعهم على موت فرعون على كفره وأنه لم ينفعه قوله حين أدركه الغرق {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} وأما ما صرح به القاضي عبد الصمد الحنفي من أهل القرن الخامس أن مذهب الصوفية أن الإيمان ينتفع به ولو كان بعد معاينة العذاب فلا التفات له لمحالفته لما حكى عليه الإجماع وكذا ما جزم به في الفتوحات من صحة الإيمان عند الاضطرار وأن فرعون مؤمن فلا التفات لذلك وإن كنا نعتقد جلالة قائله فإن العصمة ليست إلا للأنبياء وفيه رد لقول بعض الفرق إن الكفر والإيمان مكتسبان للعبد غير مخلوقين ولقول البعض الكفر مخلوق دون الإيمان <تنبيه> قال الغزالي: من هنا يأتي الشيطان الإنسان فيقول لا حاجة لك إلى العمل لأنك إن خلقت سعيدا لم يضرك قلة العمل أو شقيا لم ينفعك فعله فإن عصم الله العبد رده بأن يقول له إنما أنا عبد الله وعلى العبد امتثال العبودية والرب أعلم بربوبيته يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ولأنه ينفعني العمل كيف كنت لأني إن كنت سعيدا احتجت إليه لزيادة الثواب أو شقيا فكذلك كي لا ألوم نفسي على أن الله لا يعاقبني على الطاعة بكل حال كيف ووعده الحق وقد وعد على الطاعة الثواب (عد طب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: إسناده جيد انتهى وأورده الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن سليم العبدي من حديثه عن النسائي وغيره أنه غير قوي وعن آخرين أنه ثقة الحديث: 3933 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 3934 - (خلق الله الحور العين من الزعفران) وفي رواية ذكرها الثعلبي في تفسيره أنهن خلقن من تسبيح الملائكة وفي رواية أخرى من المسك وقد يجمع بخلق بعض من زعفران وبعض من تسبيح وبعض من مسك وفي شرح البخاري لابن الملقن عن ابن عباس خلقت الحور من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب ومن عنقها إلى نهاية رأسها من الكافور الأبيض قال ابن القيم: هن المنشئات في الجنة لسن مولودات بين الآباء والأمهات وإذا كانت هذه الخلقة الآدمية التي هي أحسن الصور ومادتها من تراب فما الظن بصورة خلقت من مادة زعفران الجنة (طب عن أبي أمامة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 3934 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 3935 - (خلق الله الإنسان والحية سواء إن رآها أفزعته وإن لدغته أوجعته فاقتلوها حيث وجدتموها) قاله حين سئل عن قتل الحيات (الطيالسي) ثم الديلمي (عن ابن عباس) قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحية فقاله ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه جابر غير منسوب والظاهر أنه الجعفي وقد ضعفوه الحديث: 3935 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 [ص: 450] 3936 - (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان) أبو الجن أو إبليس (من مارج من نار) أي من نار مختلطة بهواء مشتعل والمرج الاختلاط فهو من عنصرين هواء ونار كما أن آدم من عنصرين تراب وماء عجن به فحدث له اسم الطين كما حدث للجن اسم المارج (وخلق آدم مما وصف لكم) ببناء وصف للمفعول أي بما وصفه الله لكم في مواضع من كتابه ففي بعضها أنه خلقه من ماء وفي بعضها من تراب وفي بعضها من المركب منهما وهو الطين وفي بعضها من تراب وفي بعضها من صلصال وهو طين ضربته الشمس والريح حتى صار كالفخار قال الغزالي: قد اجتمع في الفخار والنار والطين والطين طبعه السكون والنار طبعها الحركة فلا يتصور نار مشعلة تسكن بل لا تزال تتحرك بطبعها وقد كلف المخلوق من النار أن يطمئن من حركته ساجدا لما خلق من طين فأبى واستكبر أن يسجد لآدم فلا مطمع في سجوده لأولاده <تنبيه> قال ابن عربي: قال مما وصف لكم ولم يقل كما قال فيما قبله طلبا للاختصار فإنه أوتي جوامع الكلم وهذا منها إذ الملائكة لم يختلف أصل خلقتها ولا الجان وأما الإنسان فاختلف خلقه على أربعة أنواع فخلق آدم لا يشبه خلق حواء وخلق حواء لا يشبه خلق آدم وخلق عيسى لا يشبه خلق الكل فأحال على ما وصل إلينا من تفصيل خلق الإنسان ولما كان خلق الجان من نار كان فيه طلب القهر والاستكبار فإن النار أرفع الأركان مكانا ولها سلطان على الإحالة فلذلك قال {أنا خير منه} وما علم أن سلطان الماء الذي خلق منه آدم أقوى منه فإنه يذهبه والتراب أثبت منه ليرده ويبسه فلآدم القوة والثبوت لغلبة دينك الركنين عليه وإن كان فيه الآخران لكن ليس لهما ذلك السلطان وأعطى آدم التواضع للطينة فإن تكبر فلعارض بقلبه لما فيه من النارية كما يقبل اختلاف الصور في خياله وأحواله من الهوائية وأعطى الجان التكبر للنارية فإن تواضع فلعارض لما فيه من الترابية كما يقبل الثبات على الإغواء إن كان شيطانا وعلى الطاعة إن لم يكن ففيهم الطائع والعاصي ولهم التشكل في أي صورة شاؤوا وفيهم التناسل كما مر وكان وجودهم بالقوس وهو ناري هكذا ذكر الوالد حفظه الله تعالى فكان بين خلق الجان وخلق آدم ستون ألف سنة والتوالد في الجن باق إلى اليوم كما فينا فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار والجان أرواح منفوخة في رياح والأناس أرواح منفوخة في أشباح ويقال لم يفصل عن الجني الأول أنثى كما فصلت حواء بل خلق له فرج في نفسه فنكح بعضه بعضا فأتى بذكران وإناث ثم نكح بعضها بعضا فكان خلقه خنثى ولما غلبت على الجن عنصر الهواء والنار كان غذاؤهم ما يحمله له الهواء مما في العظام من الدسم وصفته اجتماع بعضهم ببعض في النكاح مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون ومن فرن الفخار يدخل بعضه في بعض فيلتذ كل منهما بذلك التداخل ويكون ما يلقونه كلقاح النخلة بمجرد الرائحة كغذائهم (حم م) في آخر الصحيح (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 3936 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 3937 - (خلقت النخلة والرمان والعنب من فضل طينة آدم) فبينها وبين بني آدم قرابة وتشابه معنوي وفي الحديث المار أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مم خلقت النخلة فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من ابن عساكر ولا أقدم مع أن الديلمي خرجه عن أبي سعيد أيضا لكن سنده مطعون فيه الحديث: 3937 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 3938 - (خلل) ندبا صرف الأمر عن الوجوب لأخبار أخر (أصابع يديك ورجليك) في الوضوء والغسل فإيصال الماء إلى ما بين الأصابع واجب والتخليل سنة ويحصل التخليل بأي كيفية كانت والأفضل كيفية مبينة في الفروع (حم [ص: 451] عن ابن عباس) قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الصلاة فقال له خلل إلخ. قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف الحديث: 3938 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 3939 - (خللوا) ندبا والصارف عن الوجوب أخبار أخر (بين أصابعكم) أي أصابع يديكم ورجليكم إذا تطهرتم (لا) يعني لئلا (يخللها الله يوم القيامة بالنار) يعني حافظوا على التخليل واحذروا تفريطكم فيه فإن من أهمله يخلله الله يوم القيامة بنار جهنم قال الكمال: مؤدى التركيب أي تركيب هذا الخبر أن التخليل يراد لعدم التخلل وهو لا يستلزم أن عدم التخليل يستلزم تخلل النار إلا لو كان علته مساوية وهو منتف وإلا كان التخليل واجبا بعد اعتقادهم حجية الحديث لكن المعدود في السنن التخليل بعد العلم بوصول الماء إلى ما بينهما وهو غير واجب وحينئذ فليس هو مقرونا بالوعيد بتقدير الترك فلا حاجة إلى ضمه في السؤال القائل خللوا يفيد الوجوب فكيف وهو مقرون بالوعيد ثم تكلف الجواب بأنه مصروف عنه بحديث الأعرابي وحديث حكاية وضوئه عليه السلام إذ ليس فيهما التخليل والوعيد مصروف إلى ما لو لم يصل الماء بين الأصابع (قط عن أبي هريرة) قال الحافظ ابن حجر: إسناده واه جدا وتبعه السخاوي وقال ابن الهمام: حديث ضعيف بيحيى بن ميمون التمار الحديث: 3939 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 3940 - (خللوا بين أصابعكم) أي أصابع أيديكم وأرجلكم (لا يخلل الله بينهما بالنار ويل للأعقاب من النار) أي شدة هلكة لأعقاب أرجلكم من عذاب نار جهنم (قط عن عائشة) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويخلل بين أصابعه ويدلك عقيبه ويقول خللوا أصابعكم لا يخلل الله بينهما بالنار ويل للأعقاب من النار هذا لفظ الدارقطني من رواية عمر بن قيس ثم قال أعني الدارقطني: ضعيف لضعف قيس ويحيى بن ميمون وقال ابن حجر: سنده ضعيف جدا اه ورواه الطبراني والديلمي من حديث ابن مسعود ثم قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة اه فكان ينبغي للمصنف استيعاب مخرجيه إشارة لاكتسابه بعض القوة الحديث: 3940 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 3941 - (خللوا لحاكم) في الوضوء والغسل بالكيفية المعروفة (وقصوا أظفاركم) من اليدين والرجلين إذا طالت (فإن الشيطان) إبليس ويحتمل أن أل فيه للجنس (يجري ما بين اللحم والظفر) فإنه يحب الأنتان والأقذار وما يجتمع تحت الظفر من الوسخ يحبه فيسكن إليه ومن فوائد التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشر ومباشرة البشرة والشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به والأمر للندب نعم إن توقف إيصال الماء على التخليل وإزالة الظفر وجب (خط في) كتاب (الجامع وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 3941 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 3942 - (خليلي من هذه الأمة أويس) بن عامر أو عمرو (القرني) بفتح القاف والراء نسبة لقبيلة من مراد من اليمن ووهم الجوهري في قوله قرن الميقات وهو راهب هذه الأمة لم يره النبي صلى الله عليه وسلم وإنما دل على فضله قتل مع علي بصفين وقيل مات على أبي قبيس وقيل بدمشق وذكروا في موته قصصا تشبه المعجزات وفي الميزان عن مالك أنه أنكره. وقال ابن حبان: كان بعض أصحابنا ينكرونه (ابن سعد) في الطبقات (عن رجل) من التابعين (مرسلا) غير مسند الحديث: 3942 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 3943 - (خمروا) غطوا وكل ما سترك من شيء فهو خمر (الآنية) جمع قلة كأدمة جمع أديم ذكره الزمخشري (وأكئوا) [ص: 452] بكسر الكاف: شدوا (الأسقية) أي أفواهها بنحو خيط (وأجيفوا) بحيم وفاء أغلقوا (الأبواب) أي أبواب دوركم (واكفتوا) بهمزة وصل بكسر الفاء (صبيانكم) أي ضموهم إليكم والمراد أولادكم ذكورا وإناثا (عند المساء) أي الغروب وما بين العشاءين فامنعوهم من الحركة وأدخلوهم البيوت (فإن للجن) بعد الغروب (انتشارا وخطفة) بالتحريك جمع خاطف وهو أن يأخذ الشيء بسرعة والخطفة الأخذ بسرعة (وأطفئوا) بهمزة قطع وسكون المهملة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة (المصابيح عند الرقاد) أي عند إرادة النوم (فإن الفويسقة) بالتصغير الفأرة (ربما اجترت الفتيلة) من المصباح بجيم ساكنة وفوقية وراء مشددة مفتوحتين (فأحرقت أهل البيت) وهم لا يشعرون وهذا يفيد أنه لو أمن جرها كما لو كان في قنديل لا يطلب إطفاءه عند النوم وقد سبق ما فيه والأوامر في هذا الباب وأمثاله إرشادية وتنقلب ندبية بفعلها بقصد الامتثال (خ عن جابر) كلام المصنف كالصريح في أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو غفلة فقط عزاه الديلمي وغيره لهما معا الحديث: 3943 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 3944 - (خمروا وجوه موتاكم) يعني المحرمين فإنه قال ذلك في المحرم يموت (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (باليهود) في رواية بدله بأهل الكتاب فإنهم لا يغطون وجوه من مات منهم والخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها والجمع خمر مثل كتاب وكتب واختمرت المرأة وتخمرت لبست الخمار (طب) من حديث عطاء (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3944 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 3945 - (خمس) من الخصال (بخمس) أي مقابلة بها (ما نقض قوم العهد) أي ما عاهدوا الله عليه أو ما عاهدوا عليه قوما آخرين (إلا سلط عليهم عدوهم) جزاء بما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به (وما حكموا بغير ما أنزل الله) في كتابه القرآن عن عمد أو جهل (إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة) يعني الزنا ولم ينكروا على فاعله (إلا فشا فيهم الموت) كما وقع في قصة بني إسرائيل (ولا طففوا المكيال إلا منعوا) بضم الميم (النبات) يعني البركة فيه (وأخذوا بالسنين) قال في الفردوس: يقال لعام المجاعة والقحط سنة وجمعها سنون (ولا منعوا الزكاة) أي إعطاءها إلى مستحقيها (إلا حبس عنهم الفطر) أي المطر (طب عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقط خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس كما بينه الديلمي وغيره الحديث: 3945 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 3946 - (خمس صلوات) قال الطيبي: مبتدأ وقوله (افترضهن الله عز وجل) صفة صلوات والجملة الشرطية بعده خبر وهي قوله (من أحسن وضوءهن) أي أتى به كاملا بسننه وآدابه (وصلاهن لوقتهن) أي لأوقاتهن المعلومة ولعله المراد في أول أوقاتهن (وأتم ركوعهن وسجودهن) أي أتى بهما تامين بأن اطمأن فيهما ووفى حقهما من الأذكار الواردة (وخشوعهن) بقلبه وجوارحه (كان له على الله) تفضلا وتكرما (عهد أن يغفر له) إما جملة محذوفة مبتدأ أو صفة عهد وإما بدل من عهد وهو الأمان والعهد الميثاق وعهد الله واقع لا محالة {إن الله لا يخلف الميعاد} قال الطيبي: وقوله أن يغفر له على حذف [ص: 453] الياء فإن العهد في معنى الوعد كما يقال وعد بكذا (ومن لم يفعل) ذلك على الوجه المذكور (فليس له على الله عهد إن شاء غفر له) ما ترك من الصلوات وعفى عنه فضلا (وإن شاء عذبه) عدلا قال القاضي: شبه وعد الله بإثابة المؤمن على عمله بالعهد الموثوق به الذي لا يخلف ووكل أمر التارك إلى مشيئته تجويز للعفو وأنه لا يجب على الله شيء ومن ديدن الكرام محافظة الوعد والمسامحة في الوعيد (د هق عن عبادة بن الصامت) واللفظ لأبي داود وظاهر صنيع المؤلف أن أبا داود تفرد به من بين الستة وليس كذلك بل قد عزاه الصدر المناوي وغيره للترمذي والنسائي أيضا الحديث: 3946 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 3947 - (خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن) قال الباجي: احترز عن السهو وقال ابن عبد البر: تضييعها أن لا يقيم حدودها (كان له عند الله عهد أن يدخل الجنة) أي مع السابقين أو من غير تقديم عذاب (ومن لم يأت بهن) على الوجه المطلوب شرعا (فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه) عدلا (وإن شاء أدخله الجنة) برحمة فضلا فعلم من هذا وما قبله وبعده أن تارك الصلاة لا يكفر وأنه لا يتحتم عذابه بل هو تحت المشيئة (مالك حم د ن هـ حب ك عن عبادة بن الصامت) قال الزين العراقي: وصححه ابن عبد البر الحديث: 3947 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 3948 - (خمس صلوات) واجبات في اليوم والليلة (من حافظ عليهن) أي على فعلهن (كانت له نورا) في قبره وحشره (وبرهانا) تخاصم وتحاجج عنه (ونجاة) من العذاب (يوم القيامة ومن لم يحافظ عليهن) أي على أدائهن بالشروط والأركان (لم يكن له نور يوم القيامة) حين يسعى نور المؤمنين بين أيديهم ومن خلفهم (ولا برهان ولا نجاة) من العذاب (وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف) الجمحي الذي آذى الله ورسوله وبالغ في ذلك حتى قتله الله بيد رسوله يوم أحد ولم يقتل بيده قط أحد غيره وفي ذكره مع هؤلاء إشعار بأنه أشقى هذه الأمة وأشدها عذابا مطلقا ويؤيده خبر أشقى الناس من قتل نبيا أو قتله نبي (ابن نصر عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 3948 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 3949 - (خمس فواسق) قال النووي: روي بالإضافة وبالتنوين قال الطيبي: إن روي منونا وفواسق مرفوعا يكون مبتدأ موصوفا (تقتلن) خبره وإن روي منصوبا يكون خمس صفة محذوف وفواسق معترضة نصبا على الذم قال الزمخشري: أصل الفسق الخروج عن الاستقامة والجور وقيل للعاصي فاسق لذلك وسميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن وخروجهن عن الحرمة وقال غيره: سميت فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب (في الحل والحرم) لا حرمة لهن بحال والحرم بفتح الحاء والراء حرم مكة أو بضمها جمع حرام من قبيل {وأنتم حرم} والمراد المواضع المحرمة وعليه اقتصر في المشارق قال النووي: والفتح أظهر (الحية) المراد بها هنا ما يشمل الثعبان (والغراب [ص: 454] الأبقع) الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد قوم ورجح جمع الإطلاق لأن روايته أصح (والفأرة) بهمزة ساكتة وتسهل (والكلب العقور) من أبنية المبالغة أي الجارح المفترس كأسد وذئب ونمر سماه كلبا لاشتراكهما في السبعية ونظيره قوله في دعائه على عتبة اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه أسد وقيل أراد الكلب المعروف (والحديا) بضم الحاء وفتح الدال وشد الياء مقصور بضبط المصنف فهو تصغير الحدأة وأحد الحدأ الطائر المعروف قال ابن العربي: أمر بالفتل وعلل بالفسق فيتعدى الحكم إلى كل من وجدت فيه العلة ونبه بالخمسة على خمسة أنواع من الفسق فنبه بالغراب على ما يجانسه من سباع الطير وكذا بالحدأة ويزيد الغراب بحل سفرة المسافر ونقب جريه وبالحية على كل ما يلسع والعقرب كذلك والحية تلسع وتفترس والعقرب يلسع ولا يفترس وبالفأرة على ما يجانسها من هوام المنازل المؤذية وبالكلب العقور على كل مفترس ومعنى فسقهن خروجهن عن حد الكف إلى الأذية (م ن هـ عن عائشة) الحديث: 3949 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 3950 - (خمس) من الحيوانات (قتلهن حلال في الحرم) فالحل أولى (الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور) فيباح بل يجب قتلهن في أي محل كان ولو في جوف الكعبة لأن ما كان ممنوعا منه ثم جاز وجب قال النووي: اتفق العلماء على أنه يجوز للمحرم قتلهن ثم اختلف فيما يكون في معناهن فقال الشافعي: المعنى في جواز قتلهن كونهن مؤذيات فكل مؤذ للمحرم قتله وما لا فلا. ويجوز أن يقتل في الحرم كل من وجب عليه قتل بقود أو رجم أو محاربة ويجوز إقامة الحدود فيه (د عن أبي هريرة) الحديث: 3950 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 3951 - (خمس كلها فاسقة) قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية بالتاء ووجهه أنه محمول على المعنى فإن المعنى كل منهن فاسقة ويجوز أن يكون ألحق التاء للمبالغة كقولهم رجل نسابة وخليفة ولو حمل على اللفظ لقال كلهن فاسق كما قال الله تعالى {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} انتهى (يقتلهن المحرم) حال إحرامه ولا يؤزر بل يؤجر (ويقتلهن في الحرم) ولو في المسجد (الفأرة والعقرب والحية والكلب العقور والغراب) سمي به لسواده ومنه {وغرابيب سود} وهما لفظتان بمعنى واحد والعرب تتشاءم به ولذلك اشتقوا منه الغربة والاغتراب وغراب البين هو الأبقع قال صاحب المجالسة: سمي غراب البين لأنه بان من نوح لما وجهه إلى الماء فذهب ولم يرجع وقال ابن قتيبة: سمي فاسقا لتخلفه عن نوح حين أرسله ليأتيه بخبر أرض فترك أمره وسقط على جيفة وظاهر تقييده في هذه الأخبار الكلب بكونه عقورا أن غيره محترم يمتنع قتله وهو المصحح عند الشافعية وعندهم قول مرجوج بجواز قتل غير العقور أيضا للأمر بقتل الكلاب (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه ليث بن أبي سليم فهو ثقة لكنه مدلس الحديث: 3951 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 3952 - (خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة) من أحد دعى بدعاء سائغ متوفر الشروط والأركان والآداب (أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الجمعة وليلة الفطر) أي ليلة عيد الفطر (وليلة النحر) أي عيد الأضحى فيسن قيام هؤلاء الليالي والتضرع والابتهال فيها وقد كان السلف يواظبون عليه روى الخطيب في غنية الملتمس أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة عليك بأربع ليال في السنة فإن الله تعالى يفرغ فيهن الرحمة ثم سردها (ابن عساكر) في تاريخه [ص: 455] (عن أبي أمامة) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس فما أوهمه صنيع المصنف من كونه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز غير سديد ورواه البيهقي من حديث ابن عمر وكذا ابن ناصر والعسكري قال ابن حجر: وطرقه كلها معلولة الحديث: 3952 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 3953 - (خمس من الفطرة) وفي رواية الفطرة خمس وهي بكسر الفاء مقولة بالاشتراك بمعنى الخلق والجبلة والسنة وهي المرادة هنا كما مر أي خمس من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع حتى صارت كأنها أمر جبلوا عليه والحصر في الخمسة غير حقيقي بدليل رواية عشر وأكثر بل مجازي بطريق المبالغة في الحث على الخمس لأنها أهم وآكد وإن كان غيرها من الفطرة فالمراد حصر الأكمل ويحتمل أنه أعلم بالخمس ثم زيد (الختان) بالكسر اسم لفعل الختان وسمى به المحل وهي الجلدة التي تقطع فختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وهو الذي تترتب الأحكام على تغييبه في الفرج وختان المرآة قطع جلدة كعرف الديك فوق الفرج قال الشافعي: وهو واجب دون بقية الخمس ولا مانع من أن يراد بالفطرة القدر المشترك الذي يجمع الوجوب والندب وهو الطلب المؤكد كما مر (والاستحداد) وفي رواية بدله حلق العانة قال في المنار: وهو أوسع من الاستحداد فإنه يصدق على التنور ولا يصدق عليه الاستحداد فإنه الحلق بالحديد وذكر الحلق غالبي والمطلوب الإزالة (وقص الشارب) الشعر النابت على الشفة العليا ولا بأس بترك سباليه عند الغزالي لكن نوزع وتحصل السنة بقصه بنفسه وهو أولى وبقص غيره له (وتقليم الأظفار) تفعيل من القلم القطع والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر لأن الوسخ يجتمع فيه قال ابن العربي: وقص الأظفار سنة إجماعا ولا نعلم قائلا بوجوبه لذاته لكن إن منع الوسخ وصول الماء للبشرة وجبت إزالته للطهارة وشمل العموم أصابع اليدين والرجلين فلو اقتصر على بعضها مع استوائها في الحاجة لم يحصل المقصود بل هو كالمشي في نعل واحدة وشمل الأصبع الزائدة واليد الزائدة بناء على أن الفرد النادر يدخل في العموم ذكره ابن دقيق العيد وتتأدى السنة بقصه بنفسه وهو أولى وبقص غيره إذ لا هتك حرمة ولا خرم مروءة سيما من يعسر عليه قص يمناه ذكره العراقي (ونتف الإبط) لأنه محل الريح الكريه المجتمع بالعرق فيتلبد ويهيج فشرع نتفه ليضعف ويحصل أصل السنة بحلقه والنتف أفضل فإن الحلق يهيج الشعر (حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره الحديث: 3953 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 3954 - (خمس من الدواب كلهن فاسق) سميت به لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طريق معظم الدواب أو لتحريم أكلها قال الله تعالى {ذلكم فسق} بعد ما ذكر ما حرم أكله (يقتلن) وفي رواية يقتلهن بالهاء أي المرء وقوله فاسق صفة لكل مذكر ويقتلن فيه ضمير راجع لمعنى كل وهو جمع وهو تأكيد لخمس كذا في التنقيح وتعقبه في المصابيح بأن صوابه أن يقال خمس مبتدأ وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة وصفة ومن الدواب في محل رفع على أنه صفة أخرى لخمس وقوله ليقتلن جملة فعلية في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو خمس (في الحرم: الغراب) وهو ينقر ظهر البعير وينزع عينه (والحدأة) كعنبة مقصورة وهي أخس الطير تخطف أطعمة الناس (والعقرب) واحدة العقارب والأنثى عقربة (والفأرة) بهمزة ساكنة والمراد فأرة البيت وهي الفويسقة (والكلب العقور) قال ابن الأثير: الكلب العقور كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل كأسد وذئب ونمر سماها كلبا لاشتراكها في السبعية والعقور من أبنية المبالغة الجارح وهو [ص: 456] معروف (ق ت ن عن عائشة) الحديث: 3954 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 3955 - (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح) أي حرج (الغراب والحدأة) بكسر الحاء مهموزة (والعقرب والفأرة والكلب العقور) علله الشافعي بأنهن مما لا يؤكل وما لا يؤكل ولا تولد من مأكول وغيره إذا قتله المحرم لا فدية عليه وعلله مالك بأنهن مؤذيات وكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لا فلا. وقال البيضاوي: إنما سميت هذه الحيوانات فواسق لخبلهن تشبيها بالفساق وقيل لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم وقيل لحرمتهن وخصت بالحكم لأنها مؤذيات مفسدات تكثر في المساكن والعمران ويعسر دفعها والتحرز منها فإن منها ما هو كالمنتهز للفرصة إذا تمكن من إضرار بادر إليه وإذا أحس بطلب أو دفع فر منه بطيران أو اختفى في نفق ومنها ما هو صائل يتغلب لا ينزجر بالخسء كالكلب العقور وهو كلها يعدى على الإنسان ويصول عليه ويعفره أي يجرحه من العقور وهو الجرح وقاس عليه الشافعي كل سبع ضار أو صائل وقيل إنه يعم بلفظه كل سبع عقور ويدل عليه دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم على عتبة اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ففرسه الأسد والغراب الأبقع الذي فيه سواد أو بياض لأنه أكثر ضررا وأسرع فسادا (مالك) في المؤطأ (ق حم د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 3955 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 3956 - (خمس) من الخصال (من حق المسلم على) أخيه (المسلم رد التحية) يعني السلام (وإجابة الدعوة) لوليمة عرس أو غيرها وجوبا في الأولى وندبا في غيرها (وشهود الجنازة) أي حضور الصلاة عليها وفعلها واتباعها إلى الدفن أفضل (وعيادة المريض) أي زيارته في مرضه (وتشميت العاطس إذا حمد الله) بأن يقول له يرحمك الله فإن لم يحمد لم يشمته لتقصيره (هـ عن أبي هريرة) الحديث: 3956 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 3957 - (خمس من الإيمان) أي من خصال الإيمان (من لم يكن فيه شيء منهن فلا إيمان له) إيمانا كاملا (التسليم لأمر الله) فيما أمر به (والرضا بقضاء الله) فيما قدره (والتفويض إلى الله والتوكل على الله والصبر عند الصدمة الأولى) وهي حالة فجأة المصيبة وابتداء وقوعها وزاد الطبراني في روايته: ولم يطعم امرؤ حقيقة الإسلام حتى يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم (البزار) في مسنده من حديث سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني مخرجه البزار عقبه عليه سعيد بن سنان أي وهو ضعيف ورواه الطبراني من هذا الوجه. قال الهيثمي: وفيه سعيد بن سنان لا يحتج به الحديث: 3957 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 3958 - (خمس من سنن المرسلين) أي من شأنهم وفعلهم (الحياء) الذي هو خجل الروح من كل عمل لا يحسن في الملأ الأعلى وذلك لأنه يطهر الروح من أسباب النفس (والحلم) الذي هو سعة الصدر وانشراحه لورود النور عليه (والحجامة) لأن للدم حرارة وقوة وهو غالب على قلوب المرسلين فيغلي من ذلك دماؤهم فإذا لم تنقص أضرت (والسواك) لأن الفم طريق الوحي ومحل لنجوى الملك فإهماله تضييع لحرمة الوحي (والتعطر) لأنه ليس للملائكة [ص: 457] حظ مما للبشر إلا الريح الطيب وهم يكثرون مخالطة الرسل فيكون الطيب بمنزلة قراهم (تخ والحكيم) الترمذي في النوادر (والبزار) في المسند (والبغوي) في المعجم (طب وأبو نعيم) الأصبهاني (في) كتاب (المعرفة هب) كلهم (عن حصين) مصغر حصن بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين بن عبد الله (الخطمي) بفتح المعجمة جد مليح بن عبد الله ثم قال البيهقي عقب تخريجه: هذا ذكره البخاري في التاريخ عن عبد الرحمن بن أبي فديك ومحمد بن إسماعيل عن عمر بن محمد الأسلمي فعمر يتفرد به إلى هنا كلامه وعمر هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: هو من المجاهيل اه وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وللترمذي وحسنه من حديث أبي أيوب أربع فأسقط الحلم والحجامة وزاد النكاح الحديث: 3958 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 3959 - (خمس من سنن المرسلين) الظاهر أنه أراد في هذا وما قبله بهم ما يشمل الأنبياء (الحياء والحلم والحجامة والتعطر والنكاح) لأن النور إذا امتلأ الصدر منه ففاض في العروق التذت النفس وثارت الشهوة وريح الشهوة إذا قوي فإنما يقوى من القلب والنفس والرسل قد أعطوا من فضل تلك القوى ما يفوق غيرهم (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن شيبة قال الذهبي: واه وذكر له هذا الحديث وغيره اه ورواه عنه أحمد أيضا لكنه قال السواك بدل النكاح الحديث: 3959 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 3960 - (خمس) من الخصال (من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله) أن يدخله الجنة ويعيذه من النار (من عاد مريضا) أي زاره في مرضه (أو خرج مع جنازة) للصلاة عليها (أو خرج غازيا) لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا (أو دخل على إمامه) يعني الإمام الأعظم (يريد تعزيزه وتوقيره أو قعد في بيته) يعني اعتزل الناس في بيته أو غيره (فسلم الناس منه) أي من أذاه (وسلم من الناس) أي من أذاهم (حم طب عن معاذ) بن جبل. قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه مقال مشهور وبقية رجاله ثقات الحديث: 3960 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 3961 - (خمس من قبض) أي مات (في شيء منهن فهو شهيد: المقتول في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله (شهيد) في أحكام الدنيا والآخرة (والغريق في سبيل الله شهيد) من شهداء الآخرة (والمبطون) أي الميت بوجع البطن وبالإسهال (في سبيل الله شهيد) من شهداء الآخرة (والمطعون) أي الميت بالطعن الذي هو وخز الجن أو فساد في الهوى على ما مر (في سبيل الله شهيد) من شهداء الآخرة (والنفساء) أي التي تموت عقب ولادتها بسبب الولادة (في سبيل الله شهيدة) من شهداء الآخرة (ن عن عقبة بن عامر) الجهني الحديث: 3961 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 3962 - (خمس من عملهن في يوم) أي يوم كان (كتبه الله) أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب أنه من (أهل الجنة) وهذا علامة على حسن الخاتمة وبشرى له بذلك (من صام يوم الجمعة) صوم تطوع (وراح إلى الجمعة) أي إلى محلها [ص: 458] لصلاتها (وعاد مريضا) ولو أجنبيا (وشهد جنازة) أي حضرها وصلى عليها (وأعتق رقبة) لوجه الله تعالى أي خلصها من الرق (ع حب عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 3962 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 3963 - (خمس لا يعلمهن إلا الله) على وجه الإحاطة والشمول كليا وجزيئا فلا ينافيه اطلاع الله بعض خواصه على كثير من المغيبات حتى من هذه الخمس لأنها جزئيات معدودة وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة (إن الله عنده علم الساعة) أي تعيين وقت قيامها (وينزل) بالتخفيف والتشديد (الغيث) أي يعلم نزوله في زمانه (ويعلم ما في الأرحام) من ذكر وأنثى وشقي وسعيد (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) من خير وشر جعل لنا الدراية التي فيها معنى الجبلة ولجنابه تقدس العلم تفرقه بين العلمين وأفاد أن ما هو بجبلتنا لا نعرف عاقبته فكيف بغيره (وما تدري نفس بأي أرض تموت) خص المكان ليعرف الزمان من باب أولى لأن الأول في وسعنا بخلاف الثاني وتخصيص الخمسة لسؤالهم عنها (حم والروياني) في مسنده عن (بريدة) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح اه وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين مع أن البخاري خرجه في الاستسقاء بلفظ مفاتيح الغيب خمس {إن الله عنده علم الساعة} إلخ الحديث: 3963 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 3964 - (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله) يعني الكفر به وخص الشرك به لغلبته حالتئذ (وقتل النفس) أي المعصومة (بغير حق وبهت المؤمن) أي قوله عليه ما لم يفعله حتى حيره في أمره وأدهشه يقال بهته كمنعه بهتا وبهتانا قال: عليه ما لم يفعل والبهتة الباطل الذي يتحير من بطلانه والكذب كالبهت بالضم ومقتضى تخصيص المؤمن أن الذمي ليس كذلك ويحتمل إلحاقه به وعليه إنما خص به المؤمن لأن بهته أشد (والفرار من الزحف) حيث لم يجز الفرار (ويمين صابرة يقتطع بها مالا) لغيره (بغير حق) (حم وأبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ) كلاهما (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 3964 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 3965 - (خمس من قواصم) كذا في خط المصنف وكتب على الحاشية أن في رواية هن من قواصم (الظهر) أي كسره يقال قصمه يقصمه كسره وأبانه أو كسره وإن لم يبينه فانقصم وتقصم (عقوق الوالدين) أو أحدهما وإن علا (والمرأة يأتمنها زوجها) على نفسها أو ماله (تخونه) بالزنى أو السحاق والتصرف في ماله بغير إذنه (والإمام) أي الأعظم (يطيعه الناس ويعصي الله عز وجل ورجل وعد) رجلا (من نفسه خيرا) أي أن يفعل معه خيرا (فأخلف) ما وعد (واعتراض المرء في أنساب الناس) وفي رواية بدله ووقيعة المرء في أنساب الناس وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في الفردوس وغيره وكلكم لآدم وحواء اه (هب عن أبي هريرة) وفيه الحارث بن النعمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو حاتم غير قوي ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 3965 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 [ص: 459] 3966 - (خمس من العبادة قلة الطعم) أي الأكل والشرب قال الحرالي: جعل الله فضول المطعم والمشرب في الدنيا سبب لقسوة القلب وإبطاء الجوارح عن الطاعة والصمم عن سماع الموعظة (والعقود في المساجد) لانتظار الصلاة أو للاعتكاف أو لنحو علم أو قرآن (والنظر إلى الكعبة) أي مشاهدة البيت ولو من وراء الستور (والنظر إلى المصحف) أي القراءة فيه نظرا فإنها أفضل من القراءة من ظهر قلب فإن القارئ في المصحف يستعمل لسانه وعينه فهو في عبادتين والقارئ من حفظه يقتصر على اللسان وفي نسخة النظر إلى المصحف أي فيه أو إلى ما فيه (والنظر إلى وجه العالم) العامل بعلمه والمراد العلم الشرعي قال في الفردوس: ويروى النظر إلى وجه الوالدين دون النظر إلى الكعبة (فر عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن الربيع النهدي قال الذهبي: تركه الدارقطني الحديث: 3966 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 3967 - (خمس من أوتيهن لم يعذر على ترك عمل الآخرة زوجة صالحة) أي دينة تعفه (وبنون أبرار) بآبائهم أي غير عاقين (وحسن مخالطة الناس) أي وملكة يقتدر بها على مخالطة الناس بحسن خلق وما ذكر من أن الرواية مخالطة الناس هو ما في نسخ كثيرة وهو الظاهر ووقفت على نسخة المصنف فرأيت فيها بخطه مخالطة النساء والظاهر أنه سبق قلم (ومعيشة في بلده) بنحو تجارة أو صناعة من غير تنقل في الأسفار (وحب آل محمد) صلى الله عليه وسلم فإن حبهم سبب موصل إلى الله والدار الآخرة ومن ثم قرنهم بالقرآن في الأخبار الماضية <تنبيه> قال الحرالي: سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجهه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل البيت فجهات طرق المشايخ ترجع عامتها إلى تاج العارفين أي القاسم الجنيد وبداية أبي القاسم أخذها من خاله السري والسري ائتم بمعروف وكان معروف مولى علي بن موسى الرضي وعن آبائه فرجع الكل إلى علي {أولئك حزب الله} (فر عن زيد بن أرقم) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليه أولى الحديث: 3967 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 3968 - (خمس يعجل الله لصاحبها العقوبة) في الدار (البغي) أي التعدي على الناس (والغدر) للناس (وعقوق الوالدين) أي الأصليين المسلمين أو أحدهما (وقطيعة الرحم) أي القرابة بنحو صد أو هجر بلا موجب (ومعروف لا يشكر) ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى (ابن لال) في المكارم (عن زيد بن ثابت) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 3968 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 3969 - (خمس خصال يفطرن الصائم وينقضن الوضوء: الكذب والغيبة والنميمة والنظر بشهوة) إلى حليلة (1) أو غيرها (واليمين الكاذبة) قال حجة الإسلام: بين به أن الصوم أي المقبول المثاب عليه في الآخرة الثواب الكامل ليس هو ترك الطعام والشراب والوقاع فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع بل تمام الصيام أن يكف [ص: 460] الجوارح عما كره الله: فيحفظ اللسان عن النطق ويحفظ العين عن النظر إلى المكاره والأذن عن الاستماع إلى المحرم فإن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين وكذا يكف جميع الجوارح كما يكف البطن والفرج فإذا عرفت معنى الصوم الحقيقي فاستكثر منه ما استطعت فإنه أساس العبادة ومفتاح القربات (الأزدي) أبو الفتح (في) كتاب (الضعفاء) والمتروكين عن عيسى بن سليمان ورأف داود عن داود بن رشيد عن بقية عن محمد بن حجاج عن جابان عن أنس كذا أورده في ترجمة محمد بن الحجاج الحمصي وقال: لا يكتب حديثه وقال أبو العباس البناني في كتاب الحافل: والإسناد كله مقارب قال الحافظ العراقي: وقد رواه عن بقية أيضا سعيد بن عنبسة أحد من رمي بالكذب وقال ابن الجوزي: هذا موضوع من سعيد إلى أنس كلهم مطعون فيه (فر عن أنس) قال الحافظ العراقي: قال أبو حاتم هذا كذاب انتهى. وذلك لأن فيه سعيد بن عنبسة وقد قال الذهبي في الضعفاء: كذبه ابن معين وغيره عن بقية وحاله معلوم وجابان قال الذهبي: ليس بمعروف وفي اللسان عن ذيل الميزان: جابان قال الأزدي متروك الحديث ثم أورد له هذا الخبر   (1) [قول المناوي " إلى حليلة " فيه نظر إذ كيف يحرم المؤمن من الثواب بمجرد النظر بشهوة إلى حليلته وهي معه في بيته عرضة أن يراها بأحوال مختلفة ولم يفرض الشرع عليها أن تحتجب منه؟ ومعلوم أن النظر إلى الزوجة الجميلة قد تنتج عنه الشهوة: ورد في إحدى الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي جامع أهله في رمضان: ما حملك على هذا؟ فأجاب: رأيت خلخالها في ضوء القمر وانظر إلى الخصال الأخرى المذكورة في الحديث كيف أنها كلها محرمة على الصائم وغيره: الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة فيتضح لك أن ما يقرن بها يلزم أن يكون مثلها: محرم على المفطر والصائم أي أن النظر بشهوة إلى ما لا يحل يذهب ثواب الصيام. وكيف يذهب ثواب الصائم بما لم يأت فيه نهي من الشارع؟ والله أعلم. عرفان الرباط دار الحديث] الحديث: 3969 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 3970 - (خمس دعوات يستجاب لهن دعوة المظلوم حتى) أي إلى أن (ينتصر) أي ينتقم ممن ظلمه بالقول أو الفعل (ودعوة الحاج) حجا مبرورا (حتى يصدر) أي يرجع إلى أهله (ودعوة الغازي) لإعلاء كلمة الله ابتغاء رضاه لا طلبا للغنيمة (حتى يقفل) أي يعود من غزوه إلى وطنه (ودعوة المريض) أي مرضا لم يعص به فيما يظهر (حتى يبرأ) من علته (ودعوة الأخ لأخيه) في الإسلام وإن لم يكن أخاه في النسب (بظهر الغيب) قال الطيبي: حتى في للقرائن الأربع بمعنى إلى كقولك سرت حتى تغيب الشمس لأن ما بعد حتى غير داخل فيما قبلها فدعوة المظلوم مستجابة إلى أن ينتصر وكذا الباقي فإن قلت: هذا يوهم أن دعاء هؤلاء الأربع لا يستجاب بعد ذلك وكذا دعاء الغائب إلى أن يحضر قلت: نعم لكن الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير المذكورة (وأسرع هذه الدعوات) أي أقربها إجابة (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) لما فيها من الإخلاص وعدم الشوب بالرياء ونحوه (هب عن ابن عباس) وفيه زيد العمي قال الذهبي: ضعيف متماسك ورواه عنه أيضا الحاكم ومن طريقه أورده البيهقي مصرحا فكان عزوه إليه أولى الحديث: 3970 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 3971 - (خمس من العبادة النظر إلى المصحف) للقراءة فيه (والنظر إلى الكعبة والنظر إلى الوالدين) أي الأصلين مع الاجتماع أو الافتراق (والنظر في زمزم) أي بئر زمزم أو إلى مائها (وهي) أي زمزم (تحط الخطايا) أي يكون النظر إلى ذلك مكفرا للذنوب (والنظر في وجه العالم) العامل بما علم والمراد العلم الشرعي قال الحرالي: ويقصد الناظر التقرب إلى الله برؤيته فإن في التقرب إلى الله برؤية العلماء الأعيان وعباد الرحمن سر من أسرار العيان (قط ن عن) كذا في نسخة المصنف بخطه وبيض للصحابي الحديث: 3971 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 3972 - (خيار المؤمنين القانع) بما رزقه الله تعالى (وشرارهم الطامع) في الدنيا لفقره إلى الأسباب فيسترق قلبه الأطماع وتصير الخلق عليه كالأسباب لأن الطمع فيها يضاعف الهم ويطيل الحزن وينسي المعاد ومن قنع استراح فالطمع في الدنيا هو الذي عمر النار بأهلها والزهد هو الذي عمر الجنة بأهلها القانع هو الراضي عن الله بما قسم له من قليل الرزق ظاهرا [ص: 461] وباطنا وإنما كان خيارهم لما تضمنته القناعة من مكارم أخلاق الإيمان وهو الغني بما قسم له ومن الرضى وهو باب الله الأكبر وهو أشرف مقامات الإيمان ومن الزهد عن فضول الدنيا ومن التعفف عن تعلق الهمة قال الحرالي: والطمع يشرب القلب الحرص ويختم عليه بطابع حب الدنيا وحب الدنيا مفتاح كل شر وسبب إحباط كل خير (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 3972 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 3973 - (خيار أمتي في كل قرن خمس مئة) أي خمس مئة إنسان (والأبدال أربعون) رجلا كما سبق (فلا الخمس مئة ينقصون) بل قد يزيدون (ولا الأربعون) ينقصون (بل كلما مات رجل) منهم (أبدل الله من الخمس مئة مكانه) رجلا آخر (وأدخل في الأربعين مكانه) ولهذا سموا بالأبدال وظاهره أن البدل لا يكون إلا من أولئك لا من غيرهم لكن في مطارحات الصوفية ما يقتضي خلافه قالوا: يا رسول الله دلنا عن أعمالهم فقال (يعفون عمن ظلمهم) كما حكى أن ابن أدهم سأله جندي عن العمران فدله على المقابر فضربه فقال اللهم إني أعلم أنك تؤجرني وتؤزره فلا تؤجرني ولا تؤزره (ويحسنون إلى من أساء إليهم) أي يقابلونه على إساءته بالإحسان (ويتواسون فيما آتاهم الله) فلا يتأشر أحد منهم على أحد فمن اجتمعت فيه هذه الخصال دل على أنه من الأبدال (حل) من حديث سعيد بن عبدوس عن عبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي عن الزهري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني ومن طريقه وعنه رواه أبو نعيم فلو عزاه المؤلف له لكان أحسن وسعيد بن عبدوس وعبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي وعنه سعيد بن عبدوس لا يعرفان والخبر كذب في أخلاق الأبدال كذا قال ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ووافقه عليها المؤلف [أي السيوطي] في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه [فالظاهر أن إشارة التحسين في نسخة الجامع الصغير من خطأ بعض النساخ وليست للسيوطي. دار الحديث] الحديث: 3973 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 3974 - (خيار أمتي الذين يشهدون أن لا إله) أي لا معبود بحق (إلا الله) الواحد الواجب الوجود (وأني) محمدا (رسول الله) إلى كافة الثقلين (الذين إذا أحسنوا استبشروا) بتوفيق الله لهم إلى الحسنات وهدايتهم إليها (وإذا أساؤوا) أي فعلوا سوءا (استغفروا) الله تعالى منه يعني تابوا توبة صحيحة وسبق في خبر أن الاستغفار باللسان توبة الكذابين (وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به وإنما نهمتهم ألوان الطعام والثياب) أي الحرص على تحصيل أصناف الطعام النفيسة والتهالك على الالتذاذ بها وعلى لبس الملابس الفاخرة (ويتشدقون في الكلام) أي يتوسعون فيه من غير احتياط واحتراز وأراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه عليهم وبهم <تنبيه> قال الحرالي: المقصود بقوله وأشرار أمتي إلخ أن على المرء أن يتناول من الدنيا ما يتناوله على أنه من يدر به أخذا منها بمقدم أطراف أصابعه أكلا بمقدم أسنانه أكل فصم لا أكل خصم فإن من تضلع من طعامها وشرابها وتزين بملابسها ومراكبها وتقلب في مبانيها وزخارفها فليس من الله في شيء إلا من اغترف غرفة بيده فيأخذ لنفسه بالحاجة لا بالشهوة ولا بالمطاولة ومن أخذ بالمطاولة شيئا منها قامت قيامته وحانت ساعته الخاصة به (حل عن عروة) بضم أوله (ابن رويم) بالراء مصغرا (مرسلا) هو اللخمي الأزدي له مقاطيع قال ابن حجر: صدوق يرسل كثيرا وفي موته أقوال الحديث: 3974 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 [ص: 462] 3975 - (خيار أمتي علماؤها) العالمون بالعلوم الشرعية العاملون بها قال تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} والعلماء منهم خيار الخيار {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} وشرف العلوم على حسب شرف المعلوم حتى ينتهي إلى العلم بالله كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله (وخيار علمائها رحماؤها) أي الذين يرحمون الناس منهم فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي وفي رواية بدل رحماؤها حلماؤها والحليم الذي لا يستفزه الغضب ولا عجلة الطبع وعزة العلم فالحلم جمال العلم (ألا) حرف تنبيه (وإن الله تعالى ليغفر للعالم) العامل (أربعين ذنبا قبل أن يغفر للجاهل) أي غير المعذور في جهله (ذنبا واحدا) إكراما للعلم وأهله والظاهر أن المراد بالأربعين التكثير لكن ربما صدر عنه أنهم أناطوا إرادة التكثير بالسبعين وما قبلها من المنازل (ألا وإن العالم الرحيم) بخلق الله تعالى (يجيء يوم القيامة وإن نوره) أي والحال أن نوره (قد أضاء) له (يمشي فيه ما بين المشرق والمغرب) إضاءة قوية (كما يضيء الكوكب الدري) في السماء وهذا فيه إبانة لعظيم العلم وفضل أهله (حل خط) القضاعي عن ابن عمر قال شارحه غريب جدا عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن زكريا الساجى عن سهل بن بحر عن محمد بن إسحاق السلمي عن ابن المبارك عن الثوري عن أبي الزناد عن أبي حازم عن أبي هريرة (خط) من هذا الطريق (عن أبي هريرة) ثم قال أبو نعيم غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه وقال الخطيب: حديث منكر ومحمد بن إسحاق السلمي أحد الغرباء المجهولين وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: أنكره الخطيب وكأنه لم يتهم به إلا السلمي وقال في الميزان: هذا خبر باطل والسلمي فيه جهالة اه وحكى عنهم المؤلف وأقره لكنه قال: له طريق آخر عن ابن عمر وهي ما أشار إليها هنا بقوله (القضاعي) في مسند الشهاب عن محمد بن إسماعيل الفرغاني عن الحاكم عن أبي الحسن الأزهري عن أحمد عن خالد القرشي (عن ابن عمر) بن الخطاب والخبر باطل اه وحكاه المؤلف في مختصر الموضوعات وسكت عليه فلم يتعقبه الحديث: 3975 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 3976 - (خيار أمتي الذين إذا رؤوا) أي إذا نظر إليهم الناس (ذكر الله) برؤيتهم يعني أن رؤيتهم مذكرة بالله تعالى وبذكره لما يعلوهم من البهاء والإشراق وحسن الهيئة وحسن السمت (وشرار أمتي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البرآء العنت) في النهاية العنت المشقة والفساد والهلاك والإثم والغلط والزنا والحديث يحتمل كلها والبرآء جمع برئ وهو العنت منصوبان مفعولان للباغون وبغيت الشيء طلبته (حم عن عبد الرحمن بن غنيم) بضم المعجمة وسكون النون قال الهيثمي: فيه شهر بن حوشب وثق وضعف وبقية رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: فيه شهر وبقية أسانيده يحتج بهم في الصحيح (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك قال المنذري وحديث عبد الرحمن أصح ويقال له صحبة الحديث: 3976 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 3977 - (خيار أمتي أحداؤهم) في رواية أحداؤها جمع حديد كشديد وأشد أي أنشطها وأسرعها إلى الخير مأخوذ من حد السيف فالمراد بالحدة هنا الصلابة في الدين والقصد إلى الخير والغضب لله كما مر بعضهم يرويه بالجيم من الجد ضد الهزل اه وهو غير سديد إذ لا ملاءمة بينه وبين قوله (الذين إذا غضبوا رجعوا) أعلم أن أمته هم المؤمنون بعزة الإيمان {فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [ص: 463] فحدتهم تنشأ عن عزة الإيمان حمية للدين لأن الحكم إذا نيط بوصف صار علة فيه نحو {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فخيار أمة الإيمان من تزايدت حدته عن تزايد قوة الإيمان لا عن كبر وهوى وسرعة رجوعهم من سكينة الإيمان فهو حدة تنشأ عن قوة إيمانه وغيرته كما كانت حدة موسى حتى روي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا ولهذا لما قيل لأبي منصور لولا حدة فيك قال ما يسرني بحدتي كذا وكذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال قال الفاكهي: يشتبه على كثير من الناس الحدة بسوء الخلق والفارق المميز ما ختم به هذا الحديث وهو قوله الذين إذا غضبوا رجعوا فالرجوع والصفاء هو الفارق وصاحب الخلق السوء يحقد وصاحبها لا يحقد والغالب أن صاحبها لا يغضب إلا لله (طس) وكذا الديلمي والبيهقي (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: فيه نعيم بن سالم بن قنبر وهو كذاب اه وفي الضعفاء للذهبي: قال ابن حبان يضع الحديث الحديث: 3977 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 3978 - (خيار أمتي أولها وآخرها نهج أعوج) النهج الطريق المستقيم فلما وصفه بأعوج صار الطريق غير مستقيم ويوضحه حتى تقيم به الملة العوجاء يعني ملة إبراهيم الذي غيرتها العرب عن استقامتها وهذا التقدير بناء على أن قوله نهج بالنون وهو ما عليه شارحون لكن جعله آخرون شيح بمثلثة أولى والشيح الوسط وما بين الكاهل إلى الظهر أي ليسوا من خيارهم ولا من رذائلهم بل من أوسطهم كذا ذكره الديلمي (ليسوا مني ولست منهم) قال الزمخشري: معنى قولهم هو مني أي بعضي والغرض الدلالة على شدة الاتصال وتمازج الأهواء واتحاد المذاهب ومنه فمن تبعني فإنه مني وقوله ليسوا مني نفي لهذه البعضية من الجانبين (طب) وكذا الديلمي (عن عبد الله بن السعدي) بفتح المهملة وسكون المهملة صحابي مات في خلافة عثمان قال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك الحديث: 3978 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 3979 - (خيار أمتي من دعا إلى الله تعالى) أي إلى توحيده وطاعته ورضاه (وحبب عباده إليه (1)) بهدايتهم إلى الزهد والإعراض عن الدنيا والرغبة عن عدم متاعها والسلوك إليه لكن مع عدم قصده بذلك الشهرة وحب إقبال الناس عليه للخبر المار احذروا الشهرة الخفية العالم يحب أن يجلس إليه (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة)   (1) بأن يأمرهم بالطاعة حتى يطيعوه فيحبهم لأن المعلم يسلك بالطالب طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم والإقتداء به ومن اقتدى به أحبه الله {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وأحب ربه لما يلوح في قلبه من أنوار الطاعة وجمال التوحيد الحديث: 3979 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 3980 - (خيار أئمتكم) أي أمرائكم (الذين تحبونهم ويحبونكم) بأن يكونوا عدولا فإن التحابب من الجانبين أن يكون ممدوحا عند استعمالهم للعدو كما سبق تقريره (وتصلون عليهم ويصلون عليكم) أي يدعون لكم وتدعون لهم يعني تحبونهم ما دمتم أحياء ويحبونكم ما داموا أحياء فإذا جاء الموت ترحم بعضكم على بعض وذكر البعض بخير قال الأبي: يعني بالمحبة الدينية الذي سببها اتباع الحق من الإمام والرعية (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم) قال الماوردي: هذا صحيح فإن الإمام إذا كان ذا خير أحبهم وأحبوه وإذا كان ذا شر أبغضهم وأبغضوه وأصل ذلك أن خشية الله تبعث على طاعته في خلقه وطاعته فيهم تبعثهم على محبته فلذلك كانت محبته دليلا على خيره [ص: 464] وبغضهم له دليلا على شره وقلة مراقبته اه وظاهر كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في مسلم قالوا: يا رسول الله فتنابزهم عند ذلك قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي به من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة اه (م) في المغازي (عن عوف بن مالك) ولم يخرج البخاري عن عوف الحديث: 3980 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 3981 - (خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وخيرهم محمد) وهم أولو العزم وأفضلهم بعد محمد إبراهيم نقل بعضهم الإجماع عليه وفي الصحيح خير البرية إبراهيم خص منه النبي صلى الله عليه وسلم فبقي على عمومه فيه قال المصنف في النهاية: ولم أقف على نقل أيهم أفضل وينقدح تفضيل موسى أي لاختصاصه بالكلام فعيسى فنوح اه وفاته أن الفخر الرازي حكى الإجماع على تقديم موسى وعيسى على نوح فإنه قال في أسرار التنزيل: لا نزاع في أن أفضل الأنبياء والرسل هؤلاء الأربعة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى اه بلفظه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار باللفظ المزبور قال الهيثمي بعد ما عزاه له: ورجاله رجال الصحيح اه. فإغفال المصنف له واقتصاره على ابن عساكر غير جيد الحديث: 3981 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 3982 - (خياركم) أي من خياركم (من تعلم القرآن وعلمه) قال في شرح المشكاة: لا بد من تقييد التعليم والتعلم بالإخلاص وإطلاقه شامل لما لو علمه بأجره وفيه خلاف مشهور معروف (هـ عن سعد) بن أبي وقاص ورواه الطبراني عن أبي أمامة قال الهيثمي: وفيه عنده علي بن أبي طالب البزار ضعفه ابن معين الحديث: 3982 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 3983 - (خياركم من قرأ القرآن وأقرأه) قال أبو عبد الرحمن السلمي فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم القرآن (ابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود) الحديث: 3983 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 3984 - (خياركم أحاسنكم أخلاقا) فعليكم بحسن الخلق جمع أحسن بوزن أفعل وهي إن قرنت بمن كانت للمذكر والمؤنث والاثنين والجمع بلفظ واحد وإلا عرفت وذكرت وأنثت وجمعت وإن أضيفت جاز الأمران كما هنا والأخلاق جمع خلق وهو أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره وتنقسم إلى محمود ومذموم فالمحمود صفة الأنبياء والأولياء كالصبر عند المكاره والحلم عند الجفاء وتحمل الأذى والإحسان والتودد للناس والرحمة والشفقة واللطف في المحاولة والتثبت في الأمور وتجنب المفاسد والشرور والمذموم نقيضه زاد الترمذي في رواية وأطولكم أعمارا والقصد بهذا الحديث الحث على حسن الخلق ولين الجانب قال يوسف بن أسباط: علامة حسن الخلق عشرة أشياء: قلة الخلاف وحسن الإنصاف وترك طلب العثرات وتحسين ما يبدو من السيئات والتماس المعذرة واحتمال الأذى والرجوع بالملامة على نفسه والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره وطلاقة الوجه ولطف الكلام (حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخياركم؟ فذكره وفي الباب عبادة وغيره الحديث: 3984 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 3985 - (خياركم أحاسنكم أخلاقا) فمن كان حسن الخلق فيه أكثر كان خيره أكثر (الموطؤون أكنافا) بصيغة اسم المفعول من التوطئة وهي التمهيد والتذليل وفراش وطيء لا يؤذي جنب النائم والأكناف الجوانب أراد الذين جوانبهم وطيئة [ص: 465] يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى وهو أحسن البلاغة (وشراركم الثرثارون) أي الذين يكثرون الكلام تكلفا وتشدقا والثرثرة كثرة الكلام وترديده (المتفيهقون) أي الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم ويتفصحون فيه (المتشدقون) الذين يتكلمون بأشداقهم ويتمقعرون في مخاطبتهم <تنبيه> قال في المفصل: أفعل التفضيل يضاف إلى ما يضاف إليه أي يقول هو أفضل الرجلين وأفضل القوم وأفضل رجل وهما أفضل رجلين وهو أفضل رجل وله معنيان: أحدهما: أن يراد أنه زائد على المضاف إليهم في الخصلة التي هو وهم فيها شركاء. الثاني: أن يؤخذ مطلقا له الزيادة فيها إطلاقا ثم يضاف لا للتفضيل على المضاف إليهم بل لمجرد التخصيص نحو الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي عادلا بني مروان فلك على الأول توحيده في التثنية والجمع وأن لا تؤنثه وعلى الثاني ليس لك إلا أن تؤنثه وتجمعه وتثنيه قال: وقد اجتمع الوجهان في حديث أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا وأبغضكم إلى وأبعدكم مني أساوئكم أخلاقا وقال ابن الحاجب في أمالي المفصل: قولهم أكرم الناس يلزم أن يكون جميع الناس كرماء في قصد المتكلم وهو باطل وكذا قوله عليه السلام ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني إلخ فإنه يلزم أن يكون المخاطبون شركاء في أصل ما أضيف إليهم من المحبة والبغض مع أنهم لم يشركوا والجواب أن معنى قوله أحبكم أحب المحبوبين منكم وكذا أقربكم وأبغضكم وأبعدكم ويجوز تقدير مضاف محذوف أي أحب محبوبيكم وقال ابن يعيش: الوجهان جواز المطابقة وتركها ورد في حديث أحبكم وأقربكم وأبغضكم وأبعدكم وجمع أحاسنكم وأساوئكم (هب عن ابن عباس) الحديث: 3985 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 3986 - (خياركم الذين) أي القوم الذين (إذا رؤوا ذكر الله بهم) أي برؤيتهم لما علاهم من البهاء والمهابة (وشراركم المشاؤون بالنميمة) وهي نقل حديث بعض القوم لبعض للإفساد (المفرقون بين الأحبة) بما يسعون به بينهم من الفتن (الباغون البراء العنت) زاد الشيخ في روايته في التوبيخ يحشرهم الله في وجوه الكلاب اه. أوحي إلى موسى أن في بلدك ساعيا أي بالنميمة ولست أمطرك وهو في أرضك قال: يا رب دلني عليه أخرجه قال: يا موسى اكره النميمة وانه فأقبح بخصلة تفضي إلى حبس قطر السماء عن العالم (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه ابن لهيعة وابن عجلان وفيهما كلام سبق وخرجه الحاكم أيضا فكان عزوه إليه أولى الحديث: 3986 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 3987 - (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) أي من كان مختارا منكم بمكارم الأخلاق في الجاهلية فهو مختار في الإسلام (إذا فقهوا) قال في الرياض: بضم القاف على المشهور وحكى كسرها أي عملوا بأحكام الشرع أو صاروا فقهاء بأن مارسوا الفقه وتعاطوه حتى صار لهم به ملكة ونعم ما قال الأحنف كل عز لم يوطأ بعلم فإلى ذل ما يصير وقال الشاعر: إن السري إذا سرى فبنفسه. . . وابن السري إذا ما سرى أسراهما فأرشد إلى أنه لا خيار إلا بالفضل والتقوى فمن اتفق له ذلك مع أصل حميد شريف الأعراق كملت فضيلته وسما على غيره ثم القسمة كما قال ابن حجر رباعية فإن الأفضل من جمع بين الشرف في الجاهلية والشرف في الإسلام ثم أرفعهم رتبة من أضاف لذلك التفقه في الدين ويقابل ذلك من كان مشروفا في الجاهلية واستمر مشروفا في الإسلام فهذا أدنى المراتب وأرفع منه شرف في الإسلام وفقه ولم يكن شريفا في الجاهلية والشرف في الجاهلية بحسب الآباء وكرم الأصل وفي الإسلام بالعلم والحكمة فالأول موروث والثاني كسبي. قال الطيبي: فإن قيل: ما فائدة التقييد بقوله إذا فقهوا لأن من أسلم وكان شريفا في الجاهلية خير ممن ليس له شرف فيها سواء فقه أو لا؟ قلنا: ليس كذلك فإن الإيمان يرفع التفاوت المعتبر في الجاهلية فإذا علا الرجل بالعلم والحكمة استجلب النسب [ص: 466] الأصلي فيجمع شرف النسب مع شرف الحسب وفهم منه أن الوضيع المسلم المتحلي بالعلم أرفع منزلة من المسلم الشريف العاطل فمعناه أن من اجتمع له خصال شرف زمن الجاهلية من شرف الآباء ومكارم الأخلاق وصنائع المعروف مع شرف الإسلام والتفقه فيه فهو الأحق بهذا الاسم ذكره القرطبي (خ عن أبي هريرة) قال: قيل: يا رسول الله من أكرم الناس قال: أتقاهم قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فعن معادن العرب تسألوني ثم ذكره وهذا الحديث رواه مسلم أيضا وعزاه في الفردوس إلى مسلم أيضا الحديث: 3987 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 3988 - (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة) أي ألزمكم للسكينة والوقار والخشوع والخضوع فيها فلا يلتفت ولا يحاشر منكبه منكب صاحبه ولا يمتنع لضيق المكان على مريد الدخول في الصف لسد الخلل بمعنى أن فاعل ذلك من خيار المؤمنين لا أنه خيارهم إذ قد لا يوجد المنكب فيمن غيره أفضل نفسا ودينا وإنما هو كلام عربي يطلق على الحال والوقت وعلى إلحاق الشيء المفضل بالأعمال الفاضلة ذكره الإمام البيهقي قال ابن الهمام: وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ويظن أن فسحه له رياء بسبب أنه يتحرك لأجله بل ذلك إعانة على إدراك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف (د) في الصلاة (هق) كلاهما (عن ابن عباس) سكت عليه أبو داود ورده عبد الحق بأن فيه عمارة بن ثوبان ليس بالقوي وقال ابن القطان: فيه مجهولان الحديث: 3988 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 3989 - (خياركم أحاسنكم) وفي رواية أحسنكم (قضاء للدين) بفتح الدال بأن يرد أكثر مما عليه بحق بغير شرط ولا يمطل رب الدين ولا يسوف به مع القدرة ويقضيه جملة لا مفرقا قال الكرماني: خياركم يحتمل كونه مفردا بمعنى المختار وكونه جمعا فإن قلت: أحسن كيف يكون خبرا له لأنه مفرد؟ قلت: أفعل التفضيل المقصود به الزيادة جائز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له وهذا قاله حين استقرض ورد خيرا مما أخذ وذلك من مكارم أخلاقه وليس هو من قرض جر نفعا للمقرض لأن المنهى عنه ما شرط في عقد القرض كشرط رد صحيح عن مكسر أو رده بزيادة في الكم أو الوصف فلو فعل ذلك بلا شرط كما هنا جاز بل ندب عند الشافعي وقال المالكية: الزيادة في العد منهية والخبر يرده هذا كله إن اقترض لنفسه فإن اقترض لجهة وقف أو محجور لم يجز له رد زائدة والخير والخيار يرجع إلى النفع فخيار الناس من أنفع الناس للناس فإن قلت: هذا خير من هذا فمعناه أنفع لنفسه أو لغيره وأشرف المنفعة ما تعلق بالخلق لأن الحسنة المتعدية أفضل من القاصرة وحسن المعاملة في الاقتضاء والقضاء يدل على فضل فاعل ذلك في نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا (ت ن عن أبي هريرة) قال: استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد خيرا منه ثم ذكره وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وهو ذهول عجيب فقد عزاه هو في الدرر اليهما معا باللفظ المزبور وقال الحافظ العراقي: متفق عليه الحديث: 3989 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 3990 - (خياركم خيركم لأهله) أي حلائله وبنيه وأقاربه يعني هو من خياركم كما يقال خير الأشياء كذا ولا يراد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء لكن على أنه خيرها في حال دون حال ولو واحد دون آخر كما قد يتضرر واحد بكلام في غير محله فيقول ما شيء أفضل من السكوت إلى حيث لا يحتاج إلى الكلام ثم قد يتضرر بالسكوت مرة فيقول ما شيء أفضل من الكلام ويقال فلان أعقل الناس وأفضلهم ويراد من أعقلهم ذكره الحليمي (طب عن أبي كبشة) الأنماري سعيد بن عمر أو عمر بن سعيد أو عامر بن سعد صحابي نزل الشام وروى عن أبي بكر الحديث: 3990 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 [ص: 467] 3991 - (خياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية لابن خزيمة وابن عساكر لنسائي فأوصى ابن عوف لهم بحديقة بأربع مئة ألف وأخرج البيهقي عن ابن عيينة شكى إبراهيم إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة فأوحى الله إليه ألبسها على ما كان فيها ما لم تجد عليها خزية في دينها (هـ عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 3991 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 3992 - (خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا) لأن المرء كلما طال عمره وحسن عمله يغتنم من الطاعات ويراعي الأوقات فيتزود منها للآخرة ويكثر من الأعمال الموجبة للسعادة الأبدية (ك عن جابر) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخياركم قالوا بلى فذكره الحديث: 3992 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 3993 - (خياركم أطولكم أعمارا) أي في الإسلام مع أنه صرح به في رواية للطبراني مع ظهوره (وأحسنكم أخلاقا) قال الطيبي: هذا إشارة إلى ما قاله في جواب من سأله أي الناس خير؟ فذكره وقوله أحسنكم أخلاقا كقوله وحسن عمله في إرادة الجمع بين طول العمر وحسن الخلق قال لقمان لابنه: يا بني اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأرباح من غير بضاعة <فائدة> قالوا: طريق تحصيل الأخلاق الحميدة كثرة الذكر وصحبة المرشد الكامل ثم التخلق على ثلاثة أقسام إنساني وملكي ورحمني ولا يصل أحد إلى الأولى حتى يخرج من الخلق الحيواني والشيطاني والنفساني ولحسن الخلق فوائد منها محبة الله لصاحبه فأعظم بها من خصلة تتضمن كل كمال وكل الصيد في جوف الفرا ومحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإيذانه بأن الله أراد به خيرا وأذابت خطيئته كما تذيب الشمس الجليد والزيادة في عمره وإظلال الله له تحت عرشه وإسكانه حظيرة القدس وإدنائه من جواره وبلوغه درجة الصائم القائم وتحريمه على النار هكذا جاء مفرقا في عدة أخبار (حم والبزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: ابن إسحاق مدلس الحديث: 3993 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 3994 - (خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا) احتج به الرافعي الشافعي على أن القصر أفضل من الإتمام أي إذا زاد السفر على مرحلتين (الشافعي) في مسنده (والبيهقي في) كتاب (المعرفة عن سعيد بن المسيب مرسلا) ورواه إسماعيل القاضي في كتاب الأحكام عن عروة بن رويم مرسلا ووصله أبو حاتم في العلل عن جابر يرفعه بلفظ خياركم من قصر الصلاة في السفر وأفطر الحديث: 3994 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 3995 - (خياركم من ذكركم بالله رؤيته وزاد في علمكم منطقه ورغبكم في الأخرة عمله) هذه كلمة نبوية وافق فيها نبينا عيسى عليهما السلام. قال ابن عيينة: قيل لعيسى: يا روح الله من نجالس؟ قال: من يزيد في علمك منطقه ويذكركم الله تعالى رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله. أخرجه العسكري قال الحكيم: أما الذي يذكرك بالله رؤيته فهم الذين عليهم من الله سمات ظاهرة قد علاهم بها نور الجلال وهيبة الكبرياء وأنس الوقار فإذا نظر الناظر إليه ذكر الله لما يرى من آثار الملكوت عليه فهذه صفة الأولياء فالقلب معدن هذه الأشياء ومستقر النور وشرب الوجه من ماء القلب فإذا كان على القلب نور سلطان الوعد والوعيد تأدى إلى الوجه ذلك النور فإذا وقع بصرك عليه ذكرك البر والتقوى ووقع عليك [ص: 468] منه مهابة الصلاح والعلم وذكرك الصدق والحق فوقع عليك مهابة الاستقامة وإذا كان نور سلطان الله على وجه تأدى ذكرك عظمة جلاله وجماله وإذا كان على القلب نوره وهو نور الأنوار نهتك رؤيته عن النقائص فشأن القلب أن يسقي عروق الوجه وبشرته من ماء الحياة الذي يرطب به ويتأدى إلى الوجه منه ما فيه لا غير ذلك فكل نور من هذه الأنوار كان في قلب فشرب وجهه منه فإذا سر القلب برضى الله عن العبد وبما يشرق به صدره عن وجهه نضرة وسرورا وأما رؤية العالم فتزيد في منطقه لأنه عن الله ينطق فالناطق صنفان صنف ينطق بالعلم عن الصحف حفظا وعن أفواه الرجال تلفقا والآخر ينطق عن الله تلقيا فالذي ينطق عن الصحف والأفواه إنما يلج آذانهم عريان بلا كسوة لأنه لم يخرج من قلب نوراني بل من قلب دنس وصدر مظلم مغشوش إيمانه يحب الرئاسة والعز والشح على الحطام ونفسه قد استولت على قلب ينازع الله في ردائه والذي ينطق عن الله إنما يلج آذان السامعين بالكسوة التي تخرق كل حجاب وهو نور الله خرج من قلب مشحون بالنور وصدره مشرق به فيخرق قلوب المخلطين من رين الذنوب وظلمة الشهوات وحب الدنيا لخلعه إلى نور التوحيد فأثاره كجمرة وصلتها النفخة والتهبت نارا فأضاء البيت وأما قوله يزيدكم في العلم منطقه فإنه إذا نطق نطق بآلاء الله وصنعه فهذا أصل العلم والعلم الذي في أيدي العامة فرع هذا وآلاء الله ما أبدى من وحدانيته وفردانيته كالجلال والعظمة والهيبة والكبرياء والبهاء والسلطان والعز والوقار على قلوب الأولياء وأما قوله يرغبكم في الآخرة عمله فلأن على عمله نورا وعلى أركانه خشوعا وعلى تصرفه فيها صدق العبودية مع بهاء ووقار وطلاوة وحلاوة فإذا رآه الرائي تقاصر إليه عمله ونفسه وأما علماء الدنيا فليس لأعمالهم ذلك النور والبهاء لأنهم على الرغبة والرهبة لأنه رغب في الجنة والوعد والوعيد نصب عينه فيستعين بذلك على نفسه حتى يقمعها وأما أهل اليقين فإذا عرض لهم نارت قلوبهم من الشوق إليه والحب له فعاملوه على بشر وطيب نفس فإذا عرض لهم دينة عرقت جباههم حياء منه فشتان ما بين عبدين أحدهما بعمل لمولاه ولولا خوفه من وعيده وحرمان وعده ما عمل وآخر يعمل لمولاه تذللا وتخشعا ومحبة له وإلقاء نفسه بين يديه وشغفا به لا يستويان (الحكيم) الترمذي (عن ابن عمرو) بن العاص قال: قيل: يا رسول الله من نجالس؟ فذكره ورواه العسكري من حديث ابن عباس الحديث: 3995 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 3996 - (خياركم كل مفتن تواب) بمثناة فوقية مشددة أي ممتحنا يمتحنه الله تعالى بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب. قال بعض العارفين: أخبر أن خيار أمته لن يعروا من الزلل وأن علمهم بالله تعالى لا يدعهم حتى يرجعوا إليه بالتوبة والإنابة وقال بعضهم: رب ذنب يكون للمؤمن أنفع من كثير من الطاعات من وجله وإنابته ومن ذلك يكون توابا وهو الملازم للتوبة فيصير من الخيار المحبوبين {إن الله يحب التوابين} وقال في المفهم: معناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحوج للاستغفار وقال الغزالي: الشر معجون بطينة الآدمي قلما ينفك عنه وإنما غاية سعيه أن يغلب خيره شره قال الحرالي: وما توسوس به النفوس وتوحي به الشياطين للمذنبين أنه لا ينبغي أن يتوب حتى يعلم أنه لا يعود في الذنب فذلك من مكايد الشيطان وهوى النفس بل ينبغي أن يبادر بالتوبة ولو عاد ما عاد وذلك الذي يحبه الله من ولد آدم ليكسر الذنب عجبهم وتمحو التوبة ذنبهم (هب) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف اه وذلك لأن فيه ضعيفا ومجهولا هو النعمان بن سعد قال الذهبي في الضعفاء: مجهول الحديث: 3996 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 3997 - (خير الإدام اللحم وهو سيد الإدام) أخرج البيهقي في الشعب عن علي: اللحم من اللحم فمن لم يأكل اللحم أربعين [ص: 469] يوما ساء خلقه والإدام ما يؤدم به أي يصلح مائعا كان أو جامدا وجمعه أدم مثل كتاب وكتب ويسكن للتخفيف فيعامل معاملة المفرد (هب عن أنس) وفيه هشام بن سلمان ضعفه جمع عن يزيد الرقاشي وسبق أنه متروك الحديث: 3997 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 3998 - (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه) الصاحب يقع على الأدنى والأعلى والمساوي في صحبة دين أو دنيا سفرا أو حضرا فخيرهم عند الله منزلة وثوابا فيما اصطحبا أكثرهما نفعا لصاحبه وإن كان الآخر قد يفضله في خصائص أخر (وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) فكل من كان أكثر خيرا لصاحبه أو جاره فهو الأفضل عند الله تعالى وفي إفهامه أن شرهم عند الله شرهم لصاحبه أو جاره وبه صرح في عدة أخبار قال الحرالي: ويبنى على ذلك أنه ينبغي أن يخدم من يصحبه ومن شيخ عليه تلمذة له فإن كان ذلك بحق لم يخطىء وإن كان بهرجا تزيف في أيسر مدة فإن المزخرف من القول والفعل في أيسر زمان يتبهرج (حم ت) في البر (ك) في الحج (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 3998 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 3999 - (خير الأصحاب صاحب إذا ذكرت الله أعانك) على ذكره يعني ذكره معك فحرك همتك (وإذا نسيت) أن تذكره (ذكرك) بالتشديد أي ذكرك بأن تذكر الله وذلك بأن يقول لك بلسانه اذكر الله أو يذكره بحضرتك (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 3999 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 4000 - (خير الأضحية الكبش الأقرن) ما له قرنان حسنان أو معتدلان وتمسك بهذا مالك في ذهابه إلى أن التضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر وخالفه الشافعي وأبو حنيفة كالجمهور وتأولوه على تفضيل الكبش على مساويه من الإبل والبقر فإن البدنة أو البقرة تجزئ عن سبعة فالمراد تفضيل الكبش على سبع واحدة منهما أو تفضيل سبع من الغنم على بدنة أو بقرة ذكره أبو زرعة (وخير الكفن الحلة) واحدة الحلل برود اليمن فإن قلت: ذا يشعر بأن البياض غير مقصود إذ برود اليمن غير بيض مع أنه نص على أن أفضله البياض قلت: الظاهر أن هذا إشارة إلى أن تعدد الكفن مطلوب فإن الحلة لا تكون إلا من ثوبين فإنه قال خير الكفن كونه من ثوبين فصاعدا ثم رأيت ابن العربي قال: خير الكفن الحلة يعني بالحلة ثوبين كما ورد في الصحيح في المحرم الذي وقصته ناقته كفنوه في ثوبين وهو أقله وأكثره ثلاثة اه. وقوله وهو أقله أي أدنى الكمال وإلا ففيه إشكال (ت هـ عن أبي أمامة) الباهلي (د هـ ك) في الأضحية (عن عبادة بن الصامت) قال الترمذي: غريب وفيه عفير يضعف في الحديث وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: فيه أبو حاتم بن أبي نصر مجهول الحديث: 4000 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 4001 - (خير الأعمال الصلاة في أول وقتها) أي لأول وقتها وهنا توجيهات سبقت فتذكر (ك) من حديث يعقوب بن الوليد الأزدي المدني عن عبيد الله عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وتعقبه الذهبي فقال: قلت يعقوب كذاب اه ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عمر من هذا الوجه فقال الغرياني في مختصره: فيه يعقوب بن الوليد قال أحمد: كان [ص: 470] من الكذابين الكبار يضع الحديث ولابن حبان نحوه الحديث: 4001 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 4002 - (خير البقاع المساجد) لأنها محل فيوض الرحمة وإدرار النعمة (وشر البقاع الأسواق) قرن المساجد بالأسواق مع أن غيرها قد يكون شرا منها ليبين أن الديني يدفعه الأمر الدنيوي فكأنه قيل خير البقاع مخلصة لذكر الله مسلمة من الشوائب الدنيوية فالجواب من أسلوب الحكيم فإنه سئل أي البقاع خير فأجاب به وبضده وسبق أن هذا من وصف المحل بما يقع فيه <تنبيه> هذا الحديث فيه قصة عند الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعا ولفظه قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: أي البقاع خير لك قال: لا أدري قال: فسل ربك عز وجل فبكى جبريل وقال: أولنا أن نشاء إلا إذا شاء ثم عرج إلى السماء ثم أتى فقال: خير البقاع بيوت الله قال: فأي البقاع أشر فعرج إلى السماء ثم أتاه فقال: شر البقاع الأسواق تفرد به عبيد بن واقد في إحدى الطريقين عن عمارة وعبيد ضعيف وفي رجال الطريق الأخرى زياد النميري وهو ضعيف لكن للحديث شواهد يتقوى بها كما أفاده الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر (طب ك عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه الطبراني عن جبير بن مطعم قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير فذكره قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط آخرا وبقية رجاله موثقون وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حسن وأخرجه أيضا ابن حبان ووقع عنده في أوله السؤال والجواب بلا أدري وكذا عند الحاكم وأصل الحديث عند مسلم من رواية أبي هريرة بغير قصة بلفظ أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها كما تقدم الحديث: 4002 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 4003 - (خير التابعين أويس) بن عامر أو عمرو القرني لا ينافيه قول أحمد بن حنبل أفضل التابعين ابن المسيب ولا قول غيره أفضلهم علقمة الأسود ولا قول آخرين أفضلهم أبو عثمان النهدي لأن مرادهم كما قال النووي في التهذيب أفضلهم في علوم ظاهر الشرع وأما أويس فأرفعهم درجة وأعظهم ثوابا عند الله تعالى وقد سبق عن مالك أنه أنكر وجوده قال في الإصابة: إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا يسع أحدا أن يشك فيه اه قال ابن الجوزي: وقصة اجتماعه بعمر باطلة قال المصنف: وعندي في وضعها وقفة (ك) في الفضائل (عن علي) أمير المؤمنين وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره لمسلم بأزيد فائدة من هذا ولفظه خير التابعين رجل من قرن يقال له أويس القرني وله والدة وكان بيده بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم من سرته اه. وفي مسلم أيضا أن خير التابعين رجل يقال له أويس وكان له والدة وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم الحديث: 4003 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 4004 - (خير الخيل الأدهم) أي الأسود والدهمة السواد ويقلل فرس أدهم إذا اشتدت زرقته حتى ذهب البياض منه فإن زاد حتى اشتد السواد فهو جون (الأقرح) بقاف وحاء مهملة ما في وجهه قرحة بالضم وهي ما دون الغرة وأما القارح فهي الذي في السنة الخامسة (الأرثم) براء وثاء مثلثة من الرثم بفتح فسكون بياض في جحفلة الفرس العليا أي شفته وفي النهاية هو الذي أنفه أبيض وشفته العليا (المحجل ثلاث) الذي في ثلاث من قوائمه بياض (مطلق اليمين) أي مطلقا ليس فيها تحجيل بل خالية من البياض مع وجوده في بقية القوائم (فإن لم يكن أدهم فكميت) بضم الكاف أي لونه بين سواد وحمرة قال سيبويه: سألت الخليل عنه فقال الأصفر فإنه بين سواد وحمرة كأنه لم يخلص واحد منهما فأرادوا بالتصغير أنه منهما قريب والفرق بينه وبين الأشقر بالعرف والذنب فإن كان أحمر فأشقر أو أسود [ص: 471] (على هذه الشية) بكسر الشين وفتح التحتية أي على هذا اللون والصفة يكون إعداد الخيل للجهاد وغيره من سبل الخير ولا ينافي تفضيله الدهمة هنا تفضيله الشقرة في الحديث الآتي لاختلاف جهة التفضيل لأنه فضل الدهم لكونها خيرا وفضل الشقر لكونها أيمن فيجوز أن يكون الخير في هذه واليمن في هذه أو لأن أحد الحديثين خرج على سبب فلا يدل على التفضيل المطلق أو لأنه إنما فضل دهمة صحبها وصف الأقرح الأرثم فيكون خبرا لجملة الثلاثة أوصاف ويكون اليمن مع وجود الشقرة الوصفين الآخرين زاد يمينه وحاز قصب السبق في الفضل (حم ت) في الجهاد (هـ ك عن أبي قتادة) قال الترمذي: غريب على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 4004 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 4005 - (خير الدعاء يوم عرفة) الإضافة فيه يجوز كونها بمعنى اللام أي دعاء خص به ذلك اليوم ذكره الطيبي وسماه دعاء مع كونه ثناء لأنه لما شارك الذكر الدعاء في كونه جالبا للثواب ووصلة لحصول المطلوب صار كأنه منه (وخير ما قلت) قال الطيبي: أي ما دعوت فهو بيان له (أنا والنبيون من قبلي) الظاهر أنه أراد بهم ما يشمل المرسلين (لا إله) أي لا معبود في الوجود بحق (إلا الله) الواجب الوجود لذاته (وحده) تأكيد لتوحيد الذات والصفات فهو رد على الكرامية والجهمية القائلين بحدوث الصفات ذكره البيهقي (لا شريك له) تأكيد لتوحيد الأفعال ففيه رد على المعتزلة (له الملك) قال السهيلي: هذا أخذ في إثبات ما له بعد نفي ما لا يجوز عليه (وله الحمد) قدم الملك عليه لأنه ملك فحمد في مملكته ثم ختم بقوله (وهو على كل شيء قدير) ليتم معنى الحمد إذ لا يحمد المنعم حقيقة حتى يعلم أنه لو شاء لم ينعم وإن كان قادرا على المنع وكان جائزا أن يمنع وأن يجود فلما كان جائزا له الوجهان جميعا ثم فعل الإنعام واستحق الحمد على الكمال لا كما تقول المعتزلة يجب عليه إصلاح الخليفة <تنبيه> قال الشلوبين في حديث أفضل ما قلت إلخ هذا مما فيه الخبر نفس المبتدأ في المعنى فلم تحتج الجملة إلى ضمير وقال ابن مالك في شرح التسهيل من الإخبار عن مفرد بجملة اتحدت به معنى قوله عليه السلام أفضل ما قلت إلخ (ت) في الدعوات (عن ابن عمرو) بن العاص وقال: غريب وفيه حماد بن حميد ليس بالقوي عندهم انتهى فعزو المصنف الحديث له وحذفه من كلامه ما عقبه به من بيان علنه غير جيد قال ابن العربي: ليس في دعاء عرفة حديث يعول عليه إلا هذا وما ذكروا من المغفرة فيه والفضل لأهله أحاديث لا تساوي سماعها الحديث: 4005 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 4006 - (خير الدعاء الاستغفار) المصحوب بالتوبة لأنه إذا استغفر بلسانه وهو مصر بقلبه فاستغفاره ذلك ذنب يوجب الاستغفار وتسمى توبة الكذابين. قيل لبعض الكاملين: أيما أفضل التسبيح أو التكبير أو الاستغفار فقال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون منه إلى البخور (ك في تاريخه عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 4006 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 4007 - (خير الدواء القرآن) أي خير الرقية ما كان بشيء من القرآن {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} فهو دواء للقلوب والأبدان والأرواح وإذا كان لبعض الكلام خواص ومنافع فما بالك بكلام رب العالمين الذي فضله كفضل الله على خلقه وفيه آيات مخصوصة يعرفها الخواص لإزالة الأمراض والأعراض وقد ألف القوم في ذلك تآليف وممن اعتنى بإفراد ذلك الغزالي والبوني وغيرهما (هـ عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الديلمي أيضا وضعفه الدميري الحديث: 4007 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 4008 - (خير الدواء الحجامة والفصادة) أي لمن لاق به ذلك وناسب حاله مرضا وسنا وقطرا وزمنا وغير ذلك (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 4008 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 [ص: 472] 4009 - (خير الذكر الخفي (1)) وفي رواية المخفي أي ما أخفاه الذاكر وستره عن الناس بحيث لا يطلع عليه إلا الله فمن أخفى ذكره عن الأغيار والرسوم أخفى الله ثوابه عن المعارف والفهوم فالذاكرون الله أقسام منهم من يذكره بقلبه فهؤلاء غاروا على أذكاره فغار على أوصافهم فهم خباياه في غيبه وأسراره في خلقه وآخر ذكر ربه في أزله حيث لا فهوم ولا رسوم ولا علم ولا معلوم وأخذ الحنفية من الخبر ندب الإسرار بتكبير العيد وما ذكر في معنى الذكر هو ما ذكروا لكن قال الحربي: عندي أنه الشهرة وانتشار خبر الرجل لأن سعد بن أبي وقاص نهى ابنه عما أراده عليه ودعاه إليه من الظهور وطلب الخلافة بهذا الحديث (وخير الرزق ما يكفي) أي ما يقنع به ويرضى على الوجه المطلوب شرعا وإلا فلا يملأ عين ابن آدم إلا التراب وأخرج الخطيب عن المحاسبي في تفسير خير الرزق ما يكفي أنه قوت يوم بيوم ولا يهتم لرزق غد وتأمل جمعه هنا بين رزق القلب واليدين ورزق الدنيا والآخرة وإخباره بأن خير الرزق ما لم يتجاوز الحد فيكفي من الذكر إخفاوه فإن زاد على الإخفاء خيف على صاحبه الرياء والتكبر به على الغافلين وكذا رزق البدن إذا زاد على الكفاية خيف عليه الطغيان والتكاثر وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال (حم هب حب) من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبينة (عن سعيد) بن مالك أو ابن أبي وقاص قال العلائي والهيثمي: ابن عبد الرحمن وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح   (1) فهو أفضل من الجهر وفي أحاديث أخر يفيد أن الجهر أفضل وجمع بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء وتأذى به نحو مصل والجهر أفضل حيث أمن ذلك وهذا الحديث له تتمة وهي وخير العبادة أخفاها الحديث: 4009 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 4010 - (خير الرجال رجال الأنصار) لنصرتهم للدين وجودهم بالأنفس والأموال طاعة لله ورسوله (وخير الطعام الثريد) لسهولة أكله وكثرة منافعه كما مر. (تتمة) قال ابن تيمية: الأنصار والمهاجرون اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سماها بالمسلمين من قبل (فرعن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه للأصل كان أولى الحديث: 4010 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 4011 - (خير الرزق ما كان يوما بيوم كفافا) أي بقدر كفاية العبد فلا يعوزه ما يضره ولا يفضل عنه ما يطغيه ويلهيه لأن ذلك هو الاقتصاد المحمود وحكم الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فرب من يعتاد الأكل كل أسبوع مرة فكفافه تلك المرة ورب من يأكل في يومين مرة أو مرتين وكفافه ذلك لأنه إن ترك ضره وضعف عن العبادة ومنهم من تكثر عياله فكفافه ما يقوم بهم على الوجه اللائق فقدر الكفاف غير معين ولا محدود (عد فر عن أنس) وفيه مبارك بن فضالة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد والنسائي الحديث: 4011 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 4012 - (خير الرزق الكفاف) وهو ما كف عن الناس أي أغنى عنهم وهو ما يكف الإنسان عن الجوع وعن السؤال لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى قال الحرالي: من كان رضاه من الدنيا سد جوعته وستر عورته لم يكن عليه خوف ولا حزن في الدنيا ولا في الآخرة سواء جعله الله فقيرا أو غنيا أو ذا كفاف إذا اطمأن قلبه على الرضى ببلغتها والمراد بالرزق في هذا وما قبله الحلال (حم في الزهد عن زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حية ضد الميتة الثقفي البصري (مرسلا) [ص: 473] قال في الكاشف: ثقة وفي التقريب: ثقة يرسل كثيرا الحديث: 4012 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 4013 - (خير الزاد التقوى) كما نطقت به النصوص القرآنية (وخير ما ألقي في القلب اليقين) وهو العلم الذي يوصل صاحبه إلى حل الضروريات ولا يتمارى في صحتها وثبوتها وإذا وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لم يلهه عن موجبه وترتب عليه أثره فإن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عاقبته قد لا يكفي في تركه فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد فإذا صار عين اليقين كان تخلف موجبه عنه من أندر شيء ذكره ابن الأثير وقال الحكيم: سمي يقينا لاستقراره في القلب وهو النور فإذا استقره دام وإذا دام صارت النفس بصيرة فاطمأنت فتخلص القلب من أشغاله وإذا أقذف النور في القلب زالت الظلمات الراكدة في صدره فانكشف الغطاء فعاين الملكوت بقلبه. قال في الحكم: لو أشرق نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب من أن يرحل إليها ولرأيت محاسن الدنيا قد ظهرت كفة الفناء عليها (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4013 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 4014 - (خير السودان أربعة) من الرجال (لقمان) بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته قيل عاش ألف سنة وأدرك داود وأخذ عنه وكان يفتي قبل داود فلما بعث قطع فقيل له فقال: ألا أكتفي إذا كفيت والأكثر على أنه حكيم لا نبي (وبلال) المؤذن الذي عذب في الله ما لم يعذبه أحد وهو يقول أحد أحد (والنجاشي) ملك الحبشة (ومهجع) مولى عمر يقال إنه من أهل اليمن أصابه سبي فمن عليه عمر وهو من المهاجرين الأولين وهو أول من استشهد يوم بدر ذكره أبو سعد وغيره (ابن عساكر) في تاريخه (عن الأوزاعي معضلا) هو عبد الرحمن الحديث: 4014 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 4015 - (خير السودان ثلاثة لقمان وبلال ومهجع) زاد الحاكم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعرف هذا أي وإنما المعروف مولى عمر كما تقرر وفي المحلى أنه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة إلا بسواد بلال يتفرق سواده شامة في خدودهن ولقمان قيل إنه عبد حبشي وقد اختلف في نبوته والمشهور أنه حكيم لا نبي (ك) عن إسماعيل بن محمد بن الفضل عن جده عن الحكم عن الهقل بن زياد (عن الأوزاعي بن عمار) الهمداني (عن واثلة) عن أبي بن الأسقع يرفعه قال الحاكم: صحيح الحديث: 4015 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 4016 - (خير الشراب في الدنيا والآخرة الماء) الذي به حياة كل شيء من حيوان ونبات ومن خواصه أنه لا يحصل الري بغيره مطلقا وهو أحد العناصر الأربعة التي هي أركان العالم (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي الحديث: 4016 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 4017 - (خير الشهادة ما شهد بها صاحبها قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلبها منه الحاكم وهذا محمول على شهادة الحسبة كما مر ويجيء وأما حمل الزركشي كالطحاوي له على الشهادة على المغيب من أحوال الناس يشهد على قوم أنهم من أهل الجنة بغير دليل كما يصنع أهل الأهواء فرده الدماميني بأن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد والشهادة على المغيب مذمومة مطلقا هبها باستشهاد أو دونه (طب عن زيد بن خالد) الجهني ورواه أيضا باللفظ المزبور أحمد وكأن المصنف أغفله سهوا وإلا فهو بالعزو إليه أحق من الطبراني الحديث: 4017 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 [ص: 474] 4018 - (خير الشهود من أدى شهادته) عند الحاكم (قبل أن يسألها) قد سمعت أنه حمل على ما فيه حق مؤكد لله وحمل أيضا على ما إذا لم يعلم من صاحب الحق أن له شاهدا فيعلمه بشهادته فيصل إلى حقه والفضل للمتقدم (هـ عن زيد بن خالد) الجهني الحديث: 4018 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 4019 - (خير الصحابة أربعة) لأن أحدهم لو مرض أمكنه جعل واحد وصيا والآخرين شهيدين والثلاثة لا يبقى منهم غير واحد ولأن الأربعة أبعد أوائل الأعداد من الآفة وأقربها إلى التمام ألا ترى أن الشيء الذي يحمله الدعائم أربعة وذا القوائم الأربع إذا زال أحدها قام على ثلاثة ولم يكد يثبت وما له ثلاث قوائم إذا زال أحدها سقط وإنما كانت الأربعة أبعد من الآفة لأنهم لو كانوا ثلاثة ربما تناجى اثنان دون واحد وهو منهي عنه والأربعة إذا تناجى اثنان يبقى اثنان وقيل تخصيص الأربعة لموافقة الحكمة في بناء الأمور على أربعة والأربعين فإن قواعد البناء أربعة وبناء الكعبة على أربعة والأشهر الحرم أربعة وخلفاء النبوة أربعة وميقات موسى أربعون والأبدال أربعون (وخير السرايا أربع مئة) لأنها الدرجة الثالثة من درجات الأعداد ودرجة المئين وهي في القوة فوق العشرات كما أن العشرة فوق الفذ فدرجة السرية أرفع من درجة الطليعة التي هي أربعون وقد زادها في رواية العسكري بين الأربعة والأربع مئة والسرية القطعة من الجيش سميت به لأنها تسري بالليل فعيلة بمعنى فاعلة (وخير الجيوش أربعة آلاف) لأنه أحوج إلى القوة من السرية والجيش هو الرابع من الرفقة والألف في الدرجة الرابعة من الأعداد فأقوى الأعداد وأرفعها درجة أربعة آلاف يرشد إليه ما قيل في تفسير {وجعلت له مالا ممدودا} قيل أربعة آلاف والشيء الممدود أقوى مما لا مدد له فيمكن كون معنى خير السرايا أربع مئة وخير الجيوش أربعة آلاف لقوتهما في أنفسهما وما زاد على هذا العدد فهو فضل لأنه فوق التمام (ولا تهزم) في رواية لن تؤتى (اثنا عشر ألفا من قلة) لأن ذلك في حد الكثرة من أقوى الأعداد فلن تؤتى من قلة كعدد حنين كانوا كذلك فلم تغن عنهم كثرتهم لإعجابهم بها فإنه فتح مكة في عشرة آلاف وتوجه لحنين بزيادة ألفين فأتوا من جهة الإعجاب قال الحرالي: جعل الله الأربع أصلا لمخلوقاته {ومن كل شيء خلقنا زوجين} فجعل الأوقات من أربع {وقدر فيها أقواتها في أربعة} وجعل الأركان الذي خلق منها صور المخلوقات أربعا وجعل الأقطار أربعا وجعل الأعمار أربعا والمربعات في أصول الخلق كثيرة تتبعها العلماء واطلع عليها الحكماء (د ت ك عن ابن عباس) قال الترمذي: حسن غريب ولم يصححه لأنه يروى مسندا ومرسلا ومعضلا قال ابن القطان: لكن هذا ليس بعلة فالأقرب صحته الحديث: 4019 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 4020 - (خير الصداق أيسره) أي أقله لدلالته على يمن المرأة وبركتها ولهذا كان عمر ينهى عن المغالاة في المهر ويقول: ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من ثنتي عشرة أوقية فلو كانت مكرمة لكان أحقكم بها اه ومراده أن ذا هو الأكثر (ك هق) في الصداق (عن عقبة بن عامر) الجهني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة قال: نعم وقال للمرأة: أترضين قالت: نعم فزوج ولم يفرض صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد خيبر فأوصى لها بسهمه عند الموت فباعته بمئة ألف فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 4020 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 4021 - (خير الصدقة) أي أفضلها (ما كان عن ظهر غنى) وفي رواية للبخاري (على ظهر غنى) أي ما وقع من غير محتاج إلى [ص: 475] ما يتصدق به لنفسه وممونه ولفظ الظهر مقحم تمكينا للكلام فهو كقولهم هو راكب متن السلامة ونحوه من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن عن الشيء والاستعلاء عليه أو ما ثبت عندها غنى لصاحبها يستظهر به على مصالحه لأن من لم يكن كذلك يندم غالبا ونكر غنى للتفخيم ولا ينافيه خبر أفضل الصدقة جهد المقل لأن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل. قال النووي: مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون هو بصير على الإضاقة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه (وابدأ) قالوا بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزم نفقته والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه من ماله بعد استيفاء قدر كفاية عياله وزاد في رواية البيهقي عن أبي هريرة قال: ومن أعول قال: امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني خادمك يقول أطعمني وإلا فبعني ولدك يقول إلى من تكلني (خ) في الزكاة (د ن) في الزكاة (عن أبي هريرة) ولم يخرج له مسلم إلا قوله ابدأ بمن تعول الحديث: 4021 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 4022 - (خير الصدقة ما أبقت غنى) أي ما بقيت لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء كقوله تعالى {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} أو ما أجزلت فأغنيت به المعطي عن المسألة كقول عمر إذا أعطيتم فأغنوا وأنث الضمير الراجع إلى الموصول في قوله ما أبقت ذهابا إلى معناه لأنه في معنى الصدقة ذكره الزمخشري واقتصر بعضهم على الثاني فقال: معنى ما أبقت غنى ما حصل به للسائل غنى عن سؤال كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاه لمئة لم يظهر عليهم الغنى بخلاف إعطائه لواحد (واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول) أراد بالعلو علو الفضائل وكثرة الثواب قال عياض: والعليا الآخذة والسفلى المانعة وقال الكرماني: العليا الآخذة والسفلى المنفقة لأن عادة الكرماء بسط الكف ليأخذه الفقير منها فيد الأخذ أعلى والمعطي يفيد الفقير وهي فانية والفقير يفيده الآخرة وهي خير وأبقى ورد بأن نص حديث البخاري أن العليا هي المنفقة والسفلى هي السائل فهذا نص يرفع تعسف من تأوله لأجل حديث إن الصدقة تقع بكف الرحمن ولاقتضائه أن العليا يد السائلة وهذا جهل فإن المعطي هي يد الله بالعطاء ولهذا قال ابن حجر: الأحاديث متظافرة على أن اليد العليا المعطية والسفلى السائلة قال: وهو المعتمد وقول الجمهور وفيه وما قبله حث على الإنفاق في وجوه الطاعة وتفضيل الغني مع القيام بحقوقه على الفقر لأن الإعطاء إنما يكون مع الغنى وكراهة السؤال والتنفير عنه حيث لا ضرورة (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه الحسن بن أبي جعفر الحفري وفيه كلام اه لكن ورد بمعناه في البخاري ولفظه اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى الحديث: 4022 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 4023 - (خير الصدقة المنيحة) بالكسر في الأصل هي أن يعطيه نحو شاة لينتفع بها بنحو لبنها أو صوفها ويرده (تغدو بأجر وتروح بأجر) أي يأخذها مصاحبة لحصول الثواب للمعطي ويردها عليه مصاحبة للثواب أيضا (حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عبيد الله بن صبيحة ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه كلاما وبقية رجاله ثقات الحديث: 4023 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 4024 - (خير العيادة أخفها) لأن المريض قد تبدو له الحاجة فيستحي من جلسائه وهذا بناء على أن العيادة بمثناة تحتية وروي بباء موحدة وعليه فإنما طلب تخفيفها لئلا يغلب الملل فيوقع في الخلل قال الغزالي: خير الأمور أدومها وإن قل ومثال القليل الدائم كقطرات من الماء تتقاطر على الأرض على التوالي فهي تحدث فيها خضرا لا محالة ولو وقعت [ص: 476] على حجر والكثير المتفرق كماء صب دفعة واحدة لا يتبين له أثر وروى الحكيم عن نافع قال: مطرنا ليلة مطرا شديدا في ليلة مظلمة فقال ابن عمر: انظر هل في الطواف أحد فوجدت ابن الزبير يطوف ويصلي فلما سجد طف السيل على رأسه فأخبرت ابن عمر فقال: هذه عبادة مقتول (القضاعي) في مسند الشهاب (عن عثمان) بن عفان قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني: يروى بالموحدة وبالمثناة التحتية واقتصاره على عزو ذلك لابن حجر يؤذن بأنه لم يره لغيره من المتقدمين مع أنه مسطور في كتاب مشهور وهو الفردوس فقال فيه بعد ما قدم رواية العبادة بالباء الموحدة ما نصه: وفي رواية خير العبادة أخفها أي قياما من عند المريض الحديث: 4024 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 4025 - (خير العمل أن تفارق الدنيا) يعني تموت (ولسانك) أي والحال أن لسانك (رطب من ذكر الله) هذا مسوق للحث على لزوم الذكر ولو باللسان مع عزوب القلب وأنه خير من السكوت ولذلك قال تلميذ لابي عثمان البناني في بعض الأحيان يجري بالذكر لساني وقلبي غافل فقال: اشكر الله أن أستعمل جارحة منك في خير وعودك الذكر ومن عجز عن الإخلاص بالقلب فترك تعويد اللسان بالذكر فقد أسعف الشيطان فتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاكلة والموافقة ولهذا قال التاج ابن عطاء الله: لا تترك الذكر مع عدم الحضور فعسى أن ينقلك منه إلى ذكر مع الحضور ومنه إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (حل عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة الحديث: 4025 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 4026 - (خير الغذاء) بالمد ككتاب ما يتغذى به (بواكره) جمع باكورة وهو أول الفاكهة ونحوها ويحتمل أن المراد ما يؤكل في البكرة وهي أول النهار (وأطيبه أوله) تتمته عند مخرجه وأنفعه كذا في الفردوس (فر) من جهة عتبان ابن مالك عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي زكريا اليمامي (عن أنس) وعتبان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم غير قوي وعنبسة متروك متهم ورواه أبو نعيم أيضا وعنه أورده الديلمي مصرحا بعزوه إلى الأصل فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى الحديث: 4026 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 4027 - (خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح) في عمله بأن عمل عمل إتقان وإحسان متجنبا للغش وافيا بحق الصنعة غير ملتفت إلى مقدار الأجر وبذلك يحصل الخير والبركة وبنقيضه الشر والوبال وفيه أن عمل اليد بالاحتراف أفضل من التجارة والزراعة وقد مر أنه الذي عليه النووي (حم) وكذا الديلمي والبيهقي وابن خزيمة وجمع كلهم (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: إسناده حسن وقال تلميذه الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 4027 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 4028 - (خير الكلام أربع لا يضرك) في حيازة فضلهن وثوابهن (بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإنهن الباقيات الصالحات (ابن النجار) في تاريخ بغداد (فر) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الديلمي: وفي الباب أبو ذر وسمرة بن جندب الحديث: 4028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 4029 - (خير المجالس أوسعها) بالنسبة لأهلها ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والبلدان لأنه أروح للجالس وأمكن في تصرفه من قيامه وقعوده والسير في أداء ما يستحق من التوسعة والإكرام (حم خد د ك [ص: 477] هب) من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة (عن أبي سعيد) الخدري قال عبد الرحمن: أوذن أبو سعيد في قومه فلم يأت حتى أخذ الناس مجالسهم فلما جاء قام له رجل من مجلسه فجلس أبو سعيد ناحية ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه سهل بن عمار العتكي النيسابوري قال الذهبي في الضعفاء: كذبه الحاكم أي في تاريخه وقال في اللسان: صحح له الحاكم في المستدرك وتعقبه في تلخيصه بالتناقض لكن غزى النووي في رياضه الحديث لأبي داود باللفظ المزبور عن أبي سعيد المذكور وقال: إسناده صحيح على شرط البخاري (البزار) في مسنده (ك هب) كلاهما (عن أنس) بن مالك وفيه مصعب بن ثابت أورده في الضعفاء وقال: ضعفوا حديثه قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات الحديث: 4029 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 4030 - (خير الماء الشبم) بشين معجمة فموحدة مكسورة البارد أو بسين مهملة فنون مكسورة العالي على وجه الأرض أو الجاري المرتفع ذكره الزمخشري وقال ابن قتيبة مخرج الحديث: روي بشين معجمة وموحدة وأنا أحسبه بسين مهملة ونون قال: وهذا أولى بكلام جرير الآتي فإنه شبيه بما ذكره عن مائهم ولم يذكر أن ماءهم بارد (وخير المال الغنم) لأن فيها البركة (وخير المراعي الأراك) السواك المعروف (والسلم) هو شجر واحدته سلمة وظاهر صنيع المصنف أن ذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه والسلم إذا أخلف كان لحينا وإذا سقط كان درينا وإذا أكل كان لبينا اه بنصه قال الديلمي: قوله إذا أخلف يريد أخلف المرعى إذا قدم وقوله لبينا أي مدرا للبن اه (ابن قتيبة في) كتاب (غريب الحديث) وكذا العسكري (عن ابن عباس) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جرير إني أحذر الدنيا وحلاوتها رضاعها ومرارة خطابها يا جرير أين تنزلون قال: في أكناف دبيشة بين سلم وأراك وسهل ودكداك (1) شتاؤنا ربيع وماؤنا يميع لا يقاوم مائحها (2) ولا يعزب شارفها ولا يحبس صائحها فقال له نبي الله: أما إن خير المال إلخ وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة المذكور باللفظ المزبور   (1) الدكداك ما تلبد من الرمل بالأرض ولم يرتفع كثيرا (2) المائح الذي ينزل في الركية إذا قل ماؤها فيملأ الدلو بيده الحديث: 4030 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 4031 - (خير المسلمين من سلم المسلمون) ذكرهم خرج مخرج الغالب لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تاكيدا ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا وإن كان فيهم من يجب الكف عنه وجمع المذكر للتغليب فإن المسلمات يدخلن فيه (من لسانه ويده) خص اللسان لأنه المعبر عما في النفس واليد لأن أكثر الأفعال بها والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأنه يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وإن أثرها في ذلك لعظيم وعبر باللسان دون القول ليشمل ما لو أخرج لسانه استهزاء وذكر اليد دون غيرها من الجوارح لتدخل المعنوية كالاستيلاء على حق الغير عدوانا وفيه من أنواع البديع جناس الاشتقاق وعموم هذا الحديث ونحوه منزل على إرادة شرط وهو إلا بحق وفي حديث البخاري المار أفضل المسلمين قال الكرماني: وهما من باب التفضيل لأن الفضل بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلة والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر لكن الأول في الكمية والثاني في الكيفية (م) في باب الإيمان (عن ابن عمرو) بن العاص قال: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير فذكره الحديث: 4031 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 [ص: 478] 4032 - (خير الناس أقرؤهم) للقرآن لأن القرآن كلام الله وصفة من صفات ذاته فالأخص بكلام الله بعد مشاهدات السر ومقامات القلوب في خير الناس (وأفقهم في دين الله) لأن الفقه في الدين صناعة المصطفى صلى الله عليه وسلم الموروثة عنه والعلماء ورثة الأنبياء قال في بحر الفوائد: وهم الفقهاء والعلماء بالإطلاق هم الفقهاء والعلماء بسائر العلوم علماء على التقييد إلى علمهم والوارث يرث المال لا الجاه فمقام القارىء مقام الوصي عن الميت ومقام الفقيه مقام الوارث والوصي يقوم مقام الميت نفسه دون الوارث والوصي يقدم على الوارث فلذا قدم القارئ (واتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر) لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما قيام نظام النواميس الدينية فينبغي لمن يقوم بهذه الوظيفة أن ينظر نظرا خالصا ويتأمل في العواقب وما يترتب على الأمر والنهي فقد تكون المفسدة المترتبة عليهما أشد من المفسدة المرتبة على تركهما كمن يتعاطى المنكر بجواره ويخيفه ولا يكثر فعله خوفا أن يبلغه فإذا نهاه فقد أزعجه من جواره فكأنه يقول له افعل ما شئت بعد أن لا أراك فينتقل إلى محل بين فساق يأمن فيه فيتجاهر حكي عن العياض أنه زاره بعض الأعاظم فسمع بجواره صوت عود فأعظم ذلك وذكره له ظانا أنه يجهله فقال: هذا جاري منذ سنين وأعرف منه وأعظم منه ولم أنكر عليه قط فإنه يترك كثيرا من المعاصي خوفا أن تبلغني ولو أعلمته تحول فسكن محلا لا يحتشم فيه أحد فيكون إغراء مني له على إكثار المعصية والتجاهر بها (وأوصلهم للرحم) أي القرابة (حم طب هب عن درة) بضم الدال المهملة وشد الراء (بنت) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (أبي لهب) من المهاجرات قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: أي الناس خير فذكره قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وفي بعض كلام لا يضر الحديث: 4032 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 4033 - (خير الناس) أهل (قرني) أي عصري من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم يعني أصحابي أو من رآني ومن كان حيا في عهدي ومدتهم من البعث نحو مئة وعشرين سنة قال الزمخشري: والقرن الأمة من الناس سميت قرنا لتقدمها على التي بعدها (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون وهم من مئة إلى تسعين (ثم الذين يلونهم) أتباع التابعين وهم إلى حدود العشرين ومائتين ثم ظهرت البدع وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم بالقول بخلق القرآن ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن (ثم يجيء أقوام) جمع قوم (تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) أي في حالين لا في حالة واحدة لأنه دور. قال البيضاوي كالكرماني: هم قوم حراص على الشهادة مشغوفون بترويجها يحلفون على ما يشهدون به تارة يحدثون قبل أن يشهدوا وتارة يعكسون واحتج به من رد شهادة من حلف معها والجمهور على خلافه وقضية الحديث أن كلا من القرون الثلاثة أفضل مما بعده لكن هل الأفضلية بالنظر للأفراد أو المجموع؟ خلاف كما يأتي (حم ق ت عن ابن مسعود) ورواه عنه النسائي في الشروط وابن ماجه في الأحكام فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد الترمذي به من بين الأربعة غير جيد بل قال المصنف: يشبه أن الحديث متواتر الحديث: 4033 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 4034 - (خير الناس القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث) إنما كان قرنه خير الناس لأنهم آمنوا به حين كفر الناس وصدقوه حين كذبوه ونصروه حين خذلوه وجاهدوا وآووا. قال الكشاف: كل أهل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم (م عن عائشة) رضي الله عنها الحديث: 4034 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 [ص: 479] 4035 - (خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجيء قوم لا خير فيهم) وفي بعض الروايات والقرن الرابع لا يعبأ الله بهم شيئا قال بعض الشراح: وقضيته أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من أتباعهم وهكذا لكن أفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ قولان ذهب ابن عبد البر إلى الأول والجمهور إلى الثاني. قال ابن حجر: والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمنه بأمره وأنفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان وأما من لم يقع له ذلك فهو محل بحث ومن وقف على سير أهل القرن الأول علم أن شأوهم لا يلحق. قال الحسن البصري: التابعي الكبير المجمع على جلالته وإمامته لقد أدركنا أقواما أي وهم الصحابة أهل القرن الأول كنا في جنبهم لصوصا وقال: أدركنا الناس وهم ينامون مع نسائهم على وسادة واحدة عشرين سنة يبكون حتى تبتل الوسادة من دموعهم لا يشعر عيالهم بذلك وقال: ذهبت المعارف وبقيت المناكير ومن بقي اليوم من المسلمين فهو مغموم وكان كثيرا ما ينشد: ليس من مات فاستراح بميت. . . إنما الميت ميت الأحياء وقال الربيع بن خيثم: لو رآنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب (طب عن ابن مسعود) الحديث: 4035 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 4036 - (خير الناس قرني الذين أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخرون) أي من بعدهم (أراذل) الأرذل من كل شيء الرديء منه ورأيت في نسخ من الفتح ثم الآخرون أردى بدل ما ذكر هو تحريف أم لا والقرن بفتح فسكون الحيل من الناس قيل ثمانون سنة وقيل سبعون. قال الزجاج: الذي عندي أن القرن أهل كل مدة كان فيها نبي أو طبقة من أهل العلم سواء قلت السنون أو كثرت (طب ك) من طريق إدريس عن أبيه يزيد الأودي (عن جعدة) بفتح الجيم وسكون المهملة (ابن هبيرة) المخزومي أو الأشجعي صحابي صغير له رواية على ما ذكره الذهبي وهو ابن أم هانئ. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن الأودي لم يسمعه من جعدة وقال في الإصابة: ذكر ابن أبي حاتم أن أباه حدث بهذا الحديث في ترجمة جعدة المخزومي في الوجدان وقال: إن جعدة تابعي وقال في الفتح: رجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحبته الحديث: 4036 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 4037 - (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال الخواص: كان لأهل القرن الأول كمال الإيمان ولأهل الثاني كمال العلم ولأهل الثالث كمال العمل ثم تغيرت الأحوال والمواسم في أكثر الناس (ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون) أي يحرصون على لذيذ المطاعم وينهمكون في التمتع بلذاتها حتى تسمن أبدانهم (ويحبون السمن) كذا هو في نسخة المصنف بخطه وفي رواية السمانة بفتح السين أي السمن ويتوسعون في المأكل ويترفهون في نعيمها حتى يسمنوا أو المراد الذكر بما ليس فيهم أو ادعاء الشرف أو جمع المال وقال ابن العربي: إنما ذم حب السمن لأن المؤمن حسبه لقيمات يقمن صلبه وموالاة الشبع والرفاهية مكروه فأما محبة السمن فهي مكروهة في النفس محبوبة في الغير كالزوجة والأمة اه (يعطون الشهادة قبل أن يسألوها) (1) بالبناء للمجهول بضبط المصنف أي يشهدون بها قبل طلبها منهم حرصا عليها وفيه ذم لتلك الشهادة ولا ينافيه خبر: خير الشهود لما سبق وأفاد أن المبادر لا تقبل شهادته [ص: 480] أي في غير الحسبة وعليه الشافعي وخالفه جمع وأولوا الخبر. قال ابن حجر: واستدل بهذه الأحاديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل وهذا محمول على الغالب الأكثر فقد وجد بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذمومة لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فإنه كثير (ت ك عن عمران ابن حصين) تصغير حصن   (1) [يشهدون بها قبل طلبها منهم حرصا عليها (وسبب الحرص فيما إذا كان أحدهم يشهد زورا للوصول إلى شيء يتوقعه من حطام الدنيا كما ورد في شرح الحديث 2795. دار الحديث] الحديث: 4037 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 4038 - (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) لأن من شأن المرء الازدياد والترقي من مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب فلا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة الساعي في ازدياد العمل الصالح أن يطلب قطعه عن مطلوبه بتمني الموت (حم ت عن عبد الله بن بسر) الحديث: 4038 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 4048 - (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) لأن من كثر خيره كلما امتد عمره كثر أجره وضوعفت درجاته ففي الحياة زيادة الأجور بزيادة الأعمال ولو لم يكن إلا الاستمرار على الإيمان فأي شيء أعظم منه وليس لك أن تقول قد يسلب الإيمان لأنا نقول إن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوع ذلك طال عمره أم قصر فزيادة عمره زيادة في حسناته ورفع في درجاته كثرت أو قلت كما حرره المحقق أبو وزعة (وشر الناس من طال عمره وساء عمله) سبق أن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر فينبغي الاتجار فيما يربح فيه وكلما كان رأس المال كثيرا كان الربح أكثر فمن مضى لطيبه فاز وأفلح ومن أضاع رأس ماله فقد خسر خسرانا مبينا قال المناوي: وهذان قسمان من أربعة طرفان بينهما واسطة لأنه إما طويل العمر أو قصيره ثم هو حسن العمل أو سيئه فطويل العمر حسن العمل وطويل العمر سيء العمل طرفان شرهما الثاني وقصير العمر سيء العمل واسطتان خيرهما الأول (حم ت) في الزهد (ك) في الجنائز (عن أبي بكرة) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: إسناد أحمد جيد الحديث: 4048 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 4040 - (خير الناس خيرهم قضاء) أي للدين كما سبق. قال بعض العارفين: فإذا كان لأحد عندك دين وقضيته فأحسن القضاء وزده في الكيل والوزن وأرجح تكن بذلك من خيار العباد وهو الكرم الخفي اللاحق بصدقة السر فإن المعطي له لا يشعر بأنه صدقة سر في علانية ويورث ذلك هبة وودا في نفس المقضي له وتخفي نعمتك عليه في ذلك ففي حسن القضاء فوائد جمة (هـ عن عرباض بن سارية) وقضية صنيع المصنف أن ابن ماجه تفرد به عن الستة وإلا لما أفرده بالعزو وهو ذهول فقد رواه الجماعة كلهم إلا البخاري عن أي رافع قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقال: لا آخذ إلا جملا رباعيا قال: أعطه إياه فإن خير الناس أحسنهم قضاء. انتهى بلفظه الحديث: 4040 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 4041 - (خير الناس أحسنهم خلقا) مع الخلق بالبشر والتودد والشفقة والحلم عنهم والصبر عليهم وترك التكبر والاستطالة ومجانبة الغلظة والغضب والحقد والحسد وأصل ذلك غريزي وكماله مكتسب كما سبق (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه من لم يوثق في رجال الكتب الحديث: 4041 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 [ص: 481] 4042 - (خير الناس في الفتن) جمع فتنة أي فساد ذات البين وغيرها (رجل آخذ بعنان فرسه خلف أعداء الله) الكفار (يخيفهم ويخيفونه ورجل معتزل) عن الفتنة (في بادية يؤدي حق الله الذي عليه) أي من الزكاة في ماشيته وزرعه وغير ذلك من الحقوق اللازمة قال النووي: فيه فضل العزلة في أيام الفتن إلا أن يكون له قوة على إزالة الفتن فيلزمه السعي في إزالتها عينا وكفاية <تنبيه> وجد تحت وسادة حجة الإسلام: ما في اختلاط الناس خير ولا. . . ذو الجهل بالأشياء كالعالم يالائمى في تركهم جاهلا. . . عذرى منقوش على خاتمي فوجدوا نقش خاتمه: وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين انتهى. وأنشدوا: أخص الناس بالإيمان عبد. . . خفيف الحاذ مسكنه القفار له في الليل حظ من صلاة. . . ومن صوم إذا طلع النهار وقوت النفس يأيته كفافا. . . وكان له على ذاك اصطبار وفيه عفة وبه خمول. . . إليه بالأصابع لا يشار فذلك قد نجا من كل شر. . . ولم تمسه يوم البعث نار (ك) في الفتن (عن ابن عباس طب عن أم مالك النهرية) صحابية لها حديث قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي قال الديلمي: وفي الباب ابن عباس وأبو سعيد وأم بشر وغيرهم الحديث: 4042 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 4034 - (خير الناس مؤمن فقير يعطي جهده) أي مقدوره يعني يتصدق بما أمكنه تمسك به من فضل الفقر على الغنى ولا دليل فيه لأنه تضمن تفضيل فقير يتصدق من جهده فمعه فقر الصابرين وغنى الشاكرين فجمع بين موجبي التفضيل (فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا الحديث: 4034 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 4044 - (خير الناس أنفعهم للناس) بالإحسان إليهم بماله وجاهه فإنهم عباد فإنهم عباد الله وأحبهم إليه وأنفعهم لعياله أي أشرفهم عنده أكثرهم نفعا للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم دينا أو دنيا ومنافع الدين أشرف قدرا وأبقى نفعا قال بعضهم: هذا يفيد أن الإمام العادل خير الناس أي بعد الأنبياء لأن الأمور التي يعم نفعها ويعظم وقعها لا يقوم بها غيره وبه نفع العباد والبلاد وهو القائم بخلافة النبوة في إصلاح الخلق ودعائهم إلى الحق وإقامة دينهم وتقويم أودهم ولولاه لم يكن علم ولا عمل (القضاعي) في مسند الشهاب (عن جابر) وفيه عمرو بن أبي بكر السكسكي الرملي قال في الميزان: واه وقال ابن عدي: له مناكير وابن حبان: يروي عن الثقات الطامات ثم أورد له أخبار هذا منها الحديث: 4044 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 4045 - (خير النساء التي تسره) يعني زوجها (إذا نظر) لأن ذات الجمال عنده عون له على عفته ودينه وكانت امرأة زكريا في غاية الجمال مع رفضه للدنيا وكونه نجارا فسئل فذكر أن عذر العفة هذا وهو معصوم فكيف بنا؟ (وتطيعه) في أمره (إذا أمرها) بشيء موافق للشرع (ولا تخالفه في نفسها) بأن لا تمنع نفسها منه عند إرادته الاستمتاع بها (ولا مالها [ص: 482] بما يكره) بأن تساعده على أموره ومحابه ما لم يكن مأثما فإن حسن العشرة ترك هواها لهواه وإذا كانت كذلك كانت عونا له على حسن العشرة وزوال العسرة وإقامة الحقوق (حم ن ك) في النكاح (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 4045 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 4046 - (خير النساء من تسرك إذا أبصرت) أي نظرت إليها (وتطيعك إذا أمرت) ها بشيء (وتحفظ غيبتك) فيما يجب حفظه (في نفسها ومالك) ومن فاز بهذه فقد وقع على أعظم متاع الدنيا وعنها قال في التنزيل: {قانتات حافظات للغيب} قال داود عليه السلام: مثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب كلما رآها قرت بها عيناه ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير ومن حفظها لغيبته أن لا تفشو سره فإن سر الزوج قلما سلم من حكاية ما يقع له لزوجته لأنها قعيدته وخليلته (طب عن عبد الله بن سلام) بالتخفيف الإسرائيلي الصحابي المشهور قال الهيثمي: فيه زريك بن أبي زريك لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وهو وهم فقد خرجه ابن ماجه بخلف لفظي يسير مع الاتحاد في المعنى ولفظه خير النساء إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها الحديث: 4046 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 4047 - (خير النكاح أيسره) أي أقله مؤونة وأسهله إجابة للخطبة بمعنى أن ذلك يكون مما أذن فيه وعلامة الإذن التيسير ويستدل بذلك على يمن المرأة وعدم شؤمها لأن النكاح مندوب إليه جملة ويجب في حالة فينبغي الدخول فيه بيسر وخفة مؤونة لأنه ألفة بين الزوجين فيقصد منه الخفة فإذا تيسر عمت بركته ومن يسره خفة صداقها وترك المغالاة فيه وكذا جميع متعلقات النكاح من وليمة ونحوها (د عن عقبة بن عامر) الجهني ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4047 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 4048 - (خير أبواب البر) بالكسر أي وجوهه وأنواعه (الصدقة) لتعدي نفعها ولأنها تطفئ غضب الرب كما في الخبر (قط في الأفراد طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه الحديث: 4048 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 4049 - (خير إخوتي علي) بن أبي طالب (وخير أعمامي حمزة) بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وهذه منقبة عظيمة لهما (فر عن عابس) بمهملة وموحدة مكسورة ومهملة (ابن ربيعة) بالراء مولى حويطب بن عبد العزي قيل من السابقين ممن عذب في الله وفيه عباد بن يعقوب شيخ البخاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن حبان رافضي داعية وعمرو بن ثابت قال الذهبي: تركوه الحديث: 4049 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 4050 - (خير أسمائكم عبد الله وعبد الرحمن والحارث) وأفضلها الأولان لأنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسمائه غيرهما ولأنهما أصول الأسماء الحسنى وأصدقها الثالث وقد سبق توجيهه غير مرة (طب) عن خيثمة بن عبد الرحمن بن سبرة عن أبيه (أبي سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة عبد الرحمن قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح لكن ظاهر الرواية الإرسال الحديث: 4050 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 [ص: 483] 4051 - (خير أمراء السرايا) جمع سرية (زيد بن حارثة) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبه (أقسمهم بالسوية) بين أهل الفيء والغنيمة (وأعدلهم في الرعية) أي فيمن جعله راعيا عليهم وفيه جواز السجع إذا كان بغير تكلف كهذا والسرية قطعة من الجيش فعيلة بمعنى فاعلة تسري في خفية (ك) في المناقب (عن جبير بن مطعم) وتعقبه الذهبي الحديث: 4051 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 4052 - (خير أمتي) أمة الإجابة (بعدي) أي بعد وفاتي (أبو بكر) الصديق أول الخلفاء (وعمر) الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل وفتح الله به البلاد وفيه إشعار بأحقيتهما بالخلافة بعده وتقديمهما على غيرهما وأفضلهما أبو بكر اتفاقا (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين (والزبير) بن العوام (معا) زاده دفعا لتوهم أن الواو بمعنى أو الحديث: 4052 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 4053 - (خير أمتي القرن الذي بعثت) أي أرسلت إلى الخلق (فيه ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه ثم يخلق قوم يحبون السمانة يشهدون أن يستشهدوا) وقد مر تقريره غير مرة قال بعضهم: قرن الإنسان جيله الذي هو فيه وهو كل طبقة مقترنين في وقت سمي قرنا لأنه يقرن أمة بأمة وعالما بعالم مصدر قرنت جعل اسما للوقت أو لأهله وفي مقداره أقوال ثلاث مرت (م عن أبي هريرة) الحديث: 4053 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 4054 - (خير أمتي) أمة الإجابة (الذين لم يعطوا) أي كثيرا (فيبطروا ولم يمنعوا) القوت (فيسألوا) الناس بل كان رزقهم كفافا لا يزيد عن الكفاية ولا ينقص (ابن شاهين عن الجذع) الأنصاري هو ثعلبة بن زيد قال الذهبي: وصوابه بمهملة الحديث: 4054 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 4055 - (خير أمتي الذين إذا أساؤوا) أي فعلوا سيئة (استغفروا) الله منها أي طلبوا منه غفرها أي سترها ومحوها (وإذا أحسنوا) أي فعلوا حسنة (استبشروا) {فرحين بما آتاهم الله من فضله} (وإذا سافروا) سفرا يبيح القصر (قصروا) الصلاة الرباعية بأن يصلوها ركعتين (وأفطروا) إن كان السفر في رمضان (طس) وكذا الديلمي (عن جابر) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 4055 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 4056 - (خير أمتي أولها وآخرها وفي أوسطها) يكون (الكدر) زاد الحكيم في روايته ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها قال الحكيم: فالميزان لسانه في وسطه وباستواء الطرفين والكفتين يستوي اللسان ويقوم الوزن فجعلت أوائل هذه الأمة وأواخرها يهدون بالحق وبه يعدلون فهذا الوسط الأعوج ينجو بهاتين الكفتين المستقيمتين (الحكيم) الترمذي (عن أبي الدرداء) الحديث: 4056 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 [ص: 484] 4057 - (خير أهل المشرق عبد القيس) القبيلة المشهورة ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله وليس كذلك بل تمامه عند مخرجه الطبراني أسلم الناس كرما وأسلموا طائعين اه (طب) وكذا البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عندهما وهب بن يحيى بن زمام ولم أعرفهم وبقية رجاله ثقات الحديث: 4057 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 4058 - (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم) أي لا أب له ذكرا أو أنثى (يحسن إليه) بالبناء للمفعول أي بالقول أو الفعل أو بهما لأن ذلك البيت حوى الرحمة والشفقة والنيابة عن الله في الإيواء والشفقة وإكرامه تعهد أموره والرفق به (وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه) بالبناء للمجهول أي بقول أو فعل كما تقرر (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) أي متقاربين فيها اقترانا مثل اقتران هاتين الأصبعين قال الطيبي: وهذا عام في كل يتيم قريبا أو غيره (خد هـ) في الأدب (حل) كلهم (عن أبي هريرة) والمنذري وقال المناوي: رجال ابن ماجه موثقون وقال العراقي: فيه ضعف الحديث: 4058 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 4059 - (خير بيوتكم بيت فيه يتيم مكرم) بنحو تلطف وشفقة وإكرام وإنفاق وتأديب وحسن مطعم وتعليم وغير ذلك واليتيم صغير مات أبوه وإن كان له أم كما مر (عن حل عن عمر) بن الخطاب فضية صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور من حديث أبي هريرة وعنه أورده في الفردوس ثم إن فيه إبراهيم الصيني قال الدارقطني وغيره: متروك الحديث: 4059 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 4060 - (خير تمركم) وفي نسخة ثمراتكم (البرني يذهب الداء ولا داء فيه) أي فهو خير من غيره من الأنواع وإن كان التمر كله خيرا قال ابن الأثير: وهو ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالمدينة قال: وأنواع تمر المدينة كثيرة استقصيناها فبلغت مئة وبضعا وثلاثين نوعا وزاد ولا داء فيه لأن الشيء قد يكون نافعا من وجه ضارا من آخر (الروياني) في مسنده (عد هب والضياء) المقدسي (عن بريدة) وفيه أبو بكر الأعين ضعفه ابن معين وغيره وعتبة بن عبد الله قال فيه بعضهم: مجهول وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير وهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات لكن تعقبه المؤلف بأن الضياء أيضا خرجه في المختارة ولم يتعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه هذا قصارى ما رد به عليه ولا يخفى ما فيه (عق طس وأبو نعيم وابن السني في) كتاب (الطب) النبوي كلهم من طريق واحدة (عن أنس) بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس فذكره قال مخرجه العقيلي: لا يعرف إلا بعثمان بن عبد الله العبدي وهو مجهول وحديثه غير محفوظ انتهى. وأقول: فيه أيضا عبيد بن واقد ضعفه أبو حاتم وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين (ك) من الطريق المذكور (عن أنس) بن مالك وقال: صحيح فتعقبه الذهبي في تلخيصه فقال: عثمان لا يعرف والحديث منكر (طس ك وأبو نعيم) في الطب (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال الحاكم: أخرجناه شاهدا يعني لحديث أنس الذي قبله وفيه من هو مجهول وخالد بن رباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قدري وقال ابن عدي: لا بأس به قال المؤلف: وطريق حديث بريدة هو أمثل طرقه قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه سعيد بن سويد وهو ضعيف الحديث: 4060 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 [ص: 485] 4061 - (خير ثيابكم البياض) أي الأبيض إلى الغاية (فألبسوها أحياءكم) فإنها أطهر وأطيب كما جاء هكذا في خبر (وكفنوا فيها موتاكم) أي من مات منكم أيها المسلمون وأخذ علماء الشافعية من هذا الخبر أن أفضل ألوان الثياب البياض ثم ما صبغ غزله قبل نسجه كالبرد لا ما صبغ منسوجا بل يكره لبسه كما نبه عليه البندنيجي وغيره ولم يلبسه المصطفى وليس البرود كما في خبر البيهقي الآتي في حرف الكاف أنه كان له برد يلبسه في العيدين والجمعة والكلام في غير المزعفر والمعصفر (تتمة) روى الترمذي عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ورقة فقالت له خديجة: إنه كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر فقال: رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك اه بنصه (قط في) كتاب (الأفراد عن أنس) ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن عباس وصححه ابن القطان قال ابن حجر: ورواه أصحاب السنن عن أبي داود والحاكم أيضا من حديث سمرة واختلف في وصله وإرساله انتهى فعدول المصنف للدارقطني تقصير الحديث: 4061 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 4062 - (خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها موتاكم وألبسوها أحياءكم) هذا خطاب لعموم الخلق لقوله ثيابكم ولم يقل ثيابنا فهو خير الثياب لأنها لم يمسها صبغ يحتاج إلى مؤونة ولم يؤمن فيها نجاسة ولأن البياض لا يكاد يخفي أثر يلحقه فيظهر ولأن الألوان تعين على الكبر والمفاخرة ولأن البياض أعم وأيسر وجودا لكن لما تغالى أبناء الدنيا في تصفيقه وتصقيله تركه قوم من المتزهدين فلبسوا الأسود ونحوه لذلك ولخفة مؤونة غسله ولهذا لم يتوخ المصطفى صلى الله عليه وسلم لبس البياض بل كان يلبس ما اتفق من أخضر وأحمر وأبيض وغيره ذكره البغدادي (وخير أكحالكم الإثمد) قال الطيبي: عطف على قوله البسوا وإنما أبرز الأول في صورة الأمر اهتماما بشأنه وأنه سنة مؤكدة وأخبر عن الثاني إيذانا بأنه من خير دأب الناس وعادتهم وجمع بينهما لمناسبة الزينة يتزين بها المتزينون من الصلحاء وعلل الاكتحال بالإثمد بقوله (ينبت الشعر) أي شعر الأهداب (ويجلو البصر) بتجفيفه للرطوبات الفاسدة ودفعه للمواد الرديئة وأما توسطه ذكر الكفن بينهما فكالاستطرد (هـ طب ك عن ابن عباس) قال الديلمي: وفي الباب ابن عمر الحديث: 4062 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 4063 - (خير جلسائكم من ذكركم الله) بتشديد الكاف (رؤيته) لما علاه من النور والبهاء (وزاد في علمكم منطقه) لكونه حسن النية مخلص الطوية عاملا بعلمه قاصدا بالتعليم وجه ربه (وذكركم الآخرة عمله) الصالح فإن الرجل إذا نظر إلى رجلين من أهل الله تعالى تذكر الآخرة وعمل لما بعد الموت فالنظر إلى العلماء العاملين والأولياء الصادقين ترياق نافع ينظر الرجل إلى عمل أحدهم فيستشف ببصيرته حسن استعداده واستحقاقه لمواهب الله فيقع في قلبه محبته وينظر إليه نظر محبة عن بصيرة فيسعى خلفه ويقتدي به في أعماله فيصير من المفلحين الفائزين ومن ثم حثوا على مجالسة الصالحين وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم (عبد بن حميد والحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قضية صنيعه أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من هذين والأمر بخلافه بل رواه أبو يعلى باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور قال الهيثمي: وفيه مبارك بن سنان وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4063 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 [ص: 486] 4064 - (خير خصال الصائم السواك) تمسك به من ذهب إلى عدم كراهته بل ندبه بعد الزوال قال: ومن ادعى التقييد أو التخصيص فعليه البيان (هق) من حديث مجالد عن الشعبي عن مسروق (عن عائشة) ثم قال: مجالد وعاصم ليسا بقويين ورواه الدارقطني من هذا الوجه ثم قال: فمجالد غيره أثبت منه الحديث: 4064 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 4065 - (خير ديار) في رواية دور (الأنصار) جمع دار والمراد بها هنا القبائل أي خير قبائلها وبطونها من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال أو خيريتها بحسب خيرية أهلها وإنما كنى عن البطون بالدور لأن كل واحدة من البطون كانت لها محلة يسكنها والمحلة تسمى دارا (بنو النجار) بفتح النون وجيم مشددة تيم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج سمي النجار لأنه اختتن بقدوم النجار أو لأنه ضرب رجلا فنجره وبنو النجار أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم مزية على غيرهم قالوا: تفضيلهم على قدر مآثرهم وسبقهم إلى الإسلام (ت عن جابر) اقتصار المصنف على الترمذي يوهم أنه ليس في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول بل هو فيهما بزيادة وسياقه: خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد أشهل ثم بنو عبد الحارث ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير. اه الحديث: 4065 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 4066 - (خير ديار) أي منازل (الأنصار) قال القاضي: يريد بالدور البطون فإن الدار يعبر بها عن المحلة وبالمحلة عن أهلها وإن أراد بهذا ظاهره فقوله بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويكون خيريتها بحسب خيرية أهلها وما يجري ويوجد فيها من الطاعات (بنو عبد الأشهل) بفتح فسكون وظاهره يعارض ما قبله والأفضلية في بني النجار على بابها وفي هنا بمعنى من بدليل خبر الشيخين خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل وأما روايتها بالعكس فقد اختلف على أبي سلمة فيها وأما رواية تقدم بني النجار فسالمة عندهما من الاختلاف (ت عن جابر) بن عبد الله ورواه أيضا مسلم في صحيحه في المناقب من حديث أسيد بزيادة ولفظه خير دور الأنصار دار بني النجار ودار بني عبد الأشهل ودار بني الحارث بني الخزرج ودار بني ساعدة والله لو كنت مؤثرا بها أحدا لآثرت عشيرتي اه الحديث: 4066 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 4067 - (خير دينكم أيسره) أي الذي لا مشقة فيه والدين كله كذلك إذ لا مشقة فيه ولا إصر كالذي كان من قبل لكن بعضه أيسر من بعض فأمر بعدم التعمق فيه فإنه لن يغالبه أحد إلا غلبه وقد جاءت الأنبياء السابقة بتكاليف وآصار بعضها أغلظ من بعض (حم خد طب عن محجن) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم (ابن الأدرع) الاسلمي (طب عن عمران بن حصين) وقال: تفرد به إسماعيل بن يزيد (طس عد والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) قال الزين العراقي: سنده جيد الحديث: 4067 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 4068 - (خير دينكم أيسره) في رواية اليسر (وخير) لفظ رواية ابن عبد البر وأفضل (العبادة الفقه) قال الماوردي: يشير أنه لا سبيل إلى معرفة جميع العلوم فيجب صرف الاهتمام إلى معرفة أهمها والعناية بخيرها وأفضلها وهو علم الفقه لأن الناس بمعرفته يرشدون وبجهلهم يضلون إذ العلم يبعث على فعل العبادة وفضلها والعبادة مع خلق فاعلها عما يصححها ويبطلها وقد لا تكون عبادة (ابن عبد البر في) كتاب (العلم عن أنس) ورواه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 4068 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 [ص: 487] 4069 - (خير دينكم الورع) لأن الورع دائم المراقبة للحق مستديم الحذر أن يمزج باطلا بحق كما قال الحبر كان عمر كالطير الحذر والمراقبة توزن بالمشاهدة ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) ثواب الأعمال (عن سعد) بن أبي وقاص ورواه الديلمي أيضا الحديث: 4069 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 4070 - (خير سحوركم التمر) يعني التسحر به أفضل من التسحر بغيره لما فيه من الفضائل والمنافع ويظهر أن الرطب عند وجوده مقدم عليه وإنما خص التمر لوجوده في جميع العام (عد عن جابر) بن عبد الله الحديث: 4070 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 4071 - (خير شبابكم من تشبه بكهولكم) يعني تشبه من الشباب بالكهول في سيرتهم لا في صورتهم فيغلب عليه وقار العلم وسكينة الحلم ونزاهة التقوى عن مداني الأمور وكف نقصه عن عجلة الطبع وأخلاق السوء والتصابي واللهو فيكون في الدنيا في رعاية الله وفي القيامة في ظله (وشر كهولكم من تشبه بشبابكم) أي في العجلة وقلة الثبات والصبر عن الشهوات بلا عقل ولا ورع يحجزه ولا حلم يسكنه متشبها بالشباب وللشباب شعبة من الجنون والقصد بالحديث حث الشباب على اكتساب الحلم والثبات وزجر الكهول عن الخفة والطيش وأن الخضاب بالسواد منهي عنه قال الغزالي: المراد بالتشبيه بالشيوخ في الوقار لا في تبيض الشعر فإنه مكروه لما فيه من إظهار علو السن توصلا إلى التصدر والتوقير قال ابن أبي ليلى: يعجبني أن أرى قفا الشباب أحسبه شيخا وأبغض أن أرى قفا الشيخ أحسبه شابا فإذا هو شيخ وأخذ الماوردي من الحديث أنه ينبغي للطالب الاقتداء بأشياخه في رضي أخلاقهم والتشبه بهم في جميع أفعالهم ليصير لها إلفا وعليها ناشئا ولما خالفها مجانبا (ع طب عن وائلة) بن الأسقع قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم (هب عن أنس) وفيه كما قال الهيثمي الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال: تفرد به بحر بن كثير السقا اه وبحر قال في الكاشف: تركوه وفي الضعفاء: اتفقوا على تركه (عد عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح الحديث: 4071 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 4072 - (خير صفوف الرجال أولها) لاختصاصه بكمال الأوصاف كالضبط عن الإمام والتبليغ عنه (1) ونحو ذلك (وشرها آخرها) لاتصاله بأول صفوف النساء فهو شرها من جهة قربهن والمراد أن الأول أكثرها أجرا والآخر أقلها ثوابا وأبعدها عن مطلوب الشرع (وخير صفوف النساء آخرها) لبعده عن مخالطة الرجال وقربهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك (وشرها أولها) لكونها بعكس ذلك قال النووي: وهذا على عمومه إن صلين مع الرجال فإن تميزن فهن كالرجال خيرها أولها وشرها آخرها قال الطيبي: والخير والشر في صفي الرجال والنساء للتفضيل لئلا يلزم من نسبة الخير إلى أحد الصفين شركة الآخر فيه ومن نسبة الشر إلى أحدهما شركة الآخر فيه فيتناقض ونسبة الشر إلى الصف الأخير وصفوف الصلاة كلها خير إشارة إلى أن تأخر الرجل عن مقام القرب مع تمكنه منه هضم لحقه وتسفيه لرأيه فلا يبعد أن يسمى شرا قال المتنبي: [ص: 488] ولم أر في عيوب الناس شيئا. . . كنقص القادرين على التمام واعلم أن الصف الممدوح الذي يلي الإمام سواء جاء به صاحبه متقدما أو متاخرا وسواء تخلله نحو مقصورة ومنبر وعمود أم لا هذا هو الأصح عند الشافعية (م عد) في الصلاة (عن أبي هريرة طب عن أبي أمامة وعن ابن عباس) ولم يخرجه البخاري   (1) قوله والتبليغ عنه: أي عند الحاجة وينبغي أن يكون موقف المبلغ عند منتهى صوت الإمام ليسمع من لم يسمعه من المأمومين الحديث: 4072 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 4073 - (خير صلاة النساء) حتى للفرائض (في قعر بيوتهن) قال البيهقي: فيد دلالة على أن الأمر بعدم منعهن أمر ندب وهو قول عامة العلماء وقعر بيوتهن وسطها وما تقعر منها أي سفل وأحيط من جوانبها بدليل قوله في الخبر الآتي أفضل صلاة المرأة في أشد بيتها ظلمة (طب عن أم سلمة) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف الحديث: 4073 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 4074 - (خير طعامكم الخبز) أي خبز البر ويليه خبز الشعير وكان أكثر خبزهم منه (وخير فاكهتكم العنب) ظاهره أنه أفضل من التمر وفي بعض الأخبار ما يصرح بخلافه (فر عن عائشة) كتب الحافظ ابن حجر على حاشية الفردوس بخطه: هذا السند مختلط اه. كذا رأيته بخطه وأقول: فيه الحسن بن شبل أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: كان ببخارى معاصرا للبخاري كذبه سهل بن شادويه الحافظ وغيره اه وخرجه ابن عدي أيضا عنها مرفوعا بلفظ عليكم بالمرازمة أكل الخبز مع العنب وخير الطعام الخبز ثم قال أعني ابن عدي: هذا موضوع والبلاء فيه من عمرو بن خالد الأسدي وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصرها الحديث: 4074 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 4075 - (خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه) كالمسك والعنبر والعود (وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه) كالزعفران ونحوه لأن ذلك هو اللائق بحال الفريقين (عق عن أبي موسى) الأشعري وضعفه الحديث: 4075 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 4076 - (خير لهو المؤمن السباحة) أي العوم (وخير لهو المرأة الغزل) أي لمن يليق بها ذلك منهن أما نحو بنات الملوك فقد يقال إن لهوها يكون بالاشتغال في نحو التطريز أو التكليل وهذا الخبر وإن كنا سنقرر ضعفه فله شواهد منها خبر ابن حبان عن عائشة مرفوعا لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسورة النور ورواه الحاكم عنها أيضا وقال: صحيح الإسناد وخرجه البيهقي في الشعب عن الحاكم ثم خرجه بإسناد آخر بنحوه وقال: هو بهذا الإسناد منكر قال المؤلف: فعلم منه أنه بغير هذا الإسناد غير منكر وبه رد على ابن الجوزي دعواه وضعفه نعم قال الحافظ ابن حجر في الأطراف بعد قول الحاكم صحيح بل عبد الوهاب أحد رواته متروك وقضية صنيع المصنف أن مخرجه ابن عدي لم يخرج الحديث إلا هكذا والذي وقفت عليه من كلامه أنه ساقه عن ابن عباس مرفوعا بما نصه لا تعلموا نساءكم الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وقال خير لهو المؤمن السباحة وخير لهو المرأة المغزل اه بنصه (عد) عن جعفر بن سهل عن جعفر بن نصر عن حفص بن غياث عن ليث عن مجاهد (عن ابن عباس) ثم قال مخرجه ابن عدي في الكامل جعفر بن نصر حدث عن الثقات بالبواطيل اه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المصنف في مختصر الموضوعات في الميزان في ترجمة جعفر بن نصر إنه متهم بالكذب وهو أبو ميمون العنبري ذكره صاحب الكامل فقال: حدث عن الثقات بالبواطيل ثم ساق له أحاديث هذا منها الحديث: 4076 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 [ص: 489] 4077 - (خير ماء) بالمد (على وجه الأرض ماء) ببئر (زمزم فيه طعام من الطعم) كذا في نسخة المصنف بخطه وفي رواية طعام طعم بالإضافة والضم أي طعام إشباع أو طعام شبع من إضافة الشيء إلى صفته والطعم بالضم الطعام (وشفاء من السقم) كذا في خطه وفي رواية شفاء سقم بالإضافة أي شفاء من الأمراض إذا شرب بنية صالحة رحمنية (1) وفيه تقوية لمن ذهب إلى تفضيله على ماء الكوثر قال المصنف في الساجعة: وبها أي ببئر زمزم تجتمع أرواح الموتى ممن أسلم (وشر ماء) بالمد (على وجه الأرض ماء) بالمد (بوادي برهوت) أي ماء بئر بوادي برهوت بفتح الباء والبئر بئر عميقة بحضرموت لا يمكن نزول قعرها وقد تضم الباء وتسكن الراء وهي المشار إليها بآية {وبئر معطلة} (بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام تصبح تتدفق وتمسي لا بلال لها) قال الزمخشري: برهوت بئر بحضرموت يقال إن بها أرواح الكفار واسم للبلد التي فيها هذا البئر أو واد باليمن اه في الفردوس عن الأصمعي عن رجل من أهل برهوت أنهم يجدون الريح المنتن الفظيع منها ثم يمكثون حينا فيأتيهم الخبر بأن عظيما من الكفار مات فيرون أن الريح منه وفيه أنه يكره استعمال هذا الماء في الطهارة وغيرها وبه قال جمع شافعية <تنبيه> أخذ بعضهم من قوله خير ماء على وجه الأرض أن ماء زمزم أفضل من الماء النابع من أصابع المصطفى صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن مراده الماء الموجود حال قوله ذلك والماء النابع من الأصابع لم يكن موجودا حينئذ بل وجد بعد وأنت خبير بأنه إنما يتجه إن ثبتت هذه البعدية بتأخر التاريخ لما هو مقرر في الناسخ والمنسوخ وأتى بذلك (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات وصححه ابن حبان وقال ابن حجر: رواته موثوقون وفي بعضهم مقال لكنه قوي في المتابعات وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر موقوفا   (1) وفي قصة أبي ذر أنه لما دخل مكة أقام بها شهرا لا يتناول غير مائها وقال: دخلتها وأنا أعجف فما خرجت إلا ولبطني عكن من السمن الحديث: 4077 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 4078 - (خير ما أعطي الناس) وفي رواية الرجل وفي رواية الإنسان (خلق حسن) بالضم قال بعض العارفين: ضابط حسن الخلق أن يعاشر من ساء خلقه عشرة يظن الشيء الخلق أنه أحسن الناس خلقا وقيل حسن الخلق كف الأذى وبذل الندى وقيل لا يؤذى ولا يتأذى وجملة ما قال الله {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض الجاهلين} وهو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك (حم ن هـ ك) في الطب (عن أسامة بن شريك) الثعلبي بمثلثة ومهملة صحابي تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح قال: قالوا: يا رسول الله فما خير ما أعطي الناس فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال في المهذب: إسناده قوي ولم يخرجوه وقال الحافظ العراقي: إسناد ابن ماجه صحيح وقال المنذري: قال الحاكم على شرطهما ولم يخرجاه لأن أسامة ليس له راو سوى واحد كذا قال وليس بصواب فقد روى عنه زياد بن علاقة وابن الأقمر وغيرهما الحديث: 4078 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 4079 - (خير ما أعطي الرجل المؤمن خلق حسن وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة) ومن كان كذلك فعليه [ص: 490] أن يجاهد نفسه ليحسن خلقه ويزكو طبعه ويلزم نفسه الصبر على ملازمة ذلك ففي خبر الخير عادة والشر لجاجة والعادة مشقة من العود إلى الشيء مرة بعد أخرى حتى يسهل عليه فعل الخير والصلاح والعاقل من جاهد نفسه {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (ش عن رجل من جهينة) الظاهر أنه صحابي الحديث: 4079 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 4080 - (خير ما) أي دواء (تداويتم به الحجامة) قال ابن القيم: أشار إلى أهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة لسطح الجلد ومسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر فالحجامة أولى وأخذ منه أن الخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم وقد خرج الطبراني بسند قال ابن حجر حسن عن ابن سيرين إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم أي لأنه يصير ثم في نقص وانحلال من قوى بدنه فيزيده وهنا بإخراج الدم ومحله حيث لم تتعين حاجته إليه ولم يعتده (حم طب ك عن سمرة) بن جندب الحديث: 4080 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 4081 - (خير ما تداويتم به الحجامة) سيما في البلاد الحارة (والقسط البحري) وهو الأبيض فإنه يقطع البلغم وينفع الكبد والمعدة وحمى الربع والورد والسموم وغيرها وفي رواية بدل البحري الهندي وهو الأسود وهو يقرب منه لكن أيبس ولا تعارض لأنه وصف لكل ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتجاج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي أشد حرارة وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل دود الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك الباءة ويذهب الكلف (ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعترى الصبيان غالبا وقيل قرحة تخرج بين الأذن والحلق سميت به لأنها تخرج عند طلوع العذراء كوكب تحت الشعرى وطلوعها يكون في الحر والمعنى عالجوا العذرة بالقسط ولا تعذبوهم بالغمز وذلك أن مادة العذرة دم يغلب عليه بلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة والأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض (حم ن عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وهو كذلك من حيث اللفظ أما هو في المعنى ففي الصحيحين معا الحديث: 4081 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 4082 - (خير ما تداويتم به الحجم والفصد) والحجامة لمن قواه متخلخلة ومسام بدنه ضيقة والفصد لغيره (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 4082 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 4083 - (خير ما) أي مسجد (ركبت إليه الرواحل) جمع راحلة (مسجدي هذا) المسجد النبوي المدني (والبيت العتيق) أي ومسجد البيت العتيق وهو الحرم والواو لا تقتضي ترتيبا فخير ما ركبت إليه الرواحل الحرم المكي ويليه المدني (ع حب عن جابر) ورواه عنه أحمد بلفظ خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم ومسجدي. قال الهيثمي: وسنده حسن الحديث: 4083 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 4084 - (خير ما يخلف الإنسان بعده) أي بعد موته (ثلاث) من الأشياء (ولد صالح) أي مسلم (يدعو له) بالغفران والنجاة [ص: 491] من النيران ودخول الجنان (وصدقة تجري) بعد موته (يبلغه أجرها) كوقف (وعلم) شرعي (ينتفع به من بعده) كتصنيف كتاب ينتفع به من بعد موته بنحو إفراء أو إفتاء أو عالم يخلفه من طلبته فينفع الناس (هـ حب عن أبي قتادة) قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه: إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه تفرد بإخراجه عن الستة وهو ذهول فقد عزاه ابن حجر إلى مسلم وعبارته بعد ما عزا خبر إذا مات ابن آدم إلى مسلم ما نصه وله وللنسائي وابن ماجه وابن حبان من طريق أبي قتادة خير ما يخلف الرجل بعده إلى آخر ما هنا الحديث: 4084 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 4085 - (خير ما يموت عليه العبد أن يكون قافلا) أي راجعا (من حج) بعد فراغ أعماله (أو مفطرا من رمضان) يحتمل أن المراد عقب إفطاره في يوم منه أي عند الغروب ويحتمل أن المراد عقب فراغ رمضان عند استهلال شوال (فر عن جابر) وفيه أبو جناب الكلبي أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه النسائي والدارقطني ورواه عنه أيضا الطبراني وعنه ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى الحديث: 4085 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 4086 - (خير مال المرء مهرة مأمورة) أي كثيرة النتاج يقال أمرهم الله فأمروا أي كثروا وبه استدل على أنه لو حلف لا مال له وله خيل حنث وقال أبو حنيفة لا (أو سكة مأبورة) أي طريقة مصطفة من النخل مؤبرة ومنه قيل للزقاق سكة والتأبير تلقيح النخل (حم طب عن سويد بن هبيرة) بن عبد الحارث الديلمي نزيل البصرة قال أبو حاتم: له صحبة قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات الحديث: 4086 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 4087 - (خير مساجد النساء قعر بيوتهن) فالصلاة لهن فيها أفضل منها في المسجد حتى المكتوبة وذلك لطلب زيادة الستر في حقهن (حم هق) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن أم سلمة) قال في المهذب: إسناده صويلح اه. وقال الديلمي: صحيح وهو زلل من حديث ابن لهيعة عن دراج الحديث: 4087 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 4088 - (خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن وقدمها إشارة إلى تقديمها في الفضل بل قيل بنبوتها (وخديجة بنت خويلد) زوجة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من آمن من هذه الأمة مطلقا (وفاطمة بنت محمد) صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير الأنبياء (وآسية امرأة فرعون) التي نطق التنزيل بالثناء عليها والمراد جميع نساء الأرض فيحمل على أن كلا منهن خير نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهن فمسكوت عنه (حم طب عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4088 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 4089 - (خير نسائها) أي خير نساء الدنيا في زمنها فالضمير عائد على غير مذكور يفسره الحال والمشاهدة (مريم بنت عمران) وليس المراد أن مريم خير نسائها إذ يصير كقولهم يوسف أحسن إخوته وقد صرحوا بمنعه لأن أفضل التفضيل إذا أضيف وقصد به الزيارة على من أضيف له يشترط أن يكون منهم كزيد أفضل الناس فإن لم يكن منهم لم يجز كما في يوسف أحسن إخوته لخروجه عنهم بإضافتهم إليه. ذكره الزمخشري والنووي وغيرهما (وخير نسائها) أي هذه الأمة (خديجة بنت خويلد) وقال القاضي البيضاوي: قيل الكناية الأولى راجعة إلى الأمة التي فيها مريم والثانية [ص: 492] إلى هذه الأمة وروى وكيع الذي هو أحد رواة الحديث أنه أشار إلى السماء والأرض يعني هما خير العالم الذي فوق الأرض وتحت السماء كل منهما في زمانه ووحد الضمير لأنه أراد جملة طبقات السماء وأقطار الأرض وأن مريم خير من صعد بروحه إلى السماء وخديجة خير نسائهن على وجه الأرض والحديث وارد في أيام حياتها اه. وفي المطامح الضمير حيث ذكر مريم عائد على السماء ومع خديجة على الأرض دليله ما رواه وكيع وابن النمير وأبو أسامة وأشار وكيع من بينهم بأصبعه إلى السماء عند ذكر مريم وإلى الأرض عند ذكر خديجة وزيادة العدل مقبولة والمعنى فيه أنهما خير نساء بين السماء والأرض اه. وزاد في خبر فقالت له عائشة: ما ترى من عجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها فغضب وقال: ما أبدلني خيرا منها آمنت بي حين كذبني الناس ورزقت الولد منها وحرمته من غيرها كذا في المطامح (ق ت عن علي) أمير المؤمنين وفي الباب ابن جعفر وغيره الحديث: 4089 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 4090 - (خير نساء ركبن الإبل) كناية عن نساء العرب وخرج به مريم فإنها لم تركب بعيرا قط على أن الحديث مسوق للترغيب في نكاح العربيات فلا تعرض فيه لمن انقضى زمنهن (صالح) بالإفراد عند الأكثر وفي رواية صلاح بضم أوله وشد اللام بصيغة الجمع (نساء العالمين) وفي رواية نساء قريش بدون لفظ صالح والمطلق محمول على المقيد فالمحكوم له بالخيرية الصالحات منهن لا على العموم والمراد هنا إصلاح الدين وحسن معاشرة الزوج ونحو ذلك (أحناه) بسكون المهملة بعدها نون من الحنو بمعنى الشفقة والعطف وهذا استئناف جواب عمن قال: ما سبب كونهن خيرا فقال: أحناه (على ولد) أي أكثره شفقة وعطفا ومن ذلك عدم التزوج على الولد (في) حال (صغره) ويتمه والقياس أحناهن لكنه ذكر الضمير باعتبار اللفظ والجنس والشخص أو الإنسان وكذا يقال في قوله الآتي وأرعاه وفي رواية على ولدها وهو أوجه وفي رواية لمسلم على يتيم وفي أخرى على طفل والتقييد باليتيم والصغر إما على بابه وإما من ذكر بعض أفراد العموم وكذا قوله (وأرعاه) من الرعاية الحفظ والرفق (على زوج) لها أي أحفظ وأرفق وأصون لماله بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق (في ذات يده) أي في ماله المضاف إليه وهو كناية عن البضع الذي يملك الانتفاع به يعني هذا أشد حفظا لفروجهن على أزواجهن وفيه إيماء إلى أن النسب له تأثير في الأخلاق وبيان شرف قريش وأن الشفقة والحنو على الأولاد مطلوبة مرغوبة وحث على نكاح الأشراف سيما القرشيات وأخذ منه اعتبار الكفاءة بالنسب <تنبيه> قال قاسم بن ثابت في الدلائل ذات يده وذات بيننا ونحوه صفة لمحذوف مؤنث كأنه يعني الحال التي هي بينهم والمراد بذات يده ماله وكسبه وأما قولهم لقيته ذات يوم فالمراد لقاؤه أول مرة (حم ق عن أبي هريرة) وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ فاعتذرت بكبر سنها وأنها أم عيال فرفقت بالنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأذى بمسنة ولا بمخالطة أولادها فذكره قال الحافظ العراقي: فينبغي ذكر هذا في أسباب الحديث الحديث: 4090 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 4091 - (خير نساء أمتي أصبحهن وجها وأقلهن مهرا) وفي رواية وجوها ومهورا وذلك لأن صباحة الوجه يحصل بها العفة وهي خير الأمور وقلة المهر دال على خيرية المرأة ويمنها وبركتها (عد عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة الحسين بن المبارك الطبراني وقال إنه متهم ذكره في اللسان الحديث: 4091 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 4092 - (خير نسائكم الولود الودود) أي المتحببة إلى زوجها (المواسية المواتية) أي الموافقة للزوج (إذا اتقين الله) أي [ص: 493] خفنه وأطعنه في فعل المأمور وتجنب المنهي (وشر نسائكم المتبرجات) أي المظهرات زينتهن للأجانب وهو مذموم لغير الزوج (المتخيلات) أي المعجبات المتكبرات والخيلاء بالضم العجب والتكبر (وهن المنافقات) أي يشبههن (لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) الأبيض الجناحين أو الرجلين أراد قلة من يدخل الجنة منهن لأن هذا الوصف في الغراب عزيز (هق عن ابن أبي أذينة الصدفي) بفتح الصاد والدال المهملتين وآخره فاء نسبة إلى الصدف بكسر الدال قبيلة من حمير نزلت مصر (مرسلا وعن سليمان بن يسار) ضد اليمين الهلالي أبي أيوب مولى ميمونة أم المؤمنين فقيه عابد زاهد حجة (مرسلا) قال الحافظ العراقي: قال البيهقي: روي بإسناد صحيح عن سعيد بن يسار مرسلا الحديث: 4092 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 4093 - (خير نسائكم العفيفة) أي التي تكف عن الحرام (الغلمة) أي التي شهوتها هائجة لكن ليس ذلك محمودا مطلقا كما بينه بقوله (عفيفة في فرجها) عن الأجانب (غلمة على زوجها) قال بعضهم: خرجت ليلة فإذا بجارية كفلقة قمر فراودتها فقالت: أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك ناه من دين قلت: ما يرانا إلا الكواكب قالت: فأين مكوكبها (فر عن أنس) وفيه عبد الملك بن محمد الصغاني قال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به عن زيد بن هبيرة قال الذهبي: تركوه ورواه ابن لال ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أصوب الحديث: 4093 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 4094 - (خير هذه الأمة أولها) يعني القرن الذي أنا فيه كما في الرواية الأخرى (وآخرها) ثم بين وجه ذلك بقوله (أولها فيهم رسول الله) {الذي أرسله بالهدى ودين الحق} (وآخرها فيهم عيسى ابن مريم) روح الله وكلمته (وبين ذلك نهج أعوج ليس منك ولست منهم) والنهج هنا البهر بالضم وهو شر الوادي وانقطاع النفس من الأعياء كذا في القاموس كغيره والأعوج ضد المستقيم والمراد هنا اعوجاج أحوالهم (حل عن عروة بن رويم مرسلا) الحديث: 4094 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 4095 - (خير يوم طلعت فيه) في رواية عليه (الشمس) قال القرطبي: خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانت للمفاضلة فأصلهما أخير وأشر على وزن أفعل وهي هنا للمفاضلة غير أنها مضافة لنكرة موصوفه (يوم الجمعة) وذلك لأن (فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) قال القاضي: بين الصبح وطلوع الشمس واختصاصه بوقوع ذلك فيه يدل على تمييزه بالخيرية لأن خروج آدم فيه من الجنة سبب لوجود الذرية الذين منهم الأنبياء والأولياء وسبب للخلافة في الأرض وإنزال الكتب وقيام الساعة سبب تعجيل جزاء الأخيار وإظهار شرفهم فزعم أن وقوع هذه القضايا فيه لا يدل على فضله في حيز المنع قال القاضي: وقد عظم الله هذا اليوم ففرض على عباده أن يجتمعوا فيه ويعظموا فيه خالقهم بالطاعة لكن لم يبينه لهم بل أمرهم بأن يستخرجوه بأفكارهم وواجب على كل قبيل اتباع ما أدى إليه اجتهاده صوابا أو خطأ كما في المسائل الاجتهادية فقالت اليهود هو يوم السبت لأنه يوم فراغ وقطع عمل فإن الله فرغ من السماء والأرض فيه فينبغي انقطاعنا عن العمل فيه والتعبد [ص: 494] وزعمت النصارى أنه الأحد لأنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والتعبد ووفق الله هذه الأمة للإصابة فعينوه الجمعة لأن الله خلق الإنسان للعبادة وكان خلقه يومها فالعبادة فيه أولى لأنه تعالى أوجد في سائر الأيام ما ينفع الإنسان وفي الجمعة أوجد نفس الإنسان والشكر على نعمة الوجود وروى ابن أبي حاتم عن السدي أنه تعالى فرض الجمعة على اليهود فقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعل عليهم وذكر الأبي أن في بعض الآثار أن موسى عين لهم الجمعة وأخبرهم بفضله فناظروه بأن السبت أفضل فأوحى إليه دعهم وما اختاروا (حم م ت) في باب الجمعة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4095 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 4096 - (خير يوم طلعت فيه) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة عليه (الشمس يوم الجمعة) يعني من أيام الأسبوع وأما أيام السنة فخيرها يوم عرفة (فيه خلق آدم وفيه أهبط) من الجنة للخلافة في الأرض لا للطرد بل لتكثير النسل وبث عباد الله فيها وإظهار العبادة التي خلقوا لأجلها وما أقيمت السماوات والأرض إلا لأجلها وذلك لا يثبت إلا بخروجه فيها فكان أحرى بالفضل من استمراره فيها فإخراجه منها يعد فضيلة لآدم خلافا لما وقع لعياض (وفيه تيب عليه) بالبناء للمفعول والفاعل معلوم (وفيه قبض) أي توفي وفيه ينقضي أجل الدنيا (وتقوم الساعة) أي يوم القيامة وفيه يحاسب الله الخلق ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال ابن العربي: كان خروج آدم سببا لهذا النسل العظيم الذي منه الأنبياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أوطار ويعود إليها وقيام الساعة سبب تعجيل جزاء الأصناف الثلاثة الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهاركم أماتهم وقال القاضي: فيه بيان لفضله إذ لا شك أن خلق آدم فيه يوجب له شرفا ومزية وكذا قبضه فيه فإنه سبب لوصوله إلى جناب القدس والخلاص من البليات وكذا النفخة وهي نفخ الصور فإنها مبدأ قيام الساعة ومقدمات النشأة الثانية وأسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم ومن ثم كان (ما على) وجه (الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة) بسين وصاد أي مصغية منتظرة لقيامها فيه وروى مسيخة بإبدال الصاد سينا (حتى تطلع الشمس شفقا) أي خوفا وفزعا (من) قيام (الساعة) فإنه اليوم الذي يطوى فيه العالم ويخرب الدنيا وتنبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار والساعة اسم علم ليوم القيامة سميت به لقربها ووصفها بالقيام لأنها اليوم ساكنة وإذا أراد الله إيجادها اتصفت بالحركة وقوله حتى تطلع الشمس يدل على أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس ذلك اليوم قال الطيبي: وجه إصاخة كل دابة وهي لا تعقل أن الله يلهمها ذلك ولا عجب عند قدرة الله وحكمة الإخفاء عن الثقلين أنهم لو كوشفوا بذلك اختلت قاعدة الابتلاء والتكليف وحق القول عليهم ووجه آخر أنه تعالى يظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور وجلائل الشؤون ما تكاد الأرض تميد بها فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة كأنها مسيخة لمرعب الذي يداخلها إشفاقا منها لقيام الساعة (إلا ابن آدم وفيه ساعة) أي خفية (لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة) في رواية وهو يصلي أي يدعو (يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه) زاد أحمد ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم قال الشافعية: ويسن الإكثار من الدعاء يومها رجاء مصادفتها وفي تعيينها بضعة وأربعون قولا كما في ليلة القدر قال البيهقي: فكان النبي يعلمها بعينها ثم أنسيها كما أنسي ليلة القدر قال ابن حجر: وهذا رواه ابن خزيمة عن أبي سعيد صريحا (مالك) في المؤطأ. <تنبيه> استدل بالحديث على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام ومن ثم كان وقوف المصطفى في حجة الوداع والله إنما يختار لرسوله الأفضل ولأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع قال [ص: 495] ابن حجر: وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها فحديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من خرجه بل أدرجه في حديث الموطأ وليس في الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة وعلى كل فتثبت المزية بذلك (حم 3) في باب الجمعة (حب ك) كلهم (عن أبي هريرة) قال الترمذي: صحيح وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 4096 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 4097 - (خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة) من الشهر (وتسع عشرة) منه (وإحدى وعشرين) منه قال أبو البقاء: خير أصلها أفعل وهي تضاف إلى ما هي بعض له وتقديره خير أيام قالوا: حد هنا في معنى الجمع وقوله سبع عشرة وما بعده جعل مؤنثا والظاهر يعطي أن يكون مذكرا لأنه خبر عن يوم والوجه في تأنيثه أنه حمله على الليل لأن التاريخ به يقع واليوم تبع له ولهذا قال إحدى على معنى الليلة وفيه وجه ثالث أنه يريد باليوم الوقت ليلا كان أو نهارا كما يقال يوم بدر ويوم الجمل ثم أنت على أصل التاريخ وقوله وإحدى وعشرين هو في هذه الرواية بالنصب والجيد أن يكون مرفوعا إلى هنا كلامه (وما مررت بملأ) أي جماعة (من الملائكة ليلة أسري بي) إلى السماء (إلا قالوا عليك بالحجامة يا محمد) أي الزمها وأمر أمتك بها كما في خبر آخر وذلك دلالة على عظيم فضلها وبركة نفعها وإعانتها على الترقي في الملكوت الأعلى كما سيجيء بسطه في حرف الميم (حم ك عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: قال يحيى بن عباد بن منصور أي أحد رجاله ليس بشيء وقال ابن الجنيد: هو متروك وقال النسائي: ضعيف وكان بغير الحديث: 4097 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 4098 - (خير ما تداويتم به اللدود) بالفتح ما يسقاه المريض من الأدوية في أحد شقي فمه (والسعوط) بالفتح ما يصب في الأنف من الدواء (والحجامة والمشي) بميم مفتوحة وشين مكسورة وشد الياء الدواء المسهل لأنه يحمل شاربه على المشي للخيلاء (ت) في الطب (وابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في الطب) النبوي (عن ابن عباس) وقال الترمذي: حسن غريب ورواه عنه ابن ماجه أيضا فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد الترمذي به من بين الستة غير صواب الحديث: 4098 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 4099 - (خير الدواء اللدود والسعوط والمشي والحجامة والعلق) بفتح العين واللام بضبط المصنف دويبة حمراء تكون في الماء تعلق بالبدن وتمص الدم وهي من أدوية الحلق والأورام الدموية لمصها الدم الغالب على الإنسان وفيه كالذي قبله مشروعية الطب الذي جملته حفظ الصحة ودفع السقم فإنه لما سبق في علم الله أنه لا يخلص الصحة ولا السقم للناس دائما وخلق في الأرض ما لو استعملوه أشفى مست الحاجة إلى معرفة الضار والنافع وحقيقته واحتيج مع ذلك إلى معرفة الأدواء والعلل وأسبابها وأعراضها وطرق استعمالها لتكون السلامة وتعود الصحة (أبو نعيم) في الطب النبوي (عن الشعبي مرسلا) الحديث: 4099 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 4100 - (خيركم) أي من خيركم (خيركم لأهله) أي لعياله وأقاربه قال ابن الأثير: هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها بل قال القفال: يقال خير الأشياء كذا ولا يراد به أنه خير من جميع الوجوه في جميع الأحوال والأشخاص بل في حال [ص: 496] دون حال أو نحوه (وأنا خيركم لأهلي) فأنا خيركم مطلقا وكان أحسن الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها وكانت إذا وهبت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه وإذا شربت شرب من موضع فمها ويقبلها وهو صائم وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته ثم قال هذه بتلك وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل ودفعته إحداهن في صدره فزجرتها أمها فقال لها: دعيها فإنهن يصنعن أكثر من ذلك كذا في الإحياء وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخل بينهما أبا بكر حكما كما في خبر الطبراني وقالت له عائشة مرة في كلام غضبت عنده وأنت الذي تزعم أنك نبي الله؟ فتبسم كما في خبر أبي يعلى وأبي الشيخ عنها (ت) في المناقب (عن عائشة هـ عن ابن عباس طب عن معاوية) وصححه الترمذي وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه بل بقيته عند الترمذي كما في الفردوس وغيره وإذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه الحديث: 4100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 4101 - (خيركم خيركم للنساء) ولهذا كان على الغاية القصوى من حسن الخلق معهن وكان يداعبهن ويباسطهن قال ابن القيم: وربما مد يده لإحداهن بحضرة باقيهن ولعله كناية عن تقبيلهن والاستمتاع بما فوق الثياب لا عن وطئها فحاشا جنابه الشريف فإنه حرام كما بينه بعض الشافعية وبفرض عدم الحرمة ففيه قلة مروءة وخرم حشمة لا يليق هو أشد حياء من العذراء في خدرها (ك) في البر (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 4101 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 4102 - (خيركم) يعني من خياركم وأفاضلكم من كان معظم بره لأهله كما يقال فلان أعقل الناس أي من أعقلهم فلا يصير بذلك خير الناس مطلقا والأهل قد يخص الزوجة وأولادها وقد يطلق على جملة الأقارب فهم أولى من الأجانب (خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) أي برا ونفعا لهم دينا ودينا أي فتابعوني ما آمركم بشيء إلا وأنا أفعله (ما أكرم النساء إلا كريم وما) وفي نسخة ولا (أهانهن إلا لئيم) ومن ثم كان يعتني بهن ويهتم بتفقد أحوالهن فكان إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن واستقرأ أحوالهن فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبه النوبة وكان إذا شربت عائشة من الإناء أخذه فوضع فمه على موضع فمها وشرب وإذا تعرقت عرقا وهو العظم الذي عليه اللحم أخذه فوضع فمه على موضع فمها رواه مسلم ولما أراد أن يحمل صفية بنت حيي على بعير نصب لها فخذه لتضع رجلها عليه فلوت ساقها عليه وفي تذكرة ابن عراق عن الإمام مالك يجب على الرجل أن يتجنب إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم وذكر نحوه يوسف الصدفي المالكي (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 4102 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 4103 - (خيركم من أطعم الطعام) للإخوان والجيران والفقراء والمساكين لأن فيه قوام الأبدان وحياة كل حيوان (ورد السلام) على من سلم عليه ورده واجب وأما الإطعام فإن كان لمضطر فواجب وإلا فمندوب وهذا قاله لمن قال له أي الإسلام خير قال الخطابي: دل صرف الجواب عن جملة خصال الإسلام وأعماله أي ما يجب من حقوق الآدميين فجعل خير أفعالها في المثوبة إطعام الطعام الذي به قوام الأبدان وخير أقوالها رد السلام الذي به تحصل الألفة بين أهل الإسلام فقد اشتمل الحديث على نوعي المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها وإما بدنية والسلام إشارة إليها وفيه حث على الجود والسخاء (ع ك عن صهيب) ورواه أيضا أحمد باللفظ المزبور وكأنه أغفله ذهولا لما سبق أن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعدل عنه لمن دونه الحديث: 4103 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 [ص: 497] 4104 - (خيركم خيركم قضاء) للدين بأن يؤدي أحسن مما اقترض مثلا ويزيد في الإعطاء على ما فيه ذمته من غير مطل ولا تسويف عند القدرة (ن عن العرباض) بن سارية الحديث: 4104 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 4105 - (خيركم خيركم لأهلي من بعدي) أي خيركم أيها الصحب خيركم لأهلي زوجاتي وأقاربي وعيالي من بعد وفاتي وقد قبل أكثر الصحابة وصيته فقابلوهم بالإكرام والاحترام وعمل البعض بضد ذلك فآذوهم وأهانوهم (ك عن أبي هريرة) ورواه أيضا أبو يعلى وأبو نعيم والديلمي ورجاله ثقات ولكن شذ راويه بقوله لأهلي والكل إنما قالوه لأهله ذكره ابن أبي خيثمة الحديث: 4105 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 4106 - (خيركم قرني) المراد خير قرونكم فحذف لدلالة الكلام عليه ورعاية لقوله (ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فإن قلت كان القياس يلونكم ثم الذين يلونكم فالجواب أن الأول التفات والثاني على الأصل (ثم يكون بعدهم) أي بعد الثلاث (قوم) فاعل يكون قال جمع: لفظ قوم يختص بالرجال (يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون) صفة قوم وهذا موافق لخبر شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد وقيل المراد شهادة الزور وقيل يحلفون كذبا ولا يستحلفون (وينذرون) بكسر المعجمة وضمها (ولا يوفون) بنذرهم (ويظهر فيهم السمن) يعني يحبون التوسع في المأكل والمشرب وهي أسباب السمن أو يتعاطون التسمين أو يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف وظاهر الخبر أن صحبه أفضل من جميع من جاء بعدهم وعليه كثير لكن ذهب جمع منهم ابن عبد البر إلى أنه يمكن أن يكون فيمن بعدهم أفضل من بعضهم للخبر الحسن بل قيل الصحيح الآتي مثل أمتي مثل المطر لا يدرى آخره خير أم أوله وانتصر للأول بما لا يخلو عن تكلف وفي الأخذ بإطلاقه صوبة ويبعد كل البعد القطع بأفضلية أعرابي جلف لم يحصل له إلا مجرد الرؤية ولم يخالط علماء الصحابة على مثل الأئمة الأربعة والسفيانين وأضرابهم (ق) في الفضائل وغيرها (3) في النذر (عن عمران بن حصين) الحديث: 4106 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 4107 - (خيركم في المائتين) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة بعد المائتين (كل خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة خفيفة قال المؤلف وغيره: ومن جعل باللام والجيم والدال فقد صحف أصله طريقة المتن أي ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس أي خفيف الظهر من العيال أو المال قيل: يا رسول الله وما خفيف الحاذ قال: (الذي لا أهل له ولا ولد) ضربه مثلا لقلة ماله وعياله ومن زعم نسخه لم يصب لأن النسخ خاص بالطلب ولا يدخل للخبر ولا منافاة بينه وبين خبر تناكحوا تناسلوا لأن الأمر بالنكاح عام لكل أحد بشروط وهذا الخبر فيمن لم تتوفر فيه الشروط وخاف من النكاح التورط فيما يخاف منه على دينه بسبب طلب المعيشة وبذلك حصل الجمع بين الحديثين وزعم النسخ جهل بقواعد الأصول (ع) والديلمي وكذا الخطيب كلهم (عن حذيفة) بن اليمان وفيه رواد بن الجراح قال الدارقطني: متروك قال في الميزان: وهذا الحديث مما يغلط فيه اه وسبقه البيهقي فخرجه في الشعب فقال: تفرد به رواد عن سفيان وقال ابن الجوزي: قال الدارقطني: تفرد به رواد وهو ضعيف وقد أدخله البخاري في الضعفاء وقال: اختلط لا يكاد يقوم حديثه وقال أحمد: حديثه من المناكير وقال الخليل: ضعفه الحفاظ وغلطوه فيه وفي معناه أخبار كلها واهية وقال الذهبي في الضعفاء: رواد قال الدارقطني [ص: 498] ضعيف ووثقه ابن معين وقال: له حديث واحد منكر عن سفيان خيركم في المائتين كل خفيف الحاذ اه بلفظه وقال الحافظ العراقي: طرقه كلها ضعيفة وقال الزركشي: غير محفوظ والحمل فيه على رواد الحديث: 4107 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 4108 - (خيركم خيركم لنسائه ولبناته) فيه دلالة على حسن المعاشرة مع الأهل والأولاد سيما البنات واحتمال الأذى منهن والصبر على سوء أخلاقهن وضعف عقولهن والعطف عليهن <تنبيه> ينبغي للزوج إكرام الزوجة بما يناسب من موجبات المحبة والألفة كإكرام مثواها وإجادة ملبوسها على الوجه اللائق ومشورتها في الجزئيات إيهاما أنه اتخذها كاتمة أسراره وتخليتها في المنزل لتهتم بخدمته قال حاتم الأصم: إني في البيت كدابة مربوطة إن قدم إلي شيء أكلت وإلا أمسكت ويراعى إكرام أقاربها ودفع الغيرة عنها بإشغال خاطرها بأمور المنزل ولا يؤثر الغير عليها وإن كان خيرا منها فإن الغيرة والحسد في طينة النساء مع نقصان العقل فإذا لم يدفع عنها أذى إلى قبائح والرجل في المنزل كالقلب في البدن فكما لا يكون قلب واحد متبعا لحياة بدنين لا يكون لرجل تدبير منزلين على الوجه الأكمل ولا تغتر بما وقع لأفراد فالنادر لا نقص به ويتحرز عن إظهار إفراط محبتها وعن مشاورتها في الكليات ولا يطلعها على أسرارها فإنها وإن كتمتها حالا تظهرها عند ظهور الغيرة ويجنبها الملاهي والنظر إلى الأجانب واستمتاع حكايات الرجال ومجالسة نساء يعلمن هذه الأعمال سيما في العجائز وقد صنف الطبراني والنوقاني في معاشرة الأهل مؤلفات (هب عن أبي هريرة) الحديث: 4108 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 4109 - (خيركم خيركم للمماليك) أي لمماليككم وكذا مماليك غيركم بأن تنظروا إلى من يكلف عبده على الدوام ما لا يطيقه فتعاونوه أو لمن يجيع عبده فتطعموه ونحو ذلك <تنبيه> الخدم كأعضاء البدن للإنسان ولولاهم لباشر أشغاله بنفسه فلينظر في حال كل واحد فيصلحه ويسلك معه طريق الرفق والمداراة ويعين له وقت الاستراحة ويتفقد أحواله ويعامله بمقتضى الحال فمن احتاج إلى العطف عطف عليه أو إلى الأدب أدبه بقول أو فعل أو بهما بقدر المصلحة ويتلطف بهم لطفا معتدلا ولا يبالغ في عقابهم ويجتنب الوجه والمقاتل ويتغافل عن خفي ذنوبهم ولا يعاقب على ذلك أول مرة بل يهدد ويزجر ومن عرف عدم صلاحه فارقه سريعا لئلا يفسد غيره ويخص كل واحد بشغل يلائمه ولا يختار أحدا للخدمة إلا بعد إمعان النظر والتجربة ويجتنب أصحاب صور مشوهة وتخطيطات متفاوتة فإن للخلق تابع للخلق وليس وراء الخلق الذميم إلا الخلق الذميم ونحو أعرج وأقرع وأبرص وكل ذي علة والمفرط جمالا دفعا للتهمة ويريبه ويزوجه إذا بلغ ويعتقه إذا كبر (فر عن عبد الرحمن بن عوف) وفيه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة مشهور وقال ابن سعد: ليس بحجة عن عبد الملك بن زيد ضعيف عن مصعب بن مصعب وقال ابن أبي حاتم: ضعفوه ذكره كله الذهبي الحديث: 4109 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 4110 - (خيركم المدافع عن عشيرته) في المهمات في حضورهم وغيبتهم ويرد عنهم من ظلمهم في مال أو عرض أو بدن ويكون الدفع بالأخف فالأخف (ما لم يأثم) أي ما لم يظلم الدافع في دفعه بأن تعدى الحد الواجب في الدفع كأن يتحامل على المدفوع لنحو عصيبة أو ضغينة قال في الإتحاف: الخيرية هنا باعتبار إضافي وما ذاك إلا أن من المدافعين من يدافع عن نفسه ومن يدافع عن أصدقائه ومن يدافع عن عشيرته وخير هؤلاء المدافع عن عشيرته وقوله ما لم يأثم زجر عن المبالغة في المدافعة حتى ينتهي المدافع إلى الإثم ونص عليه وإن كان معلوما ليكون مستحضرا في الذهن إذ الحمية قد تذهل عنه (د) في الأدب (عن سراقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف (ابن مالك) بن جعشم بضم الجيم وسكون المهملة الكناني [ص: 499] بنونين الندي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا لبست سواري كسرى فلبسهما زمن عمر وفيه أيوب بن سويد بن مسعود الحميري ضعفه ابن معين وغيره الحديث: 4110 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 4111 - (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن لا في غيره إذ خير الكلام كلام الله فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد خيرية خاصة من هذه الجهة أي جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط ولذلك استظهروا رواية الواو على أو لاقتضائها إثبات الخيرية لمن فعل أحد الأمرين ولا شك أن الجامع بينهما مكمل لنفسه ولغيره فهو الأفضل. وقال بعض المحققين: والذي يسبق للفهم من تعلم القرآن حفظه وتعلم فقهه فالخيار من جمعهما. قال الطيبي: ولا بد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص فمن أخلصهما وتخلق بهما دخل في زمرة الأنبياء (خ ت) عن علي في فضائل القرآن (هـ د ت) في السنة (عن عثمان) بن عفان رضي الله عنه الحديث: 4111 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 4112 - (خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلا على الناس) أي ثقيلا عليهم فإن الدنيا جارية مجرى الجناح المبلغ إلى الآخرة والآلة المسهلة إلى الوصول إليها ولهذا قال لقمان لابنه: خذ من الدنيا بلاغك وأبق فضول كسبك إلى آخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال محمولا وليس فيه ذم التوكل لأنه قطع النظر عن الأسباب لا تركها بالكلية فدفع الضرر المتوقع أو الواقع لا يناقض التوكل بل يجب كالهرب من نحو جدار ساقط وإساغة لقمة بالماء (خط) من حديث نعيم بن سالم وكذا الديلمي (عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح. قال ابن حبان: نعيم يضع على أنس الحديث: 4112 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 4113 - (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) وإنما يرجى خير من عرف بفعل الخير وشهرته به ومن غلب خيره أمنت القلوب من شره ومتى قوي الإيمان في قلب عبد رجى خيره وأمن شره ومتى ضعف قل خيره وغلب شره. قال الطيبي: التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر هنا قسمين ترغيبا وترهيبا وترك القسمين الباقيين إذ لا ترغيب ولا ترهيب (ع عن أنس) بن مالك (حم ت عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح الحديث: 4113 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 4114 - (خيركم أزهدكم في الدنيا) لدناءتها وفنائها (وأرغبكم في الآخرة) لشرفها وبقائها فالعاقل من نزه نفسه عن الدنيا وأوضارها وجعلها خادمة له وأجمل في الطلب وسعى في التخلص فإنه إذا أعرض عنها أتته راغمة خادمة والذي يصل إليه منها وهو يقبل عليها هو الذي يصل إليه وهو معرض عنها وأنا أضرب لك مثلا رجل صرف وجهه للشمس فرجع ظله خلفه فقصد نحو الشمس فاتبعه ظله ولم يلحقه ولا نال منه إلا ما حصل تحت قدميه فهل الإنسان إن أقبل بوجهه على ظله واستدبر الشمس وجرى ليلحق ظله فلا هو ملحق للظل وقد فاته حظه من الشمس وهم الذين قال الله فيهم {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} وما لحق من الظل إلا ما تحت قدميه وهو الحاصل له في استدباره الشمس من [ص: 500] الظل فأنت ذلك الرجل والشمس وجود الحق والظل الدنيا وما حصل تحت قدميك القوت الذي لا بد منه (هب عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 4114 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 4115 - (خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا) أي فهموا عن الله أوامره ونواهيه وسلكوا مناهج الكتاب والسنة وفي رواية لأبي يعلى بسند حسن كما قاله الهيثمي بدل فقهوا إذا سددوا (خد عن أبي هريرة) وسنده حسن الحديث: 4115 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 4116 - (خيركن أطولكن يدا) الخطاب لزوجاته ومراده طول اليد بالصدقة لا الطول الحسي وكان أكثرهن صدقة زينب كما سبق قضيته أنها أفضل زوجاته ومر حكاية الاتفاق على أن أفضلهن خديجة والأكثر على أن عائشة بعدها (ع عن أبي برزة) بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء وفتح الزاي قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فقال يوما: خيركن أطولكن يدا فقامت كل واحدة تضع يدها على الجدار فقال: لست أعني هذا ولكن أصنعكن لمعروف قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 4116 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 4117 - (خيرهن) يعني النساء (أيسرهن صداقا) بمعنى أن يسره دال على خيرية المرأة ويمنها وبركتها فيكون ذلك من قبيل الفأل الحسن (طب عن ابن عباس) رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما جابر الجعفي وفي الآخر رجاء بن الحارث وهما ضعيفان وبقية رجاله ثقات ذكره الهيثمي وقال في اللسان: رجاء بن الحارث قال البخاري: حديثه لبس بالقائم وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 4117 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 4118 - (خير سليمان بين المال والملك) الذي هو التلبس بشرف الدنيا والاستئثار بخيرها (والعلم) أي بالله تعالى وبأحكامه (فاختار العلم) عليهما (فأعطى المال والملك) مع العلم (لاختياره العلم) والعلم هو الملك الحقيقي لأن الملوك مملوكون لما ملكوا والعلماء ممكنون فيما إليه وجهوا لا يصدهم عن تكملة أمر الدين وإصلاح أمر الآخرة صاد ولا يردهم عنه راد فلما لم يرتض سليمان الملك أورثه الله عنه الأمانة ورفعة الولاية والاستيلاء على محاب القلوب فاسترعى له قلوب العالمين بما استرعى الملوك بعض خواص المستخدمين روي أن معسكره كان مئة فرسخ في مئة خمسة وعشرين للجن ومثلها للإنس ومثلها للطير ومثلها للوحش وكان له ألف بيت من قوارير فيها ثلاث مئة منكوحة وسبع مئة سرية وبساط من ذهب وإبريسم بوضع عليه كرسيه وهو من ذهب وحوله ست مئة ألف كرسي فيقعد على الذهب والعلماء على الفضة وحولهم الناس وحولهم الجن وتظلهم الطير وترفع الصبا البساط فيسير به مسيرة شهر في لحظة (ابن عساكر فر عن ابن عباس) وذكره ابن عبد البر معلقا الحديث: 4118 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 4119 - (خيرت) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله أي خيرني الله (بين الشفاعة) في عصاة المؤمنين (وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة) بغير شفاعة (فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى) إذ بها يدخلها كلهم ولو بعد دخول من مات مؤمنا النار (أترونها) استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا تظنون الشفاعة التي اخترتها (للمؤمنين المنقين لا ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين) قال بعض شراح الشفاء: والمنقين بنون وقاف مفتوحتين مع تشديد القاف جمع منقى أي مطهر معنى وحسا من [ص: 501] التنقية <تنبيه> قال القاضي: إن قلت: ما ذكر يستدعي أن لا يدخل أحد من العصاة النار قلت: اللازم منه عموم العفو وهؤلاء يستلزم عدم دخول النار لجواز أن يعفو عن بعضهم بعد الدخول وقبل استيفاء العذاب هذا وليس بحتم أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع بموجب وعده حيث قال {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وبقوله {إن الله يغفر الذنوب جميعا} اه. وقد أخذ بعضهم من هذا الخبر أنه يكره أن يسأل الله أن يرزقه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكونها لخاصة المذنبين ومنعه عياض بأنها قد تكون لتخفيف الحساب ورفع الدرجات (حم عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة (هـ عن أبي موسى) الأشعري قال المنذري بعد ما عزاه لأحمد والطبراني: إسناده جيد الحديث: 4119 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الخاء] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 4120 - (الخازن) مبتدأ (المسلم الأمين الذي يعطي) وفي رواية للبخاري ينفذ بفاء مكسورة مخففة أو مشددة وذال معجمة وفي رواية له ينفق (ما أمر به) بالبناء للمفعول من الصدقة (كاملا موفرا طيبة به نفسه) ثلاثتها حال ما أمر به (فيدفعه) عطف على يعطي (إلى) الشخص (الذي أمر له) تضم الهمزة مبنيا للمفعول أي الذي أمر الآمر له أي بالدفع (أحد المتصدقين) خبر المبتدأ أي بالرفع هو ورب الصدقة في الأجر سواء لا ترجيح لأحدهما على الآخر وإن اختلف مقداره لهما فهو من قبيل قولهم في المبالغة القلم أحد اللسانين فالذي يتصدق بماله له أجره مضاعفا أضعافا كثيرة والذي ينفذ له عشر حسنات فقط قال ابن حجر: وقوله المتصدقين ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية وجوز القرطبي الكسر على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين واعلم أن الأوصاف الثلاثة لا بد منها كون المتصدق مسلما ليصح منه التقريب أمينا لأن الخائن مأزور لا مأجور طيب النفس وإلا فقدت النية فلا أجر وفيه الخازن بكونه مسلما لأن الكافر لا نية له وبكونه أمنيا لأن الخائن غير مأجور أو رتب الأجر على إعطائه ما أمر به لئلا يكون خائنا أيضا وأن تكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفد الأجر (حم ق د ن) في الزكاة (عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 4120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 4121 - (الخاصرة عرق الكلية) هكذا هو بدون عطف في كثير من الأصول وفي بعضها وعرق الكلية بالواو (إذا تحرك أذى صاحبه فداوها بالماء المحرق والعسل) قال في الفردوس: الخاصرة وجع الخصر وهو الجنب والمحرق الماء المغلي بالحرق وهو النار بعينها اه (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وكذا الديلمي (عن عائشة) قال ابن الجوزي: ولا يصح فيه الحسين بن علوان قال ابن عدي: يصح الحديث اه ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن عائشة وقال: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان أشار إلى أنه خبر منكر ولا يكاد يعرف الحديث: 4121 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 [ص: 502] 4122 - (الخال وارث) أي وارث من لا وارث له بفرض ولا تعصيب كما في الحديث الذي عقبه (ابن النجار) الحافظ محب الدين مؤرخ بغداد (عن أبي هريرة) ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور وفيه شريك عن ليث وفيهما كلام يسير من جهة حفظهما ذكره الغرياني الحديث: 4122 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 4123 - (الخال وراث من لا وارث له) فيه حجة للجمهور في توريث ذوي الأرحام وشرط له الشافعي عدم انتظام بيت المال وإلا صرفت التركة والباقي بعد الفرض لبيت المال قال القاضي: وأول من لم يورثهم قوله وارث من لا وارث له بمثل قولهم الجوع زاد من لا زاد له وحملوا قوله في رواية أخرى يرث ماله على أنه أولى بأن يصرف له ما خلفه مقدما به على سائر المسلمين وقال الشيرازي: هذا على وجه السلب والنفي كقولهم الصبر حيلة من لا حيلة له وقيل أراد به السلطان فإنه يسمى خالا (ت عن عائشة عق عن أبي الدرداء) قال الترمذي: غريب ورواه أيضا أبو داود عن المقدام قاله المصنف في الدرر وضعفه ابن معين الحديث: 4123 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 4124 - (الخالة بمنزلة الأم) في الحضانة عند فقد الأم وأمهاتها لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والإهتداء إلى ما يصلح الولد ولا حجة فيه لزاعم أن الخالة ترث لأن الكلام في كونها مثلها في استحقاق الحضانة كما تقرر ولا يقدح في حضانتها كونها متزوجة بمن له دخل في الحضانة بالعصوية وهو ابن العم واستنبط منه أن الخالة مقدمة على العمة في الحضانة وأخذ من هذا الحديث وما قبله الذهبي أن عقوق الخالة كبيرة (ق ت عن البراء عن د علي) رضي الله عنه الحديث: 4124 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 4125 - (الخالة والدة) أي مثل الأم في استحقاق الحضانة لما ذكر (ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن علي مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا مع أن الطبراني أخرجه عن ابن مسعود مرفوعا قال الهيثمي: وفيه قيس بن الربيع مختلف فيه وبقية رجاله ثقات وقصارى ما يعتذر عن المؤلف أن رواة المرسل أمثل وهو بفرض تسليم الأمثلية لا ينجع إذ الجمع بينهما أنفع وأمنع وأخرجه العقيلي عن أبي هريرة مرفوعا (الخالة بمنزلة الأم ق ت عن البراء د عن علي) الحديث: 4125 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 4126 - (الخبث) بالسكون (سبعون جزءا للبربر تسعة وستون جزءا وللجن والإنس جزء واحد) الخبث بالسكون الفجور وروى الخبث بالباء الموحدة وهو الخداع والمكر كذا في مسند الفردوس وفي رواية للطبراني أيضا في الأوسط قسم الله الخبث على سبعين جزءا فجعل في البربر تسعة وستين جزءا وفي الناس جزء واحد (طب) عن إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم عن وهب بن راشد المغافري عن شرح بن هاعان (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: قيه عبد الله بن عبد الرحمن لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم ضعف ورواه عنه أيضا الديلمي قال: وفي الباب عثمان الحديث: 4126 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 [ص: 503] 4127 - (الخبز من الدرمك) بفتح الدال المهملة والميم بضبط المصنف وهو الدقيق الصافي الذي يضرب لونه إلى الصفرة مع لين ونعومة وأصل هذا أن ابن الصياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال: درمكة بيضاء فجاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم فقالوا: خبره فقال: الخبز من الدرمك (ت عن جابر) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير مجالد وقد وثقه غير واحد الحديث: 4127 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 4128 - (الخبر الصالح يجيء به الرجل الصالح والخبر السوء يجيء به الرجل السوء) ومصداقه في كلام الله تعالى قال في الإنجيل كل شجرة تعرف من ثمرها ليس يجمع بين الشوك تين ولا يقطع من الشوك عنب الرجل الصالح من الذخائر التي في قلبه يخرج الصالحات والشرير من ذخائره الشريرة يخرج الشر لأن من فضل ما في القلب ينطق الفم وكل شجرة لا تثمر ثمرة جيدة تقطع وتلقى في النار فمن ثمارهم تعرفونهم (ابن منيع) في المعجم وكذا الديلمي (عن أنس) وفي الباب أبو هريرة وغيره الحديث: 4128 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 4129 - (الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء) أخذ بظاهره أبو حنيفة ومالك فقالا: هو سنة مطلقا وقال أحمد: واجب على الذكر سنة للأنثى وأوجبه الشافعي في الذكور والإناث وأول الخبر بأن المراد بالسنة الطريقة لا ضد الواجب ووقت وجوبه بعد البلوغ قال الإمام الرازي: إن الحشفة قوية الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوي اللذة عند المباشرة وإذا قطعت صلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشرعنا تقليلا للذة لا قطعا لها توسيطا بين الإفراط والتفريط <فائدة> قال السهيلي: أول امرأة خفضت من النساء وثقبت آذانها وجرت ذيلها هاجر وذلك أن سارة غضبت عليها فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء فأمرها إبراهيم عليه السلام أن تبر قسمها بثقب آذنيها وخفاضها فصارت سنة في النساء كذا في الروض عن نوادر أبي زيد (حم) من حديث الحجاج بن أرطاة (عن والد أبي المليح) قال الذهبي: وحجاج ضعيف لا يحتج به (طب عن شداد بن أوس وابن عباس) رمز المصنف لحسنه قال البيهقي: ضعيف منقطع وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي: في سنده ضعيف وقال ابن حجر: فيه الحجاج بن أرطاة مدلس وقد اضطرب فيه قتادة وقال أبو حاتم: هذا خطأ من حجاج أو الراوي الحديث: 4129 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 4130 - (الخراج بالضمان) أي الغلة بإزاء الضمان أي مستحقة بسببه فمن كان ضمان المبيع عليه كان خراجه له وكما أن المبيع لو تلف أو نقص في يد المشتري فهو في عهدته وقد تلف على ملكه ليس على بائعه شيء فكذا لو زاد وحصل منه على غلة فهو له لا للبائع إذا فسخ بنحو عيب فالغنم لمن عليه الغرم ولا فرق عند الشافعية بين الزائد من نفس المبيع كالنتاج والثمر وغيرها كالغلة وقال الحنفية: إن حدثت الزوائد قبل القبض تبعت الأصل وإلا فإن كانت من عين المبيع كولد وثمر منعت الرد وإلا سلمت للمشتري وقال مالك: يرد الأولاد دون الغلة مطلقا قال الرافعي: وأصل الخراج ما يضربه السيد على عبده ضريبة يؤديها إليه فيسمى الحاصل منه خراجا وقال القاضي: الخراج اسم ما يخرج من أرض ثم استعمل في منافع الأملاك كريع الأراضي وغلة العبيد والحيوانات قال في المنضد: ويجوز كون المعنى ضمان الخراج بضمان الأصل أي أن الخراج مستحق بضمان الأصل [ص: 504] وهذا من فصيح الكلام ووجيز البلاغة وظريف البراعة وقال في المطامح: ادعى بعض الحنفية أن هذا الخبر ناسخ لخبر المصراة وهو باطل إذ لا حاجة للنسخ إذ هو عام وخبر المصراة خاص والخاص يقضي على العام (حم عد ك عن عائشة) قال الترمذي: حسن صحيح غريب اه وحكى البيهقي عنه أنه عرضه على البخاري فكأنه أعجبه اه وقد حقق الصدر المناوي تبعا للدارقطني وغيره أن هذا الطريق جيدة وأنها غير التي قال البخاري في حديثها إنه منكر وتلك قصة مطولة وهذا حديث مختصر الحديث: 4130 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 4131 - (الخرق شؤم والرفق يمن) أي بركة ونماء والخرق السرف والخروق الذي لا يقع في كفه غنى والشؤم ضد اليمن وهو أيضا الشر ويقال رجل مشؤوم غير مبارك والرفق بالكسر ضد الخرق وما استعين به من اللطف وفي الخبر ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغضب عن ابن شهاب) الزهري (مرسلا) الحديث: 4131 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 4132 - (الخضر هو إلياس) أي الخضر كنيته واسمه هو إلياس وهو غير إلياس المشهور ولا مانع من الاشتراك في الاسم لكن هذا اشتهر بكنيته وذاك باسمه وبذلك استبان أنه لا تدافع بين هذا الخبر والخبر الآتي عقبه وأن من وهم الاتحاد فقد وهم بل هما خبران بلا شك وقد جرى خلاف طويل في اسم الخضر فذهب بعض المتقدمين إلى أن اسمه إلياس أخذا بقضية هذا الخبر والأشهر أن اسمه بليا وقيل إليا وقيل خضرون وقيل اليسع وقيل عامر وقيل أحمد حكاه القشيري ونوزع وقيل هو أخو إلياس الآتي وقيل هو ابن آدم لصلبه وقيل ابن ابنه قابيل وقيل هو الرابع من أولاده وقيل هو إدريس وقيل هو ابن فرعون صاحب موسى وقيل ابن بنته وقيل أبوه فارسي وأمه روميه وقيل هو الذي عنده علم الكتاب صاحب سليمان وقيل ابن خالة ذي القرنين ووزيره وقيل هو من الملائكة الآدميين وهو غريب وقيل غير ذلك <فائدة> ذكر المصنف في الخصائص عن بعض السلف أن الخضر إلى الآن ينفذ الحقيقة وأن الذين يموتون فجأة هو الذي يقتلهم (ابن مردويه) في تفسير سورة الأنعام عن طاهر بن أحمد بن حمدان عن محمد بن جعفر الأسوى عن محمد بن يوسف الفراء عن هاشم بن عبيد الله الأزدي عن إبراهيم بن أبي خزي عن ابن أبي نجيح عن ابن الحارث (عن ابن عباس) وفيه من لا يعرف الحديث: 4132 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 4133 - (الخضر في البحر) أي معظم إقامته فيه (وإلياس) بكسر الهمزة من الأيس الخديعة والخيانة واختلاط العقل أو هو إفعال من قولهم رجل أليس أي شجاع لا يفر والأيس الثابت الذي لا يبرح كذا ذكره ابن الانباري قال السهيلي: والأصح أن الياس سمي بضد الرجاء ولامه للتعريف وهمزته همزة وصل وقيل قطع (في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل) تمامه طعامهما ذلك اه فكأنه سقط من قلم المصنف وهذا حديث ضعيف لكنه يتقوى بوروده من عدة طرق بألفاظ مختلفة فمنها ما في المستدرك عن أنس كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزل منزلا فإذا رجل في الوادي يقول اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المتاب عليها فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاث مئة ذراع فقال: من أنت قلت: أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص: 505] قال: وأين هو قلت: هو ذا يسمع كلامك قال: أقرئه السلام وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام فأتيته فأخبرته فجاء حتى اعتنقه ثم قعدا يتحدثان فقال: يا رسول الله إني إنما آكل في السنة مرة وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت فنزل عليهما مائدة من السماء عليها خبز وحوت وكرفس وأكلا وصليا العصر ثم ودعته فرأيته مشى في السحاب نحو السماء اه وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس مرفوعا يجتمع الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات بسم الله ما شاء الله. الحديث. قال ابن حجر: في إسناده ضعف لضعف محمد بن أحمد بن زيد وروى ابن عساكر عن أبي داود نحوه وهو معضل ورواه أحمد في الزهد وزاد أنهما يصومان رمضان ببيت المقدس قال ابن حجر: وإسناده حسن وروى الطبراني نحوه وذكر وهب في المبتدأ أن إلياس عمر كما عمر الخضر وأنه يبقى إلى آخر الدنيا في قصة طويلة وأخرج الحاكم في المستدرك أن إلياس اجتمع بالمصطفى وأكلا جميعا وأن طوله ثلاث مئة ذراع وإنه لا يأكل في السنة إلا مرة واحدة كما مر وأورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال: إنه خبر باطل وفي البخاري يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس قال ابن حجر: أما قول ابن مسعود فوصله عبد بن حميد وابن حاتم بإسناد حسن عنه وأما قول ابن عباس فوصله جويبر عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري وقيل إلياس إنما هو من بني إسرائيل (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4133 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 4134 - (الخط الحسن) يعني الكتابة الحسنة (تزيد الحق وضحا) وفي رواية وضوحا وذلك لأنه أنشط للقارىء وأبعث على تجريد الهمة للتأمل والتدبر ومن ثم قيل ردءاة الخط أحد الزمانين وقيل الخط الحسن وشيء محبوك وذهب مسبوك متنزه الألحاظ ومجتني الألفاظ قال: أضحكت قرطاسك عن جنة. . . أشجارها من حكم مثمرة ومن أمثالهم ما الثمر اليانع تحت خضرة الورق بأحسن من الخط الرائع في بياض الورق وتسويد بخط الكاتب أملح من توريد بخد الكاعب قال الماوردي: وتقول العرب الخط أحد اللسانين وحسنه أحد الفصاحتين وقال حكيم الروم: الخط هندسة روحانية وإن ظهر بآلة جسدانية وقال حكيم العرب: الخط أصل في الروح وإن ظهر بحواس الجسد قال الماوردي: ويجب على من أراد حفظ العلم أن يعتني بأمرين حفظ تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها وضبط ما اشتبه منها بالنقط والشكل المميز وما زاد على هذين من تحسين الخط وملاحة نظمه زيادة حذق بصنعته وليس بشرط في صحته قالوا: وحسن الخط لسان اليد ومهجة الضمير وقال المبرد: داء الخط زمانه الأدب وقال عبد الحميد: البيان في اللسان والبنان ومحل ما زاد على الخط المفهوم من تصحيح الحروف وحسن الصورة محل ما زاد على الكلام المفهوم ممن فصاحة الألفاظ وصحة الإعراب ولهذا قالوا: حسن الخط إحدى الفصاحتين (فر عن أم سلمة) قال في الميزان: هذا خبر منكر ورواه عنه ابن لال ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أجود الحديث: 4134 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 4135 - (الخلق كلهم عيال الله) أي فقراؤه وهو الذي يعولهم قال العسكري: هذا على المجاز والتوسع فإنه تعالى لما كان المتضمن لأرزاق العباد الكافل بها كان الخلق كعياله (فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) بالهداية إلى الله والتعليم لما يصلحهم والعطف عليهم والترحم والشفقة والإنفاق عليهم من فضل ما عنده وغير ذلك من وجوه الإحسان الأخروية والدنيوية والعادة أن السيد يحب الإحسان إلى عبيده وحاشيته ويجازي عليه وفيه حث على فضل قضاء حوائج الخلق ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو جاه أو إشارة أو نصح أو دلالة على خير أو إعانة أو شفاعة أو غير ذلك وقد أخذ هذا الحديث آبو العتاهية فقال: [ص: 506] الخلق كلهم عيال. . . الله تحت ظلاله. . . فاحبهم طرا إليه. . . أبرهم بعياله وقال: عيال الله أكرمهم عليه. . . أثبهم المكارم في عياله (ع والبزار) في مسنده وكذا البيهقي في الشعب (عن أنس) قال الهيثمي: فيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك انتهى ومن ثم قال المصنف في الدرر كالزركشي: سنده ضعيف (طب وكذا الديلمي عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال الهيثمي: فيه موسى بن عمير أبو عبيد وهو أبو هارون القدسي متروك انتهى. وفي الميزان: يوسف بن عطية البصري الصفار قال النسائي: متروك والبخاري: منكر الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وفي الحديث قصة وهي ما أخرجه ابن منيع عن إبراهيم الموصلي قال: كنت بالشماسة وكان أمير المؤمنين يجري الجلية ويحيى بن أكثم معه فجعل يدير بصره ينظر إلى كثرة الناس ويقول ليحيى: أما ترى أما ترى ثم قال: حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس فذكره الحديث: 4135 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 4136 - (الخلق كلهم يصلون على معلم) الناس (الخير) أي العلم الشرعي كما بينه في رواية أخرى (حتى نينال البحر) أي حيتانه جمع نون ومعنى يصلون عليه يستغفرون له ويتضرعون ويطلبون له الزلفى لأن نفع علمه يتعدى إلى جميع الحيوانات حتى من هو مأمور بقتله فيقول فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة (فر) وكذا أبو نعيم (عن عائشة) وفيه شاذ بن فياض أورده الذهبي في الضعفاء عن الحارث بن شبل وقد ضعفه الدارقطني الحديث: 4136 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 4137 - (الخلق) بضمتين (الحسن يذيب الخطايا) جمع خطيئة (كما يذيب الماء الجليد) هو الماء الجامد من شدة البرد لأن صنائع المعروف لا تكون إلا من حسن الخلق والصنائع حسنات والحسنات يذهبن السيئات كما مر (والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أشار به إلى أن المرء إنما يحوز جميع الخيرات ويبلغ أقصى المنازل وأبهى الغايات بحسن الخلق قالوا: وهذا الحديث من جوامع الكلم (طب عن ابن عباس) وفيه عيسى بن ميمون المديني وهو ضعيف ذكره الهيثمي ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وضعفه المنذري وغيره الحديث: 4137 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 4138 - (الخلق الحسن) بالضم (زمام من رحمة الله) فمن رزقه فقد أفيض عليه من خزائن الرحمة التي تعيش أهلها عيش أهل الجنان وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول بل بقيته عند مخرجه أبي الشيخ بعد قوله من رحمة الله في أنف صاحبه والزمام بيد الملك والملك يجره إلى الخير والخير يجره إلى الجنة وأن الخلق السيء زمام من عذاب الله عز وجل في أنف صاحبه والزمام بيد الشيطان والشيطان يجره إلى الشر والشر يجره إلى النار اه بلفظه فحذف المصنف له من سوء التصرف وإن كان جائزا (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) ثواب الأعمال (عن أبي موسى) الأشعري وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه بل خرجه الحاكم والديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن أبي موسى المذكور من طريقتين وقال كلا الإسنادين ضعيف الحديث: 4138 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 4139 - (الخلق الحسن لا ينزع إلا من ولد حيضة) أي ممن جامع أبوه أمه في حال حيضها فعلقت به حينئذ (أو ولد زنية) بكسر الزاي قال في الفردوس: ويقال زينة بفتحها وهذا يعارضه حديث ولد الزنا ليس عليه من وزر أبويه شيء وقد قال تعالى: {ولا تزر وزارة وزر أخرى} وقد يجاب عنه بما سيجيء من تأويله إذا عمل بعمل أبويه (فر عن [ص: 507] أبي هريرة) وفيه بشر بن رافع قال الذهبي: ضعيف باتفاق ورواه عنه أيضا ابن المرزبان وابن زنجويه والقطان الحديث: 4139 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 4140 - (الخلق) بالضم (وعاء الدين) لأن القلب إذا طهر من الرين وصفت الأخلاق من الدنس والكدر نال العبد المعرفة الموصلة له إلى ربه فإذا وصل القلب إلى الرب دان له فعندها أصاب الدين الذي يدين الله به ومن ثم قالوا: الدين في صفاء الأخلاق وطهارة القلب وإذا رزق العبد حسن الخلق كان القلب حرا من رق النفس فهان عليه التواضع والخشوع لأمر الله والرضى بحكمه والقنع بقسمه فمن ذلك الخلق يخرج الدين فكان كالوعاء فافهم. <تنبيه> المراد بالخلق الحسن في هذه الأخبار ونحوها ما يشمل الأمور المعنوية الصادرة عن الملكة النفسانية بسهولة من غير روية وقد جاء في أخبار وآثار تسمية بعض ما يصدر عنها من خلال الكمالات التي ليست ملكات أخلاقا ولا مانع من إطلاق الخلق مجازا على ما يصدر من تلك الملكة باعتبار كونه أثرها ومسببا عنها سيما مع شيوع إطلاق السبب على المسبب وعكسه واسم الأثر على المؤثر وعكسه ولذلك تراهم يسمون كل خصلة معنوية صادرة عن الملكة خلقا إما على المجاز أو الحقيقة العرفية والشرعية والاسم الجامع للشعب الإيمانية والكمالات القلبية هو الخلق الحسن (الحكيم) الترمذي (عن أنس) بن مالك لكنه لم يذكر له سندا بل علقه فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب الحديث: 4140 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 4141 - (الخمر أم الفواحش) أي التي تجمع كل خبيث وإذا قيل أم الخير فهي التي تجمع كل خير وإذا قيل أم الشر فهي التي تجمع كل شر (وأكبر الكبائر) أي من أكبرها كما مر نظيره غير مرة (من شربها) وسكر (وقع على أمه وخالته وعمته) أي جامع الواحدة منهن يظن أنها زوجته وهو لا يشعر ومن ثم جعلها الله مفتاح كل إثم كما جعل الغناء مفتاح الزنا وإطلاق النظر في الصور مفتاح العشق والكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان والمعاصي مفتاح الكفر والكذب مفتاح النفاق والحرص مفتاح البخل وهذه أمور لا يصدق بها إلا من له بصيرة صحيحة ولب يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من خير وشر (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف انتهى. فرمز المؤلف لصحته غير سديد الحديث: 4141 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 4142 - (الخمر ام الفواحش) الأخروية والدنيوية لأنها تصدع وتكثر اللغو على شربها بل لا يطيل شرابها إلا باللغو وهي كريهة المذاق ورجس ومن عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتستر العقل الذي هو نور الهدى وآلة الرشد ألا ترى إلى حمزة رضي الله عنه لما زال عقله بها قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم: هل أنتم إلا عبيد أبي أو آبائي فجعله عبدا لكافر قال ابن العربي: وهذا قول إد وحديث إلى الكفر ممتد وعذره المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه لزوال عقله بما كان مباحا حينئذ ولو كان زواله بمحرم ما عذره ثم استقر الأمر على تشديد التحريم (و) من ثم كانت (أكبر الكبائر) أي من أعظمها (ومن شرب الخمر) فسكر (ترك الصلاة ووقع على أمه وعمته وخالته) أي جامع الواحدة منهن وهو لا يميز بينها وبين حليلته أو الأجنبية ومن ثم حدوا السكران بأنه الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض ولا يفرق بين أمه وزوجته ومن قبائحها وفضائحها أنها تذهب الغيرة وتورث الخزي والفضيحة والندامة وتلحق شاربها بأحقر نوع الإنسان وهم المجانين وتسلبه أحسن الأسماء [ص: 508] والصفات وتسهل قتل النفس ومؤاخاة الشياطين وهتك الأستار وإظهار الأسرار وتدل على العورات وتهون ارتكاب القبائح والجرائم وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى وأذلت من عزيز ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة وفرقت بين رجل وزوجة فذهبت بقلبه وراحت بلبه وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة وأوقعت في بلية وعجلت من منية وكم وكم ولو لم يكن من فواحشها إلا أنها تجتمع هي وخمر الجنة في جوف واحد لكفى وآفاتها لا تحصى وفضائحها لا تستقصى وفي هذا القدر كفاية (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: صحيح الحديث: 4142 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 4143 - (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب) بجرهما بدل من الشجرتين وبرفعهما خبر مبتدأ محذوف وأراد بالخمر هنا ما يخامر العقل ويزيله لأن الخمر اللغوي وهي التي من العنب لا يكون من النخلة والغرض من الحديث بيان حكم الخمر يعني تحريم الخمر من هاتين لا بيان حقيقتها اللغوية لأنه غير مبعوث لبيانها فتخصيص الجنسين لا يدل على نفي ما عداهما قال الطيبي: وقوله من هاتين بيان لحصولها منهما غالبا وليس للحصر لخلو التركيب عن أدائه وقال ابن العربي: هذا بيان من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ولم يكن عندهم مشروب إلا من هذين النوعين وكان عند غيرهم من كل مطعوم فعند قوم من بر وعند آخرين من ذرة وعند آخرين من أرز وغير ذلك فخاطب أولئك بقوله إن من الزبيب خمرا وإن من البر لخمرا وإن من الشعير لخمرا إلخ وقال القرطبي: هذا الحديث حجة للجمهور على تسمية ما يعصر من غير العنب بالخمر إذا أسكر ولا حجة فيه لأبي حنيفة حيث قصر الحكم بالتحريم على هاتين الشجرتين لأن جاء في أحاديث أخر ما يقتضي تحريم كل مسكر وإنما خص هنا الشجرتين بالذكر لأن أكثر الخمر منهما أو أعلى الخمر عند أهلها وهذا نحو قولهم المال الإبل أي معظمها وأعمها (حم م 4) في الأشربة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري ورواه مسلم أيضا بلفظ الخمر من هاتين الشجرتين الكرمة والنخل وفي رواية له الكرم والنخل الحديث: 4143 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 4144 - (الخمر أم الخبائث) أي تجتمع فيها وترجع كلها إليها لأنها تغطي العقل فتعمى بصيرته عن مقابح المعاصي فيرتكبها فتجتمع عليه المآثم فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوما قيل لأنها تبقى في عظامه وعروقه نحو الأربعين (فإن مات وهي في بطنه مات ميتة) بكسر الميم اسم للنوع (جاهلية) صفة ميتة يعني صار منابذا لأمر الشرع وإذا مات على هذه الحالة مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية (طس عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وفيه الحكم بن عبد الرحمن البجلي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مختلف فيه ورواه الدارقطني بهذا اللفظ عن ابن عمرو وفيه الحكم بن عبد الرحمن بن أنعم ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم: صالح الحديث: 4144 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 4145 - (الخلافة في قريش) يعني أن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم من بعده إنما يكون منهم فلا يجوز نصبه من غيرهم عند وجودهم وسمي خليفة لأنه خلف الماضي قبله وقام مقامه ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود قال الحرالي: والملك التلبس بشرف الدنيا واستئثاره بخيرها (والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة) قال الزمخشري: يعني الأذان وجعله في الحبشة تفضيلا لبلال ورفقا منه وجعل الحكم في الأنصار لأن أكثر فقهاء الصحابة منهم كمعاذ وأبي زيد وغيرهم (والجهاد والهجرة) أي التحول من ديار الكفر إلى ديار الإسلام (في المسلمين) أي كلهم (والمجاهدين بعد) قال في الفردوس: [ص: 509] الدعوة الأذان والحكم الفقه والقضاء لأن أكثر فقهاء الصحابة من الأنصار (حم طب عن عتبة) بضم العين المهملة ومثناة فوقية ساكنة (ابن عبد) السلمي أبي الوليد صحابي شهد أول مشاهده قريظة رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 4145 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 4146 - (الخلافة) قال الحافظ في الفتح: أراد بالخلافة خلافة النبوة وأما معاوية ومن بعده فعلى طريقة الملوك ولو سموا خلفاء (بعدي في أمتي ثلاثون سنة) قالوا: لم يكن في الثلاثين إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن فمدة الصديق سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام وعمر عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام وعثمان إحدى عشرة سنة وإحدى عشرة شهرا وتسعة أيام وعلي أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام (1) (ثم ملك بعد ذلك) وفي رواية ثم يكون ملكا أي يصير ملكا لأن اسم الخلافة إنما هو لمن صدق عليه هذا الاسم بعمله للسنة والمخالفون ملوك وإن تسموا بالخلفاء وأخرج البيهقي في المدخل عن سفينة أن أول الملوك معاوية وقال الزمخشري: قد افتتحوا يعني خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم بعده المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا ثم خرج الذين على خلاف سيرتهم فكفروا بتلك الأنعم ففسقوا وذلك قوله الخلافة بعدي ثلاثون إلخ. وقيل لسعيد بن الجبهان: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم فقال: كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك. لا يقال ينافي هذا خبر لا يزال هذا الدين قائما حتى يملك اثني عشر خليفة. الحديث. لأنا نقول: إلى هنا للكمال فيكون المراد الخلافة الكاملة ثلاثون وهي منحصرة في الخمسة والمراد ثم مطلق الخلافة لأن مما عد من أولئك يزيد <تنبيه> أخذ بعض المجتهدين من هذا الخبر أن إجماع الخلفاء الأربعة حجة والصحيح عند الشافعية أنه غير حجة (حم ت ع حب عن سفينة) مولى النبي صلى الله عليه وسلم أو مولى أم سلمة وهي أعتقته واسمه مهران أو رومان أو قيس أو عبس وكنيته أبو عبد الرحمن أو أبو البحتري سماه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سفينة لأنه كان معه في سفر فأعياه بعض القوم فألقى متاعه عليه فحمل شيئا كثيرا ورواه عنه أيضا أبو داود في الستة والنسائي في المناقب   (1) فعلى هذا: الثلاثون مدة الخلفاء الأربعة فقط كما حرر فلعلهم ألغوا الأيام وبعض الشهور أي فأدخلوا فيها مدة الحسن وذكر النووي أن مدة الحسن نحو سبعة أشهر الحديث: 4146 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 4148 - (الخوارج) الذين يزعمون أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدا (كلاب) أهل (النار) هم قوم {ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} وذلك لأنهم دأبوا ونصبوا في العبادة وفي قلوبهم زيغ فمرقوا من الدين بإغواء شيطانهم حتى كفروا الموحدين بذنب واحد وتأولوا التنزيل على غير وجهه فخذلوا بعد ما أيدوا حتى صاروا كلاب النار فالمؤمن يستر ويرحم ويرجو المغفرة والرحمة والمفتون الخارجي يهتك ويعير ويقنط وهذه أخلاق الكلاب وأفعالهم فلما كلبوا على عباد الله ونظروا لهم بعين النقص والعداوة ودخلوا النار صاروا في هيئة أعمالهم كلابا كما كانوا على أهل السنة في الدنيا كلابا بالمعنى المذكور. قال الخطابي: أجمعوا على أنهم على ضلالهم مسلمون وسئل علي: أكفار هم؟ فقال: من الكفر فروا فقيل: أمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرونه بكرة وأصيلا قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا قال الغزالي في الوسيط: في حكم الخوارج وجهان أحدهما أنهم كأهل الردة الثاني حكمهم كأهل البغي. قال ابن حجر: وليس مطردا في كل خارجي فإنهم أصناف منها من تقدم ذكره ومنها من [ص: 510] خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده وهم قسمان: قسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسيرة النبوية فهؤلاء أهل حق ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج وقسم خرجوا لطلب الملك فقط وهم البغاة وقد عقد لهم الفقهاء بابا (حم د ك) من حديث الأعمش (عن ابن أبي أوفى) قال ابن الجوزي: قال أحمد لم يسمع الأعمش من ابن أبي أوفى (حم ك عن أبي أمامة) قال ابن الجوزي: تفرد به المخزومي عن إسماعيل وإسماعيل ليس بشيء. قال أحمد: حدث بأحاديث موضوعة وقال ابن حبان: يضع على الثقات الحديث: 4148 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 4149 - (الخير أسرع إلى البيت الذي يؤكل فيه من الشفرة إلى سنام البعير) شبه سرعة وصول الخير إلى البيت الذي يغشاه الضيفان بسرعة وصول الشفرة إلى السنام لأنه أول ما يقطع ويؤكل لمزيد لذته (هـ عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي كالمنذري: سنده ضعيف الحديث: 4149 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 4150 - (الخير أسرع إلى البيت الذي يغشى) بالبناء للمجهول أي يغشاه الضيوف (من الشفرة إلى سنام البعير) فيه سر لطيف وهو أنه وازن بين الخلف والبذل وبين فضل الضيف بنحر البعير لضيفانه (هـ عن أنس) قال العراقي: إسناده ضعيف لكن له شواهد الحديث: 4150 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 4151 - (الخير مع أكابركم) قال في الفردوس: ويروى البركة مع أكابركم وأراد العلماء والأولياء وإن صغر سنهم أو المجربين للأمور وقد سبق موجها (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4151 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 4152 - (الخير عادة) لعود النفس إليه وحرصها عليه من أصل الفطرة قال في الإحياء: من لم يكن في أصل الفطرة جوادا مثلا فيتعود ذلك بالتكلف ومن لم يخلق متواضعا يتكلفه إلى أن يتعوده وكذلك سائر الصفات يعالج بضدها إلى أن يحصل الغرض وبالمداومة على العبادة ومخالفة الشهوات تحسن صورة الباطن (والشر لجاجة) لما فيه من العوج وضيق النفس والكرب والعادة مشتقة من العود إلى الشيء مرة بعد أخرى قال العامري في شرح الشهاب: وأكثر ما تستعمل العرب العادة في الخير وفيما يسر وينفع. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم " عودوا قلوبكم الرقة " فحث على تعويده ليؤلف فيسهل. اعترض كلب في طريق عيسى عليه السلام فقال: اذهب عافاك الله فقيل له: تخاطب به كلبا؟ قال: لسان عودته الخير فتعود وقال الحكماء: العادة طبيعة خامسة واللجاج أكثر ما يستعمل في المراجعة في الشيء المضر بشؤم الطبع بغير تدبر عاقبة ويسمى فاعله لجوجا كأنه أخذ من لجة البحر وهي أخطر ما فيه فزجرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عادة الشر بتسميتها لجاجة وميزها عن تعود الخير بالاسم للفرق فعلى من لم يرزق قلبا سليما من الشر أن يروض نفسه على الخير والكف عن الشر ويلزمها المداومة على ذلك وإنما يؤتى العبد من الضجر والملال والعجلة (ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) أي يفهمه ويبصره في كلام الله ورسوله لأن ذلك يقوده إلى التقوى والتقوى تقوده إلى الجنة (هـ عن معاوية) بن أبي سفيان وفيه مروان بن جناح قال في الميزان عن أبي حاتم: لا يحتج به وعن الدارقطني: لا بأس به الحديث: 4152 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 4153 - (الخير كثير) أي وجوهه كثيرة (و) لكن (من يعمل به قليل) لإقبال الناس على دنياهم وإهمالهم ما ينفعهم في أخراهم وجهلهم بأسرار الشريعة إذ كل مباح ينقلب طاعة مثابا عليها بالنية كما لو نوى بأكله أن يقوى على الجهاد والصلاة [ص: 511] والصوم أو نحو ذلك وكما لو نوى بالجماع إعفاف نفسه أو زوجته أو أن يخرج منهما ولد صالح يذكر الله تعالى إلى غير ذلك مما يطول ذكره (طس) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه الحسن بن عبد الأول ضعيف الحديث: 4153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 4154 - (الخير كثير وقليل فاعله) فيه ما تقرر فيما قبله (خط عن ابن عمرو) بن العاص وفيه أحمد بن عمران الأخفش قال البخاري: يتكلمون فيه وعطاء بن السائب ساء حفظه الحديث: 4154 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 4155 - (الخير معقود بنواصي الخيل) قال الحرالي: اسم جمع لهذا الجنس المجهول على هذا الإختيال لما خلق الله له من الاعتزاز به وقوة المنة في الافتراس عليه الذي منه سمي واحده فرسا (إلى يوم القيامة) أي في ذواتهم فكنى بالناصية عن الذات يقال فلان مبارك الناصية أي ذاته وإنما كانت مباركة لحصول الجهاد بها قال بعض الكاملين: وفيه من صنع البديع ما يسنى تجنيسا مضارعا وهو أن يختنف المتجانسان بحرف والحرفان متقاربان في المخرج (والمنفق على الخيل كالباسط كفه بالنفقة لا يقبضها) قال النووي: وأما حديث إن الشؤم قد يكون في الفرس فالمراد فيه غير المعدة للغزو ونحوه وأن الخير والشؤم يجتمعان فيها لتفسيره الخير بالأجر والمغنم في الرواية الآتية ولا يمنع مع هذا أن يتشاءم به ثم إن هذا الحديث وما بعده من أعلى درجات البلاغة حيث أوقع الجناس بين لفظين اختلفا في آخر حرف في كل منهما بحسب الصيغة فقط من نوع ما وقع الاختلاف فيه بحرف كخبر أسلم تسلم وذا عكسه إذ الاختلاف ثم وقع في أول كلمة وهنا في آخرها (طس) وكذا أبو يعلى (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار النفقة الحديث: 4155 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 4156 - (الخيل معقود في نواصيها الخير) أي ملازم لها كأنه معقود فيها فهو استعارة مكنية كما ذكره القاضي قال: وتصعد حتى يظن الجهول. . . بأن له حاجة في السماء وقال: وهي الشمس مسكنها في السما. . . ء فعز الفؤاد غدا جميلا (إلى يوم القيامة) أي إلى قربه آذن به أن الجهاد قائم إلى ذلك الوقت وهذا عد من جوامع كلمه (مالك) في الموطأ (حم ق ن هـ عن عروة) بضم أوله (ابن الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمهملة الثانية ويقال ابن أبي الجعد البارقي صحابي نزل الكوفة وهو أول من قضى بها (خ عن أنس) بن مالك (م ت ن هـ عن أبي هريرة حم عن أبي ذر وعن أبي سعيد طب عن سواد بن الربيع عن النعمان بن بشير وعن أبي كبشة) قال ابن حجر: وفي الباب أبو هريرة وجابر وحذيفة وغيرهم قال المصنف: وهو متواتر الحديث: 4156 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 4157 - (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر) بدل من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر (والمغنم) قال الطيبي: يحتمل كون الخير المفسر بهما استعارة لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها فكأنه [ص: 512] شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على محل مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه وذكر الناصية تجريدا للإستعارة اه. لكن ذهب جدي الأعلى من جهة الأم الحافظ الزين العراقي إلى أنه أمر خاص بناصيتها بدليل النهي عن قصها (حم ق ت ن عن عروة) البارقي (حم م ن عن جرير) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجه فرس فذكره الحديث: 4157 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 4158 - (الخيل معقود في نواصيها الخير واليمن) أي البركة (إلى يوم القيامة) قال في المطامح: هذا من جملة معجزاته لدلالته على بقاء الجهاد وإعلاء كلمة الإسلام إلى يوم القيامة (وأهلها معانون عليها) أي على الإنفاق عليها (قلدوها ولا تقلدوها الأوتار) أي قلدوها طلب الأعداء ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية أي ثأرانهم أي دمائهم يعني لا تجعلوا ذلك لازما لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق أو أراد وتر القوس أو الأوتار التي تقلد لدفع العين (طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف الحديث: 4158 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 4159 - (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة) قال ابن حجر: وفي هذه الأخبار كلها ترغيب في الغزو على الخيل وبقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون وهو كحديث لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق (وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار) جمع وتر بالتحريك. قال ابن الجوزي: المراد بالأوتار ثلاثة أقوال: أحدها أنهم كانوا يقلدونها أوتار القسى لئلا يصيبها العين بزعمهم فنهوا عنها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من الله شيئا الثاني نهى عنه لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض والرعي والثالث أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس فنهوا عنها وزعم أن الأوتار جمع وتر بالسكون والمراد به الثأر وأن المراد النهي عن طلب الثأر تكلف وتعسف ومن ثم قال النووي: هو تأويل ضعيف (حم عن جابر) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 4159 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 4160 - (الخيل معقود بنواصيها الخير والنبل إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها والمنفق عليها) في العلف وغيره (كباسط يده في صدقة) في حصول الأجر (وأبوالها وأوراثها لأهلها عند الله يوم القيامة من مسك الجنة) أي أنها تصير كذلك قال جمع: قوله الخيل لفظ عام والمراد به الخيل الغازية في سبيل الله لقوله في الحديث الآتي الخيل ثلاثة أو المراد جنس الخيل أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير فأما من ارتبطها لمحرم فحصول الوزر لطرو ذلك الأمر (طب) وكذا في الأوسط (عن عريب) بعين مهملة مفتوحة وراء مكسورة أبي عبد الله (المليكي) شامي. قال البخاري: له صحبة. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه الحديث: 4160 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 4161 - (الخيل ثلاثة ففرس للرحمن وفرس للشيطان وفرس للإنسان) فيه جواز السجع إذا كان بغير تكلف (فأما [ص: 513] فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله) أي للجهاد عليه لإعلاء كلمة الله (فعلفه وروثه وبوله في ميزانه) يوم القيامة في كفة الحسنات فإن قيل: فما بال الروث والحسنات وهي من النجاسات قلنا: إذا رعت الدابة شبعت ومن تمام شبعها طرح الفضلة فلما كانت من منافعها كتب له أجرها ولا نزاع في نجاستها فإن دم الشهيد نجس وريحه ريح المسك في سبيل الله فمن ذهب إلى أنه إذا نوى بالفرس الجهاد يكون بوله وروثه طاهرا فقد أخطأ خطأ ظاهرا (وأما فرس الشيطان) أي إبليس (فالذي يقامر أو يراهن) بالبناء للمجهول (عليه) على رسوم الجاهلية وطرائقهم وذلك أن يتواضعا بينهما جعلا يستحقه السابق منهما كذا ذكره الزمخشري (وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها) أي يطلب ما في بطنها يعني النتاج وفي رواية يستنبطها والاستنباط استخراج الماء فاستعير لإخراج النسل (فهي) لهذا الثالث (ستر من فقر) أي تحول بينه وبين الفقر بارتفاقه بثمن نتاجها كما يحول الستر بين الشيء وبين الناظرين وقد أخرج أبو داود وغيره عن أنس أنه لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل (حم عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله ثقات فإن القاسم بن حبان سمع من ابن مسعود فالحديث صحيح الحديث: 4161 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 4162 - (الخيل لثلاثة) في الفتح فهم بعضهم الحصر فقال: اتخاذ الخيل لا يخرج عن كونه مطلوبا أو مباحا أو ممنوعا فشمل المطلوب الواجب والمندوب والممنوع المكروه والمحرم واعترض (هن) وفي نسخة هي وخط المصنف محتمل لهما (لرجل أجر) أي ثواب (ولرجل ستر) أي ساتر لفقره ولحاله (وعلى رجل وزر) أي إثم ووجه الحصر في الثلاثة أن الذي يقتني خيلا إما أن يقتنيها لركوب أو تجارة وكل منهما إما أن يقترن به فعل طاعة وهو الأول أو معصية وهو الأخير أو لا ولا وهو الثاني (فأما) الأول (الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله) أي أعدها للجهاد (فأطال لها) أي للخيل حبلها (في مرج) (1) بسكون الراء وبالجيم أرض واسعة ذات كلأ يرعى فيها سمي به لأنها تمرح به أي تسرح وتجيء وتذهب كيف شاءت (أو روضة) شك من الراوي وهي الموضع الذي يكثر الماء فيه فيكون فيه صنوف النبات من الرياحين وغيرها فالفرق بين المرج والروضة أن الأول معد لرعي الدواب والروضة إنما هي للتنزه فيها (فما أصابت في طيلها ذلك) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية وفي رواية بالواو الحبل الذي تربط به ويطول لترعى (من المرج أو الروضة) من فيه بيان لما (كانت له حسنات) يعني يكون لصاحب الخيل ثواب مقدار مواضع إصابتها في ذلك الحبل الذي ربطت فيه (ولو أنها قطعت طيلها فاستنت) (2) بتشديد النون أي عدت ومرجت ورمحت (شرفا أو شرفين) أي شوطا أو شوطين سمي به لأن الغازي يشرف على ما يتوجه إليه. قال في المصابيح كالتنقيح: الشرف العالي من الأرض (كانت آثارها) بالمد أي مقدار آثارها في الأرض بحوافرها عند عدوها (وأرواثها) أي وأبوالها (حسنات له) يريد ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن (ولو أنها مرت بنهر) بسكون الهاء وفتحها واحد الأنهار (فشربت) منه (ولم يرد أن يسقيها) أي والحال أن صاحبها لم يقصد سقيها وفي [ص: 514] رواية ولم يرد أن يسقي بحذف ضمير المفعول (فإن ذلك) أي ما شربته يعني قدره وإرادته أن يسقيها (حسنات له) وإذا حصل له هذا الثواب حيث لم يقصد سقيها ففي قصده أولى فهو من التنبيه بالأدنى على الأعلى (و) الثاني الذي هي له ستر (رجل ربطها تغنيا) بفتح المثناة والمعجمة أي استغناء عن الناس يطلب نتاجها (وسترا) من الفقر (وتعففا) عن سؤال الناس عند الحاجة ببيع نتاجها أو بما يحصل من أجرتها أومن الاتجار فيها أو بما يتردد عليها في مزارعة ومتاجرة ومعاملة (ثم لم ينس حق الله) المفروض (في رقابها) بالإحسان إليها والقيام بعلفها والشفقة عليها في الركوب وخص الرقاب لاستعارتها كثيرا في الحقوق اللازمة (و) لا في (ظهورها) بأن يحمل عليها الغازي المنقطع ويعير الفحل لمن طلب منه إعارته للطروق أو بأن لا يحملها ما لا تطيقه ونحو ذلك وعلى هذا التقدير فلا حجة فيه للحنفية في إيجاب الزكاة فيها لأن الدليل إذا طرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال (فهي له) أي لصاحبها (سترا) أي ساتر من المسكنة (و) الثالث التي هي وزر (رجل ربطها فخرا) نصب للتعليل أي لأجل الفخر أي تعاظما (ورياء) إظهارا للطاعة والباطن بخلافه (ونواء) بكسر النون والمد أي مناوأة ومعاداة (لأهل الإسلام) كقوله ناوأت العدو مناوأة والمراد العداوة والواو بمعنى أو فكل واحد مذموم وحده وفيه بيان فضل الخيل وأنها إنما يكون في نواصيها الخير إذا كانت لطاعة أو مباح وإلا (فهي له وزر) أي إثم قيل علة كونها وزرا مجموع هذه الأوصاف الثلاثة لأن الفخر لأهل العلم والرؤساء ليس بموجب للوزر كذا قيل وفيه تكلف ظاهر والظاهر أن لكل واحد موجب (مالك) في المؤطأ (حم ق ت ن هـ عن أبي هريرة)   (1) وأكثر ما يطلق المرج في الموضع المطمئن والروضة أكثر ما تطلق في الموضع المرتفع (2) قال في النهاية استن الفرس أي عدا لمرحمة ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب عليه وقال الجوهري: هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا الحديث: 4162 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 4163 - (الخيل في نواصي شقرها الخير) أي اليمن والبركة والشقر والشقرة من الألوان وهي تختلف بالنسبة إلى الإنسان والخيل والإبل ففي الإنسان حمرة صافية مائلة إلى البياض وفي الخيل حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب فإن اسود فهو الكميت وفي الإبل شدة الحمرة وسبق أن هذا لا تعارض بينه وبين خبر خير الخيل الأدهم قال جدنا الأعلى من قبل الأم الزين العراقي: سبب تفضيله صلى الله عليه وسلم للشقر من الخيل التفاؤل بها رواه أحمد في مسنده بعد ذكر حديثه المرفوع وفيه: وسألوه لم فضل الأشقر؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فكان أول من جاء بالفتح صاحب الأشقر (خط عن ابن عباس) وفيه إسماعيل بن عبد الله البغدادي أبو الشيخ [ابن حبان] قال الذهبي: متروك الحديث الحديث: 4163 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 4164 - (الخيمة) المذكورة في القرآن في قوله سبحانه وتعالى {حور مقصورات في الخيام} وهي بيت من بيوت الأعراب مربع (درة مجوفة) بفتح الواو المشددة أي واسعة الجوف وفي رواية للبخاري در مجوف طوله بالتذكير على معنى الشيء الساتر (طولها في السماء ستون) وفي رواية ثلاثون (ميلا في كل زاوية منها) أي من زوايا الخيمة (للمؤمن أهل لا يراهم) أهله (الآخرون) من سمة تلك الخيمة وكثرة مرافقها وأرجائها قال في الفردوس: لما نزل قوله تعالى {حور مقصورات في الخيام} قيل: يا رسول الله ما الخيمة فذكره (ق عن أبي موسى) الأشعري ووهم من زعم أنه من أفراد البخاري الحديث: 4164 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 [ص: 515] حرف الدال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 4165 - (داووا مرضاكم بالصدقة) فإن الطب نوعان جسماني وروحاني فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأول آنفا وأشار الآن إلى الثاني فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإغاثة مكروب وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية ولا ينكر ذلك إلا من كشف حجابه والنبي صلى الله عليه وسلم طبيب القلوب فمن وجد عنده كمال استعداد إلى الإقبال على رب العباد أمره بالطب الروحاني ومن رآه على خلاف ذلك وصف له ما يليق من الأدوية الحسية (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي أمامة) وقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لهذا مع وجوده لبعض المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو البيهقي في سننه والخطيب من حديث ابن مسعود ورواه أيضا الطبراني من حديث أبي أمامة والديلمي من حديث ابن عمر وعزاه لهما في الدرر الحديث: 4165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 4166 - (داووا مرضاكم بالصدقة) من نحو إطعام الجائع واصطناع المعروف لذي القلب الملهوف وجبر القلوب المنكسرة كالمرضى من الغرباء والفقراء والأرمل والمساكين الذين لا يؤبه بهم (فإنها تدفع عنكم الأمراض والأعراض (1)) قال في سفر السعادة: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعالج الأمراض بثلاثة أنواع: بالأدوية الطبيعية وبالأدوية الإلهية وهذا منها وبالأدوية المركبة منهما. وقال في سلك الجواهر: الصدقة أمام الحاجة سنة مطلوبة مؤكدة والخواص يقدمونها أمام حاجاتهم إلى الله كحاجتهم إلى شفاء مريضهم لكن على قدر البلية في عظمها وخفتها حتى أنهم إذا أرادوا كشف غامض بذلوا شيئا لا يطلع عليه أحد وكان ذوو الفهم عن الله إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع طعام حسن بلحم كبش كامل ثم يدعون له ذوي القلوب المنكسرة قاصدين فداء رأس برأس وكان بعضهم يرى أن يخرج من أعز ما يملكه فإذا مرض له من يعز عليه تصدق بأعز ما يملكه من نحو جارية أو عبد أو فرس يتصدق بثمنه على الفقراء من أهل العفاف قال الحليمي: فإن قيل: أليس الله قدر الأعمال والآجال والصحة والسقم فما فائدة التداوي بالصدقة أو غيرها قلنا: يجوز أن يكون عند الله في بعض المرضى أنه إن تداوى بدواء سلم وإن أهمل أمره أفسد أمره المرض فهلك (فر) من حديث بديل بن المجبر عن هلال بن مالك عن يونس بن عبيد عن راو (عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي: منكر بهذا الإسناد   (1) بفتح الهمزة أي العوارض من المصائب والبلايا وقد جرب ذلك الموفقون من أهل الله فوجدوا الأدوية الروحانية تنفع أكثر من الحسية وقد تقدم الأمر بالتداوي بها في حديث تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء الحديث: 4166 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 4167 - (دباغ الأديم) بكسر الدال الجلد الذي نجس بالموت (طهوره) بفتح الطاء أي مطهره فيصير طاهرا ينتفع به عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك وكذا أحمد في إحدى روايتيه أما قبل الدبغ فلا يجوز الانتفاع به خلافا للزهري [ص: 516] للنجاسة وأما الجلد الذي لم ينجس بالموت كجلد المغلظ فلا يطهره الدباغ ثم الدباغ يكون بكل حريف نازع للفضول وتمسك بهذا من جوز أكل جلد الميتة بعد الدبغ وهو وجه عند الشافعية رجحوا مقابله ومن قال يطهر شعر الجلد معه وهو وجه عندهم أيضا صححوا نقيضه قالوا: لأن الدباغ لا يؤثر فيه (حم م) من حديث السبائي (عن ابن عباس) قال السبائي: سألت ابن عباس إنا نكون بالمغرب فيأتينا المجوس بالأسقية فيها الماء والودك فقال: اشرب فقلت: أر أي تراه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره (د عن سلمة بن المحبق) وفيه سلمة بن ربيعة بن المحبق الهذلي صحابي نزيل البصرة (ن عن عائشة) قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة فذكره (ع عن أنس طب عن أبي أمامة وعن المغيرة) الحديث: 4167 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 4168 - (دباغ جلود الميتة طهورها) قال في الفردوس: معناه أنه إذا دبغ فهو طاهر كجلد المذكى وهذا شامل للمأكول وغيره من كل جلد نجس بالموت وهو ما عليه الشافعية وخصه المالكية بالمأكول لورود الخبر في الشاة ولأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة وغير المأكول لو ذكى لم يطهر بالذكاة فكذا الدباغ وأجاب من عمم بالتمسك بمفهوم اللغة (قط) من رواية سعيد بن المسيب (عن زيد بن ثابت) قال الغرياني في حاشية مختصر الدارقطني كما وقفت عليه بخطه: فيه الواقدي ضعفوه قال البخاري: متروك وشيخه معاذ بن محمد الأنصاري مجهول ورواه عنه أيضا ابن حبان وقال ابن جماعة: في سنده شريك القاضي وثقه ابن معين لكنه اختلط آخرا ولذلك روى له مسلم في المتابعات الحديث: 4168 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 4169 - (دباغ كل إهاب طهوره) عام في كل جلد يقبل الدباغ لا مطلق فخرج المغلظ قال ابن العربي: وزعم بعض الغفلة وهو أبو يوسف أن جلد الخنزير يطهر بالدبغ تعلقا بالعموم: لا وجه له (قط عن ابن عباس) رواه من عدة طرق عن عدة من الصحابة بألفاظ مختلفة ثم قال: أسانيدها صحاح الحديث: 4169 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 4170 - (دب إليكم) أي سار إليكم (داء الأمم قبلكم) أي عادة الأمم الماضية (الحسد والبغضاء) والبغضاء (هي الحالقة حالقة الدين) بكسر الدال (لا حالقة الشعر) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر قال ابن الأثير: نقل الداء من الأجسام إلى المعاني ومن أمر الدين إلى الآخرة وقال الطيبي: الدب يستعمل في الأجسام فاستعير للسراية على سبيل التبعية وكذا قوله الحالقة فإنها تستعمل في حلق الشعر فاستعملت فيما يستأصل الدين وليست هي استعارة لذكر المشبه والمشبه به أي البغضاء تذهب الدين كما يذهب الموسى الشعر (والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتصريفه (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) بالله تعالى وبما علم مجيء الرسول بالضرورة (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي حتى يحب بعضكم بعضا (أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم) قالوا: بلى يا رسول الله قال: (أفشوا السلام بينكم) فإنه يزيل الضغائن ويورث التحابب كما سلف تقريره (حم ت) في الزهد (والضياء) المقدسي عن مولى آل الزبير (عن الزبير) بالتصغير (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو قال المناوي: ومولى الزبير مجهول ورواه باللفظ المزبور من هذا الوجه البزار قال الهيثمي كالمنذري: سنده جيد الحديث: 4170 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 4171 - (دثر مكان البيت) أي درس محل الكعبة وأصل الدثر الدروس وهو أن تهب الرياح على المنزل فتغشى رسومه [ص: 517] الرمل وتغطيه بالتراب اه وذلك بالطوفان وقد روى كما في البحر العميق أنه كان موضع البيت بعد الغرق أكمة حمراء لا تعلوها السيول وكان يأتيها المظلوم ويدعو عندها المكروب فقل من دعا عندها إلا استجيب له (فلم يحجه هود ولا صالح) مع أن سنة الله في الذين خلوا من قبل أصفيائه آدم فمن بعده المحافظة على حجة (حتى بوأه الله إبراهيم) أي أراه أصله ومحله فأسس قواعده وبناه وأظهر حرمته ودعا الناس إلى الحج إليه ووردت أخبار بحج هود وصالح وسندها كلها ضعيف قاله المصنف (الزبير بن بكار في النسب) من حديث إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه عن الزهري عن عروة (عن عائشة) وفي الميزان: إبراهيم واه قال ابن عدي: عامة حديثه مناكير وقال البخاري: سكتوا عنه وبمشورته جلد مالك الحديث: 4171 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 4172 - (دحية) بمهملتين كحية وقد يفتح أوله بل نقل الزمخشري عن الأصمعي أنه لا يقال بالكسر (الكلبي) بفتح فسكون الصحابي القديم المشهور شهد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها بعد بدر وبايع تحت الشجرة (يشبه جبريل) وكان يأتي المصطفى صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته فإنه كان بارعا في الجمال يضرب به المثل فيه بحيث كان إذا دخل بلدا برز لرؤيته العواتق من خدروهن (وعروة) بضم العين المهملة (ابن مسعود الثقفي) الذي أرسلته قريش إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية ثم أسلم فدعا قومه إلى الإسلام فقتلوه (يشبه عيسى ابن مريم) ولما قتله قومه قال مثله في قومه كصاحب يونس (وعبد العزى) بن قطن (يشبه الدجال) في الصورة وفيه جواز تشبيه الأنبياء والملائكة بغيرهم وهذه التشيهات إنما هي للصورة كما تقرر ولا شك أن الصورة المذكورة أخص بالمشبه به فلا يرد أن المشبه به يجب كونه أقوى وفيه إشارة إلى أن الدجال آثار الحدوث عليه ظاهرة وإن بينت كافية في الدلالة على كونه من جنس المخلوقين وأن له خالقا خلقه {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} (ابن سعد) في الطبقات (عن الشعبي مرسلا) الحديث: 4172 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 4173 - (دخلت الجنة) أي في اليوم لأنه لا يدخل الجنة في اليقظة والمصطفى صلى الله عليه وسلم وإن دخلها يقظة ليلة المعراج إلا أن بلالا لم يدخل (فسمعت خشفة) بفتح المعجمتين والفاء صوت حركة أو وقع نعل (فقلت ما هذه) الخشفة أي قال ذلك للملائكة أو لغيرهم من أهل الجنة كالحور والولدان وزاد في رواية أمامي (قالوا هذا بلال) قال العراقي في شرح التقريب: إن قيل: كيف رأى بلالا أمامه مع أنه أول من يدخلها قلنا: لم يقل هنا إنه يدخلها قبله يوم القيامة وإنما رآه أمامه مناما وأما الدخول حقيقة فهو أول داخل وهذا الدخول المراد به سريان الروح حالة النوم قال القاضي: ولا يجوز إجراؤه على ظاهره إذ ليس لنبي من الأنبياء أن يسابقه فكيف بأحد من أمته (ثم دخلت الجنة) أي مرة أخرى (فسمعت خشفة فقلت ما هذه قالوا هذه الغميصاء) بغين معجمة مصغرة ويقال الرميصاء امرأة أبي طلحة وهي أم سليم خالة أنس (1) (بنت ملحان (2)) وهذا يقتضي تكرار الدخول لكن قد عرفت أنها رؤيا منام (عبد) بغير إضافة (بن حميد عن أنس) بن مالك (الطيالسي) أبو داود (عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا رمز المصنف لحسنه   (1) الذي في الإصابة أنها أم أنس (2) بكسر الميم وسكون اللام وبالمهملة ونون: ابن خالد الأنصاري وأمها تبلة أو رملة أو سهلة أو رميشة أو مليكة أو نبيهة من الصحابيات الفاضلات الحديث: 4173 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 [ص: 518] 4174 - (دخلت الجنة فسمعت خشفة) بخاء معجمة بضبط المصنف صوت غير شديد وأصله صوت دبيب الحية والمراد هنا ما يسمع من حس وقع القدم أو النعل (بين يدي) أي أمامي بقربي (فقلت ما هذه الخشفة فقيل هذا بلال يمشي أمامك) إنما أخبره بذلك ليطيب قلبه ويداوم على العمل ويرغب غيره فيه قال المظهر: هذا لا يدل على تفضيل بلال على العشرة فضلا عن النبي وإنما سبقه للخدمة وقال التوربشتي: هذا شيء كوشف به من عالم الغيب في نومه أو يقظته وهو من قبيل قول القائل لعبده تسبقي إلى العمل أي تعمل قبل ورود أمري عليك قال الطيبي: ولا ينافضه {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} لما أن المتقدم بين يدي الرجل خارج من صفة المبايع المنقاد لأن الآية واردة في النهي عما لا يرضي الله ورسوله كما يشهد له سبب النزول والحديث ليس كذلك من ثم قرره على السبب الموجب السبق واستحمده لذلك اه (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عد عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجال الصغير ثقات وقد رواه أحمد في حديث طويل اه. ومفهومه أن رجال الكبير ليسوا ثقات وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إهماله الطريق الجيد وإيثاره عليها غيرها الحديث: 4174 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 4175 - (دخلت الجنة ليلة أسري بي فسمعت في جانبها وجسا) أي صوتا خفيا قال ابن الأثير: الوجس الصوت الخفي فتوجس بالشيء أحس به (فقلت يا جبريل ما هذا قال بلال المؤذن) قال الحافظ العراقي: وفيه وفيما قبله ندب قص الرؤيا الصالحة على أصحابه وأن الإنسان إذا رأى لصاحبه خيرا بشره به وأن رؤيا الدنيا حق ومنقبة عظيمة لبلال (حم ع عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير قابوس وقد وثق وفيه ضعف الحديث: 4175 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 4176 - (دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل) تصغير نفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة (1) الذي قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم لما بدأه الوحي وذهبت به خديجة إليه هذا الناموس الأكبر الذي أنزل على موسى (درجتين) أي منزلتين عظيمتين لكونه تنصر وآمن بعيسى ثم آمن بمحمد وفي رواية دوحتين أي شجرتين عظيمتين قال الزين العراقي: ينبغي أن يقال إنه أول من آمن من الرجال لأن الوحي نزل في حياته فآمن به وصدقه وذكره ابن منده في الصحابة وقول الحاكم لا أعلم خلافا أن عليا أول الذكور إسلاما أراد به إسلاما بعد خديجة ومن نظمه: أربا واحدا أم آلف رب. . . أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعا. . . كذلك يفعل الرجل البصير ألم تعلم بأن الله أفنى. . . رجالا كان شأنهم الفجر وأبقى آخرين ببر قوم. . . فيربو منهم الطفل الصغير (ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) وفيه الباغندي مضعف لكن قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد   (1) قوله وهو ابن عم خديجة إلخ: يعارضه ما في أول صحيح البخاري أن القائل هو ورقة بن نوفل فليحرر اه الحديث: 4176 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 4177 - (دخلت الجنة) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ دخل رجل الجنة فرأى ولعل هذه رواية أخرى [ص: 519] في نسخة أخرى (فرأيت على بابها الصدقة بعشرة والقرض (1) بثمانية عشر فقلت يا جبريل كيف صارت الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشرة قال لأن الصدقة تقع في يد الغني والفقير والقرض لا يقع إلا في يد من يحتاج إليه) قال الطيبي: القرض اسم مصدر والمصدر بالحقيقة الإقراض ويجوز كونه هنا بمعنى المقروض وقال البلقيني: فيه أن درهم القرض بدرهمي صدقة لأن الصدقة لم يعد منها شيء والقرض عاد منه درهم فسقط مقابله وبقي ثمانية عشر (2) ومن ثم لو أبرأ منه كان له عشرون ثواب الأصل وهذا الحديث يعارضه حديث ابن حبان من أقرض درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة وجمع بعضهم بأن القرض أفضل الصدقة باعتبار الابتداء بامتيازه عنها بصون وجه من لم يعتد السؤال وهي أفضل من حيث الانتهاء لما فيها من عدم رد المقابل وعند تقابل الخصوصيتين قد ترجح الأولى وقد تترجح الثانية باعتبار الأثر المترتب والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان وعليه تنزل الأحاديث المتعارضة (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عتبة بن حميد وثقه ابن حبان وغيره وفيه ضعف   (1) بفتح القاف أشهر من كسرها بمعنى القرض ويطلق على المصدر بمعنى الأقراض الذي هو تمليك شيء على أن يرد بدله (2) قلت: وذكره الدميري بعبارة أخرى فقال: الحكمة في أن القرض بثمانية عشر أن الحسنة بعشر أمثالها حسنة عدل وتسعة فضل ولما كان المقرض يرد إليه ماله سقط سهم العدل مع مقابله وبقيت سهام الفضل وهي تسعة فضوعفت بسبب حاجة المقترض فكانت ثمانية عشر. اه الحديث: 4177 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 4178 - (دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت من هذا قالوا) يعني الملائكة أو غيرهم ممن مر (حارثة) بحاء مهملة ومثلثة (ابن النعمان) من بني مالك بن النجار البدري وكان أبر الناس بأمه (كذلكم البر كذلكم البر) قال الطيبي: المشار إليه ما سبق والمخاطبون الصحابة فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى هذه الرؤيا وقصها على أصحابه فلما بلغ إلى قوله النعمان نبههم على سبب نيل تلك الدرجة بقوله كذلكم البر أي حارثة قال تلك الدرجة بسبب البر وموقع هذه الجملة التذييل كقوله تعالى {وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون} وفيه من المبالغة أنه جعل جزء البر برا وعرف الخبر بلام الجنس تنبيها على أن هذه الدرجة القصيا لا تنال إلا ببر الوالدين والتكرار للاستيعاب والتقرير والتأكيد (ن ك) في المناقب وكذا أحمد وأبو يعلى بسند قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (عن عائشة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الحافظ في الإصابة: إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته وكان أبر الناس بأمه اه فكأنه أغفله سهوا أو توهم أنه مدرج في الحديث وهو ذهول فقد قال الصدر المناوي وغيره: وصح لنا برواية الحاكم والبيهقي أن قوله كان أبر الناس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمدرج ثم بسطه الحديث: 4178 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 4179 - (دخلت الجنة فرأيت فيها جنابذ من اللؤلؤ ترابها المسك فقلت لمن هذا يا جبريل قال للمؤذنين والأئمة من أمتك يا محمد) فيه أن من رأى لقوم خيرا سببه فعلهم لشيء من أبواب الخير أن يسألهم عما استحقوا به ذلك [ص: 520] ليحثهم عليه ويرغبهم فيه (ع) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن أبي) بن كعب قال الديلمي: وفي الباب أنس وغيره الحديث: 4179 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 4180 - (دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فقلت ما هذه الخشفة فقيل الغميصاء) ويقال الرميصاء (بنت ملحان) بن خالد الأنصارية أم سليم خالة أنس بن مالك يقال اسمها رميلة أو رميثة أو مليكة أو نبيهة اشتهرت بكنيتها وهي امرأة أبي طلحة سيدة الصابرات التي مات ولدها وزوجها غائب فسبحته في ناحية البيت فجاء أبو طلحة فقدمت له إفطاره فقال: كيف الصبي قالت: هو أسكن مما كان فيه ثم تصنعت له فأصابها فلما فرغ قالت: ألا تعجب لجيرانك أعيروا عارية فطلبت منهم فجزعوا فقال: بئس ما صنعوا فقالت: ابنك كان عارية فقبض فحمد واسترجع فخليق بمثل هذا أن تكون في عليين (حم م ن عن أنس) بن مالك الحديث: 4180 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 4181 - (دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه فإذا هو مسك أذفر) قال أنس: قلت ما الأذفر قال: الذي لا خلط له (فقلت ما هذا يا جبريل قال هو الكوثر الذي أعطاك الله) في الجنة (حم خ ت عن أنس) الحديث: 4181 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 4182 - (دخلت الجنة) في النوم (فإذا أنا بقصر من ذهب) وفي رواية فأتيت على قصر من ذهب مريع مشرف وذكر بعضهم في حكمة كونه من ذهب أنه أشار إلى أن عمر من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم لأن لفظ الذهب مطابق للإذهاب (فقلت لمن هذا القصر) استفهام الملائكة الذين كانوا معه في الجنة حينئذ وفائدة سؤاله عنه أن يعلم لمن هو فيبشره به (قالوا لشاب من قريش) أي من قبيلة قريش (فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو قالوا عمر بن الخطاب) قال الزين العراقي: في حكمة كونه لم يصرح له ابتداء بكونه لعمر بيان فضيلة قريش فلو قال ابتداء لعمر فات التنبيه على ذلك (فلولا ما علمته من غيرتك لدخلت) تمامه فبكى عمر ثم قال: أعليك بأبي وأمي يا رسول الله أغار قال المعيرون: القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق وقد يعبر دخول القصر بالتزوج وفيه الحكم لكل امرئ بما يعرف من خلقه ولا يعارض هذا خبر ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا دخلت الجنة فإذا فيها قصر أبيض قلت لجبريل: لمن هذا القصر قال: لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا فقلت: لأي قريش فقال: لعمر لأن الرؤيا إن كانت متعددة فظاهر ولا مانع من إعداد قصرين أو قصور له بعضها أصفر وبعضها أبيض وإلا فلا مانع من كون المراد ببياضه نوره وإشراقه وضياؤه وذهب الجنة لا يشبه ذهب الدنيا من كل وجه <تنبيه> قد كان المصطفى أشد الناس غيرة وتبعه أكابر أصحابه على ذلك كما أشعر به ما أشير إليه من غيرة عمر ومن غيرة سعد بن عبادة حيث قال: لو وجدت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح يعني لو وجدته عليها فإنه يكون مباح الدم بزناه (حم ت حب عن أنس) بن مالك (حم ق عن جابر) بن عبد الله (حم عن بريدة) بن الحصيب (وعن معاذ) بن جبل وفي الباب غيرهم أيضا الحديث: 4182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 [ص: 521] 4183 - (دخلت الجنة) زاد في رواية البارحة (فاستقبلتني جارية شابة فقلت لمن أنت قالت لزيد بن حارثة) حب رسول الله الذي ما بعثه في جيش قط إلا أمره عليهم ولو بقي بعده لاستخلفه كما رواه ابن عساكر عن عائشة ولما جاء مصابه في غزوة مؤتة أتى منزله فلما رأته ابنته أخمشت في وجهه بالبكاء فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتحب فقيل: ما هذا يا رسول الله قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب (الروياني) في مسنده (والضياء) المقدسي في المختارة (عن بريدة) وفيه الحسين بن أحمد قد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: استنكر أحمد بعض حديثه الحديث: 4183 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 4184 - (دخلت الجنة البارحة) اسم لأقرب ليلة مضت وهذا يقتضي قرب عهده بالدخول وقد كانت له عليه السلام التجليات الصادقة المعلومة والمكاشفات المشهورة والمشاهدات المأثورة وقد تجلى له الكون كله وزويت له الأرض بأسرها فأري مشارقها ومغاربها (فنظرت فيها) أي تأملت (فإذا جعفر) بن أبي طالب الذي استشهد بمؤتة (يطير مع الملائكة وإذا حمزة) بن عبد المطلب عم النبي (متكئ على سرير) قال السهيلي: إنه لم يرد أنه يطير بجناحين كالطير بريش بل المراد بهما صفة ملكية وقوة روحانية ومنعه ابن حجر بفقد المانع من الحمل على الظاهر وورد عند البيهقي أن جناحيه من ياقوت (طب عد ك عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن فيه سلمة بن وهرام ضعفه أبو داود الحديث: 4184 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 4185 - (دخلت الجنة فإذا جارية أدماء) أي شديدة السمرة (لعساء) في لونها أدنى سواد ومشربة من الحمرة (فقلت ما هذه يا جبريل فقال إن الله عز وجل عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس فخلق له هذه) إكراما له ليكمل لذته وتعظم مسرته لكونه استشهد في سبيله بعد ما بذل الجهد في قتال أعدائه (جعفر بن أحمد القمي) بضم القاف وشد الميم نسبة إلى قم بلذة كبيرة بين أصبهان وساوة أكثر أهلها شيعة (في فضائل جعفر) بن أبي طالب (والرافعي في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب يرفعه الحديث: 4185 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 4186 - (دخلت الجنة) أي في المنام (فرأيت في عارضتي الجنة) أي عارضتي بابها (مكتوبا ثلاثة أسطر) جمع سطر وهو الصف من الكتابة (بالذهب) أي بذهب الجنة الذي لا يبلى ولا يفنى (السطر الأول لا إله إلا الله) أي الواجب الوجود (محمد رسول الله) إلى كافة الثقلين (والسطر الثاني ما قدمنا) أي في الدنيا من الإنفاق في وجوه القرب (وجدنا) ثوابه في الآخرة (وما أكلنا) من الدنيا من الحلال (ربحنا) أكله (وما خلقنا) أي تركنا من مالنا بعد موتنا (خسرنا) فإن حسابه ووباله على المورث والتبسط به للوارث (والسطر الثالث أمة مذنبة) أي أمة محمد كثيرة الذنوب (ورب غفور) كثير المغفرة لها [ص: 522] فلو أتوه بقراب الأرض خطايا قابلهم بقرابها مغفرة كما سيجيء في خبر وقوله ما قدمنا إلخ مقول على ألسنة العباد (الرافعي) الإمام أبو القاسم في تاريخ قزوين (وابن النجار) في تاريخ بغداد (عن أنس) بن مالك الحديث: 4186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 4187 - (دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله) جمع أبله وهو الغافل عن الشر المطبوع على الخير أومن غلبت عليه سلامة الصدر فحسن ظنه بالناس فأغفل أمر دنياه فجهل حذق التصرف فيها وأقبل على آخرته فشغل نفسه بها فلذلك كانوا أكثر أهلها (ابن شاهين في الأفراد وابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه أحمد بن عيسى قال ابن حبان: يروي عن المجاهيل المناكير وفي الميزان: آفته محمد بن إبراهيم القرشي الحديث: 4187 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 4188 - (دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها اليمن) أي أهل اليمن (ووجدت أكثر أهل اليمن مذحج) كمسجد اسم أكمة باليمن ولدت عندها امرأة من حمير كانت زوجة إدد فسميت باسمها ثم صار علما على القبيلة ومنهم قبيلة الأنصار وعليه فلا ينصرف للتأنيث والعلمية وقال الجوهري: مذحج اسم الأب قال: والميم عند سيبويه أصلية وعليه فهو منصرف (خط) وكذا الديلمي (عن عائشة) وفيه حمزة بن الحسين السمسار قال الذهبي في الضعفاء: عن حمزة بن الحسين الدلال ابن السماك قال الخطيب كذاب اه الحديث: 4188 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 4189 - (دخلت الجنة فسمعت نحمة) قال الزمخشري: النحمة كالرزمة من النحيم وهو صوت من الجوف ورجل نحم وبذلك سمى نعيم النحام اه وقال العراقي: النحمة بنون مفتوحة فحاء مهملة الصوت أو السعلة أو النحنحة وقال السهيلي: النحمة سعلة مستطيلة (من نعيم) أي من جوف نعيم بن عبد الله القرشي العدوي أسلم قبل عمر وكتم إيمانه وكان ينفق على أرامل بني عدي فمنعوه من الهجرة وقالوا: أقم على أي دين شئت ثم هاجر عام الحديبية وتبعه أربعون من أهل بيته واستشهد يوم اليرموك أو بأجنادين (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي بكر) بن سلمان بن أبي خثيمة عبد الله بن حذيفة (العدوي) بالعين والدال المهملتين نسبة إلى عدي بن كعب بن لؤي ثقة عارف بالنسب (مرسلا) أرسل عن ابن عمر وغيره قال في الكاشف: ثقة الحديث: 4189 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 4190 - (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) أي دخلت في وقت الحج وشهوره هذا هو المناسب للحال وقيل معناه دخل عمل العمرة في عمل الحج إذا قرن بينهما وقيل معناه أن العمرة نفسها داخلة في الحج وفي الإتيان به وأن فرضها ساقط بوجوب الحج وفرضه وهو قول من لا يرى وجوب العمرة كأبي حنيفة ومالك كذا قرره البيضاوي وقال ابن العربي ردا على مذهبه المالكية: تعلق علماؤنا بقوله دخلت العمرة في الحج على عدم وجوبها فقالوا: لما حكم بدخولها فيه سقط وجوبها قلنا: لو كان المراد لسقط فعلها رأسا وإنما معناه دخلت في زمن الحج ردا على العرب الزاعمين أن العمرة في زمن الحج من أفجر الفجور فحكم بدخولها معه في زمانه كما تدخل معه في مكانه كما تدخل معه في قرانه وهذا بديع (م د عن جابر) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر على المروة بمشقص ثم ذكره (د ت عن ابن عباس مرسلا) ورواه عنه البزار والطبراني والطحاوي قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب تفرد به داود بن يزيد وفيه مقال تفرد به عن عبد الملك بن ميسرة وقد خولف الحديث: 4190 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 4191 - (دخلت امرأة النار) قال ابن حجر: لم أقف على اسمها فقيل حميرية وقيل إسرائيلية ولا تعارض لأن طائفة من حمير [ص: 523] تهودت فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى (في هرة) أي لأجلها أو بسببها ذكره الزمخشري وقال ابن مالك: في هنا بمعنى التعليل وهو مما خفي على أكثر النحاة وتعقبه الطيبي بأنهم يقدرون المضاف أي في شأن هرة أو في أمرها والهرة أنثى السنور جمعها هرر كقربة وقرب والذكر هر وبجمع أيضا على هررة كقردة (ربطتها) وفي رواية للبخاري حبستها وفي أخرى لمسلم عذبت امرأة في هرة سجنتها وفي رواية له أيضا: أوثقتها وفي رواية له أيضا: دخلت امرأة النار من جراء هرة لها أو هرة ربطتها (فلم تطعمها) حتى ماتت جوعا كما في رواية البخاري والفاء تفصيل وتفسير للربط (ولم تدعها) لم تتركها (تأكل من خشاش) بفتح الخاء المعجمة أشهر من كسرها وضمها كما في الديباج وغيره وحكى النووي أنه روي بحاء مهملة وغلط قائله (الأرض) حشراتها وهوامها. قال الزمخشري: الواحدة خشاشة سميت به لاندساسها في التراب من خشن في الأرض دخل فيها. قال الطيبي: وذكر الأرض للإحاطة والشمول مثله في آية {وما من دابة في الأرض} (حتى ماتت) زاد في رواية مسلم هزلا وظاهره أنها عذبت بالنار حقيقة أو بالحساب لأن من نوقش عذب كذا ذكره بعضهم وجزم القرطبي بالأول وهذه المرأة هي التي رآها المصطفى صلى الله عليه وسلم في النار وهي امرأة طويلة من بني إسرائيل أو حمير ويحتمل كونها كافرة كذا ذكره جمع وحكاه عنهم الحافظ ابن حجر وقال النووي: الذي يظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية وتوبع على ذلك وقال القرطبي: هل كانت كافرة أو مسلمة كل محتمل فإن كانت كافرة ففيه أن الكفار مخاطبون بالفروع ومعاقبون على تركها وإلا فقد تلخص أن سبب تعذبيها حبس الهرة ففيه أن الهر لا يملك وأنه لا يجب إطعامه إلا على من حبسه وكأنهم لم يروا فيه شيئا وهو عجيب فقد ورد النص الصريح الصحيح بكفرها قال علقمة: كنا جلوسا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي تحدث أن امرأة عذبت في هرة ربطتها إلخ؟ فقال: سمعته منه فقال: هل تدري ما كانت المرأة إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة وإن المؤمن أكرم على الله أن يعذبه في هرة فإذا حدثت عن رسول الله فانظر كيف تحدث رواه أحمد. قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفيه تفخيم الذنب ولو صغيرا وأن تعذيب الحيوان حرام وأنه يسلط يوم القيامة على ظالمه وحل اتخاذ الهر ورباطها بشرط إطعامها وسقيها وألحق بها غيرها في معناها وقول النووي وإن نفقة الحيوان على مالكه توزع فيه بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه (حم ق هـ عن أبي هريرة خ عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا مسلم بلفظ عذبت امرأة في هرة أوثقتها إلخ الحديث: 4191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 4192 - (دخول البيت) الكعبة المعظمة أي للتكبير فيه والصلاة والدعاء كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم (دخول في حسنة وخروج من سيئة) أراد بالحسنة والسيئة الجنس بدليل رواية دخول البيت دخول في الحسنات والخروج منه خروج من السيئات وفي رواية للبيهقي من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورا له وفيه ندب دخول الكعبة ومحله ما لم يؤذ أحدا بدخوله أو ينادي هو ولا يجب إجماعا وحكاية القرطبي عن بعضهم أن دخول الكعبة من المناسك رد بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن محرما وأما خبر أبي داود وغيره عن عائشة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو حزين فقال: دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي فلا يدل للقول المحكي لأن عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته وقال النووي: إن المصطفى صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفح لا في حجة الوداع. قال في الفتح: ويشهد له ما في تاريخ الأزرقي أنه إنما دخلها مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها (عد هب عن ابن عباس) وفيه محمد بن إسماعيل البخاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قدم بغداد سنة خمس مئة. قال ابن الجوزي: كان كذابا وفيه عبد الله بن المؤمل. قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 4192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 [ص: 524] 4193 - (درهم ربا يأكله الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل غالبي (وهو يعلم) أي والحال أنه يعلم أنه ربا أو يعلم الحكم فمن نشأ بعيدا عن العلماء ولم يقصر فهو معذور (أشد عند الله من) ذنب (ستة) وفي رواية ثلاث (وثلاثين زنية) زاد الدارقطني في روايته في الخطيئة. قال الطيبي: إنما كان أشد من الزنا لأن من أكله فقد حاول مخالفة الله ورسوله ومحاربتهما بعقله الزائغ. قال تعالى: {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد ولذلك رد قولهم {إنما البيع مثل الربا} وأما قبح الزنا فظاهر شرعا وعقلا وله روادع وزواجر سوى الشرع فأكل الربا يهتك حرمة الله والزاني يخرق جلباب الحياء اه. وهذا وعيد شديد لم يقع مثله على كبيرة إلا قليلا. قال الحرالي: وإذا استبصر ذو دراية فيما يضره في ذاته فأنف منه رعاية لنفسه حق له بذلك التزام رعايتها عما يتطرق له منه من جهة غيره فيتورع عن أكل أموال الناس بالباطل لما يدري من المؤاخذة عليها في العاجل وما خبيء له في الآجل. قال سبحانه وتعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا} فهو آكل نار وإن لم يحس به. وكما عرف الله تعالى أن أكل مال الغير نار في البطن عرف أن أكل الربا جنون في العقل وخبال في النفس {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان} وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أحمد في الحطيم هكذا ذكره وكأنه سقط من قلم المصنف (حم) عن حسين بن محمد عن جرير بن حازم عن أيوب عن ابن أبي مليكة (طب) من هذا الوجه كلاهما عن ابن أبي مليكة (عن عبد الله حنظلة) بن أبي عامر الزاهد الأنصاري له رواية وأبوه غسيل الملائكة قتل يوم أحد أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال: حسين بن محمد هو ابن بهرام المروزي قال أبو حاتم: رأيته ولم أسمع منه وسئل أبو حاتم عن حديث يرويه حسين فقال: خطأ فقيل له: الوهم ممن قال ينبغي أن يكون من حسين اه. وتعقبه ابن حجر بأنه احتج به الشيخان ووثقه غيرهما وبأن له شواهد اه. ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن عبد الله المذكور وقال: الأصح موقوف وقال الحافظ العراقي: رجاله ثقات انتهى. لكن قال تلميذه الهيثمي في موضع فيه جرير بن حازم تغير قبل موته وقال في آخر: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 4193 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 4194 - (درهم أعطيته في عقل) أي إعانة في الدية التي على العاقلة (أحب إلي من مئة في غيره) أي أحب إلي من مئة درهم أعطيها في غير عقل لما في ذلك الدرهم من عظيم الثواب (طس عن أنس) قال الهيثمي: فيه عبد الصمد بن عبد الأعلى قال الذهبي: فيه جهالة الحديث: 4194 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 4195 - (درهم حلال) أي اكتسب من وجه حلال (ليشتري به عسلا ويشرب بماء المطر شفاء من كل داء) من الأدواء التي تعرض للبدن أو من الأدواء القلبية وإنما يكون ذلك مع صدق النية وقوة الاستيقان وكمال التصديق بما ورد عن الشارع ونبه باشتراط الحل على أن ما كان من وجه حرام لا شفاء فيه وإن زال الداء عند استعماله ظاهرا فعاقبته أردأ من ذلك الداء (فر عن أنس) ورواه عنه أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى الحديث: 4195 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 4196 - (درهم الرجل ينفق في) حال (صحته خير من عتق رقبة عند موته) يعني التصدق بدرهم وأحد حال الصحة أفضل [ص: 525] من عتق رقبة عند الموت لمال فيه من مجاهدة النفس على إخراج الصدقة والإنسان صحيح شحيح يؤمل الغنى ويخاف الفقر والأجر على قدر النصب وأما من تيقن الموت ومفارقته لماله على كل حال فلا يشق عليه العتق ولا غيره فالتصدق حينئذ بعتق أو غيره مفضول بالنسبة للتصرف في حال الصحة بنسبة ما بين قيمة الدرهم وثمن الرقبة لكن الظاهر أن ذلك مخرج مخرج المبالغة والحث على التصدق حال الصحة (أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حبان (عن أبي هريرة) وفيه يوسف بن السفر الدمشقي قال في الميزان: عن الدارقطني متروك وعن ابن عدي له أباطيل وساق هذا منها الحديث: 4196 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 4197 - (دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) لفظ الظهر مقحم ومحله النصب على الحال من المضاف إليه لأن الدعوة مصدر أضيف إلى الفاعل ثم بين الإجابة بجملة استئنافية فقال: (عند رأسه ملك موكل به) أي بالتأمين على دعائه بذلك كما يفيده قوله (كلما دعا لأخيه) في الإسلام (بخير) أي بدعاء يتضمن سؤال خير له (قال الملك) الموكل به (آمين) أي استجب يارب (ولك) آيها الداعي (بمثل ذلك) أي مثل ما دعوت به لأخيك وهذا يحتمل كونه إخبارا من الملك بأن الله سبحانه وتعالى يجعل له مثل ثواب ما دعا به لكونه علم ذلك بالاطلاع على اللوح المحفوظ أو غير ذلك من طرق العلم ويحتمل أنه دعا له به والأول أقرب (حم م) في الدعوات (هـ) في الحج (عن أبي الدرداء) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4197 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 4198 - (دعاء الوالد) لولده يعني دعاء الأصل لفرعه (يفضي إلى الحجاب) أي يصعد ويصل إلى حضرات القبول فلا يعوقه عائق ولا يحول بينه وبين الإجابة حائل قال الزين العراقي: وهل هذا بمعنى قوله في دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب أو هو دونه لأن في ذلك نفي الحجاب كل محتمل والأول أقرب وفي كتاب البر والصلة لابن المبارك عن مجاهد دعوة الوالد لا تحجب دون الله وفيه أن رجلا سأل الحسن قال: ما دعاء الوالد للولد قال: مجابة قال: فعليه قال: استئصالته (هـ) من حديث حبابة بن عجلان عن أمها صفية بنت جرير (عن أم حكيم) بنت وداع الخزاعية قال في الميزان: حبابة لا تعرف ولا أمها ولا صفية تفرد عنها التبوذكي قال الزين العراقي: وفي إسناده ثلاث نسوة روى بعضهن عن بعض الحديث: 4198 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 4199 - (دعاء الوالد لولده) أي الأصل لفرعه (كدعاء النبي لأمته) في كونه مقبولا قبولا حسنا غير مردود (فر عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أحسن قال الزين العراقي في شرح الترمذي: هذا حديث منكر وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: قال أحمد هذا حديث باطل منكر وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات الحديث: 4199 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 4200 - (دعاء الأخ لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب لا يرد) لأنه إلى الإخلاص أقرب (البزار) في مسنده (عن عمران بن حصين) سكت عليه الهيثمي فلم يتعقبه قال الحافظ العراقي: وهو في مسلم بلفظ دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة اه وحينئذ فعدول المصنف إلى البزار وإهماله العزو للصحيح غير جيد الحديث: 4200 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 [ص: 526] 4201 - (دعاء المحسن إليه للمحسن) له (لا يرد) أي يقبله الله تعالى مكافأة له على امتثاله أمر الله تعالى بالإحسان (فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته وليس كما زعم ففيه محمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو داود: لم يكن بذاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: ضعفه أحمد والدارقطني الحديث: 4201 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 4202 - (دعوات المكروب) أي المغموم المحزون أي الدعوات النافعة له المزيلة لكربه والكرب بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه ويغمه ويحزنه (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) ختمه بهذه الكلمات الحضورية الشهودية إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور وشهود ومن شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى (حم خد د) في الأدب من حديث طويل (حب) كلهم (عن أبي بكرة) واسمه نفيع قال ابن حبان: صحيح وأقره عليه ابن حجر لكل قال المناوي وغيره: فيه جعفر بن ميمون غير قوي الحديث: 4202 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 4203 - (دعوة ذي النون) أي صاحب الحوت وهو يونس (إذا) أي حين (دعى بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت) أي إنك الذي تقدر على حفظ الإنسان حيا في باطن الحوت ولا قدرة لغيرك على هذه الحالة ثم أردف ذلك بقوله (سبحانك إني كنت من الظالمين) تصريحا بالعجز والانكسار وإظهار الذلة والافتقار قال الحسن: ما نجا إلا بإقراره على نفسه بالظلم وإنما قبل منه ولم يقبل من فرعون حين قال {لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} لأن يونس ذكرها في الحضور والشهود وفرعون ذكرها في الغيبة تقليدا لبني إسرائيل ذكره الإمام الرازي (لم يدع بها رجل مسلم في شيء) بنية صادقة صالحة (إلا استجاب الله له) لأنها لما كانت مسبوقة بالعجز والانكسار ملحوقة بهما صارت مقبولة {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} فإن قيل: هذا ذكر لا دعاء قلنا: هو ذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء أو هو كما ورد من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (حم ت) في الدعوات (ن ك) في الدعاء (هب والضياء) المقدسي في المختارة من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه (عن) جده (سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وفي الحديث قصة بين سعد وبين عثمان حين سلم سعد عليه فلم يرد السلام فشكاه لعمر ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده الحديث: 4203 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 4204 - (دعوة المظلوم مستجابة) أي يستجيبها الله تعالى يعني فاجتنبوا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم فيجاب (وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه) ولا يقدح ذلك في استجابة دعائه لأنه مضطر ونشأ من اضطراره صحة التجائه إلى ربه وقطعه قلبه عما سواه وللإخلاص عند الله موقع وقد ضمن إجابة المضطر بقوله {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} ويحتمل أن يريد بالفاجر الكافر ويحتمل أن يريد الفاسق <تنبيه> ينبغي أن يعتقد أن دعوة المظلوم مستجابة ولا ينافيه عدم ظهور أثرها حالا لأنه تعالى ضمن الإجابة لدعائه في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد كما في الحكم العطائية وله في ذلك حكم فتخلفها عن الحصول عقب الدعاء إنما هو بسبب فاحذر أن تقول قد دعا فلان على فلان الظالم فلم يستجب [ص: 527] له ولو كان فلان صالحا كان دعاءه على من ظلمه مفيدا ونحو ذلك من كلمات الجهالات الدائرة على ألسنة العامة ولله در القائل: أتهزأ بالدعاء وتزدريه. . . وما يدريك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطى ولكن. . . لها أمد وللأمد انقضاء (الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير الذين رمز لهم وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد رواه أحمد والبزار باللفظ المزبور عن أبي هريرة قال المنذري والهيثمي: إسناده حسن وقال العامري البغدادي: صحيح غريب الحديث: 4204 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 4205 - (دعوة الرجل لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) سبق أن لفظ الظهر مقحم وإن محله النصب على الحال من المضاف إليه قال الطيبي: ويجوز كونه ظرفا للمصدر وقوله (مستجابة) خبر وقوله (وملك عند رأسه يقول آمين) جملة مستأنفة مبينة للاستجابة والباء في قوله (ولك بمثل) زائدة في المبتدأ كما في بحسبك درهم وقال النووي: الرواية المشهورة كسر ميم مثل وعن عياض فتحها والثاء وزيادة هاء أي عديله سواء فكان بعض السلف إذا أراد الدعاء لنفسه يدعو لأخيه بذلك (أبو بكر في الغيلانيات عن أم كرز) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو وهم فقد خرجه مسلم عن أم الدرداء معا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل اه الحديث: 4205 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 4206 - (دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية) لأن دعاء السر أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أنس) ورواه عنه الديلمي الحديث: 4206 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 4207 - (دعوتان ليس بينهما وبين الله تعالى حجاب) بالمعنى المار (دعوة المظلوم) حتى ينتصر بقول أو فعل (ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب) قال النووي: معناه كالذي قبله إن دعوة المسلم في غيبة المدعو له وفي السر مستجابة لأنها أبلغ في الإخلاص كما تقرر. <تنبيه> قال العلائي: والمراد بالحجاب نفي المانع الرد فاستعار الحجاب للرد فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة والتعبير بنفي الحجاب أبلغ من التعبير بالقبول لأن الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع ويخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخيلية وهي أن يشترك شيئان في وصف ثم يعتمد لوازم أحدهما حيث يكون جهة الاشتراك وصفا فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك وقد ذكر الحجاب في عدة أحاديث صحيحة والله سبحانه منزه عما يحجبه إذ الحجاب إنما يحيط بمقدار محسوس لكن المراد بحجابه منع أبصار خلقه أو بصائرهم بما شاء وكيف شاء وإذا شاء كشف ذلك عنهم (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ضعيف وجزم المنذري بضعفه ثم قال: لكن له شواهد الحديث: 4207 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 4208 - (دع عنك معاذا) أي اترك ذكره بما ينقصه أو يزري به والمراد ابن جبل (فإن الله يباهي به الملائكة) أي [ص: 528] بعبادته وعلمه وهذه منقبة شريفة لمعاذ ولذلك يأتي يوم القيامة أمام العلماء بربوة كما في حديث (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن معاذ) الحديث: 4208 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 4209 - (دع داعي اللبن) أي أبق في الضرع باقيا يدعو ما فوقه من اللبن ولا تستوعبه فإنه إذا استقصى أبطأ الدر وفي رواية ولا يجهد أي لا تستقصه والجهد الاستقصاء قال الشماخ: من ناصع اللون حلو غير مجهود. ذكره كله الزمخشري. وهذا قاله لضرار حين أمره بحلب ناقة (حم تخ حب ك عن ضرار) بكسر الضاد المعجمة مخففا (ابن الأزور) واسم الأزور مالك بن أوس الأسدي كان بطلا شاعرا له وفادة وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد أبلى يوم اليمامة بلاء عظيما فقطعت ساقاه فجعل يحبو ويقاتل حتى قتل. قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد أحدها رجاله ثقات الحديث: 4209 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 4210 - (دع قيل وقال) مما لا فائدة فيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وكثرة السؤال) عما لا يعني (وإضاعة المال) صرفه في غير حله وبذله في غير وجهه المأذون فيه شرعا (طس عن ابن مسعود) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوصني فذكره رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد قال الحافظ الهيثمي وغيره: فيه السري بن إسماعيل وهو متروك الحديث: 4210 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 4211 - (دع ما يريبك) أي يوقعك في الشك والأمر للند ب لما أن توقي الشبهات مندوب لا واجب على الأصح (إلى ما لا يريبك) أي اترك ما تشك فيه من الشبهات واعدل إلى ما لا تشك فيه من الحلال البين لما سبق أن من اتقى الشبهات فقد أستبرا لعرضه ودينه قال القاضي: هذا الحديث من دلائل النبوة ومعجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عما في ضمير وابصة قبل أن يتكلم به والمعنى أن من أشكل عليه شيء والتبس ولم يتبين أنه من أي القبيلين هو فليتأمل فيه إن كان من أهل الاجتهاد ويسأل المجتهدين إن كان من المقلدين فإن وجد ما يسكن إليه نفسه ويطمئن به قلبه وينشرح صدره فليأخذ به وإلا فليدعه وليأخذ بما لا شبهة فيه ولا ريبة هذا طريق الورع والاحتياط وحاصله يرجع إلى حديث الحسن الآتي (حم عن أنس) ابن مالك قال الهيثمي: فيه أبو عبد الله الأسدي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح (ن عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين (طب عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة (بن معبد) بن عتبة الأسدي نزيل الجزيرة (خط عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4211 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 4212 - (دع ما يريبك) بضم الياء وفتحها أكثر رواية (إلى ما لا يريبك) أي اترك ما اعترض لك الشك فيه منقلبا عنه إلى ما لا شك فيه ذكره الطيبي (فإن الصدق ينجي) أي فإن فيه النجاة وإن كان الإنسان يظن أن فيه الهلكة فإذا وجدت نفسك ترتاب من شيء فاتركه فإن نفس المؤمن الكامل تطمئن إلى الصدق الذي فيه النجاة من المهالك وترتاب من الكذب فارتيابك في شيء أمارة كونه حراما فاحذره واطمئنانك علامة كونه حقا فخذ به ذكره القاضي قال: والنفس إذا ترددت في أمر وتحيرت فيه وزال عنها القرار استتبع ذلك العلاقة التي بينها وبين القلب الذي هو المتعلق الأول لها فتنتقل العلاقة إليه من تلك الهيئة أثرا فيحدث فيه خفقان واضطراب ربما يسري هذا الأثر إلى سائر القوى فتحس بانحلال وانهزال فإذا زال ذلك عن النفس وجدت لها قرارا وطمأنينة وقيل المعنى بهذا الأمر أرباب البصائر من أهل النظر والفكرة المستقيمة وأهل الفراسات من ذوي النفوس المرتاضة والقلوب السليمة فإن نفوسهم بالطبع تصبو إلى الخير وتنبو عن الشر فإن [ص: 529] الشيء يتحبب إلى ما يلائمه وينفر عما يخالفه فيكون ما يلهمه الصواب غالبا (ابن قانع) في المعجم (عن الحسن بن علي) الحديث: 4212 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 4213 - (دع ما يريبك) أي اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا أو حلالا أو حراما (إلى ما لا يريبك) أي واعدل إلى ما لا شك فيه يعني ما تيقنت حسنه وحله (فإن الصدق طمأنينة) أي يطمئن إليه القلب ويسكن وفيه إضمار أي محل طمأنينة أو سبب طمأنينة (وإن الكذب ريبة) أي يقلق القلب ويضطرب وقال الطيبي: جاء هذا القول ممهدا لما تقدمه من الكلام ومعناه إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء فاتركه فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق وترتاب من الكذب فارتيابك من الشيء منبيء عن كونه مظنة للباطل فاحذره وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته فتمسك به والصدق والكذب يستعملان في المقال والأفعال وما يحق أو يبطل من الاعتقاد وهذا مخصوص بذوي النفوس الشريفة القدسية المطهرة عن دنس الذنوب ووسخ العيوب اه والحاصل أن الصدق إذا مازج قلب الكامل امتزج نوره بنور الأيمان فاطمأن وانطفأ سراج الكذب فإن الكذب ظلمة والطلمة لا تمازج النور (حم ت) في الزهد (حب عن الحسن) بن علي قال الحاكم: حسن صحيح وقال الذهبي: سنده قوي ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه فما أوهمه صنيع المؤلف من تفرد الترمذي به من بين الستة غير صحيح الحديث: 4213 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 4214 - (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) بفتح الياء وضمها والفتح أفصح (فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله) ولهذا قال بعضهم: الورع كله في ترك ما يريب إلى ما لا يريب وفي هذه الأحاديث عموم يقتضي أن الريبة تقع في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الأحكام وإن ترك الريبة في ذلك كله ورع قالوا: وهذه الأحاديث قاعدة من قواعد الدين وأصل في الورع الذي عليه مدار اليقين وراحة من ظلم الشكوك والأوهام المانعة لنور اليقين <تنبيه> قال العسكري: لو تأملت الحذاق هذا الحديث لتيقنوا أنه قد استوعب كل ما قيل في تجنب الشبهات (حل) من حديث أبي بكر بن راشد عن عبد الله بن أبي رومان عن ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث مالك تفرد به ابن رومان عن ابن وهب (خط) في ترجمة الباغندي من حديث قتيبة عن مالك عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه الخطيب سكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه: هذا الحديث باطل عن قتيبة عن مالك وإنما يحفظ من حديث عبد الله بن أبي رومان عن ابن وهب عن مالك تفرد به واشتهر به ابن أبي رومان وكان ضعيفا والصواب عن مالك من قوله وقد سرقه ابن أبي رومان إلى هنا كلامه الحديث: 4214 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 4215 - (دعهن) يا ابن عتبك (يبكين) يعني النسوة التي احتضر عندهن عبد الله بن ثابت (ما دام عندهن) لم تزهق روحه بالكلية (فإذا وجب فلا تبكين باكية) قاله لما جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع وقال: غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتبك يسكتهن فذكره فقالوا: ما الوجوب يا رسول الله قال: الموت. وأخذ الشافعي وصحبه من هذا أنه يكره البكاء على الميت بعد الموت لأنه أسف على ما فات وأنه لا كراهة فيه فبل الموت بل صرح بعض أئمة الشافعية بندبه إظهارا لكراهة فراقه (مالك) في المؤطأ (ن ك) كلهم (عن جابر بن عتبك) بن قبس الأنصاري صحابي جليل من بني تميم الحديث: 4215 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 4216 - (دعهن يا عمر) بن الخطاب يبكين (فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب) بالموت فلا حرج عليهن في البكاء [ص: 530] أي بغير نوح وتهوه قال الطيبي: وكان الظاهر أن يعكس لأن قرب العهد مؤثر في القلب بالحزن والحزن مؤثر في البكاء لكن قدم ما يشاهد وفيه أنهن لم يزدن على البكاء النياحة والجزع اه وقضبته أنه بعد الموت غير مكروه خلاف ما اقتضاه الحديث الأول ويمكن حمل هذا على البكاء الاضطراري الذي لا يمكن دفعه إلا بمحذور يلحقه في جسده والأول على خلاف ذلك فلا تعارض (حم ن هـ ك عن أبي هريرة) قال: مات ميت في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين فقام عمر ينهاهن ويطردهن فذكره الحديث: 4216 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 4217 - (دعهن) يا عمر (يبكين وإياكن) أيها النسوة التفت من خطاب عمر إلى خطابهن (ونعيق الشيطان) قالوا: وما نعيق الشيطان قال: (فإنه) أي الشأن (مهما كان من العين والقلب) من غير صياح ولا ضرب نحو خد (فمن الله ومن الرحمة) فلا لوم عليكن فيه (ومهما كان من اليد) بنحو خد وشق جيب (واللسان) من نحو صياح وندب (فمن الشيطان) أي لأنه الآمر به الراضي بفعله قال الطيبي: ومهما حرف شرط تقول مهما تفعل أفعل ومحله رفع بمعنى أي شيء كان من العين فمن الله فإن قلت: نسبته الدمع من العين والقول من اللسان والضرب باليد إن كان من طريق الكسب فالكل يصح من العبد وإن كان من طريق التقدير فمن الله فما وجه اختصاص البكاء بالله؟ قلت: الغالب في البكاء أن يكون محمودا فالأدب أن يسند إلى الله بخلاف قول الخناء والضرب باليد عند المصيبة فإنه مذموم وهذا قاله لما ماتت رقية بنته فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه وفيه أنه يحرم الندب وهو تعديد الشمائل مع البكاء والنوح وهو رفع الصوت والجزع بضرب خد وشق ثوب وقطع شعر وتغيير لباس ونحو ذلك (حم عن ابن عباس) قال في الميزان: هذا حديث منكر فيه علي بن زيد بن جدعان وقد ضعفوه الحديث: 4217 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 4218 - (دعوا الحسناء العاقر) التي لا تلد (وتزوجوا السوداء الولود فإني أكاثر بكم الأمم يوم القيامة) أي أفاخرهم وأغالبهم بكثرتكم وإنافتكم عليهم فأغلبهم والأمر للندب لا للوجوب (عب عن ابن سيرين مرسلا) هو أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر لا يرى الرواية بالمعنى الحديث: 4218 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 4219 - (دعوا الحبشة ما ودعوكم) قيل قلما يستعملون الماضي من ودع ويحتمل كون الحديث ما وادعوكم أي سالموكم فسقطت الألف قال الطيبي: ولا حاجة لهذا مع مجيئه في القرآن {ما ودعك ربك} بالتخفيف وقال المظهري: كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم متبوع لا تابع بل فصحاء العرب بالإضافة إليه أقل (واتركوا الترك ما تركوكم) أي مدة تركهم لكم فلا تتعرضوا لهم إلا أن تعرضوا لكم لما في غزوهم من المشقة ولقوة بأسهم وبرد بلادهم وبعدها ولكونهم أول من يسلب هذه الأمة ملكهم كما تقدم قال الخطابي: والجمع بين هذا وبين قوله {قاتلوا المشركين كافة} أن الآية مطلقة والحديث مقيد فيحمل المطلق على المقيد ويجعل الحديث مخصصا لعموم الآية وكل ذلك ما إذا لم يدخلوا بلادنا قهرا وإلا وجب قتالهم (د) عن عيسى بن محمد الرملي عن ضمرة عن الشيباني عن أبي سكينة (عن رجل) من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذا هو في أصول متعددة والذي وقفت عليه في مسند الفردوس أن أبا داود خرجه في الملاحم عن ابن عمر [ص: 531] هكذا قال الحديث: 4219 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 4220 - (دعوا الدنيا) أي اتركوها (لأهلها من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه) لنفسه ومن يلزمه مؤونته (أخذ حتفه) أي هلاكه (وهو لا يشعر) بأن المأخوذ فيه هلاكه إذ هي السم القاتل فطلبها شين وقلتها زين فإن طلبها ليطلب بها البر وفعل الصنائع واكتساب المعروف كان على خطر وغرر وتركه لها أبلغ في البر (ابن لال) في مكارم الأخلاق (عن أنس) وظاهره أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن لال وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه والأمر بخلافه بل خرجه باللفظ المزبور عن أنس المذكور البزار وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه قال المنذري: ضعيف وقال الهيثمي كشيخه العراقي: فيه هانئ بن المتوكل ضعفوه الحديث: 4220 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 4221 - (دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض) لأن أيدي العباد خزائن الملك الجواد فلا يتعرض لها إلا بإذن فلا تسعروا ولا يبع حاضر لباد ولا تتلقوا الركبان (فإذا استنصح أحدكم أخاه) أي طلب منه أن ينصحه (فلينصحه) وجوبا فأفاد أن التسعير غير مشروع بل ورد في عدة أخبار النهي عنه وفي خبر للدارقطني أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم التسعير فأبى وقال: إن الله ملكا اسمه عمارة على فرس من حجارة الياقوت طوله مد البصر يدور في الأمصار فينادي ألا ليرخص كذا وكذا قال السخاوي: وأغرب ابن الجوزي في حكمه بوضعه (طب) وكذا القضاعي (عن أبي السائب) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل وهو يساوم صاحبه فجاءه رجل فقال للمشتري: دعه فذكره قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط ورواه بهذا اللفظ من هذا الوجه أحمد ولعل المصنف ذهل عنه والمصنف رمز لصحة حديث أبي السائب فليحرر وروى مسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض الحديث: 4221 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 4222 - (دعوا لي أصحابي) الإضافة للتشريف تؤذن باحترامهم وزجر سابهم وتعزيزه عند الجمهور قال النووي: وهو من أكبر الفواحش وعياض من الكبائر وبعض المالكية يقتل (فوالذي نفسي) بسكون الفاء (بيده) أي بقدرته وتدبيره {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (لو أنفقتم مثل) جبل (أحد) بضم الهمزة (ذهبا ما بلغتم أعمالهم) أي ما بلغتم من إنفاقكم بعض أعمالهم لما قارنها من مزيد الإخلاص وصدق نية وكمال يقين. قال بعض الكاملين: وقوله أصحابي مفرد مضاف فيعم كل صاحب له لكنه عموم مراد به الخصوص لأن السبب الآتي يدل على أن الخطاب لخالد وأمثاله ممن تأخر إسلامه وأن المراد هنا متقدمو الإسلام منهم الذي كانت له الآثار الجميلة والمناقب الجليلة في نصرة الدين من الإنفاق في سبيل الله واحتمال الأذى في سبيل الله ومجاهدة أعدائه ويصح أن يكون من بعد الصحابة مخاطبا بذلك حكما إما بالقياس أو بالتبعية (حم) وكذا البزار (عن أنس) قال: كان بين خالد بن الوليد وابن عوف كلام فقال له خالد: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فذكره. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 4222 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 4223 - (دعوا لي أصحابي وأصهاري) لما لهم من الفضائل والمآثر وبذل المهج في نصرة الدين وظاهر صنيع المصنف [ص: 532] أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الذي عزاه إليه فمن آذاني في أصحابي وأصهاري أذله الله تعالى يوم القيامة اه بلفظه (ابن عساكر) في ترجمة معاوية من حديث وكيع عن فضيل بن مرزوق عن رجل من الأنصار (عن أنس) وفضيل إن كان هو الرقاشي فقد قال الذهبي: ضعفه ابن معين وغيره وإن كان الكوفي فقد ضعفه النسائي وغيره وعيب على مسلم إخراجه له في الصحيح والرجل مجهول الحديث: 4223 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 4224 - (دعوا صفوان بن المعطل) بفتح الطاء المشددة أي اتركوه فلا تتعرضوا له بشر (فإنه خبيث اللسان طيب القلب) أي طاهره نقيه من الشرك والغش والخيانة والحقد والكبر والحسد وغير ذلك من الأمراض القلبية والعمل إنما هو على طهارة القلوب (ع) وكذا الطبراني (عن سفينة (1)) قال: شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صفوان بن المعطل وقال هجاني فذكره. قال الهيثمي: فيه عامر بن أبي صالح بن رستم وثقه جمع وضعفه جمع وبقية رجاله رجال الصحيح   (1) غير مصغر هو مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عبد الرحمن كان اسمه مهران أو غير ذلك وسفينة لقبه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه يمشون فثقل عليهم متاعهم فحملوه علي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: احمل فإنما أنت سفينة الحديث: 4224 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 4225 - (دعوا صفوان) بن المعطل فلا تؤذوه (فإنه يحب الله ورسوله) وما أحب الله حتى أحبه الله سمعت امرأة من العابدات تقول: بحبك لي إلا غفرت لي ما غفرت لي فقيل: أما يكفيك أن تقولي بحبي لك؟ قالت: أما سمعت قوله {ويحبهم ويحبونه} فقدم محبته على محبتهم له (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 4225 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 4226 - (دعوني من السودان) يعني من الزنج كما بينه في رواية أخرى (فإنما الأسود لبطنه وفرجه) (1) أي لا يهتم إلا بهما فإن جاع سرق وإن شبع فسق كما في خبر آخر (طب) عن محمد بن زكريا الغلابي عن عبد الله بن رجاء عن يحيى بن أبي سليمان المدني عن عطاء (عن ابن عباس) قال: ذكر السودان عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قال الهيثمي: فيه محمد بن زكريا الغلابي وهو ضعيف وقد وثقه ابن حبان وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن ثقة اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2) وقال يحيى: منكر الحديث وتعقبه المؤلف بأن ابن حبان ذكره في الثقات وقال السخاوي: سنده ضعيف إلا أن له شواهد يؤكد بعضها بعضا   (1) [هذا إذا سلم الحديث من الوضع. أو قد يكون في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع. وإلا فيقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (9211) " ويقول: " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى (2740) ". دار الحديث] (2) [ولعله موضوع حيث يخالف الأصول المذكورة في الحاشية السابقة وغيرها. دار الحديث] الحديث: 4226 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 4227 - (دعوه) يعني اتركوا يا أصحابنا من طلب منا دينه فأغلظ فلا تبطشوا به (فإن لصاحب الحق مقالا) أي صولة الطلب وقوة الحجة فلا يلام إذا تكرر طلبه لحقه لكن مع رعاية الأدب وهذا من حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكرمه وقوة صبره على الجفاة مع القدرة على الانتقام وفيه أنه يحتمل من صاحب الدين الإغلاظ في المطالبة لكن بما ليس بقدح أو شتم ويحتمل أن القائل كان كافرا فأراد تألفه (خ ت عن أبي هريرة) قال: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه (1) فقال رسول الله: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ثم قال: أعطوه سنا مثل سنه قالوا: لا نجد إلا أمثل من سنه قال: أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء للدين كذا رواه الشيخان معا كما عزاه لهما النووي ثم العراقي فما أوهمه صنيع المؤلف أنه مما تفرد به البخاري غير صحيح   (1) أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل لكن لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديث: 4227 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 [ص: 533] 4228 - (دعوه) أي المريض (يئن (1)) أي يستريح بالأنين أي يقول آه ولا تنهوه عنه (فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى) أي لفظ آه من أسمائه لكن هذا لم يرد في حديث صحيح ولا حسن وأسماؤه تعالى توقيفية (يستريح إليه العليل) فيه رد لما رواه أحمد عن طاوس أن أنين المريض شكوى وقول جمع شافعية منهم أبو الطيب وابن الصباغ أنين المريض وتأوهه مكروه رده النووي بأنه ضعيف أو باطل فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مخصوص وهذا لم يثبت فيه بل ثبت الأذن فيه نعم استعماله بالذكر أولى وكثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين ومشعرة بالتسخط للقضاء وتورث شماتة الأعداء أما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا وحكى ابن جرير في كتابه الآداب الشريفة والأخلاق الحميدة خلافا للسلف أن أنين المريض هل يؤخذ به ثم رجح الرجوع فيه إلى النية فإذا نوى به تسخط قضاء ربه أوخذ به أو استراحة من الألم جاز (الرافعي) إمام الدين في تاريخ قزوين (عن عائشة) قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا عليل يئن فلنا له: اسكت فذكره   (1) قال في المصباح: أن الرجل يئن بالكسر أنينا وأنا بالضم صوت فالذكر آن على وزن فاعل والأنثى آنة اه الحديث: 4228 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 4229 - (دفن البنات من المكرمات) أي من الخصال التي يكرم الله تعالى بها أباهن ونعم الصهر القبر لأنها عورة ولضعفها بالأنوثه وعدم استقلالها وكثرة مؤونتها وأثقالها وقد تجر العار وتجلب العدو إلى الدار أخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة أن الحبر ماتت له بنت فأتاه الناس يعزونه فقال: عورة سترت ومؤونة كفيت وأجر ساقه الله تعالى فاجتهد المهاجرون أن يزيدوا فيها حرفا فما قدروا وفي الفردوس عن الحبر نعم الكفء القبر للجارية وأما خبر الصهر القبر فلا أصل له <تنبيه> قال بعضهم: حاشاه أن يقول ذلك كراهة للبنات بل خرج مخرج التعزية للنفس (خط) من حديث محمد بن معمر عن حميد بن حماد عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب وحميد بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالمناكير اه ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وأورد ابن الجوزي هذا الحديث من هذا الطريق وحكم بوضعه وأقره عليه الذهبي والمؤلف في مختصر الموضوعات الحديث: 4229 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 4230 - (دفن الطينة التي يخلق منها) قاله لما رأى حبشيا يدفن بالمدينة وفي رواية للبزار عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبرا فسأل عنه فقالوا: حبشي قدم فمات فقال: لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس يدفن كل إنسان في التربة التي خلق منها وأخرج الدينوري في المجالس عن هلال بن يساف قال: ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يموت فيها وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أن الملك الموكل بالأرحام ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة وذلك قوله تعالى {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} وأخرج الديلمي عن أنس رفعه " ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربته التي خلق منها فإذا رد إلى أرذل العمر رد إلى تربته التي خلق منها حتى يدفن فيها " وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة " ما من مولود يولد إلا بعث الله ملكا يأخذ من الأرض ترابا فيجعله على مقطع سرته فكان فيه شفاؤه وكان قبره حيث أخذ التراب منه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عيسى وهو ضعيف الحديث: 4230 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 [ص: 534] 4231 - (دليل الخير كفاعله) يعني من أرشدك إلى خير ففعلته بإرشاده فكأنه فعل ذلك الخير بنفسه قال عياض: أن للدال ثوابا كما لفاعل الخير ثوابا ولا يلزم تساويهما وخالفه غيره كما ستراه وبعكس المعونة في أعمال الخير المعونة في أعمال الشر ذكره عياض أيضا (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 4231 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 4232 - (دم عفراء أزكى عند الله) في رواية أحب إلى الله (من دم سوداوين) يعني ضحوا بالعفراء وهي الشاة التي يضرب لونها إلى بياض غير ناصع والعفرة لون الأرض فإن دمها عند الله أفضل من دم شاتين سوداوين ذكره الزمخشري (طب عن كثيرة بنت سفيان) الخزاعية وكانت أدركت الجاهلية قالت: يا رسول الله إني وأدت أربع بنين في الجاهلية قال: اعتقي أربع رقبات قالت: وقال لنا دم عفراء إلخ قال الهيثمي: وفيه محمد بن سليمان بن شمول وهو ضعيف الحديث: 4232 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 4233 - (دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين) يعني في الأضاحي (حم ك عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب: فيه أبو نقال واه وقال الهيثمي: فيه أبو نقال قال البخاري: فيه نظر الحديث: 4233 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 4234 - (دم عمار) بن ياسر (ولحمه حرام على النار) أي نار جهنم (إن تأكله أو تمسه) من غير أكل لتمكن الإيمان من قلبه وفي رواية بدل أن تأكله أن تطعمه (ابن عساكر) في التاريخ من حديث أوس بن أوس (عن علي) أمير المؤمنين قال: كنت مع علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله وفيه عطاء بن مسلم الخفاف أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن حبان لا يحتج به وضعفه أبو داود ورواه البزار عن علي أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر الحديث: 4234 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 4235 - (دوروا مع كتاب الله حيثما دار) قال الحرالي: من الدور وهو رجوع الشيء عودا على بدء والمراد كما في حديث آخر أحلوا حلاله وحرموا حرامه وهذا الحديث يوضحه ما رواه الطبراني عن معاذ خذوا العطاء ما دام عطاء فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب (ك عن حذيفة) بن اليمان الحديث: 4235 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 4236 - (دونك) أي خذي حقك يا عائشة (فانتصري) من زينب التي دخلت بغير إذن وهي غضبي ثم قالت: يا رسول الله حسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر ذريعتها (1) ثم أقبلت على عائشة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ومعنى دون أدنى مكان من الشيء ومنه تدوين الكتب لأنه إدناء البعض من البعض ودونك هذا أي خذه من أدنى مكان منك (هـ) في النكاح من حديث خالد بن سلمة عن عروة (عن عائشة) قال: فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها لا ترد علي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه قال ابن عدي: خالد لين وقال ابن معين: ثقة لكنه يبغض عليا   (1) قوله ذريعتها قال في النهاية: الذريعة تصغير الذراع ولحوق الهاء فيها لكونها مؤنثة ثم ثنتها مصغرة وأرادت به ساعديها اه الحديث: 4236 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 [ص: 535] 4237 - (دية المعاهد) بفتح الهاء أي الذمي الذي له عهد (نصف دية الحر) فيه حجة لمالك وأحمد على قولهما دية الكتابي كنصف دية مسلم. وقال الشافعي: كثلثها وأبو حنيفة: كدية مسلم <تنبيه> قال بعضهم: حكمة إيجاب الدية أن المتقول يقدم كالشاكي الذي يمشي إلى السلطان مستعديا على من ظلمه فجعل الدية كالإحسان لولي الدم لعل ذلك الشاكي إذا بلغه إحسانه لذوي قرابته يمسك عنه فلا يطالبه عند الله العدل بذمته (د عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم الحديث: 4237 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 4238 - (دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن) قال القاضي: يريد بالكافر الكتابي الذي له ذمة وأمان وبه قال مالك مطلقا وأحمد إن كان القتل خطأ وإن كان عمدا فديته عنده دية مسلم والدية المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها مأخوذة من الودي وهو أن يدفع الدية يقال وديت القتيل أديه وديا (ت عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه الحديث: 4238 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 4239 - (دية المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد) قال الخطابي: أجمعوا على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه ولم يذهب إلى هذا الحديث إلا النخعي وتعقبه ابن رسلان بأنه حكى عن أحمد (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 4239 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 4240 - (دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل أصبع) قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية عشرة بالتاء وهو خطأ والصواب عشر بغير التاء لأن الإبل مؤنثة والتاء لا تثبت في العدد مع المؤنث (ت عن ابن عباس) رواه عنه أحمد أيضا وكان ينبغي للمصنف ضمه إلى الترمذي وقد رمز المصنف لصحته الحديث: 4240 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 4241 - (دية الذمي دية المسلم) أي مثل ديته وبه أخذ الشعبي والنخعي ومجاهد فقالوا: ديته دية المسلم عمدا كان القتل أو خطأ وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي نقله القاضي ولفظ رواية الطبراني مثل دية المسلم فكأنه سقط من قلم المؤلف (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه أبو كرز عبد الله بن كرز وهو ضعيف وهذا أنكر حديث رواه اه وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن كرز هو قاضي الموصل عن نافع وعنه علي بن الجعد واه وأنكر مالك عن نافع هذا الخبر قال أبو زرعة: هو ضعيف وضرب على حديثه وقال الدارقطني: باطل لا أصل له وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب قال مخرجه الطبراني لم يروه عن نافع إلا أبو كرز تفرد به علي بن الجعد وخرجه الدارقطني أيضا وقال أبو كرز متروك الحديث ولم يروه عن نافع غيره وقد وهاه العقيلي وابن حبان أيضا الحديث: 4241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 4242 - (دين المرء عقله ومن لا عقل له لا دين له) لأن العقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب الله ومكروهه وهو الدليل على الرشد والناهي عن الغي وكلما كان حظ العبد من العقل أوفر فسلطان الدلالة فيه أبعد فالعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه فأتمر بما أمره وانزجر عما نهاه فتلك علامة العقل وصورة العبادة قد تكون عادة ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له عبادة رجل سأل عن عقله (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) [ص: 536] على الأعمال (وابن النجار) في تاريخ بغداد (عن جابر) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4242 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 4243 - (دينار أنفقته في سبيل الله) أي في موطن الغزو (ودينار أنفقته في رقبة) أي في إعتاقها (ودينار تصدقت به على مسكين) المراد به ما يشمل الفقير لأنهما إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا (ودينار أنفقته على أهلك) يعني على مؤونة من تلزمك مؤونته (أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك) قال القاضي: قوله دينار مبتدأ وأنفقته في سبيل الله صفته والجملة أعني أعظمها أجرا إلخ خبرية والنفقة على الأهل أعم من كون نفقتهم واجبة أو مندوبة فهي أكثر الكل ثوابا واستدل به على أن فرض العين أفضل من الكفاية لأن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في سبيل الله وهو الجراد الذي هو فرض كفاية (م) في الزكاة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الدال] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 4244 - (الدار حرم فمن دخل عيك حرمك فاقتله) إن لم يندفع إلا بالقتل قال البيهقي: إن صح فإنما أراد به أنه يأمره بالخروج فإن لم يخرج فله ضربه وإن أتى الضرب على نفسه (حم طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته وهو زلل فقد أعله الهيثمي بأن فيه عندهما محمد بن كثير السلمي وهو ضعيف فالحسن فضلا عن الصحة من أين. وقال الذهبي في المهذب: فيه محمد بن كثير السلمي واه قال ويروى بإسناد آخر ضعيف انتهى. وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن كثير وقال الدارقطني وغيره: ضعيف وابن المديني ذاهب الحديث الحديث: 4244 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 4245 - (الداعي والمؤمن) على الدعاء أي القائل آمين (في الأجر شريكان) يعني كل منهما له من الأجر مثل ما للآخر (والقارئ والمستمع) للقراءة أي قاصد السماع (في الأجر شريكان) حيث استويا في الإخلاص وحسن النية وغير ذلك من المقاصد والوسائل وظاهر الحديث أن السامع ليس كالمستمع (والعالم والمتعلم في الأجر شريكان) (فر عن ابن عباس) وفيه إسماعيل الشامي قال الذهبي: ممن يضع الحديث قال الدارقطني: وجوبير بن سعيد وقال الدارقطني وغيره: متروك الحديث: 4245 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 4246 - (الدال على الخير كفاعله) فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه وإلا فله ثواب دلالته قال القرطبي: ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور إنما هو بغير تضعيف لأن فعل الخير لم يفعله الدال وليس كما قال بل ظاهر اللفظ المساواة ويمكن أن يصار إلى ذلك لأن الأجر على الأعمال إنما هو بفضل الله يهب لمن يشاء على أي فعل شاء وقد جاء في الشرع كثير وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته والدال على الشر كفاعله أي لإعانته عليه فله كفعله من الإثم وإن لم يحصل بمباشرته (البزار) في مسنده وكذا القضاعي (عن ابن مسعود) إنما قال عبد الحق البزار عن أنس ثم رأيت المصنف في الدرر قال: البزار عن أنس فما هنا سهو (طب عن سهل بن سعد) وقال: لم يرو عن [ص: 537] سهل إلا بهذا الإسناد وعن أبي مسعود وفيه من طريقه كما قال في المنار زياد النهري ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم: لا يحتج به ومن طريق الطبراني عمران بن محمد بن سعيد لم يسمع من أبي حازم قال الهيثمي: فيه من لم أعرف وقال العراقي: في إسناده ضعيف جدا الحديث: 4246 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 4247 - (الدال على الخير كفاعله) قال الأبي: ظاهر الحديث المساواة وقاعدة أن الثواب على قدر المشقة يقتضي خلافه إذ مشقة من أنفق عشرة دراهم ليس كمن دل ويدل عليه أن من دل إنسانا على قتل آخر يعذر ولا يقتص منه (والله يحب إغاثة اللهفان) أي الملهوف المكروب (حم ع والضياء) المقدسي (عن بريدة) بن الحصيب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن أنس) قال المنذري: فيه زياد النهري ضعيف وقد وثق وله شواهد قال الهيثمي: فيه زياد النهري وثقه ابن حبان وقال: يخطئ وابن عدي وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات الحديث: 4247 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 4248 - (الدباء) بضم الدال وشد الموحدة وبالضم أشهر: القرع (تكبر الدماغ وتزيد في العقل) لخاصية فيه علمها ولذلك كان يحبه كما ورد في عدة أحاديث وفي الغيلانيات عن عائشة مرفوعا أنه يشد قلب الحزين (فر عن أنس) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من أكل الدباء فقلنا: يا رسول الله إنك لتحبها فذكره وفيه نصر بن حماد قال النسائي وغيره: ليس بثقة ويحيى بن العلاء قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد كذاب يضع الحديث ومحمد بن عبد الله الحبطي لينه ابن حبان الحديث: 4248 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 4249 - (الدجال) فعال بفتح وتشديد من الدجل وهو التغطية أو غيرها وفي الفتح عن شيخه صاحب القاموس أنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية المسيح خمسون قولا (عينه خضراء) كالزجاجة هذا هو تمام الحديث ولعل المؤلف ذهل عنه قال ابن حجر: وهذا يوافق رواية كأنها كوكب دري المراد بوصفها بالكوكب شدة إيفادها قال: وتشبيهها بالزجاجة أو بالكوكب الدري لا ينافي تشبيهها بالعنبة الطافية في رواية وبالنخاعة في الحائط المجصص في أخرى فإن كثيرا ممن يحدث في عينه النتوء يبقى معه الإدراك فيكون من هذا القبيل والدجال آدمي يخرج آخر الزمان يبتلي الله عباده به ويقدره على أشياء تدهش العقول وتحير الألباب يغتر بها الرعاع ويثبت الله من سبقت له السعادة وخالف في خروجه شذوذ من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وما زعموه ترده الأخبار المفيدة للقطع <تنبيه> قال ابن العربي: شأن الدجال في ذاته عظيم والأحاديث الواردة فيه أعظم وقد انتهى الخذلان بمن لا توفيق عنده إلى أن قال إنه باطل (تخ عن أبي) بن كعب ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني بلفظ الدجال إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء قال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 4249 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 4250 - (الدجال) قال البسطامي: وهو رجل قصير كهل براق الثنايا (ممسوح العين) أي موضع إحدى عينيه ممسوح مثل جبهته ليس فيه أثر عين وفي رواية اليمنى وفي أخرى اليسرى ولا تعارض لأن أحدهما طافية لا ضوء فيها والأخرى ناتئة كحبة عنب (مكتوب بين عينيه كافر) وفي رواية ك ف ر (يقرؤه كل مسلم) والكتابة مجاز عن حدوثه وشقاوته بدليل رواية كل مؤمن كاتب وغير كاتب ولو كانت حقيقة لقرأها الكافر أيضا أو هي حقيقة بأن يخلق الله الإدراك في بصر المؤمن بحيث يراه وإن لم يعرف الكتابة ولا يراها الكافر [ص: 538] وإن عرفها كما يرى المؤمن الأدلة ببصيرته وإن لم يراها الكافر وذلك زمان خرق العادات وهذا أرجح عند النووي (تتمة) قال البسطامي: الدجال مهدي اليهود ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر مطموس يدعي الربوبية معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه وأرباب الملاهي جميعا يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات فلا يسمعه أحد إلا تبعه إلا من عصمة الله قال: ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة الزنا وسفك الدماء وركون العلماء إلى الظلمة والتردد إلى أبواب الملوك ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ومدينة الهوازن ومدينة أصبهان ويخرج على حمار وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ويستظل في أذن حماره خلق كثير ويمكث في الأرض أربعين يوما ثم تطلع الشمس يوما حمراء ويوما صفراء ويوما سوداء ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفا فينهزم الدجال ثم يهبط عيسى إلى الأرض وهو متعمم بعمامة خضراء متقلد بسيف راكب على فرسه وبيده حربة فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله إلى هنا كلامه نقلا عن كعب الأحبار (م عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى وغيره الحديث: 4250 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 4251 - (الدجال أعور العين اليسرى) وفي رواية أعور عين اليسرى من إضافة الموصوف إلى صفته وفي رواية للبخاري أعور العين اليمنى والله سبحانه منزه عن العور وعن كل آفة فإذا ادعى الربوبية وليس عليهم بأشياء ليست في البشر فإنه لا يقدر على إزالة العور الذي يسجل عليه بالبشرية ذكره الزمخشري وما ذكر من أنه أعور اليسرى لا يعارضه ما ذكر من أنه أعور اليمنى لأنهما معيبتان إحداهما طافية لا ضوء فيها والأخرى ناتئة كحبة عنب (1) (جفال الشعر) [ص: 539] بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثير وإذا خرج يخرج (معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار) أي من أدخله الدجال ناره بتكذبيه إياه تكون تلك النار سببا لدخوله الجنة في الآخرة ومن أدخله جنته بتصديقه إياه تكون تلك الجنة سببا لدخوله النار في الآخرة وزاد في رواية بعد قوله وجنته نار فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما وفي رواية وأنه يجيء معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وفي رواية معه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء وصورة النار سوداء تدخن وقيل هذا يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي أو يكون الدجال ساحرا فيجعل الشيء بصورة عكسه وقيل غير ذلك (حم م هـ عن حذيفة) بن اليمان قال الديلمي: وفي الباب ابن عمر وغيره   (1) ورد في صفته أنه هجان بكسر أوله وتخفيف الجيم أي أبيض أقمر أي شديد البياض ضخم فيلماني بفتح الفاء وسكون التحتانية أي عظيم الجثة كأن رأسه أغضان شجرة أي شعر رأسه كثير متفرق قائم ومن صفاته تنام عيناه ولا ينام قلبه له حمار أهلب أي كثير الهلب: الشعر الغليظ ما بين أذنيه أربعون ذراعا يضع خطوه عند منتهى طرفه وعن أمير المؤمنين علي أن طول الدجال أربعون ذراعا بالأذرع الأولى تحته حمار أقمر أي شديد البياض طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعا ما بين حافر حماره إلى الحافر الآخر مسيرة يوم وليلة تطوى له الأرض منهلا منهلا يتناول السحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغيبها يخوض البحر إلى كعبيه وعن كعب الأحبار قال: يتوجه الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي أي ابتداءا قبل خروجه ثم يلتمس فلا يقدر عليه ثم يرى عند المياه التي عند نهر الكسوة ثم يطلب فلا يدرى أين توجه ثم يظهر بالمشرق فيعطي الحلافة ثم يظهر السحر ثم يدعي النبوة فيتفرق الناس عنه أي المسلمون فيأتي النهر فيأمره أن يسيل فيسيل ثم يأمره أن ييبس فييبس ويبعث الله له شياطين فيقولون استعن بنا على ما تريد فيقول نعم اذهبوا إلى الناس فقولوا أنا ربهم فيبثهم في الأفاق ويخرج في خفة من الدين وإدبار من العلم فلا يبقى أحد يحاجه في أكثر الأرض ويذهل الناس عن ذكره وإن أكثر ما يتبعه الأعراب والنساء حتى أن الرجل ليرد أمه وبنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه وأنه يأتي فيقول لأعرابي: أريت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم فيتمثل له شيطان على صورة أبيه وآخر على صورة أمه فيقولان له: يا بني اتبعه فإنه ربك فيتبعه ومن ثم قال حذيفة: لو خرج الدجال في زمانكم لرمته الصبيان بالخزف ولكنه يخرج في نقص من العلم وخفة من الدين والمراد بالأعراب كل بعيد من العلماء ساكن في البادية والجبال سواء كان من الأعراب الأتراك أو الأكراد أو غير ذلك لأنهم لا يميزون بين الحق والباطل وأكثر النفوس مائلة إلى تصديق الخوارق الحديث: 4251 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 4252 - (الدجال لا يولد له) أي بعد خروجه أو مطلقا (ولا يدخل المدينة) النبوية (ولا مكة) فإن الملائكة تقوم على أنقابهما تطرده عن الدخول تشريفا للبلدين فينزل بقربهما فيخرج له من في قلبه مرض وألحق البسطامي بمكة والمدينة بيت المقدس فجزم بأنه لا يدخله أيضا وفي رواية لمسلم أنه يهودي وأنه لا يولد له وأنه لا يدخل مكة ولا المدينة <تنبيه> عدوا من خصائص نبينا أنه بين له في أمر الدجال ما لم يبين لأحد (حم عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 4252 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 4253 - (الدجال يخرج من أرض) يعني بلد (بالمشرق) أي بجهة المشرق (يقال لها خراسان) بلد كبير مشهور قال البسطامي: هو موضع الفتن ويكون خروجه إذا غلا السعر ونقص القطر قال ابن حجر: أما خروجه من قبل المشرق فجزم ثم جاء في هذه الرواية أنه يخرج من خراسان وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجه مسلم وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولا فيدعي الإيمان والصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعي الإلهية كما أخرجه الطبراني فإن قلت ينافي خروجه من خراسان أو أصبهان ما أخرجه أبو نعيم من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قلت كلا لاحتمال أن يولد فيها ثم يرحل إلى المشرق وينشأ فيه ثم يخرج (يتبعه أقوام) من الأتراك واليهود كذا ذكره البسطامي (كأن وجوههم المجان) واحدها مجن وهو الترس سمي به لأنه يستر المستجن به أي يغطيه (المطرقة) بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة أي الأتراس التي ألبست العقب شيئا فوق شيء ذكره الزمخشري شبه وجوه أتباعه بالمجان في غلظها وعرضها وفظاظتها <تنبيه> قال البسطامي في كتاب الجفر الأكبر: قال أبو بكر الصديق يخرج الدجال فيما بين العراق وخراسان ويخرج معه أصحاب العقد ويتبعه خمسة عشر ألفا من نسائهم ويخرج من أصبهان وحدها سبعون ألف طيلسان كلهم يهود ويمر الدجال بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار فجنته خضراء وناره دخان ومعه جبل من خبز وهو جبل البصرة الذي يقال له سنام ومعه منهل من ماء فمن آمن به أطعمه وسقاه وإلا قتله وقال أنا ربكم (ت ك) كلاهما في الفتن (عن أبي بكر الصديق) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال: حسن غريب ورواه ابن ماجه أيضا الحديث: 4253 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 4254 - (الدجال تلده أمه وهي منبوذة في قبرها فإذا ولدته حملت النساء بالخطائين) وفي رواية لأبي نعيم والديلمي الدجال تلده أمه وهي مقبورة في قبرها قال الديلمي: وذلك أن أمه حملت به فوضعت جلدة مصمتة فقالت القوابل: هذه سلعة فقالت: بل مقبور فيها ولد كان ينقر في بطني فثقبوها فاستهل صارخا <تنبيه> قال عياض: في هذه الأحاديث حجة لأهل [ص: 540] السنة في صحة وجود الدجال وأنه رجل معين يبتلي الله به عباده ويقدره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله وظهور الخصب والأنهار والجنة والنار وإيناع كنوز الأرض له وأمره السماء فتمطر والأرض فتنبت وغير ذلك ثم يبطل أمره ويقتله عيسى وقد خالف فيه بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية فأنكروا وجوده ورد الأحاديث الصحيحة (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن الجهمي. قال البخاري مجهول اه. وفي الميزان: قال أبو حاتم: لا يحتج به وقال ابن عدي: منكر الحديث ثم ساق في ترجمته أحاديث منكرة أولها هذا الحديث: 4254 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 4255 - (الدعاء هو العبادة) قال الطيبي: أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر وأن العبادة ليست غير الدعاء وقال غيره: المعنى من هو أعظم العبادة فهو كخبر الحج عرفة أي ركنه الأكبر وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله معرضا عما سواه ولأنه مأمور به وفعل المأمور به عبادة وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة قال الحكيم: كانت الأمم الماضية ترفع حوائجها إلى الأنبياء فيرفعونها إلى الله فلما جاءت هذه الأمة أذن لهم في دعائه لكرامتها عليه (حم ش خد 4 حب ك) كلهم (عن النعمان بن بشير) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح (ع عن البراء) قال النووي: أسانيده صحيحة الحديث: 4255 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 4256 - (الدعاء مخ العبادة) أي خالصها لأن الداعي إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقها فكان مخها بهذا الاعتبار وأيضا لما فيه من إظهار الافتقار والتبرىء من الحول والقوة وهو سمت العبودية واستشعار ذلة البشرية ومتضمن للثناء على الله وإضافة الكرم والجود إليه وبقية الحديث ثم قرأ {وقال ربكم أدعوني أستجب لكم} قال القاضي: إنما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث إنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله معرض عما سواه لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فغنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان كذلك كان أتم العبادة وأكملها اه قال الراغب: والعبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الأفعال. قال الطيبي: ويمكن حمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة قال تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} الجملتان واردتان على الحصر وما شرعت العبادة إلا للخضوع للبارئ والافتقار إليه (ت) في الدعوات (عن أنس) وقال: غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة الحديث: 4256 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 4257 - (الدعاء مفتاح الرحمة والوضوء مفتاح الصلاة والصلاة مفتاح الجنة) أي مبيحة لدخولها لأن أبوابها مغلقة ولا يفتحها إلا الطاعة والصلاة أعظمها (فر عن ابن عباس) بإسناد ضعيف الحديث: 4257 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 4258 - (الدعاء سلاح المؤمن) يعني أنه يدافع البلاء ويعالجه كما يدافع عدوه بالسلاح وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه أو يكون أضعف منه فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد لكنه قد يخففه أو يتقاومان فيمنع كل منهما صاحبه فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بتنزيله الدعاء منزلة السلاح أن السلاح بضارب به لا بحده فقط فمتى كان السلاح تاما لا آفة به والساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح والداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل التأثير (وعماد [ص: 541] الدين ونور السماوات والأرض) أصل الحديث إلا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم تدعون لله في ليلكم ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن إلى آخر ما ذكره وفيه رد لقول بعض الصوفية إن الدعاء قدح في التوكل ولقول البعض المدعو به إن كان قدر فهو واقع لا محالة دعى أو لا وإلا لم يقع وإن دعى ووجه الدفع أن المقدر قدر بأسباب منها الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه بل بسببه فإن وجد السبب وقع وإلا فلا (ع ك) في الدعاء (عن علي) ابن أبي طالب وصححه وأقره الذهبي في التلخيص لكنه عزاه له في الميزان وقال: إن فيه انقطاعا وقال الهيثمي في طريق أبو يعلى محمد بن الحسن بن أبي يزيد وهو متروك الحديث: 4258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 4259 - (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) قال ابن القيم: هذا مشروط بما إذا كان للداعي نفس فعالة وهمة مؤثرة فيكون حينئذ من أقوى الأسباب في دفع النوازل والمكاره وحصول المآرب والمطالب لكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون كالقوس الرخو فإن السهم يخرج منه بضعف وإما لحصول مانع من الإجابة كأكل حرام وظلم ورين ذنوب واستيلاء غفلة وسهو ولهو فيبطل قوته أو يضعفها (حم د ت حب عن أنس) حسنه الترمذي وضعفه ابن عدي وابن القطان ومغلطاي لكن قال الحافظ العراقي: رواه النسائي في اليوم والليلة بإسناد آخر جيد وابن حبان والحاكم وصححه الحديث: 4259 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 4260 - (الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب فادعوا) بعد أن تجمعوا شروط الدعاء التي منها حضور القلب وجمعه بكليته على المطلوب والخشوع والانكسار والتذلل والخضوع والاستقبال وغيرها وتقديم التوبة والاستغفار والخروج من المظالم والطهارة وغير ذلك وكثيرا ما يقع أن يرى إنسان إنسانا يدعو في وقت فيجاب فيظن أن السر في ذلك الوقت وفي اللفظ فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من الداعي وهو كما لو استعمل الرجل دواء نافعا في وقت وحال واستعداد فنفعه فظن غيره أن استعماله بمجرده كاف فغلط (ع هـ عن أنس) قال الهيثمي: فيه يزيد الرقاشي مختلف في الاحتجاج به الحديث: 4260 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 4261 - (الدعاء مستجاب ما بين النداء) يعني ما بين النداء بالصلاة والأذان (والإقامة) كما بينته الرواية السابقة ويجيء فيه ما تقرر وقد ورد في أحاديث أخرى أن الدعاء يستجاب في مواطن أخرى منها في ليلتي العيد وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من رجب وعند نزول المطر والتقاء الصفين في الجهاد وفي جوف الليل الآخر وعند فطر الصائم ورؤية الكعبة وأوقات الاضطرار وحال السفر والمرض وعند المحتضر وصياح الديك وختم القرآن وفي مجالس الذكر ومجامع المسلمين وفي السجود ودبر المكتوبة وعند الزوال إلى مقدار أربع ركعات وبين صلاة الظهر والعصر من يوم الأربعاء وعند القشعريرة وفي الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي الكعبة وعند زمزم وعلى الصفا والمروة وفي عرفة والمسعى وخلف المقام والمزدلفة ومنى والجمرات وغير ذلك (ك عن أنس) بن مالك الحديث: 4261 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 4262 - (الدعاء يرد القضاء) يعني يهونه وييسر الأمر فيه ويرزق بسببه الداعي بالقضاء حتى يعده نعمة ذكره القاضي وأصله قول التوربشتي القضاء الأمر المقدر وفي تأويله وجهان: الأول: أن يراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول [ص: 542] المكروه فإذا وفق للدعاء دفع الله عنه فيكون تسميته بالقضاء مجازا ويوضحه المصطفى صلى الله عليه وسلم في الرقية هي من قدر الله فقد أمر الله بالدعاء والتداوي مع علم الخلق بأن المقدور كائن الثاني: أن يراد به الحقيقة فيكون معنى رد الدعاء القضاء تهوينه حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل (وإن البر) بالكسر (يزيد في الرزق) أي في قدره أو في حصول البركة فيه (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) تمامه عند العسكري والضياء المقدسي وغيرهما ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين} <تنبيه> قال الغزالي: قيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا وقد قال الله تعالى {ادعوني أستجب لكم} قال: لأن قلوبكم ميتة قيل: وما الذي أماتها قال: ثمان خصال عرفتم حق الله فلم تقوموا به وقرأتم القرآن فلم تعملوا بحدوده وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته وقلتم نخشى الموت فلم تستعدوا له وقد قال تعالى {إن الشيطان لكم عدو} فواطأتموه على المعاصي وقلتم نخاف النار فأرهقتم أبدانكم فيها وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها وإذا قمتم من فرشكم رميتم بعيوبكم وراء ظهوركم وقدمتم عيوب الناس أمامكم فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكم (ك) في المناقب عن علي بن قرين عن سعيد بن راشد عن الخليل بن مرة عن الأعرج عن مجاهد (عن ثوبان) قال الذهبي: قال ابن قرين كذاب وسعيد واه وشيخه ضعفه ابن معين اه فكان يجب حذفه من الكتاب الحديث: 4262 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 4263 - (الدعاء جند من أجناد الله مجند يرد القضاء بعد أن يبرم) أي يحكم بأن يسهله من حيث تضمنه للصبر على القضاء والرضى به والرجوع إلى الله فكأنه رده قال الغزالي: من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح والماء سبب لخروج النبات وليس شرط الاعتراف بالقضاء ألا يحمل السلاح قال الله تعالى {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} (حكاية) قال التوربشتي: رأى العارف الكيلاني في اللوح المحفوظ أن تلميذا له لا بد أن يزني بسبعين امرأة فقال: يا رب اجعلها في النوم فكان كذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن نمير) تصغير نمر (ابن أوس) الأشعري قاضي دمشق تابعي ثقة قال في التقريب: وهم من عده في الصحابة (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو ذهول فقد رواه أبو الشيخ [ابن حبان] ثم الديلمي من حديث أبي موسى الأشعري الحديث: 4263 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 4264 - (الدعاء ينفع مما نزل) من المصائب والمكاره أي يسهل تحمل ما نزل من البلاء فيصبره أو يرضيه حتى أنه لا يكون متمنيا خلافه (ومما لم ينزل) منها بأن يصرف ذلك عنه أو يمده قبل النزول بتأييد إلهي من عنده حتى لا يعبأ به إذا نزل (فعليكم عباد الله) بحذف حرف النداء (بالدعاء) قال الطيبي: الفاء جزاء شرط محذوف يعني إذا رزق بالدعاء الصبر والتحمل بالقضاء النازل ويرد به القضاء غير النازل فالزموا عباد الله الدعاء وحافظوا عليه وخص عباد الله بالذكر تحريضا على الدعاء وإشارة إلى أن الدعاء هو العبادة فالزموا واجتهدوا وألحوا فيه وداوموا عليه لأن به يحاز الثواب ويحصل ما هو الصواب وكفى به شرفا أن تدعوه فيجيبك ويختار لك ما هو الأصلح في العاجل والآجل وخص عباد الله بالذكر زيادة في الحث وإيماء إلى أن الدعاء هو العبادة (ك) في الدعاء ومن حديث عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن موسى عن عقبة عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه وتعقبه الذهبي بأن عبد الرحمن واه اه وقال ابن حجر: سنده لين ومع ذلك صححه الحاكم الحديث: 4264 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 [ص: 543] 4265 - (الدعاء يرد البلاء) إذ لولا إرادة الله تعالى رد ذلك البلاء المدعو برفعه لما فتح له باب الدعاء قال الله تعالى {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم} <فائدة> في تذكر المقريزي بسنده عن السهيلي أنه أنشد أبياتا وقال: إنه ما سأل الله سبحانه بها أحد إلا أعطاه إياها وهي هذه الأبيات: يا من يرى ما في الضمير ويسمع. . . أنت المعد لكل ما يتوقع يا من يرجى للشدائد كلها. . . يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن. . . امنن فإن الخير عندك أجمع ما لي سوى فقري إليك وسيلة. . . فبالافتقار إليك فقري أدفع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة. . . فلئن رددت فأي باب أقرع ومن الذي أدعو وأهتف باسمه. . . إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا. . . الفضل أجزل والمواهب أوسع (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا الحديث: 4265 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 4266 - (الدعاء محجوب عن الله حتى يصلي على محمد وأهل بيته) جرد من نفسه إنسانا فخاطبه وهو هو والمعنى لا يرفع الدعاء إلى الله حتى يستصحبه الصلاة معه بمعنى أن الصلاة عليه هي الوسيلة إلى الإجابة قال الحليمي: وإنما شرعت الصلاة عليه في الدعاء لأنه علمنا الدعاء بأركانه فبقي بعض حقه اعتدادا بالنعمة (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن علي) أمير المؤمنين ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن البيهقي خرجه في الشعب بالفظ المزبور عن علي مرفوعا وموقوفا بل رواه الترمذي عن ابن عمر بلفظ إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض ولا يصعد منه شيء حتى يصلى على محمد إلخ الحديث: 4266 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 4267 - (الدم مقدار الدرهم يغسل) وجوبا (وتعاد منه الصلاة) (1) وهذا الحديث فيه حجة على أبي حنيفة في قوله الاستنجاء مستحب لا واجب وهو إحدى الروايتين عن مالك (خط) في ترجمة صالح الترمذي عن جعفر بن محمد الشرطي عن أحمد بن جعفر الخلال عن صالح بن محمد الترمذي عن القاسم بن عباد الترمذي عن أبي عامر عن نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) وصالح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه ونوح بن أبي مريم قال أعني الذهبي: تركوه وقال الحاكم: وضع نوح هذا الحديث في فضائل القرآن وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: نوح كذاب وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات   (1) أي إذا صلى وعلى بدنه أو ملبوسه قدر درهم منه وجب قضاء الصلاة وهذا في دم الأجنبي فإنه يعفى عن قليله فقط وهو ما دون الدرهم وبهذا أخذ بعض المجتهدين وأناط الشافعية القلة والكثرة بالعرف الحديث: 4267 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 4268 - (الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه من جاء بخاتم مولاه قضيت حاجته) يعني أن الدنانير والدراهم إحدى المسخرات لبني آدم قال الله تعالى {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض} فإذا وصل إليك منافع المسخرة جاءت المنفعة فمن طلب المسخرة لإقامة خدمة الله فليس بآثم بل غانم ومن آخذها لنيل شهوة وبلوغ لذة ونهمة فقد ضيع [ص: 544] الخدمة وباء بالمذمة وبذلك تبين أنه لا تدافع بين هذا وبين الحديث المار إن هذا الدينار والدرهم قد أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم فمن سلك السبيل الأول فليسا مهلكيه ومن سلك الثاني أهلكاه <تنبيه> قال الغزالي: من نعم الله خلق الدراهم والدنانير وبهما قوام الدنيا وهما حجران لا نفع عينهما لكن يضطر الخلق إليهما لأن كل إنسان يحتاج إلى مطعم وملبس وسائر حوائجه وقد يعجز عما يحتاج ويملك ما يستغني عنه فاحتيج إليهما في المعاوضات ومعرفة قيم الأشياء فخلقهما الله حاكمين متوسطين بين سائر الأموال لتقدير الأموال بهما فخلق كالحكم العدل وليتوسل بهما إلى جميع الأشياء لأنهما عزيزان في أنفسهما ولا غرض في عينهما ونسبتهما إلى سائر الأموال واحدة فمن ملكها فكأنه ملك كل شيء لا كمن يملك نحو ثوب فإنه لا يملك إلا ثوبا فلو احتاج لنحو طعام لم يرض صاحبه بالثوب فاحتيج لشيء هو في صورته كأنه ليس بشيء وهو في معناه كأنه كل الأشياء وكما أن المرآة لا لون لها وتحكي كل لون فالنقد لا غرض فيه وهو وسيلة لكل غرض كالحرف لا معنى له في نفسه وتظهر به المعاني في غيره (طس) من حديث ابن عيينة وابن أبي فديك عن محمد بن عمرو عن ابن أبي لبينة عن أبيه (عن أبي هريرة) وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: وفيه أحمد بن محمد بن مالك بن أنس وهو ضعيف وقال الذهبي: حديث ضعيف الحديث: 4268 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 4269 - (الدنيا) قيل سميت الدنيا دنيا لدنوها ودناءتها (حرام على أهل الآخرة) أي ممنوعة عنهم (والآخرة حرام على أهل الدنيا) لأن المتقنع في معاش الدنيا يمكنه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التضاد فهما ضرتان قال الشافعي: من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب. وقال الراغب: كما أن من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما لا يوجد إلا في المغرب وعكسه فكذا من المحال أن يظفر سالك طريق معارف الدنيا بمعارف طريق الآخرة ولا يكاد الجمع بين معرفة طريق الآخرة على التحقيق والتصديق إلا من رشحه الله لتعذيب الناس في أمر معاشهم ومعادهم جميعا كالأنبياء وبعض الحكماء (والدنيا والآخرة حرام على أهل الله) لأن جنات عامة المؤمنين جنات المكاسب وجنة كمل العارفين جنات المواهب فأهل الموهبة اتقوا الله حق تقاته لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته فصارت جنتهم النظر إلى وجهه الأقدس ونارهم الحجاب عن جماله الأنفس فحجابهم عن رؤيته هو العذاب الأليم وعدم الحجاب هو جنات النعيم ومن ثمة قال البسطامي: إن في الجنة رجالا لو حجب الله عنهم طرفة عين لاستغاثوا من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار فقد استبان بذلك أن الدنيا والآخرة حرام عليهم معا وقال النصر أبادي: إذا بدا لك شيء من بوادي الحق فلا تلتفت معها إلى جنة ولا إلى نار فإذا رجعت من تلك الحال فعظم ما عظم الله (فر عن ابن عباس) وفيه جبلة بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن معين ليس بثقة الحديث: 4269 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 4270 - (الدنيا حلوة) أي مشتهاة مونقة تعجب الناظرين فمن استكثر منها أهلكته كالبهيمة إذا أكثرت من رعي الزرع الأخضر أهلكها ففي تشبيه الدنيا بالخضرة التي ترعاها الأنعام إشارة إلى أن المستكثر منها كالبهائم فغلى العاقل القنع بما تدعو الحاجة منها وتجنب الإفراط والتفريط في تناولها فإنه مهلك وهذا الحديث رواه مسلم بزيادة ولفظه الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اه بنصه والاستخلاف إقامة الغير مقام النفس أي جعل الله الدنيا مزينة لكم وابتلاء لكم فينظر هل تتصرفون فيها بغير ما يرضاه؟ وقوله فاتقوا أي احذروا من الاغترار بما فيها فإنه في وشيك الزوال واحذروا النساء [ص: 545] وقبول قولهن فإنهن ناقصات عقل وقوله أول فتنة بني إسرائيل هي أن رجلا اسمه عائيل طلب من ابن أخيه أو ابن عمه أن يزوجه بنته فأبى فقتله لينكحها وقيل لينكح زوجته وهو الذي نزلت فيه آية البقرة <تنبيه> هل الدنيا ما على الأرض إلى قيام الساعة أو كل موجود قبل الحشر أو ما أدرك حسا والآخرة ما أدرك عقلا أو ما فيه شهوة للنفس؟ رجح النووي الثاني وبعض المحققين ما قبل الآخر (طب عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين ماتت بعد الخمسين وعزاه المصنف نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الشيخين معا ولفظهما الدنيا خضرة حلوة وذكر أنه متواتر الحديث: 4270 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 4271 - (الدنيا حلوة رطبة) في وصفها بالخضرة وتشبيهها بالخضروات مع ما مر إشارة إلى سرعة زوالها وفنائها وأنها غرارة تفتن الناس بحسنها وطرواتها ونضارتها قال بعض العارفين: من جرعته الدنيا حلاوتها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها (فر عن سعد) بن أبي وقاص وفيه مصعب بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: خرجه ابن عدي ورواه عنه الحاكم أيضا ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى الحديث: 4271 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 4272 - (الدنيا حلوة خضرة) إنباء عن طيب المذاق والمخبر وحسن المرأى والمنظر (فمن أخذها بحقه بورك له فيها) أي انتفع بما يأخذه في الدنيا بالتنمية وفي الآخرة بأجر النفقة (ورب متخوض) أي مسارع ومنهمك (فيما اشتهت نفسه) منها (ليس له يوم القيامة إلا النار) يريد أن للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها وإليه أشار قوله سبحانه {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا} وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة والعمل الصالح ولهذا قال لقمان لابنه: خذ من الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لآخرتك ولا ترفض كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال كلا (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: رواته ثقات وقال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 4272 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 4273 - (الدنيا حلوة خضرة) أي روضة خضراء أو شجرة ناعمة غضة مستحلاة الطعم (من اكتسب فيها مالا من حله وأنفقه في حقه أثابه الله عليه) في الآخرة (وأورده جنته) أي أد \ خله إياها (ومن اكتسب فيها مالا من غير حله وأنفقه في غير حقه أحله الله دار الهوان ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة) فالدنيا لا تذم لذاتها فإنها مزرعة الآخرة فمن أخذ منها مراعيا للقوانين الشرعية أعانته على آخرته ومن ثمة قيل: لا تركن إلى الدنيا فإنها لا تبقي على أحد ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها (هب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4273 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 4274 - (الدنيا دار من لا دار له) قال الطيبي: لما كان القصد الأول من الدار الإقامة مع عيش هنيء أبدي والدنيا بخلافه لم تستحق أن تسمى دارا فمن داره الدنيا فلا دار له {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} قال عيسى: من ذا الذي يبني على الموج دارا تلكم الدار فلا تتخذوها قرارا (ومال من لا مال له) لأن القصد من المال الإنفاق [ص: 546] في وجوه القرب فمن أتلفه في شهواته واستيفاء لذاته فحقيق بأن يقال لا مال له {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} ولذلك قدم الظرف على عامله في قوله (ولها يجمع من لا عقل له) لغفلته عما يهمه في الآخرة ويراد منه في الدنيا والعاقل إنما يجمع للدار الآخرة {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال الحكيم: لا بد لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو أفنى وأنشد ابن أبي الدنيا: يا فرقة الأحباب لا بد لي منك. . . ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام ما لي وللمنى. . . ويا سكرات الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة. . . إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي ألا أي حي ليس بالموت موقنا. . . وأي يقين منه أشبه بالشك (حم هب عن عائشة هب عن ابن مسعود موقوفا) قال المنذري والحافظ العراقي: إسناده جيد وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير دويل وهو ثقة الحديث: 4274 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 4275 - (الدنيا) أي الحياة الدنيا (سجن المؤمن) بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم وعما قريب يحصل في السجن المستدام نسأل الله السلام يوم القيامة وقيل المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة قال السهروردي: والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن عاى توالي الساعات ومرور الأوقات لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج؟ فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة تشهيا إلى الآجلة وتنزها في فضاء الملكوت ومشاهدة للجمال الأزلي حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه فكدر صفو العيش عليه وحال بينه وبين محبوب طبعه وهذا من أعظم السجون وأضيقها فإن من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه (تتمة) ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة مر يوما بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار وأثوابه ملطخة بالزيت وهو في غاية الرثاثة والشناعة فقبض على لجام بغلته وقال: يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها فقال: أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعد لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة فأسلم اليهودي (حم م) في الرقائق (ت هـ) في الزهد (عن أبي هريرة طب ك عن سلمان) ورواه عنه العسكري في الأمثال بأبسط من هذا وزاد بيان السبب فأخرج عن عامر بن عطية قال: رأيت سلمان أكره على طعام فقال: حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (البزار عن ابن عمر) بن الخطاب زاد ابن المبارك في رواية عن ابن عمر وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها الحديث: 4275 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 4276 - (الدنيا سجن المؤمن) لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة (وسنته) [ص: 547] بفتح أوله (فإذا فارق الدنيا) بالموت (فارق السجن والسنة) بفتح السين المهملة القحط والجدب هكذا ضبطه الزركشي في اللآلئ وتبعه المؤلف في شرح الصدور قال بعض العارفين: الدنيا سجن للمؤمن إن شعر به وضيق فيه على نفسه طلبت السراج منه إلى الآخرة فليسعد ومن لم يشعر بأنها سجن فوسع فيها على نفسه طلبت البقاء فيها وليست بباقية فيشقى. ولما مات داود الطائي سمعت الهتفة تقول أطلق داود من السجن وقال بعض الصوفية: حق ملك الموت أن نحييه بالسلام فإنه سبب في خلاصنا من عالم الكون والفساد فحقه عظيم وشكره لازم وحكي أن قوما من الأوائل كانوا يعظمون زحلا بالتقديس ويقولون لا يعين على الحياة العرضية بل هو سبب إنقاذنا من الدنيا الدنية (حم طب) حل (ك عن ابن عمرو) بن العاص ولم يصححه الحاكم بل سكت قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن جنادة وهو ثقة الحديث: 4276 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 4277 - (الدنيا) كلها كذا هو عند الديلمي وكأنه سقط من قلم المصنف سهوا (سبعة أيام من أيام الآخرة) تمامه عند مخرجه الديلمي وذلك قوله عز وجل {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وما أورده ابن جرير الطبري في مقدمة تاريخه عن ابن عباس من قوله الدنيا جمعة من جمع الآخرة كل يوم ألف سنة فغير ثابت وبتقدير صحته فالأخبار الثابتة في الصحيحين كما قال الحافظ ابن حجر تقتضي كون مدة هذه الأمة نحو الربع أو الخمس من اليوم لما ثبت في حديث ابن عمر إنما أجلكم فيمن مضى قبلكم كما بين صلاة العصر وغروب الشمس قال: فإذا ضم هذا إلى قول ابن عباس زاد على الألف زيادة كثيرة والحق أن ذلك لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى اه. وقال العارف ابن عربي: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم واليوم رباني فإن أيام الرب كل يوم ألف سنة مما يعد بخلاف أيام الله فإنها أكبر فكان من أيام الرب وصلاح الأمة بنظرها إليه عليه الصلاة والسلام وفسادها بإعراضه فوجدنا البسملة تتضمن ألف معنى لا يحصل إلا بعد انقضاء حول ولا بد من حصول هذه المعاني التي تضمنتها لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة وهي في أول دورة الميزان ومدتها ستة آلاف سنة روحانية محققة (فر) من حديث العلاء بن زيدك (عن أنس) قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن المديني: العلاء بن زيدك يضع الحديث اه وفي الميزان: إنه تالف يضع وقال البخاري: إنه منكر الحديث وساق له مناكير هذا منها وقال ابن حبان: يروى عن أنس نسخة موضوعة. وقال السخاوي: إسناده غير ثابت الحديث: 4277 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 4278 - (الدنيا سبعة آلاف سنة) أي عمرها ذلك بعدد النجوم السيارة لكل واحد ألف سنة قال الحرالي: الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة والسنة آخر تمام دورة الشمس وتمام اثنتي عشرة دورة القمر (أنا) وفي رواية وأنا بالواو (في آخرها ألفا) فإذا تمت السبعة فذلك وقت تقرض العالم وطي الدنيا وقد أكثر الناس الخوض في ذلك فأخذ البعض بما صرح به هذا الخبر المعلول وبالغ العارف البسطامي فادعى في كتابه مفتاح الجفر اتفاق وجوه الملل عليه فقال: اتفق أهل الملل الأربع المسلمون والنصارى والصابئة واليهود على أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وقال: قال علي كرم الله وجهه: الباقي إلى خراب الدنيا ألف سنة وفي التوراة كذلك وفي التوراة الدنيا جمعة من جمع الآخرة وهي سبعة آلاف سنة وإن الله يبعث في كل ألف سنة نبيا بمعجزات واضحة وبراهين قاطعة لرفع أعلام دينه القويم وظهور صراطه المستقيم فكان في الألف الأولى آدم وفي الثانية إدريس وفي الثالثة نوح وفي الرابعة إبراهيم وفي الخامسة موسى وفي السادسة عيسى وفي السابعة محمد التي ختمت به النبوة وتمت به الآلاف فالألف الأولى لزحل والثانية [ص: 548] للمشتري والثالثة للمريخ والرابعة للشمس والخامسة للزهرة والسادسة لعطارد والسابعة للقمر فالمتدلي على ألف آدم حرف الألف وعلى ألف إدريس حرف الباء وعلى ألف نوح حرف الجيم وعلى ألف إبراهيم حرف الدال وعلى ألف موسى حرف الهاء وعلى ألف عيسى حرف الواو وعلى ألف محمد حرف الزاي وذهب البعض إلى أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة بعدد البروج لكل برج ألف وقال البعض: ثلاث مئة وستون ألف سنة بعدد درجات الفلك وذكر الهند له حسابا طويلا جعلوا في آخره اجتماع الكواكب في آخر نقطة من الحوت فتعود كما كانت حين تحركت من أول نقطة من الحمل وما بقي من أيام العالم عندهم في هذا الحساب أكثر مما مضى وما ذكر إنما هو ظن والظن لا يغني من الحق شيئا ويتوجه على كل قول من الأقوال الثلاثة أن هذا الحكم وإن كان ملائما لوضع الأفلاك والكواكب فيجوز إذا مرت بعد الآلاف أن يحدث قطع كالإنسان الذي يمكن بقاؤه لكل طبيعة من الطبائع الأربع التي فيه مدة من المدد والألفية مرت به قسمة بعضها انقطع عمره فلم يبلغ قسمة ما بقي منها فكذا يجوز مثله على عمر العالم والكواكب مختلفة الأحوال مختلفة القوى متفاوتة الأجرام فما الدليل على أن الذي يصيب كل كوكب أو كل برج ألف لا أقل ولا أكثر؟ فيتعين تفويض مدته إلى الله كما جاء به القرآن قال مغلطاي: وهذا الحديث لا مسكة فيه فقد ذكر ابن الأثير في منال الطلب أن ألفاظه مصنوعة ملفقة وهو متداول بين رواة الحديث وأئمته وذكر بعض الحفاظ أنه موضوع ولما ذكره أبو الفرج في العلل وصف بعض رواته بالوضع وقال الذهبي: قد جاءت النصوص في فناء هذه الدار وأهلها ونسف الجبال وذلك تواتره قطعي لا محيد عنه ولا يعلم متى ذلك إلا الله فمن زعم أنه يعلمه بحساب أو بشيء من علم الحرف أو بكشف أو بنحو ذلك فهو ضال مضل (طب والبيهقي في الدلائل) وكذا ابن لال والديلمي (عن الضحاك بن زمل) الجهني تبع المصنف في تسميته الضحاك الطبراني ووافق الطبراني أبو نعيم قال ابن الأثير: أراهما ذهبا غير مذهب ولعلهما حفظا اسم الضحاك بن زمل فظناه ذاك والضحاك من أتباع التابعين قال ابن المديني: أما ابن زمل هذا فلا أعلمه تسمى في شيء من الروايات قال مغلطاي: وذكر العسكري وابن منده وابن حبان اسمه عبد الله ولما ذكر ابن حبان زملا في الصحابة قال: يقال له صحبة غير أني لا أعتمد على إسناد خبره وقال في الروض الأنف: هذا الحديث وإن كان ضعيفا فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح وتعضده آثار اه. وقال ابن حجر: هذا الحديث إنما هو عن ابن زمل وسنده ضعيف جدا وأخرجه ابن السبكي في الصحابة وقال: إسناده مجهول وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 4278 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 4279 - (الدنيا كلها متاع) هي مع دناءتها إلى فناء وإنما خلق ما فيها لأن يستمتع به مع حقارته أمدا قليلا ثم ينقضي والمتاع ما ليس له بقاء قال في الكشاف: شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته وقال الحرالي: وعبر بلفظ المتاع إفهاما لخستها لكونه من أسماء الجيفة التي إنما هي مثال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الفناء عنها وأصل المتاع انتفاع ممتد من قولهم ماتع أي مرتفع طويل قال في الكشاف: هو من متع النهار إذا طال ولهذا يستعمل في امتداد مشارق الأرض للزوال ومنه متاع المسافر والتمتع بالنساء ولهذا غلب استعماله في معرض التحقير سيما في القرآن (وخير متاعها المرأة الصالحة) قال الطيبي: المتاع من التمتع بالشيء وهو الانتفاع به وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا متاع والظاهر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الاستمتاعات الدنيوية كلها حقيرة ولا يؤبه بها وذلك أنه تعالى لما ذكر أصنافها وملاذها في آية {زين للناس حب الشهوات} أتبعه بقوله {ذلك متاع الحياة الدنيا} ثم قال بعده {والله عنده حسن المآب} اه قال الحرالي: فيه ايماء إلى أنها أطيب حلال في الدنيا أي لأنه سبحانه زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله {زين للناس} الآية وتلك السبعة هي ملاذها وغاية آمال طلابها وأعمها زينة وأعظمها شهوة النساء لأنها تحفظ زوجها عن الحرام وتعينه على القيام بالأمور الدنيوية والدينية وكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهي محبوبة مرضية لله فصاحبها [ص: 549] يلتذ بها من جهة تنعمه وقرة عينه بها ومن وجهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإيصاله إلى لذة أكمل منها قال الطيبي: وقيد بالصالحة إيذانا بأنها شر المتاع لو لم تكن صالحة وقال الأكمل: المراد بالصالحة النقية المصلحة لحال زوجها في بيته المطيعة لأمره (حم م ن) في النكاح (عن ابن عمرو) بن العاص ولم يخرجه البخاري الحديث: 4279 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 4280 - (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان منها لله عز وجل) يمكن أن يكون المراد بلعنها ملاذ شهواتها وجمع حطامها وما زين من حب النساء والبنين وقناطير الذهب والفضة وحب البقاء بها فيكون قوله ملعونة متروكة مبعدة متروك ما فيها واللعن للترك وقد يراد أنها متروكة للأنبياء والأصفياء كما في خبر لهم الدنيا ولنا الآخرة (حل والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه الحديث: 4280 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 4281 - (الدنيا ملعونة) لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذاتها وإمالتها عن العبودية إلى الهوى حتى سلكت غير طريق الهدى (ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله في الدنيا والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا: يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله وما أحبه الله مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون وقال الأشرفي: المراد بما يوالي ذكر الله طاعته واتباع أمره وتجنب نهيه لأن ذكر الله يقتضي ذلك (وعالما أو متعلما) أي هي وما فيها مبعد عن الله تعالى إلا العلم النافع الدال على الله فهذا هو المقصود ومنها قوله عالما أو متعلما بالنصب عطفا على ذكر الله لأنه مستثنى من موجب وروي بالرفع أيضا قال الطيبي: والنصب ظاهر والرفع على التأويل كأنه قيل الدنيا مذمومة لا يحمد مما فيها إلا ذكر الله وعالم ومتعلم وكان حق الظاهر أن يكتفي بقوله وما والاه لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع لكنه خصص بعد التعميم دلالة على فضل العالم والمتعلم وتفخيما لشأنهما صريحا وايذانا بأن جميع الناس سواهما همج وتنبيها على أن المعنى بالعالم والمتعلم العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل فيخرج الجهلاء وعلم لم يعمل بعلمه ومن يعمل عمل الفضول وما لا يتعلق بالدين وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة <تنبيه> قال ابن عطاء الله: تحقيرك للدنيا وأنت مقبل عليها زور وبهتان وتعظميك لله مع وجود إعراضك عنه من أمارات الخذلان كيف ترجو أن يكون لك قدر عنده وقد استعبدك ما ليس له قدر عنده لو اشتغلت بالباقيات عنه ما كان ذلك عذر لك عنده هذا إن اشتغلت بباق يبقى فكيف إذا اشتغلت بفان يفنى. <تنبيه> قال الحكيم: الدنيا هي هذه الدار التي دورت أرضها تدويرا بجبل قاف وأحيط عليها بالجبل وتلك دار أخرى وهي الآخرة وهذه أولى وسميت دنيا لأنها أدنيت إليك والآخرة تعقبها فسميت عاقبة والعاقبة للمتقين وفي هذه الدار زينة وحياة فزينة هذه أصلها من تلك لكن نبتت ونشأت من أرض هي ذهبها وفضتها وجواهرها وأصل الشهوة من الفرج وأصل اللذة من الذهن وأصل القالب من التراب والحياة مسكنها في الروح والروح مسكنه في الدماغ وهو منبث في جميع الجسد وأصله معلق في عرق القلب وهو نياطه والنفس مسكنها في البطن وهي منبثة في جميع البدن وأصلها مشدود بذلك العرق والشهوات في النفس واللذة منها وعملها في الذهن ففيه الزينة والحياة التي في النفس تستعمل هذا القالب فما كان إلى العين خرج إلى العين وما كان من السمع خرج للسمع وما من النطق خرج للسان وما كان من عمل اليد أو الرجل خرج إليهما وما من عمل الفرج خرج إليه وما من عمل البطن خرج إليه فمخرج أعمال الجوارح السبع من الفرح الذي في القلب ومن الزينة والحياة التي في النفس وإذا حزن القلب ذلت النفس وانطلقت نار الشهوة وتعطلت الجوارح عن العمل وإذا فرح هاجت النفس وصارت قوية طرية وأثارت نار الشهوة واستعملت الجوارح فكل نار تستعمل الجارحة التي بحيالها فالفرح رأس أعمال الجوارح والعبد مغلوبه فإذا حيي القلب بفرح شيء من زينة تزيى بذلك النور الذي في قلبه فيصير ذلك الفرح لله ونطق بالحمد لله وأضمر على الطاعة والشكر ثم ينتشر سلطان ذلك الفرح من صدره في جميع جوارحه فيذهب كسله ويقوى عزمه وتطيب نفسه ويصير حامدا شاكرا وإن هاج الفرح بتلك الزينة من قلبه وكان قلبه محجوبا [ص: 550] عند الله وصدره مظلما بغيوم الهوى ودخان الشهوة ورين الذنوب لم يبصر بعين فؤاده صنع الله في تلك الزينة فيصير الفرح للنفس والفرح بالدنيا فيظهر الفساد من الجوارح وتخرج السيئات من الجسد كل سيئة من معدنها من قلة الرحمة والمبالاة وظهرت الفظاظة واليبس والغلظة والقسوة ومداني الأخلاق حتى صارت الجوارح إلى الغش والمكر والخديعة وسوء النيات والمقاصد حتى خرج إلى الفرعنة والتجبر وكل على قدره يتنعمون بنعم الله ويتلذذون بتلك اللذات فرحا وأشرا وبطرا فبان أن الأمر كله أصله من الفرح فمن أمكنه صرفه إلى الله في كل عمل تنور قلبه وإلا وقع في الوبال فإن صرف ذلك لله لم يزد لربه إلا خشوعا وخضوعا وحياء فحمده ودعاه ذلك إلى شكره بجميع جوارحه وإقامة فرائضه ومن لم يمكنه ذلك سباه فرحه فصار سبيا من سبايا النفس وإذا نالت النفس الفرح كان كرجل متغلب وجد كنزا ففرقه في الغوغاء حتى صاروا أعوانه فخرج بتلك القوة على حاكم البلد فسجنه فإن تداركه الإمام الأعظم بمدد فقد نصره وإلا ذهبت الإمرة فهذا شأن القلب مع النفس {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} ففرح الدنيا هلاك الدين والقلب وفرح الفضل والرحمة يوصل إلى الله فإذا رأى من عبد إقباله على هذه الدنيا الدنية والشهوات الردية أعرض عنه فاستولى عليه الشيطان فجعل همه دنياه ونهمته شهوات نفسه وطلب العلو فيها حتى يضاد أقضية ربه وتدبيره وقطع بها عمره فخسر الدنيا والآخرة وإذا رأى إقباله على ربه هيأ له تدبيرا ينال به سعادة الدارين فجميع ما في الدنيا متاع وإنما صارت مذمومة ملعونة لأنها غرت النفوس بنعيمها وزهرتها ولذتها قلما ذاقت النفس طعم النعيم اشتهت ومالت عن العبودية إلى هواها وقد جعل الله هذه الأشياء مسخرة يأخذ منها للحاجة لا لقضاء الشهوة واللعن إنما وقع على ما غرك من الدنيا لا على نعيمها ولذتها فإن الأنبياء قد نالته فذلك الذي استثناه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إلا ذكر الله إلخ (هـ عن أبي هريرة طس عن أبي مسعود) قال الطبراني: لم يروه عن ثوبان عن عبدة إلا أبو المطرف المغيرة بن مطرف قال الهيثمي: ولم أر من ذكره الحديث: 4281 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 4282 - (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله) فإن هذه الأمور وإن كانت فيها ليست منها بل هي من أعمال الآخرة الموصلة إلى النعيم المقيم قال الحكيم: فكل شيء أريد به وجه الله من الأمور والأعمال فهو مستثنى من اللعنة فإنه قد أوى إلى ذكر الله والكفار والشياطين وكل أمر أو عمل لم يرد به وجه الله فهو ملعون فهذه الأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك لأنها ملهية للعباد عنه وكل شيء بعد البعد عن ربه فالبركة منزوعة منه (البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد قال الهيثمي: فيه المغيرة بن مطرف ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا الحديث: 4282 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 4283 - (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله تعالى) قد أعلم بهذا الحديث والأربعة قبله أن الدنيا مذمومة مبغوضة إليه تعالى إلا ما تعلق منها بدرء مفسدة أو جلب مصلحة فالمرأة الصالحة يندفع بها مفسدة الوقوع في الزنا والأمر بالمعروف جماع جلب المصالح والذكر جماع العبادة ومنشور الولاية ومفتاح السعادة والكل يبتغى به وجه الله تعالى وفيه وفيما قبله حجة لمن فضل الفقر على الغنى قالوا: لأن الله لعنها ومقتها وأبغضها إلا ما كان له فيها ومن أحب ما لعنه الله وأبغضه فقد تعرض للعنه وغضبه (طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته وهو غير جيد فقد قال الهيثمي: فيه خراش بن المهاجر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات لكن قال المنذري: إسناده لا بأس به الحديث: 4283 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 4284 - [ص: 551] (الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد) فإنه سبحانه حمى من أحبه واصطفاه عنها لئلا يتدنس بها ومنحها أعداءه ليشغلهم بها ويصرف وجوههم عنه ويطردهم عن بابه ويعمي قلوبهم ويصم أسماعهم {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} قال ابن عطاء الله: إنما لم يرض الدنيا لهم وجعل الدار الآخرة محلا لجزائهم لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ولأنه أجل أقدارهم أن يجازيهم في دار لا بقاء لها (أبو عبد الرحمن السلمي) الصوفي (في) كتاب (الزهد عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي من طريقين الحديث: 4284 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 4285 - (الدنيا لا تصفو لمؤمن كيف) تصفو له (وهي سجنه وبلاؤه) قال ابن عطاء الله: إنما جعلها الله محلا للأغيار ومعدنا لوجود البلاء والأكدار تزهيدا لك فيها فأذاقنك من ذواقها الأكدار فمن عرف ذلك ثم ركن فما هو إلا أسفه لخلق وأقلهم عقلا آثر الخيال على الحقيقة والمنام على اليقظة والظل الزائل على النعيم الدائم وباع حياة الأبد في أرغد عيش بحياة عن ظل زائل وحال حائل. " إن اللبيب بمثلها لا يخدع ". فحق على كل عاقل يعلم أن الدنيا جمة المصائب كدرة المشارب تشمر للبرية أصناف البلية فيها مع كل لقمة غصة ومع كل جرعة شرقة فهي عدوة محبوبة كما قال أبو النواس: إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت. . . له عن عدو في ثياب صديق وكما روى عن الحسن ما مثلنا مع الدنيا إلا كما قال كثير عزة أسيىء بنا أو أحسني لا ملومة. . . لدنيا ولا مقلبة إن تقلت فما أحد فيها إلا وفي كل حال غرض لأسهم ثلاثة: سهم بلية وسهم رزية وسهم منية كما قيل: تناضله الآفاق من كل جانب. . . فتخطئه يوما ويوما تصبيه وقال حكيم: أسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب ولا يسلم منهما إنسان لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون والفساد فمن أحب أن يعيش هو وأهله وأحبابه فهو غافل وقال الحكماء: من قال لغيره صانك الله من نوب الأيام وصروف الزمان فإنه يدعو عليه بالموت فالإنسان لا ينفك من ذلك إلا بخروجه من دار الكون والفساد. (تتمة) قال ابن عطاء الله: لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها وإنما جعلها محلا للأغيار ومعدنا لوجود الأكدار تزهيدا لك فيها علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل عليك وجود فراقها. (لطيفة) في تذكرة المقريزي في ترجمة العلائي أن من شعره: ومن رام في الدنيا حياة خلية. . . من الهم والأكدار رام محالا فهاتيك دعوى قد تركت دليلها. . . على كل أبناء الزمان محالا وقال الجنيد: لست أتبشع ما يرد علي من العالم في هذه الدار لأني قد أصلت أصلا وهو أن ما في الدنيا كله شر فمن حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو فضل والأصل هو الأول اه قال بعض العارفين: فينبغي للإنسان أن يصحب الناس على النقص ويعاملهم بالكمال فإن ظهر الكمال فهو فضل وإلا فالأصل هو الأول (ابن لال عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وذكر أن الحاكم خرجه الحديث: 4285 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 4286 - (الدهن يذهب بالبؤس والكسوة) أي تحسينها (تظهر الغنى والإحسان إلى الخادم) في المأكل وحسن الهيئة والملبس (مما يكبت الله به العدو) أي يحزنه قال في الفردوس: البؤس الفقر وكبت العدو أي صرعه وأذله ويقال أحزنه والمكبوت الحزين (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن طلحة) بن عبيد الله ورواه الطبراني والديلمي عن عائشة الحديث: 4286 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 [ص: 552] 4287 - (الدواء من القدر وقد ينفع) في إزالة الداء أو تخفيفه (بإذن الله) الذي لا ينفع شيء ولا يضر إلا بإذنه وهذا قاله لما سئل هل ينفع الدواء من القدر؟ فهو الذي قدر الداء والدواء (طب وأبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه صالح بن بشير المري وهو ضعيف الحديث: 4287 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 4288 - (الدواء من القدر وهو ينفع) أي ينفع الله به (من شاء) نفعه من خلقه (بما شاء) من الأدوية فربما يكون دواء لشخص لا يكون دواء لآخر مع اتحاد العلة فالشافي في الحقيقة هو الله والأدوية أسباب وهذا قاله وقد سئل هل ينفع الدواء من القدر (ابن السني) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 4289 - (الدواوين) جمع ديوان بكسر الدال وقد تفتح فارسي معرب قال ابن العربي: هو الدفتر قال في المغرب الديوان الجريدة من دون الكتب إذا جمعها لأنها قطعة من القراطيس مجموعة قال الطيبي: والمراد هنا صحائف الأعمال (ثلاثة فديوان لا يغفر الله منه شيئا وديوان لا يعبأ الله به شيئا) يقال ما عبأت به إذا لم أبال به وأصله من العبب أي الثقل كأنه قال ما أرى له وزنا ولا قدرا قال تعالى {ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} (وديوان لا يشرك الله منه شيئا) بل يعمل فيه بقضية العدل بين أهله (فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا فالإشراك بالله) قال تعالى {ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} (وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم) مفروض (تركه أو صلاة) مفروضة (تركها فإن الله يغفر ذلك) لمن فرط منه (إن شاء) أن يغفره (ويتجاوز) عنه فإنه حق كريم وشأن الكريم المسامحة (وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فمظالم العباد) بعضهم بعضا (بينهم القصاص لا محالة) أي لا بد أن يطالب بها القصاص من بعضهم لبعض قال الطيبي: إنما قال في القرينة الأولى لا يغفر الله ليدل على أن الشرك لا يغفر أصلا وفي الثالثة لا يترك ليؤذن بأن حق الغير لا يهمل قطعا إما بأن يقتص من خصمه أو يرضيه الله عنه وفي الثانية لا يعبأ ليشعر بأن حقه تعالى مبني على المساهلة فيترك كرما وجودا ولطفا (حم ك) في الفتن من حديث صدقة بن أبي موسى عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن صدقة ضعفوه وابن بابنوس فيه جهالة وقال الهيثمي: في سند أحمد صدقة بن أبي موسى ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات الحديث: 4289 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 4290 - (الديك الأبيض صديقي) لأنه أقرب الحيوانات صوتا إلى الذاكرين الله وهو يحفظ غالب أوقات الصلاة ويوقظ لها فهو لإعانته على ما يوصل إلى الرحمة والبركة كالصديق لمن هو أقرب إلى الرحمة فتدبر وما ذكر من أن اللفظ صديقي هو ما في خط المصنف ولعله سبق قلم من رواية أخرى فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر وغيره تبعا لابن الأثير معزوا لتخريج ابن قانع إنما هو خليلي بدل صديقي ولم يحكوا سواه (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق هارون بن نجيل عن جابر بن مالك (عن أيوب) بوزن أحمد وآخره موحدة ذكر ابن حجر (بن عتبة) صحابي [ص: 553] قال ابن الأثير: قال أحمد حديث منكر لا يصح إسناده وفي الإصابة ذكره الدارقطني في المؤتلف وقال: لا يصح سنده وفي التجريد جزما هذا حديث منكر وفي اللسان عن ذيل الميزان جابر بن مالك عن أيوب بن عتبة إن الديك الأبيض إلخ وعنه هارون بن نجيل آفته أحدهما فإن رجال إسناده كلهم معروفون غيرهما قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف: لا يصح إسناده وابن ما كولا لا يثبت إلى هنا كلامه الحديث: 4290 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 4291 - (الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو وعدو الله) تمامه كما ذكره المؤلف في الموضوعات كابن الجوزي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيته معه في البيت اه وله أسماء كثيرة وكثرتها تدل على شرف المسمى غالبا فمنها الزاووق وقال الزمخشري: الزواقي الديكة لأنهم يسمرون فتثقل عليهم زقاوها لانقطاع السمر عنهم بإبتلاج الفجر (أبو بكر البرقي) بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء نسبة إلى برفة بلد بالمغرب خرج منها جمع كثير من العلماء في كل فن من حديث ابن أبي السري عن محمد بن حمير عن محمد بن مهاجر عن عبد الله بن عبد العزيز القرشي (عن أبي زيد الأنصاري) واسمه عمرو بن أحطب صحابي مشهور بكنيته ومحمد بن حمير وضاع وشيخه ليسس بشيء بل كذبه بعضهم ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوع وتبعه على ذلك المؤلف في مختصره فسلمه ولم يتعقبه فأعجب له كيف أورده هنا الحديث: 4291 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 4292 - (الديك) بكسر الدال (الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي) يوافقه خبر أبي نعيم لا تسبوا الديك فإنه صديقي وأنا صديقه وعدوه عدوي والذي بعثني بالحق لو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا لحمه وريشه بالذهب والفضة وإنه ليطرد مدى صوته من الجن اه (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن عائشة وعن أنس) بن مالك معا الحديث: 4292 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 4293 - (الديك الأبيض صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع دور) أي يحرس دار صاحبه وأهل سبعة دور حول داره أن يصيبهم مكروه أو سوء وللديك خصوصية ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط صوته فيه تقسيطا لا يكاد يتفاوت ويتوالى صياحه قبل الفجر وبعده فلا يكاد يخطئ طال الليل أم قصر ومن ثمة أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المتجرب في الوقت (البغوي) في المعجم من حديث أبي روح البلدي عن أبي شهاب عن طلحة بن يزيد عن الأخوص (عن خالد بن معدان) مرفوعا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: مقطوع وطلحة متروك وتعقبه المؤلف بأن ابن حجر قال: لم يبين لي الحكم على متنه بالوضع وإنما رواته ضعفاء الحديث: 4293 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 4294 - (الديك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل) أمين الوحي (يحرس بيته) أي المحل الذي هو فيه من بيت أو غيره (وستة عشر بيتا من جيرانه) الملاصقين له من الجهات الأربع كما بينه في قوله (أربعة عن اليمين) أي عن يمين البيت الذي هو فيه (وأربعة عن الشمال وأربعة من قدام وأربعة من خلف) زاد أبو نعيم في روايته وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبيته معه في البيت (عق وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة) كلاهما (عن أنس) قال في الميزان: عن ابن أبي حاتم حديث منكر وتبعه المصنف في الدرر فقال: هو منكر وظاهر كلامه هنا أن مخرجه [ص: 554] العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال في ترجمة أحمد بن محمد البزي: هو منكر الحديث يوصل الأحاديث ثم ساق مما أنكروه عليه هذا الخبر وقال ابن أبي حاتم: روى حديثا منكرا ثم أورد له هذا وقال أبوه أبو حاتم ضعيف الحديث سمعت منه ولا أحدث عنه وفيه أيضا الربيع بن صبيح أورده الذهبي وغيره في الضعفاء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فقال: موضوع الربيع ضعيف والبزي منكر الحديث وتبعه المؤلف على ذلك في مختصرها ولم يذكر إلا كلام ابن حجر السابق الحديث: 4294 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 4295 - (الديك يؤذن بالصلاة) أي يعلم بدخول وقتها فيجوز الاعتماد عليه (من اتخذ ديكا أبيض حفظ من ثلاثة: من شر كل شيطان وساحر وكاهن) قال الجاحظ: زعم أهل التجربة أن ذابح الديك الأفرق لم يزل ينكب في ماله. قال الداودي: يتعلم من الديك خمس خصال: حسن الصوت والقيام في السحر والغيرة والسخاء وكثرة الجماع (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مخرجه البيهقي: هذا إسناد مرسل وهو به أشبه الحديث: 4295 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 4296 - (الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي يحرس دار صاحبه وتسع دور حولها) قد أفرد الحافظ أبو نعيم أخبار الديك بتأليف وقد ذكر بعض المجربين أنه ما ذبح في دار إلا وأصاب أهله نكبة (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن أبي يزيد الأنصاري) قال الخطيب: ولا يصح وقال السخاوي: أخبار الديك كلها فيها ركة ولا رونق لها اه الحديث: 4296 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 4297 - (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أشار إلى أن الربا يحرم في الذهب والفضة إلا الفلوس وإن راجت لعلة الثمينة الغالبة فالربويات بعلة واحدة إن اتحد جنسها كبيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض وبيان ذلك موضح في كتب الفروع (م ن عن أبي هريرة) الحديث: 4297 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 4298 - (الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز) أي إذا لم تخرج زكاته فهو كنز وإن كان على وجه الأرض لم يدفن فيدخل في قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} بخلاف ما لو أديت زكاته فإن حكمه ليس حكم المكنوز وإن دفن في الأرض فلا يشمله الوعيد (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف ورواه في الفردوس وبيض لسنده الحديث: 4298 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 4299 - (الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم وصاع حنطة بصاع حنطة وصاع شعير بصاع شعير وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بين شيء من ذلك) زاد في رواية فمن زاد أو استزاد فقد أربى وفي أخرى فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا [ص: 555] كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقايضة (طب ك) في البيع (عن أبي أسيد الساعدي) بفتح الهمزة مالك بن ربيعة قال راويه عن أبي أشيد سمعته وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين فقال له أبو أسيد وأغلظ فقال ابن عباس: ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في مثل هذا فقال له أسيد: أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فقال ابن عباس: إنما هذا شيء كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه شيئا اه. قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: إسناده حسن الحديث: 4299 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 4300 - (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق) بتثليث الراء والكسر أفصح أي فضة (فليصطرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصطرفها بالورق) لفظ الحاكم في الموضعين ليصرفها والباقي سواء (والصرف ها وها) بالمد والقصر بمعنى خذ وهات فيشترط التقابض في الصرف بالمجلس (هـ ك عن علي) أمير المؤمنين وفيه العباس بن عثمان بن شافع جد الإمام الشافعي عن عمر بن محمد بن الحنفية. قال في الميزان: لم أر عنه راويا سوى ولده محمد أيضا ورواه عنه أيضا الحاكم وقال: صحيح غريب وأقره الذهبي الحديث: 4300 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 4301 - (الدين) بكسر الدال (يسر) أي الإسلام ذو يسر أي مبني على التسهيل والتخفيف وهو بمعناه (ولن يغالب) في رواية ولن يشاد قال في مختصر الفتح: وسمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة للأديان قبله لأنه تعالى رفع عن أهله الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم (1) وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم (الدين) أي لا يقاويه (أحد إلا غلبه) يعني لا يتعمق فيه أحد وترك الرفق ويأخذ بالعنف إلا غلبه الدين وعجز المتعمق وانقطع قال ابن حجر: الدين منصوب على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وحكى في المطالع أن أكثر الروايات برفع لا دين على أن يغالب أو يشاد بالبناء للمفعول وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بينهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة قال ابن المنير: فيه علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع وليس المراد من أخذ بالأكمل في العبادة لأنه من الأمور المجموعة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبه النوم آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في جماعة أو إلى خروج الوقت المختار أو إلى طلوع الشمس (هب عن أبي هريرة) ورواه البخاري بلفظ إن الدين إلخ   (1) ومنها قطع الأعضاء الخاطئة وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض وتعين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية وترك العمل في السبت وأن صلاتهم لا تجوز إلا في كنائسهم وغير ذلك من التشديدات شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق أي في قوله تعالى {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الحديث: 4301 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 4302 - (الدين النصيحة) أي عماده وقوامه النصيحة على وزان الحج عرفة فبولغ في النصيحة حتى جعل الدين كله إياها وبقية الحديث كما في صحيح مسلم قالوا: لمن يا رسول الله قال: لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم قال بعضهم: هذا الحديث ربع الإسلام أي أحد أحاديث أربعة يدور عليها وقال النووي: بل المدار عليه وحده ولما نظر السلف [ص: 556] إلى ذلك جعلوا النصيحة أعظم وصاياهم قال بعض العارفين: أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم ويحفظهم وظاهر الخبر وجوب النصح وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح ومن قبل النصيحة أمن الفضيحة ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه <تنبيه> قال بعض العارفين: النصاح الخيط والمنصحة الأبرة والناصح الخائط والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو نحوه فينتفع به بتأليفه إياه وما ألفه إلا لنصحه والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وبين ما فيه سعادتهم عند الله وبين خلقه وقال القاضي: الدين في الأصل الطاعة والجزاء والمراد به الشريعة أطلق عليها لما فيها من الطاعة والانقياد (تخ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد الشيخين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الدرر إلى مسلم من حديث تميم الداري وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود وأحمد موصولا وإلى البخاري معلقا وعزاه النووي في الأذكار إلى مسلم الحديث: 4302 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 4303 - (الدين) بفتح الدال (شين الدين) بكسر الدال أي يعيبه قال الحرالي: الدين في الأمر الظاهر معاملة على تأخير كما أن الدين بالكسر فيما بين العبد وبين الله معاملة على تأخير وفي شرح الشهاب لما جمع الدين محاسن الإسلام ظاهرا وجمال الإيمان باطنا نهى عن شين هذا الجمال بالدين وذلك لشغل القلب بهمه وقضائه والتذلل للغريم عند لقائه وتحمل منته إلى تأخير أدائه وربما يعد بالوفاء فيخلف أو يحدث الغريم بسببه فيكذب أو يحلف فيحنث أو يموت فيرتهن به (أبو نعيم في) كتاب (المعرفة عن مالك بن يخامر) بضم التحتية والمعجمة وكسر الميم الحمصي السكسكي قال الذهبي: يقال له صحبة اه وقال أبو نعيم: لم تثبت وفيه عبد الله بن شبيب الربعى قال في الميزان: أخباري علامة لكنه واه وقال الحاكم: ذاهب الحديث وبالغ فضلك فقال: يحل ضرب عنقه وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ثم ساق له هذا الخبر (القضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن مالك المذكور (عن معاذ) بن جبل وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مختلف فيه وليس بالقوي لكن قال العامري في شرحه: حسن الحديث: 4303 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 4304 - (الدين) بفتح الدال المشددة (راية الله في الأرض) أي التي وضعها فيها لإذلال من شاء إذلاله (فإذا أراد أن يذل عبدا) بين خلقه (وضعها في عنقه) وذلك بإيقاعه الاستدانة ويترتب عليها الذل والهوان ولهذا تكرر في عدة أحاديث استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه فإن قيل إذا كان الدين كذلك فكيف استدان المصطفى صلى الله عليه وسلم قيل إنما تداين في ضرورة ولا خلاف في عدم ذمه للضرورة فإن قيل لا ضرورة لأن الله خيره أن يكون بطحاء مكة له ذهبا أجيب بأنه خيره فاختار الإقلال والقنع وما عدل عنه زهدا فيه لا يرجع إليه فالضرورة لازمة قال ابن العربي: والدين عبارة عن كل معنى يثبت في ذمة الغير للغير في الذمة مؤجل أو حال (ك) في البيع من حديث بشر بن عبيد الدريسي عن حماد عن أيوب عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: على شرط مسلم ورده الذهبي فقال: بشر واه فالصحة من أين؟ الحديث: 4304 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 4305 - (الدين دينان) بفتح الدالين (فمن مات وهو) أي والحال أنه (ينوي قضاءه) أي وفاءه لصاحبه متى تمكن (فأنا وليه) أي أقضيه عنه مما يفيء الله به من نحو غنيمة (ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك) أي المدين الذي لم ينو الوفاء (هو الذي يؤخذ من حسناته) يوم القيامة فيعطي لرب الدين فإنه (ليس يومئذ) أي يوم الحساب (دينار ولا درهم) يوفي به فإن لم تف به حسناته أخذ من سيئات خصمه فألقيت عليه ثم طرح في النار كما جاء في خبر أما من [ص: 557] كانت نيته الوفاء متى تمكن فلا يتمكن فلم يؤخذ من حسناته لعدم تقصيره (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الديلمي رمز المصنف لحسنه الحديث: 4305 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 4306 - (الدين) بفتح الدال (هم بالليل) فإن المديون إذا خلى بنفسه وتذكر أنه إذا أصبح طولب وضيق عليه ولم يجد للخلاص حيلة لم يزل طول ليله في غم وهم حتى حال النوم بأن يرى أحلاما منكدة من تلك الجهة (ومذلة بالنهار) لا سيما إذا كان خصمه ألد سيء التقاضي فهو البلاء الأكبر والموت الأحمر والقصد بهذه الأخبار الإعلام بأن الدين مكروه لما فيه من تعريض النفس للمذلة فإن دعت إليه ضرورة فلا كراهة بل قد يجب ولا لوم على فاعله وأما بالنسبة إلى معطيه فمندوب لأنه من الإعانة على الخير (فر عن عائشة) ثم قال أعني الديلمي: وفي الباب أنس وغيره الحديث: 4306 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 4307 - (الدين) بالفتح (ينقص من الدين) بكسرها أي يذهب منه فإنه ربما جر إلى التسخط بالقضاء أو إلى الاحتيال بتحصيل شيء من غير حله ليرضي به رب الدين أو نحو ذلك كله حط من الديانة (و) من (الحسب) بالتحريك أي أنه مزر به وهذا وما قبله مسوق للتنفير من الاستدانة والزجر عن مفارقة ما يؤدي إليها (فر عن عائشة) وفيه الحكم ابن عبد الله الأيلي قال الذهبي في الضعفاء: متروك متهم بالوضع ورواه عنها أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى الحديث: 4307 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 4308 - (الدين) بالفتح (قبل الوصية) أي يجب تقديم وفائه على تنفيذها (وليس لوارث وصية) إلا أن يجيز الورثة والوصية لغة من وصلت الشيء وصلته سميت به لأنه وصل خير دنياه بخير عقباه وإذا أريد بها ما يخرج من الثلث وهي المراد هنا والمبوب لها في الفقه فعرفت بأنها عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته (هق) من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين قال الذهبي في المهذب: ويحيى ضعيف اه وأخرجه الدارقطني عن علي يرفعه وفيه عاصم لينه ابن عدي عن شبيب بن شعبة ثقة له غرائب وشيخه يحيى بن أبي أنيسة تالف ذكره الغرياني وغيره وأخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر بمثله قال ابن حجر: وسنده ضعيف الحديث: 4308 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 حرف الذال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 4309 - (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا) أي قنع بالله ربا واكتفى به ولم يطلب غيره (وبالإسلام دينا) بأن لم يسع في غير طريقه قال الطيبي: ولا يخلو إما أن يراد بالإسلام الانقياد كما في حديث جبريل أو مجموع ما يعبر بالدين عنه في خبر بني الإسلام على خمس ويؤيد الثاني اقترانه بالدين لأن الدين جامع بالاتفاق وعلى التقديرين هو عطف على قوله بالله ربا عطف عام على خاص وكذا قوله (وبمحمد رسولا) بأن لم يسلك إلا ما يوافق شرعه ومن كان هذا نعته فقد وصلت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه شبه الأمر الحاصل الوجداني من [ص: 558] الرضا بالأمور المذكورة بمطعوم يستلذ به ثم ذكر المشبه به وأراد المشبه ورشح بقوله ذاق فإن قيل: الرضى بالثالث مستلزم للأولين فلم ذكرها؟ قلنا: التصريح بأن الرضا بكل منهما مقصود قال الراغب: والذوق وجود الطعم في الفم وأصله فيما يقل تناوله وإذا كثر يقال له الأكل واستعمل في القرآن بمعنى وجود الإصابة إما في الرحمة نحو {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} وإما في العذاب نحو {ليذوقوا العذاب} وقال غيره: الذوق ضرب مثلا لما ينالونه عند المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخير (حم م ت) في الإيمان (عن العباس بن عبد المطلب) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4309 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 4310 - (ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين) شبه الذاكر الذي يذكر الله بين جماعة ولم يذكروا بمجاهد يقاتل الكفار بعد فرار أصحابه منهم فالذاكر قاهر لجند الشيطان وهازم له والغافل مقهور. وقال ابن عربي: عليك بذكر الله بين الغافلين عن الله بحيث لا يعلم بك فتلك خلوة العارف بربه وهو كالمصلي بين النيام (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما: رجال الأوسط وثقوا وقضيته أن رجال الكبير لم يوثقوا فلو عزاه المصنف للأوسط لكان أحسن الحديث: 4310 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 4311 - (ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين) لأن أهل الغفلة قد تعلقت قلوبهم بالأسباب فاتخذوها دولا فصارت عليهم فتنة فإذا ذكر الله بينهم كان فيه ردا عليهم غيبتهم وجفرهم وسوء صنيعهم وإعراضهم عن الذكر فكان ذاكر الله فيهم كحامي الفئة المنهزمة فهو يطفئ ثائرة غضب الله على من أعرض عن ذكره {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ومن ثمة شرع لداخل السوق الذي هو محل الغفلة الذكر المشهور ورتب عليه ذلك الجزاء العظيم الذي لم يقع مثله في حديث صحيح إلا قليلا (وذاكر الله في الغافلين) كرره ليناط به في كل مرة ما لم ينط به أولا ذكره الطيبي (كالمصباح في البيت المظلم) شبه الذاكر بالسراج الذي يستضئ به أهل البيت ويهتدون به إلى المصالح ويحترزون بضوئه من الهوام (وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات من الصريد الضريب) (1) أي تتساقط من شدة البرد والضريب الصقيع ويروى من الجليد شبه الذاكر بالغصن الأخضر الذي يعد للإثمار والغافل باليابس الذي يهيأ للإحراق ذكره القاضي. قال الحكيم: فكذلك أهل الغفلة أصابهم حريق الشهوات فذهبت ثمار القلوب وهي طاعة الأركان فالذاكر قلبه رطب بذكره فلم يضره قحط ولا برد وأما أهل الغفلة كأهل الأسواق فالحرص فيهم كامن وكلما ازداد الواحد منهم طلبا ازداد حرصا فأقبل العدو فنصب كرسيه في وسط أسواقهم وركز رايته وبث جنوده فحملهم على الغفلة فأضاعوا الصلاة ومنعوا الحقوق فأهل الغفلة على خطر عظيم من نزول العذاب والذاكر ببينهم يرد غضب الله فيدفع بالذاكر عن الغافل وبالمصلي عمن لا يصلي (وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده من الجنة) أي في الدنيا بأن يكشف له عنه فيراه أو يرى له أو في القبر (وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وأعجمي) فالفصيح بنو آدم والأعجمي البهائم هكذا ذكره متصلا مخرجه أبو نعيم فما أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسيره الراوي شبه الذاكر بشجرة خضراء لها منظر بين الأشجار سقياها من فيض العطوف الغفار فهي رطبة بذكره لينة بفضله وأهل الغفلة بأشجار جفت فسقط ورقها ويبست أغصانها لأن حريق الشهوة أصابهم [ص: 559] فذهبت ثمار القلوب وهي طاعة الأركان وذهبت طلاوة الوجوه وسمتها وسكون النفوس وهديها فلم يبق ثمر ولا ورق وما بقي من أثمر فمر أو حلو لا طعم له كدر اللون عاقبته التخمة فهي أشجار بهذه الصفة (حل) وكذا البيهقي في الشعب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف أي وذلك لأن فيه عمران بن مسلم القصير قال في الميزان: قال البخاري منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر   (1) [كلمة " الضريب " لم ترد في متن الجامع الصغير ولا في الفتح الكبير للنبهاني. دار الحديث] الحديث: 4311 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 4312 - (ذاكر الله) شهر (رمضان مغفور له) من الله وسكت عن الفاعل للعلم به (وسائل الله فيه) شيئا من الخير في الدين أو الدنيا (لا يخيب) بفتح أوله أو ضمه وإنما قال ذاكر الله في رمضان ولم يقل ذاكر الله وهو صائم ليبين شمول الحكم لليل (طس هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه هلال بن عبد الرحمن وهو ضعيف وقال الذهبي في الضعفاء: منكر الحديث وأقول: فيه أيضا عبد الله بن علي بن جدعان قال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين وقال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد ويحيى: ليس بشيء وأبو زرعة: غير قوي الحديث: 4312 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 4313 - (ذاكر الله خاليا) أي في محل خال لا يطلع عليه فيه إلا الله والحفظة (كمبارزة إلى الكفار من بين الصفوف خاليا) أي ليس معه أحد فذكر الله في الخلوات يعدل في الثواب جوده بنفسه في القتال في الفلوات وهذا التنويه عظيم بفضل الذكر ومن ثمة كانت جميع العبادات تزول يوم القيامة إلا الذكر قال الإمام الرازي: جميع التكاليف الظاهرة من صلاة أو غيرها تزول في عالم القيامة إلا الذكر والتوحيد لدلالة القرآن على مواظبتهم على الحمد والمواظبة عليه مواظبة عليهما قال الغزالي: قال بعض المكاشفين: ظهر لي الملك فسألني أن أملي عليه شيئا من ذكري الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال: ما نكتب لك عملا ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله فقلت: ألستما تكتبان الفرائض قالا: بلى قلت: فيكفيكما ذلك قال الغزالي: وذا إشارة إلى أن الكاتبين لا يطلعان على أسرار القلب إنما يطلعان على الأعمال الظاهرة (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض له ولده الحديث: 4313 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 4314 - (ذبح الرجل أن تزكيه في وجهه) أي تزكيته في وجهه بمنزلة الذبح له إذا جعل ذلك المادح وسيلة إلى طلب شيء منه فإنه تلجئه شدة الحياء إلى الإجابة كرها فيتألم لذلك تألما يكاد أن يضاهي تألم المذبوح (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) هو إما بفتح المثناة الفوقية وفتح المثناة التحتية نسبة إلى تيم بالتحريك بطن من غافق أو بفتح الفوقية وسكون التحتية نسبة إلى قبيلة تيمة بالسكون وهو الزاهد العابد (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها الحديث: 4314 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 4315 - (ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله) عند الذبح (أو لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله) احتج به من ذهب إلى عدم وجوب التسمية على الذبيحة وهم الجمهور فقالوا: هي سنة لا واجبة والمذبوح حلال سواء تركها سهوا أو عمدا وفرق أحمد بين العامد والناسي ومال إليه الغزالي في الإحياء حيث قال: في مراتب الشبهات المرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه وهو ما يقوى فيه دليل المخالف فمنه التورع عن أكل متروك التسمية فإن الآية أي وهي {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} ظاهرة في الإيجاب والأخبار متواترة بالأمر بها لكن لما صح قول المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم يحتمل كونه عاما موجبا لصرف الأية والأخبار عن [ص: 560] ظاهر الأمر ويحتمل تخصيصه بالناسي والثاني أولى إلى هنا كلامه. وهذا الحديث الذي حكم بصحته بالغ النووي في إنكاره وقال: هو مجمع على ضعفه قال: وقد خرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وقال: منكر لا يحتج به (د في مراسيله عن الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام وآخره مثناة السدوسي مولى سويد بن منجون (مرسلا) قال عبد الحق: هو مع إرساله ضعيف قال ابن القطان: وعليه إن الصلت لا يعرف حاله قال ابن حجر في التخريج: رواه البيهقي من حديث ابن عباس موصولا وفي سنده ضعف وأعله ابن الجوزي بمغفل بن عبد الله فزعم أنه مجهول فأخطأ لكن قال البيهقي: الأصح وقفه على ابن عساكر وقال في الفتح: الصلت ذكره ابن حبان في الثقات وهو مرسل جيد أما كونه يبلغ درجة الصحة فلا الحديث: 4315 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 4316 - (ذبوا) أي امنعوا وادفعوا (عن أعراضكم) بفتح الهمزة (بأموالكم) تمامه عند مخرجه الخطيب قالوا: يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن أعراضنا قال: تعطون الشاعر ومن تخافون لسانه اه بلفظه (خط عن أبي هريرة ابن لال) أبو بكر (عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا الحديث: 4316 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 4317 - (ذراري المسلمين) أي أطفالهم من الذر بمعنى التفريق لأن الله فرقهم في الأرض أو من الذرء بمعنى الخلق (يوم القيامة تحت العرش) أي في ظله يوم لا ظل إلا ظله (شافع) أي كل منهم شافع عند الله فيمن أذن له (ومشفع) أي مقبول الشفاعة غير مردودها (من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة) بدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم قال تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين} قال علي وابن عمر رضي الله عنهم: هم أطفال المسلمين قال المصنف: ثم إذا دخلوا الجنة كانوا مع أرفع الأبوين مكانا وخير الوالدين فضلا وإحسانا (ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله) أى فعليه وزر ما فعل بعد البلوغ من المعاصي وله أجر ما فعل من الطاعات وظاهره أن التكليف منوط ببلوغ هذا السن لكن مذهب الشافعية أن البلوغ وجريان القلم إما بالاحتلام أو ببلوغ خمس عشرة سنة (أبو بكر) الشافعي (في الغيلانيات وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فما أوهمه عدول المصنف لذينك من أنه لا يوجد لأحد من المشاهير غير سديد ثم إن فيه ركن الشامي قال في الميزان: وهاه ابن المبارك وقال النسائي والدارقطني: متروك ثم ساق هذا الخبر وفي اللسان عن الحاكم أنه يروي أحاديث موضوعة الحديث: 4317 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 4218 - (ذراري المسلمين) أي أرواح أطفالهم (في عصافير خضر) تعلق (في شجر الجنة يكفلهم أبوهم إبراهيم) الخليل عليه السلام وفي رواية وسارة امرأته قال المصنف: وروى ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود وهو كمرفوع السند أن أطفال المسلمين ملوك في الجنة أما ذراري الكفار ففيهم ثلاثة أقوال قال النووي وهو قول الأكثر: إنهم في النار إذ الغالب أن ولد اليهودي يتهود وولد النصراني يتنصر وولد المسلم يسلم لما غلب على الطبائع من التقليد والحرص على المألوف والميل إلى متابعة الآباء وتعظيم شأنهم وترويج آدابهم فحكمنا بإسلام ولد المسلم وترقبنا خلاصه وسحبنا كفر الكافر على ولده وخفنا عليه بناء على هذا الأمر الظاهر وإن احتمل غيره كما يتوقع الخلاص للصالح المذعن ويخاف على الفاسق المتمرد إن جاز عكسه. الثاني: أنهم في الجنة وصححه النووي لخبر إبراهيم حين رآه في الجنة وحوله أولاد الناس وأما حديث البخاري الله أعلم بما كانوا عاملين فلا تصريح فيه بأنهم في النار الثالث: الوقف ورجحه البيضاوي فقال: الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لزم كون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل موجبهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل فالواجب في حقهم الوقف فمنهم من سبق القضاء بأنه سعيد حتى لو عاش [ص: 561] عمل بعمل أهل الجنة ومنهم بالعكس اه (ص عن مكحول مرسلا) الحديث: 4218 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 4319 - (ذراري المسلمين) في الجنة كما في رواية أحمد (يكفلهم إبراهيم) الخليل زاد في الرواية المارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة ومر أن الأرواح تتفاوت في المقر أعظم تفاوت بحسب مقاماتها ومراتبها قال المصنف: ورد في حديث أن في الجنة شجرة من خير الشجر لها ضروع كضروع البقر فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضعوا منها قال: وروى ابن أبي حاتم عن خالد أن السقط يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى يوم القيامة (أبو بكر ابن أبي داود) كتاب (البعث عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر ولا أعلى ممن عزاه إليه وإلا لما أبعد النجعة واقتصر عليه وهو تقصير فقد رواه الإمام أحمد باللفظ المزبور ورواه الحاكم والديلمي وابن عساكر الحديث: 4319 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 4320 - (ذروة الإسلام) أي أعلاه (أربع خصال الصبر للحكم) أي حبس النفس على كريه يتحمله أو لذيذ يفارقه انقيادا لقضاء الله (والرضا بالقدر) بالتحريك أي بما قدره الله في الأزل بأن يترك الاختيار وتطمئن نفسه على الواقع به لا يلتمس تقدما ولا تأخرا ولا يستزيد مزيدا ولا يستبدل حالا (والإخلاص للتوكل) أي إفراد الحق سبحانه في التوكل عليه وتفويض سائر أموره إليه والاستسلام للرب أي الانقياد إليه في أحكامه من الأوامر والنواهي وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم ولولا ثلاث خصال صلح الناس شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه (حل عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 4320 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 4321 - (ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله والذروة من كل شيء أعلاه وسنام الشيء أعلاه فالجمع بينهما هنا للمبالغة (لا يناله إلا أفضلهم) يعني أفضل المسلمين المدلول عليه بلفظ الإسلام فإن جاد بنفسه لله فهو أفضلهم بلا نزاع (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته وهو غير صواب فقد أعله الهيثمي بأن فيه علي بن يزيد وهو ضعيف اه فالحسن فضلا عن الصحة من أين؟ الحديث: 4321 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 4322 - (ذر الناس يعملون) ولا تطمعهم في ترك العمل والاعتماد على مجرد الرجاء (فإن الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) ودخول الجنة وإن كان إنما هو بالفضل لا بالعمل فرفع الدرجات فيها بالأعمال (والفردوس) أي وجنة الفردوس (أعلاها درجة وأوسطها وفوقها عرش الرحمن) فهو سقفها (ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس) قال ابن القيم: أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأعلاها ذاتا وقدرا عرش الرحمن وكل ما قرب إلى العرش كان أنور وأرهز فلذا كان الفردوس أعلا الجنان وأفضلها (حم ت عن معاذ) بن جبل الحديث: 4322 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 4323 - (ذروا الحسناء العقيم) أي التي لا تلد (وعليكم بالسوداء الولود) كان القياس مقابلة الحسناء بالقبيحة لكن لما كان السواد مستقبحا عند أكثر الناس قابله به وزاد أبو يعلى في روايته فإني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط يظل محنطئا [ص: 562] بباب الجنة فقال له: ادخل الجنة فيقول: حتى يدخل والدي معي (عد) وكذا الموصلي والديلمي (عن ابن مسعود) وفيه حسان بن الأزرق ضعفه الدارقطني وغيره وأورد له ابن عدي ثمانية عشر حديثا مناكير وعد هذا منها ونقله عنه في الميزان وقال في اللسان: قال ابن عدي: لا يتابع عليها والضعف على الحديث بين اه. وبه يعرف أن سكوت المصنف على عزوه لابن عدي وحذفه من كلامه إعلاله غير صواب الحديث: 4323 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 4324 - (ذروا العارفين المحدثين) بفتح الدال اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم وهو من ألقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى (من أمتي لا تنزلوهم الجنة ولا النار) أي لا تحكموا لهم بإحدى الدارين (حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة) يظهر أن المراد بهم المجاذيب ونحوهم الذين يبدو منهم ما ظاهره يخالف الشرع فلا يتعرض لهم بشيء ويسلم أمرهم إلى الله (خط) من حديث أيوب بن سويد عن سفيان عن خالد عن عبد الله بن مسور عن محمد بن الحنفية (عن) أبيه (علي) أمير المؤمنين وأيوب قال الذهبي في الكاشف: ضعفه أحمد وغيره وابن المسور قال في الميزان: غير ثقة وقال أحمد وغيره: أحاديثه موضوعة وقال النسائي والدارقطني: متروك ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر الحديث: 4324 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 4325 - (ذروني) أي اتركوني من السؤال (ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم من الأمر بالشيء والنهي عنه فلا تتعرضوا لي بكثرة البحث عما لا يعينكم في دينكم مهما أنا تارككم لا أقول لكم شيئا فقد يوافق ذلك إلزاما وتشديدا وخذوا بظاهر ما أمرتكم ولا تستكشفوا كما فعل أهل الكتاب ولا تكثروا من الاستقصاء فيما هو مبين بوجه ظاهر وإن صلح لغيره لإمكان أن يكثر الجواب المرتب عليه فيضاهي قصة بقرة بني إسرائيل شددوا فشدد عليهم فخاف وقوع ذلك بأمته ومن ثمة علله بقوله (فإنما هلك من كان قبلكم) من أمم الأنبياء (بكثرة سؤالهم) إياهم عما لا يعنيهم (واختلافهم) بالضم لأنه أبلغ في ذم الاختلاف إذ لا تقييد حينئذ بكثرة السؤال بخلاف ما لو جر هذا ما جرى عليه بعض الشارحين وقال بعضهم: واختلاف عطف على الكثرة لا على السؤال لأن الاختلاف على الأنبياء حرام قل أو كثر وأثر تركتكم على ذرتكم ماضي ذروني لأن العرب لم تستعمله إلا في الشعر اغتناء عنه بترك كودع ماضي يدع (على أنبيائهم) فإنهم استوجبوا بذلك اللعن والمسخ وغير ذلك من البلايا والمحن وكثرة السؤال لتفرق القلوب ووهن الدين ومشعر بالعنت وأكثره مما ألبس فتنة أو شرب وأعقب عقوبة فلا ملجأ لما قيل إن النهي يخص زمن النبي صلى الله عليه وسلم من خوف تحريم أو إيجاب يشق لا يقال السؤال مأمور به بنص {فاسألوا أهل الذكر} فكيف يكون مأمورا منهيا لأنا نقول إنما هو مأمور فيما يأذن المعلم في السؤال عنه والحاصل أن من الناس من فرط فسد باب المسائل حتى قل فهمه وعلمه ومنهم من أفرط فتوسع حتى أكثر الخصومة والجدل بقصد المغالية وصرف وجوه الناس إليه حتى تفرقت القلوب وانشحنت بالبغضاء ومنهم من اقتصد فبحث عن معاني الكتاب والسنة والحلال والحرام والرقائق ونحوها مما فيه صفاء القلوب والإخلاص لعلام الغيوب وهذا القسم محبوب مطلوب والأولان مذمومان وبذلك عرف أن ما فعله العلماء من التأصيل والتفريع والتمهيد والتقرير في التأليفات مطلوب مندوب بل ربما كان واجبا شكر الله سعيهم قال ابن حجر: وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما ينذر سيما في المختصرات ليسهل تناوله (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه) وجوبا في الواجب وندبا في المندوب (ما استطعتم) أي أطقتم لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود وذلك [ص: 563] يتوقف على شرائط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها وبعضه لا يستطاع وبعضه له فلا جرم يسقط التكليف بما لا يستطاع إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وبدلالة الموافقة له يخص عموم {وما آتاكم الرسول فخذوه} ويؤخذ منه كما قال النووي في الأذكار: ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا يتركه مطلقا بل يأتي بما تيسر منه لهذا الخبر (وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) أي دائما على كل تقدير ما دام منهيا عنه حتما في الحرام وندبا في المكروه إذ لا يتمثل مقتضى النهي إلا يترك جميع جزئياته وإلا صدق عليه أنه عاص أو مخالف وهذا موافق لآية {فاتقوا الله ما استطعتم} وأما {اتقوا الله حق تقاته} فقيل نسخ وقيل تلك مفسرة لهذه. قال النووي: هذا الحديث من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن أو شرط فيأتي بمقدوره وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمفطر بعذر قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك (حم م ن هـ عن أبي هريرة) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وليس كذلك بل رواه البخاري في الاعتصام عن أبي هريرة قال المناوي: وألفاظهما متقاربة الحديث: 4325 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 4326 - (ذكاة الجنين) بالرفع مبتدأ والخبر قوله (ذكاة أمه) أي ذكاة أمه ذكاة له لأنه جزء منها وذكاتها ذكاة لجميع أجزائها وروي بالنصب على الظرفية كجنت طلوع الشمس أي وقت طلوعها يعني ذكاته حاصلة وقت ذكاة أمه. قال الخطابي وغيره: ورواية الرفع هي المحفوظة وأيا ما كان فالمراد الجنين الميت بأن خرج ميتا أو به حركة مذبوح على ما ذهب إليه الشافعي ويؤيده ما جاء في بعض طرق الحديث من قول السائل: يا رسول الله إنا ننحر الإبل ونذبح البقر والشاة فنجد في بطنها الجنين فنلقيه أو نأكله فقال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه فسؤاله إنما هو عن الميت لأنه محل الشك بخلاف الحي الممكن الذبح فيكون الجواب عن الميت ليطابق السؤال ومن البعيد تأويل أبي حنيفة بأن المعنى على التشبيه أي مثل ذكاتها أو كذكاتها فيكون المراد الحي لحرمة الميت عنده ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه ومن ثمة وافق صاحباه الشافعي قال ابن المنذر: لم يرو عن أحد من الصحابة والعلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف ذكاته إلا عن أبي حنيفة (د ك عن جابر) بن عبد الله (حم د ت) وحسنه (هـ حب قط عن أبي سعيد) الخدري (ك عن أبي أيوب وعن أبي هريرة طب عن أبي أمامة وأبي الدرداء وعن كعب بن مالك) قال الغزالي: صح صحة لا يتطرق احتمال إلى منته وإلى ضعف في سنده وهو فيه متابع لإمامه فإنه ذكره في الأساليب وقال الحاكم: صحيح الإسناد. قال الزين العراقي: وليس كذلك قال عبد الحق: لا يحتج بأسانيده كلها اه قال ابن حجر: الحق أن فيها ما تنتهض به الحجة اه قال العراقي: ورواه الطبراني في الأوسط بسند جيد اه. فكان ينبغي للمصنف عدم إغفاله فإنه ليس فيما ذكره مثله بل الكل معلول أما حديث جابر ففيه عبد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير القداح ضعيف وحديث أبي سعيد من طريق مجاهد عن أبي الوداك عنه قال ابن حزم: حديث واه فإن مجاهدا ضعيف وكذا أبو الوداك وقال ابن القطان: لا يحتج بأسانيده يفيده إلا أن الحجة تقوم بمجموع طرفة كما بينه ابن حجر أتم بيان وأقام عليه البرهان على أن في الباب أيضا أبو أمامة وأبو الدرداء وأبو هريرة وعلي وابن مسعود وأبو أيوب والبزار وابن عمر وابن عباس وكعب وغيرهم ولما نظر إلى ذلك ابن حبان أقدم وصححه وتبعه القشيري وغيره الحديث: 4326 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 4327 - (ذكاة الجنين إذا أشعر) أي نبت له الشعر وأدرك بالحاسة (ذكاة أمه) أي تذكية أمه مغنية عن تذكيته إذا خرج [ص: 564] بعد إشعاره (ولكنه يذبح) أي ندبا كما يفيده السياق (حتى ينصاب ما فيه من الدم) فذبحه ليس إلا لإنقائه من الدم لا يكون الحل متوقفا عليه وهذه التفرقة لم يأخذ بقضيتها الشافعية والحنفية معا بل الشافعية يقولون: إن ذكاة أمه مغنية عن ذكاته مطلقا والحنفية لا مطلقا وهذا يعارضه حديث الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر وفيه مبارك بن مجاهد مضعف (ك) في الأطعمة (عن ابن عمر) وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وكأنه ذهول فقد خرجه أبو داود باللفظ المزبور من حديث جابر الحديث: 4327 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 4328 - (ذكاة) جلود (الميتة دباغها) أي اندباغها بما ينزع الفضول فالاندباغ يقوم مقام الذكاة في الطهارة كما بينه رواية ذكاة الأديم دباغه (ن عن عائشة) قال الديلمي: وفي الباب ابن عباس وغيره ورواه الدارقطني من عدة طرق بألفاظ مختلفة ثم قال: أسانيدها صحاح الحديث: 4328 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 4329 - (ذكاة كل مسك دباغه) بما ينزع فضوله وهذا نجس الجلد بالموت فخرج جلد المغلظ فإنه لا يطهر بالدباغ والمسك بفتح الميم وسكون السين الجلد والجمع مسوك كفلس وفلوس (ك) في الأطعمة (عن عبد الله بن الحريث) مصغر حرث بمثلثة قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 4329 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 4330 - (ذكر الله شفاء القلوب) مما يلحقها من ظلمة الذنوب ويدنسها من درن الغفلة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الناس ذكرا بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه أمره ونهيه وتشريعه وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده وتمجيده وتسبيحه وتحميده ورغبته ورهبته ذكرا منه بلسانه وصمته وذكر منه بقلبه في كل أحيانه <تنبيه> قال الراغب: ذكر الله تارة يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة والإجلال وتارة لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن وتارة لفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء وتارة لنعمته فيتولد منه العز فحق المؤمن أن لا ينفك أبدا عن ذكره على أحد هذه الوجوه (فر عن أنس) بن مالك الحديث: 4330 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 4331 - (ذكر الأنبياء من العبادة وذكر الصالحين) أي القائمين بما وجب عليهم من حقوق الحق والخلق (كفارة) للذنوب (وذكر الموت صدقة) أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة (وذكر القبر) أي أحواله وأهواله (يقربكم من الجنة) لأن ذلك من أعظم المواعظ وأشد الزواجر عن المعاصي وأبعث على فعل الطاعات ولا يقرب إلى الجنة إلا ذلك وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي وذكر النار من الجهاد وذكر القيامة يباعدكم من النار وأفضل العبادة ترك الحيل ورأس مال العالم ترك التكبر وثمر الجنة ترك الحسد والندامة من الذنوب التوبة الصادقة اه فاقتصار المصنف على هذه القطعة غير جيد (فر عن معاذ) بن جبل وفيه محمد بن محمد الأشعث قال الذهبي: اتهمه ابن عدي أي بالوضع وكذبه الدارقطني والوليد بن مسلم ثقة مدلس ومحمد بن راشد قال النسائي ليس بالقوي الحديث: 4331 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 [ص: 565] 4332 - (ذكر علي) بن أبي طالب (عبادة) أي عبادة الله التي يثيب عليها والمراد ذكره بالترضي عنه أو بذكر مناقبه وفضائله أو بنقل كلامه وتقرير مواعظه وأذكاره وأحكامه أو برواية الحديث عنه أو نحو ذلك (فرعن عائشة) وفيه الحسن بن صابر قال الذهبي: قال ابن حبان منكر الحديث الحديث: 4332 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 4333 - (ذكرت) بصيغة الفاعل (وأنا في الصلاة تبرا) بكسر فسكون الذهب لم يصف ولم يضرب (عندنا فكرهت أن يبيت عندنا فأمرت بقسمته) قبل المساء وفي رواية فقسمته وفيه أن التفكر في الصلاة فيما لا يتعلق بها لا يفسدها ولا ينقص كمالها وأن إنشاء العزم في أثنائها على ما يجوز لا يضر وإطلاق الفعل على الأمر وحل الاستنابة مع التمكن من المباشرة (حم خ عن عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقية (بن الحارث) بمثلثة بن عامر بن نوفل النوفلي المكي من مسلمة الفتح الحديث: 4333 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 4334 - (ذمة المسلمين واحدة) أي هي كشيء واحد لا تختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نفضها بتفرد العاقد بها. قال القاضي: والذمة العهد سمي به لأنه يذم متعاطيه على إضاعته وقال غيره: الذمة ما يذم على إضاعته من عهد أو أمان ومنه سمي المعاهد ذميا (فإذا جارت عليهم جائرة) أي إذا أجار واحد من المسلمين - شريف أو وضيع - كافرا أي أعطاه ذمته (فلا تخفروها) بخاء معجمة وراء وهو بضم التاء وكسر الفاء أصوب من فتح التاء وضم الفاء أي لا تنقضوا عهده وأمانه بل امضوا وإن كان عبدا أو ضعيفا أو أنثى (فإن لكل غادر لواء) زاد في رواية عند استه (يعرف به يوم القيامة) والمراد النهي عن نقضها وأن من نقض ذمة غيره فكأنه نقض ذمة نفسه (ك عن عائشة) ورواه عنه أبو يعلى باللفظ المزبور قال الهيثمي: وفيه محمد بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه أبو زرعة وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4334 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 4335 - (ذنب العالم واحد وذنب الجاهل ذنبان) وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول بل بقيته عند مخرجه الديلمي قيل: ولم يا رسول الله قال: العالم يعذب على ركوبه الذنب والجاهل بعذب على ركوبه الذنب وترك العلم اه بلفظه فاقتصار المصنف على أوله وتركه ما هو بيان وشرح له من سوء التصرف وهذا قد يعارضه الحديث الآتي ويل لمن لا يعلم ولو شاء الله لعلمه واحد من الويل وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع من الويل (فر عن ابن عباس) وفيه جويبر بن سعيد قال الذهبي: قال الدارقطني وغيره متروك الحديث: 4335 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 4336 - (ذنب لا يغفر) أي الذنب الذي هو الجرم بحسب المغفرة على ثلاثة أقسام الأول ذنب لا يغفره الله تعالى بمعنى أنه تعالى حكم بأنه لا يدخل صاحبه الجنة بل يخلده في النار (و) الثاني (ذنب لا يترك) بضم أوله أي لا يهمله الله ولا يضيعه عملا بقضية ما أوجبه على نفسه وأمر به عباده إقامة من ناموس العدل (و) الثالث (ذنب يغفر) بالبناء للمفعول أي يرجى [ص: 566] أن يغفره الله تعالى بالاستغفار والتوبة وقد يغفره بدون ذلك أيضا على مذهب أهل الحق (فأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك بالله) ومصداقه {إن الله لا يغفر أن يشرك به} (وأما الذي يغفر فذنب العبد) الذي (بينه وبين الله عز وجل) من حقوق الله تعالى أي فالعفو يسارع إليه والتكفير يتطرق له لأنه حق أكرم الأكرمين (وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا) فأكثر ما يدخل الموحدين النار مظالم العباد فديوان العباد هو الديوان الذي لا يترك أي لا يهمل فهذا القسم يحتاج إلى التراد إما في الدنيا بالاستحلال أو رد العين وإما في الآخرة برد ثواب الظالم إليه أو أنه تعالى يرضي المظلوم بفضله وكرمه ولطفه كما في حديث عرفة (طب) وكذا في الصغير (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: فيه يزيد بن سفيان بن عبد الله بن رواحة ضعيف تكلم فيه ابن حبان وغيره وبقية رجاله ثقات وفي الميزان يزيد بن سفيان له نسخة منكرة تكلم فيها ابن حبان ومن مناكبره هذا الخبر وساقه كما هنا وبه يعرف وهم المصنف في رمزه لصحته الحديث: 4336 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 4337 - (ذنب يغفر وذنب لا يغفر وذنب يجازى به فأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك بالله) {إن الله لا يغفر أن يشرك به} (وأما الذنب الذي يغفر فعملك) الذي (بينك وبين ربك) أي مالكك (وأما الذنب الذي يجازى به فظلمك أخاك) أي في الإسلام فإن الله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة وفي بعض الآثار إن العبد ليوقف بين يدي الله وله من الحسنات أمثال الجبال ولو سلمت له لكان من أهل الجنة فيقوم أصحاب المظالم ويكون قد سب هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا فينقص من حسناته فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته وبقي مطالبون فيقال ألقوا من سيئاتهم على سيئاته وصكوا به صكا في النار (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه طلحة بن عمرو وهو متروك الحديث: 4337 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 4338 - (ذهاب البصر) أي العمى إذا طرأ على الإنسان (مغفرة للذنوب) التي كان عملها ظاهره يتناول الكبائر (وذهاب السمع) أي الصمم إذا عرض للمرء (مغفرة للذنوب) كذلك (وما نقص من الجسد) كقطع يد أو رجل (فعلى قدر ذلك) أي بحسبه وقياسه (عد خط) وأبو نعيم كلهم جميعا من طريق داود بن الزبرقان عن مطر الوراق عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب عن زاذان (عن ابن مسعود) قضية صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه ابن عدي بقوله: هذا منكر المتن والإسناد وهارون بن عنترة لا يحتج به وداود بن الزبرقان ليس بشيء اه ولهذا حكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات الحديث: 4338 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 4339 - (ذهب المفطرون اليوم) أي يوم كان الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فصام قوم فلم يصنعوا شيئا لعجزهم عن العمل وأفطر قوم فبعثوا الركاب وعالجوا فبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ذهبوا (بالأجر) أي الوافر قال الطيبي: فيه من المبالغة ما فيه أي أنهم مضوا واستصحبوا معهم الأجر ولم يتركوا لغيرهم منه شيئا اه. وهو أجر ما فعلوه من خدمة الصائمين بضرب الأبنية والسقى وغير ذلك لما حصل منهم النفع المتعدي ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام وأما الصائمون فحصل لهم أجر الصوم التام ولم يحصل لهم من الأجر ما حصل للمفطرين وليس المراد نقص أجر الصوام بل أن المفطرين أجرهم أعظم لقيامهم بوظائف الوقت فاللام للعهد ويحتمل [ص: 567] كونها للجنس وتفيد المبالغة بأن يبلغ أجرهم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوام فيجعل كأن الأجر كله للمفطر كما يقال زيد الشجاع وفيه أن الفطر في السفر أولى (حم ق ن) في الصوم (عن أنس) بن مالك الحديث: 4339 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 4340 - (ذهبت النبوة) اللام للعهد والمراد نبوته (وبقيت المبشرات) بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى وفسرها في الخبر الآتي بأنها الرؤيا الصالحة قيل وللآدمي روحان فإذا نام خرجت روح فأتت الحميم والصديق والبعيد والقريب فما كان منها في ملكوت السماوات فهي الصادقة وما في الهواء فأضغاث قال ابن التين: معنى الحديث أن الوحي انقطع بموت المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ولم يبق ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا وتقع لغير الأنبياء وقد أخبر كثير من الأنبياء والأولياء عن أمور فكانت كذلك وجوابه أن الإلهام نادر وخاص فلا يرد (هـ عن أم كرز) بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبة ورواه عنها أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والبزار وقال: لا نعلمه يروى عنها إلا من هذا الوجه ورواه البخاري في تاريخه الأوسط باللفظ المزبور عن أبي الطفيل مرفوعا الحديث: 4340 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 4341 - (ذهبت النبوة فلا نبوة من بعدي) أي بعد وفاتي (إلا المبشرات الرؤيا الصالحة) يدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الرؤيا الصالحة (يراها الرجل) يعني الإنسان ذكر الرجل وصف طردي (أو ترى) بالبناء للمفعول أي يراها غيره من الناس له قال الحافظ في الفتح: ظاهر الاستثناء مع ما تقدم ويجيء من أن الرؤيا جزء من النبوة أن الرؤيا نبوة وهو غير مراد لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعا بها صوته لا يسمى مؤذنا ولا يقال إنه أذن وإن كان جزءا من الأذان وكل من قرأ قائما لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ثم أن الرؤيا الصالحة وإن اختصت غالبا بأهل الصلاح لكن قد يقع لغيرهم قال علماء التعبير: إذا رأى كافر أو فاسق رؤيا صالحة كانت بشرى بهدايته أو توبته أو إنذار من بقائه على حاله وقد يرى ما يدل على الرضى بما هو فيه ابتلاء وغرورا ومكرا نعوذ بالله (طب عن حذيفة) بضم المهملة الأولى (بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري صحابي من أصحاب الشجرة ورواه عنه أيضا البزار باللفظ المزبور قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح ومن ثمة رمز المصنف لصحته الحديث: 4341 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 4342 - (ذهبت العزى) بضم المهملة وشدة الزاي المفتوحة (فلا عزى بعد اليوم) أراد به الصنم الذي كانوا يعبدونه ويسمونه بهذا الاسم فأرسل إلى كسره فكسر حتى صار رضاضا فلما أخبر بذلك ذكره فأفاد بذلك أن هذه الأمة محفوظة من عبادة الأصنام إلى يوم القيامة (ابن عساكر) في التاريخ (عن قتادة) بن دعامة (مرسلا) الحديث: 4342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 4343 - (ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم وذو الدينارين أشد حسابا من الدينار) ولهذا أدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مئة عام قال الغزالي: وما من شيء في الدنيا يتخلف عنك عند الموت إلا وهو حسرة عليك بعده فإن شئت فاستكثر وإن شئت فاستقل فإن استكثرت فلست مستكثرا من حسرة وإن استقللت فلست تخفف إلا عن ظهرك وما أعطي عبد من الدنيا إلا قيل له: خذه على ثلاثة أثلاث شغل وهم وطول حساب (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور [ص: 568] (عن أبي هريرة) مرفوعا (هب عن أبي ذر موقوفا (1))   (1) أي لم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم قال العراقي في ألفيته: وسم بالموقوف ما قصرته. . . بصاحب وصلت أو قطعته وبعض أهل الفقه سماه الأثر. . . وإن تقف بغيره قيد تبر الحديث: 4343 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 4344 - (ذو السلطان وذو العلم أحق بشرف المجلس) ممن سواهما من الرعايا والمراد العلم الشرعي وما كان آلة له والحديث بظاهره يتناول ما إذا كان السلطان جائرا والعالم فاسقا لا سيما إن خيف من تأخيره فتنة وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعظم أكابر كفار قريش ويكرمهم ويصدرهم في المجالس يتألفهم بذلك (فر عن أبي هريرة) وفيه يعقوب بن حميد قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم وغير واحد وما ترك وفيه رجل مجهول ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى الحديث: 4344 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 4345 - (ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي: وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين وقال ابن العربي: الوجه هنا بمعنى القصد (يأتي يوم القيامة) أي يجاء به إلى الموقف (وله وجهان من نار) جزاء له على إفساده وتشهيرا له في ذلك الموقف الأعظم بين كافة الخلائق فإن ذلك أصل من أصول النفاق يكون مع قوم وفي حال على صفة ومع آخرين بخلافهما والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق لا يخاف في الله لومة لائم إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة لنحو اتقاء شر أو تأليف أو إصلاح بين الناس كإتيانه كلا بجميل يعتذر لكل عن الآخر فإنه حسن مرغوب فيه وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول وقول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم (طس عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لحسنه وهو خطأ فقد جزم المنذري بضعفه وقال الهيثمي وغيره: فيه خالد بن يزيد العمري وهو كذاب الحديث: 4345 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 4346 - (ذيل المرأة شبر) أي ينبغي أن تجره على الأرض شبرا زيادة في الستر المطلوب لها وهذا قاله أولا ثم استزدته فزادهن شبرا آخر فصار ذراعا وقال: لا تزدن عليه وقال الزين العراقي: فالأولى لهن الاقتصار على الشبر ولهن الزيادة إلى ذراع فقط وهذا كما أنه مدح الإزار في حق الرجل إلى نصف الساق ثم نفى الحرج فيما بعد ذلك إلى الكعبين فينبغي أن تكون المرأة كذلك ليس لها الاقتصار على ما رخص فيه أولا ولها أن تستكمل الرخصة في الذراع اه (هق عن أم سلمة) قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها قال: شبرا قالت: إذن ينكشف عنها قال: فذراع لا تزيد عليه (د عن ابن عمر) بن الخطاب قال: رخص (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا رمز المصنف لصحته   (1) (حيث قال ابن عمر " رخص رسول الله " وحيث أن الأصل كان النهي عن جر الذيل فيتضح أن هذا الحديث أتى لتبيين الرخصة في تطويل الذيل وليس لتبيين المقدار الواجب منه - أي الطول الذي يحرم التقصير عنه فليتنبه. دار الحديث] الحديث: 4346 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 4347 - (ذيلك) بالكسر خطاب لمؤنث والخطاب مع فاطمة أو أم سلمة (ذراع) أي بذراع اليد وهو شبران فلا يزاد على ذلك لحصول المقصود من زيادة الستر به قال الزين العراقي: وهل أول الذراع من الحد الممنوع منه الرجال وهو من الكعبين أو من الحد المندوب وهو نصف الساق أو من أول ما يمس الأرض؟ الظاهر الثالث (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 4347 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 [ص: 569] فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الذال] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 4348 - (الذباب كله) في رواية كلها (في النار) ليعذب به أهلها لا ليعذب هو كذا أوله الخطابي كالجاحظ (إلا النحل) فإن فيه شفاء فلا يناسب حالهم وتمامه عند الطبراني وغيره ونهى عن قتلهن وعن إهراق الطعام في أرض العدو (1) والذباب يتولد من العفونة. حكي أن بعض الخلفاء سأل الشافعي: لم خلق الذباب فقال: مذلة للمملوك وكان على لحيته ذبابة. قال الشافعي: سألني ولا جواب عندي فاستنبطته من الهيئة الحاصلة (البزار) في مسنده (ع) عن ابن عمر قال الهيثمي: رجال أبي يعلى ثقات قال ابن حجر في الفتح: سنده لا بأس به (طب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه إسماعيل بن مسلم البصري قال في الميزان: عن أحمد وغيره منكر الحديث وعن يحيى لا يكتب حديثه وعن البخاري تركوه وعن الأزدي كذاب ثم ساق له هذا الخبر وقال الحافظ ابن حجر: حديث ابن عمر هذا ضعيف (طب عن ابن عباس وعن ابن مسعود) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وبعضها رجاله ثقات كلهم وفي رواية أبي يعلى زيادة ولفظها عمر الذباب أربعون يوما والذباب كله في النار اه قال الهيثمي: ورجاله ثقات وبه عرف أن حكم ابن الجوزي له بالوضع في حيز المنع   (1) نهى عن إهراق الطعام في أرض العدو لما فيه من الإفساد والتخريب. فليتنبه إلى سمو تعاليم الإسلام بالمقارنة مع أفعال أدعياء " التمدن " و " الحضارة ": خبراء القنبلة الذرية والغازات السمة والنابالم وشتى أصناف التدمير الجماعي وشتان بين الثرى والثريا. دار الحديث] الحديث: 4348 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 4349 - (الذبيح إسحاق) أخذ به الأكثر وأجمع عليه أهل الكتابين وعزى الثلاثين من الصحب وتابعيهم أو يزيدون واختاره ابن جرير وجزم به في الشفاء لكن سياق الآية شاهد لكونه إسماعيل إذ هو الذي كان بمكة ولم ينقل أن إسحاق كان بها ورجحه معظم المحدثين وقال الحليمي: إنه الأظهر وأبو حاتم: إنه صحيح والبيضاوي: الأظهر وابن القيم: الصواب قال: والقول بأنه إسحاق باطل من نيف وعشرين وجها قاله المصري ويدل لكونه إسماعيل أنه سبحانه وصفه بالصبر دون إسحاق فدل على أنه الصبر على الذبح وبصدق الوعد فدل على أن المراد أنه وعد بالصبر على ذبح نفسه ومن ثم قيل للمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ابن الذبيحين (قط في) كتاب (الأفراد عن ابن مسعود البزار) في مسنده (وابن مردويه) في تفسيره (عن العباس بن عبد المطلب) قال الهيثمي: وفيه المبارك بن فضالة ضعفه الجمهور اه ورواه عنه الحاكم من طرق وقا: ل على شرطهما وقال الذهبي: صحيح (ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) قال ابن كثير: فيه الحسن بن دينار متروك وشيخه منكر ورواه ابن أبي حاتم مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وتعقبه المصنف بأن البزار رواه مرفوعا وله شواهد الحديث: 4349 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 4350 - (الذكر خير من الصدقة) أي من صدقة النفل وظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي الشيخ والذكر خير من الصيام اه. فتركه غير مرضي قال في الكشاف: وذكر الله يتناول كل ما كان عن ذكر طيب كتسبيح وتهليل وتكبير وتمجيد وتوحيد وصلاة وتلاوة قرآن ودراسة علم (1) وغير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغرق به ساعات ليله ونهاره <تنبيه> لو اقترن بالذكر فعل لم يبطل ثوابه كما بينه ابن عربي حيث قال: قد يكون الإنسان في بعض أموره موفق أو في بعضها مخذولا كالذاكر لله بقلبه ولسانه وهو يضرب بيده من يحرم ضربه لم يقدح في ذكره كما لا يرفع ذلك الذكر إثمه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي   (1) وضبط النفس عن الحرام إجلالا لله والسعي على المعاش عبودية لله وخدمة المسلمين وإدخال السرور عليهم إكراما لربهم ومولاهم سبحانه وتعالى وهكذا. دار الحديث] الحديث: 4350 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 4351 - (الذكر نعمة من الله فأدوا شكرها) (1) باللسان والأركان والجنان فذكر اللسان القول وذكر اليد العمل وذكر النفس [ص: 570] الحال والانفعال وذكر القلب المعرفة والعلم واليقين ولكل شيء ذكر بحسبه ومن ثمرات الذكر أنه يوسع الرزق والإعراض عنه يقلله ولذا قال بعض أكابر الصوفية: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا ويظلم عليه وقته ويشوش عليه رزقه <تنبيه> قال ابن عربي: الذاكرون أعلى الطوائف مطلقا ولهذا ختم الله بذكرهم صفات المقربين من أهل الله فقال: {إن المسلمين والمسلمات} إلى أن ختم بقوله {والذاكرون الله كثيرا} وما ذكر بعد الذاكر شيئا والذاكر من نعوته كونه متكلما وهو نفس الرحمن الذي ظهرت فيه حقائق حروف الكائنات (فر عن نبيط) بالتصغير (ابن شريط) بفتح المعجمة الأشجعي الكوفي صحابي صغير يكنى أبا سلمة كوفي له صحبة ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فإهمال المصنف الأصل واقتصاره على الفرع غير جيد   (1) [أي إذا أنعم الله على أحدكم بنعمة ذكره فليشكرها بأن يستعمل لسانه بذكر الله وجسده بأعمال الخير وقلبه بالمراقبة والخشوع وهكذا. دار الحديث] الحديث: 4351 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 4352 - (الذكر) الخفي (الذي لا تسمعه الحفظة) أي الملائكة الموكلين بكتابة الأعمال (يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفا) قيل: ولعل المراد به التدبر والتفكر في مصنوعات الله وآلائه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فإذا جمع الله الخلق وجاءت الحفظة بما كتبوا وحفظوا يقول الله تعالى انظروا هل بقي له من شيء فيقولون ربنا ما تركنا شيئا إلا أحصيناه وكتبناه فيقول الله فإن لك عندي خبئا لا يعلم به أحد غيري وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي اه هكذا رواه بتمامه أبو يعلى والبيهقي والديلمي وغيرهم قال ابن عربي: وإذا أشعر الإنسان قلبه ذكر الله دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبه بنور الذكر فيرزقه ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف (هب عن عائشة) وفيه إبراهيم بن المختار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: تركه البخاري ولم يرضه وقال أبو حاتم: صالح اه وقال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف الحديث: 4352 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 4353 - (الذنب شؤم) حتى (على غير فاعله) أي حتى أنه يتجاوز شؤمه ويتعدى من فاعله إلى غيره قال القاضي: والذنب ما له تبعة دنيوية وأخروية مأخوذ من الذنب ثم بين وجه شؤمه على غيره بقوله (إن عيره) أي إن عير الغير به فاعله (ابتلي به) في نفسه لما سبق أنه لو عير أحد أحدا برضاع كلبة لرضعها (وإن اغتابه) أي ذكره به في غيبته وهو يكره ذلك (أثم) أي كتب عليه إثم الغيبة (وإن رضي به) أي بفعله (شاركه) في الإثم لأن الراضي بالمعصية كفاعلها ولا يعارضه ما مر من خبر إن الله ينفع العبد بالذنب وإن نفعه به من حيث الندم والذل والانكسار وأما شؤمه فأصلي (فر عن أنس) بن مالك الحديث: 4353 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 4354 - (الذهب) أي بيع الذهب مضروبا أو غيره بالورق بتثليث الراء الفضة مضروبة أو لا (ربا) بالتنوين من غير همز (إلا ها وها) بالمد ويقصر صوت بمعنى خذ ومنه {هاؤم اقرؤوا كتابيه} وهي حرف خطاب والمستثنى منه مقدر يعني هذا البيع ربا في كل حال إلا حال حضورهما وتقابضهما فكنى عن التقابض بها وها أي خذ وهات لأنه لازمه وفيه اشتراط التقابض في الصوف بالمجلس وهو مذهب الشافعية والحنفية ومذهب مالك لا يجوز تراخي القبض فيه ولو في المجلس (والبر بالبر) بضم الموحدة فيها معروف قال الراغب: سمي به لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء فإن أصل البر التوسع في فعل الخير أي بيع أحدهما بالآخر ربا (إلا) بيعا مقولا فيه من جهة المتعاقدين (ها وها) أي يقول كل منهما للآخر خذ (والتمر بالتمر ربا إلا ها وها والشعير) بفتح أوله ويكسر (بالشعير ربا إلا ها وها) فأراد أن البر والشعير صنفان [ص: 571] وعليه الجمهور خلافا لأحمد وفيه أن النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق وإذا امتنع فيهما ففي ذهب بذهب أو ورق بورق <تنبيه> قال القونوي: اعلم أن مدار الربا على أصلين الأوصاف والأزمان أما الأوصاف فلا شك أن الأشياء الربوية التي شرط فيها رعاية المساواة في الوزن والكيل أجسام مركبة من جواهر تلحقها أعراض ولا ريب في علو مرتبة الجواهر على الأعراض لتبعيتها في الوجود للجواهر فهذه الأشياء الربوية من حيث ذاتها متماثلة ومن حيث صفاتها مختلفة فمتى لم نشرط التساوي بينهما في المبالغة كانت الزيادة الذاتية في مقابلة وصف عرضي كمن اشترى مدا من حنطة بيضاء أو كبيرة الحب بمدين ممن حنطة سمراء أو صغيرة الحب فيكون المد الثاني الزائد ثمنا للبياض وذلك ظلم لأنه ساوى في الشرف والحكم بين الجواهر والأعراض وليس بصحيح وقس عليه بقية الربويات كشعير وملح وتمر فإنه لا يرجح شيء منها على مثله إلا بنحو طعم أو لون وكلها أعراض والتسوية بين الذوات والأعراض لا تصح فهذا سر تحريم الربا وكذا في الذهب والفضة فإن الزيادة والترجيح لا يكون إلا بسبب الصناعة أو تغيير الشكل وذلك عرض وأما تحريم الربا من حيث الزمان فإن المقرض مئة دينار إلى سنة بمئة وعشرين جعل العشرين مقابل الزمان والزمن المعين ليس موجودا بعد ولا مملوكا للمقرض فيجوز له بيعه فإن الزمان لله ويحكم الله لا حكم لغيره عليه والاشتراط الآخر في حق من راعى أمر المساواة في الزمان كحصوله في كمية البيع لأنه لو لم يكن كذلك كانت المسامحة في النسيئة والتأخر مددية لتحكم ما من الممهل على الزمان فيكون من قبيل ما تقدم (مالك) في المؤطأ (ق 4) في الربا (عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية الحديث: 4354 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 4355 - (الذهب بالذهب) بالرفع أي بيع الذهب فحذف المضاف للعلم به أو مبتدأ حذف خبره أي الذهب يباع بالذهب أو بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه أي يباع الذهب ويجوز نصبه أي بيعوا الذهب بالذهب (والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير) بفتح الشين على المشهور وحكي كسرها (والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل) أي حال كونهما متماثلين أي متساويين في القدر (يدا بيد) أي نقدا غير نسيئة (فمن زاد) على مقدار البيع الآخر من جنسه (أو استزاد) أي طلب الزيادة وأخذها (فقد أربى) أي فعل الربا المحرم (والآخذ والمعطي سواء) في اشتراكهما في الإثم لتعاونهما عليه فإن كلا منهما آكل وموكل وألحق بهذه الستة ما في معناها المشارك لها في العلة فقال الشافعي: العلة في النقد الثمينة فلا يتعدى بكل موزون وفي البقية الطعم فيتعدى ووافقه مالك في النقد وجعل العلة في الأربعة للادخار وجعل أبو حنيفة العلة في النقد الوزن وفي الباقي الكيل فعداهما (حم م ن) في الربا (عن أبي سعيد) الخدري ولم يخرجه البخاري الحديث: 4355 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 4356 - (الذهب بالذهب) أي يباع به (والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل) أي حال كونهما متساويين في القدر (سواء بسواء) أي عينا بعين حاضرا بحاضر (يدا بيد) أي مقابضة في المجلس وجمع بينهما تأكيدا ومبالغة في الإيضاح (فإذا اختلفت هذه الأصناف) هذا لفظ مسلم وهو الصواب وما وقع في المصابيح من ذكر الأجناس بدله من تصرفه وما درى أن الأصناف أقوى في هذا المحل وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بيان الجنس الذي يجري فيه الربا فعد أصنافه ذكره الطيبي لكن عهد بهم أنهم يستعملون بعض الألفاظ المتقاربة المعنى مكان بعض فالأمر سهل (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) أي مقابضة وقال القاضي والطيبي: هذا الحديث عمدة باب الربا [ص: 572] عد أصولا وصرح بأحكامها وشروطها على الوجوه التي يتعامل بها ونبه على ما هو العلة لكل واحد منها ليتوصل به المجتهد إلى أن يستنبط منها حكم ما من يذكر من أخواتها (فإنه) ذكر النقدين والمطعومات الأربع إشعارا بأن الربا فيما يكون نقدا أو مطعوما فإن العلة فيه النقد والطعم للمناسبة واقتران الحكم وذكر من المطعوم الحب والتمر ما يقصد مطعوما لنفسه ولغيره ليعلم أن الكل سواء في الحكم ثم قسم التعامل على ثلاثة أوجه أن يباع شيء منها بجنسه كبر ببر وبغيره من هذه الأجناس المشاركة في علة الربا كبر بشعير وبما ليس من جنسه ولا بما يشاركه في العلة كبيع بر بذهب أو نحاس وصرح في القسمين الأولين لأنهما المقصودان بالبيان لمخالفتهما كسائر العقود في الشروط فشرط في الأول التماثل في القدر وأكده بقوله سواء بسواء لأن المماثلة أعم من كونها في القدر بخلاف المساواة والحلول والتقابض بالمجلس بقوله يدا بيد وفي الثاني الحلول والتقابض لا التماثل وسكت عن الثالث إما لأنه جاز على قياس جميع المبايعات فلا حاجة لبيانه أو لأن أمره معلوم مما ذكر مدلول عليه بالمفهوم فإن تقييد اعتبار الحلول بالمشاركة في علة الربا بقوله فإذا اختلفت هذه الأجناس في اعتبار المماثلة بها مع اتحاد الجنس يدل على عدم اعتبارها فيما ليس كذلك <تنبيه> قال الغزالي: إنما امتنع الربا لمخالفته للحكمة التي خلق النقد لها وهو كونه وسيلة لتحصيل غيره وإنما جاز بيع أحد النقدين بالآخر لأن كلا يخالف الآخر في مقصود التوسل وبيع درهم بدرهم مثله لأن ذلك لا يرغب فيه عاقد لتساويهما فلا معنى لمنع ما لا تتشوف النفس إليه فإن فرض أن أحدهما أجود فصاحبه لا يرضى بمثله من الرديء فلا ينتظم العقد وأما بيع درهم بدرهم نسيئة فممنوع إذ لا يفعله إلا مسامح قاصد للإحسان له أجر وحمد والمعاوضة لا حمد فيها ولا أجر فهو ظلم لأنه أضاع خصوص المسامحة وأخرجها في معرض المعاوضة وكذا الأطعمة خلقت ليتغذى أو يتداوى فلا تصرف عن جهتها وفتح باب التعامل فيها يفسدها بالأيدي ويؤخر عنها الأكل الذي أريدت له فما خلق الطعام إلا ليؤكل والحاجة إلى الأطعمة شديدة فتخرج عن يد المستغني عنها إلى المحتاج نعم بائع تمر بتمر معذور إذ أحدهما لا يسد مسد الآخر في الغرض وبائع صاع بر بمثله غير محذور لكنه عابث فلا يحتاج لمنع لأن النفس لا تسمح به إلا عند التفاوت في الجودة وذو الجيد لا يرضى وأما جيد برديئين فقد يقصد لكن لما كانت الأطعمة من الضروريات والجيد يساوي الرديء في أصل الفائدة ويخالفه في التنعم أسقط الشرع غرض التنعم فيما هو القوام فهذه حكمة الشرع في تحريم الربا وقد انكشف لنا بعد إعراضنا عن فن الفقه فليلحق به فإنه أقوى من كل ما ذكر في الخلافيات وبه يتضح رجحان مذهب الشافعي في التخصيص بالأطعمة دون المكيلات إذ لو دخله الحصر كانت الثياب والدواب أولى بالدخول ولولا الملح لكان مذهب مالك أقوم المذاهب فيه إذ خصصه بالأقوات لكن كل معنى رعاه الشرع يمكن أن يضبطه بحد وتحديد هذا كان ممكنا بالقوت وبالمطعوم فرأى الشرع التحديد بجنس المطعوم أولى بكل ما هو ضرورة للبقاء (حم م د هـ عن عبادة بن الصامت) الحديث: 4356 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 4357 - (الذهب والحرير حل لإناث أمتي وحرام على ذكورها) قال ابن أبي جمرة: إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فيظهر أنه تعالى علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته ولأن تزينهن غالبا إنما هو للأزواج وقد ورد أن حسن التبعل من الإيمان ويؤخذ منه أن الفحل لا يصلح أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكونه من صفات الإناث (طب) وكذا أحمد والطحاوي وصححه (عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي: فيه ثابت بن زيد بن أرقم وهو ضعيف (وعن واثلة) بن الأسقع رمز المصنف لصحته ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر والطيالسي من حديث أبي موسى قال الديلمي: وفيه أنس وعمر وعقبة والبراء وحذيفة وأم هانئ وعمران بن الحصين وابن الزبير وجابر وأبو ريحانة [ص: 573] وابن عمر وعلي أمير المؤمنين وغيرهم الحديث: 4357 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 4358 - (الذهب حلية المشركين) أي زينتهم وسميت الحلية زينة لأنها تزين العضو المحلى بها في أعين الناظرين وتحسنه في قلوبهم (والفضة حلية المسلمين) فيحل اتخاذ الخاتم للرجال منها بل تمسك بإطلاقه ابن القيم فجوز حل التحلي بها للرجال مطلقا (والحديد حلية أهل النار) أي قيود أهل النار وسلاسلهم منه وإلا فأهل النار لا يحلون فيها قال ابن القيم: والذهب زينة الدنيا وطلسم الوجود ومفرح الوجود ومقوي الظهور وسر الله في أرضه وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات الملطفة والمفرحة وهو أعدل المعدنيات على الإطلاق وأشرفها وهو والفضة طلسم الحاجات وصاحبهما مرموق في العيون معظم في النفوس والفضة من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم وضعف القلب وخفقانه (الزمخشري) بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين نسبة إلى زمخشر قرية كبيرة بخوارزم وهو العلامة العديم النظير محمود بن عمر المضروب به المثل في علوم الأدب والقرآن وديوان شعره مشهور (في جزئه عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده الحديث: 4358 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 حرف الراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 4359 - (رأت أمي) سيدة نساء بني زهرة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي (حين وضعتني) هذه رؤيا عين والرؤيا في الحديث الذي عقبه رؤيا نوم نبه عليه المصنف وبه يعرف أنه كان ينبغي له عكس هذا الترتيب (سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى) بموحدة مضمومة بلد من أعمال دمشق وخصت بذلك النور إشارة إلى أنها أول ما يفتح من بلاد الشام وقد وقع وأما جواب ابن رجب بأنه إشارة إلى بلوغ ملكه ذلك الموضع وأنه لا ينافي الزيادة عليه فغير ناهض وفي الروض الأنف أن خالد بن سعيد بن العاص رأى قبيل المبعث نورا خرج من زمزم حتى ظهرت له نخيل يثرب فقصها على أخيه فقال: إنها حفيرة عبد المطلب وهذا النور منهم. قال جمع: ولم يلد أبواه غيره <تنبيه> الأصح أنه ولد بمكة بالشعب بعيد فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول عام الفيل ولم يكن يوم جمعة ولا شهر حرام دفعا لتوهم أنه شرف بذلك الزمن الفاضل فجعل في المفضول لتظهر به على رتبته على الفاضل ونظيره دفنه بالمدينة دون مكة إذ لو دفن بها لقصد تبعا (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي العجفاء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم السلمي البصري هرم بن شيب وقيل بالعكس وقيل بصاد بدل السين المهملة وصنيع المصنف يصرح بأنه صحابي وهو وهم وإنما هو تابعي كبير روى عن عمر وغيره وثقه بعضهم وقال البخاري: في حديثه نظر الحديث: 4359 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 4360 - (رأت أمي) في المنام (كأنه خرج منها نور) لأنها حين حملت به كانت ظرفا للنور المنتقل إليها من أبيه (أضاءت منه) أي من ذلك النور (قصور الشام) فأول بولد يخرج منها يكون كذلك وذا النور إشارة لظهور نبوته ما بين المشرق والمغرب واضمحلال ظلمة الكفر والضلال. قال في اللطائف: هذا النور إشارة إلى ما جاء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به الشرك وخصت به الشام لأنها دار ملكة ومحل سلطانه وفي وصفه في الكتب السابقة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجرته يثرب وملكه بالشام (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي أمامة) قال ابن حجر: صححه ابن حبان والحاكم الحديث: 4360 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 [ص: 574] 4361 - (رأس الحكمة مخافة) وفي رواية خشية (الله) أي أصلها وأسها الخوف منه لأن الحكمة تمنع النفس عن المنهيات والشهوات والشبهات ولا يحمل على العمل بها إلا الخوف منه تعالى فيحاسب النفس على كل خطرة ونظرة ولذة ولأن الخشية تدعوه إلى الزهد في الدنيا فيفرغ قلبه فيعوضه الله في قلبه حكمة ينطق بها فالخوف سبب وأصل لورود الحكم والحكمة العلم بأحوال الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية ويطلق على المعلومات وعلى أحكام الأمور وسلامتها من الآفات وعلى منع النفس من الشهوات وغير ذلك وأوثقها العمل بالطاعات بحيث يكون خوفه أكثر من رجائه فيحاسب على كل خطرة ونظرة ومخافة الله آكد أسباب النجاة (1) قيل: وجد حكيمين وفي يد أحدهما رقعة فيها إن أحسنت كل شيء فلا تطمئن أنك أحسنت شيئا حتى تعرف الله وتخافه وتعلم أنه مسبب الأسباب وفي يد الآخر كنت فبل أن أعرف الله أشرب وأظمأ حتى عرفته رويت بلا شرب (الحكيم) الترمذي (وابن لال) أبو بكر في المكارم والقضاعي في الشهاب (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وضعفه   (1) قال الغزالي: وقد جمع الله للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وناهيك بذلك فقال تعالى: {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} {رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} الحديث: 4361 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 4362 - (رأس الدين) أي أصله وعماده الذي يقوم به (النصيحة) قيل: لمن؟ قال: (لله ولدينه ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة) جعل النصيحة للكل رأسا لأن من نصح بعضا مما ذكر وترك بعضا لم يعتد بنصحه فكأنه غير ناصح للكل. قال في الكشاف: والنصح إخلاص العمل من شائبة الفساد (سمويه طس عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات قال: رديء الحفظ قال الذهبي: فلم يصنع ابن حبان جيدا وقال الهيثمي: فيه أيوب بن سويد ضعف لا يحتج به قال العلائي: وحديثه يصلح للمتابعات والشواهد الحديث: 4362 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 4363 - (رأس الدين الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثباته الورع بالكف عن أسباب التوسع في الأمور الدنيوية صيانة لدينه وحراسة لعرضه ومروءته والمتورع دائم المراقبة للحق حذرا من مزح حق بباطل وبذلك قوام الدين ونظامه يعني أن قضية الدين استعمال التورع فمن أهمله فلا كمال لدينه فإن من تعداه يوشك أن يقع في حيز الباطل. قال يحيى بن معاذ: كيف يكون زاهدا من لا ورع له؟ تورع فيما ليس لك ثم ازهد فيما لك (عد عن أنس) بن مالك الحديث: 4363 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 4364 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس) وفي بعض التفاسير عن ابن جرير مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسيطا وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء وقال الحسن: سأل موسى ربه جماعا من العمل فقيل له: انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحبهم به <تنبيه> قال بعضهم: من أسباب التأليف المطلوب شرعا وهو عمدة في التحبب والتودد الذي هو رأس العقل والتهنئة بنحو الأعياد والشهور وقد صرح بأنها بدعة حسنة وقال المؤلف: بل لها أصل في السنة كالتهنئة بالمولود وألف فيها أصول الأماني بحصول التهاني (طس عن علي) [ص: 575] أمير المؤمنين وهو حديث آل البيت عن آبائهم إلى علي الحديث: 4364 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 4365 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى البيت) أي التسبب في محبتهم لك بالبشر والطلاقة والهدية والإحسان ونحو ذلك وتمامه في غير ترك الحق هكذا ساقه الديلمي وغيره وهو قيد معتبر فحذف المصنف له غير صواب اللهم إلا أن تكون رواية. قال بعض العارفين: علامة العاقل أربعة لا يتنكر من المصائب ولا يتخذ عمله رياء ويحتمل أذى الخلق ولا يكافئهم ويداري العباد على تفاوت أخلاقهم (البزار) في مسنده عن أبي هريرة قال الهيثمي: وفيه عبيد الله بن عمر القيسي وهو ضعيف (هب) من حديث هشيم عن علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي: لم يسمعه هشيم بن علي وهذا حديث يعرف بأشعث بن براق عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلسه هشيم اه وأعاده مرة أخرى وقال: في هذا الإسناد ضعف (رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس - طس عن علي) الحديث: 4365 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 4366 - (رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر) ولهذا قال الحكماء: اتسعت دار من يداري وضاقت أسباب من يماري وقال ابن أبي ليلى: أما أنا فلا أماري صاحبي فإما أن أغضبه وإما أن أكذبه قال في شرح الرسالة العضدية: والتودد طلب مودة الأكفاء والأمثال وأهل الفضل والكمال وأنشد: فإذا أردت مودة تحظى بها. . . فعليك بالأكفاء والأمثال قال: ومودة الأراذل تورث ذلة ومودة العلماء تورث عزا <فائدة> قال العسكري: ما من حديث صحيح إلا أصله في القرآن فقيل له: فحديث رأس العقل إلخ أين هو في القرآن قال: {واهجرهم هجرا جميلا} (هب عن علي) أمير المؤمنين وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن أهل البيت أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له نسخة باطلة وعلي بن موسى الرضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له عجائب عن أبيه عن جده ورواه عن علي أيضا بالفظ المزبور الطبراني في الأوسط والجعاني في تاريخ الطالبين الحديث: 4366 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 4367 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) قالوا: معنى التودد في هذه الأخبار الإتيان بالأفعال التي تودك الناس ويحبونك لأجلها كما يشير إليه خبر ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس فمن فعل ذلك وده الناس لكن لا يريد بذلك محبتهم له بل يفعله لله لوجوب حق العباد لا لمطالبة الود منهم وإذا فعله لله أودع الله وده في قلوبهم بوده تعالى له {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} (وأهل التودد في الدنيا لهم درجة في الجنة) أي منزلة عالية فيها معدة لهم (ومن كانت له في الجنة درجة فهو في الجنة) ولهذا قال علي كرم الله وجهه: إياكم ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل عليكم بما ليس فيكم وقال بعض الحكماء: من سمع كلمة فسكت عنها سقط عنه ما بعدها ومن أجاب عنها سمع ما هو أغيظ منها وقال الماوردي: التودد يعطف القلوب على المحبة ويزيل البغضاء ويكون ذلك بصنوف من البر ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فإن ذلك من سمات الفضل وشروط التودد فإنه ما أحد يعدم عدوا ولا يفقد حاسدا وبحسب وفور النعمة تكثر الأعداء والحسدة ومن أغفل تألف الأعداء وودادهم مع وفور النعمة وظهور الحسد توالي عليه من مكر حليمهم وبادره سفههم ما تصير به النعمة عذابا [ص: 576] والدعة ملاما (ونصف العلم حسن المسألة) أي حسن سؤال الطالب للعلم فإنه إذا أحسن أن يسأله أقبل عليه العالم بشراشره وألقى إليه ما في سرائره فكأنه حاز نصف العلم من أول الطلب وكما أن حسن السؤال محمود في الأمور الدينية. فكذا في الدنيوية قال عبد الملك بن صالح للرشيد: أسألك بالقرابة والخاصة؟ أم بالخلافة والعامة؟ فقال: بل الأولى. قال: يداك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة فأعطاه وأجزل. وقال ابن زائدة لمعاوية: لم أزل أمتطي الليل بعد النهار ولم أجد معولا إلا عليك وإذا بلغتك فهو كما قيل: احطط عن راحلتك رحلها والسلام وقيل لابن المهلب في مقام الطلب ليس العجب أن تفعل بل العجب أن لا تفعل فاستفهمه حاجته فقضاها (والاقتصاد في المعيشة نصف العيش يبقي) بضم أوله (نصف النفقة وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من) رجل (مخلط) لا يتوقى الشبهات ومن ثمة قال إياس بن معاوية: كل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء قال بعض العارفين: والورع اجتناب ما يفسد أنواع القربات ويكدر صفاء المعاملة وحقيقته توقي كل ما يحذر منه وغايته تدقيق النظر في طهارة الإخلاص من شائبة الشرك الخفي (وما تم دين إنسان قط حتى يتم عقله) ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وصف له عبادة إنسان سأل عن عقله (والدعاء يرد الأمر) أي يرد القضاء المبرم كما صرح به في الرواية السابقة (وصدقة السر تطفئ غضب الرب) كما سبق توجيهه (وصدقة العلانية تقي ميتة السوء (1) وصنائع المعروف إلى الناس تقي صاحبها مصارع السوء) كما سبق (الآفات) يدل مما قبله أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الآفات (والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة وقيل أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ذكره ابن الأثير (والمعروف) وفي نسخة والعرف (ينقطع فيما بين الناس) أي ينقطع الثناء منهم على فاعله به (ولا ينقطع فيما بين الله وبين من افتعله) وهذه أحاديث عدة مر أكثرها ويجئ منها فتداخلت في هذا الحديث واجتمعت فيه وهي كثيرة الفوائد جليلة العوائد (الشيرازي) بكسر المعجمة وسكون المثناة التحتية نسبة إلى شيراز قصبة فارس ودار الملك بها (في) كتاب (الألقاب هب) من حديث إسماعيل بن يحيى العسكري ولقبه سمعان عن إسحاق العمي عن يونس بن عبيد عن الحسن (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بما نصه: هذا إسناد ضعيف والحمل فيه على العسكري أو العمي اه ورواه الحاكم وأبو نعيم والديلمي ثم قال: وفي الباب علي أمير المؤمنين   (1) بكسر الميم وفتح السين الحالة التي يكون عليها الإنسان عند الموت مما لا تحمد عاقبته الحديث: 4367 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 [تابع حرف الراء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 4368 - [ص: 2] (رأس العقل المداراة) قال ابن الأثير: غير مهموز ملاينة الناس وحسن صحتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك أو يؤذوك وقد يهمز ومن ثم قيل: اتق معاداة الرجال فإنك لا تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم وينبغي الاعتناء بمداراة العدو أكثر فقد قيل: ألقى العدو بوجه لا قطوب به. . . يكاد يقطر من ماء البشاشات فأحزم الناس من يلقى أعاديه. . . في جسم حقد وثوب من مسرات قال الماوردي: لكن ينبغي مع تألفه أن لا يكون له راكنا وبه واثقا بل يكون منه على حذر ومن مكره على تحرز فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعا لا يستحيل وجبلة لا تزول وإنما يستكف بالتأليف إظهارها ويستدفع به إضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يبيد (وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) قال ابن الأثير: روي عن ابن عباس في معناه يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة لهم معروفهم وتبقى حسناتهم جامعة فيعطونها فإن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخله الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة وفيه أن المداراة محثوث عليها أي ما لم تؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة كما في الكشاف (هب عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه: وصله منكر وإنما يروى منقطعا اه وفيه محمد بن الصباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول وحميد بن الربيع فإن كان هو الخراز فقد قال ابن عدي: يسرق الحديث أو السمرقندي فمجهول وعلي بن زيد بن جذعان ضعفوه الحديث: 4368 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 4369 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) مع حفظ الدين قال الغزالي: فعلى من ابتلى بمخالطة الناس مداراتهم ما أمكن ويقطع الطمع عن مالهم وجاههم ومعونتهم فإن الطامع خائب غالبا وإذا سألت واحدا حاجة فقضاها فاشكر الله عليها وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير عداوة وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ولا تكن كالمنافق تطلب العيوب وقل لعله قصر لعذر لم أطلع عليه وإذا أخطأوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم فإنهم يستفيدون منك علما ويصبحون لك أعداء إلا أن تعلق بإثم يفارقونه عن جهل فاذكر الحق بلطف بغير عنف ولا تعاتبهم ولا تقل لهم لم لم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم فإن أشد الناس حماقة من يزكي نفسه (وما يستغني رجل عن مشورة) فإن من اكتفى برأسه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن ثم قال حكيم: المشورة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معها رأي ولا يفقد معها حزم وقال بعض الحكماء: الخطأ مع الاسترشاد أجمل من الصواب مع الاستبداد (وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة) فإن الدنيا مزرعة الآخرة وأحكام الآخرة مترتبة على أحكامها كما سبق <تنبيه> قال ابن عربي: الناس أحوالهم بعد موتهم على قدر ما كانوا عليه في الدنيا للتفرغ لأمر ما معين أو مختلف على قدر ما تحققوا به وهم في الآخرة على قدر أحوالهم في الدنيا فمن كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا [ص: 3] غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا عزا في نفسه وإما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غيره فلا يبالي في أي مقام وفي أي حال أقام عنده في ظاهره إنما المعتبر حاله في نفسه ذكر القشيري أن رجلا دفن رجلا ونزع الكفن عن خده ووضعه على التراب فقال له الميت: يا هذا أتذلني بين يدي من أعزني ورأيت أنا مثل ذلك أن صاحبي الحسن هاب غاسله أن يغسله ففتح عينه في المغسل وقال له: اغسل فلا فرق بين الحياة والموت <فائدة> أخرج العسكري عن سفيان بن عيينة قال: ما من حديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم صحيح إلا وأصله في القرآن فقيل: يا أبا محمد قوله رأس العقل بعد الإيمان المداراة أين المداراة في القرآن قال: قوله تعالى {واهجرهم هجرا جميلا} فهل الهجر الجميل إلا المداراة ومن ذلك {ادفع بالتي هي أحسن} {وقولوا للناس حسنا} {ولمن صبر وغفر} وغير ذلك (هب عن سعيد بن المسيب مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: مرسل وضعيف وقال ابن الجوزي: متن منكر وأقول فيه محمد بن عمرو وأبو جعفر قال الذهبي: مجهول ويحيى بن جعفر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين وقال: مجهول وزيد بن الحباب قال في الكاشف: لم يكن به بأس وقد يتهم والأشعث بن نزار ضعفوه وعلي بن زيد بن جذعان قال أحمد وغيره: ليس بشيء وبه يعرف أن إسناده عدم مع كونه مرسلا الحديث: 4369 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 4370 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس) أي أشرف ما دل عليه نور العقل بعد الإيمان بالله بمشاهدة عظمة الله وعزته وعقل نفسه عن السكون إلى غير الله مداراة الناس أي ملاينتهم وملاطفتهم ومن المداراة أن لا يذم طعاما ولا ينهر خادما ولا يطمع في تغيير شيء من جبلات الناس إلا ما اقتضاه التعليم والمخاطبة باللين مع سهولة الجانب سيما مع الأهل ونحوهم والتغافل عن سفه المبطلين ما لم يترتب عليه مفسدة ومن ثمة قيل: اتسعت دار من يداري وضاقت دار من يماري وقيل: من صحت مودته احتملت جفوته وقيل: إذا عز أخوك فهن وكن كما قال ابن العلاء: لما عفوت ولم أحقد علي أحد. . . أرحت نفسي من حمل العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته. . . لأدفع الشر عني بالتحيات وأحسن البشر للإنسان أبغضه. . . كأنه قد ملأ قلبي بالمسرات ولست أسلم ممن لست أعرفه. . . فكيف أسلم من أهل المودات الناس داء دواء الناس تركهم. . . وفي الجفاء لهم قطع الأخوات فخالط الناس واصبر ما بليت بهم. . . أصم أبكم أعمى ذا تقيات ونسب بعد ذلك للشافعي (وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة) قال العامري: أهل المعروف هم الملازمون له المكثرون بحيث يصيرون له أهلا وأما كيفية أهليته للمعروف في الآخرة فقد قال الخطابي: من بذل معروفه في الدنيا جوزي به في الآخرة وقيل: من بذل جاهه لأهل الجرائم دون الحدود كان في الآخرة عند الله وجيها مشفقا كما في الدنيا وعن ابن عباس يأتي المعروف يوم القيامة أهله في الدنيا فيغفر لهم به وتبقى حسناتهم فيعطونها من زادت سيئاته على حسناته حتى يغفر لهم وهذه الأحاديث الغرض منها الحث على إتقان علم المعاشرة فإن الحاجة إليه كالحاجة إلى علم الحكمة والسياسة فإن من لا خلق له ولا أدب يضطر إلى الانقباض والعزلة ولم [ص: 4] يتسع للانبساط والمداخلة فيدخل عليه الخلف في أحواله والخلل في أموره قال تعالى لموسى {فقولا له قولا لينا} وقال تعالى {وأعرض عن الجاهلين} قال الحليمي: ولم يكمل علم حسن المعاشرة إلا للمعصوم فإن غيره إن ضبط شيئا أغفل بإزائه غيره (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن) سعيد (ابن المسيب مرسلا) الحديث: 4370 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 4371 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياء وحسن الخلق) لأنهما أحسن ما تزين به أهل الإيمان ولهذا قال الأحنف: لا سؤدد لسيء الخلق وودع بعض العارفين أخا له عند سفره فقال له: عظني. فقال: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه. . . ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل <فائدة> قال في الإحياء: ذرة واحدة من تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح (فر عن أنس) وفيه يحيى بن راشد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي الحديث: 4371 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 4372 - (رأس الكفر) وفي رواية رأس الفتنة أي منشؤه ذلك وابتداؤه يكون (نحو) بالنصب لأنه ظرف مستقر في محل رفع خبر المبتدأ (بالمشرق) وفي رواية للبخاري قبل المشرق أي أكثر الكفر من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه والمراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من تلك الجهة كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وفتنة مصعب والجماجم قيل: قتل فيها خمس مئة من كبار التابعين وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام ويحتمل أن المراد كفر الجحود ويكون إشارة إلى وقعة التتار التي وقع الاتفاق على أنه لم يقع له في الإسلام نظير وخروج الدجال ففي خبر أنه يخرج من المشرق وقال ابن العربي: إنما ذم المشرق لأنه كان مأوى الكفر في ذلك الزمن ومحل الفتن ثم عمه الإيمان وأيا ما كان فالحديث من أعلام نبوته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع قال ابن حجر: وهو إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة للمدينة وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم ثم استمرت الفتن بعد البعثة من تلك الجهة (والفخر) بفتح الخاء ادعاء الشرف والعظمة (والخيلاء) بضم ففتح الكبر واحتقار الناس (في أهل الخيل والإبل والفدادين) بشد الدال وتخفف جمع فدان البقر التي يحرث عليه أو آلة الحرث والسكة فعلى التشديد فهي جمع فداد وهو من يعلو صوته في نحو خيله والفديد الصوت الشديد وعلى التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف وأيد الأول برواية وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب البقر ووجه ذمهم شغلهم بما هم فيه عن أمر دينهم (أهل الوبر) بالتحريك أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر (والسكينة) فعيلة من السكون ذكر الصغاني أنها بكسر السين وهي الوقار والتواضع أو الطمأنينة والرحمة (في أهل الغنم) لأنهم دون أهل الوبر في التوسع والكثرة وهما سبب للفخر والخيلاء أو أراد بهم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم (مالك) في الموطأ (ق عن أبي هريرة) الحديث: 4372 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 4373 - (رأس هذا الأمر) أي الدين أو العبادة أو الأمر الذي سأل عنه السائل (الإسلام) أي النطق بالشهادتين فهو من جميع الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه بدونه فلا أثر لسائر الأمور بدونه كما لا أثر لحياة الحيوان بدون رأسه ففيه استعارة بالكناية تتبعها استعارة ترشيحية (ومن أسلم سلم) في الدنيا بحقن الدم وفي الآخرة [ص: 5] بالفوز بالجنة إن صحبه إيمان (وعموده) الذي يقوم به ويعتمد عليه هو (الصلاة) فإنها المقيمة لشعار الدين الرافعة لمنار الإسلام كما أن العمود هو الذي يقيم البيت فهي العمل الدائم الظاهر الفارق بين المؤمن والكافر (وذروة) بضم أوله وكسره قيل: وفتحه أيضا (سنامه) ذروة كل شيء أعلاه والسنام ما ارتفع من ظهر البعير (الجهاد) فهو أعلا أنواع العبادات من حيث إن به ظهور دين المؤمنين ومن ثم كان لا يناله إلا أفضلهم دينا وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلا من هذه الجهة وإن فضله غيره من جهات أخر شبه الأمر المذكور بفحل إبل وخصها لكونها خيار أموالهم وببيت قاتم على عمد ثم ذكر ما يلائم المشبه به وهو الرأس والعمود والسنام وفيه إشارة إلى صعوبة الجهاد وعلو شأنه وتفوقه على جميع الأعمال كيف وهو يتضمن بذل النفس والمال <تنبيه> قال ابن الزملكاني: قد استبان من هذا ونحوه أن العبادات والقربات فيها أفضل ومفضول وقد دل على ذلك المعقول والمنقول ومنها ما يوصل إلى المقام الأسنى لكن قد يعرض للمفضول ما يكسبه على غيره فضلا فليفصل ذلك ليتخذه أصلا فإن العبادة تفضل تارة بحسب زمانها وأخرى بحسب مكانها وطورا بحسب حال المتصف بها وآونة بمقتضى سببها ومرة تترجح لعموم الانتفاع وأخرى بوقوعها في بعض الأزمة أو البقاع كما مر في خبر أفضل الأعمال ونحوه والحاصل أن العبادة تكون فاضلة ومفضولة باعتبارين مختلفين كما يصير فرض الكفاية في بعض الأحوال فرض عين (طب عن معاذ) بن جبل الحديث: 4373 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 4374 - (راصوا الصفوف) أي تلاصقوا وضاموا أكتافكم بعضها إلى بعض حتى لا يكون بينكم فرجة تسع واقفا أو يلج فيها مار (فإن الشيطان يقوم في الخلل) الذي بين الصفوف ليشوش صلاتكم ويقطعها عليكم. قال القاضي: والرص ضم الشيء إلى الشيء. قال الله تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص} فالتراص في الصفوف هو التداني والتقارب يقال رص البناء إذا ضم بعضه إلى بعض (حم عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 4374 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 4375 - (راصوا صفوفكم) أي صلوها بتواصل المناكب (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سببا لتعاضد أرواحكم (وحاذوا بالأعناق) (1) بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشيء إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق أنفسها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذى عنقه عنق القصير الذي بجنبه ذكره القاضي. وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف بحاء مهملة وذال معجمة ووهم من قال بمعجمتين غنم سود صغار فكأن الشيطان يتصغر حتى يدخل في تضاعيف الصف قال الزمخشري: سميت به لأنها محذوفة عن المقدار الطويل (ن عن أنس) رمز المصنف لصحته وظاهر اقتصاره على النسائي أنه تفرد بإخراجه عن الستة وإلا لذكره كعادته وليس كذلك فقد رواه أبو داود في الصلاة باللفظ المزبور   (1) [وبتعيينه صلى الله عليه وسلم الأعناق لا يبقى شك في أن معنى " المحاذاة " المراد في أحاديث رص الصفوف إنما هو كما فسره العلماء ومنهم الإمام المناوي في شرحه المذكور أعلاه: جعلها على سمت وخط واحد وليس المراد " إلصاقها " ببعض إذ يستحيل ذلك بالأعناق هذا ومع أنه لم يرد الأمر لا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الخلفاء الراشدين ولا من الأئمة المجتهدين " بإلصاق " الأقدام فإنا نرى من يأمر الناس بذلك عند تسوية الصفوف ورغم حسن نية من يتبع أدعياء العلم هؤلاء فلا يخفى ما في عملهم من المساوئ بسبب عدم فهمهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبب اعتمادهم على ذلك الفهم الخاطئ دون الرجوع إلى شروح الحديث ولا إلى أقوال الصحابة والأئمة المجتهدين فمن تلك المساوئ الاشتغال عن تطبيق السنة المذكورة أعلاه أي المحاذاة بالمناكب والأعناق ومنها أنهم ينحنون وبذلك يتعذر تطبيق تلك السنة على غيرهم كذلك ومنها أن المبالغين منهم يتعدون أثناء الصلاة فلا يزالون يمدمدون أقدامهم ليلصقونها بأقدام رفاقهم في الصف حتى تصل أقدامهم إلى مكان جارهم أو تحت كتفه أو أكثر ولا يخفى ما في ذلك من الانشغال عن تدبر صلاتهم وتشويشهم على الغير ومنها أن وقفتهم لا تخلو من تفريج القدمين وهو تصنع وتفعل مخالف للسنة والفطرة حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان " كما وقف كبر؟ ؟ " أي بدون تفعل وتصنع في جميع ما يتعلق بوقفته ومنها أن الوقفة مع تفريج القدمين إنما هي وقفة التكبر والتحدي وليست وقفة العبد المتذلل لربه وقد أجري البحث بواسطة برنامج المحدث في الكتب التالية ولم يعثر على الأمر بالمحاذاة بين الأقدام: الجامع الصغير وزيادة الجامع الصغير ومجمع الزوائد. وإنما وجدت كلمة " حاذوا " في مثل الحديث 1366: " أقيموا الصفوف وحاذوا بالمناكب وأنصتوا. . . " والحديث 1367: " أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل. . . " ولم يرد في أيها الأمر بالمحاذاة بين الأقدام وإن فرض وجود الأمر " بالمحاذاة " بين " الأقدام " فتكون كالمحاذاة بين الأعناق المذكورة في هذا الحديث أي جعلها على سمت وخط واحد كما تم تفصيله أعلاه فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم واتباع السنة كما وردت غير مبدلين ولا مغيرين. آمين. دار الحديث] الحديث: 4375 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 4376 - (رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق) لم يسم الرجل ولا المسروق منه ولا المسروق (فقال له أسرقت؟) بهمزة الاستفهام وروي بدونها (قال كلا) حرف ردع أي ليس الأمر كما قلت ثم أكد ذلك بالحلف بقوله (والذي) وفي [ص: 6] رواية لا والذي (لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله إذ المؤمن الكامل لا يحلف بالله كاذبا (وكذبت عيني) بالتشديد على التثنية ولبعضهم بالإفراد أي كذبت ما ظهر لي من سرقة لاحتمال أنه أخذ بإذن صاحبه أو لأنه بان له فيه حق وفي رواية للبخاري وكذبت بتخفيفها. قال بعضهم: والتخفيف هو الظاهر بدليل رواية مسلم وكذبت نفسي وهذا خرج مخرج المبالغة في تصديق الحالف لا أنه كذب نفسه حقيقة أو أراد صدقه في الحكم لأنه لم يحكم بعلمه وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي ويحتمل أنه رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله فلما حلف رجع إلى ظنه ذكره جمع وقال القرطبي: ظاهر قول عيسى له سرقت أنه خبر عما فعل من السرقة وكأنه حقق السرقة عليه لكونه رآه أخذ مالا لغيره ويحتمل أنه استفهام حذفت همزته وحذفها قليل وقول الرجل كلا أي لا نفي ثم أكده باليمين وقول عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي أي صدقت من حلف وكذبت ما ظهر من ظاهر السرقة فيحتمل أن يكون أخذ ما له فيه حق أو يكون لصاحبه إذن أو أخذه لتغلبه واستدل به على درء الحد بالشبهة ومنع القضاء بالعلم والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا وعند الشافعي جوازه إلا في الحدود (حم ق ن هـ عن أبي هريرة) الحديث: 4376 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 4377 - (رأيت ربي عز وجل) بالمشاهدة العينية التي لم يحتمل الكليم أدنى شيء منها أو القلبية بمعنى التجلي التام فقد روي عنه عليه السلام لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل والأرجح أن الله جمع له بين الرؤية البصرية والجنانية ولا يعارضه قول الله لكليمه {لن تراني} وإن كان حرف لن لتأييد النفي إذ لا يلزم من نفيها عن موسى عليه السلام نفيها عن محمد صلى الله عليه وسلم والله سبحانه حي موجود فلا يمتنع رؤيته عقلا وحاسية العين غير ركن للرؤية ولولا حجب النفس والهوى لرأت العين في الدنيا ما يراه القلب وعكسه <فائدة> قال المؤلف: من خصائصه رؤيته للباري تعالى مرتين وركوب البراق في أحد القولين <تنبيه> هذا لا حديث رواه الدارقطني وغيره عن أنس وزاد فيه في أحسن صورة قال المؤلف: وهذا إن حمل على رؤية المنام فلا إشكال أو اليقظة فقد سئل عنه الكمال بن الهمام فأجاب بأن هذا حجاب الصورة اه. وجاء في بعض الروايات المطعون فيها رأيت ربي في صورة شاب. قال العارف ابن عربي: وهو حال من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كلام العرب واعلم أن المثلية الواردة في القرآن لغوية لا عقلية لأن المثلية العقلية تستحيل عليه تعالى وتقدس وإذا وصفت موجودا بصفة أو أكثر ثم وصفت غيره بتلك الصفة فقد ماثله من وجه وإن كان بينهما تباين من جهة حقائق أخر لكنهما مشتركان في روح تلك الصفة ومعناها فكل منهما على صورة الآخر في تلك الصفة فافهم وانظر كونك دليلا عليه سبحانه فإذا دخلت من باب التعرية على المناظرة سلبت النقائص التي تجوز عليك عنه وإن كانت لم تقم به قط لكن المجسم والمشبه لما أضافها إليه سلب تلك الإضافة ولولاه لم يفعل ذلك اه. وقال القاضي: الحديث ورد بألفاظ منها أي صليت الليلة ما قضى لي ووضعت جنبي في المسجد فأتاني ربي في أحسن صورة وهذا لا إشكال فيه إذ الرائي قد يرى غير المشكل مشكلا والمشكل بغير شكله ثم لم يعد ذلك تخلل في الرؤيا أو خلل في الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم تعبير المنامات ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤية الأنبياء إلى تعبير وإن كان في اليقظة فلا بد من التعبير والتأويل فأقول صورة الشيء ما به يتميز الشيء عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزؤه المميز كما يطلق ذلك في الجثث يطلق ذلك في المعاني فيقال صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا فصورته تعالى ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء البالغة إلى أقصى مراتب الكمال (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. ومن ثمة رمز المصنف لصحته الحديث: 4377 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 4378 - (رأيت الملائكة تغسل حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب) لما قتلا شهيدين بأحد قال في مسند الفردوس: وذلك [ص: 7] لأنهما أصيبا وهما جنبان اه واعلم أن الذي عليه الجمهور وهو مذهب الشافعي أن شهيد المعركة لا يغسل وأما غيره من كل مسلم فيجب غسله وإن شاهدنا الملائكة تغسله لأن المقصود من الغسل التعبد بفعلنا له فلا يسقط عنا بفعل غيرنا (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4378 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 4379 - (رأيت إبراهيم) الخليل (ليلة أسري بي) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (فقال يا محمد أقرئ أمتك) أي أمة الإجابة (السلام) مني عليهم (وأخبرهم) عني (أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان) جمع قاع وهي أرض مستوية لا بناء ولا غراس فيها (وغراسها) جمع غرس وهو ما يغرس والغرس إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي. وقال الطيبي: هنا إشكال لأن الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل نحو قوله تعالى {تجري من تحتها الأنهار} على أنها ليست خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة والجواب أنها كانت قيعانا ثم أوجد الله فيها الأشجار والقصور على حسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إنه تعالى لما يسر له العمل لينال به الثواب جعل كالغارس لتلك الأشجار مجازا إطلاقا للسبب على المسبب ولما كان سبب إيجاد الله الأشجار عمل العامل أسند الغرس إليه والقصد بيان طيب الجنة والتشوق إليها والحث على ملازمة قول هؤلاء الكلمات التي هي الباقيات الصالحات. (تتمة) قال المؤلف: من خصائصه اختراق السماوات والعلو إلى قاب قوسين ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وإحياء الأنبياء له وصلاته إماما بهم وبالملائكة واطلاعه على الجنة والنار عد هذه البيهقي (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الكوفي وهو ضعيف ورواه الترمذي باختصار الحوقلة الحديث: 4379 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 4380 - (رأيت ليلة أسري بي) أرواح الأنبياء متشكلين بصور كانوا عليها في الحياة فرأيت (موسى رجلا آدم) أي أسمر (طوالا) بضم الطاء وتخفيف الواو أي طويلا (جعدا) أي جعد الجسم وهو اجتماعه واكتنازه لا الشعر على الأصح (كأنه من رجال شنوءة (1)) أي يشبه واحدا من هذه القبيلة والشنوءة بفتح الشين التباعد بين الأدناس لقب به حي من اليمن لطهارة نسبهم وحسن سيرتهم (ورأيت عيسى) ابن مريم (رجلا مربوع الخلق) أي بين الطول والقصر قال الطيبي: وقوله (إلى الحمرة) حال أي مائلا لونه إلى الحمرة (والبياض) فلم يكن شديد الحمرة والبياض (بسط الرأس) أي مسترسل شعر الرأس والسبوطة ضد الجعودة (ورأيت مالكا) هذه رواية البخاري في بعض النسخ. قال النووي: وأكثر الأصول ملك بالرفع وجوابه أنه منصوب لكن سقطت الألف خطأ (خازن النار) نار جهنم (و) رأيت (الدجال) تمامه عند البخاري في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه اه. قيل: وهو من كلام الراوي أدرجه دفعا لاستبعاد السامع بدليل [ص: 8] قوله إياه وإلا لقال إياي (حم ق عن ابن عباس) واللفظ للبخاري   (1) أي ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن مضر بن الأزد. ولقب به لشنآن كان بينه وبين أهله الحديث: 4380 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 4381 - (رأيت جبريل) أي على صورته التي خلق عليها قال البيهقي: وهذا من خصائصه وفي الصحيحين أنه لم يره في الصورة التي خلق عليها إلا مرتين قال ابن تيمية: يعني المرة التي في الأفق الأعلى والنزلة الأخرى عند سدرة المنتهى (له ست مئة جناح) قيل: يجوز أن يكون أخبر به عن عدد أو عن خبر الله أو ملائكته وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة لكي يبقى الكلام في كيفيتها فسبق عن السهيلي أنها صفات ملكية لا تدرك بالعين فإنه تعالى أخبر بأنها مثنى وثلاث ورباع ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة فكيف بست مئة فدل على أنها صفات لا تضبط بالفكر ولا ورد ببيانها خبر فيجب الإيمان بها إجمالا واعترض بأن لفظ الطبراني يرجح أنها كالطير وقد ورد نثر الجناح بحيث يسد الأفق وهذا نص صريح في أن جبريل ملك موجود يرى بالعيان ويدرك بالبصر فمن زعم أنه خيال موجود في الأذهان لا العيان فقد كفر وخرج عن جميع الملل قال حجة الإسلام: والملك له صورتان مثالية وحقيقية بل يرى بصور مختلفة في وقت واحد في مكانين لكن لا ندرك حقيقة صورته بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة كما رأى النبي جبريل في صورته مرتين وكان يريه نفسه في غيرها كصورة آدمي وذلك لأن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي ووجه إلى عالم الشهادة فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي جانب عالم الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلة لأن عالم الشهادة كله متخيلات إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى لأن عالم الشهادة كثير التلبيس أما الصورة التي تحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر القلب فلا يكون إلا محاكيا للصفة وموافقا لها لأن الصورة في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى الحسن إلا بصورة حسنة والقبيح بصورة قبيحة فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصدق (طب عن ابن عباس) هذا كالصريح في أنه لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ العدول للطبراني والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في تفسير النجم ورواه مسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود بلفظ إن النبي رأى جبريل له ست مئة جناح وبلفظ رأى جبريل في صورته له ست مئة جناح ورواه ابن حبان بأتم من الكل ولفظه رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وله ست مئة جناح ينثر من ريشه الدر والياقوت اه الحديث: 4381 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 4382 - (رأيت أكثر من رأيت من الملائكة معتمين) أي على رؤوسهم أمثال العمائم من النور إذ الملائكة أجسام نورانية لا يليق لها هذه الملابس الجسمانية كما عرف مما تقرر (ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) الحديث: 4382 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 4383 - (رأيت جعفر بن أبي طالب) هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي استشهد بمؤتة (ملكا) أي على صورة ملك من الملائكة (يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) سميا جناحين لأن الطائر يجنحهما عند الطيران أي يميلهما عنده ومنه {وإن جنحوا للسلم} وهذا قاله لولده لما جاء الخبر بقتله وفي رواية عوضه الله جناحين عن قطع يديه وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه فقتل. قال القاضي: لما بذل نفسه في سبيل الله وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه أعطاه الله أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة ولعله رآه في المنام أو في بعض مكاشفاته اه. وقال السهيلي: ليسا كجناحي الطائر لأن الصورة الآدمية أشرف بل قوة روحانية وقد عبر القرآن عن العضو بالجناح توسعا {واضمم يدك إلى جناحك} واعترض بأنه لا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة المعهود [ص: 9] وهو قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف. (تتمة) قال في الإصابة: كان أبو هريرة يقول: إن جعفر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عنه بسند صحيح (ت ك) في المناقب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه والد علي بن المديني واه اه. فقال ابن حجر في الفتح: في إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد وعن أبي هريرة رفعه " مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم " خرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم الحديث: 4383 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 4384 - (رأيت خديجة) وفي رواية أبصرت (خديجة) بنت خويلد القرشية الأسدية زوجته (على نهر من أنهار الجنة في بيت من القصب لا لغو فيه ولا نصب) بفتح الصاد أي تعب وقد سبق تقريره موضحا وهذا يحتمل رؤية اليقظة ورؤيا المنام ورؤيا الأنبياء وحي (طب) وكذا في الأوسط (عن جابر) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خديجة أنها ماتت قبل أن ينزل الفرائض والأحكام فذكره. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد وقد وثق اه وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 4384 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 4385 - (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة) الظاهر أن المراد الباب الأعظم المحيط ويحتمل على كل باب من أبوابها (مكتوبا) وفي رواية يذهب (الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر) وفي رواية بثماني عشر (فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال: لأن السائل يسأل وعنده) أي وعنده شيء من الدنيا أي قد يكون ذلك (والمسقترض) أي طالب القرض (لا يستقرض إلا من حاجة) عرضت له ولولاها لما اقترض قال الحكيم: معناه أن المتصدق حسب له الدرهم الواحد بعشرة فدرهم صدقة وتسعة زيادة والقرض ضوعف له فيه فدرهم قرضه والتسعة مضاعفة فهو ثمانية عشر والدرهم القرض لم يحسب له لأنه يرجع إليه فبقي التضعيف فقط وهو ثمانية عشر والصدقة لم ترجع إليه الدرهم فصارت له عشرة بما أعطى (هـ عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف وأصله قول ابن الجوزي: حديث لا يصح قال أحمد: خالد بن يزيد أي أحد رجاله ليس بشيء وقال النسائي: ليس بثقة الحديث: 4385 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 4386 - (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم المعجمة وتخفيف الزاي أحد رؤساء خزاعة الذي ولوا البيت بعد جرهم قال ابن الكلبي: لما تفرق أهل سبأ بسبب سيل العرم نزلوا بئر مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به منهم فهو غساني وانخرعت منهم بنو عمرو بن يحيى عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة (يجر قصبه) بضم القاف وسكون الصاد أمعاءه {وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} كأنه كوشف بسائر من يعاقب (في النار) لكونه استخرج من باطنه بدعة جر بها الجريرة إلى قومه. قال الزمخشري: القصب واحد الأقصاب وهي الأمعاء ومنه القصاب لأنه يعالجها وقال ابن الأثير: اسم للأمعاء كلها وقيل: ما كان أسفل البطن من الأمعاء (وكان أول من سبب السوائب) أي أول من سن عبادة الأصنام بمكة وجعل ذلك دينا وحملهم على التقرب إليها بتسيب السوائب أي إرسالها تذهب وتجيء كيف [ص: 10] شاءت على ما هو مقرر في كتب التفسير وغيرها (وبحر البحيرة) (1) التي يمنحونها للطواغيت ولا يحلبها أحد واستشكل ذا بقولهم لا تعذب أهل الفترة وأجيب أن هذا خبر واحد لا يعارض به القطع ويقصر التعذيب على المنصوص عليه ونحوه كصاحب المجن وأن من بلغته الدعوة ليس بأهل فترة بل أهلها الأمم الكائنة بين الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل لهم عيسى ولا أدركوا محمدا (حم ق عن أبي هريرة)   (1) أي ووصل الوصيلة وهي الشاة إذا ولدت ثلاثة بطون أو خمسة أو سبعة فإن كان آخرها جديا ذبحوه لبيت الآلهة وأكل منه الرجال والنساء وإن كانت عناقا استحيوها وإن كان جديا وعناقا استحيوا الذكر من أجل الأنثى وقالوا: هذه العناق وصلت أخاها فلم يذبحوهما وكان لبن الأنثى حراما على النساء فإن مات منهما شيء أكله الرجال والنساء جميعا وحمى الحامي وهو الفحل من الإبل إذا لفح من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه شيء ولا يمنع من كلأ ولا ماء فإذا مات أكله الرجال والنساء واعلم أن الله جعل الأنعام رفقا بالعباد ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة قال تعالى {وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} فكان أهل الجاهلية يقطعون طرق الانتفاع ويذهبون نعمة الله فيها ويزيلون المصلحة والمنفعة التي للعباد فيها بفعلهم الخبيث والنعم كثيرة الفائدة سهلة الانقياد وليس لها شراسة الدواب ولا نفرة الدواب ولشدة حاجة الناس إليها لم يخلق الله لها سلاحا شديدا كأنياب السباع وجعل من شأنها الثبات والصبر على التعب والجوع والعطش وجعل قدمها سلاحها لتأمن به ولما كان أكلها الحشيش اقتضت الحكمة الإلهية أن جعل لها أفواها واسعة وأسنانا حدادا وأضراسا صلابا لتطحن به الحب والنوى الحديث: 4386 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 4387 - (رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر) بن الخطاب لأن القلب إذا كان مطهرا عن مرعى الشيطان وقوته وهو الشهوات وكان له حظ من سلطان الجلال وإلهية لم يثبت لمقاومته شيء وهابه كل من رآه قال ابن عباس: كانت درته أهيب عند الناس من سيوف غيره وكانوا إذا أرادوا أن يكلموه رفعوا إلى بنته حفصة هيبة له (عد عن عائشة) رضي الله عنها الحديث: 4387 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 4388 - (رأيت) زاد الطبراني في المنام (كأن امرأة سوداء ثائرة) شعر (الرأس) منتفشة من ثأر الشيء إذا انتشر وفي رواية أحمد ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس (خرجت) في رواية أخرجت بالبناء للمجهول ولعل فاعل الإخراج النبي لتسببه فيه بدعائه (من المدينة) النبوية (حتى نزلت مهيعة) (1) أي أرض مهيعة كعظيمة وهي الجحفة (فتأولتها) أي أولتها يعني فسرتها من أول الشيء تأويلا إذا فسره بما يؤول إليه قال القاضي: والتأويل اصطلاحا تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالا غير بين (أن وباء المدينة) أي مرضها والوباء مرض عام يمد ويقصر (نقل إليها) وجه التأويل أنه شق من اسم السوداء السوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها والصور في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة كما يرى الشيطان في صورة كلب وخنزير ونحو ذلك. قال بعضهم: إنه يتقي شرب الماء من عين جحفة التي يقال لها عين خم فقل من شرب منها إلا حم وكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. قال السمهودي: والموجود من الحمى بالمدينة ليس حمى الوباء بل رحمة ربنا ودعوة نبينا التكفير (خ ت هـ) في تعبير الرؤيا (عن ابن عمر) بن الخطاب   (1) بفتح الميم وسكون الهاء بعدها تحتية مفتوحة ثم عين مهملة الحديث: 4388 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 [ص: 11] 4389 - (رؤيا المؤمن) أي الصالح كما قيده به في الرواية الآتية فإن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مؤمن صادق صالح كما في المفهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) أي النبوة مجموع خصال تبلغ أجزاؤها ستة وأربعين ورؤياه جزء واحد منها وفي رواية يأتي بعضها من خمسة وأربعين وسبعة وأربعين وأربعة وأربعين وسبعين وخمسين وأربعين وخمس وعشرين وستة وعشرين وستين فهذه عشر روايات أكثرها في الصحيحين ولا سبيل إلى أخذ بعضها وطرح الباقي كما قال الماوردي قال: وأصحها وأشهرها عند المحدثين الأولى وفي الجمع بينها وجوه منها الاختلاف بمراتب الأشخاص في الكمال والنقص وما بينهما من النسب ومنها أن اختلاف العدد وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد البعثة حدث بأنها جزء من ستة وعشرين فلما أكمل عشرين حدث بأربعين فلما أكمل ثنتين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعد ذلك بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته ورواية الخمسين لجبر الكسر والسبعين للمبالغة ومنها أن هذه التجزئة في طرق الوحي إذ منه ما سمع من الله بلا واسطة ومنه بالملك ومنه بالإلهام ومنه في المنام ومنه كصلصلة الجرس وغير ذلك فتكون تلك الحالات إذا عدت غايتها إلى سبعين ومنها أن من كان في صلاحه وصدقه على رتبة كاملة يناسب كمال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءا من نبوة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكمالاتهم متفاضلة فكذا نسبة مقامات العارفين واستوجهه في المفهم وعبر النبوة دون الرسالة لأن الرسالة تزيد عليها بالتبليغ بخلاف النبوة المجردة فإنها على بعض المغيبات (حم ق عن أنس حم ق د ت عن عبادة بن الصامت حم ق هـ عن أبي هريرة) وفي الباب ابن مسعود وسمرة وحذيفة وغيرهم الحديث: 4389 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 4390 - (رؤيا المسلم) وكذا المسلمة لكن إذا كان لائقا وإلا ففي الفتح عن القيرواني وغيره من أئمة التعبير أن المرأة إذا أرادت ما ليست له أهلا فهو لزوجها والعبد لسيده والطفل لأبويه (الصالح) قيل: المراد به من استبدل مزاجه وتفرغ خياله عن الأمور المزعجة واللذات الوهمية وقيل: الذي يناسب حاله حال النبي صلى الله عليه وسلم فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الإطلاع على شيء من علم الغيب (جزء من سبعين جزءا من النبوة) يعني من أجزاء علم النبوة من حيث أن فيها إخبارا عن الغيب والنبوة وإن لم تبق فعلمها باق فهو من قبيل ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أو أراد أنها كالنبوة في الحكم بالصحة لا أنها من النبوة حقيقة (هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته الحديث: 4390 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 4391 - (رؤيا المؤمن الصالح بشرى من الله) يبشره بها (وهي جزء من خمسين جزءا من النبوة) بالمعنى المقرر وقد يرى الصالح بل والفاسق والكافر الرؤيا الصادقة لكن نادرا لكثرة تمكن الشيطان منه بخلاف عكسه وحينئذ فالناس ثلاثة أقسام: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى التعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى التعبير ومن سواهم في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة أقسام: مستورون والغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيهم الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق قاله المهلب. قال القرطبي: وقد وقع لبعض الكفار منامات صحيحة صادقة كمنام الملك الذي رأى سبع بقرات ومنام عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي كافرة ونحوه كثير لكنه قليل وقد يرى الصالح أضغاث [ص: 12] الأحلام <تنبيه> قال ابن عربي: للرؤيا مكان ومحل وحال فحالها النوم وهو الغيبوبة عن المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة من التعب التي كانت عليه في اليقظة من الحركة وإن كانت في هواها والنوم قسمان قسم انتقال وفيه بعض راحة أو نيل غرض أو زيادة تعب والآخر قسم راحة فقط وهو النوم الخالص الصحيح الذي ذكر الله أنه جعله راحة للجوارح في حال اليقظة وجعل زمنه الليل غالبا وأما الانتقال فهو النوم الذي معه رؤيا فتنقل هذا لآلات من ظاهر الحس إلى باطنه ليرى ما تقرر في خزانة الخيال التي رفعت إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات وما صورته القوة المصورة التي هي في بعض خدم هذه الخزانة لترى النفس الناطقة ما استقر في خزانتها وما ثم في طبقات العالم من يعطي الأمر على ما هو عليه سوى الحضرة الخيالية فإنها تجمع بين ضدين وفيها تظهر الحقائق على ما هي عليه إما حال النوم أو الغيبة عن الحس بأي نوع كان وهي في النوم أتم وجودا وأعمه لأنه للعارفين والعامة وحال الغيبة والفناء والمحو لا يكون للعامة في الإلهيات (الحكيم) الترمذي (طب) وكذا في الأوسط (عن العباس بن عبد المطلب) رمز المصنف لصحته قال الهيثمي: فيه إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات. اه. ورواه أبو يعلى باللفظ المزبور لكنه قال ستين الحديث: 4391 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 4392 - (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) أي من علم النبوة زاد البخاري في رواية وما كان من النبوة فإنه لا يكذب. اه. لكن قيل: إنها مدرجة من كلام ابن سيرين وقيل: إنما خص هذا العدد لأن الوحي كان يأتيه على أربعين أو ستة وأربعين أو خمسين نوعا الرؤيا نوع من ذلك وقد حاول الحليمي تعداد تلك الأنواع (وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها) أي هي لا استقرار لها ما لم تعبر قال الطيبي: التركيب من قبيل التشبيه التمثيلي شبه الرؤيا بطائر سريع الطيران علق على رجله شيء يسقط بأدنى حركة فالرؤيا مستقرة على ما يسوقه القدر إليه من التعبير (فإذا تحدث بها سقطت) أي إذا كانت في حكم الواقع ألهم من يتحدث بها بتأويلها على ما قدر فتقع سريعا كما أن الطائر ينقض سريعا (ولا تحدث بها إلا لبيبا) أي عاقلا عارفا بالتعبير لأنه إنما يخبر بحقيقة تفسيرها بأقرب ما يعلم منها وقد يكون في تفسيره بشرى لك أو موعظة (أو حبيبا) لأنه لا يفسرها لك إلا بما تحبه (ت عن أبي رزين) العقيلي رمز المصنف لصحته الحديث: 4392 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 4393 - (رؤيا المؤمن) الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها (كلام يكلم به العبد ربه في المنام) وبه فسر بعض السلف قوله سبحانه وتعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} قال من وراء حجاب في منامه وكانت رؤيا الأنبياء وحيا وأما رؤية غيرهم فلإلقاء الشيطان فيها لا يؤمن عليها والوحي محروس بخلاف غيره ولو كانت كالوحي لم تكن غرورا وقد قص الله شأن الرؤيا في تنزيله فسماه حديثا فقال: {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} ذكره الحكيم وروى الحاكم والعقيلي عن ابن عمر أن عمر لقي عليا فقال: يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما إلا يعرج بروحه إلى العرش فالذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب قال الذهبي: هو حديث منكر ولم يصححه الحاكم (طب والضياء) المقدسي (عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه اه. ورواه عنه أيضا الحكيم في نوادره قال الحافظ: وهو من روايته عن شيخه عن ابن أبي عمر وهو واه وفي سنده سعيد بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة الحديث: 4393 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 4394 - (رباط) بكسر ففتح مخففا (يوم في سبيل الله) أي ملازمة المحل الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين وإن [ص: 13] كان وطنه خلافا لابن التين بشرط نية الإقامة به لدفع العدو (خير من) النعيم الكائن في (الدنيا وما عليها) لو ملكه إنسان وتنعم به لأنه نعيم زائل بخلاف نعيم الآخرة فإنه باق وعبر بعليها دون فيها لما فيه من الاستولاء وهو أعم من الظرفية وأقوى وهذا دليل على أن الرباط يصدق بيوم واحد ففيه رد على مالك في قوله أقله أربعون يوما وكثيرا ما يضاف السبيل إلى الله والمراد به كل عمل خالص يتقرب به إليه لكن غلب إطلاقه على الجهاد حتى صار حقيقة شرعية فيه في كثير من المواطن (وموضع سوط أحدكم) الذي يجاهد به العدو (في الجنة خير من الدنيا وما عليها) مما ذكر (والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة) أي فضلها والغدوة بالفتح المرة من الغدو وهو الخروج أول النهار إلى انتصافه والروحة المرة من الرواح وهو من الزوال إلى الغروب وأو للتقسيم لا للشك (خير من الدنيا وما عليها) أي ثوابها أفضل من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان بحذافيرها وتنعم بجميعها والمراد أن الروحة يحصل بها هذا الثواب وكذا الغدوة ولا يختص بالغدو والرواح من بلده أو المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الحاصل لمن لو حصلت الدنيا كلها لأنفقها في الطاعة (حم خ) في الجهاد (ت عن سهل بن سعد) الساعدي وعزاه ابن الأثير لمسلم قال المناوي: ولعله وهم الحديث: 4394 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 4395 - (رباط يوم) أي ثواب رباط يوم (وليلة خير من صيام شهر وقيامه) لا يعارضه رواية خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل لاحتمال إعلامه بالزيادة أو لاختلاف العاملين أو العمل أو الإخلاص أو الزمن (وإن مات) أي المرابط وإن لم يجر له ذكر لدلالة قوله (مرابطا) عليه (جرى عليه عمله) أي أجر عمله (الذي كان يعمله) حال رباطه أي لا ينقطع أجره وهذه فضيلة لا يشركه فيها أحد ولا ينافيه عد جمع نحو عشرة ممن يجري عليهم ثوابهم بعد موتهم لأن المجرى على هذا ثواب عمله وثواب رباطه وأما أولئك فشيء واحد قال الطيبي: ومعنى جري عمله عليه أن يقدر له من العمل بعد موته كما جرى منه قبل الممات (وأجري عليه رزقه) أي يرزق في الجنة كالشهداء (وأمن) بفتح فكسر وفي رواية بضم الهمزة وزيادة واو (من الفتن) بفتح الفاء أي فتنة القبر وروى وأمن فتاني القبر أي اللذين يفتنان المقبور وفي رواية بضمها جمع فاتن وتكون للجنس أي كل ذي فتنة أو هو من إطلاق الجمع على اثنين أو أكثر من اثنين أو على أنهم أكثر من اثنين فقد ورد ثلاثة وأربعة (1) (م) في الجهاد (عن سلمان)   (1) وقال الشيخ ولي الدين: المراد به مسائله منكر ونكير قال: ويحتمل أن يكون المراد أنهما لا يجيئان إليه ولا يختبرانه بالكلية بل يكفي موته مرابطا في سبيل الله شاهدا على صحة إيمانه ويحتمل أنهما يجيئان إليه لكن يأنس بهما بحيث إنهما لا يضرانه ولا يروعانه ولا يحصل له بسبب مجيئهما فتنة اه الحديث: 4395 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 4396 - (رباط يوم) واحد في سبيل الله (خير من صيام شهر وقيامه) لا يناقضه ما قيل قبله إنه خير من الدنيا وما فيها ولا ما بعده خير من ألف يوم لأن فضل الله مستزاد وجوده وكرمه منوال كل وقت ويمكن كون ذلك بحسب اختلاف الزمن والعمل والعامل قال القاضي: الرباط المرابطة وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في شفرهم وهؤلاء خيولهم في شفرهم ويكون كل منهم معد لصاحبه متربصا لقصده ثم اتسع فيه فأطلقت على ربط الخيل واستورادها لغزو أو عدو حيث كان وكيف كان وقد يتجوز به للمقام بأرض والتوقف فيها <تنبيه> هذا الحديث رواه أحمد بلفظ رباط يوم وليلة أفضل [ص: 14] من صيام شهر وقيامه صائما لا يفطر وقائما لا يفتر قال أبو البقاء: صائما وقائما حالان وصاحب الحال محذوف دل عليه من صيام شهر وقيامه والتقرير أن يصوم الرجل شهرا ويقومه صائما وقائما (حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف الحديث: 4396 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 4397 - (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل) فجعل حسنة الجهاد بألف وأخذ البعض من تعبيره بالجمع المحلى بلام الاستغراق أن المرابط أفضل من المجاهد في المعركة وعكسه بعضهم مجيبا بأن الحديث في حق من فرض عليه الرباط وتعين بنصب الإمام قال في المطامح: اختلف هل الأفضل الجهاد أم الرباط والحديث يدل على أن الرباط أفضل لأنه جعله الغاية التي ينتهي إليها أعمال البر والرباط بحقن دماء المسلمين والجهاد بسفك دماء المشركين فانظر ما بين الدمين حتى يصح لك أفضل العملين (ت ن ك) في الجهاد (عن عثمان) بن عفان قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 4397 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 4398 - (رباط شهر خير من صيام دهر) فيه جواز السجع وحسن موقعه سيما إذا كان غير مقصود ولا تكلف كما هنا (ومن مات) حال كونه (مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر) يوم القيامة (وغدي عليه برزقه وريح من الجنة) ببناء غدي وريح إلى المفعول (ويجري عليه أجر المرابط) ما دام في قبره (حتى يبعثه الله) يوم القيامة من الآمنين {الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته الحديث: 4398 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 4399 - (رباط يوم في سبيل الله يعدل عبادة شهر أو سنة) شك من الراوي (صيامها وقيامها من مات مرابطا في سبيل الله أعاذه الله من عذاب القبر وأجرى له أجر رباطه ما قامت الدنيا) أي مدة بقائها وهذا إذا قصد بذلك حراسة الدين ونصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى وإلا لم يحصل له الثواب الموعود (الحارث عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو عجيب فقد عزاه الديلمي لمسلم من حديث سلمان ولعل المصنف ذهل عنه الحديث: 4399 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 4400 - (رب) قال الولي العراقي: فيها ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها كلاهما مع التشديد والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو متحركة ومع التجرد منها فهذه اثني عشرة والضم والفتح مع سكون الباء وضم الحرفين مع التشديد والتخفيف (أشعث) أي ثائر الشعر مغبره قد أخذ فيه الجهد حتى أصابه الشعث وغلبته الغبرة قال القاضي: الأشعث المغبر الرأس المتفرق الشعر وأصل التركيب هو التفرقة والانتشار (مدفوع بالأبواب) أي يدفع عند إرادته الدخول على الأعيان والحضور في المحافل إما باللسان أو باليد واللسان احتقارا له فلا يترك أن يلج الباب فضلا أن يقعد معهم ويجلس بينهم (لو أقسم) حلف (على الله) ليفعل شيئا (لأبره) أي أبر قسمه وأوقع مطلوبه إكراما له وصونا ليمينه عن الحنث لعظم [ص: 15] منزلته عنده أو معنى القسم الدعاء وإبراره إجابته ورب هنا للتقليل قال في المغني: وليست هي للتقليل دائما خلافا للأكثر ولا للتكثير دائما خلافا لابن درستويه جمع بل للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا. إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك ليبصرك مراتب الشعث الغبر الأصفياء الأتقياء ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك تقديم ما قدموا ويثبطك عن الطمع الفارغ والرجاء الكاذب ويعلمك أن الزينة إنما هي بلباس التقوى <تنبيه> قال في المنن: من الأخفياء الشعث من يجاب دعاؤه كلما دعا حتى أن بعض السوقة كان كل من دعا عليه مات لوقته وأراد جماع زوجته فقالت: الأولاد متيقظون فقال: أماتهم الله فكانوا سبعة فصلوا عليهم بكرة النهار فبلغ البرهان المتولي فأحضره وقال: أماتك الله فمات وقال: لو بقي لأمات خلقا كثيرا (حم م) في الرقاق (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وفي الباب ابن عمرو وغيره الحديث: 4400 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 4401 - (رب أشعث) أي جعد الرأس (أغبر) أي غير الغبار لونه لطول سفره في طاعة كحج وجهاد وزيارة رحم وكثرة عبادة (ذي طمرين) تثنية طمر وهو الثوب الخلق (ينبو عنه أعين الناس) أي ترجع وتغض عن النظر إليه احتقارا له واستهانة به يقال نبا السيف عن الضرب إذا رجع من غير قطع ونبا الطبع عن الشيء نفر فلم يقبله (لو أقسم على الله لأبره) أي لو سأل الله وأقسم عليه أن يفعله لفعل ولم يخيب دعوته وذلك لأن الانكسار ورثاثة الحال والهيئة من أعظم أسباب الإجابة ومن ثم ندب ذلك في الاستسقاء قال الحسن: احترقت أخصاص (1) بالبصرة إلا خص وسطها فقيل لصاحبها: ما لخصك لم تحترق قال: أقسمت على ربي أن لا يحرقه. ورأى أبو حفص رجلا مدهوشا فقال: مالك قال: ضل حماري ولا أملك غيره فوقف أبو حفص وقال: لا أخطو خطوة ما لم ترد حماره فظهر حماره فورا قال الغزالي: وهذا يجري لذوي الأنس وليس لغيرهم التشبه بهم وقال الجنيد: أهل الأنس يقولون في خلوتهم أشياء هي كفر عند العامة وفيه أن العبرة بالقلوب والأديان لا باللباس والمتاع والأبدان (ك) في الرقائق (حل) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأقول: فيه عند أبي نعيم محمد بن زيد الأسلمي ضعفه النسائي وقبله وغيره   (1) جمع خص قال في المصباح: الخص بيت من قصب والجمع أخصاص مثل قفل وأقفال الحديث: 4401 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 4402 - (رب ذي طمرين لا يؤبه به) أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه لحقارته (لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضاه وتمامه في رواية ابن عدي لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة ولم يعطه من الدنيا شيئا اه. قال بعض الصوفية: وهذه الطائفة العلية أهل الولاية الكبرى المكتسبة بالتخلق والتحقق وهم النازلون في العالم منزلة القلب في الجسد فهم تحت حكم الحق وتحت رتبة الأنبياء وفوق العامة بالتصريف وتحتهم بالافتقار وهم أهل التسليم والأدب والعلم والعمل والانكسار والافتقار والذلة والعجز والصبر على البلاء والقيام تحت الأسباب وتجرع الغصص الموت الأحمر والأزرق والأبيض والأسود وأهل الهمة والدعوة والخفاء والظهور والإلهام والتقييد والإطلاق وحفظ حقوق المراتب والأسباب وأهل القدم الراسخ النافذ في كل شيء وهم أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم وورثته ونوابه وحفظته ووكلاؤه وأهل الحشر والنشر والحساب والوزن والمشي على الصراط كما يمشي عليه أدنى المؤمنين فهم المجهولون عند غالب الناس في الدارين لعدم ظهورهم في الدنيا بشيء من صفات السادة وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر أهل الثبات عند كشف الساق في المحشر وهم المطلعون على جريان الأقدار وسريانها في الخلق وهم العبيد اختيارا سادة اضطرارا المكاشفون بعلم دهر الدهور من الأبد إلى الأزل في نفس واحد فكما تنزل الحق تعالى بإخباره لنا أنه ينزل إلى سماء الدنيا ليعلمنا التواضع مع بعضنا فكذا هم يتنزلون مع العامة بقدر أفهامهم اه. وفيه إيماء إلى مدح الخمول وقيل: الاقتصار على الخمول أدعى [ص: 16] إلى السلامة ورب حقير أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا والناس إنما اطلاعهم على ظواهر الأحوال ولا علم لهم بالخفيات وإنما الذي يعتبر عند الله خلوص الضمائر وتقوى القلوب وعلمهم من ذلك بمعزل فينبغي أن لا يتجرأ أحد على أحد استهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رث الحال وذا عاهة في بدنه أو غير لين في محادثته فلعله أخلص ضميرا وأتقى قلبا منه فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله والاستهانة بمن عظمه الله وقد بلغ السلف إفراط توقيهم وتصونهم إلى أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه خشيت أن أصنع مثل الذي فعله ذكره الزمخشري <تنبيه> قال بعض العارفين: لا تحقر أحدا من خلق الله فإنه تعالى ما احتقره حين خلقه فلا يكون الله يظهر العناية بإيجاد من أوجده من عدم وتأتي أنت تحتقره فإن ذلك احتقار بمن أوجده وهو من أكبر الكبائر (البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير جارية بن هرم وقد وثقه ابن حبان على ضعفه الحديث: 4402 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 4404 - (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع) قال الغزالي: قيل هو الذي يفطر على حرام أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام (ورب قائم) أي متهجد في الأسحار (ليس له من قيامه إلا السهر) كالصلاة في الدار المغصوبة وأداها بغير جماعة لغير عذر فإنها تسقط القضاء ولا يترتب عليها الثواب ذكره الطيبي (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي الحديث: 4404 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 4405 - (رب قائم حظه من قيامه السهر ورب صائم من صيامه الجوع والعطش) بمعنى أنه لا ثواب فيه لفقد شرط حصوله وهو الإخلاص أو الخشوع أو المراد لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وفي خبر مر " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل " وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح فلا يعاقب عقاب ترك العبادة بل يعاتب أشد عتاب حيث لم يرغب فيما عند ربه من الثواب (طب عن ابن عمر) بن الخطاب (حم ك هق عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: إسناده حسن وقال تلميذه الهيثمي: رجاله موثوقون الحديث: 4405 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 4403 - (رب طاعم شاكر) لله تعالى على ما رزقه (أعظم أجرا من صائم صابر على ألم الجوع وفقد المألوف فالشاكر الذي تكامل شكره أعظم أجرا من الصابر فإن أول مقامه أنه صبر عن الطغيان بالنعمة ثم شكر المنعم برؤيتها منه وشكر النعمة حيث لم يستعز بها على معصية والصائم الصابر له مجرد الصبر وهذا من أقوى حجج من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا الحديث: 4403 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 4406 - (رب عذق) بفتح العين وسكون الذال بضبط المصنف النخلة وبالكسر العرجون بما فيه (مذلل) بضم أوله والتشديد بضبط المصنف أي مسهل على من يجتني من التمر ويروى مدلى (لابن الدحداحة) ويقال ابن الدحداح بفتح الدالين المهملتين وسكون الحاء المهملة بينهما صحابي أنصاري لا يعرف إلا بأبيه مات في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم فصلى عليه (في الجنة) مكافأة له على كونه تصدق بحائطه المشتمل على ست مئة نخلة لما سمع قوله سبحانه وتعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} (ابن سعد) في الطبقات (عن ابن مسعود) قال: لما نزل {من ذا الذي يقرض الله} الآية. قال ابن الدحداح: يا رسول الله استقرضنا ربنا قال: نعم قال: فإني أقرضته حائطا فيه ست مئة نخلة فذكره قال الهيثمي: رواه البزار وفيه حميد بن عطاء الأعرج [ص: 17] ضعيف والطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل بن قيس ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب وغفول غريب فقد خرجه الإمام مسلم عن بدار عن غندر عن سعيد عن سماك عن جابر بن سمرة يرفعه الحديث: 4406 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 4407 - (رب عابد جاهل) أي يعبد الله على جهل فيسخط الرحمن ويضحك الشيطان وهذا مضرته في الآخرة أعظم من غير المتعبد (ورب عالم فاجر) أي فاسق فعلمه وبال عليه (فاحذروا الجهال من العباد) بالتشديد جمع عابد (والفجار من العلماء) أي احترزوا عن الاعتزاز بتلبيساتهم فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بسببهم تتدرع إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق (عد فر) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه ذكر أن بشرا الأنصاري أحد رواته وضاع وساق له أحاديث هذا منها ونقله عنه في الميزان كذلك فاقتصار المصنف على العزو له من سوء التصرف الحديث: 4407 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 4408 - (رب معلم حروف أبي جاد دارس في النجوم) أي يتلو علمها ويقرر درسها (ليس له عند الله خلاق) أي حظ ولا نصيب (يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وأعطى كل ذي حظ حظه لانشغاله بما فيه اقتحام خطر وخوض جهالة وأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يعني وتضييع للعمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان بغير فائدة وذلك غاية الخسران وهذا محمول على علم التأثير لا التسيير كما سلف ويجيء جمعا بين الأدلة وقد ورد النهي عن تعليم الصبيان حروف أبي جاد وذكر أنها من هجاء جاد والنهي للكرامة لا للتحريم إذ لا ضرورة في تعلمها وعن ابن عباس أن أول كتاب أنزل من السماء أبو جاد (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن يزيد العمي وهو كذاب ورواه عنه أيضا حميدة بن زنجويه بلفظ رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق الحديث: 4408 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 4409 - (رب حامل فقه غير فقيه) أي غير مستنبط علم الأحكام من طريق الاستدلال بل يحمل الرواية من غير أن يكون له استدلال واستنتج منه ذكره في القواطع (ومن لم ينفعه علمه ضره) وفي رواية غره (جهله اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه) قال الذهبي: إشارة إلى أن الفهوم تتفاضل وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أورده عليك أو حرف معناه فلا تبادر إلى تضليله ولهذا قال علي كرم الله وجهه لمن قال له أطلحة والزبير كانا على باطل: يا هذا إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: وفيه شهر بن حوشب الحديث: 4409 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 4410 - (ربيع أمتي العنب والبطيخ) جعلهما ربيعا للأبدان لأن الإنسان يرتاح لأكلهما ويميل إليه فيربو نفعهما في البدن وينمو به ويظهر حسنه كما أن الربيع إظهار آثار رحمة الله وإحياء الأرض بعد موتها وفيه فضل العنب والبطيخ وهل [ص: 18] الأفضل البطيخ أو العنب؟ فيه خلاف والأكثرين على تفضيل الثاني والأولى أكلهما معا ليكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا (أبو عبد الرحمن السلمي) الصوفي (في كتاب الأطعمة وأبو عمرو النوقاني) بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون نسبة إلى نوقان إحدى مدينتي طوس (في كتاب البطيخ فر) وكذا العقيلي في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهما محمد بن أحمد بن مهدي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: ضعيف جدا عن محمد بن ضوء قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به كذاب متهتك بالخمرة والفجور عن عطاف بن خالد قال ابن معين: لا بأس به وقال أبو حاتم: ليس بذلك وقال الحاكم: ليس بمتين غمزه مالك وسبق أن السلمي وضاع ولهذا أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات وسكت عليه المؤلف في مختصرها الحديث: 4410 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 4411 - (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) إضافة الشهر إلى الله يدل على شرفه وفضله ومعنى الإضافة الإشارة إلى أن تحريمه من فعل الله ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحللونه (1) ويحرمون مكانه صفر وأخذ بقضيته بعض الشافعية فذهب إلى أن رجب أفضل الأشهر الحرم قال ابن رجب وغيره: وهو مردود والأصح أن الأفضل بعد رمضان المحرم ولرجب سبعة عشر اسما سردها إلى رجب وغيره وله أحكام معروفة أفردت بالتأليف <تنبيه> قال في كتاب الصراط المستقيم: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خبر كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب ولم يثبت غيره بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب وقال النووي: لم يثبت في صوم رجب ندب ولا نهي بعينه ولكن أصل الصوم مندوب (أبو الفتح بن الفوارس في أماليه عن الحسن) البصري (مرسلا) قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي: حديث ضعيف جدا هو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث اه. وكلام المؤلف كالصريح في أنه لم يره مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس من طرق ثلاث وابن نصر وغيرهما من حديث أنس باللفظ المزبور بعينه   (1) في الأصل: " يحرولونه " وهو خطأ والصواب كما يدل عليه سياق النص هو " يحلونه " أو " يحللونه " فاخترنا هذا الخير. دار الحديث الحديث: 4411 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 4412 - (رحم الله أبا بكر) إنشاء بلفظ الخبر أي بجاه وأنعم عليه في الدارين (زوجني ابنته) عائشة (وحملني إلى دار الهجرة) المدينة على ناقة له (وأعتق بلالا من ماله) لما رآه يعذب في الله عذابا شديدا (وما نفعني مال في الإسلام) لعل المراد به في نصرته (ما نفعني مال أبي بكر) (1) روى ابن عساكر أنه أسلم وله أربعون ألف دينار وفي رواية أربعون ألف درهم فأنفقها عليه ولا يعارضه حديث البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منه الراحلة إلى الهجرة إلا بالثمن لاحتمال أنه أبرأه منه وفي رواية أنه أبراه منه وفي رواية أنه لما قال انفعني إلخ بكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. قال ابن المسيب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه وقد فسر [ص: 19] قوله سبحانه {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى} بأن المراد منه أبو بكر قال في القوارف وغيره: ومن هنا عد الصوفية في الأخلاق شكر المحسن على الإحسان والدعاء له مع كمال توحيدهم وقطعهم النظر عن الأغيار ومشاهدتهم النعم من المنعم الجبار لكن يفعلونه اقتداء بسيدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم فإذا ارتقى الصوفي إلى ذروة التوحيد شكر الخلق بعد شكر الحق ويثبت لهم وجودا في المنع والعطاء بعد أن يرى المسبب أولا ولسعة علمه لا يحجبه الخلق عن الحق وفي النوادر عن بعضهم أدخلت صوفيا منزلي فقدمت له لبنا وسكرا فتناوله وقال: نحمد الله لا نحمدك فوضعت رجلي على عنقه فأخرجته ورجعت أكلته مع أهلي (رحم الله عمر) بن الخطاب (يقول الحق ولو كان مرا (2)) فكان لا يخاف في الله لومة لائم ومن ثمة قال: (لقد تركه الحق) أي قول الحق والعمل به (وما له من صديق) لعدم انقياد أكثر الخلق للحق ونفرتهم ممن يتصلب فيه ومن يلتزم النصح قل أولياؤه فإن الغالب على الناس اتباع الهوى قال بعض العارفين: لما لزمت النصح والتحقيق لم يتركا لي في الوجود صديقا (رحم الله عثمان) بن عفان (تستحيه الملائكة) أي تستحيي منه وكان أحيى هذه الأمة (وجهز جيش العسرة) من خالص ماله بما منه ألف بعير بأقتابها والمراد به تبوك كما في البخاري في المغازي (وزاد في مسجدنا) مسجد المدينة (حتى وسعنا) فإنه لما كثر المسلمون ضاق عليهم فصرف عليه عثمان حتى وسعه (رحم الله عليا) ابن أبي طالب (اللهم أدر الحق معه حيث دار) ومن ثم كان أقضى الصحابة وأفاد ندب شكر المحسن والاعتراف له في الملأ والمحافل والمجامع وليس ذلك تنقيصا لقدر الشاكر بل تعظيما له لظهور اتصافه بالإنصاف والمكافأة بالجميل (ت عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: هذا الحديث يعرف بمختار قال البخاري: هو منكر الحديث وقال ابن حبان: يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه يتعمدها اه. وفي الميزان: مختار بن نافع منكر الحديث جدا ثم أورد من مناكيره هذا الخبر   (1) فيه من الأخلاق الحسان شكر المنعم على الإحسان والدعاء له مع التوكل وصفاء التوحيد وقطع النظر عن الأغيار ورؤية النعم من المنعم الجبار (2) أي كريها عظيم المشقة على قائله ككراهة مذاق الشيء الحديث: 4412 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 4413 - (رحم الله) عبد الله (بن رواحة) بفتح الراء والواو والمهملة مخففا البدري الخزرجي تبعهم ليلة العقبة وهو أول خارج إلى الغزو استشهد في غزوة مؤتة (كان حيثما أدركته الصلاة) وهو سائر على بعيره (أناخ) بعيره وصلى محافظة على أدائها أول وقتها (1) فإن صلى فرضا على الدابة وهي سائرة لم يصح وإن كانت واقفة وأتم الأركان صح لكن نزوله وصلاته على الأرض حيث أمكن أفضل فلذلك آثره هذا الصحابي الجليل (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه همام بن نافع الصنعاني قال في الميزان عن العقيلي: حديث غير محفوظ وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور وزاد الإخوة ولفظه رحم الله أخي عبد الله بن رواحة كان أينما أدركته الصلاة أناخ قال الهيثمي: إسناد حسن انتهى. فاقتصار المصنف على ابن عساكر من ضيق العطن   (1) وفيه أن يسن تعجيل الصلاة أول وقتها الحديث: 4413 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 4414 - (رحم الله قسا (1)) قيل: يا رسول الله تترحم على قس؟ قال: نعم إنه (كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم) الخليل وورد من طرق عن ابن عباس قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم يعرف القس بن ساعدة [ص: 20] الأيادي قالوا: كلنا قال: فما فعل قالوا: هلك قال: ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر يقول: أيها الناس من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم قس قسما حتما لئن كان في الأمر رضى ليكونن سخطا إن الله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فقاموا أم تركوا فناموا؟ زاد في رواية أين الآباء والأجداد أين المريض والعواد أين الفراعنة الشداد أين من بنا وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغا وجمع وأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم مالا وأطول آجالا وأبعد آمالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود اه وفي السيرة اليعمرية وغيرها أن سبب الحديث أن رجلا أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ضلت له ضالة فطلبها فرأى قسا في ظل شجرة فسلم فرد فإذا هو بعين خوارة في أرض خوارة في مسجد بين قبرين وأسدين عظيمين فإذا سبق أحدهما للماء فتبعه الآخر ضربه بقضيب بيده وقال: ارجع حتى يشرب من قبلك فقلت: ما هذان العبران قال: أخوان لي كانا يعبدان الله لا يشركان به فأدركهما الموت فقبرتهما وها أنا بين قيريهما حتى ألحق بهما ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع فانكب عليهما يقول: خليلي هبا طالما قد رقدتما. . . أجدكما لا تقضيان كراكما ألم تريا أني بسمعان مفرد. . . وما لي فيها من خليل سواكما مقيم على قبريكما لست بارحا. . . طوال الليالي أو يجيب صداكما أيكفيكما طول الحياة وما الذي. . . يرد على ذي لوعة إن بكاكما أمن طول نوم لا تجيبان داعيا. . . كأن الذي يسقي العقار سقاكما فإنكما والموت أقرب غائب. . . بروحي في قبريكما قد أتاكما فلو جعلت نفس لنفس وقاية. . . لجدت بنفسي أن تكون فداكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله قسا إلخ. قال الحافظ في البيان: إن لقس وقومه فضيلة ليست لأحد من العرب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ وعظته وعجب من حسن كلامه وأظهر تصويبه وهذا شرف تعجز عنه الأماني وتنقطع دونه الآمال (طب) وكذا في الأوسط (عن غالب بن أبحر) بموحدة وجيم وزن أحمد ويقال غالب بن دلج بكسر الدال وبتحتية ثم معجمة المزني صحابي له حديث نزل الكوفة قال الهيثمي: رجاله ثفات   (1) وقد كان خطيبا حكيما واعظا متعبدا وأبي مضاف إلى ضمير المتكلم وإسماعيل بدل من المضاف أو منصوبا بأعني أو خبر عن محذوف الحديث: 4414 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 4415 - (رحم الله لوطا) اسم أعجمي وصرف مع العجمة والعلمية وهو ابن هاران أو هارون أخي إبراهيم وهذا تمهيد وتقدمة للخطاب المزعج كما في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} (كان يأوي) لفظ رواية البخاري لقد كان يأوي أي يأوي في الشدائد (إلى ركن شديد) أي أشد وأعظم وهو الله تعالى فإنه أشد الأركان وأعظمها وأصل ذلك أن قومه ابتدعوا وطء الذكور فدعاهم إلى الإقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ولم يتفق أن يساعده منهم أحد فلما أراد الله إهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفي عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته فجاءه وعاتبوه على كتمانه أمرهم فقال: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} أي لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني قال القاضي: كأنه استغرب منه هذا القول وعده نادرة إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه وهو عصمة الله وحفظه وقال غيره: ترحم عليه لسهوه في ذلك الوقت حتى [ص: 21] ضاق صدره فقال: {أو آوي إلى ركن شديد} أي إلى عز العشيرة وهو كان يحب الإيواء إلى الله وهو أشد الأركان وقال النووي: يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا وسمى العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع له فشبههم بالركن من الحبل لشدتهم ومنعتهم (وما بعث الله بعده نبيا إلا كان في ثروة) أي كثرة ومنعة (من قومه) تمنع منه من يريده بسوء وتنصره وتحوطه واستشكل بآية {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} ولو كانوا في منعة لما قتلوا منهم ببيت المقدس في يوم واحد ثلاث مئة في التقييد بعدية لوط إلاحة بأنه لم يكن في منعة بشهادة {لو أن لي بكم قوة} (ك) في أخبار الأنبياء (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 4415 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 4416 - (رحم الله حمير) ابن سبأ بن بشخب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة من اليمن (أفواههم سلام وأيديهم طعام) يعني أفواههم لم تزل ناطقة بالسلام على كل من لقيهم إيناسا وجبرا وأيديهم ممتدة بمناولة الطعام للضيف والجائع فجعل الأفواه والأيدي نفس السلام والطعام لمزيد المبالغة (وهم أهل أمن وإيمان) أي الناس آمنون من أيديهم وألسنتهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان مملوءة بنور الإيقان بعيدة من الشقاق نفورة من النفاق (حم ت عن أبي هريرة) قال رجل: يا رسول الله العن حميرا فأعرض عنه مرارا فذكره الحديث: 4416 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 4417 - (رحم الله خرافة) بضم الخاء المعجمة وفتح المهملة (إنه كان رجلا صالحا) اسم رجل من عذرة استهوته الجن وحدث بما رأى فكذبوه وقالوا: حديث خرافة وجعلوه على كل ما يكذبونه وكل ما يستملح أو يتعجب منه روى الترمذي عن عائشة قالت: حدث النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بحديث فقالت امرأة منهن: كأنه حديث خرافة فقال: أتدري ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن فمكث دهرا ثم رجع فكان يحدث بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس: حديث خرافة وخرج ابن أبي الدنيا في ذم البغي عن أنس قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله فقالت إحداهن: كأن هذا حديث خرافة فقال: أتدرون ما خرافة؟ إنه كان رجلا صالحا من عذرة أصابته الجن فكان فيهم حينا فرجع فجعل يحدث بأحاديث لا تكون في الإنس فحدث أن رجلا من الجن كانت له أم فأمرته أن يتزوج فذكر قصة طويلة قال ابن حجر: ورجاله ثقات إلا سحنة بن معونة فلم أعرفه (الفضل) بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي بفتح المعجمة وشد الموحدة نسبة إلى ضبة أبي إد الكوفي كان علامة راوية للأدب ثقة (في) كتاب (الأمثال) قال: ذكر إسماعيل بن أبان عن زياد البكالي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن قال: سألت أي يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة فقال: بلغني (عن عائشة) أنها قالت: قلت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حدثني بحديث خرافة فقال: رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته فلقيه ثلاثة من الجن فأسروه فقال واحد: نستعبده وقال آخر: نقتله وقال آخر: نعتقه فمر بهم رجل منهم فذكر قصة طويلة. هذا كله من رواية المفضل عن عائشة فاقتصر المصنف على الجملة الأولى وحذف ما بعدها قال الحافظ ابن حجر: ولم أر من ذكر خرافة في الصحابة لكن هذا الحديث يدل عليه الحديث: 4417 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 [ص: 22] 4418 - (رحم الله الأنصار (1)) الأوس والخزرج غلبت عليهم الصفة (وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) في رواية وأزواجهم وذرياتهم وفي أخرى وموالي الأنصار وهذا دعاء أو خبر وذلك لما لأصولهم من القيام في نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن معه حال شدة الخوف والضيق والعسرة وحمايتهم له حتى بلغ أوامر ربه وأظهر الدين وأسس قواعد الشريعة فعادت مآثرهم الشريفة على أبنائهم وذرياتهم ومن ثم أكد الوصية بهم في غير ما حديث (هـ عن عمرو بن عوف) بن يزيد بن ملحة المزني ورواه عنه أيضا الطبراني وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني وهو ضعيف وقد حسن له الترمذي وبقية رجاله ثقات   (1) أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم واللام للعهد جمع ناصر كأصحاب وصاحب أو جمع نصير كأشراف وشريف وهم أهل المدينة خصوا بهذا الاسم دون غيرهم من الصحابة لما فازوا به دون غيرهم حيث آثروه وأصحابه على أنفسهم في المنازل والأموال وعادوا جميع الفرق الموجودين من عرب ومن عجم بسببه وبسبب أصحابه فلهذا كان يحبهم وسماهم بالأنصار وحذر من بغضهم وجعله علامة النفاق ورغب في حبهم حتى جعل ذلك علامة الإيمان تنويها لعظيم فضلهم وفي صحيح مسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا الحكم أيضا جار في كل الصحابة إذ كل واحد منهم له سابقة وسالفة وعناء في الدين فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم محض النفاق لكن خص الأنصار بذلك لما ذكرنا من إيوائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ولمحبته في الأنصار قال: " ولولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها " وعن أنس " إن الأنصار اجتمعوا فقالوا: إلى متى نشرب هذه الآبار فلو أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو لنا أن يفجر لنا هذه الجبال عيونا فجاءوا بجماعتهم إليه صلى الله عليه وسلم فلما رآهم قال: مرحبا وأهلا لقد جاء بكم إلينا حاجة قالوا: أي والله يا رسول الله قال: فإنكم لن تسألوني اليوم شيئا إلا أوتيتموه ولا أسأل الله شيئا إلا أعطانيه فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: الدنيا تريدون؟ اطلبوا الآخرة فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله ادع الله أن يغفر لنا فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار وفي رواية ولنساء الأنصار ولنساء أبناء الأنصار وفي رواية ولجيران الأنصار الحديث: 4418 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 4419 - (رحم الله المتخللين والمتخللات (1)) أي الرجال والنساء المتخللين من آثار الطعام والمخللين شعورهم في الطهارة فإن ذلك سنة مؤكدة (هب عن ابن عباس) وفيه قدامة بن محمد المديني قال الذهبي في الضعفاء: وخرجه ابن حبان وإسماعيل بن شيبة قال الأزدي والنسائي: منكر الحديث ومن ثم قال البيهقي عقب تخريجه: فيه نظر   (1) دعا لهم بالرحمة لاحتياطهم في العبادة فيتأكد الاعتناء به للدخول في دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث: 4419 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 4420 - (رحم الله المتخللين من أمتي) أمة الإجابة (في الوضوء) أي والغسل (و) في (الطعام) (1) وفي رواية " من " بدل " في " شمل الحديث المحرم فيندب له التخليل لكن برفق دعا له بالرحمة لمتابعة أدب السنة وليفعل ذلك كل مقصر رجاء دعوته والتخليل من الطعام تتبع ما بقي بين الأسنان ليخرجه بالخلال لئلا يبقى فينتن ريح الفم ويتأذى به من يناجيه فدعا له بالرحمة لاحتياطه للعبادة والأدب والحرمة وليقتدي به كل من علمه (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي أيوب) الأنصاري قال شارحه: حسن غريب ورواه عنه الديلمي   (1) أحاديث التخليل المشروحة: 85، 3267، 3671، 3672، 3673، 3938، 3939، 3940، 3941، 4419، 4420، 6624، 6625، 9022] الحديث: 4420 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 4421 - (رحم الله المتسرولات من النساء) أي اللذين يلبسون السراويل بقصد السترة فهو لهن سنة مؤكدة محافظة على ستر [ص: 23] عوراتهن ما أمكن (قط في الأفراد ك في تاريخه) تاريخ نيسابور من حديث محمد بن القاسم العتكي عن محمد بن شاذان عن بشر بن الحكم عن عبد المؤمن بن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة (هب) قال: حدثنا الحاكم إسناده هذا (عن أبي هريرة) قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس بالمسجد مرت امرأة على دابة فلما حاذته عثرت بها فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: متسرولة فذكره وفيه من لا يعرف (خط في كتاب المتفق والمفترق (1)) من حديث أبي بكر الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن بشر بن بشار عن سهل بن عبد الواسطي عن يوسف بن زياد عن عبد الرحمن (عن سعد بن طريف) قال ابن حجر: سعد بن طريف ذكره الخطيب في المتفق والمفترق وقال: يقال له صحبة ثم روى له هذا الحديث وقال: لم أكتبه إلا من هذا الوجه وفي إسناده غير واحد من المجهولين وقال ابن الجوزي: جعل الخطيب سعدا هذا من الصحابة وفرق بينه وبين سعد من طريق الإسكاف ولا أراه إلا هو وليس في الصحابة من اسمه سعد بن طريف وكان الإسكاف وضاعا للحديث ويوسف بن زياد قال الدارقطني: مشهور بالأباطيل فالحديث موضوع اه. ونازعه المؤلف في دعواه وضعه (عق) من حديث إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن الصباح بن مجاهد (عن مجاهد بلاغا) أي أنه قال: بلغني أن امرأة سقطت عن دابتها فانكشفت والنبي صلى الله عليه وسلم قريب منها فأعرض فقيل: عليها سراويل فذكره ومحمد بن مسلم ضعفه أحمد ووثقه غيره   (1) هما ما اتفق لفظا وخطا وأقسامه كثيرة منها أبو عمرو الجوني اثنان أحدهما عبد الملك بن حبيب التابعي والثاني اسمه موسى بن سهيل مصري سكن بغداد روى عن هشام بن عمار وغيره. وللمتحدثين أيضا المؤتلف والمختلف وهو ما يتفق في الخط صورته ويختلف في اللفظ صفته كعثام بن علي وغنام بن أوس ويسير بن عمرو وبشير بن بشار الحديث: 4421 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 4422 - (رحم الله امرءا اكتسب طيبا) أي حلالا (وأنفق قصدا) أي بتدبير واعتدال من غير إفراط ولا تفريط (وقدم فضلا) أي ما فضل عن اتفاق نفسه وممونه بالمعروف بأن تصدق به على المحتاج ليدخره (ليوم فقره وحاجته) وهو يوم القيامة. قدم ذكر الطيب إيماء إلى أنه لا ينفعه يوم الجزاء عند الله إلا ما أنفقه من الحلال قال الحرالي: ولذلك لم يأذن الله لأحد في أكله حتى يتصف بالطيب للناس الذين هم أدنى المخاطبين بانسلاخ أكثرهم من العقل والشكر والإيمان ومحى اسمه عن الذين آمنوا {كلوا من طيبات ما رزقناكم} (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن عائشة) الحديث: 4422 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 4423 - (رحم الله امرءا أصلح من لسانه) بأن تجنب اللحن أو بأن ألزمه الصدق وجنبه الكذب حث على إصلاح الألسن بدعائه له بالرحمة وإصلاحه من وجهين أحدهما إصلاح نطقه بالعربية ولسان العرب أشرف الألسنة سميت عربية لإعرابها عن الأشياء وأفصحها عن الحقائق ما لم يفصح غيرها وجميع العلوم مفتقرة إليها سيما الشرعية فلا يدرك حقائق الكتاب والسنة إلا بوفور الحظ منها وروى بعض المحدثين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة بسكون اللام ثم قال مخاطبا بعض العلماء: لي منذ عشرين سنة ما حلقت رأسي قبلها لهذا النعي فقال: هذا تصحيف والحلق محركا أي نهى أن يتحلق الناس قبل الجمعة وقيل: إن النصارى كفرت بتصحيف كلمة أوحى الله إلى عيسى أنا ولدتك بالتشديد فخففوا الثاني إصلاح اللسان بالتقوى وإدامة ذكر الله أو الخير والتنزه عن كل ما يقبح شرعا أو عادة حتى يصلح لسانه فلا ينطق إلا بخير قال الحكماء: الخرس خير من الكذب وصدق [ص: 24] اللسان أول السعادة وقال بعض البلغاء: لا سيف كالحق ولا عون كالصدق والكذب جماع كل شر (ابن الأنباري) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة (في) كتاب (الوقف) والابتداء (والموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء والموحدة نسبة إلى موهب بطل من المغافر (في) كتاب (العلم عد خط في الجامع) لآداب المحدث والسامع كلهم (عن عمر) بن الخطاب وسببه أنه مر بقوم رموا رشفا فأخطأوا فقال: ما أسوأ رميكم قالوا: نحن متعلمين قال: لحنكم أشد علي من رميكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب باللفظ المزبور وكأنه أغفله ذهولا وأورده في الميزان في ترجمة عيسى بن إبراهيم وقال: هذا ليس بصحيح (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: حديث لا يصح الحديث: 4423 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 4424 - (رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا) قال ابن قدامة: هذا ترغيب فيه لكنه لم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر راويه لم يحافظ عليها وقال الغزالي: يستحب استحبابا مؤكدا رجاء الدخول في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فإن دعوته مستجابة لا محالة (د ت) وحسنه (حب) وصححه كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن القيم: اختلف فيه فصححه ابن حبان وضعفه غيره وقال ابن القطان: سكت عليه عبد الحق مسامحا لكونه من رغائب الآمال وفيه محمد بن مهيان وهاه أبو زرعة وقال الفلاس: له مناكير منها هذا الخبر الحديث: 4424 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 4425 - (رحم الله امرءا تكلم فغنم) بسبب قوله الخير (أو سكت) عما لا خير فيه (فسلم) بسبب صمته عن ذلك وأفهم بذلك أن قول الخير خير من السكوت لأن قول الخير ينتفع به من يسمعه والصمت لا يتعدى صاحبه وهذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الأمثال <تنبيه> قال ابن عربي: أمراض النفس قولية وفعلية وتفاريع القولية كثيرة لكن عللها وأدويتها محصورة في أمرين الواحد أن لا تتكلم إذا اشتهيت أن تتكلم والآخر أن لا تتكلم إلا فيما إن سكت عنه عصيت وإلا فلا وإياك والكلام عند استحسان كلامك فإنه حالتئذ من أكبر الأمراض وما له دواء إلا الصمت إلا أن نجبر على رفع الستر وهذا هو الضابط اه (هب عن أنس) ابن مالك (وعن الحسن) البصري (مرسلا) قال الحافظ العراقي: في سند المرسل رجاله ثقات والمسند فيه ضعف فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين الحديث: 4425 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 4426 - (رحم الله عبدا قال) أي خيرا (فغنم) ثوابا (أو سكت فسلم) من العقاب قال الديلمي: قال ذلك ثلاثا وعليه قيل: وأمسكت إمساك الغبي وإنني. . . لأنطق من طير غدا فارق عشرا؟ ؟ (1) (وقيل) : تأمل فلا تستطيع رد مقالة. . . إذا القول في زلاته فارق الغما   (1) " فارق عشرا ": هذه العبارة غير مقروءة في الأصل وهي بحاجة إلى تصحيح فليراجع. دار الحديث   (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان عن أبي أمامة ورواه عنه أيضا الديلمي ثم قال: وفي الباب أنس الحديث: 4426 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 4427 - (رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن سوء فسلم) قال الماوردي: يشير به إلى أن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر لا يمكن استرجاع بوادره ولا يقدر على دفع شوارده فحق على العاقل أن يحترز من زلله بالإمساك عنه أو الإقلال منه قال علي كرم الله وجهه: اللسان معيار إطاشة الجهل وأرجحه العقل (ابن المبارك) في الزهد وكذا الخرائطي في مكارم الأخلاق (عن خالد بن أبي عمران مرسلا) هو التجيبي التونسي [ص: 25] قاضي إفريقية عن عروة وغيره قال الذهبي: صدوق فقيه عابد مات سنة تسع وثلاثين ومئة الحديث: 4427 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 4428 - (رحم الله امرءا علق في بيته سوطا يؤدب به أهله) أي من أساء الأدب منهم ولا يتركهم هملا وقد يكون التأديب مقدما على العفو في بعض الأحوال وإنما قال علق ولم يقتصر على قوله أدب مع كونه أحضر إيذانا بأنه لا يضرب أو لا يزجر ويهدد ويحضر لهم آلة الضرب فإن نجع ذلك فيهم لا يتعداه لحصول الغرض وإلا ضرب ويتقي الوجه والمقاتل ولا يقصد بضربه تشفيا ولا انتقاما وإلا عاد وباله عليه (عد) من حديث عباد بن كثير الثقفي عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله وظاهر صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل أعله بكثير هذا ونقل تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم الحديث: 4428 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 4429 - (رحم الله أهل المقبرة) بتثليث الباء اسم للموضع الذي تقبر فيه الأموات أي تدفن قال ذلك ثلاثا فسئل عن ذلك فقال: (تلك مقبرة تكون بعسقلان) بفتح فسكون بلد معروف واشتقاقه من العساقيل وهو السراب أو من العسقيل وهو الحجارة الضخمة كذا في معجم البلدان قال الحافظ ابن حجر: وكان عطاء راوي هذا الخبر يرابط بها كل عام أربعين يوما حتى مات يعني أنه يستشهد جماعة فيدفنون في مقبرة فيها وهذا علمه من طريق الكشف (ص) عن إسماعيل بن عياش (عن عطاء الخراساني) نسبة إلى خراسان بلد مشهور قال الجرجاني: معنى خور كل وسان معناه سهل أي كل بلا تعب وقال غيره: معناه بالفارسية مطلع الشمس والعرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس فخراسان فارس كذا في المعجم (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وعطاء هو ابن أبي مسلم مولى الملهب بن أبي صعرة قال ابن حجر: صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدنس أرسل عن معاذ وأضرابه وروي عن عكرمة والطبقة وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات فتعقبه ابن حجر في القول المسدد بأنه حديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط فليس فيه ما يحيله الشرع ولا العقل فالحكم عليه بالبطلان لا يتجه وطريقة الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون الأحكام وقد ورد معناه في خبر مسند متصل عند أبي يعلى والبزار بلفظ إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استغفر وصلى على أهل مقبرة بعسقلان وفي خبر الطبراني إذا دارت الرحى في أمتي كان أهلها أي عسقلان في خير وعافية الحديث: 4429 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 4430 - (رحم الله حارس الحرس) بفتح الحاء والراء اسم الذي يحرس والحارس الحافظ وفي رواية بدله الجيش وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله وكأنه وهم بل بقيته كما في الفردوس وغيره الذين يكونون بين الروم وعسكر المسلمين ينظرون لهم ويحذرونهم انتهى : (هـ ك) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 4430 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 4431 - (رحم الله) هو ماضي بمعنى الطلب (رجلا قام من الليل) أي بعد النوم إذ لا يسمى تهجدا إلا صلاة بعد نوم (فصلى) أي ولو ركعة لخبر عليكم بصلاة الليل ولو ركعة (وأيقظ امرأته) في رواية أهله وهي أعم (فصلت فإن أبت) أن تستيقظ (نضح) أي رش (في وجهها الماء) ونبه به على ما في معناه من نحو ماء ورد أو زهر (1) وخص الوجه بالنضح لشرفه ولأنه محل الحواس التي بها يحصل الإدراك وفيه ندب أمر الزوجة بالصلاة وإيقاظها لذلك وعكسه. (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإذا أبى نضحت في وجهه الماء) أفاد كما قال الطيبي [ص: 26] أن من أصاب خيرا ينبغي أن يحب لغيره ما يحب لنفسه فيأخذ بالأقرب فالأقرب فقوله رحم الله رجلا فعل كذا تنبيه للأمة بمنزلة رش الماء على الوجه لاستيقاظ النائم وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما نال ما نال بالتهجد من الكرامة أراد أن يحصل لأمته حظ من ذلك فحثهم عليه عادلا عن صيغة الأمر للتلطف (حم د ن هـ حب ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وتعقب بأن فيه محمد بن عجلان تكلم فيه قوم ووثقه آخرون قال النووي بعد عزوه لأبي داود: إسناده صحيح   (1) [أو منشفة صغيرة مبللة. ويقول كاتب هذه الحاشية من دار الحديث: إني استيقظت مرة بعد أن نضح الماء على وجهي كما ذكر في هذا الحديث فكان ذلك الاستيقاظ رغم شدة ثقل نومي يومها أسهل وأسرع وألطف ما أذكره على الإطلاق. ثم جربته على أحد أولادي وكان صعب الاستيقاظ فقام للحظته قائلا " شكرا ". فصلى الله على من علمنا الخير ودلنا إلى ألطف وأنجح السبل في ديننا ودنيانا آمين) وخص الوجه بالنضح لشرفه ولأنه محل الحواس التي بها يحصل الإدراك. وفيه ندب أمر الزوجة بالصلاة (الفريضة والنافلة) وإيقاظها لذلك وعكسه. دار الحديث] الحديث: 4431 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 4432 - (رحم الله رجلا) مات و (غسلته امرأته وكفن في أخلاقه) أي ثيابه التي أشرفت على البلى وفعل ذلك بأبي بكر غسلته امرأته أسماء وكفن في ثيابه التي كان يتبذلها كذا في سنن البيهقي (هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وليس بصواب فقد قال الذهبي: إسناده ضعيف فيه الحكم بن عبد الله تركوه الحديث: 4432 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 4433 - (رحم الله عبدا) أي إنسانا (كانت لأخيه عنده مظلمة) بكسر اللام على الأشهر وحكى الضم والفتح وأنكر (في عرض) بالكسر محل المدح والذم من الإنسان كما سبق (أو مال) بسائر أصنافه (فجاءه فاستحله قبل أن يؤخذ) أي تقبض روحه (وليس ثم) أي هناك يعني في القيامة (دينار ولا درهم) ليقضي منه ما عليه (فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته) فيوفى منها لصاحب الحق (وإن لم تكن له حسنات) أو لم توفي وبقيت عليه بقية (حملوا عليه من سيئاتهم) أي ألقي عليه أصحاب الحقوق من ذنوبهم التي اجترحوها بقدر حقوقهم ثم يقذف في النار كما صرح به في عدة أخبار وهذا الحديث خرجه مسلم بمعناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا ولفظه المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام وصدقة وصلاة وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار ولا يعارض ذلك {ولا تزر وازرة وزر أخرى} لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الحق تعالى في عباده وقد تعلق بعض الذاهبين إلى صحة الإبراء من المجهول بهذا الحديث وقال ابن بطال: بل فيه حجة لاشتراط التعيين لأن قوله مظلمة يقتضي كونها معلومة القدر وقال ابن المنير: إنما وقع في الخبر حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه إنما الخلاف فيما لو أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط معرفة قدره والحديث مطلق (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيعه أن هذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد رواه سلطان المحدثين البخاري مع خلف لفظي لا يصلح عذرا للعدول الحديث: 4433 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 4434 - (رحم الله عبدا) دعاء أو خبر وقرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء (سمحا) بفتح فسكون جوادا أو مساهلا غير مضايق في الأمور وهذا صفة مشبهة تدل على الثبوت ولذا كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي حيث قال: (إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا قضى) أي وفى ما عليه بسهولة (سمحا إذا اقتضى) أي طلب قضاء حقه [ص: 27] وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة وترك المشاححة والتضييق في الطلب والتخلق بمكارم الأخلاق وقال القاضي: رتب الدعاء على ذلك ليدل على أن السهولة والتسامح سبب لاستحقاق الدعاء ويكون أهلا للرحمة والاقتضاء والتقاضي وهو طلب قضاء الحق. وقال ابن العربي: فإن كان سيء القضاء حسن الطلب فمطله بما عليه يحسب له في مقابله صبره بماله على غيره (خ هـ) في البيع (عن جابر) مطولا ومختصرا الحديث: 4434 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 4435 - (رحم الله قوما يحسبهم الناس مرضى وما هم بمرضى) وإنما الذي ظهر على وجوههم من التغيير من استيلاء هيبة الجلال على قلوبهم وغلبة سلطان الخوف والقهر على أفئدتهم (ابن المبارك) في الزهد (عن الحسن البصري مرسلا) قال الحافظ العراقي: ورواه أحمد موقوفا على علي الحديث: 4435 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 4436 - (رحم الله موسى) بن عمران كليم الرحمن (قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به أي آذاه قومه بأشد مما أوذيت به من تشديد فرعون وقومه وإبائه عليهم وقصده إهلاكه بل ومن تعنت من آمن معه من بني إسرائيل حتى رموه بداء الأدرة واتهموه بقتل أخيه هارون لما مات معه في التيه بعد ما رأوا من معجزاته الحسية العجائب مما جاء به التنزيل من فظاظتهم وسوء طباعهم وفحش أخلاقهم (فصبر) قيل: لما سلك بهم البحر قالوا له: إن صحبنا لا نراهم فقال: سيروا فإنهم على طريق كطريقكم قالوا: لا نرضى حتى نراهم فقال: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة ففتحت لهم كوات في الماء فتراموا وتسمعوا وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين قال رجل يوم حنين: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فتغير وجهه ثم ذكره (1) وكان كلامه هذا شفقة عليهم ونصحا في الدين لا تهديدا وتثريبا إيثارا لحق الله على نفسه في ذلك المقام الذي هو عقب الفتح وتمكن السلطان الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويتشفى المغيظ المحنق ويدرك ثأره المؤثر فلله أخلاق الأنبياء ما أوطأها وأسمحها ولله عقولهم ما أرزنها وأرجحها قال الزمخشري: وفيه تسلية للعالم لما يلقى من الجهلة وقال الغزالي: كما لا تخلو الأنبياء من الابتلاء بالمعاندين فكذا لا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين فقلما انفك ولي أو عالم عن ضروب من الإيذاء بنحو إخراج من بلدة وسعاية إلى سلطان وشهادة عليه حتى بالكفر فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا فعلى العلماء العدل والقيام بنواميس الشريعة والصدع بالحق عند السلطان وإظهار السنن وإخماد البدع والقيام لله في أمور الدين ومصالح المسلمين وتحمل الأذى المترتب على ذلك ولا يرضون من فعالهم الظاهرة والباطنة بالجائز بل يأخذون بأحسنها وأكملها فإنهم القدوة والمرجع في الأحكام وحجة الله على العوام (حم ق عن ابن مسعود) قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مئة من الإبل وأعطى عيينة بن حصين مثلها وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال: ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى إلخ   (1) وقال ناس من الأنصار: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالتهم فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع أحدا غيرهم فلما اجتمعوا قال: ما كان حديث بلغني عنكم قال له بلغاؤهم وفقهاؤهم: أما ذوو رأينا فلم يقوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض [تنبيه: هذه الحاشية لم يذكر رقمها في ضمن شرح المناوي فوضعناه في أكثر مكان مناسبة. دار الحديث] الحديث: 4436 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 [ص: 28] 4437 - (رحم الله يوسف) النبي (إن كان لذا أناة حليما لو كنت أنا المحبوس) ولبثت في السجن هذه اللبثة (ثم أرسل إلي لخرجت سريعا) مبادرة إلى الخلاص والاستراحة منه ولم أقل {ارجع إلى ربك} الآية وهذا قاله تواضعا ورفعة لشأن يوسف وإيثارا لإخباره بكمال فضيلته وحسن نظره في بيان نزاهته وحمدا لصبره وترك عجلته وتنبيها على أن الأنبياء وإن كانوا من الله بمكان لا يرام فهم بشر يطرأ عليهم من الأحوال ما يطرأ على غيرهم فلا يعد ذلك نقصا (ابن جرير) المجتهد المطلق المجمع على أمانته وجلاله في التهذيب (وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 4437 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 4438 - (رحم الله أخي يوسف لو أنا) كنت محبوسا تلك المدة (وأتاني الرسول) يدعوني إلى الملك (بعد طول الحبس لأسرعت الإجابة) أي إجابة رسول الملك الذي أخبر الله عنه بقوله {فلما جاءه الرسول} (حين قال له ارجع إلى ربك) أي سيدك (فاسأله ما بال النسوة) إلى آخر الآية وهذا من حسن تواضعه وثنائه على يوسف كما تقرر لا أنه كان عليه إثم أو تقصير لو كان محل يوسف عليه السلام لخرج مع الرسول وإنما أراد لم يكن يستثقل محنة الله فيعجل بل كان صابرا محتسبا مع طول أمد الحبس عليه. قال في الكشاف: إنما تأتي وتثبت في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما سجن فيه لئلا يتسلق له الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلونه سلما إلى حط منزلته لديه ولئلا يقولوا ما خلد في الحبس سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير فإن قيل: إنما ذكر المصطفى هذا على جهة المدح ليوسف فما باله يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره قلنا: إنما أخذ لنفسه وجها آخر من أن الرأي وجه آخر أي لو كنت أنا لبادرت الخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك وذلك أن هذه النقيصة والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة فأراد عليه السلام حمل الناس على الأحزم من الأمور دون التعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من ذلك السجن بما يفتح له ذلك من البقاء في سجنه وإن كان يوسف أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن ذلك وقال بعضهم: خاف يوسف أن يخرج من السجن فيناله من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا فيراه الناس بتلك المنزلة ويقولون هذا الذي راود امرأة مولاه فأراد بيان براءته وتحقيق منزلته (حم في) كتاب (الزهد وابن المنذر عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 4438 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 4439 - (رحم الله أخي يحيى) سماه أخا لأن نسب الدين أعظم من نسب الماء والطين (حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير) ابن سنتين أو ثلاث على ما في تاريخ الحاكم عن الحبر بسند واه وأصح منه أنه كان ابن ثمان (فقال) لهم (أللعب [ص: 29] خلقت) استفهام إنكاري أي بل خلقت للعبادة وهي الآن مطلوبة مني لأن الله أحكم عقله في صباه وإذا كان هذا مقال من لم يبلغ الحنث (فكيف بمن أدرك الحنث في مقاله) (1) وهذا يوضحه ما رواه ابن قتيبة من حديث ابن عمرو أن يحيى دخل بيت المقدس وهو ابن ثمان فنظر إلى العباد واجتهادهم فرجع إلى أبويه فمر في طريقه بصبيان يلعبون فقالوا: هلم نلعب فقال: إني لم أخلق للعب فذلك قوله تعالى {وآتيناه الحكم صبيا} (ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل   (1) أي صار قوله في حال صغره كقول من بلغ وكمل عقله أي لا يليق بي اللعب لأن الله تعالى أكمل عقلي في حال صباي ويحتمل أن يكون فكيف إلخ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس من كلام يحيى الحديث: 4439 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 4440 - (رحم الله من حفظ لسانه) أي صانه عن التكلم فيما لا يعنيه قال الماوردي: للكلام شروط لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها ولا يعرى من النقص إلا أن يستوعبها وهي أربعة: الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في جلب نفع أو دفع ضر الثاني: أن يأتي به في محله ويتوخى به إصابة فرصة الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته الرابع: أن يتخير اللفظ اللذي يتكلم به فهذه الأربعة متى أخل المتكلم بشروط منها فقد أخطأ (وعرف زمانه) (1) أي ما يليق به فعمل على ما يناسبه (واستقامت طريقته) أي استعمل القصد في أموره كتب ابن عبد العزيز إلى ولده وقد بلغه أنه اتخذ خاتما من فضة أما بعد فإنه قد بلغني عنك أنك اتخذت خاتما من فضة فإذا وصلك كتابي فبعه واشتري به طعاما وأطعمه الفقراء واتخذ خاتما من حديد وانقش عليه " رحم الله من عرف قدر نفسه فاستراح " (فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن زياد اليشكري الميموني قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد: كذاب خبيث يضع الحديث وقال الدارقطني: كذاب اه ورواه الحاكم أيضا وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى   (1) أي زمن تكليفه الذي يجري عليه فيه القلم فيحذره أو أهل زمانه فيقتدي بصالحهم ويتباعد عن طالحهم الحديث: 4440 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 4441 - (رحم الله قسا) بن ساعدة الأيادي عاش ثلاث مئة وثمانين سنة وقيل: ست مئة قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا فسألهم عنه فقالوا: مات فقال: (كأني أنظر إليه) بسوق عكاظ (على جمل) أحمر أورق أي يضرب إلى الخضرة كلون الرماد أو إلى سواد (تكلم بكلام له حلاوة لا أحفظه) فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول الله فقال: هاتوه فذكروا خطبته البديعة السابقة المشحونة بالحكم والمواعظ وهو أول من آمن بالبعث من الجاهلية وأول من قال أما بعد وأول من كتب من فلان إلى فلان (الأزدي) نسبة إلى أزدشنوءة بفتح الهمزة وسكون الزاي وكسر المهملة وهو أزد بن الغوث بن نيث بن ملكان (في الضعفاء عن أبي هريرة) وورد من عدة طرق أخرى قال ابن حجر: وكلها ضعيفة قال المصنف: إذا ضم بعضها إلى بعض حكم بحسنه فزعم ابن الجوزي وضعه غير سديد الحديث: 4441 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 4442 - (رحم الله والدا أعان ولده على بره) بتوفيته ما له عليه من الحقوق فكما أن لك على ولدك حقا فلولدك عليك حق فمتى كان الوالد غأويا جافيا جر ولده إلى القطيعة والعقوق (أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حيان (في) كتاب (الثواب عن علي) أمير المؤمنين وكذا عن عمر وقال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 4442 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 4443 - (رحم الله امرءا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه) أي أداه من غير زيادة ولا نقص فمن زاد أو نقص فهو مغير لا مبدل (من هو أوعى منه) أي أعظم تذكرا يقال وعى يعي عيا إذا حفظ كلاما بقلبه ودام على حفظه ولم ينسه زاد في رواية فرب مبلغ أوعى من سامع أي لما رزق من جودة الفهم وكمال العلم والمعرفة وخص مبلغ السنة بالدعاء بالرحمة لكونه سعى في إحياء السنة ونشر العلم وفيه وجوب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} قال البعض: فيه أنه يجيء آخر الزمان من يفوق من قبله في الفهم ونازعه ابن جماعة (ابن عساكر) في التاريخ (عن زيد بن خالد الجهني) ورواه الحاكم بنحوه الحديث: 4443 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 [ص: 30] 4444 - (رحم الله إخواني بقزوين) في إثبات الأخوة لهم دلالة على علو مرتبتهم وحيازتهم فضيلة ذاك الجناب الأفخم ولوصفه لهم بالأخوة جعلهم جمع كالصحابة بل مقتضى الأخوة عند الإنصاف أخص من الصحبة وهي الأخوة الدينية من حيث كونهم قائمين بالحق كل القيام ذكره في المطامح (ابن أبي حاتم في) كتاب (فضائل قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء بعدها نون مدينة كبيرة شهيرة من بلاد العجم برز منها أئمة أكابر ذكره ابن خلكان في ترجمة أخي الإمام الغزالي (عن أبي هريرة وابن عباس معا - أبو العلاء العطار فيها عن علي) الحديث: 4444 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 4445 - (رحم الله عينا بكت من خشية الله) أي من خوفه (ورحم الله عينا سهرت في سبيل الله) أي في الحرس في الرباط أو في قتال الكفار عند مقاومة العدو (حل عن أبي هريرة) وقال: غريب من حديث الثوري لم يكتبه إلا محمد بن عبد الله الحميدي عن شعيب بن حرب الحديث: 4445 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 4446 - (رحمة الله علينا وعلى موسى) هذا من حسن الأدب نحو {عفا الله عنك} تمهيدا لدفع ما يوحش من نسبة العجلة وعدم التأني إليه (لو صبر) بمعنى تصبر عن المبادرة بالسؤال للخضر عن إتلاف المال وقتل نفس لم تبلغ وترك الاستخبار عن ذلك حتى يكون هو الذي يخبره كما شرط ذلك عليه بقوله {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} (لرأى من صاحبه) الخضر (العجب) تمامه عند النسائي ولكنه قال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} انتهى. فبتركه الوفاء بالشرط حرم بركة صحبته واستفادة العلم من جهته (1) قالوا: وقد أدب الله العلماء بنفسه حيث لم يرد العلم إلى الله بنفسه لما سئل هل في الأرض أعلم منك قال المرسي: كنت في البحر وانفتح المركب واشتد الريح فانفتحت السماء ونزل ملكان أحدهما يقول موسى أعلم من الخضر والآخر يقول الخضر أعلم فنزل ملك آخر فقال: والله ما علم الخضر في علم موسى إلا كعلم الهدهد في علم سليمان قال ابن حجر: هذا الحديث مما استدل به من زعم أنه لم يكن الخضر حالة هذه المقالة موجودا إذ لو كان لأمكنه أن يصحبه بعض أكابر الصحابة فيرى منه نحوا مما رأى موسى وأجاب من ادعى بقاءه بأن التمني إنما كان يقع بينه وبين موسى وغير موسى لا يقوم مقامه قال ابن عطاء الله: وبقاء الخضر إلى الآن أجمع عليه هذه الطائفة وتواتر عن أولياء كل عصر لقاؤه والأخذ عنه واشتهر إلى أن بلغ حد التواتر الذي لا يمكن جحده وفيه من آداب الدعاء أنه يبدأ بنفسه وفضل العلم والأدب مع العالم وحرمة المشايخ وترك اعتراض الكبير على كبير ولو دونه في الرتبة ولا يبدره بالإنكار بل يصبر حتى يكشف له القناع وأن على المتعلم تقليد معلمه حتى فيما خالف رأيه فإن خطأ مرشده أنفع من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها فكم من مريض محرور يعالجه الطبيب أحيانا بالحرارة ليزيد في قوته إلى حد يحتمل معه صدمة العلاج فيعجب منه من لا خبرة له بالطب وقال بعضهم: هذا أصل عظيم في وجوب التسليم في كل ما جاء به الشرع وإن لم تظهر حكمته للعقول (د ن ك) في كتاب الأنبياء (عن أبي) بن كعب (زاد الباوردي " العجاب ") قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وهذا الحديث رواه الشيخان في قصة حديث الخضر وموسى بلفظ يرحم الله موسى لوددت أن لو كان صبر حتى يقص علينا من أخبارها   ولا دلالة فيه على تفضيل الخضر عليه فقد يكون في المفضول ما لا يوجد في الفاضل الحديث: 4446 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 [ص: 31] 4447 - (رحماء أمتي أوساطها) أي الذي يكونون في وسطها يعني قبل ظهور الأشراط (فر عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عثمان بن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وغيره وعمرو بن شعيب اختلف فيه الحديث: 4447 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 4448 - (رد جواب الكتاب كرد السلام) أي إذا كتب لك رجل بالسلام في كتاب ووصل إليك وعلمته بقراءتك أو بقراءة غيرك وجب عليك الرد باللفظ أو المراسلة وبه صرح جمع من الشافعية وهو مذهب ابن عباس قال النووي: ولو أرسل السلام مع إنسان وجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة ونوزع بأنه بالوديعة أشبه قال ابن حجر: والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه بالأمانة وإلا فوديعة ثم قال النووي: ولو أتاه شخص بسلام مع شخص أو في ورقة وجب الرد فورا ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرجه النسائي ويتأكد رد جواب الكتاب فإن تركه ربما أورث ضغائن ولهذا أنشد: إذا كتب الخليل إلى خليل. . . فحق واجب رد الجواب إذا الإخوان فاتهم التلاقي. . . فما صلة بأحسن من كتاب قال الحرالي: والرد الرجوع إلى ما كان منه من البدء (عد) من حديث الحسن بن محمد البلخي قاضي مرو عن حميد (عن أنس) بن مالك قضية صنيع المصنف أن مخرجه ابن عدي خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله منكر جدا البلخي يروي الموضوعات والرواي عنه يروي المناكير وفي اللسان كل أحاديثه مناكير وقال ابن حبان: يروي الموضوعات لا تحل الرواية عنه ثم ساق له هذا الحديث ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن له شاهدا وهو قول ابن عباس المشار إليه بقوله (ابن لال) أبو بكر القرشي عن جعفر الخلدي عن عبيد بن غنام عن علي بن حكيم عن أبي مالك الجهني عن جويبر عن الضحاك (عن ابن عباس) ظاهر تصرف المؤلف أن ابن عباس رفعه والأمر بخلافه وإنما هو من كلامه فقد قال ابن تيمية: رفعه غير ثابت الحديث: 4448 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 4449 - (رد سلام المسلم على المسلم صدقة (1)) أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة وربما أفهم هذا أنه مندوب لا واجب والجمهور على الوجوب وأفهم أن الكافر لا يرد عليه وهو إجماع (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الشعاب عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا   (1) الجار والمجرور متعلق برد ويجوز فتح السين وإسكانها وإن ثبتت الرواية بأحدهما فهي متبعة أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة أي الزكاة فإنه واجب الحديث: 4449 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 4450 - (ردوا السائل ولو بظلف (1)) بكسر فسكون (محرق) لو للتقليل والمراد الرد بالإعطاء والمعنى تصدقوا بما تيسر كثر أو قل ولو بلغ في القلة الظلف مثلا فإنه خير من العدم وقال أبو حيان: الواو الداخلة على الشرط للعطف لكونها لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق تقديره ردوه بشيء على حال ولو بظلف وقيد الإحراق أي النييء كما هو عادتهم فيه لأن النييء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع به بخلاف المشوي وقال الطيبي: هذا تتميم لإرادة المبالغة في ظلف كقولها " كأنه علم في رأسه نار " يعني لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف فهو مثل ضرب للمبالغة والذهاب إلى أن الظلف إذ ذاك كأن له عندهم قيمة بعيد عن الاتجاه (مالك) في الموطأ (حم تخ ن) في الزكاة (عن حواء بنت السكن) تدعى أم يحيد كفضيل يقال هي أخت أسماء كانت من المبايعات وفي التقريب: هي جدة عمرو بن معاذ صحابية [ص: 32] لها حديث أي وهو هذا قال ابن عبد البر: حديث مضطرب   (1) الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل والخف للبعير وقيد بالمحرق لمزيد المبالغة الحديث: 4450 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 4451 - (ردوا السلام) على المسلم وجوبا لكن إن أتى بالسلام باللفظ العربي أما لو سلم بغيره فهل يستحق الجواب أقوال ثالثها يجب لمن لم يحسن العربية ويجب الرد فورا فإن أخر ثم رد لم يعد جوابا ذكره القاضي حسين ومحله حيث لا عذر قاله ابن حجر ولو وقع الابتداء بصيغة الجمع لم يكف الرد بصيغة الإفراد لأن الجمع يقتضي التعظيم فلا يكون ردا بالمثل فضلا عن الأحسن كذا ذكره ابن دقيق العيد (وغضوا البصر) عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه (وأحسنوا الكلام) أي ألينوا القول وتلطفوا مع الخلق نظرا للخالق فأفاد به أنه تسن المحافظة على شعائر الإسلام وظواهر الأحكام سيما للعلماء الأعلام كإفشاء السلام للخاص والعام ونهى عن منكر وأمر بمعروف إلى غير ذلك مما هو معروف (ابن قانع) في المعجم (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رمز المصنف لحسنه الحديث: 4451 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 4452 - (ردوا القتلى إلى مضاجعها) وفي رواية إلى مضاجعهم أي لا تنقلوا الشهداء عن مقتلهم بل ادفنوهم حيث قتلوا لفضل البقعة بالنسبة إليهم لكونها محل الشهادة وكذا من مات ببلد لا ينقل لغيره وهذا مستثنى من ندب جمع الأقارب في مقبرة واحدة. قال الزين العراقي: وهذا تشريف عظيم للشهداء لشبههم بالأنبياء حيث يدفن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المكان الذي مات فيه فألحق بهم الشهداء وقال المظهر: فيه أن الميت لا ينقل من الموضع الذي مات فيه إلى بلد أخرى قال الأشرفي: هذا كان في الابتداء أما بعده فلا. كما روي أن جابرا جاء بأبيه الذي قتل بأحد بعد ستة أشهر إلى البقيع فدفنه قال بعضهم: ولعله كان لضرورة (ت) وحسنه (حب) كلاهما من رواية ربيح أو نبيح العنزي (عن جابر) قال: جاءت عمتي بأبي يوم أحد لتدفنه في مقابرنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ردوا القتلى إلى مضاجعها قال الترمذي: حسن صحيح. قال الزين العراقي: وقد حكى الترمذي نفسه عن البخاري أنه قال في ربيح منكر الحديث. وقال أحمد: غير معروف اه. وقضية صنيع المؤلف أن الترمذي تفرد به عن الستة وإلا لما خصه والأمر بخلافه فقد قال الزين العراقي: خرج حديث جابر هذا بقية أصحاب السنن الحديث: 4452 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 4453 - (ردوا المخيط) بالكسر الإبرة (والخياط) أي الخيط (من غل مخيطا أو خياطا) من الغنيمة (كلف يوم القيامة أن يجيء به وليس بجاء) يعني يعذب ويقال له جيء به وليس بقدر على ذلك فهو كناية عن دوام تعذيبه وهذا قاله لما قفل من حنين فجاء رجل يستحله خياطا أو مخيطا فذكره (طب عن المستورد) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري حجازي نزل الكوفة ولأبيه صحبة قال الهيثمي: فيه أبو بكر عبد الله بن حكيم الزاهري وهو ضعيف وقواه البعض فلم يلتفت إليه ورواه البيهقي من وجه آخر وتعقبه الذهبي بأن فيه نكارة الحديث: 4453 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 4454 - (ردوا مذمة السائل) بفتح الميم وبفتح الذال وتكسر أي ما يذمك به على إضاعته (ولو بمثل رأس الذباب) أي ولو بشيء قليل جدا وفي رواية ولو بمثل رأس الطائر من الطعام قال عيسى عليه السلام: من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وفيه كما قال الغزالي حل السؤال عند الاضطرار ولو كان السؤال حراما لما جاز إعانة المعتدي على عداوته والإعطاء إعانة (عق عن عائشة) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح والمتهم به إسحاق [ص: 33] ابن نجيح قال أحمد: وهو من أكذب الناس وقال يحيى: كان يضع وقال الذهبي: أفته من عثمان الوقاص الحديث: 4454 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 4455 - (رسول الرجل إلى الرجل إذنه) (1) أي هو بمنزلة إذنه له في الدخول إذا وصل إلى محل المدعو إليه وأخذ بظاهره جمع فلم يوجبوا على المرسل إليه استئذانا إذا وصل وأوجبه آخرون وعليه العمل وقال في المطامح: وهو أقرب لمعقولية الاستئذان وجمع بأن الأول فيهما إذا قربت الرسالة والثاني إذا بعدت قال ابن التين: والكلام فيمن ليس عنده من يستأذن لأجله والأحوط والاستئذان كيفما كان (د) في الأدب (عن أبي هريرة) وسكت عليه ورواه عنه أيضا البخاري في الأدب المفرد وابن حبان وعده البغوي في الحسان   (1) أي إذا أرسل رجل إلى آخر رسولا يدعوه للقدوم فذلك هو إذنه بالدخول وذلك إن كان لا يخشى منه اطلاع على العورات وإلا فعليه الاستئذان. أما إن كان لدخول مكان عمل أو بستان لا يوجد فيه من يستأذن لأجله فيشمله الحديث. دار الحديث الحديث: 4455 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 4456 - (رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد) لأنه تعالى أمر أن يطاع الأب ويكرم فمن امتثل أمر الله فقد بر الله وأكرمه وعظمه فرضى عنه ومن خالف أمره غضب عليه وهذا ما لم يشهد شاهد أبوة الدين بأن الوالد فيما يرومه خارج عن سبيل المتقين وإلا فرضى الرب في هذه الحالة في مخالفته وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة وقد تظاهرت على ذلك النصوص وفي خبر مرفوع لعن الله العاق لوالديه قال الذهبي: وإسناده حسن وقال وهب: أوحى الله إلى موسى وقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولدا يبره ومن عقهما قصرت عمره ووهبت له ولدا يعقه وقال أبو بكر بن أبي مريم: قرأت في التوراة من يضرب أباه يقتل (ت) في البر (ك) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص على شرط مسلم (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه عصمة بن محمد وهو متروك الحديث: 4456 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 4457 - (رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما) أي غضبهما الذي لا يخالف القوانين الشرعية كما تقرر قال الزين العراقي: وأخذ من عمومه أنه سبحانه يرضى عنه وإن لم يؤد حقوق ربه أو بعضها إذا كان الولد مسلما فإن قيل: ما وجه تعلق رضى الله عنه برضى الوالد قلنا: الجزاء من جنس العمل فلما أرضى من أمر الله بإرضائه رضي الله عنه فهو من قبيل لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال الغزالي: وآداب الولد مع والده أن يسمع كلامه ويقوم بقيامه ويمتثل أمره ولا يمشي أمامه ولا يرفع صوته ويلبي دعوته ويحرص على طلب مرضاته ويخفض له جناحه بالصبر ولا يمن بالبر له ولا بالقيام بأمره ولا ينظر إليه شزرا ولا يقطب وجهه في وجهه (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه عصمة بن محمد أيضا وهو متروك الحديث: 4457 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 4458 - (رضيت لأمتي ما) أي الشيء الذي (رضي لها) به أبو عبد الرحمن عبد الله (ابن) مسعود الهذلي وأمه (أم عبد) الهذلية أسلم قديما وشهد المشاهد كلها وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ولا يحجبه وهو صاحب سؤاله ونعليه وطهوره وبشره بالجنة وإنما رضي لأمته ما رضيه لها لأنه كان يشبهه في مشيه وسمته وهديه وكان نحيفا قصيرا جدا طوله نحو ذراع ولي قضاء الكوفة وما يليها في خلافة عمر ومات بها أو بالمدينة سنة اثنين وثلاثين عن بضع وستين (ك عن ابن مسعود) ورواه عنه البزار وزاد وكرهت لها ما كره ابن أم عبد قال الهيثمي: وفيه محمد بن حميد الرازي وهو ثقة وبقية رجاله وثقوا الحديث: 4458 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 [ص: 34] 4459 - (رغم) بكسر الغين وتفتح أي لصق أنفه بالتراب وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان (أنف الرجل) يعني إنسان وذكر الرجل وصف طردي وكذا يقال فيما بعده (ذكرت عنده) بالبناء للمفعول (فلم يصل علي) أي لحقه ذل وخزي مجازاة له على ترك تعظيمي أو خاب وخسر من قدر أن ينطق بأربع كلمات توجبه لنفسه عشر صلوات من الله ورفع عشر درجات وحط عشر خطيئات فلم يفعل لأن الصلاة عليه عبارة عن تعظيمه فمن عظمه عظمه الله ومن لم يعظمه أهانه الله وحقر شأنه قال الطيبي: والفاء استبعادية كهي في قوله تعالى {فأعرض عنها} والمعنى بعيد من العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه فيفوز بما ذكر فلم يغتنمه حتى يموت فحقيق أن يذله الله اه. ورد بأن جعلها للتعقيب أولى ليفيد ذم التراخي عن تعقيب الصلاة عليه بذكره (ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) أي رغم أنف من علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرا في كل سنة وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام غفر له ما سلف من الذنوب فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه الله ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه (ورغم أنف رجل) أي إنه مدعو عليه أو مخبر عنه بلزوم ذل وصغار لا يطاق (أدرك عنده أبواه الكبر) قيد به مع أن خدمة الأبوين ينبغي المحافظة عليها في كل زمن لشدة احتياجهما إلى البر والخدمة في تلك الحالة (فلم يدخلاه الجنة) لعقوقه لهما وتقصيره في حقهما وهو إسناد مجازي يعني ذل وخسر من أدرك أبويه أو أحدهما في كبر السن ولم يسع في تحصيل مآربه والقيام بخدمته فيستوجب الجنة جعل دخول الجنة بما يلابس الأبوين وما هو بسببهما بمنزلة ما هو بفعلهما ومسبب عنهما وتعظيمهما مستلزم لتعظيم الله ولذلك قرن تعالى الإحسان إليهما وبرهما بتوحيده وعبادته فمن لم يغتنم الإحسان إليهما سيما حال كبرهما فجدير بأن يهان ويحقر شأنه (ت) في الدعوات (ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه وقال الحاكم: صحيح قال ابن حجر: وله شواهد الحديث: 4459 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 4460 - (رغم أنفه) بالكسر أي لصق بالرغام أي التراب هذا أصله ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الظالم وقال القاضي: يستعمل رغم مجازا بمعنى كره من باب إطلاق اسم السبب على المسبب (ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) كرره ثلاثا لزيادة التنفير والتحذير (من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة) يعني لم يخدمهما حتى يدخل الجنة بسببهما قال بعضهم: والنبي رؤوف رحيم أرسل رحمة للعالمين فدعاؤه هنا على من آمن ببعد الرحمة لعله فيمن اشتغل بشهواته عن مرضات ربه بعد ما دله على سبيل الفلاح فتجافى عنه فكأنه أبى إلا النار بإكبابه على العصيان والتمرد على الرحمن فلم يستوجب الغفران حيث لم يعظم من أرسل رحمة بالصلاة عليه ولم يقم بتعظيم حرمة شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار واستخف بحق والديه فلم يقم بحقهما فحق لهؤلاء أن يطهرهم بالنار إن لم يدركهم اللطف (حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4460 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 4461 - (رفع عن أمتي الخطأ) أي إثمه لا حكمه إذ حكمه من الضمان لا يرتفع كما هو مقرر في الفروع (والنسيان) كذلك ما لم يتعاط بسببه حتى فوت الواجب فإنه يأثم (وما استكرهوا عليه) أي في غير الزنا والقتل إذ لا يباحان بالإكراه فالحديث منزل على ما سواهما قال البيضاوي: ومفهومه أن الخطأ والنسيان كان يؤاخذ بهما أولا إذ لا تمتنع [ص: 35] المؤاخذة بهما عقلا فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك وإن كان خطأ فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم يكن عزيمة لكنه تعالى وعدنا التجأوز عنه رحمة وفضلا ومن ثم أمر الإنسان بالدعاء به استدامة واعتدادا بالنعمة وفي جمع الجوامع أن هذا ليس من المجمد وخالف البصريان أبو الحسين وأبو عبد الله وبعض الحنفية قالوا: لا يصح رفع المذكورات مع وجودها فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور لا حاجة لجمعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملا قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه يقضي بأن المراد منه رفع المؤاخذة اه. وقال ابن الهمام: قوله رفع إلخ من باب المقتضي ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح والإجماع على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة ومن اعتبر في الحكم الأعم من حكم الدنيا والآخرة فقد عمته من حيث لا يدري إذ قد أثبته في غير محل الضرورة من تصحيح الكلام وصار كما لو أطال الكلام ساهيا فإنه يقول بالفساد فإن الشر في أن رفع فساده وجب شمول الصحة وإلا فشمول عدمها وإنما عفي القليل من العمل لعدم التحرز عنه اه (طب عن ثوبان) رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد تعقبه الهيثمي بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف اه. وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر في الطلاق من الروضة أنه حسن ولم يسلم له ذلك بل اعترض باختلاف فيه وتباين الروايات وبقول ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة وذكر عبد الله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره ونقل الخلال عن أحمد من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله اه. وقد خفي هذا الحديث على الإمام ابن الهمام فقال: هذا الحديث يذكره الفقهاء بهذا اللفظ ولا يوجد في شيء من كتب الحديث الحديث: 4461 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 4462 - (رفع القلم عن ثلاثة) كناية عن عدم التكليف إذ التكليف يلزم منه الكتابة فعبر بالكتابة عنه وعبر بلفظ الرافع إشعارا بأن التكليف لازم لبني آدم إلا لثلاثة وأن صفة الرفع لا تنفك عن غيرهم (عن النائم حتى يستيقظ) من نومه (وعن المبتلى) بداء الجنون (حتى يبرأ) منه بالإفاقة وفي رواية بدل هذا وعن المجنون حتى يعقل (وعن الصبي) يعني الطفل وإن ميز (حتى يكبر (1)) وفي رواية حتى يشب وفي رواية حتى يبلغ وفي رواية أخرى حتى يحتلم. قال ابن حبان: المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عليهم دون الخير قال الزين العراقي: وهو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلا لصحة العبادة منهم لزوال الشعور فالمرفوع عن الصبي قلم المؤاخذة لا قلم الثواب لقوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما سألته: ألهذا حج قال: نعم. واختلف في تصرف الصبي فصححه أبو حنيفة ومالك بإذن وليه وأبطله الشافعي فالشافعي راعى التكليف وهما راعيا التمييز (حم د ن هـ ك عن عائشة) وقال الحاكم: على شرطهما. قال ابن حجر: ورواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة من طرق عن علي وفيه قصة جرت له مع عمر وعلقها البخاري   (1) بفتح أوله وثالثه أي يبلغ كما في رواية والمراد برفع القلم ترك كتابة الشر عليهم والرفع لا يقتضي تقدم وضع كما في قول يوسف {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله} وهو لم يكن على تلك الملة أصلا وكذا قول شعيب {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا منها} ومعلوم أن شعيبا لم يكن على ملتهم قط الحديث: 4462 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 4463 - (رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ) من جنونه بالإفاقة (وعن النائم حتى يستيقظ) [ص: 36] من نومه (وعن الصبي حتى يحتلم) قال السبكي: ليس في رواية حتى يكبر من البيان وفي قوله حتى يبلغ في هذه الرواية فالتمسك بها لبيانها وصحة سندها أولى وقوله تعالى حتى يبلغ مطلق والاحتلام مقيد فحمل عليه لأن الاحتلام بلوغ قطعا وعدم بلوغ الخمسة عشر ليس ببلوغ قطعا (حم د ك) في الحدود (عن علي) أمير المؤمنين (وعمر) بن الخطاب وذلك أن عمر أمر بامرأة مجنونة أن ترجم لكونها زنت فمر بها علي فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال لعمر: أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره فقال: صدقت وخلى عنها وقد أورده الحافظ ابن حجر من طرق عديدة بألفاظ متقاربة ثم قال: وهذه طرق يقوى بعضها بعضا وقد أطنب النسائي في تخريجها ثم قال: لا يصح منها شيء والموقوف أولى بالصواب الحديث: 4463 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 4464 - (ركعة من عالم بالله خير من ألف ركعة من متجاهل بالله) لأن العالم به إنما يصلي صلاة باستيفاء المكملات من نحو تدبر وخشوع وخضوع والجاهل به وإن أتم أركانها وسننها لا ينال في مئة سنة ما يناله ذاك في لحظة واحدة من الفتوحات السبحانية والأسرار الرحمنية (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ورواه الديلمي من حديث أنس الحديث: 4464 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 4465 - (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) قال في الرياض: وفي رواية لهما يعني الشيخين أحب إلي من الدنيا جميعا أي نعيم ثوابها خير من كل ما يتنعم به في الدنيا فالمفاضلة راجعة لذات النعيم لا إلى نفس ركعتي الفجر فلا يعارضه خبر: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ذكره جمع وقال الطيبي: إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما يجري على زعم من يرى فيها خيرا أو يكون من باب {أي الفريقين خير مقاما} وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثوابا منها (م ن عن عائشة) ولم يخرجه البخاري واستدركه الحاكم فوهم الحديث: 4465 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 4466 - (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك (1)) لا دليل فيه على أفضليته على الجماعة التي هي بسبع وعشرين درجة إذ لم يتحد الجزاء في الخبرين فدرجة من هذه قد تعدل بدرجات من تلك السبعين ركعة (قط في الأفراد عن أم الدرداء) ورواه أيضا البزار بلفظ ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك قال الهيثمي: ورجاله موثوقون اه. ورواه الحميدي وأبو نعيم عن جابر. قال المنذري: وإسناده حسن قال السمهودي: كل رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس وبه يعرف أن قول المجموع خبر السواك ضعيف من سائر طرقه لا معول عليه   (1) لما فيه من الفوائد التي منها طيب رائحة الفم وتذكر الشهادة عند الموت والظاهر أن هذا خرج مخرج الحث على السواك الحديث: 4466 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 4467 - (ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) قال في التنقية: دل على أن السواك للصلاة أفضل من الجماعة ورده السمهودي بأن أدلة مشروعية الجماعة مقتضية لمزيد اعتناء الشارع بها وأنها أرجح في نظره ولا يلزم من ثبوت المضاعفة لشيء تفضيله على ما لم يثبت له ذلك لأن المضاعفة من جملة المزايا فلا تمنع وجود مزايا غيرها في الأجر يترجح بها كيف وصلاة النفل في بيت بالمدينة أفضل منها بمسجدها مع اختصاص المضاعفة (ودعوة [ص: 37] في السر أفضل من سبعين دعوة في العلانية) ومن ثم كان دعاء الإنسان لأخيه بظهر الغيب أرجى إجابة وأسرع قبولا (وصدقة في السر أفضل من سبعين صدقة في العلانية) لبعدها عن الرياء ودلالتها على الإخلاص كما سبق توجيهه (ابن النجار) في تاريخ بغداد (فر) كلاهما (عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد فإن كان الشامي فقد قال الذهبي: عن الدارقطني: يضع الحديث أو الشقري فقد قال ابن معين: كذاب أو السكوني فجزم الذهبي بتكذيبه وأبان بن عياش قال أحمد: تركوا حديثه الحديث: 4467 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 4468 - (ركعتان بعمامة) أي يصليها الإنسان وهو متعمم (خير من سبعين ركعة بلا عمامة) أي أفضل من سبعين ركعة يصليها حاسرا لأن الصلاة حضرة الملك والدخول إلى حضرة الملك بغير تجمل خلاف الأدب (فر عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه إلى الأصل لكان أولى ثم إن فيه طارق بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي: ليس بقوي عن محمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم: سيء الحفظ ومن ثم قال السخاوي: هذا الحديث لا يثبت الحديث: 4468 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 4469 - (ركعتان خفيفتان) يصليهما الإنسان (خير له من الدنيا) أي نعيمها (وما عليها) من اللذات والشهوات (ولو أنكم تفعلون ما أمرتكم به) من إكثار الصلاة التي هي خير موضوع (لأكلتم غير اذرعاء ولا أشقياء) بالذال المعجمة جمع ذرع ككتف وهو الطويل اللسان بالشر والسيار ليلا ونهارا يريد عليه الصلاة والسلام بذلك لو فعلتم ما أمرتم به من التطوع بالصلاة وتوكلتم على الله حق توكله لأكلتم رزقكم مساقا إليكم من غير نصب ولا تعب ولا جد في الطلب ولما احتجتم إلى كثرة اللدد والخصومة والسعي ليلا ونهارا في تحصيلها من غير إجمال في الطلب (سمويه طب عن أبي أمامة) الحديث: 4469 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 4470 - (ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون) أي تتنقلون به (يزيدهما هذا) الرجل الذي ترونه أشعث أغبر لا يؤبه به ولا يلتفت إليه (في عمله أحب إليه من بقية دنياكم) لأن الصلاة توصل إلى علو الدرجات في الجنان والخلود في جوار الرحمن وسيأتي أن الصلاة مكيال فمن وفى استوفى والصلاة فرضها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل فلذلك كانت ركعتان يزيدهما الرجل في صلاته خير من الدنيا وما فيها (ابن المبارك) في الزهد (عن أبي هريرة) الحديث: 4470 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 4471 - (ركعتان) يصليهما المرء (في جوف الليل) أي بعد النوم (يكفران الخطايا) يعني الصغائر لا الكبائر كما مر ويجيء بما فيه في عدة مواضع (فر عن جابر) وفيه أحمد بن محمد بن الأزهر قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: حدث بمناكير وذكر ابن حبان أنه جرب عليه الكذب وعبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة النيسابوري قال الذهبي في الذيل: قال الحاكم: الغالب على روايته المناكير ورواه الحاكم أيضا عن جابر ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلوعزاه المصنف له لكان أجود الحديث: 4471 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 [ص: 38] 4472 - (ركعتان من الضحى) أي من صلاتها (تعدلان عند الله بحجة وعمرة متقبلتين) متنفلا بهما فليس المراد حجة الإسلام وعمرته وهذا ترغيب عظيم في فضل صلاة الضحى ورد على من ذهب لعدم ندبها (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في الثواب عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4472 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 4473 - (ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين ركعة من الأعزب) لعل وجهه أن المتزوج مجتمع الحواس والأعزب مشغول بمدافعة الغلمة وقمع الشهوة فلا يتوفر له الخشوع الذي هو روح الصلاة. (1) (عق) عن محمد بن حنفية القصبي عن الحسن بن جبلة عن مجاشع بن عمرو عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مجاشع بن عمرو من حديثه وقال: حديثه منكر غير محفوظ. وفي الميزان عن ابن معين أنه أحد الكذابين ثم أورد له هذا الخبر وقال البخاري: مجاشع بن عمرو منكر مجهول وحكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن قال: له طريق أخرى وهي ما أشار إليها بقوله   (1) [وحيث أن التزوج من السنة فيبقى احتمال أن تضاعف الأجر الموعود هنا هو أيضا لاتباع السنة وليس فقط بسبب ما ذكر من اجتماع الحواس. دار الحديث] الحديث: 4473 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 4474 - (ركعتان من المتأهل) يعني المتزوج (خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب) (1) كما تقرر ولا تعارض بينه وبين ما قبله لاحتمال أن يكون أعلم أولا بالسبعين ثم زاد الله في الفضل فأخبر بالزيادة (2) (تمام في فوائده) عن محمد بن هارون بن شعيب بن إسماعيل بن محمد العدوي عن سليمان بن عبد الرحمن عن مسعود بن عمرو البكري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك (والضياء) في المختارة (عن أنس) من هذا الطريق بعينه اه. قال المؤلف: لكن تعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه فقال: هذا حديث منكر ما لإخراجه معنى اه. بنصه وفي الميزان مسعود بن عمرو البكري لا أعرفه وخبره باطل ثم ساق هذا الخبر بعينه اه   (1) [انظر شرح الحديث السابق رقم 4473. دار الحديث] (2) [من الزيادة ما يأتي بداءة من الله ومنها ما يأتي استجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث 1175: أعطيت سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر قلوبهم على قلب رجل واحد فاستزدت ربي عز وجل فزادني مع كل واحد سبعين ألفا. دار الحديث] وكما ذكر في شرح الحديث 4389، أن في الجمع بين اختلاف الأعداد في روايات " رؤيا المؤمن جزء من. . . جزءا من أجزاء النبوة " عدة وجوه. قال: منها الاختلاف بمراتب الأشخاص في الكمال والنقص وما بينهما من النسب. ومنها أن اختلاف العدد وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. . .] الحديث: 4474 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 4475 - (ركعتان من رجل) ذكر الرجل وصف طردي يعني إنسان (ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط) أي يخلط العمل الصالح بالعمل السيء ويخلط عمل الدنيا بعمل الآخرة لأن المخلط مشتغل بالدنيا وباطنه متعلق بإرادتها ولا يعطي الصلاة حقها والورع يستنير قلبه بالحكمة وتعاونه أعضاءه في العبادة فتكثر قيمة عمله ويعظم قدره ويغزر شرفه بحيث يصير قليله أفضل من كثير غيره وإذا كانت العبادة تكثر وتشرف بذلك فحق لمن طلب العبادة أن يتحرى الورع ما أمكن (فر عن أنس) وفيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وأبو نعيم وعنهما تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لأجاد الحديث: 4475 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 4476 - (ركعتان من عالم) أي عالم بعلمه (أفضل من سبعين ركعة من غير عالم (1)) عامل فإن الجاهل مظنة الإخلال ببعض الأركان والشروط أو المكملات بخلاف العالم والعلم أس العمل ومن لم يعرف ما يلزمه فعله من الواجبات الشرعية بأحكامها وشروطها حتى يقيمها فهو في حيرة وضلال فربما أقام على شيء سنين وأزمانا مما يفسد [ص: 39] عليه صلاته أو طهارته ويخرجهما هن كونهما واقعتين على وفق السنة وهو لا يشعر. (2) (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن محمد بن علي مرسلا)   (1) لأن الجاهل بكيفية العبادة لا تصح عبادته وإن صادفت الصحة (2) [والجهل ليس بعذر في الإسلام. وكلام المناوي هذا يصف أخف أحوال الجاهل أما إذا أضاف إلى جهله التجاسر على الاستنباط والاجتهاد وتفسير القرآن والسنة بالرأي فتصبح الكثير من أعماله المبنية على رأيه الخاطئ تبعده عن الله تعالى وهو يظن أنه يحسن صنعا نعوذ بالله من ذلك. دار الحديث] الحديث: 4476 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 4477 - (ركعتان يركعهما ابن آدم في جوف الليل الأخير خير له من الدنيا وما فيها) من النعيم لو فرض أنه حصل له وحده وتنعم به وحده (ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما) أي الركعتين (عليهم) أي أوجبتهما وهذا صريح في عدم وجوب التهجد على الأمة (ابن نصر) محمد المروزي في كتاب قيام الليل وآدم ابن أبي إياس في الثواب (عن حسان بن عطية مرسلا) هو أبو بكر المحاربي قال الذهبي: ثقة عابد نبيل لكنه قدري. قال الحافظ العراقي: وصله الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر ولا يصح الحديث: 4477 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 4478 - (رمضان بمكة) أي صوم شهر رمضان وهو مقيم بها (أفضل من) صوم (ألف رمضان بغير مكة) لأنه تعالى اختارها لبيته وجعلها مناسك لعباده وحرما آمنا وخصها بخواص كثيرة منها مضاعفة الحسنات وفي مضاعفة السيئات قولان وحاول ابن القيم تنزيلهما على حالين فقال: تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها فإن السيئة جزاؤها فإن سيئة تكن سيئة كبيرة فجزاؤها مثلها وصغيرها جزاؤها مثلها والسيئة في حرم الله وعلى بساطه أكبر منها في أطراف الأرض ولهذا من عصى الملك على بساط ملكه ليس كمن عصاه بمحل بعيد (البزار) في مسند (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عاصم بن عمرو ضعفه من الأئمة أحمد وغيره ووثقه ابن حبان وقال: يخطىء ويخالف الحديث: 4478 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 4479 - (رمضان شهر مبارك نفتح فيه أبواب الجنة) أي أبواب أسبابها مجاز عن كثرة الطاعة ووجوه البر وهو كناية عن نزول الرحمة وعموم المغفرة فإن الباب إذا فتح يخرج ما فيه متواليا أو هو حقيقة وإن من مات من المؤمنين برمضان يكون من أهلها ويأتيه من روحها فرق من يموت في غيره (وتغلق فيه أبواب السعير) فيه العمل المذكور في أبواب الجنة (وتصفد فيه الشياطين) أي تشد وتربط بالأصفاد وهي القيود والمراد قهرها بكسر الشهوة النفسية بالجوع أو تصفد حقيقة تعظيما للشهر ولا ينافيه وقوع الشرور فيه لأنها إنما تغل عن الصائم حقيقة بشروطه أو عن كل صائم والشر من جهات أخر كالنفس الخبيثة أو المقيد هو المتمرد منهم فيقع الشر من غيره (وينادي مناد) أي ملك أو المراد أنه يلقى ذلك في قلوب من يريد الله إقباله على الخير (كل ليلة يا باغي الخير هلم) أي يا طالبه أقبل فهذا وقت تيسر العبادة وحبس الشياطين أو يا طالب الثواب أقبل فهذا أوانك فإنك تعطى ثوابا كثيرا بعمل قليل لشرف الشهر (ويا باغي الشر أقصر) فهذا زمن قبول التوبة والتوفيق للعمل الصالح ولله عتقاه من النار لعلك تكون من زمرتهم (حم هب عن رجل) من الصحابة. رمز المصنف لحسنه وفيه عطاء بن السائب قال في الكاشف: ثقة ساء حفظه بآخره وقال أحمد: من سمع منه قديما فصحيح الحديث: 4479 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 4480 - (رمضان بالمدينة) أي النبوية أي صومه (خير من ألف) أي من صوم ألف (رمضان فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة (وجمعة) أي وصلاة جمعة (بالمدينة خير من) صلاة (ألف جمعة فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة قال [ص: 40] بعضهم: وكذا يقال في سائر العبادات بها وببيت المقدس بخمس مئة في الكل. قال القونوي في شرح التعرف: ورمضان من خصائص هذه الأمة (طب والضياء) المقدسي (عن بلال بن الحارث المزني) بضم الميم وفتح الزاي المدني صحابي مات سنة ستين قال الهيثمي: فيه عبد الله بن كثير وهو ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة عبد الله بن كثير ثم قال: وهذا باطل والإسناد مظلم تفرد به عنه عبد الله بن أيوب المخزومي ولم يصب ضياء الدين بإخراجه في المختارة الحديث: 4480 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 4481 - (رميا بني إسماعيل) أي ارموا رميا يا بني إسماعيل والخطاب للعرب (فإن أباكم) إسماعيل بن إبراهيم (كان راميا) فيه فضل الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية التمرن على الجهاد والتدرب ورياضة الأعضاء لذلك وأن الجد الأعلى يسمى أبا والتنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وحسن خلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها (حم هـ ك) في الجهاد (عن ابن عباس) قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفر يرمون فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الشيخين وإلا لما عدل بغيره وهو ذهول فقد خرجه البخاري ولفظه في الجهاد: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال: ارموا فأنا معكم كلكم الحديث: 4481 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 4482 - (رهان الخيل طلق) أي المراهنة يعني المسابقة عليها جائزة قال في العارضة: رهان الخيل عبارة عن حبسها على المسابقة من الرهن وهو الحبس وذلك لأنه تعالى سخر الخيل وأذن في الكر والفر والإيجاف عليها ولم يكن بد من تدريبها وتأديبها والتأدب بها حتى يقتحم غمرة الحرب ليكون أنفع وأنجع في المقصود فشرع الشارع المسابقة عليها على الكيفية المبينة في الفروع (سمويه والضياء) في المختارة (عن رفاعة) بكسر الراء وخفة الفاء ابن رافع بن مالك الزرقي بدري وأبو نقيب بقي إلى إمارة معاوية ورواه أبو نعيم في الصحابة من رواية يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها مرفوعا الحديث: 4482 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 4483 - (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) أي بالغ عاقل ذكر حر مقيم غير معذور فلا رخصة في تركها لمن ذكر فليس له أن يلزم العزلة ويترك الجمعة لأجل التفرغ للعبادة والسلامة من أذى الخلق وما نقل عن بعض الكاملين من التخلف عن شهودها فلعله تيقن أن الضرر الذي يلحقه في مخالطة الناس بسبب هذه الفروض أعظم من تركها فحينئذ يكون له عذر كذا ذكره الغزالي قال: وقد رأيت أنا بمكة بعض العلماء المتفردين لا يحضر المسجد الحرام في الجماعات مع قربه منه وسلامة حاله فحاورته في ذلك فذكر من عذره أن ما يجده من الثواب لا يغني بما يلحقه من الآثام والتبعات في الخروج للمسجد ولقاء الناس (ن عن حفصة) أم المؤمنين ورواه عنها أيضا الديلمي الحديث: 4483 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 4484 - (روحوا القلوب ساعة فساعة) وفي رواية ساعة وساعة أي أريحوها بعض الأوقات من مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب قال أبو الدرداء: إني لأجم فؤادي (1) ببعض الباطل أي اللهو الجائز لأنشط للحق وذكر [ص: 41] عند المصطفى صلى الله عليه وسلم القرآن والشعر فجاء أبو بكر فقال: أقراءة وشعر فقال: نعم ساعة هذا وساعة ذاك وقال علي كرم الله وجهه: أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان أي تكل وقال بعضهم: إنما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأولئك الأكابر الذين استولت هموم الآخرة على قلوبهم فخشي عليها أن تحترق وقال الحكيم في شرح هذا الحديث: الذكر المذهل للنفوس إنما يدوم ساعة وساعة ثم ينقطع ولولا ذلك ما انتفع بالعيش والناس في الذكر طبقات: فمنهم من يدوم له ذكره وقت الذكر ثم تعلوه غفلة حتى يقع في التخليط وهو الظالم لنفسه ومنهم من يدوم له ذكره في وقت الذكر ثم تعلوه معرفته بسعة رحمة الله وحسن معاملة عباده فتطيب نفسه بذلك فيصل إلى معاينته وهو المقتصد. وأما أهل اليقين وهم السابقون فقد جاوزوا هذه الخطة ولهم درجات قال: فقوله ساعة وساعة أي ساعة للذكر وساعة للنفس لأن القلب إذا حجب عن احتمال ما يحل به يحتاج إلى مزاج ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما صار إلى سدرة المنتهى فغشيها ما غشى وأشرق النور حال دونه فراش من ذهب وتحولت السدرة زبرجدا وياقوتا فلما لم يقم بصره للنور عورض بذلك مزاجا ليقوى ويستقر كأنه شغل قلبه بهذا المزاج عما رأى لئلا ينفر ولا يجد قرارا (أبو بكر المقري في فوائده والقضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن أبي بكر المذكور (وعن أنس) بن مالك (د في مراسيله عن ابن شهاب) يعني الزهري (مرسلا) قال البخاري: ويشهد له ما في مسلم وغيره يا حنظلة ساعة وساعة وقال شارح الشهاب: إنه حسن   (1) " لأجم فؤادي " و " أجموا ": قال في النهاية: وفي حديث طلحة رضي الله عنه " رمى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسفرجلة وقال: دونكها فإنها تجم الفؤاد " أي تريحه وقيل تجمعه وتكمل صلاحه ونشاطه. انتهى من النهاية. ومنه " الاستجمام ". دار الحديث] الحديث: 4484 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 4485 - (رياض الجنة المساجد) أي فالزموا الجلوس فيها وواظبوا عليها قال الغزالي: ولا مناقضة بينه وبين الأخبار الآمرة بالعزلة لأن هذا في غير زمن الفتنة أو المراد أنه يحضر في المسجد ولا يخالط الناس ولا يداخلهم فيكون بالشخص معهم وبالمعنى منفردا وهذا هو المروي في معنى العزلة والانفراد الذي نحن في شرحه لا التفرد بالشخص والمكان فافهم ولهذا قال إبراهيم بن أدهم: كن واحدا جامعيا ومن ربك ذا أنس ومن الناس ذا وحشة والمدارس والمرابط جمعت المعنيين والفائدتين التفرد عن الناس بالصحبة والمشاركة في الخير لتكثير شعار الإسلام إلى هنا كلامه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (في الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة والديلمي الحديث: 4485 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 4486 - (ريح الجنة توجد من مسيرة خمس مئة عام ولا يجدها) أي ولا يشم ريحها (من) أي إنسان (طلب الدنيا بعمل الآخرة) كأن أظهر الصيام والصلاة والتنسك ولباس الصوف ليوهم الناس أنه من الصالحين فيعطي وهذا أبلغ زجر من هذا الفعل القبيح الموجب لدخول النار فإنه إذا لم يشم ريح الجنة من هذه المسافة البعيدة فهو لا يدخلها وإذا لم يدخلها دخل النار إذ لا منزلة بين المنزلتين ومن ثم ورد في خبر سيأتي إن ملائكة السماوات والأرضين تلعنه لتلبيسه وتدليسه (فر عن ابن عباس) الحديث: 4486 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 4487 - (ريح الجنوب من الجنة) وهي الريح اليمانية (وهي الرياح اللوافح التي ذكر) ها (الله في كتابه) القرآن (فيها منافع للناس والشمال) كسلام ويهمز كجعفر (من النار) نار جهنم (تخرج) فتمر (بالجنة فيصيبها نفحة منها فبردها من ذلك) وهي [ص: 42] تهب من جهة القطب حارة في الصيف والرياح أربع هذان والثالث الصبا تهب من مطلع الشمس وهي القبول أيضا والرابعة الدبور كرسول تهب من المغرب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب السحاب وابن جرير) الطبري الإمام المجتهد المطلق (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (في) كتاب (العظمة وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) الحديث: 4487 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 4488 - (ريح الولد من ريح الجنة) يحتمل أن ذلك في ولده خاصة فاطمة وابنيها لأن في ولدها طعم ثمار الجنة بدليل خبر الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة ومنه قيل لعلي أبو الريحانتين ويحتمل أن المراد كل ولد صالح للمؤمن لأنه تعالى خلق آدم في الجنة وغشى حواء فيها وولد له فيها فبنو آدم من نسلها ولهذا قال ابن أدهم: نحن من أهل الجنة سبانا إبليس بالخطيئة فهل للأسير من راحة إلا أن يرجع إلى ما سبي منه؟ فريح الولد من ريح الجنة لأنه أقرب إليها من أبيه ولم يتدنس بعد بالخطايا والمراد أن الولد كسب الرجل والكسب الطيب والعمل الصالح مقدمة الجنة وهو الزاد إليها (نكتة) قيل لحكيم: أي الريح أطيب قال: ريح ولد أربه وبدن أحبه (طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رواه عن شيخه محمد بن عثمان بن سعيد وهو ضعيف وقال شيخه الزين العراقي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وابن حبان في الضعفاء عن ابن عباس وفيه مندل بن علي ضعيف اه. وأقول: رواه أيضا البيهقي في الشعب وفيه مندل المذكور الحديث: 4488 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الراء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 4489 - (الراحمون) لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة والإحسان والمؤاساة والشفاعة وكف الظلم ثم بالتوجع والتوجه إلى الله والالتجاء إليه والدعاء بإصلاح الحال ولكل مقام مقال (يرحمهم) خالقهم (الرحمن) وفي رواية للزعفراني ذكرها الحافظ العراقي في أماليه الرحيم بدل الرحمن (تبارك وتعالى) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم (1) فإطلاق الرحمة عليه باعتبار لازمها لتنزهه عما يتعلق بالجوارح قيل: وذا أول حديث روي مسلسلا (ارحموا من في الأرض) أي من تستطيعون رحمته من المخلوقات برحمتكم المتجددة الحادثة (يرحمكم من في السماء) أي من رحمته عامة لأهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل الأرض أو المراد أهل السماء كما يشير إليه رواية أهل السماء قال العارف البوني: فإن كان لك شوق إلى رحمة من الله فكن رحيما لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك فارحم الجاهل بعلمك والذليل بجاهك والفقير بمالك والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك والعصاة بدعوتك والبهائم بعطفك ورفع غضبك فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم لخلقه فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة وقال ابن عربي: قد أمر الراحم أن يبدأ بنفسه فيرحمها فمن رحمها سلك بها سبيل هداها وحال بينها وبين هواها فإنه رحم أقرب جار إليه ورحم صورة خلقها الله على صورته فجمع بين الحسنيين ولذلك أمر الداعي أن يبدأ بنفسه في الدعاء اه. (تتمة) أنشدنا والدي الشيخ تاج العارفين وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الشيخ الصالح معاذ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا بقية المجتهدين شيخ الإسلام يحيى المناوي وهو أول شعر سمعناه منه قال: أنشدنا الحافظ المحقق ولي الدين [ص: 43] العراقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد الوهاب السكندري وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا محمد بن محمد الواسطي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو المظفر سليم الحافظ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد العزيز الدمشقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن هبة الله ابن عساكر وهو أول شعر سمعته منه: بادر إلى الخير ياذا اللب مغتنما. . . ولا تكن من قليل الخير محتشما واشكر لمولاك ما أولاك من نعم. . . فالشكر يستوجب الإفضال والكرما وارحم بقلبك خلق الله وارعهم. . . فإنما يرحم الرحمن من رحما <تنبيه> قال العلامة أقضى القضاة الجويني في ينابيع العلوم: حكمة إتيانه بالراحمين جمع راحم دون الرحماء جمع رحيم وإن كان غالب ما ورد من الرحمة استعمال الرحيم لا الراحم أن الرحيم صيغة مبالغة فلو عبر بجمعها اقتضاء الاقتصار عليه فعبر بجمع راحم إشارة إلى أن العباد منهم من قلت رحمته فيصح وصفه بالراحم لا الرحيم فيدخل في ذلك ثم أورد على نفسه حديث إنما يرحم الله من عباده الرحماء وقال: إن له جوابا حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات القلوب وهو أن لفظ الجلالة دال على العظمة والكبرياء ولفظ الرحمن دال على العفو بالاستقراء حيث ورد لفظ الجلالة يكون الكلام مسوقا للتعظم فلما ذكر لفظ الجلالة في قوله إنما يرحم الله لم يناسب معها غير ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جاريا على نسق العظمة ولما كان الرحمن يدل على المبالغة في العفو ذكر كل ذي رحمة وإن قلت (حم د) في الأدب (ت) في الزكاة (ك) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن صحيح زاد (حم ت ك والرحم شجنة) بالكسر والضم (من الرحمن) أي مشتقة من اسمه يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبه بذلك مجازا واتساعا وأصل الشجنة شعبة من أغصان الشجرة (فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) أي قطع عنه جوده وفضله   (1) والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة الحديث: 4489 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 4490 - (الراشي والمرتشي) أي آخذ الرشوة ومعطيها (في النار) قال الخطابي: إنما تلحقهم العقوبة إذا استويا في القصد فرشى المعطي لينال باطلا فلو أعطى ليتوصل به لحق أو دفع باطل فلا حرج وقال ابن القيم: الفرق بين الرشوة والهدية أن الراشي يقصد بها التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل وهو الملعون في الخبر فإن رشى لدفع ظلم اختص المرتشي وحده باللعنة والمهدي يقصد استجلاب المودة ومن كلامهم البراطيل تنصر الأباطيل (طص عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري: ثقات معروفون قال ابن حجر: وليس في سنده من ينظر في أمره سوى شيخه والحارث بن عبد الرحمن شيخ ابن أبي ذئب وقد قواه النسائي الحديث: 4490 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 4491 - (الراكب شيطان) بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص فكأنه شيطان ثم قال: (والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك ذكره كله ابن قتيبة قال: سميا بذلك لأن واحدا من المقبلين يسلك طريق الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري: قوله شيطان أي عاص كقوله شياطين الإنس والجن فإن معناه عصاتهم وقال القاضي: سمى الواحد والاثنين شيطانا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو بين على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري: هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش سيما إن كان ذا فكرة [ص: 44] رديئة أو قلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد (والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروج النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه مهاجرين لضرورة الخوف على نفسهما من المشركين أو أن من خصائصه عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لا منه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وإيراد النبي البريد وحده إنما هو لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء فسقط ما لبعض الضالين هنا من زعم التناقض (حم د ت ك) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وفي الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال ابن حجر: حديث حسن الإسناد وصححه ابن خزيمة الحديث: 4491 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 4492 - (الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها) أخذ بظاهره ابن جرير الطبري فذهب إلى أن الراكب يندب كونه خلفها والماشي حيث شاء ومذهب الشافعية أن الأفضل لمشيعها كونه أمامها كيف كان وعكس أبو حنيفة. قال ابن العربي: وهذا باب ليس للنظر فيه مدخل وإنما هو موقوف على الأثر (والسقط يصلي عليه) إذا تيقنت حياته أو إذا استهل (ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة) أي في حال الصلاة عليه وفيه أدعية مأثورة مشهورة مبينة في الفروع وغيرها (حم د ت ك) في الجنائز (عن المغيرة) بن شعبة قالوا: ووهم من قال المغيرة بن زياد قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك بل خرجه الأربعة في الجنائز الحديث: 4492 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 4493 - (الرؤيا) بالقصر مصدر كالبشرى مختصة غالبا بشيء محبوب يرى مناما كذا قاله جمع وقال آخرون: الرؤيا كالرؤية جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم واليقظان وقال ابن عربي: للإنسان حالان حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة وفي كليهما جعل الله له إدراكا يدرك به الأشياء يسمى ذلك الإدراك في اليقظة حسا ويسمى في النوم حسا مشتركا فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية وكل ما تدركه في النوم يسمى رؤيا مقصور وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما يضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس وهو نوعان إما إدراك صوته في الحس وإما إدراك أجزاء كل الصورة التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقته فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر الذي فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته فلا يدركه في النوم أبدا فالأصل الحس والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك وقد يتقوى الأمر على بعضهم فيدرك في اليقظة ما يدرك في النوم وذلك نادر وهو لأهل الطريق من نبي وولي (الصالحة (1)) أي المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة. وقال الكرماني: الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم ومخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها (من الله) أي بشرى منه تعالى وتحذير وإنذار ذكره القرطبي قال الكرماني: حقيقة الرؤيا الصالحة أنه تعالى يخلق في قلب النائم أو حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان فيقع ذلك [ص: 45] في اليقظة كما رآه وربما جعل علما على أمور يخلقها الله أو خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى الغيم علامة على المطر (والحلم) بضم فسكون أو بضمتين وهو الرؤيا غير الصالحة (من الشيطان) أي من وسوسته فهو الذي يرى ذلك للإنسان ليحزنه بسوء ظنه بربه وقال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها (حين يستيقظ عن يساره ثلاثا) كراهة للرؤيا وتحقيرا للشيطان واستقذارا له وخص اليسار لأنها محل الأقذار (وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره) إذا التجأ إلى الله فلا يصيبه شيء ببركة صدق الالتجاء إليه وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرفع الله البلايا بالصدقة وكل ذلك لقضاء وقدر لكن الأسباب والوسائط عاديات لا موجودات. قال ابن حجر: ورد في صيغة التعوذ أثر صحيح " أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني أو دنياي " <تنبيه> قال ابن نفيس في الشامل: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول بأن يكثر تبخيره أو تدخينه فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو ينفتح حال النوم حرك الدماغ عن أوضاعه فيعرض عنه اختلاط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها في بعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس التي يدرك بها تلك الصورة ويلزم ذلك أريحكم على تلك الصور بمعاني تناسبها فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام مشوشة فاسدة وقد يحدث الأحلام لأمر مهم يتفكر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة فيه وهذا كالصانع والمفكر في العلوم وكثيرا ما يكون الفكر صحيحا لأن القوة تكون قويت مما عرض لها من الراحة ولتوفر الأرواح على القوى الباطنية ولذلك كثيرا ما يتخيل حينئذ مسائل لم تخطر بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة ولذلك الشعراء يندر صحة أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل بما لا حقيقة له وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اه. <تنبيه> ذكر الحكيم الترمذي أن سبب الرؤيا أن الإنسان إذا نام سطع نور النفس حتى يجول في الدنيا ويصعد إلى الملكوت فيعاني الأشياء ثم يرجع إلى معدنه فإن وجد مهلة عرض على العقل والعقل يستودع لحفظ ذلك (ق د ت عن أبي قتادة)   (1) قال القاضي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها قال: ورؤيا السوء تحتمل الوجهين أيضا سوء الظاهر وسوء التأويل الحديث: 4493 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 4494 - (الرؤيا الصالحة) وصفت بالصلاح لتحققها وظهورها على وفق المرئي (من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره) جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء (ولا يخبر بها أحدا) لأنه ربما فسرها تفسيرا مكروها لظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر) بضم الياء وسكون الموحدة من البشارة وروي بفتح الياء وسكون النون من النشر وهو الإشاعة قال عياض: وهو تصحيف (ولا يخبر بها إلا من يحب) لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره على غير وجهه حسدا وليغمه أو يكيده {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} . <تنبيه> قال الغزالي: الرؤيا انكشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب [ص: 46] فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصالح الصادق ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحلام ولهذا أمر بالطهارة عند النوم لينام طاهرا وهو إشارة لطهارة الباطل أيضا فهو الأصل وطهارة الظاهر كالتتمة (م عن أبي قتادة) الحارث وقيل: عمر وقيل: النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين الحديث: 4494 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 4495 - (الرؤيا ثلاث فبشرى من الله) يأتي بها الملك من أم الكتاب وبشرى مصدر كحسنى أي فإحدى الثلاث هي في نفسها بشرى لإفراط مسرتها للرائي قال ابن عربي: سماها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان فإن الصورة البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله من صورة تبصرها أو كلمة تسمعها لحزن أو فرح فيظهر لذلك أثر في البشرة (وحديث النفس) وهو ما كان في اليقظة كأن يكون في أمر مهم أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به من ذلك الأمر أو معشوقه في النوم وهذا لا عبرة به (وتخويف من الشيطان) بأن يريه ما يحزنه قال البغوي: أشار به إلى أنه ليس كل ما يراه النائم بصحيح ويجوز تعبيره إنما الصحيح ما جاء به الملك (فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد) بضم الصاد المهملة (وليقم فليصل) ما تيسر زاد في رواية وليستعن بالله فإنه لن يضره قال القرطبي: والصلاة بجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل القراءة فهي جامعة للآداب (وأكره الغل) في النوم لأن الغل جعل الحديد في النوم نكالا وعقوبة وقهرا وإذلالا ففيه إشارة إلى تقييد العنق وتثقيله بتحمل الدين أو المظالم أو كونه محكوما عليه وغالب رؤيته في العنق دليل على حال سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاصي اقترفها أو حقوق لازمة أضاعها مع القدرة وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه وبلية تلازمه (وأحب القيد) أي أحب أن يرى الإنسان مقيدا في النوم (القيد ثبات في الدين) لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشر والباطل فقال المعبرون: إذا رأى برجله قيدا وهو في نحو مسجد أو على حالة حسنة فهو دليل ثباته في ذلك ولو رآه نحو مريض أو مسجون كان ثباته فيه وإذا انضم الغل له دل على زيادة ما فيه (ت هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره الحديث: 4495 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 4496 - (الرؤيا على رجل طائر) أي هي كشيء معلق برجله لا استقرار لها (ما لم تعبر) بالبناء للمجهول وتخفيف الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر (فإذا عبرت وقعت) تلك الرؤيا بمعنى أنه يلحق الرائي أو المرئي له حكمها قال في النهاية: يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر غالبا فكيف يكون ما على رجله وقال في جامع الأصول: كل حركة من كلمة أو شيء يجري لك طائر يقال اقتسموا دارا وطار سهم فلان في ناحية كذا أي خرج وجرى والمراد أن الرؤيا على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يحسن تعبيرها (ولا تقصها إلا على واد) بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها بما تكرهه (أو ذي رأي) أي ذي علم بالتعبير فإنه يخبرك بحقيقة حالها أو بأقرب ما يعلم منه لأن تعبيرها يزيدها عما جعلها الله عليه وقال القاضي: معناه لا يقصها إلا على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير أو عاقل لبيب لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح ولا يواجهك إلا بخير <تنبيه> [ص: 47] قال الراغب: الرؤيا فعل للنفس الناطقة ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام وأحاديث نفس من الخواطر الرديئة يكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج الذي لا يقبل صورة وضرب وهو الأقل صحيح هو قسمان: قسم لا يحتاج إلى تأويل وقسم يحتاج إليه ولهذا يحتاج المعبر إلى مهارة للفرق بين الأضغاث وغيرها وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ويفرق بين طبقات الناس إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا ثم من تصح له منهم من يرشح لأنه يلقى إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح لذلك وكذلك قال اليونانيون: يجب للمعبر أن يشتغل بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون العوام فإن له حظا من النبوة وهذا العلم لا يحتاج إلى مناسبة بينه وبين متحريه فرب حكيم لا يرزق حذقا فيه ورب نزر الحظ من الحكمة وسائر العلوم يوجد له فيه قوة عجيبة انتهى <تنبيه> قال ابن عربي: إذا رأى أحد رؤيا فصاحبها له فيما رآه حظ من خير أو شر بحسب قضية رؤياه ويكون في ناموس الوقت أما في الصورة المرئية فيصور الله ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر لأنه يقال طار له سهمه بكذا والطائر الحظ ويجعل الرؤيا معلقة برجل هذا الطائر وهي عين الطائر ولما كان الطائر إذا اقتض صيدا من الأرض إنما يأخذه برجله لأنه لا يد له وجناحه لا يمكنه الأخذ به فلذلك علق الرؤيا برجله فهي متعلقة وهي عين الطائر فإذا عبرت سقطت لما عبرت له وعند سقوطها ينعدم الطائر لكونه عينها وتتصور في عالم الحس بحسب الحال التي تخرج عليه تلك الرؤيا فترجع صورة الرؤيا عين الحال فتلك الحال إما عرض أو جوهر أو نسبة من ولاية أو غيرها هي عين صورة تلك الرؤيا وذلك الطائر ومنه خلقت هذه الحالة سواء كان جسما أو عرضا أو نسبة أعني تلك الصورة كما خلق آدم من تراب ونحن من ماء مهين حتى إذا دلت الرؤيا على وجود ولد فالولد خلق في تلك الرؤيا في صلب أبيه فإن لم يتقدم للولد رؤيا فهو على نشأته كسائر الأولاد فاعلمه فإنه سر عجيب وكشف صحيح ووله الرؤيا يتميز عن غيره بكونه أقرب للروحانية وانظر في رؤيا آمنة أم نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبدو لك صحته وإن أردت تأنيسا له فانظر في علم الطبيعة إذا توجهت المرأة الحاملة على شيء جاء الولد يشبهه وإذا نظرت حال جماعها أو تخيل لرجل عند الوقاع صورة وأنزل الماء يكون الولد على صورتها ولذلك أمرت الحكماء بتصوير فضلاء الحكماء وأكابرهم في الأماكن بحيث تنظر تلك المرأة عند الجماع والرجل فتطبع في الخيال فتؤثر الطبيعة فتخرج تلك القوة (د هـ عن أبي رزين) العقيلي واسمه لقيط كما مر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك فقد عزاه هو في الدرر كالزركشي إلى الترمذي أيضا وقال: صحيح وقال في الاقتراح: إسناده على شرط مسلم الحديث: 4496 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 4497 - (الرؤيا ثلاثة منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم) ولا حقيقة لها في نفس الأمر (ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه) قال القرطبي: ويدخل فيه ما يلازمه في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال وما يقوله الأطباء من أن الرؤيا من خلط غالب على الرائي (ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) قال الحكيم: أصل الرؤيا حق جاء من عند الحق المبين يخبرنا عن أنباء الغيب وهي بشارة أو نذارة أو معاينة وكانت عامة أمور الأولين بها ثم ضعفت في هذه الأمة لعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي ولما فيها من التصديق وأهل الإلهام واليقين فاستغنوا بها عن الرؤيا والمؤمن محسود ولع به الشيطان لشدة عداوته فهو يكبده ويحزنه من كل وجه ويلبس عليه فإذا رأى رؤيا صادقة خلطها ليفسد عليه بشراه أو نذارته أو معاينته ونفسه دون الشيطان فيلبس عليه بما اهتم به في يقظته فهذان الصنفان ليسا من أنباء الغيب والصنف الثالث هي الرؤيا الصادقة التي هي من أجزاء النبوة (هـ عن عوف بن مالك) الأشجعي صحابي مشهور الحديث: 4497 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 [ص: 48] 4498 - (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) أي جزاء من أجزاء علم النبوة والنبوة غير باقية وعلمها باق فإن قيل: فإذا كان جزءا منها فكيف كان للكافر منها نصيب وهو غير موضع للنبوة وقد ذكر جالينوس أنه عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله بفصد العرق الضارب من كفه اليسرى ففعل فبرأ؟ فالجواب: أن الكافر وإن لم يكن محلا لها فليس كل مؤمن محلا لها ثم لم يمتنع أن يرى المؤمن الذي لا يجوز كونه نبيا ما يعود عليه بخير في دنياه فلا يمتنع أن يرى الكافر مثله فالمرضي فيه أن الرؤيا وإن كانت جزءا من النبوة فليست بانفرادها نبوة كما ليست كل شعبة من شعب الإيمان بانفرادها إيمانا ولا كل جزء من الصلاة بانفرادها صلاة (خ عن أبي سعيد) الخدري (م عن ابن عمرو) ابن العاص (وعن أبي هريرة) معا (حم هـ عن أبي رزين) العقيلي (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وفي الباب عن جمع كثيرين قال المصنف وهو متواتر الحديث: 4498 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 4499 - (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة) مجازا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة ليس بصلاة نعم إن وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة والجزء النصيب والقطعة من الشيء والجمع أجزاء (حم هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 4499 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 4500 - (الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) عبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد على النبوة بالتبليغ قال القاضي: والرؤيا الصالحة إعلام وتنبيه من الله تعالى بتوسط الملك فلذلك عدها من أجزاء النبوة وتحقيقه أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا هذا الموكول إليه تدبير أمره وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها معوقة عن ذلك فإذا نام وحصل لها أدنى فراغ اتصلت بطباعها فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة من مطالعة اللوح المحفوظ والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب من الأهل والولد والمال والتلد وغير ذلك فتحاكيه المتخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك فتنطبع فيه فتصير محسوسة مشاهدة ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة كانت غنية عن التعبير وإلا افتقرت إليه وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقى من الملك فأما الرؤيا الكاذبة فسببها الأكثري تخيل فاسد تركبه المتخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك مما تلفته عن الحس المشترك وقد يكون بسبب استعراض الحس والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة ولما كان للشيطان دخل في هذه الأقسام لتولدها من الاستغراق أمر البدن والانهماك في الشهوات والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره أضاف الحكم إلى الشيطان في الحديث المتقدم وذكر في هذا الحديث خمسة وعشرين وقبله سبعين وقبله ستة وأربعين وأشار الغزالي إلى أن الاختلاف يرجع إلى اختلاف درجات الرؤية والرائي قال: ولا تظن أن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم جرى على لسانه جزافا واتفاقا بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق فإنه لا ينطق عن الهوى فهو تقدير تحقيق لكن ليس في قوة غيره معرفة علة ذلك النسبة إلا بتخمين إذ يعلم أن النبوة عبارة عما يختص به [ص: 49] النبي صلى الله عليه وسلم ويفارق به غيره وهو يختص بأنواع من الخواص: إحداها أنه يعرف حقائق الأمور المتعلقة بالله وصفاته وملائكته والدار الآخرة علما مخالفا لعلم غيره بكثرة المعلومات وزيادة الكشف والتحقيق والثاني أن له في نفسه صفة تتم له بها الأفعال الخارقة للعادة كما أن له صفة تتم بها الحركات المقرونة بإرادتنا وهي القدرة الثالث أن له صفة بها يبصر الملائكة ويشاهدهم كما أن للبصير صفة يفارق بها الأعمى الرابع أن له صفة بها يدرك ما سيكون في الغيب فهذه كمالات وصفات ينقسم كل منها إلى أربعة وخمسين وسبعين ويمكننا تكلف قسمتها إلى ستة وأربعين بحيث تقع الرؤيا جزءا من جملتها لكن تعين طريق واحد للقسمة لا يمكن إلا بظن اه. وقال ابن حجر: يمكن الحواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا من ستة وعشرين إن ثبت الخبر به وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين واثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بخمسة وأربعين ثم بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين يحتمل جبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت وقد مر ذلك مبينا (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4500 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 4501 - (الرؤيا ستة: المرأة خير والبعير حرب) وفي رواية حزن (واللبن فطرة) أي يدل على السنة والعلم والقرآن لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا وهو الذي يقوته ويفتق أمعاءه وبه تقوم حياته كما يقوم بالعلم حياة القلوب وقد يدل على الحياة لأنها كانت به في الصغر وقال ابن الدقاق: اللبن يدل على ظهور الإسلام والعلم والتوحيد وهذا في اللبن الحليب: أما الرايب فهم. والمخيض أشد غلبة منه ولبن ما لا يؤكل حرام وديون وأمراض ومخاوف على قدر جوهر الحيوان وقال بعضهم: أراد باللبن هنا لبن الإبل والبقر والغنم ولبن الوحش شك في الدين ولبن السباع غير محمود لكن لبن اللبؤة مال مع عداوة. وقال بعضهم: لبن اللبؤة يدل على الظفر بالعدو ولبن الكلب يدل على الخوف ولبن السنور والثعلب يدل على مرض ولبن النمر يدل على عداوة (والخضرة جنة والسفينة نجاة والتمر رزق) يعني أن هذه الأشياء إذا رؤيت في النوم تؤول بما ذكر <تنبيه> قال ابن بطال: بعض الرؤيات لا يحتاج إلى تفسير وما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة وفيه أن أصل التعبير من الأنبياء وأنه توقيف لكن الوارد عنهم وإن كان أصلا فلا يعم جميع المرائي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسب نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في الفروع الفقهية وقال المسيحي الفيلسوف: لكل علم أصول لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبير الرؤيا فإنها تختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم وصناعتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم ونحلهم وعاداتهم وينبغي كون المعبر مطلعا على جميع العلوم عارفا بالأديان والملل والنحل والمراسم والعادات بين الأمم عارفا بالأمثال والنوادر ومأخذ اشتقاق الألفاظ فطنا ذكيا حسن الاستنباط خبيرا بعلم الفراسة وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات حافظا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا فمن أمثلة التعبير بحسب الاشتقاق أن رجلا رأى أنه يأكل سفرجلا فقال له المعبر: تسافر سفرا عظيما لأن أول جزء السفرجل سفر ورأى آخر أن رجلا أعطاه غصن سوسن فقال: يصيبك من المعطي سوء سنة لأن السوء يدل على الشدة والسنة اسم للعام التام لكن التعبير بحسب الاشتقاق للألفاظ العربية إنما هو للعرب وغيرهم إنما ينظر إلى اللفظ في لغتهم (ع في معجمه) والديلمي من طريقه (عن رجل من الصحابة) من أهل الشام قال: كنا جلوسا عند ابن عبد العزيز فجاء رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين ههنا رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر وقمنا معه فقال: أنت رأيت رسول الله قال: نعم قال: سمعته يقول فذكره الحديث: 4501 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 [ص: 50] 4502 - (الربا سبعون بابا والشرك مثل ذلك) لأن كل من طفف في ميزانه فتطفيفه ربا بوجه من الوجوه فلذلك تعددت أبوابه وتكثرت أسبابه قال الحرالي: وفي إشعار قرنه بذكر الشرك تهويل وتهديد شديد لمن علم حكمه وأصر عليه لأنه مرتبك في شرك الشرك قاطع نحوه عقبات ثلاث اثنتان منها انتهاك حرمة الله في عدم الانتهاء والاستهانة في العود إليه وانتهاك حرمة عباد الله فكان إثمه متكررا مبالغا فيه فبولغ في تهديده لذلك فقد أذن الله في القرآن بأن الربا والإيمان لا يجتمعان حيث قال: {ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} وأكثر بلايا هذه الأمة حين أصابها ما أصاب بني إسرائيل من البأس الشنيع والانتقام بالسنين: من عمل الربا. <تنبيه> قال الغزالي: كل من عامل بالربا فقد كفر النعمة وظلم لأن النقد وسيلة لغيره لا لعينه (البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) الحديث: 4502 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 4503 - (الربا ثلاثة وسبعون بابا) قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: المشهور أنه بالموحدة وتصحف على الغزالي بالمثناة فأورده في ذم الرياء قال: واقترانه بالشرك فيما قبله يدل على أنه بالمثناة (هـ عن ابن مسعود (1)) قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح   (1) روى البزار حديث ابن مسعود بلفظ الربا بضع وسبعون بابا والشرك مثل ذلك وهذه الزيادة قد يستدل بها على أنه الرياء بالمثناة لاقترانه مع الشرك الحديث: 4503 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 4504 - (الربا) أي إثم الربا. قال الطيبي: لا بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح (ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم) قال الطيبي: إنما كان الربا أشد من الزنا لأن فاعله حاول محاربة الشارع بفعله بعقله قال تعالى {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقلا وشرعا وله روادع وزواجر سوى الشرع فآكل الربا يهتك حرمة الله والزاني يخرق جلباب الحياء فريحه يهب حينا ثم يسكن ولواؤه يخفق برهة ثم يقر. قال الزمخشري: وهذا على مذهب قولهم للباطل صولة ثم يضمحل والريح الضلالة عصفة ثم تخفت (ك عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح الحديث: 4504 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 4505 - (الربا وإن كثر فإن عاقبته يصير إلى قل) بالضم القلة كالذلة والذل أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلا يؤول إلى نقص ومحق آجلا بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك فهو مما يكون هباءا منثورا {يمحق الله الربا} قال الطيبي: والكثرة والقلة صفتان للمال لا للربا فيجب أن يقدر مال الربا لأن مال الربا ربا (ك) في باب الربا (عن ابن مسعود) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار الحديث: 4505 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 4506 - (الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) أي استحقاره [ص: 51] والترفع عليه والوقيعة فيه قال القاضي: الاستطالة في عرضه أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قيل له وأكثر مما رخص له فيه ولذلك مثله بالربا وعده من عداده ثم فضله على جميع أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشارع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال (طس عن البراء) بن عازب قال الهيثمي: فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه جمهور الأئمة وسبقه المنذري الحديث: 4506 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 4507 - (الربا سبعون حوبا) بفتح الحاء وتضم أي ضربا من الإثم فقوله الربا أي إثم الربا قال الطيبي: ولا بد من هذا التقدير ليطابق قوله (أيسرها أن ينكح الرجل أمه) قال كعب الأحبار في بعض الصحف المنزلة: إن الله تعالى يأذن بالقيام يوم القيامة للبر والفاجر إلا الآكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: فيه أبو معشر واسمه نجيح مختلف فيه الحديث: 4507 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 4508 - (الربوة) بتثليث الراء كما في الكشاف (الرملة) أي هي الرملة يعني قوله تعالى {وآويناهما إلى ربوة} وهي رملة بيت المقدس كذا شرحه الديلمي وقيل: هي الأرض المرتفعة وقيل: هي ايليا أرض بيت المقدس وقيل: دمشق وغوطتها وقيل: فلسطين وقيل: مصر (ابن جرير) الطبري (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن (وابن مردويه) في التفسير (عن مرة) بضم الميم بن كعب وقيل كعب بن مرة السلمي (البهزي) وقيل: هما اثنان نزلا الشام وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هؤلاء مع أن الطبراني والديلمي خرجاه باللفظ المزبور الحديث: 4508 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 4509 - (الرجل جبار) أي ما أصابت الدابة برجلها فهو جبار أي هدر لا يلزم صاحبها وبه أخذ الحنفية رمحت الدابة برجلها هدر وبيدها يضمنه راكبها (د) في الديات (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في العارية وبسط الدارقطني والبيهقي القول في تضعيفه (1) قال الشافعي: هذا اللفظ غلط   (1) [وفي مقدمة الإمام الشعراني لكتاب " كشف الغمة "؟ ؟ ما نتيجته أن استدلال أي من أئمة المذاهب بالحديث هو توثيق له. فلا يعارض أخذ الأحناف لهذا الحديث بتضعيف غيرهم له إذ يكون تحكما. دار الحديث] الحديث: 4509 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 4510 - (الرجل الصالح يأتي بالخبر الصالح والرجل السوء يأتي بالخبر السوء) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة قديمة من الفردوس مصححة بخط ابن حجر عازيا لأبي نعيم يجيء بالخبر الصالح ويجيء بالخبر السوء بدل يأتي فلينظر (حل وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 4510 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 4511 - (الرجل أحق بصدر دابته) أي مقدمها من غيره أي إلا أن يجعل ذلك لغيره كما صرح به في رواية (وأحق بمجلسه) كذلك (إذا رجع) أي إذا قام لحاجة ثم عاد إليه وأخذ منه أن من جلس للمعاملة في شارع ولم يضيق لم يمنع ويختص الجالس بمكانه ومكان متاعه وآلته ولو قام ليعود فهو أحق بمكانه وأن من جلس في المسجد لتدريس وإفتاء وإقراء درس بين يدي مدرس كان كذلك (حم عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الهيثمي وغيره: فيه إسماعيل بن رافع قال البخاري: ثقة مقارب الحديث وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4511 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 [ص: 52] 4512 - (الرجل أحق بصدر دابته وبصدر فراشه وأن يؤم في رحله) وفي رواية في بيته وفيه أن صاحب المنزل وأهل البيت أو القبلة أحق بالإمامة من غيرهم وإن كان الغير أعلم وأفقه لكن بشرط أهلية الإمامة لا كالمردة بالنسبة للرجل (الدارمي) وكذا البزار في مسنديهما (هق عن عبد الله بن الحنظلية) قال: كنا في منزل قيس بن سعد ومعنا جماعة من الصحابة فقلنا: تقدم فقال: ما كنت لأفعل فقال ابن الحنظلية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال البزار: لا نعلم له طريقا عن ابن الحنظلية إلا هذا الطريق ثم إن المصنف رمز لصحته وهو زلل فقد أعله الذهبي في المهذب مستدركا على البيهقي بأن فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة تركه أحمد وغيره وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: فيه ابن إسحاق بن يحيى وثقه ابن أبي شيبة وضعفه أحمد وابن معين والبخاري الحديث: 4512 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 4513 - (الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه والصلاة في منزله) الذي هو ساكنه بحق ولو بأجرة (إلا) أن يكون (إماما يجتمع الناس عليه) فإنه إذا حضر يكون أحق من غيره مطلقا فأفاد ذلك أن الساكن بحق مقدم على مولاه وإن كان عبدا والمالك أولى من المستعير وأن إمام المسجد أحق من غيره وأن الإمام الأعظم أحق من الكل ومثله نوابه الأعلى فالأعلى (طب عن فاطمة الزهراء) سيدة نساء هذه الأمة قال الهيثمي: فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة ضعفه أحمد وابن معين والبخاري ووثقه ابن حبان وأعاده في محل آخر وقال: فيه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو متروك الحديث: 4513 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 4514 - (الرجل أحق بمجلسه) الذي اعتاد الجلوس فيه لنحو صلاة أو إقراء أو إفتاء ولو جلس في المسجد لصلاة وقام بلا عذر بطل حقه أو لعذر كقضاء حاجة وتجديد وضوء وإجابة داع وعاد فهذا حق حتى يقضي صلاته أو مجلسه (وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه) (ت عن وهب بن حذيفة) ويقال حذيفة الغفاري صحابي من أهل الصفة وقال: صحيح غريب الحديث: 4514 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 4515 - (الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها) يعني يعوض عنها ويعارضه الخبر المتفق عليه العائد في هبته كالعائد في قيئه ومذهب الشافعي أنه لو وهب ولم يذكر ثوابا لم يرجع وإن وهب لمن دونه أو أعلى وقال مالك: إن وهب للأعلى وجب الثواب (هـ عن أبي هريرة) قال الذهبي: فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعفوه وقال البخاري: كثير الوهم الحديث: 4515 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 4516 - (الرجل على دين خليله) أي صاحبه (فلينظر أحدكم من يخالل) أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه (د ت عن أبي هريرة) وحسنه الترمذي وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال النووي في رياضه: إسناده صحيح الحديث: 4516 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 4517 - (الرجم كفارة لما صنعت) سببه أنه أمر برجم امرأة فرجمت فجيء إليه فقيل: قد رجمنا هذه الخبيثة فذكره بين [ص: 53] بذلك أن الحدود كفارة لأهلها فإذا أقيم الحد على إنسان في الدنيا سقط عنه ولا يعاقب عليه في الآخرة بالنسبة لحق الله تعالى (ن والضياء) في المختارة (عن الشريد سويد) مصغرا ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 4517 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 4518 - (الرحم) أي القرابة (شجنة) بالحركات الثلاث للشين المعجمة وسكون الجيم قرابة مشتبكة متداخلة كاشتباك العروق (معلقة بالعرش) الرحم التي توصل وتقطع من المعاني فذكر تعلقها بالعرش استعارة وإشارة إلى عظم شأنها قال العلائي: ولا استحالة في تجسدها بحيث تعقل وتنطق (حم طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: ورجاله ثقات اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 4518 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 4519 - (الرحم معلقة بالعرش) أي مستمسكة آخذة بقائمة من قوائمه (تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) أي قطع عنه كمال عنايته وذا يحتمل الإخبار والدعاء قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتها بالود والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحق الواجب والمندوب والخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل عن زلته وتتقاوت مراتب استحقاقهم في ذلك ويقدم الأقرب فالأقرب وقال ابن أبي جمرة: صلة الرحم بالمال وبالعون على الحوائج ودفع الضرر وطلاقة الوجه والدعاء والمعنى الجامع إيصاله ما أمكن من خير ودفع ما أمكن من شر بقدر الطاقة وهذا كله إذا كان أهل لرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم وإعلامهم بأن إصرارهم سبب مقاطعتهم وحينئذ تكون صلتهم الدعاء لهم بظهر الغيب بالاستقامة وقال الذهبي: يدخل فيه من قطعهم بالجفاء والإهمال والحمق ومن وصلهم بماله ووده وبشاشته وزيارته فهو واصل ومن فعل بعض ذلك وترك بعضا ففيه قسط من الصلة والقطيعة والناس في ذلك متفاوتون وقد يعرض الشخص عن رحمه لفسقهم وعتوهم وعنادهم (م) في الأدب (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو فيه متابع للطبري حيث عزاه مسلم خاصة قال المناوي: وليس بصحيح فقد ذكره الحميدي وغيره فيما اتفق عليه الشيخان الحديث: 4519 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 4520 - (الرحم شجنة من الرحمن) أي اشتق اسمها من اسم الرحمن كما بينه الخبر القدسي أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق أو هي اسم اشتق من رحمة الرحمن أو أثر من آثار رحمته فقاطعها منقطع عن رحمة الله (قال الله من وصلك) بالكسر خطابا للرحم (وصلته) أي رحمه (ومن قطعك قطعته) أي أعرضت عنه لإعراضه عما أمر به من شدة اعتنائه برحمه وهذا تحذير شديد من قطعها والمراد بها القرابة من الأبوين وإن بعدت ولم تكن محرما <تنبيه> قال القونوي: الرحم اسم خفيفة الطبيعة والطبيعة عبارة عن حقيقة جامعة بين الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة بمعنى أنها عين كل واحدة من الأربعة بغير مضادة وليس كل واحد من الأربعة من كل وجه عينها بل من بعض الوجوه وأما إنها معلقة بالعرش فلأن جميع الأجسام الموجودة عند المحققين طبيعية والعرش أولها وأما إنها شجنة من الرحمن فلأن الرحمة نفس الوجود لأنها التي وسعت كل شيء فإنه وسع كل شيء حتى المسمى بالعدم فإن له من حيث تعينه في التعقل والحكم عليه بأنه في مقابلة الوجود المحقق ضربا من الوجود ثم إن الرحمة لما كانت اسما للوجود كالرحمن اسم للحق وأما كونها شجنة من الرحمن فلأن الموجودات تنقسم إلى ظاهر وباطن فالأجسام صور ظاهر الوجود والأرواح [ص: 54] المعاني تعينات باطن الوجود والعرش مقام الانقسام وأما استعاذتها من القطيعة فلأن شعورها بالتحيز الذي عرض لها من عالم الأرواح وخص النفس الرحمني الذي هو مقام القرب التام الرباني فتألمت من حالة البعد بعد القرب وخافت من انقطاع الإمداد الرباني بسبب الفصل الذي شعرت به فنبهها الحق في عين إجابته لدعائها على استمرار الإمداد ودوام الوصلة من حيث المعية والحيطة الإلهيتين فسرت بذلك واطمأنت واستبشرت بإجابة الحق لها في عين ما سألت وصلتها بمعرفة مكانتها وتفخيم قدرها وقطعها بازدرائها والجهل بمكانها وبخسها حقها فمن ازدراها أو بخسها فقد بخس حق الله وجهل ما أودع فيها من خواص الأسماء ولولا علي مكانتها عنده تعالى لم يخبرها حال الإجابة بقوله من وصلك إلخ من جملة الازدراء والقطع ذم متأخري الحكماء لها ووصفها بالظلمة والكدورة وطلب الخلاص من أحكامها والانسلاخ من صفاتها فلو علموا أن ذلك متعذر وأن كل كما يحصل للإنسان بعد مفارقة النشأة الطبيعية فهو من نتائج مصاحبة الروح للمزاج الطبيعي وثمراته وأن الإنسان بعد المفارقة إنما تنتقل من صور الطبيعة إلى العوالم التي هي مظاهر لطائفها وفي تلك العوالم تتأتى لعموم السعداء رؤية لحق الموعود بها والمخبر عنها أنها أعظم نعم الله على أهل الجنة فحقيقة تتوقف مشاهدة الحق عليه كيف يجوز أن تزدري وأما حال الخصوص من أهل الله فإنهم وإن فازوا بشهود الحق ومعرفته هنا فإنه إنما تيسر لهم ذلك بمعونة هذه النشأة الطبيعية حتى التجلي الذاتي الذي لا حجاب بعده فإنه باتفاق الكمل من لم يحصل له ذلك في هذه النشأة الطبيعية لا تحصل له بعد المفارقة (خ) في الأدب (عن أبي هريرة وعن عائشة) الحديث: 4520 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 4521 - (الرحمة عند الله مئة جزء فقسم بين الخلائق جزءا) واحدا فيه يتراحمون ويعطف بعضهم على بعض حتى الدابة ترفع حافرها عن ولدها مخافة أن يصيبه فيؤذيه (وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة) حتى أن إبليس ليتطاول ذلك اليوم رجاء للرحمة وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحد في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار قال الحرالي: الجزء بعض من كل ما يشابهه كالقطعة من الذهب ونحوه (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته الحديث: 4521 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 4522 - (الرحمة تنزل) حال الصلاة (على الإمام) أي على إمام الصلاة (ثم) تنزل (على من على يمينه) من الصفوف (الأول فالأول) (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي ثم قال: وفي الباب أبو بكر الصديق رضي الله عنه الحديث: 4522 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 4523 - (الرزق إلى بيت فيه السخاء) بالمد الجود والكرم (أسرع من الشفرة) بفتح الشين وسكون الفاء السكين العظيمة (إلى سنام البعير) أي هو سريع إليه جدا ومقصود الحديث الحث على السخاء سيما على عيال الإنسان وأهل بيته الذي أجرى الله تعالى رزقهم على يده والإعلام بأن التوسعة عليهم سبب يجلب الرزق {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} ومن وسع وسع الله عليه ومن قتر قتر عليه وفي ضمنه تحذير عظيم من البخل وإيذان أنه سبب لحرمان بعض الرزق (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب وسبقه ابن ماجه قال الزين العراقي: وكلها ضعيفة الحديث: 4523 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 4524 - (الرزق أشد طلبا للعبد من أجله) لأن الله تعالى وعد به بل ضمنه ووعده لا يتخلف وضمانه لا يتأخر ومن علم [ص: 55] أن ما قدر له من رزقه لا بد له منه علم أن طلبه لما لا يقدر له عناء لا يفيد ولهذا قال بعض الأنجاب: الرزق يطرق على صاحبه الباب وقال بعضهم: الرزق يطلب المرزوق وبسكون أحدهما يتحرك الآخر. قال حجة الإسلام: قد قسم الله الأرزاق وكتبها في اللوح المحفوظ وقدر لكل واحد ما يأكله ويشربه ويلبسه كل بمقدار مقدر ووقت مؤقت لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر كما كتب بعينه وفي المعنى قوله: يا طالب الرزق السني بقوة. . . هيهات أنت بباطل مشغوف أكل العقاب بقوة جيف الفلا. . . ورعي الذباب الشهد وهو ضعيف فينبغي للعاقل أن لا يحرص في رزقه بل يكله إلى الله الذي تولى القسمة في خلقه (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو نعيم والطبراني الديلمي (عن أبي الدرداء) قال العامري: صحيح ورواه عنه الدارقطني في علله مرفوعا وموقوفا وقال: إنه أصح   (1) في الأصل: " السى " فلعل حرف " ن " سقط. دار الحديث الحديث: 4524 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 4525 - (الرضاع يغير الطباع) أي يغير طبع الصبي عن لحوقه بطبع والديه إلى طبع مرضعته لصغره ولطف مزاجه ومراد المصطفى صلى الله عليه وسلم حث الوالدين على توخي مرضعة طاهرة العنصر زكية الأصل ذات عقل ودين وخلق جميل والطباع ما تركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من خير وشر كذا في النهاية وفي المصباح الطبع بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها قال الدميري: العادة جارية بأن من ارتضع امرأة غلب عليه أخلاقها من خير وشر وروي أن الجويني دخل فوجد ابنه إمام الحرمين يرضع ثدي غير أمه فاختطفه وعالجه حتى تقايأ اللبن فكان الإمام إذا حصل له كبوة في المناظرة يقول هذه بقايا تلك الرضعة (القضاعي) وكذا ابن لال والديلمي (عن ابن عباس) قال شارح الشهاب: حديث حسن وأقول: فيه صالح بن عبد الجبار قال في الميزان: أتى بخبر منكر جدا ثم ساق هذا ثم قال: فيه انقطاع وفيه أيضا عبد الملك بن مسلمة مدني ضعيف ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] عن ابن عمر الحديث: 4525 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 4526 - (الرضاعة) بفتح الراء بمعنى الإرضاع (تحرم) بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله (ما تحرم الولادة) أي مثل ما تحرمه وتبيح مثل ما تبيحه وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم التناكح وتوابعه والجمع بين قريبتين وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في حل نحو نظر وخلوة وسفر لا في باقي الأحكام كتوارث ووجوب إنفاق وإسقاط ونحو ذلك وفي رواية بدل الولادة النسب ولعله قال اللفظين في وقتين وحكمة التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بينهم. قال الحرالي: الرضاعة التغذية بما يذهب الضراعة وهو الضعف والتحول بالرزق الجامع الذي هو طعام وشراب وهو اللبن الذي مكانه الثدي من المرأة والضرع من ذات الظلف (مالك) في الموطأ (ق ت عن عائشة) الحديث: 4526 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 4527 - (الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب) (1) يسوقه كما يسوق الحادي إبله (معه مخاريق من نار) جمع مخراق أصله ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا أراد أنه آلة تزجر بها الملائكة السحاب (يسوق بها السحاب حيث شاء الله) إذ ما من ساعة تمر إلا والمطر يقطر في بعض الأقطار ومن بدع المتصوفة: الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم اه. وقال ابن عربي: السحاب أبخرة تتصعد للحرارة التي فيها ثم تثقل فتنحل ماء ينزل كما صعد بما فيه من الحرارة فإذا ثقل اعتمد على الهواء فانضغط الهواء فأخذ سفلا فحرك وجه الأرض [ص: 56] فتفوت الحرارة فصعد بوجه السحاب متراكما فمنعه من الصعود بتكاثفه فاشتعل الهواء فخلق الله من تلك الشعلة ملكا سماه برقا فأصابه الضوء ثم انطفأ بقوة الريح كالسراج فزال مع بقاء عينه فزال كونه برقا وبقي العين كونا يسبح الله ثم صدع الوجه الذي يلي الأرض من السحاب فلما مازجه كانا كالنكاح فخلق الله من ذلك التجاور ملكا سماه رعدا يسبح بحمده فكان بعد البرق ما لم يكن البرق خليا فكل برق لا بد أن يكون الرعد بعده لأن الهواء يصعد مشتعلا فيخلقه الله ملكا يسميه برقا وبعد هذا يصعد أسفل السحاب فيخلق الله الرعد فيسبح بحمده وثم بروق هي ملائكة يخلقها الله في زمن الصيف من شدة حر الجو (ت عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره   (1) [هذا ليس بوصف مادي وإنما وصف عالم الغيب الذي لا ندركه مع أنه جزء من الكون تجري الأحداث فيه بحسب سنة الله التابعة له. وتترابط أحداث عالم الغيب مع أحداث عالم الشهادة فمنها ما جعله الله سببا للآخر وبالعكس. وإنما قصرنا عن إدراك عالم الغيب وقياسه فعجزنا عن إدراك ذلك الترابط وعن إدراك " قوانين السببية " بينه وبين عالم الشهادة فرحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده. دار الحديث] الحديث: 4527 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 4528 - (الرفث الإعرابة) الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة (والتعريض للنساء بالجماع والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل صاحبه) في النهاية: الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المشاجرة والمراد الجدال ليحق باطلا أو يبطل حقا (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته الحديث: 4528 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 4529 - (الرفق رأس الحكمة) أي التخلق به يصير الإنسان في أعلى درجاتها فإن به ينتظم الأمور ويصلح حال الجمهور. قال سفيان الثوري لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه وقال الزمخشري: من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق إلا بالشدة كالجرح يعالج فإذا احتيج إلى الحديد لم يكن منه بد وقال أبو حمزة الكوفي: لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا واعلم أنهم لا يعطون بالشدة شيئا إلا أعطوا باللين أفضل منه وقال بزرجمهر: كن شديدا بعد رفق لا رفيقا بعد شدة لأن الشدة بعد الرفق عز والرفق بعد الشدة ذل (القضاعي) في مسند الشهاب (عن جرير) بن عبد الله. قال العامري في شرحه: ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] وابن شاذان والديلمي من حديث جابر الحديث: 4529 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 4530 - (الرفق في المعيشة) هي ما يعاش به من أسباب العيش كالزراعة والرفق فيها الاقتصاد في النفقة بقدر ذات اليد (خير من بعض التجارة) ويروى كما في الفردوس خير من كثير من التجارة وجاء في خبر من فقه الرجل رفقه في معيشته. قال مجاهد: ليرفق أحدكم بما في يده ولا يتأول قوله سبحانه وتعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن الرزق مقسوم فلعل رزقه قليل فينفق نفقة الموسع ويبقى فقيرا حتى يموت بل معناها أن ما كان من خلف فهو منه سبحانه وتعالى فلعله إذا أنفق بلا إسراف ولا إقتار كان خيرا من معاناة بعض التجارة (قط في الأفراد والإسماعيلي في معجمه طس هب) وكذا القضاعي (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه عبد الله بن صالح المصري قال عبد الملك بن شعيب ثقة مأمون وضعفه جمع وقال الذهبي بعد ما عزاه للبيهقي: فيه ابن لهيعة وسبق بيان حاله ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 4530 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 4531 - (الرفق به الزيادة) والنمو (والبركة ومن يحرم الرفق يحرم الخير) فيه فضل الرفق دخل مالك بن دينار على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما نحن فيه من القيود؟ فرفع رأسه فرأى سلة فقال: لمن هذه؟ قال: لي [ص: 57] فأمر بها فأنزلت فإذا فيها دجاجة واحبصة فقال: هذه وضعت القيود في رجلك (طب عن جرير) بن عبد الله ورواه عنه أيضا البزار والديلمي الحديث: 4531 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 4532 - (الرفق يمن) أي بركة (والخرق) بالضم (شؤم) أي جهل وحمق كذا في النهاية وفي الفردوس الخرق الحمق وهو نقيض الرفق وليس بسديد بل هما غيران فقد فسر الراغب الحمق بأنه قلة التنبه لطريق الحق والخرق بأنه الجهل بالأمور العملية وذلك أن يفعل أكثر مما يجب أو أقل أو على غير نظام محمود قال: ويضاد الحذق وفي رواية الرغب شؤم قال في مجموع الغرائب: يقال هو الشره والنهم والحرص على الدنيا وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال والحكم (طس عن ابن مسعود) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه المعلى بن عرفات وهو متروك وقال شيخه العراقي: رواه الطبراني عن ابن مسعود والبيهقي عن عائشة وكلاهما ضعيف الحديث: 4532 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 4533 - (الرفق يمن والخرق شؤم وإذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب الرفق فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه وأن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شأنه) ولذلك كثر ثناء الشرع في جانب الرفق دون الخرق والعنف قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله: ما الرفق؟ قال: أن تكون ذا أناة وتلاين قال: فما الخرق قال: معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضرك وقال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل قال: أن تضع الأمور مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه قال الغزالي: وهذا إشارة إلى أنه لا بد في مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق ووضع الندى في موضع السيف بالعلا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندى فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق لكن لما كانت الطباع إلى الجد والعنف أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جنب الرفق أكثر والحاجة إلى العنف يقع على ندور (الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ولو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا وإن الفحش من الفجور وإن الفجور في النار ولو كان الفحش رجلا لكان رجلا سوءا وإن الله لم يخلقني فحاشا) (هب عن عائشة) وفيه موسى بن هارون قال الذهبي في الضعفاء: مجهول الحديث: 4533 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 4534 - (الرقبى جائزة) وهي أن يقول جعلت لك هذه الدار فإن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فلك فعلى من المراقبة لأن كلا يرقب موت صاحبه وقد جعلها بعضهم تمليكا وبعضهم عارية (ن عن زيد بن ثابت) رمز المصنف لصحته الحديث: 4534 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 4535 - (الرقوب التي لا يموت لها ولد) لا ما تعارفه الناس أنها التي لا يعيش لها ولد فإنه إذا مات ولدها قبلها تلقاها من أبواب الجنة فأعظم بها من منة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (عن بريدة) بن الخصيب قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن من الأنصار مات ابنها فجزعت فقام إليها ومعه أصحابه يعزيها فقال: أما أنه بلغني أنك جزعت قالت: ومالي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد فذكره فقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 4535 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 [ص: 58] 4536 - (الرقوب كل الرقوب الذي له ولد فمات ولم يقدم منهم شيئا) فإن الثواب فيمن قدم منهم وفقدهم وإن عظم في الدنيا فثواب الصبر والتسليم في الآخرة أعظم وهذا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللغوي بل نقله إلى ما ذكر إشارة لذلك (حم عن رجل) شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: تدرون ما الرقوب قالوا: الذي لا ولد له فذكره قال الهيثمي: فيه أبو حفصة أو ابن حفصة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 4536 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 4537 - (الرقوب الذي لا فرط له) (خ عن أبي هريرة) الحديث: 4537 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 4538 - (الركاز) بكسر الراء وخفة الكاف وآخره زاي (الذي ينبت في الأرض) وفي رواية في الأرض وهذا حديث معلول وفي البخاري عن مالك والشافعي الركاز دفن الجاهلية قال الزركشي وغيره: بكسر فسكون الشيء المدفون وهو دفين ومدفون وفعل يجيء بمعنى المفعول كالذبح والطحن وأما بفتحها فالمصدر وليس بمراد هنا وتعقبه في المصباح بأنه يصح الفتح على أن يكون مصدرا أريد به المفعول كالدرهم ضرب الأمير والثوب نسج اليمن وقد جعل في هذا الحديث الركاز هو المعدن وغاير بينهما في حديث البخاري فقال: المعدن جبار وفي الركاز الخمس وبهذا أخذ الجمهور وقوله المعدن جبار أي هدر وليس المراد أنه لا زكاة فيه بل إن من استأجر رجلا للعمل في معدن فهلك فهو هدر (هق) من رواية الأعمش عن أبي صالح (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: قال الدارقطني: هذا وهم لأن ذا ليس من حديث الأعمش ولا من حديث أبي صالح إنما يرويه رجل مجهول ورواه عنه أيضا أبو يعلى. قال الهيثمي: فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف الحديث: 4538 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 4539 - (الركاز الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت) أي وليس هو بدفن أحد هذا ما اقتضاه هذا الحديث لكن عرفه الشافعية بأنه ما دفنه جاهلي في موات مطلقا وفيه الخمس وضعفوا هذا الحديث والمال المستخرج من الأرض له اسما فما دفنه بنو آدم كنز وما خلقه الله في الأرض معدن والركاز يعمهما من ركز الرمح غرزه وهما مركوزان في الأرض وإن اختلف الراكز (هق عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف الحديث: 4539 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 4540 - (الركب الذي معهم الجلجل لا تصحبهم الملائكة) لأنه يشبه الناقوس فيكره جعله في أعناق الدواب تنزيها لأنه من مزامير الشيطان والملائكة ضده ولأنه يشبه الناقوس فيكره تنزيها عند الشافعية وسيأتي ذلك مبسوطا (الحاكم في) كتاب (الكنى عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4540 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 4541 - (الركعتان قبل) صلاة (الفجر أدبار النجوم والركعتان بعد صلاة المغرب أدبار السجود) وهذا تفسير لقوله تعالى {ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} (ك) في صلاة التطوع (عن ابن عباس) وقال: صحيح ورده الذهبي بأن فيه رشدين ضعفه أبو زرعة والدارقطني وغيرهما الحديث: 4541 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 [ص: 59] 4542 - (الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة) أي هما من ياقوتها غير المتعارف إذ الياقوت نوعان متعارف وغيره كما سبق فمن بيانية (ك) في الحج عن داود الزبرقان عن أيوب السختياني عن قتادة بن دعامة (عن أنس) وقال: صحيح فرده الذهبي بأن فيه داود. قال أبو داود: متروك وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد قال الحافظ العراقي: رواه أيضا الترمذي وابن ماجه وكذا ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر اه. فعزو المصنف له فقط تقصير أو قصور الحديث: 4542 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 4543 - (الركن يمان) (عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة بكار بن محمد من حديثه وقال: لا يثبت ذكره عنه في لسان الميزان وبكار هذا قال أبو زرعة: ذاهب الحديث له مناكير وقال أبو حاتم: مضطرب وقال ابن حبان: لا يتابع على حديثه الحديث: 4543 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 4544 - (الرمي) بالسهام (خير ما لهوتم به) فيه حل الرمي بالسهام واللعب بالسلاح على طريق التدريب للحرب والتنشيط له وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن الخلق ومعاشرة الأهل والتمكين مما لا حرج فيه (فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال: افتقد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلا فقال: أين فلان؟ فقيل: ذهب يلعب فقال: ما لنا واللعب فقيل: ذهب يرمي. قال: ليس الرمي بلعب فذكره وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري قال الذهبي: تركوه واتهمه بعضهم: أي بالوضع الحديث: 4544 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 4545 - (الرهن مركوب ومحلوب) أي ربه يركبه ويحلبه فإن أوجر كان أجر ظهره له ونفقته عليه. قال الحرالي: والرهن بالفتح والسكون التوثيق بالشيء بما يعادله بوجه ما اه. والرهن هنا بمعنى المرهون (د هق عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن مجشر البغدادي. قال في الميزان: له أحاديث مناكير من قبل الإسناد منها هذا الحديث وهو صويلح في نفسه اه. وفي اللسان: قال ابن حبان في الثقات يخطىء وقال السراج عن الفضيل بن سهل يكذب وعن ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث اه. وقال ابن حجر: أعل بالوقف ورفعه أبو حاتم مرة ثم تركه ورجح البيهقي كالدارقطني وقفه وهي رواية للشافعي الحديث: 4545 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 4545 - (الرهن) أي الظهر المرهون (يركب) بالبناء للمجهول (بنفقته) أي يركب وينفق عليه وهو هبر بمعنى الأمر لكن لم يتعين فيه المأمور (ويشرب) بضم أوله (لبن الدر) بفتح المهملة والتشديد أي ذات الدر وهو اللبن فالتركيب من إضافة الشيء لنفسه كقوله تعالى {وحب الحصيد} كذا ذكره ابن حجر وتعقبه العيني بأن إضافة الشيء لنفسه لا تصح إلا إذا وقع في الظاهر فيؤول وإذا كان المراد بالدر الدارة فلا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه لأن اللبن غير دارة (إذا كان مرهونا) لم يقل مرهونة باعتبار تأويل الحيوان يعني للمرتهن الركوب والشرب أي بإذن الراهن فلو هلك بركوبه لا يضمن وأخذ بظاهره أحمد فجوز الانتفاع بالرهن إذا قام بمصالحه وإن لم يأذن مالكه وقال الشافعي: الكلام في الراهن فلا يمنع من ظهرها ودرها فهي محلوبة ومركوبة له كما قبل الرهان أي فللراهن انتفاع لا ينقص المركوب كركوب وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية: ليس للراهن ذلك لمنافاة حكم الرهن وهو الحبس الدائم (خ عن أبي هريرة) [ص: 60] ورواه عنه أبو داود بلفظ يحلب مكان يشرب الحديث: 4545 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 4547 - (الرواح يوم الجمعة) إلى صلاة الجمعة (واجب على كل محتلم) أي من بلغ الحلم (والغسل) لها واجب عليه (كاغتساله من الجنابة) وهذا محمول على أنه سنة مؤكدة يقرب من الواجب (طب عن حفصة) بنت عمر أم المؤمنين قال الطبراني: تفرد به عن بكير بن عبد الله عياش بن عياش وعنه مفضل بن فضالة اه الحديث: 4547 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 4548 - (الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها) بمعنى مما تطلع عليه الشمس وتغرب في الرواية الأخرى وقد يفرق بأن حديث وما فيها يشمل ما تحت طباقها مما أودعه الله من الكنوز وغيرها وحديث ما طلعت عليه الشمس يشمل بعض السماوات لأنها في الرابعة والقصد بهذا الحديث وشبهه تسهيل أمر الدنيا وتعظيم شأن الجهاد ثم هذا من تنزيل المغيب منزلة المحسوس وإلا فليس شيء من الآخرة بينه وبين الدنيا توازن حتى يقع فيه التفاضل أو المراد أن إنفاق الدنيا وما فيها لا يوازن ثوابه ثواب هذا فيكون التوازن بين ثوابي العملين (ق ن عن سهل بن سعد) الساعدي الحديث: 4548 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 4549 - (الريح من روح الله) بفتح الراء مصدر بمعنى الفاعل أي الريح من روائح الله أي من الأشياء التي تجيء من حضرة الله بأمره (تأتي بالرحمة) لمن أراد الله رحمته (وتأتي بالعذاب) لمن أراد الله هلكته (فإذا رأيتموها فلا تسبوها) أي لا يجوز لكم ذلك (واسألوا الله خيرها) أي من خير ما أرسلت به (واستعيذوا) في رواية عوذوا (بالله من شرها) أي شر ما أرسلت به فإنها مأمورة وتوبوا عند التضرر بها وهذا تأديب من الله وتأديبه رحمة لعباده قال ابن العربي: وإسناد الفعل إليها مجاز وإنما المأمور الملك الموكل بإرسالها وإمساكها وتحريكها وتسكينها وعبر به عنها لأنها معرفة له (خد د) في الأدب (ك) في الأدب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال النووي في الأذكار والرياض: إسناده حسن وظاهر صنيع المصنف تفرد أبي داود به من بين الستة وليس كذلك بل رواه ابن ماجه في الأدب وكذا النسائي في اليوم والليلة عن أبي هريرة أيضا الحديث: 4549 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 4550 - (الريح تبعث عذابا لقوم ورحمة لآخرين) أي في آن واحد قال الحرالي: والريح متحرك الهواء في الأقطار (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال الذهبي: متفق على ضعفه ورواه عنه الحاكم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أجود والله سبحانه وتعالى أعلم الحديث: 4550 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 حرف الزاي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 4551 - (زادك الله) يا أبا بكرة الذي أدرك الإمام راكعا فتحرم وركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى إلى الصف خوفا من فوت الركوع (حرصا) على الخير قال القاضي: ذهب الجمهور إلى أن الانفراد خلف الصف مكروه ولا يبطل الصلاة [ص: 61] بل هي منعقدة وذهب جمع من السلف كحماد والنخعي ووكيع إلى بطلانها به والحديث حجة عليهم فإنه لم يأمره بالإعادة ولو كان الانفراد مفسدا لم تنعقد صلاته لاقتران المفسد بتحريمها (ولا تعد) إلى الإقتداء منفردا فإنه مكروه أو إلى الركوع دون الصف أو إلى المشي إلى الصف في الصلاة فإن الخطوة والخطوتين وإن لم تفسد الصلاة لكن الأولى التحرز عنها وكيفما كان هو من العود وفيه أنه يندب الدعاء لمن بادر بالخير وحرص عليه وروي ولا تعد بسكون العين أي لا تسرع في المشي إلى الصلاة واصبر حتى تصير إلى الصف (حم خ د ن) في الصلاة (عن أبي بكرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره. قال ابن حجر: وألفاظهم مختلفة الحديث: 4551 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 4552 - (زادني ربي صلاة وهي الوتر) بفتح الواو وكسرها (وقتها ما بين العشاء) أي صلاتها (إلى طلوع الفجر) لا دلالة فيه على وجوب الوتر إذ لا يلزم كون المزاد من جنس المزيد (حم) من حديث عبيد الله بن زحر بن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية (عن معاذ) بن جبل قال عبد الرحمن: قدم معاذ الشام وأهلها لا يوترون قال: فقال لمعاوية: ما لي أراهم لا يوترون قال: وواجب عليهم قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره قال الهيثمي: وعبيد الله بن زحر ضعيف متهم ومعاوية لم يتأمر في زمن معاذ اه. وقال ابن حجر: أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده وفيه عبيد الله بن زحر وهو واه ومعاذ مات قبل أن يلي معاوية دمشق وعبد الرحمن لم يدرك القصة الحديث: 4552 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 4553 - (زار رجل أخا له في قرية) أي أراد زيارة أخيه وهو أعم من كونه أخا حقيقة أو مجازا (فأرصد الله له) أي وكل بحفظه يقال أرصده لكذا إذا وكله بحفظه (ملك) من الملائكة (على مدرجته) أي هيأ على طريقه ملكا وأقعده يرقبه والمدرجة بفتح الميم والراء والجيم الطريق سميت به لأن الناس يدرجون فيها أي يمشون (فقال أين تريد قال) أريد (أخا لي في هذه القرية) أي أزوره فإن قيل: السؤال عن القصد والجواب غير مطابق له قلنا: في الحديث بيان لمقصده ومقصوده (فقال هل له عليك من نعمة) أي هل لك من حق واجب عليه من النعم الدنيوية (تربها) بفتح المثناة الفوقية وضم الراء وشدة الموحدة التحتية أي تملكها وتستوفيها أو معناه تقوم بها وتسعى في صلاحها وتحفظها وتراعيها كما يربي الرجل ولده (قال لا إلا أني أحبه في الله) أي ليس لي داعية إلى زيارته إلا محبتي إياه في جنب رضى الله (قال فإني رسول الله إليك أن الله) كذا بخط المصنف وفي نسخ وهي رواية بأن الله فالجار والمجرور متعلق برسول (أحبك كما أحببته) أي رحمك ورضي عنك وأراد بك الخير بسبب ذلك وأفاد فضل الحب في الله وأنه سبب لحب الله وفضل زيارة الأولياء والأحباب وأن الآدمي يرى الملك ويكلمه قال الغزالي: زيارة الإخوان في الله من جواهر عبادة الله وفيها الزلفة الكريمة إلى الله مع ما فيها من ضروب الفوائد وصلاح القلب لكن بشرطين: أحدهما: أن لا يخرج إلى الإكثار والإفراط كما أفاده الخبر الآتي الثاني: أن يحفظ حق ذلك بالتجنب عن الرياء والتزين وقول اللغو والغيبة ونحو ذلك وقال البوني: هذا يشير إلى أن من صعد بحركة بعقد صحيح غير ملتفت فيه لغير الله تعالى أمده الله تعالى بأنوار إيمانية وقوة روحانية ومحبة عرفانية (حم خد م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4553 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 4554 - (زر القبور تذكر بها الآخرة) لأن الإنسان إذا شاهد القبور تذكر الموت وما بعده وفيه عظة واعتبار [ص: 62] وكان ربيع بن خيثم إذا وجد غفلة يخرج إلى القبور ويبكي ويقول: كنا وكنتم ثم يحيي الليل كله عندهم فإذا أصبح كأنه نشر من قبره قال السبكي: وهذا المعنى ثابت في جميع القبور ودلالة القبور على ذلك متساوية كما أن المساجد غير الثلاثة متساوية (واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله) أي في ظل عرشه (يوم القيامة) يوم لا ظل إلا ظله (يتعرض لكل خير) قال الغزالي: فيه ندب زيارة القبور لكن لا يمس القبر ولا يقبله فإن ذلك عادة النصارى قال: وكان ابن واسع يزور يوم الجمعة ويقول: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده (ك) من حديث موسى الضبي عن يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي مسلم الخولاني عن ابن عمير (عن أبي ذر) قال الحاكم: رواته ثقات قال الذهبي: قلت لكنه منكر ويعقوب واه ويحيى لم يدرك أبا مسلم فهو منقطع أو أن أبا مسلم رجل مجهول اه الحديث: 4554 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 4555 - (زر) يا أبا هريرة (غبا تزد حبا) أي زر أخاك وقتا بعد وقت ولا تلازم زيارته كل يوم تزدد عنده حبا وبقدر الملازمة تهون عليه وانتصب غبا على الظرف وحبا على التمييز. قال بعضهم: فالإكثار من الزيارة ممل والإقلال منها مخل ونظم البعض هذا المعنى فقال: عليك بإغباب الزيارة إنها. . . إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا فإني رأيت الغيث يسأم دائما. . . ويسأل بالأيدي إذا كان ممسكا (وقال آخر:) وقد قال النبي وكان يروى. . . إذا زرت الحبيب فزره غبا (وقال آخر:) أقلل زيارتك الصديق. . . تكون كالثوب استجده وأمل شيء لامرىء. . . أن لا يزال يراك عنده وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال (البزار) في مسنده (طس هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كنت بالأمس قلت: زرت ناسا من أهلي فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكتوا عليه والأمر بخلافه أما البزار فقال عقبه: ولا نعلم فيه حديثا صحيحا وقال ابن طاهر: رواه ابن عدي في أربعة عشر موضعا من كامله وأعلها كلها وقال البيهقي عقب تخريجه: طلحة بن عمرو أي أحد رجاله غير قوي قال: وقد روي بأسانيد هذا أمثلها اه. وطلحة هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد: لا شيء متروك الحديث وأبو زرعة والدارقطني وابن منيع: ضعيف (البزار) في مسنده (هب عن أبي ذر) قال الهيثمي: وفيه عويد بن أبي عمران الجويني وهو متروك اه (طب ك عن حبيب بن مسلمة) المكي (الفهري) بكسر الفاء وسكون الهاء وآخره راء نسبة إلى فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة نزل الشام وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم غازيا قال في التقريب: مختلف في صحبته والراجح ثبوتها لكن كان صغيرا (طب عن ابن عمرو طس عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن عائشة) وقال الذهبي في الضعفاء: قال النسائي وغيره: متروك وفي اللسان كالميزان عن البخاري: منكر الحديث ثم أورد له مناكير هذا منها ثم قال: قال ابن عدي: ليس في أحاديث عويد أنكر من هذا والضعف عليه بين. وقال أبو داود: أحاديثه تشبه البواطيل وظاهر صنيع المصنف أنه لم ير للحديث أمثل من هذين الطريقين وإلا لما آثرهما واقتصر عليهما والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني أيضا من حديث ابن عمر باللفظ المزبور. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية [ص: 63] رجاله ثقات اه. وقال المنذري: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة واعتنى غير واحد من الحفاظ بجمع طرقه والكلام عليها ولم أقف له على طريق صحيح كما قال البزار بل له أسانيد حسان عند الطبراني وغيره الحديث: 4555 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 4556 - (زر في الله فإنه) أي الشأن (من زار) أخاه (في الله شيعه سبعون ألف ملك) في عوده إلى محله إكراما له وتبجيلا وتعظيما ويظهر أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد كما في قوله تعالى {في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا} وفيه فضل زيارة الإخوان والحث عليها (حل عن ابن عباس) الحديث: 4556 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 4557 - (زكاة الفطر) بكسر الفاء لا ضمها ووهم نجم الأئمة قال في المجموع: وهي مولدة لا عربية ولا معربة بل اصطلاحية للفقهاء أي فتكون حقيقة شرعية على المختار كالصلاة وتسمى أيضا زكاة رمضان وزكاة الصوم وصدقة الرؤوس وزكاة الأبدان (فرض) بإجماع الأربعة على ما حكاه ابن المنذر لكن عورض بأن الحنفي يرى وجوبها لا فرضيتها على قاعدته أن الواجب ما ثبت بظني وأن أشهب نقل عن مالك أنها سنة وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في رمضان قبل العيد بيومين (على كل مسلم حر وعبد) بأن يخرج عنه سيده ويستثنى عبد لبيت المال والموقوف فلا تجب فطرتهما إذ لا مالك لهما معين يلزم بها وكذا المكاتب لضعف ملكه ولا على سيده لأنه معه كأجنبي (ذكر وأنثى) ظاهره وجوبه على الأنثى عن نفسها ولو مزوجة وبه أخذ الحنفية ومذهب الثلاثة أنها على زوجها إلحاقا بالنفقة (من المسلمين) فلا يجب على كل مسلم إخراج عن عبد وقريب كافرين عند الثلاثة وأوجبه أبو حنيفة قال الطيبي: من المسلمين حال من عبد وما عطف عليه ومعناه فرض على جميع الناس من المسلمين أما كونها فيم وجبت وعلى من وجبت فيعلم من نصوص أخرى قال الدماميني: هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي: إنه خطاب موجه معناه إلى السياق يقصد بذلك الاحتجاج بمذهبه اه. وزعم أن من المسلمين تفرد به مالك عن الثقات منعه الحافظ العراقي بأن رواها أكثر من عشرة من الحفاظ المعتمدين (صاع) برفعه خبر زكاة الفطر وهو أربعة أمداد والمد رطل وثلث بغدادي (من تمر أو صاع من شعير) فهو مخير بينهما فيخرج من أيهما شاء صاعا ولا يجزئ إخراج غيرهما وبه قال ابن حزم قال الحافظ العراقي: فهو أسعد الناس بالعمل بهذه الرواية المشهورة لكن ورد في روايات ذكر أجناس أخرى يجيء تفصيلها وعليه التعويل وإنما اقتصر هنا عليهما لأنهما غالب قوت المدينة ذلك الوقت (قط ك) في الزكاة (هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 4557 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 4558 - (زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث) الواقعين من الصائم حال الصوم أخذ منه الحسن وابن المسيب أنها لا تجب إلا على من صام والأربعة على خلافه وأجابوا بأن ذلك التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب قط أو من أسلم قبل الغروب بلحظة (وطعمة للمساكين والفقراء من أداها) أي أخرجها إلى مستحقيها (قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فهي زكاة مقبولة) أي يقبلها الله ويثيب عليها (ومن أداها بعد الصلاة) صلاة العيد (فهي صدقة من الصدقات) أي وليس بزكاة الفطر على ما أفهمه هذا السياق وأخذ بظاهره ابن حزم فقال: لا يجوز تأخيرها عن الصلاة والأربعة على خلافه ومذهب الشافعي وأحمد أنها تجب بغروب الشمس ليلة العيد وأوجبها الحنفية [ص: 64] بطلوع فجر العيد ولمالك روايتان <تنبيه> قال الزمخشري: صدقة الفطر زكاة إلا أن بينها وبين الزكاة المعهودة أن تلك تجب طهرة للمال وهذه طهرة لبدن المؤدي كالكفارة (قط هق) من حديث عكرمة (عن ابن عباس) قال الفرياني: عكرمة متكلم فيه لرأيه رأي الخوارج ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو عجب فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس الحديث: 4558 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 4559 - (زكاة الفطر على كل حر وعبد) بأن يخرج عنه سيده كما تقرر قال أبو الطيب: على بمعنى عن لأن العبد لا يطالب بأدائها وتعقب بأنه لا يلزم من وجوب الشيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة على غير من لزمته والدية الواجبة بقتل الخطأ أو شبهه وأخذ بظاهره داود فأوجب إخراج العبد عن نفسه قال أبو زرعة: ولا نعلم من قال به سواء ولم يتابعه أحد من أتباعه (ذكر وأنثى) وأخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجبها على الأنثى ولو ذات زوج ومذهب الثلاثة أن فطرتها على زوجها كالنفقة (و) على ولي كل (صغير) لم يحتلم من ماله إن كان له مال وإلا فعلى من عليه مؤونته وبه قال الأئمة الأربعة (وكبير فقير) حيث وجد فاضلا عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته وإن لم يملك نصابا (وغني صاع من تمر أو نصف صاع من قمح) أخذ بظاهره أبو حنيفة تبعا لمعاوية فقال: يجزئ صاع بر عن اثنين وضعفه الثلاثة بأن في سنده من لا يحتج به وأخذ ابن حزم من قوله صغير وجوبها عن الحمل فإنه ببطن أمه يسمى صغيرا ومنع بأنه لا يفهم منه عاقل إلا الموجود في الدنيا (هق عن أبي هريرة) قد عرفت أن في سنده من لا يعول عليه الحديث: 4559 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 4560 - (زكاة الفطر على الحاضر والبادي) أجمع عليه الأئمة الأربعة فجزموا بأنه لا فرق في وجوبها بين أهل الحاضرة والبادية ونفى عطاء والزهري وربيعة والليث وجوبها على أهل البادية (هق عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4560 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 4561 - (زمزم) وهي كما قال المحب الطبري بئر في المسجد الحرام بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثين ذراعا سميت به لكثرة مائها أو لزمزمة جبريل وكلامه عندها أو لغير ذلك (طعام طعم) أي فيها قوة الاغتذاء الأيام الكثيرة لكن مع الصدق كما وقع لأبي ذر بل كثر لحمه وزاد سمنه يقال هذا الطعام طعم أي يشبع من أكله ويجوز تخفيف طعم جمع طعام كأنه قال إنها طعام أطعمه كما يقال أصل أصلا وشيد أشياد والمعنى أنه خير طعام وأجوده ذكره كله الزمخشري (وشفاء سقم) أي حسي أو معنوي مع قوة اليقين وكمال التصديق ولهذا سن لكل أحد شربه أن يقصد به نيل مطالبه الدنيوية والأخروية (ش والبزار) في مسنده (عن أبي ذر) قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح اه. ورواه عنه الطيالسي قال ابن حجر: وأصله في مسلم دون قوله وشفاء سقم قال المصنف: ولها أسماء منها برة ومضنونة وشراب الأبرار وقال ابن عباس: صلوا في مصلى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار. قيل: ما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: ما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم أكرم به من شراب الحديث: 4561 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 4562 - (زمزم حفنة من جناح جبريل) بحاء مهملة مفتوحة وفاء ساكنة ونون مفتوحة أي زمزم حفنة حفنها جبريل بخافقة جناحه لما أمر بحفرها من قولهم حفنت الشيء إذا حفرته بكلتا يديك وفي رواية هزمة بدل حفنة أي غمزة يقال هزم الأرض هزمة إذا شقها شقا (فر عن عائشة) الحديث: 4562 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 [ص: 65] 4563 - (زملوهم) بالزاي: لفوهم (بدمائهم) أي لا تغسلوها عنهم (1) (فإنه) أي الشأن (ليس من كلم) بالسكون أي جرح (يكلم) أي يجرح (في الله) أي في الجهاد في سبيل الله بقصد إعلاء كلمته (إلا وهو يأتي يوم القيامة يدمأ) أي يسيل منه الدم كأنه يوم جرح (لونه لون الدم وريحه ريح المسك) تمامه وقدموا أكثرهم قرآنا انتهى وكأنه سقط من قلم المؤلف وهذا قاله في شهداء أحد وفيه إشعار بأن الشهيد لا يغسل (ن عن عبد الله بن ثعلبة) العذري قال الذهبي: له صحبة إن شاء الله ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني والشافعي والحاكم والديلمي وغيرهم   (1) وجوبا فيحرم إزالة دم الشهيد عنه ما لم يختلط بنجس فإن اختلط بنجس وجبت إزالته وإن أدى ذلك إلى إزالة الدم وأما تكفينه في ثيابه الملطخة بالدم فمندوب الحديث: 4563 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 4564 - (زنا العينين النظر) يعني أن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وإسناد الزنا إلى العين لأن لذة النكاح في الفرج تصل إليها. قال الغزالي: ونبه به على أنه لا يصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر وحفظ القلب عن الفكرة وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع فإن هذه محركات للشهوة ومغارسها قال عيسى عليه السلام: إياكم والنظر فإنه يزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة ثم قال الغزالي: وزنا العين من كبار الصغائر وهو يؤدي إلى الكبيرة الفاحشة وهي زنا الفرج ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ دينه (ابن سعد) في الطبقات (طب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن علقمة) بفتح المهملة والقاف (بن الحويرث) أو ابن الحارث الغفاري قال الهيثمي: فيه محمد بن مطرف لم أعرفه وبقية رجاله ثقات ورواه القضاعي وقال شارحه العامري: صحيح الحديث: 4564 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 4565 - (زن وأرجح) بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا والرجحان الثقل والميل اعتبر في الزيادة وذلك ندب منه إلى إرجاح الوزن ومثله الكيل عند الإيفاء لا الاستيفاء لقوله تعالى {وأوفوا الكيل إذا كلتم} لمعنيين العدل والإحسان {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} أما العدل فإنه لا تتحقق براءة ذمته إلا بأن يرجحه بعض الرجحان فيصير قليل الرجحان من طريق الورع والعدل الواجب كأن يغسل جزءا من الرأس ليتحقق استيعاب الوجه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والثاني الإحسان إلى من له الحق وخياركم أحسنكم قضاء كما في الخبر الآتي وهذا قاله وقد اشترى سراويل وثم رجل يزن بالأجر أي في السوق والأمر محتمل للإباحة وفي أوسط الطبراني أن الثمن كان أربعة دراهم وفيه صحة هبة المجهول المشاع لأن الرجحان هبة وهو غير معلوم القدر وثبوت شراء السراويل لا أنه لبسها وقول الهدى الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها غير ظاهر فقد يكون اشتراها لبعض عياله ومن عزى إلى الهدى الجزم بلبسها كالحجازي في حاشية الشفاء ثم رده بأنه سبق قلم لم يصب إذ الموجود فيه ما ذكر به نعم جاء في رواية لأبي يعلى شديدة الضعف عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل من سوق البزازين بأربعة دراهم وأنه قال له: يا رسول الله وإنك تلبس السراويل قال: أجل في السفر والحضر وبالليل وبالنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد أستر منه <تنبيه> قال ابن القيم: قد باع النبي صلى الله عليه وسلم واشترى وشراؤه أكثر وآجر واستأجر وإيجاره أكثر وضارب وشارك ووكل وتوكل وتوكيله أكثر وأهدى وأهدي له ووهب واتهب واستدان واستعار وضمن عاما وخاصا ووقف وشفع فقبل تارة ورد أخرى فلم يغضب ولا حلف واستحلف ومضى في يمينه تارة وكفر أخرى ومازح وورى ولم يقل إلا حقا وهو القدوة والأسوة (حم 4 ك حب) وكذا البخاري في تاريخه (عن سويد) بالتصغير (بن قيس) العبدي [ص: 66] أبي مرحب صحابي مشهور نزل بالكوفة قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى فاشترى منا سراويل فبعناه منه فوزن ثمنه وثم وزن يزن بالأجر فقال: يا زان زن وأرجح قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال في الإصابة: سويد بن قيس العبدي روى عنه سماك بن حرب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اشترى من رجل سراويل أخرجه أصحاب السنن واختلفوا فيه على سماك أي ففيه اضطراب قال: وفي سنده المسيب بن واضح فيه مقال الحديث: 4565 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 4566 - (زنا اللسان الكلام) أسند الزنا إلى اللسان لأنه يلتذ بالكلام الحرام كما يلتذ الفرج بالوطء الحرام ويأثم بهذا كما يأثم بذاك قال ابن عربي: هذا أمر بتقييد الجوارح فزنا اللسان النطق وزنا العينين النظر وزنا الأذن الاستماع وزنا اليد البطش وزنا الرجل السعي وكل جارحة تصرفت فيما حرم عليها التصرف فيه فذلك التصرف منها على هذا الوجه حرام هو زناها (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 4566 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 4567 - (زني) يا فاطمة (شعر الحسين) بعد حلقه لأن الحلق من قبيل إماطة الأذى فإن شعر المولود ضعيف فيحلق ليقوى مع ما فيه من فتح المسام ليخرج البخار بسهولة وفي ذلك تقوية حواسه (وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة) أي إحدى رجليها فامتثلت الأمر ووزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم كما رواه ابن إسحاق عن علي وصرح عطاء بتقديم الحلق على الذبح قيل: ولعل قصد تمييزه عن مناسك الحج أن لا يتشبه به. قال ابن حجر: اتفقت الروايات على ذكر التصدق بالفضة خلاف قول الرافعي يندب بذهب فإن لم يفعل فبفضة لكن في خبر الطبراني ذهبا أو فضة وفيه رواد ضعيف (ك عن علي) أمير المؤمنين وقال: صحيح قال الحافظ العراقي: وهو عند الترمذي منقطع بلفظ حسن وقال: ليس إسناده بمتصل ورواه أحمد من حديث أبي رافع وإسناده ضعيف الحديث: 4567 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 4568 - (زوجوا الأكفاء وتزوجوا الأكفاء واختاروا لنطفكم) أي لا تضعوها إلا في خيار النساء (وإياكم والزنج) أي احذروا وقاعهن (فإنه) يعني لونهن وهو السواد (خلق مشوه) (1) فيجيء الولد مشوها وهذا الأمر للندب وفيه اعتبار الكفاءة (حب في الضعفاء) عن قاسم المؤدب عن المثنى بن الضحاك عن محمد بن مروان السدي عن هشام بن عروة (عن عائشة) حكم ابن الجوزي بوضعه وقال السدي: كذاب وتابعه عامر بن صالح الزبيري وليس بشيء وأقره عليه المؤلف ولم يتعقبه إلا بأن له شاهدا وهو خبر تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد   (1) [وفي ثبوت الحديث نظر لمخالفته الأصول. وورد في الحديث 4185: دخلت الجنة فإذا جارية أدماء لعساء. فقلت: ما هذه يا جبريل؟ فقال: إن الله تعالى عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس فخلق له هذه. وفي شرحه: " أدماء ": شديدة السمرة. و " لعساء ": في لونها أدنى سواد ومشربة بالحمرة. فلو كان السواد تشويه لما حصل مكافأة لجعفر رضي الله عنه في الجنة والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 4568 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 4569 - (زوجوا أبنائكم وبناتكم) ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي قيل: يا رسول الله هذا أبنائنا نزوج فكيف بناتنا؟ فقال: حلوهن الذهب والفضة وأجيدوا لهن الكسوة وأحسنوا إليهن بالنحلة ليرغب فيهن اه بلفظه (فر) من حديث عبد العزيز بن أبي رواد (عن ابن عمر) بن الخطاب وعبد العزيز أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن الجنيد وقال ابن حبان: يروي عن نافع عن ابن عمر أشياء موضوعة ورواه عنه الحاكم ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 4569 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 4570 - (زودك الله التقوى) يا من جاءنا يريد سفرا ويلتمس أن نزوده زاد في رواية ووقاك الردى (وغفر ذنبك ويسرك [ص: 67] للخير) في رواية ويسر لك الخير (حيثما كنت) وفي رواية بدله حيثما توجهت وهذا قاله لرجل جاءه فقال: إني أريد سفرا فزودني فقال: زودك الله فقال: زدني قال: وغفر ذنبك قال: زدني قال: ويسر لك الخير حيثما كنت اه. فيندب لكل من ودع مسافرا أن يقوله له ويحصل أصل السنة بقوله زودك الله التقوى والأكمل الإتيان بما ذكر كله (ت ك عن أنس) قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان: وينبني على أصل صحته وبسط ذلك الحديث: 4570 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 4571 - (زودوا موتاكم) قول (لا إله إلا الله) (1) بأن تلقنوهم إياها عند الموت (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي   (1) فبذكر غير الوارث عنده الشهادة ولا يأمره بها ولا يلح عليه ولا يزيد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قالها المحتضر لا تعاد عليه إلا إن تكلم بغيرها ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله الحديث: 4571 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 4572 - (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) فزيارتها مندوبة للرجال بهذا القصد والنهي منسوخ (1) وفي مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه أي في مذحج فبكى وأبكى من حوله وقال: استأذنت ربي أن أستغفر لهم فلم يأذن لي واستأذنت أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت اه. قالوا: ليس للقلوب سيما القاسية أنفع من زيارة القبور فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب واستحكام دواعي الذنب ما لا يبلغه غيرها فإنه وإن كان مشاهدة المحتضر تزعج أكثر لكنه غير ممكن في كل وقت وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في كل أسبوع بخلاف الزيارة وللزيارة آداب منها أن يحضر قلبه ولا يكون حظه التطوف على الأجداث فقط فإنها حالة تشاركه فيها البهائم بل يقصد بها وجه الله وإصلاح فساد قلبه ونفع الميت بما يتلوه من القرآن ولا يمشي على قبر ولا يقعد عليه ويخلع نعله ويسلم ويخاطبهم خطاب الحاضرين فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين إلخ (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منيع والديلمي أيضا وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وليس كذلك فقد عرفت أن مسلما خرجه باللفظ المزبور وزيادة   (1) أي بحديث بريدة عند مالك وأحمد والنسائي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا والهجر الكلام الباطل الحديث: 4572 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 4573 - (زوروا القبور ولا تقولوا هجرا) أي باطلا والهجر الكلام الباطل وفيه إشعار بأن النهي إنما كان لقرب عهدهم بالجاهلية فربما تكلموا بكلام الجاهلية الباطل فلما استقرت قواعد الدين أذن فيه واحتاط فيه بقوله ولا تقولوا هجرا (هـ عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: فيه محمد بن كثير بن مروان وهو ضعيف جدا الحديث: 4573 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 4574 - (زين الحاج أهل اليمن) أي هم بهجة الحاج ورونقه لما لهم من البهاء والكمال حسا ومعنى (طب) وكذا في الأوسط من حديث حبان بن بسطام (عن ابن عمر) بن الخطاب قال حبان: كنا عند ابن عمر فذكروا حاج اليمن وما يصنعون فيه فقال ابن عمر: لا تسبوا أهل اليمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: إسناده حسن فيه ضعفاء وثقوا الحديث: 4574 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 4575 - (زين الصلاة الحذاء) بالمد النعل يعني أن الصلاة في النعال من جملة مكملاتها ومطلوباتها والكلام في نعل متيقنة [ص: 68] الطهارة أو المراد بها الخفاف وهو أقعد قال الزين العراقي: فيه جواز الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة وممن كان يفعله من الصحابة عثمان وابن مسعود وابن عباس وأنس وغيرهم وقد اختلف نظر الصحب والتابعين في لبس النعال في الصلاة هل هو مستحب أو مباح أو مكروه قال ابن دقيق العيد: والحديث يدل للإباحة لا للندب لأن ذلك لا دخل له في الصلاة وذلك وإن كان فيه كمال الزينة وكمال الهيئة لكن في ملامسته للأرض التي يكثر فيها النجاسة ما يقصر به عن هذا المقصود (ع) وكذا ابن عدي من حديث محمد بن الحجاج اللخمي عن عبد الملك بن عمير عن النزال (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: هذا ليس له أصل عن عبد الملك وهو مما وضعه محمد بن الحجاج وقال الهيثمي: فيه محمد بن الحجاج العمي وهو كذاب انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 4575 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 4576 - (زينوا) من التزيين بما منه الزينة وهي بهجة العين أو غيرها من الحواس التي لا تخلص إلى باطن المزين ذكره الحرالي (القرآن بأصواتكم) أي زينوا أصواتكم به كما يدل عليه الحديث الآتي عقبه فالزينة للصوت لا للقرآن فهو على القلب كعرضت الإبل على الحوض وأدخلت القلنسوة في رأسي ذكره البيضاوي يعني زينوا أصواتكم بالخشية لله حال القرآن يرشد إلى ذلك قول السائل: من أحسن الناس صوتا بالقرآن يا رسول الله قال: من إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله وقيل: بل هو حث على ترتيله ورعاية إعرابه وتحسين الصوت به وتنبيه على التحرز من اللحن والتصحيف فإنه إذا قرئ كذلك كان أوقع في القلب وأشد تأثيرا وأرق لسامعه وسماه تزيينا لأنه تزيين للفظ والمعنى (حم د ن هـ) في الصلاة (حب ك) في فضائل القرآن (عن البراء) بن عازب قال الحاكم: صحيح ورواه عنه أيضا البخاري في خلق الأفعال من عدة طرق ولعل المؤلف لم يستحضره (أبو نصر السجزي في) كتاب (الإبانة عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن حبان هي صحيحه خلافا لما يوهمه صنيع المصنف من أنه إنما رواه عنه من حديث البراء فقط (قط في الأفراد طب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا أبو داود في المصاحف (حل عن عائشة) وفيه سعيد بن المرزبان الأعور قال ابن معين: لا يكتب حديثه وقال البخاري: منكر الحديث وعلقه البخاري في آخر الصحيح وقال ابن حجر: هذا الحديث لم يصله البخاري في صحيحه ووصله في خلق الأفعال عن البراء وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن حبان في صحيحه وعن ابن عباس أخرجه الدارقطني في الأفراد بسند حسن وعن ابن عوف أخرجه البزار بسند ضعيف الحديث: 4576 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 4577 - (زينوا بأصواتكم بالقرآن) أي الهجوا بقراءته واشغلوا أصواتكم به واتخذوه شعارا وزينة لأصواتكم (فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) وفي أدائه بحسن الصوت وجودة الأداء بعث للقلوب على استماعه وتدبره والإصغاء إليه قال التوربشتي: هذا إذا لم يخرجه التغني عن التجويد ولم يصرفه عن مراعاة النظم في الكلمات والحروف فإن انتهى إلى ذلك عاد الاستحباب كراهة وأما ما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقى فيأخذون في كلام الله مأخذهم في التشبيب والغزل فإنه من أسوأ البدع فيجب على السامع النكير وعلى التالي التعزير وأخذ جمع من الصوفية منه ندب السماع من حسن الصوت وتعقب بأنه قياس فاسد وتشبيه للشيء بما ليس مثله وكيف يشبه ما أمر الله به بما نهى عنه (ك) في فضائل القرآن (عن البراء) بن عازب الحديث: 4577 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 4578 - (زينوا أعيادكم بالتكبير) فإنه زينة الوقت وبهاءه ورونقه ومن ثم كان علي يفعله وهو مرسل ومقيد فالمرسل من غروب الشمس ليلتي العيدين إلى إحرام الإمام بصلاة العيد ويرفع الناس أصواتهم في سائر الأحوال وتكبير [ص: 69] ليلة الفطر آكد ولا يكبر الحاج ليلة الأضحى بل يلبي والمقيد مختص بالأضحى عقب كل صلاة لكل مصل فرضا كان أو نفلا أو قضاء فيها من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيام التشريق والحاج من ظهر النحر إلى صبح أيام التشريق وصيغته أن يكبر ثلاثا نسقا رافعا به صوته ويزيد لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر (طص عن أنس) وفي نسخة عن أبي هريرة ثم قال: لم يروه عن أبي كثير إلا عمر بن راشد ولا عن عمر إلا بقية ولا عنه إلا محمد قال الحافظ ابن حجر: وعمر ضعيف ولا بأس بالباقين وبقية وإن كان مدلسا فقد صرح بالتحديث اه. وقال الهيثمي: فيه عمر بن راشد ضعفه احمد وابن معين والنسائي الحديث: 4578 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 4579 - (زينوا العيدين) عيد الفطر وعيد الأضحى (بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس) أي بإكثار قول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر إلى آخر الدعاء المأثور المشهور (زاهر في) كتاب (تحفة عيد الفطر حل عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4579 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 4580 - (زينوا مجالسكم بالصلاة علي فإن صلاتكم علي نور لكم يوم القيامة) أي يكون ثوابها نورا تستضيئون به في تلك الظلم وعند المشي على الصراط ونحو ذلك (فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال المؤلف في فتاويه الحديثية: ضعيف اه وفيه عبد الرحمن بن غزوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: صدوق له غير حديث منكر ومحمد بن الحسن النقاش قال الذهبي: اتهم بالكذب والحسين بن عبد الرحمن قال في الميزان: تركوا حديثه وساق له أخبارا منها ثم قال: منكر موقوف اه الحديث: 4580 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 4581 - (زينوا موائدكم) جمع مائدة ما يؤكل عليه (بالبقل) أي بوضع البقل الذي تأكلونه مع الطعام عليها (فإنه مطردة للشيطان) عن قربان الطعام لكن (مع التسمية) من الآكلين عند ابتداء الأكل فهي السر الدافع للشيطان والظاهر الاكتفاء بالتسمية من أحدهم فهي سنة كفاية (حب في الضعفاء فر عن ابن أمامة) وفيه إسماعيل بن عياش مختلف فيه عن برد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: يروى القدر ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى الحديث: 4581 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الزاي] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 4582 - (الزائر أخاه المسلم أعظم أجرا) أي ثوابا عند الله (من المزور) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي هكذا رواه وليس كذلك بل نص روايته الزائر أخاه المسلم الآكل من طعامه أعظم أجرا من المزور المطعم في الله عز وجل هذا نصه كما وقفت عليه في نسخ مصححة بخط الحافظ ابن حجر فحذف المصنف وتصرف (فر عن أنس) ورواه عنه أيضا البزار ومن طريقه تلقاه الديلمي فعزوه للفرع دون الأصل غير جيد الحديث: 4582 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 4583 - (الزائر أخاه في بيته الآكل من طعامه أرفع درجة من المطعم له) فيه حث مؤكد على زيارة الإخوان وفضلها [ص: 70] وظاهره ندب الزيارة حتى لمن لا يزورك ومن ثم قيل: وإني لزوار لمن لا يزورني. . . إذا لم يكن في وده غير صائب (خط عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وفيه عامر بن محمد البصري عن جده وهو وأبوه وجده مجهولون وقال في الميزان: عامر بن محمد بصري لا يعرف وخبره باطل عن أبيه عن جده عباس وساق له هذا الخبر الحديث: 4583 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 4584 - (الزاني بحليلة جاره) أي مجاوره في المسكن ونحوه والحليلة الزوجة والحليل الزوج لأن كلا منهما حلال للآخر خص الجار مع أن الزنا من أعظم الكبائر كيف كان إشارة إلى أنه بها أفحش أنواعه لقطعه ما أمر الله به أن يوصل من رعاية حقه ودفع الأذى والزنا بحليلته زنا وإبطال حق الجوار والخيانة لمن استأمنك فلقبحه خصه بأنه (لا ينظر الله إليه يوم القيامة) فالنظر لطف ورحمة (ولا يزكه ويقول له ادخل النار مع الداخلين) وعيد شديد فإن من لم ينظر الله إليه فقد غضب عليه وغضبه سبحانه لا يقوم له الجبال فضلا عن عبد حقير ضعيف ويكفي في مشهد هذا العصيان أن يشهد فوت الإيمان الذي ذرة منه خير من الدنيا وما فيها بأضعاف فكيف يبيعه بشهوة تذهب لذتها ويبقى سوء مغبتها بتبعتها تذهب الشهوة وتبقى الشقوة فالزنا ذنب كبير فإن أضيف إليه كونه بحليلة من يسكن جوارك والتجأ بأمانتك وثبت بينك وبينه حق الأمانة فقد زاد قبحا وكلما كان الذنب أقبح كان الإثم أعظم وأفحش وما أوهمه قيد حليلة الجار من أنه إذا لم يكن مقيدا لم يكن الفعل من الكبائر فغير مراد لأن هذا النهي وشبهه غالبا إنما ورد على أمر واقع مخصوص قصد به فاعله وهو من مفهوم اللقب ولا يعمل بمفهومه كما في {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق) وابن أبي الدنيا عن عمرو بن العاص وضعفه المنذري (فر عن عمرو) بن العاص وفيه ابن لهيعة عن ابن أنعم وقد سبق بيان حالهما الحديث: 4584 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 4585 - (الزبانية) أي زبانية جهنم ولفظ رواية الطبراني للزبانية وعليه فإنما هو يورد في حرف اللام (أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان فيقولون يبدأ بما قبل عبدة الأوثان؟ فيقال لهم) أي يقول لهم الزبانية أو غيرهم من الملائكة (ليس من يعلم كمن لا يعلم) فإن الذنب والمخالفة تعظم بمعرفة قدر المخالف ولذلك قال بعض الصحابة للتابعين: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات إذ كانت معرفة الصحابة بحلال الله أتم فكأن الصغائر عندهم بالإضافة إليه كبائر فبهذا السبب يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل ويتجاوز عن العاصي ما لا يتجاوز عن العالم <تنبيه> قال ابن عبد السلام في أماليه: ظاهر الحديث أن العالم أكثر عذابا من الجاهل وليس ذلك على إطلاقه ثم ذكر تفصيلا فاطلبه من الأمالي (طب) عن موسى بن محمد بن كثير السيربني عن عبد الملك بن إبراهيم الجدي عن عبد الله بن عبد العزيز العمري عن أبي طوالة (عن أنس) بن مالك (حل) عن الطبراني بسنده هذا ثم قال: غريب من حديث أبي طوالة عن أنس تفرد به عبد الله العمري اه. وقال ابن حبان: حديث باطل وابن الجوزي موضوع قال المنذري: لكن له مع غرابته شواهد وقال في الميزان: حديث منكر الحديث: 4585 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 4586 - (الزبيب والتمر هو الخمر) أي هما أصل الخمر لاعتصارها من كل منهما قال ابن حجر: ظاهره الحصر لكن المراد [ص: 71] المبالغة وهو بالنسبة إلى ما كان حينئذ بالمدينة موجودا ففي البخاري عن أنس كان عامة خمرنا البسر والتمر أي النبيذ الذي يصير خمرا كان أكثر ما يتخذ منهما قال الكرماني: قوله البسر والتمر مجاز عن الشراب الذي يصنع منهما عكس {إني أراني عصر خمرا} وقيل: مقصود الحديث الإشعار بأن التحريم لا يختص بالخمر المتخذة من العنب بل يشركها فيه كل شراب مسكر (ن عن جابر) بن عبد الله ورمز المصنف لصحته وأصله قول ابن حجر في الفتح: سنده صحيح الحديث: 4586 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 4587 - (الزبير) بن العوام أحد العشرة (ابن عمتي وحواري) ناصري (من أمتي) يعني أنه مختص من أصحابي ومفضل عليهم والمراد أنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على أقرانه وإلا فكل الصحابة كانوا أنصاره قال الزمخشري: حواري الأنبياء صفوتهم والمخلصون لهم من الحور وهو أن يصفو بياض العين ويشتد خلوصه فيصفو سوادها (حم عن جابر) بن عبد الله ورواه ابن أبي شبة والديلمي والخطيب الحديث: 4587 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 4588 - (الزرقة في العين يمن) أي بركة يعني أن المرأة التي عينها زرقاء مظنة للبركة كما يدل له خبر الديلمي عن أبي هريرة تزوجوا الزرق فإن فيهن يمنا وزاد الديلمي في روايته في الحديث المشروح وكان داود أزرق اه. وهذا قاله ردا لما كانت الجاهلية تزعمه من سوء زرقة العين قال في الكشاف: الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين (حب في الضعفاء) عن أبي عويمر عن محمد بن يونس الكديمي عن عباد بن صهيب عن هشام عن عروة (عن عائشة) مرفوعا قال ابن الجوزي: موضوع وعباد متروك والراوي عنه هو الكديمي والبلاء منه وفي الميزان عباد أحد المتروكين وقال ابن المديني: ذهب حديثه وقال البخاري والنسائي متروك وقال ابن حبان كان قدريا داعية يروي أشياء إذا سمعها المبتدي في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ثم أورد له هذا الحديث (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور عن محمد بن أحمد الكرابيسي عن محمد بن الرومي عن أحمد بن إبراهيم بن أبي نافع عن الخليل بن سعيد عن عمرو بن عامر بن الفرات عن الحسين بن علوان عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة (فر عن أبي هريرة) الحديث: 4588 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 4589 - (الزكاة قنطرة الإسلام) لما فيها من إظهار عز الإسلام بكسر ألفة من أبى واستكبر عن المواساة والنصفة لخلق الله ورأى أن في أدائها حطا من رئاسته ونقصا لرتبته وبها يتميز الذين آمنوا من الذين نافقوا لتمكنهم من الرياء في غيرها دونها ولم يشهد الله بالنفاق جهرا أعظم من شهادته على مانعها (طب) وكذا إسحاق في مسنده (عن أبي الدرداء) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال الهيثمي: رجاله موثقون إلا بقية فمدلس وقال المصنف في حاشية القاضي: سنده ضعيف ولم يوجهه بشيء وقال الكمال بن أبي شريف في تخريج الكشاف: فيه الضحاك بن حمزة وهو ضعيف الحديث: 4589 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 4590 - (الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر) وفي رواية بدل الأربعة خمسة زاد الذرة (1) قال الزمخشري: الزكاة من الأسماء المشتركة تطلق على عين وهي الطائفة من المال المزكى بها وعلى معنى وهو الفعل الذي هو التزكية في خبر ذكاة الجنين ذكاة أمه ومن الجهل بهذا أتى من ظلم نفسه بالطعن على قوله عز من قائل {والذين هم للزكاة فاعلون} ذاهبا إلى العين وإنما المراد الفعل أعني التزكية (قط) من حديث موسى بن طلحة (عن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه والأمر بخلافه فقد قال ابن حجر: فيه العزرمي وهو متروك وقال أبو زرعة: عن عمر مرسل وعجب من المصنف [ص: 72] كيف آثر هذه الرواية المطعون فيها على الحديث المتصل الثابت وهو خبر الحاكم والبيهقي لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال البيهقي: رواته ثقات وهو متصل واللائق في أحاديث الأحكام أن يتحرى منها ما تقوم به الحجة   (1) وقيس بها ما في معناها من كل ما يقتات اختيارا الحديث: 4590 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 4591 - (الزنا يورث الفقر) أي اللازم الدائم لأن الغنى من فضل الله والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم وإذا ذهب الفضل ذهب الغنى وجاء العنا فالزنا موكل بزوال النعمة فإذا ابتلي به عبد ولم يقلع ويرجع فليودع نعم الله فإنها ضيف سريع الانفصال وشيك الزوال {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له} قال في شرح الشهاب: الفقر نوعان فقر يد وفقر قلب فيذهب شؤم الزنا بركة ماله فيمحقه لأنه كفر النعمة واستعان بها على معصية المنعم فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده ولا يعطى الصبر عنه وهو العذاب الدائم وأخرج ابن عساكر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أوحى الله إلى موسى يا موسى إني قاتل القاتلين ومفقر الزناة (القضاعي) في مسند الشهاب قال العامري في شرحه: غريب (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: فيه الماضي بن محمد وقال في الميزان: حديث منكر وإسناده فيه ضعيف الحديث: 4591 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 4592 - (الزنجي إذا شبع زنا وإذا جاع سرق (1) وإن فيهم لسماحة ونجدة) أي شجاعة وبأسا وقد اعتمد الشافعي هذا الخبر ففي مناقبه للبيهقي عن المزني كنت معه بالجامع فدخل رجل يدور على النيام فقال الشافعي للربيع: قل له ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه فقال: نعم فجاء للشافعي فقال: أين عبدي قال: تجده في الحبس فوجده فقلنا للشافعي: أخبرنا فقد حيرتنا فقال: رأيته يدور في النيام فقلت: يطلب هاربا ويجيء إلى السود فقط فقلت: هرب له أسود ويجيء إلى مائل العين اليسرى فقلت: مصاب بها. قلنا: فما يدريك أنه في الحبس قال: الخبر: إن شبع زنا وإن جاع سرق. فتأولت أنه فعل أحدهما (عد) عن أحمد بن حشرد عن أبي سعيد الأشج عن عقبة بن خالد عن عنبسة البصري عن عمرو بن ميمون عن الزهري عن عروة عن عائشة أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال: عنبسة البصري متروك وتعقبه المصنف بأن له شاهدا وقال السخاوي: له شاهد عند الطبراني في الأوسط: الأسود إذا جاع سرق وإذا شبع زنا وفي الكبير: قيل يا رسول الله ما يمنع حبش بني المغيرة أن يأتوك إلا أنهم يخشون أن تردهم فقال: لا خير في الحبش إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا زنوا   (1) [هذا في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع وإلا فيقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (9211) " ويقول: " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى (2740) ". دار الحديث] الحديث: 4592 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 4593 - (الزهادة في الدنيا) أي ترك الرغبة فيها (ليست بتحريم الحلال) على نفسك كأن لا تأكل لحما ولا تجامع (ولا إضاعة المال) فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة الزاهدين ويأكل اللحم والحلو والعسل ويحب ذلك والنساء والطيب والثياب الحسنة فخذ من الطيبات من غير سرف ولا مخيلة وإياك وزهد الرهبان (ولكن الزهادة في الدنيا) حقيقة هي (أن لا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد الله) فإنك إذا اعتقدت ذلك وتيقنته لا يقدح في زهدك وتجردك تناولك من الدنيا ما لا بد منه مما تحتاج إليه في قوام البنية ومؤونة العيال (وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك) أي لو أن تلك المصيبة منعت وأخرت عنك [ص: 73] فليس الزهد تجنب المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه عنده وعدم تعلقه بالقلب البتة ومن ثمة قال الغزالي: الزهد ترك طلب المفقود من الدنيا وتفريق المجموع منها وترك إرادتها واختيارها قالوا: وأصعب الكل ترك الإرادة بالقلب. إذ كم تارك لها بظاهره محب لها بباطنه فهو في مكافحة ومقاساة من نفسه شديدة فالشأن كله في عدم الإرادة القلبية ولهذا لما سئل أحمد عمن معه ألف دينار ألا يكون زاهدا؟ قال: نعم بشرط أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت وقال بعضهم: الزاهد من لا يغلب الحلال شكره والحرام صبره قال ابن القيم: وهذا أحسن الحدود فالزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها وقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال فاعتزلوا الناس فضيعوا الحقوق وقطعوا الأرحام وجفوا الأنام واكفهروا في وجوه الأغنياء وفي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب وأن أصله موت الشهوة القلبية فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد فأداهم ذلك إلى الطعن في كثير من الأئمة (ت هـ) في الزهد (عن أبي ذر) قال الترمذي: غريب وقال المناوي: فيه عمر بن واقد قال الدارقطني: متروك الحديث: 4593 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 4594 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) وفي رواية الجسد (والرغبة فيها تتعب القلب والبدن) ونفعها لا يفي بضرها وتبعاتها من شغل القلب وكذا البدن في الدنيا والعذاب الأليم والحساب الطويل في الآخرة فينبغي أن لا يأخذ العاقل منها إلا ما لا بد منه من عبادة ربه والنفس تسلي وتتعود ما عودتها كما قال: وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى. . . فإن توقت تاقت وإلا تسلت (وقال آخر:) فالنفس راغبة إذا رغبتها. . . وإذا ترد إلى قليل تقنع وقال الشافعي: عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد (طس عد هب عن أبي هريرة هب عن عمر موقوفا) قال المنذري: إسناده مقارب الحديث: 4594 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 4595 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) لأنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ما هو بصدده وقطع مواد طمعه التي هي من أفسد الأشياء للقلب قال رجل لابن واسع: أوصني قال: أوصيك أن تكون ملكا في الدنيا والآخرة قال: كيف قال: فالزم الزهد (والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن) فالدنيا عذاب حاضر يؤدي إلى عذاب منتظر فمن زهد فيها استراحت نفسه وصار عيشه أطيب من عيش الملوك فإن الزهد فيها ملك حاضر إذ العبد إذا ملك شهوته وغضبه وانقاد معه لداعي الدين فهو الملك حقا لأن صاحب هذا الملك حر والملك المنقاد لشهوته وغضبه عبدهما فهو مملوك في صورة مالك يقوده زمام الشهوة والغضب كما يقاد البعير وما أحسن ما قال بعضهم: أرى الزهاد في روح وراحه. . . ملوك الأرض سيمتهم سماحه (حم في) كتاب (الزهد هب عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري أحد أعلام التابعين (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة يرفعه قال الهيثمي: وفيه أشعث بن نزار لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ثم ظاهر كلامه أيضا أنه لا علة في هذا المرسل سوى الإرسال وليس كذلك بل فيه الهيثم بن جميل قال الذهبي في الضعفاء: حافظ له مناكير الحديث: 4595 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 [ص: 74] 4596 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) حقيقة الزهد التوكل حتى يكون ثقته بقسمة الله فإن ما في يده قد يكون رزق غيره ولا يفرح به ولا يطمئن ولا إلى ما يرجوه من يد غيره فيستريح قلبه من همها وغم ما يفوت منها وبدنه من كد الحرص وكثرة التعب في طلبها فلم يغتم قلبه على ما فات ولم ينصب بدنه فيما هو آت وإن جهل ذلك يعذب قلبه بتوقع ما لم يقسم منها ويحزن لذلك على كل فائت منها فتستخدمه الدنيا ويصير من عيد الهوى بطالا من خدمة المولى فيقسو قلبه ببطالته وأبعد القلوب من الله القلب القاسي (والرغبة فيها تكثر الهم والحزن والبطالة تقسي القلب (1)) ومن ثمة ترك الصحب السعي في تخليصها بالكلية واشتغل أكثرهم بالعلوم والمعارف وبالتعبد حتى لم يبقوا من أوقاتهم شيئا إلا وهم مشغولون بذلك ومن حصلها منهم إنما كان خازنا لله وذلك لا ينافي زهده فيها لأنهم لم يمسكوها لأنفسهم بل للمستحقين وقت الحاجة بحسب ما يقتضيه الاجتهاد في رعاية الأصلح <تنبيه> سئل بعض الصوفية إذا كان حقيقة الزهد ترك شيء ليس له فالزاهد جاهل لأنه ما زهد إلا في عدم ولا وجود له فقال: صحيح لكن شرع الزهد ليخرج من حجاب المزاحمة على الدنيا فالمحجوب كلما لاح له شيء قال: هذا لي فيقبض عليه فلا يتركه إلا عجزا وأما العارف فلا قيمة للزهد عنده لعلمه بأن ما قسم له لا يتصور تخلفه وما لا يقسم لا يمكنه أخذه فاستراح والدنيا لا تزن عندهم جناح بعوضة فلا يرون الزهد عندهم مقاما وعليه قيل: تجرد عن مقام الزهد قلبي. . . فأنت الحق وحدك في شهودي أأزهد في سواك وليس شيء. . . أراه سواك يا سر الوجود؟ ومنهم من احتقر كل ما في الدنيا مما لم يؤمر بتعظيمه فرآه لشدة حقارته عدما ومنهم من تخلق بأخلاق الله ورأى الوجود كله من شعائر الله فلم يزهد في شيء بل استعمل كل شيء فيما خلق له وهو الكامل وإنما زهد الأنبياء في الدنيا حتى عرضها عليهم تشريعا فإن بداية مقامهم تؤخذ من بعد نهاية الأولياء من زهد ومن لم يزهد فبالنظر لمقامهم لا يزهدون وبالنظر لأممهم يزهدون وأنشدوا: الزهد ترك وترك الترك معلوم. . . بأنه مسك ما في الكف مقبوض الزهد ليس في العلم مرتبة. . . وتركه عند أهل الجمع مفروض أي لأنه ما ثم إلا تخلق بأخلاق الله وهو لم يزهد في الكون لأنه مدبره ولو تركه لاضمحل في لمحة فيقال للزاهد بمن تخلقت في زعمك ترك الدنيا؟ بل نفسك الخارج من جوفك من الدنيا فاتركه تموت (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه أيضا ابن لال والحاكم والطبراني والديلمي وغيرهم فعدول المصنف للقضاعي واقتصاره عليه غير جيد   (1) أي والشغل بالعبادة أو باكتساب الحلال للعيال يرققه قال أبو يزيد: ما غلبني إلا شاب من بلخ قال لي: ما حد الزهد عندكم قلت: إن وجدنا أكلنا وإن فقدنا صبرنا فقال: هكذا عندنا كلاب بلخ قلت: فما حده عندكم قال: إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا الحديث: 4596 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 حرف السين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 4597 - (سأحدثكم بأمور الناس وأخلاقهم) جمع خلق بالضم: السجية والطبع (الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل وصف طردي (يكون سريع الغضب سريع الفيء) أي الرجوع عن الغضب (فلا) يكون (له) فضل (ولا عليه) جرم بل يكون [ص: 75] (كفافا) أي رأسا برأس لمقابلة سرعة رجوعه بسرعة غضبه فالفضيلة تجبر النقيصة فكأنه لا فضيلة ولا نقيصة (والرجل يكون بعيد الغضب سريع الفيء فذلك له ولا عليه والرجل يقتضي) أي يستوفي (الذي له) على غيره (ويقضي) الدين (الذي عليه فذلك) رجل (لا له) فضيلة (ولا عليه) نقيصة للمقابلة المذكورة (والرجل يقتضي) الدين (الذي له) على غيره (ويمطل الناس الذي عليه) أي يسوف بالوفاء من وقت إلى وقت مع القدرة (فذلك) رجل (عليه) إثم (ولا له) فضل ومن ثم قالوا: إن المطل كبيرة وهل يشترط تكرره؟ خلاف (البزار) في مسنده وكذا الطبراني والديلمي (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رواه البزار من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه وهما ثقتان وفيهما ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4597 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 4598 - (سألت ربي أن لا يعذب اللاهين) البله الغافلين أو الذين لم يتعمدوا الذنوب وإنما فرط منهم سهو أو غفلة أو الأطفال (من ذرية البشر) لأن أعمالهم كاللهو واللغو من غير عقد ولا عزم (فأعطانيهم) ويعين الأخير ما رواه البزار والطبراني بسند رجاله ثقات عن الحبر كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فسأله رجل ما تقول في اللاهين فسكت فلما فرغ من غزوه وطاف فإذا هو بغلام وقع وهو يعبث بالأرض فنادى مناديه: أين السائل عن اللاهين فأقبل الرجل فنهى عن قتل الأطفال ثم قال: هذا من اللاهين (ش قط في الأفراد والضياء) المقدسي (عن أنس) ورواه عنه الديلمي قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت وله عدة طرق ورواه أبو يعلى قال الهيثمي: رجال أحدها رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة الحديث: 4598 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 4599 - (سألت ربي أبناء العشرين) أي سألته قبول الشفاعة فيمن مات (من أمتي) على الإسلام في سن العشرين (فوهبهم لي) أي شفعني فيهم بأن يدخل صلحاءهم الجنة ابتداء ويخرج من شاء تعذيبه من عصاتهم من النار فلا يخلدهم فيها (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (عن أبي هريرة) الحديث: 4599 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 4600 - (سألت الله في أبناء الأربعين من أمتي) أمة الإجابة أي سألته في شأنهم بأن يغفر لهم (فقال يا محمد قد غفرت لهم) ذنوبهم (قلت فأبناء الخمسين قال إني غفرت لهم قلت فأبناء الستين قال قد غفرت لهم قلت فأبناء السبعين قال يا محمد إني لأستحي من عبدي أن أعمره سبعين سنة يعبدني لا يشرك بي شيئا أن أعذبه بالنار) أي نار الخلود (فأما أبناء الأحقاب) جمع حقب وهو ثمانون سنة وقيل تسعون ولذلك بينه بقوله (أبناء الثمانين والتسعين فإني واقفهم) كذا في نسخ كثيرة وفي نسخ واقف والأولى أولى (يوم القيامة) بين يدي (فقائل لهم أدخلوا) معكم (من أحببتم الجنة) قال القاضي: فالمغفرة هنا التجاوز عن صغائرهم وأن لا يمسخ صدورهم بالذنوب لا أن يصير أمته كلهم مغفورين غير معذبين توفيقا [ص: 76] بينه وبين ما دل من الكتاب والسنة على أن الفاسق من أهل القبلة يعذب بالنار لكنه لا يخلد وقال الطيبي: المراد أنهم لا يجب عليهم الخلود وينالهم الشفاعة فلا يكونون كالأمم السابقة كثير منهم لعنوا بعصيانهم الأنبياء فلم تنلهم الشفاعة وعصاة هذه الأمة من عذب منهم نقى وهذب ومن مات على الشهادتين يخرج من النار وإن عذب وينالهم الشفاعة وإن اجترح الكبائر إلى غير ذلك من خصائصنا (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عائشة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4600 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 4601 - (سألت الله أن يجعل حساب أمتي إلي) أي أن يفوض محاسبتهم إلي أحاسبهم وأستر زللهم (لئلا تفتضح عند الأمم) المتقدمة عليها بما لهم من كثرة الذنوب وقلة الأعمال (فأوحى الله عز وجل إلي يا محمد بل أنا أحاسبهم فإن كان منهم زلة سترتها) حتى (عنك) أنت (لئلا يفتضحوا عندك) وهذا تنويه عظيم بكرامة المصطفى صلى الله عليه وسلم على ربه وفضل أمته وبيان لعناية الله بهم ومزيد شفقته عليهم ولطفه بهم قال ابن العربي: وفيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم في أصل الإجابة كسائر المسلمين في أنه يجوز أن يعطى ما دعا فيه وأن يعرض عما سأل (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن شادني وغيره الحديث: 4601 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 4602 - (سألت ربي أن يكتب على أمتي سبحة الضحى فقال تلك صلاة الملائكة من شاء صلاها ومن شاء تركها ومن صلاها فلا يصليها حتى ترتفع) قال في الفردوس: سبحة الضحى أي صلاة الضحى وتسمى الصلاة تسبيحا لأن التسبيح تعظيم الله وتنزيهه من كل سوء وقوله سبحانه {كان من المسبحين} أي المصلين وقيل: السبحة الصلاة النافلة (فر عن عبد الله بن يزيد) بن عاصم الأنصاري المازني لكنه أعني الديلمي لم يذكر له سندا فسكوت المصنف عنه غير سديد الحديث: 4602 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 4603 - (سألت ربي فيما) وفي رواية عما (يختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى) فاختلافهم رحمة وذلك لأن قتالهم لم يكن للدنيا بل للدين فهم وإن افترقوا من جهة حوز الدنيا فهم كنفس واحدة في التوحيد وكلهم نصروا الدين وأهله وقمعوا الشرك وأصله وفتحوا الأمصار وسلبوا الكفار وقمعوا الفجار ودعوا إلى كلمة التقوى جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا فأذاقهم الله بأسهم فبأسهم الذي أذيقوه كفارة لما اجترحوه (السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة زيد الحواري وكذا البيهقي وابن عدي كلهم (عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي في العلل: هذا لا يصح نعيم مجروح وعبد الرحيم قال ابن معين: كذاب وفي الميزان هذا الحديث باطل اه. وقال ابن معين وابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب سئل عنه البزار فقال: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الكمال ابن أبي شريف كلام شيخنا يعني ابن حجر يقتضي أنه مضطرب وأقول: ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بقوله قال ابن سعد: زيد العمي أبو الحواري كان ضعيفا في الحديث وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء ورواه عن عمر أيضا البيهقي قال الذهبي: وإسناده واه الحديث: 4603 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 [ص: 77] 4604 - (سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلي أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك) الظاهر أن ذلك شامل لمن تزوج أو زوج من ذريته فتكون بشرى عظيمة لمن صاهر شريفا أو شريفة (طب ك) في فضائل علي (عن عبد الله بن أبي أوفى) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني عمار بن سيف ضعفه جمع ووثقه ابن معين وبقية رجاله ثقات انتهى وقال ابن حجر في الفتح: خرجه الحاكم في مناقب علي وله شاهد عن ابن عمر وعند الطبراني في الأوسط بسند واه الحديث: 4604 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 4605 - (سألت ربي ألا يدخل أحدا من أهل بيتي إلى النار فأعطانيها) وفي رواية فأعطاني ذلك وهذا يوافقه ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال: من رضى محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار ومر أن المراد من أهل بيته مؤمنو بني هاشم والمطلب أو فاطمة وعلي وابناهما أو زوجاته لكن تمسك المصنف بعمومه وجعله شاهدا لدخول أبويه الجنة قال: وعموم اللفظ وإن طرقه الاحتمال معتبر قال: وتوجيهه أن أهل الفترة موقوفون إلى الامتحان بين يدي الملك الديان فمن سبقت له السعادة أطاع ودخل الجنان أو الشقاوة عصى ودخل النيران قال: وفي خبر الحاكم ما يلوح أنه يرتجي لأبويه الشفاعة وليست إلا إلى التوفيق عند الامتحان للطاعة <تنبيه> قال ابن عربي: لا يظهر حكم الشرف لأهل البيت إلا في الآخرة فإنهم يحشون مغفورا لهم وأما في الدنيا فمن أتى منهم حدا أقيم عليه كالنائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد زنى أو شرب أو سرق يقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة وينبغي لكل مسلم أن يصدق بقوله {ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فيعتقد أن الله قد عفا عن أهل البيت عناية من الله بهم والظاهر أن المراد بالنار نار الخلود (أبو القاسم بن بشران) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (في أماليه) وأبو سعيد في شرف النبوة (عن عمران بن حصين) وأخرجه عنه ابن سعد والملا في سيرته وهو عند الديلمي وولده بلا سند الحديث: 4605 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 4606 - (سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك ولأنهم في الميثاق الأول) فهم من أهل الجنة وهذا ما عليه الجمهور قال المصنف في السندسية: والأخبار الواردة بأنهم في النار بعضها متين لكنه منسوخ عند أهل التحقيق والرسوخ بالشفاعة الواقعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم حيث قال في الخبر الماضي: سألت ربي أن لا يعذب اللاهين إلخ قال: والناسخ من الكتاب قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (أبو الحسن بن مسلمة) في (أماليه عن أنس) بن مالك الحديث: 4606 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 4607 - (سألت ربي أن لا أزوج إلا من أهل الجنة ولا أتزوج إلا من أهل الجنة) أي فأعطاني ذلك كما يرشد إليه السياق (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عباس) وفي الباب ابن عمر وغيره عند الطبراني وغيره الحديث: 4607 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 [ص: 78] 4608 - (سألت الله الشفاعة لأمتي) أي أمة الإجابة (فقال لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) قال في المطامح: ولعل هذه الطائفة هم أهل مقام التفويض الذين غلب عليهم حال الخليل حين قال له جبريل وهو في المنجنيق: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا والظاهر أن المراد التكثير لا خصوص العدد (قلت رب زدني فحثى لي بيده مرتين عن يمينه وعن شماله) ضرب المثل بالحثيات لأن من شأن المعطي إذا استزيد أن يحثى بكفيه بغير حساب وربما ناوله بلا كف وقال بعضهم: هذا كناية على المبالغة في الكثرة وإلا فلا كف ثمة ولا حثى قال في المطامح: وربما يفهم منه أن من عدا هؤلاء لا يدخلون الجنة إلا بعد الحساب (هناد عن ابن هريرة) رمز المصنف لحسنه وقال ابن حجر: سنده جيد ورواه عنه أيضا ابن منيع والديلمي الحديث: 4608 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 4609 - (سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى) لشعيب هل هو أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي هو الثمان (قال) قضى (أكملهما وأتمهما) وهو العشر (ع ك) من حديث ابن عيينة عن إبراهيم بن يحيى عن الحكم بن أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن إبراهيم لا يعرف انتهى وقال في المنار: هو رجل صالح لكنه لا يعرف وليس كل صالح ثقة في الحديث بل لم ير الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث لسلامة صدورهم وحسن ظنهم عن تحديثهم وشغلهم بما هم فيه عن الضبط والحفظ انتهى. ورواه الطبراني عن جابر قال الهيثمي: وفيه موسى بن سهل لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 4609 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 4610 - (سألت جبريل هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو رأيت أدناها لاحترقت) ذكره السبعين ليس للتحديد بل عبارة عن الكثرة لأن الحجب إذا كانت أشياء حاجزة فالواحد منها يحجب والله لا يحجبه شيء والقدرة لا نهاية لها وإن كانت الحجب عبارة عن الهيبة والإجلال والإعداد دونها منقطعة بكل حال والغايات مرتفعة وكيف تكون السبعين غاية مع خبر إن دون الله يوم القيامة سبعين ألف حجاب والنور وإن كان سببا لإدراك الأشياء ورؤيتها لكنه يحجب كالظلمة والحاجب القدرة دون الجسم وحجب هذا الملك الأعظم عن تجلي كنه عظمته لأنه هو وغيره لا يصبرون لعظيم هيبته فحجبهم ليكون لهم البقاء إلى الآجال المضروبة وإلا هلكوا (طس عن أنس) قال الحافظ الهيثمي: فيه فائد الأعمش قال أبو داود: عنده أحاديث موضوعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: اتهم كثيرا الحديث: 4610 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 4611 - (سألت جبريل عن هذه الآية {ونفخ في الصور فصعق أي مات من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم الشهداء ثنية) كذا بخط المصنف بمثلثة ونون وتحتية (الله تعالى متقلدون أسيافهم حول عرشه) لا يعارضه خبر الغرياني أنهم جبريل وميكائل وملك الموت وإسرافيل وحملة العرش وخبر البيهقي أنهم الثلاثة الأول لأن الكل من المستثنى وإنما صح استثناء الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون وقيل: المستثنى الحور والولدان. [ص: 79] (ع قط في الأفراد ك) في التفسير (وابن مردويه) في التفسير (والبيهقي في الشعب) والديلمي في الفردوس (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 4611 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 4612 - (ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة) أي يكاد يقع في الهلاك الأخروي وأراد في ذلك المؤمن المعصوم والقصد به وما بعده التحذير من السب (البزار) في مسنده وكذا أحمد والطبراني والديلمي (عن ابن عمرو) ابن العاص قال المنذري: إسناده جيد والهيثمي: رجاله ثقات اه ومن ثمة رمز المصنف لحسنه الحديث: 4612 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 4613 - (ساب الموتى كالمشرف على الهلكة) أراد الموتى المؤمنين وإيذاء المؤمن الميت أغلظ من الحي لأن الحي يمكن استحلاله والميت لا يمكن استحلاله فلذا توعد عليه بالوقوع في الهلاك (طب عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 4613 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 4614 - (سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له) قال الديلمي: يعني قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال في الكشاف عقب إيراد هذا الحديث في تفسير الآية: ينبغي أن لا يغتر بذلك فإن شرطه صحة التوبة لقوله {عسى الله أن يتوب عليهم} وقوله {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم} ولقد نطق القرآن بذلك في مواضع من استقرأها اطلع على حقيقة الأمر ولم يعلل نفسه بالخدع اه وهذا منه كما ترى تقرير لمذهب أهل الاعتزال من وجوب تعذيب العاصي (1) وقال الراغب: الناس أضرب ضرب في أفق البهائم من جهة الرذيلة وهم الموصوفون بقوله {إن هم إلا كالأنعام} وضرب في أفق الملائكة من كثرة ما خصوا به من العلم والمعرفة والعبادة فالواحد منهم إنسان ملكي وضرب واسطة بين الطرفين يشرف بحسب قربه من الملائكة ويرذل بحسب قربه من البهائم وإلى الأنواع الثلاثة أشار هذا الخبر اه. وقال ابن أدهم في قوله {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد} إلخ قال: السابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الكرامة والمقتصد مضروب بسوط الندامة مقتول بسيف الحسرة مضطجع على باب العفو والظالم لنفسه مضروب بسوط الغفلة مقتول بسيف الأمل مضطجع على باب العقوبة (ابن مردويه) في تفسيره عن الفضل بن عمير الطفاوي عن ميمون الكردي عن عثمان النهدي عن ابن عمر وأعله العقيلي بالفضل وقال: لا يتابع عليه (والبيهقي في) كتاب (البعث) والنشور (عن ابن عمر) ابن الخطاب أنه قرأ على المنبر {ثم أورثنا الكتاب} الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه أيضا الفضل بن عميرة القرشي قال في الميزان عن العقيلي: لا يتابع على حديثه ثم ساقا له هذا الخبر رواه عنه عمرو بن الحصين وعمرو ضعفوه اه. وتعجب منه ابن معين فكأنه استنكره   (1) ومذهب أهل السنة والجماعة أن أمر العاصي إلى الله: إن شاء تجاوز عنه وإن شاء عذبه وبه يستقيم الجمع بين كافة الآيات والأحاديث. قال تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". إنما يبقى وجه تحذير الزمخشري بعدم الاغترار بأمثال هذا الحديث فنسأل الله الثبات. دار الحديث] الحديث: 4614 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 4615 - (سادة السودان أربعة لقمان الحبشي) الحكيم قيل: هو عبد داود وفي الكشاف أنه ابن باعور ابن أخت أيوب أو ابن خالته ومن حكمته أنه لم ينم نهارا قط ولم يضحك قط ولم يبك مذ ماتت أولاده ولم يره أحد على تغوط ولا على بول في مدة عمره (والنجاشي) أصحمة ملك الحبشة (وبلال) المؤذن (ومهجع) مولى عمر بن الخطاب وسبق هذا موضحا <فائدة> في المحلى لابن حزم أنه لا يكمل حسن لحور العين في الجنة إلا بسواد بلال فإنه يفرق سواده شامات في خدودهن فسبحان من أكرم أهل طاعته (ابن عساكر) في تاريخه في ترجمة بلال من طريق ابن المبارك مصرحا فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى (عن عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة (عن جابر مرسلا) هو تابعي ثقة جليل ثم قال أعني ابن عساكر ورواه معاوية بن صالح عن الأوزاعي وروى نحوه عن عطاء عن ابن عباس ولم يذكر مهجع الحديث: 4615 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 [ص: 80] 4616 - (سارعوا في طلب العلم فالحديث) في العلم (من صادق) ثوابه في الآخرة (خير من الدنيا وما عليها من ذهب وفضة) والمراد العلم الشرعي وما كان آلة له وبين قوله من صادق لأن الكلام فيمن طلبه بنية صالحة خالصا لوجه الله تعالى لا يريد به جاها ولا رفعة ولا تحصيلا للحطام ولا ليماري به السفهاء ويجادل به الفقهاء وأن يصرف به وجوه الناس إليه وإلا فلا ثواب له فيه بل هو عليه وبال كما شهدت به الأخبار والآثار قال الحسن: إياك والتسويف فإنك ليومك ولست لغدك (الرافعي) إمام الدين عبد الكريم (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 4616 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4617 - (ساعات الأذى) أي الأمراض والمصائب التي ترد على الإنسان (يذهبن ساعات الخطايا) أي يكفرن الخطايا (ابن أبي الدنيا في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (عن الحسن) البصري (مرسلا) ورواه البيهقي عن الحسن أيضا فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 4617 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4618 - (ساعات الأذى في الدنيا يذهبن ساعات الأذى في الآخرة) أي ما يعرض للإنسان من المكاره والمصائب في الدنيا تكون سببا للنجاة من أهوال الآخرة وكروبها (هب عن الحسن) البصري (مرسلا فر عن أنس) ورواه عنه أيضا ابن شاهين وابن صاعد وعنهما أورده الديلمي فاقتصار المصنف عليه تقصير الحديث: 4618 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4619 - (ساعات الأمراض يذهبن ساعات الخطايا) ومن ثم قال بعض الصحب وقد عاد أنصاريا فسأله كيف حاله فقال له: ما غمضت منذ سبع فقال له: أي أخي اصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها (هب) من حديث بشر بن عبد الله بن أبي أيوب الأنصاري عن أبيه (عن) جده (أبي أيوب) الأنصاري قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فأكب عليه فسأله فقال ما غمضت منذ سبع فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الهيثم بن الأشعث قال الذهبي في الضعفاء: مجهول عن فضالة بن جبير عن ابن عدي أحاديثه غير محفوظة ومن لطائف إسناده من رواية الرجل عن أبيه عن جده الحديث: 4619 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4620 - (ساعة السبحة حين تزول) الشمس (عن كبد السماء وهي صلاة المخبتين وأفضلها في شدة الحر) قال الزمخشري: السبحة من التسبيح كالمتعة من التمتيع والمكتوبة والنافلة وإن التفتا في أن كل واحدة مسبح بها إلا أن النافلة جاءت بهذا الاسم أخص من قبيل أن التسبيحات في الفرائض نوافل فكأنه قيل النافلة سبحة على أنها شبيهة بالأذكار في كونها غير واجبة وأما السبحات جمع سبحة كغرفة وغرفات في قوله في الخبر المار سبحات وجهه فهي الأنوار التي إذا رآها الراءون من الملائكة سبحوا لما يروعهم من جلال الله وعظمته. إلى هنا كلامه (ابن عساكر) في التاريخ (عن عوف بن مالك) الحديث: 4620 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4621 - (ساعة في سبيل الله) أي في جهاد الكفار لإعلاء كلمة الجبار (خير من خمسين حجة) أي لمن تعين عليه الجهاد وصار [ص: 81] في حقه فرض عين فالمخاطب بالحديث من هذا شأنه وقد مر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل إنسان بما يليق بخصوص حاله (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو يعلى ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فاقتصار المصنف على عزوه للفرع دون الأصل غير جيد الحديث: 4621 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 4622 - (ساعة من عالم) أي عامل بعلمه (متكئ على فراشه ينظر في علمه) أي يطالع أو يقرأ أو يؤلف أو يفتي (خير من عبادة العابد سبعين عاما) لأن العلم أس العبادة ولا تصح العبادة بدونه والمراد العلم الشرعي المصحوب بالعمل كما مر مرارا (فر عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى الحديث: 4622 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 4623 - (ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته لحضور الصلاة والصف في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله وأشار بقوله قلما إلى أنها قد ترد لفوات شرط من شروط الدعاء أو ركن من أركانه أو نحو ذلك (طب عن سهل بن سعد) الساعدي رمز المصنف لحسنه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو غفول عجيب فقد خرجه الإمام مالك كما في الفردوس باللفظ المذكور عن سهل المزبور ورواه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 4623 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 4624 - (سافروا تصحوا) من الصحة والعافية. قال الشافعي: إنما هذا دلالة لاحتمال أن يسافر لطلب الصحة <تنبيه> ذهب الصوفية إلى أن هذا السفر ليس هو المعهود بل المأمور به السفر بالفكر والعمل والاعتبار والمسافر هو الذي أسفر له سلوكه عن أمور مقصودة له وغير مقصودة والمسافر في الطريق اثنان مسافر يفكر في المعقولات والاعتبار ومسافر بالأعمال وهم أصحاب اليعملات فمن أسفر له طريقه عن شيء فهو مسافر ومن لا فهو مسافر متصرف في طريق مدينة وشوارعها غير مسافر فالمسافر من سافر بفكره في طلب الآيات والدلالات على وجود الصانع فلم يجد في سفره دليلا سوى إمكانه وأنه ليست نسبة الوجود إليه أولى من نسبة العدم فافتقر إلى مرجح فلما وصل إلى هذه المنزلة وقطع هذه المهلة وأسفرت عن وجوه مرجحة أحدث سفرا آخر فيما ينبغي للصانع الذي أوجده فأسفر له الدليل على تفرد هذا المرجح بأنه واجب الوجود لنفسه لا يجوز عليه ما جاز على الممكن من الافتقار ثم انتقل مسافرا إلى منزل آخر فأسفر له أن واجب الوجود يستحيل عدمه لثبوت قدمه إذ لو انعدم لم يكن واجب الوجود لنفسه ثم سافر إلى أن ينفي عنه كل ما يدل على حدوثه ثم يسافر في علم الوجود بوجود العالم وبقائه وصلاحه إذ لو كان معه إله آخر لم يوجد العالم بفرض الاتفاق والاختلاف كما يعطيه النظر ثم يسافر إلى منزلة يعطيه العلم بما أوجده وخلقه والإرادة لذلك ونفوذها وعدم قصورها وعموم تعلق قدرته بإيجاد هذا الممكن وحياة هذا المرجح لأنها شرط ثبوت هذه النعوت له وإثبات صفات الكمال من كلام وسمع وبصر ثم يسافر إلى منزلة تسفر له عن إمكان بعثة الرسل وأنه بعث رسلا وأقام الأدلة على صدقهم فيما ادعوه ولما كان هو ممن بعث إليه الرسول وآمن به واتبعه في مواسمه حتى أحبه الله فكشف عن قلبه وطالع عجائب الملكوت وانتقش في نفسه جميع ما في العالم وفر إلى الله مسافرا من كل ما يبعده منه ويحجبه عنه إلى أن رآه في كل شيء أراد أن يلقي عصا التسيار فعرفه ربه أن الأمر لا نهاية له وأنه لا يزال مسافرا إلى منزلة تسمى بالموت ثم لا يزال مسافرا حتى يقطع منازل البرزخ إلى أن يصل إلى منزلة بالبعث فيركب مركبا شريفا يحمله إلى دار سعادته فيصح صحة [ص: 82] الآبق (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 4624 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 4625 - (سافروا تصحوا وتغنموا (1)) قال البيهقي: دل به على ما فيه سبب الغنى ومما عزي للشافعي: تغرب عن الأوطان في طلب العلا. . . وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة. . . وعلم وآداب وصحبة ماجد وقد خص الإنسان بالقوى الثلاث ليسعى في مناكب الأرض بما تفيده السعاية وترفعه من الذل إلى العز ومن الفقر إلى الغنى ومن الضعة إلى الرفعة ومن الخمول إلى النباهة (هق) عن بسطام بن حبيب ثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي حازم (عن ابن عباس) مرفوعا (الشيرازي في) كتاب (الألقاب طس وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (والقضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال الطبراني: لم يروه عن ابن دينار إلا محمد بن رواد وقال البيهقي: رواه محمد بن عبد الرحمن بن رواد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر اه قال في المهذب: ابن رواد واه اه وفي الميزان عن الأزدي لا يكتب حديثه ثم أورد له هذا الخبر اه وقد علمت أن روادا تفرد به فالحديث لأجله شديد الضعف   (1) فإن السفر قد يكون أنفع من التنفل أو يضاهيه لأن المنفل سائر إلى الله من مواطن الغفلات إلى محال القربات والمسافر يقطع المسافات والتقلب في المفاوز والفلوات بحسن النية إلى الله سائر إليه لمراغمة الهوى ومهاجرة ملاذ الدنيا الحديث: 4625 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 4626 - (سافروا تصحوا وترزقوا) ومن ثمة قيل: شمر ذيلا وأدرع ليلا فمن لزم القرار ضاجع الصغار وقيل: السيف إن قر في الغمد صدىء وقيل: إن لزوم قفر البيوت موت وإن السير في الأرض النشور قال الراغب: وإذا تأملت هذا الحديث ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنه حثك على التحرك الذي يثمر لك جنة المأوى ومصاحبة الملأ الأعلى بل مجاورة الله تعالى وذلك يحتاج إلى أربعة أمور معرفة المقصود المشار إليه بقوله {توبوا إلى الله جميعا} ومعرفة الطريق المشار إليه بقوله {قل هذه سبيلي} وتحصيل الزاد المبلغ المشار إليه بقوله {وتزودوا} والمجاهدة في الوصول إليه كما قال {وجاهدوا في الله حق جهاده} قال الفقيه عيسى الحضرمي: عرض علي في بعض الأحوال في غيبة وليس بنوم كتاب وإذا أوله سافروا عن أوطان النفوس إلى حضرة الملك القدوس تصحوا من سقام كيف ولم وهلا وإلا ولولا انتهى (عب عن محمد بن عبد الرحمن مرسلا) الحديث: 4626 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 4627 - (سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا) قرنه بالغزو يعرفك أن المراد بالسفر في هذا وما قبله من الأخبار سفر الجهاد ونحوه من كل سفر واجب فلا يناقضه ما سيجيء في خبر السفر قطعة من العذاب مما ظاهره التزهيد فيه على أن ذلك إنما خرج بيانا لما يلقاه المسافر من مشاق السفر ومتاعبه <تنبيه> قال الغزالي: السفر سفران سفر بالظاهر وسفر بالباطن إلى الله وأشير إليه بقوله {إني ذاهب إلى ربي} وإليهما بقوله {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} والثاني أعظم لأن صاحبه يتنزه أبدا {في جنة عرضها السماوات والأرض} وينزل منازلا لا يضيق بكثرة الواردين (حم عن أبي هريرة) الحديث: 4627 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 4628 - (سافروا مع ذوي الجد وذوي الميسرة) لأن السفر يظهر خبايا الطبائع وكوامن الأخلاق وخفايا السجايا إذ [ص: 83] الأبدان إذا تعبت ضعفت القوة المختلفة في القلة والكثرة لكون الطبائع تبعثها وتبين مقاديرها وزيادة بعضها ونقصان بعض فتظهر محاسن الأخلاق ومساوئها لأنها تميز الطبائع من القوة والقوى من الأحوال والسفر يأتي على مختلف الأهوية والأغذية فمن سافر مع أهل الجد والاحتشام يكلف رعاية الأدب وتحمل الأذى وموافقتهم بما يخالف طبعه فيكون ذلك تأديبا له ورياضة لنفسه فيتهذب لذلك ويهتدي إلى تجنب مساوئ الأخلاق واكتساب محاسنها وأما من سافر مع من دونه فكل من معه يحمل نفسه على موافقته ويتحمل المكاره لطاعته فتحسن أخلاقهم وربما يسوء خلقه فإن حسن الخلق في تحمل المكاره (فر عن معاذ) بن جبل وفيه إسماعيل بن زياد فإن كان الشامي فقد قال الذهبي عن الدارقطني ممن يضع أو الشفري فقال ابن معين كذاب أو السكوني فجزم الذهبي بأنه كذاب كما سبق الحديث: 4628 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 4629 - (ساقي القوم آخرهم) أي شرابا كما في الخبر الآتي وهذا في آداب ساقي الماء ونحوه كلبن ومثله ما يفرق على جمع من مأكول أو مشموم فيكون المفرق آخرهم تناولا لنفسه قال ابن العربي: وهذا أمر ثابت مادة وشرعا وحكمته ندب الإيثار فلما صار في يده ندب له أن يقدم غيره لما فيه من كريم الأخلاق وشرف السليقة وعزة القناعة وقال الزين العراقي فيه أن الذي يباشر سقي الماء أو غيره يكون شربه بعد الجماعة كلهم لأن الإناء بيده فلا ينبغي أن يعجل خلافا لما يعتاده الملوك والأمراء من شرب الساقي قبل خشية أن يكون فيه سم وفي مسند البزار أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أكله من شاة خيبر لم يتناول مما أحضره له أهل بيته شيئا حتى يؤكل منه فرعاية السنة أولى ممن لم يخف على نفسه وهل المراد بساقي القوم من يناوله للشاربين أو المالك الظاهر الأول (حم تخ د عن عبد الله بن أبي أوفى) رمز المصنف لصحته ورواه مسلم في الصلاة مطولا والترمذي وابن ماجه كما هنا في الأشربة والنسائي في الوليمة فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد أبي داود به عن الستة غير جيد الحديث: 4629 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 4630 - (ساقي القوم آخرهم شربا) لان ذلك أبلغ للقيام بحق الخدمة وأحفظ للهمة وأحرز للسيادة فيبدأ بسقي كبير القوم ثم من عن يمينه واحدا بعد واحد ثم يسقي ما بقي منهم ثم يشرب قال في البحر: أشار بهذا الخبر وما قبله إلى أن كل من ولي شيئا من أمور الناس يجب عليه تقديم مصلحتهم على حظ نفسه والنصح لهم في جليل الأمور ودقيقها فمنهم السلاطين المتقلدون لأعباء الأمة الحامون للبيعة والعلماء الحافظون للشريعة المعلمون الدين والتجار الذين يتولون منافع أبدانهم وأصحاب الحرف الذين يعاونونهم والواجب على السلطان الذب عنهم والنصح لهم وعلى العلماء تعليم الجهال برفق ونصح وصبر على تعليم البليد وتفريغ وقتهم ونشاطهم لذلك ولا يكثر عليهم فيملوا ولا يغلظ فينفروا ولا يريدوا به شيئا من عرض الدنيا (ت هـ عن أبي قتادة) ثم قال الترمذي: حسن صحيح (طس والقضاعي) كلاهما من حديث ثابت البناني (عن المغيرة) بن شعبة. قال الزين العراقي: وثابت لا أعرف له سماعا من المغيرة الحديث: 4630 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 4631 - (سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم) والثلاثة أولاد نوح لصلبه وفي رواية لابن عساكر عن أبي هريرة سام أبو العرب وفارس والروم وأهل مصر والشام ويافث أبو الخزرج ويأجوج ومأجوج وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء وقال ابن جرير: روي أن نوحا دعا لسام أن يكون الأنبياء من ولده ودعا ليافث أن يكون الملوك من ولده ودعا على حام بأن يتغير لونه ويكون ولده عبيدا وأنه رق عليه بعد ذلك فدعا له بأن يرزق الرأفة من أخويه قال المصنف في الساجعة: وسام قيل إنه نبي وولده أرفخشذ صديق وقد أدرك جده نوحا ودعا له وكان في خدمته نعم الرفيق (حم ت ك عن سمرة) بن جندب قال الزين العراقي في القرب في محبة العرب: هذا حديث حسن وقال الديلمي: وفي الباب عمران بن حصين الحديث: 4631 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 [ص: 84] 4632 - (ساووا بين أولادكم في العطية) أي الهبة ونحوها الكبير والصغير والذكر والأنثى (فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء) احتج به الحنابلة على أنه لو فضل بين أولاده في العطية أساء وأمر بالارتجاع (طب خط وابن عساكر) في ترجمة عباد بن موسى (عن ابن عباس) قال الذهبي: فيه إسماعيل بن عياش وشيخه ضعيفان الحديث: 4632 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 4633 - (سباب) بكسر السين والتخفيف (1) (المسلم) أي سبه وشتمه يعني التكلم في عرضه بما يعيبه وهو مضاف إلى المفعول (فسوق) أي خروج عن طاعة الله ورسوله ولفظه يقتضي كونه من اثنين قال النووي: فيحرم سب المسلم بغير سبب شرعي قال: ومن الألفاظ المذمومة المستعملة عادة قوله لمن يخاصمه يا حمار يا كلب ونحو ذلك فهذا قبيح لأنه كذب وإيذاء بخلاف قوله يا ظالم ونحو ذلك فإن ذلك يتسامح به لضرورة المخاصمة مع أنه صدق غالبا فقل إنسان إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها (وقتاله) أي محاربته لأجل الإسلام (كفر) حقيقة أو ذكره للتهديد وتعظيم الوعيد أو المراد الكفر اللغوي وهو الجحد أو هضم أخوة الإيمان قال الحافظ ابن حجر: لما كان المقام مقام الرد على المرجئة اهتم لذلك وبالغ في الزجر معرضا عما يقتضيه ظاهره من تقوية مذهب الخوارج المكفرين بالذنب اعتمادا على ما تقرر من دفعه في محله اه وتقدمه لنحوه ابن العربي فقال: قال الخوارج: لما غاير المصطفى صلى الله عليه وسلم بينهما وجعل القتال كفرا كان يكفر بقتاله قلنا: فيلزمكم كونه كافرا بفسوقه فالتزموه وقد بينا في الأصول بطلانه وإنما فائدة خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الفسوق خفيف لجريانه عادة بين الناس ولا يتعدى صورته إلى المشاهدة والحس والقتال إنما يجري عند اختلاف الدين فإذا فعلوه كان كفعل الكفار وربما جر لسوء الخاتمة لهتك الحرمة فيكون من أهل النار (حم ق) في الإيمان (ت) في البر (ن) في المحاربة (هـ عن ابن مسعود هـ عن أبي هريرة وعن سعد) بن أبي وقاص (طب عن عبد الله بن مغفل) وفيه عند الطبراني كثير بن يحيى وهو ضعيف ذكره الهيثمي (وعن عمرو بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وشدة الراء مكسورة ونون (قط في الأفراد عن جابر)   (1) مصدر سب وهو أبلغ من السب فإن السب شتم الإنسان والتكلم في عرضه بما يعيبه والسباب أن يقول فيه بما فيه وما ليس فيه الحديث: 4633 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 4634 - (سباب المسلم) بكسر السين مصدر سب سبا وسبابا شتم وفسره الراغب بالشتم الوجيع (فسوق) أي مسقط للعدالة والمرتبة وفيه تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بالفسق وأن الإيمان ينقص ويزيد لأن السلب إذا فسق نقص إيمانه وخرج عن الطاعة فضره ذنبه لا كما زعم المرجئة أنه لا يضر مع التوحيد ذنب (وقتاله) مقاتلته (كفر) لما كان القتال أشد من السباب لإفضائه إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشق من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقته التي هي الخروج من الملة وأطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدا على ما تقرر من القواعد أو أراد إن كان مستحلا أو أن قتال المؤمن من شأن الكافر (وحرمة ماله كحرمة دمه) أي كما حرم الله قتله حرم أخذ ماله بغير حق كما في خبر كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه فإذا قاتله فقد كفر ذلك الحق فإن حمل الكفر على ظاهره تعين تأويله (طب عن ابن مسعود) قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجلس للأنصار ورجل فيهم كان يعرف بالبذاءة فذكره [ص: 85] رمز المصنف لصحته وهو كما قال. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه الحديث: 4634 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 4635 - (سبحان الله نصف الميزان) أي يملأ ثوابها كفة الميزان (والحمد لله تملأ الميزان) بأن تأخذ الكفة الأخرى وقد يراد تفضل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثوابه التسبيح (والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض) أي لو قدر ثواب التكبير جسما لملأه (والطهور نضف الإيمان والصوم نصف الصبر) كما سبق توجيهه موضحا (حم هب عن رجل من بني سليم) من الصحابة وإبهامه لا يضر فإنهم كلهم عدول رمز المصنف لصحته الحديث: 4635 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 4636 - (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر في ذنب) الإنسان (المسلم مثل الآكلة في جنب ابن آدم) لكن إنما تكون كذلك إذا حصلت معانيها في القلب أما مجرد تحريك اللسان بها مع الغفلة عن معناها فليس من المكفرات في شيء كما أشار إليه حجة الإسلام (ابن السني عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4636 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 4637 - (سبحان الله نصف الميزان والحمد لله ملء الميزان والله أكبر ملء السماوات والأرض ولا إله إلا الله ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلى ربها عز وجل) أي تصل إليه قال الطيبي: هو كناية عن سرعة قبولها وكثرة ثوابها كما سبق قيل: وكمال الثواب إنما هو بتجنب الكبائر فإن الثواب يحصل لقائلها وإن لم يجتنبها لكن الثواب المجتنب أكمل فإن السيئة لا تحبط الحسنة بل تذهب الحسنة السيئة {إن الحسنات يذهبن السيئات} (السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عمرو) بن العاص و (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) الحديث: 4637 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 4638 - (سبحان الله) بالنصب بفعل لازم الحذف قاله تعجبا واستعظاما (ماذا) استفهام ضمن معنى التفخيم والتعجب والتعظيم ويحتمل كون ما نكرة موصوفة (أنزل) بهمزة مضمومة (الليلة) في رواية أنزل الله والمراد بالإنزال إعلام الملائكة بالأمر المقدور أو أوحى إليه في منام أو يقظة ما سيقع كذا قاله جمع قال ابن جماعة: وهو وإن كان صحيحا فبعيد من قوله: (من الفتن) عبر عن العذاب بالفتن لأنها أسبابه أو على المنافقين ونحوهم أو أراد بالفتن الجزئية القريبة المأخذ كفتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة أو ما أنزل من مقدمات الفتن والملجئ إلى هذا التأويل إنه لا فتنة مع حياة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قال تعالى {وأتممت عليكم نعمتي} وفي إتمام النعمة سد باب الفتنة الذي لم تفتح إلا بقتل عمر (وماذا فتح من الخزائن) خزائن الأعطية أو الأقضية التي أفيض منها تلك الليلة على المتهجدين ونحوهم يرشد لذلك قوله (أيقظوا) بفتح الهمزة نبهوا للتهجد كما تشير إليه رواية لكي يصلين قال الكرماني: ويجوز كسر الهمزة أي انتبهوا وقوله (صواحب) منادى لو صحت الرواية به قال الطيبي: عبر عن [ص: 86] الرحمة بالخزائن لكثرتها وعزتها وعن العذاب بالفتن لأنها أسباب مؤدية إليه وجمعهما لكثرتهما وسعتهما (الحجر) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وفي رواية صواحبات الحجر وفي رواية الحجرات وهي أزواجه ليحصل لهن حظ من تلك الرحمات المنزلة تلك الليلة خصهن لأنهن الحاضرات أو من قبيل ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقال ابن العربي: كأنه أخبر بأن بعضهن ستكون فيهن فأمر بإيقاظهن تخصيصا لذلك (فرب نفس) وفي رواية يا رب أي يا قوم رب نفس ورب هنا للتكثير وإن كان أصلها للتقليل (كاسية في الدنيا) من أنواع الثياب (عارية) بجره صفة كاسية ورفعه خبر مبتدأ محذوف أي هي عارية من أنواع الثياب (في الآخرة) لعدم العمل وقيل: عارية في شكر المنعم قال الطيبي: أثبت لهن الكسوة ثم نفاها لأن حقيقة الاكتساء ستر العورة أي الحسية أو المعنوية فما لم يتحقق الستر فكأنه لا اكتساء فهو من قبيل قوله: خلقوا وما خلقوا بمكرمة. . . فكأنهم خلقوا وما خلقوا وهذا وإن ورد على أزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم فالعبرة بعموم اللفظ ونبه بأمرهن بالاستيقاظ على أنه لا ينبغي لهن التكاسل والاعتماد على كونهن أزواجه {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} وفيه ندب التسبيح عند الانتباه وعند التعجب ونشر العلم والتذكير بالليل وأن الصلاة تنجي من الفتن وتعصم من المحن والتحذير من نسيان شكر المنعم وعدم الاتكال على شرف الزوج وذم التبرج وإظهار الزينة للأجانب والترفه الزائد (حم خ ت) في كتاب العلم (عن أم سلمة) بفتح السين واللام زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم واسمها هند قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا فذكره ولم يخرجه مسلم الحديث: 4638 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 4639 - (سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار) قالوا: كتب هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار فذكره قال تعالى {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} وقال في الكشاف: معنى إيلاج أحدهما في الآخر تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء هذا بغيبوبة الشمس وضياء ذلك في مكان ظلمة هذا بطلوعها كما يضيء السرب بالسراج ويظلم بفقده (حم عن التنوخي) بفتح المثناة الفوقية وضم النون المخففة وخاء معجمة نسبة إلى تنوخ قبيلة الحديث: 4639 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 4640 - (سبحوا) أيها المصلون (ثلاث تسبيحات ركوعا) أي قولوا في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا (وثلاث تسبيحات سجودا) أي قولوا في السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا كما بينته رواية أبي داود وهذا أدنى الكمال وأكمل منه خمس فسبع فتسع فإحدى عشرة وهو الأكمل والأمر للندب لا للوجوب (هق عن محمد بن علي) بن أبي طالب وهو ابن الحنفية (مرسلا) الحديث: 4640 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 4641 - (سبحي الله عشرا) أي قولي سبحان الله عشرا واحمدي الله عشرا أي قولي الحمد لله عشرا وكبري الله عشرا أي قولي الله أكبر كذلك (ثم سلي الله ما شئت) من خير الدنيا والآخرة (فإنه يقول قد فعلت قد فعلت) قال الغزالي: لا تظن أن الإجابة الموعودة بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب فسبحان الله كلمة تدل على التقديس والحمد لله تدل على معرفة النعمة من الواحد الحق والتكبير يدل على التعظيم فالإجابة بإزاء هذه المعارف التي هي أبواب الإيمان واليقين وفيه جواز العد والإحصاء للأذكار ورد على من كره ذلك وظاهره بأنه يسبح عشرا ويحمد عشرا ويكبر عشرا وهو أولى من أن يأتي بها مجموعة بأن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر عشرا على ما سلكه بعضهم ويقال بمثله في خبر من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة إلخ (حم ت حب ن ك عن أنس) قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 4641 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 [ص: 87] 4642 - (سبحي الله مئة تسبيحة) أي قولي سبحان الله مئة مرة (فإنها تعدل لك مئة رقبة) أي عتق مئة إنسان (من ولد) بضم فسكون وقد يكون جمعا كأسد وواحدا كقفل (إسماعيل) بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام وهذا تتميم ومبالغة في معنى العتق لأن فك الرقبة أعظم مطلوب وكونه من عنصر إسماعيل الذي هو أشرف الناس نسبا أعظم وأمثل (واحمدي الله مئة تحميدة) أي قولي الحمد لله مئة مرة (فإنها تعدل لك مئة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها) الغزاة (في سبيل الله) لقتال أعداء الله (وكبري الله مئة تكبيرة) أي قولي الله أكبر مئة مرة (فإنها تعدل لك مئة بدنة) أي ناقة (متقبلة) أي أهديتيها وقبلها الله وأثابك عليها فثواب التكبير يعدل ثوابها أي موازنة (وهللي الله مئة تهليلة) أي قولي لا إله إلا الله مئة مرة والعرب إذا كثر استعمالهم لكلمتين ضموا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى كالحوفلة والبسملة مأخوذ من لا إله إلا الله يقال هيلل الرجل وهلل إذا قالها (فإنها تملأ ما بين السماء والأرض) يعني أن ثوابها لو جسم لملأ ذلك الفضاء (ولا يرفع) بالبناء للمفعول (يومئذ لأحد عمل أفضل منها) أي أكثر ثوابا (إلا أن يأتي) إنسان (بمثل ما أتيت) به فإنه يرفع له مثله ولولا هذا الحمل لزم أن يكون الآتي بالمثل آتيا بأفضل وليس مرادا والأصل أن يستعمل أحد في النفي وواحد في الإثبات وقد يستعمل أحدهما مكان الآخر قليلا ومنه هذا الحديث <تنبيه> الأفضل الإتيان بهذه الأذكار ونحوها متتابعة في الوقت الذي عين فيه وهل إذا زيد على العدد المخصوص المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المرتب عليه أم لا قال بعضهم: لا لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية وإن خفيت علينا لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكمة فربما تفوت بمجاوزة ذلك العدد ألا ترى أن المفتاح إذا زيد على أسنانه لا يفتح والأصح الحصول لإتيانه بالقدر المرتب عليه الثواب فلا تكون الزيادة التي هي من جنسه مزيلة له بعد حصوله ذكره الزين العراقي وقد اختلفت الروايات في عدد الأذكار الثلاثة فورد ثلاثا وثلاثين من كل منها وورد عشرا عشرا وسبعين سبعين ومئة مئة وغير ذلك وهذا الاختلاف يحتمل كونه صدر في أوقات متعددة أو هو وارد على التخيير أو يختلف باختلاف الأحوال (حم طب ك عن أم هانئ) أخت علي كرم الله وجهه فاختة أو هند قالت: قلت يا رسول الله كبر سني ورق عظمي فدلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي: أسانيده حسنة الحديث: 4642 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 4643 - (سبع) من الأعمال (يجري للعبد) أي المسلم (أجرهن وهو في قبره بعد موته من علم) بالتشديد والبناء للفاعل (علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا) للسبيل (أو غرس نخلا) أي لنحو تصدق بثمره بوقف أو غيره (أو بنى مسجدا) أي محلا للصلاة (أو ورث مصحفا) بتشديد ورث أي خلف لوارثه من بعده يعني ليقرأ فيه (أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) أي يطلب له من الله مغفرة ذنوبه قال في الفردوس: ويروى أو كرا نهرا من كريت النهر أكريه كريا إذا استحدثت حفره فهو مكرى قال البيهقي: وهذا الحديث لا يخالف الحديث الصحيح إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث فقد قال فيه: إلا من صدقة جارية وهي تجمع ما ذكر من الزيادة (البزار) في مسنده (وسمويه) وكذا أبو نعيم [ص: 88] والديلمي كلهم (عن أنس) رمز المصنف لصحته وهو باطل فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه محمد بن العزرمي وهو ضعيف اه ورواه البيهقي باللفظ المزبور عن أنس وعقبه بقوله محمد بن عبيد الله العزرمي ضعيف غير أنه تقدم ما يشهد لبعضه اه وقال المنذري: إسناده ضعيف وقال الذهبي في كتاب الموت: هذا حديث إسناده ضعيف الحديث: 4643 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 4644 - (سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة ظاهر بيت الله) أي سطح الكعبة لإخلاله بالتعظيم وعدم احترامها بالاستعلاء عليها (والمقبرة) بتثليث الباء (والمزبلة) محل الزبل ومثله كل نجاسة متيقنة (والمجزرة) محل جزر الحيوان أي ذبحه (والحمام) الجديد وغيره حتى مسلخه (وعطن الإبل) أي المكان الذي تنحى إليه إذا شربت ليشرب غيرها فإذا اجتمعت سبقت للمرعى (ومحجة الطريق) بفتح الميم جادته أي وسطه ومعظمه ومذهب الشافعي أن الصلاة تكره في هذه المواضع وتصح والحديث مؤول بأن المنفي الجواز المستوي الطرفين (هـ) من حديث أبي صالح كاتب الليث عنه عن نافع (عن ابن عمر) قال الذهبي في التنقيح كابن الجوزي وكاتب الليث غير عمدة وقال ابن عبد الهادي: كلهم طعن فيهم ورواه الترمذي من رواية زيد بن جبير عن داود بن حصين عن نافع عن ابن عمر بن الخطاب قال الزين العراقي: وزيد بن جبير ضعيف وأورده في الميزان من مناكير كاتب الليث الحديث: 4644 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 4645 - (سبعة) العدد لا مفهوم له فقد روى الإظلال لذي خصال أخر جمعها الحافظ ابن حجر في أماليه ثم أفردها بكتاب سماه معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ثم ألف في ذلك بعده السخاوي والمؤلف ومجموعها نحو تسعين خصلة وسبعة مبتدأ خبره (يظلهم الله في ظله) أي يدخلهم في ظل رحمته وإضافة الظل إليه تعالى إضافة تشريف كناية عن رحمة الله (1) وهو سبحانه منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام (يوم لا ظل إلا ظله) لا رحمة إلا رحمته وهو يوم القيامة أحدهم (أمام) سلطان (عادل) تابع لأوامر ربه أو جامع للكمالات الثلاث الحكمة والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوية وقدمه لعموم نفعه وتعديه (و) الثاني من السبعة (شاب) خصه لكونه مظنة غلبة الشهوة وقوة الباعث على متابعة الهوى وملازمة العبادة مع ذلك أشق وأدل على غلبة التقوى (نشأ في عبادة الله) والثالث (رجل قلبه معلق) في رواية متعلق (بالمسجد) في رواية بالمساجد وفي أخرى في المساجد وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض زاد سلمان من حبها أشار إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان بدنه خارجا فشبه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل (إذا خرج منه حتى يعود إليه) كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة فلا يصلي صلاة إلا في المسجد ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه فهو ملازم للمسجد بقلبه فليس المراد دوام الجلوس فيه (و) الرابع (رجلان تحابا) بتشديد الموحدة وأصله تحاببا أي أحب كل منهما صاحبه (في الله) أي في طلب رضى الله أو لأجله لا لغرض دنيوي (فاجتمعا على ذلك) أي على الحب المذكور بقلوبهما (وافترقا عليه) أي استمرا على محبتهما لأجله تعالى حتى فرق بينهما الموت ولم يقطع تحابهما عارض دنيوي أو المراد يحفظان الحب فيه في [ص: 89] الحضور والغيبة وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا منهما (و) الخامس (رجل ذكر الله) بلسانه أو قلبه حال كونه (خاليا) من الناس أو من الالتفات لما سوى الله المذكور وإن كان في ملأ (ففاضت) سالت (عيناه) أي الدموع من عينيه فهو مجاز كجري الميزاب زاد البيهقي من خشية الله وبكاؤه يكون عن خوف أو شوق أو محبة لله (و) السادس (رجل دعته) أي طلبته (امرأة) إلى الزنا بها هذا هو الأظهر لا ما قيل للنكاح فخاف العجز عن حقها أو الشغل عن العبادة بالكسب لها (ذات منصب) بكسر الصاد أي أصل أو شرف أو حسب أو مال (وجمال) أي مزيد حسن (فقال) بلسانه زاجرا عن الفاحشة ويحتمل قلبه زجرا لنفسه ولا مانع من الجمع (إني أخاف الله رب العالمين) وخص ذات المنصب والجمال لأن الرغبة فيها أشد فالصبر عنها مع طلبها له أشق (و) السابع (رجل تصدق بصدقة) أي تطوع لأن الزكاة يسن إظهارها (فأخفاها) أي كتمها عن الناس (حتى لا تعلم) بالرفع نحو مرض فلان حتى لا يرجونه وبالنصب نحو سرت حتى لا تغيب الشمس (شماله) أي من بشماله (ما تنفق يمينه) ذكره مبالغة في الإخفاء بحيث لو كان شماله رجلا ما علمها فهو من مجاز التنبيه وذكر الرجل فيما عدا الأول والثالث وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله فالمراد سبعة أشخاص وتخصيص السبعة لأن الطاعة تكون بين العبد وبين الله وبينه وبين الخلق والأول إما أن يكون باللسان أو بالقلب أو بجميع البدن والثاني إما أن يكون عاما وهو العدل أو خاصا وهو إما من جهة النفس وهو التحاب أو من جهة البدن <تنبيه> قال القونوي: أن للإنسان يمينا ويسارا ظاهرين وهي يدا صورته وله يمين ويسار باطنان وهما روحانيته وطبيعيته وقد اعتبر الشرع ذلك وإليه الإشارة بآية {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} إذا تقرر هذا فسر الحديث أن يكون الباعث له على الصدقة باعثا روحانيا ربانيا خاليا عن أحكام طبيعته جملة واحدة وهذا صعب جدا لأن الإنسان مجموع من الصفات الروحانية والصفات الطبيعية والممازجة بينهما واقعة فمن قويت روحانيته حتى استهلكت قواه وصفاته الطبيعية في روحانيته بحيث تتمكن من التصرف روحه تصرفا لا دخل لطبيعته فيه كان في غاية القوة والشدة بل يرجح على كثير من الملائكة لأن خلق أفعال الملك من الصفات الطبيعية فلا يستغرب ولا يستعظم لفقد المنازع له وأما هنا فالنزاع واقع وسلطان الطبيعة قوي جدا فلا تغلب سلطنة الروح وصفاته المضافة إلى عين الإنسان المعنوي على سلطان مزاجه الطبيعي الذي له جهة الشمال بحيث يخلص جميع أفعاله الروحانية عن شوب طبيعته وأحكامها مع بقاء الارتباط والامتزاج الواقع بين الصفات الروحانية والطبيعية إلا بتأييد رباني وشدة عظيمة (مالك) في الموطأ (ت) في الزكاة وغيرها (عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري (حم ق ن عن أبي هريرة م عن أبي هريرة وأبي سعيد معا)   (1) [في الأصل: إضافة تشريف كنافة الله وهذا غير مفهوم وقد استبدلنا تلك العبارة ب " كناية عن رحمة الله " وقد وجدناها في شرح الحديث المذكور في " السراج المنير " وإن صاحب ذلك الكتاب كثيرا ما يقتبس من عبارات المناوي وقد ذكر أن فيض القدير من مراجعه دار الحديث] الحديث: 4645 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 4646 - (سبعة) من الناس سيكونون (في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) أضاف الظل إلى العرش لأنه محل الكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم ليس فوقه شيء يظل منه (رجل ذكر الله ففاضت عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن الفائض الدمع لا هي مبالغة لدلالته على مصير العين دمعا فياضا ثم إن فيضها ناشئ عن القرح التي أحرقت قلبه إما حياء من الله أو شوقا إليه أو حبا له أو خوفا من ربوبيته أو لشهود التقصير معه فلما فعل ذلك حيث لا يراه أحد إلا الأحد كان معاملة لله فآواه إلى ظله (ورجل يحب عبدا لا يحبه إلا الله) لأنه لما قصد التواصل هو وأخوه بروح الله وتآلف بمحبته كان ذلك انحياشا إلى الله تعالى فآواه إلى ظله (ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها) لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الخدمة فآوى إلى الله مؤثرا فأظله (ورجل يعطي الصدقة) التطوع (بيمينه فيكاد يخفيها عن [ص: 90] شماله) لأنه آثر الله على نفسه ببذل الدنيا إيثارا لحب الله على ما تحبه نفسه إذ شأن النفس حب الدنيا فلا يبذلها إلا من آثر الله عليها فاستحق الإظلال قيل: ومن الخفية أن يشتري منه بدرهم ما يساوي نصفه ففي الصورة قبضه بصورة البيع وهو بالحقيقة صدقة (وإمام مقسط في رعيته) أي متبع أمر الله فيهم بوضع كل شيء في محله بغير إفراط ولا تفريط فلما عدل في عباد الله فآوى المظلوم إلى ظل عدله آواه الله في ظله ولذا كان الإمام العادل من أعلى الناس منزلة يوم القيامة بمقتضى الحديث فالجائر من أخس الناس منزلة يوم القيامة (ورجل عرضت عليه امرأة نفسها) ليجامعها بالزنا (ذات منصب وجمال فتركها لجلال الله) فإنه صلى نار مخالفة الهوى مخافة مولاه وخالف بواعث الطبع للتقوى فلما خاف من الله هرب إليه فلما هرب هنا إليه معاملة آواه إليه في الآخرة مواصلة (ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد) فإنه لما بذل نفسه لله استوجب كونه في القيامة في حماه وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فجوزوا جزاء واحدا صلى كل منهم حر مخالفة الهوى في الدنيا فلم يذقه الله حر الأخرى <تنبيه> قد نظم أبو شامة معنى هذا الحديث فقال: وقال النبي المصطفى إن سبعة. . . يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق. . . وباك مصل والإمام بعدله وذيل عليه الحافظ ابن حجر في أبيات أخر (ابن زنجويه عن الحسن مرسلا) وهو البصري (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن أبي هريرة) <تنبيه> ممن ورد أن يكون في الظل أيضا رجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم وتاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقا ومن أنظر معسرا أو وضع له وسقا ورجل ترك لغارم أو تصدق عليه ومن عان أخرق أي من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ومن أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته ومن أظل رأس غاز والوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم ومن أطعم الجائع حتى يشبع ومن لزم البيع والشراء فلم يذم إذا اشترى ولم يحمد إذا باع وصدق الحديث وأدى الأمانة ولم يتمن للمؤمنين الغلاء ومن حسن خلقه حتى مع الكفار ومن كفل يتيما أو أرملة ومن إذا أعطى الحق قبله وإذا سئله بذله ومن حاكم للناس كحكمه لنفسه ومن صلى على الجنائز ليحزنه ذلك فأحزنه ومن نصح واليا في نفسه أو في عباد الله ومن كان بالمؤمنين رحيما لا غليظا ومن عزى ثكلى أو صبرها ومن يعود المرضى ويشيع الهلكى وشيعة علي ومحبيه ومن لا ينظر إلى الزنا ولا يبتغي الربا ولا يأخذ الرشى ومن لم تأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه ومن قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى {ويعلم ما تكسبون} وواصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعاما فأطاب صنعه وأحسن نفقته ودعا عليه اليتيم والمسكين فأطعمهم لوجه الله ورجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل يحب الناس لجلال الله ومن فرج عن مكروب من أمة محمد وأحيا سنته وأكثر الصلاة عليه وحملة القرآن والمرضى وأهل الجوع في الدنيا ومن صام في رجب ثلاثة عشر يوما ومن صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب وقرأ في كل ركعة الفاتحة والإخلاص خمس عشرة مرة وأطفال المؤمنين ومن ذكر بلسانه وقلبه ومن لا يعق والديه ولا يمشي بنميمة ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله والطاهرة قلوبهم البريئة أبدانهم الذين إذا ذكر الله ذكروا به وإذا ذكروا ذكر الله [ص: 91] بهم وينيبون إلى ذكر الله كما تنيب النسور إلى وكرها ويغضبون لمحارمه إذا استحلت كما يغضب النمر ويكلفون بحبه كما يكلف الصبي بحب الناس والذين يعمرون مساجد الله ويستغفرونه بالأسحار والذين يذكرون الله كثيرا ويذكرهم وأهل لا إله إلا الله وشهداء أحد ومطلق الشهداء ومن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى قتل ومعلم القرآن ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعى الناس إلى طاعة الله وحملة القرآن وإبراهيم وعلي والحسن والحسين هذا محصول ما التقطه ابن حجر والسخاوي والمؤلف في الأخبار وأكثرها ضعاف ومن أراد الوقوف على ما فيها من الكلام ومن رواها من الأعلام فليرجع إلى تلك التآليف الحديث: 4646 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 4647 - (سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) أي لا ظل إلا ظل عرشه وذلك لا يكون إلا في القيامة حتى تدنو الشمس من رؤوس الخلائق ويأخذهم العرق ولا ظل ثم إلا للعرش وبهذه الرواية رد على من زعم أن المراد بالظل في الرواية الأولى ظل طوبى أو الجنة لأن ذلك إنما يكون بعد الاستقرار فيها وهذا عام (رجل قلبه معلق بالمساجد ورجل دعته) طلبته (امرأة ذات منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب شريف إلى نفسها (فقال إني أخاف الله ورجلان تحابا) أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر (في الله ورجل غض عينيه عن محارم الله) أي كفهما عن النظر إلى ما لا يحل له النظر إليه (وعين حرست في سبيل الله) أي في الرباط أو حال قتال أهل الضلال (وعين بكت من خشية الله) أي من خوفه لما انكشف لها من أوصاف الجلال والهيبة والعظمة والبكاء يكون بحسب حال الذاكر وما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون من الخشية وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه واعلم أن ما تقرر في هذه الأخبار هو ما قرره أهل الآثار وذهب الصوفية إلى أن الإمام العادل القلب وتعلق القلب بالمساجد تعلقه بالعرش فإن العرش مسجد قلوب الموقنين وذكر الخلو عبارة عن كونه خاليا من النفس والهوى وإخفاء الصدقة إخفاؤها عن نفسه وهواه <تنبيه> ذكر الرجال في هذه الأخبار لا مفهوم له فالنساء مثلهم فيما يمكن فيه ذلك فالمرأة التي دعاها ملك جميل ليزني بها مثلا فامتنعت خوفا من الله مع حاجتها وشاب جميل دعاه ملك إلى تزوج ابنته فامتنع خوفا أن يرتكب منه الفاحشة كذلك وأحكام الشرع عامة لجميع المكلفين وحاكمة على الواحد حكمه على الجماعة إلا ما خرج بدليل (البيهقي في) كتاب (الأسماء) والصفات (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 4647 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 4648 - (سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب) أي من شأن كل نبي كونه مجاب الدعوة وفي رواية سبعة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي مجاب (الزائد في كتاب الله) أي من يدخل فيه ما ليس منه أو يتأوله بما ينبو عنه لفظه ويخالف الحكم كما فعله اليهود بالتوراة من التبديل والتحريف والزيادة في كتاب الله كفر وتأويله بما يخالف الكتاب والسنة بدعة (والمكذب بقدر الله) لقوله إن العباد يفعلون بقدرهم (والمستحل حرمة) وفي رواية حرم (الله) أي من فعل في حرم مكة ما لا يجوز من تعرض لصيده أو شجره (والمستحل من عترتي ما حرم الله) أي من فعل بأقاربي ما لا يجوز من إيذاء وترك تعظيم وتخصيص ذكر الحرم والعترة لشرفهما وأن أحدهما منسوب إلى الله والآخر إلى رسوله وعليه فمن ابتدائية متعلقة بالفعل ويجوز كونها بيانية وأن يراد بالمستحل من يستحل من أقاربه شيئا محرما (والتارك لسنتي) استخفافا بها وقلة مبالاة [ص: 92] أو بترك العمل بها والجري على منهاجها (والمستأثر بالفيء) أي المختص به من إمام أو أمير فلم يصرفه لمستحقه والفيء ما أخذ من الكفار بلا قتال ولا إيجاف خيل (والمتجبر بسلطانه) أي بقوته وقهره (ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله) لأن ذلك غاية الجور والتجبر وهو مضاد للعدل المأمور به في قوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (طب) من طريقين وتبعه الديلمي وقال: صحيح (عن عمرو بن شغوي) بشين معجمة وبغين معجمة بضبط المصنف اليافعي قال الذهبي: يقال له صحبة شهد فتح مصر ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 4648 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 4649 - (سبعون ألفا من أمتي) يعني سبعون ألف زمرة بقرينة تعقبه في خبر مسلم بقوله زمرة واحدة منهم على صورة القمر (يدخلون الجنة بغير حساب) ولا عذاب بدليل رواية ولا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا (هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ولا يسترقون) ليس في البخاري ولا يسترقون قال ابن تيمية: وهو الصواب وإنما هي لفظة وقعت مقحمة في هذا الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي استحق به هؤلاء دخولها بغير حساب تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقبهم (ولا يتطيرون) لأن الطيرة نوع من الشرك (وعلى ربهم يتوكلون) قدم الظرف ليفيد الاختصاص أي عليه لا على غيره وهذه درجة الخواص المعرضين عن الأسباب بالكلية الواقفين مع المسبب ولا ينظرون سواه فكمل تفويضهم وتوكلهم من كل وجه ولم يكن لهم اختيار لأنفسهم ليفعلوا شيئا منها قال المظهر: يحتمل أن يراد بقوله سبعون العدد وأن يراد الكثرة ورجح باختلاف الأخبار في المقدار فروى مئة ألف وروى مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا وغير ذلك (البزار) في مسنده (عن أنس) قال العلائي: حديث غريب من حديث أنس صحيح من حديث غيره وقال تلميذه الهيثمي: رواه البزار وفيه مبارك أبو سحيم وهو متروك وقال غيره: المبارك واه جدا الحديث: 4649 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 4650 - (سبق درهم مئة ألف درهم) قالوا: يا رسول الله كيف يسبق درهم مئة ألف قال: (رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مئة ألف فتصدق بها) قال اليافعي: فإذا أخرج رجل من ماله مئة ألف وتصدق بها وأخرج آخر درهما واحدا من درهمين لا يملك غيرهما طيبة بها نفسه صار صاحب الدرهم الواحد أفضل من صاحب مئة ألف درهم اه وقال في المطامح: فيه دليل على أن الصدقة من القليل أنفع وأفضل منها من الكثير {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} والدرجات تتباين بحسب تباين المقاصد والأحوال والأعمال (ن عن أبي ذر ن حب ك) في الزكاة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم الحديث: 4650 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 4651 - (سبق المفردون) أي المنفردون المعتزلون عن الناس من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله أي سبقوا بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى روي بتشديد الراء وتخفيفها قال النووي في الأذكار: والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد قالوا: وما المفردون يا رسول الله قال: هم (المستهترون) وفي رواية المشمرون (في ذكر الله) وعلى الأولى فالمراد الذين أولعوا به يقال اهتر فلان بكذا واستهتر أي مولع به لا يتحدث [ص: 93] بغيره ولا يفعل سواه ذكره جمع وقال الحكيم الترمذي: المستهتر هو الذي نطق عن ربه لشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبر وتؤدة وهذا المهتر إنما نطقه كالماء يجري على لسانه حتى يشبه الهذيان في بعض الأحيان عند العامة وهو في الباطن مع الله من أصفياء الناطقين وأطهرهم وأصدقهم إلى هنا كلامه. قال البيضاوي: ولما قالوا وما المفردون ولم يقولوا من هم لأنهم أرادوا تفسير اللفظ وبيان ما هو المراد منه لا تعيين المتصفين به وتعريف أشخاصهم فعدل في الجواب عن بيان اللفظ إلى حقيقة ما يقتضيه توقيفا للسائل بالبيان المعنوي على المعنى اللغوي إيجازا فاكتفى فيه بالإشارة المعنوية إلى ما استبهم عليه من الكناية اللفظية (يضع الذكر عنهم أثقالهم) أي يذهب الذكر أوزارهم أي ذنوبهم التي أثقلتهم (فيأتون يوم القيامة خفافا) فيسبقون بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى لأنهم جعلوا أنفسهم أفرادا ممتازة بذكر الله عمن لم يذكر الله أو جعلوا ربهم فردا بالذكر وترك ذكر ما سواه وهو حقيقة التفريد هنا وقال الحكيم: المفرد هنا من أفرد قلبه للواحد في وحدانيته ولازم الباب حتى رفع له الحجاب وأوصله إلى قربه فكأنه بين يدي ربه فبه يفخر ويصول وبه يفرح ويمرح ويجول فسكنت منه الأهوال من النظر إلى الجلال والجمال فقدمه إلى الوسيلة العظمى والجزاء الأوفى فغرق قلبه في وحدانيته فصار منفردا مشغولا به عن جميع صفاته فهو أحد أعلامه في أرضه وواحده بين عبيده (ت ك) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مسلم بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا: وما المفردون قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات (طب عن أبي الدرداء) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف الحديث: 4651 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 4652 - (سبق المهاجرون) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (الناس) أي المسلمين غير المهاجرين (بأربعين خريفا إلى الجنة يتنعمون فيها والناس محبوسون للحساب ثم تكون الزمرة الثانية مئة خريف) الله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (طب عن مسلمة بن مخلد) بفتح الميم واللام الأنصاري الزرقي صحابي سكن مصر ووليها مرة قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن مالك السبائي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 4652 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 4653 - (ست خصال من الخير: جهاد أعداء الله بالسيف) أي قتال الكفار بالسلاح وخص السيف لأنه أعمها استعمالا (والصوم في يوم الصيف) يعني في الحر الشديد (وحسن الصبر عند المصيبة) حال الصدمة الأولى (وترك المراء) أي الخصام والجدال (وأنت محق) أي والحال أنك على الحق دون خصمك (وتبكير الصلاة في يوم الغيم) أي المبادرة بإيقاعها عقب الاجتهاد في دخول وقتها (وحسن الوضوء في أيام الشتاء) أي إسباغه في شدة البرد بالماء البارد وقال في الفردوس: التبكير هنا التقديم في أول الوقت وإن لم يكن أول النهار (هب) من حديث يحيى بن أبي طالب عن الحرث الواسطي عن يحيى بن كثير عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام (عن أبي مالك الأشعري) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل عقبه بإعلاله فقال: يحيى بن كثير السقاء [ص: 94] ضعيف اه وأقول: يحيى بن أبي طالب أورده الذهبي في الذيل وقال: وثقه الدارقطني وقال: موسى بن هارون أشهد أنه يكذب يريد في كلامه لا حديثه والحرث الواسطي قال ابن عدي: في حديثه اضطراب ويحيى قال الذهبي: اتفقوا على تركه ومن ثمة قطع الحافظ العراقي بضعف سند الحديث الحديث: 4653 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 4654 - (ست خصال من السحت) أي الحرام لأنه يسحت البركة أي يذهبها (رشوة الإمام) أي قبول الإمام الأعظم للرشوة ليحق باطلا أو يبطل حقا (وهي أخبث من ذلك كله) لأن بها فساد النظام والجور في الأحكام (وثمن الكلب) ولو معلما يعني أن بيعه وأخذ ثمنه حرام لنجاسته أو للنهي عن اتخاذه والأمر بقتله (ومهر البغي) أي ما تأخذه الزانية للزنا بها سماه مهرا مجازا (وعسب الفحل) أي أجرة ضرابه (وكسب الحجام) لأنه خبيث ودنيء فيكره الأكل منه تنزيها لا تحريما وإلا لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجرته ولا فرق بين عبد وحر على الأصح (وحلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة مصدر حلوته إذا أعطيته أصله من الحلاوة وشبه بالحلو من حيث إنه يأخذه سهلا بلا مشقة وهو ما يأخذه على التكهن فالكاهن من يزعم مطالعة الغيب ويخبر عن الكوائن (ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار والديلمي ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لابن مردويه مقتصرا عليه الحديث: 4654 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 4655 - (ست) من الخصال (من جاء بواحدة منهن جاء وله عهد) عند الله تعالى بأن يدخله الجنة (يوم القيامة تقول كل واحدة منهن قد كان يعمل بي الصلاة والزكاة والحج والصيام وأداء الأمانة وصلة الرحم) أي القرابة بالإحسان إليهم والعطف عليهم وتحمل أذاهم وتطلب رضاهم والمراد أن خصلة الصلاة تقول يا رب قد كان يواظب علي وهكذا البواقي ولا مانع من أن تجسد هذه الخصال ويقدرها الله على النطق فتنطق كما تنطق جوارح الإنسان بالشهادة عليه والله على كل شيء قدير (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه يونس بن أبي خيثمة لم أر أحدا ذكره الحديث: 4655 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 4656 - (ست من الخصال من كن فيه كان مؤمنا حقا إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله في شدة البرد كما يوضحه زيادته في رواية على المكاره (والمبادرة إلى الصلاة) أي المسارعة إلى أدائها (في يوم دجن) كفلس: المطر الكثير (وكثرة الصوم في شدة الحر) أي بقطر الحر (وقتل الأعداء) أي الكفار (بالسيف) خصه لأن أكثر وقوع القتل به والمراد قتلهم بأي شيء كان (والصبر على المصيبة) بأن لا يظهر الجزع ولا يفعل ما يغضب الرب بل يسلم ويرضى (وترك المراء وإن كنت محقا) وخصمك مبطلا (فر) وكذا ابن نصر (عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال الذهبي في الضعفاء: متروك واه الحديث: 4656 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 4657 - (ست من أشراط الساعة) أي علاماتها المؤذنة بقيامها (موتي وفتح بيت المقدس وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها) لاستقلاله إياها واحتقارها وهذا كناية عن كثرة المال واتساع الحال (وفتنة يدخل حرها) أي مشقتها [ص: 95] وجهدها من كثرة القتل والنهب (بيت كل مسلم) قيل: وهي واقعة التتار إذ لم يقع في الإسلام بل ولا في غيره مثلها وقيل: غيرها وهي لم تقع بعد (وموت يأخذ في الناس كقعاص) بضم القاف بعدها عين مهملة فألف فصاد مهملة (الغنم) هو داء يقعص منه الغنم فلا تلبث أن تموت ذكر ذلك الزمخشري وقال غيره: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوافها شيء فتموت فجأة ويقال إن هذه الآفة ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر فمات منها سبعون ألفا في ثلاثة أيام وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس (وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثني عشر ألفا) وفي رواية بدل بند غابة أي بالباء الموحدة تحت كل غابة اثني عشر ألفا وفي رواية غاية بمثناة تحتية والغاية الأجمة شبه بها كثرة السلاح والغاية الراية ذكره كله الزمخشري (حم طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: فيه النهاس بن فهم وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المصنف أنه لا ذكر لهذا في الصحيحين ولا أحدهما وقد عزاه في الفردوس للبخاري ثم رأيته في البخاري في كتاب الجزية بما يقرب من هذا ولفظه اعدد ستا بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثني عشر ألفا انتهى بنصه الحديث: 4657 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 4658 - (ستة أشياء تحبط الأعمال: الاشتغال بعيوب الناس) عن عيوب النفس فيبصر عيب غيره ويتحدث به ولا يبصر عيب نفسه كما في قوله في الحديث الآتي يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه (وقسوة القلب) أي صلابته وشدته وإباؤه عن قبول المواعظ والزواجر (وحب الدنيا) فإنه رأس كل خطيئة (وقلة الحياء) من الحق والخلق (وطول الأمل وظالم لا ينتهي) عن ظلمه فعدم انتهائه عنه يكون سببا لإحباط عمله (فر عن عدي بن حاتم) الطائي أبي طريف صحابي مشهور وفيه محمد بن يوسف الكديمي الحافظ قال الذهبي في الضعفاء: وقال ابن معين: اتهم بوضع الحديث وقال ابن حبان: كان يضع على الثقات قال الذهبي: قلت انكشف عندي حاله الحديث: 4658 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 4659 - (ستة مجالس المؤمن ضامن على الله ما كان في شيء منها) لفظ رواية البزار فيما وقفت عليه من الأصول ست مجالس ما كان المرء في مجلس منها إلا كان ضامنا على الله (في سبيل الله أو مسجد جماعة أو عند مريض أو في جنازة أو في بيته أو عند إمام مقسط يعزره ويوقره) قال الحافظ الزين العراقي: فيه فضيلة المبادرة إلى الخصال المذكورة وأنه إذا مات الإنسان على خصلة منها كان في ضمان الله بمعنى أنه ينجيه من أهوال القيامة ويدخله دار السلام (البزار) أبو بكر من رواية عبد الله بن يزيد (عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص قال الزين العراقي: ورجاله ثقات ورواه عنه الطبراني أيضا الحديث: 4659 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 4660 - (ستة لعنتهم لعنهم الله) قال القاضي: لم يعطفه على جملة قبله إما لأنه دعاء وما قبله خبر وإما لكونه عبارة عما قبله [ص: 96] في المعنى بأن لعنة الله هي لعنة رسوله وبالعكس (وكل نبي مجاب) روي بالميم وبالياء على بناء المفعول وهي جملة ابتدائية عطف على ستة لعنتهم أو حال من فاعل لعنتهم ولا يصح عطف كل على فاعل لعنتهم ومجاب صفة لئلا يلزم كون بعض الأنبياء غير مجاب ذكره القاضي (الزائد في كتاب الله) أي القرآن (والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت) أي المستولي أو الغالب أو الحاكم بالتكبر والعظمة والجبروت فعلوت وهو في حق الإنسان من يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها (فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله) بفتح الحاء والراء أي حرم مكة قال البيضاوي: وضم الحاء على أنها جمع حرمة تصحيف يعني من فعل في حرم الله ما يحرم فعله كاصطياد ونحوه اه واستغربه الصدر المناوي وقال: إن الضم أولى لكونه أعم قال: إلا أن يكون الرواية كما قال ولم يثبت (والمستحل من عترتي) أي قرابتي (ما حرم الله) يعني من فعل بأقاربي ما لا يجوز فعله من إيذائهم أو ترك تعظيمهم فإن اعتقد حله فكافر وإلا فمذنب وخصهما باللعن لتأكد حق الحرم والعترة وعظم قدرهما بإضافتهما إلى الله وإلى رسوله (والتارك لسنتي) بأن أعرض عنها بالكلية أو ترك بعضها استخفافا أو قلة احتفال بها وأراد باللعنة هنا أحد قسميها وهو الإبعاد عن الخير والرحمة والإنسان ما دام في معصية بعيد عنهما ولو مسلما قال التوربشتي: وما ذكر في القدرية من هذا ونحوه يحمل على المكذب به إذا أتاه من البيان ما ينقطع العذر دونه أو على من تفضي به العصبية إلى تكذيب ما ورد من النصوص أو إلى تكفير من خالفه وأمثال هذه الأحاديث واردة على التغليظ والتشديد زجرا وردعا (ت ك) في الإيمان (عن عائشة ك عن علي) أمير المؤمنين وقال: على شرط البخاري وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن إسحاق الغروي أحد رواته وإن كان شيخ البخاري لكنه يأتي بطامات وقال النسائي: غير ثقة وأبو داود: واه والدارقطني: متروك وفيه أيضا عبد الله بن موهب لم يحتج به أحد والحديث منكر بمرة إلى هنا كلامه لكنه في الكبائر خرجه من حديث عائشة ثم قال: إسناده صحيح الحديث: 4660 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 4661 - (ستخرج نار من حضرموت يوم القيامة تحشر الناس) تمامه قالوا: يا رسول فما تأمرنا قال: عليكم بالشام (حم ت عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: غريب حسن صحيح ورمز المصنف لصحته الحديث: 4661 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 4662 - (ستر) بكسر السين وتفتح: حجاب (ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهما الخلاء) وفي رواية للترمذي الكنيف (أن يقول بسم الله) فإن اسمه تعالى كالطابع على ابن آدم فلا تستطيع الجن فك ذلك الطابع قالوا: ويتأكد للنساء عند دخول الخلاء وفي كل خلاء فإن الجن يشركون الإنس فيهن فيتعين طردهم بالمحافظة على التسمية قال الطيبي: قوله ستر مبتدأ وأن يقول خبره وما موصول مضاف إليها وصلته الظرف قال بعض شراح أبي داود: هذا يدل على أن التسمية أول الذكر المسنون عند الدخول وهو: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وقد جاء زيادة التسمية أيضا في خبر رواه سعيد بن منصور في سننه ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء يقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وما ذكره عزاه النووي في الأذكار إلى الأصحاب فقال: قال أصحابنا: يستحب أن يقول أولا بسم الله ثم يقول اللهم إني أعوذ بك إلخ (حم ت هـ عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وهو [ص: 97] كما قال أو أعلى فإن مغلطاي مال إلى صحته فإنه لما نقل عن الترمذي أنه غير قوي قال: ولا أدري ما يوجب ذلك لأن جميع من في سنده غير مطعون عليهم بوجه من الوجوه بل لو قال قائل إسناده صحيح لكان مصيبا إلى هنا كلامه الحديث: 4662 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 4663 - (ستر) بالكسر الحجاب وبالفتح مصدر سترت الشيء أستره إذا غطيته (ما بين أعين الجن وبين عورات بني آدم) يعني الشيء الذي يحصل به عدم قدرتهم على النظر إليها (إذا وضع أحدهم ثوبه) أي نزعه (أن يقول بسم الله) ظاهره أنه لا يزيد الرحمن الرحيم قال الحكيم: وإنما يمتنع المؤمن من هذا العدو بإسبال هذا الستر فينبغي عدم الغفلة عنه فإن للجن اختلاطا بالآدميين ومنهم من يتزوج منهم فالإنس يشركون الجن في نسائهم والجن يشركون الإنس في نسائهم فإذا أحب الآدمي أن يطرد الجن عن مشاركته فليقل بسم الله فإن اسم الله طابع على جميع ما رزق ابن آدم فلا يستطيع الجن فك الطابع (طس عن أنس) قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما فيه سعيد بن سلمة الأموي ضعفه البخاري وغيره. وثقه ابن حبان وبقية رجاله موثوقون اه الحديث: 4663 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 4664 - (سترة الإمام سترة من) وفي رواية لمن (خلفه) (1) فعلى الرواية الأولى لو مر بين يدي الإمام أحد تضر صلاته وصلاتهم وعلى الثانية تضر صلاته ولا تضر صلاتهم وأخذ منه المالكية اختصاص النهي عن المرور بين يدي المصلي بما إذا كان المصلي إماما أو منفردا لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه لأن سترة الإمام سترة له اه ونوزع بأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار (طس) وكذا الديلمي (عن أنس) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه سويد بن عبد العزيز ضعيف وقال بعد أوراق: هذا حديث ضعيف وقال ابن حجر: قال الطبراني تفرد به سويد عن عاصم وسويد ضعف عندهم   (1) أي من المقتدين لأنه تابع فيكفيه سترة إمامه والمعتمد أن ذلك لا يكفي فيندب للمأموم اتخاذ سترة أيضا الحديث: 4664 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 4665 - (ستشرب أمتي من بعدي الخمر) هذه السين إما للتأكيد فإن ما هو متحقق قريب كما في قوله تعالى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} أو بمعناها الحقيقي إشارة إلى أن شربها متراخ عن حياته والأول أولى (يسمونها بغير اسمها) أي ولا ينفعهم ذلك ولا يغني عنهم شيئا (يكون عونهم على شربها أمرؤهم) يعني أنهم يشربون النبيذ المسكر المطبوخ ويسمونه طلاء تحرجا من أن يسمونها خمرا وقيل: معناه يتسترون بما أبيح من الأنبذة على رأي بعض العلماء فيتوصلون بذلك إلى استحلال ما حرم الله عليهم منها إجماعا ونظيره تسمية الربا معاملة (ابن عساكر) في تاريخه (عن كيسان) هذا الاسم في الصحابة لجماعة فكان ينبغي تمييزه (1)   (1) لعله كيسان بن عبد الله بن طارق الذي ذكر في الإصابة أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فقال: يا رسول الله إني قد جئت بشراب جيد فقال: يا كيسان إنها قد حرمت بعدك قال: أذهب فأبيعها؟ قال: إنها حرمت وحرم ثمنها اه الحديث: 4665 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 4666 - (ستفتح عليكم أرضون) بفتح الراء جمع أرض وتسكينها شاذ (ويكفيكم الله) أي في أمر العدو بأن يدفع عنكم [ص: 98] شرهم وتغلبوا عليهم وتغنموا قال الأبي: اكتفى بالسبب وكأنه قال إن الله سيفتح عليكم الروم قريبا وهم رماة وسيكفيكم الله شرهم بواسطة الرمي (فلا يعجز) بكسر الجيم أمر (أحدكم أن يلهو بأسهمه) أي يلعب بنباله ولا عليكم أن تهتموا بالرمي إذا حاربتم الروم وتكونوا متمكنين منهم وإنما أخرج مخرج اللهو إمالة للنفوس على تعلمه فإنها مجبولة على ميلها للهو (حم م) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) الجهني ولم يخرجه البخاري الحديث: 4666 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 4667 - (ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم) أي تزينوها والتنجيد التزيين (كما تنجد الكعبة فأنتم اليوم خير من يومئذ) هذا إشارة إلى فضل مقام الورع وهو المرتبة الثالثة من مراتبه الأربعة المارة وهو ورع المتقين الذي هو ترك ما لا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله لكن يخاف أداؤه لمحرم أو مكروه (طب عن أبي جحيفة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الجبار بن العباس الشامي وهو ثقة الحديث: 4667 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 4668 - (ستفتح مشارق الأرض ومغاربها على أمتي ألا) تنبيه للزيادة في التحذير (وعمالها) أي الأمراء (في النار) نار جهنم (إلا من اتقى الله) في عمالته أي خافه وراقبه (وأدى الأمانة) فيما جعله الله أمينا عليه وقليل ما هم (حل عن الحسن) البصري (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره موصولا لأحد وهو ذهول فقد وصله أحمد بلفظ ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ألا وعمالها في النار إلا من اتقى الله عز وجل وأدى الأمانة اه وهو ضعيف الحديث: 4668 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 4669 - (ستفتحون منابت الشيح) أشار به إلى أنه سيفتح الله لهم من البلاد الشاسعة والأقطار النائية ويقيض لهم من الغلبة على الأقاليم وإن بعدت مما يظهر به الدين وينشرح له صدور المؤمنين (طب) وكذا الديلمي (عن معاوية) ابن أبي سفيان قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن الحديث: 4669 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 4670 - (ستكون فتن) بكسر ففتح وفي رواية فتنة بالإفراد والمراد الاختلاف الواقع بين أهل الإسلام بسبب افترائهم على الإمام ولا يكون المحق فيها معلوما بخلاف زمان علي ومعاوية كذا في شرح البخاري للقسطلاني (القاعد فيها) أي القاعد في زمنها عنها (خير من القائم (1)) لأن القائم يرى ويسمع ما لا يراه ولا يسمعه القاعد فهو أقرب إلى الفتنة منه (والقائم فيها) يعني القائم بمكانه في تلك الحالة (خير من الماشي) في أسبابها (والماشي فيها خير من الساعي) إليها أي الذي يسعى ويعمل فيها (2) قال النووي: القصد بيان عظم خطرها والحث على تجنبها والهرب منه والتسبب في شيء منها وأن شرها يكون على حسب التعلق بها (من تشرف لها) بفتح المثناة والمعجمة والتشديد تطلع إليها أي الفتنة (تستشرفه) أي تجره لنفسها وتدعوه إلى الوقوع فيها والتشرف التطلع واستعير هنا للإصابة بشرورها (ومن وجد فيها ملجأ) أي عاصما أو موضعا يلتجئ إليه ويعتزل إليه (أو معاذا) بفتح الميم والذال المعجمة شك من الراوي أي محلا يعتصم به [ص: 99] منها (فليعذ به) وفي رواية لمسلم فليستعذ أي ليذهب إليه ليعتزل فيه ومن لم يجد فليتخذ سيفا من خشب والمراد أن بعضهم أشد في ذلك من بعض فأعلاهم الساعي لإثارتها فالقائم بأسبابها وهو الماشي فالمباشر لها وهو القائم فمن يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد فمن لم يفعل شيئا لكنه راض وهو القائم وهذا تحذير من الفتنة وحث على تجنبها وأن شرها يكون بحسب التعلق بها والمراد بها الاختلاف في طلب الملك حيث لم يعلم المحق من المبطل (حم ق) في الفتن (عن أبي هريرة) ورواه مسلم بنحوه عن أبي بكرة أيضا   (1) قال بعضهم: المراد بالقائم الذي لا يستشير فيها وقيل: هو من باشرها غير قائم بأسبابها (2) بحيث يكون سببا لإثارتها الحديث: 4670 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 4671 - (ستكون أمراء) جمع أمير (فتعرفون وتنكرون) صفتان لأمراء والعائد فيهما محذوف أي تعرفون بعض أحوالهم وأقوالهم لموافقتها للشرع وتنكرون بعضها لمخالفتها له فمعنى تعرفون ترضون لمقابلتها تنكرون (فمن كره) ذلك المنكر بلسانه بأن أمكنه تغييره بالقول فقد (برئ) من النفاق والمداهنة (ومن أنكر) بقلبه فقط ومنعه الضعف عن إظهار النكير فقد (سلم) من العقوبة على تركه النكير ظاهرا (ولكن من رضي) أي من رضي بالمنكر (وتابع) عليه في العمل فهو الذي لم يبرأ من المداهنة والنفاق ولم يسلم من العقوبة فهو الذي شاركهم في العصيان واندرج معهم تحت اسم الطغيان فحذف الخبر لدلالة الحال وسياق الكلام على أن حكم هذا القسم ضد ما اشتبه ذكره ومنه أخذ بعضهم قوله الواو بمعنى أو وحذف جزاء من لدلالة الحال وسياق الكلام وقال النووي: معناه من كره بقلبه ولم يستطع إنكارا بيده ولا لسانه فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية ومن رضى بفعلهم وتبعهم عليه فهو العاصي وفيه حرمة الخروج على الخلفاء بمجرد ظلم أو فسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الدين وتمام الحديث قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا اه. قال القاضي: إنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عماد الدين وعنوان الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان حذرا من تهيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما هو أشد نكارة من احتمال نكرهم والمصابرة على ما ينكرون منهم (م) في المغازي (د) في الستة (عن أم سلمة) زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم وخرجه الترمذي أيضا في الفتن ولم يخرجه البخاري الحديث: 4671 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 4672 - (ستكون بعدي هنات وهنات) شدائد وعظائم وأشياء قبيحة منكرة وخصلات سوء جمع هنة وهي كناية عما لا يراد التصريح به لشناعته (فمن رأيتموه فارق الجماعة) الصحابة ومن بعدهم من السلف (أو يريد أن يفرق أمة محمد كائنا من كان) أي سواء كان من أقاربي أو غيرهم قال الطيبي: وهذا فيه معنى الشرط (فاقتلوه) في رواية فاضربوه بالسيف (فإن يد الله مع الجماعة وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض) فإن الله تعالى جمع المؤمنين على معرفة واحدة وشريعة واحدة ألا تراه يقول: {إنما المؤمنون أخوة} فمن فارقهم خالف أمر الرحمن فلزم الشيطان قال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وإتباعه وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف كثيرا أي الحق هو ما كان عليه الصحابة الأول من الصحب ولا نظر لكثرة أهل الباطل بعدهم قال البيهقي: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانوا عليه من قبل وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ (ن حب) وكذا أحمد والبيهقي والحاكم والديلمي (عن عرفجة) بن شرحيل أو شراحيل أو شريك الأشجعي وقيل الكندي وقيل غير ذلك الحديث: 4672 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 [ص: 100] 4673 - (سيكون أمراء) لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث الممدودة (بشغلهم) بفتح المثناة والغين (أشياء) بالرفع فاعل (يؤخرون الصلاة عن وقتها) المختار أو عن جميعه ويؤيده الحديث الثاني وهذا من أعلام النبوة وقد وقع ذلك من بني أمية (فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعا) تفعل من الطاعة والمتطوع المتبرع قال القاضي: أمرهم بذلك حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وقال ابن حجر: يشبه أنه أشار إلى ما وقع في آخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها فكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية وقوع الفتنة وفيه علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه وقد وقع أشد من ذلك في زمن الحجاج وغيره (هـ عن عبادة بن الصامت) الحديث: 4673 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 4674 - (سيكون بعدي أئمة) أي فسقة كما في رواية الديلمي (يؤخرون الصلاة عن مواقيتها) فإذا فعلوا ذلك (صلوها لوقتها فإذا حضرتم معهم الصلاة فصلوا) قال ابن تيمية: هذا كالصريح في أنهم كانوا يفوتونها وهو الصحيح وفيه كما قبله صحة الصلاة خلف الفاسق لأمره بالصلاة خلف أولئك الأئمة وقال جمع منهم المهلب: أراد تأخيرها عن وقتها المستحب لا إخراجها عن وقتها قال ابن حجر: وهو مخالف للواقع فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد كانوا يؤخرونها عن وقتها (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه سالم بن عبد الله الخياط ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما ووثقه أحمد الحديث: 4674 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 4675 - (سيكون عليكم أمراء من بعدي) أي من بعد وفاتي (يأمرونكم بما لا تعرفون) من كتاب الله وسنة رسوله (ويعملون بما تنكرون فليس أولئك عليكم بأئمة) أي فلا يجب عليكم طاعتهم في معصية إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ومن ثم قال الفرزدق: ولا نلين لسلطان يكابدنا. . . حتى يلين لضرس الماضغ الحجر (طب عن عبادة بن الصامت) رمز لحسنه وقال الهيثمي: فيه الأعمش بن عبد الرحمن لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 4675 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 4676 - (ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم قولهم يتقاحمون في النار) أي يقعون فيها كما يقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه رمى نفسه بلا روية وتثبت (كما تقاحم القردة) قال بعضهم: إذا اتصف القلب بالمكر والخديعة والفسق وانصبغ بذلك صبغة تامة صار صاحبه على خلق الحيوان الموصوف بذلك من القردة والخنازير وغيرهما ثم لا يزال يتزايد ذلك الوصف فيه حتى يبدو على صفحات وجهه بدوا خفيا ثم يقوى ويتزايد حتى يصير ظاهرا جليا عند من له فراسة فيرى على صور الناس مسخا من صور الحيوانات التي تخلقوا بأخلاقها باطنا فقل أن ترى محتالا مكارا مخادعا إلا على وجهه مسخة قرد وأن ترى شرها نهما إلا على وجهه مسخة كلب فالظاهر [ص: 101] مرتبط بالباطن أتم ارتباط. (1) (ع طب) وكذا الديلمي (عن معاوية) بن أبي سفيان الخليفة   (1) [ولا تصح مثل تلك الفراسة إلا للمؤمن الكامل أما المقصر فقد يلقي الشيطان إلى مخيلته فيظن أنه يرى تلك " الصور " على وجوه الناس. نسأل الله أن يحفظنا من العجب ومن سوء الظن بالمسلمين آمين. دار الحديث] الحديث: 4676 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 4677 - (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم) لأنه على بصيرة من أمره وبينة من ربه فيتجنب مواقع الفتن بما يعلم مما يستنبطه من الأحكام قاله الديلمي ويروى إلا من اجتباه الله بالعلم بدل أحياه (هـ طب) وكذا أبو يعلى (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 4677 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 4678 - (ستكون فتنة) كان تامة أي ستحدث فتنة (صماء بكماء عمياء (1)) يعني بعمى الناس فيها فلا يرون منها مخرجا ويصمون عن استماع الحق أو المراد فتنة لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق فهي لفقد الحواس لا تقلع ولا ترتفع (من أشرف لها استشرفت له) أي من اطلع ينظر إليها جرته لنفسها فالخلاص في التباعد منها والهلاك في مقاربتها (وإشراف اللسان فيها) هي إطالته بالكلام (كوقوع السيف) في المحاربة وفي رواية أشد من السيف. قال ابن العربي: وجه كونه أشد أن السيف إذا ضرب ضربة واحدة مضت واللسان يضرب به في تلك الحالة الواحدة ألف لسنة ثم هذا يحتمل أنه إخبار عما وقع من الحروب بين الصدر الأول ويحتمل أنه سيكون وكيفما كان فإنه من معجزاته لأنه إخبار عن غيب (د) في الفتن (عن أبي هريرة) رمز لصحته وليس كما زعم ففيه كما قال المناوي وغيره: عبد الرحمن بن البيلماني قال المنذري وغيره: لا يحتج به وضعفه جمع آخرون   (1) بالمد في الثلاثة قال ابن رسلان: أراد أنها لا تسمع ولا تنطق ولا تبصر فهي ذهاب حواسها لا تدرك شيئا ولا تقلع ولا ترتفع وقيل: هي الحية الصماء التي لا تقبل لسعتها الرقى ولا يستطيع أحد أن يأمر فيها بمعروف أو ينهى عن منكر بل إن تكلم بحق رماه الناس وقالوا: أما صلح أن يتكلم إلا أنت؟ الحديث: 4678 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 4679 - (ستكون أحداث وفتن وفرقة واختلاف) أي أهل فتن وأهل فرقة وأهل اختلاف أو المراد نفس الفتن والفرقة والاختلاف (فإن استطعت أن تكون المقتول لا القاتل فافعل) يعني كف يدك عن القتال واستسلم والظاهر أن هذا في فتن تكون بين المسلمين أما الكفار فلا يجوز الاستسلام لهم (ك) من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي عثمان (عن خالد بن عرفطة) بن إبراهيم الليثي أو البكري أو القضاعي أو العذري استعمله معاوية على بعض حروبه قال ابن حجر: وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف لكنه اعتضد ورواه أيضا أحمد والحاكم والطبراني وغيرهم قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد ضعيف وبقية رجاله ثقات الحديث: 4679 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 4680 - (ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبونكم ويعملون فيسيئون العمل لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم فأعطوهم الحق ما رضوا به فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد) خاطب المؤمنين بذلك ليوطنوا أنفسهم [ص: 102] على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها حتى إذا لقوها لقوها وهم مستعدون فلا يرهقهم ما يرهق من تصيبه الشدة بغتة (طب عن أبي سلالة) الأسلمي أو السلمي قال الذهبي في الصحابة: له حديث ضعيف في الخروج على الظلمة علقه البخاري في تاريخه اه. والحديث المشار إليه هو هذا وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف الحديث: 4680 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 4681 - (ستكون معادن) جمع معدن وهو الجوهر المستخرج من مكان خلقه الله فيه ويسمى به مكانه أيضا (يحضرها شرار الناس) أي فاتركوها ولا تقربوها لما يلزم على حضورها والتزاحم عليها من الفتن المؤدي ذلك إلى الهرج والقتل وفي رواية بدل يحضرها إلخ وسيكون فيها شر خلق الله (حم عن رجل من بني سليم) ورواه الخطيب عن ابن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن فقال: ما هذه فقالوا: صدقة من معدن كذا فذكره قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4681 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 4682 - (ستهاجرون إلى الشام ويفتح لكم) الظاهر أن أصله تفتح لكم وتهاجرون إليها ففيه تقديم وتأخير (ويكون فيكم داء كالدمل) معروف عربي جمعه دمامل (أو كالحزة) بضم الحاء وفتح الزاي المشددة والحز القطع وفي النهاية حزه قطعه (يأخذ بمراق الرجل) بشد القاف ما يسفل من البطن فما تحته من المحال التي يرق جلدها لا واحد لها (يستشهد الله به أنفسهم) أي يقتلهم بوخز الجن (ويزكي به أعمالهم) أي ينميها أو يطهرها من العوارض الخبيثة (حم) من حديث إسماعيل بن عبد الله (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: إسماعيل لم يدرك معاذا رمز المصنف لصحته   (1) [وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن عدة مغيبات وقد وقع الطاعون في دمشق منذ قرن تقريبا واستشهد فيه الكثير والمناوي لم يذكر شيئا لكونه لم يقع بعد. دار الحديث] الحديث: 4682 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 4683 - (سجدتا السهو في الصلاة تجزيان من كل زيادة ونقصان) كركعة خامسة وسجدة ثالثة فذكرها بعد فراغها أو ترك بعضا من أبعاضها (1) قال القاضي: القياس يقتضي أن لا يسجد إذ الأصل أنه لم يزد شيئا لكن صلاته لا تخلو عن أحد الخللين إما الزيادة وإما أداء الرابعة على تردد فيسجد جبرا للخلل والتردد لما كان من تلبيس الشيطان وتشويشه كان ترهيبا للشيطان (ع عد هق) وكذا الطبراني والديلمي (عن عائشة) ثم قال البيهقي: تفرد به حكيم بن نافع الرقي وكان ابن معين يوثقه اه وتعقبه الذهبي بأن أبا زرعة قال: ليس بشيء   (1) وسجود السهو لا يكرر وإن تكرر ما يقتضيه وسئل من ادعى أن من أمعن النظر في العربية وأراد علما غيره سهل عليه فقيل له: ما تقول فيمن سها في صلاته فسجد للسهو فسها في سجوده هل يسجد؟ قال: لا قيل: لم لا يسجد قال: لأن التصغير ليس له تصغير وسجدتا السهو تمام الصلاة وليس للتمام تمام فقالوا له: أحسنت الحديث: 4683 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 4684 - (سجدتا السهو بعد التسليم وفيهما تشهد وسلام) فيه دليل لأبي حنيفة والثوري أن الساهي إنما يسجد بعد التسليم وقال الشافعي: إنما يسجد قبله وقال مالك: إن كان لنقص قدم وإلا أخر توفيقا بين الأخبار ورد بأنه كان آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم أنه يسجد قبله فالجمع متعذر فإن قوله كان آخر الأمرين ناسخ بما قبله وجاز أن يكون نسيه ثم ذكره بعد السلام والجمع فيما إذا كان الحديثان ثابتا المدلول وليس كما ذكر ولأنه أنسب للعلقة والقرب واقتفى أحمد موارد الحديث وفصل بحسبها فقال: إن شك في عدد الركعات قدم وإن ترك شيئا ثم تدارك أخر وكذا إن فعل ما لا نقل فيه قال القاضي: وأصحابنا الشافعية ذهبوا إلى أن التقديم كان في أول الإسلام فنسخ قال الزهري: كل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تقديم السجود على السلام كان آخر الأمرين ثم بسطه (فر عن أبي هريرة وابن مسعود) وفيه [ص: 103] يحيى بن العلاء قال الذهبي في الضعفاء: وقال أحمد كذاب يضع الحديث ويحيى بن أكتم القاضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: صدوق وقال الأزدي: يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد: لا يشكون أنه يسرق الحديث الحديث: 4684 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 4685 - (سحاق النساء زنا بينهن) أي في الإثم والحرمة لكن يجب به التعزير لا الحد وما في اللسان من أن عليا أمر في امرأتين وجدتا في لحاف واحد يتساحقان بإحراقهما فأحرقتا بالنار فأثر منكر جدا وبفرض صحته هو مذهب صحابي وبالجملة فقد عده الذهبي وغيره من الكبائر لهذا الحديث وغيره (هب عن وائلة) بن الأسقع ولفظ رواية الطبراني السحاق بين النساء زنا بينهن وأما هذا اللفظ فهو لأبي يعلى وكيفما كان قال الهيثمي: رجاله ثقات لكن أورده الذهبي في الكبائر ولم يعزه لمخرج بل قال: يروى ثم قال: وهذا إسناد لين الحديث: 4685 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 4686 - (سخافة بالمرء) أي نقص في عقله (أن يستخدم ضيفه) قال في الفردوس: السخف رقة العقل والسخف بفتح السين رقة العيش (فر عن ابن عباس) وفيه دبيس الملائي قال الذهبي: قال أبو حاتم: ضعيف ورواه البزار أيضا عن ابن عباس فهو بالعزو إليه كان أولى الحديث: 4686 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 4687 - (سددوا) اقتصدوا في الأمور وتجنبوا الإفراط والتفريط فلا تترهبوا فتنام نفوسكم وينتحل معاشكم ولا تنهمكوا في أمر الدنيا فتعرضوا عن الطاعة رأسا (وقاربوا) تقربوا إلى الله بالمواظبة على الطاعات مع الاقتصاد فاعبدوه طرفي النهار وزلفا من الليل شبه العبادة في هذه الأوقات من حيث أنها توجه إلى مقصد وسعي للوصول إليه بالسلوك والسير وقطع المسافة في هذه الأوقات (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الهيثمي: فيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه الحديث: 4687 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 4688 - (سددوا) أي اقصدوا السداد أي الصواب أو بالغوا في التصويب من سدد الرجل إذا صار ذا سداد وسد في رميته إذا بالغ في تصويبها وإصابتها (وقاربوا) أي لا تغلوا والمقاربة القصد في الأمور التي لا غلو فيها ولا تقصير (وأبشروا) بالثواب الجزيل (واعلموا أنه لن يدخل) بكسر الخاء (أحدكم) أيها المؤمنون (الجنة عمله) بل فضل الله ورحمته قال القاضي: أراد بيان أن النجاة من العذاب والفوز بالثواب بفضل الله ورحمته والعمل غير مؤثر فيهما على سبيل الإيجاب والاقتضاء بل غايته أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه ويقرب إليه الرحمة كما قال تعالى {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وليس المراد توهين العمل ونفيه بل توقيف العباد على أن العمل إنما يتم بفضل الله وبرحمته لئلا يتكلوا على أعمالهم اغترارا بها ولا يعارضه {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} لأن الحديث في الدخول والآية في حصول المنازل فيها وقال الكرماني: الباء في بما كنتم ليست سببية بل للملابسة أي أورثتموها ملابسة لأعمالكم أي لثواب أعمالكم أو للمقابلة نحو أعطيته الشاة بدرهم أو المراد جنة خاصة بتلك الخاصية الرفيعة العالية بسبب الأعمال وأما أصل الدخول فبالرحمة لا بالعمل قال: وجواب النووي بأن دخول الجنة بسبب العمل والعمل بالرحمة فيرد بأن المقدمة الأولى خلاف صريح الحديث فلا يلتفت إليها (ولا أنا) عدل عن مقتضى الظاهر وهو ولا إياي انتقالا عن [ص: 104] الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية فتقديره ولا أنت ممن ينجيه عمله استبعادا عن هذه النسبة إليه (إلا أن يتغمدني الله بمغفرته ورحمته) أي ليسترني مأخوذ من غمد السيف في غمده ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف بما يحفظ فيه ذكره القاضي قال بعض العارفين: من قابله بأفعاله قابله بعدله ومن قابله بإفلاسه قابله بفضله قال الرافعي: فيه أنه لا ينبغي لعامل أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه إنما عمل بتوفيق الله وإنما ترك المعصية لعظمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته <تنبيه> أخرج الحكيم الترمذي عن جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خرج من عندي جبريل آنفا فقال: يا محمد إن لله عبدا عبد الله خمس مئة سنة على رأس جبل والبحر محيط به وأخرج له عينا عذبة بعرض الأصبع تفيض بماء عذب وشجرة رمان نخرج كل ليلة رمانة فيتغذى بها فإذا أمسى نزل وأصاب من الوضوء ثم قام لصلاته فسأل ربه أن يقبضه ساجدا وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى يبعث ساجدا ففعل فنحن نمر به إذا هبطنا وإذا عرجنا وأنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول: أدخلوه الجنة برحمتي فيقول: بل بعملي يا رب فيقول للملائكة: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فتوزن فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمس مئة سنة وتبقى نعمة الجسد فضلا عليه فيقول: أدخلوه النار فينادي يا رب برحمتك فيقول: ردوه فيوقف بين يديه فيقول: من خلقك ولم تك شيئا فيقول: أنت يا رب فيقول: أكان ذلك من قبلك أم برحمتي فيقول: برحمتك فيقول: أدخلوه الجنة برحمتي فهذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وإنما ينجيه يوم القيامة برحمته وهل خرجت الأعمال من الأركان إلا بتوفيقه وهل كان له التوفيق إلا برحمته <فائدة> قال الغزالي: اجتمع ابن واسع وابن دينار فقال ابن دينار: إما طاعة الله أو النار فقال ابن واسع: إما رحمة الله أو النار فقال ابن دينار: ما أحوجني إلى معلم مثلك وقال البسطامي: كابدت العبادة ثلاثين سنة فسمعت قائلا يقول: يا أبا يزيد خزائنه مملوءة من العبادة إن أردت الوصول إليه فعليك بالذلة والافتقار (تتمة) قال ابن عطاء الله: من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل ولا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها برزت من الله {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} (حم ق عن عائشة) الحديث: 4688 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 4689 - (سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن) هيبته وجماله لأن السرعة تتعب فتغير اللون والهيئة (حل عن أبي هريرة) وفيه محمد بن عبد الله الأصمعي قال الخطيب: لم أر له ذكرا إلا في هذا الحديث قال في الميزان: وهو حديث منكر جدا رواه محمد بن يعقوب عنه عن أبيه عن أبي معشر عن المقبري عن أبي هريرة قال: وهذا غير صحيح انتهى وأعله ابن حبان بأبي معشر وقال: اختلط أخرا وكثرت المناكير في روايته فبطل الاحتجاج به (خط في الجامع) وكذا ابن عدي في الكامل (فر) من حديث الوليد بن سلمة عن عمر عن محمد بن صهبان هذا وقال: غالب أحاديثه مناكير وبالوليد بن سلمة وقال: عامة حديثه غير محفوظ (عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن النجار عن ابن عباس) الحديث: 4689 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 4690 - (سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن) (1) أي حسن هيئته قال السخاوي: هذا وما قبله ما لم يخش من بطء السير تفويت أمر ديني (أبو القاسم بن بشر في أماليه عن أنس) ورواه أبو نعيم والديلمي من حديث ابن عمر   (1) وفي نسخة ببهاء وجهه الحديث: 4690 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 [ص: 105] 4691 - (سطع نور في الجنة فقيل ما هذا) أي قال بعض أهل الجنة لبعض أو الملائكة كذلك (فإذا هو) أي ففحصوا عنه فإذا هو (من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها) هذا السطوع وهذا الضحك يحتمل أن يكون باعتبار الأول وعبر عنه بالماضي لتحقق الوقوع فإن أزواجهن لا يجتمعون بهن إلا بعد فصل القضاء ودخول أهل الجنة الجنة ويحتمل إرادة الاجتماع الروحاني الآتي ويمكن أن المراد به التمثيل للإشعار بتضاعف أنوار تلك الدار فأدنى المتوهم من المشاهد محاولة لكشف المعنى ورفع الحجاب عما أعلمه للمؤمنين في دار الثواب وأن ما أعد الله لأهل الإيمان في الجنان فوق ما يبصر العيان (نكتة) قال الغزالي: إن أصحاب الثوري كلموه فيما كانوا يرون من خوفه ورثاثة حاله فقالوا: يا أستاذ لو نقصت من هذا الجهد نلت مرادك فقال: كيف لا أجهد وقد بلغني أن أهل الجنة يتجلى لهم نور تضيء له الجنان الثمانية فيظنونه نور وجه الرب سبحانه وتعالى فيخرون ساجدين فينادون ارفعوا ليس الذي تظنون إنما هو نور جارية ابتسمت في وجه زوجها ثم أنشأ يقول: ما ضر من كانت الفردوس مسكنه. . . ماذا تحمل من بأس وإقتار تراه يمشي كئيبا خائفا وجلا. . . إلى المساجد يسعى بين أطمار (الحاكم في) كتاب (الكنى خط) في ترجمة عيسى بن يوسف الطباع (عن ابن مسعود) وفيه حلس بن محمد قال الذهبي في الضعفاء: مجهول قال في الميزان: إن الحديث باطل الحديث: 4691 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 4692 - (سعادة لابن آدم ثلاث) من الأشياء أي حصولها له (وشقاوة) وفي رواية وشقوة (لابن آدم ثلاث) كذلك (فمن سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة) أي المسلمة الدينة العفيفة التي تعفه (والمركب الصالح) أي السريع غير النفور ولا الشرود ولا الحرون ونحو ذلك (والمسكن الواسع) بالنسبة للإنسان وذلك يختلف باختلاف الناس (وشقوة لابن آدم ثلاث المسكن السوء) في رواية بدله الضيق (والمرأة السوء والمركب السوء) وهذه من سعادة الدنيا لا سعادة الدين والسعادة مطلقة ومقيدة فالمطلقة السعادة في الدارين والمقيدة ما قيدت به فإنه ذكر أشياء متعددة فكان من رزق الصلاح في الثلاث المذكورة طاب عيشه وتهنى ببقائه وتم رفقه بها لأن هذه الأمور من مرافق الأبدان ومتاع الدنيا وقد يكون سعيدا في الدنيا ولا يرزق هذه الأشياء والمراد بالشقاوة هنا التعب على وزان {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} ومن ابتلي بمسكن سوء وامرأة سوء تعب لا محالة وقد يكون السعداء مبتلين بداء التعب والأولياء مرادون بالبلاء وقد كانت امرأتا نوح ولوط في غاية الشقاء وهما في غاية السعادة وامرأة فرعون أسعد أهل زمنها وفرعون أشقى الخلق فبان أنه أراد السعادة المقيدة التي هي سعادة الدنيا لا السعادة المطلقة العامة (الطيالسي) أبو داود (عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لأشهر من الطيالسي وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه وليس كذلك بل رواه الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور عن سعد المذكور وقال: صحيح وأقره الذهبي وعليه اعتمد المصنف في الرمز لصحته الحديث: 4692 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 4693 - (سفر المرأة مع عبدها ضيعة) قال في الكشاف: لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصيا أو فحلا اه. وعند الشافعية [ص: 106] أن المسموح الثقة ليس كالأجنبي بل له نظرها والخلوة بها وعلم منه أن المرأة لو لم تجد من يخرج معها للحج من زوج أو محرم أو نسوة ثقات لا يلزمها الخروج مع عبدها نعم إن كان ثقة وهي ثقة أيضا وجب (البزار) في مسنده (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي أخذا من الميزان: وفيه بزيع بن عبد الرحمن ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات وفي اللسان بزيع هذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال الأزدي: منكر الحديث الحديث: 4693 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 4694 - (سل ربك العافية) أي السلامة من المكاره الإعفاء خرجت مخرج الطاغية (والمعافاة من) مصدر من قولك عافاك الله معافاة (في الدنيا والآخرة فإذا أعطيت الباقية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت قالوا: هذا السؤال متضمن للعفو عن الماضي والآتي فالعافية في الحال والمعافاة في الاستقبال فهو طلب دوام العافية واستمرارها قال ابن القيم: ما سئل الله شيئا أحب إليه من العافية كما في مسند أحمد عن أبي هريرة وقال بعض العارفين: أكثروا من سؤال العافية فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه ورأى بعضهم في يد ابن واسع قرحة فتوجع فقال له: هذه من نعم الله حيث لم يجعلها في حدقتي (ن هـ عن أنس) بن مالك الحديث: 4694 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 4695 - (سل الله العفو) أي الفضل والنماء من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه ومنه {حتى عفوا} أي كثروا كذا ذكره الإمام ابن جرير لكن المتبادر أن المراد هنا ترك المؤاخذة بالذنب (والعافية في الدنيا والآخرة) فإن ذلك يتضمن إزالة الشرور الماضية والآتية قال الحكيم: هذا من جر مع التكلم إذ ليس شيء مما يعمل للآخرة يتقبل إلا باليقين وليس شيء من أمر الدنيا يهنأ به صاحبه إلا مع الأمن والصحة وفراغ القلب فجمع أمر الآخرة كله في كلمة وأمر الدنيا كله في كلمة ومن ثم قيل: لو أنني أعطيت سؤلي لما. . . سألت إلا العفو والعافية فكم فتى قد بات في نعمة. . . فسل منها الليلة الثانية <تنبيه> قال الصوفية: العارف إذا كمل في مقام العرفان يصير يتأثر من قرصة برغوث ويسأل العافية منها ولا يتجلد لها لشهوده ضعفه وعجزه بخلاف المريد فإنه من شدة ادعائه القوة يريد أن يقاوم القهر الإلهي وذلك سوء أدب ثم آخر الأمر يظهر عجزه ويسأل العافية (تخ عن عبد الله بن جعفر) جاءه رجل فقال: مرني بدعوات ينفعني الله بهن قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل عما سألتني عنه فذكره الحديث: 4695 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 4996 - (سلمان منا أهل البيت) بالنصب على الاختصاص عند سيبوية والجر على البدل من الضمير عند الأخفش قال: والمضمر يحتمل أن يراد به المتكلم فقط وأن يراد أن المتكلم وجماعة يعني الصحابة وأهل البيت فلما تعدد الاحتمال وجب البيان بالإبدال والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم داخل في أهل البيت دخولا أوليا أنفسهم وفيه والمراد أهل بيت النبوة قال الراغب: نبه به على أن مولى القوم يصح نسبته إليهم كما قال مولى القوم منهم وابنه من دلالة على أن سلمان قد طهره الله فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبد محض طهره الله وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم فلا يضاف إليهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس فهذه شهادة منه لسلمان بالطهارة والحفظ الإلهي وإذا كانت العناية الربانية تحصل بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت في أنفسهم فهم المطهرون بل هم عين الطهارة ذكره ابن العربي وسببه كما في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق عام الأحزاب [ص: 107] حتى بلغ المذاحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فقالت المهاجرون: سلمان منا والأنصار: سلمان منا فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم (طب ك) في المناقب (عن عمرو بن عوف) جزم الحافظ الذهبي بضعف سنده وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات الحديث: 4996 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 4697 - (سلمان) الفارسي (سابق فارس) إلى الإسلام أي هو أولهم إسلاما وفي حديث آخر أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق الفرس وأنشد بعضهم: لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه. . . فلا تشرك التقوى اتكالا على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس. . . وقد وضع الكفر الحسيب أبا لهب (ابن سعد) في الطبقات من حديث ابن علية عن يونس (عن الحسن) البصري (مرسلا) ورواه عنه أيضا ابن عساكر وابن علية فيه كلام مشهور الحديث: 4697 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 4698 - (سلم على ملك ثم قال لي لم أزل أستأذن ربي عز وجل في لقائك حتى كان هذا أوان أذن لي وإني أبشرك أنه ليس أحد أكرم على الله منك) أي حتى الملائكة حتى خواصهم كما يؤذن به العموم وعليه إجماع أهل السنة وردوا ما ذهب إليه الزمخشري من تفضيل روح القدس عليه (ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الرحمن بن غنم) الأشعري أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحب معاذا قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا ناس من أهل المدينة أهل نفاق فإذا سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلم على إلخ ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر ليس على ما ينبغي الحديث: 4698 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 4699 - (سلوا الله الفردوس) أي جنته قيل: وأصله البستان بلغة الروم فعرب (فإنها سرة (1) الجنة) في رواية فإنه وسط الجنة أي باعتبار أطرافها وجهاتها (وإن أهل الفردوس) أي سكانه (يسمعون أطيط العرش) لكونه الطبقة العليا من طبقات الجنان وسقفها عرش الرحمن وهذا كما ترى رد على الحليمي في زعمه أن الفردوس اسم يجمع الجنان كلها كجهنم تجمع النيران كلها قال: وإنما أمر بسؤال الفردوس لأن الجنان مراتب لا يستوي الناس في استحقاقها فلا ينبغي لأحد أن يتخير إحداها وقد أعد لغيره فيدخل في قوله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} (طب ك) في التفسير من حديث إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم (عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن جعفرا هالك وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني جعفر بن الزبير متروك   (1) [" سرة الجنة ": أي وسطها وجوفها من " سرة " الإنسان فإنها في وسطه. كما في النهاية في حديث حذيفة: لا تنزل سرة البصرة. دار الحديث] الحديث: 4699 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 4700 - (سلوا الله العفو والعافية) أي واحذروا سؤال البلاء وإن كان البلاء نعمة وأما قول بعض الأكابر أود أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق فينجون وأكون أنا فيها فذاك لما غلب على قلبه من الحب حتى أسكره إذ من شرب كأس المحبة سكر ومن سكر توسع في الكلام ولو زايله سكره علم أن ما غلب عليه حالة لا حقيقة لها فما تسمعه من هذا فهو كلام العشاق الذين أفرط حبهم وكلامهم يستلذ سماعه ولا يعول عليه ومن ذلك قول سحنون المحب فليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فاختبرني فابتلي بحصر البول فصار [ص: 108] يطوف ويقول لأطفال الكتاب: ادعوا لعمكم الكذاب (حكى) أن فاختة راودها ذكرها فمنعته فقال: كيف ولو أردت أن أقلب ملك سليمان ظهرا لبطن لأجلك لفعلت فعاتبه سليمان فقال كلام العشاق لا يؤاخذ به (فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية) أفرد العافية بعد جمعها لأن معنى العفو محو الذنب ومعنى العافية السلامة من الأسقام والبلاء فاستغنى عن ذكر العفو بها لشمولها ذكره القاضي ثم إنه جمع بين عافيتي الدنيا والدين لأن صلاح العبد لا يتم في الدارين إلا بالعفو واليقين فاليقين يدفع عنه عقوبة الآخرة والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه قال ابن جرير: فإن قلت هذا الخبر يناقض خبر إذا أحب الله عبدا ابتلاه قلت إنما أمر بطلب العافية من كل مكروه يحذره العبد على نفسه ودينه ودنياه والعافية في الدارين السلامة من تبعات الذنوب فمن رزق ذلك فقد برئ من المصائب التي هي عقوبات والعلل التي هي كفارات لأن البلاء لأهل الإيمان عقوبة يمحص بها عنهم في الدنيا ليلقوه مطهرين فإذا عوفي من التبعات وسلم من الذنوب الموجبة للعقوبات سلم من الأوجاع التي هي كفارات لأن الكفارة إنما تكون لمكفر ذكره ابن جرير. <تنبيه> في ضمن هذا الحديث إيماء إلى أن شدة حياء العبد من ربه توجب أنه إنما يسأله العفو لا الرضى عنه إذ الرضى لا يكون إلا للمتطهرين من الرذائل بعصمة أو حفظ وأما من تلطخ بالمعاصي فلا يليق به إلا سؤال العفو وعلى ذلك درج أهل السلوك (حم ت) في الدعوات (عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول على المنبر ثم بكى ثم ذكره قال المنذري: رواه الترمذي من رواية عبد الله بن محمد بن عبيد وقال: حسن غريب ورواه النسائي من طرق أحد أسانيدها صحيح اه. وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 4700 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 4701 - (سلوا الله) أي ادعوه لإذهاب البلاء وقيل الدعاء (من فضله) أي من زيادة إفضاله عليكم قال الطيبي: الفضل الزيادة وكل عطية لا تلزم المعطي والمراد أن إعطاء الله ليس بسبب استحقاق العبد بل إفضاله من غير سابقة ولا يمنعكم شيء من السؤال ثم علل ذلك بقوله (فإن الله يحب أن يسأل) أي من فضله لأن خزائنه ملآى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار فلما حث على السؤال هذا الحث البليغ وعلم أن بعضهم يمتنع من الدعاء لاستبطاء الإجابة فيدعه قال (وأفضل العبادة انتظار الفرج) أي أفضل الدعاء انتظار الداعي الفرج بالإجابة فيزيد في خضوعه وتذلله وعبادته التي يحبها الله تعالى وهو المراد من قوله فإن الله يحب إلخ (ت) في الدعوات (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه حماد بن واقد قال الترمذي نفسه: ليس بالحافظ وقال الحافظ العراقي: ضعفه ابن معين وغيره اه. وقصارى أمره أن ابن حجر حسنه الحديث: 4701 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4702 - (سلوا الله علما نافعا) أي شرعيا معمولا به (وتعوذوا بالله من علم لا ينفع) قال الحافظ ابن رجب: هذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين أو الدنيا وقد ورد تفسير العلم الذي لا ينفع بعلم النسب في مرسل رواه أبو داود في مراسيله اه. وأقول: هذا وإن كان محتملا لكن أقرب منه أن يراد في الحديث المشروح العلم الذي لا عمل معه فإنه غير نافع لصاحبه بل ضار له بل يهلكه فإنه حجة عليه قال الغزالي: العلم النافع هو ما يتعلق بالآخرة وهو علم أحوال القلب وأخلاقه المذمومة والمحمودة وما هو مرضي عند الله وذلك خارج عن ولاية الفقيه بعزل المصطفى صلى الله عليه وسلم أرباب السيف والسلطنة عنه حيث قال: هل شققت عن قلبه والفقيه هو معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وقد اتفقوا على أن الشرف في العلم ليعمل به فمن تعلم علم اللعان والظهار والسلم والإجارة ليتقرب بتعاطيها إلى الله فهو مجنون وعلم طريق الآخرة فرض عين في فتوى علماء الآخرة والمعرض عنه هالك بسيف سلاطين الدنيا بفتوى فقهاء الدنيا لكن علم الفقه وإن كان من علوم الدنيا لا يستغني عنه أحد البتة وهو مجاور علم الآخرة فإنه نظر في أعمال الجوارح (هـ هب عن جابر) رمز المصنف لصحته وأخطأ ففيه أسامة بن زيد فإن كان ابن أسلم فقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد وجمع وكان صالحا وإن كان الليث فقد قال النسائي: ليس بقوي وقال العلائي: الحديث حسن غريب الحديث: 4702 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4703 - (سلوا الله لي الوسيلة) المنزلة العلية والمراد بها هنا (أعلى درجة في الجنة) قال القاضي: وأصل الوسيلة ما يتقرب به إلى غيره قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} أي اتقوه بترك المعاصي وابتغوا إليه بفعل الطاعات من وسل إلى كذا تقرب إليه. قال لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم. . . ألا كل ذي لب إلى الله واسل وإنما سميت وسيلة لأنها منزلة يكون الواصل إليها قريبا من الله فتكون كالوصلة التي يتوسل بالوصول إليها والحصول فيها إلى الزلفى منه تعالى والانخراط في غمار الملأ الأعلى أو لأنها منزلة سنية ومرتبة علية يتوسل الناس بمن اختص بها ونزل منها إلى الله تعالى شفيعا مشفعا يخلصهم من أليم عذابه (لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون هو) قال ابن القيم: هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهه أن الجملة خبر عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وقال عبد الجليل القصيري في شعب الإيمان: الوسيلة التي اختص بها هي التوسل وذلك أنه يكون في الجنة بمنزلة الوزير من الملك بغير تمثيل لا يصل إلى أحد شيء إلا بواسطة (ن) في المناقب من حديث كعب (عن أبي هريرة) وقال: غريب إسناده ليس بقوي وكعب غير معروف اه. فرمز المصنف لصحته مدفوع الحديث: 4703 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4704 - (سلوا الله لي الوسيلة) المنزلة العلية (فإنه لا يسألها لي عبد) مسلم (في الدنيا إلا كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة) إنما سميت الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى العرش وأصل الوسيلة القرب فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه ومعنى الوسيلة الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه وأشدهم له خشية كانت منزلته أقرب المنازل لعرشه (ش طص عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن بل هو حسن لأن في سنده من فيه خلاف قال الهيثمي تبعا للمنذري: فيه الوليد بن عبد الملك والحراني قال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات الحديث: 4704 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4705 - (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) الباء للآلة ويجوز كونها للمصاحبة وعادة من طلب شيئا من غيره أن يمد كفه إليه ليضع النائل فيها والداعي طالب من أكرم الأكرمين فلا يرفع ظهر كفيه إلا إن أراد دفع بلاء لأن بطن كفيه في غيره إلى أسفل فكأنه أشار إلى عكس ذلك وخلوهما عن الخير (طب عن أبي بكرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة الحديث: 4705 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4706 - (سلوا الله ببطون أكفكم) كحالة الحريص على الشيء يتوقع تناوله (ولا تسألوه بظهورها) لأنه خلاف اللائق بحال طالب جلب نعمة كما تقرر (فإذا فرغتم) من الدعاء (فامسحوا) ندبا بها (وجوهكم (1)) تفاؤلا بإصابة المطلوب وتبركا بإيصاله إلى وجهه الذي هو أول الأعضاء وأولاها فمنه تسري البركة إلى سائر الأعضاء وأما خبر إن [ص: 110] المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسقى وأشار بظهر كفه إلى السماء فمعناه رفعهما رفعا تاما حتى ظهر بياض إبطيه (د) في الصلاة (هق) كلاهما (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فإن أبا داود نفسه إنما خرجه مقرونا ببيان حاله فقال: روي هذا من غير طريق عن ابن عباس يرفعه وكلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف اه. وساقه عند البيهقي وأقره وارتضاه الذهبي وأقره ابن حجر فاعجب للمصنف مع اطلاعه على ذلك كيف أشار لصحته   (1) خارج الصلاة الحديث: 4706 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 4707 - (سلوا الله حوائجكم البتة) أي قطعا ولا تترددوا في سؤاله فإنه إن لم يسهلها لم تسهل والبت القطع (في صلاة الصبح (1)) لأنها أول صلاة النهار الذي هو محل الحاجات غالبا فلعل أن تجابوا قبل وقوع ذنب يمنع وفيه رد على من منع الدعاء في المكتوبة بغير قراءة (ع عن أبي رافع) ورواه عنه الديلمي أيضا   (1) أي في السجود وعقبها الحديث: 4707 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 4708 - (سلوا الله كل شيء) من أمر الدين والدنيا الذي يجوز سؤاله شرعا (حتى الشسع) أي سور النعل الذي تدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام والزمام السير الذي يدخل فيه الشسع (فإن الله إن لم ييسره لم يتيسر) فإذن لا طريق إلى حصول أي مطلوب من جلائل النعم ودقائقها إلا بالتطفل على موائد كرم من له الأمر وفي الإنجيل سلوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم كل من سأل أعطى ومن طلب وجد ومن يقرع يفتح له. أوحى الله إلى موسى قل للمؤمنين لا يستعجلوني إذا دعوني ولا يبخلوني أليس يعلمون أني أبغض البخيل كيف أكون بخيلا يا موسى لا تخف مني بخلا أن تسألني عظيما ولا تستحي أن تسألني صغيرا اطلب إلي الدقة والعلف لشاتك يا موسى أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها وإني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه فمن سألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مسألته بالمغفرة. قال عروة بن الزبير: إني أسأل الله في صلاتي حتى أسأله الملح إلى أهلي وكان ابن المنكدر يقول: اللهم قو ذكري فإنه منفعة لأهلي وإنما سأل قوته ليخرج من حق زوجته لا لقضاء النهمة لأن المرأة نهمتها في الرجال فإذا عطلها خيف عليها الزنا (ع عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن المنادي وهو ثقة الحديث: 4708 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 4709 - (سلوا أهل الشرف عن العلم فإن كان عندهم علم فاكتبوه فإنهم لا يكذبون) فإنهم يصونون شرفهم عن أن يدنسوه بعار الكذب. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري عند ما ولى الخلافة أشر علي بقوم أستعين بهم على أمر الله فكتب إليه أما أهل الدين فليس يريدونك ولكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم أن يدنسوه بالخيانة ومن كلامهم ولد الشريف أولى بالشرف والدر أغلى من الصدف وهو أمر غالبي والحديث ورد على الغالب قال القطب القسطلاني: إذا طاب أصل المرء طابت فروعه. . . ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله. . . ليظهر صنع الله في العكس والطرد وقال الراغب: الشرف أخص بمآثر الآباء والعشيرة ولذلك قيل للعلوية أشراف قال: ومن الناس من لا يعد شرف الأصل فضيلة وقال: المرء بنفسه واستدل بقول علي: الناس أبناء ما يحسنون وبقوله: قيمة كل امرء ما يحسنه. ويقول الشاعر: كن ابن من شئت واكتسب أدبا. . . يغنيك محموده عن النسب [ص: 111] وقال حكيم: الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية وليس كما ظن لأن شرف الآباء والأعمام والأخوال مخيلة لكرم المرء ومظنة له فالفرع وإن طاب قد يفسد أحيانا فأصله يورث الفضيلة والرذيلة ولهذا قيل: إن السرى إذا سرا فبنفسه. . . وابن السرى إذا سرا أسراهما ويبين ذلك أن الأخلاق نتائج الأمزجة ومزاج الأب كثيرا ما يتأدى إلى الابن كاللون والخلق والصورة ومن أجل تأديتها إليه كما جاء في خبر تخيروا لنطفكم وما ذكر من نحو قول أمير المؤمنين: الناس أبناء ما يحسنون فحث للإنسان على اقتباس العلى ونهى عن الاقتصار على مآثر الآباء فإن المآثر الموروثة قليلة الغنى ما لم يضامها فضيلة النفس لأن ذلك إنما يحمد ليوجد الفرع مثله ومتى اختلف الفرع وتخلف أخبر بأحد شيئين إما بتكذيب من يدعي الشرف بعنصره أو بتكذيبه في انتسابه إلى ذلك العنصر وما فيها حظ المختار والمحمود كون الأصل في الفضل راسخا والفرع به شامخا كما قيل: زانوا قديمهم بحسن حديثهم. . . وكريم أخلاق بحسن خصال ومن لم يجتمع له الأمران فلأن يكون شريف النفس دنيء الأصل أولى من كونه دنيء النفس شريف الأصل ومن كان عنصره سنيا وهو في نفسه دنيء فذلك أتى إما من إهماله نفسه وشؤمها وإما لتعود عادات قبيحة وصحبة أشرار ونحو ذلك <تنبيه> قال بعض الصوفية: عند ذوي الشرف من الأكابر ما لم يوجد عند غالب الناس من حيائهم من النطق بالقبيح وغض الطرف عن عورات الناس وعدم الشره في الأكل وفقد جرأتهم وتعظيمهم من يعلمهم الأدب ولبس الخف في أرجلهم وجعلهم الأكمام ضيقة خوفا أن يبدو من أطرافهم شيء ولبس السراويل على الدوام حتى كأنه فرض لازم وتجد الواحد منهم أشد تواضعا من مولاه (ص عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى الحديث: 4709 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 4710 - (سمى هارون ابنيه شبرا وشبيرا) كجبل وجبيل قال في الفردوس: قيل هما اسمان سريانيان معناهما مثل معنى الحسن والحسين (وإني سميت ابني الحسن والحسين كما سمى به هارون ابنيه) قال الزمخشري: عن وهب بن منبه بسرج بالبيت المقدس كل ليلة ألف قنديل وكان يخرج من طور سيناء زيت كعنق البعير صاف يجري حتى يصب في القناديل من غير أن تمسه الأيدي وتجيء نار من السماء بيضاء لتسرج القناديل وكان القربان والسرج بين شبر وشبير فأمر بأن لا يسرجانها بنار الدنيا فاستعجلا يوما فأسرجا بها فسقطت فأكلهما فصرخ الصارخ إلى موسى فجاء يعج يدعو يا رب ابني أخي عرفت مكانهما فقال: يا ابن عمران هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف بأعدائي (البغوي) المعجم (وعبد الغني) الحافظ في كتاب (الإيضاح وابن عساكر) في التاريخ وكذا أبو نعيم والديلمي (عن سلمان) الفارسي رواه عنه الطبراني بسند فيه بردعة بن عبد الرحمن وهو كما قال الهيثمي: ضعيف وفي الميزان: له مناكير منها هذا الخبر الحديث: 4710 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 4711 - (سم ابنك عبد الرحمن) لما سبق أن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ولأنه اسم أمين الملائكة إسرافيل كما رواه الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا ولأنه أول اسم سمى به آدم أول أولاده كما خرجه عبد بن حميد عن السربي ولأن فيه تفاؤلا بأن المسمى به يصير من الذين قال تعالى فيهم {وعباد الرحمن} <تنبيه> قال ابن القيم: التسمية حق للأب وللأم ولو تنازع أبواه في تسميته فهي للأب لأن الولد يتبع أباه في النسب والتسمية تعريف النسب والمنسوب (خ عن جابر) قال: ولد لرجل غلام فسماه القاسم فقلنا لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فذكره الحديث: 4711 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 4712 - (سموه) أي الصبي المولود (بأحب الأسماء إلى حمزة) أي بأحب أسماء الشهداء إلي وبعد الأسماء المضافة إلى العبودية [ص: 112] فلا تعارض بينه وبين الخبر المار إذا سميتم فعبدوا وخبر أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن (ك) في المناقب (عن جابر) قال: ولد لرجل غلام فقالوا: ما نسميه يا رسول الله فذكره قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال يعقوب: أي ابن كاسب أحد رجاله ضعيف وصوابه مرسل الحديث: 4712 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 4713 - (سموا أسقاطكم) جمع سقط بتثليث السين ولد سقط من بطن أمه قبل كماله (فإنهم من أفراطكم) جمع فرط بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليهيئ لهم ما يحتاجونه من منازل الآخرة ومقامات الأبرار (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن هريرة) قال ابن القيم: وأما خبر إن عائشة أسقطت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سقطا فسماه عبد الله وكناها به فلا يصح الحديث: 4713 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 4714 - (سموا السقط يثقل الله به ميزانكم فإنه يأتي يوم القيامة يقول أي رب أضاعوني فلم يسموني) قيل: وهذا عند ظهور خلقه وإمكان نفخ الروح فيه لا عند كونه علقة أو مضغة (ميسرة في مشيخته عن أنس) ورواه عنه الديلمي لكن بيض لسنده الحديث: 4714 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 4715 - (سموا) بفتح السين وضم الميم (باسمي ولا تكنوا بكنيتي) بالضم من الكناية قال القاضي: الكنى تطلق تارة على قصد التعظيم والتوصيف كأبي المعالي وأبي الفضائل وللنسبة إلى الأولاد كأبي سلمة وأبي شريح وإلى ما يناسبه كأبي هريرة فإن النبي صلى الله عليه السلام رآه ومعه هرة فكناه بها وللعلمية الصرفة كأبي عمرو وأبي بكر ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم لأنه يقسم بين الناس من قبل الله تعالى ما يوحى إليه وينزلهم منازلهم التي يستحقونها في الشرف والفضائل وقسم الغنائم والفيء ولما لم يكن أحد منهم يشاركه في هذا المعنى منع أن يكنى بهذا المعنى أما لو كني به أحد للنسبة إلى ابن له اسمه قاسم أو للعلمية المجردة جاز ويدل عليه التعليل المذكور للنهي وقيل: النهي مخصوص بحال حياته لئلا يلتبس خطابه بخطاب غيره (طب عن ابن عباس) الحديث: 4715 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 4716 - (سموا باسمي ولا تكنوا) بفتح فسكون بضبط المصنف (بكنيتي فإني إنما بعثت قاسما أقسم بينكم) والكنية ما صدرت بأب أو أم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم بولده القاسم أكبر أولاده وكان النبي صلى الله عليه وسلم بالسوق فقال رجل: يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما دعوت هذا فذكره قال القرطبي: وهذه حالة تنافي الاحترام والتعزيز المأمور به فلما كانت الكناية بأبي القاسم تؤدي إلى ذلك نهى عنها فإن قيل: فيلزم امتناع التسمية بمحمد وقد أجازه قلنا: لم يكن أحد من الصحب يناديه باسمه إذ لا توقير في النداء به وإنما كان يناديه به أجلاف العرب ممن لم يؤمن أو آمن ولم يرسخ الإيمان في قلبه كالذين نادوه من وراء الحجرات يا محمد اخرج إلينا فمنع ما كانوا ينادونه وأبيح ما لم يكونوا ينادونه به وعليه فيكون النهي مخصوصا بحياته وهو ما عليه جمع لكن رد بأن قضية حديث جابر هذا أن ذلك الاسم لا يصدق على غيره صدقه عليه لقوله فإني أنا أبو القاسم أقسم أي هو الذي يلي قسم المال في نحو إرث وغنيمة وزكاة وفي تبليغ عن الله حكمه وليس ذلك لغيره فلا يطلق بالحقيقة هذا الاسم إلا عليه ولهذا كان الأصح عند الشافعية تحريمه بعد موته وزعم القرطبي جوازه حتى في حياته تمسكا بخبر الترمذي ما الذي أحل [ص: 113] اسمي وحرم كنيتي وجعله ناسخا لهذا الحديث يرده اشتراطه هو وغيره معرفة التاريخ وغير المتأخر (ق عن جابر) وفي الباب عن ابن عباس وأبي حميد وغيرهما الحديث: 4716 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 4717 - (سموا بأسماء الأنبياء ولا تسموا بأسماء الملائكة) كجبريل فيكره التسمي بها كما ذكره القشيري ويسن بأسماء الأنبياء ومن ذهب كعمر إلى كراهة التسمي بأسماء الأنبياء كأنه نظر لصون أسمائهم عن الابتذال وما يعرض لها من سوء الخطاب عند الغضب وغيره (تخ عن عبد الله بن جراد) قال البيهقي: قال البخاري في إسناده نظر الحديث: 4717 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 4718 - (سمي) الشهر (رجب) رجبا (لأنه يترجب) أي يتكثر ويتعظم (فيه خير كثير لشعبان ورمضان) يقال رجبه مثل عظمه وزنا ومعنى فالمعنى أن يهيئ فيه خير كثير عظيم للمتعبدين في شعبان ورمضان (أبو محمد الحسن بن محمد الخلال) بفتح المعجمة وشدة اللام منسوب لبيع الخل أو غيره (في فضائل) شهر (رجب عن أنس) بن مالك الحديث: 4718 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 4719 - (سوء الخلق) بالضم (شؤم) أي شر ووبال على صاحبه لأنه يفسد العمل كما يفسد الخل العسل كما يأتي في الخبر بعده وفي المصباح الشؤم الشر (ابن شاهين في الأفراد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الحديث: 4719 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 4720 - (سوء الخلق شؤم) على صاحبه وغيره (وشراركم) أي من شراركم أيها المؤمنون (أسوأكم أخلاقا) قال الغزالي: حسن الخلق هو الإيمان وسوء الخلق هو النفاق وقد ذكر تعالى صفات المؤمنين والمنافقين وهي بجملتها ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق وقد ذكروا لحسن الخلق علامات كثيرة قال حاتم الأصم: المؤمن مشغول بالفكر والعبر والمنافق مشغول بالحرص والأمل والمؤمن آيس من كل أحد إلا من الله والمنافق راج كل أحد إلا الله والمؤمن هدم ماله دون دينه والمنافق بعكسه والمؤمن يحسن ويبكي والمنافق يسيء ويضحك والمؤمن يحب الوحدة والخلوة والمنافق يحب الخلطة والملأ - إلى هنا كلام الغزالي. روي أن أبا عثمان الحيري اجتاز سكة فطرحت عليه أجانة رماد فنزل عن دابته وجعل ينفضه عن ثيابه ولم يتكلم فقيل: ألا تزجرهم فقال: من استحق النار فصولح على الرماد لم يحسن أن يغضب وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مرائي فقال: هذه وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة (خط عن عائشة) وروى أبو داود الجملة الأولى منه فقط قال الحافظ العراقي: وكلاهما لا يصح الحديث: 4720 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 4721 - (سوء الخلق شؤم وطاعة النساء ندامة) أي حزن وكراهة من الندم بسكون الدال وهو الغم اللازم (وحسن الملكة نماء) أي نمو وزيادة في الخير والبركة قال الغزالي: كل إنسان جاهل بعيب نفسه فإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة ربما ظن أنه هذب نفسه وحسن خلقه فلا بد من الامتحان فأولى ما يمتحن به الملكة وحسن الخلق الصبر على الأذى واحتمال الجفاء ومن شكا من سوء خلق غيره دل على سوء خلقه لأن حسن الخلق احتمال الأذى (ابن منده عن الربيع الأنصاري) الحديث: 4721 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 4722 - (سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أي أنه يعود عليه بالإحباط قال العسكري: أراد أن المبتدئ بفعل [ص: 114] الخير إذا قرنه بسوء الخلق أفسد عمله وأحبط أجره كالمتصدق إذا اتبعه بالمن والأذى وأخرج البيهقي في الشعب عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال موسى: يا رب أمهلت فرعون أربع مئة سنة وهو يقول أنا ربكم الأعلى ويكذب بآياتك ويجحد رسلك فأوحى الله إليه إنه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأحببت أن أكافئه وقال وهب: مثل السيء الخلق كمثل الفخار المكسرة لا ترقع ولا تعاد طينا وقال الفضل: لأن يصحبني فاحش حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق <تنبيه> حاول بعضهم استيعاب جميع الأخلاق الذميمة فقال: هي الانتقاد على أهل الله واعتقاد كمال النفس والاستنكاف من التعلم والاتعاظ والتماس عيوب الناس وإظهار الفرح وإفشاؤه وإكثار الضحك وإظهار المعصية والإيذاء والاستهزاء والإعانة على الباطل والانتقام للنفس وإثارة الفتن والاحتيال والاستماع لحديث قوم وهم له كارهون والاستطالة والأمن من مكر الشيطان والإصرار على الذنب مع رجاء المغفرة واستعظام ما يعطيه وإظهار الفقر مع الكفاية والبغي والبهتان والبخل والشح والبطالة والتجسس والتبذير والتعمق والتملق والتذلل للأغنياء لغناهم والتعيير والتحقير وتزكية النفس والتجبر والتبختر والتكلف والتعرض للتهم والتكلم بالمنهي والتشدق وتضييع الوقت بما لا يعني والتكذيب والتسفيه والتنابز بالألقاب والتعبيس والتفريط والتسويف في الأجل والتمني المذموم والتخلق بزي الصالحين زورا وتناول الرخص بالتأويلات والتساهل في تدارك الغيرة والتهور والتدبير للنفس والجهل وجحد الحق والجدال والجفاء والجور والجبن والحرص والحقد والحسد والحمق وحب الشهوة وحب الدنيا وحب الرياسة والجاه وإفشاء العيب والحزن الدائم والخديعة والخيبة والخيانة وخلف الوعد والخيلاء والدخول فيما لا يعني والذم والذل والرياء والركون للأغيار ورؤية الفضل على الأقران وسوء الظن والسعاية والشماتة والشره والشرك الخفي ومحبة الأشرار والصلف وطول الأمل والطمع والطيرة وطاعة النساء وطلب العوض على الطاعة وسوء الظن والظلم والعجلة والعجب والعداوة في غير الدين والغضب والغرور والغفلة والغدر والفسق والفرح المذموم والقسوة وقطع الرحم والكبر وكفران النعمة والعشيرة والكسل وكثرة النوم واللوم والمداهنة والملاحاة ومجالسة الأغنياء لغناهم والمزاح المفرط والنفاق والنية الفاسدة وهجر المسلم وهتك السر والوقوع في العرض والوقوع في غلبة الدين واليأس من الرحمة (الحارث) ابن أبي أسامة في سنده (والحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب وكذا أبو نعيم والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس وابن عمر وضعفها الحديث: 4722 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 4723 - (سوء المجالسة (1) شح وفحش وسوء خلق) بالضم فينبغي الحذر من ذلك وإكرام الجلساء وحسن الأدب معهم ومعاملتهم بالتواضع والإنصاف (ابن المبارك) في الزهد وكذا العسكري في الأمثال (عن سليمان بن موسى مرسلا) هو الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق أحد الأئمة قال النسائي: غير قوي وقال البخاري: له مناكير مات سنة تسعة عشر ومئة وهذا الحديث معدود من الأمثال والحكم   (1) الجلوس غير القعود لأن الأول الانتقال من سفل إلى علو والثاني الانتقال من علو إلى سفل فيقال للقائم والساجد اجلس ولمن هو قائم اقعد وقد يستعملان بمعنى التمكن والحصول فيكونان بمعنى واحد ومنه يقال جلس متربعا وقعد متربعا وجلس بين شعبها أي حصل وتمكن الحديث: 4723 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 4724 - (سوداء) كذا في النسخ والذي رأيته في أصول صحيحة مصححة بخط الحافظ ابن حجر من الفردوس وغيره سوآء على وزن سوعاء وهي القبيحة الوجه يقال رجل أسوء وامرأة سوآء ذكره الديلمي (ولود) أي كثيرة الولادة (خير من حسناء لا تلد) لأن النكاح وضعه أصالة لطلب النسل والشرع ورد به والعرب تقول من لم يلد فلا ولد [ص: 115] (وإني مكاثر بكم الأمم) الماضين يوم القيامة (حتى بالسقط لا يزال محبنطئا) أي متغضبا ممتنعا امتناع طلب لا امتناع إباء (على باب الجنة) حين أذن له بالدخول (يقال ادخل الجنة فيقول يا رب وأبواي فيقال له ادخل الجنة أنت وأبواك) والكلام في الأبوين المسلمين كما هو ظاهر مكشوف (طب) وكذا الديلمي (عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي: فيه علي بن الربيع وهو ضعيف ورواه أيضا ابن حبان في الضعفاء من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال الحافظ العراقي: ولا يصح وأورده في الميزان في ترجمة علي بن الربيع من حديثه عن بهز عن أبيه عن جده وقال: قال ابن حبان هذا منكر لا أصل له ولما كثرت المناكير في رواية علي المذكور بطل الاحتجاج به الحديث: 4724 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 4725 - (سورة الكهف تدعى في التوراة الحائلة) أو الحاجزة قالوا: يا رسول الله وما الحائلة قال: (تحول) أي تحجز (بين قارئها والنار) أي وبين دخول نار جهنم يوم القيامة بمعنى أنها تحاجج وتخاصم عنه كما في رواية (هب عن ابن عباس) الحديث: 4725 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 4726 - (سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية) أي ثلاثون جماعة من كلمات القرآن قال ابن حجر: الآية العلامة وآية القرآن علامة على تمام الكلام ولأنها جماعة من كلمات القرآن والآية تقال للجماعة اه (خاصمت) أي حاجت ودافعت (عن صاحبها) أي قارئها المداوم لتلاوتها بتدبير وتأمل واعتبار وتبصر (حتى أدخلته الجنة) بعد ما كان ممنوعا من دخولها لما اقترفه من الذنوب (وهي تبارك) في رواية وهي سورة تبارك قال القاضي: هذا وما أشبهه عبارة عن اختصاص هذه السورة ونحوها بمكان من الله تعالى وقربه لا يضيع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها اه وأولى منه ما قيل المراد بمحاجتها أنه تعالى يأمر من شاء من الملائكة أن يقوم بذلك عنه قال الطيبي: وفي هذا الإبهام ثم البيان بقوله وهي تبارك نوع تفخيم وتعظيم لشأنها إذ لو قيل سورة تبارك خاصمت لم يكن بهذه المنزلة وهذا الحديث قد احتج به من الأئمة من ذهب إلى البسملة ليست آية من كل سورة قالوا: لا يختلف العادون أن تبارك ثلاثون آية غير البسملة (طس) وكذا في الصغير (والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر: حديث صحيح فقد أخرج مسلم بهذا الإسناد حديثا آخر وأخرج البخاري به حديثين الحديث: 4726 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 4727 - (سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر) أي الكافة له عن قارئها إذا مات ووضع في قبره لو أنها إذا قرئت على قبر ميت منعت عنه العذاب ويؤخذ منه ندب ما اعتيد من قراءة خصوص السورة للزوار على القبور (ابن مردويه) في تفسيره (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الحافظ ابن حجر في أماليه: إنه حسن وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وليس كذلك فقد خرجه الترمذي بالزيادة من حديث الحبر ولفظه سورة تبارك هي المانعة هي المنجية من عذاب الله وأخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما عن ابن مسعود من قوله الحديث: 4727 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 4728 - (سووا صفوفكم) أي اعتدلوا فيها على سمت واحد وسدوا فرجها ثم عقبه بما هو كالتعليل له حيث قال (فإن تسوية [ص: 116] الصفوف) في رواية الصف بالإفراد والمراد به الجنس (من إقامة الصلاة) أي من تمامها وكمالها أو من جملة إقامتها وهي تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وأخذ بظاهره ابن حزم فأوجب التسوية لأن الإقامة واجبة وكل شيء من الواجب واجب ومنع بأن حسن الشيء زيادة على تمامه ولا يضره رواية من تمام الصلاة لأن تمام الشيء عرفا أمر زائد على حقيقته غالبا والمسوي لها هو الإمام وكذا غيره لكنه أولى والسر في تسويتها مبالغة المتابعة فقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا: وكيف تصف عند ربها قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف والمطلوب من تسويتها محبة الله لعباده (حم ق د ن عن أنس) واللفظ للبخاري الحديث: 4728 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 4729 - (سووا صفوفكم) عند الشروع في الصلاة (لا تختلف) أي لئلا تختلف (قلوبكم) أي هواها وإرادتها والقلب تابع للأعضاء فإن اختلفت اختلف وإذا فسد فسدت الأعضاء لأنه رئيسها (الدارمي) في مسنده (عن البراء) بن عازب وفي الباب عن غيره أيضا الحديث: 4729 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 4730 - (سووا صفوفكم (1)) أي اعتدلوا على سمت واحد حتى تصيروا كالرمح أو القدح أو الرقيم أو سطر الكتابة (أو ليخالفن الله) أي أو ليوقعن الله المخالفة (بين وجوهكم) بأن تفترقوا فيأخذ كل وجها غير الذي أخذ صاحبه لأن تقدم البعض على البعض مظنة للكبر المفسد للقلوب وسبب لتأثرها الناشئ عنه الحنق والضغائن فالمراد ليوقعن العداوة والبغضاء بينكم ومخالفة الظاهر سبب لاختلاف الباطن وقيل: المراد وجود قلوبكم بدليل قوله فيما قبله تختلف قلوبكم وقيل: المخالفة في الجزاء فيجازي مسوي الصفوف بخير والخارج عنه بشر والوعيد على عدم التسوية للتغليظ لا للتحريم (هـ عن النعمان بن بشير)   (1) وسبب الحديث كما في ابن ماجه عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصف حتى يجعله مثل الرمح أو القدح فرأى صدر رجل نائيا فقال صلى الله عليه وسلم: سووا فذكره الحديث: 4730 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 4731 - (سووا القبور على وجه الأرض إذا دفنتم) الموتى فيها وهذا أمر ندب فعلم أن تسطيح القبر أفضل من تسنيمه وقد صح عن القاسم بن محمد أن عمته عائشة كشفت له عن قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فإذا هي مسطحة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ورواية البخاري أنه مسنم حملها البيهقي على أن تسنيمه حادث لما سقط جداره وأصلح زمن الوليد وقيل عمر بن عبد العزيز وكون التسطيح صار شعار الروافض لا يؤثر لان السنة لا تترك لفعل أهل البدعة لها (هب عن فضالة بن عبيد) ظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي إلى مسلم والنسائي وكذا لأحمد الحديث: 4731 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 4732 - (سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته) يعني المحل الذي هو مسكنه بيتا أو غيره قال الخطابي: العزلة عند الفتنة سنة الأنبياء وسيرة الحكماء فلا أعلم لمن عابها عذرا ولا سلم من تجنبها فخرا ولا سيما في هذا الزمان (فر) في المسلسلات وأبو سعيد السمان (وأبو الحسن بن المفضل المقدسي في الأربعين المسلسلة عن أبي موسى) الأشعري وله شواهد وقد أفرد الخطيب في العزلة جزءا الحديث: 4732 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 [ص: 117] 4733 - (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحبا) أي رحبت بلادكم واتسعت وأتيتم أهلا لا غربا فاستأنسوا ولا تستوحشوا وهو مصدر استغنى به عن الفعل وألزم النصب (بوصية رسول الله) وقد درج السلف على قبول وصيته فكان أبو حنيفة يكثر مجالسة طلبته ويخصهم بمزيد الإكرام وصرف العناية في التعظيم وكان البويطي يدنيهم ويقربهم ويعرفهم فضل الشافعي وفضل كتبه ويحضهم على الاشتغال ويعاملهم بأشرف الأحوال (وأفتوهم) بالفاء أي علموهم وفي رواية الديلمي وغيره بالقاف والنون يعني أرضوهم من أقنى أي أرضى وقيل: لقنوهم وقيل: أعينوهم (هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الطيالسي والديلمي وغيرهما الحديث: 4733 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 4734 - (سيأتي عليكم زمان لا يكون فيه شيء أعز من ثلاثة: درهم حلال أو أخ تستأنس به أو سنة يعمل بها) أما الدرهم الحلال فقد عز وجوده قبل الآن بعدة قرون وأما الأخ الذي يوثق به فأعز قال الزمخشري: والصديق هو الصادق في وددك الذي يهمه ما أهمك وهو أعز من بيض الآنوق وأما السنة التي يعمل بها فأعز منهما لتطابق أكثر الناس على البدع والحوادث وسكوت الناس عليها حتى لا يكاد ينكر ذلك ومن أراد التفصيل فليطلع على كتاب المدخل لابن الحاج يرى العجب العجاب (طس حل) وكذا الديلمي (عن حذيفة) ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري تفرد به روح بن صلاح قال ابن عدي: وهو ضعيف وقال الهيثمي: فيه روح بن صلاح ضعفه ابن عدي ووثقه الحاكم وابن حبان وبقية رجاله ثقات الحديث: 4734 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 4735 - (سيأتي زمان على أمتي يكثر فيه القراء) الذين يحفظون القرآن عن ظهر قلب ولا يفهمون معانيه (وتقل الفقهاء) أي العارفون بالأحكام الشرعية (ويقبض العلم) أي يموت أصحابه كما صرح به في الخبر الآخر (ويكثر الهرج) أي القتل والفتن (ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ فيه القرآن رجال من أمتي) أمة الإجابة (لا يجاوز تراقيهم) جمع ترقوة وهي عظام بين ثغرة النحر والعاتق يعني لا يخلص عن ألسنتهم وآذانهم إلى قلوبهم (ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل فيه المشرك بالله المؤمن في مثل ما يقول) أي يخاصمه ويغالبه ويقابل حجته بحجة مثلها في كونها حجة ولكن حجة الكافر باطلة داحضة وحجة المؤمن صحيحة ظاهرة. (1) (طس ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف   (1) وذلك يزيد بتزايد الجهل عند الكافر لقصور عقله عن إدراك حقيقة ما يجادل فيه من أمور الدين والعقيدة الدقيقة. وقد تفاقم الأمر في أيامنا بسبب تسرب الغرور إلى نفوس الكثير من حملة الشهادات التي لا صلة لها بمواضيع الدين فكما أن شهادة في مجال الطب لا تهيء صاحبها لفهم علم الفيزياء علاوة عن مناقشته فكذلك في أمور الدين. نسأل الله أن يلطف بنا جميعا وأن يوفقنا إلى عدم تعدي حدودنا آمين. دار الحديث.] الحديث: 4735 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 4736 - (سيأتي على الناس زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور) أي بين أن يعجز ويبعد ويقهر وبين أن يخرج عن طاعة الله (فمن أدرك ذلك الزمان) وخير (فليختر) وجوبا (العجز على الفجور) لأن سلامة الدين واجبة التقديم والمخير هم الأمراء وولاة الأمور (ك) في الأهوال من حديث محمد بن يعقوب عن أحمد العطاردي عن أبي معاوية عن ابن أبي هند عن شيخ من بني قشير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى عن شيخ عن أبي هريرة وبقية رجاله ثقات اه وليس بسديد كيف وأحمد بن عبد الجبار [ص: 118] العطاردي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال في الميزان: ضعفه غير واحد وقال ابن عدي: أجمعوا على ضعفه ولم أر له حديثا منكرا إنما ضعفوه لكونه لم يلق من حدث عنهم ولأن لطين كان يكذب وقال الدارقطني: لا بأس به واختلف فيه شيوخنا الحديث: 4736 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 4737 - (سيحان) من السيح وهو جري الماء على وجه الأرض وهو نهر العواصم بقرب مصيصة وهو غير سيحون (وجيجان) نهر أدنة وسيحون نهر بالهند أو السند وجيحون نهر بلخ وينتهي إلى خوارزم فمن زعم أنهما هما فقد وهم فقد حكى النووي الاتفاق على المغايرة (والفرات) نهر بالكوفة (والنيل) نهر مصر (كل) منها (من أنهار الجنة) أي هي لعذوبة مائها وكثرة منافعها وهضمها وتضمنها لمزيد البركة وتشرفها بورود الأنبياء وشربهم منها كأنها من أنهار الجنة أو أنه سمى الأنهار التي هي أصول أنهار الجنة بتلك الأسامي ليعلم أنها في الجنة بمثابة الأنهار الأربعة في الدنيا أو أنها مسميات بتلك التسميات فوقع الاشتراك فيها أو هو على ظاهره ولها مادة من الجنة. وقال الطيبي: سيحان مبتدأ وكل مبتدأ ثان والتقدير كل منهما ومن أنهار الجنة خبر المبتدأ والجملة خبر الأول ومن إما ابتدائية أي ناشئة منها أو اتصالية أو تبعيضية (م) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 4737 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 4738 - (سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن) أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه ولا تأمل في أحكامه بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد خرجه مسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة وهكذا عزاه له في مسند الفردوس وغيره الحديث: 4738 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 4739 - (ستخرج أهل مكة) منها (ثم لا يعبرها إلا قليل ثم تمتلئ) بالناس (وتبنى) فيها الأبنية (ثم يخرجون منها) مرة ثانية (فلا يعودون فيها) بعد ذلك (أبدا) إلى قيام الساعة (حم عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو يعلى قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4739 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 4740 - (سيخرج ناس إلى المغرب يأتون يوم القيامة وجوههم على ضوء الشمس) في الضياء والإشراق والجمال البارع (حم) من حديث أبي مصعب (عن رجل) من الصحابة قال أبو مصعب: قدم رجل من أهل المدينة فرأوه مؤثرا في جهاده فسألوه فأخبرهم أنه يريد المغرب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 4740 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 4741 - (سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم) قال الطيبي: مستعار من الرئيس المقدم الذي يعمد إليه في الحوائج ويرجع إليه في المهمات والجامع لمعاني الأقوات ومحاسنها هو اللحم ويطلق السيد أيضا على الفاضل ومنه خبر قوموا إلى سيدكم أي أفضلكم واللحم سيد المطعومات لأن به تعظم قوة الحياة في الشخص المتغذى به قال ابن حجر: قد دلت الأخبار [ص: 119] على إيثار اللحم ما وجد إليه سبيلا وما ورد عن عمر وغيره من السلف من إيثار أكل غيره عليه فإما لقمع النفس عن تعاطي الشهوات والإدمان عليها وإما لكراهة الإسراف والإسراع في تبذير المال لعلة الشيء عندهم إذ ذاك وقد اختلف في الإدام والجمهور أنه ما يؤكل به الخبز مما يطيبه. هبه مركبا أم لا واشترط أبو حنيفة الاصطباغ (وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية) نور الحناء وهي من أطيب الرياحين معتدلة في الحر واليبس فيها بعض قبض وإذا وضعت بين ثياب الصوف منعت السوس ومنافعها كثيرة (طس وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (هب) كلهم (عن بريدة) بن الخصيب قال الهيثمي: فيه سعيد بن عتبة القطان لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضره وقال ابن القيم: إسناده ضعيف الحديث: 4741 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 4742 - (سيد الأدهان البنفسج وإن فضل البنفسج على سائر الأدهان كفضلي على سائر الرجال) لعموم منافعه وجموم فضائله وهو بارد رطب ينفع الصداع الحار ويرطب الدماغ وينوم ويسهل حركة المفاصل ومنافعه لا تحصى ومزاياه لا تستقصى (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) من حديث إبراهيم بن أحمد الوراق عن محمد بن عمر عن محمد بن صالح الترمذي عن داود بن حماد عن أبي ركاز عن محمد بن ثابت عن ثابت البناني (عن أنس) وهذا الحديث له طرق كثيرة كلها معلولة (وهو) أي هذا الطريق (أمثل طرقه) ومع ذلك فمحمد بن ثابت ضعيف وقال ابن القيم في التنقيح: حديثان باطلان موضوعان هذا أحدهما والثاني فضل دهن البنفسج على الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان الحديث: 4742 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 4743 - (سيد الاستغفار) أي أفضل أنواع الأذكار التي تطلب بها المغفرة هذا الذكر الجامع لمعاني التوبة كلها والاستغفار طلب المغفرة والمغفرة الستر للذنوب والعفو عنها قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل للرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في المهمات (أن يقول) أي العبد وثبت في رواية أحمد والنسائي سيد الاستغفار أن يقول العبد وفي رواية للنسائي تعلموا سيد الاستغفار أن يقول العبد (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني) قال ابن حجر: في نسخة معتمدة من البخاري تكرير أنت وسقطت الثانية من معظم الروايات (وأنا عبدك) يجوز أن تكون مؤكدة وأن تكون مقررة أي أنا عابد لك كقوله {وبشرناه إسحاق نبيا} ذكره الطيبي (وأنا على عهدك ووعدك) أي ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ذكره بعضهم وقال المؤلف: العهد ما أخذ عليهم في عالم الذر يوم {ألست بربكم} والوعد ما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات لا يشرك بالله دخل الجنة (ما استطعت) أي مدة دوام استطاعتي ومعناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى (أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك) أي أعترف وألتزم (بنعمتك علي) وأصل البوء اللزوم ومنه خبر فقد باء بها أحدهما أي التزمه ورجع (وأبوء بذنبي) أي أعترف أيضا وقيل: معناه أحمله برغمي لا أستطيع صرفه عني وقال الطيبي: اعترف أولا بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل الإنعام ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها وعده ذنبا مبالغة في التقصير وهضم النفس (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فائدة الإقرار بالذنب أن الاعتراف يمحق الاقتراف كما قيل: [ص: 120] فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه. . . كما أن إنكار الذنوب ذنوب (من قالها من النهار موقنا بها) أي مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها (فمات من يومه ذلك قبل أن يمسي) أي يدخل في المساء (فهو من أهل الجنة) أي ممن استحق دخولها مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يقلها (ومن قالها من الليل وهو موقن فمات قبل أن يصبح) أي يدخل في الصباح (فهو من أهل الجنة) بالمعنى المذكور قال ابن أبي حمزة: جمع في الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار ففيه الإقرار لله وحده بالألوهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستغفار من شر ما جنى على نفسه وإضافة النعم إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا ما هو وكل ذلك إشارة إلى الجمع بين الحقيقة والشريعة لأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان عون من الله قال: ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع صحة النية والتوجه والأدب (حم خ ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره الحديث: 4743 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 4744 - (سيد الأيام عند الله يوم الجمعة) أي أفضلها لأن السيد أفضل القوم كما ورد قوموا إلى سيدكم أي أفضلكم أو أريد مقدمها فإن الجمعة متبوعة كما أن السيد يتبعه القوم ذكره القرطبي (أعظم) عند الله (من يوم النحر والفطر) أي من يوم عيد النحر ويوم عيد الفطر الذي ليس بيوم جمعة (وفيه خمس خلال) جمع خلة بفتح الخاء وهي الخصلة وهذا جواب عن سؤال: ماذا فيه من الخير؟ فدل على أن الخلال الخمس خيرات وفواضل تستلزم فضيلة اليوم الذي تقع فيه (فيه خلق) الله (آدم وفيه أهبط من الجنة إلى الأرض) الهبوط ضد الصعود (وفيه توفي وفيه ساعة) أي لحظة لطيفة (لا يسأل العبد فيها الله شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم) أي هجران قرابة بنحو إيذاء أو صد (وفيه تقوم الساعة) أي القيامة (وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا ريح ولا جبل ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة) أي خائف منها من قيام القيامة فيه والحشر والحساب <تنبيه> قال ابن عربي: قد اصطفى الله من كل جنس نوعا ومن كل نوع شخصا واختاره عناية منه بذلك المختار أو بالغير بسببه وقد يختار من الجنس النوعين والثلاثة ومن النوع الشخصين وأكثر فاختار من النوع الإنساني المؤمنين ومن المؤمنين الأولياء ومن الأولياء الأنبياء ومن الأنبياء الرسل وفضل الرسل بعضهم على بعض ولولا ورود النهي عن التفضيل بين الأنبياء لعينت الأفضل ولما خص الله من الشهور رمضان وسماه باسمه فإن من أسمائه تعالى رمضان خص الله من أيام الأسبوع يوم العروبة وهو الجمعة وعرف الأمم أن لله يوما اختصه من السبعة أيام وشرفه على أيام الأسبوع ولهذا يغلط من يفضل بينه وبين يوم عرفة وعاشوراء فإن فضل ذلك يرجع إلى مجموع أيام السنة لا إلى أيام الأسبوع ولهذا قد يكون يوم عرفة أو عاشوراء أو يوم جمعة وقد لا يكون ويوم الجمعة لا يتبدل ففضل يوم الجمعة ذاتي وفضل يوم عرفة وعاشوراء لأمور عرضت إذا وجدت في أي يوم كان كان الفضل لذلك اليوم لهذا العارض فيدخل مفاضلة عرفة وعاشوراء في المفاضلة بين [ص: 121] الأسباب العارضة الموجبة للفضل في ذلك النوع كما أن رمضان إنما فضله على الشهور في الشهور القمرية لا الشمسية فيتشرف ذلك الشهر الشمسي بكون رمضان فيه فلما ذكر الله شرف اليوم ولم يعينه بل وكلهم لاجتهادهم اختلفوا فقالت النصارى: أفضل الأيام الأحد لأنه يوم الشمس وأول يوم خلق الله فيه السماوات والأرض فما ابتدأ فيه الخلق إلا لشرفه على بقية الأيام فاتخذته عيدا وقالت اليهود: السبت فإن الله فرغ من الخلق في يوم العروبة واستراح يوم السبت وزعموا أن هذا في التوراة فلا نصدقهم ولا نكذبهم وأعلم الله نبينا بأن الأفضل يوم الجمعة لأنه الذي خلق فيه هذه النشأة الإنسانية التي خلق المخلوقات من يوم الأحد إلى الخميس من أجلها فلا بد أن يكون أفضل الأوقات وفي حديث ضعيف إن الساعة تقوم في نصف رمضان يوم الجمعة وكانوا إذا كان أول رمضان الجمعة أشفقوا حتى ينتصف (الشافعي) في مسنده (حم تخ عن سعد بن عبادة) سيد الخروج وإسناده حسن الحديث: 4744 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 4745 - (سيد السلعة) بكسر المهملة البضاعة أي صاحبها (أحق أن يسام) بالبناء المفعول أي يسومه المشتري بأن يقول له بكم تبيع سلعتك يقال سام البائع السلعة سوما عرضها للبيع وسامها المشتري واستامها طلب من البائع أن يبيعها له ومنه خبر لا يسوم أحدكم على سوم أخيه أي لا يشتري ويجوز حمله على البائع وصورته أن يعرض رجل على المشتري سلعة بثمن فيقول آخر عندي مثلها بأقل من هذا الثمن فيكون النهي عاما في البائع والمشتري (د في مراسيله عن أبي حسين) العكلي بضم المهملة زيد بن الحبابة وفي نسخة أبي حصين نفتح أوله ابن أحمد بن عبد الله بن يونس اسمه عبد الله يروى عنه أبو داود الحديث: 4745 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 4746 - (سيد الشهداء) جمع شهيد سمي به لأن روحه شهدت أي حضرت دار السلام عند موته وروح غيره إنما تشهدها يوم القيامة أو لأنه تعالى يشهد له بالجنة أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه أو لكونه شهد ما أعد الله له من الكرامة أو لغير ذلك (عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب) خص سيادته بيوم القيامة لأنه يوم انكشاف الحقائق وجمع جميع الخلائق وهذا عام مخصوص بغير من استشهد من الأنبياء فالمراد سيد شهداء هذه الأمة أي شهد المعركة كما قاله الزين العراقي ليخرج عمر وعثمان وعلي (ك) في الجهاد من حديث أبي حماد وفي المناقب (عن جابر) بن عبد الله (طب عن علي) أمير المؤمنين. قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: أبو حماد هو المفضل (1) بن صدقة قال النسائي: متروك وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني علي بن الحرور وهو متروك   (1) [في الأصل " الفضل بن صدقة " وهو خطأ والصواب " المفضل بن صدقة. راجع ميزان الاعتدال 4 - 168 - 8729 دار الحديث] الحديث: 4746 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 4747 - (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم استشهد يوم أحد (ورجل قام إلى إمام جائر فأمره) بالمعروف (ونهاه) عن المنكر (فقتله) لأجل أمره أو نهيه عن ذلك فحمزة سيد شهداء الدنيا والآخرة والرجل المذكور سيد الشهداء في الآخرة لمخاطرته بأنفس ما عنده وهي نفسه في ذات الله تعالى (ك) في مناقب الصحابة والديلمي (والضياء) المقدسي (عن جابر) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه حفيد الصفار لا يدري من هو اه. وفي الباب ابن عباس باللفظ المزبور عند الطبراني قال الهيثمي: وفيه ضعف الحديث: 4747 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 4748 - (سيد الشهداء جعفر بن أبي طالب معه الملائكة) أي يطيرون معه مصاحبين له ويطير معهم (لم ينحل) بالبناء [ص: 122] للمفعول أي لم يعط (ذلك أحد ممن مضى من الأمم غيره شيء أكرم الله به) نييه وابن عمه (محمدا) أفضل الأنبياء (أبو القاسم الحرقي في أماليه عن علي) الحديث: 4748 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 4749 - (سيد الشهور شهر رمضان) أي هو أفضلها (وأعظمها حرمة ذو الحجة) لأن فيه يوم الحج الأكبر ويوم عيد الأضحى قال شيخ الطريقين السهروردي: رمضان أفضل من الحجة وإذا قوبلت الجملة بالجملة وفضلت إحدى الجملتين على الأخرى لا يلزم تفضيل كل أفراد الجملة ويؤيده أن جنس الصلاة أفضل من جنس الصوم وصوم يوم أفضل من ركعتين (البزار) في مسنده (هب عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعفوه اه الحديث: 4749 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 4750 - (سيد الفوارس أبو موسى) الأشعري الفوارس جمع فارس ويجمع أيضا على فرسان وهو المستعمل وأما فوارس فهو شاذ كما في المصباح وغيره لأن فواعل إنما هو جمع فاعلة مثل ضاربة وضوارب وصاحبة وصواحب (ابن سعد) في الطبقات (عن نعيم بن يحيى مرسلا) الحديث: 4750 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 4751 - (سيد القوم خادمهم) لأن السيد هو الذي يفزع إليه في النوائب فيتحمل الأثقال عنهم فلما تحمل خادمهم عنهم الأمور وكفاهم مؤونتهم وقام بأعباء ما لا يطيقونه كان سيدهم بهذا الاعتبار ثم إن المصنف لم يذكر من خرجه (عن أبي قتادة) وعزاه في الدرر المشتهرة لابن ماجه من حديث أبي قتادة وفي درر البحار للترمذي (خط) عن يحيى بن أكثم عن أبيه عن جده عن عكرمة (عن ابن عباس) وفيه قصة طويلة ليحيى ورواه أيضا السلمي في آداب الصحبة عن عقبة بن عامر قال في المواهب: وفي سنده ضعف وانقطاع الحديث: 4751 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 4752 - (سيد القوم خادمهم وساقيهم آخرهم شربا) وعليه أنشد البيهقي: إذا اجتمع الإخوان كان أذلهم. . . لإخوانه نفسا أبر وأفضلا وما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه. . . ولكن فضل المرء أن يتفضلا قال الغزالي: صحب المروزي أبا علي الرباطي فقال أبو علي: أنت الأمير أم أنا؟ قال: أنت فلم يزل يحمل الزاد على ظهره وأمطرت السماء فقام طول الليل علي وأمر رفيقه بكساء فكلما قال له: لا تفعل يقول: ألم تسلم الإمارة لي فلم تحكم علي؟ قال: فوددت أني مت ولم أؤمره (أبو نعيم في) الأحاديث (الأربعين الصوفية عن أنس) في صنيعه إشعار بأن الحديث لا يوجد مخرجا لأحد الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المذكور عن أبي قتادة ورواه أيضا الديلمي الحديث: 4752 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 4753 - (سيد القوم في السفر خادمهم) أي ينبغي كون السيد كذلك لما وجب عليه من الإقامة بمصالحهم ورعاية أحوالهم أو معناه أن من يخدمهم وإن كان أدناهم ظاهرا فهو بالحقيقة سيدهم لحيازته للثواب وإليه الإشارة بقوله (فمن سبقهم [ص: 123] بخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة) لأنه شريكهم فيما يزاولونه من الأعمال بواسطة خدمته. ذكره الطيبي وأنشد البيهقي: إن أخا الإحسان من يسعى معك. . . ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك. . . شتت فيك شمله ليجمعك (ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور في ترجمة أبي الحسين الصفار من فقهاء أهل الري (هب عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه الديلمي أيضا. قال: وفي الباب عن عقبة بن عامر الحديث: 4753 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 4754 - (سيد الناس آدم وسيد العرب محمد وسيد الروم صهيب وسيد الفرس سلمان وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال طور سيناء وسيد الشجر السدر وسيد الأشهر المحرم وسيد الأيام الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي أما) بالتخفيف (إن فيها خمس كلمات في كل كلمة خمسون بركة) قال حجة الإسلام: إذا تأملت جملة معاني أسماء الله الحسنى من التوحيد والتقديس وشرح الصفات العلا وجدتها مجموعة في آية الكرسي فلذلك قال: هي سيدة آي القرآن فإن {شهد الله} ليس فيها إلا التوحيد و {قل هو الله أحد} ليس فيها إلا التوحيد والتقديس و {قل اللهم مالك الملك} ليس فيها إلا الأفعال وكمال القدرة و {الفاتحة} فيها مرامز إلى هذه الصفات من غير شرح وهي مشروحة في آية الكرسي والذي يقرب منها في هذه المعاني آخر الحشر وأول الحديد إذ تشتمل على أسماء وصفات كثيرة لكنها آيات لا آية واحدة وهذه إذا قابلتها بآحاد تلك الآيات وجدتها أجمع المقاصد فلذلك تستحق السيادة على الآي وقال ابن عربي: قد ثبت في القرآن الإخبار بتفاضل سوره وآياته بعضها على بعض في حق القارئ بالنسبة لما لنا فيه من الأجر وقد ورد: آية الكرسي سيدة آي القرآن لأنه ليس في القرآن آية يذكر الله فيها بين مضمر وظاهر في ستة عشر موضعا إلا آية الكرسي (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه محمد بن عبد القدوس عن مجالد بن سعيد ومحمد قال الذهبي: مجهول ومجالد قال أحمد: ليس بشيء وضعفه غيره ورواه أيضا ابن السني وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه للأصل لكان أولى الحديث: 4754 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 4755 - (سيد إدامكم الملح (1)) لأن به صلاح الأطعمة وطيبها والآدمي لا يمكنه أن يقوم بالحلاوة فجعل الله له الملح مزاجا للأشياء لينتظم حاله لكون غالب الإدام إنما يصلح به وسيد الشيء هو الذي يصلحه ويقوم عليه وأخذ منه الغزالي: أن من آداب الأكل أن يبدأ ويختم به (هـ والحكيم) الترمذي وأبو يعلى والطبراني والقضاعي والديلمي من حديث عيسى البصري عن رجل (عن أنس) وعيسى قال في الميزان عن أحمد: لا يساوي شيئا ثم أورد له أخبارا هذا [ص: 124] منها اه. وقال السخاوي: سنده ضعيف وأثبت بعضهم المبهم وحذفه آخرون   (1) قال العلقمي: قال الدميري: ذكر البغوي في تفسيره عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح: قال الأطباء: أجود الملح: الداراني الأبيض الرقيق ينفع من العفونة ومن غلظ الأخلاط ويذيبها واستعمال الملح بالغداة يحسن الصوت وينفع من الجرب والحكة البلغمية وفيه قوة ويزيد الذهب صفرة والفضة بياضا وعد في الإحياء من آداب الأكل أن يبدأ بالملح ويختم به وأن يقصد التقوي على طاعة الله ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل الحديث: 4755 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 4756 - (سيد ريحان أهل الجنة الحناء) أي نورها وهي الطاغية وتسميه الناس تمر حنا (طب) من حديث عبد الله بن أحمد عن أبيه عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي أيوب عن ابن عمر وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد بن حنبل وهو ثقة مأمون (خط) من حديث محمد بن عبد الله الشافعي عن أحمد بن محمد النيسابوري عن يونس بن حبيب عن بكر بن بكار عن شعبة عن قتادة عن عكرمة (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أعني الخطيب: تفرد به بكر بن بكار عن شعبة ولم أكتبه إلا من هذا الوجه اه وبكر هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي غير ثقة اه وقال في الميزان عن ابن معين: ليس بشيء وفي اللسان عن ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيء الحفظ له تخليط وذكره العقيلي في الضعفاء وحكم ابن الجوزي بوضعه ونوزع الحديث: 4756 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 4757 - (سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم) ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم ثم الأرز وزاد أبو الشيخ [ابن حبان] في روايته عقب اللحم ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل اه قال الغزالي: وينبغي أن لا يواظب على أكل اللحم قال علي كرم الله وجهه: من ترك اللحم أربعين يوما ساء خلقه ومن داوم عليه أربعين يوما قسا قلبه (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي من حديث عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن علي بن موسى الرضي عن آبائه (عن علي) أمير المؤمنين وعبد الله هذا ضعيف جدا قال الذهبي في كتاب الضعفاء والمتروكين: عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن أهل البيت له نسخة باطلة اه ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وهذا حديث أحسن حالا منه وهو خبر ابن حبان سيد طعام أهل الجنة اللحم وهو وإن عده ابن الجوزي من الموضوع أيضا لكن انتقده عليه ابن حجر فقال: لم يبن لي وضعه بل ضعفه وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه من حديث أبي الدرداء بلفظ سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم قال الزين العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 4757 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 4758 - (سيدا كهول أهل الجنة أبو بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (وإن أبا بكر في الجنة مثل الثريا في السماء) أفرده ثانيا بعد ما جمعه مع عمر أولا إيذانا بأنه أفضل منه وأكمل وعليه قاطبة أهل السنة (خط) في ترجمة ابن سعيد (عن أنس) وفيه يحيى بن عنبسة قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان دجال يضع الحديث الحديث: 4758 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 4759 - (سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم وفاطمة وخديجة وآسية) امرأة فرعون قال جمع: هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة وغيرها من زوجاته لا يحتمل التأويل قال القرطبي: لم يثبت في حق واحدة من الأربع أنها نبية إلا مريم وقد أورده ابن عبد البر من وجه آخر عن ابن عباس رفعه سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية قال: وهذا حديث حسن يرفع الإشكال قال: ومن قال إن مريم غير نبية أول هذا الحديث وغيره بأنها وإن لم تذكر في الخبر فهي مرادة اه وتعقبه ابن حجر بأن الحديث الثاني الدال على الترتيب غير ثابت قال: وقد يتمسك بالحديث من يقول إن مريم غير نبية لتسويتها بخديجة وهي غير نبية أيضا اتفاقا وجوابه أنه لا يلزم من التسوية في شيء التسوية في [ص: 125] جميع الصفات اه وما في تفسير القاضي من حكاية الإجماع على أنه لم تستثنا امرأة رد بتحقيق الخلاف وسيما في مريم فإن القول بنبوتها شهير ذهب إليه كثير ومال السبكي في الحلبيات إلى ترجيحه وقال: ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنبياء قرينة قوته لذلك (ك) في مناقب الصحابة (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي ورواه الطبراني بنحوه الحديث: 4759 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 4760 - (سيدة نساء المؤمنين فلانة) أي مريم ويحتمل عائشة (وخديجة بنت خويلد أول نساء المسلمين إسلاما) بل هي أول الناس إسلاما مطلقا لم يسبقها ذكر ولا غيره ولخديجة من جموم الفضائل ما لا يساويها فيه غيرها من نسائه وفي الطبراني عن عائشة كان إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها وعند أحمد عن عائشة آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء قال ابن حجر: ومما كافأ به المصطفى صلى الله عليه وسلم خديجة على ذلك في الدنيا أنه لم يتزوج عليها حتى ماتت كما في مسلم عن عائشة وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار. فيه دليل على عظيم قدرها عنده ومزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها واختصت به بقدر ما اشترك غيرها فيه مرتين لأنه عاش بعد ما تزوجها ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين وهي نحو ثلثي المجموع ومع طول المدة صان قلبها من الغيرة ونكد الضرائر ومما اختصت به ما نطق به هذا الحديث من سبقها نساء هذه الأمة إلى الإيمان فبسبب ذلك يكون لها مثل أجر كل من آمنت بعدها لما ثبت أن من سن سنة حسنة. الحديث. وقد شاركها في ذلك أبو بكر بالنسبة إلى الرجال ولا يعرف ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك إلا الله تعالى. إلى هنا كلام الحافظ (ع عن حذيفة) ابن اليمان رمز المصنف لحسنه الحديث: 4760 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 4761 - (سيدرك رجلان) في رواية للترمذي في العلل " رجال " (من أمتي عيسى ابن مريم يشهدان) لفظ رواية الترمذي " ويشهدون " وهي أولى (قتال الدجال) أي قتل عيسى للدجال فإنه يقتله على باب اللد (ابن خزيمة ك) في الفتن (عن أنس) قال الذهبي: حديث منكر وفيه عباد بن منصور ضعيف اه قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وفيه عباد بن منصور ضعيف جدا. (1)   (1) [ورواية الهيثمي: وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدرك رجال من أمتي عيسى بن مريم ويشهدون قتال الدجال. رواه أبو يعلى وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف. دار الحديث.] الحديث: 4761 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 4762 - (سيشدد هذا الدين برجال ليس لهم عند الله خلاق) أي لا حظ لهم في الخير وهم أمراء السوء والعلماء الذين لم يلج العلم قلوبهم بل حظهم منه جريانه على ألسنتهم وقد دنسوه بأبواب المطامع وخادعوا الله في معاملته وأعدوا ذلك العلم الذي هو حجة الله على خلقه حرفة صيروها مأكلة وتوصلوا بها إلى تمكنهم من صدور المجالس وصحبة الحكام لما في أيديهم من الحطام فلينوا لهم القول طمعا فيما لديهم وداهنوهم رجاء نوالهم وزينوا لهم تجبرهم وجورهم. (1) (المحاملي في أماليه عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير أصحاب الرموز وهو ذهول فقد خرجه الطبراني ثم الديلمي باللفظ المزبور عن أنس المذكور   (1) أما المخلص من العلماء والذي لم تكن هذه صفته فليس منهم وإن اشتهر وعلا منصبه فليتق الله الذين يتطاولون على أعراض العلماء. دار الحديث الحديث: 4762 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 4763 - (سيصيب أمتي داء الأمم) قالوا: يا رسول الله وما داء الأمم قال: (الأشر) أي كفر النعمة (والبطر) الطغيان عند النعمة وشدة المرح والفرح وطول الغنى (والتكاثر) مع جمع المال (والتشاحن) أي التعادي والتحاقد [ص: 126] (في الدنيا والتباغض والتحاسد) أي تمني زوال نعمة الغير (حتى يكون البغي) أي مجاوزة الحد وهو تحذير شديد من التنافس في الدنيا لأنها أساس الآفات ورأس الخطيئات وأصل الفتن وعنه تنشأ الشرور وفيه علم من أعلام النبوة فإنه إخبار عن غيب وقع (ك) في البر والصلة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي: وفيه أبو سعيد الغفاري لم يرو عنه غير حميد بن هانئ ورجاله وثقوا ورواه عنه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد قال الحافظ العراقي: وسنده جيد الحديث: 4763 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 4764 - (سيعزي الناس بعضهم بعضا من بعدي بالتعزية بي) فإن موته من أعظم المصائب على أمته بل هو أعظمها قال أنس: ما نفضنا أيدينا من تراب دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا (ع طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح غير موسى بن يعقوب الزمعي وثقه جمع الحديث: 4764 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 4765 - (سيقتل بعذراء) قرية من قرى دمشق (أناس يغضب الله لهم وأهل السماء) هم حجر بن عدي الأدبر وأصحابه وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم وشهد صفين مع علي أميرا وقتل بعذراء من قرى دمشق وقبره بها قال ابن عساكر في تاريخه عن أبي معشر وغيره: كان حجر عابدا ولم يحدث قط إلا توضأ ولا توضأ إلا صلى فأطال زياد الخطبة فقال له حجر: الصلاة فمضى زياد في الخطبة فضرب بيده إلى الحصى وقال: الصلاة وضرب الناس بأيديهم فنزل فصلى وكتب إلى معاوية فطلبه فقدم عليه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال: أوأمير المؤمنين أنا؟ فأمر بقتله فقتل وقتل من أصحابه من لم يتبرأ من علي وأبقى من تبرأ منه (1) وأخرج ابن عساكر أيضا عن سفيان الثوري قال معاوية: ما قتلت أحدا إلا وأعرف فيم قتلته ما خلا حجر فإني لا أعرف فيم قتلته (2) . وروى ابن الجنيد في كتاب الأولياء أن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا فقال: أخاف أن تموت عطشا فتقتلني فدعا الله فانسكبت سحابة فقال صحبه: ادع الله أن يخلصك قال: اللهم خر لي (يعقوب بن سفيان في تاريخه) في ترجمة حجر (وابن عساكر) في تاريخه في ترجمة حجر من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود (عن عائشة) قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت من قتل أهل عذراء حجر وأصحابه قال: رأيت قتلهم صلاحا للأمة وبقاءهم فسادا فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال في الإصابة: في سنده انقطاع   (1) [وما دخل التبرؤ من علي بحادثة المسجد؟ فرائحة الوضع ظاهرة عليه. دار الحديث] (2) [وكيف يكون ذلك من معاوية أمين وحي رسول الله والذي لو بقيت شعرة بينه وبين الرعية لما قطعها فجميع هذه الأحاديث من كتب التاريخ الضعيفة كما سيأتي هنا تنبيه: ذكر المحدث العالم الشيخ محمود الرنكوسي مرارا في دروسه بدار الحديث وكذلك ذكر أكابر العلماء والمحدثين أن أخبار الفتن التي شجرت بين الصحابة أكثرها مأخوذة من كتب التاريخ ولا تخلو عن ضعف إلا القليل منها كما هو شأن هذا الحديث. ويضاف إلى ضعف الحديث عدم ترابط حادثة المسجد مع طلب التبرئ من علي رضي الله عنه. فينبه على عدم اتخاذ تلك الأحاديث الضعيفة سلما للتسور به إلى شتم أصحاب رسول الله أو التنقيص من شأنهم كما يفعل الكثير من الكتاب اليوم. وموقف أهل السنة والجماعة أن الصحابة كلهم مجتهدون فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ وأن عليا كرم الله وجهه كان على حق وأن معاوية رضي الله عنه أخطأ ونكيل أمرهم في ما شجر بينهم إلى الله. قال تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين فائدة: على الخطيب أن يتنبه إلى عدم إطالة الخطبة لأنه خلاف السنة وكان الصحابة ينفرون من تلك الإطالة أشد النفور كما ذكر أعلاه رغم ضعف الروايات. وليس للإمام إطالة الخطبة متعللا بإرادة النفع حيث يثقل ذلك على صاحب العذر وسلس البول والكهل وأمثالهم ومصلحتهم مقدمة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث 490: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. متفق عليه.] الحديث: 4765 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 4766 - (سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الحلقوم أي لا يتعداها إلى قلوبهم قال النووي: المراد أنهم ليس لهم حظ إلا مروره على ألسنتهم ولا يصل إلى حلوقهم فضلا عن وصوله إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب أو لا تفهمه قلوبهم (يمرقون من الدين) أي يخرجون منه بسرعة وفي رواية يمرقون من الإسلام وفي أخرى من الحلق قال ابن حجر: وفيه تعقيب على من فسر الدين هنا بطاعة الأئمة وقال: هذا نعت للخوارج (كما يمرق السهم من الرمية) بفتح فكسر وتشديد أي الشيء الذي يرمى فعيلة بمعنى مفعولة فأدخلت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث للإشارة لنقلها من الوصفية إلى الاسمية وتطلق الرمية على الصيد يرمي فينفذ فيه السهم ويخرج من الجهة الأخرى شبههم في ذلك بها لاستيحاشهم عما يرمون من القول النافع ثم وصف [ص: 127] المشبه به في سرعة تخلصه وتنزهه عن التلوث بما يمر عليه من فرث ودم ليبين المعنى المضروب له المثل وجاء في عدة طرق أن هذا نعت الخوارج أصله أن أبا بكر قال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا فإذا رجل حسن الهيئة متخشع يصلي فيه فقال: اذهب فاقتله فذهب إليه فلما رآه يصلي كره أن يقتله فرجع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: اذهب فاقتله فذهب فرآه على تلك الحالة فرجع فقال: يا علي اذهب فاقتله فذهب فلم يره فذكره واستبدل به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وبه صرح ابن العربي فقال: الصحيح أنهم كفار لحكمهم على من خالف معتقدهم بالكفر والخلود في النار ومال إليه السبكي ففي فتاويه احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض تكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة وهو عندي احتجاج صحيح واحتج من لم يكفرهم بأن الحكم بتكفيرهم يستدعي تقديم علمهم للشهادة المذكورة علما قطعيا وفي الفشاء نكفر كل من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير الصحابة حكاه في الروضة في الردة وأقره وذهب أكثر الأصوليين من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وحكم الإسلام جار عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الدين وإنما فسقوا بتكفير السنيين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وتكفيرهم وقال الخطابي: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة: ينبغي التحرز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد وقال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين قال: وسئل علي عن أهل النهروان هل كفروا فقال: من الكفر فروا وقال في المفهم: باب التكفير خطر ولا يعدل بالسلامة شيء (ع عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: رجاله ثقات روى أحمد نحوه بسند جيد عن أبي سعيد الحديث: 4766 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 4767 - (سيكون في أمتي أقوام يتعاطى فقهاؤهم عضل المسائل) بضم العين وفتح الضاد صعابها (أولئك شرار أمتي) (1) أي من شرارهم فخيارهم من يستعمل سهولة الإلقاء بنصح وتلطف ومزيد بيان وساطع برهان ويبذل جهده لتقريب المعنى لفهم الطالب ولا يفجأه بالمسائل الصعبة بل يقرر له ما يحتمله ذهنه ويضبطه حفظه ويوضح لمتوقف الذهن العبارة ويحتسب إعادة الشرح له وتكراره ويبدأ بتصوير المسائل وتوضيحها ثم يذكر الدلائل وتوجيهها ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها لمن لم يتأهل لفهم مأخذها ودليلها يذكر الأدلة موضحة منقحة لممتحنها ويبين له معاني أسرار حكمها وعللها وما يتعلق بها من فرع وأصل ومن وهم فيها في حكم أو تخريج أو نقل بعبارة جلية عرية عن التعقيد والإيهام سليمة عن تنقيص أحد من الأعلام مبينا مأخذ الحكمين والفرق بين المسألتين وبذلك يزول التعقد من البين (طب عن ثوبان) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه يحسن فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك   (1) ومن هؤلاء أصحاب البدع من المعتزلة والخوارج والجبرية والقدرية والمرجئة والمشبهون فكلهم تعاطوا أعضل المسائل وأدقها ألا وهي العقيدة ثم حكموا بكفر من خالفهم. دار الحديث] الحديث: 4767 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 4768 - (سيكون بعدي خلفاء) إشارة إلى انقطاع النبوة بعده وبقاء الرحمة مع خلفائه حين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون (ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك) إشارة إلى انقطاع الخلافة وظهور الجور لأن موضوع الخلافة الحكم بالعدل وهذا من الأمر القديم المشار إليه بآية {إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} والملك بخلاف الخلافة {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} . (ومن بعد الملوك الجبابرة) جمع جبار وهو من يقتل على الغضب أو المتمرد العاتي (ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر بعده القحطاني فوالذي بعثني بالحق [ص: 128] ما هو بدونه) أي بأحط منه منزلة قال الحرالي: فيه إشعار بمنال الملك من لم يكن من أهله وأخص الناس بالبعد منه العرب ثم ينتهي إلى من استند إلى الإسلام من سائر الأمم الذين دخلوا في هذه الآية من قبائل الأعاجم وصنوف أهل الأقطار حتى ينتهي إلى أن يسلب الله الملك جميع أهل الأرض ليعيده إلى إمام العرب الخاتم للهداية من ذرية خاتم النبوة من ذرية آدم قال البسطامي: قبل نزول عيسى يخرج من بلاد الجزيرة رجل يقال له الأصهب ويخرج عليه من الشام رجل يقال له جرهم ثم يخرج القحطاني رجل بأرض اليمن فبينما هؤلاء الثلاثة إذا هم بالسفياني وقد خرج من غوطة دمشق واسمه معاوية بن عنبسة وهو رجل مربوع القامة رقيق الوجه طويل الأنف في عينه اليمنى كسر قليل فأول ظهوره يكون بالزهد والعدل ويخطب له على منابر الشام فإذا تمكن وقويت شوكته زال الإيمان من قلبه وأظهر الظلم والفسق يسير إلى العراق بجيش عظيم على مقدمته رجل يقال له ناهب فأول ما يقابله القحطاني ينهزم ثم ينفذ جيشا إلى الكوفة وجيشا إلى خراسان وجيشا إلى الروم فيقتلون العباد ويظهرون الفساد وقيل: إن السفياني من ولد أبي سفيان بن حرب يخرج من قبل المغرب من مكان يقال له البادي اليابس ويخرج حتى يصل اسكندرية فيقتل بها ما شاء الله ثم يدخل مصر والشام والكوفة وبغداد وخراسان حتى يدخل مرو فيلقاه رجل يسمى الحارث فيقتله (طب عن جاحل الصدفي) قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم الحديث: 4768 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 4769 - (سيكون في آخر الزمان خسف) خسف المكان ذهب في الأرض وخسف الله به خسفا أي غاب به في الأرض (وقذف) أي رمى بالحجارة بقوة (ومسخ) أي تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها قيل: ومتى ذلك يا رسول الله قال: (إذا ظهرت المعازف) بعين مهملة وزاي جمع معزفة بفتح الزاي آلة اللهو ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه آلات اللهو وفي حواشي الدمياطي أنها الدفوف ويطلق على كل لعب عزف (والقينات واستحلت الخمر) أشار إلى أن العدوان إذا قوي في قوم وتظاهروا بأشنع الأعمال القبيحة قوبلوا بأشنع المعاقبات فالمعاقبات والمثوبات من جنس السيئات والحسنات ثم إن من العلماء من أجرى المسخ هنا على الحقيقة فقال: سيكون كما كان فيمن سبق وقال البعض: أراد مسخ القلب فيصير على قلب الحيوان الذي أشبهه في خلقه وعمله وطبعه فمنهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم على أخلاق الكلاب والخنازير والحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه كما يتطوس الطاوس في ريشه ومنهم من يكون بليدا كالحمار ومن يألف ويؤلف كالحمام ومن يحقن كالجمل ومن يروع كالذئب والثعلب ومن هو خير كله كالغنم وتقوى المشابهة باطنا حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا ثم جليا تدركه أهل الفراسة وقوله: " واستحلت الخمر " قال ابن عربي: يحتمل أن معناه يعتقدونها حلالا ويحتمل أنه مجاز عن الاسترسال أو يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا بل رأينا من يفعله (طب عن سهل بن سعد) الساعدي قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن أبي الريان وهو ضعيف وبقية رجال أحد الطريقين رجال الصحيح الحديث: 4769 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 4770 - (سيكون في آخر الزمان شرطة) في النهاية: الشرطي واحد الشرطة للسلطان وهم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على سائر الجند سموا بذلك لأن لهم علامة يعرفون بها وأشراط الساعة علاماتها (يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله) أي يغدون بكرة النهار ويروحون آخره وهم في غضبه وسخطه (فإياك أن تكون من بطانتهم) أي احذر أن تكون [ص: 129] منهم وبطانة الرجل صاحب سره وداخلة أمره وصفيه الذي يقضي حوائجه ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يقال فلان شعاري قال في الفردوس عقب سياق هذا الحديث: وفي رواية يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم أسواط مثل أذناب البقر يغدون في غضب الله (طب عن أبي أمامة) وعزاه في الفردوس إلى مسلم وأحمد الحديث: 4770 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 4771 - (سيكون بعدي سلاطين: الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل) قال الزمخشري: أراد مبارك الإبل الجرباء يعني أن هذه الفتن تعدي من يقربهم أعداء هذه المبارك الإبل الملسى إذا أنيخت فيها قال: وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب (لا يعطون أحدا شيئا إلا أخذوا من دينه مثله) لأن من قبل جوائزهم إما أن يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهنا أو يتكلف في كلامه لمرضاته وتحسين قالهم وذلك هو البهت الصريح. أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل لأوليائي لا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يدخلوا مداخل أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي وقال بعض الحكماء: من رق ثوبه رق دينه ونظر رافع بن خديج إلى بشر بن مروان وهو على منبر الكوفة يعظ فقال: انظروا إلى أميركم يعظ الناس وعليه زي الفساق وكان عليه ثياب رقاق ولهذا كانوا يتحامون مخالطة السلاطين ولما حج الرشيد قال لمالك: ألك دار قال: لا؟ فأعطاه ثلاث آلاف دينار ثم أراد الشخوص قال: اخرج معنا فقال: لا أوثر الدنيا على جوار المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذه دنانيركم. وراود ابن هبيرة أبا حنيفة على ولاية بيت المال فأبى فضربه عشرين سوطا فاحتمل العذاب ولم يقبل (طب ك) في المناقب (عن عبد الله بن الحرث) ويقال الحارث (بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة الزبيدي بضم الزاي صحابي سكن مصر وهو آخر من مات بها من الصحابة قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه حسان بن غالب وهو متروك الحديث: 4771 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 4772 - (سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام فأولئك شرار أمتي) أي من شرارهم وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والواحد من هؤلاء يطول أكمامه ويجر أذياله تيها وعجبا مصغيا إلى ما يقول الناس له وفيه شاخصا إلى ما ينظرون إليه منه قد عمي بصره وبصيرته إلى النظر إلى صنع الله وتدبيره وصم سمعه عن مواعظ الله يقرأ كلام الله ولا يلتذ به ولا يجد له حلاوة كأنه إنما عنى بذلك غيره فكيف يلتذ بما كلف به غيره وإنما صار ذلك لأن الله عز اسمه خاطب أولي العقول والبصائر والألباب فمن ذهب عقله وعميت بصيرته في شأن نفسه ودنياه كيف يفهم كلام رب العالمين ويلتذ به وكيف يحلو بصره وهو يرى صفة غيره؟ (طب حل عن أبي أمامة) وضعفه المنذري وقال العراقي: وسنده ضعيف وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريقين في أحدهما جميع بن ثوب وهو متروك وفي الأخرى أبو بكر بن أبي مريم وهو مختلط الحديث: 4772 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 4773 - (سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني) نسبة لقرن بفتح القاف بطن من قبيلة مراد على الصواب وغلط الجوهري في قوله نسبة لقرن ميقات أهل نجد (وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر) قال البعض: وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن. وفي خبر أنه أمر عمر أن يطلب منه الاستغفار. [ص: 130] وفي التصريح بأويس في هذه الرواية رد على من زعم أن المراد بالرجل الذين يدخلون الجنة بشفاعته في الرواية المطلقة الآتية أنه عثمان بن عفان. (1) (عد عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: ورويناه في جزء السماك من حديث أبي أمامة سيدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وإسناده حسن وليس فيه ذكر لأويس اه   (1) [وفي قوله نظر حيث لا يلزم تعلق مختلف الأحاديث بنفس الرجل. وفيما يلي عرض لبعضها: الحديث 7556: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم. رمز السيوطي لصحته والحديث 7557: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي: مثل الحيين ربيعة ومضر. إنما أقول ما أقول. رمز السيوطي لحسنه والحديث 7558: ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا كلهم قد استوجبوا النار الجنة بغير حساب. رمز السيوطي لضعفه وفيه التصريح بعثمان. دار الحديث] الحديث: 4773 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 4774 - (سيكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان) بلد مشهور قال الجرجاني: معنى خرا كل وسان معناه سهل أي كل بلا تعب وقيل: معناه بالفارسية مطلع الشمس (ثم انزلوا في مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يصيب أهلها سوء أبدا) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ ولا يضر أهلها بدل يصيب أهلها اه. قال الديلمي: قبر بمرو أربعة من الصحابة الحكم بن عمرو الغفاري وأبو برزة الأسلمي وبريدة بن الحصيب وقثم بن العباس (حم) وكذا الطبراني في الكبير والأوسط من حديث أوس عن أخيه سهل بن عبد الله بن بريدة (عن) أبيه عن جده (بريدة) وأوس قال الدارقطني: متروك وقال البخاري: في حديثه نظر وأورده الذهبي في ترجمة أوس من الميزان وقال: حديث منكر وسهل لم يخرج له أحد من الستة وقال ابن حبان: منكر الحديث يروي عن أبيه ما لا أصل له روى عنه أخوه أوس فذكر خبرا منكرا قال الذهبي: بل باطل ثم ساقه في ترجمته أيضا وقال الهيثمي: في إسناد أحمد والأوسط أوس بن عبد الله وفي إسناد الكبير حبان بن مصك وهما مجمع على ضعفهما اه. وقال في الميزان: حديث منكر اه ومن ثمة أورده ابن الجوزي في الموضوع لكن تعقبه ابن حجر بأن الصواب أنه حسن وبريدة هذا هو ابن الحصيب الأسلمي من مشاهير الصحابة وليس فيهم بريدة بن الحصيب غيره الحديث: 4774 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 4775 - (سيكون أقوام) زاد أبو داود في روايته من هذه الأمة وفي رواية قوم بلفظ الإفراد (يعتدون في الدعاء) أي يتجاوزون الحدود يدعون بما لا يجوز أو يرفعون الصوت به أو يتكلفون السجع وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه والطهور بفتح الطاء قال التوربشتي: الاعتداء في الدعاء يكون في وجوه كثيرة والأصل فيه أن يتجاوز عن مواقف الافتقار إلى بساط الانبساط أو يميل إلى حد شقي الإفراط والتفريط في خاصة نفسه وفي غيره إذا دعا له وعليه والاعتداء في الطهور استعماله فوق الحاجة والمبالغة في تحري طهوريته حتى يفضي إلى الوسواس (1) اه. قال الطيبي: فعلى هذا ينبغي أن يروى الطهور بضم الطاء ليشمل التعدي في استعمال الماء والزيادة على ما حد له والنقص قال ابن حجر: الاعتداء فيه يقع بزيادة ما فوق الحاجة أو يطلب ما يستحيل حصوله شرعا أو يطلب معصية أو يدعو بما لم يؤثر سيما ما ورد كراهيته كالسجع المتكلف وترك المأثور قال ابن القيم: إذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى {إن الله لا يحب المعتدين} وعلمت أن الله يحب عبادته أنتج أن وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله وإن أسقط الفرض عنه فلا تفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه (حم د) وكذا الديلمي (عن سعد) بن أبي وقاص رمز لصحته وسببه أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة قال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال التوربشتي: أنكر على ابنه في هذه المسألة لأنه تلمح إلى ما لم يبلغه عملا وحالا حيث سأل منازل الأنبياء والأولياء وجعلها من باب الاعتداء في الدعاء لما فيها من التجاوز عن حد الأدب ونظر الداعي إلى نفسه بعين الكمال قال الحافظ بن حجر: وهو صحيح اه   (1) وأخذ منه بعضهم أنه تحرم الزيادة على التثليث في الطهارة الحديث: 4775 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 [ص: 131] 4776 - (سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر من الأرض) أي يتخذون ألسنتهم ذريعة إلى مأكلهم كما تأخذ البقر بألسنتها ووجه الشبه بينهما لأنهم لا يهتدون من المأكل كما أن البقرة لا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها والآخر أنهم لا يميزون بين الحق والباطل والحلال والحرام كما لا تميز البقرة في رعيها بين رطب ويابس وحلو ومر بل تلف الكل (حم) وكذا البزار (عن سعد) بن أبي وقاص قال الحافظ العراقي: فيه من لم يسم وقال الهيثمي: روياه من عدة طرق وفيه راو لم يسم وأحسنها ما رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن سعد إلا أن زيدا لم يسمع من سعد الحديث: 4776 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 4777 - (سيكون بمصر رجل من بني أمية أخنس) منقبض قصبة الأنف عريض الأرنبة (يلي سلطانا ثم يغلب) بضم أوله بضبط المصنف (عليه أو ينزع منه فيفر إلى الروم فيأتي بهم إلى الاسكندرية فيقاتل أهل الإسلام بها فذلك أول الملاحم) وفي جامع عبد الرزاق: أراد رجل أن يسمي ابنا له الوليد فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: سيكون رجل يقال له الوليد يعمل في أمتي عمل فرعون في قومه (الروياني) في مسنده (وابن عساكر) في ترجمة حسان الرعيني من حديث ابن لهيعة عن كعب بن علقمة عن حسان (عن أبي ذر) ثم قال ابن عساكر: رواه أبو الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة واختلف عليه فيه فقال: عنه ابن لهيعة عن كعب عن حسان سمعت أبا النجم سمعت أبا ذر قال أبو سعيد بن يونس والحديث معلول. . إلى هنا كلام ابن عساكر. وأقره عليه الذهبي فرمز المصنف لحسنه مع قطع مخرجه بأنه معلول غير مقبول الحديث: 4777 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 4778 - (سيكون بعدي قوم من أمتي يقرؤون القرآن ويتفقهون في الدين يأتيهم الشيطان فيقول لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم واعتزلتموهم بدينكم ولا يكون ذلك) أي ولا يصح ولا يستقيم الجمع بين الأمرين لما مر أن مثل هذا النفي مستلزم لنفي الشيء مرتين تعميما وتخصيصا ثم ضرب به مثلا بقوله (كما لا يجتني من القتاد) شجر له شوك (إلا الشوك كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا) قال الطيبي: شبه التقرب إليهم بإصابة جدواهم ثم الخيبة والخسارة في الدارين يطلب الجني من القتاد فإنه من المحال لأنه لا يثمر إلا الجراحة والألم وكذا من ركن إليهم {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} والاستثناء من باب قوله: وبلدة ليس بها أنيس. . . إلا اليعافير وإلا العيس وأطلق المستثنى من جنس المضرة أي لا يجدي إلا مضار الدارين ويدخل فيه الخطايا أيضا انتهى. وقال الزمخشري: النهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم وذكرهم بما فيه تعظيمهم ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ في الدين عافانا الله وإياك من الفتن أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك أصبحت شيخا كبيرا أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك سنة نبيه وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك انتهى. والناس في القرآن أقسام قوم شغلوا بالتردد على الظلمة وأعوانهم عن تدبره وقوم شغلوا بما حبب إليهم من دنياهم وقوم منعهم من فهمه سابق معرفة آراء عقلية انتحلوها ومذاهب حكمية تمذهبوا بها فإذا سمعوه تأولوه بما عندهم فيحاولون أن يتبعهم القرآن لا أن يتبعونه وإنما يفهمه من تفرغ من كل ما سواه فإن للقرآن علوا من الخطاب يعلو على قوانين علو كلام الله على كلام خلقه (ابن عساكر عن ابن عباس) ورواه عنه [ص: 132] أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف عليه غير سديد الحديث: 4778 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 4779 - (سيكون في آخر الزمان ديدان القراء) بكسر الدال دود القراء وجمع الدود ديدان (فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله منهم) هم القوم الذين تنسكوا في ظاهر الحال تصنعا رموا بأبصارهم إلى الأرض ومدوا بأعناقهم تيها وتكبرا وإعجابا لجهلهم بالله وغرتهم به يعدون الخطا ويقضون المنا ناظرين إلى أهل الذنوب بعين الإزراء حقارة لهم وعجبا بأنفسهم أعطوا القوة على لبس الخشن والصبر على ملاذ الدنيا استدراجا فسخت نفوسهم بترك الشهوات في جنب لذة ثناء الخلق عليهم وتعظيمهم فأقبلوا على ذم الدنيا وجفاء من تناولها والطعن على من وسم بالغنى حتى إذا هم جهلهم إلى الطعن على أغنياء الصحب وأكابر السلف فخرجوا من الدين مروقا من حيث لا يشعرون ظنوا أنه لم يبق وراء تركهم لذات الدنيا شيء وما علموا أنهم تركوا شيئا قليلا من شيء لا يزن جميعه عند الله جناح بعوضة فإذا كان الكل لا يزن جناحها فما تركه هؤلاء المساكين كم هو؟ وقوم تغولوا وتاهوا بعلمهم وتجبروا وتصنعوا بحسن الملابس وطول الطنافس وطول الأكمام كبر العمامة وتوفير اللحية وتعظيم الهامة ليتمكنوا من صدور المجالس ويستتروا من الأبالس فضلوا وأضلوا وخبطوا عشواء حيثما قاموا وحلوا قد كاد الواحد منهم ينوح بدعوى الاجتهاد وما تأهل لتعليم الأولاد فلشفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته نبه على أنهم سيكونون وأمر بالتعوذ منهم كيلا يغتر بهم الغبي المفتون {وما ربك بغافل عما يعملون} {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (حل عن أبي أمامة) الحديث: 4779 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 4780 - (سيكون في آخر الزمان أناس من أمتي) يزعمون أنهم علماء (يحدثونكم بما لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم) من الأحاديث الكاذبة والأحكام المبتدعة والعقائد الزائفة (فإياكم وإياهم) أي احذروهم وبعدوا أنفسكم عنهم وبعدوهم عن أنفسكم قال الطيبي: ويجوز حمله على المشهورين المحدثين فيكون المراد بها الموضوعات وأن يراد به ما هو بين الناس أي يحدثوهم بما لم يسمعوا عن السلف من علم الكلام ونحوه فإنهم لم يتكلموا فيه وعلى الأول ففيه إشارة إلى أن الحديث ينبغي أن لا يتلقى إلا عن ثقة عرف بالحفظ والضبط وشهر بالصدق والأمانة عن مثله حتى ينتهي الخبر إلى الصحابي وهذا علم من أعلام نبوته ومعجزة من معجزاته فقد يقع في كل عصر من الكذابين كثير ووقع ذلك لكثير من جهلة المتدينة المتصوفة (م) في مقدمته (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم: ولا أعلم له علة الحديث: 4780 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 4781 - (سيكون أمراء تعرفون) يعني ترضون بعض أقوالهم وأفعالهم لكونه في الجملة مشروعا (وتنكرون) بعضها لقبحه شرعا (فمن نابذهم) يعني أنكر بلسانه ما لا يوافق الشرع (نجا) من النفاق والمداهنة (ومن اعتزلهم) منكرا بقلبه (سلم) من العقوبة على ترك المنكر (ومن خالطهم) راضيا بفسقهم (هلك) يعني وقع فيما يوجب الهلاك الأخروي من ارتكاب الآثام لانحطاطه في هواهم واحتياجه لمداهنتهم والرضى بأعمالهم والتشبه بأحوالهم والتزيي بزيهم ومد العين إلى زهرتهم بما فيه تعظيمهم {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} (ش طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه هشام بن بسطام وهو ضعيف. ظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة أحد وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب [ص: 133] فقد خرجه مسلم من حديث أبي سلمة الحديث: 4781 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 4782 - (سيكون بعدي أمراء يقتتلون على الملك يقتل بعضهم بعضا) هذا من أعلام نبوته ومعجزاته الظاهرة البينة فإنه إخبار عن غيب وقع (طب عن عمار) بن ياسر الحديث: 4782 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 4783 - (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) أي لا يصدقون بأنه تعالى خلق أفعال عباده كلها من خير وشر وكفر وإيمان (حم ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو داود في السنة والترمذي في القدر وابن ماجه في الفتن بلفظ يكون في أمتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين بالقدر الحديث: 4783 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 4784 - (سيكون بعدي قصاص) جمع قاص وهو الذي يقص على الناس كما سبق (لا ينظر الله إليهم) هذا من علامة النبوة لأنه من الإخبار بالمغيبات وكان ذلك فقد نشأ قصاص يقومون على رؤوس الناس يكذبون ويروون أحاديث لا أصل لها ويشتغلون عن ذكر الله وعن الصلاة قال الغزالي: قد بلي الخلق بوعاظ يزخرفون أسجاعا ويتكلفون ذكر ما ليس في سعته علمهم ويتشبهون بحال غيرهم فسقط من القلوب وقارهم ولم يكن كلامهم صادرا من القلب ليصل إلى القلب بل القائل متصلف والمستمع متكلف وفي الفردوس من حديث ابن عباس مرفوعا سيكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون ويزهدونهم ولا يزهدون وينبسطون عند الكبراء وينقبضون عند الفقراء ينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون أولئك الجبارون أعداء الرحمن عز وجل. انتهى (أبو عمرو بن فضالة في أماليه عن علي) الحديث: 4784 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 4785 - (سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله عز وجل) قال في الفردوس: وفي رواية ابن مسعود يطفئون السنة ويعملون بالبدع وفي هذا الحديث وما قبله إيذان بأن الإمام لا ينعزل بالفسق ولا بالجور ولا يجوز الخروج عليه بذلك لكنه لا يطاع فيما أمر به من المعاصي (طب ك) في المناقب (عن عبادة بن صامت) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأنه تفرد به عبد الله بن واقد وهو ضعيف انتهى. وبه يعلم أن رمز المصنف لحسنه غير حسن وسبب الحديث كما في المستدرك أن عبادة دخل على عثمان فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: فساقه ثم قال: فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك فما راجعه عثمان حرفا الحديث: 4785 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 4786 - (سيليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله بهم أكثر فمن عمل منهم بطاعة الله فلهم الأجر وعليكم الشكر ومن عمل منهم بمعصية الله فعليهم الوزر) قال في الكشاف: الوزر والوقر أخوان من وزر الشيء إذا حمله على ظهره (وعليكم الصبر) أي لا طريق لكم في أيامهم إلا الصبر فالزموه فهو إشارة إلى وجوب طاعتهم وإن جاروا ولزوم الانقياد لهم والتحذير من الخروج عليهم وشق العصا وإظهار [ص: 134] كلمة النفاق وذلك كله من السياسة التي يقوم بها مصالح الدارين قال الزمخشري: يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الناهضة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يقدح الحامل وينقض ظهره ويلقي عليه بهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم اه (طب عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: ضعيف أي وذلك لأن فيه حكيم بن حزام قال في الميزان: قال أبو حاتم: متروك وقال البخاري: منكر الحديث وساق له هذا الخبر وفيه أيضا عبد الملك بن عمير قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد مضطرب الحديث الحديث: 4786 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 4787 - (سيوقد المسلمون من قسى يأجوج ومأجوج) بوزن طالوت وجالوت (ونشابهم وأترستهم سبع سنين) في الكشاف: هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف وهما من ولد يافث وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل قال ابن العربي: وهما أمتان مضرتان مفسدتان كافرتان من نسل يافث بن نوح وخروجهما بعد عيسى والقول بأنهم خلقوا من مني آدم المختلط بالتراب وليسوا من حواء غريب جدا لا دليل عليه وإنما يحكيه بعض أهل الكتاب وفي التيجان أن أمة منهم آمنوا فتركهم ذو القرنين لما بنوا السد بأرمينية فسموا لذلك الترك والديلم (هـ عن النواس) بن سمعان الحديث: 4787 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف السين] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 4788 - (السائحون هم الصائمون) قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبدا يسيح ولا زاد له فحين يجد يطعم والصائم يمضي نهاره ولا يطعم شيئا فشبه به وأصله من السيح وهو الماء الجاري الذي ينبسط ويمضي إلى غير حد ولا منتهى ذكره في الفردوس (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منده وأبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي وغيرهم الحديث: 4788 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 4789 - (السائمة) أي الراعية العاملة وفي رواية السائبة (جبار) أي هدر لا زكاة فيها (والمعدن جبار) أي ما استخرج من نحو لؤلؤ وياقوت هدر لا شيء فيه (وفي الركاز الخمس) وهو ما دفنه جاهلي في موات مطلقا (حم عن جابر) قال الهيثمي: فيه مجالد بن سعيد وقد اختلط الحديث: 4789 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 4790 - (السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب والظالم لنفسه يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة) قاله تفسيرا لقوله تعالى {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} (ك) في التفسير عن الأعمش عن رجل (عن أبي الدرداء) سمعه منه جرير الضبي هكذا ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 4790 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 4791 - (الساعي على الأرملة) براء مهملة التي لا زوج لها (والمسكين) أي الكاسب لهما العامل لمؤونتهما (كالمجاهد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (أو) كذا بالشك في كثير من الروايات وفي بعضها بالواو (القائم الليل) في العبادة ويجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه (الصائم النهار) لا يفتر ولا يضعف وأل في المجاهد والقائم معرفة ولذلك جاء في بعض الروايات وصف كل منهما بجملة فعلية بعده وهو كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني. ذكره الأشرف ومعنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين (حم ق) في الأدب (ت) [ص: 135] في البر (ن) في الزكاة (هـ) في التجارة (عن أبي هريرة) الحديث: 4791 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 4792 - (السباع) بسين مهملة مكسورة ثم باء موحدة على الأشهر وقيل بشين معجمة ذكره المنذري كابن الأثير أي المفاخرة بالجماع هكذا فسره ابن لهيعة أحد رواته (حرام) لما فيه من هتك الأسرار وفضيحة المرأة وهو أن يتساب اثنان فيرمي كل صاحبه بما يسوؤه أو المراد جلود السباع حرام (حم ع هق عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد وأبي يعلى: فيه دراج وثقه ابن معين وضعفه وغيره اه وقال غيره: فيه أحمد بن عيسى المصري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان ابن معين يكذبه وهو ثقة اه وبالخلاف تنحط درجة السند عن الصحة فرمز المصنف لصحته فيه ما فيه الحديث: 4792 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 4793 - (السباق أربعة: أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبشة) تمسك بهذا من فضل العجم على العرب فقالوا: فضيلة المسلم سبقه إلى الإسلام وقد ثبت منها للعجم ما لم يثبت للعرب فإن قلتم فقد سبق للإسلام أبو بكر وعمار وأمه وبلال وصهيب والمقداد قلنا فالسباق إذن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة: ثلاثة عرب والثلاثة عجم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عربي فلم يساو عدد أتباعه من رهطه عدد أتباعه من غيرهم وأجيب بما فيه طول (البزار) في مسنده عن أنس. قال الهيثمي: ورجاله ثقات (طب ك عن أنس) قال الحاكم: تفرد به عمارة بن زادان عن ثابت. قال الذهبي: وعمارة واه ضعفه الدارقطني اه. وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة بن ذادان وهو ثقة وفيه خلاف (طب عن أم هانئ) قال الهيثمي: فيه قائد العطار وهو متروك ورواه الطبراني أيضا عن أبي أمامة. قال الهيثمي: وسنده حسن (عد عن أبي أمامة) قال في الميزان عن أبي حاتم وأبي زرعة: حديث باطل لا أصل له بهذا الإسناد الحديث: 4793 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 4794 - (السبع المثاني) المذكورة في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} (فاتحة الكتاب) قاله تفسيرا للآية المذكورة سميت بذلك لأنها سبع آيات باعتبار عد البسملة منها وهو ما نقله البخاري فإن قيل المتبادر من إطلاق الحمد ينفي كونها منها: رد الأول بالمنع وإن سلم فلا ينبغي كونها منها والثاني بأن الحمد مميز دونها (ك) في فضائل القرآن وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن أبي) بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها ثم ذكره صححه الحاكم الحديث: 4794 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 4795 - (السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى) بن عمران (يوشع بن نون (1) وهو القائم من بعده (والسابق إلى عيسى) ابن مريم (صاحب يس) (2) حبيب النجار (والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب) فأعظم بها من منقبة لعلي وكم له من [ص: 136] مناقب لا يشارك فيها. قال ابن حجر: إن ثبت هذا الحديث دل على أن قصة حبيب النجار المذكورة في يس كانت في زمن عيسى أو بعده وصنيع البخاري يقتضي أنها قبله (طب وابن مردويه) في تفسيره كلاهما من وجه واحد (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه الحسن بن أبي الحسن بن أبي الحسين الأشقر وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح اه. ورواه من هذا الوجه العقيلي في الضعفاء وقال: حسن المذكور شيعي متروك والحديث لا يعرف إلا من جهته وهو حديث منكر   (1) وهو نبي وكان يعمل بشريعة موسى عليه السلام) (2) الذي قصته مذكورة في سورة يس في قوله تعالى {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المرضى ونبرئ الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرئ فآمن حبيب وفشى الخبر إلى آخر القصة الحديث: 4795 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 4796 - (السبيل) المذكور في قوله تعالى {من استطاع إليه سبيلا} (الزاد والراحلة) سئل عن الآية فذكره. قال القاضي: وهو يؤيد قول الشافعي أنها أي الاستطاعة بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمني إذا وجد أجرة النائب وقال مالك: هي بالبدن فتجب على من أمكنه المشي والكسب في الطريق وجعلها أبو حنيفة بمجموع الأمرين (الشافعي) في مسنده (ت) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن عبد الله الليثي وقال: ضعفه ابن معين وتركه النسائي (هق عن عائشة) قالت: قيل يا رسول الله ما السبيل في الحج؟ قال: الزاد والراحلة. رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الذهبي في المهذب: فيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف لكن له شاهد مرسل وآخر مسند عن ابن عباس الحديث: 4796 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 4797 - (السجدة التي في ص) أي في سورة " ص " (سجدها داود) نبي الله (توبة) أي شكرا لله على قبول توبته كما تفسره رواية أخرى (ونحن نسجدها شكرا) لله على قبوله توبة نبيه من خلاف الأولى الذي ارتكبه مما لا يليق بسمو مقامه لعصمته كسائر الأنبياء عن وصمة الذنب مطلقا وما وقع في كثير من التفاسير مما لا ينبغي تسطيره (1) فغير صحيح بل لو صح وجب تأويله لثبوت عصمتهم ووجوب اعتقاد نزاهتهم عن ذلك السفساف الذي لا يقع من أقل صالحي هذه الأمة فضلا عن الأنبياء وخص داود بذلك مع وقوع مثله لآدم وغيره لأن حزنه على ما ارتكبه كان عظيما جدا. وهذا الحديث كما ترى صريح فيما ذهب إليه الشافعي من أن سجدة " ص " ليست من سجدات التلاوة وجعلها أبو حنيفة منها وأول الحديث بأن غايته أن بين السبب في حق داود وفي حقنا وكونها للشكر لا ينافي الوجوب فكل واجب إنما وجب شكرا لتوالي النعم (طب خط) في ترجمة موسى الختلي (عن ابن عباس) وفيه محمد بن الحسن الإمام أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال النسائي ضعيف. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو عجب فقد رواه النسائي في سننه عن الحبر أيضا وفي مسند أحمد عن أبي سعيد: رأيت وأنا أكتب سورة " ص " حين بلغت السجدة الدواة والقلم وكل شيء حضر لي ساجدا فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجدها   (1) الكلام هنا بشأن سبب توبة داود عليه السلام هذا وإن ما ورد في تلك التفاسير منقول من الإسرائيليات ولا أصل له في الحديث ولا في سياق الآيات. قال تعالى: (21) - وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب (22) - إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (23) - إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب (24) - قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب (25) - فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب فما وقع هنا هو أن داود عليه السلام حكم بظلم أحد الطرفين بمجرد تكلم خصمه ودون سماع طرفه وهو إنما كان معذورا لفزعه من تسور الخصمين عليه ودخولهما في غير وقت العادة. هذا يؤيده نص الآيات المذكورة وتؤيده الآية التي تلي: (26) - يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ووجه التأييد هو أن الله تعالى ختم ذكر هذه القصة بهذه الآية فاتضح منها أن الحكمة من تلك الحادثة كانت تقوية داود عليه السلام على الحكم بين الناس بالحق ولو أثناء فزعه وفي هذا المعنى قال الإمام فخر الدين الرازي في " عصمة الأنبياء " ضمن تفصيل كثير: الخامس: أن الصغيرة منه إنما كانت بالعجلة في الحكم قبل التثبيت وكان يجب عليه لما سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ولا يقضي عليه قبل المسألة. والمجيب بهذا الجواب قال: إن الفزع من دخولهما عليه في غير وقت العادة أنساه التثبت والتحفظ. دار الحديث] الحديث: 4797 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 4798 - (السجود على سبعة أعضاء: اليدين والقدمين والركبتين والجبهة) يعني أنه يندب وضعها على الأرض حال السجود على ما عليه الرافعي وقال النووي: يجب ويرجح إرادة الأول قوله (ورفع اليدين: إذا رأيت البيت) أي الكعبة إذ لم يقل أحد بوجوبه فيما رأيته (و) رفع اليدين أيضا (على الصفا والمروة و) رفعهما (بعرفة وبجمع) أي بالمزدلفة (وعند رمي الجمار) أي الثلاثة المعروفة (وإذا أقيمت الصلاة) يعني عند التحريم بها وأوجب أحمد الأخير (طب عن ابن عباس) الحديث: 4798 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 [ص: 137] 4799 - (السجود على الجبهة والكفين والركبتين وصدور القدمين من لم يمكن شيئا منها من الأرض أحرقه الله بالنار) فيه وجوب وضع السبعة أعظم المذكورة مع التحامل عليها وهو المفتى به عند الشافعية خلافا للرافعي منهم بل قضية الخبر أن ترك ذلك كبيرة للتوعد عليه بالنار ومحل بسط ذلك كتب الفروع (قط في الأفراد عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4799 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 4800 - (السحاق بين النساء زنا بينهن) أي مثل الزنا في لحوق مطلق الإثم وإن تفاوت المقدار في الأغلظية ولا حد فيه بل التعزير فقط لعدم الإيلاج فإطلاق الزنا العام على زنا العين والرجل واليد والفم مجاز (طب عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي الحديث: 4800 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 4801 - (السحور كله بركة) أي زيادة في القدرة على الصوم أو زيادة في الأجر (فلا تدعوه) أي لا تتركوه (ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء) فلا يتركه بحال (فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) وصلاة الله عليهم رحمتهم وصلاة الملائكة استغفارهم لهم وهذا ترغيب عظيم فيه كيف وهو زيادة في القوة وزيادة في إباحة الأكل وزيادة في الرخص المباحة التي يحب الله أن تؤتى وزيادة في الحياة وزيادة في الرفق وزيادة في اكتساب الطاعة فكأنه جعل السحور وقتا لزيادة النعمة ودفعا للنقمة فتدبر (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه ابن رفاعة ولم أجد من وثقه ولا من جرحه وبقية رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته الحديث: 4801 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 4802 - (السخاء خلق الله الأعظم) أي هو من أعظم صفاته العظمى والخلق بالضم السجية قال الماوردي: وحد السخاء أي في المخلوق بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وأن يوصل إلى مستحقه بقدر الطاقة وتدبير ذلك مستصعب ولعل بعض من يحب أن ينسب إلى الكرم ينكر حد السخاء ويجعل تقدير العطية فيه نوعا من البخل وأن الجود بذل الموجود وهنا تكلف يفضي إلى الجهل بحدود الفضائل ولو كان حد الجود بذل الموجود لما كان للسرف موضعا ولا للتبذير موقعا وقد ورد الكتاب والسنة بذمهما وإذا كان السخاء محدودا فمن وقف على حده يسمى كريما واستوجب المدح ومن قصر عنه كان بخيلا واستوجب الذم. إلى هنا كلامه. وقال الراغب: السخاء هيئة في الإنسان داعية إلى بذل المقتنيات حصل معه البذل أو لا ومقابله الشح. والجود بذل المقتنى ويقابله البخل هذا هو الأصل وقد يستعمل كل منهما محل الآخر وقد عظم الله الشح وحذر منه في آيات كثيرة. وقال في الإحياء: الإمساك حيث يجب البذل بخل والبذل حيث يجب الإمساك تبذير وبينهما وسط هو المحمود والجود والسخاء عبارة عنه ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيبا به وإلا فهو متسخي لا سخي. وقال بعضهم: السخاء أتم وأكمل من الجود وضده البخل وضد السخاء الشح والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب عادة بخلاف ذينك فإنهما من ضروريات الغريزة فكل سخي جواد ولا عكس والجود يتطرق إليه الرياء ويمكن تطبعه بخلاف السخاء كما في العوارف فلذا قال السخاء ولم يقل الجود (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عباس) وضعفه المنذري وظاهره أنه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز مع أن أبا نعيم والديلمي خرجاه عن عمارة باللفظ المزبور بل رواه أبو الشيخ [ابن حبان] ابن حبان في كتاب الثواب الحديث: 4802 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 [ص: 138] 4803 - (السخاء) قال ابن العربي: وهو لين النفس بالعطاء وسعة القلب للمواساة (شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة والبخل شجرة من شجر النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى النار) يعني أن السخاء يدل على كرم النفس وتصديق الإيمان بالاعتماد في الخلق على من ضمن الرزق وهو على كل شيء قدير فمن أخذ بهذا الأصل وعقد طويته عليه فقد استمسك بالعروة الوثقى الجاذبة له إلى ديار الأبرار والبخل يدل على ضعف الإيمان وعدم الوثوق بضمان الرحمن وذلك جاذب إلى الخسران وقائد إلى دار الهوان وقيل: ومن أقبح ما في البخيل أنه يعيش عيش الفقراء ويحاسب محاسبة الأغنياء وقيل: البخل جلباب المسكنة والبخيل ليس له خليل <تنبيه> سخاء العوام سخاء النفس ببذل الموجود وسخاء الخواص سخاء النفس عن كل موجود ومفقود غني بالواحد المعبود فلما سخي بالأشياء وعنها اعتمادا على مولاه اكتنفه فمتى عثر في مهلكة تولاه (قط في الأفراد) وكذا في المستجاد (هب) كلاهما (عن علي) أمير المؤمنين (عد هب) كلاهما عن محمد بن منير المظهري عن عثمان بن شيبة عن أبي غسان محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران بن أبي حنيفة عن داود بن الحصين عن الأعرج (عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي: وهو ضعيف وقال ابن الجوزي: لا يصح داود ضعيف (حل) عن الحسن بن أبي طالب عن عبد الله بن محمد الخلال عن أحمد بن الخطاب بن مهران التستري عن عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي عن عاصم بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد عن الثوري عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله قال ابن الجوزي: موضوع عاصم ضعيف وشيخه كذاب ثم قال أبو نعيم: تفرد به عبد العزيز بن خالد وعنه عاصم بن عبد الله (خط) في ترجمة أبي جعفر الطيالسي (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال: إنه أعني الحديث حديث منكر ورجاله ثقات اه. (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) بن مالك لكن مع اختلاف في اللفظ ولفظه عن أنس قال: أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إن الله قد اختار لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء وحسن الخلق ألا إن السخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم سخيا لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله الجنة ألا إن اللؤم شجرة في النار وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم لئيما لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله النار اه. وفيه ضعفاء ومجاهيل (فر عن معاوية) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة. قال الزين العراقي: وطرقه كلها ضعيفة وأورده ابن الجوزي في الموضوع الحديث: 4803 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 4804 - (السخي قريب من الله) أي من رحمته وثوابه فليس المراد قرب المسافة. تعالى الله عنه إذ لا يحل الجهات ولا ينزل الأماكن ولا تكتنفه الأقطار (قريب من الناس) أي من محبتهم فالمراد قرب المودة (قريب من الجنة) لسعيه فيما يدنيه منها وسلوكه طريقها فالمراد هنا قرب المسافة وذلك جائز عليها لأنها مخلوقة وقربه منها برفع الحجاب بينه وبينها وبعده عنها كثرة الحجب فإذا قلت الحجب بينك وبين الشيء قلت مسافته أنشد بعضهم: يقولون لي دار الأحبة قد دنت. . . وأنت كئيب إن ذا لعجيب [ص: 139] فعلت وما تغني ديار قريبة. . . إذا لم يكن بين القلوب قريب والجنة والنار محجوبتان عن الخلق بما حفتا به من المكاره والشهوات وطريق هتك هذه الحجب مبينة في مثل الإحياء والقوت من كتب القوم (بعيد من النار والبخيل بعيد من الله) أي من رحمته (بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار) وقال الغزالي: والبخل ثمرة الرغبة في الدنيا والسخاء ثمرة الزهد والثناء على الثمرة ثناء على المثمر لا محالة والسخاء ينشأ من حقيقة التوحيد والتوكل والثقة بوعد الله وضمانه للرزق وهذه أغصان شجرة التوحيد التي أشار إليها الحديث والبخل ينشأ من الشرك وهو الوقوف مع الأسباب والشك في الوعد قال الطيبي: التعريف في السخي والبخيل للعهد الذهني وهو ما عرف شرعا أن السخي من هو والبخيل من هو وذلك أن من أدى الزكاة فقد امتثل أمر الله وعظمه وأظهر الشفقة على خلقه وواساهم بماله فهو قريب من الله وقريب من الناس فلا تكون منزلته إلا الجنة ومن لم يكن كذلك فبالعكس ولذلك كان جاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل كما قال: (ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل) فخولف ليفيد أن الجاهل غير العابد السخي أحب إلى الله من العابد العالم البخيل فيا لها من حسنة غطت على عيبين عظيمين ويا لها من سيئة حطت حسنتين خطيرتين على أن الجاهل السخي سريع الانقياد إلى ما يؤمر به من نحو تعلم وإلى ما ينهى عنه بخلاف العالم البخيل <تنبيه> قال الراغب: من شرف السخاء والجود أن الله قرن اسمه بالإيمان ووصف أهله بالفلاح والفلاح أجمع لسعادة الدارين وحق للجود أن يقترن بالإيمان فلا شيء أخص منه به ولا أشد مجانسة له فمن صفة المؤمن انشراح الصدر {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وهما من صفة الجواد والبخيل لأن الجواد يوصف بسعة الصدر والبخيل بضيقه اه. ومن أحسن ما قيل فيه: تراه إذا ما جئته متهللا. . . كأنك تعطيه الذي أنت سائله (وللمتنبي أيضا:) تعود بسط الكف حتى لو أنه. . . أراد انقباضا لم تعطه أنامله ولو لم يكن في كفه غير روحه. . . لجاد بها فليتق الله سائله <تنبيه> قال ابن العربي: قوله ولجاهل سخي إلخ مشكل يباعد الحديث عن الصحة مباعدة كثيرة وعلى حاله فيحتمل أن معناه أن الجهل قسمان جهل بما لابد من معرفته في عمله واعتقاده وجهل بما يعود نفعه على الناس من العلم فأما المختص به فعابد بخيل خير منه وأما الخارج عنه فجاهل سخي خير منه لأن الجهل والعلم يعود إلى الاعتقاد والسخاء والبخل إلى العمل وعقوبة ذنب الاعتقاد أشد من ذنب العمل (ت) في الأدب (عن أبي هريرة) وقال أعني الترمذي: غريب (هب عن جابر) بن عبد الله (طس عن عائشة) وفيه عندهم جميعا سعيد بن محمد الوراق قال الذهبي: ضعيف وتبعه الهيثمي ولهذا قال ابن حبان: الحديث غريب وقال البيهقي: تفرد به سعيد الوراق وهو ضعيف اه. لكن هذا لا يوجب الحكم بوضعه كما ظنه ابن الجوزي الحديث: 4804 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 4805 - (السر أفضل من العلانية) لما فيه من السلامة من الوقوع في الرياء وسائر حظوظ النفس ومن ثمة ورد في بعض الآثار أن عمل السر يفضل عمل العلانية بسبعين ضعفا (والعلانية) أفضل (لمن أراد الإقتداء) به في أفعاله وأقواله حبا لأن يعبد الله الخلق بمثل ما يعبده به نصحا لله في ذاته وخلقه (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي قال الذهبي: قال الخطيب قال لي محمد بن القطان كان يضع للصوفية الأحاديث وبقية قال الذهبي: صدوق لكنه يروي عمن دب ودرج فكثرت العجائب والمناكير في حديثه وعثمان بن زائدة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له حديث منكر وفي اللسان عثمان بن زائدة عن نافع عن ابن عمر حديثه غير محفوظ الحديث: 4805 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 [ص: 140] 4806 - (السراويل) جائز لبسه (لمن لا يجد الإزار) أي لمحرم فقده بأن تعذر عليه تحصيله حسا وشرعا (والخف لمن لا يجد النعل) هذا يدل لما ذهب إليه الشافعي من حل لبس السراويل للمحرم إذا فقد الإزار ولا يحتاج لفتق السراويل وقال مالك: يفتقه فإن لبسه بحاله لزمه فدية والخف كالسراويل فيما ذكر <تنبيه> قال الزمخشري: السراويل معربة هي اسم مفرد واقع في كلامهم على مثال الجمع الذي لا ينصرف كقناديل فيمنعونه الصرف ويقال سروالة قال: عليه من اللؤم سروالة وعن الأخفش: من العرب من يراها جمعا وأن كل جزء من أجزائها سروالة (د عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته كلامه كالصريح في أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس إلى مسلم الحديث: 4806 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 4807 - (السرعة في المشي تذهب بهاء المؤمن) أي مهابته وحسن سمته وهيئته كما سبق تقريره (خط) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه أبو معشر ضعفه يحيى والنسائي والدارقطني الحديث: 4807 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 4808 - (السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله) لفظ رواية القضاعي فيما وقعت عليه طول العمر في عبادة الله وذلك لأن السعادة من الإسعاد والمساعدة ومن أعانه الله على العبادة وأقدره على القيام بها فقد أسعده وكلما طال عمره استلذ الطاعة واستكره المعصية وكلما كان العمر أطول كانت الفضائل أرسخ وأقوى وإنما مقصود العبادات تأثيرها في القلب ولذلك كره الأنبياء والأولياء الموت والدنيا مزرعة الآخرة فكلما كانت العبادة أكبر بطول العمر كان الثواب أجزل والنفس أزكى وأطهر والأخلاق أقوى وأرسخ (القضاعي) في مسند الشهاب (فر) وابن زنجويه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن السعادة فذكره. قال الزين العراقي: في إسناده ضعف. وقال شارح الشهاب: غريب جدا وخرجه الخطيب في تاريخه عن ابن عمر وفيه عدي بن إبراهيم البرزوي وقال: إنه لم يكن محمود في الرواية وفيه غفلة وتساهل الحديث: 4808 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 4809 - (السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه) أي السعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يخرجه عن قابلية السعادة وكذا تقدير السعادة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز ضرورة السعادة وقد دل على ذلك الحديث الآني: كل مولود يولد على الفطرة ثم أبواه يهودانه إلخ. وسره أن التقدير تابع للمقدور كما أن العلم تابع للمعلوم. ذكره ابن الكمال (طص) وكذا البزار والديلمي كلهم (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: سنده صحيح وقال السخاوي: سبقه لذلك شيخه العراقي وقال في الدرر: سنده صحيح الحديث: 4809 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 4810 - (السفر قطعة من العذاب) أي جزء منه لما فيه من التعب ومعاناة الريح والشمس والبرد والخوف والخطر وأكل الخشن وقلة الماء والزاد وفراق الأحبة ولا يناقضه خبر سافروا تغنموا إذ لا يلزم من الغنم بالسفر أن لا يكون من العذاب لما فيه من المشقة وقيل: السفر سقر. وقيل فيه: وإن اغتراب المرء من غير خلة. . . ولا همة يسمو بها لعجيب [ص: 141] وحسب الفتى ذلا وإن أدرك العلا. . . ونال الثريا أن يقال غريب (يمنع أحدكم طعامه) الجملة استئناف بياني لمقدر تقديره لم كان ذلك فقال يمنع أحدكم طعامه (وشرابه ونومه) بنصب الأربعة بنزع الخافض على المفعولية لأن منع يتعدى لمفعولين الأول أحدكم والثاني طعامه وشرابه عطف عليه ونومه إما على الأول أو الثاني والمراد منع كمالات المدكورات لا أصلها ومما تقرر علم أن المراد العذاب الدنيوي وأما ما قيل من أن المراد العذاب الأخروي بسبب الإثم الناشئ عن المشقة فيه فناشئ عن عدم تأمل قوله يمنع أحدكم إلخ فإن قلت لم عبر العذاب دون العقاب قلت لكون العذاب أعم إذ العذاب الألم كما تقرر وليس كل مؤلم يكون عقابا على ذنب (فإذا قضى أحدكم نهمته) بفتح فسكون رغبته أو مقصوده أو حاجته (من وجهه) أي مقصده وفي رواية إذا قضى أحدكم وطره من سفره وفي رواية فرغ من حاجته (فليعجل) بضم التحتية (الرجوع إلى أهله) محافظة على فضل الجمعة والجماعة وأداء للحقوق الواجبة لمن يمونه وعبر بالنهمة التي هي بلوغ الهمة إشعارا بأن الكلام في سفر لأرب دنيوي كتجارة دون الواجب كحج وغزو. <فائدة> لما جلس إمام الحرمين محل أبيه سئل لم كان السفر قطعة من العذاب فأجاب فورا لأن فيه فراق الأحباب (مالك) في آخر الموطأ (حم ق هـ عن أبي هريرة) الحديث: 4810 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 4811 - (السفل) بكسر أوله وضمه (أرفق) قاله لأبي أيوب لما نزل عليه بالمدينة فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل وأبو أيوب في العلو ثم استدرك أبو أيوب رعاية للأدب فعرض عليه التحول إلى العلو فقال: السفل أرفق أي بأصحابه وقاصديه (حم عن أبي أيوب) الأنصاري الحديث: 4811 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 4812 - (السكينة عباد الله السكينة) بفتح المهملة والتخفيف الوقار والطمأنينة والرزانة وقرئ في الآية بالكسر والتشديد وقيل: السكينة التأني في الحركات وتجنب العبث والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت ومر معنى آخر وحذف حرف النداء تخفيفا أي الزموا يا عباد الله وقال الظاهر مع طمأنينة القلب وعدم تحركه مما يمتحن به من المؤذيات (أبو عوانة) في صحيحه (عن جابر) قال: لما أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات قال ذلك الحديث: 4812 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 4813 - (السكينة مغنم وتركها مغرم) قال الديلمي: فعيلة من السكون وهو الوقار وقال غيره: السكينة تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع قال ابن خالويه: ولا نظير لها أي في وزنها إلا قولهم على فلان ضريبة أي خراج معلوم (ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور (والإسماعيلي في معجمه) والديلمي (عن أبي هريرة) ثم قال الحاكم: هذا أعجب من كل ما أنكر على سفيان بن وكيع فإنه صحيح الإسناد شاذ المتن الحديث: 4813 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 4814 - (السكينة) بفتح السين (في أهل الشاء والبقر) لأن من حكمة الله في خلقه أن من اغتذى جسمه بجسمانية شيء اغتذت نفسانيته ذلك الشيء وقال بعضهم: إنما خص أهل الغنم والبقر بذلك لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من أسباب الفخر والخيلاء وقيل: أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم والبقر بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل وقال المجد بن تيمية: أصل هذا أن الله جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين وكلما كانت المشابهة أقوى وأكثر فالتفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالمعنى وكلما كان بين إنسان وإنسان مشاركة في جنس خاص كان التفاعل فيه أشد ثم بينه وبين سائر الحيوان مشاركة في الجنس المتوسط فلا بد من نوع تفاعل بقدره ثم بينه وبين الثبات [ص: 142] مشاركة في الجنس البعيد مثلا فلا بد من نوع ما من المفاعلة لهذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة وكذا الآدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه فلذلك صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل والسكينة في أهل الغنم وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس من العشرة والمؤالفة وقلة النفرة فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشاكلة ومشابهة في الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف الحديث: 4814 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 4815 - (السلطان ظل الله في الأرض) لأنه يدفع الأذى عن الناس كما يدفع الظل حر الشمس وقد يكنى بالظل عن الكنف والناحية ذكره ابن الأثير وهذا تشبيه بديع ستقف على وجهه وأضافه إلى الله تشريفا له كيد الله وناقة الله وإيذانا بأنه ظل ليس كسائر الظلال بل له شأن ومزيد اختصاص بالله بما جعله خليفة في أرضه ينشر عدله وإحسانه في عباده ولما كان في الدنيا ظل الله يأوي إليه كل ملهوف استوجب أن يأوي في الآخرة إلى ظل العرش قال العارف المرسي: هذا إذا كان عادلا وإلا فهو في ظل النفس والهوى (فمن أكرمه أكرمه الله ومن أهانه أهانه الله) لأن نظام الدين إنما هو بالمعرفة والعبادة وذلك لا يحصل إلا بإمام مطاع ولولاه لوقع التغلب وكثر الهرج وعمت الفتن وتعطل أمر الدين والدنيا فالسلطان حارس وراعي ومن لا راعي له فهو ضال فمن أمان أمير المؤمنين فهو من المهانين <تنبيه> قال بعض العارفين: لا تدعو على الظلمة إذا جاروا فإن جورهم لم يصدر عنهم وإنما صدر عن المظلوم حتى تحكم فيه أو عليه فظهر ظلمه فالحكام متسلطون بحسب الأعمال {إن لكم لما تحكمون} والحاكم الجائر عدل الله في الأرض ينتقم من خلقه به ثم يصيره إليه فإن شاء عفا عنه لأنه آلته وإن شاء عذبه لأنه حقه (طب هب عن أبي بكرة) وفيه سعد بن أويس فإن كان هو العبسي فقد ضعفه الأزدي وإن كان البصري فضعفه ابن معين ذكرهما الذهبي في الضعفاء الحديث: 4815 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 4816 - (السلطان ظل الله في الأرض) تشبيه وقوله (يأوي إليه كل مظلوم من عباده) جملة مبينة إنما شبهه بالظل لأن الناس يستريحون إلى برد عدله من حر الظلم (فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر وإن جار (1) أو حاف أو ظلم كان عليه الوزر) أي الوزر العظيم الشديد (وكان على الرعية الصبر) أي يلزمهم الصبر على جوره ولا يجوز لهم الخروج عليه إلا إن كفر ثم إنه لا منافاة بين فرض جوره وما اقتضاه مطلع الحديث من عدله لأن قوله السلطان ظل الله بيان لشأنه وأنه ينبغي كونه كذلك فإذا جار خرج عن كونه ظل الله فهو من قبيل {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى} فرتب على الحاكم الوصف المناسب ونهاه عما لا يناسب أفاده الطيبي (وإذا جارت الولاة قحطت السماء) أي إذا ذهب العدل انقطع القطر فلم تنبت الأرض فحصل القحط لأن الوالي فاصل بين [ص: 143] الحق والباطل فإذا ذهب الفاضل انقطعت الرحمة (وإذا منعت الزكاة هلكت المواشي) لأن الزكاة تنميها والنمو بركة وإذا منعت الزكاة بقي المال بدنسه ولا بقاء للبركة مع الدنس وإذا ارتحلت البركة عن شيء هلك لأن نسله ينقطع (وإذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة) لأن الغنى من فضل الله والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه وبالمناكحة الشرعية يلتقي الزوجان على الفرح بما أعطاهم الله فمن زنا فقد آثر الفرح الذي من قبل العدو على الفرح الذي بفضل الله فأورثه الفقر (وإذا أخفرت الذمة أديل الكفار) لأن المؤمن عاهد الله بالوفاء بذمته فإذا أخفر نقض العهد وإذا نقض وهن عقد المعرفة لأن المعرفة مقرونة بالعهد معقودة به وبنقض العهد يخاف انحلال العقد وبالانحلال تذهب هيبة الإسلام ويقذف الوهن في القلوب (الحكيم) الترمذي (والبزار) في مسنده وابن خزيمة عن ابن عمر قال الهيثمي: وفيه سعيد بن سنان أبو مهدي وهو متروك (هب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه وأبو المهدي سعيد بن سنان ضعيف عند أهل العلم (2) بالحديث انتهى وسعيد بن سنان هذا ضعفه ابن معين وغيره وقال البخاري: منكر الحديث وساق في الميزان من مناكيره هذا الحديث وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده   (1) الجور نقيض العدل وضد القصد والحيف الجور والظلم وضع الشيء في غير موضعه وحينئذ فمعاني الثلاث متقاربة أي فالجمع بينها للإطناب (2) [في الأصل: " أهل العز " وهو خطأ مطبعي واضح. دار الحديث] الحديث: 4816 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 4817 - (السلطان ظل الله في الأرض) قال في الفردوس: قيل أراد بالظل العز والمنعة (يأوي إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم) فإن الظلم له وهج وحر يحرق الأجواف ويظمئ الأكباد وإذا أوى إلى سلطان سكنت نفسه وارتاحت في ظل عدله (ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة) وقيل: سلطان عادل خير من مطر وابل وسبع حطوم خير من وال غشوم قال ابن عربي: إقامة الدين هو المطلوب ولا يصح إلا بالأمان فاتخاذ الإمام واجب في كل زمان <فائدة> ذكر حجة الإسلام في الإحياء: أن من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الله جمع له بين النبوة والسلطان (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن أبي هريرة) الحديث: 4817 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 4818 - (السلطان ظل الله في الأرض) أي ستره (فمن غشه ضل ومن نصحه اهتدى) قال الماوردي: لا بد للناس من سلطان قاهر تأتلف برهبته الأدوية المخيفة وتجتمع بهيبته القلوب المتفرقة وتكف بسطوته الأيدي المتغالبة وتقمع من خوفه النفوس المتعاندة والمتعادية لأن في طبائع الناس من حب المغالبة والقهر لمن عاندوه ما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ورادع ملي قال: والظلم من شيم النفوس فإن تجد. . . ذا عفة فلعلة لا يظلم والعلة المانعة من الظلم عقل زاجر أو دين حاجز أو سلطان رادع وعجز صاد إذا تأملت لم تجد خامسا ورهبة السلطان أبلغها لأن العقل والدين ربما كانا مشغوفين بداعي الهوى فتكون رهبة السلطان أشد زجرا وأقوى ردعا (هب عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن يونس القرشي وهو الكديمي الحافظ اتهمه ابن عدي بوضع الحديث وقال ابن حبان: كان يضع على الثقات قال الذهبي في الضعفاء عقبه: قلت انكشف عندي حاله الحديث: 4818 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 4819 - (السلطان ظل الله في الأرض فإذا دخل أحدكم بلدا ليس به سلطان فلا يقيمن به) قال الحكماء: الأدب أدبان أدب [ص: 144] شريعة وأدب سياسة وهو ما عمر الأرض وكلاهما يرجع إلى العدل الذي به سلامة السلطان والأمانة وعمارة البلدان (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي الحديث: 4819 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 4820 - (السلطان ظل الرحمن في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده فإن عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر وإن جار وحاف وظلم كان عليه الإصر وعلى الرعية الصبر) قال الزمخشري: الإصر هو الثقل الذي يأصر حامله أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله <تنبيه> قال ابن عربي: من أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إلا وله ظن يسجد لله ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعا أو عاصيا فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله سواء وإن كان مخالفا أناب ظله منابه في طاعة الله {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والأصال} والسلطان ظل الله في الأرض إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها أثر في عالم الدنيا والعرش ظل الله في الأرض في الآخرة فالظلالات أبدا تابعة للصور المنبعثة عنها حسا ومعنى فالحسي قاصر لا يقوى قوى الظل المعنوي للصورة المعنوية لأنه يستدعي نورا مقيما لما في الحس من التقييد والضيق ولهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن السلطان ظل الله فقد بان أن بالظلالات عمرت الأماكن وقد تضمن الحديث من وجوب طاعة الأئمة في غير معصية والإيواء إليهم وبيان ما على السلطان من حياطة رعيته ولهذا قال يأوي إليه كل مظلوم ليمتنع بعز سلطانه من التظلم ويرفع من ظلامته ببرد ظله <تنبيه> عدوا من أخلاق العارفين مخاطبة ظلمة السلاطين باللين بأن يشهد أحدهم أن يد القدرة الإلهية هي الآخذة بناصية ذلك الظالم إلى ذلك الجور وأن الحاكم الظالم كالمجبور على فعله من بعض الوجوه وكصاحب الفالج لا يستطيع تسكين رعدته <تنبيه> ذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بالسلطان في أخبار كثيرة القطب قال العارف ابن عربي: آل محمد لهم إقامة أمر الله من حيث لا يشعر به الأقطاب والأبدال والأوتاد والنقباء والنجباء ولهؤلاء دون آل محمد الإحاطة إقامة لأمر الدين والدنيا من حيث لا يشعرون بمسرى مددهم من آل محمد إلا أن يجدوا أثرا من الآثار لمن يؤيد بروح منهم قال: وكذا لولي الأمر الظاهر من الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والولاة والقضاة والفقهاء ونحوهم ممن يقوم بهم أمر ظاهر الدين والدنيا من الأقطاب مددا وإقامة من حيث لا يشعرون وذلك أن الأمر كله لله {ألا له الخلق والأمر} {والله من ورائهم محيط} (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن عبد الغفار قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: اتهم بالوضع وسعيد بن سعيد الأنصاري قال الذهبي: ضعيف الحديث: 4820 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 4821 - (السلطان العادل) بين الخلق (المتواضع) لهم (ظل الله ورمحه في الأرض يرفع له عمل سبعين صديقا) تمامه كما في الفردوس كلهم عابد مجتهد وكأنه سقط من قلم المصنف وذلك لأن رفع الدرجات بالنيات والهمم لا بمجرد العمل ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة بل بشيء وقر في صدره فإنما هي همم سبقت همما وشتان بين من همته ونيته صلاح العالم وبين من همته ونيته مقصورة على صلاح نفسه وإذا وازنت بين من نيته بالتعلم إحياء وإعلاء السنة وإماتة البدعة وبين من نيته اكتساب مال أو رياسة رأيت بينهما في الفضل والرتبة أبعد مما بين السماء والأرض وهما في التعب سواء وإنما التفاوت بالنية والهمة فالسلطان الذي هذا نعته ليس من الدنيا ولا الدنيا منه فيؤتيه الله ملكا من ملكه ظاهرا وهداية من هدايته باطنا ويضاعف له ثواب الصديقية والظاهر أن المراد بالسبعين التكثير مبالغة كنظائره (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي بكر) الصديق ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4821 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 [ص: 145] 4822 - (السلف في حبل الحبلة) أي نتاج النتاج (ربا) لأنه بيع ما لم يخلق وعبر بالربا عن الحرام وكأنه اسم عام يقع على كل محرم في الشرع (حم ن عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته ورواه عنه الديلمي الحديث: 4822 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 4823 - (السل شهادة) هو قرحة في الرئة معها حمى دقية وسببه ملازمة بارد يابس كلحم بقر وعفونة خلط (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عبادة بن الصامت) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4823 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 4824 - (السماح رباح) أي ربح قال القالي في أماليه: يريد أن المسامح أحرى أن يربح (والعسر شؤم) أي مذهب للبركة ممحص للنمو منفر للقلوب انظر إلى بني إسرائيل لما شددوا شدد عليهم ولو سامحوا سومحوا تأمل قصة البقرة قال بعض العارفين: من مشهدك يأتيك روح مددك وعلى قدر يقينك تظفر بتمكينك قال العامري في شرح الشهاب: أصل السماحة السهولة في الأمر وذلك لأن سخاء النفس وسعة الأخلاق والرفق بالمعامل من أسباب البركة. والعسر يذهبهما ويوجب الشؤم والخسران (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الرحمن بن زيد قال الذهبي: ضعفه أحمد والدارقطني وآخرون لكن قال العامري في شرح الشهاب: إنه حسن (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن نصر وابن لال ومن طريقهما وعنهما أورده الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى وفيه حجاج بن فرافصة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو زرعة: ليس بقوي اه. ونسبه ابن حبان إلى الوضع وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال الدارقطني: حديث منكر الحديث: 4824 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 4825 - (السمت الحسن والتؤدة) التأني والتثبت وترك العجلة (والاقتصاد) في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط (جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة) أي هذه الخصال من شمائل أهل النبوة وجزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها إذ ليس معناه أن النبوة تجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال صار فيه جزء من النبوة لأنها غير مكتسبة أو المراد أن هذه الخلال مما جاءت به النبوة ودعى إليها الأنبياء أو أن من جمعها ألبسه الله لباس التقوى الذي ألبسه الأنبياء فكأنها جزء منها (ت) في البر (عن عبد الله بن سرجس) وقال: حسن غريب وتبعه المصنف فرمز لحسنه قال المناوي: ورجاله موثقون الحديث: 4825 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 4826 - (السمت الحسن جزء من خمسة وسبعين جزءا من النبوة) قال القاضي: كان الصواب أن يقال خمس وفيما قبله أربع على التذكير فلعله أنث بتأويل الخصلة أو القطعة. قال التوربشتي: والطريق إلى معرفة سر هذا العدد مسدود فإنه من علوم النبوة اه. وسبق عن الغزالي طريق معرفة ذلك فلا تغفل (الضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك الحديث: 4826 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 4827 - (السمع) لأولي الأمر بإجابة أقوالهم (والطاعة) لأوامرهم (حق) واجب للإمام ونوابه (على المرء المسلم فيما أحب أو كره) أي فيما وافق طبعه أو خالفه وهو شامل لأمراء المسلمين في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعده ويندرج [ص: 146] فيهم الخلفاء والقضاة (ما لم يؤمر) أي المسلم من قبل الإمام (بمعصية) الله (فإذا أمر) بضم الهمزة أي بمعصية (فلا سمع) لهم (عليه ولا طاعة) تجب بل يحرم ذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعلى القادر الامتناع لكن بغير محاربة والفعلان مفتوحان والمراد نفي الحقيقة الشرعية لا الوجودية وفيه تقييد للمطلق في غيره من السمع والطاعة ولو لحبشي ومن الصبر على ما يقع من الأمراء مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة وقد خرج كثير من السلف على ولاة الجور في الفتن واعتزلها البعض ولعل خروج الخارج للخوف على نفسه (حم ق 4 عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4827 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 4828 - (السنة) بالضم الطريقة المأمور بسلوكها في الدين (سنتان سنة في فريضة وسنة في غير فريضة فالسنة التي في الفريضة أصلها في كتاب الله تعالى أخذها هدى وتركها ضلالة والسنة التي أصلها ليس في كتاب الله تعالى الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة) ففي فعلها الثواب وليس في تركها عقاب (طس عن أبي هريرة) ثم قال الطبراني: لم يروه عن أبي سلمة إلا عيسى بن واقد. قال الهيثمي: ولم أر من ترجمه الحديث: 4828 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 4829 - (السنة سنتان من نبي) مرسل هكذا هو في رواية الديلمي وكأنه سقط من قبل المصنف (ومن إمام عادل) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر السنة سنتان: سنة من نبي مرسل وسنة من إمام عادل اه. بلفظه (فر عن ابن عباس) وفيه علي بن عبده أي التميمي. قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: كان يضع ومقسم ذكره البخاري في كتاب الضعفاء الكبير وضعفه ابن حزم الحديث: 4829 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 4830 - (السنور) وفي رواية لوكيع وغيره الهر بدل السنور. قال العسكري: وله أسماء خمسة ولفظ السنور مؤنث (سبع) طاهر الذات وإذا كان كذلك فسؤره طاهر لأن أسآر السباع الطاهرة الذات طاهرة قال عياض: يجوز ضم موحدة السبع وسكونها إلا أن الرواية بالضم وقال الحرالي: هو بالضم والسكون وقال ابن عربي: هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال. وقال ابن الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وأما قول الطيبي يجوز أن يحمل على الاستفهام على سبيل الإنكار على الإخبار وهو الوجه أي السنور سبع وليس بشيطان كالكلب النجس ففيه من التعسف ما لا يخفى (حم قط ك عن أبي هريرة) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قوما من الأنصار ودونهم دار فشق عليهم وعاتبوه فقال: لأن في داركم كلبا قالوا: وفي دارهم سنور فذكره وهذا صححه الحاكم ونوزع بقول أحمد حديث غير قوي وبأن فيه عيسى بن المسيب ضعفه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم وأورده في الميزان في ترجمته وأعله وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن حجر: رواه العقيلي أيضا وضعفه اه. ولما رواه الدارقطني قال: فيه عيسى بن المسيب صالح الحديث فتعقبه الغرياني بأن أبا حاتم قال: إنه غير قوي وبأن أبا داود قال: ضعيف الحديث: 4830 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 4831 - (السنور من أهل البيت) فما ولغ فيه لا ينجس بولوغه (وإنه من الطوافين أو الطوافات عليكم) يعني كالخدم الذين لا يمكن التحفظ منهم غالبا بل يطوفون ولا يستأذنون ولا يحجبون فكما سقط في حقهم ذلك لضرورة مداخلتهم عفى عن الهر لذلك والقول بأنه تشبيه بمن يطوف للحاجة والمسألة فالأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة [ص: 147] زيفوه وجمعها بالواو والنون مع أنها لا تعقل لتنزيلها منزلة من يعقل أو فيه إضمار تقديره إنها من مثل الطوافين وقوله أو الطوافات رواه أحمد بألف وبدونها ونقل النووي الواو عن رواية للترمذي وابن ماجه وأو عن الموطأ ومسند الدارمي قال الولي العراقي: وإسقاط الألف أكثر وبتقدير ثبوتها هو شك من الراوي أو للتقسيم قال النووي: والثاني أظهر لأنه بمعنى روايات الواو وفيه طهارة سؤر الهر وبه قال عامة العلماء إلا أن أبا حنيفة كره الوضوء بفضل سؤره وقال الكمال: هذا الحديث مختلف فيه وعلى كل حال فليس للمطلوب النزاعي حاجة إلى هذا الحديث لأن النزاع ليس في النجاسة للاتفاق على سقوطها بقلة الطرق المنصوصة في قوله إنها من الطوافين إلخ يعني أنها تدخل المضايق ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر صون الأواني منها بل الضرورة اللازمة من ذلك أسقطت النجاسة كما أنه أوجب الاستئذان وأسقطه عن المملوكين والذين لم يبلغوا الحلم أو عن أهلهم في تمكينهم من الدخول في غير الأوقات الثلاثة بغير إذن للطواف المفاد بقوله تعالى عقبه {طوافون عليكم} إنما الكلام بعد هذا في ثبوت الكراهة أي كراهة ما ولغ فيه اه. واستدل به بعض المالكية على طهارة الكلب لوجود العلة وهي الطواف سيما عند العرب قال ابن دقيق العيد: وهو استدلال جيد وطريق من يريد الجواب أن يبين أن نجاسة الكلب أو سؤره بالنص والحكم المستند إلى النص أقوى من القياس (حم عن أبي قتادة) قال: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ودونهم دار فشق عليهم فقالوا: تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا؟ قال: إن في داركم كلبا. قالوا: فإن في دارهم سنورا فذكره وقد جوده مالك وحسنه الدارقطني وصححه الحاكم الحديث: 4831 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 4832 - (السواك) بكسر أوله لغة الدلك وعرفا يطلق على العود الذي يستاك به وعلى الفعل واعترضه ابن هشام كأبي شامة بأنه لو كان مصدرا وجب قلب واوه ياء كالقيام فيقال سياك قال: وإنما الخبر على حذف مضاف أي استعمال السواك (مطهرة للفم) أي آلة تنظفه والمطهرة مفعلة من الطهارة بفتح الميم أفصح (مرضاة للرب (1)) وفي رواية لأبي نعيم مرضاة لله والمرضاة مفعلة من الرضى ضد السخط أي مظنة لرضى الله أو سبب لرضاه وذلك لأنه تعالى نظيف يحب النظافة والسواك ينظف الفم ويطيب رائحته لمناجاة الله وهذا كالصريح في ندبه للصائم لأن مرضاة الرب مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ولأنه طهور للفم والطهور للصائم فضل لكن قيده الشافعية بما قبل الزوال (حم) من حديث عبد الله بن محمد (عن أبي بكر) الصديق (الشافعي) في المسند (حم ن حب ك هق عن عائشة هـ عن أبي أمامة) ورواه البخاري تعليقا بصحة الجزم وقال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبي بكر وقال ابن الصلاح: إسناده صالح وقال البغوي: حديث حسن قال النووي في رياضه: أسانيده صحيحة   (1) قوله مرضاة بفتح الميم بمعنى اسم الفاعل أي مرض للرب ويجوز كونه بمعنى المفعول أي مرضي للرب وسئل ابن هشام عن هذا الحديث كيف أخبر عن المذكر بالمؤنث فأجاب ليست التاء في مطهرة للتأنيث وإنما هي مفعلة الدالة على الكثرة كقوله الولد مبخلة مجبنة أي محل لتحصيل البخل والجبن لأبيه بكثرة فقيل استدل بعض أهل اللغة بهذا على أن السواك يجوز تأنيثه فقلت هذا غلط ويلزمه أن يستدل بقوله الولد مبخلة مجبنة على جواز تأنيث الولد ولا قائل به الحديث: 4832 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 4833 - (السواك مطهرة) مصدر بمعنى الفاعل أي مطهر (للفم) أو بمعنى الآلة (مرضاة للرب) إما بمعنى الفاعل أي مرض أو المفعول أي مرضي للرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضى وأن يكونا مستقلين [ص: 148] في العلية ذكره الطيبي (ومجلاة للبصر) في مجلاة ما في مرضاة وقد سمعت أن السواك يطلق على العود إلا أن هذا ذكره النووي كجمع ونازعه ابن دقيق العيد بأنه غير متفق عليه. ودخل الكسائي والمأمون على الرشيد وهو يتسوك فقال للكسائي: كيف تأمرك قال: استك فابتسم وقال: ما أفحش هذا الخطاب ثم قال للمأمون وهو طفل: كيف قال: سك فاك قال: يا أمير المؤمنين هكذا فليكن أدب الخطاب (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا ورواه أبو يعلى والديلمي الحديث: 4833 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 4834 - (السواك يطيب الفم) الذي هو محل الذكر والمناجاة (وبرضي الرب) تمسك بهذا وما قبله من قال بوجوب السواك للصلاة كداود وكذا ابن راهويه فيما قيل قالوا: في تركه إسخاط للرب وإسخاطه حرام فتركه حرام والسواك مذكر على الصحيح وفي المحكم تأنيثه وأنكره الأزهري <تنبيه> قال القاضي عياض: يؤخذ من حديث كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك أنه مما لا يفعله ذو مروءة بحضرة الناس ولا في مسجد وقال صاحب المفهم: فيه دليل على تجنبه بالمساجد والمحافل ولم يرد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه تسوك في مسجد ولا في محفل لأنه من إزالة القذر قال الولي العراقي: وفيه نظر (طب عن ابن عباس) الحديث: 4834 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 4835 - (السواك نصف الإيمان والوضوء نصف الإيمان) لأن السواك يزيل الأوساخ الظاهرة والوضوء يزيل الظاهرة والباطنة والإيمان مبني على النظافة فكل منهما نصف بهذا الاعتبار (رسته في كتاب الإيمان عن حسان بن عطية مرسلا) هو صاحب علي كرم الله وجهه الحديث: 4835 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 4836 - (السواك واجب وغسل الجمعة واجب على كل مسلم) أي كل منهما متأكد جدا بحيث يقرب من الوجوب هكذا تأوله جمع جمعا بينه وبين الأخبار المصرحة بعدم وجوبهما وقد حكى بعضهم الإجماع على عدم وجوب السواك لكن حكى الشيخ أبو حامد عن داود أنه أوجبه للصلاة كما مر وحكى الماوردي عنه أنه واجب لكن لا يقدح تركه في صحتها وعن ابن راهويه أنه يجب لها فإن تركه عمدا لا سهوا بطلت. قال النووي: وذلك لا يضر في انعقاد الإجماع على المختار عند المحققين (أبو نعيم في كتاب السواك عن عبد الله بن عمرو بن حلحلة ورافع بن خديج معا) الحديث: 4836 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 4837 - (السواك من الفطرة) أي من السنة أو من توابع الدين ومكملاته ويحصل بكل ما يجلو الأسنان ولا يكره في وقت من الأوقات ولا في حال من الأحوال إلا للصائم بعد الزوال ومن فوائده أنه يطهر الفم ويرضي الرب وينقي الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق عن البلاغم والأكدار ويزكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ الشيب ويسوي الظهر ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت ويرهب العدو ويهضم الطعام ويغذي الجائع ويرغم الشيطان ويورث السعة والغنى ويسكن الصداع وعروق الرأس حتى لا يضرب عرق ساكن ولا يسكن عرق ضارب ويذهب وجع الضرس والبلغم والحفر ويصحح المعدة ويقويها ويزيد في الفصاحة والعقل ويطهر القلب ويبيض الوجه ويوسع الرزق ويسهله ويقوي البدن وينمي الولد والمال وغير ذلك (أبو نعيم عن عبد الله بن جراد) الحديث: 4837 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 [ص: 149] 4838 - (السواك يزيد الرجل فصاحة) لأنه يسهل مجاري الكلام ويصفي الصوت ويزكي الحواس وينظف الأسنان والفم واللسان واللهوان فيجف فمه ولسانه فيسهل نطقه وتزيد فصاحته ويزداد جمالا وبهاء إذا تكلم (عق عد) والقضاعي (خط في الجامع) من حديث عمرو بن داود عن سنان بن أبي سنان (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: حديث لا أصل له وعمرو وسنان قال العقيلي: مجهولان والحديث منكر غير محفوظ وأورده في الميزان في ترجمة عمرو هذا وقال: مجهول كشيخه والحديث منكر تفرد به معلى بن يعلى بن ميمون ومعلي ضعيف اه وقال الولي العراقي بعد ما عزاه للعقيلي: فيه معلى بن ميمون المجاشعي ضعيف وعمرو بن داود وسنان مجهولان والحديث فيه نكارة الحديث: 4838 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 4839 - (السواك سنة فاستاكوا أي وقت شئتم) لفظ رواية الديلمي فيما وقفت عليه من أصول قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر فاستاكوا أي وقت النهار شئتم (فر عن أبي هريرة) وفيه صدقة بن موسى قال الذهبي: ضعفوه عن فرقد قال الذهبي: وثقه ابن معين وقال أحمد: غير قوي وقال النسائي والدارقطني: ضعيف عن أبي المهزم قال الذهبي: ضعفوه اه ورواه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لكان أولى الحديث: 4839 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 4840 - (السواك شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت) قال ابن القيم: وينبغي أن لا يؤخذ السواك من شجرة مجهولة فربما كانت سما (فر عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي أسنده وليس كذلك بل ذكره هو وولده بلا سند فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب الحديث: 4840 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 4841 - (السورة التي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن) أي مدينته الجامعة لاشتمالها على أمهات الأحكام ومعظم أصول الدين وفروعه والإرشاد إلى كثير من مصالح العباد ونظام المعاش ونجاة المعاد وفي الفردوس فسطاط القرآن معظم سوره وكل مدينة فيها مجتمع الناس تسمى فسطاطا (فتعلموها) ندبا مؤكدا (فإن تعلمها بركة وتركها حسرة) على تاركها (ولا تستطيعها) أي ولا تستطيع تعلمها أو قراءتها أو إدامة ذلك (البطلة) أي السحرة كذا فسره في الفردوس جمع باطل سموا بذلك لانهماكهم في الباطل أو لبطالتهم عن أمر الدين أو معنى عدم استطاعتهم لها أنهم مع حذقهم لا يوفقون لتعلمها أو التأمل في معانيها أو العمل بما فيها وقيل: المراد أنها من المعجزات التي لا يقدر الساحر أن يعارضها بالسحر بخلاف المعجزات المحسوسة فإنه قد يمكن الساحر محاولة معارضها بالسحر وقال الطيبي: المراد السحرة من الموحدين وأرباب البيان كقوله: إن من البيان لسحرا (فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي: قال الدارقطني: يضع الحديث الحديث: 4841 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 4842 - (السلام قبل الكلام) (1) لأن في الابتداء بالسلام إشعارا بالسلام وتفاؤلا بالسلامة وإيناسا لمن يخاطبه وتبركا بالابتداء بذكر الله قال الله تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا} قال ابن القيم: ويذكر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام قال في الفردوس: والسلام مشتق من السلامة وهي التخلص من الآفات فكانوا في الجاهلية يحيي أحدهم صاحبه بقوله أنعم صباحا وعم صباحا ويبيت اللعن ويقول سلام عليكم فكأنه علامة للمسالمة وأنه [ص: 150] لا حرب ثم جاء الإسلام بالقصر على السلام وإفشائه اه فالمسلم كأنه يقول للمسلم عليه أحييك بأن السلام أي السلامة محيطة بك مني من جميع جهاتك فأنا مسالم لك بكل حال ومنقاد فاقبل عقد هذا التأمين برد مثله (ت عن جابر) وقال: إنه منكر وقال في الأذكار: حديث ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن زاذان قال: قال البخاري: لا يكتب حديثه وضعفه الدارقطني وحكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه ابن حجر ومن العجب أنه ورد بسند حسن رواه ابن عباس في كامله من حديث ابن عمر باللفظ المذكور وقال الحافظ ابن حجر: هذا إسناد لا بأس به فأعرض المصنف عن الطريق الجيد واقتصر على المضعف المنكر بل الموضوع وذلك من سوء التصرف   (1) يحتمل أن المعنى يندب قبل الشروع في الكلام لأنه تحية هذه الأمة فإذا شرع المقبل في الكلام فات محله الحديث: 4842 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 4843 - (السلام قبل الكلام) لأن السلام الواقع في أثناء الكلام يوهم سلام المتاركة وأنها المراد منه لا التحية فلا يليق ذلك (ولا تدعوا أحد إلى الطعام حتى يسلم) فإن السلام تحية أهل الإسلام فما لم يظهر الإنسان شعار الإسلام لا يكرم ولا يقرب والعظم مرتبته السلام واشتماله على ما مر من فوائده العظام كان أول ما ينبغي أن يقرع السمع ويطلع عليه المخاطب والمكاتب يستقر ذلك في النفس ويقع منها أعظم المواقع فيكون أبعث على بلوغ المقصد من الخطاب والكتاب فشرع ذلك عند ابتداء الملاقاة والمكاتبات وما ألحق بذلك من المفارقة وفي المجموع السنة أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام للأخبار الصحيحة وعمل الأمة على ذلك (ع عن جابر) قال الهيثمي: في إسناده من لم أعرفه وقال ابن القيم: هذا وإن كان إسناده وما قبله ضعيف فالعمل عليه وقد اعتضد بإسناد أحسن منه وهو إسناد هذا الخبر الذي ذكره بقوله الحديث: 4843 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 4844 - (السلام قبل السؤال فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه) لإعراضه عن السنة قال العلماء: من سلم على غيره فقد أمنه من شره وعاهده على ذلك فلا ينقض ما جعل له من ذلك (مهمة) قال ابن عربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أو سلمت على أحد في الطريق فقلت السلام عليكم فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله من عباده في الأرض والسماء وميت وحي فإن من في ذلك المقام يرد عليك فلا يبقى ملك مقرب ولا روح مطهر يبلغه سلامك إلا ويرد عليك وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيمين في جلاله المشتغل به فأنت قد سلمت عليه بهذا الشمول فإن الله ينوب عنه في الرد عليك وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه حتى ينوب عن الكل في الرد عليك (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن عمر) وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول فقد خرجه أحمد من حديث ابن عمر الحديث: 4844 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 4845 - (السلام تحية لملتنا) أي سبب لبقائها ودوام ملكها وحياة القلوب فيها وبقاء الألفة بين أهل الإسلام بإفشاء السلام وبذل السلامة من بعضهم لبعض على الدوام (وأمان لذمتنا) أي يشعر بأمانك لمن سلمت عليه ووفاء بعهد الإسلام وضمانه الذي عاهدت عليه وهو سلامة من يده ولسانه فكأن المسلم جدد العهد فيجب ألا يخفر لذمته بعد السلام <تنبيه> قال ابن دقيق العيد: فيظهر أن التحية بغير لفظ السلام من باب ترك المستحب لا مكروه إلا إن قصد به العدول عن السلام إلى ما هو أظهر في التعظيم من أجل أكابر أهل الدنيا وكان تحية من قبلنا السجود لمن يلقونه فحرم علينا السجود لغير الله وأعطينا مكانه السلام فهو من خصوصياتنا على ما اقتضاه هذا الخبر قال في شرح رسالة ابن أبي زيد: كان للناس في جاهليتهم ألفاظ يتلاقون بها ويتراحبون بها التماسا منهم للبقاء على أحسن الحالات والبعد عن الآفات سيما في حق من لم يتمكن من أسباب الدنيا فلا يشتهي إلا دعوة تقتضي بقاءه على حاله أو كلمة يسمعها يتفاءل بها لذلك كقول بعضهم عم صباحا عم مساء ابق ببقاء الليالي فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " السلام تحية لملتنا " يعني به [ص: 151] أن الملتمس من كلمات مرت هو البقاء على صفة محبوبة مشتهاة عند الأنام وأفضل من ذلك كله الاتصاف بالسلامة المبعدة عن الظلامة ولذلك سمى الله به الجنة بقوله: {والله يدعو إلى دار السلام} وقال الإمام الرازي: عادة العرب قبل الإسلام إذا لقي بعضهم بعضا أن يقولوا حياك الله واشتقاقه من الحياة كأنه يدعو له بالحياة فلما جاء الإسلام أبدل الله ذلك بالسلام وقال الراغب: أصل التحية الدعاء بطول الحياة ثم استعملت في كل دعاء وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضا يقول حياك الله ثم استعملها الشرع في السلام قالوا: في السلام مزية على التحية لأنه دعاء بالسلامة من الآفات الدينية والدنيوية وهي مستلزمة بطول الحياة وليس في الدعاء بطولها ذلك (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من القضاعي وهو عجب فقد خرجه الطبراني والديلمي باللفظ المزبور عن أبي أمامة الحديث: 4845 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 4846 - (السلام اسم من أسماء الله) كما قال {هو السلام المؤمن} (وضعه) في رواية جعله (الله في الأرض فأفشوه بينكم (1) فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب) وهم الملائكة الكرام (2) . <تنبيه> ما ذكر من أن السلام اسم من أسمائه تعالى لا يعارض ما قرره جمع من أن السلام دعاء بالسلامة ملحوظ فيه التأمين بقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} قال بعض العارفين: كل اسم من أسمائه سبحانه يبلغك رتبة من المراتب إذا دعوت به فاسم السلام يبلغك سلامته كما أن الرحمن يبلغك رحمته إذا دعوت به (البزار) في مسنده (هب عن ابن مسعود) قال المنذري: رواه البزار والطبراني وأحد إسنادي البزار جيد قوي وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح اه. وقال ابن حجر في الفتح: رواه البزار والطبراني مرفوعا وموقوفا وطرق الموقوف أصح فحكم ابن الجوزي بوضعه غير صواب   (1) بأن تسلموا على كل من لقيتموه من المسلمين ممن يشرع عليه السلام (2) فخواص الملائكة أفضل من عوام البشر وفيه أن البدء السلام وإن كان سنة أفضل من جوابه وإن كان واجبا الحديث: 4846 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 4847 - (السلام اسم من أسماء الله عظيم جعله ذمة بين خلقه) قال القرطبي: ومعنى السلام في حقه تعالى أنه المنزه عن النقائص والآفات التي تجوز على خلقه وعليه فمعنى قول المسلم السلام أي مطلع عليك وناظر إليك فكأنه يذكره باطلاع الله تعالى عليه ويخوفه ليأمن منه ويسلم من شره وإذا دخلت أل على اسم الله كانت تفخيما وتعظيما أي الله العظيم السليم من النقائص والآفات المسلم لمن استجاره من جميع المخلوقات. <تنبيه> كثيرا ما يقع لبعض الناس أن يمر بمسلمين فيهم ذمي فيقول: السلام على من اتبع الهدى وذلك لا يجزئ في السنة كما أفتى به السيوطي فإنه إنما شرع في صدور الكتب إلى الكفار فعليه أن يسلم باللفظ المعروف ويقصد بقلبه المسلم فقط (فإذا سلم المسلم على المسلم فقد حرم عليه أن يذكره إلا بخير (1)) فإنه أمنه وجعله في ذمته وفي ذكره بالسوء غدر والغدر عار وشنار فاحذر أيها المسلم بعد هذا الأمان وعقدك المسالمة بهذا السلام من النكث {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} فإياك أن يصدر منك في حق من [ص: 152] حييته بالسلام أذى أو تضمر له بغضا فتكون ناقضا لعهد الأمان فتبوء بالحرمان والخسران (فر عن ابن عباس) وفيه عطاء بن السائب أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد: من سمع منه قديما فهو صحيح   (1) والظاهر أن ذلك يصير أشد تحريما من غيره فذكر المسلم بالسوء حرام مطلقا الحديث: 4847 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 4848 - (السلام تطوع والرد فريضة) أي الابتداء بالسلام تطوع غير واجب ورد السلام على المسلم المسلم فريضة واجبة بشروط مبينة في الفروع. قال الحافظ العراقي: رد السلام واجب فيأثم تاركه إذا كان ابتداؤه مستحبا ويفسق بتكرر ذلك منه (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه حاجب بن أحمد الطوسي. قال الذهبي: ضعيف معروف وفيه أيضا رجل مجهول الحديث: 4848 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 4849 - (السيد) حقيقة هو (الله) لا غيره أي هو الذي يحق له السيادة المطلقة فحقيقة السؤدد ليست إلا له إذ الخلق كلهم عبيده. قال الزمخشري: والسيد فيعل من ساد يسود قلبت واوه ياء لمجامعتها الياء وسبقها إياها بالسكون اه وقال الراغب: سيد الشيء هو الذي يملك سواده أي شخصه جميعه وقال الدماميني: السيد عند أهل اللغة من أهل للسؤدد وهو التقديم يقال ساد قومه إذا تقدمهم وهذا قاله لما خوطب بما يخاطب به رؤساء القبائل من قولهم أنت سيدنا ومولانا فذكره إذ كان حقه أن يخاطب بالرسول أو النبي فإنها منزلة ليس وراءها منزلة لأحد من البشر فقال السيد الله حول الأمر فيه إلى الحقيقة أي الذي يملك النواصي ويتولى أمرهم ويسوسهم إنما هو الله ولا يناقضه أنا سيد ولد آدم لأنه إخبار عما أعطي من الشرف على النوع الإنساني واستعمال السيد في غير الله شائع ذائع في الكتاب والسنة (1) قال النووي: والمنهي عنه استعماله على جهة التعاظم لا التعريف واستدل بعضهم بهذا الخبر أن السيد اسما من أسماء الله تعالى (حم د) في الأدب (عن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين وشد الخاء المعجمتين ابن عوف العامري وسكت عليه أبو داود ثم المنذري ورواه أيضا عنه النسائي في يوم وليلة وسببه أن رجلا جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال له: أنت سيد قريش فقال: السيد الله (2) قال: أنت أعظمها فيها طولا وأعلاها قولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا عبد الله ورسوله   (1) [ونذكر بعض المواضع التي ورد فيها لفظ السيادة في القرآن والسنة: قال الله تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين. وقال: واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: الحديث 2167: إن ابني هذا سيد. . . رواه البخاري. والحديث 2692: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. . . رواه مسلم. والحديث 2693: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. . . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه. والحديث 4746: سيد الشهداء عند الله يوم القيامة. . . رواه الحاكم والطبراني. والحديث 4758: سيد كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر. . . رواه الخطيب. والحديث 4759: سيدات نساء أهل الجنة أربع:. . . رواه الحاكم. والحديث 6164: قوموا إلى سيدكم. رواه أبو داود أما لفظ السيادة لغير الأشخاص فقد ورد منها في السنة: سيد الاستغفار. . . سيد الأعمال. . . سيد الأيام. . . سيد الشهور. . . سيد السلعة فيظهر من تلك الآيات والأحاديث أن استعمال لفظ " السيد " جائز في غير الله وإنما يحرم ادعاء السيادة الحقيقية التي ليست إلا لله كما مر وقد اختلف بشأن التشهد: أيهما أفضل الإتيان بلفظ السيادة أم عدمه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. غير أن البعض في زماننا تعسفوا وأنكروا على من استعمل لفظ السيادة ولا يصح إنكارهم إلا بضرب القرآن والسنة بعضهما ببعض وعدم ردهم ذلك إلى علماء السلف أمثال الإمام المناوي والنووي وغيرهم وقد نهينا في أحاديث كثيرة عن ذلك التضارب وعن عدم الرجوع إلى أقوال العلماء. فمن تلك الأحاديث: مهلا يا قوم. بهذا هلكت الأمم من قبلكم: باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض. إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا. فما عرفتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه. (رواه الإمام أحمد عن ابن عمرو كما في كنز العمال) وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . أبهذا أمرتم أبهذا عنيتم؟ إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا: ضربوا كتاب الله بعضه ببعض. أمركم الله بأمر فاتبعوه ونهاكم عن شيء فانتهوا. (قط في الأفراد والشيرازي في الألقاب كر كما في كنز العمال) دار الحديث] (2) وإنما منعهم أن يدعوه سيدا مع قوله أنا سيد ولد آدم من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام وكانوا يحسبون السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم فقال: قولوا بقولكم يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله في كتابه ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم فإني لست كأحدهم إذ كانوا يسودونكم في أسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا اه. وقد اختلف هل الأولى الإتيان بلفظ السيادة في نحو الصلاة عليه أو لا؟ والراجح أن لفظ الوارد لا يزاد عليه بخلاف غيره الحديث: 4849 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 4850 - (السيوف مفاتيح الجنة) أي سيوف الغزاة (1) كما سبق تقريره بما فيه (أبو بكر في الغيلانيات) عن يزيد الأبي وفيه الكديمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن يزيد بن شجرة) الرهاوي صحابي مشهور من أمراء معاوية وفيه بقية وحاله مشهور وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجيب مع وجوده في كتاب شهير يكثر النقل منه وهو المستدرك فرواه فيه باللفظ المزبور عن يزيد المذكور   (1) أي الضرب بها ينتج دخول الجنة مع السابقين لأن أبواب الجنة مغلقة لا يفتحها إلا الطاعة والجهاد من أعظمها الحديث: 4850 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 4851 - (السيوف أردية المجاهدين) أي هي لهم بمنزلة الأردية فلا يطلب للمتقلد منهم بسيف إسبال الرداء بل يصيره [ص: 153] مكشوفا ليعرف ويهاب (فر عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه ذؤيب بن عمامة السهمي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال الدارقطني ضعيف والوليد بن مسلم ثقة مدلس (المحاملي في أماليه عن زيد بن ثابت) ورواه عنه أبي أيوب أيضا أبو نعيم ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فعزو المصنف للفرع إهمال الأصل غير جيد الحديث: 4851 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 حرف الشين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 4852 - (شاب سخي حسن الخلق) بضمتين (أحب إلى الله من شيخ بخيل عابد سيئ الخلق) لأن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل والبخل لا أقبح منه كما مر (ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور (فر عن ابن عباس) الحديث: 4852 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 4853 - (شارب الخمر كعابد وثن وشارب الخمر كعابد اللات والعزى) قال ابن عباس فيما رواه ابن ماجه: يشبه أن يكون فيمن استحلها وذهب بعض المجتهدين إلى أن شاربها يقتل في الرابعة وأورد فيه عدة أحاديث (الحارث) بن أبي أسامة (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ مدمن الخمر قال العراقي: وكلاهما ضعيف وقال ابن عدي: حديث أبي هريرة أخطأ فيه محمد بن سليمان الأصبهاني الحديث: 4853 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 4854 - (شاهت الوجوه) أي قبحت يقال شاه يشوه شوها والشوهاء المرأة القبيحة والمرأة الحسنة الرائقة فهو من الأضداد قاله يوم حنين وقد غشاه العدو فنزل عن بغلته وقبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فذكره. فما منهم إلا من ملأ عينه بتلك القبضة فولوا مدبرين (1) (م عن سلمة بن الأكوع ك عن ابن عباس)   (1) فهزمهم الله تعالى وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين وركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع إليه المسلمين وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وربما فعل هذا عمدا وإلا فقد كان له صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفراس معدودة الحديث: 4854 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 4855 - (شاهداك) أي لك ما شهد به شاهداك أيها المدعي أو ليحضر شاهداك أو ليشهد شاهداك فالرفع على الفاعلية بفعل محذوف وعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي الواجب شرعا شاهداك أي شهادة شاهديك أو مبتدأ حذف خبره أي شهادة شاهديك الواجب في الحكم وفي رواية للبخاري شاهدك بالإفراد وفي رواية شهودك وعطف عليه قوله (أو يمينه) أي أو لك أو يكفيك يمين المدعى عليه والمراد بقوله شاهداك أي بينتك سواء كانت رجلين أو رجلا وامرأتين أو رجلا ويمين الطالب وإنما خص الشاهدين لأنه الأكثر الأغلب فمعناه شاهداك أو ما يقوم مقامهما ولو لزم من ذلك رد الشاهد واليمين لكونه لم يذكر لزم الشاهد والمرأتين لكونه لم يذكر هذا ما قرر به الشافعية الحديث مجيبين به عن أخذ الحنفية بظاهره من منع القضاء بشاهد ويمين لكونه لم يجعل بينهما واسطة ولنا عليهم أنه جاء من طرق كثيرة شهيرة صحيحة أنه قضى بشاهد ويمين ولا ينافيه ما ذكر في الآية من إذكار إحداهما الأخرى لأن الحاجة إلى الإذكار إنما هو فيما لو شهدتا فإن لم تشهدا قامت مقامهما اليمين ببيان السنة الثابتة ذكره الإسماعيلي وحاصله أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه (م عن ابن مسعود) قال: كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله عليه وسلم فقال: [ص: 154] شاهداك إلخ وقضية صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به المسلم عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد خرجه البخاري باللفظ المذكور عن ابن مسعود المزبور في باب الرهن قال ابن حجر: رواه البخاري في الشهادات معلقا أوائل الباب ووصله في آخر الباب من حديث الأشعث الحديث: 4855 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 4856 - (شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يوجب الله له النار) لأنه رمى المشهود عليه بداهية دهياء وأصلاه نار الدنيا عالما بأن علام الغيوب مطلع على كذبه فجوزي باستحقاقه دار النار والمراد نار الخلود إن استحل ذلك ونار التطهير إن لم يستحل وبالجملة فشهادة الزور من أعظم الكبائر كما تطابق عليه أولو البصائر. قال الذهبي: شاهد الزور قد ارتكب كبائر إحداها الكذب والافتراء والله يقول {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} ثانيها أنه ظلم من شهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله أو عرضه أو روحه ثالثها ظلم من شهد له بأن ساق إليه الحرام فأخذه بشهادته فلذلك استحق النار وقال القيصري: العدل من الشهداء الذي لا يميل في شهادته إلى أحد الجانبين وشاهد الزور هو من يميل عن الوسط لأخذه من الإزورار وهو الميل والميزان العدل هو الذي لسانه في وسط القلب والخلق كلهم استعدوا لهذه العدالة (حل) من حديث موسى بن زكريا التستري عن محمد بن خليد عن خلف عن مسعر عن محارب عن ابن عمر ثم تفرد به محمد بن خليد عن خلف عن مسعود (ك) في الأحكام (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الخطيب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص وتعقبه في المهذب بأن فيه محمد بن الفرات ضعيف وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال: قال النسائي متروك وساق له ابن الجوزي عدة طرق لا يثبت منها شيء الحديث: 4856 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 4857 - (شاهد الزور مع العشار) أي المكاس (في النار) لجرأته على الله حيث أقدم على ما شدد النهي عنه حيث قرنه بالشرك الذي هو أقبح أنواع الكفر فقال: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} فأعظم بشيء هو عدل الشرك قال ابن العربي: شهادة الزور كبيرة عظمى ومصيبة في الإسلام كبرى لم تحدث حتى مات الخلفاء الثلاثة وضربت الفتنة سرادقها فاستظل بها أهل الباطل وتقولوا على الله ورسوله ما لم يكن وقد عدلت شهادة الزور في الحديث الإشراك بالله وتوعد عليهما رسوله حتى قال الصحب ليته سكت وقد جعلها عدل القتل في حديث لأنه قد يكون بها القتل الذي بغير حق ويكون بها الفساد في الأرض وهو عديل للشرك (فرعن المغيرة) بن شعبة قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: هذا خبر باطل ومحمد بن حذيفة يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات الحديث: 4857 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 4858 - (شباب أهل الجنة) أي الشباب الذين ماتوا في سبيل الله من أهل الجنة (خمس: حسن وحسين وابن عمر) ابن الخطاب (وسعد بن معاذ وأبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي وقدم الحسن والحسين لأنهما سيدا شبابها كما مر مرارا وثلث بابن عمر لعظيم مكانته في العلم والعمل وربع بسعد لأنه سيد الأوس وله في نصرة الإسلام ما هو معروف ففضلهم على هذا الترتيب (فر عن أنس) وفيه أبو شيبة الجوهري قال الذهبي: قال الأزدي: متروك الحديث: 4858 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 4859 - (شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام) أي يتوسعون فيه بغير احتياط وتحرز قال حجة الإسلام: أكل أنواع الطعام ليس بحرام بل هو مباح لكن المداوم [ص: 155] عليه يربي نفسه بالنعيم ويأنس بالدنيا ويأنس باللذات ويسعى في طلبها فيجره ذلك إلى المعاصي فهم من شرار الأمة لأن كثرة التنعم تقودهم إلى اقتحام المعاصي. أوحى الله إلى موسى اذكر أنك ساكن القبر يمنعك ذلك عن كثير من الشهوات فعلم أن النجاة في التباعد من أسباب البطر والأشر ومن ثم فطم الجلة الحازمون نفوسهم عن ملاذها وعودوها الصبر عن شهواتها حلالها وحرامها علموا أن حلالها حساب وهو نوع عذاب فخلصوا أنفسهم من عذابها وتوصلوا إلى الحرية والملك في الدنيا والآخرة بالخلاص عن أسر الشهوات ورقها (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغيبة هب عن فاطمة الزهراء) ثم قال أعني البهيقي: تفرد به علي بن ثابت بن عبد الحميد الأنصاري اه. وعلي بن ثابت ساقه الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الأزدي قال: وعبد الحميد ضعفه القطان وهو ثقة اه. وجزم المنذري بضعفه وقال الزين العراقي: هذا منقطع وروي من حديث فاطمة بنت الحسين مرسلا قال الدارقطني في العلل: وهو أشبه بالصواب ورواه أبو نعيم من حديث عائشة بإسناد لا بأس به. إلى هنا كلامه. وقال في الميزان: هذا من رواية أصرم بن حوشب وليس بثقة عن إسحاق بن واصل وهو هالك متروك الحديث الحديث: 4859 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 4860 - (شرار أمتي) أي من شرارهم (الذين ولدوا في النعيم وغذوا به يأكلون من الطعام ألوانا) قال الغزالي: وشره الطعام من أمهات الأخلاق المذمومة لأن المعدة ينبوع الشهوات ومنها تتشعب شهوة الفرج ثم إذا غلبت شهوة المأكول والمنكوح يتشعب منه شهوة المال ولا يتوصل لقضاء الشهوتين إلا به ويتشعب من شهوة المال شهوة الجاه وطلبهما رأس الآفات كلها من نحو كبر وعجب وحسد وطغيان ومن تلبس بهذه الأخلاق فهو من شرار الأمة (ويلبسون من الثياب ألوانا ويركبون من الدواب ألوانا يتشدقون في الكلام) قال الغزالي: قد اشتد خوف السلف من لذيذ الأطعمة وتمرين النفس عليها واعتقدوا أنها من علامات الشقاء ورأوا منعها غاية السعادة (ك عن عبد الله بن جعفر) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب قال الحافظ العراقي: وفيه أصرم بن حوشب ضعيف الحديث: 4860 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 4861 - (شرار أمتي الثرثارون) أي المكثارون في الكلام والثرثرة صوت الكلام وترديده تكلفا وخروجا عن الحق (المتشدقون) أي المتكلمون بكل أشداقهم ويلوون ألسنتهم جمع متشدق وهو الذي يتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه أو هو المستهزئ بالناس يلوي شدقه عليهم والشدق جانب الغم (المتفيقهون) أي المتوسعون في الكلام الفاتحون أفواههم للتفصح جمع متفيهق وهو من يتوسع في الكلام وأصله الفهق وهو الامتلاء كأنه ملأ به فاه فكل ذلك راجع إلى معنى الترديد والتكلف في الكلام ليميل بقلوب الناس وأسماعهم إليه قال العسكري: أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم النهي عن كثرة الخوض في الباطل وأن تكلف البلاغة والتعمق في التفصح مذموم وأن ضد ذلك مطلوب محبوب (وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقا) زاد في رواية إذا فقهوا أي فهموا (خد عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار الحديث: 4861 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 4862 - (شرار أمتي الصائغون والصباغون) لما هو ديدنهم من المطل والمواعيد الباطلة والأيمان الفاجرة كما جاء معللا بنحو ذلك عن الفاروق عند إبراهيم الحربي في غريبه وزعم أن المراد الصواغون للكلام بعيد كما سلف (فر عن أنس) [ص: 156] قال السخاوي: سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 4862 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 4863 - (شرار أمتي من يلي القضاء) ويكون موصوفا بأنه (إن اشتبه عليه) الحكم في حادثة طلب منه فصلها هجم وحكم برأيه و (لم يشاور) العلماء امتثالا لقوله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (وإن أصاب) الحق وحكم به باجتهاد أو تقليد صحيح (بطر) وتاه وتكبر (وإن غضب) على أحد الخصمين (عنف) ولم يأخذه برفق ويعامله بالحكم (وكاتب السوء كالعامل به) في حصول الإثم له فمن كتب وثيقة بباطل كان كمن شهد به (فر عن أبي هريرة) وفيه عبد الله بن أبان قال الذهبي: قال ابن عدي: مجهول منكر الحديث الحديث: 4863 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 4864 - (شرار أمتي) لفظ رواية البزار شرار الناس (شرار العلماء في الناس) لأنهم عصوا ربهم عن علم والمعصية مع العلم أقبح منها مع الجهل قال عيسى عليه السلام: مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم النهر لا تشرب ولا تترك الماء يخلص إلى الزرع ومثل قناة الحش ظاهرها جص وباطنها نتن ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى (البزار) في مسنده وكذا أبو نعيم والديلمي (عن معاذ) بن جبل قال: تعرضت أو تصديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت قلت: أي الناس شر قال: اللهم اغفر اسأل عن الخير ولا تسأل عن الشر ثم ذكره قال الهيثمي والمنذري: وفيه الخليل بن مرة قال البخاري: منكر الحديث وأورده في الميزان من جملة ما أنكر على حفص الآيلي الحديث: 4864 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 4865 - (شرار قريش خيار شرار الناس) هذه فضيلة عظيمة ومنقبة جسيمة لقريش ولما علم أنها مع كثرتها لا تخلو عن الأشرار إذ لا بد في العالم من الخير والشر جعل شرارها أقل شرا من شرار غيرها ولم يقل أقل شرا بل جاء به بلفظ الخير وأضاف الخير إليهم في حال وصفهم بقلة الشر وأضاف الشر إلى الناس وهذا من ألطف وجوه الخطاب (الشافعي) في المسند (والبيهقي في) كتاب (المعرفة عن ابن أبي ذئب) بكسر المعجمة وبالهمز وبالموحدة وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث قال الشافعي: ما فاتني أحد فأسفت عليه كالليث وابن أبي ذئب وقال أحمد: هو أفضل من مالك ولكن مالك أمثل بتبعية الرجال ولما حج المهدي ودخل المسجد النبوي قام كل أحد إلا هو فقال له ابن المسيب أمير المؤمنين قال: إنما أقوم لرب العالمين وما ذكر من أنه ابن أبي ذئب هو ما وقفت عليه في خط المؤلف فما في نسخ أنه ابن أبي ذؤيب من تحريف النساخ وابن أبي ذؤيب اسمه إسماعيل عبد الرحمن الأسدي (معضلا) هو ما سقط من سنده اثنان الحديث: 4865 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 4866 - (شراركم عزابكم) أي هم من شراركم لأن الأعزب وإن كان صالحا فهو معرض نفسه للشر غير آمن من الفتنة ذكره البيهقي (ع طس عد عن أبي هريرة) قال: لو لم يبق من أجلي إلا يوم واحد لقيت الله بزوجة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك وقال ابن حجر في المطالب العالية: حديث منكر وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي قال في الميزان عن ابن عدي: يضع الحديث على الثقات وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ومن أباطيله هذا الخبر اه الحديث: 4866 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 [ص: 157] 4868 - (شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم) وقد نظم هذا ابن العماد فقال: شراركم عزابكم جاء الخبر. . . أراذل الأموات عزاب البشر وقد سئل الحافظ ابن حجر عن هذا الخبر هل له أصل أم لا؟ فأجاب بقوله: أهلا بها بيضاء ذات اكتحال. . . بالنقش يزهو ثوبها بالصقال منت بوصل بعد وعد شفت. . . من ألم الفرقة بعد اعتلال تسأل هل جاء لنا مسندا. . . عمن له المجد سما والكمال ذم ولي العزبة قلنا نعم. . . من مال عن ألف وفي الكف مال أراذل الأموات عزابكم. . . شراركم عزابكم يا رجال أخرجه أحمد والموصلي. . . والطبراني للثقات الرجال من طرق فيها اضطراب ولا. . . تخلو من الضعف على كل حال (حم عن أبي ذر عن عطية بن يسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني أبو عبد الله صحابي صغير قال الهيثمي: فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف قال: وهذا من الأحاديث التي لا تخلو عن ضعف واضطراب لكن لا يبلغ الحكم عليه بالوضع انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه خالد يضع وله طريق ثان فيه يوسف بن السفر متروك انتهى. وأفاد المصنف أنه ورد بهذا اللفظ من حديث أبي عند أحمد ورجاله ثقات انتهى فكان ينبغي عزوه إليه وكأنه ذهل عنه هنا الحديث: 4868 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 4867 - (شراركم عزابكم ركعتان من متأهل خير من سبعين ركعة من غير متأهل) لأن المتأهل متوفر الخشوع الذي هو روح العبادة والأعزب بخلافه كما سلف تقريره (عد) من حديث يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) ثم قال مخرجه ابن عدي: موضوع آفته يوسف انتهى. ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات ورمز هنا لحسنه وليس ذا منه بحسن كيف ويوسف بن السفر الدمشقي قال في الميزان: قال الدارقطني: متروك يكذب وقال ابن عدي: روى بواطيل ثم ساق منها هذا الخبر وقال البيهقي: هو في عداد من يضع وقال أبو زرعة وغيره: متروك الحديث: 4867 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 4869 - (شر البلدان) وفي رواية للطبراني البلاد (أسواقها) أورده مقررا لما تعرف به خيرية المساجد " وبضدها تتبين الأشياء ". قال الطيبي: لعل تسمية الأسواق بالبلاد خصوصا تلميح إلى قوله سبحانه وتعالى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} وسكان الأسواق وأكثرهم فساق مشغولون بالحرص واللهو عن الخلاق اللهم إلا أن يعمد رجل إلى طلب الحلال ليصون به دينه وعرضه {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} (ك عن جبير بن مطعم) ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى وكذا ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر بلفظ إن حبرا من اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير فسكت فجاء جبريل فسأله فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن أسأل ربي تبارك وتعالى ثم قال جبريل: يا محمد إني دنوت من الله دنوا ما دنوت مثله قط قال: وكيف قال: كان بيني وبينه سبعون ألف حجاب من نور فقال: شر البقاع أسواقها وخير البقاع مساجدها الحديث: 4869 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 4870 - (شر البيت الحمام تعلو فيه الأصوات) باللغو والفحش (وتكشف فيه العورات فمن دخله فلا يدخل إلا مستترا) [ص: 158] وجوبا إن كان ثم من يحرم نظره لعورته وندبا إن لم يكن ودخول الحمام مباح للرجال بالشرط المذكور مكروه للنساء إلا بعذر كحيض أو نفاس (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه يحيى بن عثمان التيمي ضعفه البخاري والنسائي ووثقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 4870 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 4871 - (شر الحمير الأسود القصير) جمع حمار وهو يشمل الأنثى قال في النهاية: لفظ الحمار يقع على الذكر والأنثى أي هي كلهن عند العرب شر وهذا أشرهن لذمامته قالوا: الحمار إذا وقفته أدلى وإن تركته ولى كثير الروث قليل الغوث لا ترقأ به الدماء ولا تمهر به النساء (عق) عن أحمد بن داود عن هشام بن عبد الملك عن بقية عن مبشر بن عبيد عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب ومبشر بن عبيد الحمصي قال في الميزان: قال أحمد: يضع الحديث وقال: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر والراوي عن مبشر بقية وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: مبشر يضع وتعقبه المؤلف بأن ابن ماجه روى لبشر الحديث: 4871 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 4872 - (شر) في رواية بئس (الطعام) أي من شر الطعام فإن من الطعام ما هو شر منه ونظيره شر الناس من أكل وحده (طعام الوليمة) أي وليمة العرس لأنها المعهودة فأسماه شرا على الغالب من أحوال الناس فيها فإنهم يدعون الأغنياء ويدعون الفقراء كما أشار إليه بقوله (يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها) قال البيضاوي: يحتمل أن قوله يمنع إلخ صفة للوليمة على تقدير زيادة اللام أو كونه للجنس حتى يعامل المعرف معاملة المنكر فالحاصل أن المراد تقييد اللفظ بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر باتخاذ الوليمة وإجابة الدعاء إليها ولذلك رتب عليه العصيان كما قال (ومن لا يحب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) فهذا كما ترى نص صريح في وجوب الإجابة إليها ومن تأوله بترك الندب فقد أبعد وظاهر الخبر أن الإجابة إلى الوليمة المختصة بالأغنياء واجبة واقتضاه كلام شرح مسلم وصرح به الطيبي فقال: حاصله أن الإجابة واجبة فيجيب الدعوة ويأكل شر الطعام لكن الذي أطلقه الشافعية عدم الوجوب إذا خص الأغنياء وقد ينزل الوجوب على ما إذا خصهم لا لغناهم بل لجوار أو اجتماع حرفة والحاصل أن الكلام في مقامين بيان ما جبل عليه الناس في طعامها وهو الرياء وما جبلوا عليه في إجابتها وهو التواصل والتحابب ولا تجب إجابة لغير وليمة عرس مطلقا ومنه وليمة السرى وقيل تجب واختاره السبكي والإطلاق يؤيده (م) في النكاح (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري مرفوعا بل رواه موقوفا بلفظ شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله الحديث: 4872 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 4873 - (شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان) صفة للوليمة (ويحبس عنه الجائع) قال القاضي: إنما سماه شرا لما عقبه به فإن الغالب فيها ذلك فكأنه قال شر الطعام طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلق فالمراد به التقييد بما عقبه به وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر باتخاذ الوليمة وأوجب إجابة الداعي وترتب العصيان على تركها؟ إلى هنا كلام القاضي ونزيد على ما تقرر أن الطيبي قد ارتضى في تقريره مسلكا آخر وهو أن أل في الوليمة للعهد الخارجي وكانت عادتهم تخصيص الأغنياء ويدعى إلخ استئناف بيان لكونها شر الطعام وعليه فلا حاجة إلى تقدير من (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه سعيد بن سويد المعول لم أجد من ترجمه وعمران القطان وثقه [ص: 159] أحمد وضعفه النسائي وغيره الحديث: 4873 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 4874 - (شر الكسب مهر البغي) أي ما تأخذه على الزنا سماه مهرا توسعا (وثمن الكلب) غير المعلم عند الحنفية وكذا المعلم عند الشافعية واختلف فيه قول مالك (1) (وكسب الحجام) حرا أو عبدا فالأولان حرامان والثالث مكروه قال القرطبي: لفظ شر من باب تعميم المشترك في مسمياته أو من استعمالها في القدر المشترك بين الحرام والمكروه (حم م ن عن رافع بن خديج)   (1) [وفي اختلاف العلماء رحمة للأمة لما يحتاج إليه الناس من كلاب معلمة للحراسة وتتبع المجرم ومثل ذلك من الضروريات أما التي تقتنى للهو ولغير الأمور الضرورية فهي المقصودة بالتحريم عند الجميع. دار الحديث.] الحديث: 4874 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 4875 - (شر المال في آخر الزمان المماليك) أي الإتجار في المماليك كما يشير إليه خبر الديلمي عن أبي ذر شر الناس الذين يشترون الناس ويبيعونهم قال: يعني المماليك (حل) من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن محمد بن أيوب عن ميمون (عن ابن عمر) بن الخطاب أورده ابن الجوزي أي في الموضوعات وقال: يزيد متروك وتبعه على ذلك المؤلف في مختصره الكبير فأقره ولم يتعقبه بشيء الحديث: 4875 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 4876 - (شر المجالس الأسواق والطرق) جمع طريق (وخير المجالس المساجد فإن لم تجلس في المسجد فالزم بيتك) لأن زوار المساجد {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} وقصاد الأسواق شياطين الإنس والجن من الغفلة الذين غلب عليهم الحرص والشره وذلك لا يزيد إلا قربا من الله وذا لا يورث إلا دنوا من الشياطين وحزبه. قال الطيبي: قدم الداء على الدواء والمرض على الشفاء بما عسى أن يبدو من المكلف شيء في بيت الشيطان فيتداركه في بيت الرحمن قال: فإن قلت: كيف قرن المساجد بالأسواق وكم من بقاع شر من الأسواق؟ قلت: ذهب في التقابل إلى معنى الالتهاء والاشتغال وأن الأمر الديني يدفعه الأمر الدنيا والأسواق معدن الالتهاء عن ذكر الله وما والاه (هب عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4876 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 4877 - (شر الناس الذي يسأل) بالبناء المجهول أي يسأله السائل ويقسم عليه (بالله ثم لا يعطي) بالبناء للفاعل أي لا يعطي المسؤول السائل ما سأله فيه بالله تعالى ويظهر أن الكلام في سؤال المضطر لمن ليس بمضطر (تخ عن ابن عباس) الحديث: 4877 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 4878 - (شر الناس المضيق) في النفقة مع اليسار أو المضيق في سوء خلقه (على أهله) أي حلائله وأولاده وعياله وتمامه عند الطبراني قالوا: يا رسول الله وكيف يكون مضيقا على أهله قال: الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفر فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته اه وحذف المصنف له غير صواب فإنه كالشرح للأول (طس) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن يزيد بن الصلت وهو متروك الحديث: 4878 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 4879 - (شر الناس منزلة يوم القيامة من يخاف لسانه أو يخاف شره) فيه تبكيت للشرير وقمع لسورة الجامح الأبي وأنه وإن ظفر بما ظفر به من الأغراض الدنيوية فهو خاسر دامر فما ربحت تجارته بل عظمت خسارته (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة عن أنس) الحديث: 4879 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 [ص: 160] 4880 - (شر قتيل بين الصفين أحدهما يطلب الملك) لأن القتيل بينهما إنما قتل بسبب دنيا غيره فكأنه باع دينه وروحه بدنيا غيره (طس) وكذا الديلمي (عن جابر) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عند الأول أبو نعيم ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 4880 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 4881 - (شر ما في رجل) أي مساوئ أخلاقه (شح هالع) أي جازع يعني شح يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه وقيل هو أن لا يشبع كلما وجد شيئا بلعه ولا قرار له ولا يتبين في جوفه ويحرص على تهيئة شيء آخر قال التوربشتي: والشح بخل مع حرص فهو أبلغ في المنع من البخل فالبخل يستعمل في الضنة بالمال والشح في كل ما يمنع النفس عن الاسترسال فيه من بذل مال أو معروف أو طاعة قال: والهلع أفحش الجزع ومعناه أنه يجزع في شحة أشد الجزع على استخراج الحق منه قالوا: ولا يجتمع الشح مع معرفة الله أبدا فإن المانع من الإنفاق والجود خوف الفقر وهو جهل بالله وعدم وثوق بوعده وضمانه ومن تحقق أنه الرزاق لم يثق بغيره ومن ثمة قال بعض الصوفية: الأغنياء يثقون بالأرزاق والفقراء يثقون بالخلاق (وجبن خالع) أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه والمراد به ما يعرض من أنواع الأفكار وضعف القلب عند الخوف من الخلع وهو نزع الشيء عن الشيء بقوة يعني حين يمنعه من محاربة الكفار والدخول في عمل الأبرار فكأن الجبن يخلع القوة والنجدة من القلب أو يخلع المتصف به عن كونه من الفحول أو يخلع الشجاعة ويذهب بها لأنه إذا كان وثابا هجاما في الغمرات كان أعظم الناس منزلة عند الله قال الطيبي: والفرق بين وصف الشح بالهلع والجبن بالخلع أن الهلع في الحقيقة لصاحب الشح فأسند إليه مجازا فهما حقيقتان لكن الإسناد مجازي ولا كذلك الخلع إذ ليس مختصا بصاحب الجبن حتى يسند إليه مجازا بل هو وصف للجبن لكن على المجاز حيث أطلق وأريد به الشدة وإنما قال شر ما في الرجل ولم يقل في الإنسان لأن الشح والجبن مما تحمد عليه المرأة ويذم به الرجل أو لأن الخصلتين يقعان موقع الذم من الرجال فوق ما يقعان من النساء (تخ) في الجهاد (عن أبي هريرة) قال ابن حاتم: إسناده متصل وقال الزين العراقي: إسناده جيد الحديث: 4881 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 4882 - (شرب اللبن) في المنام (محض الإيمان) أي يدل على أن قلب الرائي أو المرئي له ذلك متمحض للإيمان (من شربه في منامه فهو على الإسلام والفطرة ومن يتناول اللبن) في منامه (بيده فهو يعمل بشرائع الإسلام) أي فذلك يدل على أنه عامل أو سيعمل بشرائع الدين. (1) (فر عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد والمسمى به ثلاثة كل منهم قدري رمي بالكذب ورواه عنه ابن نصر أيضا   (1) [" شرب اللبن ": في المنام. وهو اللبن الطازج أما اللبن الرائب فرؤيته في المنام غير محمودة لحموضته. دار الحديث.] الحديث: 4882 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 4883 - (شرف المؤمن صلاته) وفي رواية قيامه (بالليل) يعني تهجده فيه والشرف لغة العلو وشرف كل شيء أعلاه لما وقف في ليله وقت صفاء ذكره متذللا متخشعا بين يدي مولاه لائذا بعز جنابه وحماه شرفه بخدمته ورفع قدره عند ملائكته وخواص عباده بعز طاعته على من سواه (وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس) يعني عدم طمعه فيما في أيديهم فإنه لما أنزل فقره وفاقته برب الناس أعزه بعزه وأغناه بغناه (عق) عن يحيى بن عثمان بن صالح عن داود بن عثمان الثغري عن الأوزاعي عن ابن معاذ عن أبي هريرة ثم قال مخرجه العقيلي: داود حدث عن الأوزاعي وغيره بالبواطيل منها هذا [ص: 161] الحديث وليس له أصل اه. ومن ثم قال ابن الجوزي: موضوع والمتهم به داود (خط) من حديث محمد بن حميد عن زافر بن سليمان وغيره وكذا الديلمي كلهم (عن أبي هريرة) وداود بن عثمان الثغري قال في اللسان عن العقيلي: يحدث بالبواطيل ثم أورد له هذا الخبر وقال: يروى عن الحسن وغيره من قولهم وليس له أصل مسند انتهى. وأورده ابن الجوزي في الموضوع الحديث: 4883 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 4884 - (شعار المؤمنين على الصراط) أي علامتهم التي يعرفون بها عنده (يوم القيامة رب سلم سلم) قال القاضي: أي يقول كل منهم يا رب سلمنا من ضرر الصراط أي اجعلنا سالمين من آفاته آمنين من مخافاته قال الغزالي: ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل والشعار في الأصل العلامة التي تنصب ليعرف الرجل بها ثم استعير في القول الذي يعرف الرجل به أهل دينه فلا يصيبه بمكروه (ت) في الحساب والقصاص (ك) في التفسير (عن المغيرة) بن شعبة قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي: وإسحاق ضعفوه اه. وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 4884 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 4885 - (شعار أمتي) أي أمة الإجابة (إذا حملوا على الصراط) بناء حملوا للمفعول ويصح للفاعل بتكلف وكيفما كان المراد مشوا عليه (يا لا إله إلا أنت) أي يا ألله لا إله إلا أنت (1) (طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه من وثق على ضعفه وعبدوس بن محمد لا يعرف   (1) أي يا من انفرد بالوحدانية فالمذكور في الحديث الأول شعار أهل الإيمان من جميع الأمم والمذكور في هذا شعار فئة خاصة فهم يقولون هذا وذاك الحديث: 4885 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 4886 - (شعار المؤمنين يوم يبعثون من قبورهم) للعرض والحساب أن يقولوا (لا إله إلا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فيه تنويه عظيم بشرف التوكل كيف وهو رأس الأمر كله؟ وقد رئي بعض أكابر الصوفية بعد موته فسئل: كيف كان الحال قال: وجدت التوكل شيئا عظيما (ابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) الحديث: 4886 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 4887 - (شعار المؤمنين) يوم القيامة (في ظلم القيامة لا إله إلا أنت) أي فإن قولهم ذلك يكون نورا ويستضيئون به في تلك الظلم (الشيرازي) في الألقاب (عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 4887 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 4888 - (شعبان بين رجب وشهر رمضان تغفل الناس عنه) أي عن صومه (ترفع فيه أعمال العباد) لتعرض على الله تعالى (فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم) أي فأحب أن أصوم شعبان ولهذا ورد أنه ما كان يكثر الصوم بعد رمضان أكثر منه فيه (هب عن أسامة) بن زيد ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد رواه النسائي في الصوم باللفظ المزبور عن أسامة المذكور الحديث: 4888 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 [ص: 162] 4889 - (شعبان شهري ورمضان شهر الله) ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي وشعبان المطهر ورمضان المكفر والمراد بكون شعبان شهره أنه كان يصومه من غير إيجاب عليه وبكون رمضان شهر الله أنه أوجب صومه فصار صومه حقا لله تعالى على عباده (فر عن عائشة) وفيه الحسن بن يحيى الخشني قال الذهبي: تركه الدارقطني الحديث: 4889 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 4890 - (شعبتان لا تتركهما أمتي) مع كونهما من أعمال الجاهلية (النياحة) أي رفع الصوت بالندب على الميت (1) (والطعن في الأنساب) أي الوقيعة في أعراضهم والقدح في نسبهم (خد عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه   (1) الندب تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت وقيل هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه الحديث: 4890 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 4891 - (شفاء عرق النسا) كالعصا عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ والأفصح النسا لا عرق النساء ذكره في النهاية وتعقبه ابن القيم بأن العرق أعم فهو من إضافة العام إلى الخاص سمي به لأن ألمه ينسى سواه (ألية شاة أعرابية) في رواية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير (تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق كل يوم جزء) قال أنس: وصفته لثلاث مئة نفس كلهم يعافى وهذا خطاب لأهل الحجاز ونحوهم فإن هذا العلاج ينفعهم إذ المرض يحدث من يبس وقد يحصل من مادة غليظة لزجة وفي الألية إنضاج وتليين والمرض يحتاجها وخص الشاة الأعرابية لقلة فضولها ولطف جوهرها وطيب مرعاها. (1) (حم هـ ك) في التفسير (عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي   (1) [أو لمواد خاصة في أدهانها لا توجد في أدهان غيرها. دار الحديث ملاحظة: مرض " عرق النسا " الوارد هنا غير مرادف تماما لتشخيص معين في الطب الحديث ويصعب تعيينه بيقين لمن أراد الاستفادة من هذا الحديث. وأقرب ما يوجد له هو أحد أوجاع المفاصل الذي ينتج عنه انضغاط عصب يسمى " عرق الأنسر ". وفي بعض حالات هذا المرض قد توجد في نوع معين من الأدهان مواد تساعد الجسم على ترميم الضرر وقد تكون إحدى تلك الحالات هي المرض الذي عناه أبو هريرة والمناوي. دار الحديث] الحديث: 4891 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 4892 - (شفاعتي) الإضافة بمعنى أل العهدية أي الشفاعة التي أعطانيها الله ووعدني بها ادخرتها (لأهل الكبائر) الذين استوجبوا النار بذنوبهم الكبائر (من أمتي) ومن شاء الله (1) فيشفع لقوم في أن لا يدخلوا النار ولآخرين دخلوها أن يخرجوا منها ولا ينافيه قوله في الحديث المار إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنا لأن المراد المستحل أو الزجر والتنفير كما مر. قال الحكيم الترمذي: أما المتقون الورعون وأهل الاستقامة فقد كفاهم ما قدموا عليه فإنما نالوا تقواهم وورعهم برحمة شاملة فتلك الرحمة لا تخذلهم في مكان قال: والشفاعة درجات فكل صنف من الأنبياء والأولياء وأهل الدين كالعابدين والورعين والزهاد والعلماء يأخذ حظه منها على حياله لكن شفاعة محمد لا تشبه شفاعة غيره من الأنبياء والأولياء لأن شفاعتهم من الصدق والوفاء والحظوظ وشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من الجود وفيه رد على الخوارج المنكرين للشفاعة ولا حجة لهم في قوله تعالى {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} كما هو مبين في الأصول (حم د) في السنة (ت) في الزهد (حب ك عن أنس) بن مالك (ت د حب ك عن جابر) بن عبد الله قال الترمذي في العلل: قال جابر: ومن لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة (طب) وفي الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عنده موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو وضاع (خط عن ابن عمرو) بن العاص (وعن كعب بن عجرة) قال الترمذي في العلل: سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه وفي الميزان رواه عن صديق من يجهل حاله أحمد بن عبد الله الزيني فما أدري من وضعه وأعاده في محل آخر وقال: هذا خبر منكر   (1) [أي ليس قوله " من أمتي " للحصر بل لذكر أحد الأصناف الذين تنالهم الشفاعة وذكر في غير أحاديث أصنافا أخر كقوله في الحديث 2641: إني سألت ربي أولاد المشركين فأعطانيهم خدما لأهل الجنة لأنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك ولأنهم في الميثاق الأول. وقوله في الحديث 4598: سألت ربي أن لا يعذب اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم. وقوله في الحديث 4606: سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك أباؤهم من الشرك ولأنهم في الميثاق الأول. دار الحديث] [ذكر المناوي تضعيف رواية الطبراني ورواية الخطيب وسكت عن الباقي. ولمنع الالتباس يذكر ما ورد في تصحيح الحديث: قال الهيثمي في مجمع الزوائد: قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قال: إني ادخرت دعوتي شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. فامسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ثم نطقنا بعد ورجونا. رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير حرب بن سريج وهو ثقة وقال العجلوني في كشف الخفاء: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي : رواه الترمذي والبيهقي عن أنس مرفوعا وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حسن صحيح غريب وقال البيهقي إسناده صحيح. وأخرجه هو وأحمد وأبو داود وابن خزيمة عن أنس من وجه آخر وهو وابن خزيمة من طريق آخر عن أنس أيضا بلفظ " الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي " وهو وحده عن مالك بن دينار عن أنس بزيادة: " وتلا هذه الآية {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} " وعن يزيد الرقاشي عن أنس بلفظ " قلنا: يا رسول الله لمن تشفع؟ قال: لأهل الكبائر من أمتي وأهل العظائم وأهل الدماء " وعن زياد النميري عن أنس بلفظ " أن شفاعتي " أو " إن الشفاعة لأهل الكبائر ". وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن جابر مرفوعا بلفظ الترجمة زاد محمد بن ثابت في رواية الطيالسي " فقال جابر: فمن لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة؟ " وزاد الوليد بن مسلم في روايته عن زهير " فقلت: ما هذا يا جابر؟ قال: نعم يا محمد إنه من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب وأما الذي قد استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة وإنما الشفاعة شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوبق نفسه أو علق ظهره ". وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق الشعبي عن كعب بن عجرة قال: " قلت يا رسول الله الشفاعة الشفاعة فقال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". ورواه عبد الرزاق عن طاوس رفعه كالترجمة بزيادة " يوم القيامة " وقال: هذا مرسل حسن يشهد لكون هذه اللفظة شائعة بين التابعين. ثم روى عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رجلا يقول: اللهم اجعلني ممن تصيبه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. قال (أي حذيفة) : إن الله يغني المؤمنين عن شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الشفاعة للمذنبين المؤمنين أو المسلمين. ورواه الخطيب عن أبي الدرداء بلفظ: " شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي وإن زنى وإن سرق على رغم أبي الدرداء ". دار الحديث] الحديث: 4892 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 [ص: 163] 4893 - (شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي) قال أبو الدرداء: وإن زنا وإن سرق قال: (وإن زنا وإن سرق) الواحد منهم (على رغم أنف أبي الدرداء) ظاهره أن شفاعته تكون في الصغائر أيضا وتخصيصها بالكبائر فيما قبله يؤذن باختصاصها بها وبه جاء التصريح في بعض الروايات ففي الترمذي عن جابر من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة ثم هذا الحديث مما استدل به أهل السنة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر ونازعهم المعتزلة بأنه خبر واحد ورد على مضادة القرآن فيجب رده وبأنه يدل على أن شفاعته ليست إلا لهم وهذا لا يجوز لأن شفاعته منصب عظيم وتخصيصه بأهل الكبائر يقتضي حرمان أهل الصغائر وهو ممنوع إذ لا أقل من التسوية ولأن هذه المسألة ليست من المسائل العملية فلا يجوز الاكتفاء فيها بالظن الذي أفاده خبر الواحد وبعد التنزل فيجوز أن يكون المراد به الاستفهام الإنكاري كقوله {هذا ربي} أي أهذا ربي وبأن لفظ الكبيرة غير مختص بالمعصية بل يتناول الطاعة فيحتمل أن المراد أهل الطاعة الكبيرة لا المعاصي الكبيرة قال الإمام الرازي: والإنصاف أنه لا يمكن التمسك في هذه المسألة بهذا الخبر وحده لكن مجموع الأخبار الواردة في الشفاعة يدل على سقوط هذه التأويلات (خط عن أبي الدرداء) وفيه محمد بن إبراهيم الطرسوسي قال الحاكم: كثير الوهم ومحمد بن سنان الشيرازي قال الذهبي في الذيل: صاحب مناكير الحديث: 4893 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 4894 - (شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي) بدل مما قبله وهذا لا ينافي قوله لفاطمة التي هي منه بتلك المزية الكبرى وقال فيها فاطمة بضعة مني لا أغني عنك شيئا لأن المراد إلا بإذن الله والشفاعة إنما هي لمن شاء الله الشفاعة له {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (خط عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 4894 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 4895 - (شفاعتي مباحة إلا لمن) لفظ رواية الديلمي إلا على من (سب أصحابي) فإنها محظورة عليه ممنوعة عنه لجرأته على من بذل نفسه في نصرة الدين وطال ما كشف الكرب عن خاتم النبيين فلما تجرأ على ذلك الأمر الشنيع جوزي بحرمان هذا الفضل العظيم (حل عن عبد الرحمن بن عوف) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4895 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 4896 - (شفاعتي يوم القيامة) لدفع العذاب ورفع الدرجات (حق) مأذون له فيها من ربه لقوله تعالى {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا} ولقوله {من ذا الذي يشفع عنده} وإنكار المعتزلة الشفاعة تمسكا بقوله تعالى {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة} رد بمنع دلالته على العموم في الأشخاص والأحوال وإن سلم يجب تخصيصه بالكفار جمعا بين الأدلة (فمن لم يؤمن بها) في الدنيا (لم يكن من أهلها) أي لم تنله في ذلك الموقف الأعظم عقوبة له على إنكاره ما هو الحق الثابت عند أهل السنة والجماعة (ابن منيع) في المعجم (عن زيد بن أرقم وبضعة عشر من الصحابة) ومن ثم أطلق عليه التواتر الحديث: 4896 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 4897 - (شمت العاطس) أي قل له يرحمك الله عقب عطاسه ولفظ رواية مخرجه الترمذي ليشمت بلفظ المضارع فيما وقفت عليه من النسخ وكيفما كان فالأمر للندب لا للوجوب قال النووي: تشميت العاطس سنة كفاية عند أصحابنا وقال [ص: 164] القرطبي: سمى الدعاء تشميتا لأنه إذا استجيب للمدعو له فقد زال عنه الذي يشمت به عدوه لأجله (ثلاثا) من المرات (فإن زاد) عليها (فإن شئت فشمته وإن شئت فلا) تشمته تبين أن الذي به زكام ومرض لا حقيقة العطاس قال النووي: وبين الدعاء له بغير دعاء العطاس المشروع بل دعاء المسلم للمسلم بنحو عافية وسلامة (ت) في الاستدراك (عن رجل) من الصحابة ثم قال أعني الترمذي: غريب وإسناده مجهول أي فيه من يجهل وإلا فقد قال الحافظ ابن حجر: معظم رجاله موثقون اه. ورواه أبو داود أيضا وفيه عنده إرسال وضعف بينه ابن القيم وغيره الحديث: 4897 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 4898 - (شمت أخاك) في الإسلام (ثلاثا) من المرات (فما زاد) على الثلاث (فإنما هي نزلة أو زكام) فيدعى له كما يدعى لمن به مرض أو داء أو وجع قال النووي: وليس هو حينئذ من باب التشميت وحكى أعني النووي عن ابن العربي أنه اختلف هل يقال لمن تتابع عطاسه أنت مزكوم في الثانية أو في الثالثة أو في الرابعة والصحيح في الثالثة (ابن السني وأبو نعيم) معا (في كتاب الطب) النبوي (عن أبي هريرة) رمز لحسنه وفيه محمد بن عبد الرحمن بن المحبر العمري قال في الميزان: قال يحيى: ليس بشيء والفلاس: ضعيف وأبو زرعة: واه والنسائي وجمع: متروك ثم ساق له أخبارا هذا منها وقضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون عندهم وهو عجيب فقد خرجه أبو داود موقوفا على أبي هريرة ومرفوعا لكنه لم يذكر النزلة بل قال فما زاد فهو زكام. قال العراقي: وإسناده جيد ورواه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة مرفوعا الحديث: 4898 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 4899 - (شهادة المسلمين بعضهم على بعض جائزة) مقبولة (ولا تجوز شهادة العلماء بعضهم على بعض لأنهم حسد) بضم الحاء والتشديد بضبط المصنف أي هم أشد حسدا لبعضهم بعضا ولهذا قال ابن عباس: إنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة ومن هذا القبيل ما قيل: عدو المرء من يعمل بعمله. (1) (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور عن يوسف بن يعقوب البغوي عن المسيب بن مسلم عن أحمد بن جعفر البغوي عن أبي إسحاق الطالقاني عن عبد الملك بن حازم عن أبي هارون العبدي عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه (عن) جده (جبير بن مطعم) مرفوعا قضية كلام المؤلف أن مخرجه الحاكم خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال عقبه: ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإسناده فاسد من أوجه كثيرة يطول شرحها اه قال ابن الجوزي: منها أن في إسناده مجاهيل وضعفاء منهم أبو هارون فهو موضوع اه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فحكاه وأقره ولم يتعقبه بشيء   (2) (ومن الواضح أن ذلك ليس على إطلاقه وإنما للتنبيه على التحقق من كلام العلماء على بعض والتوثق منه. والحديث شديد الضعف أو موضوع كما ذكره المناوي. دار الحديث] الحديث: 4899 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 4900 - (شهدت غلاما) أي حضرت حيال كوني صغيرا والشهود الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة والغلام الولد الصغير ويطلق على الرجل مجازا باعتبار ما كان عليه كما يقال للصغير شيخ مجازا باسم ما يؤول إليه وقوله (مع عمومتي) متعلق بشهدت وهو جمع عم كما يجمع على أعمام كبعل وبعولة والعمومة أيضا مصدر العم كالأبوة والخؤولة وقوله (حلف المطيبين) بالمثناة التحتية المشددة جمع مطيب بمعنى متطيب أي حضرت تعاهدهم وتعاقدهم على أن يكون أمرهم واحد في النصرة والحماية والحلف بفتح فكسر: العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والمعاقدة والملازمة والتطيب استعمال الطيب وقوله (فما يسرني أن لي حمر النعم وأني أنكثه) أي ما يسرني أن يكون لي الإبل الحمر التي هي أعز أموال [ص: 165] العرب وأكرمها وأعظمها والحال أني أنقضه والفاء في فما عاطفة أو سببية والسرور ما يكتم من الفرح وحمر بضم فسكون جمع أحمر والنعم بفتح النون والعين المال الراعي وهو جمع لا واحد له من لفظه وأكثر ما يقع على الإبل بل قال أبو عبيدة: النعم الإبل فقط والنكث النقض يقال نكث الرجل العهد نكثا نقضه ونبذه فانتكث مثل نقضه فانتقض وهذا الحديث روي بألفاظ فرواه الحاكم باللفظ المذكور ورواه الإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي بلفظ شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي إلخ وأصل ذلك أنه اجتمع بنو هاشم وزهرة وتميم في الجاهلية بمكة في دار ابن جذعان وتحالفوا على أن لا يتخاذلوا ثم ملؤا جفنيه طليبا ووضعوها في المسجد عند الكعبة وغمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ومسحوا الكعبة بأيديهم المطيبة توكيدا فسموا المطيبين وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفا آخر وتعاهدوا على أن لا يتخاذلوا فسموا الأحلاف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المطيبين وكان عمر رضي الله عنه من الأحلاف فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه باق على ما حضره من تحالف قومه المطيبين من التناصر على الحق والأخذ للمظلوم من الظالم وأنه لا يتعرض له بنقض بل أحكامه باقية في الإسلام وفيه أن ما كان من حلف الجاهلية لا يبطله الإسلام وبه صرح في حديث أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة رواه الحاكم عن حذيفة وقال: على شرط الشيخين (حم ك عن عبد الرحمن بن عون) وفيه عبد الرحمن بن إسحاق وفيه كلام معروف الحديث: 4900 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 4901 - (شهداء الله في الأرض) هم (أمناء الله على خلقه) سواء (قتلوا) في الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله (أو ماتوا) على الفرش من غير قتال فإنهم شهداء أي في حكم الآخرة (1) (حم) من حديث محمد بن زيد الألهاني قال: ذكر عند أبي عتبة الخولاني فذكر الطاعون والمبطون والنفساء فغضب أبو عتبة وقال: حدثنا أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال فذكره فعبر عن ذلك المصنف بقوله (عن رجال) (2) أي من الصحابة قال الهيثمي: ورجاله ثقات اه. ومن ثمة رمز المصنف لصحته   (1) لكن المقتولون كما ذكر من شهداء الدنيا والميتون على الفرش من شهداء الآخرة وقال الشيخ: وقتلوا أو ماتوا راجع إلى الخلق أي سعادتهم ثبتت بشهادتهم ولو اثنين (2) [في الأصل " عن رجل ". ولعله من خطأ بعض النساخ إذ ورد بلفظ " عن رجال " في نص الجامع الصغير في نفس النسخة وكذلك في الفتح الكبير للنبهاني وهو يناسب قوله " حدثنا أصحاب نبينا ". دار الحديث.] الحديث: 4901 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 4902 - (شهران لا ينقصان) مبتدأ وخبره يعني لا يكاد يتفق نقصانهما جميعا في سنة واحدة غالبا وإلا فلو حمل الكلام على عمومه اختل ضرورة لأن اجتماعهما ناقصين في سنة واحدة قد وجد بل قال الطحاوي: وجدناهما ينقصان معا في أعوام وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما وإنما خصهما لتعلق حكم الصوم والحج بهما فكل ما ورد من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين وسواء صادف الوقوف التاسع أو غيره قال النووي: وهذا هو الصواب وقال الطيبي: المراد رفع الحرج عما يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعقدين وجواز احتمال الخطأ فيهما ومن ثم لم يقتصر على قوله رمضان وذي الحجة بل قال (شهرا عيد) خبر مبتدأ محذوف أو بدل مما قبله أحدهما (رمضان) والآخر (ذو الحجة) أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد واستشكل ذكر ذي الحجة لأنه إنما يقع الحج في العشر الأول منه فلا دخل لنقص الشهر وتمامه وأجيب بتأويله بأن الزيادة والنقص إذا وقع في ذي العقدة يلزم منه نقص عشر ذي الحجة أو زيادته فيقفون الثامن أو العاشر فلا ينقص أجر وقوفهم عما لا غلط فيه ذكره الكرماني لكن قال البرماوي: وقوف الثاني غلطا لا يعتبر على الأصح (حم ق عد) كلهم في الصوم (عن أبي بكرة) لكن الذي رأيته للشيخين شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ثم إن صريح كلامه أن الستة جميعا رووه لكن استثنى فيهم المناوي وغيره النسائي الحديث: 4902 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 [ص: 166] 4903 - (شهر رمضان شهر الله) يعني الصوم عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ورمضان مصدر رمض احترق من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف للتعريف والألف والنون فالتسمية واقعة على المضاف والمضاف إليه وأما خبر من صام رمضان فمن باب الحذف لأمن الإلباس ذكره الكشاف (وشهر شعبان شهري) أي أنا سننت صومه (شعبان المطهر) بالبناء الفاعل أي للذنوب (ورمضان المكفر) للذنوب أي صومه مكفر لها والظاهر أن المراد الصغائر (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن عائشة) ورواه باللفظ المذكور الديلمي أيضا فعزوه إليه أولى الحديث: 4903 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 4904 - (شهر رمضان يكفر ما بين يديه) من الخطايا (إلى شهر رمضان المقبل) يعني يكفر ذنوب السنة التي بينهما أي الصغائر كما تقرر (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (فضائل رمضان عن أبي هريرة) الحديث: 4904 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 4905 - (شهر رمضان) أي صيامه (معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) أي بإخراجها إلى مستحقيها والظاهر أن ذلك كناية عن توقف قبوله على إخراجها (ابن شاهين في ترغيبه والضياء) في المختارة (عن جرير) بن عبد الله أورده الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح فيه محمد بن عبيد البصري مجهول الحديث: 4905 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 4906 - (شهيد البر يغفر له كل ذنب) عمله من الكبائر والصغائر (إلا الدين) بفتح الدال وشدها (والأمانة) أي التي كانت عنده وخان فيها أو لم يوصلها إلى مستحقها أو قصر في الإيصاء فيها (وشهيد البحر يغفر له كل ذنب) عمله من الكبائر والصغائر (والدين) أيضا بالفتح (والأمانة) (1) فإنه أفضل من شهيد البر لكونه ارتكب غررين في دين الله عز وجل: ركوبه البحر المخوف وقتال أعدائه قال الحافظ ابن حجر: وفي معنى الدين جميع التبعات المتعلقة بالعباد (حل) من حديث الموهبي عن طالوت بن أدهم عن هشام بن حسان عن يزيد الرقاشي (عن عمة النبي صلى الله عليه وسلم) عبارة ابن القيم عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد عزاه في الفردوس وغيره إلى ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا قال ابن حجر: وسنده ضعيف وقال جدنا الأعلى للإمام الزين العراقي: وفيه يزيد الرقاشي ضعيف   (1) [ومغفرة الدين والأمانة تكون بتحمل الله لهما وإرضاء خصومه في الآخرة كما ورد في شرح الحديث 4953. دار الحديث] الحديث: 4906 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 4907 - (شهيد البحر مثل شهيدي البر) أي له من الأجر ضعف ما لشهيد البر كما ذكره (والمائد في البحر) الذي يدور رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالموج (كالمتشحط في دمه في البر) أي له بدوران رأسه من الأجر مثل [ص: 167] ما لشهيد البر من الأجر بقتله (وما بين الموجتين في البحر كقاطع الدنيا في طاعة الله) أي له من الأجر في تلك اللحظة مثل أجر من قطع عمره في طاعة الله (وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم) بلا واسطة فالله هو القابض لجميع الأرواح لكن لشهيد البحر بلا واسطة ولغيره بواسطة ملك الموت (1) (ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين) بفتح الدال (ويغفر لشهيد البحر الذنوب كلها والدين) على ما سبق تقريره (هـ طب) كلاهما من رواية قيس بن محمد الكندي عن عفير بن معدان عن سليم بن عامر (عن أبي أمامة) الباهلي قال الزين العراقي: وعفير بن معدان ضعيف جدا   (1) قال القرطبي: لا تنافي بين قوله تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت} وقوله {توفته رسلنا} وقوله {تتوفاهم الملائكة} وقوله {الله يتوفى الأنفس حين موتها} لأن إضافة التوفي إلى ملك الموت لأنه المباشر للقبض وللملائكة الذين هم أعوانه لأنهم يأخذون في جذبها من البدن فهو قابض وهم معالجون وإلى الله لأنه القابض على الحقيقة وقيل: يقبض ملك الموت الروح ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو إلى ملائكة العذاب الحديث: 4907 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 4908 - (شوبوا مجلسكم) أي اخلطوه وفي رواية مجالسكم (بمكدر اللذات الموت) تفسير لمكدر اللذات أو بدل منه وذلك لأنه يمنع من الأشر والبطر والانهماك في اللذات والاستغراق في الضحك والتمادي على الغفلات ويقصر الأمل ويرضي بالقليل من الرزق ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ويهون المصائب وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر مرفوعا في صحف موسى عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك ولمن أيقن بالقدر كيف ينصب ولمن رأى سرعة تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذكر الموت عن عطاء) ابن أبي مسلم (الخراساني) البلخي مولى المهلب بن أبي صفرة بضم المهملة (مرسلا) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلاه الضحك فذكره قال الحافظ العراقي: ورويناه في أمالي الخلال من حديث أنس وقال: لا يصح الحديث: 4908 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 4909 - (شوبوا شيبكم بالحناء فإنه أسرى لوجوهكم وأطيب لأفواهكم وأكثر لجماعكم الحناء) أي نوارها الذي يسمى تمرحنا (سيد ريحان أهل الجنة) في الجنة (الحناء يفصل ما بين الكفر والإيمان) أي خضاب الشعر به يفرق بين الكفار والمؤمنين فإن الكفار لا يتخضبون به بل بالسواد (ابن عساكر) في تاريخه من حديث المسدد بن علي الأملوكي الحمصي عن عبد الصمد بن سعيد عن عبد السلام بن العباس عن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي الدمشقي عن إبراهيم عن أيوب الدمشقي عن إبراهيم بن عبد الحميد الجرشي عن أبي عبد الملك الأزدي (عن أنس) بن مالك وفيه من لا يعرف الحديث: 4909 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 4910 - (شيئان لا أذكر فيهما) أي عندهما (الذبيحة والعطاس هما مخلصان لله) أي بذكره فيقال عند الذبح بسم الله والله أكبر ولا يقال واسم محمد ولا وصلى الله على محمد وكذا العطاس فلا يقال الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد. (1) (فر) من حديث الحسن بن أبي جعفر عن نهشل عن الضحاك (عن ابن عباس) والحسن هذا قال الذهبي: ضعفوه [ص: 168] ونهشل هذا قال ابن راهويه: كان كذابا ورواه عنه ابن لال أيضا ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى   (2) [فيقال عند الذبح " بسم الله والله أكبر " ولا يقال " واسم محمد " ولا " وصلى الله على محمد " وكذا العطاس فلا يقال " الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد " (ومن هنا يتبين كراهة اختراع الأدعية لغير العلماء لما قد يدخلها من المخالفات. أما ما ورد عن الكثير من الصحابة من الأدعية التي أقرهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلعلمهم وصحة عقيدتهم وكذلك وردت أدعية عن الكثير من أهل البيت ومن المجتهدين والعلماء وليس الملائكة كالحدادين. دار الحديث] الحديث: 4910 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 4911 - (شيبتني هود) أي سورة هود (وأخواتها) أي وأشباهها من السور التي فيها ذكر أهوال القيامة والعذاب والهموم والأحزان إذا تقاحمت على الإنسان أسرع إليه الشيب في غير أوان قال المتنبي: والهم يخترم الجسم مخافة. . . ويشيب ناصية الصبي ويهرم قال الزمخشري: مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب وأصبح أبيض الرأس واللحية كالثغامة فقال: أريت القيامة والناس يقتادون بسلاسل إلى النار (1) فمن هول ذلك أصبحت كما ترون (طب عن عقبة بن عامر وأبي جحيفة) بالتصغير وهب بن عبد الله   (1) قال ابن عباس: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم آية كانت أشق ولا أشد من قوله تعالى {فاستقم كما أمرت} ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا أسرع إليك الشيب قال: شيبتني هود إلخ الحديث: 4911 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 4912 - (شيبتني هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت) يعني أن اهتمامي بما فيها من أحوال القيامة والحوادث النازلة بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوان الشيب خوفا على أمتي (طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي: فيه سعيد بن سلام العطار وهو كذاب انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 4912 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 4913 - (شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) لما فيها من ذكر الأمم وما حل بهم من عاجل بأس الله فأهل اليقين إذا تلوها انكشفت لهم من ملكه وسلطانه وبطشه وقهره ما تذهل منه النفوس وتشيب منه الرؤوس فلو ماتوا فزعا لحق لهم لكن الله لطف بهم لإقامة الدين (ت) في الشمائل (ك) في التفسير (عن ابن عباس ك) في التفسير (عن أبي بكر) الصديق قال: قلت يا رسول الله أراك قد شبت فذكره قال في الاقتراح: إسناده على شرط البخاري (ابن مردويه) في تفسيره (عن سعد) بن أبي وقاص وفيه سفيان بن وكيع قال الذهبي: ضعيف وقال الدارقطني: موضوع وقال المصنف في الدرر: بل حسن الحديث: 4913 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 4914 - (شيبتني هود) أي سورة هود (وأخواتها) أي وما أشبهها مما فيه من أهوال القيامة وشدائدها وأحوال الأنبياء وما جرى لهم (قبل المشيب) لأن الفزع يورث الشيب قيل أوانه إذ هو يذهل النفس فتنشف رطوبة البدن وتحت كل شعرة منبع ومنه يعرق فإذا نشفت رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر فابيض كالزرع الأخضر إذا لم يسق فإنه يبيض وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلدته فلما فزع قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم من ذلك الوعيد والهول نشف ماء منابته فشاب قبل الأوان (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي بكر) الصديق الحديث: 4914 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 4915 - (شيبتني هود وأخواتها من المفصل) أي وما أشبهها منه مما اشتمل على الوعيد الهائل والهول الطائل الذي يفطر الأكباد ويذيب الأجساد قال تعالى {يوما يجعل الولدان شيبا} وإنما شابوا من الفزع (ص عن أنس) بن مالك (ابن مردويه) في تفسيره (عن عمران) بن الحصين الحديث: 4915 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 [ص: 169] 4916 - (شيبتني هود وأخواتها الواقعة والقارعة والحاقة وإذا الشمس كورت وسأل سائل) قال العلماء: لعل ذلك لما فيهن من التخويف الفظيع والوعيد الشديد لاشتمالهن مع قصرهن على حكاية أهوال الآخرة وعجائبها وفظائعها وأحوال الهالكين والمعذبين مع ما في بعضهن من الأمر بالاستقامة كما مر وهو من أصعب المقامات وهو كمقام الشكر إذ هو صرف العبد في كل ذرة ونفس جميع ما أنعم الله به عليه من حواسه الظاهرة والباطنة إلى ما خلق لأجله من عبادة ربه بما يليق بكل جارحة من جوارحه على الوجه الأكمل ولهذا لما قيل للمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أجهد نفسه بكثرة البكاء والخوف والضراعة: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا ومن العجب أن قوله تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا} ربما فهم منه من لم يتأمل أن فيه رجاء عظيما وهيهات فقد شرط تعالى للمبالغة في رحمته أربع شروط: التوبة والإيمان الكامل والعمل الصالح ثم سلوك سبيل المهتدين من مراقبة الله وشهوده وإدامة الذكر والإقبال على الله بقاله وحاله ودعائه وإخلاصه (ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) بن مالك الحديث: 4916 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 4917 - (شيبتني هود وأخواتها) من كل سورة ذكر فيها الاستقامة (وما فعل الله بالأمم قبلي) من عاجل بأس الله الذي قطع دابرهم وإنما شيبه ذلك مع عصمته وتحقيقه أن الحق لا يمكر به لأن المقرب ولو بالغ في الاستقامة يمنعه الأدب مع الله أن يشهد في نفسه أنه وفى بالأمر بحيث لم يبق بعده درجة يمكن صعودها بل المقرب أولى بشدة الخوف ممن سواه لأن من خصائص حضرات القرب شدة الخوف لكمال التجلي بالهيبة وكلما زاد القرب زاد الخوف ومن ادعى مقام التقريب مع الإدلال على الله فما عنده خبر من التقريب (ابن عساكر) في تاريخه (عن محمد بن علي مرسلا) هو ابن الحنفية الحديث: 4917 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 4918 - (شيبتني هود وأخواتها ذكر يوم القيامة وقصص الأمم) أي ما فيها من ذكر أهوال القيامة وقصص الأمم السابقة وإهلاكهم بالمسخ والقذف والقلب وغير ذلك (عم في زوائد) كتاب (الزهد) لأبيه (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في تفسيره) للقرآن (عن أبي عمران الجوني مرسلا) بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون عبد الملك بن حبيب ضد العدو الأزدي أو الكندي أحد علماء البصرة الحديث: 4918 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 4919 - (شيطان) أي هذا الرجل الذي يتبع الحمامة شيطان (يتبع شيطانة) أي يقفو أثرها لاعبا بها وإنما سماه شيطانا لمباعدته عن الحق وإعراضه عن العبادة واشتغاله بما لا يعنيه وسماها شيطانة لأنها أغفلته عن ذكر الحق وشغلته عما يهمه من صلاح الدارين والعناية في قوله (يعني حمامة) مدرجة للبيان. قال في المطامح: يحتمل اختصاصه بذلك الرجل ويحتمل العموم لأنه من اللهو ومن فعل أهل البطالة فيكره اللعب بالحمام تنزيها لأنه دناءة وقلة مروءة ويجوز اتخاذها لفراخها وأكلها والأنس بها (د هـ) في الأدب وكذا البخاري في الأدب المفرد (عن أبي هريرة) قال: رأى رسول الله [ص: 170] صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حمامة فذكره (هـ عن أنس) بن مالك (وعن عثمان) بن عفان (وعن عائشة) قال المناوي: فيه محمد بن عمرو بن علقمة الليثي فيه خلاف الحديث: 4919 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 4920 - (شيطان الردهة) بفتح فسكون: النفرة في الجبل يستنقع فيها الماء وقيل قلة الرابية (يحتذره رجل من بجيلة يقال له الأشهب أو ابن الأشهب راع للخيل علامة سوء في قوم ظلمة) قال في مسند الفردوس: يعني ذا الثدية الذي قتله علي كرم الله وجهه يوم النهروان اه (حم ع ك عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4920 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الشين] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 4921 - (الشاة في البيت بركة والشاتان بركتان والثلاث ثلاث بركات) يريد أنه كلما كثر الغنم في البيت كثرت البركة فيه لما فيها من البركة والارتفاق بالدر والنسل ومن كثر منها كثر له ومن قلل قلل له (خد عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه صفدي بن عبد الله قال في الميزان: له حديث منكر قال العقيلي: لا يعرف إلا به ومتنه الشاة بركة ثم ساقه إلى آخر ما هنا الحديث: 4921 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 4922 - (الشاة بركة والبئر) في البيت ونحوه (بركة والتنور) يخبز فيه الخبز ونحوه (بركة والقداحة) أي الزناد (بركة) في البيت لشدة الحاجة إليها واستحالة الاستغناء عنها (خط) في ترجمة زفر الأصفواني من حديث أحمد بن نصر الزارع عنه عن محمد بن حرب عن داود المحبر عن معدي عن قتادة (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه بل أعله فقال: الزارع ليس بحجة اه. وقال ابن الجوزي والذهبي: قال الدارقطني: الزارع كذاب دجال وداود المحبر قال أحمد والبخاري: لا شيء وقال الذهبي: قال ابن حبان: كان يضع ومعدي قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به وقال يحيى: ليس بشيء انتهى وبه يعرف أن سند الحديث عدم الحديث: 4922 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 4923 - (الشاة من دواب الجنة) أي أن الجنة فيها شياه وأصل هذه منها أو أنها تكون يوم القيامة في الجنة (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وزرني أحد رواته قال ابن حبان: يروي ما لا أصل له الحديث: 4923 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 4924 - (الشام صفوة الله من بلاده إليها يجتبي) أي يفتعل من جبوت الشيء وجبته إذا جمعته (صفوته من عباده فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطة ومن دخلها من غيرها فبرحمة (1)) قال عيسى عليه السلام حين نزل دمشق: لن يعدم الغني أن يجمع فيها كنز ولن يعدم المسكين أن يشبع فيها خبزا وقال هرم بن حيان لأويس القرني: أين تأمرني أن [ص: 171] أكون فأومأ إلى الشام فقال: كيف المعيشة بها؟ قال: أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة <فائدة> قال العارف البطائحي: رأيت الشيخ أبا البيان والشيخ رسلان مجتمعين بجامع دمشق فسألت الله أن يحجبني عنهما وتبعتهما حتى صعدا أعلى مغارة الدم وقعدا يتحدثان وإذا بشخص أتى كأنه طائر في الهواء فجلسا بين يديه كالتلميذين فسألاه عن أشياء منها هل على وجه الأرض بلد ما رأيته قال: لا قالا: هل رأيت مثل دمشق قال: لا وكانا يخاطبانه يا أبا العباس فعرفت أنه الخضر (طب ك عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف   (1) مقصوده الحث على سكناها وعدم الانتقال منها لغيرها لا أن من تركها وسكن بغيرها يحل عليه الغضب [وليس الحديث على إطلاقه بل المقصود: أولا بيان فضل السكن فيها كما ورد في أحاديث أخرى بلغت حد التواتر. وثانيا: تنبيه الخارج منها إلى زيادة التدقيق في سبب خروجه وإلى تفتيش حاله مع ربه ومع الخلق حيث أنه بناء على فضلها المذكور فإنه يقل احتمال الخروج منها إلى أفضل منها فإن خرج إلى أقل فضلا منها فلا يخلو عن نقص حصل له وإليه المشار بقوله " فبسخطة " والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 4924 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 4925 - (الشام أرض المحشر والمنشر) أي البقعة التي يجمع الناس فيها إلى الحساب وينشرون من قبورهم ثم يساقون إليها وخصت بذلك لأنها الأرض التي قال الله فيها {باركنا فيها للعالمين} وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم فناسب كونها أرض المحشر والمنشر (أبو الحسن بن شجاع الربعي) بفتح الراء والموحدة التحتية نسبة إلى ربيعة بن نزار (في فضائل الشام عن أبي ذر) الحديث: 4925 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 4926 - (الشاهد) المذكور في قوله تعالى {وشاهد ومشهود} هو (يوم عرفة) أي يشهد لمن حضر الموقف (ويوم الجمعة) أي يشهد لمن حضر صلاته (والمشهود هو اليوم الموعود يوم القيامة) لأنه يشهده أي يحضره جميع الخلائق من إنس وجن وملائكة وغيرهم لفصل القضاء وسيأتي في حديث آخر الكتاب ما يعارض ذلك. (1) (ك) في التفسير (هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي   (1) [قوله: وسيأتي في حديث آخر الكتاب ما يعارض ذلك: أي الحديثين رقم 10030 و 10031 وفيهما: اليوم الموعود يوم القيامة. . . والشاهد يوم الجمعة. . . والمشهود يوم عرفة. والدليل ضعيف على المعارضة مع هذين الحديثين بل فيهما زيادة في الخبر. ودليل ذلك أنه كما أضفى صفتين ليوم القيامة في هذا الحديث وهو علي شرط الشيخين بقوله " والمشهود هو الموعود يوم القيامة " فالأمر مثله ليوم عرفة: فهو الشاهد كما ورد في هذا الحديث وهو أيضا المشهود كما ورد في الحديثين الآخرين ولا مانع من ذلك. فلا تعارض والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 4926 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 4927 - (الشاهد) أي الحاضر (يرى ما لا يرى الغائب) قال ابن جرير: أراد رؤية القلب لا العين أي الشاهد للأمر يتبين له من الرأي والنظر فيه ما لا يظهر للغائب لأن الشاهد للأمر يتضح له ما لا يتضح للغائب عنه (حم عن علي) أمير المؤمنين قلت: يا رسول الله أكون لأمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: بل الشاهد إلخ (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا الديلمي (عن أنس) رمز المصنف لصحته وأصله قول العامري في شرح الشهاب: صحيح. قال السخاوي: في هذا الثا (1) ابن لهيعة   (1) [هكذا في الأصل ولعله " في هذا الثاني " أي الديلمي والله اعلم. دار الحديث.] الحديث: 4927 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 4928 - (الشباب شعبة من الجنون) قال الزمخشري: يعني أنه شبيه بطائفة من الجنون لأنه يغلب العقل ويميل صاحبه إلى الشهوات غلبة الجنون والشعبة من الشيء ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعب الجبل ما تفرق من رؤوسها وقال العامري: الشباب حداثة السن وطراوته ومنه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأم سلمة الصبر يشب الوجه أي يوقد لونه ونضرته والشعبة القطعة من الشيء فبالعقل يعقل عواقب الأمور والجنون يسترها والشاب لم يتكامل عقله فينشأ منه خفة وحدة فحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من العجلة وحث على التثبت وفيه إيماء للعفو عن الشباب (والنساء حبالة) وفي رواية حبائل (الشيطان) أي مصائده والحبالة بالكسر ما يصاد به من أي شيء كان وجمعه حبائل أي المرأة شبكة يصطاد بها الشيطان عبيد الهوى فأرشد لكمال شفقته على أمته إلى الحذر من النظر إليهن والقرب منهن وكف الخاطر عن الالتفات إليهن باطنا ما أمكن وتقدم خبر اتقوا الدنيا والنساء فخصهن لكونهن أعظم أسباب الهوى وأشد آفات الدنيا (الخرئطي في) كتاب (اعتلال القلوب) وكذا التيمي في ترغيبه (عن زيد بن خالد [ص: 172] الجهني) رمز المصنف لحسنه ورواه أبو نعيم في الحلية وابن لال عن ابن مسعود والديلمي عن عقبة وكذا القضاعي في الشهاب قال شارحه العامري: صحيح الحديث: 4928 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 4929 - (الشتاء ربيع المؤمن) لأنه يرتع فيه في روضات الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه القلب في رياض الأعمال فالمؤمن فيه في سعة عيش من أنواع طاعة ربه فلا الصوم يجهده ولا الليل يضيق عن نومه وقيامه كالماشية تربع في زهر رياض الربيع قال العسكري: إنما قال الشتاء ربيع المؤمن لأن أحمد الفصول عند العرب فصل الربيع لأن فيه الخصب ووجود المياه والزرع ولهذا كانوا يقولون للرجل الجواد هو ربيع اليتامى فيقيمونه مقام الخصب والخير كثير الوجود في الربيع (حم ع عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: إسناده حسن اه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 4929 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 4930 - (الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصام وطال ليله فقام) وفي رواية فصامه فقامه فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم يقوم للتهجد والأوراد بنشاط فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه مع إدراكه وظائف العبادات فيكمل له دينه وراحة بدنه بخلاف ليل الصيف فإنه لقصره وحره يغلب فيه النوم فلا يتوفر فيه ذلك وهذا الحديث كالشرح لما قبله (هق عن أبي سعيد) الخدري ورواه القضاعي في الشهاب وزعم العامري أنه صحيح الحديث: 4930 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 4931 - (الشحيح) أي البخيل الحريص على ما سبق بما فيه (لا يدخل الجنة) مع هذه الخصلة حتى يطهر منها إما بتوبة صحيحة في الدنيا أو بالعفو أو بالعذاب وحقيقة الإنسان عبارة عن روح ونفس وقلب وإنما سمي القلب قلبا لأنه يميل تارة إلى الروح ويتصف بها فيفوز ويفلح فيدخل صاحبه الجنة وإذا اتصف بصفة النفس أظلم فكان مقرا للشح فخاب وخسر فلا يدخل الجنة حتى يطهر من دنسه (خط في كتاب البخلاء عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي الحديث: 4931 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 4932 - (الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل) أي أن يعمل الطاعة لأجل أن يراه ذلك الإنسان أو يبلغه عنه فيعتقده أو يحسن إليه سماه شركا لأنه كما يجب إفراد الله بالألوهية يجب إفراده بالعبودية (ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 4932 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 4933 - (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل) في رواية النملة بالإفراد لأنهم ينظرون إلى الأسباب كالمطر غافلين عن المسبب ومن وقف مع الأسباب فقد اتخذ من دونه أولياء فلا يخرج عنه المؤمن إلا بهتك حجب الأسباب ومشاهدة الكل من رب الأرباب وأشار بقوله (على الصفا) إلى أنهم وإن ابتلوا به لكنه متلاش فيهم لفضل يقينهم فإنه وإن خطر لهم فهو خطور خفي لا يؤثر في نفوسهم كما لا يؤثر دبيب النمل على الصفا بل إذا عرض لهم خطرات الأسباب ردتها صلابة قلوبهم بالله <تنبيه> قال الإمام الرازي: السلامة في القيامة بقدر الاستقامة في نفي الشركاء فمن الناس من أثبت ظاهرا وهو الشرك الظاهر والاستقامة في الدنيا لا تحصل إلا بنفي الشركاء {فلا تجعلوا لله أندادا} ومنهم من أقر بالوحدانية ظاهرا لكنه يقول قولا يهدم ذلك التوحيد كأن يضيف السعادة والنحوسة إلى الكواكب والصحة [ص: 173] والمرض إلى الدواء والغذاء أو العمل إلى العبد استقلالا وكل ذلك يبطل الاستقامة في معرفة الحق سبحانه وتعالى ومنهم من ترك كل ذلك لكنه يطيع النفس والشهوة أحيانا وإليه أشار بقوله {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} وهذا النوع من الشرك هو المسمى بالشرك الخفي والمراد من قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل {واجعلنا مسلمين لك} وقول يوسف {توفني مسلما} وأن الأنبياء مبرؤون عن الشرك الجلي أما الحالة المسماة بالشرك الخفي وهو الالتفات إلى غير الله فالبشر لا ينفك عنه في جميع الأوقات فلهذا السبب تضرع الأنبياء والرسل في أن يصرف عنهم الأسباب تردها صلابة قلوبهم بالله (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ظاهره أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو يعلى وابن عدي وابن حبان من حديث أبي بكر ولأحمد والطبراني نحوه عن أبي موسى كما بينه الحافظ العراقي. وقال تلميذه الهيثمي: رواه البزار وفيه عبد الأعلى بن أعين وهو ضعيف الحديث: 4933 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 4934 - (الشرك فيكم) أيها الأمة (أخفى من دبيب النمل) قال الغزالي: ولذلك عجز عن الوقوف على غوائله سماسرة العلماء فضلا عن عامة العباد وهو من أواخر غوائل النفس وبواطن مكايدها وإنما يبتلى به العلماء والعباد المشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة فإنهم مهما نهروا أنفسهم وجاهدوها وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات وحملوها بالقهر على أصناف العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح فطلبت الاستراحة إلى الظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ونظرهم إليه بعين الوقار والتعظيم فنازعت إلى إظهار الطاعة وتوصلت إلى إطلاع الخلف ولم تقنع بإطلاع الخالق وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه للشهوات وتوقيه للشبهات وتحمله مشقات العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء وبالغوا في الإعزاز ونظروا إليه بعين الاحترام وتبركوا بلقائه ورغبوا في بركته ودعائه وفاتحوه بالسلام والخدمة وقدموه في المجالس والمحافل وتصاغروا له فأصابت النفس في ذلك لذة هي من أعظم اللذات وشهوة هي أغلب الشهوات فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهفوات واستلانت خشونة المواظبة على العبادات لإدراكها في الباطن لذة اللذات وشهوة الشهوات فهو يظن أن حياته بالله وبعبادته المرضية وإنما حياته لهذه الشهوة الخفية التي يعمى عن دركها إلا العقول النافذة القوية ويرى أنه يخلص في طاعة رب العالمين وقد أثبت اسمه في جريدة المنافقين (وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره) قال الحكيم: صغار الشرك كقوله ما شاء الله وشئت وكباره كالرياء (تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقولها ثلاث مرات) يحتمل كل يوم ويحتمل كلما سبق إلى النفس الوقوف مع الأسباب وذلك لأنه لا يدفع عنك إلا من ولى خلقك فإذا تعوذت به أعاذك لأنه لا يخيب من التجأ إليه وقصر نظر قلبه عليه وإنما أرشد إلى هذا التعوذ لئلا يتساهل الإنسان في الركون إلى الأسباب ويرتبك فيها حتى لا يرى التكوين والتدويم إلا رؤية الإيمان بالغيب فلا يزال يضيع الأمر ويهمله حتى تحل العقدة منه عقله الإيمان فيكفر وهو لا يشعر فأرشده إلى الاستعاذة بربه ليشرق نور اليقين على قلبه (الحكيم) الترمذي (عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الإمام أحمد في المسند وكذا أبو يعلى عن أبي نفيسة ورواه أحمد والطبراني عن أبي موسى وأبي نعيم في الحلية عن أبي بكر الحديث: 4934 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 [ص: 174] 4935 - (الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل (1) وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله) أي ما دين الإسلام إلا ذلك لأن القلب لا بد له من التعليق بمحبوب فمن لم يكن الله وحده له محبوبه ومعبوده فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره وذلك هو الشرك المبين فمن ثم كان الحب في الله هو الدين ألا ترى أن امرأة العزيز لما كانت مشركة كان منها ما كان مع كونها ذات زوج ويوسف لما أخلص الحب في الله ولله نجا من ذلك مع كونه شابا عزبا مملوكا (قال الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ) قال ابن القيم: الشرك شركان: شرك متعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته في أفعاله وشرك في عبادته ومعاملته لا في ذاته وصفاته والأول نوعان شرك تعطيل وهو أقبح أنواع الشرك كتعطيل المصنوع عن صانعه وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد والثاني شرك من جعل معه إلها آخر ولم يعطل والثاني وهو الشرك في عبادته أخف وأسهل فإنه يعتقد التوحيد لكنه لا يخلص في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا والرفعة والجاه أخرى فلله من عمله نصيب ولنفسه وهواه نصيب وللشيطان نصيب وهذا حال أكثر الناس وهو الذي أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا فالرياء كله شرك (الحكيم) في نوادر الأصول (ك) في التفسير (حل) كلهم (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن فيه عبد الأعلى بن أعين قال الدارقطني: غير ثقة وقال في الميزان عن العقيلي: جاء بأحاديث منكرة وساق هذا منها وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بها   (1) أي أن تحب إنسانا وهو منطو على شيء من الجور أو تبغض إنسانا وهو منطو على شيء من العدل لعله من نحو إحسان أو ضده الحديث: 4935 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 4936 - (الشرود يرد) يعني إذا اشترى إنسان دابة كبدنة فوجدها شرودا له الرد فإنه عيب ينقص القيمة نقصا ظاهرا (عد هق عن أبي هريرة) قال: إن بشيرا الغفاري كان له مقعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخطئه وأنه ابتاع بعيرا فشرد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وفيه عبد السلام بن عجلان قال ابن حجر: ضعيف اه ورواه الدارقطني عن أبي هريرة من طريقين قال الغرياني: وفيهما عبد السلام بن عجلان قال عبد الحق: ليس بمشهور وفي إحداهما بدليل بن المحبر ضعفه الدارقطني ووثقه غيره الحديث: 4936 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 4937 - (الشريك أحق بصقبه ما كان) أي مما يقربه ويليه والسقب بالتحريك الجانب القريب وأصله القرب وكذا الصقب وليس فيه ذكر الشفعة ولا ما يدل على أن المراد هو الأحق بها بل يحتمل أن يكون المراد به أنه أحق بالبر والمعونة وإن كان المراد منه الشفعة فالمراد من الجار الشريك لأنه يساكنه وجوار المساكن أقوى ومنه سميت المرأة جارة وعليه تدل الأخبار الدالة على اختصاص الشفعة بالشريك وأنه لو حمل على الجار لزم أن يكون المجاور أحق من الشريك وهو خلاف الإجماع تمامه عند الطبراني قيل: يا رسول الله ما الصقب قال: الجوار وعند أبي يعلى الجار أحق بشفعته يعني بسقبه وقال إبراهيم الحربي: السقب بصاد وسين ما قرب من الدار نقله ابن حجر (هـ عن أبي رافع) ورواه عنه البخاري باللفظ المزبور إلا ما كان ورمز المصنف لصحته الحديث: 4937 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 [ص: 175] 4938 - (الشريك شفيع) أي له الأخذ بالشفعة قهرا (والشفعة في كل شيء) فيه حجة لمالك في ثبوتها في الثمار تبعا وأحمد أن الشفعة تثبت في الحيوان دون غيره من المنقول وأجاب عنه الشافعية بما هو مقرر في الفروع (ت) في الأحكام من حديث أبي حمزة السكوني (عن ابن عباس) مرفوعا قال الترمذي: وروي عن ابن أبي مليكة مرسلا وهو أصح من رفعه وأبو حمزة ثقة يمكن أنه أخطأ اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته مع تكلم مخرجه فيه غير جيد الحديث: 4938 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 4939 - (الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) (1) قال النووي: يعني الشعر كالنثر فإذا خلى عن محذور شرعي فهو مباح وقد قال عمر: نعم الهدية للرجل الشريف الأبيات يقدمها بين يدي حاجته يستعطف بهن الكريم ويستذل بهن اللئيم لكن التجرد له والاقتصار عليه مذموم كما في الأذكار (نكتة) أخرج ابن عساكر أنه اجتمع ابن الزبير ومروان عند عائشة وتقاولا فقال مروان: من يشأ الله يحفظه بقدرته. . . وليس لمن لم يرفع الله رافع فقال ابن الزبير: فوض إلى الله الأمور إذا عسرت. . . فبالله لا بالأقربين تدافع فقال مروان: داوي القلب بالبر والتقى. . . لا يستوي قلبان قاس وخاشع قال ابن الزبير: لا يستوي عبدان عبد مكلم. . . عتل لأرحام الأقارب قاطع قال مروان: وعبد يجافي في جنبه عن فراشه. . . ببيت يناجي ربه وهو راكع قال ابن الزبير: وللخير أهل يعرفون بهديهم. . . إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع قال مروان: وللشر أهل يعرفون بشكلهم. . . تشير إليهم بالفجور الأصابع وقد اشتهر هذا الكلام عن الشافعي واقتصر ابن بطال على نسبته للشافعي فقصر وعاب القرطبي المفسر على جماعة من الشافعية الاقتصار على نسبته للشافعي (خد طس) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمرو) بن العاص قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا السند قال في الأذكار: إسناده حسن وقال الهيثمي: إسناده حسن وقال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه إلى البخاري في الأدب: سنده ضعيف (ع عن عائشة) قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وثقه دحيم وجماعة وضعفه ابن معين وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح   (1) قال السهروردي: ما كان منه في الزهد وذم الدنيا والمواعظ والحكم والتذكير بآلاء الله ونعت الصالحين ونحو ذلك مما يحمل على الطاعة ويبعد عن المعصية فمحمود وما كان من ذكر الأطلال والمنازل والأزمان والأمم فمباح وما كان من هجو ونحوه فحرام وما كان من وصف الخدود والقدود والنهود ونحوها مما يوافق طباع النفوس فمكروه الحديث: 4939 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 4940 - (الشعر) بفتح الشين (الحسن أحد الجمالين يكسوه الله المرء المسلم) أي فهو نصف والجمال كله نصف فلذلك من خطب امرأة له أن يسأل على شعرها بقوله في الحديث المار إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها فإن الشعر أحد الجمالين (زاهر بن طاهر في خماسياته) عن أنس بن مالك الحديث: 4940 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 4941 - (الشفاء في ثلاثة) الحصر المستفاد من تعريف المبتدأ ادعائي بمعنى أن الشفاء في هذه الثلاثة بلغ حدا كأنه انعدم به [ص: 176] من غيرها (1) (شربة عسل وشرطة محجم) الشرطة ما يشرط به وقيل هو مفعلة من الشرط وهو الشق بالمحجم بكسر الميم وفي معناه الفصد وإنما خص الحجم لأنه في بلاد حارة والحجم فيها أنجح وأما غير الحارة فالفصد فيها أنجح (وكية نار) انتظم جملة ما يداوى به لأن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط والعسل يسهل الأخلاط البلغمية ويحفظ على المعجونان قوامها والكي يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به ولهذا وصفه ثم كرهه لكبر ألمه وعظم خطره كما قال (وأنهى أمتي عن الكي) لأن فيه تعذيبا فلا يرتكب إلا لضرورة ولهذا تقول العرب في أمثالها: آخر الطب الكي. ونبه بذكر الثلاثة على أصول العلاج لأن الأمراض الامتلائية تكون دمومية وصفراوية وبلغمية وسوداوية وشفاء الدمومية بإخراج الدم وإنما خص الحجم لكثرة استعمالهم له والصفراوية وما معها بالمسهل ونبه عليه بالعسل وأخذ من استعماله الكي وكراهته له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا بل عند تعينه طريقا وعدم قيام غيره مقامه (ح هـ) في الطب (عن ابن عباس)   (1) [وفي قوله نظر بسبب الأحاديث التي يأتي ذكرها ولمخالفته المعلوم من الطب الحديث ولأن التعريف قد يفيد الحصر كما قد يفيد الإعلام بأهمية شأن المذكور كذلك هذا ويتضح أن المناوي اختار أن التعريف يفيد الحصر هنا وذلك لعدة أسباب أحدها عدم تقدم الطب في زمانه إلى درجة اكتشاف العديد من الأدوية التي أنزلها الله تعالى ويلزم التنبيه أن البحث هنا ليس استدراك على علمه إذ يندر وجود العديد من أمثاله عبر القرون إنما هو مراجعة تطبيق قواعده الراسخة على ضوء الطب الحديث فمن تلك القواعد أنه وإن احتمل الحصر هنا غير أنه لا يلزم إلا إذا أتى التصريح به كقوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين. . .} أما مجرد ورود " ال " التعريف فلا يلزم منه الحصر مثاله الحديث 3201: البركة في نواصي الخيل. فمن الواضح فيه أن " التعريف " أتى للإعلام بأهمية شأن الخيل وأنه لم يقصد به حصر البركة بها كما هو معلوم ضرورة ونصا. أما " ضرورة " فلا حاجة لتبيينه لوضوحه وأما نصا فللحديث رقم 3202: البركة في ثلاثة: في الجماعة والثريد والسحور. إذ ورد هذا الحديث كذلك بالتعريف وذكر فيه غير الخيل ويماثل ذلك حديث البحث الحالي فقد ورد ذكر الشفاء أيضا في: ألبان البقر السنا والسنوت الحبة السوداء ماء زمزم السواك ألية الشاة الأعرابية الثفاء الهليلج الأسود الكمأة العجوة الكبش العربي غبار المدينة التلبينة أبوال الإبل الزيت ووردت بشأن العديد منها عبارة " شفاء من كل داء " وأرقام تلك الأحاديث: 1561، 1781، 3464، 3780، 4077، 4561، 4840، 4891، 5518، 5529، 5550، 5557، 5558، 5576، 5580، 5680، 5681، 5753، 5754، 5913، 5921، 5943، 5955، 6392، 6463، 6464، 7414، 7762 ويجمعها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1783: إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت وما القصد من هذا البحث إلا إعادة النظر على ضوء العلم الحديث في اختيار الترجيحات الفقهية: كالحصر بتلك الثلاثة كما اختاره المناوي أو الإعلام بأهمية شأنها كما تم بيانه وليس القصد والعياذ بالله أي تنقيص من شأن الإمام المناوي جزاه الله الخير عنا وعن المسلمين إذ يندر وجود مرجع عظيم الفائدة كشرحه للجامع الصغير وما تجرأ على محاولة تنقيص العلماء الأعلام أمثال المناوي إلا كل قليل العقل كثير التهور عريض الادعاء. ويكفي في ذلك الحديثين التاليين رغم تضعيف الهيثمي لهما في باب ذهاب العلم من مجمع الزوائد: عن عائشة رفعته قال: موت العالم ثلمة في الإسلام لا تسد ما اختلف الليل والنهار. رواه البزار. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد وهو نجم طمس. وموت قبيلة أيسر لي من موت عالم. رواه الطبراني في الكبير وما الهدف من التوسع في سرد الأدلة والأحاديث في هذا التعليق وفي أماكن أخرى من هذا الملف إلا قطع جذور الالتباس والتشكيك واستيفاء البحوث لمن أراد التفصيل والله من وراء القصد. دار الحديث] الحديث: 4941 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 4942 - (الشفعاء) في الآخرة لهذه الأمة (خمسة) هذا الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا (القرآن) فمن جعله إمامه وانقاد لأحكامه يشفع فيه يوم القيامة فيشفع (والرحم) تشفع لمن وصلها فتقول يا رب من وصلني فصله (والأمانة) تقول يا رب من حفظني فاحفظه من النار فيشفع (ونبيكم) فيشفع شفاعة عامة وشفاعة خاصة فيشفع (وأهل بيته) مؤمنو بني هاشم والمطلب ولفظ رواية الديلمي وأهل بيت نبيكم (فر عن أبي هريرة) وفيه عن عبد الله بن داود قال الذهبي: ضعفوه وعبد الملك بن عمير قال أحمد: مضطرب الحديث وقال ابن معين: مختلط الحديث: 4942 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 4943 - (الشفعة) من شفعت الشيء إذا ضممته ومنه شفع الأذان سميت به لضم نصيب إلى نصيب فبعد ما كان وترا صار شفعا (في كل شرك) بكسر فسكون (في أرض أو ريع) بفتح فسكون المنزل الذي يربع فيع الإنسان ويتوطنه (أو حائط) أي بستان وأجمعوا على وجوب الشفعة للشريك في العقار إزالة لضرره وخصت بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضررا لا يصلح له كذا في خط المؤلف وفي رواية لا يحل (أن يبيع) نصيبه (حتى يعرض على شريكه) أنه يريد بيعه (فيأخذ أو يدع فإذا أبى) أي لم يعرضه عليه (فشريكه أحق به حتى يؤذنه) أراد بنفي الحل نفي الجواز المستوي الطرفين فيكره بيعه قبل عرضه تنزيها لا تحريما ويصدق على المكروه أنه غير حلال لكونه غير مستوي الطرفين إذ هو راجح الترك فلو عرضه فأذن ببيعه فباع فله الشفعة عند الأئمة الثلاثة وعن أحمد ورايتان هذا كله في شفعة الخلطة وأما الجوار فلم يثبتها الأئمة الثلاثة وأثبتها الحنفية (م د ن عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أبو يعلى وغيره الحديث: 4943 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 4944 - (الشفعة) بضم فسكون وحكي الضم لغة الضم وشرعا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض (فيما لا تقع فيه الحدود) جمع حد وهو الفاصل بين شيئين وهو هنا ما يتميز به الأملاك بعد القسمة (فإذا وقعت الحدود) أي بينت أقسام الأرض المشتركة بأن قسمت وصار كل نصيب مفردا (فلا شفعة) لأن الأرض بالقسمة صارت غير مشاعة فعلم منه أن الشفعة تبطل بنفس القسمة والتمييز بين الحصص بوقوع الحدود وقال الرافعي: الحديث بمنطوقه يدل على أن الشفعة تختص بالمشاع وأنه لا شفعة للجار وبه قال الثلاثة وأثبتها الحنفية (طب عن ابن عمر) بن [ص: 177] الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري كان كذابا الحديث: 4944 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 4945 - (الشفعة في العبيد وفي كل شيء) أخذ بظاهره عطاء فأثبتها في كل شيء وتبعه ابن أبي ليلى فقال: تثبت في العبد وغيره وأجمعوا على خلافهما واختصاصها بالعقار المحتمل للقسمة (أبو بكر في الغيلانيات عن ابن عباس) ورواه الترمذي بلفظ الشفعة في كل شيء وقال بعضهم: وصله غير ثابت الحديث: 4945 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 4946 - (الشفق) هو (الحمرة) التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس سمي به لرقته ومنه الشفقة على الإنسان رقة القلب عليه قال القاضي: والشفق الحمرة التي تلي الشمس عند سقوط القرص (فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) أي دخل وقت العشاء وهذا ما عليه عامة العلماء وقال أبو حنيفة الشفق الأبيض وخالفه الباقون أخذا بالأشهر وأقل ما ينطلق عليه الاسم ولأن الأبيض لا يغيب في بعض البلاد كما في البلغار وفيه أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا وهو مذهب الأئمة الثلاثة وقال الحنفية بآخره (قط) من حديث عتيق بن مالك عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته وهو غير صواب فقد قال الذهبي في التنقيح: فيه نكارة وقال ابن عبد الهادي: رواه الدارقطني أيضا موقوفا من قول ابن عمر وهو الأشبه اه. ورواه ابن عساكر من حديث حذيفة عن مالك وآثر المصنف الطريق الأول لقول البيهقي حديث عتيق أمثل إسنادا لكن صحح وقفه وجعله الحاكم مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات الحديث: 4946 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 4947 - (الشقي كل الشقي من أدركته الساعة حيا لم يمت) لأن الساعة لا تقوم إلا على أشرار الخلق كما في أخبار أخر (القضاعي عن عبد الله بن جراد) قال شارحه: حسن غريب الحديث: 4947 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 4948 - (الشمس والقمر يكوران) بتشديد الواو المفتوحة مطويان ذاهبا الضوء أي مجموعان من التكوير وهو اللف والضم أو ملفوف ضوؤهما فلا ينبسط في الآفاق أو مرفوعان فإن الثياب إذا طويت رفعت أو ملقيان من فلكيهما لقوله سبحانه وتعالى {وإذا الكواكب انتثرت} من قولهم طعنه فكوره إذا ألقاه القاضي أي يجمعان ويلفان ويذهب بضوئهما كذا في الفردوس {إذا الشمس كورت} أو يلف ضوؤهما ويذهب أو يسقطان من فلكهما (يوم القيامة) زاد البزار وغيره في النار أي توبيخا لعابديهما وليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بل لتبكيت عابديهما وتعذيبهم بهما ولله في النار ملائكة وحجارة وغيرهما (خ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار وزاد في روايته إن الحسن قال لأبي هريرة: ما ذنبهما فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت الحسن الحديث: 4948 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 4949 - (الشمس والقمر ثوران عقيران في النار إن شاء أخرجهما) منها (وإن شاء تركهما) فيها أبد الآبدين {لا يسأل عما يفعل} قال في النهاية: قوله ثوران بمثلثة كأنهما يمسخان وروي بنون وهو تصحيف وقال المديني في غريب الحديث: لما وصفا بأنهما يسبحان في قوله تعالى {كل في فلك يسبحون} وأن كل من عبد من دون الله إلا من سبقت له الحسنى يكون في النار يعذب بهما أهلها بحيث لا يبرحان منها فصارا كأنهما ثوران عقيران وقال ابن قسي صاحب خلع النعلين: اعلم أن الشمس والقمر ثوران مكوران في نار جهنم على سنة هذا التكوير فنهار سعير وليل زمهرير والدار [ص: 178] دار إقامة لا فرق بينهما وبين هذه في حركة التسيار والتدوار ومدار فلكي الليل والنهار إلا أن تلك خالية من رحمة الله ومع هذه رحمة واحدة وتكور الشمس والقمر فيها غضبا لله لما عاينا من عصيان العاصين وفسق الفاسقين في الدنيا إذ لا يكاد يغيب عنهما أين ولا يخفى عنهما خائنة عين فإنه لا يبصر أحد إلا بنورهما ولا يدرك شيئا إلا بضوئهما ولو كانا خلف حجاب من الغيب الليلي أو وراء ستر من الغيم الفوقي فإن الضوء الباقي على البسيطة في ظل الأرض ضوؤهما والنور نورهما ومع ما هما عليه من الغضب لله تعالى فإنه لم يشتد غضبهما إلا من حيث نزع لجام الرحمة منهما وقبض ضياء اللين والرأفة وكذلك عن كل ظاهر من الحياة الدنيا في قبض الرحمة المستورة في هذه الدار إلى دار الحيوان والأنوار وفي الخبر إن لله مئة رحمة نزل منها واحدة إلى الدنيا فيها التعاطف والتراحم فإذا كان يوم القيامة قبضها وردها إلى التسعة والتسعين ثم جعل المئة كلها رحمة للمؤمنين وخلت دار العذاب ومن فيها من الفاسقين من رحمة رب العالمين فبزوال هذه الرحمة زال ما كان بالقمر من رطوبة وأنوار ولم يبق إلا ظلمة وزمهرير وبزوالها زال ما كان بالشمس من وضح وإشراق ولم يبق إلا فرط سواد وإحراق وبما كانا به قبل من الصفة الرحمنية كان إمهالهما للعاصين وإبقاؤهما على القوم الفاسقين وهي زمام الإمساك ولجام المنع عن التدمير والإهلاك وهي سنة الله في الإبقاء إلى الأوقات والإمهال إلى الآجال إلا أن يشاء الله غير ذلك فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه لا إله إلا هو سبحانه إلى هنا كلامه وأقره القرطبي (ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) ورواه عنه الطيالسي وأبو يعلى والديلمي وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه يزيد الرقاشي ليس بشيء ودرسته قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به ونازعه المصنف بما حاصله أنه ضعيف لا موضوع الحديث: 4949 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 4950 - (الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قيل: معناه مقارنة لها عند دنوها للطلوع والغروب ويوضحه قوله (فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها) فحرمت الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل: معنى قرنه قوته لأنه إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها فيها وقيل: قرنه حزبه وهم الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر فلما كانت حينئذ نهى عن التشبه بهم (مالك) في الموطأ والشافعي عنه (ن عن عبد الله الصنابحي) قال ابن عبد البر وغيره: كذا اتفق جمهور رواة مالك على سياقه وصوابه عبد الرحمن الصنابحي قال ابن حجر كشيخه العراقي: وهو تابعي كبير لا صحبة له فالحديث مرسل قال ابن حجر: ورواه مسلم في حديث طويل الحديث: 4950 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 4951 - (الشمس والقمر وجوههما إلى العرش (1) وأقفاؤهما إلى الدنيا) أي كمال شأنهما حرارة وضوء إلى الأعلى فهذا الضوء الواقع على الأرض منهما من جهة القفا ولو كان من جهة الوجه لكان أضوأ (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الطبراني أيضا ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فعزوه إليه أولى ثم إن فيه العباس بن الفضل فإن كان الموصلي فقد قال ابن معين: ليس بثقة وإن كان الأزرق البصري فقد قال البخاري: ذهب حديثه وقد أوردهما الذهبي معا في الضعفاء وسعيد بن سليمان النشيطي قال الذهبي فيه: ضعيف وشداد بن سعيد الراسبي قال العقيلي: له غير حديث لا يتابع على شيء منها   (1) [ليس المقصود من شريعة الإسلام ومن القرآن والسنة عرض نظريات الفلك أو الطب أو غيرهما إنما قد يأتي في القرآن والسنة ما يذهل العقول لموافقته للعلم وقد يأتي كذلك ما ليس له تعلق بالعلم المادي بل متعلق بعلم الغيب وإنما استعملت فيه ألفاظ تتناول عالم الحس لعدم وجود غيرها في لغات الإنسان عامة. ففي هذا الحديث: معلوم أن العرش من عالم الغيب فلا جدال أن المقصود من قوله " وجوههما إلى العرش " ليس الوجه الحسي بل ما يواجه منهما العرش في عالم الغيب. والزيادة على ذلك من الفضول. دار الحديث] الحديث: 4951 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 4952 - (الشهادة سبع) وورد في روايات أكثر ولا تعارض لأن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد (سوى القتل في سبيل الله: المقتول في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (شهيد) قال الطيبي: هذا بيان للسبع من حيث المعنى لأن الظاهر أن [ص: 179] يقال شهادة وكذا ما بعده أو يقال أولا الشهداء سبعة (والمطعون) الذي يموت بالطاعون (شهيد والغريق) بالياء بعد الراء والغريق هو الذي يموت في الماء بسببه (شهيد) وفي رواية الغرق بغير ياء وهو بكسر الراء (وصاحب ذات الجنب) مرض حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع قال ابن الأثير: ذو الجنب الذي يشتكي جنبه لسبب الدبيلة ونحوها إلا أن ذو للمذكر وذات للمؤنث وصارت ذات الجنب علما لها وإن كانت في الأصل صفة مضافة (شهيد والمبطون شهيد) وهو الذي يموت بالإسهال أو يمرض بطنه كاستسقاء ونحوه (وصاحب الحريق) الذي تحرقه النار (شهيد والذي يموت تحت الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال اسم الفعل والهدم بكسرها الميت تحت الهدم بفتحها وهو ما يهدم (شهيد) قال القرطبي: هذا والغريق إذا لم يغرا بأنفسهما ولم يهملا التحرز وإلا أثما (والمرأة تموت بجمع) أي تموت وفي بطنها ولد أو تموت من الولادة يقال ماتت بجمع أي حاملا أو غير مطموثة والجمع بضم الجيم بمعنى المجموع كالزجر بمعنى المزجور وكسر الكسائي الجيم. قال الزمخشري: وحقيقة الجمع والجمع أنهما بمعنى المفعول ومنه قولهم ضربه بجمع كفه أي بمجموعها وأخذ فلان بجمع ثياب فلان فالمعنى ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها حملا أو بكارة اه. (شهيدة) والشهيد في الأصل من قتل في معركة الكفار بسببه ثم اتسع فيه فأطلق على هؤلاء توسعا وما بعده مجاز فجمع في لفظ واحد بين حقيقة ومجاز وهو سائغ عند الشافعي والمانع يؤول الخبر بأن المراد أن ثواب الستة كثواب الشهيد <تنبيه> عد ابن العربي من الشهداء المريض لخبر ابن ماجه من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر وغذى وريح عليه برزقه من الجنة قال القرطبي: وهذا عام في جميع الأمراض لكن قيده في حديث آخر بمن قتله بطنه (حم د ن هـ) في الجهاد (حب ك عن جابر بن عتيك) السلمي أخو جبر ورواه عنه أيضا في الموطأ قال النووي: صحيح بلا خلاف وإن لم يخرجه الشيخان الحديث: 4952 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 4953 - (الشهادة تكفر كل شيء) من الذنوب (إلا الدين) بفتح الدال فإنها لا تكفره (والغرق يكفر ذلك كله) أي يكفر جميع الذنوب ويكفر الدين والظاهر أن المراد بتكفيره أن الله تعالى يرضي أربابه في الآخرة ويعوضهم خيرا منه (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 4953 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 4954 - (الشهداء خمسة) الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا وإلا فقد عد جميع الشهداء التي وردت في أخبار فبلغت نحو الثلاثين كما يأتي (المطعون) أي الذي يموت بالطاعون (والمبطون) الذي يموت بداء بطنه (والغريق في الماء) وفي رواية بكسر الراء قال الزركشي: وكلاهما صحيح (وصاحب الهدم) بكسر الدال أي الذي يموت تحت الهدم وبفتحها ما انهدم ومن رواه بسكونها فهو اسم الفعل ويجوز أن ينسب القتل إلى الفعل لكن الحقيقة أن ما انهدم هو الذي يقتل الذي مات تحت الهدم (والشهيد) أي القتيل (في سبيل الله) أخره لأنه من باب الترقي من الشهيد الحكمي إلى الحقيقي لا يقال التعبير بالشهيد في سبيل الله مع قوله الشهداء خمسة مشكل لاستلزامه حمل الشيء على نفسه فكأنه قال الشهيد شهيد لأنا نقول هو من باب أنا أبو النجم وشعري شعري أو معنى الشهيد القتيل كما قررته <تنبيه> قد التقط ابن العماد الشهداء [ص: 180] من الأخبار ونظمها فقال: من بعد حمد الله والصلاة. . . على النبي وآله العلاة خذ عدة الشهداء سردا نظما. . . واحفظ هديت للعلوم فهما محب آل المصطفى ومن نطق. . . عند إمام جائر يقول حق وذو اشتغال بالعلوم ثم من. . . على وضوء موته نال المنن ومن يمت فجاءة أو حريق. . . ومائد بغيه غريق لديغ أو مسحور أو مسموم. . . أو عطش بجرعة ما لوم أكيل سبع عاشق مجنون. . . والنفسا والهدم والمبطون ومن بذات الجنب أو ظلما قتل. . . أو دون مال أو دم أهل نقل أو دين أو في الحرب أو مات به. . . مؤذن محتسب لربه وجالب يبيع سعر يومه. . . أو مات بالطاعون بين قومه كذا الغريب أو بعين أو قرا. . . أواخر الحشر بها نال الذرا ومن يلازم وتره وورده. . . عند الضحى والصوم حتم سعده (مالك) في الموطأ (ق ت عن أبي هريرة) ورواه عنه النسائي الحديث: 4954 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 4955 - (الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن أتاه سهم غرب) بفتح الراء وسكونها وبالإضافة وتركها لا يعرف (راميه فقتله فهو في الدرجة الثانية ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الثالثة ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة) قال في الفردوس: الطلح الشجر العظام ويقال شجر كثير الشوك قال ابن حجر: هذا الحديث ونحوه يفيد أن الشهداء ليسوا في مرتبة واحدة ويدل عليه أيضا ما رواه الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة بإسناد حسن من حديث علي كرم الله وجهه كل موتة يموت فيها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل <تنبيه> سمي الشهيد شهيدا لأن روحه شهدت دار السلام وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة ولأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة أو لأنه أشهد عند خروج روحه ماله من الثواب والكرامة أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه أو لأنه يشهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله أو لأن عليه شاهدا يشهد بكونه شهيدا وهو دمه أو لغير ذلك (حم ت عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه ورواه أبو يعلى والديلمي وفيه ابن لهيعة الحديث: 4955 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 4956 - (الشهداء على بارق - نهر بباب الجنة - في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا) يعني تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع وفيه دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس منه البدن تبقى بعد الموت دراكة وعليه الجمهور وبه [ص: 181] نطقت الآية والسنن وعليه فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الرب ومزيد البهجة والكرامة ذكره القاضي. وفي هذا الخبر كما قبله تنبيه على فضل الجهاد وكيف لا وهو بيع النفس من الله ولا أحب إلى الإنسان من نفسه فبذلها لله أعظم الاحتساب وقد قال الله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} الآية. وناهيك به شرفا عند أهل البصر حيث وصفهم بأنهم أحياء عند ربهم وهذه عندية تخصيص وتشريف والمراد حياة الأرواح في النعيم الأبدي لا حقيقة الحياة الدنيوية بدليل أن الشهيد يورث وتزوج زوجته. قال المقريزي: ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب وغير ذلك من صفات الأجسام التي تشاهدها بل يكون لها حكم آخر فليس في العقل ما يمنع إثبات الحياة الحقيقية لهم وأما الإدراكات فحاصلة لهم ولسائر الموتى (حم طب ك) في الجهاد (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات الحديث: 4956 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 4957 - (الشهداء عند الله) في الآخرة (على منابر) جمع منبر (من ياقوت) جالسين عليها (في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله) والمنابر (على كثيب من مسك فيقول لهم الرب) تعالى (ألم أوف) بضم فسكون فكسر بضبط المصنف (لكم وأصدقكم) بضم فسكون فضم (فيقولون بلى وربنا) المراد أنهم مكرمون منزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك على طريق التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم على غيرهم (عق عن أبي هريرة) الحديث: 4957 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 4958 - (الشهداء الذين يقاتلون في سبيل الله في الصف الأول ولا يلتفتون بوجوههم حتى يقتلون فأولئك يلتقون في الغرف العلى من الجنة يضحك إليهم ربك) أي يقبل عليهم ويجزل عطاياهم ويبالغ في إكرامهم (وإن الله إذا ضحك إلى عبده المؤمن فلا حساب عليه) هذا ترغيب في جهاد أهل الطغيان بحد السيف والسنان وإعلام بالتربية بما تحصل به التصفية بما يؤدي إلى مناصبة الكفار ومقارعة أهل دار البوار وفي الخبر إشعار بأن فضل الشهادة أرفع من فضل العلم وإليه ذهب جمع فاحتجوا له بما منه أن العلم يحصله العبد في الحياة الدنيا ليتقرب إلى الله زلفى والأجر في الآخرة يلغى والشهادة تحصل للعبد عند خروج روحه من بدنه فهي ثواب الله الذي لا يبلغ أحد أقصى أمده فالعلم مثاب عليه والشهادة من الثواب وفي تفاضل الثواب والمثاب عليه نظر لا يخفى على أولي الألباب وأيضا فالشهادة درجة عند الله سبحانه وتعالى والعلم يحصله العبد في الدنيا ليكمل به عمله وإيمانه والشهادة متى اتصف بها العبد حصلت له الدرجة العالية بيقين والعلم قد يتصف به من لا يكون من المتقين فيرجع علمه وبالا عليه ولا يرغب بحق فيما لديه لأن الشهادة اسم مدح في كل حال والمتصف بها مخصوص بالأجر الذي لا تنقطع دونه الأماني وتنتهي إليه الآمال والعلم في نفسه ينقسم إلى محمود ومذموم والمتصف بالممدوح مثاب ومعاقب ومرحوم والتحقيق أنه لا يمكن إطلاق القول بتفضيل العلم ولا الشهادة وأن ذلك لا يقاس بتفضيل عبادة على عبادة (طس عن نعيم بن هبار) ويقال همار ويقال هدار وجار صحابي شامي قال: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشهداء أفضل فذكره قال الهيثمي: ورواه الطبراني وأحمد وأبو يعلى ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فعلى المصنف ملام من وجهين من حيث اقتصاره على الرواية المرجوحة وعدوله عن أحمد الحديث: 4958 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 [ص: 182] 4959 - (الشهر يكون) مرة (تسعة وعشرين ويكون) مرة (ثلاثين) فلا تأخذوا أنفسكم بصوم ثلاثين احتياطا ولا يعرض في قلوبكم شك في كمال الأجر وإن نقص الشهر قال: وقد يقع النقص متواليا في شهرين أو ثلاثة وأربعة لا أكثر (فإذا رأيتموه) أي أبصر هلال رمضان عدل منكم (فصوموا) وجوبا (وإذا رأيتموه فأفطروا) كذلك (فإن غم) أي غطي الهلال (عليكم) قال القاضي: ففيه ضمير ويجوز كونه مسندا إلى الجار والمجرور أي إن كنتم مغموما عليكم (فأكملوا) أي أتموا (العدة) أي عدد شعبان ثلاثين وقد فرض الصيام على هذه الأمة ابتداء أياما معدودة لأن الله سبحانه وتعالى لما جمع لها ما في الكتب والصحف من الفضائل كانت مبادئ أحكامها على حكم الأحكام المتقدمة فكما وجهوا وجهة أهل الكتاب ابتداء ثم ختم لهم بالوجهة إلى الكعبة انتهاء صوموا صوم أهل الكتاب ابتداء ثم رقوا إلى صوم دائرة الشهر انتهاء ولما كان من قبلنا أهل حساب لما فيه من حصول أمر الدنيا فكانت أعوامهم شمسية كان صومهم عدد أيام لا وحدة شهر وكان فيه على هذه الأمة من الكلفة ما كان في صوم أهل الكتاب من حيث لم يكن فيه أكل ولا نكاح بعد نوم لينال رأس هذه الأمة وأوائلها حظا من أوائل الأمم ثم رقيت إلى ما يخصها (ن عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا ليس في أحد الصحيحين وهو ذهول بل هو فيها معا الحديث: 4959 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 4960 - (الشهوة الخفية) قال الزمخشري: قيل هي كل شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصر عليه وقيل أن يرى جارية حسناء فيغض طرفه ثم ينظر بقلبه ويمثلها لنفسه فيفتتن بها اه. وقال الغزالي: يريد أن الإنسان إذا لم تقدر نفسه على ترك بعض الشهوات ويروم أن يخفي الشهوة ويأكل في الخفية ما لا يأكل في الجماعة (والرياء شرك) فإن من عمل لحظ نفسه أو ليراه الناس فيثنون عليه فقد أشرك مع الله غيره <تنبيه> قال الغزالي: شهوة النفس أضر الأعداء وبلاؤها أصعب البلاء وعلاجها أعسر الأشياء وداؤها أعضل الداء فإنها عدو من داخل واللص إذا كان من داخل البيت عزت الحيلة في دفعه وهي عدو محبوب والإنسان أعمى من عيب محبوبه وإذا نظرت وجدت أصل كل فتنة وفضيحة وخزي وهلاك وآفة وما وقع في خلق الله من أول الخلق إلى يوم القيامة من قبل النفس. (تتمة) قال في الحكم: حظ النفس في المعصية ظاهر جلي وحظها في الطاعة باطن خفي ومداواة ما يخفى صعب علاجه وربما دخل الرياء عليك حيث لا ينظر الخلق إليك (طب عن شداد بن أوس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 4960 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 4961 - (الشهيد لا يجد من القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة) بفتح القاف وسكون الراء (يقرصها) القرصة الأخذة بأطراف الأصابع وعبر بأداة الحصر دفعا لتوهم تصور أن ألمه يفضل على ألمها وهذه تسلية لهم عن هذا الحادث العظيم والخطب الجسيم وتهييج الصبر على وقع السيوف واقتحام الحتوف (ن عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 4961 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 4962 - (الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة) يعني أنه تعالى يهون عليه الموت ويكفيه سكراته وكربه بل رب شهيد يتلذذ ببذل نفسه في سبيل الله طيبة بها نفسه كقول خبيب الأنصاري حين قتل: ولست أبالي حين أقتل مسلما. . . علي أي شق كان لله مصرعي (طس عن أبي قتادة) قال الهيثمي: فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف وأقول: فيه أيضا ابن لهيعة الحديث: 4962 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 [ص: 183] 4963 - (الشهيد يغفر له في أول دفعة) وفي رواية دفقة (من دمه) يعني ساعة يقتل والدفعة بالضم والفتح المرة الواحدة من نظر أو غيره (ويزوج حوراوين) من الحور العين (ويشفع في سبعين) نفسا (من أهل بيته) لفظ رواية الترمذي من أقاربه بدل أهل بيته أي تقبل شفاعته فيهم (والمرابط إذا مات في رباط كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة) فلا يقطع بموته (وغدي عليه وريح برزقه ويزوج سبعين حورا وقيل له) أي تقول له الملائكة بأمر الله تعالى (قف) في الموقف (فاشفع إلى أن يفرغ من الحساب) فيدخل الجنة ويرفع درجته فيها. (خاتمة) قال ابن الزملكاني: للشهيد الكامل المقتول في سبيل الله شرائط وخصائص فمن شروطه أن يقاتل مخلصا ومعنى الإخلاص أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهذا دليل على أن العمل إنما يكون بالنية الصالحة فيما يعتبر وإذا لم تصح النية فلا أثر له وهو دليل على أن الفضل الذي ورد في الجهاد وما أعد الله للمجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فمن قاتل لغير ذلك فليس في سبيل الله ويدل له ما في خبر آخر ما من كلم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله معناه ليس كل من يكلم في معركة كان كلمه في سبيل الله ولا يتعلق في ذلك بظاهر الحال بل الله أعلم بمن يكلم في سبيله فإن ذلك مقرون بالإخلاص والله أعلم به فإنه من أفعال القلوب ومن شرائطها الشهادة الكاملة أن يقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر فذلك هو السعيد الكامل (طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: روى ابن ماجه بعضه ورواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي. قال الذهبي: مقارب الحديث وضعفه النسائي الحديث: 4963 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 4964 - (الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا نقيض اليمن (سوء الخلق) أي يوجد فيه ما يناسب الشؤم ويشاكله أو أنه يتولد منه قال ابن رجب: نبه به على أنه لا شؤم إلا ما كان من قبل الخطايا فإنها تسخط الرب ومن سخط عليه فهو مشؤوم شقي في الدنيا والآخرة كما أن من رضي عنه سعيد فيهما وسيء الخلق مشؤوم على نفسه وعلى غيره. (1) (حم طس حل) وكذا العسكري كلهم (عن عائشة) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه أبو بكرة بن أبي مريم وهو ضعيف (قط في الأفراد طس عن جابر) قال: قيل يا رسول الله ما الشؤم فذكره قال الهيثمي: وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي ضعيف انتهى. وقال شيخه العراقي: حديث لا يصح   (1) [هذا في ظاهر الأمر أما بحق الصابرين فلا يزيد سوء خلقه إلا في حسناتهم. دار الحديث.] الحديث: 4964 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 4965 - (الشونيز) الكمون الأسود ويسمى الهندي وهو بفتح الشين كذا قيده القاضي (1) وقال القرطبي: بالضم وقيل بالفتح وقال: هو الشينيز بالكسر (دواء من كل داء) من الأدواء الباردة أو أعم ولا يبعد أن يداوى الحار بالحار لخاصية أو المراد إذا ركب تركيبا خاصا وقد أطنب الأطباء في جموم منافعه (2) (إلا السام وهو الموت) فإنه لا دواء له [ص: 184] إذا جاء قال في التنقيح: لم يوجد في غير الشونيز من المنافع ما وجد فيه وقد ذكر الأطباء فيه نحو اثنين وعشرين منفعة (ابن السني في) كتاب (الطب) النبوي (وعبد الغني في) كتاب (الإيضاح عن بريدة) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه الترمذي في الطب عن أبي هريرة ونقله عنه في مسند الفردوس وغيره   (1) وهو الحبة السوداء ومنافعه كثيرة منها أنه يشفي من الزكام إذا قلي وصحن وشم ويحلل النفخ غاية التحليل إذا ورد من داخل البدن ويقتل الدود إذا أكل على الريق وإذا شرب منه مثقال بماء نفع من البهر وضيق النفس ويدر الطمث المحتبس وإذا نقع منه سبع حبات في لبن امرأة ساعة وسعط بها صاحب اليرقان نفعه وإذا طبخ بخل مع خشب الصنوبر وتمضمض به نفع وجع الأسنان عن برد وإذا شرب أدر البول واللبن وإذا شرب بنطرون شفى من عسر النفس ودخنه يطرد الهوام وخاصيته إذهاب الجشاء الحامض الكامن من البلغم والسوداء: عربي أو فارسي معرب (2) [وقد أجرى عدة أطباء مسلمين في أمريكا منهم الدكتور محمد قنديل تجارب على حبة البركة حوالي عام 1987 ميلادي أثبتوا فيها دورها الإيجابي في رفع قدرة الجسم على مكافحة الجراثيم. دار الحديث] الحديث: 4965 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 4966 - (الشياطين يستمتعون بثيابكم) أي يلبسونها (فإذا نزع أحدكم ثوبه فليطوه حتى ترجع إليها أنفاسها) أي الثياب والقياس حتى ترجع إليه نفسه ولعل التأنيث وقع من بعض الرواة (فإن الشيطان لا يلبس ثوبا مطويا) أي لم يؤذن له في ذلك كما لم يؤذن له في فتح الباب المغلوق ولا في التسور (ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما الحديث: 4966 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 4967 - (الشيب نور المؤمن) لأنه يمنعه عن الغرور والخفة والطيش ويميله إلى الطاعة وتنكسر به نفسه عن الشهوات وكل ذلك موجب للثواب يوم المآب (لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة <فائدة> ورد في غير ما خبر أن أول من شاب إبراهيم وفي الإسرائيليات أن إبراهيم لما رجع من تقرب ولده إلى ربه رأت سارة في لحيته شعرة بيضاء فكان أول من شاب فأنكرتها وأرته إياها فتأملها فأعجبته وكرهتها وطالبته بإزالتها فأبى وأتاه ملك فقال: السلام عليك يا إبراهيم وكان اسمه ابرايم فزاد اسمه هاء والهاء في السريانية للتفخيم والتعظيم ففرح وقال: أشكر إلهي وإله كل شيء قال له الملك: إن الله صيرك معظما في أهل السماوات والأرض ووسمك بسمة الوقار في اسمك وخلقك أما اسمك فتدعى في أهل السماء والأرض إبراهيم وأما في خلقك فقد أنزل وقارا ونورا على شعرك فقال لسارة: هذا الذي كرهتيه نور ووقار قالت: إني كارهة له قال: لكني أحبه اللهم فزدني نورا فأصبح وقد ابيضت لحيته كلها (هب عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه الوليد بن كثير أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ابن سعيد ليس بذلك وعبد الرحمن بن الحرث قال أحمد: متروك الحديث الحديث: 4967 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 4968 - (الشيب نور من خلع الشيب) يعني أزاله بنحو نتف (فقد خلع نور الإسلام) عنه فنتف الشيب مكروه مذموم شرعا قال القرطبي: يقال إن ملكا من اليونان استعمل على ملبسه أمة أدبها بعض الحكماء فأرته يوما المرآة فرأى في وجهه شعرة بيضاء فقصها فأخذتها الأمة وقبلتها ووضعتها بكفها وأصغت إليها فقال الملك: أي شيء تصغين قالت: سمعت هذه المبتلاة بفقد قرب الملك تقول قولا عجبا قال: ما هو قالت: لا يتجرأ لساني على النطق به قال: قولي آمنة ما لزمت الحكمة قالت: تقول أيها الملك المسلط على أمد قريب إني خفت بطشك بي فلم أظهر حتى عهدت إلى بناتي أن يأخذن بثأري وكأنك بهن وقد خرجن عليك فإما أن يجعلن الفتك بك وإما أن ينقصن شهوتك وقوتك وصحتك حتى تعد الموت غنما فقال: اكتبي كلامك فكتبته فتدبره ثم نبذ ملكه في حديث هذا المقصود منه وفي معناه قيل: [ص: 185] وزائرة للشيب لاحت بمفرقي. . . فبادرتها خوفا من الحتف بالنتف فقالت على ضعفي استطلت ووحدتي. . . رويدك حتى يلحق الجيش من خلفي (فإذا بلغ الرجل أربعين سنة) من عمره (وقاه الله الأدواء) وفي رواية أمنه من البلايا (الثلاث) المهولة المخوفة المعدية عند العرب (الجنون والجذام والبرص) وخصها لأنها أخبث الأمراض وأبشعها وأقبحها وزاد أبو يعلى في رواية فإذا بلغ أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا كتب له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه اه (ابن عساكر) في تاريخه في ترجمة الوليد بن موسى القرشي من حديثه عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن الحسن (عن أنس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة الوليد كما تقرر وقال: قال العقيلي: يروي عن الأوزاعي أباطيل لا أصل لها وقال ابن حبان: هذا لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم اه. وأقره عليه الذهبي وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح الحديث: 4968 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 4969 - (الشيخ في أهله) وفي رواية في قومه (كالنبي في أمته) أي يجب له من التوقير مثل ما للنبي صلى الله عليه وسلم في أمته منه أو المراد يتعلمون من علمه ويتأدبون من أدبه لزيادة تجربته التي هي ثمرة عقله ولذلك ترى الأكراد والأتراك وأجلاف العرب مع قرب رتبتهم من البهيمة يوقرون الشيخ بالطبع <تنبيه> قال ابن عربي: الشيوخ نواب الحق كالرسل في زمانهم فهم ورثوا الشرائع وعليهم حفظ الشريعة لا التشريع وحفظ القلوب ورعاية الآداب فهم من العلماء بالله بمنزلة الطبيب من العالم بعلم الطبيعة والطبيب لا يعرف الطبيعة إلا بما هي مدبرة للبدن والعالم بالطبيعة يعرفها مطلقا وإن لم يكن طبيبا وقد يجمع الشيخ بينهما لكن حظ الشيخ من العلم أن يعرف من الناس موارد حركاتهم ومصادرها والعلم بالخواطر مذمومها ومحبوبها وموضع اللبس الداخل فيها من ظهور خاطر مذموم في صورة محمودة ويعرف الأنفاس والنظرة وما لهما وما يحتويان عليه من خير وشر ويعرف العلل والأدوية والأزمنة والسن والأمكنة والأغذية وما يصلح المزاج وما يفسده والفرق بين الكشف الحقيقي والخيالي ويعرف التحلي الإلهي ويعرف التربية وانتقال المريد من الطفولية إلى الشباب ومنه إلى الكهولة ويعلم ما للنفس والشيطان من الأحكام وأدويتها ومتى يصدق خواطر المريد ويعلم ما تكنه نفس المريد مما لا يشعر به ويفرق للمريد إذا فتح عليه في باطنه بين الفتح الروحاني والإلهي ويعلم بالشم أهل الطريق الذين يصلحون له والتحلية التي تحلى به نفوس المريدين الذين هم عرائس الحق فالشيخ عبارة عن جمع جميع ما يحتاجه المريد في حال تربيته وكشفه إلى انتهائه إلى الشيخوخة وما يحتاجه إذا مرض خاطره لشبهة وقعت له لا يعرف صحتها من سقمها كما وقع لشيخنا حين قيل له أنت عيسى ابن مريم فتأوله الشيخ بما ينبغي وكذا إذا ابتلي بسماع النهي عن واجب أو فعل حرام فالشيخ طبيب الدين فمهما نقص مما يحتاجه المريد في تربيته فلا يحل له القعود على منصة الشيخوخة فإنه يفسد أكثر مما يصلح ويفتن كالمتطبب يعل الصحيح ويقتل المريض (الخليلي في مشيخته وابن النجار) في تاريخه كلاهما من حديث أحمد بن يعقوب القرشي الجرجاني الأموي عن عبد الملك القناطري عن إسماعيل عن أبيه عن رافع (عن أبي رافع) قال ابن حبان: وهذا موضوع وقال غيره: هذا باطل وقال الزركشي: ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي الميزان في ترجمة محمد بن عبد الملك القناطري عن أبيه عن رافع روى حديثا باطلا " الشيخ في أهله كالنبي في أمته " وقيل له القناطري لأنه كان يكذب قناطير اه وفي اللسان قال الخليلي: حديث الطبراني وضعه كذاب على مالك يقال له صخر الحاجب وهو الذي وضع حديث " الشيخ في أهله كالنبي في أمته " الحديث: 4969 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 4970 - (الشيخ في بيته) يعني في أهله وعشيرته (كالنبي في قومه) لا لكبر سنه ولا لكمال قوته بل لتناهي عقله [ص: 186] الذي هو منبع العلم ومطلعه وأسه والعلم يجري منه مجرى الثمر من الشجر والنور من الشمس والرؤية من العين (حب في الضعفاء والشيرازي في الألقاب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم تعقبه مخرجه ابن حبان بأن ابن غنائم يروي عن مالك ما لم يحدث به قط وذكره ابن حبان في ترجمة ابن عمر وقال: هذا موضوع قال السخاوي: وجزم شيخنا يعني ابن حجر بكونه موضوعا ومن قبله ابن تيمية الحديث: 4970 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 4971 - (الشيخ يضعف جسمه وقلبه شاب على حب اثنتين) أي كان وما زال على حب اثنين فالمراد استمراره على ذلك ودوامه عليه وأن حبه لهما لا ينقطع بشيخوخته (طول الحياة وحب المال) خبران لمبتدأ محذوف ويجوز النصب على البدلية من اثنتين وفيه ذم الأمل والحرص على جمع المال وذلك يقتضي فضل الصدقة للغني والتعفف للفقير وإن الإرادة في القلب لا في قلب عين الأعضاء كما ظن قال الحافظ العراقي: والحديث غير متضح المعنى اه وأحسن ما وجه به ما تقرر (عبد الغني بن سعد في) كتاب (الإيضاح عن أبي هريرة) ورواه عن أحمد بلفظ الشيخ على حب اثنين طول الحياة وكثرة المال الحديث: 4971 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 4972 - (الشيطان يلتقم قلب ابن آدم) مشتق من القلب الذي هو المصدر لفرط تقلبه (فإذا ذكر الله خنس عنده) أي انقبض وتأخر (وإذا نسي الله التقم قلبه) وذلك لأن الشيطان سيال يجري من ابن آدم مجرى الدم وسيلانه كالهواء في القدح فإن أردت إخلاء القدح عن الهواء من غير أن تشغله بشيء فقد طمعت في غير مطمع بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل الهوى فكذا القلب المشغول بذكر الله يخلو عن جولان الشيطان ولو غفل عنه ولو لحظة فلا قرين له إلا الشيطان {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا} فعبر في الحديث عن هاتين الحالتين بالالتقام والخنوس على طريق ضرب المثل للتفهيم قال حجة الإسلام: والتطارد الذي بين ذكر الله ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلمة وبين الليل والنهار ولتطاردهما. قال تعالى {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله} (الحكيم) الترمذي (عن أنس) رمز المصنف لحسنه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من الحكيم ممن وضع لهم الرموز مع أنه خرجه أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 4972 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 4973 - (الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم) قال في الفردوس: يعني في السفر وقال غيره: أراد بالواحد المنفرد برأيه وأخذ منه أن تقليد الأكثر أولى من تقليد الأكبر ويؤيده خبر عليكم بالسواد الأعظم من شذ شذ إلى النار <فائدة> سئل شيخ الإسلام زكريا: هل للكرام الكاتبين وللشيطان الإطلاع على ما يخطر في القلب أم لا؟ فأجاب: لهم الإطلاع على ما يخطر بالقلب بإطلاع الله تعالى (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف اه. وأعله ابن القطان بعبد العزيز الأصم وقال: لا يعرف فالحديث لا يصح وفي الميزان عبد العزيز الأصم فيه جهالة ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 4973 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 حرف الصاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 4974 - [ص: 187] (صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر) (1) من حيث تساويهما في الإباء عن الرخصة في السفر وعن العزيمة في الحضر فهو حث على فعل الرخصة فالفطر لمن سفره ثلاثة أيام أفضل من الصوم عند الشافعي وأخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجب الفطر فيه. (2) (هـ عن عبد الرحمن بن عوف) مرفوعا (ن عنه موقوفا) رمز المصنف لحسنه قال ابن حجر: وأخرجه البزار ورجح وقفه وكذا جزم ابن عدي بوقفه وبين علته اه   (1) بلا عذر في حصول الإثم فإن لم يتضرر فصومه أفضل وإن تضرر ضررا يؤدي إلى الهلاك ففطره أفضل وإذا أصبح صائما ثم سافر لا يجوز له الفطر أي بلا تضرر وصورة المسألة أن يفارق سور البلد والعمران بعد الفجر فإن فارق قبله جاز له الفطر ولو نوى الصيام بالليل ثم سافر ولم يعلم أسافر قبل الفجر أم بعده فليس له أن يفطر لأن الشك لا يبيح الرخص (2) [وفي مثل هذا يتبين تمسك أبي حنيفة بالحديث دون الرأي ويتبين أن من وصفه بتقديم الرأي على النص فهو إما جاهل بدليله وإما متعصب متهور. وأقوال أبي حنيفة التي أخذ فيها بالحديث وترك الرأي والقياس تفوق الحصر ويدرك كثرتها كل من أنصف في البحث أو درس مذهبه. دار الحديث.] الحديث: 4974 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 4975 - (صاحب الدابة أحق بصدرها) فلا يركب غيره معه عليها إلا رديفا إلا أن يؤثره فلا يأبى الكرامة قال ابن العربي: إنما كان الرجل أحق بصدر دابته لأنه شرف والشرف حق المالك ولأنه يصرفها في المشي حيث شاء وعلى أي وجه أراد من إسراع وإبطاء وطول وقصر بخلاف غير المالك (حب عن بريدة) بن الحصيب (حم طب عن قيس بن سعد) بن عبادة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعنا له غسلا فاغتسل فأتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه ثم أتيناه بحمار ليركب فذكره قال الهيثمي: فيه ابن أبي ليلى سيء الحفظ (وعن حبيب) ضد العدو (بن مسلمة) بفتح الميم واللام بن مالك القرشي الفهري المكي نزيل الشام ويسمى حبيب الرومي لكثرة دخوله عليهم مجاهدا مختلف في صحبته قال حبيب: أتى قيس في الفتنة الأولى وهو على فرس فأخر عن السرج وقال: اركب فقلت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول صاحب إلخ قال: لست أجهل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن أخشى عليك قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات (حم عن عمر) بن الخطاب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صاحب الدابة أحق بصدرها قال الهيثمي: رجاله ثقات (طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (بن مالك الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بقباء فلما أراد أن يرجع جئناه بحمار فركب قلنا: يا رسول الله هذا الغلام يأتي معك يرد الدابة فذكره فرده وهو هلاج لا يساير قال الهيثمي: فيه الفضل بن المختار ضعيف (وعن عروة بن مغيث الأنصاري) قال الهيثمي: مختلف في صحبته وعده البخاري تابعيا وهو الصحيح (طس عن علي) أمير المؤمنين (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) وضعفه (أبو نعيم عن فاطمة الزهراء) قال الهيثمي: فيه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو متروك الحديث: 4975 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 4976 - (صاحب الدابة أحق بصدرها) أي بالركوب عليه (إلا من أذن) له بالبناء للفاعل فإن الحق له لا يعدوه ويصح بناؤه للمفعول ويكون المعنى إلا أجنبيا أذن له من صاحبها في ذلك فلا يكون صاحبها أحق لجعله الحق لغيره. [ص: 188] (ابن عساكر) في التاريخ (عن بشير) الأنصاري الحديث: 4976 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 4977 - (صاحب الدين مأسور) أي مأخوذ (بدينه في قبره) يعني محبوس فيه عن مقامه الكريم بسببه (يشكو إلى الله) ما يلقاه في قبره من (الوحدة) أي لا يرى أحدا يقضي عنه ويخلصه ذكره القاضي. قال التوربشتي: والمأسور من يشد بالإيسار أي القيد وكانوا يشدونه به فسمي كل من أخذ أسيرا وإن لم يشد وقال في الفردوس: المأسور المحبوس وزاد في رواية حتى يوفى عنه (طس وابن النجار) وكذا الديلمي (عن البراء) بن عازب ورواه عنه أيضا البغوي في شرح السنة قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه مبارك بن فضالة وثقه عفان وابن حبان وضعفه جمع الحديث: 4977 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 4978 - (صاحب الدين مغلول في قبره) أي مشدود يداه إلى عنقه بجامعة (لا يفكه) من ذلك الغل (إلا قضاء دينه) والظاهر أن المراد به دين أمكنه قضاءه في حياته ولم يقضه (فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه أحمد بن يزيد أبو العوام قال الذهبي في الذيل: مجهول الحديث: 4978 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 4979 - (صاحب السنة) أي المتمسك بها الجاري عليها (إن عمل خيرا قبل منه وإن خلط) فعمل عملا صالحا وآخر سيئا (غفر له) ما عمله من الذنوب ببركة استمساكه بالسنة وقيل: أراد بصاحب السنة المحدث وعليه يدل كلام الخطيب (خط في المؤتلف) والمختلف (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 4979 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 4980 - (صاحب الشيء) ولفظ رواية أبي يعلى المتاع (أحق بشيئه أن يحمله) لأنه أعون على التواضع وأنفى للكبر وهذا قاله لأبي هريرة وقد دخل أي النبي صلى الله عليه وسلم السوق فاشترى سراويل فأراد أبو هريرة أن يحمله فذكره ثم بين أن ذلك ما لم يكن عذر بقوله (إلا أن يكون ضعيفا) ضعفا خلقيا أو لمرض (يعجز) معه (عنه فيعينه عليه أخوه المسلم) وبيان الأحقية في هذا أن لكل من المتصاحبين حقا على الآخر فعلى أبي هريرة له حق الخدمة فطلب الوفاء بها فأجابه بما معناه وإن كان لك حق طلب الحمل أداء للخدمة لكن أنا أحق لكوني صاحبه وإنما منعه مع أن في خدمته غاية الشرف والتواضع لأنه مشرع فبين كل فعل في محله تشريعا ألا ترى قوله أحق أن يحمله وإنما عبر بأن والفعل المتأول بالمصدر ولم يقل من أول وهلة أحق بحمله لما في التعبير بصورته من زيادة معنى التأكيد (طس) وكذا أبو يعلى (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال: دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى القزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم وكان لأهل السوق وزان يزن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زن وأرجح فقال الوزان: هذه كلمة ما سمعتها من أحد قال أبو هريرة: فقلت كفى بك من الوهن والجفاء أن لا تعرف نبيك فطرح الميزان ووثب إلى يده يريد تقبيلها فجذب يده وقال: هذا إنما تفعله الأعاجم بملوكها ولست بملك إنما أنا رجل منكم فوزن وأرجح قال أبو هريرة: فذهبت أحمله عنه فذكره قال أبو هريرة: فقلت يا رسول الله إنك لتلبس السراويل قال: نعم في السفر والحضر وبالليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أر شيئا أستر منه هذا سياقه عند الطبراني وأبي يعلى وبذلك تبين صحة جزمه في الهدى بأنه لبسها فقول الشمني في حاشية الشفاء كبعض المتأخرين من الحفاظ إن ما فيه سبق قلم زلل [ص: 189] فاحش سببه قصور النظر قال الحافظ الزين العراقي وابن حجر: سنده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف جدا بل بالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه وقال: فيه يوسف بن زياد عن عبد الرحمن الأفريقي ولم يروه عنه غيره ورده المؤلف بأنه لم ينفرد به يوسف فقد خرجه البيهقي في الشعب والأدب من طريق حفص بن عبد الرحمن ويرد بأن عبد الرحمن قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات فهو كاف في الحكم بوضعه الحديث: 4980 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 4981 - (صاحب الصف وصاحب الجمعة) أي الملازم على الصلاة في الصف الأول وعلى صلاة الجمعة في الأجر سواء (1) (لا يفضل هذا على هذا ولا هذا على هذا) بل هما متعادلان في حيازة الثواب ومقداره ويحتمل في الحيازة دون المقدار (أبو نصر القزويني في مشيخته عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم   (1) لأن صلاة الجمعة فرض عين بشروط والصلاة في الصف الأول سنة وكل من الصفين له فضل فتعادلا وهو من باب الترغيب في الصف الأول ويحتمل أنه للترغيب في صلاة الجمعة وأن حضورها كحضور الصف في الجهاد الحديث: 4981 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 4982 - (صاحب العلم) الشرعي العامل به المعلمه لغيره لوجه الله تعالى (يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر) فيا لها من مرتبة ما أسناها ومنزلة ما أرفعها وأعلاها يكون المرء مشتغلا بأمر دنياه وصحف حسناته متزايدة وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب وهذا سر قوله " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " ولولا العلماء الذين يتلقون العلم ويعلمونه الناس ويبينون الحلال من الحرام جيلا بعد جيل لهلكت الناس والدواب والأنعام حتى حيتان البحر وضاع الدين واضمحل العدل فحق لهم أن يستغفروا له (ع عن أنس) بن مالك الحديث: 4982 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 4983 - (صاحب الصور) إسرافيل (واضع الصور على فيه منذ خلقه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فينفخ) وذلك لأن إسرافيل واضع فاه على القرن كهيئة البوق ودارة رأسه كعرض السماء والأرض وهو شاخص بصره نحو العرش ينتظر متى يؤمر فينفخ النفخة الأولى فإذا نفخ صعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ الثانية بعد أربعين سنة (1) (خط) في ترجمة عبد الصمد البزار (عن البراء) بن عازب وفيه عبد الصمد بن نعمان أورده الذهبي في الذيل وقال الدارقطني: غير قوي وعبد الأعلى بن أبي المشاور أورده في الضعفاء وقال: تركه أبو داود والنسائي   (1) وهذا لا ينافي نزوله إلى الأرض واجتماعه بالمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن المراد به أنه واضع فمه عليه ما لم يؤمر بخدمة أخرى الحديث: 4983 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 4984 - (صاحب اليمين) أي الملك المتكفل بكتابة ما يكون من جند باعث الدين هو كاتب اليمين (أمير على صاحب الشمال) أي الملك الموكل بما ينشأ عن جند باعث الشهوة المضاد لباعث الدين قال الغزالي: وهذان الملكان وكلا بالآدمي عند كمال شخصه بمقاربة البلوغ أحدهما وهو ذو اليمين يهديه والآخر يقويه على رد جند باعث الشهوة فيتميز بمعونتهما عن البهائم ورتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوى فلذلك كان أميرا عليه وللعبد أطوار في الغفلة والفكر والاسترسال والمجاهدة فهو [ص: 190] بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب أغراضا سيئة وبالفكر يقبل هو عليه ليستفيد منه الهداية وهو بذلك محسن فيكتب له بذلك حسنة وبالاسترسال معرض عن صاحب الشمال تارك للاستمداد منه وهو بذلك مسيء إليه فيكتب عليه بذلك سيئة وبالمجاهدة مستمد منه فيكتب له حسنة وإنما يكتب هذه الحسنات والسيئات بإثباتهما فلذلك سميا كراما كاتبين أما الكرام فلانتفاع العبد بهما ولأن الملائكة كلهم بررة وأما الكاتبين فلإثباتهما الحسنات والسيئات بالكتابة (فإذا عمل العبد) أي البالغ العاقل أما الصبي أو المجنون فلا يكتبان عليه شيئا كما قال الغزالي (حسنة كتبها بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك) عن كتابتها (ست ساعات) يحتمل الفلكية ويحتمل الزمانية (1) (فإن استغفر الله منها) أي طلب منه أن يغفرها وتاب منها توبة صحيحة (لم يكتب عليه شيئا) فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له (وإن لم يستغفر الله كتب عليه سيئة واحدة) ظاهر كلام الغزالي أن هذه الكتابة خارجة عن نمط كتابة الدنيا حيث قال: وإنما يكتبان في صحائف مطوية في سر القلب ومطوية عن سر القلب حتى لا تطلع في هذا العالم فإنهما وكتابتهما وخطهما وصحائفهما وجملة ما يتعلق بهما من عالم الغيب والملكوت لا من عالم الشهادة وشيء من عالم الملكوت لا يدرك في هذا العالم انتهى وقال في موضوع آخر: أكثر الخلق يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الوجود بخط إلهي لا حرف فيه ولا صوت وذلك إنما يدرك بعين البصيرة لا بعين البصر <تنبيه> ذكر الغزالي أيضا أن الكرام الكاتبين لا يطلعون على أسرار القلب إنما يطلعون على الأعمال الظاهرة (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجاله وثقوا انتهى واعلم أن للطبراني هنا ثلاث روايات إحداها مرت في حرف الهمزة وهذه الثانية وهما جيدتان وله طريق ثالثة فيها جعفر بن الزبير وهو كذاب كما بسطه الحافظ الهيثمي   (1) [الساعة " الفلكية " مقدار الساعة المعروفة في عصرنا و " الزمانية " كقولك " برهة " من الزمن. والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 4984 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 4985 - (صالح المؤمنين أبو بكر وعمر) أي هما أعلى المؤمنين صفة وأعلاهم قدرا والظاهر أن صالحا هنا واحد أريد به التثنية قال في الكشاف في تفسير {وصالح المؤمنين} : هو واحد أريد به الجمع كقوله لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس وكقوله لا ينفعه إلا من صلح منهم ويجوز أن يكون أصله صالحو المؤمنين بالواو فكتب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الجمع والواحد واحد فيه كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط انتهى قال أعني الكشاف: والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين وهو متمني أنبياء الله قال تعالى حكاية عن سليمان {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} وقال في إبراهيم {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} (طب) وابن مردويه في تفسيره وكذا الخطيب في التاريخ (عن ابن مسعود) قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {وصالح المؤمنين} من هم؟ فذكره الحديث: 4985 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 4986 - (صام نوح) عبد الله (الدهر) كله (إلا يوم) عيد (الفطر ويوم) عيد (لأضحى) فإنه لم يصمهما لعدم قبول وقتهما للصوم (وصام داود) النبي (نصف الدهر) كان يصوم يوما ويفطر يوما على الدوام (وصام إبراهيم) خليل الله (ثلاثة أيام من كل شهر) قيل: البيض وقيل: من أوله (صام الدهر وأفطر الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها فالثلاثة بثلاثين وهي عدة أيام الشهر وفيه أن تحريم يوم الفطر ويوم الأضحى ليس من خصوصياتنا وهذا فيما كانوا يصومون تطوعا أما الواجب فمسكوت عنه هنا وفي أثر عن مجاهد إن الله كتب رمضان على من كان قبلكم (طب هب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: صيام نوح ورواه ابن ماجه وصيام داود في الصحيح وهذا الخبر فيه أبو فارس ولم أعرفه وأقول فيه أيضا ابن لهيعة الحديث: 4986 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 [ص: 191] 4987 - (صبيحة ليلة القدر) أي الحكم الفصل سميت به لعظم قدرها (تطلع الشمس لا شعاع لها) بضم الشين ما يرى من ضوئها عند غروبها مثل الحبال والقضبان مقبلة عليك إذا نظرتها وانتشار ضوئها (كأنها طست حتى ترتفع) الشمس كرمح في رأي العين (حم م 3 عن أبي) بن كعب الحديث: 4987 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 4988 - (صدق الله فصدقه) قاله في رجل جاهد حتى قتل يعني أنه تعالى وصف المجاهدين بالذين قاتلوا لوجهه صابرين محتسبين فتحرى هذا الرجل بفعله وقاتل صابرا محتسبا فإنه صدق الله تعالى {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وهذا القول كناية عن تناهي رفعة منزلته (طب عن شداد بن الهاد) الليثي واسم أبيه أسامة قيل له الهاد لأنه كان يوقد النار ليلا لمن يسلك الطريق من الأضياف وشداد صحابي شهد الحديبية وما بعدها وفيه قصة طويلة الحديث: 4988 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 4989 - (صدقة) أي القصر صدقة (تصدق الله بها عليكم) وليس بعزيمة (فاقبلوا بصدقته) واقصروا في السفر وفيه أن القصر رخصة لا عزيمة فإن الواجب لا يسمى صدقة ويدل له آية {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وذهب الحنفية إلى أنه عزيمة لقول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي ففرضت أربعا وأجاب الأول بأن هذا من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة ذكره الخطابي واعترض قال ابن حجر: والذي يظهر وبه يجمع بين الأدلة أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر بالآية المذكورة صدقة علينا قال الشارح: والباء في بصدقته زائدة ولم أرها في شيء من الكتب الستة اه. ولعلها سبق قلم من المؤلف وللحديث قصة وهو أن يعلى بن أمية قال لعمر بن الخطاب قال الله عز وجل: {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} الآية (1) وقد أمن الناس فقال: عجبت بما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة إلخ هذا يدفع قول البعض المراد بالصدقة الفطر في الصيام سفرا نعم هو يؤخذ منه قياسا وفيه تعظيم شأن المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث أطلق ما قيد الله ووسع على عباد الله ونسب فعله إليه لأنه خيرة الله من خلقه (ق 4 عن عمر) بن الخطاب ظاهره أن الكل رووه وليس كذلك بل عزوه للبخاري غلط أو ذهول فقد قال الصدر المناوي وغيره: رواه الجماعة كلهم إلا البخاري ومن ثم اقتصر الحافظ ابن حجر في تاريخ المختصر وغيره على عزو الحديث لمسلم وأبي داود والنسائي والترمذي   (1) والمراد بالفتنة الاغتيال والغلبة والقتال والتعريض بما يكره وليست المخافة شرطا لجواز القصر لهذا الحديث وللإجماع على جوازه مع الأمن وإنما ذكر الخوف في الآية لأن غالب أسفارهم يومئذ كانت مخوفة لكثرة العدو بأرضهم وفيه إشعار بأن القصر ليس واجبا لا في السفر ولا في الخوف لأنه لا يقال في الواجب لا جناح في فعله وفي الحديث جواز تصدق الله علينا واللهم تصدق علينا بكذا خلافا لمن كره أن يقال ذلك وقال لأن المتصدق يرجو الثواب الحديث: 4989 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 4990 - (صدقة الفطر) أي من رمضان فأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر منه أو مأخوذة من الفطر التي هي الخلقة المرادة بقوله تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} (صاع تمر) وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي عند مالك والشافعي [ص: 192] وأحمد (أو صاع شعير) أو ليست للتخيير بل لبيان الأنواع التي يخرج منها وذكرا لأنهما الغالب في قوت أهل المدينة (عن كل رأس أو صاع بر أو قمح) قال الزمخشري: القمح البر سمي به لأنه أرفع الحبوب من قامحت الناقة إذا رفعت رأسها وأقمح الرجل إقماحا إذا شمخ بأنفه (بين اثنين) أخذ بظاهره أبو حنيفة تبعا لفعل معاوية في أجزاء نصف صاع حنطة وخالفه الثلاثة فأوجبوا صاعا من أي جنس كان وأجابوا بأن معاوية فعله باجتهاد وخالفه من هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي منه أبو سعيد فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد النبي صاع تمر أو بر أو شعير أو أقط فقيل له: أو مدي قمح فقال: لا تلك قسمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها رواه ابن خزيمة (صغير) ولو يتيما خلافا لأبي الحسن وزفر (أو كبير حر أو عبد) ظاهره أن العبد يخرج عن نفسه وهو مذهب داود ويرده خبر ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر فإنه يقتضي أنها على سيده دونه وقال البيضاوي: جعل وجوب زكاة الفطر على السيد كالوجوب على العبد مجازا إذ ليس هو أهلا لأن يكلف بالواجبات (ذكرا أو أنثى) أو خنثى أخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجبها على المزوجة وأوجبها الثلاثة على الزوج (غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه) فيه أنه لا يعتبر لوجوب صدقة الفطر ملك نصاب وقال أبو حنيفة يعتبر ولا زكاة على من لا يفضل على منزل وخادم يحتاجهما ويليقان به وعن قوته وقوت ممونه ليلة العيد ويومه ما يخرجه فيها وامرأة غنية لها زوج معسر وهي مطيعة له (حم د عن عبد الله بن ثعلبة) قال ابن قدامة: تفرد النعمان بن راشد وهو كما قال البخاري يتهم كثيرا وهو صدوق في الأصل وقال: ههنا ذكرت لأحمد حديث بن ثعلبة هذا فقال: ليس صحيح إنما هو عن الزهري مرسل قلت: من قبل هذا قال: من قبل من النعمان بن راشد فليس بقوي اه وقال ابن عبد البر: ليس دون الزهري من يقوم به حجة الحديث: 4990 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 4991 - (صدقة الفطر على) أي عن (كل إنسان مدان من دقيق أو قمح ومن الشعير صاع ومن الحلو زبيب أو تمر صاع صاع) اختلف في أي جنس تجب منه الفطرة فمذهب الشافعي: أن جنسها كل ما يجب فيه العشر وقال المالكية: جنسها المفتات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحنفية والحنابلة: يخير بين هذه الخمسة وما في معناها (طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه الليث بن حماد ضعيف الحديث: 4991 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 4992 - (صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير أو مدان من حنطة عن كل صغير وكبير وحر وعبد) وروي بالواو وباء والمعنى سواء إلا أن الواو أدخل في إثبات المعنى المطلوب لأن الواجب على كل واحد من المذكورين لا على أحدهم دون الآخر وقد ترد أو بمعنى الواو على حد {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} وتمسك بهذا الخبر أبو حنيفة في اكتفائه بأقل من صاع بر وخالفه الباقون وضعفوا الخبر (قط عن ابن عمر) بن الخطاب قال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه بقية وتقدم الكلام فيه عن داود بن الزبرقان ضعفوه كلهم وقال في مقارب قال أحمد كيحيى: ليس بشيء الحديث: 4992 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 4993 - (صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك) مدبرا كان أو أم ولد أو معلق [ص: 193] العتق بصفة ولو آبقا مغصوبا مؤجرا مرهونا يؤديها سيده عنه (نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير) وفيه أن الفطر تجب على الإنسان عن غيره وقال داود: عليه فطرته فقط وقوله نصف صاع منصوب بفعل مقدر نحو أعني أو على أنه معمول لتعلق الجار والمجرور المحذوف أو حال وقوله أو صاعا معطوف عليه في الأحوال كلها (قط عن ابن عباس) ثم قال مخرجه الدارقطني: تفرد به سلام الطويل وهو متروك وقال الذهبي في التنقيح: خبر واه اه وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لمخرجه وسكوته عما عقبه به من بيان علته كما هو دأبه في هذا الكتاب غير صواب الحديث: 4993 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 4994 - (صدقة ذي الرحم) أي القرابة (على ذي الرحم صدقة وصلة) ففيها أجران بخلاف الصدقة على الأجنبي ففيها أجر واحد وفيه التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين لتحصيل مقصودهما به فلعامله سائر ما ورد في ثوابهما بفضل الله ومنته (طس عن سلمان بن عامر) بن أويس الضبي بفتح المعجمة وكسر الموحدة صحابي سكن البصرة قال مسلم: ليس في الصحب ضبي غيره واعترض. رمز المصنف لصحته وهو خطأ لذهوله عن قول الحافظ الهيثمي وغيره فيه غالب بن فزان وهو ضعيف الحديث: 4994 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 4995 - (صدقة السر تطفئ غضب الرب) يمكن حمل إطفاء الغضب على المنع من إنزال المكروه في الدنيا ووخامة العاقبة في العقبى من إطلاق السبب على المسبب كأنه نفى الغضب وأراد الحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في العقبى قال ابن عربي: وهو الموفق عبده لما تصدق به فهو المطفئ غضبه بما وفق عبده اه. قال بعضهم: المعنى المقصود في هذا الموضع الحث على إخفاء الصدقة وفي مسند أحمد قال ابن حجر: سند حسن رفعه أن الملائكة قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال: نعم الحديد قالت: فهل شيء أشد من الحديد قال: نعم النار قالت: فهل شيء أشد من النار قال: نعم الماء قالت: فهل شيء أشد من الماء قال: نعم الريح قالت: فهل شيء أشد من الريح قال: نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيه عن شماله (طص عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (والعسكري) بفتح العين وسكون السين المهملتين وفتح الكاف نسبة إلى عسكر مكرم مدينة من كور الأهواز يقال لها بالعجمية كشكر وهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد صاحب التصانيف الحسنة أحد أئمة الأدب وذوي الأخبار والنوادر (في السرائر عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه من طرق الطبراني أصرم بن حوشب وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه للترمذي من حديث أنس الحديث: 4995 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 4996 - (صدقة المرء المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء) بكسر الميم وفتح السين أصله موتة قلبت الواو ياء وهي الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت وأراد بميتة السوء ما لا تحمد عاقبته ولا تؤمن غائلته من الحالات التي يكون عليها الإنسان عند الموت فالفقر المدقع والوصب الموجع وموت الفجاءة والغرق والحرق ونحوها ذكره التوربشتي وقال الحكيم وتبعه جمع: هي ما تعوذ منه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دعائه وقال الطيبي: هي سوء الخاتمة ووخامة العاقبة (ويذهب الله بها الفخر والكبر) لا ينافي زيادتها في العمر {وما يعمر من معمر} لأنه من تسمية الشيء بما يؤول إليه [ص: 194] أي وما يعمر من أحد ألا ترى أنه يرجع الضمير في قوله ولا ينقص من عمره إليه والنقصان من عمر المعمر محال وهو من التسامح في العبارة فقد يفهم السامع هذا بحسب الجليل من النظر وقضية النظر الدقيق أن المعمر الذي قدر له العمر الطويل يجوز أن يبلغ حد ذلك العمر (1) وأن لا يزيد عمره على الأول وينقص على الثاني ومع ذلك لا يلزم التغير في التقدير لأن المقدر على كل شخص الأنفاس المعدودة لا الأيام المحدودة والأعوام الممدودة وما قدر من الأنفاس يزيد وينقص بالصحة والحضور والمرض والتعب ذكره ابن الكمال أخذا من الكشاف وغيره <تنبيه> مما ورد أنه يزيد في العمر إسباغ الوضوء فقد روى ابن عدي عن أنس مرفوعا أسبغ الوضوء يزد في عمرك (أبو بكر بن مقسم في جزئه عن عمرو بن عوف) الأنصاري البدري قضية صنيع المصنف أن ذلك لم يخرجه أحد من المشاهير والأمر بخلافه بل خرجه الطبراني والديلمي عن عمرو المذكور باللفظ المزبور من هذا الوجه   (1) قال كعب الأحبار حين حضرت عمر الوفاة والله لو دعا ربه أن يؤخر أجله لأخره قيل له إن الله عز وجل يقول {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} فقال هذا إذا حضر الأجل وما قبل ذلك فيجوز أن يزاد أو ينقص وقرأ هذه الآية {إن ذلك على الله يسير} الحديث: 4996 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 4997 - (صغاركم) أيها المؤمنون وفي رواية صغاركم (دعاميص الجنة) أي صغار أهلها وهو بفتح الدال جمع دعموص بضمها الصغير وأصله دويه صغيرة يضرب لونها إلى سواد تكون في الغدران لا تفارقها شبه الطفل بها في الجنة لصغره وسرعة حركته وكثرة دخوله وخروجه وقيل هي سمكة صغيرة كثيرة الاضطراب في الماء فاستعيرت هنا للطفل يعني هم سياحون في الجنة دخالون في منازلها لا يمنعون كما لا يمنع صبيان الدنيا الدخول على الحرم وقيل الدعموص اسم للرجل الزوار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج ولا يتوقف على إذن ولا يبالي أين يذهب من ديارهم شبه طفل الجنة به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمنع من أي مكان منها (يتلقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة) فيه أن أطفال المسلمين في الجنة وهو إجماع من يعتد به ولا عبرة بخلاف المجبرة ولا حجة لهم في خبر الشقي من شقي في بطن أمه لأنه عام مخصوص بل الجمهور على أن أطفال الكفار فيها (حم خد م) من حديث أبي حسان (عن أبي هريرة) قال أبو حسان: قلت لأبي هريرة إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا قال نعم ثم ذكره الحديث: 4997 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 4998 - (صغروا الخبز وأكثروا عدده يبارك لكم فيه) هذا الحديث ستعرف حاله على الأثر قال ابن حجر: وقد تتبعت هل كانت أقراص خبز المصطفى صلى الله عليه وسلم صغارا أو كبارا فلم أر في ذلك شيئا بعد التفتيش إلا هذا الحديث وما أشبهه مما لا يحتج به (الأزدي في) كتاب (الضعفاء) والمتروكين (والإسماعيلي في معجمه) من هذا الوجه الذي خرجه منه الأزدي كما في اللسان (عن عائشة) وقضية صنيع المصنف أن الأزدي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه ففي اللسان في ترجمة جابر بن سليم قال الأزدي: منكر الحديث لا يكتب حديثه ثم روى هذا الخبر وقال: وهذا خبر منكر لا شك فيه اه. قال في اللسان: ولعل الأخذ فيه ممن دون جابر فإن ابن أحمد نقل عن أبيه أنه ثقة قال: والخبر منكر لا يشك فيه ورواه عن عائشة أيضا الديلمي قال ابن حجر في التخريج: والخبر واه بحيث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: المتهم به جابر هذا اه وتعقب المؤلف ابن الجوزي في الحكم بوضعه بأن له شاهدا وهو الخبر الآتي فرقوا خبزكم يبارك لكم فيه اه ومن البين عند أئمة هذا الفن أن الشاهد لا ينجع في الموضوع وممن [ص: 195] ذكره عنهم المؤلف وغيره ومما حكموا بوضعه من أحاديث الخبز ما رواه ابن رزين عن ابن عباس مرفوعا: ما استخف قوم بحق الخبز إلا ابتلاهم الله بالجوع الحديث: 4998 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 4999 - (صفتي) أي في الكتب السابقة (أحمد المتوكل) على الله حق توكله والصفة هي التوكل وأما أحمد فهو اسم له كما نطق به التنزيل فذكره أولا توطئة للوصف وكان سيد المتوكلين ولذلك لم يحترف ولم يكن له حارس (ليس بلفظ) بفاء وظاء معجمة أي سيء الخلق (ولا غليظ) أي سيء الخلق شديده (يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة مولده بمكة ومهاجره طيبة) هو اسم المدينة النبوية (وأمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ويوضؤن أطرافهم أناجيلهم) جمع إنجيل وهو الكتاب الذي يتلى محفوظة (في صدورهم) يعني كتبهم محفوظة في قلوبهم ويقال الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور كذا في الفردوس (يصفون للصلاة كما يصفون للقتال قربانهم الذي يتقربون به إلى ربهم دماؤهم رهبان بالليل ليوث بالنهار) فيه أن الوضوء من خصائصهم لكن الذي عليه الشافعي أن الخاص الكيفية المخصوصة أو الغرة والتحجيل لأدلة أخرى (طب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم الحديث: 4999 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 5000 - (صفوة الله من أرضه الشام وفيها صفوته من خلقه وعباده) عطف تفسير ويحتمل أنه بضم العين وشدة الموحدة جمع عابد فيكون من عطف الخاص على العام (وليدخلن) أكد باللام إشارة إلى تحقق وقوعه (الجنة من أمتي ثلاث حثيات) من حثياته تعالى لقوله في الحديث فحثى بيديه وتقدم معناه (لا حساب عليهم ولا عذاب) السياق يقتضي أن المراد من أهل الشام والصفوة هو الخاص المختار (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عبد العزيز بن عبيد الله الحمصي وهو ضعيف الحديث: 5000 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 5001 - (صلة الرحم) أي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول إليه فتارة يكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة (وحسن الخلق وحسن الجوار) بكسر الجيم وضمها وعليه اقتصر في المصباح (يعمرن الديار) أي البلاد قال في الكشاف: تسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أي يتصرف يقال ديار بكر لبلادهم وتقول العرب الذين من حوالي مكة نحن من عرب الديار يريدون من عرب البلد (ويزدن في الأعمار) كناية عن البركة في العمر بالتوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في آخرته أو الزيادة بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر قال ابن الكمال: في تخصيص حسن الجوار بالذكر من جملة ما ينتظمه حسن الخلق نوع تفضيل له على سائر أفراده والظاهر من سياق الكلام أن ذلك الفضل من جهة قوة التأثير في الأمرين المذكورين وينبغي للبليغ أن يراعي هذه القاعدة في مواقع التخصيص بعد [ص: 196] التعميم (حم هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الحافظ في الفتح: رواه أحمد بسند رجاله ثقات اه وإعلال العلاء له بأن فيه محمد بن عبد الله العرزمي ضعفوه يكاد يكون غير صواب فقد وقفت على إسناد أحمد والبيهقي فلم أره فيهما فلينظر الحديث: 5001 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 5002 - (صلة الرحم) أي القرابة وإن بعدت (تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب) استدل به الرافعي على أن صدقة السر أفضل من العلانية قال ابن حجر: وأولى منه خبر سبعة يظلهم الله وفيه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها قال في الإتحاف: ذكر مع الصلة صدقة السر للمناسبة التامة المؤذنة بمزيد فضل فالصلة بأنها تزيد في العمر سواء كانت سرا أو جهرا بخلاف إطفاء الغضب فإنه لا يكون إلا بالصدقة سرا ثم إخفائها فالصلة أفضل فإنها نوع من الصدقة فيجتمع فيها حينئذ الأمران الزيادة في العمر وإطفاء الغضب ولما كان الغضب عندنا ينشأ من غليان الدم ناسب أن يعبر عنه بالإطفاء وإن كان ذلك من المحال في حقه تعالى وتقدس فالمراد غايته من أنه لا يصل أثره ولا يبقى مع الصلة منه شيء كما لا يبقى من حرارة النار بعد الإطفاء ما يؤذي (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال ابن حجر: فيه من لا يعرف الحديث: 5002 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 5003 - (صلة القرابة مثراة) بفتح فسكون مفعلة من الثرى أي الكثرة (في المال) أي زيادة فيه (محبة في الأهل منسأة في الأجل) أي مظنة لتأخيره وتطويله والنسأ التأخير يقال نسأت الشيء نسئا إذا أخرته قال الزمخشري: معناه أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم والصلة قدر زائد على الحقوق المتعلقة بالعموم كتفقد حالهم وتعهدهم بنحو نفقة وكسوة وبشاشة وغيرها فهي أنواع بعضها واجب وبعضها مندوب وأدناها ترك المهاجرة <تنبيه> قال بعضهم: الصلة نوع من التوحيد لأن الألفة اجتماع والاجتماع اتحاد والقطيعة افتراق والافتراق كثرة والكثرة ضد التوحيد فلذلك قطع الله قاطع الرحم لأن الله واحد لا يصل إلا واحدا متصفا بالتوحيد (طس عن عمرو) قال في التقريب: صوابه عمر (بن سهل) الأنصاري رمز لحسنه. قال الذهبي: سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلة الرحم إن صح ذلك اه. قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم اه. وقضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الحافظ في الفتح إلى الترمذي عن أبي هريرة بلفظ صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر هكذا ذكره الحديث: 5003 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 5004 - (صل من قطعك) بأن تفعل معه ما تعد به واصلا فإن انتهى فذاك وإلا فالإثم عليه (وأحسن إلى من أساء إليك) ومن ثم قال الحكماء: كن للوداد حافظا وإن لم تجد محافظا وللخل واصلا وإن لم يكن مواصلا وقال الغزالي: رأيت في الإنجيل قال عيسى ابن مريم لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف والآن أقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه اليسار ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك ومن سخرك معه ميلا فسر معه ميلين وكل ذلك أمر بالصبر على الأذى (1) (وقل الحق ولو على نفسك) فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك وما يلقى هذه الخليقة التي هي مقابلة القطع بالوصل والإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} قال [ص: 197] في الإتحاف: هذا الحديث تعليم بمعالم الأخلاق التي يسبق بها مع السباق (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن علي) أمير المؤمنين. قال ابن حجر: ورويناه في جزء لابن شاذان عن أبي عمرو بن السماك من حديث علي بن الحسين عن جده علي بن أبي طالب قال: ضممت إلي سلاح النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت في قائم سيفه رقعة فيها صل من قطعك إلخ قال ابن الرقعة في المطلب: ليس فيه شيء إلا الانقطاع. قال ابن حجر: وفيه نظر لأن في سنده الحسين بن زيد بن علي ضعفه ابن المديني وغيره   (1) قال الشهاب في شرح الشفاء: قال بعض الحكماء لا يحملنك سب الجهول لك وجرأة السفيه عليك على الإجابة عليه بل حلم يفني صبرك خير من سفه يشفي صدرك الحديث: 5004 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 5005 - (صلوا قراباتكم) بأن يفعل أحدكم معهم ما يعد به واصلا (ولا تجاوروهم) في المساكن (فإن الجوار يورث الضغائن بينكم) أي الحقد والعداوة جمع ضغينة وهي الحقد والعداوة والبغضاء قال في الإتحاف: ويتجه حمله على من توهم منه ذلك فإن غلب على الظن السلامة من ذلك لم تكره مجاورته وإن غلب على الظن وقوع ذلك كرهت فإن كل ذي نعمة محسود فإذا اطلع القريب على قريبه وقد زاد الله عليه في الرزق وشاهد ذلك غدوا وعشيا قوي حسده (1) <تنبيه> قال الراغب: المعاداة قد تكون بسبب الفضيلة أو الرذيلة كمعاداة الجاهل للعالم وقد تكون بسبب تجاذب نفع دنيوي كالتجاذب في رئاسة أو جاه أو مال وقد تكون بسبب لحمة ومجاورة مورثة للحسد كمعاداة بني الأعمام بعضهم لبعض وذلك في كثير من الناس كالطبيعي وقال رجل لآخر: إني أحبك. قال: علمت ذلك. قال: من أين؟ قال: لأنك لست بشريك ولا نسيب ولا جار ولا قريب وأكثر المعاداة تتولد من شيء من ذلك (عق) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن أبي موسى) الأشعري. ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه وهو تلبيس فاحش فإنه أورده في ترجمة سعيد بن أبي بكر بن أبي موسى من حديث داود المحبر عن عبد الله بن عبد الجبار عن سعيد هذا عن أبيه عن جده مرفوعا ثم قال أعني العقيلي: حديث منكر وسعيد حديثه غير محفوظ ولا يعرف هذا الحديث إلا به وليس له أصل والراوي عنه مجهول انتهى وفي الميزان حديث منكر والآفة ممن بعد سعيد وداود ضعيف ولهذا حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع   (1) [وليس الحسد السبب الوحيد في زيادة الضغائن حيث أن للمسلم على المسلم وللجار على الجار وللرحم على الرحم واجبات عديدة حددها الشرع. فمن جاور قرابته كان عليه القيام بتلك الحقوق مجتمعة فإذا قصر تولدت الضغائن لا محالة حيث أن الحكمة في أكثر تلك الحقوق هي قوام المجتمع السليم ومهما كثر تقصيره كثرت الضغائن. دار الحديث] الحديث: 5005 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 5006 - (صلت الملائكة على آدم) لما مات (فكبرت عليه أربعا) من التكبيرات (وقالت) مخاطبة لبني آدم (هذه سنتكم يا بني آدم) أي طريقتكم الواجب عليكم فعلها لمن مات منكم أبد الآبدين وفيه أن الصلاة على الجنازة ليست من خصوصيات هذه الأمة (1) (هق عن أبي) بن كعب رمز المصنف لصحته وهو هفوة فقد تعقبه الذهبي في المهذب بأن فيه عثمان بن سعد وفيه لين   (1) قال الزيادي: يمكن حمل القول بالخصوصية على كيفية مخصوصة مشتملة على قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والقول بعدم الخصوصية على غيرها الحديث: 5006 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 5007 - (صل صلاة مودع) أي مودع لهواه مودع لعمره وسائر إلى مولاه (كأنك تراه) عيانا (فإن كنت لا تراه فإنه يراك وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا) وفي رواية الطبراني وايأس مما في أيدي الناس تكن غنيا (وإياك وما يعتذر منه) أي احذر أن تفعله بحال وقد سبق تقريره (أبو محمد) عبد الله بن عطاء (الإبراهيمي) نسبة إلى جده الهروي الواعظ روى عنه الديلمي وغيره (في كتاب الصلاة وابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: قال رجل: يا رسول الله حدثني بحديث واجعله موجزا فذكره وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من [ص: 198] المشاهير الذين رمز لهم مع أن الطبراني خرجه في الأوسط عن ابن عمر قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه الحديث: 5007 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 5008 - (صل) يا عمران بن حصين الذي ذكر لنا أن به بواسير حال كونك (قائما) أي صلي الفرض قائما (فإن لم تستطع) القيام بل لحقك به مشقة شديدة أو خوف زيادة مرض أو هلاك أو عرق أو دوران رأس راكب السفينة (فقاعدا) أي فصل حال كونك قاعدا كيف شئت والافتراش أفضل (فإن لم تستطع) القعود للمشقة المذكورة (فعلى) أي فصل على (جنب) وجوبا مستقبل القبلة بوجهك وعلى الأيمن أفضل ويكره على الأيسر بلا عذر قال البيضاوي وغيره: هذا حجة للشافعي وأحمد أن المريض يصلي مضطجعا على جنبه الأيمن مستقبلا بمقادم بدنه ورد على أبي حنيفة حيث قال لا يصلي على جنب بل مستلقيا ليكون سجوده وركوعه للقبلة فلو أتمها على جنب لكان لغيرها وتأويله الحديث بأنه خطاب لعمران وكان مرضه بواسير وهي تمنع الاستلقاء يدفعه زيادة للنسائي في حديث عمران هذا فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها واستدل به الحنفية والمالكية على أنه لا يلزم من عجز عن الاستلقاء الانتقال إلى حالة أخرى كالإيماء بالرأس فالطرف وأوجبه الشافعية لخبر إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم <فائدة> قال ابن المنير: اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب يكثر وقوعه وهو أن يعجز المريض عن التذكر ويقدر على الفعل فألهمه الله أن اتخذ من يلقنه فكان يقول أحرم بالصلاة قل الله أكبر إقرأ الفاتحة إركع وهكذا يلقنه وهو يفعل ما يقول وفيه وجوب القيام على القادر في الفرض فإن عجز وجب القعود فإن عجز فالاضطجاع (حم خ) في صلاة المسافر (4) في الصلاة (عن عمران بن حصين) ولم يخرجه مسلم قال ابن حجر: واستدركه الحاكم فوهم الحديث: 5008 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 5009 - (صل قائما) يا من سألنا كيف أصلي في السفينة (إلا أن تخاف الغرق) أي إلا إن خفت من دوران الرأس والسقوط في البحر لو وقفت فإنه يجوز لك في الفرض القعود للضرورة (ك) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة فذكره قال الحاكم: على شرط مسلم وهو شاذ بمرة وقال البيهقي: حديث حسن وأقره عليه العراقي ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر هذا وقال: فيه بشر بن قاني ضعيف ومن حديث جعفر وقال: فيه رجل مجهول ومن حديث ابن عباس وقال: فيه حسين بن علوان متروك الحديث: 5009 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 5010 - (صل بصلاة أضعف القوم) أي اسلك سبيل التخفيف في أفعال الصلاة وأقوالها على قدر صلاة أضعف القوم والمراد بالضعيف هنا ما يشمل المريض وضعيف الخلقة (1) واتخذ مؤذنا محتسبا (ولا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا) من بيت المال ولا من غيره وتمسك به أبو حنيفة لمذهبه أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان وحمله الشافعي على الندب (طب عن المغيرة) بن شعبة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلني إمام قومي فذكره قال الهيثمي: فيه سعد القطيعي ولم أر من ذكره وقال ابن حجر: أخرجه البخاري في تاريخه من حديث المغيرة المذكور ولابن عدي نحوه   (1) [ومثله في صلاة الجمعة لذلك فإن السنة تقصيرها مطلقا. انظر الحديث 2294 وشرحه: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة. . . دار الحديث] الحديث: 5010 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 5011 - (صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور) القصار أي إن صليت بقوم غير راضين بالتطويل أو تعلق بعينهم حق (حم عن بريدة) بن الحصيب رمز المصنف لحسنه الحديث: 5011 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 5012 - (صل الصبح) وجوبا معلوما من الدين بالضرورة (والضحى) ندبا وقول جمع من السلف " لا تندب " مؤول (1) (فإنها [ص: 199] صلاة الأوابين) أي الرجاعين إلى الله تعالى (زاهر بن طاهر في سداسياته عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته   (1) [وكيف لا يؤول قولهم والحديث صحيح ودلالته واضحة وأشذ ما حصل في زماننا ظهور قوم بلغ من جهلهم التجرؤ على انتقاد من صلى صلاة الضحى فليتنبه وورد كذلك الحديث الصحيح التالي في صلاة الضحى فليراجع شرحه: 5072: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال دار الحديث] الحديث: 5012 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 5013 - (صلوا أيها الناس في بيوتكم) أي النفل الذي لا تشرع جماعته (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء) أي الرجل يعني جنسه (في بيته) ولو كان المسجد فاضلا (إلا) الصلوات الخمس (المكتوبة) أي أو ما شرع فيه جماعة كعيد وتراويح فإن فعلها بالمسجد أفضل وأخذ بظاهر الخبر مالك ففضل التراويح بالبيت عليها بالمسجد وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله خوف أن يفرض عليهم وبعد موته أمن ذلك (خ عن زيد بن ثابت) الأنصاري كاتب الوحي قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة في رمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم خرج إليهم فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم: صلوا إلخ   (1) [فعلم منه أن جمع عمر الناس لصلاة التراويح إنما كان لتلك السنة التي عهدها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث أن عدم استمرار النبي فيها كان خوفا من أن تفرض فقد أمن عمر رضي الله عنه من ذلك بسبب انقطاع الوحي. فعمله سنة سنها للمسلمين اتباعا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قال فيها " نعمت البدعة " إما تواضعا وإما تجاوزا في اللغة. أما المتهورين الذين يحاولون النيل منه فأين فهمهم من فهمه وأين تقواهم من تقواه. وما أشد مناسبة قول بعضهم: يا ناطح الجبل ليثلمه خف على الرأس لا تخف على الجبل. دار الحديث] الحديث: 5013 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 5014 - (صلوا في بيوتكم) النفل الذي لا تسن جماعته (ولا تتخذوها قبورا) بترككم الصلاة فيها كالميت في قبره لا يصلي شبه المحل الخالي منها بالقبر والغافل عنها بالميت أو لا تجعلوا بيوتكم موطنا للنوم بلا صلاة فإن النوم أخو الموت وقد سبق (ت ن عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والديلمي الحديث: 5014 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 5015 - (صلوا في بيوتكم ولا تتركوا النوافل فيها) سميت نوافل لأنها زائدة على الفرض والأمر للندب بدليل خبر هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع (قط في الأفراد عن أنس وجابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي الحديث: 5015 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 5016 - (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا) أي لا تخلوها عن الصلاة فيها شبه المكان الخالي عن العبادة بالقبور والغافل عنها بالميت ثم أطلق القبر على مقره ومعناه النهي عن الدفن في البيوت وإنما دفن المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة مخافة اتخاذ قبره مسجدا ذكره القاضي (ولا تتخذوا بيتي عيدا) أي لا تتخذوا قبري مظهر عيد ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد إما لدفع المشقة أو كراهة أن يتجاوز واحد التعظيم وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي وظاهره ينهى عن المعاودة والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم أن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله (وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم بالصلاة علي لأن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل كالمشاهد بنفسها أو بإخبار الملك لها وفيه سر يطلع عليه من يسر له. ذكره القاضي <تنبيه> قولهم فيما سلف معناه النهي عن الاجتماع إلخ يؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون وربما يرقصون منهي عنه شرعا وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله (ع والضياء) في المختارة (عن الحسن بن علي) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن نافع وهو ضعيف الحديث: 5016 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 5017 - (صلوا) إن شئتم فالأمر للإباحة (في مرابض الغنم) مأواها ومقرها جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة [ص: 200] وآخره ضاد معجمة وفي رواية بدل مرابض مرابد بدال مهملة وهي المواضع التي تحبس فيها (ولا تصلوا في أعطان الإبل) جمع عطن بالتحريك والفارق أن الإبل خلقت من الشياطين أو أنها كثيرة الشر أو شديدة النفار فقد تقطع الصلاة أو تشوش قلب المصلي فتذهب خشوعه بخلاف الغنم والمعاطن المواضع التي تجر إليها الإبل الشاربة ليشرب غيرها أو هي مبركها حول الماء لتعاد إلى الشرب مرة أخرى وعزي الأول للشافعي والثاني هو ما في النهاية وعليه قال ابن حجر: التعبير بالمعاطن أخص منه بالمواضع لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء خاصة وقد ذهب بعضهم إلى تخصيص النهي في مأواها مطلقا وقول الطحاوي انتصارا لمذهبه النظر يقتضي عدم الفرق بين الإبل والغنم والصلاة وغيرها وبمخالفته الأخبار الصحيحة المصرحة بالتفرقة وألحق ابن المنذر وتبعه المحب الطبري البقر بالغنم وعورض بما في حديث ابن عمر وعند أحمد إلحاقها بالإبل صريحا وهل يلحق بالإبل ما هو مثلها في النفور كالأفيلة قال الزين العراقي: إن قلنا إن العلة النفور فنعم أو أنها خلقت من الشياطين فلا (ت) في الصلاة (عن أبي هريرة) وقال: حسن صحيح ومن ثم رمز المصنف لحسنه وخرجه ابن حبان أيضا الحديث: 5017 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 5018 - (صلوا في مرابض الغنم) أي أماكنها وفي حديث في البخاري أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته أي حيث دخل وقتها سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها وبين في حديث آخر أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد ثم بعد بنائه صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة (ولا تصلوا في أعطان الإبل) وفي رواية بدل أعطان مبارك وفي أخرى مناخ بضم الميم قال ابن حزم: كل عطن مبرك ولا عكس لأن المعطن المحل الذي تناخ فيه عند ورود الماء والمبرك أعم لأنه المتخذ له في كل حال (فإنها خلقت الشياطين) زاد في رواية ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها؟ قال القاضي: المرابض جمع مربض وهي مأوى الغنم والأعطان المبارك والفارق أن الإبل كثيرة الشراد شديدة النفار فلا يأمن المصلي في أعطانها أن تنفر وتقطع الصلاة وتشوش قلبه فتمنعه من الخشوع فيها ولا كذلك من يصلي في مرابض الغنم واستشكل التعليل بكونها خلقت من الشياطين بما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على بعيره وفرق بعضهم بين الواحد وكونها مجتمعة بما طبعت عليه من النفار المفضي إلى تشويش القلب بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحدة معقول ثم إن النهي في هذه الأحاديث للتنزيه عند الشافعي كالجمهور فتكره الصلاة في العطن وتصح حيث كان بينه وبين النجاسة حائل وللتحريم عند أحمد ولا تصح عنده الصلاة في العطن بحال والأمر بالصلاة في مرابض الغنم للإباحة لا للوجوب ولا للندب وإنما ذكر دفعا لتوهم أنها كالإبل وأن العلة النجاسة (هـ عن عبد الله بن مغفل) قال مغلطاي: حديث صحيح متصل ومن ثم أشار المصنف لصحته الحديث: 5018 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 5019 - (صلوا في مرابض الغنم ولا توضأوا من ألبانها) أي من شرب ألبانها فإنها لا تنقض الوضوء كأكل لحمها (ولا تصلوا في معاطن الإبل وتوضأوا من ألبانها) أي من شربها فإنها ناقضة للوضوء كأكل لحمها وبهذا قال أحمد واختاره من الشافعية النووي من حيث الدليل قال: لحديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف لكن المنقول عندهم عدم النقض وأجابوا عن ذلك بما فيه طول يطلب من الفروع قال ابن بطال: في هذه الأحاديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك ورد بأن الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالبا وإذا تعارض الأصل [ص: 201] والغالب قدم الأصل <تنبيه> زعم ابن حزم أن أحاديث النهي عن الصلاة في أعطان الإبل متواترة تواترا يوجب العلم. قال الحافظ الزين العراقي: ولم يرد التواتر الأصولي بل الشهرة والاستفاضة (طب عن أسيد) بضم الهمزة (ابن حضير) بضم المهملة وفتح المعجمة الأشهلي النقيب الكبير الشأن ذي المناقب والكرامات رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه الحجاج بن أرطاة وفيه مقال الحديث: 5019 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 5020 - (صلوا في مراح الغنم) زاد في رواية للطبراني فإنها بركة من الرحمن (وامسحوا رغامها) بغين مهملة أي امسحوا التراب عنها وروي بمعجمة أي ما سال من أنفها إصلاحا لشأنها ورعاية لها (فإنها من دواب الجنة) قال ابن القيم: بين به وبما قبله أن سنة الصلاة حيث كانت وفي أي مكان اتفق سوى ما ينهى عنه من العطن والمقبرة والحمام ونحوها فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق الحصير ويوضع عليها المنديل (عد هق عن أبي هريرة) قال البيهقي: روي مرفوعا وموقوفا وهو أصح الحديث: 5020 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 5021 - (صلوا في نعالكم) إن شئتم فإن الصلاة فيها جائزة حيث لا نجاسة فيها غير معفوة وأخذ جمع حنابلة منه أن الصلاة فيها سنة. هبه كان يمشي فيها في الشوارع أو لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه كانوا يمشون بهما في طريق المدينة ثم يصلون فيها (ولا تشبهوا باليهود) فإنهم لا يصلون في نعالهم وذلك أنه لما قيل لموسى يوم الوفادة اخلع نعليك وكانا من جلد حمار غير ذكي فأمر بخلعهما لذلك ولكي ينال بركة الوادي المقدس بإصابة قدميه فأخذوا هذا منها فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أخذهم وفعله على غير صحة وإن كان الأصل حقا (طب عن شداد بن أوس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن ففيه يعلى بن شداد قال في الميزان: توقف بعضهم في الاحتجاج بخبره وهو صلوا إلى آخر ما هنا ويعلى شيخ مشهور محله الصدق اه. وقال ابن القطان: يعلى لم أر فيه تعديلا ولا تجريحا الحديث: 5021 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 5022 - (صلوا) جوازا (خلف كل بر) بفتح الموحدة صفة مشبهة وهو مقابل قوله (وفاجر) أي فاسق فإن الصلاة خلفه صحيحة عند أبي حنيفة والشافعي لكنها مكروهة لعدم اهتمامه بأمر دينه وقد يخل ببعض الواجبات (وصلوا) وجوبا صلاة الجنازة (على كل) ميت مسلم غير شهيد (بر وفاجر) فإن فجوره لا يخرجه من الإيمان (وجاهدوا) وجوبا على الكفاية (مع كل بر وفاجر) أي مع كل إمام وأمير عادل أو جائر عدل أو فاسق هذا ما عليه أهل السنة والجماعة ووراء ذلك مذاهب باطلة وعقائد فاسدة (هق عن أبي هريرة) سكت عليه فأوهم سلامته من العلل وليس كذلك فقد قال الذهبي في المهذب: فيه انقطاع وجزم ابن حجر بانقطاعه قال: وله طريق أخرى عند ابن حبان في الضعفاء من حديث عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبي صالح عنه وعبد الله متروك ورواه الدارقطني وغيره من طرق كلها واهية جدا قال العقيلي: ليس لهذا المتن إسناد يثبت والبيهقي كلها ضعيفة والحاكم هذا حديث منكر الحديث: 5022 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 5023 - (صلوا ركعتي الضحى) ندبا (بسورتيهما والشمس وضحاها والضحى) بدل مما قبله أو عطف بيان وهذا بيان للأفضل فلو قرأ بعد الفاتحة غير السورتين المذكورتين كفى في حصول السنة (هب فر عن عقبة بن عامر) وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: يضع الحديث عن ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 5023 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 [ص: 202] 5024 - (صلوا صلاة المغرب مع سقوط الشمس) أي عقب تمام غروب القرص (بادروا بها طلوع النجم) أي ظهوره للناظرين لضيق وقتها (طب) من حديث أحمد بن يزيد بن أبي حبيب عن رجل (عن أبي أيوب) قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات اه وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته الحديث: 5024 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 5025 - (صلوا قبل المغرب ركعتين صلوا قبل المغرب ركعتين) كرره لمزيد التأكيد وقال في الثالثة (لمن شاء) كراهة أن يتخذها الناس واجبة قال القاضي: ما كان ظاهر الأمر يقتضي الوجوب وكان مراده الندب خير المكلف وعلق الأمر على المشيئة مخافة أن يحمل اللفظ على ظاهره سيما وقد أكد الأمر بتكراره ثلاثا وقد تطلق السنة ويراد بها الفريضة كقولهم الختان من السنة اه وفيه مشروعية ركعتين قبل المغرب وهما سنة على الصحيح أو الصواب كما في المجموع وهما من الرواتب غير المؤكدة ومثلهما ركعتان قبل العشاء لخبر بين كل أذانين صلاة أي أذان وإقامة (حم د عن عبد الله المزني) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد خرجه البخاري في الصلاة عن ابن معقل وخرجه في الاعتصام أيضا الحديث: 5025 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 5026 - (صلوا من الليل ولو أربعا) من الركعات (صلوا) منه (ولو ركعتين ما من أهل بيت تعرف لهم صلاة من الليل إلا ناداهم مناد يا أهل البيت قوموا لصلاتكم) الظاهر أن المنادي من الملائكة وهذا مسوق لبيان تأكد التهجد وأن أقله ركعتان ولا يلزم من نداء المنادي بذلك سماعنا له وقد أعلمنا به الشارع وكفى به (ابن نصر هب عن الحسن مرسلا) الحديث: 5026 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 5027 - (صلوا على أطفالكم) جمع طفل وهو الصبي يقع على الذكر والأنثى وكذا الجماعة (فإنهم من أفراطكم) أي فإنهم سابقوكم يهيئون لكم مصالحكم في الآخرة ولا فرق في هذا المعنى بين موته في حياة أبويه أو بعدهما وإضافة الأطفال إليهم إيماء بأن الكلام في أطفال المسلمين وكذا يقال في قوله الآتي موتاكم (هـ) من حديث البختري بن عبيد عن أبيه (عن أبي هريرة) قال الذهبي: والبختري ضعيف وأبوه مجهول وقال الدميري: هذا من منكراته وقال ابن حجر في موضع: هو ضعيف متروك وفي آخر: هو ضعيف جدا وقال في تخريج الهداية: سنده ضعيف قال: وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على ولده إبراهيم أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس وأحمد عن البزار وإسناده ضعيف قال: وروى أبو يعلى وابن سعد عن أنس أنه صلى على ابنه إبراهيم وكبر عليه أربعا وللبزار عن أبي سعيد مثله وفي مراسيل أبي داود مثله ويعارضه ما روى أبو داود أيضا وأحمد والبزار عن عائشة أنه لم يصل عليه الحديث: 5027 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 5028 - (صلوا على كل ميت) مسلم غير شهيد ولو فاسقا ومبتدعا (وجاهدوا) الكفار (مع كل أمير) ولو جائرا فاسقا وأخذ من هذا الخبر وما قبله وما بعده وجوب الصلاة على الميت لكنه على الكفاية لأن ما هو الفرض وهو قضاء حقه يحصل بالبعض وفيه أن قاتل نفسه كغيره في وجوب الصلاة عليه وأما خبر مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم [ص: 203] لم يصل على الذي قتل نفسه فأجاب عنه ابن حبان بأنه منسوخ والجمهور بأنه للزجر عن مثل فعله (هـ عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5028 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 5029 - (صلوا على موتاكم بالليل والنهار) لفظ رواية ابن ماجه آناء الليل وأطراف النهار أربعا وهكذا نقله عنه في الفردوس وزاد الطبراني في الأوسط عن جابر أيضا الصغير والكبير والدني والأمير أربعا تفرد به عمرو بن هاشم البيروتي عن ابن لهيعة (هـ عن جابر) قال الذهبي: فيه ابن لهيعة الحديث: 5029 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 5030 - (صلوا على من قال لا إله إلا الله) أي مع محمد رسول الله وإن كان من أهل الأهواء والكبائر والبدع حيث لم يكفر ببدعته وذلك لأنه لم يفصل ولا خصص بل عم بقوله من وهي نكرة تعم فأفهم به أن الصلاة على أهل التوحيد سواء كان توحيدهم عن نظر أو تقليد (وصلوا وراء) وفي رواية خلف (من قال لا إله إلا الله) مع ذلك ولو فاسقا ومبتدعا لم يكفر ببدعته وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج وكفى به فاسقا هذا مذهب الشافعي ومنعها مالك خلف فاسق بلا تأويل (طب) من طريق مجاهد (حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي في التنقيح: فيه عثمان بن عبد الرحمن واه. ومحمد بن الفضل بن عطية متروك وقال في المهذب: أحاديث الصلاة على من قال لا إله إلا الله واهية وأورد له ابن الجوزي طرقا كثيرة وقال: كلها غير صحيحة وقال الهيثمي: فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب وقال ابن حجر: فيه محمد بن الفضل متروك ورواه ابن عدي عن ابن عمر أيضا من طريق آخر وفيه عثمان بن عبد الله العثماني يضع ورواه الدارقطني من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عمر وعثمان كذبه ابن معين وغيره ومن حديث نافع عنه وفيه خالد بن إسماعيل عن العمري وخالد متروك اه. وقال الغرياني في اختصاره للدارقطني: هذا حديث له خمس طرق ضعفها ابن الجوزي في العلل ففي الأول عثمان الوقاص قال يحيى: كان يكذب وتركه الدارقطني وقال البخاري: ليس بشيء وفي الثاني محمد بن العيسى بالياء كذبه يحيى وفي الثلث وهب بن وهب يضع الحديث وفي الرابع عثمان بن عبد الله كذلك قاله ابن حبان وابن عدي وفي الخامس أبو الوليد المخزومي خالد بن إسماعيل قال ابن عدي: وضاع الحديث: 5030 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 5031 - (صلوا علي فإن صلاتكم علي زكاة لكم) لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم رسوله والاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه وإيثاره بالدعاء له على نفسه <تنبيه> قال البارزي في الخصائص: من خواصه أنه ليس في القرآن ولا غيره صلاة من الله على غيره فهي خصيصة اختصه الله بها دون سائر الأنبياء. قال الحليمي: والمقصود بالصلاة عليه التقرب إلى الله بامتثال أمره وقضاء حق الواسطة الكريمة وقال ابن عبد السلام: ليست صلاتنا عليه شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع له لكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا وفائدة الصلاة ترجع إلى المصلى عليه. قال ابن حجر: ويتأكد الصلاة عليه في مواضع ورد فيها أخبار صحيحة خاصة أكثرها بأسانيد جياد عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي آخر القنوت وفي أثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم منه والقيام لصلاة الليل وختم القرآن وعند الهم والدرب والتوبة وقراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر ونسيان الشيء وورد أيضا في أحاديث ضعيفة عند استلام الحجر وطنين الأذن والتلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا (ش وابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) ظاهره أنه لم يره مخرجا لأعلى ولا أحق بالعزو إليه من ابن مردويه وهو عجيب فقد خرجه الإمام أحمد [ص: 204] وأخرجه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وابن أبي عاصم والحرث وفي سنده ضعف لكنه يقوى بتعدد طرقه فربما صار حسنا لذلك الحديث: 5031 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 5032 - (صلوا علي صلى الله عليكم) قال حجة الإسلام: وجه استدعائه في هذا الخبر وما قبله الصلاة عليه من أمته أن الأدعية مؤثرة في استدرار فضل الله ورحمته سيما في الجمع الكبير كالجمعة والجماعة وعرفة فإن الهمم إذا اجتمعت وانصرفت إلى طلب ما في الإمكان وجوده فاض ما في الإمكان من الفيض الحق بوسائطه إلى روحانيات المترشحين لتدبير العالم السفلي المقتضي لبعدهم ولأنه يرتاح لذلك كما قال إني أباهي بكم الأمم ولأن ذلك شفقة على أمته بتحريضهم على ما هو قربة لهم (عد عن ابن عمر) بن الخطاب (وأبي هريرة) معا وأخرجه النميري أيضا الحديث: 5032 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 5033 - (صلوا علي) وجوبا في صلاتكم بعد التشهد بأن تقولوا اللهم صلي على محمد (واجتهدوا في الدعاء) بما جاز من خيري الدنيا والآخرة (وقولوا) إن أردتم الأكمل (اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد) حامد لأفعال خلقه بإثابتهم عليها أو محمود بأقوالهم وأفعالهم (مجيد) أي ماجد وهو الكامل شرفا وكرما (حم ن وابن سعد) في الطبقات (وسمويه والبغوي والباوردي وابن قانع) الثلاثة في معجم الصحابة وكذا أبو نعيم وابن منده وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد (طب) كلهم (عن زيد بن خارجة) الأنصاري الخزرجي الحارثي قال ابن الأثير: وزيد هذا هو الذي تكلم بعد الموت على الصحيح فتكلم بكلام حفظ في أبي بكر وعمر ثم مات ثانيا رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه عيسى بن يونس قال في اللسان كأصله: قال الدارقطني: مجهول وعثمان بن حكيم قال الذهبي في الذيل: قال ابن معين: مجهول وخالد بن سلمة قال في الضعفاء: مرجيء يبغض عليا الحديث: 5033 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 5034 - (صلوا على أنبياء الله ورسله) من عطف الأخص على الأعم وفيه تصريح بالأمر بالصلاة عليهم وقوله (فإن الله بعثهم كما بعثني) وارد مورد التعليل لما قبله وحكمة مشروعية الصلاة عليهم أنهم لما بذلوا أعراضهم فيه لأعدائه فنالوا منهم وسبوهم أعاضهم الله الصلاة عليهم وجعل لهم أطيب الثناء في السماء والأرض وأخلصهم بخالصة ذكرى الدار فالصلاة عليهم مندوبة لا واجبة بخلاف الصلاة على نبينا إذ لم ينقل أن الأمم السابقة كان يجب عليهم الصلاة على أنبيائهم كذا بحثه القسطلاني <تنبيه> قال في الروض: وأصل الصلاة انحناء وانعطاف من الصلوين وهما عرقان في الظهر ثم قالوا صلوا عليه أي انحنوا له رحمة له ثم سموا الرحمة حنوا وصلاة إذا أرادوا المبالغة فيها فقولكم صلى الله عليه أرق وأبلغ من رحمة في الحنو والعطف والصلاة أصلها في المحسوسات ثم عبر بها عن هذا المعنى مبالغة ومنه قيل صليت على الميت أي دعوت له دعاء من يحنو عليه ويعطف إليه ولذلك لا تكون الصلاة بمعنى الدعاء على الإطلاق لا تقول صليت على العدو: أي دعوت عليه إنما يقال صليت عليه في الحنو والرحمة لأنها في الأصل انعطاف فمن أجل ذلك عديت في اللفظ بعلى فتقول صليت عليه أي حنوت عليه ولا تقول في الدعاء إلا دعوت له فتعدى الفعل باللام إلا أن تريد الشر والدعاء على العدو فهذا فرق ما بين الصلاة والدعاء وأهل اللغة أطلقوا ولا بد من التقييد (ابن أبي عمر هب عن أبي هريرة) قال ابن حجر: وسنده واه (خط) في ترجمة الحسن التميمي المؤدب (عن أنس) وفيه عنده علي بن أحمد البصري قال الذهبي في الضعفاء: لا يعرف حديثه كذاب الحديث: 5034 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 [ص: 205] 5035 - (صلوا على النبيين) والمرسلين (إذا ذكرتموني فإنهم قد بعثوا كما بعثت) ولولاهم لهلكت بواطن الخلق بزلازل الشكوك وعذاب الحيرة فبهم ثبت اليقين واستراحت البواطن والقلوب عما حل بقلب كل مبعود محجوب وفيه وفيما قبله مشروعية الصلاة على الأنبياء استقلالا وألحق بهم الملائكة لمشاركتهم لهم في العصمة قال ابن حجر: وقد ثبت عن ابن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي شيبة عنه قال: ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أعني ابن حجر: وهذا سند صحيح وحكى القول به عن مالك وجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك لا يجوز أن يصلى إلا على محمد وهذا غير معروف عند مالك أما الصلاة على المؤمنين استقلالا فقالت طائفة: لا يجوز وقالت طائفة: يكره وهي رواية عن أحمد وقال النووي: خلاف الأولى (الشاشي وابن عساكر) في تاريخه (عن وائل بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن سعد بن مسروق الحضرمي صحابي جليل ورواه أيضا إسماعيل القاضي وفيه عبد الملك الرفاشي قال في الكاشف: صدوق يخطئ وموسى بن عبيد ضعفوه ومحمد بن ثابت يجهل ورواه الطبراني عن ابن عباس رفعه بلفظ إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني قال ابن حجر: وسنده ضعيف الحديث: 5035 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 5036 - (صلي) بالكسر يا عائشة (في الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم (إن أردت دخول البيت) أي الكعبة (فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت) لقلة النفقة فمن لم يتيسر له دخول البيت فليصل فيه فإنه منه والحجر ما بين الركنين الشاميين عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فسحة كانت زربية لغنم إسماعيل صلوات الله على نبينا وعليه. وروي أنه دفن فيه كما سيأتي ويسمى الحطيم على ما ذكره جمع لكن الأشهر أن الحطيم ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وهو أفضل محل بالمسجد بعد الكعبة وحجرها (حم ت عن عائشة) قالت: كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر فذكره قال الترمذي: حسن صحيح ومن رمز المصنف لصحته الحديث: 5036 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 5037 - (صم) يا أسامة (شوالا) فإن صوم الأشهر الحرم التي تداوم عليها كثيرا مشق عليك فلم يزل يصوم شوالا حتى مات قال ابن رجب: هذا نص في تفضيل شوال على الأشهر الحرم وذلك لأنه يلي رمضان من بعده كما يليه شعبان من قبله وشعبان أفضل من الأشهر الحرم لصوم النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال فإذا كان صوم شوال أفضل من الحرم فصوم شعبان أولى فظهر أن أفضل التطوع ما كان بقرب رمضان قبله وبعده وذلك ملحق بصوم رمضان ومنزلته منه منزلة الرواتب من الفرائض (هـ عن أسامة) بن زيد رمز المصنف لصحته الحديث: 5037 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 5038 - (صم رمضان والذي يليه) أي شوالا ما عدا يوم الفطر (وكل) يوم (أربعاء وخميس) من كل جمعة (فإذا أنت قد صمت الدهر) قال الطيبي: الفاء جواب شرط محذوف أي إنك لو فعلت ما قلت لك فأنت قد صمت الدهر وإذا [ص: 206] جواب جيء تأكيدا للربط وقال الحافظ العراقي: فيه كراهة صيام الدهر أو أنه خلاف الأولى وفيه استحباب صيام شوال وفيه إطلاق اسم الكل والمراد البعض لامتناع صوم يوم الفطر واستحباب صوم الأربعاء والخميس واستحباب المداومة على ذلك من قوله وكل أربعاء وفيه تضعيف الأعمال من قوله فإذا أنت قد صمت الدهر قال: وقد وقع في روايتنا من سنن أبي داود في هذا الحديث فإذا أنت بالتنوين وفيه إثبات الضدين باعتبار حالين لأنه أثبت له الصيام والفطر في الأيام التي أفطرها وهذا مثل ماروي عن أبي هريرة أنه دعي إلى الطعام فقال للرسول عليه الصلاة والسلام: إني صائم ثم جاء فأكل فقيل له في ذلك فقال: إني صمت ثلاثة أيام من الشهر فإني صائم في فضل الله مفطر في ضيافة الله فأثبت له الوصفين أحدهما باعتبار الأجر والآخر باعتبار مباشرة الفطر (هب عن مسلم) بن عبيد الله (القرشي) ويقال عبيد الله بن مسلم قال: سئلت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فذكره رمز المصنف لصحته وظاهر تصرفه أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشيء عجاب فقد رواه أبو داود والنسائي والترمذي باللفظ المزبور كلهم في الصوم من حديث مسلم المذكور وقال: غريب ولم يضعفه أبو داود الحديث: 5038 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 5039 - (صمت الصائم) أي سكوته عن النطق (تسبيح) أي يثاب عليه كما يثاب على التسبيح (ونومه عبادة) مأجور عليها (ودعاؤه مستجاب) أي عند الفطر (وعمله) من صلاة وصدقة وغيرهما (مضاعف) أي يكون له مثل ثواب ذلك العمل من الفطر مرتين أو أكثر {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} قال ابن الرفعة: وفيه دليل على مشروعية الصمت للصائم فهو رد على قول التنبيه: يكره له صمت يوم إلى الليل اه ونازعه الحافظ ابن حجر لأن الحديث مساق في أن أفعال الصائم كلها محبوبة إلا أن الصمت بخصوصه مطلوب فالحديث لا يفيد المقصد وفي البحر للروياني: جرت عادة الناس بترك الكلام في رمضان ولا أصل له في شرعنا بل في شرع من قبلنا (أبو زكريا بن منده في أماليه فر عن ابن عمر) بن الخطاب رفعه وفيه شيبان بن فروخ قال أبو حاتم: يرى القدر اضطر إليه الناس بآخره والربيع بن بدر وهو ساقط قال الذهبي: قال الدارقطني وغيره: متروك وقال ابن حجر في الفتح: في إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط الحديث: 5039 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 5040 - (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) هذا تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله. قال علي كرم الله وجهه: لا يزهدك في المعروف كفر من كفر فقد يشكره الشاكر أضعاف جحود الكافر قال الماوردي: فينبغي لمن قدر على ابتداء المعروف أن يعجله حذرا من قوته ويبادر به خيفة عجزه ويعتقد أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه فكم من واثق بقدرة فاتت فأعقبت ندما ومعول على مكنة زالت فأورثت خجلا ولو فطن لنوائب دهره وتحفظ من عواقب فكره لكانت مغارمه مدحورة ومغانمه محبورة وقيل: من أضاع الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها (ك عن أنس) ثم قال الحاكم: هذا الحديث لم أكتبه إلا عن الصفار محمد وابنه من المصريين لم نعرفهما بجرح وآخر الحديث روى عن المنكدر عن أبيه عن جابر اه. قال الذهبي: وبهذا ونحوه انحطت رتبة هذا المصنف المسمى بالصحيح الحديث: 5040 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 5041 - (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا) في رواية وصدقة السر (تطفئ غضب الرب) والسر ما لم يطلع [ص: 207] عليه إلا الحق تعالى وذلك لأن إسراره دليل على إخلاصه لمشاهدة ربه وهي درجة الإحسان وفي القرآن {إن رحمة الله قريب من المحسنين} فبنور الإخلاص ورحمة الإحسان أطفأ نار الغضب (وصلة الرحم) بالتعهد والمراعاة والمواساة ونحو ذلك (زيادة في العمر وكل معروف) فعلته مع كبير أو صغير (صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة) يوم القيامة (أهل المعروف) قالوا: وهذا من جوامع الكلم قال الماوردي: وللمعروف شروط لا يتم إلا بها ولا يكمل إلا معها فمنها ستره عن إذاعته وإخفاؤه عن إشاعته قال بعض الحكماء: إذا اصطنعت المعروف فاستره وإذا اصطنع إليك فانشره لما جبلت عليه النفوس من إظهار ما أخفى وإعلان ما كتم ومن شروطه تصغيره عن أن تراه مستكبرا وتقليله عن أن يكون عنده مستكثرا لئلا يصير مذلا بطرا أو مستطيلا أشرا قال العباس: لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال تعجيله وتصغيره وستره ومنها مجانبة الامتنان به وترك الإعجاب بفعله لما فيه من إسقاط الشكر وإحباط الأجر ومنها أن لا يحتقر منه شيئا وإن كان قليلا نزرا إذا كان الكثير معوزا وكنت عنه عاجزا (طس عن أم سلمة) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن الوليد ضعيف الحديث: 5041 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 5042 - (صنفان) أي نوعان (من أمتي) أمة الإجابة ولفظ رواية ابن ماجه من هذه الأمة (ليس لهما في الإسلام نصيب) أي حظ كامل أو وافر (المرجئة) (1) بالهمز وبدونه وهم الجبرية القائلون بأن العبد لا يضره ذنب وأنه لا فعل له البتة وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى الجماد (والقدرية) بالتحريك المنكرون للقدر القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة بقدرهم ودواعيهم لا يتعلق بها بخصوصها قدرة الله. قال ابن العربي: عقب الحديث وهذا صحيح لأن القدرية أبطلت الشريعة. وقال النوربشتي: سميت المجبرة مرجئة لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر ذاهبين إلى الإفراط كما ذهبت القدرية إلى التفريط وكلا الفريقين على شفا جرف هار والقدرية إنما نسبوا إلى القدر وهو ما يقدره الله بزعمهم أن كل عبد خالق فعله من كفر ومعصية ونفوا أن ذلك بتقديره الله وربما تمسك بهذا الحديث ونحوه من يكفر الفريقين. قال: والصواب عدم تكفير أهل الأهواء المتأولين لأنهم لم يقصدوا اختيار الكفر بل بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم غير ما زعموه فهم كالمجتهد المخطئ هذا الذي عليه محققو علماء الأمة فيجري قوله لا نصيب لهم مجرى الاتساع في بيان سوء حظهم وقلة نصيبهم من الإسلام كقولك البخيل ليس له من ماله نصيب أو يحمل على من أتاه من البيان ما ينقطع العذر دونه فأفضت به العصبية إلى تكذيب ما ورد فيه من النصوص أو على تكفير من خالفه فمن كفرنا كفرناه (تخ ت هـ عن ابن عباس) قال الترمذي: غريب قال الذهبي: هو من حديث ابن نزار عن ابن حبان عن عكرمة عن ابن عباس ونزار تكلم فيه ابن حبان وابنه ضعيف [ص: 208] وقد تابعه غيره من الضعفاء (هـ عن جابر) بن عبد الله لكن بلفظ أهل الإرجاء وأهل القدر وفيه نزار المذكور (خط) في ترجمة محمد بن الصباح (عن ابن عمر) بن الخطاب (طس عن أبي سعيد) رمز المصنف لحسنه وقضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وليس كذلك فإنه عقبه بما نصه: هذا حديث منكر من هذا الوجه جدا كالموضوع وإنما يرويه علي بن نزار شيخ ضعيف واهي الحديث عن ابن عباس إلى هنا كلامه. وقال غيره: فيه إبراهيم بن زيد الأسلمي قال في اللسان عن الدارقطني: متروك الحديث وعن ابن حبان منكر الحديث جدا يروى عن مالك لا أصل له وقال أبو نعيم: يحدث عن مالك وابن لهيعة بالموضوعات اه قال العلائي: والحق أنه ضعيف لا موضوع   (1) قال في النهاية: المرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم والمرجئة تهمز ولا تهمز وكلاهما بمعنى التأخير الحديث: 5042 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 5043 - (صنفان) أي نوعان (من أمتي لا) وفي رواية لن (تنالهما شفاعتي إمام) أي سلطان (ظلوم) أي كثير الظلم للرعية (غشوم) أي جاف غليظ قاسي القلب ذو عنف وشدة (وكل غال) في الدين (مارق) منه زاد مخرجه الطبراني في رواية تشهد عليهم وتتبرأ منهم وأخذ الذهبي من هذا الوعيد أن الظلم والغلو من الكبائر فعدهما منها (طب عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات ورواه عنه الديلمي أيضا قال: وفي الباب معقل بن يسار الحديث: 5043 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 5044 - (صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة المرجئة) بالهمز دونه: القائلون بالجبر الصرف المنكرون للتكليف من الإرجاء وهو التأخير سموا به لأنهم أخروا أمر الله ولم يعتبروه وقيل: هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل فيؤخرون العمل عن القول قال الطيبي: وهذا غلط منهم لأنا وجدنا أكثر أهل الملل والنحل ذكروا أن المرجئة هم الجبرية القائلون إن إضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجماد فالجبرية خلاف القدرية وبعض القدرية ألحقوا هذا النبز بالسلف ظلما وعدوانا وسميت المرجئة مجبرة لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر وهم يذهبون في ذلك إلى الإفراط كما تذهب القدرية إلى التفريط وكلاهما على شفا جرف هار ولهذا قال (والقدرية) نسبوا إلى القدر لأن بدعتهم نشأت من القول بالقدر وزاد الجوزقاني في روايته قيل فمن المرجئة قال قوم يكونون في آخر الزمان إذا سئلوا عن الإيمان يقولون نحن مؤمنون إن شاء الله تعالى وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر والجواب أنا لم نثبت هذا من طريق القياس حتى تقابلونا بدعواكم هذه بل أخذناه من نصوص صحيحة كقوله {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (حل عن أنس) بن مالك (طس عن وائلة) بن الأسقع قال الهيثمي: وفيه محمد بن محصن متروك (وعن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: وفيه يحيى بن كثير السقاء وهو متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 5044 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 5045 - (صنفان من أهل النار) أي نار جهنم (لم أرهما) أي لم يوجدا في عصري لطهارة ذلك العصر بل حدثا (بعد) بالبناء على الضم أي حدثا بعد ذلك العصر (قوم) أي أحدهما قوم (معهم) أي في أيديهم (سياط) جمع سوط (كأذناب البقر) تسمى في ديار العرب بالمقارع جمع مقرعة وهي جلد طرفها مشدود عرضها كالأصبع (يضربون بها الناس) ممن اتهم بنحو سرقة ليصدق في إخباره بما سرق ويتضمن ذلك أن ذينك الصنفين سيوجدان وكذلك كان فإنه [ص: 209] خلف بعد الصدر الأول قوم يلازمون السياط التي لا يجوز الضرب بها في الحدود قصدا لتعذيب الناس وهم أعوان والي الشرطة المعروفون بالجلادين فإذا أمروا بالضرب تعدوا المشروع في الصفة والمقدار وربما أفضى بهم الهوى وما جبلوا عليه من المظالم إلى إهلاك المضروب أو تعظيم عذابه وقد ضاهى أعوان الوالي جماعة من الناس سيما في شأن الأرقاء وربما فعل ذلك في عصرنا بعض من ينسب إلى العلم. قال القرطبي: وبالجملة هم سخط الله عاقب الله بهم شرار خلقه غالبا نعوذ بالله من سخطه وقيل: المراد بهم في الخبر الطوافون على أبواب الظلمة ومعهم المقارع يطردون بها الناس (ونساء) أي وثانيهما نساء (كاسيات) في الحقيقة (عاريات) في المعنى لأنهن يلبسن ثيابا رقاقا يصف البشرة أو كاسيات من لباس الزينة عاريات من لباس التقوى أو كاسيات من نعم الله عاريات من شكرها أو كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير أو يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهارا للجمال (1) ولا بعد كما قال القرطبي في إرادة القدر المشترك بينها إذ كل منها عرف وإنما يختلفان بالإضافة (مائلات) بالهمز من الميل أي زائغات عن الطاعة (2) وقول بعضهم الرواية مائلات بمثلثة أي منتصبات خطأ فيه القرطبي كابن دحية (مميلات) يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن أو مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن أو مائلات يتمشطن المشطة الميلاء مشطة البغايا مميلات يرغبن غيرهن في تلك المشطة ويفعلنها بهن أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن وما ذكر هنا من تقديم مائلات هو ما في كثير من الروايات لكن في مسلم تقديم مميلات قال القرطبي: كذا جاء في الروايات وحق مائلات أن يتقدم لأن ميلهن في أنفسهن متقدم الوجود على إمالتهن وصح ذلك لأن الصفات المجتمعة لا يلزم ترتبها ألا ترى أنها تعطف بالواو وهي جامعة لا مرتبة (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) أي يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم (3) التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل (4) (لا يدخلن الجنة) مع الفائزين السابقين أو مطلقا إن استحللن ذلك وذا من معجزاته فقد كان ذلك سيما في نساء علماء زماننا فإنهن لم يزلن في ازدياد من تعظيم رؤوسهن حتى صارت كالعمائم وكلما فعلن ذلك تأسى بهن نساء البلد فيزدن نساء العلماء لئلا يساووهن فخرا وكبرا (ولا يجدن ريحها) أي الجنة (وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) كناية عن خمس مئة عام أي يوجد من مسيرة خمس مئة عام كما جاء مفسرا في رواية أخرى (حم م) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري   (1) [ولا يمنع قصد جميع المعاني هنا وفيما بعده حيث يناسب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1166 وغيره: أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا. دار الحديث] (2) [أو مائلات حقيقة من التمايل كما هو الحال في عصرنا. دار الحديث] (3) [أو بأزياء الشعر التي ظهرت في قرننا. دار الحديث] (4) [أسنمة الإبل: أي القمم على ظهورها. وهذا حكمه حكم التجمل العادي فالمقصود هنا اللاتي يبدين ذلك لمن لا يحل له رؤيته أما إذا لم يرتكب من تجمل المرأة محظور فهو مباح أو سنة بحسب الظروف. دار الحديث] الحديث: 5045 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 5046 - (صنفان من أمتي لا يردان على الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية والمرجئة) قد علمت تأويله فيما تقرر فيما قبله (طس عن أنس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن هارون القروي وهو ثقة الحديث: 5046 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 5047 - (صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء) فبصلاحهما صلاح الناس وبفسادهما فساد الناس فالعالم يقتدي الناس به في أفعاله وأقواله إن خيرا فخير وإن شرا فشر والأمير يحمل الناس على ما يصلحهم أو يفسدهم ولا يمكن مخالفته (حل) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن عبد البر. قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 5047 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 [ص: 210] 5048 - (صوت أبي طلحة) زيد بن سهل الأسود الأنصاري الخزرجي البخاري العقبي البدري (في الجيش خير من ألف رجل) إنما قال في الجيش ليشعر بأن غلظة الصوت في غير المعارك غير محمود لقوله سبحانه {واغضض من صوتك} قال في الفردوس: كان أبو طلحة إذا كان في الجيش جثى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ونشر كنانته ويقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء رواه ابن منيع انتهى (سمويه عن أنس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا الديلمي وابن منيع وغيرهما الحديث: 5048 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 5049 - (صوت الديك وضربه بجناحيه ركوعه وسجوده) أي أن ذلك بمنزلة الصلاة في حقه وتمامه ثم تلي أي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الآية (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في كتاب العظمة عن أبي هريرة ابن مردويه) في التفسير (عن عائشة) رواه عنها أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 5049 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 5050 - (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة) هو الآلة التي يرمز بها بكسر الميم قال الشارح: والمراد هنا الغناء لا القصبة التي يرمز بها كما دل عليه كلام كثير من الشراح (ورنة) أي صيحة (عند مصيبة) قال القشيري: مفهوم الخطاب يقتضي إباحة غير هذا في غير هذه الأحوال وإلا لبطل التخصيص انتهى وعاكسه القرطبي كابن تيمية فقالا: بل فيه دلالة على تحريم الغناء فإن المزمار هو نفس صوت الإنسان يسمى مزمارا كما في قوله لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود انتهى وأقول: هذا التقرير كله بناء على أن قوله نغمة بغين معجمة وهو مسلم إن ساعدته الرواية فإن لم يرد في تعيينه رواية فالظاهر أنه بعين مهملة وهو الملائم للسياق بدليل قرنه بالمصيبة (البزار) في مسنده (والضياء) في المختارة (عن أنس) قال المنذري: رواته ثقات وقال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 5050 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 5051 - (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين والثاني كفارة سنتين والثالث كفارة سنة ثم كل يوم شهرا) أي صوم كل يوم من أيامه الباقية بعد الثلاث يكفر شهرا <تنبيه> قال الحرالي: الصوم الثبات على تماسك عما من شأن الشيء أن يتصرف فيه ويكون شأنه كالشمس في وسط السماء يقال صامت الشمس إذا لم يظهر لها حركة لصعود ولا نزول التي هي من شأنها وصامت الخيل إذا لم تزل غير مركوضة ولا مركوبة فتماسك المرء عما من شأنه فعله من حفظ بدنه بالتغذي ولنسله بالنكاح وخوضه في زور القول وسوء الفعل هو صومه وفي الصوم خلاء من الطعام وانصراف عن حال الأنعام وانقطاع شهوة الفرج وتمامه الإعراض عن أشغال الدنيا والتوجه إلى الله والعكوف في بيته ليحصل بذلك ينبوع الحكمة من القلب (أبو محمد الخلال في فضائل رجب عن ابن عباس) حديث ضعيف جدا قال ابن الصلاح وغيره: لم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب وأصل الصوم مندوب في رجب وغيره وقال ابن رجب: لم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه. قال المصنف: وأمثل ما ورد في صومه [ص: 211] خبر البيهقي في الشعب في الجنة قصر لصوام رجب الحديث: 5051 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 5052 - (صوم ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر وإفطاره) أي بمنزلة صومه وإفطاره كما مر توجيهه وتمسك به من قال بعدم كراهة صوم الدهر كله وبخبر " صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس فإذن قد صمت الدهر " وقوله " من أفطر العيدين وأيام التشريق ما صام الدهر " ورد أن ذلك كله مجازات لحقيقة واحدة صوم الأيام كلها إلا ما حرم الشرع (حم م) في الصوم (عن أبي قتادة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5052 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 5053 - (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر) (حم هق عن أبي هريرة) الحديث: 5053 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 5054 - (صوم شهر الصبر) هو رمضان لما فيه من الصبر على الإمساك عن المفطرات (وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر) محركا غشيه أو حقده أو غيظه أو نفاقه بحيث لا يبقى فيه رين أو العداوة أو أشد الغضب قال بعضهم: وإنما شرع الصوم كسرا لشهوات النفوس وقطعا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء فإنهم لو داموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء وقطعتهم عن الله والصوم بقطع أسباب التعبد لغيره ويورث الحرية من الرق للمشتبهات لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء ولا تملكه لأنه خليفة الله في ملكه فإذا ملكته فقد قلب الحكمة وصير الفاضل مفضولا والأعلى أسفل {أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين} والهوى إله معبود والصوم يورث قطع أسباب التعبد لغيره. <فائدة> قال القونوي في شرح التعرف: من خصائص هذه الأمة شهر رمضان وأن الشياطين تصفد فيه وأن الجنة تزين فيه وأن خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك وتستغفر له الملائكة حتى يفطر ويغفر له في آخر ليلة منه (البزار) في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين (وعن ابن عباس) ترجمان القرآن (البغوي) في المعجم (والباوردي طب عن النمر بن تولب) بمثناة ثم موحدة العكلى صحابي له حديث قال في التقريب: وهو غير النمر بن تولب الشاعر المشهور على الصحيح وقال الذهبي: يقال له وفادة رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من هؤلاء ولا أحق بالعزو مع أن أحمد خرجه في المسند باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح وكذا رجال البزار وأما طريق الطبراني ففيه مجهول فإنه قال: حدثنا رجل من عكل الحديث: 5054 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 5055 - (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية) يعني التي هو فيها (ومستقبلة) أي التي بعده يعني يكفر ذنوب صائمه في السنتين والمراد الصغائر فإن قيل: كيف يكفر ذنوب السنة التي بعده؟ قيل: يكفرها الصوم السابق كما يكفر ما قبله (وصوم عاشوراء) بالمد فاعولاء (يكفر سنة ماضية) لأن يوم عرفة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويوم عاشوراء سنة موسى فجعل سنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تضاعف على سنة موسى في الأجر (حم م د عن أبي قتادة الأنصاري) الحديث: 5055 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 5056 - (صوم يوم التروية كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين) على ما تقرر <فائدة> ذكر القونوي في شرح التعرف [ص: 212] أن نبينا صلى الله عليه وسلم خص بيوم عرفة وبجعل صومه كفارة سنتين لأنه سنته وصوم عاشوراء كفارة سنة لأنه سنة موسى (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) على الأعمال (وابن النجار) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 5056 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 5057 - (صوم يوم عرفة) لغير حاج ومسافر (كفارة السنة الماضية والسنة المستقبلة) وآخر الأولى سلخ ذي الحجة وأول الثانية أول المحرم الذي يلي ذلك حملا لخطاب الشارع على عرفة في السنة وهو ما ذكروا لمكفر الصغائر الواقعة في السنتين فإن لم يكن له صغائر رفعت درجته أو وقي اقترافها أو استكثارها وقول مجلى تخصيص الصغائر تحكم ردوه وإن سبقه إلى مثله ابن المنذر بأنه إجماع أهل السنة وكذا يقال فيما ورد في الحج وغيره لذلك المستند لتصريح الأحاديث بذلك في كثير من الأعمال المكفرة بأنه يشترط في تكفيرها اجتناب الكبائر وحديث تكفير الحج للتبعات ضعيف عند الحفاظ أما الحاج فيسن له فطره وكذا المسافر لأدلة أخرى (طس) من رواية الحجاج بن أرطاة عن عطية (عن أبي سعيد) الخدري قال الزين العراقي: ورواه سليم الرازي في الترغيب والترهيب من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عياض بن عبد الله بن سعد عن أبي سعيد وأبو فروة ضعيف وقد رواه ابن ماجه من هذا الوجه فقال: عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان الحديث: 5057 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 5058 - (صومكم) أيها الأمة المحمدية (يوم تصومون وأضحاكم يوم تضحون) وفي رواية للدارقطني الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون أخذ منه الحنفية أن المنفرد برؤية الهلال إذا رده الحاكم لا يلزمه الصوم فإن أفطر بجماع فلا كفارة عليه وحمله الباقون على من لم يره جمعا بين الأخبار وأشار بإضافته الصوم والأضحى إلى هذه الأمة إلى أنه من خصائصهم على الأمم السالفة وقد صرح بذلك جمع كما مر ويجيء (هق عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وهو مزيف فقد قال الذهبي في المهذب: فيه الواقدي الواهي وقال في الميزان: عن أحمد هو كذاب يقلب الأخبار وعن ابن المديني يضع ثم ساق له هذا الخبر قال أعني الذهبي: ورواه الدارقطني هكذا من طريقين ثم قال: فيهما الواقدي ضعيف ورواه الترمذي من طريق آخر غريب الحديث: 5058 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 5059 - (صوما) خطابا لعائشة وحفصة زوجتيه (فإن الصيام جنة) أي وقاية (من النار) لصاحبه لأنه يقيه ما يؤذيه من الشهوات (ومن بوائق الدهر) أي غوائله وشروره ودواهيه وفي إشارته لمح إلى ما يعان به الصائم من سد أبواب النيران وفتح أبواب الجنان وتصفيد الشيطان. كل ذلك بما يضيق من مجاري الشيطان من الدم الذي ينقصه الصوم فكان فيه مفتاح الهدى كله وإذا كان هدى للناس كان للذين آمنوا أهدى (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي مليكة) أبو مليكة في الصحابة بلوي وقرشي وتيمي وكندي فكان ينبغي تمييزه وقضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحمد من الستة وليس كذلك بل رواه النسائي عن عائشة وابن عباس قال عبد الحق: وفيه خطاب ابن القاسم عن حصين قال النسائي: حديثه منكر الحديث: 5059 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 5060 - (صوموا تصحوا) قال الحرالي: فيه إشعار بأن الصائم يناله من الخير في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة ففيه صحة للبدن والعقل بالتهيئة للتدبر والفهم وانكسار النفس إلى رتبة المؤمنين والترقي إلى رتبة المحسنين وللمؤمن غذاء في صومه من بركة ربه بحكم يقينه فيما لا يصل إليه من لم يصل إلى محله فعلى قدر ما يستمد [ص: 213] بواطن الناس من ظواهرهم يستمد ظاهر المؤمن من باطنه حتى يقوى في أعضائه بمدد نور باطنه كما ظهر ذلك في أهل الولاية والديانة وفي الصوم غذاء للقلب كما يغذي الطعام الجسم ولذلك أجمع مجربة أعمال الديانة من الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه على أن مفتاح الهدى والصحة الجوع لأن الأعضاء إذا وهنت لله نور الله القلب وصفى النفس وقوي الجسم ليظهر من أمر الإيمان بقلب العادة جديد عادة هي لأوليائه أجل في القوى من عادته في الدنيا لعامة خلقه (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: كلاهما سنده ضعيف الحديث: 5060 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 5061 - (صوموا الشهر) يعني أوله والعرب تسمي الهلال الشهر تقول رأيت الشهر أي الهلال (وسرره) بفتحات أي آخره كما صوبه الخطابي وغيره وجرى عليه النووي فقال: سرار الشهر بالفتح وبالكسر وكذا سرره آخر ليلة يستتر الهلال بنور الشمس وقال البيضاوي: سر الشهر وسرره آخره سمي به لاستسرار القمر فيه وحمل على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المخاطب نذر صومه واعتاد صيام سرر الشهر فأمره بالقضاء بعد عيد الفطر وخص النهي بخبر لا تقدموا شهر رمضان بصيام يوم أو يومين ممن يبتدئ به من غير إيجاب ولا اعتياد توفيقا بينهما وقيل: المراد به البيض فإن سر الشيء وسطه وجوفه ومنه السرة وأيد بندب صيام أيام البيض ولم يرد في صوم آخر الشهر ندب ويرد بأنه قد ورد ندب صوم الأيام السود وهو آخر أيام الشهر (د عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5061 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 5062 - (صوموا أيام البيض) أي أيام الليالي البيض (ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة هن كنز الدهر) ولهذا كان بعض الوجهاء من الصحابة يقول أنا صائم ثم يرى يأكل في وقته فيقال له في ذلك فيقول صمت ثلاثة أيام من هذا الشهر فأنا صائم في فضل الله مفطر في ضيافة الله (أبو ذر الهروي في جزئه من حديثه عن قتادة بن ملحان) بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة القيسي بن ثعلبة الذي مسح المصطفى صلى الله عليه وسلم رأسه ووجهه الحديث: 5062 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 5063 - (صوموا من وضح إلى وضح) بمعجمة فمهملة محركتين أي من الهلال إلى الهلال قال أو زيد: الوضح الهلال وهو في الأصل للبياض ذكره الزمخشري ومن قال صوموا من الضوء إلى الضوء فقد أبعد وخالف ظاهر السياق كما ذكره ابن الأثير ومن زعم أن معناه من الفجر إلى الغروب فقد وهم وما علم أن تتمة الحديث عند مخرجه فإن خفي عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما (طب) وكذا الخطيب (عن والد أبي المليح) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن سالم ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون الحديث: 5063 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 5064 - (صوموا) أي انووا الصيام وبيتوا على ذلك أو صوموا إذا دخل وقت الصيام وهو من فجر الغد (لرؤيته) يعني الهلال وإن لم يسبق ذكره لدلالة السياق عليه (1) واللام للوقت أو بمعنى بعد أي لوقت رؤيته أو بعد رؤيته (وأفطروا) [ص: 214] بقطع الهمزة (لرؤيته) يعني رؤية بعض المسلمين لا كلهم بل يكفي جميع الناس رؤية عدل واحد للصوم لا للفطر عند الشافعي (فإن غم عليكم) بالبناء للمفعول أي غطي الهلال بغيم من غممت الشيء غطيته وفيه ضمير يعود على الهلال ويجوز إسناده للجار والمجرور يعني إن كنتم مغموما عليكم وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه (فأكملوا) أي أتموا من الإكمال وهو بلوغ الشيء إلى غاية حدوده في قدر أو عد حسا أو معنى ذكره الحرالي (شعبان) أي عدد أيامه (ثلاثين) التي لا يمكن زيادة الشهر عليها قال ابن القيم وغيره: لا يناقضه خبر فإن غم عليكم فاقدروا له قدره فإن القدر هو الحساب المقدر والمراد به إكمال عدة الشهر الذي غم وقال النووي: معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين وزاد في رواية يوما بعد ثلاثين وفي إفهامه منع من تمادي الصوم ليلا الذي هو الوصال الذي يشعر بصحة رفع رتبة الصوم أي صوم الشهر الذي هو دورة القمر بقطع الفطر في ليلة وهو مذهب الشافعي وزعم أن ذا رخصة على الضعيف لا عزيمة على الصائم لا دليل عليه وأخذ ابن سريج من أئمة الشافعية من قوله هنا فأكملوا ومن قوله في خبر آخر فاقدروا بأنه يجوز الصوم بحساب النجوم للمنجم قال: فاقدروا للخواص وأكملوا للعوام لأن القمر يعرف وقوعه بعد الشمس بالحساب ورد بالمنع لأن الشرع علق الحكم بالرؤية فلا يقوم الحساب مقامه ولأنه إنما يعرف بالحساب موضعه من الارتفاع والانخفاض وأنه إنما يتم بالرؤية وسيره كل برج في أرجح من يومين وأقل من ثلاثة فلا ينضبط بطؤه وسرعته ولأنه يوجب تفاوت المكلفين في القدر والإكمال وأنه بعيد ولأنه لو جاز أو سن تعلمه على من يقوم بهم الحجة لأنه احتياط في العبادة كما أمرنا بإحصاء هلال شعبان لرمضان أو محمول على ما ذكر أو منسوخ بقوله فأكملوا وهو أولى من عكسه لكونه أثبت وأصرح وأخص (ق ن) في الصوم (عن أبي هريرة ن عن ابن عباس طب عن البراء) بألفاظ متقاربة واللفظ للبخاري   (1) قال النووي: المراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل إنسان بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصح هذا في الصوم وأما في الفطر فلا يجوز شهادة عدل واحد عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل الحديث: 5064 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 5065 - (صوموا لرؤيته) قال الطيبي: اللام للوقت كما في قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} أي وقت دلوكها (وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم) بضم المعجمة أي حال بينكم وبين الهلال غيم (فأتموا الثلاثين) إذ الأصل بقاء الشهر (فإن شهد شاهدان مسلمان) برؤية الهلال لرمضان وشوال (فصوموا وأفطروا) تمسك به من لم يوجب الصيام إلا بشاهدين قال الزمخشري: في غم ضمير للهلال أي إن غطي بغيم أو بغيره من غممت الشيء إذا غطيته ويجوز كونه مسندا إلى الظرف أي فإن كنتم مغموما عليكم فصوموا وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه كما تقول دفع إلى زيد إذا استغنى عن ذكر المدفوع <تنبيه> أخذ أحمد من الحديث أن شهادة الشاهد في الصحو لا تقبل بل يكمل العدد فإن غم يدل على وجود الغيم بمطلع الهلال ولقوله في الرواية الأخرى فاقدروا له قدره فإن قوله فاقدروا يدل على التضييق ولا يجوز حمله على قدر رمضان لأنه كامل فحمله عليه نسخ ولا على التدبير والتأمل لأنه لم يجيء له إلا مشدد العين ولا يجوز حمله على قوله إنا أمة أمية الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة يعني تسعة وعشرين ثم قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين يعني أن الشهر تام والشهر ناقص وقال الشهران لا ينقصان ورد الأول بأن المراد من غم ستر لون الهلال وسرعة دخوله في الشعاع أو الشك في العدد فإنه يقدر حينئذ ولا يلزم كون الضمير عائد إلى الهلال إذ المراد قدر رمضان وذلك باستكمال شعبان لقوله فأكملوا عدة شعبان ثلاثين لأنه ناقص وقدره يستلزم جعله ثمانية وعشرين ولا قائل به ونسخ فأكملوا الأصل عدمه والثاني بالمنع لوجوب حمله على قدر رمضان أنه بإكمال شعبان وإلا لزم كونه ثمانية وعشرين والثالث بالمنع لأنه جاء للتقدير والتدبر والتأمل والمثبت أولى والشهادة على العدم مردودة والرابع يحمل على إنا أمة أمية لأنه ناقص بيانا والخامس بأنه يدل [ص: 215] على أن أحدهما ينقص أو يحمل على الغالب لأنه صلى الله عليه وسلم صام تسعة وعشرين أو على النواب أو إذا رأى قبل الإكمال والسادس بأنه حيث لا نص ثم دليلنا خير فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين (حم ن عن رجال من الصحابة) الحديث: 5065 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 5066 - (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) ولو بشهادة شاهد في صحو عند الشافعية (فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا عدة شعبان) ثلاثين (ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان) قال الحرالي: تأسيس رمضان على العدد ملجأ يرجع إليه عند إغماء الشهر فصار لهذه الأمة العدد في الصوم بمنزلة التيمم في الطهور يرجعون إليه عند ضرورة فقد هلال الرؤية كما يرجعون إلى الصعيد عند فقد الماء وقال ابن تيمية: أجمع المسلمون إلا من شذ من المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع على أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام الرؤية عند إمكانها لا بالكتاب والحساب الذي يسلكه الأعاجم من روم وفرس وهند وقبط وأهل كتاب وقد قيل إن أهل الكتاب أمروا بالرؤية لكنهم بدلوا (حم ن هق عن ابن عباس) الحديث: 5066 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 5067 - (صوموا يوم عاشوراء) فإن فضيلته عظيمة وحرمته قديمة (يوم كانت الأنبياء تصومه) فصوموه. قال ابن رجب: صامه نوح وموسى وغيرهما وقد كان أهل الكتاب يصومونه وكذا أهل الجاهلية فإن قريشا كانت تصومه ومن أعجب ما ورد أنه كان يصومه الوحش والهوام فقد أخرج الخطيب في التاريخ مرفوعا أن الصرد والطير صام عاشوراء قال ابن رجب: سنده غريب وقد روي ذلك عن أبي هريرة اه وروي عن الخليفة القادر بالله أنه كان يبعث الخبز للنمل كل يوم فنأكله إلا يوم عاشوراء (ش عن أبي هريرة) رمز لصحته الحديث: 5067 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 5068 - (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما وبعده يوما) اتفقوا على ندب صومه. قال النووي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه بمكة فلما هاجروا وجد اليهود يصومونه فصامه بوحي أو اجتهاد لا بإخبارهم وقال ابن رجب: ويتحصل من الأخبار أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع حالات كان يصومه بمكة ولا يأمر بصومه فلما قدم المدينة وجد أهل الكتاب يصومونه ويعظمونه وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه فصامه وأمر به وأكد فلما فرض رمضان ترك التأكيد ثم عزم في آخر عمره أن يضم إليه يوما آخر مخالفة لأهل الكتاب ولم يكن فرضا قط على الأرجح (حم هق عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وهو غفول عن قول الحافظ الهيثمي وغيره: فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام كثير اه وفيه أيضا داود بن علي الهاشمي قال في الميزان: ليس بحجة ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 5068 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 5069 - (صوموا وأوفروا أشعاركم) أي أبقوها لتطول ولا تزيلوها (فإنها مجفرة) بفتح الميم والفاء بينهما جيم ساكنة بضبط المصنف أي مقطعة للنكاح ونقص للماء يقال جفر الفحل إذا أكثر الضراب وعدل عنه وتركه وانقطع ولا ينافيه الأمر بندب التزوج والجماع لإعفاف الزوجة وطلب الولد وسن إزالة شعر الإبط والعانة وما يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتنور لأن ما هنا في أعزب لا يندب له النكاح لكونه فاقد الأهبة وقد غلبت شهوته فيندب له كسر شهوته بالصوم وتوفير الشعر حذار من الوقوع في الزنا. (1) (د في مراسيله عن الحسن مرسلا) هو البصري   (1) [ولا يخفى أن إطالة الشعر للشباب تقليدا للأجانب والكفار هو غير ما ذكر في هذا الحديث فالناقد بصير لا يخفى عليه هاجس ضمير وإنما الأعمال بالنيات ومن تشبه بقوم كان منهم. دار الحديث] الحديث: 5069 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 [ص: 216] 5070 - (صومي عن أختك) ما لزمها من صوم رمضان وماتت ولم تقضه ففيه أن للقريب أن يصوم عن قريبه الميت ولو بلا إذن أما الحي فلا يصام عنه (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته الحديث: 5070 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 5071 - (صلاة الأبرار) (1) لفظ هذه الرواية كما حكاه المؤلف في مختصر الموضوعات وكذا غيره صلاة الأوابين وصلاة الأبرار (ركعتان إذا دخلت بيتك وركعتان إذا خرجت) من بيتك أي من محل إقامتك بيتا أو غيره فهاتان الركعتان سنة للدخول والخروج (2) (ابن المبارك ص) عن الوليد بن مسلم الأوزاعي (عن عثمان بن أبي سودة مرسلا) هو المقدسي تابعي قال الأوزاعي: أدرك عبادة وهو مولاه وفي التقريب: ثقة   (1) جمع بر كأرباب وفي لباب التفسير للكرماني جمع بار وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم المخلصون المطيعون لربهم قال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر وقيل: هم الذين صدقوا فيما وعدوا والبر الصدق وقيل: هم المؤمنون المحسنون بالإخلاص والبر الإحسان (2) أي كلما دخل وكلما خرج ويحتمل تخصيصه بإرادة السفر والرجوع منه الحديث: 5071 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 5072 - (صلاة الأوابين) بالتشديد أي الرجاعين إلى الله بالتوبة والإخلاص في الطاعة وترك متابعة الهوى (حين ترمض) بفتح التاء والميم وفي رواية لمسلم إذا رمضت (الفصال) أي حين تصيبها الرمضاء فتحرق أخفافها لشدة الحر فإن الضحى إذا ارتفع في الصيف يشتد حر الرمضاء فتحرق أخفاف الفصال لمماستها وإنما أضاف الصلاة في هذا الوقت إلى الأوابين لأن النفس تركن فيه إلى الدعة والاستراحة فصرفها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوع من مراد النفس إلى مرضاة الرب ذكره القاضي. وقال ابن الأثير: المراد صلاة الضحى عند الارتفاع واشتداد الحر واستدل به على فضل تأخير الضحى إلى شدة الحر (حم م عن زيد بن أرقم) قال القاسم الشيباني: رأى زيد بن الأرقم قوما يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وفي رواية له أيضا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلون فذكره (عبد) بغير إضافة (بن حميد وسمويه عن عبد الله بن أبي أوفى) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5072 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 5073 - (صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم) أي أجر صلاة النفل من قعود مع القدرة على القيام نصف أجر صلاته من قيام وصلاة النائم أي المضطجع على النصف من صلاة القاعد ومحله في القادر وفي غير نبينا صلى الله عليه وسلم إذ من خصائصه أن تطوعه غير قائم كهو قائما لأنه مأمون الكسل (حم م عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح انتهى وقضية تصرف المصنف أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه ولا كذلك بل هو في البخاري بلفظ صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ومن ثم اتجه رمز المصنف لصحته الحديث: 5073 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 5074 - (صلاة الجماعة) هم العدد من الناس يجتمعون يقع على الذكور والإناث أي الصلاة فيها (تفضل) بفتح أوله [ص: 217] وسكون الفاء وضم الضاد (صلاة الفذ) بفتح الفاء وشد الذال المعجمة الفرد أي تزيد على صلاة المنفرد (بسبع وعشرين درجة) أي مرتبة والمعنى أن صلاة الواحد في جماعة يزيد ثوابها على ثواب صلاته وحده سبعا وعشرين ضعفا وقيل: المعنى إن صلاة الجماعة بمثابة سبع وعشرين صلاة وعلى الأول كأن الصلاتين انتهتا إلى مرتبة من النواب فوقفت صلاة الفذ عندها وتجاوزتها صلاة الجماعة بسبع وعشرين ضعفا قال الرافعي: وعبر بدرجة دون نحو جزء أو نصيب لإرادته أن الثواب من جهة العلة والارتفاع وأن تلك فوق هذه بكذا كذا درجة نعم ورد التعبير بالجزء في رواية ثم إن سر التقييد بالعدد لا يوقف عليه إلا بنور النبوة والاحتمالات في هذا المقام كثيرة منها أن الفروض خمسة فأريد التكثر عليها بتضعيفها بعدد نفسها فيها ولا ينافيه اختلاف العدد في ذكر الروايات لأن القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد غير معتبر حيث لا قرينة أو أنه أعلم بالقليل ثم بالكثير ومثل ذلك لا يتوقف على معرفة التاريخ لأن الفضائل لا تنسخ أو هو مختلف باختلاف الصلوات أو المصلين هيئة وخشوعا وكثرة جماعة وشرف بقعة وغيرها أو أن الأعلى للصلاة الجهرية والأقل للسرية لنقصها عنها باعتبار استماع قراءة الإمام والتأمين لتأمينه أو أن الأكثر لمن أدرك الصلاة كلها في جماعة والأقل لمن أدرك بعضها وكيفما كان فيه حث على الصلاة في الجماعة المشروعة وهي فرض كفاية في المكتوبة على الأصح (مالك حم ق) في الصلاة (ت ن هـ عن ابن عمر) الحديث: 5074 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 5075 - (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ) قال القاضي: الفذ الفرد وأول سهام القداح فذ وشاة منفذة تلد واحدا واحدا فإذا اعتادت ذلك سميت منفاذا (بخمس وعشرين درجة) أفاد أن الجماعة غير شرط في صحة صلاة الفذ لما في صيغة أفضل من اقتضاء الاشتراك والتفاضل والباطل لا فضيلة فيه وأن أقل الجمع اثنان وحمل المنفرد على غير المعذور منع بأن قوله صلاة الفذ صيغة عموم فيشمل المصلي منفردا لعذر أو غيره. قال ابن سراقة: من خصائصنا الجماعة والجمعة وصلاة الليل والعيدين والكسوفين والاستسقاء والوتر وصلاة الضحى (حم خ هـ عن أبي سعيد) الحديث: 5075 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 5076 - (صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ) لأن عظم الجمع واجتماع الهمم وتساعد القلوب أسباب نصبها الله مقتضية لحصول الخير ونزول غيث الرحمة كما أن نصب سائر الأسباب مفضية إلى مسبباتها. قال القاضي: والحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة وإلا لم تكن صلاة الفذ ذات درجة حتى تفضل عليها صلاة الجماعة بدرجات والتمسك به على عدم وجوبها ضعيف إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها ولا من جعلها سببا لإحراز الفضل الوجوب فإن غير الواجب أيضا يوجب الفضل اه. <تنبيه> قال ابن حجر: جاء عن بعض الصحب قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام قال: وهو الراجح في نظري (م عن أبي هريرة) الحديث: 5076 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 5077 - (صلاة الرجل) ومثله المرأة حيث شرع لها الخروج إلى الجماعة لأن وصف الرجولية بالنسبة لثواب الأعمال معتبر شرعا وأل فيه ليست لتعريف الماهية المعلوم من حيث المعنى (في جماعة) في رواية في الجماعة (تزيد) في رواية البخاري تضعف أي تزاد (على صلاته في بيته وصلاته في سوقه) منفردا (خمسا) وفي رواية بضعا (وعشرين درجة) وفي رواية بدله ضعفا وأخرى جزءا وفي رواية خمس وعشرين قال الزركشي: كذا وقع في الصحيحين بخفض خمس بتقدير الباء وأصله بخمس قال الطيبي: صلاة الرجل مبتدأ والمضاف محذوف أي ثواب صلاته والضمير في تزيد راجع إليه وفي تخصيص ذكر السوق والبيت إشعار بأن مضاعفة الثواب على غيرها من الأماكن التي لم يلزمه لزومها لم تكن أكثر مضاعفة منهما اه. وقضية الحديث أن الصلاة بالمسجد جماعة تزيد على بيته وسوقه جماعة وفرادى. قال ابن دقيق العيد: [ص: 218] والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا قال: وبه يرتفع استشكال تسوية الصلاة في البيت والسوق وقال ابن حجر: لا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد كون أحدهما أفضل من الآخر وكذا لا يلزم كون الصلاة جماعة في بيت أو سوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن التضعيف المذكور يختص بالجماعة في مسجد والصلاة بالبيت مطلقا أولى منها بالسوق لأن الأسواق محل الشياطين والصلاة جماعة ببيت أو سوق أفضل من الانفراد (وذلك) أي التضعيف المذكور سببه (أن أحدكم) وفي رواية أحدهم (إذا توضأ) فالأمور المذكورة علة للتضعيف وسبب له وإذا كان كذلك فما ترتب على متعدد لا يوجد بوجود بعضه إلا إذا دل دليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو مقصودا لذاته (فأحسن الوضوء) بأن أتى بواجباته ومندوباته (ثم أتى المسجد) في رواية للبخاري ثم خرج إلى المسجد وظاهره عدم التقييد بالفورية فلا يضر التراخي ولو لعذر (لا يريد إلا الصلاة) أي إلا قصد الصلاة المكتوبة في جماعة وظاهره ونصه اشتراط أن يخرج لها لا لغيرها فلو خرج لها ولعبادة كعيادة لم ينل الفضل المذكور وهو كمن حج لنسك ونحو تجارة وفيه كلام معروف وإسناد الفعل للصلاة وجعلها هي المخرجة كأنه لفرط محافظته لها ورجائه ثوابها (لم يخط) بفتح الياء وضم الطاء (خطوة) بضم أوله وتفتح قال في الصحاح: بالضم ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري بأنها هنا بالفتح وقال القرطبي: هي في رواية مسلم بالضم (إلا رفعه الله بها) بالخطوة (درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في صلاة) أي في حكمها فهو مجاز إذ الصلاة لا تكون ظرفا له حقيقة فكيف بمن في حكمه كذا قرره بعضهم وليس تقريره بمرضي وإنما الوجه ما سلكه الحافظ ابن حجر من قوله في صلاة أي في ثواب صلاة لا في حكمها لحل الكلام وغيره مما منع في الصلاة له (ما كانت) وفي رواية للبخاري ما دامت (الصلاة تحبسه) أي تمنعه من الخروج من المسجد (وتصلي الملائكة) الحفظة فقط أو هم وغيرهم (عليه) أي تستغفر له (ما دام في مجلسه) ما مصدرية ظرفية أي مدة دوام جلوسه في المحل (الذي يصلي فيه) أي المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد قال ابن حجر: ولعله للغالب فلو قام لبقعة أخرى منه ناويا انتظار الصلاة كان كذلك قال: ويؤخذ من قوله الذي صلى فيه أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى وتتقيد الصلاة الأولى بكونها مجزئة (يقولون اللهم اغفر له) جملة مبينة لقوله تصلي عليه وهو أفخم من لو قيل ابتداء لا تزال الملائكة تقول اللهم صل عليه للإبهام والتبيين (اللهم ارحمه) طلبت له الرحمة من الله بعد طلب الغفران لأن صلاة الملائكة على الآدمي استغفار له (اللهم تب عليه) أي وفقه للتوبة وتقبلها منه وهذا موافق لقوله {ويستغفرون لمن في الأرض} قيل: وسره أنهم يطلعون على أفعال الآدميين وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فإن فرض أن فيهم من حفظ عوض من المغفرة بمقابلها من الثواب ويستمر هذا شأنه (ما لم يؤذ فيه) أحدا من الخلق بيد أو لسان فإنه كالحديث المعنوي ومن ثم اتبعه بالحدث الظاهري فقال: (أو يحدث فيه) بالتخفيف من الحدث قال التوربشتي: وأخطأ من شدد قال ابن بطال: المراد بالحدث حدث الفرج لكن يؤخذ منه أن تجنب حدث اليد واللسان بالأولى لأنهما أشد إيذاء وفي رواية للشيخين بدل قوله لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة أي لا يخرجه وينهضه [ص: 219] إلا إياها واستنبط منه أفضلية الصلاة على سائر العبادات وصالحي البشر على الملائكة <تنبيه> قال في الفتح: هذا الحديث قد تمسك به من ذهب إلى عدم وجوب الجماعة وأنها سنة فقط لاقتضائه ثبوت صحة ما في البيت إلى الصحة والفضيلة بلا جماعة وجوابه أنه لا يستلزم أكثر من ثبوت صحة ما في البيت والسوق في الجملة بلا جماعة ولا ريب فيه إذا فاتت الجماعة فالمعنى صلاة الجمعة أفضل من صلاته في بيته فيما يصح فيه ولو كان مقتضاه الصحة مطلقا بلا جماعة لم يدل على ندبها لجواز أن الجماعة ليست من أفعال الصلاة فيكون تركها مؤثما لا مفسدا (حم ق د هـ عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أن كلا منهم روى الحديث كله هكذا وليس كذلك بل قوله اللهم تب عليه ليس عند الشيخين بل هو لابن ماجه كما ذكره القسطلاني الحديث: 5077 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 5078 - (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسا وعشرين درجة فإذا صلاها بأرض فلاة) أي في جماعة كما يشير إليه السياق (فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة) قال ابن حجر: كأن سره أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة قال أبو زرعة: هو حجة على مالك في ذهابه إلى أنه لا فضل لجماعة على جماعة وتعلقه بأنه جعل في الخبر السابق الجماعات كلها بخمس أو سبع وعشرين فاقتضى تساوي الجماعات لا ينهض لأن أقل ما تحصل به الجماعة محصل للتضعيف ولا مانع من تضعيف آخر من نحو كثرة جماعة أو شرف بقعة أو نحوه (عبد بن حميد ع حب ك عن أبي سعيد) الحديث: 5078 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 5079 - (صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع (1) فيه الناس) أي الجمعة (بخمس مئة صلاة وصلاته في المسجد الأقصى بخمسة آلاف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة) قال ابن حجر: أخذ منه بعض الصحب قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام الذي يصلي فيه القبائل ومذهب الشافعي كما في المجموع أن من صلى في عشرة فله خمس أو سبع وعشرون درجة وكذلك من صلى مع اثنين لكن صلاة الأول أكمل (هـ) من حديث زريق الألهاني (عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: زريق ينفرد بالأشياء التي لا تشبه حديث الأثبات لا يحتج بما تفرد به وقال ابن حجر: سنده ضعيف   (1) بضم أوله وشدة الميم مكسورة أي يقيمون الجمعة وفي نسخ حذف الناس وضبط بفتح الميم وهو أوضح أي تقام فيه الجمعة الحديث: 5079 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 5080 - (صلاة الرجل) القادر النفل (قاعدا نصف الصلاة) أي له نصف ثواب الصلاة قائما إن قدر فالصلاة صحيحة والأجر ناقص أما العاجز فصلاته قاعدا كهي قائما وأما الفرض فلا يصح من قعود مع القدرة (ولكني لست كأحد منكم) أي ممن لا عذر له ولفظ حديث مسلم عن ابن عمر حدثت أنه صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعدا نصف صلاة [ص: 220] القائم فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضعت يدي على رأسه فقال: مالك فقلت: حدثت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على النصف من صلاة القائم وأنت تصلي قاعدا فقال: أجل ولكني لست كأحد منكم اه فاختصره المؤلف على ما ترى قال الزين العراقي وتبعه المؤلف وابن حجر: وهذا مبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح وقد عد الشافعية من خصائصه هذه المسألة ولم يبين كيفية القعود ويؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي وهو قضية كلام الشافعي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا وقيل مفترشا وصححه الرافعي وقيل متوركا (م د ن عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 5080 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 5081 - (صلاة الرجل) النفل (قائما أفضل من صلاته قاعدا وصلاته) إياه (قاعدا على النصف من صلاته قائما وصلاته نائما) بالنون اسم فاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما فسره به البخاري وأحمد بن خالد الذهبي فزعم ابن بطال أن نائما غلط وأن الرواية بإيماء على أنه جارا ومجرور هو الغلط (على النصف من صلاته قاعدا) قال ابن عبد البر وابن بطال: الجمهور لا يجيزون النفل مضطجعا فإن أجازه أحد مع القدرة فهو حجة له وإلا فالحديث غلط أو منسوخ وقال الخطابي: لا أحفظ عن أحد أنه أجاز النفل نائما كقاعدا اه. قال الزين العراقي: وهو مردود فقد حكى عياض في الإكمال ثلاثة أقوال وقال ابن حجر: هو مردود فقد حكى الترمذي عن الحسين جواز النفل مضطجعا وهو الأصح عند الشافعية لكن يلزم القادر الإتيان بالركوع والسجود حقيقة ولا يجزئه الإيماء بهما قال الولي العراقي: ومن زعم الغلط أو التصحيف فهو الذي غلط وصحف وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله نائما على النوم الحقيقي الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة وليس ذلك بمراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقرر ثم إن محل ما ذكر في الحديث في غير المعذور أما من شق عليه القيام فصلى قاعدا فأجره كالقائم فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام كان أفضل (حم د عن عمران بن الحصين) رمز لصحته الحديث: 5081 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 5082 - (صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين) لأن النفل شرع للتقرب إلى الله إخلاصا لوجهه فكلما كان أخفى كان أبعد عن الرياء ونظر الخلق وأما الفرائض فشرعت لإشادة الدين وإظهار شعاره فهي جديرة بأن تقام على رؤوس الأشهاد فذكر الرجل غالبي فلا مفهوم له فالمرأة كذلك والنساء شقائق الرجال (ع عن صهيب) الرومي الحديث: 5082 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 5083 - (صلاة الضحى صلاة الأوابين) أي الرجاعين إلى الله بالتوبة جمع أواب وهو كثير الرجوع أو المسبح أو المطيع (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور البيهقي في الشعب الحديث: 5083 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 5084 - (صلاة القاعد نصف) أجر (صلاة القائم) ولفظ رواية أحمد صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم هذا في حق القادر وفي حق غير المصطفى صلى الله عليه وسلم كما تقرر أما هو فصلاته قاعدا كصلاته قائما لأنه مأمون الكسل (حم ن هـ عن أنس) بن مالك قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهي محمة فحم الناس فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال: صلاة القاعد إلخ قال ابن حجر في الفتح: رجال أحمد ثقات [ص: 221] وقال شيخه الحافظ العراقي في شرح الترمذي: إسناد ابن ماجه جيد لكن اختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت وقال في موضع آخر: حديث ابن عمرو صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم صحيح روي من غير وجه عنه (هـ عن ابن عمرو) بن العاص (طب عن ابن عمرو عن عبد الله بن السائب) قال الهيثمي: وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف (وعن المطلب) بفتح الطاء المشددة (ابن أبي وداعة) الحارث بن حبرة بمهملة ثم موحدة ابن سعيد مصغرا من مسلمة الفتح قال الهيثمي: وفيه صالح بن أبي خضر ضعفه الجمهور الحديث: 5084 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 5085 - (صلاة الليل) أي النافلة (مثنى مثنى) بلا تنوين لأنه غير منصرف للعدل والوصف وكرره للتأكيد لأنه في معنى اثنين اثنين أربع مرات والمعنى يسلم في كل ركعتين كما فسره ابن عمر وتمسك بمفهومه الحنفية على أنه نفل النهار أربع ومنعه الأئمة الثلاثة بأن الليل لقب لا مفهوم له عند الأكثر وسيجيء تحقيقه فيما بعده (فإذا خشي أحدكم الصبح) أي فوت صلاته (صلى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة (ما قد صلى) فيه أن أقل الوتر ركعة وأنها مفصولة بالتسليم عما قبلها وبه قال الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية وأن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر وهو مذهب الجمهور ومشهور مذهب مالك إنما يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى الضروري إلى صلاة الصبح (مالك حم ق 4 عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5085 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 5086 - (صلاة الليل) مبتدأة (مثنى مثنى) خبره فمحلهما رفع (فإذا خفت الصبح) أي وصول وقته (فأوتر بواحدة) وبثلاث أكمل (فإن الله وتر يحب الوتر) أي يرضاه ويثيب عليه (ابن نصر طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5086 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 5087 - (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) أي اثنين اثنين ومقتضى هذا اللفظ حصر المبتدأ في الخبر لأنه حاكم على العام أعني صلاة الليل والنهار وليس بمراد وإلا لزم كون كل نفل لا يكون إلا ركعتين شرعا والإجماع قد قام على جواز الأربع ليلا ونهارا على كراهة الواحدة والثلاث في غير الوتر وإذا انتفى كون المراد أن الصلاة لا يباح إلا ثنتين لزم كون الحكم بالخبر المذكور أعني مثنى أما في حق الفضيلة بالنسبة إلى الأربعة أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد وترجيح أحدهما إنما يكون بمرجح وفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم ورد على كلا النحويين وكفى مرجحا ما في مسلم أن ابن عمر سئل: ما مثنى مثنى قال: تسلم في كل ركعتين وهو أعلم بما سمعه وشاهده من المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا ما وعدنا به فيما قبل (حم 4 عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: حديث صحيح رواته كلهم ثقات وقول الدارقطني ذكر النهار مزيد على الروايات فهو وهم من البارقي ممنوع لأنه ثقة احتج به مسلم وزيادة الثقة مقبولة الحديث: 5087 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 5088 - (صلاة الليل مثنى مثنى وجوف الليل) سدسه الخامس (أحق به) كذا بخط المصنف وفي نسخ أجوبة دعوة ولا أصل لها في خطه لكنها رواية قالوا: يعني بذلك الإجابة وقيل: الرواية أوجبه (ابن نصر طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين ابن عامر بن خالد السلمي أبو نجيح صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد ورواه عنه الإمام أحمد أيضا قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف الحديث: 5088 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 [ص: 222] 5089 - (صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل) (1) استدل به على منع التطوع بركعة فردة في غير الوتر وهو محكي عن مالك ومذهب الشافعي جوازه قياسا على الوتر لخبر الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء أكثر وفيه رد على أبي حنيفة في منعه الوتر بركعة واحدة (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته قال الهيثمي: فيه ليث بن سليم وهو ثقة لكنه مدلس   (1) أي أقله ركعة ووقته بين صلاة العشاء والفجر لكن تأخيره إلى آخر الليل أفضل لمن وثق باستيقاظه الحديث: 5089 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 5090 - (صلاة الليل مثنى مثنى) قال العراقي: يحتمل أن المراد يسلم من كل ركعتين وأن المراد يتشهد في كل ركعتين وإن جمع ركعات بتسليم ويكون قوله عقبه (وتشهد في كل ركعتين) تفسيرا لمعنى مثنى مثنى وقال غيره: صلاة الليل مبتدأ ومثنى خبره ومثنى الثاني تأكيد وتشهد في كل ركعتين خبر بعد خبر كالبيان لمثنى أي ذات تشهد إلخ وكذا المعطوف وقوله وتشهد بالواو على ما وقفت عليه في خط المؤلف فإسقاطها في بعض النسخ من تصرف النساخ لكنه رواية (وتبأس) قال الخطابي: معناه إظهار البؤس والفاقة وقال المديني: البؤس والخضوع والفاقة والفقر (وتمسكن) قال الخطابي: من المسكنة وقيل معناه السكون والوقار والميم زائدة وقال العراقي: هو وتبأس مضارع حذف منه إحدى التاءين (وتقنع) هكذا هو بخط المصنف (بيديك) قال الحسني في شرح الترمذي: ومعناه رفع اليدين في الدعاء وفي رواية وتضع يديك وهو عطف على محذوف إذا فرغت منها فسلم ثم ارفع يديك فوضع الخبر موضع الطلب وقال العراقي: يحتمل أن مراده الرفع في القنوت (وتقول اللهم اغفر لي) ذنوبي (فمن لم يفعل ذلك فهو خداج) أي ذا خداج أي نقصان أو وضع المصدر موضع المفعول مبالغة كقوله وإنما هي إقبال وإدبار وهذا قد احتج به الطحاوي على عدم فرضية قراءة الفاتحة في الصلاة قال: قالوا هنا المراد نفي الكمال لا الإجزاء فكذلك قال في خبر كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج والنقص لا يستلزم البطلان وأجيب بأن النقص من الصلاة على قسمين نقص يستلزم البطلان وهو النقص من الفرائض وهو النقص حقيقة ونقص من النوافل لا يستلزم البطلان أطلق عليه النقص إطلاقا مجازيا من باب التشبيه من حيث هو مشبه للنقص الآخر في الظاهر والحمل على الحقيقي أولى منه على المجازي وقال الحسني: تضمن رفع اليدين في الدعاء والدعاء بالمغفرة وهو الذي اتصل به قوله فمن لم يفعل ذلك فهو خداج فالضمير في فهو ليس عائدا على الصلاة بل على من فاته ما ذكر من رفع اليدين والدعاء بالمغفرة (حم د ت هـ) في الصلاة (عن المطلب بن أبي وداعة) رمز المصنف لحسنه قال الصدر المناوي: فيه عبد الله بن نافع بن أبي العمياء قال البخاري: لا يصح حديثه وقال الحسني: فيه اضطراب وإعلال الحديث: 5090 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 5091 - (صلاة المرأة في بيتها) وهي الموضع المهيأ للنوم (أفضل من صلاتها في حجرتها) وهي بالضم كل محل حجر عليه بالحجارة (وصلاتها في مخدعها) بضم الميم وتفتح وتكسر خزانتها التي في أقصى بيتها قال في الفتح: ووجه كون صلاتها في الأخفى أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة (أفضل من صلاتها في بيتها) وقال البيهقي: فيه دلالة على أن الأمر بأن لا يمنعن أمر ندب وهو قول عامة العلماء وفيه دليل لمذهب الحنفية أن الجماعة تكره لجماعة النساء كراهة تحريم قالوا: من المعلوم [ص: 223] أن المخدع لا يسع الجماعة (د عن ابن مسعود ك عن أم سلمة) سكت عليه أبو داود والمنذري الحديث: 5091 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 5092 - (صلاة المرأة وحدها تفضل على صلاتها في الجمع) أي جمع الرجال (بخمس وعشرين درجة) سبق معناه (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه بقية بن الوليد ورواه أيضا أبو نعيم ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لكان أولى الحديث: 5092 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 5093 - (صلاة المسافر) سفرا طويلا وهو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ذهابا وهي مرحلتان سير الأثقال (ركعتان) إذا كانت الصلاة رباعية مكتوبة مؤداة أو فائتة السفر (حتى يؤوب) أي يرجع (إلى أهله أو يموت) في سفره (1) وفيه جواز قصر الرباعية في السفر إلى ركعتين ولو في الخوف وعن ابن عباس جوازه في الخوف إلى ركعة والجمهور على الأول وتأولوا خبر مسلم عن ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة على أن المراد ركعة مع الإمام وينفرد بالأخرى كما هو المشروع فيها وأخذ الحنفية بظاهر هذا الخبر ونحوه فأوجبوا القصر (خط) في ترجمة عفيف الموصلي (عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية وقد سبق وخالد بن عثمان العثماني قال الذهبي: قال ابن حبان: بطل الاحتجاج به وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس وغيره إلى النسائي   (1) أو يقيم إقامة تمنع الترخص الحديث: 5093 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 5094 - (صلاة المسافر بمنى وغيرها ركعتان) (1) أخذ منه بعض المجتهدين أنه لا يسن له صلاة السنن لأن الشارع لما أسقط شطر الفرض عنه تخفيفا عليه للسفر فمن المحال أن يطلب منه غيره لكن الأصح عند الشافعية والحنفية أن شرعيتها مشترك بين المسافر والمقيم ولا ضرر على المسافر فيه إذ يمكنه أداؤها راكبا وماشيا (أبو أمية) محمد بن إبراهيم بن مسلم (الطرسوسي) البغدادي أكثر المقام بطرسوس فنسب إليها (في مسنده عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه   (1) إقامته بها لا تمنع حكم السفر الحديث: 5094 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 5095 - (صلاة المغرب وتر) أي وتر صلاة (النهار) تمامه كما في الميزان فأوتروا صلاة الليل أي فكما جعلت آخر صلاتكم بالنهار وترا فاجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وأضيفت إلى النهار لوقوعها عقبه فهي نهارية حكما وإن كانت ليلية حقيقية قال ابن المنير: إنما شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها وبابتداء وقتها ولا يكره تسميتها العشاء الأولى كما يقال العشاء الآخرة للعشاء (ش عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه ورواه عنه أيضا أحمد بلفظ صلاة المغرب أوترت النهار فأوتروا صلاة الليل قال الحافظ العراقي: والحديث سنده صحيح اه وحينئذ فاقتصار المصنف على الإشارة لحسنه تقصير الحديث: 5095 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 5096 - (صلاة الهجير) أي الصلاة المفعولة بعد الزوال قبل الظهر كما يشير إليه تفسير الراوي المبين في الطبراني وغيره (من) الذي رأيته في نسخ الطبراني مثل بدل من (صلاة الليل) في الفضل والثواب لمشقتها كصلاة الليل (ابن نصر طب [ص: 224] عن عبد الرحمن بن عوف) قال الهيثمي: رجاله موثقون اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 5096 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 5097 - (صلاة الوسطى صلاة العصر (1)) أي الصلاة الفضلى هي العصر من قولهم للأفضل أوسط وذلك لأن تسميتها بالعصر مدحة من حيث إن العصر خلاصة الزمان كما أن عصارات الأشياء خلاصاتها {ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} فعصر اليوم هو خلاصة لسلامته من وهج الحارة وغسق الليل ولتوسط الأحوال والأبدان بين حاجتي الغداء والعشاء التي هي مشغلتهم لحاجة الغداء ولتصادم ملائكة الليل والنهار فيها (حم ت) في الصلاة وقال الترمذي: حسن صحيح (عن سمرة) بن جندب (ش ت حب عن ابن مسعود ش عن الحسن مرسلا) هو البصري (هق عن أبي هريرة البزار) في مسنده (عن ابن عباس الطيالسي) أبو داود (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: رجاله موثقون   (1) وقيل المغرب وقيل العشاء وقيل الصبح وقيل الصلوات الخمس وقيل واحدة من الخمس غير معينة وقيل صلاة الجمعة وقيل الظهر في الأيام والجمعة يوم الجمعة وقيل الصبح والعشاء معا وقيل الصبح والعصر وقيل صلاة الجماعة وقيل صلاة الوتر وقيل صلاة الخوف وقيل صلاة عيد الفطر وقيل صلاة عيد النحر وقيل صلاة الضحى وقيل صلاة الليل وقيل الصبح أو العصر على التردد وقيل بالتوقف وللمؤلف في ذلك تأليف مستقل ذكر فيه هذه الأقوال وأدلتها الحديث: 5097 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 5098 - (صلاة الوسطى أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر) وهو الظهر لأنها وسط النهار فكانت أشق الصلاة عليهم فكانت أفضل وذهب إلى هذا جمع منهم المصنف فرجح أنها الظهر مع اعترافه بخروجه عن مذهب الشافعي واستشهد له بخبر ابن جرير الصلاة الوسطى بصلاة الظهر وقيل هي الصبح لأنها بين صلاتي الليل والنهار والواقعة في حد المشترك بينهما وقيل المغرب لأنها المتوسطة بالعدد ووتر النهار وقيل العشاء لأنها بين جهريتين واقعتين طرفي النهار (عبد بن حميد في تفسيره) للقرآن (عن مكحول) الشامي (مرسلا) الحديث: 5098 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 5099 - (صلاة أحدكم) في رواية صلاة المرء (في بيته) أي في محل سكنه (أفضل من صلاته في مسجدي هذا) قال الطيبي: هذا تتميم ومبالغة لطلب الإخفاء فإنها بمسجده تعدل ألفا في غيره سوى المسجد الحرام وجزم بقضية هذه الرواية في المجموع فقال: صلاة النفل في البيت أفضل منها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضية العلة أن الحرم المكي مثله (إلا المكتوبة) يعني المكتوبات الخمس قال ابن حجر: يحتمل كون المراد بالمكتوبة ما تشرع له الجماعة قال ابن رسلان: وفيه نظر فإن الإسنوي استثنى من النفل الصلوات المشهودة كالعيد ويستثنى أيضا التراويح. قال المحب للطبري: فيه دلالة ظاهرة على أن النافلة في البيت تضاعف تضعيفا يزيد على الألف لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم فضلها على الصلاة في مسجده والصلاة فيه بألف صلاة وهل يطرد هذا التضعيف في نافلة بيوت مكة على مسجدها؟ فيه احتمالان أحدهما نعم لعموم التفضيل في الأحاديث والتقييد بمسجده للمبالغة في التفضيل لا لنفي الحكم عما سواه وإن كان أفضل منه وخص مسجده بالذكر لأن المخاطب من أهله والمراد حثهم على تنفلهم في بيوتهم دونه أو لأنهم يرون فضله على ما سواه والثاني أن يكون التقييد لنفي الحكم عن مسجد مكة لزيادة التضعيف فيه على مسجد المدينة عند من يرى ذلك [ص: 225] فكأنه قال مسجدي هذا فما دونه في الفضل لا ما زاد عليه والأول أظهر ولا يتبادر إلى الفهم سواه (د عن زيد بن ثابت) الأنصاري (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: حسن وسكت عليه أبو داود والمنذري رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة غير أبي داود وليس كذلك فقد رواه الترمذي والنسائي الحديث: 5099 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 5100 - (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك) الظاهر أن السبعين للتكثير وأن المراد أن الصلاة بسواك أفضل منها بدونه بكثير قال ابن عبد البر: فضل السواك مجمع عليه والصلاة بعد السواك أفضل منها قبله بلا خلاف وقال عياض والقرطبي: لا خلاف أنه مشروع للصلاة مستحب لها ويتأكد للصبح والظهر ونقل عن الحنفية كراهة السواك عند القيام للصلاة وأن محله عند الوضوء لاشتراكهما في إزالة الأوساخ وحمل بعض من انتحل مذهبهم للصلاة في الحديث على صلاة التيمم أو من لم يجد ماء ولا ترابا حتى لا يخلو المصلي عن سواك إن لم يكن عند الوضوء فعند الصلاة وذكر بعضهم أن المالكية لم يستحبوه لها قال ابن دقيق العيد: وسر ندب السواك بها أنا مأمورون أن نكون في حال التقرب إلى الله تعالى في حالة كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة قال: وقيل إنه لأمر يتعلق بالملك وهو أنه يضع فاه على فم القارئ فيتأذى بالريح الكريهة فيتأكد السواك لها لذلك وقد أخرج البزار عن علي مرفوعا إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه إلى فيه فما يخرج من فيه شيء إلا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن. قال الولي العراقي: رجاله رجال الصحيح ومقتضى الحديث أنه لا فرق بين صلاته منفردا أو في جماعة في مسجد أو بيته (ابن زنجويه) في كتاب الترغيب في فضائل الأعمال (عن عائشة) ظاهر حاله أنه لم يره مخرجا لأعلى ولا أشهر ولا أحق بالعزو من ابن زنجويه وهو عجب فقد خرجه الإمام أحمد والحاكم في مستدركه وصححه وابن خزيمة والبيهقي وضعفه كلهم عن عائشة باللفظ المذكور وتعقبه النووي كابن الصلاح بأنه من رواية ابن إسحاق وهو تقصير بالعنعنة فاقتصاره على ابن زنجويه تقصير الحديث: 5100 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 5101 - (صلاة تطوع أو فريضة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بلا عمامة وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بلا عمامة) والظاهر أن المراد ما يسمى عمامة عرفا فلو صلى بقلنسوة ونحوها لا يكون مصليا بعمامة وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن مالك قال: لا ينبغي أن تترك العمائم ولقد اعتممت وما في وجهي شعرة <تنبيه> في المناهج: السنة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي الجمعة إلا بعمامة حتى ذكر التقي بن فهد أنه كان إذا لم يجدها وصل خرقا بعضها ببعض ثم اعتم بها (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وعزاه ابن حجر إلى الديلمي عن ابن عمر أيضا ثم قال: إنه موضوع ونقله عنه السخاوي وارتضاه قال في اللسان: أخرج ابن النجار عن مهدي بن ميمون دخلت على سالم بن عبد الله بن عمر وهو يعتم فقال: يا أبا أيوب ألا أحدثك بحديث؟ قلت: بلى. قال: دخلت على ابن عمر فقال لي: يا بني أحب العمامة. يا بني اعتم تحلم وتكرم وتوقر ولا يراك الشيطان إلا ولى هاربا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه مجاهيل الحديث: 5101 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 5102 - (صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مئة تترى) بفتح المثناة الفوقية [ص: 226] وسكون الثانية وفتح الراء مقصورا: أي متفرقين غير مجتمعين والتاء الأولى منقلبة عن واو وهو من المواترة لا التواتر كما وهم (1) (طب هق عن قباث) بفتح القاف بضبط المصنف (ابن أشيم) بن عامر الكناني الليثي شهد بدرا مشركا قال الهيثمي: رجال الطبراني موثقون والمصنف رمز لصحته فإن كان بالنظر لطريق الطبراني فمسلم أو من طريق البيهقي فممنوع فقد قال الذهبي في المهذب: إسناده وسط وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من هذين مع أن الإمام البخاري خرجه في تاريخه   (1) قال في النهاية: والتواتر أن يجيء الشيء بعد الشيء بزمان. وتصرف تترى ولا تصرف فمن لم يصرفه جعل الألف للتأنيث كفضلي ومن صرفه لم يجعله للتأنيث. وقال في المصباح: والمواترة المتابعة ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة وإلا فهي مداركة ومواصلة وأصل تترى وترى من الوتر وهو الفرد قال تعالى {ثم أرسلنا رسلنا تترى} أي واحدا بعد واحد ومن نونها جعل الفاء للإلحاق الحديث: 5102 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 5103 - (صلاة في إثر صلاة) أي صلاة تتبع صلاة وتتصل بها فرضا أو غيره (لا لغو بينهما كتاب في عليين) أي عمل مكتوب تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين لكرامة المؤمن وعمله الصالح وعليون اسم لديوان الملائكة الحفظة يرفع إليه أعمال الصلحاء وقال الطيبي: معناه مداومة الصلاة من غير شوب بما ينافيها لا مزيد عليها ولا عمل أعلى منها فكنى بذلك عنه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل هو قطعة من حديث وسياقه عند مخرجه أبي داود من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى (1) لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين انتهى (د عن أبي أمامة) وفيه عبد الوهاب بن محمد الفارسي قال في الميزان: رمي بالاعتزال وكان يصحف في الإسناد والمتن وصحف هنا قوله كتاب في عليين كنار في غلس   (1) قوله إلى تسبيح الضحى أي إلى صلاته سميت الصلاة بذلك لما فيها من تسبيح الله وتنزيهه قال تعالى {فلولا أنه كان من المسبحين} أي المصلين وفيه أن صلاة الضحى في المسجد أفضل وقوله لا ينصبه بضم أوله وكسر ثالثه أي لا يزعجه وقوله إلا إياه أي تسبيح الضحى من النوادر ما حكوا أن بعضهم صحف هذا الحديث فقال: كنار في غلس فقيل له: ما معنى غلس فقال: لأنها فيه أشد ضوءا الحديث: 5103 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 5104 - (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) أي فإنها فيه أفضل منها في مسجدي لأن التقدير فإن الصلاة في مسجدي تفضله بدليل خبر أحمد وغيره صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي قال الحرالي: سمي حراما لحرمته حيث لم يوطأ قط إلا بإذن الله ولم يدخله أحد قط إلا دخول ذلة فكان حراما على من يدخله دخول متكبر أو متبختر قالوا: وهذا التضعيف فيما يرجع إلى الثواب ولا يتعدى إلى الأجزاء على الفوائت فلو كان عليه صلاتان فصلى بمسجد مكة أو المدينة واحدة لم يجز عنهما قال النووي: وهذه [ص: 227] الفضيلة مختصة بنفس مسجده دون ما زيد بعده (حم ق ت ن هـ عن أبي هريرة حم م ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (م عن ميمونة) أم المؤمنين (حم عن جبير بن مطعم وعن سعد) بن أبي وقاص (وعن الأرقم) بن أبي الأرقم قال ابن عبد البر في التمهيد: حديث ثابت الحديث: 5104 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 5105 - (صلاة في مسجدي هذا) مسجد المدينة (أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد لأن المسجد الحرام) أي الممنوع من التعرض له بسوء وقتال فيه (فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد) هذه العبارة تحتها احتمال المساواة كما أشرنا إليه في حل الحديث السابق لكن الأدلة قامت على فضل حرم مكة على غيره لأنه أول بيت وضع للناس وعبر باسم الإشارة إشارة إلى أن التضعيف خاص بمسجده إلا بما زيد فيه بخلاف مسجد مكة فإنه يعم <تنبيه> عدوا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن مسجده أفضل المساجد وبلده أفضل البلاد ومرادهم أفضل المساجد بعد مسجد مكة (م ن عن أبي هريرة) قال ابن عبد البر: روي عن أبي هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة قال العراقي: لم يرد التواتر الذي ذكره أهل الأصول بل الشهرة الحديث: 5105 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 5106 - (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه) ظاهره أنه لا فرق في التضعيف بين الفرض والنفل وبه قال صحبنا قال النووي: وتخصيص الطحاوي وغيره بالفرض خلاف إطلاق الأخبار قال العراقي: فيكون النفل بالمسجد مضاعفا بما ذكر ويكون فعله في البيت أفضل لعموم خبر أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (حم هـ عن جابر) قال الحافظ الزين العراقي: إسناده جيد وقال ولده الولي: يقع في بعض نسخ ابن ماجه من مئة صلاة بدون ألف والمعتمد الأول الحديث: 5106 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 5107 - (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة) استدل به الجمهور بالتقرير المتقدم على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما يكون العبادة به مرجوحة وهو مذهب الثلاثة وعكس مالك على المشهور بين صحبه لكن قال ابن عبد البر: روى عنه ما يدل على أن مكة أفضل (حم حب) وكذا الطبراني والبزار كلهم (عن) عبد الله (بن الزبير) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: رجاله رجال الصحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح الحديث: 5107 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 5108 - (صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد وصيام شهر رمضان بالمدينة كصيام ألف [ص: 228] شهر فيما سواها وصلاة الجمعة بالمدينة كألف جمعة فيما سواها) قال حجة الإسلام: وكذا كل عمل بالمدينة بمئة ألف قال: وبعد المدينة الأرض المقدسة فإن سائر الأعمال فيها الواحد بخمس مئة (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه فإنه عقبه بالقدح في سنده فقال: هذا إسناد ضعيف بمرة انتهى بلفظه فحذف المصنف له من سوء الصنيع الحديث: 5108 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 5109 - (صلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة وصلاة في مسجدي ألف صلاة وفي بيت المقدس خمس مئة صلاة) تمسك بهذا الحديث من فضل مكة على المدينة قالوا: إذ لا معنى للتفضيل بين مكة والمدينة إلا أن ثواب العمل في إحداهما أكثر من ثواب العمل في الأخرى وأجاب من فضل المدينة بأن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة والصلوات الخمس بمنى للتوجه إلى عرفة أفضل منهما مسجد مكة وإن انتفت عنها المضاعفة ومذهب الشافعية شمول المضاعفة للنفل مع تفضيله بالمنزل إذ غايته أن للمفضول مزية ليست للفاضل (هب عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه ورواه الطبراني عن أبي الدرداء وابن عبد البر عن البزار قال الهيثمي: وسنده حسن الحديث: 5109 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 5110 - (صلاتان لا يصلى) البناء للمجهول (بعدهما) أي بعد فعلهما (الصبح حتى تطلع الشمس والعصر حتى تغرب الشمس) فيحرم صلاة لا سبب لها متقدم ولا مقارن ولا تنعقد على الأصح عند الشافعية (حم حب عن سعد) بن أبي وقاص. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 5110 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 5111 - (صلاتكن) أيتها النسوة (في بيوتكن أفضل من صلاتكن في حجركن) جمع حجرة (وصلاتكن في حجركن أفضل من صلاتكن في دوركن وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في مسجد الجماعة) لأن النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا فأمرن بعدم الخروج حسما لمادة إغوائه وإفساده وفيه حجة لمن كره لهن شهود الجمعة والجماعة وهو مذهب أهل الكوفة وأبو حنيفة بل عم متأخرو أصحابه المنع للعجائز والشواب في الصلوات كلها لغلبة الفساد في سائر الأوقات كما في فتح القدير ومذهب الشافعي كراهته لشابة أو ذات هيئة لا عجوز في بذلة ومع ذلك بيتها خير لها (حم طب هق) من حديث عبد الحميد بن المنذري الساعدي عن أبيه (عن) جدته (أم حميد) الأنصارية امرأة أبي حميد الساعدي قالت: يا رسول الله إنا نحب الصلاة يعني معك فتمنعنا أزواجنا فذكره قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وفيه كلام مشهور وقال ابن حجر: عبد الحميد بيض له أبو يعلى وجدته أم حميد الأنصارية قال الذهبي: لها حديث في كتاب ابن أبي عاصم وليس في الصحابيات أم حميد غيرها ولم يخرج لها أحد من الأئمة الحديث: 5111 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 [ص: 229] 5112 - (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين) إذ بهما يصير العبد شاكرا لله خالصا له متواضعأ مفوضا مسلما فيتولى ويتولاه الله (ويهلك) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة وهلاك وهو الملائم لقوله صلاح (آخرها بالبخل والأمل) وذلك لا يظهر إلا من فقد اليقين ساء ظنهم بربهم فبخلوا وتلذذوا بشهوات الدنيا فحثوا أنفسهم بطول الأمل {وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} والمراد غلبة البخل والأمل في آخر الزمان يكون من الأسباب المؤدية للهلاك بكثرة الجمع والحرص وحب الاستئثار بالمال المؤدي إلى الفتن والحروب والقتل وغير ذلك ذكره بعضهم. وقال الطيبي: أراد باليقين تيقن أن الله هو الرزاق المتكفل للأرزاق {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فمن تيقن هذه في الدنيا لم يبخل لأن البخيل إنما يمسك المال لطول الأمل وعدم التيقن. قال الأصمعي: تلوت على أعرابي {والذاريات} فلما بلغت {وفي السماء رزقكم} قال: حسبك وقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه فكسره وولى فلقيته بالطواف قد نحل جسمه واصفر لونه فسلم علي واستقرأني السورة فلما بلغت {وفي السماء رزقكم} صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم غير هذا فقرأت {فورب السماء والأرض إنه لحق} فصاح وقال: سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ قالها ثلاثا فخرجت معها روحه. قال الحكماء: الجاهل يعتمد على الأمل والعاقل يعتمد على العمل وقال بعضهم: الأمل كالسراب غر من رآه وخاب من رجاه قيل: إن قصر الأمل حقيقة الزهد وليس كذلك بل هو سبب لأن من قصر أمله زهد ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا ونسيان الآخرة وقسوة القلب لأن رقته وصفاء نمائه يقع بتذكر الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال القيامة ومن قصر أمله قل همه وتنور قلبه لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة ورضي بما قل. وقال ابن الجوزي: الأمل مذموم إلا للعلماء فلولاه ما صنفوا (طس هب عن ابن عمرو) ابن العاص قال الهيثمي: فيه عصمة بن المتوكل ضعفه غير واحد ووثقه ابن حبان وقال المنذري: إسناده محتمل للتحسين ومتنه غريب الحديث: 5112 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 5113 - (صياح المولود) أي تصويته (حين يقع) أي يسقط من بطن أمه (نزغة) أي إصابة بما يؤذيه (من الشيطان) يريد بها إيذاءه وإفساده فإن النزغ هو الدخول في أمر لإفساده والشيطان إنما يبتغي بطعنه إفساد ما ولد المولود عليه من الفطرة قال القرطبي: الرواية الصحيحة بنون وزاي ساكنة وغين معجمة من النزغ وهو الوسوسة والإغواء بالفساد ووقع لبعض الرواة فزعة بفاء وعين مهملة من الفزع (م) في الأنبياء (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5113 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 5114 - (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وهي أيام البيض) أي أيام الليالي البيض سميت بيضا لأن القمر يطلع من أولها لآخرها (صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) وحكمة صومها أنه لما عم النور ليلها ناسب أن تعم العبادة نهارها أو لأن الكسوف يكون فيها غالبا وقد أمرنا بفعل القرب عنده <تنبيه> قال الطيبي: الصوم إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء وهو وصف سلبي وإطلاق العمل عليه تجوز (ن ع هب عن جرير) بن عبد الله الحديث: 5114 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 5115 - (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره) قيل: هي البيض. وقيل: غيرها. وقد سرد الحافظ العراقي فيه [ص: 230] عشرة أقوال (حم حب عن قرة بن إياس) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 5115 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 5116 - (صيام حسن صيام ثلاثة أيام من الشهر) ومن زاد زادت حريته وكماله ما لم يخرج إلى ضرر بالنفس إلى العقل بل الكمال المحض في حق المكلف أن يملك الأشياء ولا تملكه ويسترقها بالخلاف ولا تسترقه فيصوم وقتا ويتناول الشهوات ويضعها في أماكنها وقتا (حم ن طب عن عثمان بن أبي العاص) ورواه عنه أيضا الطبراني والبيهقي والديلمي الحديث: 5116 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 5117 - (صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعده بشهرين فذلك) يعني رمضان وستة أيام بعده (صيام السنة) لأن الحسنة بعشر أمثالها فأخرجه مخرج الشبيه للمبالغة (حم ن حب عن ثوبان) الحديث: 5117 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 5118 - (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله) أي أرجو منه قال ابن الأثير: الاحتساب على الله البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر قال الطيبي: وكان القياس أرجو من الله فوضع محله أحتسب وعداه بعلى التي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة في تحقق حصوله (أن يكفر السنة التي قبله) يعني يكفر الصغائر أي المكتسبة فيها (والسنة التي بعده) بمعنى أنه تعالى يحفظه أن يذنب فيها أو يعطي من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها أو يكفرها حقيقة ولو وقع فيها ويكون المكفر مقدما على المكفر قال صاحب العدة: وذا لا يوجد شيء مثله في شيء من العبادات (وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) قيل: لم يتعرضوا لتوجيه قوله أحتسب ولم يجزم بتكفيرها كما جزم في خبر الصلوات الخمس مكفرات وقد يقال وعد الله رسوله أن يكفر ذنوب صائم عرفة مدة طويلة قبله وبعده وصائم عاشوراء مدة قبله فمعناه أرجو على عدة أن يكفر هذا المقدار والمراد فيه وفيما قبله تكفير الصغائر لا الكبائر كما مر ويأتي له نظائر (ت هـ حب عن أبي قتادة) ظاهره أنه لم يخرجه من الأربعة إلا هذان وليس كذلك بل خرجه الجماعة جميعا إلا البخاري وعجب للمصنف كيف خفي عليه حديث ثابت في مسلم الحديث: 5118 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 5119 - (صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم) ليس فيها يوم عرفة وفيه قصة عند مخرجه البيهقي وفيها قول عائشة يوم عرفة يوم يعرف الإمام ويوم الأضحى يوم يضحي الإمام كذا في إحدى طريقي البيهقي في الشعب وفيه ندب صوم يوم عرفة أي لغير الحاج لما يأتي من النهي عنه (حب عن عائشة) وفيه سليمان بن أحمد الواسطي قال الذهبي: ضعفوه والوليد بن مسلم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة مدلس سيما في شيوخ الأوزاعي وسليمان بن موسى قال البخاري: عنده مناكير وقال النسائي: ليس بقوي ودلهم بن صالح ضعفه ابن معين الحديث: 5119 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 5120 - (صيام يوم السبت لا لك ولا عليك) أي لا لك فيه مزيد ثواب ولا عليك فيه ملام ولا عتاب وسيأتي في حديث النهي عن صومه وحده نعم إن وافق ذلك سنة مؤكدة كما إذا كان يوم عرفة أو عاشوراء فيتأكد صومه (حم عن امرأة) قال أحمد عن حميد الأعرج قال حدثتني جدتي أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى وذلك يوم السبت فقال: تعالي فكلي قالت: إني صائمة قال: أصمت أمس؟ قالت: لا فذكره. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة الحديث: 5120 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 [ص: 231] 5121 - (صيام المرء في سبيل الله) أي في الجهاد (يبعده من جهنم مسيرة سبعين عاما) أي بعدا كثيرا جدا فالمراد بالسبعين التكثير لا التحديد كما هو قياس نظائره (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الستة وهو ذهول شنيع فقد خرجه البخاري والترمذي في الجهاد ومسلم والنسائي وابن ماجه في الصوم الحديث: 5121 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الصاد] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 5122 - (الصائم المتطوع أمير نفسه) وفي رواية أمين نفسه وفي أخرى أمير أو أمين على نفسه على الشك (إن شاء صام وإن شاء أفطر) فلا يلزمه بالشروع فيه إتمامه ولا يقضيه إن أفطر وإليه ذهب الأكثر وقال أبو حنيفة (1) : يلزمه إتمامه ويجب قضاؤه إن أفطر وقال مالك: حيث لا عذر واحتجوا بحديث لعائشة فيه الأمر بالقضاء وأجيب بأن الأصح إرساله وبفرض وقفه يحمل على الندب جمعا بين الأدلة وقال ابن حزم: له الفطر وعليه القضاء وأفاد الحديث بمفهومه أن غير المتطوع لا تخير له لأنه مأمور مجبور عليه (حم ت ك عن أم هانئ) قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بشراب فشرب ثم ناولني فشربت فقلت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة فذكره قال الترمذي: في إسناده مقال وكلام المؤلف يوهم أنه لم يروه من الستة إلا الترمذي ولا كذلك بل رواه النسائي أيضا وأبو داود عن أم هانئ ثم قال النسائي: في سنده اختلاف كثير   (1) [ودليل الأحناف الذي يستدلون به ولم يذكر هنا هو قوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} فهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة لا يناهض بما هو دونه في الثبوت والدلالة كما تبين من اختلاف المجتهدين فيه. هذا لتبيان رجوع أبي حنيفة للنص خلافا للرأي وللمسلم تقليد أي من المجتهدين وإن استطاع الخروج من الخلاف من غير حرج فهو أفضل. دار الحديث] الحديث: 5122 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 5123 - (الصائم المتطوع بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) أي له أن يفطر وأن ينوي الصوم قبل الزوال ويثاب عليه لأن الصوم لا يتجزأ وفيه أن صوم النفل لا يلزم بالشروع وهو مذهب الشافعي وأنه لا يشترط التبييت فيه (هق) من حديث عون بن عمارة عن حميد (عن أنس) قال أعني البيهقي: وعون ضعيف وعن جعفر بن الزبير عن القاسم (عن أبي أمامة) قال الذهبي: وجعفر متروك رواه أيضا عن إبراهيم بن مزاحم عن سريع بن نبهان عن أبي ذر قال الذهبي: وإبراهيم وسريع مجهولان الحديث: 5123 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 5124 - (الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار) أي من فرغ من الصوم ثم رجع إليه كمن هرب (1) من القتال ثم عاد إليه فيتأكد صوم ست من شوال ولهذا كان الشعبي يقول: الصوم يوما بعد رمضان أحب إلي من أن أصوم الدهر كله (هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وفيه بقية بن الوليد قال الذهبي: صدوق لكنه يروي عن من دب ودرج فكثرت مناكيره وإسماعيل بن بشير قال العقيلي: متهم بالوضع ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي   (1) [أي هرب مناورة حيث أنه متى قرن " الفر " مع " الكر " فإنه يدل على المناورة وليس على الانخذال ويفهم منه أيضا أنه كالذي يكر لحوقا بالذي فر من الأعداء حيث فيه مناسبة للصائم الذي قهر عدوه الشيطان بصيام رمضان فألجأه للفرار فكر بعده يضعفه بصيام آخر. دار الحديث] الحديث: 5124 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 5125 - (الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه) فأجر صومه منسحب على نومه وإن استغرق جميع النهار بالنوم (فر عن أنس) وفيه محمد بن أحمد بن سهيل. قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: ممن يضع الحديث الحديث: 5125 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 5126 - (الصائم في عبادة ما لم يغتب مسلما أو يؤذه) وإلا فليس بالحقيقة صائما لأن حقيقة الصوم التماسك عن كل ما من [ص: 232] شأن المرء أن يتصرف فيه فحقيقة الصوم هو الصوم عما ذكر لا صورته. ذكره الحرالي (فر عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن هارون قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: يكذب والحسن بن منصور قال ابن الجوزي في العلل: غير معروف الحال وقال ابن عدي: حديث منكر الحديث: 5126 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 5127 - (الصائم في عبادة من حين يصبح) أي يدخل في الصباح (إلى أن يمسي) أي يدخل في المساء وذلك بغروب الشمس (ما لم يغتب) أي يذكر إنسانا بما يكرهه (فإذا اغتاب خرق صومه) أي أفسد وأبطل ثوابه وإن حكم بصحته وسقط عنه الفرض فلا يعاقب عليه في الآخرة نعم الغيبة تباح في مواضع تتبعها بعضهم فبلغت نحو أربعين فالغيبة المباحة لا تخرق الصوم ولا يبطل بها أجره (فر عن ابن عباس) الحديث: 5127 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 5128 - (الصابر الصابر) أي الصابر الصبر الكامل إنما هو (عند الصدمة الأولى) فإن مفاجأة المكروه بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمتها كما سبق. قال في المطامح: وفيه تنبيه على نوعه الأفضل وهذا أحد أنواع الصبر الثلاثة وهو الصبر على أقضية الله. قال عمر: خير عيش أدركناه بالصبر وإذا تأملت مراتب الكمال وجدتها كلها منوطة به والنقصان من عدمه فالشجاعة صبر ساعة وما حفظت صحة البدن والقلب والروح بمثله فهو الفاروق الأكبر والترياق الأعظم ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله لكفى (تخ عن أنس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 5128 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 5129 - (الصبحة) أي نوم أول النهار (تمنع الرزق) أي بعضه كما جاء مصرحا به في رواية وذلك لأنه وقت الذكر ثم وقت طلب الرزق قال البيهقي: الصبحة النوم عند الصباح وجوز في الفائق في صادها الضم والفتح وقال: إنما نهى عنها لوقوعها وقت الذكر والمعاش وفي شرح السنة للبغوي: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد الصبح وفي شرح الشهاب للعامري: إن كانت الرواية بالفتح فالمراد الفعلة وهي المرة الواحدة أو بالرفع فالاسم ومعناه نوم الغداة قبل ارتفاع الشمس لأن الملائكة الموكلين برزقه يؤمرون بكرة اليوم بسوق رزقه إليه فعليه أن يقبل بذكره على من يذكره برزقه فإن غفل ونام حرم بركة رزقه والاستغناء به عن طلب غيره فليس المراد منع أصله وفي خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة وهي نائمة فقال: قومي فاشهدي رزقك (عم) في زوائد المسند كذا هو فيما وقفت عليه من النسخ والذي رأيته في كلام جمع منهم الحافظ الهيثمي نسبة لأحمد لا لابنه وأعله بإسحاق بن أبي فروة وقال: هو ضعيف. (عد هب) كلهم عن الحسن بن أحمد عن يحيى بن عثمان عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي فروة عن محمد بن يوسف عن عمرو بن عثمان (عن عثمان) بن عفان. قال ابن الجوزي في الموضوعات: موضوع ابن أبي فروة وإسحاق متروكان اه. (هب) من حديث سلمة بن علي بن عياش عن رجل هو ابن أبي فروة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة (عن أنس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه من طريقه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه ببيان علته فقال: إسحاق بن أبي فروة تفرد به وخلط في إسناده وأما ابن عدي فقال: الحديث لا يصح إلا بابن أبي فروة وقد خلط في إسناده فتارة جعله عن عثمان وتارة عن أنس وفي الميزان: هذا حديث منكر وقال الزركشي في اللآلئ: هذا الحديث في مسند الإمام أحمد من زيادات ابنه وهو ضعيف وتبعه المؤلف في الدرر الحديث: 5129 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 [ص: 233] 5130 - (الصبر نصف الإيمان (1) واليقين الإيمان كله) لأن مدار اليقين على الإيمان بالله وبقضائه وقدره وما جاء به رسله مع الثقة بوعده ووعيده فهو متضمن للإيمان بكل ما يجب الإيمان به ومن ثم قال جمع: اليقين قوة الإيمان بالقدر والسكون إليه وقال الغزالي: المراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله عبده إلى أصول الدين والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ اليقين معرفة أن المعصية ضارة والطاعة نافعة ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل فكان الصبر نصف الإيمان بهذا الاعتبار (تتمة) قيل للأحنف: إنك لصبور فقال: الجزع شر الحالتين يبعد المطلوب ويورث الحسرة ويبقي على صاحبه عار الأمد بلا فائدة. وقال: هيئة المعاقبة تورث جبنا وهيئة الزلل تورث خسرا (حل هب عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: تفرد به يعقوب بن حميد عن محمد بن خالد المخزومي والمحفوظ عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع اه. ويعقوب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم وغير واحد   (1) قال العلقمي: أراد به الورع إذ العبادة قسمان: نسك وورع فالنسك ما أمرت به الشريعة والورع ما نهت عنه وإنما ينتهى عنه بالصبر فكان نصف الإيمان الحديث: 5130 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 5131 - (الصبر رضا) يعني التحقق بالصبر يفتح باب الوصول إلى مقام الرضى والتلذذ بالبلوى فإنه صراع بين جند الملائكة وجند الشيطان ومهما أذعنت النفس وانقمعت وتسلط باعث الدين واستولى وتيسر الصبر بطول المواظبة أورث ذلك مقام الرضا قال بعض العارفين: الصبر ثلاث مقامات أوله ترك الشكوى وهي درجة التائبين ثم الرضى بالقضاء وهي درجة الزاهدين ثم محبة ما يصنع به مولاه وهذه درجة الصديقين ثم المراد في هذا الخبر وما بعده الصبر المحمود شرعا كما قال الغزالي ينقسم إلى الأحكام الخمسة فالصبر عن المحرم فرض وعلى المحرم محرم كمن قطع يداه أو يد ولده وصبر وهكذا الباقي فليس الصبر كله محمودا (الحكيم) الترمذي في النوادر (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5131 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 5132 - (الصبر والاحتساب أفضل من عتق الرقاب ويدخل الله صاحبهن) أي الثلاثة (الجنة بغير حساب) وبالصبر يفتح كل باب مغلق ثم هذا مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال وميثاق التكليف ومقيد بماذا صبر ابتغاء وجه الله لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب بالجزع ولا لئلا يشمت به الأعداء كقوله: وتجلدي للشامتين أريهم. . . أني لريب الدهر لا أتضعضع ولأنه لا طائل تحت الهلع ولا مرد فيه للفائت وكل عمل له وجوه يحمل عليها فعلى العاقل المؤمن أن ينوي منها ما كان حسنا عند الله (طب عن الحكيم بن عمير الثمالي) الحديث: 5132 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 5133 - (الصبر) أي الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل (عند الصدمة الأولى) لكثرة المشقة حينئذ أوصل الصدم الضرب في شيء صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه وقع بغتة ومعناه أن الصبر عند قوة المصيبة أشد فالثواب عليه أكثر فإن بطول الأيام تسلي المصائب فيصير الصبر طبعا وقد بشر الله الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل [ص: 234] الدنيا فقال {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البزار) في مسنده (ع عن أبي هريرة) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة بالبقيع تبكي فأمرها بالصبر ثم ذكره رمز المصنف لصحته وليس بجيد فقد قال الهيثمي وغيره: فيه بكر بن الأسود أبو عبيد الناجي وهو ضعيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فاحش بل هو في صحيح البخاري بهذا اللفظ من حديث أنس موصولا وإن هذا لشيء عجاب الحديث: 5133 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 5134 - (الصبر) الكثير الثواب: الصبر (عند أول صدمة) أي عند فورة المصيبة وبعد ذلك يهون الأمر وتنكسر حدة المصيبة وحرارة الرزية فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا طالت الأيام على المصائب وقع السلو وصار الصبر طبعا فلا يؤجر عليه مثل ذلك (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وكأنه ذهل عن قول الحافظ الهيثمي وغيره: فيه الواقدي وقد ضعفوه الحديث: 5134 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 5135 - (الصبر عند الصدمة الأولى والعبرة) بالفتح: تحلب الدمع وانهماره (لا يملكها أحد صبابة المرء إلى أخيه) الصبابة بالفتح رقة الشوق وشدته <فائدة> قال ابن القيم: الصبر ينقسم إلى الأحكام الخمسة فالواجب الصبر على فعل الواجب وترك المحرم وتحمل المصيبة والمندوب الصبر على فعل المندوب وترك المكروه والمحرم الصبر على نحو ترك الأكل حتى يموت والصبر على نحو حية أو سبع أو غرق أو كافر يقتله والمكروه الصبر على نحو قلة الأكل جدا وعن جماع حليلته إذا احتاجت والمباح على ما خير بين فعله وتركه (ص عن الحسن مرسلا) هو البصري الحديث: 5135 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 5136 - (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد) لأن الصبر يدخل في كل باب بل في كل مسألة من مسائل الدين فكان من الإيمان بمنزلة الرأس من الإنسان قال علي كرم الله وجهه: فإذا قطع الرأس مات الجسد ثم رفع صوته قائلا: أما إنه لا إيمان لمن لا صبر له أي وإن كان فإيمان قليل وصاحبه ممن {يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} <تنبيه> عدوا من الصبر الحسن التصبر على ما ينشأ عن الأفران وأهل الحسد سيما ذوي البذاءة منهم واللبس ووقوع هؤلاء في الأعراض وتنقصهم لما يهمهم من الأمراض وذلك واقع في كل زمن وحسبك قول الشافعي في عقود الجمان في الذب عن أبي حنيفة النعمان كلام المعاصرين مردود غالبه حسد وقد نسب إليه جماعة أشياء فاحشة لا تصدر عمن يوصف بأدنى دين وهو منها بريء قصدوا بها شينه وعدم انتشار ذكره {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} (فر عن أنس) بن مالك (طب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) قال الحافظ العراقي: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف الحديث: 5136 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 5137 - (الصبر ثلاثة) أي أقسامه باعتبار متعلقه ثلاثة (فصبر على المصيبة) حتى لا يستخطها (وصبر على الطاعة) حتى يؤديها (وصبر على المعصية) حتى لا يقع فيها وهذه الأنواع هي التي عناها العارف الكيلاني في فتوح الغيب بقوله لا بد للعبد من أمر يفعله ونهي بتجنبه وقدر يصبر عليه وذلك يتعلق بطرفين طرف من جهة الرب وطرف من جهة العبد [ص: 235] فالأول هو أن له سبحانه على عبده حكمان كوني قدري وشرعي ديني فالكوني متعلق بخلقه والشرعي بأمره فالأول يتوقف حصول الثواب فيه على الصبر والثاني لا يتم إلا به فرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاثة الصبر على المقدور وترك المحظور وفعل المأمور وأما الطرف الثاني فإن العبد لا ينفك عن هذه الثلاثة أيضا ولا يسقط عنه ما بقي التكليف فقيام عبودية القدر على ساق الصبر لا تستوي إلا عليه كما لا تستوي السنبلة إلا على ساقها وهذه الثلاثة قد وقعت الإشارة إليها بآية {أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} (فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له) أي قدر أو أمر بالكتابة في اللوح أو الصحف (ثلاث مئة درجة) أي منزلة عالية في الجنة (ما بين الدرجتين) منها (كما بين السماء والأرض ومن صبر على الطاعة) أي على فعلها وتحمل مشاقها (كتب الله له ست مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلى منتهى الأرضين) السبعة (ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش) الذي هو أعلى المخلوقات وأرفعها (مرتين) وهذا صريح في أن الصبر على المقدور أدنى المراتب ثم الصبر على المأمور ثم عن المحظور وذلك لأن الصبر على مجرد القدر يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر فلا بد لكل منهم من الصبر عليه اختيارا أو اضطرارا والصبر على الأوامر فوقه ودون الصبر عن المحرمات فإن الأوامر أكثرها محبوب للنفوس لما فيها من العدل والإحسان والإخلاص والبر والصبر على المخالفات صبر على مخالفة هوى النفس وحملها على غير طبعها وهو أشق شيء وأصعبه ومن صبر عن المعاصي التي أكثرها محاب للنفوس فقد ترك المحبوب العاجل في هذه الدار لمحبوب آجل في دار أخرى ولا يصبر عن ذلك إلا الصديقون وهذه الثلاثة محاب النفوس الفاضلة الزكية قالوا: والمناهي من باب حمية النفس عن لذاتها وحميتها مع قيام دواعي التناول وقوته خطب مهول ولهذا كان باب قربان النهي مسدودا وباب الأمر مقيدا بالمستطاع ومن ثم كان عامة العقوبات على المنهيات وأما ترك المأمور فلم يرتب الله عليه حدا معينا وأعظم المأمورات الصلاة وقد اختلف هل فيه حد أم لا وبهذا التقرير استبان سر الترتيب الواقع في هذا الخبر (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في الصبر وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) عن عبد الله بن محمد زيرك عن عمر بن علي عن عمر بن يونس اليماني عن مدرك بن محمد السدوسي عن رجل يقال له علي (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا الديلمي قال ابن الجوزي: والحديث موضوع الحديث: 5137 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 5138 - (الصبي) يعني الطفل ولو أنثى (الذي له أب) أي حي (يمسح رأسه) ندبا من أمام (إلى خلف واليتيم) الذي مات أبوه وإن كان له أم (يمسح رأسه) من خلف (إلى قدام) لأنه أبلغ في الإيناس به وظاهره يشمل أولاد الكفار والمراد أن ذلك هو المناسب اللائق بالحال وقد مر بسط ذلك أوائل الكتاب (تخ عن ابن عباس) الحديث: 5138 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 5139 - (الصبي على شفعته حتى يدرك) أي إذا كان له شقص من عقار فباع شريكه نصيبه فلم يأخذ الولي له بالشفعة من [ص: 236] كون الأخذ أحظ له (فإذا أدرك) أي بلغ بسن أو احتلام (إن شاء أخذ) بالشفعة (وإن شاء ترك) الأخذ بها (طس عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5139 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 5140 - (الصخرة صخرة بيت المقدس) ثابتة (على نخلة والنخلة) ثابتة (على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران ينظمان سموط (1) أهل الجنة) أي قلائدهم من يوم موتهم (إلى يوم القيامة) والسمط لحمل القلادة (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه مخلد بن محمد الرعيني وهذا الحديث من منكراته وفي الميزان محمد الرعيني قال ابن عدي: حدث بالأباطيل فمن ذلك هذا الخبر وساقه إلى آخر ما هنا ثم قال أعني الذهبي: رواه الخطيب في فضائل القدس بإسناد مظلم وهو كذب ظاهر   (1) قال الجوهري: السمط الخيط ما دام فيه الخرز وإلا فهو سلك الحديث: 5140 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 5141 - (الصدق بعدي مع عمر حيث كان) يعني أي جهة يكون فيها فالصدق في تلك الجهة لما عرف من شدة صلابته مع الحق والمراد الثناء عليه بأن له قدما عظيما راسخا في ذلك فلا ينافي مشاركة غيره له فيه قال الحرالي: والصدق مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه وقال بعضهم: الصدق طريق حسن الخلق الذي ذهب بخيري الدنيا والآخرة كما في خبر لأنه الهادي إليه والصدق يشمل الصدق في القول والنية والإرادة والعزم وصدق العمل فالصدق تحقيق المقامات ولهذا قيل من اتصف بهذه الأمور كان صديقا (ابن النجار) في التاريخ (عن الفضل) الحديث: 5141 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 5142 - (الصدقة تسد سبعين بابا من السوء) كذا رأيته بالسين المهملة والهمزة ورأيت في عدة أصول صحيحة بشين معجمة وراء <تنبيه> قال المؤلف: الذكر أفضل من الصدقة وهو أيضا يدفع البلاء والظاهر أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد قياسا على نظائره وأن المراد بالباب الوجه والجهة (طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: فيه حماد بن شعيب وهو ضعيف الحديث: 5142 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 5143 - (الصدقة تمنع ميتة السوء) بكسر الميم الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت قال التوربشتي: وأراد بها ما لا تحمد عاقبته ولا تؤمن غائلته من الحالات كالفقر المدقع والوصب الموجع والألم المقلق والعلل المفضية إلى كفران النعمة ونسيان الذكر والأهوال الشاغلة عما له وعليه ونحوها وقال الطيبي: الأولى أن يحمل موت السوء على سوء الخاتمة ووخامة العاقبة من العذاب في الآخرة قال أبو زرعة: ليس معناه أن العبد يقدر له ميتة السوء فتدفعها الصدقة بل الأسباب مقدرة كما أن المسببات مقدرة فمن قدر له ميتة السوء لا تقدر له الصدقة ومن لم يقدر له ميتة السوء يقدر له الصدقة قال العامري: ميتة السوء قد تكون في الصعوبة بسبب الموت كهدم وذات جنب وحرق ونحوها وقد تكون سوء حالة في الدين كموته على بدعة أو شك أو إصرار على كبيرة فحث على الصدقة لدفعها لذلك (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: فيه من لا يعرف وبه يرد قول العامري: صحيح الحديث: 5143 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 5144 - (الصدقة تمنع) في رواية تسيد (سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص) جعل الصدقة كالدواء الذي [ص: 237] هو برهان على زوال الداء وهذا مما علمه الله لنبيه من الحكمة والطب الروحاني الذي يعجز عن إدراكه الخلق لعدم استطاعتهم حصر الكليات في المحسوسات إذ قصارى إدراكهم حصر الكليات المعقولات (خط) في ترجمة الحويرث الهمداني (عن أنس) بن مالك وفيه الحارث بن نعمان قال الذهبي: ضعفوه قال البخاري: منكر الحديث وفي الكشاف قال أبو حاتم: غير قوي الحديث: 5144 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 5145 - (الصدقة على المسكين) الأجنبي (صدقة) فقط (وهي على ذي الرحم اثنتان) أي صدقتان اثنتان (صدقة وصلة) فهي عليه أفضل لاجتماع الشيئين ففيه حث على الصدقة على الأقارب وتقديمهم على الأباعد لكن هذا غالبي وقد يقتضي الحال العكس ولهذا قال ابن حجر: عقب الخبر لا يلزم من ذلك أن يكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال كون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بعكسه (حم ت ن هـ ك) في الزكاة (عن سلمان بن عامر) الضبي حسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي قال ابن حجر: وفي الباب أبو طلحة وأبو أمامة رواهما الطبراني الحديث: 5145 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 5146 - (الصدقة على وجهها) المطلوب شرعا (واصطناع المعروف) إلى البر والفاجر (وبر الوالدين) أي الأصلين المسلمين (وصلة الرحم) أي القرابة (تحول الشقاء سعادة (1) وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء) ومن ثم عقب الله الإيمان بها في آية البقرة {ولكن البر من آمن} إلخ فأشعر بأنها المصدقة له ومن لم يتصدق كان مدعيا للإيمان بلا بينة والمال شقيق الروح بذله أشق شيء على النفس والنفس إذا رضيت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت وانقادت خاضعة لصاحبها فجوزي بذلك (حل عن علي) من حديث إسماعيل بن أبي رقاد عن إبراهيم عن الأوزاعي قال: قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن قوله عز وجل {يمحو الله ما يشاء ويثبت} الآية قال: حدثني أبي عن جدي علي بن أبي طالب سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لأبشرنك بها يا علي فبشر بها أمتي من بعدي الصدقة على وجهها إلخ ثم قال مخرجه أبو نعيم: تفرد به إسماعيل وإبراهيم هو ابن أبي سفيان ثقة   (1) أي ينتقل العبد بسببها من ديوان الأشقياء إلى ديوان السعداء أي بالنسبة لما في صحف الملائكة فلا تعارض بينه وبين خبر فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أو سعيد وخبر الشقي من شقي في بطن أمه الحديث: 5146 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 5147 - (الصدقات بالغدوات) جمع غدوة الضحوة وهي مؤنثة والمراد الصدقة أول النهار (يذهبن بالعاهات) جمع عاهة وهي الآفة والظاهر أن المراد ما يشمل الآفات الدينية والمعنوية (1) وفي إفهامه أن الصدقة بالعشية تذهب العاهات الليلية ومن فوائد الصدقة أن في بذلها السلامة من فتنة المال {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} لأن من آمن وتصدق فقد أسلم لله روحه وماله الذي هو عديل روحه فصار عبد الله حقا وفيه إيماء إلى الحث على مفارقة كل محبوب سوى الله (فر عن أنس) وفيه عمر بن قيس الكندي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن معين: لا شيء ووثقه أبو حاتم   (1) أي الدنيوية وفيه شمول للعاهات النهارية والليلية وقيد المناوي العاهات بالنهارية الحديث: 5147 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 5148 - (الصديقون) جمع صديق. قال في الكشاف: من أبنية المبالغة كالضحيك والنطيق والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق [ص: 238] به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله (ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب آل يس وعلى بن أبي طالب وهو أفضلهم) سموا بذلك لثباتهم على التوحيد وعدم تزلزلهم عنه بالتعذيب والتهديد حتى قتلوا في ذات الله عز وجل وفيه أن حبيبا غير نبي (ابن النجار) في التاريخ (عن بن عباس) الحديث: 5148 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 5149 - (الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم) قال القاضي: الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه (أبو نعيم في) كتاب المعرفة (وابن عساكر) وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن أبيه أبي ليلى) بفتح اللامين الأنصاري الكندي صحابي اسمه بلال أو بلبل بالتصغير أو يسار أو داود أو أوس شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى خلافة علي الحديث: 5149 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 5150 - (الصرعة كل الصرعة) أصل الصرعة بضم الصاد وفتح الراء المبالغ في الصراع الذي لا يغلب فنقله إلى (الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر شعره فيصرع غضبه) ويقهره فإذا قهره فقد قهر أعظم أعدائه وهذا من الألفاظ التي نقلها الشرع عن وضعها اللغوي لضرب ما من المجاز (حم عن رجل) من الصحابة قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ما ترون الصرعة قالوا: الذي لا يصرعه الرجال فذكره قال الهيثمي: فيه أبو حفصة أو ابن حصنة مجهول وبقية رجاله ثقات الحديث: 5150 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 5151 - (الصرم) أي الهجر (قد ذهب) أي أنه قد جاء الشرع بإبطاله ونهى عن فعاله كما كان عليه أهل الجاهلية (البغوي) في المعجم (طب عن سعيد بن يربوع) المخزومي من الطلقاء   (1) [قوله: كما كان عليه أهل الجاهلية: أي يتهاجرون لأسباب دنيوية ولهوى النفوس فلا يهجر المسلم المسلم إلا لله وشرط ألا يترتب زيادة مفسدة. دار الحديث] الحديث: 5151 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 5152 - (الصعود جبل من نار) قال الطيبي: التعريف للعهد والمشار إليه ما في قوله تعالى {سأرهقه صعودا} أي سأغشيه عقبة شاقة المشاقة (يتصعد فيه الكافر سبعين خريفا ثم يهوي كذلك) أي سبعين خريفا (فيه) أي في ذلك الجبل (أبدا) أي يكون دائما في الصعود والهوي يعني قوله تعالى {سأرهقه صعودا} قال الطيبي: زيد أبدا تأكيدا (حم ت) في صفة جهنم (حب ك) وصححه (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث ابن لهيعة. اه. قال المناوي: وابن لهيعة مجروح الحديث: 5152 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 5153 - (الصعيد الطيب) أي تراب الأرض الطهور سمي به لأن الآدميين يصعدونها ويمشون عليها (وضوء المسلم) بفتح [ص: 239] الواو كما ضبطه الطيبي قال: هو الماء وفي الكلام تشبيه أي الصعيد الطيب كالماء في الطهارة اه قال ابن حجر: أطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه (وإن لم يجد الماء عشر سنين) أو عشرين أو ثلاثين أو أكثر فالمراد بالعشر التكثير لا التحديد وكذا إن وجده وهناك مانع حسي أو شرعي قال الطيبي: قوله وإن إلخ هذا من الشرط أي الذي يقطع عنه جزاؤه لمجرد المبالغة قال في الفردوس: وهذا قول عامة الفقهاء سفيان والشافعي وأحمد وغيرهم قال في الفتح عقب الحديث: أشار بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لكنها طهارة ضرورة لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت قال البيهقي: وقد صح عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فرض ولا يعلم له مخالف من الصحابة (ن حب) من حديث عمرو بن بجدان بضم الموحدة وسكون الجيم (عن أبي ذر) ورواه أبو داود وغيره بلفظ الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد عشر حجج فإذا وجد الماء فليمسه بشرته قال النووي: حديث صحيح اه قال الحافظ في المختصر: إسناده قوي وصححه ابن حبان والدارقطني الحديث: 5153 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 5154 - (الصعيد وضوء المسلم) بفتح الواو (وإن لم يجد الماء عشر سنين) أو أكثر فجعل ما تحت قدم المسلمين طهورا لهم عند فقد ما فوق رؤوسهم من الماء المنصوص عليه بقوله {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} (فإذا وجد الماء) ولم يمنع من استعماله مانع حسي أو شرعي (فليتق الله) فليخفه (وليمسه) بضم الياء وكسر الميم مضارع أمس ذكره الطيبي (بشرته) لفظ رواية الدارقطني لبشرته قال العراقي: ليس المراد المسح بالإجماع بل الغسل والإمساس يطلق على الغسل كثيرا بأن يتطهر به من الحدثين (فإن ذلك خير) أي بركة وأجر. قال الأشرفي: ليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل المراد منه أن الوضوء أحب عند وجود الماء ولا يصح التيمم كقوله تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} مع أنه لا خير في الأصل لمستقر أهل النار وفيه أن التيمم يبطل برؤية الماء بلا مانع حسي أو شرعي لا يقال قوله فإن ذلك خبر يدل على أنه بطريق الندب لأنا نقول الخيرية لا تنافى الفرضية قال الحنفية: وفي إطلاقه دلالة على نفي تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة وذهب الشافعية إلى التخصيص حيث كانت تلك الصلاة يسقط فرضها بالتيمم وأجابوا عن الإطلاق وفيه أن الرفع خاص بالماء المطلق وعليه الشافعي وإلحاق نعمان كل مائع يزيل به: رد بأنه قياس مع الفارق إذا الماء أسرع إيصالا وانفصالا وقول مالك المستعمل طهور: رد بأن السلف لم يرفعوا به مع إعواز الماء (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال البزار: لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه. ورواه الدارقطني باللفظ المذكور عن أبي ذر وطعن فيه الحديث: 5154 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 5155 - (الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم والسواد خضاب الكافر) فالخضاب بالأولين محبوب مطلوب لكونه دأب الصالحين. قال الغزالي: ما لم يفعله بنية التشبه بأهل الدين وليس منهم فمذموم والخضاب بالسواد حرام نعم إن فعله لأجل الغزو فلا بأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى اه (طب ك) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال أبو عبد الله القرشي: دخل ابن عمر على ابن عمرو وقد سود لحيته فقال: السلام عليك أيها الشويب قال: أما تعرفني قال: أعرفك شيخا وأنت اليوم شاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الذهبي والزين العراقي تبعا لأبي حاتم: حديث منكر قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه الحديث: 5155 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 [ص: 240] 5156 - (الصلح جائز بين المسلمين) هو لغة قطع النزاع وشرعا عقد وضع لرفع النزاع بين المتخاصمين وخصهم لانقيادهم وإلا فالكفار مثلهم كمصالحة من دراهم على أكثر منها فيحرم للربا وكأن يصالح على نحو خمر (إلا صلحا أحل حراما) كذا في الجامع (أو حرم حلالا) كمصالحة امرأته على أن لا يطأ أمته أو ضرتها وهذا أصل عظيم في الصلح واستدل به الشافعية على أن الصلح على الإنكار باطل خلافا للأئمة الثلاثة لأن المدعي إن كذب فقد استحل مال المدعى عليه الذي هو حرام عليه وإن صدق فقد حرم على نفسه ماله الذي هو حلال له أي بصورة عقد فلا يقال للإنسان ترك بعض حقه (حم د) في الأقضية من حديث كثير بن زيد الأسلمي (ك) في البيوع من حديث عبد الله بن الحسين المصيصي (عن أبي هريرة ت هـ) كلاهما في الأحكام من طريق كثير المذكور (عن عمرو بن عوف) قال الحاكم: على شرطهما والمصيصي ثقة تفرد به وتعقبه الذهبي قال ابن حبان: كان يسرق الحديث اه وتعقب ابن القطان الأول بأن كثيرا فيه كلام كثير وقال البلقيني: في الاحتجاج به خلاف وفي الميزان عن ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسيخة موضوعة قال: ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي لكونه صحح حديثه وقد قال الشافعي وأبو داود: هو ركن من أركان الكذب الحديث: 5156 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 5157 - (الصمت حكمة) أي هو حكمة أي شيء نافع يمنع من الجهل والسفه قالوا: سمي حكمة لأنه ينشأ عنها وأن الصمت عن رديء الكلام وما لا يعني يثمر حكمة في قلب الصامت ينطق عنها وينتفع بها ببركة كف نفسه عن شؤم عجلة طبعه أما الصمت عن قول الحق ونشر العلم والعدل فلا (وقليل فاعله) أي قل من يصمت عما لا يعنيه ويمنع عن التسارع إلى النطق بما يشينه ويؤذيه في دينه ودنياه لغلبة النفس الأمارة وعدم التهذيب لها بالرياضة يعني استعمال الصمت حكمة لكن قليل من يستعملها ونقل هذا عن لقمان أيضا. قيل: دخل على داود وهو يسرد الدرع وقد لين له الحديد فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس للحرب أنت فقال لقمان: الصمت إلخ فقال داود: بحق ما سميت حكيما وليس شيء على الإنسان أضر من العين واللسان فما عطب أكثر من عطب إلا بهما وما هلك أكثر من هلك إلا بسببهما فلله كم من مورد هلكة أورداه أو مصدر رديء أصدراه. قال الغزالي: حسبك من اللسان أن فيه ربحك وغنيمتك وثمرة تعبك واجتهادك كله في الطاعة وإحباطها وإفسادها غالبا من قبل اللسان قال بعضهم: وإذا كان الإنسان حاسما للسانه عن الشر متكلما بالخير صار عادة له فيثقل عليه الكلام في الشر والباطل ويكرهه وينفر منه (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) بن مالك (فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وأورده البيهقي في الشعب من طريق أنس وقال: غلط فيه عثمان بن سعيد والصحيح رواية ثابت قال: والصحيح عن أنس أن لقمان قاله ورواه كذلك ابن حبان في روضة العقلاء بسند صحيح إلى أنس ورواه العسكري في الأمثال عن أبي الدرداء وزاد من كثر كلامه فيما لا يعنيه كثرت خطاياه الحديث: 5157 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 5158 - (الصمت (1) أرفع العبادة) فإن أكثر الخطايا من اللسان فإذا ملك الإنسان اللسان فكفه عما لا يجوز فقد تلبس [ص: 241] بباب عظيم من أبواب العبادة وقد توافقت على ذلك الملل قال وهب: أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت وقال الفضيل: لا حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان وقال لقمان لابنه: لو كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب ومن كلامهم: ملاك حسن السمت إيثار طول الصمت ومنه: الصمت عن الباطل صدقة. وقال الشاعر: إذا تم عقل المرء قل كلامه. . . وأيقن بحمق المرء إن كان مكثارا <تنبيه> قال ابن عربي: الصمت قسمان: صمت باللسان عن الحديث لغير الله تعالى مع غير الله تعالى جملة واحدة وصمت بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون من الأكوان فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سره وتجلى له ربه ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكة للشيطان ومسخرة له فصمت اللسان من منازل العامة وأرباب السلوك وصمت القلب من صفات المقربين أهل المشاهدات وحال صمت السالكين السلامة من الآفات وحال صمت المقربين مخاطبات التأنيس فمن التزم الصمت في الأحوال كلها لم يبق له حديث إلا مع ربه فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه كان نجيا مؤيدا إذا نطق نطق بالصواب (فر عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي: خرجه ابن حبان والمغيرة بن عبد الرحمن قال ابن معين: ليس بشيء ووثقه بعضهم   (1) أي السكوت عما لا يعني وترك الرد على من اعتدى وأما إذا كان الإنسان خاليا عن الناس فلا يكون سكوته من العبادة الحديث: 5158 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 5159 - (الصمت زين للعالم) لما فيه من الوقار والهدر عار سيما للعالم المقتدى بأقواله وأفعاله وقد ينطق بغير تأمل فيسبق لسانه بكلمة لا يلقى لها بالا فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا كما في الخبر المار فعلى العاقل سيما الفاضل أن يميز بين أشكال الكلام قبل النطق ليكون على بصيرة من نفسه وبينة من ربه (وستر للجاهل) لأن المرء مخبوء تحت لسانه وهو المنبئ عن شأنه فحاله مستور ما لم يتكلم <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الصمت والسكوت والإنصات والإصاخة أن الصمت أبلغ لأن قد يستعمل فيما لا قوة فيه للنطق وفيما له قوة للنطق ولهذا قيل: لما لم يكن له نطق الصمت والسكوت لما له نطق فترك استعماله والإنصات سكوت مع استماع ومتى انفك أحدهما عن الآخر لم يقل له إنصات وعليه قوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} فقوله وأنصتوا بعد الاستماع ذكر خاص بعد عام والإصاخة الاستماع إلى ما يصعب استماعه وإدراكه كالسر والصوت من مكان بعيد (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن محرز بن زهير) الأسلمي مدني له صحبة ورواية الحديث: 5159 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 5160 - (الصمت سيد الأخلاق) لأنه يعين على الرياضة وهي من أهم الأركان في حكم المنازلة وتهذيب الأخلاق والسلامة من عذاب الخلاق قال الغزالي: فعليك بملازمة الصمت إلا بقدر الضرورة وقد كان الصديق يضع حجرا في فيه ليمنعه ذلك من الكلام بغير الضرورة ويشير إلى لسانه ويقول هذا أوردني الموارد فاحترز منه فإنه أقوى أسباب هلاكك في الدنيا والآخرة (ومن مزح استخف به) (1) أي هان على الناس ونظروا إليه بعين الاحتقار والهوان فاحفظ لسانك منه فإنه يسقط المهابة ويريق ماء الوجه ويستجر الوحشة ويؤذي القلوب ويورث الحقد فلا تمازح أحدا وإن مازحك غيرك فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وكن من الذين إذا مروا باللغو مروا كراما ومن كلام النبي سليمان ووصايا لقمان إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب قال الديلمي: روي أنه مات حبر من بني إسرائيل فلما وضع على سريره وجدوا على عنقه لوحا من ذهب فيه ثلاثة أسطر هي هذه وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي: ومن حمل الأمر على القضاء استراح (2) اه. <تنبيه> ما اقتضته هذه [ص: 242] الأخبار من التزام الصمت غالبي كما عرف من أدلة أخرى فاعتقاده قربة إما مطلقا أو في بعض العبادات كصوم وحج فإطلاقه منهي عنه على خبر أبي داود لا صمات يوم إلى الليل (فر عن أنس) وفيه سعيد بن ميسرة قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: يروي الموضوعات وقال ابن عدي: هو من ظلمة الأمة   (1) [" ومن مزح استخف به ": أي من بالغ في المزح. أما المزح اللطيف فمباح أو مسنون لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 2628: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا. دار الحديث.] (2) [" استراح ": أي من سعى جهده وعلم بالأسباب ثم أقر أن النتائج حلوة أو مرة هي من قضاء الله فقد استراح كما ورد في الحديث 5131: الصبر رضا. فانظر شرحه. دار الحديث.] الحديث: 5160 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 5161 - (الصمد الذي لا جوف له) يقال شيء مصمد لا جوف له وهذا قاله في تفسير قوله تعالى {الله الصمد} لما سئل عن تفسيره (طب عن بريدة) بن الحصيب ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي الحديث: 5161 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 5162 - (الصور) المذكور في قوله تعالى {يوم ينفخ في الصور} (قرن) أي على هيئة البوق دائرة رأسه كعرض السماوات والأرض وإسرافيل واضع فاه عليه ينظر نحو العرش أن يؤذن له حتى (ينفخ فيه) فإذا نفخ صعق من في السماوات ومن في الأرض أي ماتوا إلا من شاء الله. قال الحليمي: والظاهر أن الصور وإن كان الذي ينفخ فيه النفختان جميعا فإن صيحة الإصعاق تخالف صيحة الإحياء وجاء في أخبار أن فيه ثقبا بعدد الأرواح كلها وأنها تجتمع فيه في النفخة الثانية فيخرج منه كل روح نحو جسدها (حم د ت ك عن ابن عمرو) الحديث: 5162 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 5163 - (الصورة الرأس) أي الصورة المحرمة ما كانت ذات رأس (فإذا قطع الرأس فلا صورة) فتصوير الحيوان حرام لكن إذا قطعت رأسه انتفى التحريم لأنها بدون الرأس لا تسمى صورة (الإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض لسنده الحديث: 5163 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 5164 - (الصوم جنة) بضم الجيم وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح وفي الآخرة من النار لأنه يقمع الهوى ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان فإن الشبع مجلبة الآثام منقصة للإيمان ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه " فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته وتشوشت فكرته لما يستولي على معادن إدراكه من الأبخرة الكثيرة المتصاعدة من معدته إلى دماغه فلا يمكنه نظر صحيح ولا يتفق له رأي صالح وقد يقع في مداحض فيروغ عن الحق كما أشار إليه خبر لا تشبعوا فتطفئوا نور المعرفة من قلوبكم وغلب عليه الكسل والنعاس فيمنعه عن وظائف العبادات وقويت قوى البدن وكثرت المواد والفضول فينبعث غضبه وشهوته وتشتد مشقته لدفع ما زاد على ما يحتاجه بدنه فيوقعه ذلك في المحارم قال بعض الأعلام: صوم العوام عن المفطرات وصوم الخواص عن الغفلات وصوم العوام جنة عن الإحراق وصوم الخواص جنة لقلوبهم عن الحجب والافتراق (ن عن معاذ) بن جبل ورواه القضاعي في الشهاب وقال العامري في شرحه: صحيح الحديث: 5164 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 5165 - (الصوم جنة) بضبط ما قبله (من عذاب الله) فليس للنار عليه سبيل كما لا سبيل لها على مواضع الوضوء لأن الصوم يغمر البدن كله فهو جنة لجميعه برحمة الله من النار (هب عن عثمان بن أبي العاص) وفيه سعيد الجرائري ضعفه ابن القطان الحديث: 5165 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 5166 - (الصوم جنة يستجن بها العبد من النار) وأصل الجنة بالضم الترس شبه الصوم به لأنه يحمي الصائم عن الآفات [ص: 243] النفسانية في الدنيا وعن العقاب في الأخرى قال القاضي: والجنة بالضم الترس وبالكسر الجنون وبالفتح الشجر المظل وأطلقت على البستان بما فيها من الأشجار وعلى دار الثواب لما فيها من البساتين وثلاثيتها مأخوذ من الجن بمعنى الستر (طب عنه) أي عن عثمان قال الهيثمي: سنده حسن الحديث: 5166 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 5167 - (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة) أي الغنيمة التي تحصل بغير مشقة والعرب تستعمل البارد في شيء ذي راحة والبرد ضد الحرارة لأن الحرارة غالبة في بلادهم فإذا وجدوا بردا عدوه راحة وقيل الباردة الثابتة من برد لي على فلان كذا أي ثبت أو الطيبة من برد الهواء إذا طاب والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب وأيضا إن الهواء والماء لما كان طيبهما ببردهما سيما من بلاد تهامة والحجاز قيل هواء بارد وماء بارد على سبيل الاستطابة ثم كثر حتى قيل عيش بارد وغنيمة باردة ذكره الزمخشري. قال الطيبي: والتركيب من قلب التشبيه لأن الأصل الصوم في الشتاء كالغنيمة الباردة وفيه من المبالغة أن الأصل في التشبيه أن يلحق الناقص كالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس وقيل الأسد يجعل الأصل كالفرع والفرع كالأصل يبلغ التشبيه إلى الدرجة القصوى في المبالغة ومعناه الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير أن تمسه مشقة الجوع (حم ع طب هق عن عامر بن مسعود) بن أمية بن خلف قال البيهقي في الشعب: قال يعقوب ليس لعامر هذا صحبة (طس عد هب عن أنس) بن مالك (عد هب عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: فيه سعيد بن بشير ثقة لكنه اختلط انتهى. وفيه الوليد بن مسلم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة مدلس سيما في شيوخ الأوزاعي وزهير بن محمد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: فيه ضعف ما وقال البخاري: روى عنه أيضا أهل الشام مناكير وقال ابن معين: ضعيف الحديث: 5167 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 5168 - (الصوم يدق) بضم فكسر بضبط المصنف (المصير) أي الأمعاء أي يصيرها دقيقة والدقة ضد الغلط (ويذبل) بضم فسكون فكسر للموحدة بضبط المصنف (اللحم) أي يذهب طراوته والمراد أن الصوم يرق المصارين ويذهب نداوة اللحم ورطوبته وهذا عند الإكثار منه (ويبعد) بالتشديد والكسر بضبط المصنف (من السعير) أي جهنم (إن لله تعالى مائدة عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا يقعد عليها إلا الصائمون) أي المكثرون للصوم أو مطلقا (1) (طس وأبو القاسم بن بشران في أماليه عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: فيه عبد المجيد بن كثير الحرالي لم أجد من ترجمه   (1) [ولعله الأرجح بدليل قوله تعالى {قالوا ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} إذ المقصود أنهم لم يكونوا يصلون ما افترض عليهم لا أنهم لم يكونوا يكثرون من الصلاة فيما دون الفريضة. والله أعلم. دار الحديث] الحديث: 5168 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 5169 - (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) قال في الفردوس: فسره بعض أهل العلم فقال: الصوم والفطر والتضحية مع الجماعة ومعظم الناس (ت عن أبي هريرة) وقال: غريب حسن ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 5169 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 5170 - (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان) قال الطيبي: المضاف محذوف أي صلاة الجمعة منتهية [ص: 244] إلى الجمعة وصوم رمضان منتهيا إلى صوم رمضان وقوله (مكفرات) عن الكل و (لما بينهن) معمول لاسم الفاعل ولذا دخلت اللام و (إذا اجتنبت الكبائر) شرط وجزاء دل عليه ما قبله اه وقال النووي: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فلا تغفر لأن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا تغفر إلا صغائره ثم كل من المذكورات صالح للتكفير فإن لم يكن له صغائر كتب له حسنات ورفع له درجات (حم م) في الطهارة (ت) في الصلاة لكنه لم يذكر رمضان (عن أبي هريرة) الحديث: 5170 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 5171 - (الصلوات الخمس كفارة لما بينهن) من الصغائر (ما اجتنبت الكبائر والجمعة إلى الجمعة) أي كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر (وزيادة ثلاثة أيام) وذلك لأن العبد وإن توقى لا بد له من تدنيسه بالذنوب وهو تعالى قدوس لا يقربه إلا قديس طاهر فجعل أداء الفرائض تطهيرا له من أدناسه {إن الحسنات يذهبن السيئات} فإذا تطهر العبد بهذه الطهارة صلح لدار الطهارة وقرب القدوس <تنبيه> قال ابن بزيزة: هنا إشكال صعب وهو أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر فما الذي يكفره الصلوات؟ وأجاب البلقيني بأن معنى {إن تجتنبوا} الموافاة على هذه الحال من الإيمان أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فالسؤال غير وارد وبفرض وروده فالتخلص منه أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الخمس فمن لم يفعلها لم يجتنب لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها وأحوال المكلف بالنسبة لما يصدر منه من صغيرة وكبيرة خمسة: أحدها أن لا يصدر منه شيء فهذا ترفع درجاته. الثانية يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا يكفر عنه جزما. الثالثة مثله لكن مع الإصرار فلا يكفر لأن الإصرار كبيرة. الرابعة يأتي بكبيرة واحدة وصغائر. الخامسة يأتي بكبائر وصغائر وفيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب أن تكفر الصغائر فقط والأرجح لا تكفر أصلا إذ مفهوم المخالفة إذا لم يتعين جهته لا يعمل به (حل عن أنس) الحديث: 5171 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 5172 - (الصلاة وما ملكت أيمانكم الصلاة وما ملكت أيمانكم) نصب على الإغراء أي الزموا المحافظة على الصلاة والإحسان لما ملكت أيمانكم من الأرقاء وحث عليهما لضعف المملوك وكونه مظنة للتقصير في حقه وميل الطبع إلى الكسل وإيثار الراحة والنفس تنفر بطبعها عن كثير من العبودية سيما إذا اتفق ذلك مع قسوة القلب وغلبة الرين والميل إلى اللذة ومخالطة أهل الغفلة فلا يكاد العبد مع ذلك يفعلها وإن فعلها بتكلف وتشتت قلب وذهول عنها وطلب لفراقها (حم ن) في الزكاة (هـ) في الجنائز (حب عن أنس) بن مالك (حم هـ عن أم سلمة) أم المؤمنين (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5172 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 5173 - (الصلاة) أل فيه للجنس فيشمل الفرض والنفل أو للعهد فيختص بالفرض (في مسجد قباء) هو من عوالي المدينة والأشهر مده وصرفه وتذكيره وجاء ضد هذه الثلاثة (كعمرة) وفي رواية ابن أبي شيبة بسند صحيح " لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لصرفوا إليه أكباد الإبل " [ص: 245] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره راكبا وماشيا قال الحافظ الزين العراقي: فيه ندب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ويسن كونه يوم السبت لحديث ابن عمر المتفق عليه بذلك ومن حكمته أنه كان يوم السبت يتفرغ لنفسه ويشتغل بقية الجمعة من أول الأحد بمصالح الأمة ولا ينافي هذا خبر لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد لأن بين قباء والمدينة ثلاثة أميال وما قرب من المصر ليس في الذهاب إليه شد رحل (حم ت هـ ك عن أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة (ابن ظهير) وهو بضم أوله وهو ابن رافع بن عدي الأوسي الحارثي ابن عم رافع بن خديج معروف شهد الخندق وقال الحافظ العراقي: لهما صحبة قال: ورواته كلهم ثقات وقول ابن العربي إنه ضعيف غير جيد الحديث: 5173 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 5174 - (الصلاة في جماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة) أي بلغ ثوابها ثواب خمسين صلاة صلاها بدون ذلك وظاهره أن الصلاة مع الانفراد في الفلاة مع الإتيان بكمالاتها يضاعف ثوابها على ثواب الصلاة الجماعة ضعفين (1) وكأن وجهه أنه إذا كان في الفلاة منفردا مع إتمام الأركان وتوفر الخشوع وغير ذلك من المكملات يحضره من الملائكة ومؤمني الجن ما لا يحصى ولم أر من قال بذلك. (2) (ك عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي   (1) [وقال في شرح الحديث 5078 أن السياق يشير إلى من صلاها بجماعة في الفلاة. دار الحديث] (2) [وكذلك ففي صلاته بالفلاة منفردا تنتفي جميع دواعي الرياء وذلك سبب في المضاعفة وحيث أن الأعمال بالنيات فالمنفرد المعذور عن حضور الجماعة قد يحصل له ثواب من حضرها من باب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1937: إن الله تعالى يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه وللمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره. دار الحديث] الحديث: 5174 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 5175 - (الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمس مئة صلاة) قال العراقي: ذكر هنا وفيما سبق أن الصلاة بالمسجد الحرام بمئة ألف وفي خبر الطبراني عن عمران الصلاة فيه خير من ألف صلاة وقد يؤول على أن المراد خير من مئة صلاة في مسجد المدينة فلا تعارض وفي خبر أحمد عن الأرقم الصلاة بمكة أفضل من ألف صلاة ببيت المقدس وقضيته كون الصلاة بالمسجد الحرام بألف ألف صلاة وإذا تعذر الجمع رجع للترجيح وأصح هذه الأحاديث حديث ابن الزبير وجابر وابن عمر الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة قال: وأما الاختلاف في مسجد المدينة فأكثر الأخبار الصحيحة في أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة وأصح طرق أحاديث الصلاة ببيت المقدس أنها بألف فالتفاوت بينه وبين مسجد المدينة بالزيادة على الألف فحسب (طب عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن وقال الهيثمي: رجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن اه. قال ابن حجر: رواه ابن عدي عن جابر وإسناده ضعيف الحديث: 5175 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 5176 - (الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة والصلاة في مسجدي عشرة آلاف صلاة والصلاة في مسجد الرباطات) جمع رباط ويجمع أيضا على ربط بضمتين وهو اسم من رابط مرابطة من باب قاتل إذا لازم ثغر العدو والرباط الذي بيني للفقراء مولد (ألف صلاة) (حل عن أنس) بإسناد ضعيف الحديث: 5176 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 5177 - (الصلاة في المسجد الجامع) أي الذي يجمع فيه الناس أي يقيمون الجمعة (تعدل الفريضة) أي تعدل ثواب صلاتها [ص: 246] فيه ولم أر من أخذ بذلك من الأئمة (حجة مبرورة) أي مقبولة (والنافلة كعمرة متقبلة وفضلت الصلاة في المسجد الجامع على ما سواه من المساجد بخمس مئة صلاة) (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه نوح بن ذكوان وضعفه أبو حاتم الحديث: 5177 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 5178 - (الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام وشهر رمضان) أي صومه (في مسجدي هذا أفضل من صوم ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام) <تنبيه> نختم هذه الأخبار بالإشارة إلى شيء من تفاضل البقاع في الشرف وأن لها تأثيرا في القلوب. قال العارف ابن عربي: من شرط القائم الشاهد المشاهد صاحب المقامات والمشاهدات يعلم أن للأمكنة في القلوب اللطيفة تأثيرا ولو وجد القلب في أي محل كان الوجود الأعم فوجوده بالمسجد الحرام أسنى وأتم فكما تتفاضل المنازل الروحانية تتفاضل المنازل الجسمانية وإلا فهل الدر مثل الحجر الأصم إلا عند صاحب الحال وأما الكامل صاحب المقام فيميز بينهما كما ميز الحق بينهما فالحكيم الواصل من أعطى كل ذي حق حقه فذلك واحد عصره وصاحب وقته وفرق بين مدينة أكثر عمادها الشهوات وبين مدينة أكثر عمادها الآيات البينات ووجود القلوب في بعض المواطن أكثر من بعض أمر محسوس وكان بعض الأصفياء يترك الخلوة بالمنارة بشرقي تونس ويختلي بالرابطة التي في وسط المقابر وهي تعزى إلى الخضر ويقول أجد قلبي هناك أكثر وذلك من أجل من يعمر ذلك المحل من الملائكة أو الجن وأماكن الصالحين الأموات ومشاهدهم تنفعل لها القلوب اللطيفة ولذلك تفاضل المساجد في وجود القلب فقد تجد قلبك في مسجد أكثر منه في مسجد وذلك ليس للتراب بل لمجالسة الأتراب وهمهم ومن لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمسجد فهو لا صاحب حال ولا مقام ولا شك كشفا وعلما أنه وإن طمرت الملائكة جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف والرتب أن أعلاهم رتبة وأعظمهم علما ومعرفة عمرة المسجد الحرام وعلى قدر جلسائك يكون وجودك فإن همم الجلساء لها تأثير في قلب الجليس على قدر مراتبهم وقد طاف بالبيت مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا سوى الأولياء وما منهم إلا وله همة متعلقة بالبيت وبالمسجد الحرام والبلد الحرام والإحساس بتفاضل الأماكن من أوصاف العارفين (هب عن جابر) الحديث: 5178 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 5179 - (الصلاة نصف النهار) أي عند الاستواء (تكره) تحريما لا تنزيها على الأصح وعليهما فلا تنعقد عند الشافعية (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تكره (لأن جهنم كل يوم تسجر) أي توقد (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تسجر فلا تحرم وبه فارقت حالة الاستواء في بقية الأيام. قال ابن سيد الناس: من رواة هذا الخبر من تفقه على أبي قتادة فمثله لا يقال إلا بتوقيف (عد عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده الحديث: 5179 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 5180 - (الصلاة نور المؤمن) أي تنور وجه صاحبها في الدنيا وتكسبه جمالا وبهاءا كما هو مشاهد محسوس و [تنور] قلبه لأنها [ص: 247] تشرق فيه أنوار المعارف ومكاشفات الحقائق و [تنور] قبره كما قال أبو الدرداء صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر (1) وتركها يظلم القلب فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت الحيرة حتى يقع تاركها في البدع والضلالات وهو لا يشعر كأعمى خرج في ظلمة وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم حتى تعلو الوجه فيصير سوادا يدركه أهل البصائر وتحصل حين ذلك الوحشة بينه وبين الناس سيما أهل الخير فيجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم وحرم بركة النفع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن (القضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أبو يعلى والديلمي باللفظ المزبور فلو عزاه إليهما لكان أولى قال العامري في شرح الشهاب: صحيح   (1) [وتنور له في الآخرة لقوله تعالى عن المؤمنين {نورهم يسعى بين أيديهم} وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 3170: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. دار الحديث] الحديث: 5180 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 5181 - (الصلاة خير موضوع) بإضافة خير إلى موضوع أي أفضل ما وضعه الله أي شرعه من العبادات (فمن استطاع أن يستكثر) منها (فليستكثر) لأن بها تبدو قوة الإيمان في شهود ملازمة خدمة الأركان ومن كان أقواهم إيمانا كان أكثرهم وأطولهم صلاة وقنوتا وإيقانا وقد جعلها الله فروضا وسننا. كان عامر بن عبد الله بن قيس التابعي جعل عليه كل يوم ألف ركعة فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه: يا نفس إنما أريد إكرامك غدا عند الله والله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ الفراش منك نصيبا وقال بعضهم: مكث عندنا رجل ثلاثة عشر سنة يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أقعد فكان إذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة ثم قال: عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا عجبت للخليقة كيف شاءت سواك. ثم يسكت إلى الغروب. وقال الداراني: لو خيرت بين ركعتين وبين دخول الفردوس لاخترت الركعتين لأني في الفردوس بحظي وفي الركعتين بحق ربي (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عبد المنعم بن بشير اه. وظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو إليه وليس كذلك فقد رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر الحديث: 5181 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 5182 - (الصلاة قربان كل تقي) أي أن الأتقياء من الناس يتقربون بها إلى الله أي يطلبون القرب منه بها والقربان مصدر من قرب يقرب والتقي تقي مطلق وتقي مقيد فمن اتقى الله في سره وعلنه وبذل جهده في فرائضه وتجنب مناهيه فهو تقي على الإطلاق وإنما يتقبل الله من المتقين فصلاة هذا قربان بلا شرط والمقيد قيد عمله بالمشيئة فإن قبلت صلاته كانت قربانا له وإلا فلا ويمكن أن يراد بقربان أن الصلاة من التقي بمنزلة الأضحية والهدى لفقدهما (القضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أبو يعلى عن جابر بلفظ الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار الحديث: 5182 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 5183 - (الصلاة خدمة الله في الأرض) ومن أحب ملكا لازم خدمته (1) (فمن صلى ولم يرفع يديه فهو) أي ذلك الفعل (خداج) بكسر الخاء أي فصلاته ذات نقصان (هكذا أخبرني جبريل) ناقلا (عن الله عز وجل إن بكل إشارة) في الصلاة (درجة) أي منزلة عالية (وحسنة) في الجنة وقد تميزت الصلاة على غيرها من الفرائض بأمور لا تكاد تحصى ولو لم يكن إلا أخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم إياها عن الله عز وجل بلا واسطة وذلك ليلة الإسراء لكفى (فر عن ابن عباس) وفيه أحمد بن علي بن حسنويه شيخ الحاكم قال الذهبي: متهم بالوضع وشبابة بن سوار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: أحمد كان داعية في الإرجاء وورقاء اليشكري لينه القطان   (1) [وهذه الخدمة عبارة عن القيام بواجبات العبودية والله غني عن العالمين. دار الحديث] الحديث: 5183 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 [ص: 248] 5184 - (الصلاة خلف رجل ورع مقبولة والهدية إلى رجل ورع مقبولة والجلوس مع رجل ورع من العبادة والمذاكرة معه صدقة) أي يثاب عليها كثواب الصدقة والورع المتقي للشبهات وهو معنى قول من قال: وهو من يدع ما لا بأس به حذرا من الوقوع فيما فيه بأس (فر عن البراء) بن عازب وفيه عبد الصمد بن حسان قال الذهبي: تركه أحمد بن حنبل الحديث: 5184 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 5185 - (الصلاة عماد الدين) قال الغزالي: فيها أسرار لأجلها كانت عمادا منها ما فيها من التواضع بالمثول قائما بالركوع والسجود وهي خدمة الله في الأرض والملوك لا تخدم بالكسل والتهاون بل بالجد والتذلل فلذلك كانت عماد الدين وعلم الإيمان يكثر بقوته ويقل بضعفه ولذا كان سعيد بن المسيب دائم الإقبال على الصلاة حتى قيل فيه لو قيل له إن جهنم لتسعر لك وحدك ما قدر على أن يزيد عمله شيئا وكان يقول لنفسه إذا دخل الليل قومي إلى خدمة ربك يا مأوى كل شر تريدين أن تغفلي بالنهار وتنامي بالليل والله لأدعنك تزحفي زحف البعير فيصبح وقدماه منتفختان صلى ورضي الله عنه الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة (هب) من حديث عكرمة (عن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي: عكرمة لم يسمع من عمر قال: وأظن عن ابن عمر اه. قال الحافظ العراقي في حاشية الكشاف: فيه ضعف وانقطاع قال الحاكم: عكرمة لم يسمع من عمر ورواه من حديث ابن عمر ولم يقف عليه ابن الصلاح فقال في مشكل الوسيط: إنه غير معروف اه. وقول النووي في التنقيح: حديث منكر باطل رده ابن حجر وشنع وأخرجه أيضا الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي الحديث: 5185 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 5186 - (الصلاة عمود الدين) ومن ثم أيقظ المصطفى صلى الله عليه وسلم أحب آله فاطمة وعليا في ليلة واحدة مرتين من نومهما حتى جلس علي في الثانية وهو يعرك عينيه ويقول والله ما نصلي إلا ما كتب لنا إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيديه على فخذيه ويقول ما نصلي إلا ما كتب لنا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} وكان ثابت بن أسلم يقوم الليل كله خمسين سنة فإذا جاء السحر قال: اللهم إن كنت أعطيت أحدا أن يصلي في قبره فأعطني ذلك فلما مات وسدوا لحده وقعت لبنة فإذا هو قائم يصلي حالا وشهد ذلك من حضر جنازته وكان يقول الصلاة خدمة الله في الأرض ولو كان شيء أفضل منها لما قال تعالى {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} (أبو نعيم) بضم النون وفتح المهملة (الفضل بن دكين) بضم المعجمة وفتح الكاف واسم دكين عمرو بن حماد التميمي الطلحي الكوفي الأحول الملائي بضم الميم الحافظ أحد الأعلام من كبار شيوخ البخاري (في) كتاب فضل (الصلاة) لم يذكر المصنف الصحابي وقال ابن حجر: هو عن حبيب بن سليم عن بلال بن يحيى مرسلا ورجاله ثقات وله طرق أخرى بينتها في تخريج الكشاف وتبعه المصنف في حاشية البيضاوي الحديث: 5186 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 5187 - (الصلاة عماد الدين) أي أصله وأسه وهي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين (والجهاد سنام العمل) أي أعلاه وأمثله كيف وفيه بذل النفس وإنفاق الأموال في رضى العلي المتعال (والزكاة بين ذلك) أي رتبتها في الفضل بين الصلاة والجهاد وهذا بالنظر إلى الأصل وإلا فقد يعرض ما يصير الجهاد أفضل وأهم كما تقدم (فر) وكذا الأصبهاني في الترغيب (عن علي) أمير المؤمنين قال الزيلعي: وفيه الحارث ضعيف جدا وذهل ابن الصلاح في مشكل الوسيط قال: هذا غير صحيح ولا معروف فكأنه لم يظفر به الحديث: 5187 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 [ص: 249] 5188 - (الصلاة ميزان) أي هي ميزان الإيمان (فمن أوفى) بأن حافظ عليها بواجباتها ومندوباتها (استوفى) (1) ما وعد به من الفوز بدار الثواب والنجاة من أليم العقاب وبالصلاة يوزن إيمان الإنسان لأنها محل مناجاة الرحمن لا واسطة فيها بين المصلي وربه وبها تظهر أثر المحبة لأنه لا شيء ألذ عند المحب من الخلوة بمحبوبه ليفوز بمطلوبه <تنبيه> قال السهروردي: اشتقاق الصلاة من الصلى وهو النار والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقويمها تعرض على النار وفي العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمارة بالسوء وسبحات وجه الله الكريم لو كشف حجابها أحرقت من أدركته يصيب بها المصلي من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربانية ما يزول به اعوجاجه بل يتحقق معراجه فالمصلي كالمصلي بالنار ومن اصطلى بنار الصلاة وزال بها اعوجاجه لا يعرض على النار إلا تحلة القسم (هب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي   (1) [أي أن الحديث يمثل الصلاة بالميزان فبمقدار ما يوفي المرء الميزان ويعدل فيه بإحسان الصلاة أو الإكثار منها فهو يستوفي ما وعد به من الفوز بالثواب والنجاة من العقاب. دار الحديث] الحديث: 5188 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 5189 - (الصلاة تسود وجه الشيطان) فهي أعظم الأسلحة عليه (والصدقة تكسر ظهره والتحابب إلى الله والتوادد في العمل يقطع دابره) سواد الوجه وما بعده كناية عن إرغامه وإحزانه بطاعة العبد لربه وظهور الكآبة عليه بتخيب سعيه في إضلاله ووسوسته (فإذا فعلتم ذلك تباعد منكم كمطلع الشمس من مغربها) ففي المحافظة على ما ذكر كمال صلاح الدنيا والآخرة سيما إدرار الأرزاق وإذلال الأعداء (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وفيه عبد الله بن محمد بن وهب الحافظ أورده الذهبي في الضعفاء. وقال الدارقطني: متروك وزافر بن سليمان قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه وثابت الثمالي قال الذهبي: ضعيف جدا الحديث: 5189 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 5190 - (الصلاة) النافلة (على ظهر الدابة هكذا وهكذا وهكذا) قال في الفردوس: يعني إلى القبلة وغيرها في غير المكتوبة جائزة مما هو جهة مقصده (طب) وكذا الديلمي (عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: فيه يونس بن حارث ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان الحديث: 5190 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 5191 - (الصلاة علي نور على الصراط ومن صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاما) فيه أن الصلاة عليه نور على الصراط ونجاة ورحمة وأخذ من إفراد الصلاة هنا أن محل كراهة إفرادها عن السلام فيما لم يرد الإفراد فيه بخصوصه وإلا فلا يزاد على الوارد (الأزدي في) كتاب (الضعفاء قط في الأفراد عن أبي هريرة) ثم قال الدارقطني: تفرد به حجاج بن سنان عن علي بن زيد فلم يروه عن حجاج إلا السكن بن أبي السكن قال ابن حجر في تخريج الأذكار: والأربعة ضعفاء وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر وضعفه ابن حجر الحديث: 5191 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 5192 - (الصيام جنة) أي سترة بين الصائم وبين النار أو حجاب بين الصائم وبين شهوته لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة (حم ن عن أبي هريرة) الحديث: 5192 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 5193 - (الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وستر (من النار كجنة أحدكم من القتال) قال ابن عبد البر: [ص: 250] حسبك بهذا فضلا للصائم وهذا إذا لم يخرقه بنحو غيبة أو كذب كما مر مرارا (حم ق هـ عن عثمان بن أبي العاص) ورواه عنه أيضا ابن عبد البر وغيره الحديث: 5193 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 5194 - (الصيام جنة حصينة من النار) أي من نار جهنم لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها (هب عن جابر) وفيه يوسف بن يعقوب القاضي قال الذهبي في الضعفاء: مجهول وأحمد بن عيسى وابن لهيعة ضعيفان الحديث: 5194 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 5195 - (الصيام جنة وحصن حصين من النار) قال المحقق أبو زرعة: من هذا الخبر وما قبله وما بعده أخذ جمع أن الصوم أفضل العبادات البدنية مطلقا لكن ذهب الشافعي إلى أن أفضلها الصلاة (حم هب عن أبي هريرة) قال الهيثمي: هو في الصحيح خلا قوله وحصن إلخ وسنده حسن الحديث: 5195 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 5196 - (الصيام جنة) أي وقاية (ما لم يخرقها) أي بالغيبة فإنه إذا اغتاب فقد خرق ذلك السائر له من النار بفعله وتمام الحديث عند البيهقي ومن ابتلاه الله بلاء في جسده فله حظه (ن هق عن أبي عبيدة) بن الجراح الحديث: 5196 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 5197 - (الصيام جنة ما لم يخرقها بكذب أو غيبة) فيه كالذي قبله تحذير الصائم من الغيبة وقد ذهب الأوزاعي إلى أنها تفطر الصائم وتوجب عليه القضاء وزعم أنه خارق للإجماع إبطال بحكاية المنذري وغيره له عن عائشة وسفيان الثوري (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر وهو ضعيف الحديث: 5197 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 5198 - (الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن وكل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله الصيام) خالص (لي) لا يطلع عليه غيري (وأنا أجزي به) صاحبه جزاءا كثيرا وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سر بيني وبين عبدي لأنه لما كف نفسه عن شهواتها جوزي بتولي الله سبحانه إحسانه (طب) والديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: سنده حسن الحديث: 5198 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 5199 - (الصيام جنة من النار فمن أصبح صائما فلا يجهل يومئذ) فإن الجهل لا يليق بحال الصائم (وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغيره وفتحه قيل خطأ (أطيب عند الله من ريح المسك) فإذا كان هذا بتغير ريح فمه فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته؟ قال ابن جماعة: وفيه أن خلوف فم الصائم أفضل من دم الجريح في سبيل الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهيد: إن ريحه ريح المسك وقال في خلوف الصائم: إنه أطيب منه ووجهه أن الجريح يظهر أمره للناس فربما داخله رياء والصائم لا يعلم بصومه إلا الله فلعدم دخول الرياء فيه صار أرفع (ن عن عائشة) رمز المصنف لصحته الحديث: 5199 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 [ص: 251] 5200 - (الصيام نصف الصبر) لأن الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والغضب فالنفس تشتهي الشيء لمحصول اللذة بإدراكه وتغضب لفوته وتنفر لنفرتها من المؤلم والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب لكن من كمال الصوم حبس النفس عنهما وبه تمسك من فضل الصبر على الشكر (هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وكأنه لم ير قول ابن العربي في السراج حديث ضعيف جدا الحديث: 5200 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 5201 - (الصيام نصف الصبر) لأن جماع العبادات فعل وكف والصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف وهو شرط الصبر فهما صبران صبر عن أشياء وصبر على أشياء والصوم معين على أحدهما فهو نصف الصبر ذكره الحليمي وقال الغزالي: هذا مع خبر الصبر نصف الإيمان ينتج أن الصوم ربع الإيمان ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله من بين سائر الأركان وقوله الصيام نصف الصبر مع قوله تعالى {إنما يوفى الصابرين أجرهم} إلخ ينتج أن ثواب الصوام يتجاوز قانون التقدير والحساب اه. وما ذكر هنا من أنه نصف الصبر يعارضه ما صار إليه بعض المفسرين من أن المراد بالصبر في آية {واستعينوا بالصبر} الصوم بدليل مقابلته بالصلاة أما على ما ذهب إليه الأكثر من تفسير بالعبادة كلها فلا تعارض (وعلى كل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام) لأنه ينقص من قوة البدن وينحل الجسم فيكون الصيام كأنه أخرج شيئا من جسده لوجه الله فكأن زكاته (هب عن أبي هريرة) وفيه محمد بن يعقوب قال الذهبي في الضعفاء: له مناكير وموسى بن عبيد ضعفوه وقال أحمد: لا تحل الرواية عليه الحديث: 5201 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 5202 - (الصيام لا رياء فيه قال الله تعالى هو لي) إنما أضيف إليه مع أن العبادة بل العالم كله له لأنه لم يعبد أحد من دون الله بالصوم فلا شريك له فيه بخلاف غيره أو أنه بعيد عن الرياء لعدم الإطلاع عليه أو أن الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته ومن تخلق بشيء منها فقد تقرب إليه بما يتعلق بهذه الصفة فيورثه محبة الله التي هي للعبد قبول دعائه وتكفير سيئاته وحمايته أو هي إضافة تشريف كقوله {ناقة الله} أو إضافة حماية {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} (وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة العطاء وشرفه (يدع طعامه وشرابه من أجلي) نبه به على أن الثواب المرتب على الصيام إنما يحصل بإخلاص العمل فإن كان لغرض مذموم كرياء كان وبالا فرب صائم حظه من صيامه الجوع ورب صائم حظه القرب والرضا <تنبيه> قال الطيبي: إن قلت هذا الحديث ونحوه يدل على أن الصوم أفضل من الصلاة والصدقة قلت إذا نظر إلى نفس العبادة كانت الصلاة أفضل من الصدقة وهي من الصوم فإن موارد التنزيل وشواهد الأحاديث النبوية جارية على تقديم الأفضل فإذا نظر إلى كل منها وما يدلى إليه من الخاصية التي لم يشاركه غيره فيها كان أفضل (هب عن أبي هريرة) ورواه أيضا ابن منيع وأبو نعيم والديلمي الحديث: 5202 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 5203 - (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات) كذا بخط المصنف [ص: 252] وفي نسخ بدله الشراب وهو تحريف أي تناولهما (بالنهار) كله (فشفعني فيه ويقول القرآن أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان) بضم الياء وشد الفاء أي يشفعهما الله تعالى فيه ويدخله الجنة وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق {والله على كل شيء قدير} ويحتمل أنه يوكل ملكا يقول عنهما ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل (حم طب ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: إسناده حسن وقال غيره: فيه ابن لهيعة الحديث: 5203 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 حرف الضاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 5204 - (ضاف ضيف رجلا من بني إسرائيل وفي داره كلبة مجح) بضم الميم وجيم مكسورة وحاء مشددة بضبط المصنف أي حامل مقرب دنت ولادتها ذكره الزمخشري وما وقع في أمالي المصنف من أنه بخاء معجمة فجيم اعترضوه (فقالت الكلبة والله لا أنبح ضيف أهلي فعوى جراؤها) أي نبحوا وصاحوا (في بطنها قيل ما هذا فأوحى الله إلى رجل منهم هذا مثل أمة تكون من بعدهم يقهر سفهاؤها حلماءها) قال في الفردوس: يقرقر سفهاؤها أي يغلب بأصواتها العالية والقرقرة رفع الصوت في الجدال (حم) وكذا البزار والطبراني والديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط الحديث: 5204 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 5205 - (ضالة المسلم) أي ضائعته مما يحمي نفسه (1) ويقدر على الإبعاد في طلب الرعي والماء كإبل وبقر لا غنم (حرق النار) بالتحريك وقد يسكن لهبها إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى إحراقه بالنار وقال القاضي: أراد أنها حرق النار لمن آواها ولم يعرفها أو قصد الخيانة فيها كمن بينه خبر مسلم من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها وأصل الضالة الضائعة من كل ما يقتني ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة تقع على الذكر والأنثى والجمع (حم ت ن حب) عن أبي المنذر أو أبي غياث قال الذهبي: وهو أصح (عن الجارود) واسمه بشر فلقب به لأنه أغار على بكر بن وائل وجرهم (بن المعلى) وقيل العلاء وقيل عمرو صحابي جليل شهير قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح (حم هـ حب عن عبد الله بن الشخير طب عن عصمة بن مالك) قال الهيثمي: فيه أحمد بن راشد وهو ضعيف ورواه عنه أيضا ابن ماجه في الأحكام والحرث والديلمي قال: قدمت على المصطفى صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر فقلنا: يا رسول الله إنا نجد ضوال من الإبل فذكره قال ابن حجر: وحديث النسائي إسناده الصحيح   (1) أي الحيوان القادر على حماية نفسه عندما يبتعد في طلب الرعي والماء الحديث: 5205 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 5206 - (ضالة المؤمن العلم كلما قيد حديثا) بالكتابة (طلب إليه آخر) يقيده بجانبه وهكذا والأصل في الضلال الغيبة يقال ضل الشيء غاب وخفي موضعه وقال ابن الأعرابي: أضله كذا إذا عجز عنه ولم يقدر عليه وضل الناس غاب حفظه وفيه جواز كتابة العلم فهي مستحبة بل قيل واجبة وإلا لضاع (فر) من طريق عبد الوهاب عن مجاهد (عن علي) أمير المؤمنين وفيه الحسن بن سفيان قال الذهبي: قال البخاري: لم يصح حديثه وأخرجه أبو نعيم وابن لال أيضا الحديث: 5206 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 [ص: 253] 5207 - (ضحك ربنا) أي عجب ملائكته فنسب الضحك إليه (1) لكونه الآمر (2) والمريد (من قنوط عباده) أي من شدة يأسهم (وقرب غيره) . ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو تمام الحديث والأمر بخلافه بل بقيته قال أي أبو رزين: قلت يا رسول الله أويضحك الرب قال: نعم قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا اه بلفظه <تنبيه> قال العارف ابن عربي: بحر العماء يرزخ بين الحق والخلق في هذا البحر اتصف الممكن بعالم وقادر وجميع الأسماء الإلهية التي بأيدينا واتصف الحق بالضحك والتعجب والبشش والفرح والمعية وأكثر النعوت الكونية فرد ماله وأخذ مالك فله النزول ولنا المعراج اه (حم هـ عن أبي رزين) العقيلي ورواه عنه الطيالسي والديلمي   (1) [لعل في هذا الشرح بعض تكلف حيث أن تتمة الحديث التي أوردها المناوي تثبت الضحك لله بعد سؤال الصحابي عنه. وعليه فسياق الحديث يدل أن الضحك هنا مثبت لله من باب الكناية: لا يقصد معنى الكلمة من انفراج شفة وخروج نفس وإنما يقصد المعنى الملازم للكلمة من الرضا والقبول بما يتعجب منه عادة وإن عدمت الشفة في حال جريح مثلا أو في حال المنزه عن الجوارح سبحانه وتعالى. فكما قد يقول أحدهم " ضحكت لذلك الكلام " وإن كان ذلك المتكلم جريحا لا شفة له فكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن ربنا ضحك من قنوط عباده أي رضي وقبل بما يسبب عادة العجب. وفي هذا إثبات لنص الحديث ومعناه الظاهر من باب الكناية من غير تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل ولأهمية هذا الموضوع يذكر فيما يلي كلاما مهما وجامعا في الكناية. قال المحدث العالم الشيخ محمود الرنكوسي: إن الله تعالى وصف ذاته العلية بصفتين مشتقتين من الرحمة وهما " الرحمن " و " الرحيم ". فالرحمة لغة: رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان وإذا أضيفت إلى الله تعالى هذه الصفة وسائر مشتقاتها كان معناها ما يترتب على رقة القلب في الإنسان من التفضيل والإحسان القائمين على مزيد من اللطف بالخلق والعطف عليهم والإحسان إليهم فأما رقة القلب نفسها فإنها أمر يستحيل على الباري - جل وعز - فالتعبير إذن تعبير كنائي يطلق اللفظ فيه ويراد لازم معناه دون حقيقة معناه كما هو شأن الكناية دائما في لغة العرب. . . انتهى من مقدمة " المعرفة الحقيقية لدار الحديث الأشرفية " للشيخ محمود الرنكوسي. وانظر كذلك شرح الحديث 5215. دار الحديث] (2) والعرب تضيف الفعل إلى الآمر كما تضيفه إلى الفاعل وكذا تضيف الشيء الذي هو من حركات المخلوقين إلى الباري عز وجل كما تضيف ذلك الشيء إليهم الحديث: 5207 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 5208 - (ضحكت من ناس يأتونكم من قبل المشرق يساقون إلى الجنة وهم كارهون) الضحك خاص بالإنسان من بين الحيوان ومعناه استفادة سرور يلحق فتنشط له عروق قلبه فيجري الدم فيها فيفيض إلى سائر عروق بدنه فتثير فيه حرارة فينبسط لها وجهه وتملأ الحرارة فاه فيضيق عنها فتنفتح شفتاه وتبدو أسنانه فإن تزايد ذلك السرور ولم يمكن ضبط النفس استخفه الفرح فضحك حتى قهقه ولذلك كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسما لأنه كان يملك نفسه فلا يستخفه السرور فيغلبه فيقهقه والباري منزه عن هذه الصفة فيأول ضحكه بما سبق (حم طب عن سهل بن سعد) قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالخندق فحفر فصادف حجرا فضحك فقيل له: ما يضحكك قال: ضحكت إلخ الحديث: 5208 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 5209 - (ضحكت من قوم يساقون إلى الجنة مقرنين في السلاسل) أراد الأسارى الذين يؤخذون عنوة في السلاسل فيدخلون في الإسلام فيصيرون من أهل الجنة كما سيأتي (حم عن أبي أمامة) بإسناد حسن الحديث: 5209 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 5210 - (ضحوا بالجذع) بفتحتين أي بالشاب الفتي (من الضأن) وهو من الإبل ما دخل في الخامسة ومن البقر والمعز ما دخل في الثانية ومن الضأن ما تم له عام (فإنه جائز) أي مجزئ في الأضحية فإن أجذع أي أسقط سنه قبلها أجزأ عند الشافعية (حم طب عن أم بلال) بنت بلال الأسلمية عن أمها قال الهيثمي: رجاله ثقات اه الحديث: 5210 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 5211 - (ضرب الله تعالى مثلا صراطا مستقيما) قال الطيبي: بدل من مثلا لا على إهدار المبدل كقوله زيد رأيت غلامه رجلا صالحا إذ لولا أسقط غلامه لم يتبين (وعلى جنبتي) بفتح النون والباء بضبط المصنف (الصراط) أي جانبيه وجنبة الوادي جانبه وناحيته وهي بفتح النون والجنبة بسكون النون الناحية ذكره ابن الأثير (سوران) تثنية سور قال الطيبي: [ص: 254] سوران مبتدأ وعلى جنبتي خبره والجملة حال من صراطا وقوله (فيهما أبواب) الجملة صفة لسوران (مفتحة وعلى الأبواب ستور) جمع ستر (مرخاة) أي مسبلة (وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط) وفي رواية استقيموا على الصراط (جميعا ولا تعوجوا) أي لا تميلوا يقال عاج يعوج إذا مال عن الطريق (وداع يدعو عن فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك) زجر له من تلك الهمة وهي كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها (لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه) أي تدخل الباب وتقع في محارم الله قال الطيبي: هذا يدل على أن قول أبواب مفتحة أنها مردودة غير مغلقة (فالصراط الإسلام والسوران حدود الله تعالى والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم) قال تعالى {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} الآية. قال الطيبي: ونظير هذا حديث ألا إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في الأرض محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه فالسور بمنزلة الحمى وحولها بمنزلة الباب والستور حدود الله الحد الفاصل بين العبد ومحارم الله وواعظ الله هو لمة الملك في قلب المؤمن والأخرى لمة الشيطان وإنما جعل لمة الملك التي هي واعظ الله فوق داعي القرآن لأنه إنما ينتفع به إذا كان المحل قابلا ولهذا قال تعالى {هدى للمتقين} إنما ضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقريب ليصير المعقول محسوسا والمتخيل متحققا فإن التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعنى الممثل ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد ليساعد فيه الوهم العقل فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة الوهم لأن طبعه الميل إلى الحس وحب المحاكاة ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء قال النووي: سر هذا الحديث أنه أقام الصراط معنى للإسلام وأقام الداعي معنى للكتاب والداعي الآخر معنى للعظة في قلب كل مؤمن فأنت على الصراط الدائم وهو الإسلام وسامع النداء القائم وهو القرآن فإن أنت أقمت حركاتك وسكناتك بمدبرك وخالقك بسقوط من سواه أقامك إليه به وقمت به إليه بسقوطك عنك فحينئذ يكشف لك اسمه الأعظم الذي لا يخيب من قصده به قال القاضي: وضرب المثل احتماله من ضرب الخاتم وأصله وقع الشيء على الشيء (حم ك) في الإيمان وكذا الطبراني (عن النواس) ابن سمعان قال الحاكم: على شرط مسلم ولا علة له وأقره الذهبي وقضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد عزاه في الفردوس للترمذي في الأمثال الحديث: 5211 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 5212 - (ضرس الكافر) في جهنم (مثل أحد) أي مثل جبل أحد في المقدار (وغلظ جلده مسيرة ثلاث) أي ثلاث ليال وإنما جعل كذلك لأن عظم جسده تضاعف في إيلامه وذلك مقدور لله يجب الإيمان به قال القرطبي: وهذا إنما يكون في حق البعض بدليل حديث إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال فيساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس قال: ولا شك أن الكفار متفاوتون في العقاب كما علم من الكتاب والسنة اه. ونازعه ابن حجر بأن ذلك في أول الأمر عند المحشر (م ت عن أبي هريرة) الحديث: 5212 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 5213 - (ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعضده مثل البيضاء) موضع في بلاد العرب يسمى البيضاء أو هو اسم جبل (ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة) قرية بقرب المدينة قال القاضي: يريد ما بين الربذة والمدينة والربذة [ص: 255] على ثلاث مراحل منها بقرب ذات عرق (ت) في صفة جهنم (عن أبي هريرة) وقال: حسن غريب الحديث: 5213 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 5214 - (ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان) كقطران جبل أسود على يمين المار من المدينة إلى مكة. قال القرطبي: روي عن أنس مرفوعا لما تجلى ربنا للجبل صار بعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بمكة ثور وثبير وحراء وبالمدينة أحد وورقان ورضوى (ومقعده في النار ما بينه وبين الربذة) قد عرفت تقديره مما قبله (حم ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير ربعي بن إبراهيم وهو ثقة الحديث: 5214 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 5215 - (ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده سبعون ذراعا بذراع الجبار) أراد به هنا مزيد الطول أو أن الجبار اسم ملك من اليمن أو العجم كان طويل الذراع (1) وقال الذهبي: ليس ذا من الصفات في شيء وهو مثل قولك ذراع الخياط وذراع النجار وقال العارف ابن عربي: هذه إضافة تشريف مقدار جعله الله تعالى إضافة إليه كما تقول هذا الشيء كذا ذراعا بذراع الملك تريد الذراع الأكبر الذي جعله الملك وإن كان ذراع الملك الذي هو الجارحة كأذرعنا والذراع الذي جعله يزيد على ذراع الجارحة فليس ذراعه حقيقة وإنما هو مقدار نصيبه ثم أضيف فاعله (1) والجبار في اللسان الملك العظيم وكذا القدم يضع الجبار فيها قدمه أصل القدم الجارحة ويقال لفلان في هذا قدم أي ثبوت وقد يكون الجبار ملكا وهذه القدم لذلك الملك ومثل هذه الأخبار كثيرة منها صحيح وسقيم وما منها خبر إلا وله وجه من وجوه التنزيه وإن أردت أن يقرب عليك ذلك فاعمد إلى اللفظة الموهمة للتشبيه وخذ فائدتها أو روحها أو ما تكون عنها فاجعله في حق الحق تفز بدرجة التنزيه كما حاز غيرك درك التشبيه هكذا فافعل وطهر ثوبك وقلبك فيكفي هذا القدر والسلام. (3) (البزار) في مسنده (عن ثوبان) قال الهيثمي: فيه عباد بن منصور وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات   (1) [قوله " أو أن الجبار اسم ملك من اليمن أو العجم ": لا يخفى ما في هذا المعنى من التكلف. دار الحديث] (2) [ولتسهيل فهم ذلك فليتأمل في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام " وروح منه " وقوله تعالى " وادخلي جنتى " حيث أن إضافة " الروح " و " الجنة " إلى الله عز وجل هي إضافة تشريف لا تبعيض. وذلك بديهي يفهمه العالم والجاهل وإنما ذكر لسهولته ولتقريب المعنى إلى الأفهام بخصوص ما هو أدق منه في المعنى مثل " ذراع الجبار " المذكور في هذا الحديث. دار الحديث] (3) وانظر كلام الشيخ محمود الرنكوسي في الكناية في التعليق على شرح الحديث 5207. دار الحديث] الحديث: 5215 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 5216 - (ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي) أي أسرع تذكرا فيما يريد إنشاءه من العبارات والمقاصد وذلك لأن القلم أحد اللسانين المعبرين عما في القلب وكل منهما يسمع ما يريد القلب ومحل الاستماع الآذان فاللسان موضوع على محل الاستماع والقلم منفصل عنه فيحتاج لتقريبه من محل الاستماع. قال عياض: وفي هذا الخبر وشبهه دلالة على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها وأخذ الباجي من قضية الحديث أنه كتب بعد أن لم يكن يحسن الكتابة ورمي بالزندقة لذلك أي لمخالفته للقرآن وانتصر له بأنه لا ينافيه بل يقتضيه لتقييده النفي بما قبل ورود القرآن وبعد ما تحققت أمنيته وتقررت معجزته لا مانع من كتابة بلا تعليم وتكون معجزة أخرى وبأن ابن أبي شيبة روى عن عون: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ (ت) في الاستئذان عن قتيبة عن عبد الله بن الحرث عن عنبسة عن محمد بن زاذان عن أم سعد (عن زيد بن ثابت) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب فسمعته يقول ضع إلخ ثم قال: إسناده ضعيف وعنبسة ومحمد ضعيفان اه. وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر بأنه ورد من طريق أخرى لابن عساكر ووروده بسندين مختلفين يخرجه عن الوضع   [ (" للمملي ": أي للذي يملي الكلام على من يكتبه. ولفهم هذا الحديث يلزم استحضار طريقة الإملاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأدواتها حيث كانت الكتابة أبطأ من الإملاء بمقدار أكثر مما يتبادر إلى ذهننا وذلك لاستعمالهم الجلد والعظم والحجر وأمثالها ولعدم توفر الأقلام السهلة الاستعمال كتلك المعروفة في عصرنا وكذلك يلزم استحضار قوة ذاكرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وخصوصا الكتاب منهم وطول الأحاديث التي كانوا يستطيعون حفظها ولو من دور واحد والتي بلغنا منها الكثير. من ذلك كله ومن هذا الحديث يتضح أن الإملاء المذكور هنا ليس كالإملاء المعهود لنا بأن يحاول الكاتب أن يكتب في نفس الوقت الذي يجري فيه الإملاء بل يستمع مدة غير قصيرة كما تبين أعلاه ثم يتوقف المملي ويكتب الكاتب. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الكاتب وضع القلم على أذنه لأنه أذكر للمملي حيث يستطيع جمع أفكاره حول ما هو بصدد صياغته من الكلام دون أن يتوهم أن الكاتب قد يبدأ بالكتابة وأن عليه هو التوقف عن الإملاء مما " يقطع سلسلة أفكاره " بتعبيرنا ومع أن هذا الحديث قد لا يوجد فيه من الأحكام المهمة ما يوجد في غيره غير أنه شرح باستيفاء تشجيعا للقارئ على مداومة استحضار ظروف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أثناء محاولته فهم الحديث: فنحن إذ لم يكتب لنا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدار صار حكمنا كفاقد الماء الذي شأنه التيمم. وأقرب شيء إلى رؤيته في هذه الدار وإن كان لا يقوم مقامها هو استحضار وتصور أخلاقه وصفاته وعامة ظروفه ما استطعنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وخلو الحديث من الأحكام لا ينقص من معنى الاستحضار هذا بل قد يزيد فيه إذ يريح الفكر برهة قصيرة عن قيود انشغاله بالمسائل فيصير وكأنه ينظر بسكينة عبر الزمان إلى لمحات عادية من حياة هذا النبي الكريم. وفي شرح الحديث 3256 قريب من ذلك: تحفة الصائم الزائر أن تغلف لحيته وتجمر ثيابه ويذرر وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تمشط رأسها وتجمر ثيابها وتذرر. دار الحديث] الحديث: 5216 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 5217 - (ضع أنفك ليسجد معك) وجوبا عند الحبر ابن عباس وجمع وندبا عند ابن عمر وآخرين لأن المأمور بالسجود [ص: 256] وجوبا عليه تلك الأعظم السبعة فلو وجب السجود عليه لكانت ثمانية قال ابن حزم: والخلاف في الأنف إنما هو في الجواز لا الصحة فلو ترك السجود على أنفه قادرا فلا خلاف بين سلف الأئمة وخلفهم أنه لا إعادة عليه وإن أساء وأخطأ بتركه (هق عن ابن عباس) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يسجد على جبهته فذكره رمز المصنف لحسنه قال في العلل: وأصح منه خبر عكرمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تجزى صلاة لا يمس الأنف من الأرض ما يمس الجبين الحديث: 5217 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 5218 - (ضع أصبعك السبابة على ضرسك) الذي يؤلمك (ثم اقرأ آخر يس) {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلا} إلى آخر السورة قاله لرجل يشتكي ضرسه ويظهر أن غيره من الأسنان كذلك (فر عن ابن عباس) الحديث: 5218 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 5219 - (ضع بصرك موضع سجودك) أي انظر إلى محل سجودك ما دمت في الصلاة وفيه أنه يندب إدامة النظر في جميع صلاته لأن ذلك أقرب إلى الخشوع وموضع سجوده أقرب وأسهل تمامه كما في الفردوس قال أنس: قلت يا رسول الله هذا شديد لا أطيقه قال: ففي المكتوبة إذن يا أنس (فر عن أنس) وفيه الربيع بن بدر ضعفوه وعنطوانة قال الذهبي في الضعفاء: لا يعرف وحديثه منكر ورواه عنه أبو نعيم أيضا ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 5219 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 5220 - (ضع يدك) يا عثمان بن أبي العاص الثقفي الذي شكا إلينا وجعا في جسده وهذا الأمر على جهة التعليم والإرشاد إلى ما ينفع من وضع يد الراقي على المريض ومسحه بها ولا ينبغي للراقي العدول عنه للمسح بحديد وملح ولا بغيره فإنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ففعله تمويه لا أصل له (على الذي تألم من جسدك) أي بدنك قال ابن الكمال: والألم إدراك المنافي من حيث إنه منافي ومقابل الشيء هو مقابل ما يلائمه وفائدة قيد الحيثية الاحتراز عن إدراك المنافي لا من حيث منافاته فإنه ليس بألم (وقل بسم الله) والأكمل إكمال البسملة (ثلاثا) من المرات (وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) هذا العلاج من الطب الإلهي لما فيه من ذكر الله والتفويض إليه والاستعاذة بعزته وتكراره يكون أنجع وأبلغ كتكرار الدواء الطبيعي لاستقصاء إخراج المادة وفي السبع خاصية لا توجد لغيرها (حم م هـ عن عثمان بن أبي العاص الثقفي) قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعا في جسدي منذ أسلمت فذكره وظاهر صنيع المصنف أن ذينك تفردا بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رووه إلا البخاري كلهم في الطب إلا النسائي في اليوم والليلة الحديث: 5220 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 5221 - (ضع يمينك على المكان الذي تشتكي فامسح بها سبع مرات وقل أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد) من الوجع تقول ذلك (في كل مسحة) من المسحات السبع وفيه كالذي قبله ندب وضع اليد على محل الألم والذكر المذكور (طب ك) في الجنائز (عنه) قال الحاكم: رواه مسلم بنحو منه من حديث يزيد بن الشخير عن عثمان الحديث: 5221 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 5222 - (ضع السوط حيث يراه الخادم) من البيت فإنه أبعث على الأدب والقصد به أن الإنسان لا يترك خدمه هملا بل [ص: 257] يؤدبهم (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز لحسنه   (1) [ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أحدا بيده الشريفة. وقال في الحديث 1194: اعلم يا أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. وفي زيادة الجامع الصغير: لقد طاف الليلة بآل محمد نساء كثير كلهن تشكو زوجها من الضرب. وأيم الله لا تجدون أولئكم خياركم. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في المستدرك عن إياس الدوسي. وفي الحديث 1093: اضربوهن ولا يضرب إلا شراركم فينبه أن الضرب لا يلجأ إليه في كل حال وأنه يكون على مقدار الذنب لا على مقدار الغضب. وقيل فيه: تكفي اللبيب إشارة مرموزة. . . والبعض يفهم بالنداء العالي والبعض بالزجر دون العصا. . . والعصا رابع الأحوال دار الحديث] الحديث: 5222 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 5223 - (ضعي) يا أم بجيد (في يد المسكين) المراد به ما يشمل الفقير (ولو ظلفا محرقا) قال القاضي: هذا وما أشبهه إنما يفصد به المبالغة في رد السائل بأدنى ما تيسر ولم يقصد به صدور هذا الفعل من المسؤول فإن الظلف المحرق غير منتفع به (حم طب عن أم بجيد) بضم الباء قالت: يا رسول الله يأتيني السائل فأتزاهد له بعض ما عندي فقال ذلك الحديث: 5223 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 5224 - (ضعي يدك) يا أسماء بنت أبي بكر الذي خرج في عنقها خراج (عليه ثم قولي ثلاث مرات بسم الله اللهم أذهب عني شر ما أجد بدعوات نبيك الطيب المبارك المسكين عندك بسم الله) <تنبيه> قال بعض العارفين: انقسام أثر الحكمة إلى الخير والشر والصحة والسقم حجاب من حجب الله تعالى كما أن انقسام قوامها إلى العلم والجهل والنور والظلمة غاية مدد حجبه (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق وابن عساكر) في التاريخ (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قال المصنف: كان بها خراج فشكته إليه فذكره الحديث: 5224 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 5225 - (ضعي يدك اليمنى على فؤادك) في رواية فامسحيه (وقولي) حال مسحه (بسم الله اللهم داوني بدوائك واشفني بشفائك وأغنني بفضلك عمن سواك واحذر) ضبطها بذال معجمة بخط الشارح وليس بصواب فقد وقفت على خط المصنف في مسودته فوجدته أحدر بدال مهملة (عني آذاك) قاله لغيري بفتح الراء فعلى من الغيرة وهي الحمية والأنفة (طب عن ميمونة بنت أبي عسيب) وقيل: بنت أبي عنبسة قالت: قالت امرأة يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تسكنني بها فذكرته. قال المصنف: كانت غيرا الحديث: 5225 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 5226 - (ضمن (1) الله خلقه أربعا: الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة. وهن السرائر التي قال الله تعالى {يوم تبلى السرائر} ) وذلك أن الله لما علم من عبده الملل وتوالي التواني والكسل لون له الطاعات ليدوم له بها تعمير الأوقات فجعلها أبوابا مشتملة على أجناس شتى (هب عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي   (1) [" ضمن " بتشديد الميم: جعلهم ضامنين. دار الحديث] الحديث: 5226 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الضاد] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 5227 - (الضالة واللقطة (1)) أي الملقوطة (تجدها) أي التي تجدها (فانشدها) (2) وجوبا (ولا تكتم ولا تغيب) أي تسترها عن [ص: 258] العيون (فإن وجدت ربها) أي مالكها (فأدها) إليه (3) (وإلا) بأن لم تجده (فإنما هو مال الله يؤتيه لمن يشاء) فإن شئت فاحفظها وإن شئت فتملكها بعد التعريف المعتبر (4) (طب عن الجارود) صحابي جليل اسمه بشر وفي اسم أبيه خلف   (1) هي ما ضل من البهيمة للذكر والأنثى وفي العلقمي هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره والمراد بها في الحديث الإبل والبقر مما يحمي نفسه ويقدر على طلب الإبعاد في المرعى والماء بخلاف الغنم (2) " فنشدها ": أي ابحث عن صاحبها (3) مع زوائدها المتصلة والمنفصلة قبل أن تتملكها أو بعد تملكها فأدها إليه دون زوائدها المنفصلة الحادثة بعد تملكها فإن تلفت بعد تملكها وجب رد بدلها (4) [لذلك شروط ومدة تراجع في كتب الفقه. دار الحديث] الحديث: 5227 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 5228 - (الضب) حيوان بري يشبه الورل (1) قيل: يعيش سبع مئة سنة ولا يشرب (لست آكله) لكوني أعافه وليس كل حلال تطيب النفس له (ولا أحرمه) مضارعان وفي رواية بجعلهما اسمين قال ابن الأثير: وهي أولى لأن الاسمية في هذا المقام أرفع من الفعلية لأنه مع الاسمية يفيد أنه غير متصف بأكله وأن غيره هو الذي يأكله ولأنه مع الاسمية يعمم الأزمنة ومع الفعلية يختص بالاستقبال ومذهب الأئمة الثلاثة حل أكله وكرهه الحنفية قال النووي: أجمع المسلمون على أنه حلال غير مكروه إلا ما حكى عن الحنفية من كراهته وإلا ما حكاه عياض عن قوم من تحريمه ولا أظنه يصح عن أحد فإن صح فمحجوج بالنص وإجماع من قبله (حم ق) في الذبائح (ت) في الأطعمة (ن هـ) في الصيد (عن ابن عمر) بن الخطاب   (1) محركة دابة كالضب أو العظيم من أشكال الوزغ طويل الذنب صغير الرأس لحمه حار جدا يسمن بقوة وزبله يجلو الوضح وشحمه يعظم الذكر ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل أسنانه قطعة واحدة وأكل لحمه يذهب العطش الحديث: 5228 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 5229 - (الضبع) بضم الباء وسكونها (صيد وفيه) لفظ رواية الدارقطني وفيها (كبش) إذا صاده المحرم ويحل أكله عند الشافعية لا الحنفية وكرهه مالك قال ابن العربي: وعجبا لمن يحرم الثعلب وهي تفترس الدجاج ويبيح الضبع وهو يفترس الآدمي ويأكله اه. ومع كونه لا يؤكل عند الحنفية يضمنه المحرم بالجزاء عندهم (قط هق عن ابن عباس) وتعقبه الغرياني في مختصر الدارقطني بأن فيه يحيى بن المتوكل ضعفوه ظاهر كلامه أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو عجب فقد خرجه الأربعة جميعا: أبو داود والترمذي في الأطعمة والنسائي وابن ماجه في الحج كلهم عن جابر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم حسنه الترمذي الحديث: 5229 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 5230 - (الضبع صيد فكلها وفيها كبش مسن إذا أصابها المحرم) فيه حل أكل الضبع ولا يناقضه خبر الترمذي وابن ماجه أنه سئل: أتؤكل الضبع فقال: أو يأكل الضبع أحد لأنه منقطع وفي روائه من لا يحتج به لضعفه كما بينه أحمد فلا يقاوم هذا الصحيح (هق عن جابر) ورواه عنه الشافعي والترمذي وابن ماجه وصححه البغوي وغيره الحديث: 5230 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 5231 - (الضحك في المسجد ظلمة في القبر) فإنه يميت القلب وينسي ذكر الموت ومن ذلك تنشأ الظلمات ولا ينكشف ذلك لإنسان ويستبين غاية البيان إلا في أول منازل الآخرة والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا لكن المخاطب بذلك إنما هو أمثالنا من أهل اللهو واللعب أما أهل الله فضحكهم ينور القلب قال ابن عربي: خدمت فاطمة بنت المثنى القرطبي وقد بلغت من العمر نحو مئة فكانت تفرح وتضحك وتضرب بالدف وتقول عجبت لمن يقول أنه يحب الله ولا [ص: 259] يفرح به وهو مشهوده عينه إليه ناظرة في كل عين لا يغيب عنه طرفة عين فهؤلاء البكاءون كيف يدعون محبته ويبكون أما يستحيون إذا كان قربه مضاعفا من قرب المتقربين إليه والمحب أعظم الناس قربا إليه فهو مشهوده فعلى من يبكي إن هذه لأعجوبة (فر عن أنس) ورواه عنه أيضا الميداني والجرجاني الحديث: 5231 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 5232 - (الضحك ضحكان ضحك يحبه الله وضحك يمقته الله فأما الضحك الذي يحبه الله فالرجل يكشر) أي يكشف عن سنه ويبتسم (في وجه أخيه) في الإسلام حتى تبدو أسنانه بفعل ذلك (حداثة عهد به وشوقا إلى رؤيته وأما الضحك الذي يمقت الله تعالى عليه فالرجل يتكلم بالكلمة الجفاء والباطل) عطف تفسير (ليضحك أو يضحك) بمثناة تحتية فيهما تفتح في الأول وتضم في الثاني بضبط المصنف (يهوي) أي يسقط (بها في جهنم سبعين خريفا) أي سنة سميت باسم الجزء إذ الخريف أحد فصول السنة وفيه تجنى الثمار وهذا القسم من الضحك مذموم منهي عنه والقسم الأول مندوب وهو لغيرهما مباح ما لم يكثر منه وإلا كسره قال النووي: قال العلماء يكره إكثار الضحك وهو في أهل الرتب والعلم أقبح ومن آفات كثرته موت القلب أي قسوته وظلمته (هناد عن الحسن مرسلا) هو البصري الحديث: 5232 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 5233 - (الضحك ينقض الصلاة) (1) إن ظهر به حرفان أو حرف مفهم عند الشافعية (ولا ينقض الوضوء) وإن كان بقهقهة كما اقتضاه الإطلاق وعليه الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: إن قهقه انتقض (قط) من حديث أبي شيبة عن يزيد بن أبي خالد عن أبي سفيان (عن جابر) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يضحك في الصلاة فذكره ثم تعقبه مخرجه البيهقي بقوله خالفه إسحاق بن بهلول عن أبيه في لفظه فقال: الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء وعن عطاء عن جابر قال: كان لا يرى على الذي يضحك في الصلاة وضوءا قال: والصحيح وقفه على جابر اه. هذا من أحاديث الأحكام وضعفه شديد فسكوت المصنف عليه غير سديد قال الحافظ الذهبي في التنقيح: أبو شيبة واه ويزيد ضعيف اه وقال الحافظ ابن حجر عن النيسابوري: حديث منكر وخطأ الدارقطني رفعه ونقل ابن عدي وابن الجوزي عن أحمد أنه ليس في الضحك حديث صحيح وقال الذهبي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك خبر وقد استوفى البيهقي الكلام عليه في الخلافيات وجمع فيه الخليلي جزءا مفردا   (1) قال في الفتح: قال أهل اللغة التبسم مبادئ الضحك والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فالضحك وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ الحديث: 5233 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 5234 - (الضرار) أي المضاررة (في الوصية من الكبائر) في الفردوس: الضرار إدخال الضرر على الشيء والنقص فيه ومعناه أن الموصي إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله فقد ضار الورثة ونقص حقهم (1) ويجوز أن يكون ضار نفسه بتجاوز الحد المندوب إليه ومخالفته قول الشارع (ابن جرير) الإمام المجتهد (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن الحافظ (في التفسير) [ص: 260] للقرآن (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي   (1) أو قصد حرمان الورثة دون التقرب إلى الله أو أقر بدين لا أصل له واستدل به من قال بحرمة الوصية بما زاد على الثلث الحديث: 5234 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 5235 - (الضمة في القبر كفارة لكل مؤمن لكل ذنب بقي عليه لم يغفر له) ظاهره يشمل حتى الكبائر وليس في القبر عذاب إلا الضمة وهذا يعارض خبر أكثر عذاب القبر من البول وعامة عذاب القبر من البول وقد يقال (الرافعي في تاريخه) إمام الدين القزويني (عن معاذ) بن جبل الحديث: 5235 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 5236 - (الضيافة ثلاثة أيام) يعني إذا نزل به ضيف فحقه أن يضيفه ثلاثة أيام بلياليها يتحفه في الأول ويقدم له في الأخيرين ما حضر (فما كان وراء ذلك) أي فإذا مضت الثلاثة فقد قضى حقه فإن زاد عليها فما يقدمه له (فهو صدقة) عليه لا يقال قضية جعله ما زاد على الثلاثة صدقة أن ما قبلها واجب لأنا نقول إنما سماه صدقة للتنفير عنه إذ كثير من الناس سيما الأغنياء يأنفون من أكل الصدقة (خ عن أبي شريح حم د عن أبي هريرة) الحديث: 5236 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 5237 - (الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة) فيه عموم يشمل الغني والفقير والمسلم والكافر والبر والفاجر وأما خبر لا يأكل طعامك إلا تقي فالمراد غير الضيافة مما هو أعلى في الإكرام من مؤاكلتك معه وإتحافك إياه بالظرف واللطف وإذا كان الكافر يرعى حق جواره فالمسلم الفاسق أولى بالرعاية (حم ع عن أبي سعيد) الخدري (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه رشد بن كريب وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد ذكره الحافظ العراقي باللفظ المذكور وقال: إنه متفق عليه من حديث أبي شريح الخزاعي الحديث: 5237 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 5238 - (الضيافة ثلاثة أيام) بما حضر من الطعام وجرت به عادة بغير كلفة ولا إضرار بممونه إلا إن رضوا وهم بالغون عاقلون (فما زاد) عليها (فهو صدقة) إن شاء فعل وإن شاء ترك (وكل معروف صدقة) أي يثاب عليه ثواب الصدقة أما لو لم يجد فاضلا عن ممونه فلا ضيافة عليه بل ليس له ذلك وأما خبر الأنصاري المشهور الذي أثنى الله ورسوله عليه وعلى امرأته بإيثارهما الضيف على أنفسهما وصبيانهما حيث نومتهم أمهم بأمره حتى أكل الضيف فأجيب عما اقتضاه ظاهره من تقديمها ما يحتاجه الصبيان بأن الضيافة لتأكدها والاختلاف في وجوبها مقدمة وبأن الصبيان لم تشتد حاجتهم للأكل وإنما خافا أن الطعام لو قدم للضيف وهم مستيقظون لم يصبروا على الأكل منه وإن لم يكونوا جياعا (البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 5238 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 5239 - (الضيافة ثلاث ليال حق لازم) أي الواجب (فما سوى ذلك فهو صدقة) قال الزمخشري: معناه أنه يحتفل له في اليوم الأول ويقدم له ما حضر في الثاني والثالث وهو فيما وراء ذلك متبرع إن فعل فحسن وإلا فلا بأس اه. وأخذ بظاهره [ص: 261] أحمد فأوجبها وحمله الجمهور على أن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ أو أن الكلام في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة المارة أو في المضطرين أو مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الزكاة من جهة الإمام فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم. قال الخطابي: وهذا كان في ذلك الزمن حيث لم يكن بيت مال فأما الآن فأرزاق العمال من بيت المال (الباوردي (1) وابن قانع طب والضياء عن الثلب) بفتح المثلثة وسكون اللام (بن ثعلبة) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه وقال المنذري: في إسناده نظر   (1) بفتح الموحدة وسكون الراء ودال مهملة نسبة إلى أبيور بلد بناحية خراسان وهو أبو محمد عبد الله بن محمد الحديث: 5239 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 5240 - (الضيافة ثلاثة أيام) أي غير الأول وقيل به (فما زاد فهو صدقة وعلى الضيف أن يتحول بعد ثلاثة أيام) لئلا يضيق عليه بإقامته فتكون الصدقة على وجه المن والأذى قال في المطامح: جعله ذلك حقا واجبا معروفا ومنع من إطالة المقام عنده حتى لا يحرجه إلا أن يكون عن طيب قلب وتراض (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب قرى الضيف عن أبي هريرة الحديث: 5240 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 5241 - (الضيافة ثلاثة أيام فما كان فوق ذلك فهو معروف) فيه وفيما قبله أن الضيافة ثلاث مراتب حق واجب أي لا بد منه في اتباع السنة وتمام مستحب دون ذلك وصدقة كسائر الصدقات فالحق يوم وليلة والمستحب ثلاثة أيام (طب عن طارق بن أشيم) الأشجعي والد أبي مالك سعد يعد في الكوفيين قال الهيثمي: فيه من أعرفهم ورواه البزار عن ابن مسعود بلفظ الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة وكل معروف صدقة قال المنذري: رواته ثقات الحديث: 5241 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 5242 - (الضيافة على أهل الوبر) سكان الخيام والبوادي لأن بيوتهم يتخذونها من وبر الإبل (وليست على أهل المدر) سكان القرى والمدر جمع مدرة وهي اللبنة وبه أخذ مالك لتعذر ما يحتاجه المسافر في البادية وتيسر الضيافة على أهلها بخلاف أهل القرى والمدن لتعدد مواضع النزول وبيع الأطعمة ومذهب الشافعي أن المخاطب بها أهل البادية والحضر على السواء (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال عبد الحق: فيه إبراهيم بن عبيد الله بن أخي عبد الرزاق حدث بالمناكير اه. وفي الميزان: قال الدارقطني: كذاب ومن مصائبه أحاديث هذا منها ثم قال: ففيه أشياء من وضع هذا المدبر وقال ابن حبان: يروي عن عبد الرزاق مقلوبات كثيرة لا يجوز الاحتجاج بها ومن ثم قال القاضي حسين: إنه موضوع فمن شنع عليه فكأنه لم يقف على ما رأيت الحديث: 5242 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 5243 - (الضيف) قال القاضي: سمي ضيفا لأنه مائل إلى ما نزل عليه والضيف الميل يقال ضاف السهم عن الهدف إذا مال عنه (يأتي برزقه معه) بمعنى حصول البركة عن المضيف (ويرتحل بذنوب القوم) الذين أضافوه (يمحص عنهم ذنوبهم) أي بسببه يمحص الله عنهم ذنوبهم قد تضمن هذا أو السبعة قبله الحث على الضيافة وتأكد شأنها وبيان عظيم مكانها من الإسلام لما فيها من عظيم الفوائد كالألفة والاجتماع وعدم التفرق والانقطاع إذ الناس إذا أكرم بعضهم بعضا ائتلفت قلوبهم واتفقت كلمتهم وقويت شوكة الدين واندحضت جهالات الكفار والملحدين وغالب الناس إما ضيف [ص: 262] أو مضيف فإذا أكرم بعضهم بعضا حصل الصلاح والائتلاف وإذا أهان بعضهم بعضا وجد الافتتان والخلاف (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي الدرداء) قال السخاوي: سنده ضعيف وله شاهد الحديث: 5243 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 حرف الطاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 5244 - (طائر كل إنسان) أي عمله يعني كتاب عمله يحمله (في عنقه) فسمي عمل الإنسان الذي يعاقب عليه طائرا وخص العنق لأن اللزوم فيه أشد قال في الفردوس: طائر الإنسان ما كتبه الله من خير وشر فهو حظه الذي يلزم عنقه لا يفارقه من قولك طيرت المال بين القوم فطار لفلان كذا أي قرر له فصار له (ابن جرير) الإمام المجتهد (عن جابر) ورواه أحمد والديلمي وفيه ابن لهيعة الحديث: 5244 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 5245 - (طاعة الله طاعة الوالد) أي والوالدة وكأنه اكتفى به عنها من باب {سرابيل تقيكم الحر} (ومعصية الله معصية الوالد) والوالدة والكلام في أصل لم يكن في رضاه أو سخطه ما يخالف الشرع وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولو أمر بطلاق زوجته قال جمع: امتثل لخبر الترمذي عن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني بطلاقها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: طلقها قال ابن العربي في شرحه: صح وثبت وأول من أمر ابنه بطلاق امرأته الخليل وكفى به أسوة وقدوة ومن بر الابن بأبيه أن يكره من كرهه وإن كان له محبا بيد أن ذلك إذا كان الأب من أهل الدين والصلاح يحب في الله ويبغض فيه ولم يكن ذا هوى قال: فإن لم يكن كذلك استحب له فراقها لإرضائه ولم يجب عليه كما يجب في الحالة الأولى فإن طاعة الأب في الحق من طاعة الله وبره من بره (طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه عنه شيخه أحمد بن إبراهيم بن هبة الله بن كيسان وهو لين عن إسماعيل بن عمرو البجيلي وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أبو حاتم وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 5245 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 5246 - (طاعة الإمام) الأعظم (حق على المرء المسلم) وإن جار (ما لم يأمر بمعصية الله فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وخص المسلم لأنه الأحق بالتزام هذا الحق وإلا فكل ملتزم للأحكام كذلك وفيه أن الإمام إذا أمر بمندوب يجب طاعته فيه فيصير المندوب واجبا كما إذا أمرهم بثلاثة أيام في الاستسقاء فإنه يلزمهم الصوم ظاهرا وباطنا بل ذكر بعض الشافعية أنه إذا أمر بصدقة أو عتق يجب (هب عن أبي هريرة) الحديث: 5246 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 5247 - (طاعة النساء) في كل ما هو من وظائف الرجال كالأمور المهمة (ندامة) أي غم لازم لما يترتب عليها من سوء الآثار وقيل: من أطاع عرسه لم يرفع نفسه وقال الحكماء: من أراد أن يقوى على طلب الحكمة فليكف عن تمليك النساء نفسه لا ضرر أضر من الجهل ولا شر أشر من النساء قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة في صلح الحديبية انتهى. واستدرك عليه ابنة شعيب في أمر موسى فالحديث غالبي (عق) عن المطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح عن عمرو بن هاشم عن محمد بن سليمان بن أبي كريمة هن هشام عن عروة عن عائشة [ص: 263] ثم قال مخرجه العقيلي: محمد بن سليمان حدث عن هشام ببواطيل لا أصل لها منها هذا الخبر وقال ابن عدي: ما حدث بهذا الحديث عن هشام إلا ضعيف انتهى. ومن ثم قال ابن الجوزي: موضوع (والقضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في تاريخه وكذا ابن لال والديلمي كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه (عن عائشة) وفي الميزان: فيه محمد بن سليمان ضعفه أبو حاتم الحديث: 5247 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 5248 - (طاعة المرأة ندامة) لنقصان عقلها ودينها والناقص لا ينبغي طاعته إلا فيما أمنت عائلته وهان أمره فإن أكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء. ولهذا قال عمر فيما رواه العسكري: خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة (1) وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر شاوروهن وخالفوهن فلا أصل له (عد) من حديث عثمان بن عبد الرحمن الطوائفي عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن أم سعيد ابنة زيد بن ثابت (عن زيد بن ثابت) قال ابن عدي: وعثمان وعنبسة ليسا بشيء وعثمان لا يحتج به وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا وهو ما أخرجه العسكري في الأمثال عن عمر قال: خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة   (1) [وقول عمر رضي الله عنه هو في كل ما هو من وظائف الرجال كالأمور المهمة كما مر في شرح الحديث 5247. ولا يؤخذ منه مخالفتهن على إطلاقها فذلك خلاف العقل والحكمة وإنما يفهم منه عدم التحرز من مخالفتهن إذا رأى الرجل خطأهن فإن في مخالفتهن حينئذ البركة. ومرد ذلك شدة ضعف الرجال من قبيل النساء وسهولة ذهاب لب العاقل بسببهن فنبهوا في هذا الحديث وأمثاله إلى ذلك الضعف كما نبهوا مثلا في القرآن وفي أحاديث أخرى إلى فتنة المال والبنين أما موافقتهن في أمور الخير ومشاورة المرأة الصالحة فلا ندامة في أمثالها. دار الحديث] الحديث: 5248 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 5249 - (طالب العلم تبسط له الملائكة) أي الكرام الكاتبين أو أعم (أجنحتها رضا بما يطلب) يعني إنما تنظر إليه بعين البهاء والجلال فتستشعر في أنفسها تعظيمه وتوقيره وجعل وضع الجناح مثلا لذلك يعني أنها تفعل له نحو مما يفعل مع الأنبياء ولأن العلماء ورثنهم ذكره الحليمي (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه الطيالسي والبزار والديلمي الحديث: 5249 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 5250 - (طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات) أي هو بمنزلته بينهم فإنهم لا يفهمون ولا يعقلون كالأموات {إن هم إلا كالأنعام} (العسكري) علي بن سعيد (في الصحابة وأبو موسى في الذيل) كلاهما من طريق أبي عاصم الحبيطي (عن حسان بن أبي سنان) بمهملة ثم نون مخففة (مرسلا) وهو البصري أحد زهاد التابعين مشهور ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يروي الحكايات ولا أعرف له حديثا مسندا. قال في الإصابة: قلت أدركه جعفر بن سليمان الضبعي وهو من صغار أتباع التابعين الحديث: 5250 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 5251 - (طالب العلم أفضل عند الله من المجاهد في سبيل الله) لأن المجاهد يقاتل قوما مخصوصين في قطر مخصوص والعالم حجة الله على المنازع والمعارض في سائر الأقطار وبيده سلاح العالم يقاتل به كل معارض ويدفع به كل محارب وذلك هو الجهاد الأكبر وعدة العلم تغني عن محاربة المنازع وسلاح العلم يخمد المحارب ويكبت المعاند (1) (فر عن أنس) بن مالك   (1) [ولأن السلاح وسيلة إلى قمع العدو لا غير أما العلم فوسيلة إلى إقناعه ونفعه. دار الحديث] الحديث: 5251 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 5252 - (طالب العلم لله) عز وجل هكذا هو في رواية الديلمي وكأنه سقط من قلم المصنف سهوا (كالغادي والرائح في سبيل الله عز وجل) أي في قتال أعدائه بقصد إعلاء كلمته فهو يساويه في الفضل ويزيد عليه لما تقرر فيما قبله (فر عن عمار) بن ياسر (وأنس) بن مالك ورواه عنهما أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه إلى الأصل لكان أولى الحديث: 5252 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 5253 - (طالب العلم طالب الرحمة طالب العلم ركن الإسلام ويعطى أجره) على طلبه (مع النبيين) لأنه وارثهم وخليفتهم [ص: 264] فيكون ثوابه من جنس ثوابهم وإن اختلف المقدار والمراد العلم بالله وصفاته ومعرفة ما يجب له وما يستحيل عليه وذلك أشرف العلوم فإن العلم يشرف بشرف معلومه. (1) (فر عن أنس) ورواه عنه الميداني أيضا   (1) [ومثله: العلم بالحلال والحرام وتعليمه إذ هو ما بعث به المرسلون. دار الحديث] الحديث: 5253 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 5254 - (طبقات أمتي خمس طبقات كل طبقة منها أربعون سنة فطبقتي وطبقة أصحابي أهل العلم والإيمان) أي هم أرباب القلوب وأصحاب المكاشفات والمشاهدات لأن العلم بالشيء لا يقع إلا بعد كشف المعلوم وظهوره للقلب كما أن الرؤية للبصر لا تقع إلا بعد ارتفاع الموانع والسواتر بينه وبين المرئي واليقين شهود الفوائد للشيء المعلوم فقد يكون العلم بالشيء وتقع فيه الشكوك إذا بعد عن شهود القلب كبعد المرئي عن البصر وذلك ليس بعلم حقيقي ولا مرئي فالعلم صفة للقلب السليم والسليم هو الذي ليس له إلى الخلق نظر ولا للشيء عنده خطر ولا للدنيا فيه أثر (والذين يلونهم إلى الثمانين أهل البر والتقوى) أي هم أرباب النفوس والمكابدات فالبر صدق المعاملة لله والتقوى حسن المجاهدة لله فكأنه وصفهم بأنهم أصحاب المجاهدات قد سخوا بالنفوس فبذلوها وأتعبوها بالخدمة لكن لم يبلغوا درجة الأولين في مشاهدات القلوب (والذين يلونهم إلى العشرين ومئة أهل التراحم والتواصل) تكرموا بالدنيا فبذلوها للخلق ولم يبلغوا الدرجة الثانية في بذل النفوس (والذين يلونهم إلى الستين ومئة أهل التقاطع والتدابر) أي هم أهل تنازع وتجاذب فأداهم ذلك إلى أن صاروا أهل تقاطع وتدابر (والذين يلونهم إلى المائتين أهل الهرج والحروب) أي يقتل بعضهم بعضا ويتهارجون ضنا بالدنيا والولد حينئذ ينفر من أبيه ولا يعاطفه بل يقاتله فتربية جرو يحرسك خير من تربية ولد ينهشك والحاصل أنه وصف طبقته بأنهم أرباب القلوب والمكاشفات والثانية بأنهم المجاهدون لنفوسهم والثالثة بأنهم أهل بذل وسخاء وشفقة ووفاء والرابعة بأنهم أهل تجاذب ومنازع والخامسة بأنهم أهل شر وحرب (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) كلام المصنف كالصريح في أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة عادلا عنه وهو عجيب فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور وعزاه له الديلمي وغيره ورواه أيضا العقيلي وغيره كلهم بأسانيد واهية فقد أورد الحافظ ابن حجر في عشارياته: حديث أنس هذا من طريقين وقال: حديث ضعيف فيه عباد ويزيد الرقاشي ضعيفان وله شواهد كلها ضعاف منها أن علي بن حجر رواه عن إبراهيم بن مظهر الفهري وليس بعمدة عن أبي المليح بن أسامة الهذلي عن أبيه ومنها ما رواه يحيى بن عتبة القرشي وهو تالف عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس بنحوه قال: وإنما أوردته لأن له متابعا ولكونه من إحدى السنن الحديث: 5254 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5255 - (طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة) في أمالي ابن عبد السلام إن أريد به الإخبار عن الواقع فمشكل إذا طعام الاثنين لا يكفي إلا هما والجواب أنه خبر بمعنى الأمر أي أطعموا طعام الاثنين للثلاث أو هو تنبيه على أنه يقوت الأربعة وأخبرنا بذلك لئلا نجزع أو معناه طعام الاثنين إذا أكلا متفرقين كاف لثلاثة اجتمعوا وقال المهلب: المراد من هذه الأحاديث الحث على المكارمة والتقنع بالكفاية وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية بل المواساة (مالك ق ت) في الأطعمة (عن أبي هريرة) الحديث: 5255 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5256 - (طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية) قال ابن الأثير: يعني شبع الواحد قوت الاثنين وشبع الاثنين قوت الأربعة وشبع الأربعة قوت الثمانية ومنه قول عمر عام الرمادة " لقد هممت أن أنزل على أهل كل بيت مثل عددهم فإن الرجل لا يهلك على نصف بطنه اه. واستنبط منه أن السلطان في المسغبة يفرق الفقراء على أهل السعة بقدر ما لا يحيق بهم (حم م ت ن عن عائشة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5256 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5257 - (طعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا) قال في البحر: يجوز كونه بمعنى الغذاء والقوة لا في الشبع لأنه غير محمود بل فيه ضرر ومرض ويجوز كون المراد الندب إلى المواساة وأنه تعالى يجعل فيه البركة فالمعنى أن الذي يشبع الواحد يرد جوعة الاثنين وكذا الأربعة والثمانية فإنه يرد كلب الجوع وذلك فائدته وفيه حث على المواساة والمروءة وعدم الاستبداد وتجنب البخل والشح (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ففي الرواية الأولى من لم أعرفه وفي الثانية أبو بكر الهذلي وهو ضعيف الحديث: 5257 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5258 - (طعام السخي دواء) في رواية شفاء (وطعام الشحيح داء) وفي رواية طعام البخيل داء وطعام الجواد شفاء لكونه يطعم الضيف مع ثقل وتفجر وعدم طيب نفس ولهذا قال الخواص: إنه يظلم القلب فينبغي الإجابة إلى طعام السخي دون البخيل وفي الإحياء أن بخيلا موسرا دعاه بعض جيرانه فقدم له طباهجة ببيض فأكثر منها فانتفخ بطنه وصار يتلوى فقال له الطبيب: تقيأ. قال: أتقيأ طباهجة أموت ولا أتقيؤها. فعلى من ابتلي بداء البخل أن يعالجه حتى يزول ولعلاجه طريقان: علمي وعملي قررهما حجة الإسلام (خط في كتاب البخلاء) أي فيما جاء في ذمهم (وأبو القاسم) بن الحسين الفقيه الحنبلي (الخرقي) بكسر المعجمة وفتح الراء وآخره قاف نسبة إلى بيع الخرق والثياب (في فوائده) وكذا الحاكم والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب. وقال الزين العراقي: ورواه ابن عدي والدارقطني في غرائب مالك وأبو علي الصدفي في غرائبه وقال: رجاله ثقات أئمة قال ابن القطان: وإنهم لمشاهير ثقات إلا مقدام بن داود فإن أهل مصر تكلموا فيه اه. لكن في الميزان ومختصره اللسان: إنه حديث كذب وعزاه المصنف في الدرر كأصله لابن عدي عن ابن عمر وقال: لا يثبت فيه ضعفاء ومجاهيل الحديث: 5258 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5259 - (طعام المؤمنين في زمن الدجال) أي في زمن ظهوره (طعام الملائكة التسبيح والتقديس) خبر مبتدأ محذوف أو بدل مما قبله أي يقوم لهم مقام الطعام في الغداء (فمن كان منطقه يومئذ التسبيح والتقديس أذهب الله عنه الجوع) أي والظمأ فكأنه اكتفاء به من قبيل {سرابيل تقيكم الحر} (ك عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح فقال الذهبي: كلا إذ فيه سعيد بن سنان متهم تالف اه الحديث: 5259 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5260 - (طعام أول يوم) في الوليمة (حق) فتجب الإجابة له (وطعام يوم الثاني سنة) فلا تجب الإجابة له مطلقا قطعا بل هي سنة وقيل: تجب إن لم يدع في اليوم الأول أو دعى وامتنع لعذر ودعى في الثاني ورجحه من الشافعية الأذرعي. قال الطيبي: يستحب للمرء إذا أحدث الله له نعمة أن يحدث له شكرا وطعام اليوم الثاني سنة لأنه قد يتخلف عن الأول [ص: 266] بعض الأصدقاء فيجبر بالثاني تكملة للواجب وليس طعام الثالث إلا رياء وسمعة (وطعام يوم الثالث سمعة ومن سمع سمع الله به) فتكره الإجابة إليه تنزيها وقيل: تحريما وهذا الحديث قد عمل به الشافعية والحنابلة قال النووي: إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون ندبها فيه كندبها في اليوم الأول اه. وتعدد الأوقات كتعدد الأيام وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول وكذا صوره الروياني ووجه بأن إطلاق كونه رياء يشعر بأن ذلك صنع المباهاة والفخر وإذا كثر الناس فدعى في كل يوم فرقة فلا مباهاة (ت) في النكاح (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد ضعفه مخرجه الترمذي صريحا وقال: لم يرفعه إلا زياد بن عبد الله وهو ضعيف كثير المناكير والغرائب اه. وتبعه عليه عبد الحق جازما به وأعله ابن القطان بعلة أخرى وهي عطاء بن السائب فإنه مختلط وقال ابن حجر: سماعه من عطاء بعد الاختلاط الحديث: 5260 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 5261 - (طعام يوم في العرس سنة وطعام يومين فضل وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة) فيكره الإجابة إليه على ما مر تقريره لكن ذهب البخاري إلى المنع (1) وقال: لم يجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم للوليمة وقتا معينا يختص به قال: وهذا الحديث يعارضه حديث إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها قال: وهذا أصح وقال ابن سيرين عن أبيه: إنه لما بنى بأهله أولم سبعة أيام فدعى في ذلك أبي بن كعب فأجابه وأصرح من ذلك في الرد ما خرجه أبو يعلى بسند قال ابن حجر في الفتح: حسن عن أنس تزوج صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام اه. حيث ما ذهب إليه البخاري ذهب المالكية قال: عياض استحب أصحابنا لأهل السعة كون الوليمة أسبوعا اه. وحاول ابن حجر التوفيق بين مقالة البخاري وما جرى عليه أصحابنا الشافعية من الكراهة حيث قال: إذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيحمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك ونزول الكلام على حالين (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن فقد قال الحافظ ابن حجر: رواه الطبراني عن وحشي وابن عباس وسندهما ضعيف وقال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الله العرزمي وهو ضعيف وقال في موضع آخر: طرقه كلها لا تخلو عن مقال لكن مجموعها يدل على أن للحديث أصلا   (1) [في الأصل: " ذهب البخاري إلى المن " فصححناه " ذهب البخاري إلى المنع " حسب سياق النص. دار الحديث] الحديث: 5261 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 5262 - (طعام بطعام وإناء بإناء) قاله لما أهدت إليه زوجته زينب أو أم سلمة أو صفية قال ابن حجر: ولم يصب من ظنها حفصة طعاما في قصعة فجاءت عائشة فضربت بها فانكسرت وألقت ما فيها فقيل يا رسول الله ما كفارته فذكره قال ابن بطال: احتج به الشافعي على أن من استهلك عرضا أو حيوانا فعليه مثله ولا يقضى بقيمته إلا بفقد مثله وذهب مالك إلى القيمة مطلقا وعنه ما كيل أو وزن فقيمته وإلا فمثله قال ابن حجر: وما أطلقه عن الشافعي فيه نظر وإنما يحكم في الشيء بمثله إذا تشابهت أجزاؤه والقصعة متقومة لاختلاف أجزائها والجواب ما قال البيهقي أن القصعتين كانتا للمصطفى صلى الله عليه وسلم فعاقب الكاسرة بجعل المكسورة في بيتها واحتج به الحنفية بقولهم إذا تلفت العين المغصوبة بفعل الغاصب فزال اسمها ومعظم منافعها ملكها الغاصب وضمها ولا يخفى تكلفه (ت عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: إسناده حسن الحديث: 5262 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 [ص: 267] 5263 - (طعام كطعامها وإناء كإنائها) احتج بهذا الحديث العنبري لمذهبه أن جميع الأشياء إنما تضمن بالمثل فلو أتلف خشبة لزمه مثلها من جنسها وكذا الثوب وحكى عن أحمد وداود وأجيب بأنه ذكرها على وجه المعونة والإصلاح دون بث الحكم لأن القصعة والطعام ليس لهما معلوم وبأن هذا الطعام والإناء حملا من بيت أم سلمة والغالب أنه ملك النبي صلى الله عليه وسلم وله أن يحاكم في ملكه كيف شاء وفيه حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنصافه وجميل معاشرته وصبره على النساء (حم عن عائشة) قالت: ما رأيت صانع طعام مثل صفية صنعت طعاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثت به فأخذتني غيرة فكسرت الإناء فقلت: ما كفارة ما صنعت فذكره فقال ابن حجر: إسناده حسن الحديث: 5263 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 5264 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قد تباينت الأقوال وتناقضت الآراء وفي هذا العلم المفروض على نحو عشرين قولا وكل فرقة تقيم الأدلة على علمها وكل لكل معارض وبعض لبعض مناقض وأجود ما قيل قول القاضي: ما لا مندوحة عن تعلمه كمعرفة الصانع ونبوة رسله وكيفية الصلاة ونحوها فإن تعلمه فرض عين قال الغزالي في الإحياء: المراد العلم بالله وصفته التي تنشأ عنه المعارف القلبية وذلك لا يحصل من علم الكلام بل يكاد يكون حجابا مانعا منه وإنما يتوصل له بالمجاهدة فجاهد تشاهد ثم أطال في تقريره بما يشرح الصدور ويملأ القلب من النور (عد هب عن أنس) بن مالك (طس خط عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت ضعيف جدا (طس عن ابن عباس) قال: وفيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد ضعيف (تمام) في فوائده (عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن مسعود) وفيه عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان القرشي عن حماد بن أبي سليمان وعثمان قال البخاري: مجهول ولا يقبل من حديث حماد إلا ما رواه عنه القدماء كالثوري وشعبة ومن عداهم رووا عنه بعد الاختلاط (خط عن علي) أمير المؤمنين (طس هب عن أبي سعيد) سئل عنه النووي فقال: ضعيف وإن كان معناه صحيحا وقال ابن القطان: لا يصح فيه شيء وأحسن ما فيه ضعيف وسكت عنه مغلطاي وقال المصنف: جمعت له خمسين طريقا وحكمت بصجته لغيره ولم أصحح حديثا لم أسبق لتصحيحه سواه وقال السخاوي: له شاهد عند أبي شاهين بسند رجاله ثقات عن أنس ورواه عنه نحو عشرين تابعيا الحديث: 5264 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 5265 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قال السهروردي: اختلف في العلم الذي هو فريضة قيل هو علم الإخلاص ومعرفة آفات النفس وما يفسد العمل لأن الإخلاص مأمور به كما أن العمل مأمور به وخدع النفس وغرورها وشهواتها يخرب مباني الإخلاص فصير علمه فرضا وقيل معرفة الخواطر وتفصيل عللها منشأ الفعل وذلك يفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان وقيل علم نحو البيع والشراء وقيل علم التوحيد بالنظر والاستدلال والنقل علم الباطن وهو ما يزداد به العبد يقينا وهو الذي يكتسب لصحبة الأولياء فهم وراث المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الغزالي في المنهاج: العلم المفروض في الجملة ثلاثة علم التوحيد وعلم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه وعلم الشريعة والذي يتعين فرضه من علم التوحيد ما تعرف به أصول الدين وهو أن تعلم أن لك إلها قادرا عالما حيا مريدا متكلما سميعا بصيرا لا شريك له متصفا بصفات الكمال منزها عن دلالات الحدث متفردا بالقدم وأن محمدا رسوله الصادق فيما جاء به ومن علم السر معرفة مواجبه ومناهيه حتى يحصل لك الإخلاص والنية وسلامة العمل ومن علم الشريعة كل ما وجب [ص: 268] عليك معرفته لتؤديه وما فوق ذلك من العلوم الثلاثة فرض كفاية (وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب) يشعر بأن كل علم يختص باستعداد وله أهل فإذا وضعه في غير محله فقد ظلم فمثل معنى الظلم بتقليد أخس الحيوان بأنفس الجواهر لتهجين ذلك الوضع والتنفير عنه (هـ) في السنة عن هاشم بن عمار عن حفص بن سليمان عن كثير بن شطير عن ابن سيرين (عن أنس) قال المنذري: سنده ضعيف وقال المناوي وغيره: حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم ثبت في القراءة لا في الحديث وقال البخاري: تركوه وقال البيهقي: متنه مشهور وطرقه كلها ضعيفة وقال البزار: أسانيده واهية وقال السخاوي: حفص ضعيف جدا بل اتهم بالكذب والوضع لكن له شاهد وقال ابن عبد البر: روي من وجوه كلها معلولة لكن معناه صحيح لكن قال الزركشي في اللآلئ: روي من طرق تبلغ رتبة الحسن وقال المصنف: حديث حسن فقد قال المزني: روي من طرق تبلغ رتبة الحسن وقال المصنف في الدرر: في طرقه كلها مقال لكنه حسن الحديث: 5265 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 5266 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قال ابن عربي: للعلم اطلاقات متباينة ويترتب على ذلك اختلاف الحد والحكم كلفظ العالم والعلماء ومن هنا اختلفوا في فهم هذا الحديث وتجاذبوا معناه فمن متكلم يحمل العلم على علم الكلام ويحتج لذلك بأنه العلم المتقدم رتبة لأنه علم التوحيد الذي هو المبنى ومن فقيه يحمله على علم الفقه إذ هو علم الحلال والحرام ويقول إن ذلك هو المتبادر من اطلاق العلم في عرف الشرع ومن مفسر ومن محدث وإمكان التوجيه لهما ظاهر ومن نحوي يحمله على علم العربية إذ الشريعة إنما تتلقى من الكتاب والسنة وقد قال الله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} فلا بد من إتقان العربية علم البيان والتحقيق حمله على ما يعم ذلك من علوم الشرع (وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر) قال الحليمي: يحتمل أن معنى استغفارهم له أن يكتب الله له بعدد كل من أنواع الحيوانات الأرضية استغفارة مستجابة وحكمته أن صلاح العالم منوط بالعالم إذ بالعلم يدري أن الطير لا يؤذى ولا يقتل إلا لآكله ولا يذبح ما لا يؤكل لحمه ولا يعذب طير ولا غيره بجوع ولا بظمأ ولا يجلس في حر ولا برد لا يطيقه وأن إقرار حيتان البحر في الماء إذا لم تكن إليها حاجة واجب وأنه لا يجوز التلهي بإخراجها من الماء والنظر إلى اضطرابها بالبر بغير قصد أكلها وإذا صيدت للأكل يجب الصبر عليها لتموت ولا يجوز فتحها بعصا أو حجر إلى غير ذلك اه (ابن عبد البر) النهري (في) كتاب (العلم عن أنس) بن مالك ثم قال: روي عن أنس من وجوه كثيرة كلها معلولة لا حجة في شيء منها الحديث: 5266 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 5267 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم والله يحب إغاثة الملهوف) أي المظلوم المستغيث أو المضطر المتحسر والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله لا سيما عند مسيس الحاجة والاضطرار (هب وابن عبد البر) في العلم (عن أنس) قال البيهقي: متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كثيرة كلها ضعيفة وسبقه الإمام أحمد فيما حكاه ابن الجوزي في العلل فقال: لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء وقال ابن راهويه: لم يصح فيه شيء أما معناه فصحيح وفي الميزان هذا الخبر باطل الحديث: 5267 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 5268 - (طلب العلم) الشرعي (أفضل عند الله من الصلاة والصيام والجهاد والحج في سبيل الله عز وجل) أي النوافل [ص: 269] من المذكورات ولهذا قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة قال الغزالي: العالم سالك دائم السير إلى الله قائم أو نائم آكل أم شارب أم صائم انقبض أم انبسط يتساوى عنده التقابلات بحسب إضاءة نور العلم لإقامة أعلام الدين في سعة الجهات والأقطار ومتقابلات العوارض والأحوال (فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن تميم السعدي قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: كان يضع الحديث أكثر محمد بن كرام عنه الموضوعات وفيه أيضا الحكم بن أبان المعدني قال الذهبي: قال ابن المبارك: ارم به ووثقه غيره الحديث: 5268 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 5269 - (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة) أي من التهجد ليلة كاملة (وطلب العلم يوما خير من قيام ثلاثة أشهر) هذا فيمن طلب علما شرعيا ليعمل به كما علم مما مر آنفا قال الغزالي: لا بد للعبد من العلم والعمل لكن العلم أولى بالتقديم وأحرى بالتعظيم لأنه الأصل المرفوع والدليل المتبوع فيجب تقديمه لما أنه يجب أن يعرف المعبود ثم يعبده وكيف تعبد من لا تعرفه ولأنه يجب أن نعلم ما يلزمك فعله من الواجبات الشرعية على ما أمرت به ومدار ذلك كله على العبادات الباطنة التي هي مساعي القلب فيجب تعلمها من نحو توكل وتفويض ورضى وصبر وتوبة وإخلاص ونحو ذلك وأضدادها كسخط وأمل ورياء وكبرياء ليجتنب ذلك فإنها فرائض نص عليها في القرآن كما نص على الأمر بالصلاة والصوم فما بالك أقبلت على الصلاة والصوم وتركت هذه الفرائض والأمر بها من رب واحد بل غفلت عنها فلا تعرف شيئا منها بفتوى من أصبح يعالج حظه مشغوفا حتى صير المعروف منكرا والمنكر معروفا وممن أهمل العلوم التي سماها الله في كتابه نورا وحكمة وهدى وأقبل على ما به يكتسب الحرام ويكون مصيدة للحطام أما تخاف أن يكون مضيعا لشيء من هذه الواجبات بل لأكثرها وتشتغل بصلاة التطوع وصوم النفل فتكون في لا شيء (فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل كان أولى ثم إن فيه نهشل بن سعيد قال الذهبي: قال ابن راهويه: كان كذابا ثم قال الديلمي: وفي الباب أبي بن كعب وجابر وحذيفة وسلمان وسمرة ومعاوية بن حيدة ونبيط بن شريط وأبو أيوب وأبو هريرة وعائشة أم المؤمنين بنت قدامة وأم هانىء وغيرهم الحديث: 5269 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 5270 - (طلب الحق غربة) يعني إذا أردت استقامة الخلق للحق في هذه الدار لم تجد لك على ذلك ظهيرا بل تجد نفسك وحيدا في هذا الطريق لما تنازع وتكابد من دعاوي الخلق فيحسب هذه القواطع التي أقام الله بها حكمته تلحق الوحشة لسالك طريق الحق فكأنه غريب وما هو غريب <تنبيه> قال العارف أبو المواهب: كلما رقى من له همة عالية إلى مركز عال وحضرة نفيسة من حضرات الكمال قلت أشكاله المعنوية انظر إلى أصحاب العقول الموجبة لكثرة المعقول لما تحققوا دققوا فعزت مدارك حقائقهم على العوام وجلت نفائس دقائقهم على غالب الأفهام فلذلك أوجب لهم قلة الأصحاب والأتباع لغلبة الجهل على الطباع ولله در بعض الحكماء حيث قال: لكل امرئ شكل من الناس مثله. . . فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا وكل أناس آلفون بشكلهم. . . فأكثرهم عقلا أقلهم شكلا (ابن عساكر) في تاريخه مسلسلا بالصوفية (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا من هذا الوجه الديلمي والهروي في ذم الكلام ومنازل السائرين وفي الميزان علان بن زيد الصوفي لعله واضع هذا الحديث الحديث: 5270 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 [ص: 270] 5271 - (طلب الحلال) لفظ رواية البيهقي في سننه والديلمي في فردوسه طلب كسب الحلال (فريضة بعد الفريضة) أي بعد المكتوبات الخمس كما أشار إليه الغزالي أو بعد أركان الإسلام الخمسة المعروفة عند أهل الشرع أو المراد فريضته متعاقبة يتلو بعضها لبعض أي لا غاية لها ولا نهاية لأن طلب كسب الحلال أصل الورع وأساس التقوى وروى النووي في بستانه عن خلف بن تميم قال: رأيت إبراهيم بن أدهم بالشام قلت: ما أقدمك قال: لم أقهر لجهاد ولا لرباط بل لأشبع من خبز حلال (طب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عباد بن كثير الثقفي وهو متروك وقال البيهقي عقب روايته: تفرد به عباد وهو ضعيف وفي الميزان عن أبي زرعة وغيره: ضعيف وعن الحاكم روى عن الثوري أحاديث موضوعة وهو صاحب حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة. إلى هنا كلامه الحديث: 5271 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 5272 - (طلب الحلال واجب على كل مسلم) يحتمل أن المراد طلب معرفة الحلال من الحرام والتمييز بينهما في الأحكام وهو علم الفقه ويحتمل أن المراد طلب الكسب الحلال للقيام بمؤونة من تلزمه مؤونته والاجتهاد في المباعدة عن الحرام والقنع بالحلال فإنه ممكن بل سهل فإذا قنعت في السنة بقميص خشن وفي اليوم بخبز الخشكار وتركت التلذذ بأطايب الأدم لم يعوزك من الحلال ما يكفيك فالحلال كثير وليس عليك أن تتيقن باطن الأمور بل أن تحترز مما تعلم أنه حرام وتظن أنه حرام ظنا مع ما حصل من علامة ناجزة مقرونا بالمال ذكره الغزالي (فر عن أنس) بن مالك وفيه بقية وقد مر غير مرة وجرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: تغير قبل موته والزبير بن خريق قال الدارقطني: غير قوي ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ المزبور قال الهيثمي: وإسناده حسن الحديث: 5272 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 5273 - (طلب الحلال) فيه الاحتمالات المذكورات (جهاد) أي بمنزلة الجهاد في حصول الثواب عليه لأنه جاهد نفسه في تحري الحلال مع عزته وترك الحرام مع كثرته ومكابدة دقيق النظر في التخلي عن الشبهات والكف عن كثير من المباح بالورع خوفا من الجناح وهو الجهاد الأكبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الهم في طلب الحلال (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عباس حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي وفيه محمد بن مروان السدي الصغير قال في الميزان: تركوه واتهم بالكذب ثم أورد له أخبارا منها حديث ابن عمر هذا وقال: قال ابن عدي الضعف على روايته بين الحديث: 5273 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 5274 - (طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض) أي حكمه حكم من ذاق الموت في سبيل الله لأنه جعل نفسه يوم أحد وقاية للنبي صلى الله عليه وسلم من الكفار وطابت نفسه لكونه فداه وقد رأى الأمر عيانا وأصيب يومئذ ببضع وثمانين طعنة وضربة وعقر في سائر جسده حتى في ذكره وفر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كل أحد إلا هو فثبت معه وكانوا إذا ذكروا يوم أحد قالوا كان كله لطلحة وهو أحد العشرة المبشرة وأحد الثمانية السابقة إلى الإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى في الخلافة بعد عمر وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد الصديق سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلحة الفياض وطلحة الجود لكونه غاية فيه باع أرضا بسبع مئة ألف فلم يقم حتى فرقها على الفقراء وجاءه رحم له فشكى فأعطاه ثلاث مئة وكان يرسل لعائشة كل سنة عشرة آلاف وتصدق في يوم بمئة ألف ولم يجد ثوبا يصلي فيه ذلك اليوم (هـ عن جابر) بن عبد الله (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة وأبي سعيد) معا [ص: 271] ورواه الديلمي عن جابر الحديث: 5274 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 5275 - (طلحة ممن قضى نحبه) أي نذره فيما عاهد الله عليه من الصدق في مواطن القتال ونصرة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى الموت وإن بذلوا نفوسهم دونه فأخبر بأنه ممن وفى بنذره وأصل النحب النذر وكما يقال النحب للنذر يقال للموت أيضا ويمكن إرادته هنا فيقال في توجيهه إنه بذل نفسه في سبيل الله وخاطر بها حتى لم يبق بينه وبين الهلك شيء فهو كمن قتل وذاق الموت في سبيل الله وإن كان حيا يمشي على وجه الأرض يقال قضى نحبه إذا مات بمعنى قضى أجله واستوفى مدته والنحب المدة ذكره القاضي (ت هـ عن معاوية) بن أبي سفيان (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) رمز المصنف لصحته الحديث: 5275 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 5276 - (طلحة والزبير جاراي في الجنة) هو بضم الزاي أحد العشرة والشجعان المشتهرة كعلي وحمزة لم يلحقه في الشجاعة أحد وكان يوم بدر بعمامة صفراء فنزلت الملائكة بعمائم صفر وفتح اليرموك فكانت له فيه اليد البيضاء اخترق صفوف الروم من أولهم لآخرهم مرتين وكان له ألف عبد يؤدون الخراج فيتصدق به ولا يقوم منه بدرهم خرج على علي يوم الجمل فذكره علي بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: إني أحبه أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له فتذكر فانصرف فقتل بوادي السباع بالبصرة وجاء قاتله بشر عليا فبشره بالنار وكان له أربع نسوة فأصاب كل واحدة منهن ألف ألف ومائتي ألف (ت ك) في المناقب (عن علي) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي فقال: لا اه. وذلك أن فيه عقبة بن علقمة تابعي قال أبو حاتم: ضعيف الحديث: 5276 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 5277 - (طلوع الفجر أمان لأمتي من طلوع الشمس من مغربها) فما دام يطلع فالشمس لا تطلع إلا من مشرقها فإذا لم يطلع طلعت ذلك اليوم من المغرب فإن الفجر هو مبادئ شعاعها عند قربها من الأفق (فر عن ابن عباس) وهو ضعيف الحديث: 5277 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 5278 - (طهروا هذه الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبد يبيت طاهرا إلا وبات معه ملك في شعاره) بكسر الشين المعجمة ثوبه الذي بلى جسده (لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال) أي الملك (اللهم اغفر لعبدك) هذا (فإنه بات طاهرا) والطهارة عند النوم قسمان طهارة الظاهر وهي معروفة وطهارة الباطن وهي بالتوبة وهي آكد من الظاهرة فربما مات في نومه وهو متلوث بأوساخ الذنوب فيتعين عليه التوبة وأن يزيل من قلبه كل شيء وحقد ومكروه لكل مسلم (طب) وأبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: أرجو أنه حسن الإسناد الحديث: 5278 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 5279 - (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها) جمع فناء وهو المتسع أمام الدار ونبه بالأمر بطهارة الأفنية الظاهرة على طهارة الأفنية الباطنة وهي القلوب والأرواح <تنبيه> قال القونوي: الطهارة والنجاسة من حيث مظاهرهما التي هي المحال الموصوفة بهما ومن حيث مراتبهما وأحكام مراتبهما أنواع أما الطهارة فتحصل من أنواع الجمع الوجداني والإطلاق عن كل تقييد يقضي بالحصر وبالعلم المحقق والتوحيد الشهودي والخلو باطنا عما سوى الحق وعما سوى ما يحبه سبحانه ويرضاه وأول درجاتها المشروعة المختصة بالقلوب والأرواح الإيمان والتوحيد الاستحضاري ولوازمهما وأعلى مراتب [ص: 272] الطهارة التي يتحلى بها الإنسان دوام التحقق بمعرفة الحق وشهوده بالتجلي الذاتي الذي لا حجاب معه ولا مستقر للكل دونه وباقي أنواعها ودرجاتها تتعين بين هذين الطرفين وأما أنواع النجاسة التي يتطلب التطهير منها والتحرز بعد التطهير من التلويث بها وانصباغ المحل بأحكامها فإنها تطهر من الجهل والشرك وأحكام القيود القاضية بالحصر في عقيدة مخصوصة ناشئة من التأويلات والآراء الفاسدة والعوائد الرديئة والشهوات القاهرة وكل واحدة من الطهارة والنجاسة تنقسم من حيث المحال الموصوفة بها ثلاثة أقسام قسم ظاهر وقسم باطن مشترك فرتبة الطهارة الباطنة تختص بعالم الأرواح والنفوس الزكية والصفات المضافة إليها من حيث ذواتها وما يصحبها من لطائف الصور التي كانت تدبرها (طب عن سعد) بن أبي وقاص وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني الحديث: 5279 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 5280 - (طهور إناء أحدكم) بضم الطاء على المشهور ذكره النووي وتعقبه ابن العراقي بأنه فهم أن المراد هنا الفعل ولا كذلك وإنما المراد به المطهر فهو بفتح الطاء على الأشهر قال في شرح الإلمام: هنا الطهور بالفتح المطهر وبالضم الفعل (إذا ولغ فيه الكلب) ولو كلب صيد وفي رواية للبخاري كالموطأ بدله شرب والمشهور المعروف لغة ولغ يقال ولغ يلغ إذا شرب بطرف لسانه وقيل أن يدخل لسانه في الماء فيحركه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب وزعم ابن عبد البر أن شرب لم يروه إلا مالك وليس كما قال واللفظان متقاربان لكن الشرب أخص فلا يقوم مقامه ومفهوم الشرط في إذا ولغ يقتضي قصر الحكم عليه لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتنجيس فيتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق ويكون الولوغ غالبا ويلحق به بقية أعضائه لأن فمه أشرفها غالبا فالباء في بالأولى وأفهم ذكر الإناء إخراج الماء المستنقع وبه قال الأذرعي: لكن إذا قلنا الغسل للتنجيس يجري الحكم في قليل الماء دون كثيره (أن يغسله) بماء طهور (سبع مرات أولاهن بالتراب) كذا للأكثر وفي رواية إحداهن وطريق الجمع أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن معينة فإن كانت في نفس الخبر فللتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد حمله على إحداهن لأن فيه زيادة على الرواية المعينة ونص عليه في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره وغفل عنه من بحثه كالسبكي وإن كانت شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى ممن أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين أولاهن والتابعة وأولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحوطية ومن حيث المعنى لأن تتريب الأخيرة يحتاج إلى غسلة أخرى للتنظيف وقد نص الشافعي في حرمله على أن الأولى أولى والله أعلم وقد أخذ بهذا الحديث الشافعية وخالفهم الحنفية فلم يوجبوا التسبيع ولا التعفير لكون راويه أفتى بتثليث غسله قلنا مذهب الراوي غير حجة فإن قيل الأخذ بالسبع ترجيح لأنه ورد ثلاث وخمس قلنا الورود ممنوع وبفرضه لم يصح بشروطه أو منسوخ لتأخر التشديدات أو الغسلات أو مذهب الراوي والمالكية أوجبوا التسبيع تعبدا بغير التتريب لطهارة الكلب عندهم والكلام على هذا الحديث أفرد بالتأليف لانتشاره جدا احتج به الشافعي على نجاسة الكلب لأن الطهارة إنما تكون عن حدث أو خبث ولا حدث على الإناء فتعين كونها للنجس وزعم أن الطهارة تكون من غيرهما كالتيمم منع بأن موجبه الحدث وإن لم يرفع فلا يقال إنه طهارة لا عن حدث (م د عن أبي هريرة) لكنه خالفه فأمر بالغسل منه ثلاثا فقط وذلك غير قادح في وجوب العمل به عند الأكثر وقيل إن مخالفة الراوي بمنع وجوب العمل لأنه إنما خالفه لدليل قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا الحديث: 5280 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 5281 - (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل) بالبناء للمفعول (سبعا الأولى بالتراب) قال الطيبي: طهور إناء أحدكم مبتدأ وإذا ظرف معمول للمصدر والخبر أن يغسل (والهر مثل ذلك) قال البيهقي كالدارقطني: [ص: 273] هذا في الكلب مرفوع وفي الهر موقوف ومن رفعه فقد غلط وقال بعض الحفاظ: إن الهر مدرج وبفرض الرفع والصحة هو بالنسبة للهر متروك الظاهر عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأخذ بقضيته طاوس فكان يجعل الهر مثل الكلب يغسل سبعا وعن أبي جريج قلنا لعطاء والهر قال: هي بمنزلة الكلب أو أشر منه وعن مجاهد في الإناء يلغ فيه السنور قال: اغسله سبع مرات <تنبيه> ذهب أحمد إلى أنه يجب غسل جميع الأنجاس سبعا تمسكا بالأمر بالتسبيع في نحو هذه الأحاديث ولا يخفى ما فيه (ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) وقال: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 5281 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 5282 - (طهور كل أديم) أي مطهر كل جلد ميتة وفي رواية طهور الأديم (دباغه) ففيه دليل على أن الطهور بمعنى المطهر وآية على فساد قول من قال لا يطهر جلد الميتة بالدبغ وخبر أم حكيم إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب فيه إرسال وبعد التنزيل لا يحمل على ما قبل الدبغ جمعا بين الأدلة وفيه إرشاد إلى استصلاح ما فيه نفع وصونه عن الضياع (أبو بكر في) كتاب (الغيلانيات عن عائشة) قالت: ماتت شاة لميمونة فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ألا استمتعتم بإهابها فقالت: كيف نستمتع به وهي ميتة فذكره واقتصار المصنف على عزوه إليه يؤذن بأنه لا يعرف لأحد من المشاهير مع أن البيهقي خرجه عن عائشة باللفظ المذكور ثم قال وتبعه الذهبي: رواته ثقات اه. ورواه الدارقطني من عدة طرق ثم قال وتبعه الغرياني في مختصره: إسناده حسن كلهم ثقات اه. وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: طريقه صحيح الحديث: 5282 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 5283 - (طهور الطعام يزيد في الطعام والدين) بكسر الدال (والرزق) قال الشارح: لعل المراد الوضوء قبل الطعام وهو اللغوي اه. وأقول المراد أن الطعام إذا كان حلالا أورث البركة وأوجب مزيد الرزق المعنوي ووفور الحظ منه وأما الانصباغ بالطعام الحرام فيحدث في باطن المتغذى به في نفسه وأخلاقه وصفاته تلويثات هي من قسم النجاسات فهو وإن كان طاهرا صورة هو نجس معنى من حيث كونه حراما وكذا يقال في الشراب وقد جاء في خبر دم على الطهارة يوسع عليك رزقك ومن أمعن النظر في شرح ذلك اطلع على جملة من أسرار الشريعة كالحل والحرمة والطهارة والنجاسة الظاهرتين والباطنتين وأسبابهما ومزيلاتهما وعرف كيفية التحرز بعد التحلي بالطهارة من التلوث بما يشينها وعرف الطريق إلى استحلال الرزق المعنوي والحسي وسبب زيادتهما ونقصهما لا من جهة الكسب المعهود بل بما شرعه الله ونبه عليه رسوله وعرف التحليل والتحريم من الحق بواسطة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه لمحض إشفاقه على عباده وأنه طب إلهي لقلوبهم وأرواحهم ونفوسهم وأخلاقهم وصفاتهم بل لصورهم أيضا بطريق التبعية وعرف سر قوله عليه الصلاة والسلام من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عبد الله بن جراد) ورواه الديلمي أيضا الحديث: 5283 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 5284 - (طواف سبع) بالكعبة (لا لغو فيه) أي لا ينطق فيه الطائف بباطل ولا لغط وقيد بعدم اللغو لأن الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله أحل فيه المنطق فمن نطق إلا بخير كما في الحديث الآخر (يعل عتق رقبة) أي ثوابه مثل ثواب العتق (عب عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده الحديث: 5284 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 [ص: 274] 5285 - (طوافك) بالكسر خطابا لعائشة (بالبيت) الكعبة (و) سعيك (بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك) فيه أن القارن لا يلزمه إلا ما يلزم المفرد وأنه يجزئه طواف واحد وسعي واحد لحجته وعمرته وبه قال مالك والشافعي وأحمد في رواية وقال أبو حنيفة عليه طوافان وسعيان (د عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 5285 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 5286 - (طوبى) تأنيث أطيب أي راحة وطيب عيش حاصل (للشام) قيل: وما ذلك يا رسول الله قال: (لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها) أي لأن ملائكة البليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء تحفها وتحوطها بإنزال البركات ودفع المهالك والمؤذيات (حم ت ك عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 5286 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 5287 - (طوبى للشام) قال في الكشاف: طوبى مصدر من طاب كزلفى وبشرى ومعنى ذلك أصيب طيبا وخيرا اه. (إن الرحمن لباسط رحمته عليه) لفظ رواية الطبراني يده بدل رجمته (طب عنه) أي عن زيد بن ثابت قال الهيثمي: ورجاله أيضا رجال الصحيح الحديث: 5287 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 5288 - (طوبى للغرباء) قال الطيبي: فعلى من الطيب قلبوا الياء واوا للضمة قبلها قيل معناه أصيبوا خيرا على الكتابة لأن إصابة الخير تستلزم طيب العيش فأطلق اللازم وأريد الملزوم قالوا: يا رسول الله من هم قال: (أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) وفي رواية بدله من يبغضهم أكثر ممن يحبهم ومن ثم قال الثوري: إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلط لأنه لو نطق بالحق لأبغضوه قال الغزالي: وقد صار ما ارتضاه السلف من العلوم غريبا بل اندرس وما أكب الناس عليه فأكثره مبتدع وقد صار علوم أولئك غريبة بحيث يمقت ذاكرها <فائدة> حكى في علم الاهتداء أنه مات فقير فلما جرد للغسل وجد على عنقه بين الجلد واللحم مكتوبا طوبى لك يا غريب (حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف اه ورواه الطبراني بأسانيد قال الهيثمي: رجال أحدها رجال الصحيح الحديث: 5288 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 5289 - (طوبى للمخلصين) الذين خلصوا أعمالهم من شوائب الأكدار ومحضوا عبادتهم للملك القهار قال راوي الحديث أبو نعيم عقبه: وهم الواصلون للحبل والباذلون للفضل والحاكمون بالعدل (أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء) لأنهم لما أخلصوا في المراقبة ونسيان الحظوظ كلها وقطعوا النظر والقصد عما سوى معبودهم لم يكن لغيره عليهم سلطان بل هم منه في حماية وأمان قال الغزالي: عقبة الإخلاص عقبة كؤود لكن بها ينال المطلوب والمقصود نفعها كثير وقطعها شديد وخطرها عظيم كم من عدل عنها فضل ومن سلكها فزل ومن تائه فيها متحير وبناء أمر الآخرة كله عليها والأمر كله بيد الله قال: والإخلاص إخلاصان إخلاص عمل وإخلاص طلب أجر فالأول إرادة التقرب إلى الله وتعظيم أمره وإجابة دعوته والباعث عليه الاعتقاد الصحيح وضده إخلاص النفاق وهو التقرب إلى من دون الله وقال إمام الحرمين: النفاق هو الاعتقاد الفاسد الذي هو للمنافق في الله وليس هو من قبيل الإرادات والإخلاص في طلب الأجر إرادة نفع الآخرة بعمل الخير (حل) من حديث عبد الحميد بن ثابت بن ثوبان حدثني (عن) جدي (ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فقال: [ص: 275] طوبى فذكره وهكذا رواه عنه الديلمي أيضا وفيه عند مخرجه عمرون بن عبد الجبار السخاوي أورده في الضعفاء قال ابن عدي: روى عن عمه مناكير وعبيدة بن حسان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين الحديث: 5289 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 2290 - (طوبى للسابقين إلى ظل الله) أي إلى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قيل: ومن هم قال: (الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه) أي أعطوا من غير مطل ولا تسويف (والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم) هذه صفة أهل القناعة وهي الحياة الطيبة التي ذكرها الله بقوله {فلنحيينه حياة طيبة} ثم ذكر جزاءه بقوله {ولنجزينهم أجرهم} الآية. فبالله استغنوا حتى قنعوا بما أعطوا ولله انقادوا وألقوا بأيديهم حتى بذلوا الحق إذا سئلوا وإلى الله أقبلوا حتى صيرهم أمناءه وحكامه في أرضه يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم فإن النفس ميالة وصاحبها لا يألوها نصحا فمن كمال عدله أن يحكم للناس بمثله (الحكيم) الترمذي (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 2290 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 5291 - (طوبى للعلماء) أي الجنة لهم (طوبى للعباد) بتشديد الباء (ويل لأهل الأسواق) أي حزن وهلاك ومشقة لهم لاستيلاء الغفلة والتخليط عليهم فهم كهمج وذباب يتطايرون من مزبلة لمزبلة على ألوان القاذورات فيقعن عليها ثم شغلوا بالغش والخيانة والأيمان الباطلة والمكاسب الرديئة قد لزمهم العدو فسباهم فصيرهم على شرف حريق ونزل عذاب {وما يذكر إلا أولوا الألباب} (فر عن أنس) بن مالك الحديث: 5291 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 5292 - (طوبى لعيش بعد المسيح) أي بعد نزول المسيح إلى الأرض في آخر الزمان وهو لقب عيسى عليه السلام أصله مسيحا بالعبرانية وهو المبارك وما قيل إنه فعيل بمعنى مفعول لقب به لأنه مسح بالبركة والطهارة من الذنوب أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن أو لأن جبريل مسحه بجناحه أو بمعنى فاعل لأنه كان يمسح الأرض بالسير أو كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ فلا يثبت كذا ذكره القاضي وذكر صاحب القاموس أنه جمع في سبب تسميته بذلك خمسين قولا أوردها في شرح المشارق (يؤذن السماء في القطر) فتمطر (ويذدن للأرض في النبات) فتنبت نباتا حسنا (حتى لو بذرت حبك على الصفا) أي الحجر الأملس (لنبت) طاعة لإذن خالقها (وحتى يمر الرجل على الأسد) أي الحيوان المفترس المشهور (فلا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ولا تشاح) بين الناس (ولا تحاسد ولا تباغض) مقصود الحديث أن النقص في الأموال والثمرات ووقوع التحاسد والتباغض إنما هو من شؤم الذنوب فإذا طهرت الأرض أخرجت بركتها وعادت كما كانت حتى أن العصابة ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير فالأرض إذا طهرت ظهر فيها آثار البركة التي محقتها الذنوب ذكره ابن القيم وبالعدل يحصل الأمان ويزول التعدي والعدوان (أبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين عن أبي هريرة) ظاهر عدول المصنف للنقاش أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو غفلة فقد خرجه أبو نعيم والديلمي وغيرهما الحديث: 5292 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 5293 - (طوبى لمن أدركني وآمن بي وطوبى لمن لم يدركني ثم آمن بي) زاد ابن وهب عن أبي سعيد فقال رجل: يا رسول الله [ص: 276] وما طوبى قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه الطبراني من حديث ابن عمر فاقتصار المصنف على ابن النجار غير سديد الحديث: 5293 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 5294 - (طوبى لمن أكثر الجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله (طوبى لمن ذكر الله فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد والنفقة على قدر ذلك) تمامه عند الطبراني قال عبد الرحمن لمعاذ: إنما النفقة بسبع مئة ضعف فقال معاذ: قل فهمك إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهليهم غير غزاة فإذا غزوا وأنفقوا خبأ الله لهم من خزانة رحمته ما ينقطع عنده علم العبد فأولئك حزب الله وحزب الله هم الغالبون (طب) وكذا الديلمي (عن معاذ) بن جبل قال الذهبي: فيه رجل لم يسم الحديث: 5294 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 5295 - (طوبى لمن أسكنه الله تعالى إحدى العروسين) والعروسين تثنية عروس وهو وصف يشترك فيه الذكر والأنثى (عسقلان أو غزة) هذا تنويه عظيم بفضل البلدين وترغيب في السكنى بهما (فر عن ابن الزبير) وفيه إسماعيل بن عياش وفيه خلاف عن سعيد بن يوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن معين والنسائي عن مصعب بن ثابت وقد ضعفوا حديثه الحديث: 5295 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 5296 - (طوبى لمن أسلم) وفي رواية للقضاعي طوبى لمن هدي للإسلام (وكان عيشه كفافا) أي بقدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه قال في الحكم: من تمام النعمة عليك أن يرزقك الله ما يكفيك ويمنعك ما يطغيك قال الشاعر: والنفس راغبة إذا رغبتها. . . وإذا ترد إلى قليل تقنع واستدل به من فضل الفقر على الغنى فقال: قد غبط النبي صلى الله عليه وسلم من كان عيشه كفافا وأخبر بفلاحه وكفى به شرفا (الرازي) في مشيخته (عن أنس بن مالك ورواه القضاعي والشهاب وقال شارحوه: غريب الحديث: 5296 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 5297 - (طوبى لمن بات حاجا وأصبح غازيا رجل مستور ذو عيال متعفف قانع باليسير من الدنيا يدخل عليهم ضاحكا ويخرج منهم ضاحكا فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصريفه (إنهم هم الحاجون الغازون في سبيل الله عز وجل) أي هم الحاجون الغازون حقا لا غيرهم إذ لا فائدة في ذلك إلا بيان كونهم أفضل يعني أن غيرهم ربما كان غازيا حاجا متلبسا بأضداد ما ذكر فلا فضل له مثل هذا يشير به إلى فضل القناعة مع الرضى قال ذو النون: سلب الغنى من سلب الرضا ومن لم يقنعه اليسير افتقر في طلب الكثير وقال عطاء: الزم القناعة تشرف في الدنيا والآخرة فليس الشرف في الإكثار وقال حكيم: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالعز والمروءة وقال في الحكم: ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع (فر عن أبي هريرة) وفيه إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: استصغر في عبد الرزاق الحديث: 5297 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 [ص: 277] 5298 - (طوبى لمن ترك الجهل وآتى الفضل) أي الأمر الفاضل وهو تعلم العلم بقرينة مقابلته بالجهل أو بذل الفاضل من ماله للمواساة ويؤيده قوله في الحديث وأنفق الفضل من ماله (وعمل بالعدل) الذي قامت به السماوات والأرض ومدار قيام نظام العالم عليه قال الغزالي: ويعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها لتسوس الغضب والشهوة وتحملهما على مقتضى الحكمة وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها قال الراغب: والعدالة تارة تقال في الفضائل كلها من حيث إنه لا يخرج شيء من الفضائل عنها وتارة يقال هي أكمل الفضائل من حيث إن صاحبها يقدر أن يستعملها في نفسه وفي غيره وهي ميزان الله المبرأ من كل زلة ويثبت بها أمر العالم (حل عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) الحديث: 5298 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 5299 - (طوبى لمن تواضع في غير منقصة) بأن لا يضع نفسه بمكان يزرى به ويؤدي إلى تضييع حق الحق أو الخلق فإن القصد بالتواضع خفض الجناح للمؤمنين مع بقاء عزة الدين فالتواضع الذي يعود على الدين بالنقص ليس بمطلوب قال الخواص: إياك والإكثار من ذكر نقائصك لأن به يقل شكرك فما ربحت من جهة نظرك إلى عيوبك خسرته من جهة تعاميك عن محاسنك التي أودعها الحق فيك وقال: شهود المحاسن هو الأصل وأما نقائصك فإنما طلب النظر إليها بقدر الحاجة لئلا يقع في العجب وقال: إذا أغضبك أحد لغير شيء فلا تبدأه بالصلح لأنك تذل نفسك في غير محل وتكبر نفسه بغير حق ومن ثم قيل: الإفراط في التواضع يورث الذلة والإفراط في المؤانسة يورث المهانة قال ابن عربي: الخضوع واجب في كل حال إلى الله تعالى باطنا وظاهرا فإذا اتفق أن يقام العبد في موطن الأولى فيه ظهور عزة الإيمان وجبروته وعظمته لعز المؤمن وعظمته وجبروته ويظهر في المؤمن من الأنفة والجبروت ما يناقض الخضوع والذلة فالأولى إظهار ما يقتضيه ذلك الموطن قال تعالى {ولو كنت فظا غليظ القلب} الآية وقال {واغلظ عليهم} فهذا من باب إظهار عزة الإيمان بعزة المؤمن وفي الحديث أن التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين فإذا علمت أن للمواطن أحكاما فافعل بمقتضاها تكن حكيما قال ابن القيم: والفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتوالد من بين العلم بالله وصفاته ونعوت جلاله ومحبته وإجلاله وبين معرفته بنفسه ونقائصها وعيوب عمله وآفاتها فتولد من ذلك خلق هو التواضع وانكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة للخلق والمهانة الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها كتواضع الفاعل للمفعول به وقال الراغب: الفرق بين التواضع والضعة أن التواضع رضا الإنسان بمنزلة دون ما تستحقه منزلته والضعة وضع الإنسان نفسه بمحل يزرى به والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة والخشوع يقال باعتبار أفعال الجوارح ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح قال بعض الحكماء: وجدنا التواضع مع الجهل والبخل أحمد من الكبر مع الأدب فأنبل بحسنة غطت على سيئتين وأقبح بسيئة غطت على حسنتين والكبر ظن الإنسان بنفسه أنه أكبر من غيره والتكبر إظهار ذلك وهذه صفة لا يستحقها إلا الله وحده فمن ادعاها من المخلوقين فهو كاذب وفي أثر: الكبر على المتكبر صدقة لأن المتكبر إذا تواضعت له تمادى في تيهه وإذا تكبر عليه يمكن أن ينبه ومن ثم قال الشافعي: ما تكبر علي متكبر مرتين وقال الزهري: التجبر على أبناء الدنيا أوثق عرى الإسلام (وأذل نفسه في غير مسكنة) قال الغزالي: تشبث به طائفة الفقهاء فقلما ينفك أحدهم عن التكبر على الأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق ويتعللون بأنه ينبغي صيانة العالم عن الابتذال وأن المؤمن منهي عن إذلال نفسه فيعبر عن التواضع الذي أثنى الله عليه بالذل وعن التكبر الممقوت عند الله بعز الدين تحريفا [ص: 278] للاسم وإضلالا للخلق <فائدة> روى العسكري أن رجلا مر على عمر وقد تخشع وتذلل وبالغ في الخضوع فقال عمر: ألست مسلما قال: بلى قال: فارفع رأسك وامدد عنقك فإن الإسلام عزيز منيع (وأنفق من مال جمعه في غير معصية) أي صرف منه في وجوه الطاعات وفيه إشعار بأن الصدقة لا تكون إلا من مال حلال وعبر بمن التبعيضية إشارة إلى ترك التصدق بكل المال (وخالط أهل الفقه والحكمة) الذين بمخالطتهم تحيى القلوب (ورحم أهل الذل والمسكنة) أي عطف عليهم ورق لهم وواساهم بمقدوره (طوبى لمن ذل نفسه) أي رأى ذلها وعجزها فلم يتكبر وتذلل لحقوق الحق وتواضع للخلق روي أن الصديق لما ولي الخلافة قالت جويرية من الحي: إذن لا يحلب لنا منائحنا فسمعها فقال: يا بنية إني لأرجو أن لا يمنعني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه فكان يحلب للقوم شياههم وروي أن الفاروق حمل حال خلافته قربة إلى بيت امرأة أرملة أنصارية ومر بها في المجامع (وطاب كسبه) بأن كان من وجه حل (وحسنت سريرته) بصفاء التوحيد والثقة بوعد الله والخوف منه والرجاء والشفقة على خلقه والمحبة لأوليائه (وكرمت علانيته) أي ظهرت أنوار سريرته على جوارحه فكرمت أفعالها بتقوى الله وبمكارم أخلاق الدين بالصدق والبر ومراعاة الحقوق (وعزل عن الناس شره) فلم يؤذهم ومن ثم قال مالك بن دينار لراهب: عظني فقال: إن استطعت أن تجعل بينك وبين الناس سورا من حديد فافعل وقيل لبقراط: لم لا تعاشر الناس فقال: وجدت الخلوة أجمع لدواعي السلوة (طوبى لمن عمل بعلمه) لينجو غدا من كون علمه حجة عليه وشاهدا بتفريطه (وأنفق الفضل من ماله) أي صرف الزائد عن حاجته وحاجة عياله في وجوه القرب لئلا يطغى ويسكن قلبه إليه ويحظى بثوابه في العقبى (وأمسك الفضل من قوله) أي وأمسك لسانه عن النطق بما يزيد على الحاجة بأن ترك الكلام فيما لا يعنيه قال بعض العارفين: من شغل بنفسه شغل عن الناس وهذا مقام العاملين ومن شغل بربه شغل عن نفسه وهذا مقام العارفين وفي بعض النسخ من قوته بدل قوله فليحرر <تنبيه> قال الحكيم: هذا من الأحاديث التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم إلخ فهذا تعرفه قلوب المحققين ومن ذلك حديث أنس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته الجدعاء فقال: يا أيها الناس كأن الموت على غيرنا كتب وكأن الحق على غيرنا وجب وكأن ما نشيع من الموتى عن قليل إلينا راجعون نبوءهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنا مخلدون من بعدهم فطوبى لمن شغله عيبه عن عيب الناس (تتمة) قال الغزالي: التواضع خاطر في وضع النفس واحتقارها والتكبر خاطر في رفع النفس واستعظامها والتواضع عامي وخاصي فالعامي اكتفاء بالدون من نحو ملبس ومسكن ومركب والتكبر في مقابلة الترفع عن ذلك والتواضع الخاصي تمرين النفس على قبول الحق من وضيع أو شريف والمتكبر في مقابلة المترفع عن ذلك وهو معصية كبيرة وخطيئة عظيمة (تخ والبغوي) في معجم الصحابة (والباوردي وابن قانع) في معجمه (طب هق) من حديث نصيح العنسي (عن ركب) بفتح فسكون بضبط المصنف (المصري) رمز المصنف لحسنه اغترارا بقول ابن عبد البر حسن وليس بحسن فقد قال الذهبي في المهذب: ركب يجهل ولم يصح له صحية ونصيح ضعيف اه وقال المنذري: رواته إلى نصيح ثقات وقال ابن منده والبغوي: ركب مجهول لا يعرف له صحبة وأقرهم العراقي رواه البزار عن أنس بسند ضعيف وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: نصيح العنسي عن ركب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات اه. وقال في الإصابة: حديث سنده ضعيف قال: ومراد ابن عبد البر بأنه حسن لفظه وقال السخاوي: ضعيف حتى قال ابن حبان: إنه لا يعتمد عليه [ص: 279] وإن قال ابن عبد البر حسن فإنما عنى اللغوي الحديث: 5299 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 5300 - (طوبى لمن رزقه الله الكفاف ثم صبر عليه) لعلمه بأنه لا يصل إليه إلا ما قدر له وأن تعبه في تحصيل غيره محال وضلال ومن ثم قيل لحكيم: من ذا الذي لا هم له قال: ليس في الدنيا إلا مهموم لكن أقلهم هما أفضلهم رضا وأقنعهم بما رزق والكفاف هو الوسط المحمود ومن ثم قيل: خير الأمور أوساطها فعند التمام يكون النقصان <تنبيه> ذهب جمع إلى تفضيل الفقر على الغنى وعكس آخرون وفضل القرطبي الكفاف عليهما ففي المفهم إنه يقال جمع لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الحالات الثلاث فكان الفقر أول حالاته فقام بواجبه من مجاهدة النفس ثم فتح عليه الفتوح فصار بها في حد الغنى فقام بواجب الغنى من المواساة والإيثار وغيرهما مع اقتصاره على ما يسد ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم فهي الأفضل (نكتة) قال الغزالي: لما أراد ابن أدهم دخول البادية خوفه الشيطان بأنها بادية مهلكة ولا زاد فعزم على نفسه أن يقطعها متجردا وأن لا يقطعها حتى يصلي تحت كل ميل منها ألف ركعة ووفى بذلك فحج الرشيد فرآه فيها فقال: كيف تجدك يا أبا إسحاق فقال: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا. . . فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه. . . وجاد بدنياه لما يتوقع (فر عن عبد الله بن حنطب) بفتح المهملة وسكون النون وفتح الطاء المهملة بن الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم قال في التقريب: مختلف في صحبته له حديث مختلف في إسناده أي وهو هذا وذلك لأن فيه أحمد بن محمد بن مسروق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لينه الدارقطني عن خالد بن مخلد قال أحمد: له مناكير وقال ابن سعد: منكر الحديث مفرط التشيع الحديث: 5300 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 5301 - (طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات) وذلك لأن الله مدحهم بإيمانهم بالغيب وكان إيمان الصدر الأول غيبا وشهودا فإنهم آمنوا بالله واليوم الآخر غيبا وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم شهودا لما أنهم رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات وآخر هذه الأمة آمنوا غيبا بما آمن به أولها شهودا فلذا أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ ابن عبد البر من هذا الحديث ونحوه أنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة وأيده بعضهم بخبر ابن عمر مرفوعا: أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا؟ قالوا: الملائكة قال: وحق لهم بل غيرهم قالوا: الأنبياء قال: وحق لهم بل غيرهم ثم قال: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانا انتهى (حم تخ حب ك) في المناقب (عن أبي أمامة) الباهلي (حم عن أنس) بن مالك قال الحاكم: صحيح فتعقبه الذهبي بأن فيه جميع بن ثوب واه وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: وفيه من لم أعرفه وقال مرة أخرى: إسناد أحمد ضعيف الحديث: 5301 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 5302 - (طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات) ولهذا قال ابن مسعود للحرث بن قيس عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد ولم تروه وقد اعتضد بهذه الأحاديث ونحوها من ذهب إلى أن المراد بالأفضلية في [ص: 280] حديث خير الناس قرنى أفضلية المجموع لا الأفراد قالوا: والسبب في كون القرن الأول أفضل أنهم كانوا غرباء في زمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وقبضهم على دينهم وكذا غيرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا عند ذلك أيضا غرباء وقد زكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك وما تقدم عن ابن عبد البر نوزع فيه بأن قضية كلامه أن يكون فيمن يجيء بعد الصحابة من يكون أفضل من بعضهم وبه صرح القرطبي قال ابن حجر: لكن كلام ابن عبد البر ليس على إطلاقه في جميع الصحابة فإنه صرح باستثناء أهل بدر والحديبية نعم الجمهور على أن فضل الصحابة لا يعدله شيء لمشاهدة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأما من سبق إليه بالهجرة أو النصر وضبط الشرع وتبليغه لمن بعده فلا يعدله أحد ممن بعده ومحل النزاع فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة وبه يجمع بين الأحاديث (الطيالسي) أبو داود (وعبد بن حميد عن ابن عمر) بن الخطاب قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقيل له: أرأيت من آمن بك ولم يرك وصدقك ولم يرك قال: أولئك إخواني أولئك معي ثم ذكره الحديث: 5302 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 5303 - (طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني) قال في المطامح وغيره: وهم المؤمنون بالغيب (حم طب عن أبي سعيد) الخدري أن رجلا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فذكره الحديث: 5303 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 5304 - (طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي: طوبى لهم وحسن مآب) قال بعض الصوفية: الله سبحانه وتعالى يحب من أحب أحبابه وهم يحبون من أحب أحبابهم ووفى لهم عهد المحبة ألم تسمع قول العارف على وفا؟ يا أمة الرحمن قوموا واسمعوا. . . لبشارتي بمسامع الإيمان من حبني أو حب من قد حبني. . . حقا وصدقا فهو من أعياني وفوا له عهد المحبة واحفظوا. . . فيه حقوق ظهوري الروحاني ولباب حاني من أتى متطفلا. . . فعلي أن أرضيه في رضواني فارعوا حماه وبشروه بأنه. . . علقت يداه بمنة وأمان (طب ك) في المناقب (عن عبد الله بن يسر) قال الذهبي: فيه جميع بن ثوب واه وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة وبقية رجاله ثقات الحديث: 5304 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 5305 - (طوبى لمن رآني) أي وأثرت فيه بركة نظري إليه ورؤيته لي (ولمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني) والعارفون يرونه في عالم الحس يقظة حتى قال الشيخ أبو العباس المرسي: لو احتجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من الفقراء وفي رواية من المسلمين وكان بعضهم يعيد كل صلاة غفل فيها عن شهوده ولو سهوا ويقول: من توارى عنه شهوده في صلاته ولم يصافحه فيها فهي خداج لأنه الذي يمد جميع العمال بشريعته [ص: 281] في مراتب الكمال وهذا المقام وإن عسر على الناس ولا يقول به كثير فكل ميسر لما خلق له فمن أهله الله لمقام صعب المرتقى فهو عنده من أسهل الأمور (عبد بن حميد عن أبي سعيد) الخدري (ابن عساكر) في تاريخه (عن وائلة) بن الأسقع الحديث: 5305 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 5306 - (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس) فلم يشتغل بها فعلى العاقل أن يتدبر في عيوب نفسه فإن وجد بها عيبا اشتغل بعيب نفسه فيستحي من أن يترك نفسه ويذم غيره بل يعلم أن عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه إن كان ذلك عيبا يتعلق بعقله واختياره فإن كان خلقيا فالذم له ذم للخالق فإن من ذم صفة فقد ذم صانعها. قال رجل لبعض الحكماء: يا قبيح الوجه فقال: ما كان خلق وجهي إلي فأحسنه وإذا لم يجد بنفسه عيب فليعلم أن ظنه بنفسه أنه عرى من كل عيب جهل بنفسه وهو من أعظم العيوب. قال البيهقي: ذكر رجل عند الربيع بن خيثم فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ منها إلى ذم غيرها إن العباد خافوا الله على ذنوب غيرهم وأمنوه على ذنوب أنفسهم. وقال بعضهم: تقيدت ببيت سمعته: لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها. . . لنفسي قي نفسي عن الناس شاغل وقال حكيم: لا أحسب أحدا لا يتفرغ لعيب الناس إلا عن غفلة غفلها عن نفسه ولو اهتم لعيب نفسه ما تفرغ لعيب أحد ونقل شيخنا العارف الشعراني عن شيخه البرهان القلقشندي: أن من علامة بعد العبد عن حضرة ربه نسيان عيوبه ونقائصه فقلت: كيف قال: لأن حضرة الحق نور وشأن النور أن يكشف عن الأشياء بخلاف الظلام قال: ومن هنا عرف الأولياء كون الحق تعالى يحبهم أو يبغضهم أو راض أو غضبان حتى قال الكرخي: لي منذ ثلاثين سنة وأنا أرى الحق ينظر إلي نظر الغضب وكان الديري يرى الفضل لله الذي لم يخسف به الأرض ولم يمسخ صورته وقال أخي أفضل الدين لو كشف للإنسان لرأى ذاته كلها عيوبا ضم بعضها إلى بعض فصارت صورة أذى (وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله) فإنه بذلك يسلم من آفات اللسان التي هي عين الخسران ومن ثم قيل: يا كثير الفضول قصر قليلا. . . قد فرشت الفضول عرضا وطولا قد أخذت من القبيح بحظ. . . فاسكت الآن إن أردت جميلا قال الغزالي: انظر إلى الناس كيف قلبوا الأمر: أمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان (ووسعته السنة فلم يعد) بالدال (عنها إلى البدعة) وهو الرأي الذي لا أصل له من كتاب ولا سنة كما سلف (فر عن أنس) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: طوبى إلخ ورواه العسكري عنه أيضا وعده من الحكم والأمثال ورواه أيضا أبو نعيم من حديث الحسين بن علي والبزار من حديث أنس أوله وآخره والطبراني والبيهقي وسطه الحديث قال الحافظ العراقي وكلها ضعيفة الحديث: 5306 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 5307 - (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله) قاله جوابا لمن سأل: أي الناس خير؟ وطوبى كلمة إنشاء لأنها دعاء معناها أصاب الخير من طال عمره وحسن عمله وكان الظاهر أن يجاب بقوله من طال فالجواب من الأسلوب الحكيم أي غير خاف أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله <تنبيه> قال علي: موت الإنسان بعد أن كبر وعرف ربه خير من موته طفلا بلا حساب في الآخرة ذكره الطيبي وقال القاضي: لما كان السؤال عما هو غيب لا يعلمه إلا الله عدل عن الجواب إلى كلام مبتدأ ليشعر بأمارات تدل عن المسؤول عنه وهو طول العمر مع حسن العمل فإنه يدل على سعادة الدارين والفوز بالحسنيين (طب حل عن عبد الله بن يسر) رمز المصنف لحسنه قال الحافظ العراقي: فيه بقية رواه بصيغة عدل وهو مدلس الحديث: 5307 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 [ص: 282] 5308 - (طوبى لمن ملك لسانه) لأن في حفظ اللسان والعزلة السلامة من آفات الدنيا ومفسدات الأعمال والنطق بلا حاجة لا يخلو إما من أن يكون قولا محظورا وهو ظاهر وإما أن يكون مباحا ففيه شغل الكرام الكاتبين بما لا فائدة فيه (ووسعه بيته) أي اعتزل الناس (وبكى على خطيئته) بأن يتذكر ذنوبه ويعددها ويبكي على ما فرط منه (طص) وكذا الأوسط (حل عن ثوبان) قال الهيثمي كالمنذري: إسناده حسن اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 5308 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 5309 - (طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به) فلم يطلب زيادة عليه لعلمه بأن رزقه مقسوم لن يعدو ما قدر له ولهذا قيل لحكيم: ما الغنى قال: قلة تمنيك ورضاك وقنعك بما يكفيك واحتج به من فضل الفقر على الغنى وعكس آخرون وقال قوم: ينبغي ترك الاختيار ومراعاة قسمة الجبار فمن رزقه مالا شكره أو كفافا لم يتكلف الطلب وبذلك يرتقي إلى مقام الزاهدين ويكون من المنفردين المنقطعين إلى الله الذين لهم الأنس خدم رب العالمين كما قيل: تشاغل قوم بدنياهم. . . وقوم تخلوا لمولاهم. . . فألزمهم باب مرضاته وعن سائر الخلق أغناهم. . . فطوبى لهم ثم طوبى لهم. . . لقد أحسن الله مثواهم (ت حب ك) في الإيمان (عن فضالة بن عبيد) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 5309 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 5310 - (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا) فائدة العدول عن المتبادر والظاهر هو أن يقال طوبى لمن استغفر كثيرا أنه جعل من الكناية عنه فدل على حصول ذلك جزئيا وعلى الإخلاص لأنه ما لم يكن مخلصا فيه كان هباء منثورا فلم يجد في صحيفته إلا ما هو وبال عليه (هـ عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (حل عن عائشة حم في الزهد عن أبي الدرداء موقوفا) قال النووي: سنده جيد الحديث: 5310 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 5311 - (طوبى لمن يبعث يوم القيامة وجوفه محشو بالقرآن) أي بحفظه ومعرفة معانيه (والفرائض) أي أحكام الفرائض التي افترضها الله على عباده (والعلم) الشرعي النافع عطف عام على خاص (فر عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد قال الذهبي: قال الدارقطني: يضع الحديث الحديث: 5311 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 5312 - (طوبى شجرة في الجنة مسيرة مئة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) جمع كم بالكسر وعاء الطلع قال عبيد بن عمير: هي شجرة في جنة عدن في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل دار وغرفة لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا فيها منها إلا السواد ولا يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا فيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله بأنواع التسبيح (حم حب عن أبي سعيد) الحديث: 5312 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 5313 - (طوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت بالحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة) لطولها قال جمع مفسرون: وشجرة طوبى هذه هي المرادة بقوله تعالى {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} وحكى الأصم أن هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن (ابن جرير) الطبري (عن) أبي معاوية (قرة) بضم [ص: 283] القاف وشد الراء (ابن إياس) بكسر الهمزة المزني الحديث: 5313 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 5314 - (طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت الحلي والثمار متهدلة على أفواههم) أي متدلية على أفواه الخلائق الذين هم أهلها وأعاد للضمير عليهم من غير سبق ذكرهم للعلم به على حد قوله تعالى {حتى توارت بالحجاب} قال في الصحاح وغيره: تهدلت أغصان الشجرة أي تدلت وهدل الشيء أرخاه وأرسله إلى أسفل اه. وفي تفسير الثعلبي عن قرة يرفعه طوبى شجرة في الجنة يقال لها تفتقي لعبدي فتتفتق له عن الخيل المسرجة الملجمة وعن الإبل بأزمتها وعما شاء من الكسوة وما من الجنة أهل إلا وغصن من تلك الشجرة متدل عليهم فإذا أرادوا أن يأكلوا منها تدلت لهم فأكلوا منها ما شاؤوا (ابن مردويه) في تفسيره (عن ابن عباس) وإسناده ضعيف الحديث: 5314 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 5315 - (طوبى شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله فيسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا) أي سنة ولا ينافيه قوله في الرواية السابقة مئة عام لاحتمال أن المئة للماشي والسبعين للراكب أو هذا للمجد وذلك للمتمهل (ورقها الحلل يقع عليها الطير كأمثال البخت) زاد في رواية فإذا أرادوا أن يأكلوا منها يجيء الطير فيأكلوا منه قديدا وشوي ثم يطير والبخت بضم الباء وسكون المعجمة نوع من الإبل واحده بخنى كروم ورومي ويجمع على بخاتى ويخفف ويثقل وتوقف بعضهم في كون البخت عربية (ابن مردويه) في تفسيره (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا أبو نعيم والديلمي عن ابن مسعود الحديث: 5315 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 5316 - (طول مقام أمتي في قبورهم تمحيص لذنوبهم) أي تخلص لهم منها (عن ابن عمر) بن الخطاب لم يذكر المصنف مخرجه وفيه عبد الله بن أبي غسان الأفريقي قال في الميزان: سمع مالكا وأتى عنه بخبر باطل ثم ساق هذا الخبر الحديث: 5316 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 5317 - (طلاق الأمة) أي تطليقها (تطليقتان وعدتها حيضتان) أخذ به أبو حنيفة فاعتبر الطلاق بحرية الزوجة ورقها لا الزوج وعكسه الشافعي ومالك وأحمد وأجابوا بضعف الخبر ومعارضته لخبر الموطأ إذا طلق العبد امرأته تطليقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة أو أمة وصححه الدارقطني وغيره (د ت هـ ك) في الطلاق (عن عائشة هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال أبو داود: حديث مجهول والترمذي غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ولا يعرف له غيره وأصل ذلك أن الطلاق ممنوع بأصل الشرع لأنه هدم لبيت في الإسلام وصد عن المقصود من الألفة والالتئام لكن وضعه الله مخلصا عند وقوع النفرة وعدم الألفة فجرى مجرى العقوبات وحد العبد في الأمر المتعلق بالفرج ناقص عن حد الحر فجرى عندهم الطلاق هذا المجرى وقال ابن العربي: ليس في الباب حديث صحيح وقال الذهبي: مظاهر هذا ضعفوه اه. وأورده في الميزان في ترجمة عمر بن شبيب ونقل تضعيفه عن جمع الحديث: 5317 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 [ص: 284] 5318 - (طيب الرجال) اللائق بهم المناسب لشهامتهم (ما ظهر ريحه وخفي لونه) كالمسك والعنبر قال العامري: نبه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أدبه للرجال وللنساء ففيما ظهر لونه رعونة وزينة لا يليق بالرجولية (وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه) أي عن الأجانب كالزعفران ولهذا حرم على الرجال المزعفر قال البغوي: قال سعد: أراهم حملوا قوله وطيب النساء على ما إذا أرادت الخروج أما عند زوجها فتتطيب بما شاءت (ت) في الاستئذان (عن أبي هريرة) وحسنه (طب والضياء) المقدسي (عن أنس) ورواه عنه البزار أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح ورواه النسائي عن أبي هريرة وكذا أبو داود مطولا في النكاح الحديث: 5318 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 5319 - (طيبوا أفواهكم بالسواك) أي نقوها ونظفوها وأحسنوا ريحها بالاستياك فالمراد اجعلوها طيبة لا مطيبة (فإن أفواهكم طريق القرآن (1)) ومن تعظيمه تطهير مورده (الكجي (1) في سننه عن وضين (3) مرسلا السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عنه عن بعض الصحابة) ولا يضر إبهامه لأنهم عدول   (1) فيندب السواك ويتأكد في مواضع منها عند إرادة تلاوة القرآن (2) بفتح الكاف وشدة الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص وهو أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله (3) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة ابن عطاء الحديث: 5319 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 5320 - (طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن (1)) (هب) من طريق غياث بن كلوب عن مطرف بن سمرة عن أبيه (عن سمرة) رمز المصنف لحسنه ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه ساكتا عليه وليس كذلك بل عقبه ببيان علته فقال: غياث هذا مجهول انتهى وقال الذهبي: غياث ضعفه الدارقطني انتهى. وأقول: فيه أيضا الحسن بن الفضل بن السمح قال الذهبي: مزقوا حديثه   (1) ومن تعظيمه تطهير طريقه الحديث: 5320 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 5321 - (طيبوا ساحاتكم) جمع ساحة وهي المتسع أمام الدار (فإن أنتن الساحات ساحات اليهود) فلا تشبهوا بهم في هذه القاذورات وهذا تنبيه من المصطفى صلى الله عليه وسلم على تحري الطهارة الظاهرة والباطنة فإن الإسلام نظيف كما تقدم في عدة أخبار (طس عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5321 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 5322 - (طير كل عبد في عنقه) (عبد بن حميد عن جابر) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى ولا أحق بالعزو منه وهو ذهول فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المزبور عن جابر المذكور قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 5322 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 5323 - (طينة المعتق) بفتح التاء بضبط المصنف (من طينة المعتق) بكسر التاء بضبطه أي سباعه وجبلته قال ابن الأنبار: [ص: 285] يقال طانه الله على طينته أي خلقه على جبلته وطينة الرجل خلقه (ابن لال وابن النجار) في تاريخه (فر عن ابن عباس) رواه الديلمي وابن لال من وجهين وهو بأحدهما عند الجلابي في رواية الأبناء عن الآباء في العباسيين وفيه قصة ثم إن فيه أحمد بن إبراهيم الزوري قال في الميزان: لا يدرى من هو وأتى بخبر باطل ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 5323 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 5324 - (طي الثوب راحته) أي من انتهاك الشياطين له ولبسها إياه فإن الشياطين لا يلبسون ثوبا مطويا كما في الخبر المار أو شبهه فيما يفعل به من الطي برجل يكون في عمل فإذا فرغ منه استراح (فر عن جابر) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وعمر بن موسى الوجيهي قال يحيى: غير ثقة والنسائي والدارقطني: متروك وابن عدي: هو في عداد من يضع انتهى الحديث: 5324 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الطاء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 5325 - (الطابع) بالكسر (1) الختم الذي يختم به (معلق بقائمة العرش فإذا انتهكت الحرمة) أي تناولها الناس بما لا يحل وفي رواية الحرمات بلفظ الجمع (وعمل بالمعاصي واجترئ على الله) ببناء انتهك وعمل واجترئ للمفعول (بعث الله) أي أرسل (الطابع فيطبع قلبه) أي على قلب كل من المنتهك والعاصي والمجترئ (فلا يعقل بعد ذلك شيئا) هذا على سبيل المجاز والاستعارة ولا خاتم ولا ختم في الحقيقة والمراد أنه يحدث في نفوسهم هيئة تمرنه على استحسان المعاصي واستقباح الطاعات حتى لا يفعل غير ذلك (2) ذكره الزمخشري قال البغوي في شرح السنة: والأقوى إجراؤه على الحقيقة لفقد المانع والتأويل لا يصار إليه إلا لمانع (البزار) في مسنده (هب) وكذا ابن عدي وابن حبان في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري وقال الحافظ العراقي: حديث منكر انتهى وذلك لأن فيه سليمان بن مسلم الخشاب قال في الميزان: لا تحل الرواية عنه إلا للاعتبار وساق من مناكيره هذا الخبر وأعاده في محل آخر وقال: هو موضوع في نقدي ووافقه ابن حجر في اللسان وقال الهيثمي: فيه سليمان الخشاب ضعيف جدا   (1) قال في النهاية: الطابع بالفتح الخاتم (2) قال تعالى {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} الحديث: 5325 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 5326 - (الطاعم الشاكر) من الشكر وهو تصور النعمة وإظهارها قيل هو مقلوب الكشر وهو الكشف لأن الشاكر يكشف النعم (بمنزلة الصائم الصابر) لأن الطعم فعل والصوم كف عن فعل فالطاعم بطبعه يأتي ربه بالشكر والصائم بكفه عن الطعم يأتي ربه بالصبر قال الطيبي: وقد تقرر في علم المعاني أن التشبيه يستدعي جهة جامعة والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء فكيف شبه الشاكر بالصابر؟ وجوابه أنه ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر فقد يتوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر الصائم فأزيل توهمه به يعني هما سيان في الثواب ولأن الشاكر لما رأى النعمة من الله وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب وإظهارها باللسان نال درجة الصابر فالتشبيه واقع في حبس النفس بالمحبة والجهة العامة حبس النفس مطلقا. وقال الغزالي: هذا دليل على فضيلة الصبر إذ ذكر ذلك في معرض المبالغة لرفع درجة الشكر فألحقه بالصبر فكان هذا منتهى درجته ولولا أنه فهم من الشرع علو درجة الصبر لما كان إلحاق الشكر به مبالغة في الشكر (حم ت هـ ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال العراقي: علقه البخاري وأسنده الترمذي وغيره الحديث: 5326 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 [ص: 286] 5327 - (الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر) بل ربما كان في بعض الأفراد أفضل وذلك عند تعدي النفس وحالة الضرورة قال الحكيم: فهذا شكر الصادقين عدل شكره على طعامه بصبره في صيامه أما شكر الصديقين أولياء الرحمن فقد فاق على صبر الصائمين لأن الصبر ثبات العبد في مركزه على الشهوات برد ما يحتاج منها والشاكر من الصديقين يطعم فيفتتح طعامه ببسم الله الذي تملأ تسميته ما بين السماء والأرض ويطفىء حرارة الشهوة ويرى لطف الله في ذلك الطعام وبهذا وما قبله احتج ابن القيم لمن فضل الشكر على الصبر لأنه ذكر في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى قال ابن الأثير: والطاعم الآكل يقال طعم يطعم طعما فهو طاعم إذا أكل أو ذاق (حم هـ عن سنان) بكسر المهملة وخفة النون الأولى (ابن سنة) بضم السين والتشديد بضبط المصنف كذا وقفت عليه بخطه في مسودة هذا الكتاب وهو غير صواب ففي التقريب كأصله سنان بن سنة بفتح المهملة وتشديد النون الأسلمي المدني صحابي مات في خلافة عثمان قال الحافظ العراقي: في إسناده اختلاف الحديث: 5327 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 5328 - (الطاعون) فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ذكره الجوهري (بقية رجز) بكسر الراء قال ابن حجر: ووقع الرجس بسين مهملة بدل الرجز بالزاي والذي بالزاي هو المعروف قال التوربشتي: والرجز العذاب وأصله الاضطراب ومنه قيل رجز البعير راجزا إذا تقارب خطوه واضطرب لضعف فيه (أو عذاب أرسل على طائفة) هم قوم فرعون (من بني إسرائيل) هم الذين أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجدا فخالفوا فأرسل عليهم الطاعون فمات منهم في ساعة سبعون ألفا قال ابن حجر: وقوله أو عذاب كذا وقع بالشك ووقع بالجزم عند ابن خزيمة عن عامر بن سعد بلفظ إنه رجس سلط على طائفة من بني إسرائيل (فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا) منه فيحرم ذلك (وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها) قال الخطابي: في أحد الأمرين تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم وقال التوربشتي: إنه تعالى شرع لنا التوقي عن المحذور وقد صح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما بلغ الحجر منع أصحابه من دخوله وأما نهيه عن الخروج فلأنه إذا خرج الأصحاء ضاعت المرضى من متعهد والموتى من التجهيز والصلاة عليهم وقال الغزالي: إنما نهى عن الخروج كالدخول مع أن سببه في الطب الهواء وأظهر طرق التداوي الفرار من المضر وترك التوكل في نحوه مباح لأن الهواء لا يضر من حيث تلاقي ظاهر البدن بل من حيث دوام استنشاقه فإنه إذا كان فيه عفونة ووصل إلى الرئة والقلب أثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر إلا بعد استحكام التأثير في الباطن فالخروج لا يخلص لكنه يوهم الخلاص فيصير من جنس الموهومات كالطيرة فلو تجرد هذا المعنى لم يكن منهيا لكنه انضم له شيء آخر وهو أنه لو رخص للأصحاء في الخروج لم يبق بالبلد إلا من طعن فيضيع حالهم فيكون محققا لإهلاكهم وخلاصهم منتظر كما أن صلاح الأصحاء منتظر ولو أقاموا لم تكن الإقامة قاطعة بالموت ولو خرجوا لم يقطع بالخلاص والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا أو ينعكس هذا فيمن لم يدخل البلد فإن الهواء لم يؤثر بباطنه ولا بأهل البلد حاجة إليه فإن لم يبق بالبلد إلا مطعون وافتقروا لمتعهد وقدم عليهم لم ينه عن الدخول بل يندب للإعانة ولأنه يعرض لضرر موهوم على رجاء دفع ضرر عن بقية المسلمين كما يؤخذ من تشبيهه الفرار هنا بالفرار من الزحف لأن فيه كسرا لقلوب البقية وسعيا في إهلاكهم (ق عن أسامة) بن زيد ورواه عنه النسائي أيضا الحديث: 5328 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 5329 - (الطاعون شهادة لكل مسلم) أي سبب لكون الميت منه شهيدا في حكم الآخرة وظاهره يشمل الفاسق فيكون شهيدا [ص: 287] لكنه لا يساوي مرتبة مسلم غبر فاسق في أنه يغفر له جميع ذنوبه وإنما يغفر له غير حق الآدمي أخذا من خبر إن الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين اه وفيه أن الخير كله لأهل الإيمان وإن كان ظاهر ما يجري عليهم ضده لأن الطاعون كان لمن قبلنا بلاء فصار لنا رحمة لحصول الشهادة به وأن العادة لا تؤثر بنفسها لأن هذا كان بلاء بنفسه لمن تقدم ثم عاد بنفسه وصفته رحمة والصفة واحدة لم تتغير (حم ق عن أنس) الحديث: 5329 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 5330 - (الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء) من فاسق أو كافر (وإن الله جعله رحمة للمؤمنين) من هذه الأمة فجعله رحمة من خصوصياتها وهل المراد بالمؤمن الذي جعله رحمة له الكامل أو أعم؟ احتمالان (فليس من أحد) أي مسلم (يقع الطاعون) في بلد هو فيه (فيمكث في بلده صابرا) غير متزعج ولا قلق بل مسلما مفوضا راضيا وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت به (محتسبا) أي طالبا للثواب على صبره على خوف الطاعون وشدته (يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له) قيد آخر وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة فلو مكث وهو قلق متندم على عدم الخروج ظانا أنه لو لم يخرج لم يقع به فاته أجر الشهادة وإن مات به هذا قضية مفهوم الخبر كما اقتضى منطوقه أن المتصف بما ذكر له أجر شهيد وإن لم يمت به (إلا كان له مثل أجر شهيد) هو استثناء من أحد وسر التعبير بالمثلية مع ثبوت التصريح بأن من مات به شهيد أن من لم يمت به له مثل أجر شهيد وإن لم يحصل له درجة الشهادة نفسها قال ابن حجر: ويؤخذ منه أن من اتصف بالصفات المذكورة ثم مات بالطاعون له أجر شهيدين ولا مانع من تعدد الثواب بتعدد الأسباب كمن يموت غريبا أو نفساء بالطاعون والتحقيق أنه يكون شهيدا بوقوع الطاعون به ويضاف له مثل أجر شهيد لصبره فإن درجة الشهادة شيء وأجرها شيء قال ابن أبي جمرة: وقد يقال درجات الشهداء متفاوتة فأرفعها من اتصف بما ذكر ومات بالطاعون ودونه من اتصف بذلك وطعن ولم يمت به ودونه من اتصف ثم لم يطعن ولم يمت به قال ابن حجر: ويؤخذ منه أن من لم يتصف بذلك لا يكون شهيدا وإن مات بالطاعون وذلك ينشأ من شؤم الاعتراض الناشئ عن الضجر والسخط للقدر (حم خ عن عائشة) قاله لها حين سألته عن الطاعون ما هو الحديث: 5330 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 5331 - (الطاعون غدة كغدة البعير المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف) قال ابن القيم: حكمة تسليط الجن على الإنس بالطاعون أن أعداءنا منهم شياطينهم وأتقياؤهم إخواننا وأمرنا الله بمعاداة أعدائنا فأبى أكثر الناس إلا موالاتهم فسلطوا عليهم عقوبة لهم ومن أمثالهم إذا كثر الطاعون أرسل عليهم الطاعون (حم عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 5331 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 5332 - (الطاعون وخز) بفتح أوله وسكون المعجمة ثم زاي أي طعن أعدائكم وفي النهاية تبعا لغريب الهروي إخوانكم قال ابن حجر: ولم أره بلفظ إخوانكم بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث المسندة ولا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة وعزاه البعض لمسند أحمد والطبراني وابن أبي الدنيا ولا وجود له فيها قال المؤلف: وأما تسميتهم إخوانا في حديث العظم باعتبار الإيمان فإن الأخوة في الدين لا تستلزم الاتحاد في الجنس (من الجن) [ص: 288] لا يعارضه قول ابن سينا وغيره من الحكماء إنه شبه دم رديء يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغثي لأنه يجوز كونه يحدث من الطليعة الباطنة فيحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها والوخز وهو طعن غير نافذ ووصف طعن الجن بأنه وخز لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر فيؤثر في الباطن أولا ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ (وهو لكم شهادة) لكل مسلم وقع به أو وقع في بلد هو فيها (ك عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 5332 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 5333 - (الطاعون شهادة لأمتي) أي الميت في زمنه منهم له أجر شهيد وإن مات بغير الطاعون (ووخز أعدائكم من الجن غدة كغدة الإبل تخرج في الآباط والمواق من مات فيه مات شهيدا ومن أقام به كان كالمرابط في سبيل الله ومن فر منه كان كالفار من الزحف) قال الزمخشري: الغدة والغدد داء يأخذ البعير فترم نكفتاه (1) له فيأخذه شبه الموت وبعير مغد ومغدود وغاد وفي أمثالهم غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية قاله عامر بن الطفيل عند دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه فطعن والمراق أسفل البطن جمع مرق. إلى هنا كلامه (طس وأبو نعيم في فوائد أبي بكر بن خلاد عن عائشة) قال الهيثمي: إسناده حسن   (1) أي لهزمتاه قال في الصحاح: النكفتان اللهزمتان وهما عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين اه الحديث: 5333 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 5334 - (الطاعون والغرق) بفتح الغين المعجمة وبعد الراء المكسورة قاف الذي يموت بالغرق (والبطن (1) والحرق) بضبط ما قبله أي الذي يموت بحرق النار (والنفساء) التي تموت بالطلق (شهادة لأمتي) (حم طب والضياء) المقدسي وكذا البخاري في تاريخه (عن صفوان بن أمية) بن خلف الجمحي المكي صحابي من المؤلفة من أشراف قريش قال الهيثمي: فيه مندل بن علي وفيه كلام كثير وقد وقع لابن قانع في هذا وهم فاحش فإنه أخرج الحديث وجعل صحابيه عامر بن مالك بن صفوان وإنما هو عامر بن مالك عن صفوان فصحف عن بابن فصارت ابن نبه عليه ابن فتحون وتبعه في الإصابة   (1) إن كانت الرواية كذلك كان المناسب له أن يقول قبل شهادة لأمتي أي السبب الحاصل لكل منهم الحديث: 5334 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 5335 - (الطاهر النائم كالصائم القائم) لأن الصائم بترك الشهوات يطهر وبقيامه بالليل يرحم والنائم على طهر محتسبا يكرم فإن نفسه تعرج إلى الله فإذا كان طاهرا قرب فسجد تحت العرش وإن كان غير طاهر سجد قاصيا فلذلك يندب النوم على طهر والروح والنفس قرينان لكن الروح تدعو إلى الطاعة لأنه سماوي والنفس تدعو إلى الشهوة لأنها أرضية فبالنفس يأكل ويشرب ويسمع ويبصر وبالروح يعف ويستحي ويتكرم ويتلطف ويعبد ربه ويطيع والنفس هي الأمارة بالسوء فإذا نام خرجت بحرارتها فعرج بها إلى الملكوت والروح باق معلق بنياط القلب وأصل النفس باق مقيد بالروح وقد خرج شعاعها ومعظمها وحرارتها ولذلك إذا استيقظ النائم يجد في أعضائه بردا فذلك لخروج حرارة النفس وقال معاذ لأبي موسى: إني أنام نصف الليل وأقوم نصفه وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي لأنه عرف [ص: 289] ما يرجع به النفس من الله إليه بتلك النومة فخاصة الله عندهم النوم أكثر من القيام كما يأتي (فر عن عمرو بن حريث) قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف اه. وذلك لأن فيه ابن لهيعة وغيره من الضعفاء الحديث: 5335 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 5336 - (الطبيب الله) خاطب به من نظر الخاتم وجهل شأنه فظن أنه سلعة تدلت من فضلات البدن فقال أنا طبيب أداويها أي إنما الشافي المزيل للأدواء والعالم بحقيقة الأدوية هو الله (ولعلك ترفق بأشياء يخرق بها غيرك) أي ولعلك تعالج المريض بلطافة العقل فتطعمه ما ترى أنه أوفق إليه وتحميه عما يخاف منه على علته وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره استعمال اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك قال التوربشتي: والطبيب الحاذق بالشيء الموصوف ولم يرد بهذا نفي هذا الاسم ممن يتعاطى ذلك وإنما حول المعنى من الطبيعة إلى الشريعة وبين أن الذي يرجون من الطبيب فالله فاعله وليس الطبيب بموجود في أسماء الله تعالى اه. فإن قيل: يجوز إطلاقه عليه تعالى فيقال يا طبيب عملا بهذا الخبر قلنا: لا لأنه حديث ضعيف وقد شرطوا لجواز الإطلاق صحة الحديث كما مر وبفرض صحته فهو ممنوع لأنه وقع كما قال الطيبي مقابلا لقوله أنا طبيب مشاكلة وطباقا للجواب على السؤال كقوله تعالى {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} (الشيرازي عن مجاهد) بن جبر (مرسلا) الحديث: 5336 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 5337 - (الطرق يظهر بعضها بعضا) أي بعضها يدل على بعض (عد هق عن أبي هريرة) الحديث: 5337 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 5338 - (الطعام بالطعام) أي البر بالبر (مثلا بمثل (1)) أي فلا يجوز بيع الطعام بالطعام بعضه ببعض إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين وإلا فهو ربا قال القاضي: الطعام الحنطة سمي به لأنه أشرف ما يقتات به وأنفع ما يطعم (حم م) في الربا (عن معمر بن عبد الله) بن نافع العدوي ممن هاجر إلى الحبشة ولم يخرجه البخاري   (1) بسكون المثلثة أي المتساويين إن اتحد الجنس فإن اختلف جاز التفاضل بشرط الحلول والتقابض الحديث: 5338 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 5339 - (الطعن) أي بالرماح والنشاب (والطاعون) وخز الجن (والهدم) بفتح فسكون اسم فعل وبكسر الدال الميت تحت الهدم (وأكل السبع) يعني مأكوله (والغرق) بفتح الغين وكسر الراء وفي رواية الغريق بالياء أي الذي يموت في الماء (والحرق) بفتح الحاء وكسر الراء وفي رواية بالياء فعيل بمعنى مفعول (والبطن) أي الذي يموت بمرض بطنه (وذات الجنب) الذي يشتكي جنبه من نحو دبيلة (شهادة) على ما مر توضيحه في حرف الشين (ابن قانع) في المعجم وكذا الطبراني (عن ربيع الأنصاري) رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 5339 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 5340 - (الطفل لا يصلى عليه (1) ولا يرث ولا يورث حتى يستهل) صارخا فإذا استهل صلي عليه اتفاقا فإن لم يستهل وبين فيه خلق آدمي قال أحمد وإسحاق: صلي عليه (2) قال ابن العربي: وهذا الحديث اضطربت رواته فقيل مسندا موقوفا وباختلاف الروايات يرجع إلى الأصل وهو أنه لا يصلى إلا على حي والأصل الموت حتى تثبت الحياة اه (ت) من حديث [ص: 290] إسماعيل بن مسلم عن أبي الزبير (عن جابر) رمز المصنف لحسنه وليس كما زعم فقه قال الذهبي: هو واه اه. وتقدمه ابن القطان وغيره فقالوا: الحديث معلول بإسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف جدا قال ابن المديني: لم يزل مخلطا متروك الحديث إنما يحدث عنه ما لا يبصر الرجال   (1) أي لا تجب الصلاة عليه بل ولا تجوز (2) وقال الشافعي إن اختلج صلي عليه وإلا فإن بلغ أربعة أشهر غسل وكفن بلا صلاة الحديث: 5340 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 5341 - (الطمع يذهب الحكمة من قلوب العلماء) ولهذا لما سئل كعب الأحبار بحضرة عمر ما يذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه وعقلوه قال: الطمع وشره النفس وطلب الحاجة إلى الناس وقال الوراق: لو قيل للطمع من أبوك قال الشك في المقدور ولو قيل ما حرفتك قال اكتساب الذل ولو قيل ما غايتك قال الحرمان. قال الحرالي: والطمع تعلق البال بالشيء من غير تقدم سبب له فينبغي للعالم أن لا يشين علمه وتعليمه بالطمع ولو ممن يعلمه بنحو مال أو خدمة وإن قل ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لو يهدها وقد حث الأئمة على أن لا يدنس العلم بالأطماع ولا يذل بالذهاب إلى غير أهله من أبناء الدنيا بلا ضرورة إلى من يتعلمه منه وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه والحكايات عن مالك وغيره مشهورة فعلى العالم تناول ما يحتاجه من الدنيا على الوجه المعتدل من القناعة لا الطمع وأقل درجاته أن يستقذر التعلق بالدنيا ولا يبالي بفوتها فإنه أعلم الناس بخستها وسرعة زوالها وحقارتها وكثرة عنائها وقلة غنائها (في نسخة سمعان عن أنس) كذا بخط المصنف الحديث: 5341 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 5342 - (الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظافر والسواك) أي طهارات لغوية بمعنى النظافة وجمعها بتعدد أفرادها أو شرعية لتوقف كمال الوضوء والغسل عليها قال بعضهم: أشار إلى أن هذه أمهات الطهارات ونبه بها على ما عداها من الطهارات الظاهرة والباطنة فالأولى كطهارة بدن الإنسان من الأدناس والقاذورات وطهارة حواسه من إطلاقها فيما لا يحتاج إليه من الإدراكات وطهارة الأعضاء من إطلاقها في التصرف الخارج عن دائرة الاعتدال المعلوم من الموازين العقلية والقضايا الشرعية والنصائح النبوية والتنبيهات الحكمية سيما اللسان فإن له طهارتين طهارة تختص بالصمت إلا عما يعني ويفيد وطهارة تختص بمراعاة العدل فيما يعبر عنه والثانية طهارة خيالية من الاعتقادات الفاسدة والتخيلات الرديئة وجولانه في ميدان الآمال وطهارة ذهنية من الأفكار الرديئة والاستحضارات الغير واقعة والمعتدة وطهارة عقلية من التقييد بنتائج الأفكار فيما يختص بمعرفة الحق وما يصاحب فيضه المنبسط على الممكنات من غرائب الخواص والعلوم والأسرار وطهارة القلب من التقلب النابع للتشعب بسبب التعلقات الموجبة لتوزيع الهمم وتشتت العزمات وطهارة النفس من أغراضها بل من عينها فإنها خمرة الآمال والأماني والتعشق بالأشياء وكثرة التشوقات المختلفة التي هي نتائج الأذهان والتخيلات وطهارة الروح من الحظوظ الشريفة المرجوة من الحق كمعرفته والقرب منه والاحتظاء بمشاهدته وسائر أنواع النعيم الروحاني المرغوب فيه والمستشرف بنور البصيرة عليه فاعلم ذلك واعتبر من كل طهارة من هذه الطهارات ما يقابلها من النجاسات المعنوية فلا حاجة لسردها (البزار) في مسنده (ع طب عن أبي الدرداء) وفيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف ذكره الهيثمي ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5342 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 5343 - (الطهور) بالفتح للماء وبالضم للفعل وهو المراد هنا إذ لا دخل لغيره في الشطرية الآتية إلا بتكلف وزعم أن الرواية بالفتح لا الضم أبطله النووي (شطر) أي نصف (الإيمان) الكامل بالمعنى الأعم المركب من التصديق والإقرار والعمل وهو وإن تكثرت خصاله وتشعبت أحكامه ينحصر فيما ينبغي التنزه عنه وهو كل منهي والتلبس به وهو كل مأمور أو المراد أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لكنه لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه [ص: 291] عليه في معنى الشرط أو المراد بالإيمان الصلاة وصحتها لاجتماع أمرين للأركان والشروط وأظهر الشروط وأقواها الطهارة فجعلت كأنها الشروط كلها والشرط ما لابد منه حتى ينعقد صحيحا أو الطهور تزكية النفس عن العقائد الزائغة والأخلاق الذميمة وهي شرط للإيمان الكامل فإنه عبارة عن مجموع تزكية النفس من ذلك وتحليها بالاعتقادات الحقة والشمائل المحمودة قال النووي: وأظهر الأقوال الثالث (والحمد لله تملأ الميزان) أي ثواب الكلمة يملأها بفرض الجسمية وقال القزويني: يريد الميزان النظري لأن أنواع الثناء على الحق محصورة في أصلين السلب والإثبات فالتنزيهات إنما تفيد النفي لأنها ليست أمورا وجودية تملأ شيئا بخلاف الصفات الثبوتية فالحمد لله ثناء بوصف ثبوتي فيملأ الميزان العقلي وبه يتم البرهان والتعريف (وسبحان الله والحمد لله تملآن) بالتأنيث على اعتبار الجملة والتذكير بإرادة الذكرين أي يملأ ثواب كل منهما (ما بين السماء والأرض) بفرض الجسمية وذلك لاشتمال هاتين الكلمتين على كمال الثناء والتعريف بالصفات الذاتية والعقلية الظاهرة الآثار في السماوات والأرض وما بينهما (والصلاة نور) لأنها تمنع عن المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به أو لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق وإقباله إلى الخالق أو لأنها تكون نورا لصاحبها بالبهاء في الدنيا وبالأنس في القبر ونورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة حتى توصله للجنة {نورهم يسعى بين أيديهم} وهي نور توضيح الطريق إلى الآخرة وتبين سبيل المراشد فهي نور على نور والنور من نار ينور لما فيه من الحركة والاضطراب (والصدقة برهان) حجة جليلة على إيمان صاحبها أو أنه على الهدى أو الفلاح أو لكون الصدقة تنجيه عند الحساب كما تنجي الحجة عند المحاكمة وقال القزويني: الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه من المجازات لأن المال محبوب للنفوس المنصفة بالخواص الطبيعية فلا يقدر على بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذله وفوزها بالعوض وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قرنت به عقوبة (والصبر) الذي هو حبس النفس عما تتمنى أو يشق والمراد المحمود (ضياء) أي نور قوي تنكشف به الكربات وتنزاح به غياهب الظلمات فمن صبر على ما أصابه من مكروه علما بأنه من قضاء الله وقدره هان عليه ذلك وكفى عنه شره وادخر له أجره ومن اضطرب فيه وأكثر الجزع والهلع لم ينفعه تعبه ولا يدفع سعيه شيئا من قدر الله بل يتضاعف به همه وينحبط أجره والعبد بالصبر يخرج عن عهدة التكليف ويقوى على مخالفة الشيطان والنفس فيفوز في الدارين فوزا والضياء النور القوي والإضاءة فرط الإنارة وقال القونوي في توجيه هذه الفقرة: سره أن الصبر حبس النفس عن الشكوى وهو أمر مؤلم للنفس ولا ريب عند المحققين بالتجربة المكررة والعلم المحقق أن الآلام النفسانية تخمد وهج القوى الطبيعية وتنعش القوى الروحانية الموجبة لتنوير الباطن فلهذا جعل الصبر مثمرا للضياء الذي هو امتزاج النور بالظلمة بخلاف الحال في الصلاة التي قال إنها نور من أجل ما تقرر من سر المقابلة والمسامتة والتمثيل بالشمس والقمر فإنه ليس في ذات القمر ما يمزج بالشمس حتى يسمى الناتج بينهما ضياء ولذلك سمى تعالى القمر نورا دون الشمس المشبهة بالسراج لكونه معدودا من الشجرة المباركة المنفي عنها الجهات وأنها الحضرة الجامعة للأسماء والصفات والمذكور في شأن الصبر هو نور متحصل وناتج من امتزاج واقع من القوى الطبيعية والقوى والصفات الروحانية وغالبيته ومغلوبيته بينهما (والقرآن حجة لك) يدلك على النجاة إن عملت به (أو عليك) إن أعرضت عنه فيدل على سوء عاقبتك قال القونوي: الحجة البرهان الشاهد بصحة الدعوى كمن آمن به أنه كلام الله ومنزل من عنده ومظهر لعلمه من حيث اشتماله على الترجمة عن أحوال الخلق من حيث تعينها لديه سبحانه وترجمة عن صور شؤونه فيهم وعندهم وعن أحوال الخلق بعضهم مع بعض ورد تأويل ما لم [ص: 292] يطلع عليه من أسراره إلى ربه وإنفاذ ما تضمنه من الأوامر والنواهي مع التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه دون تردد وارتياب وارتباط وتسلط بتأويل متحكم بنتيجة نظره القاصر كان حجة وشاهدا له ومن لم يكن كذلك كان حجة عليه (كل الناس) أي كل منهم يغدو (فبائع نفسه) أي فهو بائع نفسه والمبتدأ يكثر حذفه بعد فاء الجزاء والغدو ضد الرواح من الغدوة وهو ما بين الصبح والطلوع والبيع المبادلة والمراد هنا صرف الأنفاس في غرض ما يتوجه نحوه (فمعتقها أو موبقها) أي مهلكها وهو خبر آخر أو بدل من فبائع فإن عمل خيرا وجد خيرا فيكون معتقها من النار وإن عمل شرا استحق شرا فيكون موبقها أو المراد بالبيع الشراء بقرينة قوله معتقها إذ الإعتاق إنما يصح من المشتري فالمراد من ترك الدنيا وآثر الآخرة اشترى نفسه من ربه بالدنيا فيكون معتقها ومن ترك الآخرة وآثر الدنيا اشترى نفسه بالآخرة فيكون مهلكها والفاء في فبائع تفصيلية وفي معتقها سببية وقال القونوي: في هذا أسرار شريفة منها أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نبه على سر هو كالتفسير لقوله تعالى {ولكل وجهة هو موليها} لأنه قال كل الناس يغدو وصدق لأن الاطلاع المحقق أفاد أنه ليس في الموجودات لأحد وقفة بل كل إنسان سائر إلى المرتبة التي قدر الحق أنها غاية من مراتب النقص والشقاء ومراتب السعادة التي هي الكمالات النسبية أو الكمال الحقيقي والفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذي ذكره المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم وقوله فبائع نفسه أي الذي يجعله في سيره إلى الغاية هو حاصل قوى روحه ونتيجة زمانه وأحواله وصفاته وأفعاله وتطوراته في نشأته فإن حصل على طائل وانتهى إلى كمال نسبي في بعض درجات السعادة أو إلى الكمال الحقيقي المنبه عليه فقد أعتق نفسه عن الورطات المهلكة وجيوش القيود الإمكانية والحجب الظلمانية فتنور بالعلم المحقق والعمل الصالح المنتج للخيرات الملائمة وإن حرم ما ذكر أوثق نفسه أي أهلكها وأضاع عمره وعمله فخاب وخسر نسأل الله العافية فهذا معنى هذا الحديث البديع الجامع (حم م ت عن أبي مالك الأشعري) قال ابن القطان: اكتفوا بكونه في مسلم فلم يتعرضوا له وقد بين الدارقطني وغيره أنه منقطع فيما بين أبي سلام وأبي مالك الحديث: 5343 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 5344 - (الطهور ثلاثا ثلاثا واجب ومسح الرأس واحدة) لم يأخذ بقضيته أحد فيما رأيت (فر عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه وسنده ضعيف الحديث: 5344 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 5345 - (الطواف حول البيت) أي الدوران حول الكعبة (مثل الصلاة) في وجوب التطهر له ونحو ذلك (إلا أنكم تتكلمون فيه) أي يجوز لكم ذلك بخلاف الصلاة قال الطيبي: يجوز أن يكون الاستثناء متصلا أي الطواف كالصلاة في الشرائط التي هي الطهارة وغيرها إلا في التكلم ويجوز كونه منقطعا أي الطواف مثل الصلاة لكن رخص لكم في التكلم فيه (فمن تكلم فيه فلا يتكلم) في رواية يتكلمن (إلا بخير) قال ابن عبد الهادي: معناه أن الطواف كالصلاة من بعض الوجوه ويشبه أن معناه أن أجره كأجر الصلاة كما جاء في خبر لا يزال أحدكم في صلاة ما انتظرها قال أهل الأصول: والمسمى الشرعي للفظ أوضح من المسمى اللغوي فيحمل عليه فإن تعذر الشرعي حقيقة فهل يرد إليه بتجوز محافظة على الشرعي ما أمكن أو هو مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي أو يحمل على اللغوي تقديما للحقيقة على المجاز؟ أقوال اختار الأكثر منها الأول ومثلوا بهذا الحديث تعذر فيه مسمى الصلاة شرعا فيرد إليه بتجوز بأن يقال كالصلاة في اعتبار الطهارة ونحو النية أو يحمل المسمى على اللغوي وهو الدعاء بخير لاشتمال الطواف [ص: 293] عليه فلا يعتبر فيه ما ذكر أو هو مجمل لتردده فيه أقوال (ت ك) في الحج (هق) من حديث جرير عن عطاء بن السائب عن طاوس (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وقال: هو والترمذي وقد روي موقوفا على ابن عباس وقال في التحقيق: عطاء اختلط في آخر عمره. قال في التنقيح: وجرير أخذ عنه في آخر عمره وقال ابن عبد الهادي: هذا حديث لا يثبت مرفوعا وقد اختلف الرواة في إسناده ومتنه والصحيح وقفه الحديث: 5345 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 5346 - (الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير) استدل به وبما قبله وبعده الخطابي على اشتراط الطهارة له وقول ابن سيد الناس المشبه لا يعطى قوة المشبه به من كل وجه وقد نبه على الفرق بينهما بحل الكلام فيه رده المحقق أبو زرعة بأن التحقيق أنه صلاة حقيقة إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة وهي حقيقة شريعته ويكون لفظ الصلاة مشتركا اشتراكا لفظيا بين المعهودة والطواف ولا يرد إباحة الكلام فيه لأن كل ما يشترط في الصلاة يشترط فيه إلا ما يستثنى والمشي مستثنى إذ لا يصدق اسم الطواف شرعا إلا به (طب حل ك هق عن ابن عباس) ورواه الديلمي أيضا وغيره الحديث: 5346 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 5347 - (الطواف صلاة) قال بعضهم مخالفا لأبي زرعة: نكرها ليفيد أنه ليس صلاة حقيقة وإنما شبه بها لمشاركته لها في بعض شروطها كطهر وستر ونحوهما (فأقلوا) أمر بالتقليل قله يقله جعله قليلا وقلله كذلك (فيه الكلام) ندبا لا وجوبا لقيام الإجماع على جوازه فيه لكن الأولى تركه إلا بنحو دعاء وذكر أو قراءة قال في الإتحاف: وفيه إيماء إلى أن الطائف بالبيت له ثواب كثواب المصلي لأنه جعله صلاة لكن لا يشاركه في الرحمة المختصة بالمصلي وأن إقلال الكلام فيه مستحب ما أمكن فإذا أمكن الأمر بمعروف أو النهي عن منكر فيه بالإشارة فالأولى أن لا يعدل إلى الكلام <فائدة> قال المصنف في الساجعة: ما بعث الله قط ملكا ولا سحابا كما ورد في الأثر إلا طاف بالبيت أولا ثم مضى حيث أمر (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه وهو تقصير فقد جزم الحافظ ابن حجر كابن الملقن بصحته ورواه الشافعي أيضا بلفظ: أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة الحديث: 5347 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 5348 - (الطوفان الموت) قاله لمن سأله عن تفسير قوله تعالى {فأرسلنا عليهم الطوفان} وكانوا قبل ذلك يأتي عليهم الحقب لا يموت منهم أحد (ابن جرير) الطبري (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن (وابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) رواه عنها الديلمي الحديث: 5348 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 5349 - (الطلاق) الذي وقفت عليه في نسخ الطبراني يا أيها الناس إنما الطلاق (بيد من أخذ بالساق) يعني الزوج وإن كان عبدا فإذا أذن السيد لعبده في النكاح كان الطلاق بيد العبد الآخذ بالساق لا بيد سيده فليس له إجباره على الطلاق لأن الإذن في النكاح إذن في جميع أحكامه وتعلقاته وبهذا أخذ الشافعي وأحمد بناء على أن السيد ليس له إجبار عبده على النكاح وقال أبو حنيفة ومالك: له إجباره وإذا جاز إدخاله في النكاح قهرا فله إخراجه عنه قهرا أخرج الطبراني عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول: إن طلق ما لم يكن ينكح فهو جائز فقال ابن عباس: أخطأ في هذا إنه تعالى يقول {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن والطلاق لغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال وشرعا حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد [ص: 294] مدلوله اللغوي قال إمام الحرمين: هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره والساق قال في المصباح: من الأعضاء أنثى وهو ما بين الركبة والقدم (طب عن ابن عباس) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: سيدي زوجني أمته ويريد أن يفرق بيننا فصعد المنبر فقال: ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما ثم ذكره قال الهيثمي: فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف اه. فرمز المصنف بحسنه ليس في محله وقضية تصرف المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فإن ابن ماجه خرجه باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور وعزاه هو بنفسه في الدرر إليه الحديث: 5349 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 5350 - (الطير تجري بقدر) في الإيمان من حديث يوسف بن أبي بريدة عن أبيه (ك عن عائشة) ثم قال مخرجه: لم يخرجا ليوسف وهو عزيز الحديث اه. ورواه البزار باللفظ المذكور عن عائشة وقال: لا يروى إلا بهذا الإسناد وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير يوسف ووثقه ابن حبان الحديث: 5350 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 5351 - (الطير يوم القيامة ترفع مناقيرها وتضرب بأذنابها) وفي رواية وتحرك أذنابها (وتطرح ما في بطنها) من مأكول من شدة الهول (وليس عندها طلبة) لأحد (فانقه) فاحذر يوم القيامة فإنه إذا كانت الطير الذي ليس عليها تبعة لأحد يحصل لها فيه ذلك الخوف المزعج فما بالك بالمكلف المحاسب المعاقب؟ وما ذكره من أنه ليس عليها طلبة يعارضه حديث إنه يقاد من الشاة القرناء للجماء وفي الطبراني تضرب بمناقيرها على الأرض وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة (طس عد) من حديث محمد بن يحيى المروزي عن عاصم بن علي عن محمد بن الفرات الكوفي عن محارب بن دثار (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه البيهقي أيضا بهذا الإسناد وقال: محمد بن الفرات ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: محمد بن الفرات كذاب روى عن محارب موضوعات قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه من لا أعرفه الحديث: 5351 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 5352 - (الطيرة) بكسر ففتح قال الحكيم: هي سوء الظن بالله وهرب من قضائه (شرك) أي من الشرك لأن العرب كانوا يعتقدون أن ما يتشاءمون به سبب يؤثر في حصول المكروه وملاحظة الأسباب في الجملة شرك خفي فكيف إذا انضم إليها جهالة فاحشة وسوء اعتقاد ومن اعتقد أن غير الله ينفع أو يضر استقلالا فقد أشرك زاد يحيى القطان عن شعبة وما منا إلا من يعتريه الوهم قهرا ولكن الله يذهبه بالتوكل اه فحذف المستثنى المفهوم من السياق كراهة أن يتفوه به وحكى الترمذي عن البخاري عن ابن حرب أن وما منا إلخ من كلام ابن مسعود لكن تعقبه ابن القطان بأن كل كلام مسوق في سياق لا يقبل دعوى درجة إلا بحجة والفرق بين الطيرة والتطير أن النطير الظن السيء بالقلب والطيرة والفعل المترتب عليه وقد جاء النهي عن الطيرة في الكتب السماوية ففي التوراة لا تطير والسبع الطير (حم خد 4) في الطب (ك) في الإيمان (عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الذهبي: صحيح وفي أمالي العراقي: صحيح الحديث: 5352 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 5353 - (الطيرة في الدار والمرأة والفرس) أصل هذا أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الطيرة إلخ فغضبت غضبا شديدا وقالت: ما قاله وإنما قال وأن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك اه قال ابن حجر: ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة جمع من الصحب له وقد تأوله غيرها على أنه سيق لبيان اعتقاد الناس فيها لا إنه إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك قال ابن عربي: وهو جواب ساقط لأن الشارع [ص: 295] لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية أو الحاصلة وإنما بعث معلما لما يلزمهم اعتقاده ومعنى الحديث أن هذه الثلاثة يطول تعذيب القلب بها مع كراهتها بملازمتها بالكف والصحبة ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى والمراد حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له ذلك أنه من العدوى والطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عنه فطريق من وقع له ذلك في الفرس بيعها وفي المرأة فراقها وفي الدار التحول منها لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم وعليه ينزل قول الإمام لما سئل عن الحديث كم من دار سكنها ناس فهلكوا وقد أخرجه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثر فيها عددنا ومالنا فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك فقال: ذروها ذميمة (حم عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منيع والديلمي الحديث: 5353 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 حرف الظاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 5354 - (ظهر المؤمن حمى) أي محمي معصوم من الإيذاء (إلا بحقه) أي لا يضرب ولا يذل إلا لنحو حد أو تعزير وقد عدوا ضرب المسلم لغير ذلك كبيرة وهذا الحديث له شاهد خرجه أبو الشيخ [ابن حبان] في كتاب السرقة من طريق محمد بن عبد العزيز الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهور المؤمنين حمي إلا في حدود الله قال الحافظ: وفي محمد بن عبد العزيز ضعف (طب) وكذا الديلمي (عن عصمة بن مالك) الخطمي الأنصاري رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد جزم المنذري بضعفه وأعله الهيثمي بأن فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف وقال الحافظ في الفتح: في سنده الفضل بن المختار وهو ضعيف الحديث: 5354 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الظاء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 5355 - (الظلم) قال ابن حجر: وهو وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (ثلاثة) من الأنواع والأقسام (فظلم لا يغفره الله وظلم يغفره وظلم لا يتركه فأما) الأول وهو (الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك قال الله {إن الشرك لظلم عظيم} وأما) الثاني وهو (الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم) {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} قالوا: نكرة في سياق الشرط فعم كل ما فيه ظلم النفس وقال {فمنهم ظالم لنفسه} فهذا لا يدخل فيه الشرك الأكبر قال ابن مسعود: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على الصحب وقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه قال: إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول العبد الصالح {إن الشرك لظلم عظيم} (وأما) الثالث وهو (الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدير لبعضهم من بعض) علم من هذا ما نقله الذهبي عن بعض المفسرين أن الظلم المطلق هو الكفر المطلق {والكافرون هم الظالمون} فلا شفيع لهم غدا {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} والظلم المفيد قد يختص بظلم العبد نفسه وظلم بعضهم بعضا فالأول من الثاني مغفور إن شاء الله والثاني تنصب له موازين العدل فمن سلم من [ص: 296] أصناف الظلم فله الأمن التام ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه فله الأمن ولا بد أن يدخل الجنة <تنبيه> قال ابن عربي: من ظلم العباد أن يمنعهم حقهم الواجب عليه أداؤه وقد يكون ذلك بالحال لما يراه على المسكين وهو قادر واجد لسد خلته ودفع ضرورته (الطيالسي) أبو داود (والبزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيثمي: رواه البزار عن شيخه أحمد بن مالك القشيري ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعفهم الحديث: 5355 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 5356 - (الظلمة وأعوانهم في النار) أي نار الآخرة لأنهم كما عدلوا عن العدل فوضعوا الأمور في غير مواضعها عدل بهم عن دار النعيم وأصلوا عذاب الجحيم وكما تعاونوا على ظلم من يعجز عن الانتصار جوزوا بسكنى دار الهوان والبوار وكما أن الداعي إلى الظلم الطيش والخفة الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان جوزوا من جنس مرتكبهم ولهذا ختم سبحانه كثيرا من آياته بقوله {وما للظالمين من أنصار} وشمل أعوانهم من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما. قيل حبس الرشيد أبا العتاهية فكتب على باب الحبس: أما والله إن الظلم لؤم. . . وما زال المسيء هو الظلوم إلى ديان يوم الدين نمضي. . . وعند الله تجتمع الخصوم (فر عن حذيفة) وفيه عنبسة بن عبد الرحمن قال الذهبي في الضعفاء: متروك متهم الحديث: 5356 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 5357 - (الظهر) أي ظهر الدابة المرهونة (يركب) بالبناء للمفعول (بنفقته إذا كان مرهونا) أي يركبه الراهن وينفق عليه عند الشافعي ومالك لأن له الرقبة وليس للمرتهن إلا مجرد التوثق أو المراد المرتهن فله ذلك لكن بإذن الراهن عند الجمهور لا بدونه خلافا لأحمد (ولبن الدر) بالفتح والشد أي ذات الضرع (يشرب نفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) قال القاضي: ظاهره أن المرهون لا يهمل ومنافعه لا تعطل أي خلافا للحنفي بل ينتفع الراهن به وينفق عليه وليس فيه دلالة على قول من قال: له غنمه وعليه غرمه قال: والباء في بنفقته ليست للبدلية بل للمعية فمعناه أنه يركب وينفق عليه ولا يمنع المرتهن الراهن من النفع به ولا يسقط عنه الإنفاق وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لأحمد في ذهابه إلى أن للمرتهن الانتفاع في مقابلة الإنفاق (خ) في الرهن (ت هـ عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم الحديث: 5357 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 حرف العين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 5358 - (عائد المريض يمشي في مخرفة الجنة حتى يرجع) من العيادة أي يمشي في التقاط فواكه الجنة والخرفة بالضم ما يجتنى من الثمار وقد يتجوز بها للبستان من حيث إنه محلها وهو المراد هنا على تقدير مضاف أي في محله خرفتها ذكره البيضاوي وقال الزمخشري: معناه أن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترق ثمارها من حيث إن فعله يوجب ذلك انتهى. وقال ابن العربي: ممشاه إلى المريض لما كان له من الثواب على كل خطوة درجة وكانت الخطا سببا لنيل الدرجات في المقيم عبر بها عنها لأنه سببها مجازا له إذا مشى على الخرفة وهي بساتين الجنة أن يخترف بها أي يقتطع [ص: 297] ويتنعم بالأكل <تنبيه> لا يتوقف ندب عيادة المريض على علمه بعائده بل تندب عيادته ولو مغمى عليه لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله وما يرجى من بركة دعاء العائد ووضع يده على بدنه والنفث عليه عند التعويذ وغير ذلك ذكره في الفتح وغيره (م عن ثوبان) ورواه عنه أيضا الطيالسي الحديث: 5358 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 5359 - (عائد المريض يخوض في الرحمة فإذا جلس عنده غمرته الرحمة) أي علته وسترته شبه الرحمة بالماء إما في الطهارة وإما في الشيوع والشمول لم ينسب إليها ما هو منسوب إلى المشبه به من الخوض ثم عقب الاستعارة ترشيحا (ومن تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على وجهه فيسأله كيف هو وتمام تحيتكم بينكم المصافحة) أي وضع أحدكم صفحة كفه بصفحة كف صاحبه إذا لقيه في نحو طريق كما سبق توضيحه وفيه ندب تأكد العيادة وأخذ من إطلاقه عدم التقييد بمضي ثلاثة أيام من ابتداء مرضه وهو قول الجمهور وجزم في الإحياء بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث تمسكا بخبر سيجيء أنه شديد الضعف وألحق بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك سببا لنشاطه وانتعاش قواه وفيه أن العيادة لا تتقيد بوقت دون آخر لكن جرت العادة بها طرفي النهار وقيل محلها الليل ونقل ابن الصلاح عن البراء أنها تستحب في الشتاء ليلا وفي الصيف نهارا وهو غريب ومن آدابها أن لا يطيل الجلوس إلا لضرورة (حم طب) وابن منيع والديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن زحر عن علي بن زيد وكلاهما ضعيف الحديث: 5359 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 5360 - (عائشة زوجتي في الجنة) لعل المراد أنها أحب زوجاته إليه فيها كما كانت أحبهن إليه في الدنيا وإلا فزوجاته كلهن في الجنة <تنبيه> مما اشتهر الخلاف في التفضيل بين عائشة وخديجة قال السبكي: الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير لكن الحق أحق أن يتبع اه. وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متفاوتة وكأنه رأى الوقف وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يطلع عليه إلا هو فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وإن أريد كثرة العلم فعائشة وإن أريد شرف الأصل ففاطمة وهي فضيلة لا يشاركها فيه غير أخواتها وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها اه. وتعقبه ابن حجر بأن ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على نبوته بالنفس والمال والتوجه التام فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك إلا الله (ابن سعد) في الطبقات (عن مسلم) بن عمران ويقال ابن أبي عمران ويقال ابن أبي عبد الله (البطين) أي معروف بالبطين بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية وبالنون (مرسلا) كوفي من ثقات الطبقة السادسة الحديث: 5360 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 5361 - (عاتبوا الخيل فإنها تعتب) أي أدبوها وروضوها لنحو حرب وركوب فإنها تتأدب وتقبل العتاب قال في الفردوس: يقال عتب عليه إذا وجد عليه فإذا فاوضه فيما عتب عليه قيل عاتبه فإذا رجع المعتوب عليه إلى ما رضى العاتب فقد أعتب والاسم العتبى (طب والضياء) المقدسي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رواه الطبراني من رواية إبراهيم بن العلاء الزبيدي عن بقية وبقية مدلس وسأل ابن حوصا محمد بن عوف عن هذا الحديث فقال: رأيت على ظهر كتاب إبراهيم [ص: 298] كان يسوي الأحاديث وأما أبوه فغير متهم وقال فيه أبو حاتم: صدوق الحديث: 5361 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 5362 - (عادى الله من عادى عليا) برفع الجلالة على الفاعلية أي عادى الله رجلا عادى عليا وهو دعاء أو خبر ويجوز النصب على المفعولية أي عادى الله رجلا عاداه والأول هو ظاهر الرواية ويؤيده ما في حديث البزار اللهم عاد من عاداه (ابن منده) في تاريخ الصحابة من طريق أبي إدريس الموهبي (عن رافع مولى عائشة) قال: كنت غلاما أخدمها إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها وأنه قال ذلك قال في الإصابة: قال يعني ابن منده هذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه اه. وقال الذهبي: ما له غيره الحديث: 5362 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 5363 - (عادى الأرض) بتشديد المثناة التحتية يعني القديم الذي من عهد عاد وهلم جرا وقال القاضي: عاديها الأبنية والضياع القديمة التي لا يعلم لها مالك نسبة إلى عاد قوم هود لتقادم عهدهم للمبالغة قال الرافعي: يقال للشيء القديم عادى نسبة إلى عاد الأولى والمراد هنا الأرض غير المملوكة الآن وإن تقدم ملكها ومضت عليه الأزمان فليس ذلك مختصا بقوم عاد فالنسبة إليهم للتمثيل لما لم يعلم مالكه (لله ورسوله) أي مختص بهما فهو فيء يتصرف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) هي (لكم) أيها المسلمون (من بعد) أي من بعدي وفي رواية الشافعي هي لكم مني أي إن أذنتكم في إحيائها فهي بمنزلة العطية مني قال الطيبي: وقوله هي لكم من بعد قوله لله ورسوله إشعار بأن ذكر الله تمهيد لذكر رسوله تعظيما لشأنه وإن حكمه كحكم الله ولذلك عدل من لي إلى رسوله وفيه التفات (فمن أحيا شيئا من موتان الأرض) بعدي وإن لم يأذن الإمام عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة ولو قرب من العمران ولم يتسامح الناس فيه خلافا لمالك (فله رقبتها) ملكا قال الرافعي: وخاطب المسلمين بقوله لكم إشارة أن الذمي لا يمكن من الإحياء بدارنا ثم إذا ملك الموات بالإحياء ملك ما هو له بقدر ما يحتاجه للانتفاع بالمحيا وموتان بفتح الميم والواو وقال ابن بري وغيره: وغلط من قال فيه موتان بالضم (هق عن طاوس) بن كيسان اليماني الفارسي قيل اسمه ذكوان وطاوس لقبه فقيه فاضل تابعي (مرسلا وعن ابن عباس موقوفا) عليه ورواه إمام الأئمة الشافعي من الطريق الأول فكان ينبغي عزوه له مقدما الحديث: 5363 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 5364 - (عارية) بتشديد الياء وقد تخفف قيل منسوبة للعار لأنهم رأوا طلبها عارا وعيبا قال: إنما أنفسنا عارية والعواري حكمها أن ترد وقيل من التعاور وهو التداول قال الطيبي: ولا يبعد (مؤداة) إلى صاحبها عينا حال قيامها وقيمة عند تلفها وفي رواية عارية مضمونة وهذا قاله لما أرسل يستعير من صفوان بن أمية عام الفتح دروعا لحنين فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مؤداة أو مضمونة أي لا آخذها غصبا بل أستعيرها وأردها فوضع موضع الرد الضمان مبالغة في الرد وفيه أن العارية يضمنها المستعير وإن لم يفرط وهو مذهب الشافعي وأحمد ولم يضمن أبو حنيفة إلا بالتعدي (ك عن ابن عباس) ورواه أبو داود والنسائي عن صفوان بلفظ عارية مضمونة قال ابن حجر: وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث الحديث: 5364 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 3565 - (عاشوراء) بالمد اسم إسلامي لا يعرف قبله قيل: ليس في كلامهم فاعولاء بالمد غيره وألحق به التوربشتي تاسوعاء [ص: 299] وسمي عاشوراء لأنه تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات وقيل: لأنه عاشر كرامة أكرم الله بها هذه الأمة (عيد نبي كان قبلكم فصوموه أنتم) ندبا روي أنه يوم الزينة الذي كان فيه ميعاد موسى لفرعون وأنه كان عيدا لهم قال ابن رجب: وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا وعلى ندب صوم أعياد الكفار (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه لكن قال الهيثمي: فيه إبراهيم الهجري ضعفه الأئمة إلا ابن عدي الحديث: 3565 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 5366 - (عاشوراء يوم العاشر) أي عاشر المحرم الذي يعده الناس كلهم وقيل: هو يوم الحادي عشر (قط فر عن أبي هريرة) ورواه البزار عن عائشة قال الهيثمي: رجاله يعني البزار رجال الصحيح الحديث: 5366 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 5367 - (عاشوراء يوم التاسع) قال بعضهم: لا مخالفة بين هذا وما قبله لأن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها وذلك يحصل بأحد أمرين إما بنقل العاشر إلى التاسع أو بصيامهما معا فأطلق ابن عباس العاشر على التاسع لهذا المعنى وكذا قوله أعني الحبر اعدد تسعا وأصبح يوم التاسع صائما فإنه لم يجعل عاشوراء هو يوم التاسع بل قال للسائل صم اليوم التاسع واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو العاشر اه. قال عبد الحق: واليقين المتحقق الرافع لكل خلاف إنما يحدث بصوم الثلاثة الأيام (حل) من حديث أبي أمية بن يعلى عن المقبري (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأبو أمية قال يحيى والدارقطني: متروك الحديث الحديث: 5367 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 5368 - (عاقبوا) بقاف في خط المصنف هكذا وقفت عليه بخطه وفي رواية عاتبوا وهو الأنسب لقوله (أرقاءكم على قدر عقولهم) أي بما يليق بعقولهم من العتاب وتقبله أذهانهم لا بحسب عقولكم أنتم (قط في الأفراد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا الحديث: 5368 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 5369 - (عالم ينتفع بعلمه) الشرعي (خير من ألف عابد) ليسوا بعلماء لأن نفع العالم متعد ونفع العابد مقصور على نفسه وهذا بناء على أن ينتفع مبني للمفعول وهو المتبادر ويصح بناؤه للفاعل أي ينتفع هو فإنه يعبد الله عبادة صحيحة بخلاف العابد الجاهل فقد يخل ببعض الواجبات وكم بين المتعدي والقاصر من مراحل (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه عمرو بن جميع قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: متهم بالوضع الحديث: 5369 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 5370 - (عامة أهل النار) أي أكثر أهلها (النساء) لأنهن لا يشكرن العطاء ولا يصبرن عند البلاء في عامة أوقاتهن فهن فساق والفساق في النار إلا من تداركه الله بعفوه بشفاعة أو نحوها (طب عن عمران بن الحصين) الحديث: 5370 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 5371 - (عامة عذاب القبر من) وفي رواية في (البول) أي أكثره بسبب التهاون في التحفظ منه وبقية الحديث فاستنزهوا من البول وفيه وجوب غسله إذا حصلت ملابسته وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة لكن قال أبو حنيفة يعفى عن قدر الدرهم منه وعن بول ما يؤكل واختلف المالكية على أقوال وأخذ منه بعض أئمة الشافعية وجوب الاستبراء (ك عن ابن عباس) ورواه أيضا الطبراني والبزار والدارقطني كلهم من رواية أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه قال الدارقطني: إسناده لا بأس به والقتات مختلف في توثيقه الحديث: 5371 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 [ص: 300] 5372 - (عباد الله) بحذف حرف النداء أي يا عباد الله الذين يصلون (لتسون صفوفكم) في الصلاة بحيث تصير على سمت واحد (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي وجوه قلوبكم كما سبق بما فيه قال القاضي: اللام في لتسون اللام التي يتلقى بها القسم ولكونه في معرض قسم مقدر أكده بالنون المشددة وأو للعطف ردد بين تسويتهم الصفوف وما هو كاللازم لنقصها فإن تقدم الخارج عن الصف تفوت على الداخل وذلك يؤدي إلى وقوع إحنة وضغينة بينهم وإيقاع المخالفة بين وجوههم كناية عن المهاجرة والقطيعة فإن كلا يعرض بوجهه عن الآخر كما مر قال ابن الملقن: وفيه الاهتمام بآداب ثمانية تسوية الصفوف سيما للإمام وأمر المتهاونين فيها به وترك المواجهة بالموعظة وتحسين القول بقوله عباد الله ولم يقل أيها المسيئون والاحتفال بالإرشاد وتكريره حتى يرى أنه قد عقل وإنذار المتعرض للهلاك بجهله وإيضاحه له وأخذ الحذر من الشقاق وتخالف الوجوه وترك احتقار شيء من السنن (ق د ت عن النعمان بن بشير) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رآنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف فذكره الحديث: 5372 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 5373 - (عباد الله وضع الله الحرج) عن هذه الأمة ففيه حذف المستثنى منه (إلا امرءا اقترض) بالقاف (امرءا ظلما) أي نال منه وعابه وقطعه بالغيبة وأصل القرض القطع كذا في الفردوس وفي رواية إلا من اقترض عرض مسلم افتعال من القطع (فذاك يحرج) أي يوقع في الإثم والحرمة (ويهلك) أي يكون في الآخرة من الهالكين إلا إن تداركه الله بلطفه (عباد الله) بحذف حرف النداء (تداووا) قال الطيبي: قوله يا عباد الله نص بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل يعني تداووا ولا تعتقدوا حصول الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه (فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحدا الهرم) قال البيضاوي: الهرم الكبر وقد هرم يهرم فهو هرم جعل الهرم داء تشبيها به لأن الموت يعقبه وقد سبق بيانه موضحا (الطيالسي) أبو داود من حديث زياد بن علاقة (عن أسامة بن شريك) الثعلبي من بني ثعلبة بن يربوع أو من ثعلبة بن سعد أو غير ذلك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير فجاءته الأعراب من جوانب تسأله عن أشياء فقالوا: هل علينا حرج في كذا فقال: عباد الله إلخ ورواه عنه أيضا ابن منيع والطبراني والديلمي الحديث: 5373 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 5374 - (عبد الله بن سلام) بالتخفيف بن الحارث بن يوسف الإسرائيلي كان من علماء الصحب وأكابرهم (عاشر عشرة في الجنة) لا يناقضه أنه لم يعد في العشرة المشهود لهم بالجنة الذين منهم الخلفاء الأربعة لأن هذه عشرة غيرها وسبق أن ذكر العشرة لا ينفي ما زاد (حم طب ك) وكذا البخاري في تاريخه من حديث يزيد بن عميرة الزبيدي (عن معاذ) بن جبل قال: لما حضر معاذا الموت قيل له: أوصنا قال: التمسوا العلم عند أبي ذر وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الترمذي قال أعني الديلمي: وهو صحيح الحديث: 5374 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 [ص: 301] 5375 - (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (من وفد الرحمن وعمار) بن ياسر (من السابقين) الأولين إلى الإسلام (والمقداد) بن الأسود (من المجتهدين) أي في العبادة أو في نصرة الدين أو في الأحكام ويرشح الأول أنهم لم يعدوه من فقهاء الصحابة (فر عن ابن عباس) ورواه عنه ابن شاهين وغيره الحديث: 5375 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 5376 - (عبد أطاع الله وأطاع مواليه) لم يقل مولاه إشارة إلى أن دأبه الطاعة لكل من ملكه وإن انتقل من مولى إلى مولى (أدخله الله الجنة قبل مواليه بسبعين خريفا فيقول السيد رب هذا كان عبدي في الدنيا قال جازيته بعمله وجازيتك بعملك) والمراد أن ذلك سيكون في الآخرة وعبر عنه بالماضي لتحقق الوقوع وعلم منه أن رفع الدرجات في الآخرة بالعمل لا بالحرية لانقطاع أحكام الرق بالموت ومر أن المراد بالخريف السنة وبالسبعين التكثير لا التحديد (طب عن ابن عباس) ثم قال الطبراني: لم يروه عن يونس إلا عبد الوهاب تفرد به يحيى بن عبد الله بن عبد ربه الصفار عن أبيه اه. وعبد الوهاب هذا هو ابن عطاء ضعفه أحمد ويونس هو ابن عبيد مجهول ذكره بعضهم وقال الهيثمي: لا أجد من ذكر يحيى وأبوه ذكره الخطيب ولم يجرحه ولم يوثقه وبقية رجاله حديثهم حسن الحديث: 5376 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 5377 - (عتق النسمة أن تنفرد بعتقها) أي لا يشاركك في عتقها أحد بأن ينفذ منك إعتاق جميعها (وفك الرقبة أن تعين في عتقها) بأن تعتق شقصا منها وتتسبب في عتقها بوجه ما وفي رواية بدل في عتقها في ثمنها وأصل الحديث أن أعرابيا جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملا يدخلني الجنة قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة قال: أليس واحدا قال: لا عتق النسمة إلخ قال القاضي: اللام موطئة للقسم ومعنى الشرطية إنك إن قصرت في العبادة فقد أطلت في الطلب إذ سألت عن أمر ذي طول وعرض والنسمة النفس ووجه الفرق المذكور أن العتق إزالة الرق وذلك لا يكون إلا من المالك الذي يعتق وأما الفك فهو السعي في التخليص فيكون من غيره كمن أدى النجم عن المكاتب أو أعانه فيه ذكره القاضي (الطيالسي) أبو داود (عن البراء) بن عازب وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من الطيالسي وهو عجب فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله ثقات ورواه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب والبخاري في الأدب وابن أبي شيبة وابن راهويه بألفاظ متقاربة والمؤدى واحد وأخرجه الدارقطني باللفظ المذكور عن البراء المزبور وزاد في آخره وأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر قال الغرياني: فيه محمد بن أحمد بن سوادة لم أجده الحديث: 5377 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 5378 - (عثمان بن عفان) بن عمرو القرشي يجتمع مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في عبد مناف يكنى أبا عبد الله الذي رزقه من رقية وكان بعض من ينقصه يكنيه أبا ليلى يشير إلى لين جانبه حكاه ابن قتيبة (وليي في الدنيا ووليي في الآخرة) <فائدة> روى أحمد عن ابن عمر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال: يقتل فيها هذا يومئذ ظلما قال: فنظرت فإذا هو عثمان. قال ابن حجر في الفتح: إسناده صحيح قالوا: لا يعرف أحد تزوج ببنتي نبي غيره ولهذا يسمى ذا النورين (ع) عن شيبان بن فروخ عن طلحة بن زيد عن عبيدة بن حسان عن عطاء الكنجاراني (عن جابر) قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نفر من المهاجرين فقال: لينهض كل رجل إلى كفئه [ص: 302] ونهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فأعتقه ثم ذكره قال ابن الجوزي: موضوع طلحة لا يحتج به وعبيدة يروي الموضوعات عن الثقات وتعقبه المؤلف بما نصه الحديث أخرجه الحاكم قال: صحيح وتعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: ضعيف فيه طلحة بن زيد وهو واه عن عبيدة بن حسان شويخ مقل الحديث: 5378 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 5379 - (عثمان في الجنة) أي يدخلها مع السابقين الأولين ويلقب بذي النورين قيل له ذلك لأنه ينتقل من منزل إلى منزل في الجنة فتبرق له برقتين رواه أبو سعيد الماليني عن سعد بإسناد ضعيف كما في الإصابة (ابن عساكر) في ترجمة عثمان (عن جابر) الحديث: 5379 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 5380 - (عثمان حيي تستحي منه الملائكة) مقام عثمان مقام الحياء والحياء فرع يتولد من إجلال من يشاهده ويعظم قدره مع نقص يجده من النفس فكأنه غلب عليه إجلال الحق تعالى ورأى نفسه بعين النقص والتقصير وهما من جليل خصال العباد المقربين فعلت رتبة عثمان لذلك فاستحيت منه خلاصة الله من خلقه كما أن من أحب الله أحب أولياءه ومن خاف الله خاف منه كل شيء ولذلك ستر عليه السلام فخذه عند دخول عثمان وجمع عليه ثيابه وقال: ألا نستحي من رجل تستحي منه الملائكة (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وهو من حديث ضمام بن عبد الله الأندلسي عن أبي مروان عن أبيه عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج قال في اللسان: قال الدارقطني: هذا حديث منكر ومن دون مالك ضعفاء الحديث: 5380 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 5381 - (عثمان أحيى أمتي) أي أكثرها حياء (وأكرمها) أي أسخاها والحياء منشأ الآداب قيل لم يضع يمينه على فرجه منذ بايع النبي صلى الله عليه وسلم وما مرت به جمعة منذ أسلم إلا وأعتق فيها رقبة فجملة ما أعتقه ألفان وأربع مئة تقريبا ولا زنا ولا سرق جاهلية ولا إسلاما وجمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (حل) في ترجمة عثمان بن عفان (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ورواه عنه الطبراني والديلمي أيضا فكان ينبغي للمصنف ضمهما لأبي نعيم وفيه زكريا بن يحيى المقرئ قال الذهبي: أبو سعيد بن يونس ضعيف الحديث: 5381 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 5382 - (عجبا) قال الطيبي: أصله أعجب عجبا فعدل عن الرفع إلى النصب للثبات كقولك سلام عليك (لأمر المؤمن) إن أمره كله خير (وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) وليس ذلك للكافرين ولا للمنافقين ثم بين وجهه العجب بقوله (إن أصابته سراء) كصحة وسلامة ومال وجاه (شكر) الله على ما أعطاه (وكان خيرا له) فإنه يكتب في ديوان الشاكرين (وإن أصابته ضراء) كمصيبة (صبر فكان خيرا له) فإنه يصير من أحزاب الصابرين الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين فالعبد ما دام قلم التكليف جاريا عليه فمناهج الخير مفتوحة بين يديه فإنه بين نعمة يجب عليه شكر المنعم بها ومصيبة يجب عليه الصبر عليها وأمر ينفذه ونهي يجتنبه وذلك لازم له إلى الممات (حم م) في الزهد (عن صهيب) ولم يخرجه البخاري وفي الباب سعد وأنس الحديث: 5382 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 5383 - (عجب ربنا من قوم) أي رضي منهم واستحسن فعلهم وعظم شأنهم (يقادون إلى الجنة) وفي رواية للبخاري عجب الله من قوم يدخلون الجنة (في السلاسل) يعني الأسرى الذين يؤخذون عنوة في السلاسل فيدخلون في الإسلام فيصيرون [ص: 303] من أهل الجنة كذا ذكره جمع وأولى منه قول الغزالي المراد بالسلاسل الأسباب فإنه تعالى أمر بالعمل فقال: اعملوا وإلا أنتم معاقبون مذمومون على العصيان وذلك سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف وهيجانه سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وذلك سبب الوصول إلى جوار الرحمن في الجنان وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له هذه الأسباب حتى يقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن قدر له الشقاء أصمه عن سماع كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون للدنيا والانهماك في اللذات وإذا لم يتركها صار في حزب الشيطان {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} فإذا عرفت هذا ظهر لك التعجب من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل فما من موفق إلا وهو مقود إلى الجنة بسلاسل الأسباب وهو تسليط العلم والخوف عليه وما من مخذول إلا وهو مقود إلى النار بالسلاسل وهو تسليط الغفلة والأمن والغرور عليه فالمتقون يقادون إلى الجنة قهرا والمشركون يقادون إلى النار قهرا ولا قاهر إلا الواحد القهار ولا قادر إلا الملك الجبار وإذا انكشف الغطاء عن أعين الغافلين فشاهدوا الأمر كذلك سمعوا عنده نداء المنادي {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وقد كان الملك للواحد القهار كل يوم قبل ذلك لكن الغافلين لا يسمعون ذلك النداء إلا ذلك اليوم فتعوذ بالله من الجهل والعمى فإنه أصل أسباب الهلاك قال القاضي: مر غير مرة أن صفات العباد إذا أطلقت على الله أريد بها غاياتها فغاية التعجب من الرضى بالشيء استعظام شأنه فالمعنى عظم الله شأن قوم يؤخذون عنوة في السلاسل فيدخلون في الإسلام قهرا فيصيرون من أهل الجنة وقيل أراد بالسلاسل ما يرادون به من قتل الأنفس وسبي الأزواج والأولاد وخراب الديار وجميع ما يلحقهم إلى الدخول في الدين الذي هو سبب دخول الجنة فأقيم السبب مقام المسبب قال: أو المراد أنها جذبات الحق التي يجذب بها خالصة عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج بالدرجات العلى إلى جنة المأوى (حم خ) في الجهاد (د عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم الحديث: 5383 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 5384 - (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه) بضم الهمزة والهاء الزائدة أي أريق ودمه نائب الفاعل (فيقول الله عز وجل لملائكته) مباهيا به (انظروا إلى عبدي) أضافه لنفسه تعظيما لمنزلته عنده (رجع) إلى القتال (رغبة فيما عندي) من الثواب (وشفقة) أي خوفا (مما عندي) من العقاب (حتى أهريق دمه) قال جمع: والعجب في حقه تعالى مفسر بكون الفعل المتعجب منه بمنزلة عظيمة فقوله عجب ربنا أي يعظم عنده ويكثر جزاؤه عليه ومنه قوله تعالى {بل عجبت ويسخرون} في قراءة ضم التاء والتعجب تغير يعتري الإنسان من رؤية ما خفى عليه سببه وفيه أن نية المقاتل في الجهاد طمعا في الثواب وخوف العقاب على الفرار معتبرة لأنه علل الرجوع للرغبة وللإشفاق ورغبة وشفقة نصب على المفعول له (د عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المذكور وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 5384 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 5385 - (عجب ربنا من ذبحكم الضأن في يوم عيدكم) لأن الشياه أفضل الأنعام وفي مناجاة العزير ربه أنك اخترت من الأنعام الضأنية ومن الطير الحمامة ومن البيوت مكة وإيلياء ومن إيلياء بيت المقدس وفيه حجة إلى ذهاب مالك إلى فضيلة التضحية بالغنم عليها بالإبل والبقر وقد سبق ما فيه (هب عن أبي هريرة) وفيه ابن أبي فديك قال ابن سعد: [ص: 304] ليس بحجة وشبل بن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: له مناكير وفي اللسان عن ابن عدي أيضا: أحاديثه غير محفوظة والعلاء بن عبد الرحمن أورده أيضا في الضعفاء الحديث: 5385 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 5386 - (عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر) للغزو وفي رواية ثبج (1) هذا البحر وفي رواية يركبون ظهر البحر وأخرى يركبون البحر الأخضر في سبيل الله (كالملوك) أو مثل الملوك هكذا ورد على الشك في البخاري وفي رواية له بغير شك (على الأسرة) في الدنيا بسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم وعددهم فهو إخبار عن حالهم في الغزو أو المراد أنه رأى للغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي. قال ابن حجر: وهذا أظهر وفيه بيان فضيلة المجاهد وجواز ركوب البحر الملح أي عند غلبة السلامة ومعجزة معجزاته وهي إعلامه ببقاء أمته بعده وفيهم أهل قوة وشوكة ونكاية في العدو وتمكنهم في العلا حتى يغزو البحر (خ عن أم حرام) بنت ملحان النجارية الغميصاء أو الرميصاء الشهيدة زوجة عبادة بن الصامت قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا ثم استيقظ فضحك فقلت: ما يضحكك فذكره فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لي   (1) أي وسطه ومعظمه كما في النهاية الحديث: 5386 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 5387 - (عجبت للمؤمن إن الله تعالى) قال أبو البقاء الجيد: إن بالكسر على الاستئناف ويجوز الفتح على معنى في أن الله أو من أن الله (لم يقض له قضاء إلا كان خيرا له) توجيهه ما زاده في بعض الروايات إن إصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر فإنه إن كان موسرا فلا يقال فيه وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضى بما قسم وأما الفاجر فأمره بالعكس إن كان معسرا فلا إشكال وإن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. قال الحرالي: من جعل الرضى غنيمة في كل كائن لم يزل غانما (حم حب عن أنس) وكذا رواه أبو يعلى لكنه قال: تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكره قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وأحد أسانيد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح غير أبي بحر ثعلبة وهو ثقة الحديث: 5387 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 5388 - (عجبت للمؤمن وجزعه) أي حزنه وخوفه (من السقم) أي المرض (ولو يعلم ماله من السقم) عند الله (أحب أن يكون سقيما حتى يلقى الله عز وجل) لأنه إنما يسقمه ليطهره من دنس المعاصي ووسخ الذنوب ويعطيه ثواب الصابرين فإذا جاز على الصراط وجدته النار قد تطهر فلا تجد لها عليه سبيلا فإذا دخل الجنة رفعت منزلته إلى درجات الصابرين وإذا لم يتطهر في هذه الدار وجاء يوم القيامة بدنسه فالنار له بالمرصاد فتخطفه من الصراط لتطهره إذ لا يصلح لجوار الجبار في ديار الأبرار إلا الأطهار (الطيالسي) أبو داود (طس عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال بل ضعفه المنذري وغيره قال الحافظ العراقي في الحديث: لا يصح لأن في سنده محمد بن حميد وهو ضعيف عندهم وقال الهيثمي: فيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف جدا الحديث: 5388 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 5389 - (عجبت لملكين من الملائكة نزلا) من السماء (إلى الأرض يلتمسان عبدا) أي يطلبانه (في مصلاه) أي في مكانه الذي يصلي فيه من المسجد أو غيره (فلم يجداه ثم عرجا إلى ربهما فقالا يا رب كنا نكتب لعبدك المؤمن في يومه وليلته [ص: 305] من العمل كذا وكذا فوجدناه قد حبسته في حبالتك) أي عوقته بالأمراض (فلم نكتب له شيئا فقال الله عز وجل اكتبا لعبدي عمله في يومه وليلته ولا تنقصا من عمله شيئا علي) بتشديد الياء المفتوحة بضبط المصنف (أجره ما حبسته) أي مدة دوام حبسي له (وله أجر ما كان يعمل) قضية هذا الخبر وصريح ما قبله أنه لا يشترط في حصول الأجر على المرض ونحوه الصبر وذلك لأنه أثبت له الأجر مع حصول الجزع فهو نص في الرد على من زعم انتفاء الأجر بانتفاء الصبر ذكره القرطبي (الطيالسي) أبو داود (طس عن ابن مسعود) قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فضحك فسئل فذكره رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن حميد ضعيف جدا الحديث: 5389 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 5390 - (عجبت للمسلم إذا أصابته مصيبة احتسب وصبر) أي من شأنه ذلك أو المراد المسلم الكامل (وإذا أصابه خير حمد الله وشكره) على ما منحه (إن المسلم يؤجر في كل شيء) يصيبه أو يفعله (حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه) ليأكلها أي إن قصد بها التقوي على أداء العبادة قال الغزالي: لو كشف الحجاب لرأى العبد المصائب من أجل النعم فقد تكون العين التي هي أعز الأشياء سببا لهلاك الإنسان في بعض الأحوال بل العقل الذي هو أعز الأمور قد يكون سببا لهلاكه فالملحدة غدا يتمنون لو كانوا مجانين ولم يتصرفوا بعقولهم في دين الله (الطيالسي) أبو داود (هب) وكذا في السنن (عن سعد) بن أبي وقاص قال الذهبي: ولم يخرجوه وما به شيء وقد خرج النسائي لعمر اه ومراده أنه من رواية عمر بن سعد بن أبي وقاص وقد خرج له النسائي لكن انكسر عليه قوم قائلين كيف يظن بقاتل الحسين أنه ثقة الحديث: 5390 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 5391 - (عجبت لقوم يساقون إلى الجنة) وكانوا في الدنيا (في السلاسل) قيدوا وسلسلوا حتى دخلوا في الدين (وهم) أي والحال أنهم (كارهون) للدخول فيه فلما عرفوا صحته دخلوا طوعا فدخلوا الجنة وعلى هذا التقرير فالمراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق وقيل هو مجاز عن دخولهم فيه مكرهين وسمى الإسلام بالجنة لأنه سببها وعلى هذا اقتصر ابن الجوزي فقال: أطلق على الإكراه التسلسل ولما كان هو سبب دخول الجنة أقام السبب مقام المسبب وقيل: هو من أسره الكفار منا فمات أو قتل في أيديهم فيحشر مسلسلا ويدخل الجنة كذلك وأنفس قول قيل في هذا المقام ما سلف عن حجة الإسلام (طب عن أبي أمامة) الباهلي (حل عن أبي هريرة) الحديث: 5391 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 5392 - (عجبت لصبر أخي يوسف) نبي الله (وكرمه والله يغفر له حيث أرسل إليه ليستفتى في (1) الرؤيا) التي رآها الملك في منامه ولم يجد عند أحد تعبيرها فعبرها وهو في الحبس (ولو كنت أنا) المرسل إليه (لم أفعل) أي لم أعبرها (حتى أخرج) بالبناء للمفعول (وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له أتى) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية [ص: 306] بخط المصنف وضبطه وفي رواية أبى (ليخرج) من السجن لما أرسل إليه (فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره) أي حتى أخذ في أسباب اطلاعهم على عذره بقوله {ارجع إلى ربك} الآية (ولو كنت أنا) المرسل إليه (لبادرت الباب) بالخروج ولم ألبث لطول مدة الحبس الذي هو قبر الأحياء وشماتة الأعداء (ولولا الكلمة) وهي قوله {للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك} (لما لبث في السجن) تلك المدة الطويلة وذلك (حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل) فأدب بطول مدة الحبس عليه وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا مسوق لبيان عظم قدر يوسف وكمال صبره كما سبق (طب وابن مردويه) في التفسير (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن يزيد القرشي المالكي وهو متروك   (1) بالبناء للمفعول فيهما أي أرسل إليه الملك ليستفتيه الحديث: 5392 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 5393 - (عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه وعجبت لغافل وليس بمغفول عنه وعجبت لضاحك ملء فيه ولا يدري أرضي عنه أم سخط) قد شغل بما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالغصص ممزوج بنغص إذا أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا فيا عجبا من سفيه في صورة حكيم ومعتوه في مثال عاقل فهيم آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السماء والأرض بسجن آخره خراب وبوار وغايته نار وشنار (عد هب عن ابن مسعود) الحديث: 5393 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 5394 - (عجبت لمن يشتري المماليك ثم يعتقهم كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فهو أعظم ثوابا) ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك وتبعه من قال: ومن وجد الإحسان قيدا تقيد (أبو الغنائم النوسي) بفتح النون وسكون الواو وإهمال السين نسبة إلى نوس قرية بمرو (في قضاء الحوائج عن ابن عمر) الحديث: 5394 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 5395 - (عجبت وليس بالعجب وعجبت وهو العجب العجيب العجيب عجبت وليس بالعجب أنى) بفتح الهمزة بضبط المصنف (بعثت إليكم) حال كوني (رجلا منكم) أي من عشيرتكم (فآمن بي من آمن بي منكم وصدقني من صدقني منكم فإنه العجب وما هو بالعجب ولكني عجبت وهو العجب العجيب العجيب لمن لم يرني وصدقني) لأنهم آمنوا به وصدقوه إيقانا ولم يروه عيانا فلذا كان هو العجب وأما أولئك فلاحت لهم أنوار النبوة شهودا وشهدوا مواقع التنزيل وأمين الوحي جبريل فإيمانهم ليس بعجيب (ابن زنجويه في ترغيبه عن عطاء مرسلا) الحديث: 5395 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 5396 - (عج حجر إلى الله تعالى) أي رفع صوته متضرعا والعج رفع الصوت (فقال إلهي وسيدي عبدتك كذا وكذا سنة [ص: 307] ثم جعلتني في أس كنيف فقال أو ما ترضى) وفي رواية أما ترضى بغير واو (أن عدلت بك عن مجالس القضاة) أي قضاة السوء ثم قيل العج حقيقي بأن جعل الله فيه إدراكا وتمييزا بحيث قال ما قال ولا مانع من ذلك وقيل هو على التشبيه فهو مجاز على سبيل الكناية وضرب الأمثال ومثل العالم مثل القاضي بل أشد وفي خبر الديلمي عن ابن عمر مرفوعا اشتكت النواويس إلى ربها فقالت: يا رب إنه لا يلقى فينا إلا مشرك فأوحى إليها أن اصبري كما صبرت دكاكين القضاة على الزور اه. وقال الأوزاعي: شكت النواويس يوما ما تجد من ريح الكفار فأوحى الله إليها بطون علماء السوء أنتن مما أنتم فيه اه. وهو شديد الضعف بل قيل موضوع (تمام) في فوائده (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما من حديث أبي معاوية عبد الله بن محمد المقريء المؤدب عن محمود بن خالد عن عمر عن الأوزاعي عن ابن سلمة (عن أبي هريرة) وقضية صنيع المؤلف أن مخرجيه خرجاه وأقراه وليس كذلك بل قال مخرجه الأصلي أبو تمام بعد ما خرجه من طريقين: فيهما أبو معاوية هذا حديث منكر وأبو معاوية ضعيف اه الحديث: 5396 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 5397 - (عجلوا الإفطار) من الصوم ندبا إذا تحققتم الغروب (وأخروا السحور) ندبا إلى آخر الليل ما لم يوقع التأخير في شك كما سبق وعلة هذا مخالفة أهل الكتاب قال ابن تيمية: وهذا نص في ندب تعجيل الفطر لأجل مخالفتهم وإذا كانت مخالفتهم سببا لظهور الدين فإنما القصد بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله فتكون نفس مخالفتهم من أعظم مقاصد البعثة (طب عن أم حكيم) بنت وادع قال الهيثمي: رواه من طريق حبابة بنت عجلان عن أمها عن صفية بنت جرير وهؤلاء النسوة روى لهن ابن ماجه ولم يوثقهن الحديث: 5397 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 5398 - (عجلوا الخروج إلى مكة) أي لإقامة الحج والعمرة (فإن أحدكم لا يدري ما يعرض) بكسر الراء بضبط المصنف (له من مرض أو حاجة) أو فقرا وغير ذلك من الموانع والأمر بالتعجيل للندب عند الشافعي لأنه موسع عنده وللوجوب عند الحنفية والحنابلة لأنه فوري عندهما وللمالكية قولان كالمذهبين (حل هق عن ابن عباس) الحديث: 5398 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 5399 - (عجلوا الركعتين) اللتين (بعد المغرب لترفعا) إلى السماء (مع العمل) أي مع عمل النهار (هب) وكذا الدارقطني والديلمي (عن حذيفة) وفيه سويد بن سعيد قال أحمد: متروك وقبله أبو حاتم عن عبد الرحيم بن زيد العمي أورده الذهبي في المتروكين وقال: قال البخاري: تركوه الحديث: 5399 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 5400 - (عجلوا الركعتين) اللتين (بعد المغرب فإنهما ترفعان) بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف (مع المكتوبة) وفيه ندب ركعتين بعد المغرب وهي من الرواتب المؤكدة (ابن نصر عنه) أي عن حذيفة وفيه ما فيه الحديث: 5400 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 5401 - (عجلوا صلاة النهار) أي العصرين وفي رواية العصر بدل النهار (في يوم غيم وأخروا المغرب) قال في الفتح: قيل [ص: 308] المراد بذلك تعجيل العصر وجمعها مع الظهر وروى ذلك عن عمر قال: إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر انتهى أي وأما المغرب فتؤخر مع العشاء (د في مراسيله عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء وسكون التحتية بالمهملة الأسدي أبي عبد الله المكي نزيل الكوفة (مرسلا) قال الذهبي: ثقة معمر وروى سعيد بن منصور في سننه عن عبد العزيز المذكور بلفظ عجلوا صلاة العصر في يوم الغيم قال ابن حجر في الفتح: وإسناده قوي مع إرساله الحديث: 5401 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 5402 - (عد من لا يعودك) أي زر أخاك في مرضه وإن لم تجر عادته بزيارتك في مرضك (واهد لمن لا يهدي لك) قال البيهقي: هذا يؤيد خبر علي يرفعه ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك قال الحرالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل خاصة أصحابه على ترك الانتصاف بالحق والأخذ بالإحسان ليكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه (تخ هب عن أيوب بن ميسرة مرسلا) قال البيهقي: هذا مرسل جيد الحديث: 5402 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 5403 - (عد) بضم العين وفتح الدال وتشديدها بضبط المصنف (الآي في الفريضة والتطوع) (خط عن وائلة) بن الأسقع بإسناد ضعيف الحديث: 5403 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 5404 - (عدة المؤمن دين) بفتح الدال (وعدة المؤمنة كالأخذ باليد) (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه دارم بن قبيصة قال الذهبي: لا يعرف الحديث: 5404 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 5405 - (عدد درج الجنة عدد آي القرآن فمن دخل الجنة من أهل القرآن) وهم من لازم قراءته تدبرا وعملا لا من قرأه وهو يلعنه (فليس فوقه درجة) لأنه يكون في أعلاها فمن قرأ مئة آية مثلا كان منزله عند آخر آية يقرؤها أي الدرجة التي كانت موازنة لآخر آية يقرؤها وهي المئة من الدرجات ومن حفظ جميع القرآن كان منزله الدرجة القصوى من درجات الجنان ذكره القاضي قال: وهذا للقارئ الذي يقرؤه حق قراءته بأن يتدبر معناه ويأتي بما هو مقتضاه انتهى. ومن الحديث يعلم أنه يقرأ ويتلذذ بالقرآن ومن لازم ذلك تلذذه بمعانيه وما يفتح الله به على القراء من أنواع المعارف اللائقة بتلك الدار وبتلك الذوات التي فيها التأهل وذلك أمره لا يتناهى أبدا قال القاضي: وحينئذ تقدر التلاوة على مقدار العمل فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد قام بما يجب عليه فيها واستكمال ذلك إنما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ثم الأعظم من أمته على قدر مراتبهم في الدين قال المصنف: وذا من خصائص القرآن إذ لم يرد في سائر الكتب مثله قال: ويخرج منه خصيصة أخرى وهو أنه لا يقرأ في الجنة إلا كتابه ولا يتكلم في الجنة إلا بلسانه وقال قتادة: أعطى الله هذه الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم قبلها خاصة خصهم الله بها وكرامة أكرمهم الله بها (هب عن عائشة) قال أعني البيهقي: قال الحاكم: إسناده صحيح ولم يكتب هذا المتن إلا بهذا الإسناد وهو من الشواذ الحديث: 5405 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 5406 - (عدد آنية الحوض) أي حوضه الذي يسقي منه أمته يوم القيامة والمراد بالآنية الكيزان التي يشرب بها (كعدد نجوم السماء) أي كثيرة جدا فالمراد به في المبالغة التكثير لا التساوي في العددين حقيقة (أبو بكر بن أبي داود في البعث عن أنس) بن مالك الحديث: 5406 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 [ص: 309] 5407 - (عدل صوم يوم عرفة بسنتين: سنة مستقبلة وسنة متأخرة) وقد سبق توجيهه (قط في فوائد ابن مردك عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5407 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 5408 - (عذاب القبر حق) زاد في رواية الديلمي لا يسمعه الجن والإنس ويسمعه غيرهم. قال الغزالي: من أنكره فهو مبتدع محجوب عن نور الإيمان ونور القرآن بل الصحيح عند ذوي الأبصار ما صحت به الأخبار أنه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة <تنبيه> في شرح الصدور: قال العلماء: عذاب القبر هو عذاب البرزخ أضيف إلى القبر لأنه الغالب فكل ميت أريد تعذيبه عذب قبر أم لا ومحله الروح والبدن جميعا باتفاق أهل السنة وكذا القول في النعيم. قال ابن القيم: ثم عذاب القبر قسمان: دائم وهو عذاب الكفار وبعض العصاة ومنقطع وهو عذاب من خفت جرائمه وفي روض الرياحين: بلغنا أن الموتى لا يعذبون ليلة الجمعة تشريفا للوقت. قال: ويحتمل اختصاص ذلك بعصاتنا دون الكفار وعمم النفي في بحر الكلام فقال: الكافر يرفع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها وجميع رمضان وأما المسلم العاصي فيعذب في قبره لكن ينقطع عنه يوم الجمعة وليلتها ثم لا يعود إليه إلى يوم القيامة وإن مات يوم الجمعة أو ليلتها يكون له عذاب ساعة واحدة وضغطة القبر كذلك ثم ينقطع عنه العذاب ولا يعود إلى يوم القيامة اه. قال السيوطي: وهذا يدل على أن عصاة المسلمين لا يعذبون سوى جمعة واحدة أو دونها فإذا وصلوا إلى يوم الجمعة انقطع ثم لا يعود ويحتاج لدليل وفي البدائع لابن القيم عن القاضي أبي يعلى: لا بد من انقطاع عذاب القبر لأنه من عذاب الدنيا والدنيا وما فيها منقطع فلا بد أن يلحقهم الفناء والبلاء ولا يعرفون قدر مدة ذلك ويؤيده ما خرجه هناد عن مجاهد للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم حتى يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقول الكافر {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} (خط عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الستة وإلا لما عدل عنه وأبعد النجعة وهو ذهول عجيب فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الشيخين جميعا ثم رأيته في صحيح البخاري في باب ما جاء في عذاب القبر من كتاب الجنائز بهذا اللفظ من رواية المستملي الحديث: 5408 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 5409 - (عذاب القبر من أثر البول فمن أصابه بول فليغسله فإن لم يجد ماء) يطهر به (فليمسحه) وجوبا (بتراب طيب) أي طهور فإنه أحد الطهورين وبهذا أخذ بعض المجتهدين والذي ذهب إليه الشافعي أن التراب لا يطهر الخبث (طب عن ميمونة بنت سعد) أو سعيد صحابية رمز المصنف لصحته الحديث: 5409 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 5410 - (عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها) يقتل بعضهم بعضا مع اتفاق الكل على كلمة التوحيد ولا عذاب عليهم في الآخرة والمراد معظمهم (ك) في الإيمان من حديث أبي حصين عن أبي بردة (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة قيل هو ابن زيد بن حصين بن عمرو الأنصاري صحابي صغير قال: كنت جالسا عند عبيد الله بن زياد فأتى برؤوس الخوارج كلما جاء رأس قال: إلى النار فقلت: أو لا تعلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. قال الحاكم: على شرطهما ولا علة فيه وله شاهد اه الحديث: 5410 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 [ص: 310] 5411 - (عذاب أمتي) أمة الإجابة (في دنياها) في رواية في دنياهم: أي ليس عليهم عذاب في الآخرة وإنما عذابهم على ما اقترفوه من الذنوب البلاء والمحن والنكبات والمصائب فهذه مكفرة لهذه لكن هذا بالنظر للغالب للقطع بأنه لا بد من دخول بعضهم النار للتطهير (طب ك) في الإيمان (عنه) أي عن عبد الله المذكور. قال الهيثمي: ورجاله يعني الطبراني ثقات الحديث: 5411 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 5412 - (عذاب القبر حق فمن لم يؤمن) أي يصدق (به عذب) فيه عذابا مخصوصا على عدم إيمانه بذلك أي إن لم يدركه الله بعفوه. قال ابن المديني: كان لنا صديق فخرجت إلى ضيعتي فأدركتني صلاة المغرب فأتيت إلى جنب قبره فصليت بقربه فبينما أنا جالس سمعت من ناحية القبر أنينا فدنوت إليه فسمعت منه الأنين وهو يقول آه كنت أصوم كنت أصلي فأصابني قشعريرة فدعوت من حضرت فسمع ما سمعت ثم رجعت فمرضت بالحمى شهرين وقال الشيخ شهاب الدين ابن حجر: كنت أتعهد قبر والدي للقراءة عليه فخرج يوما بغلس في رمضان فجلست على قبره أقرأ ولم يكن في المقبرة غيري فسمعت تأوها عظيما وأنينا بصوت أزعجني من قبر مجصص مبيض فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت العذاب من داخله وذلك الرجل المعذب يتأوه بحيث يقلق سماعه القلب فلما وقع الإسفار خفي حسه فسألت عن القبر فقالوا قبر فلان لرجل أدركته وكان على غاية من لزوم المسجد والصلاة والصمت لكنه كان يعامل بالربا قال: وحكيت ذلك لبعض أهل بلده قال: أعجب منه عبد الباسط رسول القاضي فلان لما حفرنا قبره لننزل عليه ميتا آخر رأينا في رقبته سلسلة وفيها كلب أسود مربوط معه فخفنا ورددنا التراب عليه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه ابن منيع كما في الفردوس وغيره عنه: وشفاعتي يوم القيامة حق فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها اه (ابن منيع عن زيد بن أرقم) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5412 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 5413 - (عرامة الصبي في صغره) أي حدثه وشرسته إذ العرام كغراب الحدة والشرس (زيادة في عقله في كبره) قال الحكيم: العرم المنكر وإنما صار منه منكرا لصغره فذاك من ذكاوة فؤاده وحرارة رأسه والناس يتفاضلون في أصل البنية في الفطنة والكياسة والحظ من العقل والعقل ضربان ضرب يبصر به أمر دنياه وضرب يبصر به أمر آخرته والأول من نور الروح والثاني من نور الهداية فالأول موجود في عامة المؤملين إلا لعارض ويتفاوتون والثاني في الموحدين فقط وهم متفاوتون فيه أيضا وسمي عقلا لأن الجهل ظلمة فإذا غلب النور زالت الظلمة فأبصر فصار عقلا للجهل فالصبي إذا بدا منه زيادة بصر في الأمور وذكاء قيل عارم والعرم بلغة اليمن السد فالصبي يسد باب البلاهة بزيادة ذلك النور فيهتدي للطائف الأمور فمن ركب طبعه عن هذه الزيادة ثم أدرك مدرك الرجال وجاءه نور الهداية فآمن من كان المركب فيه في صغره عونا له فصار بتلك الزيادة عقله نقص في العقول الدنيوية فإذا جاءه العقل الثاني افتقد العون ولم يكن له في النوائب هداية الطبع بل هداية الإيمان والعارم اجتمع له هداية الإيمان وهداية الطبع من ذكوة الحياة التي فيه والروح المضموم له فعرف خير الدنيا وشرها فإذا جاء نور التوحيد أذكى الفؤاد فأبصر فكان له أعون من كل عون (الحكيم) الترمذي (عن عمرو بن معد يكرب) الزبيدي المذحجي وفد مع مراد ونزل في مراد أسلم سنة تسع وارتد مع الأسود ثم أسلم وشهد اليرموك (أبو موسى المديني في أماليه عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي وبيض ولده لسنده الحديث: 5413 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 [ص: 311] 5414 - (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا واجب الوجود (والصلاة المكتوبة) أي الصلوات الخمس المفروضة (وصوم رمضان) وهذا بالنسبة للشهادة على بابه وأما بالنسبة للصلاة والصوم فهو من قبيل الزجر والتهويل أو الحمل على مستحل الترك قال الذهبي في الكبائر: هذا حديث صحيح وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عرض أنه شر المكاس والزاني ومدمن الخمر بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال اه (ع) من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن مالك اليشكري عن أبي الجواري (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5414 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 5415 - (عرج) بالتخفيف (بي) أي أعرجني يعني رفعني جبريل إلى فوق السماء السابعة (حتى ظهرت) أي ارتفعت (لمستوى) بفتح الواو أي علوته قال تعالى {ومعارج عليها يظهرون} (أسمع فيه صريف الأقلام) بفتح الصاد المهملة تصويت أقلام الملائكة بما يكتبونه من أمر أقضية الله تعالى قال القاضي: المستوى على صيغة المفعول اسم مكان من الاستواء واللام إما للعلة بمعنى علوته لاستعلائه وللاستواء عليه أو بمعنى إلى كما في قوله تعالى {بأن ربك أوحى لها} وصريف الأقلام صريرها وأصله صوت البكرة عند الاستسقاء والمعنى بلغت في الارتقاء إلى رتبة عليا اتصلت بمبادئ الكائنات واطلعت على تصاريف الأحوال وجري المقادير ولذلك أخبر عن حوادث مستقبلة وأشياء معينة وانكشف الحال على ما قال (خ طب عن ابن عباس وأبي حبة البدري) قال الذهبي: بموحدة هو الصحيح ويقال بمثناة تحتية ويقال بنون اسمه مالك أو ثابت الأنصاري الأوسي الحديث: 5415 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 5416 - (عرش كعرش) كذا بخط المصنف وفي رواية عريش كعريش بياء قبل الشين (موسى) سببه أنه سئل أن يكحل له المسجد فقال: لا عريش كعريش موسى. قال البيهقي: يعني أنه كان يكره الطاق في حوالي المسجد اه. والعريش ما يستظل به من خيمة أو غيرها والجمع عرش كقليب وقلب ومنه قيل لبيوت مكة العرش لأنها عيدان تتصب وتظل عليها ومعناه بأي شيء كان يستظل (هق عن سالم بن عطية مرسلا) قضيته أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: إنه واه أيضا الحديث: 5416 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 5417 - (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة) أي حصباءها (ذهبا) قال الطيبي: بطحاء تنازع فيه عرض وليجعل أي عرض على بطحاء مكة ليجعلها لي ذهبا (فقلت لا يا رب ولكني أشبع يوما وأجوع يوما) هذا ورد على منهج التقسيم وهو ذكر متعدد ثم إضافة ما لكل على التعيين فذكر أولا جوعه وشبعه في أيامها ثم أضاف إلى الأول ماله من التضرع والدعاء وللثاني من الحمد والثناء بقوله (فإذا جعت تضرعت إليك) بذلة وخضوع (وذكرتك) في نفسي وبلساني (وإذا شبعت حمدتك وشكرتك) عطفه على ما قبله لما بينهما من عموم الأول موردا وخصوصه متعلقا وخصوص الثاني موردا وعمومه متعلقا وجمع في القرينين بين الصبر والشكر وهما صفتا المؤمن الكامل المخلص {إن في ذلك لآيات [ص: 312] لكل صبار شكور} ثم حكمة هذا التفصيل الاستلذاذ بالخطاب وإلا فإنه عالم بالأشياء جملة وتفصيلا وهذا يعرفك بما كان عليه من ضيق العيش والتقلل منه لم يكن اضطراريا بل اختيارا مع إمكان التوسع والتبسط (حم ت) من حديث ابن المبارك عن يحيى بن أيوب (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وهو تابع للترمذي وقال في المنار: وينبغي أن يقال فيه ضعيف فإنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زجر عن علي بن زيد عن القاسم عنه اه. وقال العراقي: فيه ثلاثة ضعفاء علي بن زيد والقاسم وعبيد الله بن زجر الحديث: 5417 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 5418 - (عرض) بضم العين بضبط المصنف (علي أول ثلاثة) قال الطيبي: إضافة أفعل إلى النكرة للاستغراق وأن أول كل ثلاثة من الداخلين في الجنة هؤلاء الثلاثة وأما تقدم واحد الثلاثة على الآخرين فليس في اللفظ إلا التنسيق عند علماء البيان وفي رواية بدل ثلاثة ثلة بمثلثة مضمومة أي جماعة (يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد و) عبد (مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده) أي أراد له الخير وقام بخدمته حق القيام (وعفيف) عن تعاطي ما لا يحل له (متعفف) عن سؤال الناس (وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط) على رعيته بالجور والعسف (وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله وفقير فخور) قال الطيبي: أطلق الشهادة وقيد العفة والعبادة يشعر بأن مطلق الشهادة أفضل منهما فكيف إذا قرن بإخلاص ونصح والوجه استغناء الشهادة عن التقييد إذ لشرطها الإخلاص والنصح والخصلتان مفتقرتان إليه فقيدهما وأطلقها (حم ك) في الزكاة (هق) من حديث عامر العقيلي عن أبيه (عن أبي هريرة) وعامر العقيلي هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: شيخ مجهول ليحيى بن أبي كثير لكنه في الكبائر أطلق على الحديث الصحة الحديث: 5418 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 5419 - (عرضت علي الجنة والنار) أي نصبتا ومثلتا إلي كما تنطبع الصورة في المرآة (آنفا) بالمد والنصب على الظرفية أي قريبا وقيل أول وقت كنا فيه وقيل الساعة وقال أبو البقاء: تقديره ذكرك زمانا آنفا أي قريبا من وقتنا وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه زاد في رواية وأنا أصلي وقد تجلى له الكون كله وزويت له الأرض بأسرها فأرى مشارقها ومغاربها وكل ذلك عند اندراج المسافات في حقه (في عرض هذا الحائط) بضم العين المهملة جانبه أو وسطه (فلم أر) فلم أبصر (كاليوم) صفة محذوف أي يوما كهذا اليوم وأراد باليوم الوقت الذي هو فيه أو المعنى لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم فحذف المرئي وأدخل التشبيه علي اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عن النظر المألوف وقيل الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا في الخير والشر أي ما أبصرت مثل الخير الذي رأيته في الجنة والشر الذي رأيته في النار فبالغ في طلب الجنة والهرب من النار أو ما أبصرت شيئا فالطاعة والعصيان في سبب دخولهما (ولو تعلمون ما أعلم) من شدة عقاب الله وقوة سطوته بأهل المعاصي (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك في غالب الأحيان وأكثر الأزمان (ولبكيتم كثيرا) لغلبة سلطان الوجل على قلوبكم ولا يرد على ما تقرر أولا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة ما ذاك إلا أنه شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان [ص: 313] الآن ونصح المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم وتعذيب أهل الوعيد على المعاصي <تنبيه> قال بعضهم: من الحكم والفوائد التي اشتمل عليها رؤية المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجنة والنار الأنس بأهوال القيامة ليتفرغ فيه لشفاعة أمته ويقول أمتي أمتي حيث يقول غيره من عظيم الهول نفسي نفسي (م عن أنس) بن مالك الحديث: 5419 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 5420 - (عرضت علي أمتي بأعمالها) قال أبو البقاء: في محل نصب الحال أي ومعها أعمالها أو ملتبسة بأعمالها كقوله تعالى {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي وفيهم إمامهم وقوله (حسنها وسيئها) حالان من الأعمال (فرأيت في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق) أي تنحيته عنها (ورأيت في سيء أعمالها النخاعة) أي النخامة التي تخرج من الفم مما يلي أصل النخاع ذكره التوربشتي وقال غيره: المراد هنا البصاق (في المسجد لم تدفن) قال الأشرقي: والتعريف في النخاعة والأذى كما في قوله دخلت السوق في بلد كذا ويماط صفة الأذى قال النووي: ظاهره أن الذم لا يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه كل من رآها ولا يزيلها (حم م هـ) في الصلاة (عن أبي ذر) رواه عنه أيضا ابن حبان وابن منيع والديلمي وغيرهم ولم يخرجه البخاري الحديث: 5420 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 5421 - (عرضت علي أجور) أعمال (أمتي) يحتمل كونه ليلة الإسراء وكونه في وقت المكاشفات والتجليات عند ورود الوارد الغيبي على قلبه وذلك كان غالب أحواله لأن روحه الزكية لا مرتع لها إلا في الحضرات الإلهية والمنازل القدسية فكان لا يغيب عن الله طرفة عين (حتى القذاة) التبن ونحوه كتراب قال القاضي البيضاوي وتبعه الولي العراقي: بالرفع عطفا على أجور أمتي ويجوز جره بتقدير حتى رأيت القذاة وقال الطيبي: لا بد من تقدير مضاف أي جزاء أعمال أمتي وأجر القذاة أو أجر إخراج القذاة ويحتمل الجر وحتى بمعنى إلى وتقديره إلى أجر القذاة وقوله (يخرجها الرجل من المسجد) جملة مستأنفة للبيان والرفع عطفا على أجور والتقدير ما مر وحتى يحتمل كونها هي الداخلة على الجملة وحينئذ يكون التقدير حتى أجر القذاة يخرجها على الابتداء والخبر اه {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا} صغر ذلك العمل أو كبر عسر تحمله أم شق أم سهل ومخرج القذاة من المسجد معظم لله ونبيه وحرمه فهو عند الله عظيم (وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة) أي من نسيان سورة (من القرآن أو آية أوتيها) أي حفظها رجل (ثم نسيها) لأنه إنما نشأ عن تشاغله عنها بلهو أو فضول أو لاستخفافه بها وتهاونه بشأنها وعدم اكتراثه بأمرها فيعظم ذنبه عند الله لاستهانة العبد له بإعراضه عن كلامه وقال القرطبي: من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته فإذا أخل بهاتيك المرتبة حتى خرج عنها ناسب أن يعاقب فإن ترك تعاهد القرآن يفضي إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد وقال أوتيها ولم يقل حفظها لينبه على أنها كانت نعمة عظيمة أولاها الله إياه ليقوم بها ويشكر موليها فكفرها وفيه أن نسيان القرآن كبيرة ولو بعضا منه وهذا لا يناقضه خبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان لأن المعدود هنا ذنبا التفريط في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه (ت) في الصلاة من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن أنس) وتعقبه الترمذي بأنه غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه فإنه ذاكر به البخاري فلم يعرفه واستغربه وقال: لا أعرف للمطلب سماعا من أحد من الصحابة اه وقال القرطبي: الحديث غير ثابت وأنكر ابن المديني كون المطلب سمع من أنس وقال ابن حجر: في إسناده ضعف لكن له شواهد وقال الزين العراقي: استغربه البخاري [ص: 314] لكن سكت عليه أبو داود الحديث: 5421 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 5422 - (عرضت علي أمتي البارحة) هو أقرب ليلة مضت وهذا يقتضي قرب عهده بالعرض (لدى هذه الحجرة) بالضم أي عندها (حتى لأنا أعرف بالرجل منهم من أحدكم بصاحبه صوروا لي في الطين) قال: من خصائصه أنه عرض عليه أمته بأسرهم حتى رآهم وعرض عليه ما هو كائن فيهم حتى تقوم الساعة قال الإسفرايني: وعرض عليه الخلق كلهم من لدن آدم فمن بعده كما علم آدم أسماء كل شيء (طب والضياء) المقدسي (عن حذيفة) بضم أوله (ابن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري أبو سريجة بمهملتين مفتوح الأول صحابي من أصحاب الشجرة الحديث: 5422 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 5423 - (عرف الحق لأهله) يعني الأسير الذي أتى به إليه فقال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته خلوا سبيله (حم ك) في التوبة وكذا الطبراني (عن الأسود بن سريع) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي وقال: فيه محمد بن مصعب ضعفوه وقال الهيثمي: فيه عند أحمد والطبراني محمد بن مصعب وثقه أحمد وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 5423 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 5424 - (عرفت جعفر) بن أبي طالب (في رفقة من الملائكة يبشرون أهل بيشة) بكسر الموحدة أوله وسكون المثناة التحتية وفتح المعجمة واد بطريق اليمامة مأسدة (بالمطر) وهذا قاله بعد أن استشهد في غزوة مؤتة وبين به أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون (عد عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 5424 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 5425 - (عرفة كلها موقف) أي أن الواقف بأي جزء منها آت سنة إبراهيم متبع لطريقته وأن بعد موقفه عن موقفنا أراد به دفع توهم تعين الموقف الذي اختاره هو للوقوف (وارتفعوا عن بطن عرنة) هي ما بين العلمين الكبيرين جهة عرفة والعلمين الكبيرين جهة منى (ومزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) بكسر السين محل فاصل بين مزدلفة ومنى وإضافته للبيان كشجر أراك (ومنى كلها منحر) أي لا يختص المنحر بمنحري بل يجزئ في أي بقعة منها (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 5425 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 5426 - (عرفة اليوم الذي يعرف فيه الناس) قال السبكي: المراد منه إذا اتفقوا على ذلك فالمسلمون لا يتفقون على ضلال وإجماعهم حجة حتى لو غم الهلال وأكمل الناس القعدة ثلاثين ووقفوا في تاسع الحجة بظنهم وعيدوا في غده ثم بان أنهم وقفوا في العاشر فوقوفهم صحيح وأضحاهم يوم ضحوا وكذا إذا أكملوا رمضان ثلاثين فأفطروا من الغد ثم بان أنه ثاني شوال كان فطرهم يوم أفطروا فهذا معنى الحديث ولو رأى أحد هلال شوال وحده أفطروا سرا وكان ذلك يوم فطره وليس يوم فطر غيره بل يوم فطره وإن لم يثبت برؤية وهذا يدل على أنه ليس فطر كل أحد يوم فطر الناس (ابن منده وابن عساكر) وأبو نعيم والديلمي (عن عبد الله بن خالد بن أسيد) قال الذهبي تبعه صحبه ثم استعمله زياد على فارس وأقره معاوية الحديث: 5426 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 [ص: 315] 5427 - (عريشا كعريش موسى) بياء قبل الشين في خطه هو ما أقيم من البناء على حالة عجالة يدفع سوره الحر والبرد ولا يدفع جملتها كالكن المشيد (ثمام) بمثلثة كغراب نبت ضعيف قصير يشد به خصاص البيوت الواحدة ثمامة (وخشيبات والأمر أعجل من ذلك) أي حضور الأجل أعجل من إشادة البنيان قال ذلك حين استأذنوه في بناء المسجد قال في الفردوس: سئل الحسن ما كان عريش موسى قال: كان إذا رفع يده بلغت السقف (المخلص في فوائده وابن النجار) في تاريخه (عن أبي الدرداء) الحديث: 5427 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 5428 - (عزمة على أمتي أن لا يتكلموا في القدر) محركا أي أقسمت عليهم أن لا يتنازعوا ويتجادلوا فيه بل يجزموا بأن الله خالق الأشياء كلها ومقدرها لا كما يقوله المعتزلة من إسناد أفعال العباد إلى قدرهم (خط) في القدر (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن خالد البصري قال الذهبي: قال أبو حاتم: منكر الحديث وفيه أيضا محمد بن الحسين الدوري قال الذهبي: اتهم بالوضع وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 5428 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 5429 - (عزمة على أمتي أن لا يتكلموا في القدر ولا يتكلم في القدر إلا شرار أمتي في آخر الزمان) فعلى هذه الأمة أن يعتقدوا أن الله خالق أعمال العباد خيرها وشرها كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل خلقهم (عد) من حديث عبد الرحمن القطامي عن أبي المهزم (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل: هذا موضوع قال الفلاس والقطامي: كان كذابا وأبو المهزم ليس بشيء الحديث: 5429 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 5430 - (عزيز على الله تعالى أن يأخذ كريمتي عبد مسلم) بزيادة عبد أي عينيه يذهب بصرهما (ثم يدخله النار) أي نار جهنم أي لا يفعل ذلك بحال إن صبر ذلك العبد واحتسب كما قيده في حديث آخر في النهاية عن علي أن أراك بحالة سيئة أي اشتد وشق (حم طب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن عائشة بنت قدامة) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي ضعفه أبو حاتم وغيره الحديث: 5430 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 5431 - (عسى رجل يحدث) الناس (بما يكون بينه وبين أهله) أي حليلته من أمر الجماع ومتعلقاته (أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها وبين زوجها) كذلك (فلا تفعلوا) أي يحرم عليكم ذلك وعلله بقوله (فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في ظهر الطريق) لفظ الظهر مقحم (فغشيها) أي جامعها (والناس ينظرون) إليها فهذا مثل هذا في القبح والتحريم. والقصد بالحديث التحذير من ذلك وبيان أنه من أمهات المحرمات الدالة على الدناءة وسفساف الأخلاق (طب عن أسماء بنت يزيد) بن السبكي الأنصارية صحابية [ص: 316] تكنى أم سلمة أو أم عامر رمز المصنف لحسنه الحديث: 5431 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 5432 - (عشر من الفطرة) قال بعض الكمل: من للتبعيض ولذا لم يذكر هنا الختان قيل وأحسن منه كونها للابتداء بمعنى عشر كائن من الفطرة أي السنة يعني سنة الأنبياء الذين أمرنا بالاقتداء بهم خمس في الرأس وخمس في الجسد وقال الولي العراقي: عشر مبتدأ ومن الفطرة خبره (قص الشارب) وما بعده بدل من عشر أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو ويجوز أن يكون قص الشارب مبتدأ وعشر خبر مقدم ومن الفطرة في موضع الصفة له اه. والمراد بقص الشارب قطعه بأي طريق كان من قص أو غيره حتى تبين الشفة بيانا ظاهرا (وإعفاء اللحية) أي إكثارها بلا نقص من قبيل حتى عفوا والمراد عدم التعرض لها بنقص شيء منها بخلاف لحية الأنثى فيسن إزالتها (والسواك) أي استعماله (واستنشاق الماء) أي في الوضوء أو عند الانتباه من النوم أو عند الحاجة إليه لنحو اجتماع وسخ في الأنف (وقص الأظفار) بالكيفية المعروفة (وغسل البراجم) بفتح الباء وكسر الجيم برجمة بضمهما عقد الأصابع ومفصلها وغسلها منفردة سنة وليس بمختص بالوضوء ونبه بها على ما عداها مما اجتمع فيه الوسخ كأنف وأذن (ونتف الإبط) أي شعره (وحلق العانة) الشعر الذي حول ذكر الرجل وفرج المرأة (وانتقاص الماء) بقاف وصاد مهملة على الأشهر كناية عن الاستنجاء بالماء أو نضح الفرج به لأن انتقاص الماء المطهر لازم له وقيل معناه انتقاص البول بالماء لأنه إذا غسل الذكر بعد بوله انقطع البول لأن في الماء خاصية قطع البول فالمصدر على الأول مضاف للفاعل وعلى الثاني للمفعول وعليه فالمراد بالماء البول وروي بالفاء وهو نضح الماء على داخل إزاره بعد الطهر دفعا للوسواس قال النووي: والصواب الأول <تنبيه> يتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع منها تحسين الهيئة وتنظيف البدن جملة وتفصيلا والاحتياط للطهر والإحسان إلى المخالط بكف ما يتأذى بربحه ومخالفة شأن الكفار من نحو مجوس ويهود ونصارى وامتثال أمر الشارع والمحافظة على ما أشار إليه بقوله سبحانه {فأحسن صوركم} فكأنه قال حسنت صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها والمحافظة عليها محافظة على المروءة والتألف لأن الإنسان إذا كان حسن الهيئة انبسطت إليه النفوس فقبل قوله وحمد رأيه وعكسه عكسه (حم م 4) كلهم في الطهارة (عن عائشة) ورواه مسلم من حديث زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة ثم قال: قال زكريا قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة اه. وقال عياض: لعلها الختان المذكور مع الخمس قال النووي: وهو أولى قال النسائي: وللحديث علة وهو أن فيه حتى عند مسلم مصعب بن شيبة منكر الحديث وقال أحمد: له مناكير وقال أبو حاتم والدارقطني ليس بقوي لكن لروايته شاهد صحيح مرفوع الحديث: 5432 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 5433 - (عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا) أي لا بغيرها (وتزيدها أمتي) أي تفعلها وتزيد عليها (بخلة) أي بخصلة (إتيان الرجال بعضهم بعضا ورميهم بالجلاهق) بضم الجيم البندق من طين واحده جلاهقة فارسي (والخذف (1) ولعبهم بالحمام وضرب الدفوف وشرب الخمور وقص اللحية وطول الشارب والصفير) وهو تصويت بالفم والشفتين [ص: 317] كما في النهاية (والتصفيق) ضرب صفحة الكف على صفحة الأخرى (ولباس الحرير) أو ما كان أكثره حريرا (وتزيدها أمتي) أي تفعلها كلها وتزيد عليها (بخلة إتيان النساء بعضهم بعضا) وذلك كالزنا في حقهن واستشكل بخير البيهقي وغيره إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال (ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن) البصري (مرسلا)   (1) بالخاء والذال المعجمتين وهو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها أو تتخذ مخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة الحديث: 5433 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 5434 - (عشرة) زاد تمام في فوائده من قريش (في الجنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة) إنما بشر العشرة بكونهم فيها واقتصر عليهم مع أن عامة أصحابه فيها ولم يبشرهم لأن عظمة الله قد ملأت صدور أولئك وصفت أرواحهم فأخذت بقسطها من صفوة الأنبياء ورفعت عن قلوبهم الحجب فلاحظوا العز والجلال فلا تضرهم البشرى لموت شهواتهم وحياة قلوبهم بالله وأما غيرهم فلم تأمن نفوسهم فكتم عنهم خوفا عليهم كيف وقد كان عند أولئك مع علمهم بذلك من الخوف ما اقتضى أن يقول الصديق وهو أكبرهم " ليتني كنت شعرة في صدر مؤمن " وأن يقول عمر " الويل إن لم يغفر له ". (تتمة) أخرج ابن عساكر عن عبادة: خلوت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحب من تحب كما تحب قال أكتم على حياتي: أحبابي أبو بكر ثم عمر ثم علي ثم سكت فقلت: ثم من قال: من عسى أن يكون إلا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيوب وأنت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وابن مسعود وابن عوف وابن عفان ثم هؤلاء الرهط من الموالي سلمان وصهيب وبلال وعمار اه (حم د هـ والضياء) المقدسي (عن سعيد بن زيد) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير حامد بن يزيد البلخي وهو ثقة وللحديث طرق كثيرة الحديث: 5434 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 5435 - (عشرة أبيات بالحجاز أبقى من عشرين بيتا بالشام) (طب عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 5435 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 5436 - (عصابتان) تثنية عصابة وهي الجماعة من العصباء ومنه العصب لأنه يشد الأعضاء بعضها ببعض (من أمتي) العصابة الجماعة من عشرة إلى أربعين لا واحد لها من لفظها (أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم) (حم ن والضياء) من حديث محمد بن الوليد الزبيدي عن الجراح بن مليح (عن ثوبان) ورواه عنه الديلمي والطبراني وقال: لا يروى عن ثوبان إلا بهذا الإسناد تفرد به الزبيدي اه والجراح قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني: ليس بشيء الحديث: 5436 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 5437 - (عظم الأجر عند عظم المصيبة وإذا أحب الله قوما ابتلاهم) تمامه كما في الفردوس فمن رضي فله الرضى [ص: 318] ومن جزع فله الجزع (المحاملي) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية وحاء مهملة مخففة نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في السفر وعرف به بيت كبير قديم منهم هذا الإمام وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي سمع البخاري وخلقا كثيرا ومنه الطبراني والدارقطني وخلق كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف (في أماليه عن أبي أيوب) الأنصاري ورواه أبو نعيم والديلمي من حديث أنس الحديث: 5437 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 5438 - (عفو الله أكبر) بموحدة تحتية بضبطه (من ذنوبك) أي فضل الله على العبد أكبر من التقصير أي من تقصيراته فإنه كلما أذنب أبق من ربه وكلما أبق ازداد عتيا وكلما ازداد عتيا ازداد نقصا في القدر والجاه ففضل الله على العبد أكثر من نقصانه لأنه يتفضل من كرمه ومجده والعبد ينقص من لومه وفقره فكلما ظهر نقص تفضل عليه بستره حتى لا يبدو نقصه وعيبه فإن كثرت ذنوبه فستوره أكثر وإن كثر نقصه وعيبه ففضله أكثر وأغزر وهذا قاله لحبيب بن الحارث وقد قال: إني مقراف للذنوب قال: كلما أذنبت فتب ثم قال: أعود قال: ثم تب قال: إذا تكثر فذكره (فر) وكذا العسكري وأبو نعيم والبيهقي وضعفه (عن عائشة) ورواه عنها باللفظ المذكور الطبراني في الأوسط ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فعزوه إليه كان أولى قال الهيثمي: وفيه نوح بن ذكوان ضعيف الحديث: 5438 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 5439 - (عفو الملوك) بضم الميم جمع ملك بفتحها وكسر اللام (أبقى) بالموحدة والقاف (للملك) أي أدوم وأثبت (الرافعي) إمام الدين عبد الكريم في تاريخ قزوين (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 5439 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 5440 - (عفوت لكم عن صدقة الجبهة) أي تركت لكم أخذ زكاة الخيل وتجاوزت عنه سميت به لأنها خيار البهائم كما يقال وجه القوم وجبهته لسيدهم (والكسعة) بالضم الحمير أو الرقيق من الكسع وهو ضرب الدبر (والنخة) بضم النون وفتحها وخاء معجمة مفتوحة مشددة البقر العوامل وكل دابة استعملت (هق عن أبي هريرة) قال ابن حجر: سنده ضعيف وقد اضطرب فيه راويه سليمان بن الأرقم أبو معاذ الحديث: 5440 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 5441 - (عفوا تعف نساؤكم) أي عفوا عن الفواحش تكف نساؤكم عنها وخرج الديلمي عن علي مرفوعا لا تزنوا فتذهب لذة نسائكم وعفوا تعف نساؤكم إن بني فلان زنوا فزنت نساؤهم (أبو القاسم بن بشران في أماليه عد) عن سعيد بن هاشم بن زيد عن قاسم بن عبد الوهاب عن إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وسكت عليه الحديث: 5441 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 5442 - (عفوا تعف نساؤكم وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره) زاد في رواية محقا كان أو مبطلا (لم يرد علي الحوض) يوم القيامة إشارة إلى إبعاده عن منازل الأبرار ومواطن الأخيار (طس عن عائشة) قال الهيثمي: فيه يزيد بن خالد العمي وهو كذاب فكان ينبغي حذفه كالذي قبله الحديث: 5442 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 5443 - (عفوا عن نساء الناس) فلا تزانوهم (تعف نساؤكم) عن الرجال (وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ومن أتاه أخوه) [ص: 319] أي في الإسلام وإن لم يكن من النسب (متنصلا) أي منتفيا من ذنب معتذرا (فليقبل ذلك منه محقا كان أو مبطلا) في تنصله (فإن لم يفعل) أي لم يقبل (لم يرد علي الحوض) يوم يرده المؤمنون في الموقف الأعظم (ك) في البر والصلة من حديث سويد عن قتادة عن أبي رافع (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: بل سويد ضعيف والمنذري قال: سويد هو ابن عبد العزيز واه الحديث: 5443 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 5444 - (عقر دار الإسلام) أي أصله وموضعه (بالشام) أي تكون الشام زمن الفتن محل أمن وأهل الإسلام به أسلم قال في الفردوس: عقر الدار مفتوح العين أصلها والعقر والعقار خيار كل شيء وأصله (طب عن سلمة) بفتحات (بن نفيل) بنون وفاء مصغرا السكوني ويقال البراجمي حمصي له صحبة رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لأعلى من الطبراني والأمر بخلافه بل رواه الإمام أحمد فعزوه إليه أولى الحديث: 5444 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 5445 - (عقل) أي دية (شبه العمد) وهو العمد من وجه دون وجه كضرب بنحو سوط أو عصا خفيفة بلا توال (مغلظ) بالتثليث ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة أي حاملا لكنها مخففة بكونها مؤجلة لأن شبه العمد متردد بين الخطأ والعمد فأعطى مثل الخطأ في التأجيل (مثل عقل العمد) في التثليث (ولا يقتل صاحبه) أي لا يجب قود على صاحب شبه العمد وإذا لم يقتل فيه ففي الخطأ أولى وإذا لم يقتل فيهما تعين العمد للقتل (د) في الديات (عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث: 5445 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 5446 - (عقل المرأة مثل عقل الرجل) أي دية الذكر مثل دية الأنثى إذ العقل الدية سميت به لأن الإبل المأخوذة فيها كانت تعقل بفناء ولي المقتول (حتى تبلغ الثلث من ديتها) أي تساويه فيما كان من أطرافها إلى ثلث الدية فإذا تجاوزت الثلث وبلغ العقل نصف الدية صارت ديتها على النصف من دية الرجل (ن عن ابن عمرو) بن العاص وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الذهبي: فيه إسماعيل بن عياش عن ابن جريج قال الشافعي: وكان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه وفي نفسي شيء ثم علمت أنه يريد سنة أهل المدينة فرجعت عنه الحديث: 5446 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 5447 - (عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين) أي دية الذميين كنصف المسلمين قال القاضي: العقل الدية سميت به لأن إبلها تعقل بفناء ولي الدم أو لأنها تعقل دم القاتل عن السفك (ن عن ابن عمرو) بن العاص وفيه ما في الذي قبله الحديث: 5447 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 5448 - (عقوبة هذه الأمة) في الدنيا (بالسيف) أي يقتل بعضهم بعضا في الدنيا بالسيوف فلا يعذبون بخسف ولا مسخ كما فعل بالأمم السابقة رحمة من الله بهم وشفقة عليهم وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته " والساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " (طب عن رجل) من الصحابة قال الديلمي: أظنه عبد الله بن يزيد الخطمي (خط عن عقبة بن مالك) هما اثنان جهني وليثي فكان ينبغي تمييزه قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح الحديث: 5448 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 [ص: 320] 5449 - (علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا) من المخلوقات (أبدا) لأن اللعنة الطرد والبعد عن رحمة الله وهم إنما يقربون إلى الله لا يبعدون عنه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الأولياء عن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف (ابن خنيس) بالمعجمة والنون وآخره سين مهملة مصغرا كوفي تابعي عابد زاهد سكن بغداد (مرسلا) قال الذهبي: واه اه. لكن في التقريب كأصله: صدوق له أغلاط كثيرة وأفرط فيه ابن حبان الحديث: 5449 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 5450 - (علامة حب الله تعالى حب ذكر الله وعلامة بغض الله بغض ذكر الله عز وجل) أي علامة حب الله لعبده حب عبده لذكره لأنه إذا أحب عبدا ذكره وإذا ذكره حبب إليه ذكره فيذكر ربه بذكره تعالى له كما يحبه بحبه له قال تعالى {يحبهم ويحبونه} {ولذكر الله أكبر} أي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد لله لأن ذكر الله للعبد يثير من العبد ذكره له وقد يجري على ظاهره ويكون المعنى علامة المحب لله كثرة ذكره له لأن من أحب شيئا أكثر ذكره وفي الخبر أنت مع من أحببت أي إن كنت كذلك فأنت مع من أحببت شهودا له بالقلب وذكرا له باللسان وخدمة له بالأركان فذكر الله من العبد بلسانه علامة شهوده له بجنانه كما قال: اعبد الله كأنك تراه (هب عن أنس) بن مالك ورواه عنه الحاكم والديلمي الحديث: 5450 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 5451 - (على الخمسين) من الرجال (جمعة) ظاهر صنيعه أن هذا هو الخبر بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الدارقطني ليس فيما دون ذلك (قط عن أبي أمامة) وتعقبه مخرجه البيهقي بأن جفعر بن الزبير أحد رجاله متروك وقال عبد الحق: فيه جعفر بن الزبير متروك قال ابن القطان: وتضعيفه الحديث بجعفر ظلم له إذ ما فوقه وتحته أضعف فلعل الجناية منه فهو ولو كان معه ثقة ما صح الحديث وقال ابن حجر: فيه جعفر متروك وهياج بن بسطام متروك الحديث: 5451 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 5452 - (على الركن اليماني ملك موكل) أي موكل بالتأمين على دعاء من دعا عنده (به منذ خلق الله السماوات والأرض فإذا مررتم به فقولوا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} فإنه يقول آمين آمين) أي استجب استجب يا ربنا (خط) في ترجمة أبي محمد القرشي (عن ابن عباس) مرفوعا (هب عنه موقوفا) الحديث: 5452 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 5453 - (على النساء ما على الرجال) من الفرائض (إلا الجمعة والجنائز والجهاد) في سبيل الله نعم إن لم يكن هناك رجل في الصلاة على الجنازة لزم المرأة (عب عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 5453 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 5454 - (على الوالي) أي الإمام الأعظم ونوابه (خمس خصال جمع الفيء من حقه ووضعه في حقه وأن يستعين على أمورهم بخير من يعلم) من الناس أي بأفضلهم وأعظمهم [ص: 321] كفاءة وديانة (ولا يجمرهم فيهلكهم) تجمير الجيش جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود لأهلهم ذكره في النهاية (ولا يؤخر أمر يوم لغد) أي يؤخر الأمور العقدية خشية الفوات أو الفساد وهذه الخمس أمهات الخصال الواجبة عليه لرعيته ووراء ذلك خصال أخرى تلزمه على أن مفهوم العدد غير حجة عند الأكثر (عق عن وائلة) بن الأسقع وفيه جعفر بن مرزوق المدائني قال في الميزان عن العقيلي: أحاديثه مناكير لا يتابع على شيء منها ثم ساق له هذا الخبر وفي اللسان عن أبي حاتم: جعفر هذا شيخ مجهول لا أعرفه اه فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه العقيلي خرجه وأقره عليه غير صواب الحديث: 5454 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 5455 - (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) من غير نقص عين ولا صفة قال الطيبي: ما موصول مبتدأ وعلى اليد خبره والراجع محذوف أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها والإسناد إلى اليد على المبالغة لأنها هي المنصرمة فمن أخذ مال غيره بغصب أو غيره لزمه رده وأخذ بظاهره المالكية فضمنوا الأجراء مطلقا (حم 4 ك) كلهم من حديث الحسن (عن سمرة) وفي سماع الحسن منه خلاف وزاد فيه أكثرهم ثم نسي الحسن فقال: هو أمين ولا ضمان عليه قال الترمذي: حديث حسن الحديث: 5455 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 5456 - (على أنقاب المدينة) جمع نقب بالسكون بفتح الهمزة وسكون النون مداخلها وفوهات طرقها (ملائكة) موكلون بها للحرس (لا يدخلها الطاعون) الموت الذريع الناشئ عن وخز الجن أي لا يكون كالذي يكون بغيرها كطاعون عمواس والجارف وقد أظهر الله صدق رسوله فلم ينقل أنه دخلها طاعون (ولا) يدخلها (الدجال) فإنه يجيء ليدخلها فتمنعه الملائكة فينزل بالسبخة اسم محل قريب منها فترجف المدينة بأهلها أي تحركهم وتزلزلهم فيخرج إليه من كان في قلبه مرض قال الطيبي: وجملة لا يدخلها مستأنفة بيان لموجب استقرار الملائكة على الأنقاب وقد عد عدم دخول الطاعون من خصائصها وهو لازم دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لها بالصحة واحتج ابن الحاج على أن المدينة أفضل من مكة لأنه لم يأت مثل ذلك في مكة واستشكل عدم دخول الطاعون المدينة مع كونه شهادة وكيف قرن بالدجال ومدحت المدينة بعدم دخولهما وأجيب بأن المراد بكونه شهادة أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه لكونه سببه وإذا كان الطاعون طعن الجن حسن مدح المدينة بعدم دخولها وذكر النووي في الأذكار أن الطاعون لم يدخل المدينة ولا مكة أصلا لكن ذكر جمع أن الطاعون العام دخل مكة أما المدينة فلم يذكر أنه دخلها وهذا من معجزاته لأن الأطباء عجزوا عن دفع الطاعون عن بلد بل عن قرية وقد امتنع الطاعون عن المدينة هذه العصور المتطاولة (مالك) في الموطأ (حم ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه النسائي أيضا الحديث: 5456 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 5457 - (على أهل كل بيت أن يذبحوا شاة) واحدة (في كل رجب) أي في كل شهر رجب (وفي كل أضحى) أي في كل عيد أضحى (شاة) قال الهيثمي: الأمر فيه للندب لأنه جمع بين الأضحية والعتيرة والعتيرة غير واجبة إجماعا وقال البغوي: هذا ضعيف أو منسوخ وبفرض صحته فلا حجة فيه لمن قال بوجوب الأضحية كأبي حنيفة لأن الصيغة غير صريحة في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وهي غير واجبة عند من أوجب الأضحية وقد أخرج ابن المبارك وغيره عن علي مرفوعا نسخ الأضحى كل ذبح ونسخ رمضان كل صوم والغسل من الجنابة كل غسل والزكاة كل صدقة (طب عن مخنف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح النون (بن سليم) قال ابن عبد البر: لا أحفظ له غير هذا [ص: 322] الحديث وقال الترمذي: غريب ضعيف لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال الخطابي: فيه أبو رملة مجهول وقال المغافري: مخنف لا يحتج به ورواه الأربعة جميعا وأحمد في الأضاحي إلا النسائي ففي الفرع كلهم عن مخنف بلفظ على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة قال ابن حجر: سنده قوي الحديث: 5457 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 5458 - (على ذروة كل بعير) أي على أعلى سنامه (شيطان فامتهنوهن بالركوب) لتلين وتذل وقد يكون بها نار من جهة الخلقة يطفئها الركوب لأن المؤمن إذا ركب حمد الله وسبحه قال تعالى {ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} فكأنه قال سكنوا هذا الكبر بالركوب المقرون بذكر الله المنفر للشيطان (فإنما يحمل الله تعالى) يعني كيف يعجب الإنسان بحملها الحامل هو الله فمن تحقق ذلك يرى من العجب فكيف يمكن ركوب الجن ومزاحمة الشيطان ومقاربة النار لولا أن الله هو الذي يحمل بفضله فيطفئ النار ويسخر الجن ويقمع الشيطان فسبحان المنعم المنان (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه عنده القاسم بن غصن وهو ضعيف الحديث: 5458 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 5459 - (على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله ثم لا تقصروا عن حاجاتكم) قال في البحر: إن معناه أن الإبل خلقت من الجن وإذا كانت من جنس الجن جاز كونها هي من مراكبها والشيطان من الجن قال تعالى {إلا إبليس كان من الجن} فهما من جنس واحد ويجوز كون الخبر بمعنى العز والفخر والكبر والعجب لأنها من أجل أموال العرب ومن كثرت عنده لم يؤمن عليه الإعجاب والعجب سبب الكبر وهو صفة الشيطان فالمعنى على ظهر كل بعير سبب يتولد منه الكبر (حم ن حب) وكذا الطبراني (ك عن حمزة بن عمرو) بن عويم (الأسلمي) أبو صالح وأبو محمد المدني صحابي جليل سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر وكان يسرد الصوم قال المنذري: 'إسناد أحمد والطبراني جيد الحديث: 5459 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 5460 - (على كل بطن عقولة) بضم العين والقاف قال ابن الأثير: البطن ما دون القبيلة وفوق الفخذ أي كتب عليهم ما تغرمه العاقلة من الديات فبين ما على كل قوم اه. وقال غيره: معناه أن على الفخذ من القبيلة حصة من الدية لدخوله في كونه عاقلة أي بشرطه وقال في الفردوس: أراد بالحديث دية الجنين إذا قتل في البطن (حم م عن جابر) وفي الباب ابن المليح وغيره الحديث: 5460 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 5461 - (على كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وهو العضو وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء كذا ذكره النووي في الأذكار وقيل هي عظام الأصابع وقيل المفاصل وقيل الأنامل وقال القاضي البيضاوي: المراد هنا العظام كلها (من ابن آدم كل يوم صدقة) يعني على كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليما من الآفات باقيا على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله صدقة واجبة والمراد بالصدقة الشكر والقيام بحق المنعم بدليل قوله في حديث وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة إلخ شكرا لمن صوره ووقاه عما يؤذيه (ويجزئ من ذلك كله) قال النووي: بفتح أوله وضمه أي يكفي مما وجب للسلامى من الصدقات (ركعتا الضحى) لآن الصلاة عمل يجمع أعضاء البدن فيقوم كل عضو [ص: 323] بشكره وما بعد الطلوع إلى الزوال كالضحى في ذلك (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه من لم أجد له ترجمة اه. وقضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو إيهام فاضح وزلل لائح فإن الشيخين روياه بأبسط من هذا وهو كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم الحديث الآتي في حرف الكاف وخرجه مسلم بلفظ يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى اه الحديث: 5461 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 5462 - (على كل محتلم) أي بالغ (رواح الجمعة) إذا توفرت الشروط المذكورة في الفروع (وعلى كل من راح الجمعة) أي أراد الرواح إليها (الغسل) لها قال القاضي: إنما ذكر هذا اللفظ تأكيدا للسنة وتحريضا لهم عليه (د عن حفصة) أم المؤمنين بإسناد صالح الحديث: 5462 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 5463 - (على كل رجل) ذكر الرجل وصف طردي (مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة) أي أنه مخاطب خطاب ندب وتأكد (حم ن حب عن جابر) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5463 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 5464 - (على كل مسلم صدقة) على سبيل الندب المؤكد أو على الوجوب لكن في حق من رأى عاجزا عن التكسب وقد قارب الهلاك أو على الأمرين معا إعمالا للفظ في حقيقته ومجازه (فإن لم يجد) ما يتصدق به (فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق) وفيه تنبيه على العمل والتكسب ليجد المرء ما ينفقه على نفسه وعياله ويتصدق به وحث على فعل الخير ما أمكن وأن من عسر عليه شيء منها انتقل لغيره (لفإن لم يستطع فيعين ذا الحاجة الملهوف) أي المستغيث وهو بالنصب صفة لذي الحاجة المنصوب على المفعولية والملهوف صادق بالعاجز والمظلوم فيعينه بقول أو فعل أو بهما (فإن لم يفعل) أي فإن لم يقدر (فيأمر بالخير) في رواية بالمعروف وزاد أبو داود الطيالسي وينهى عن المنكر (فإن لم يفعل) أي لم يمكنه (فيمسك عن الشر فإنه) كذا بخطه كما رأيته في مسودته والذي في البخاري فإنها قال شارحوه بتأنيث الضمير باعتبار الخصلة التي هي الإمساك أي الخصلة أو الفعلة التي هي الإمساك له أي الممسك عن الشر (صدقة) على نفسه وغيرها أي إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك كما ذكره ابن المنير ومحصوله أن الشفقة على الخلق متأكدة وهي إما بمال حاصل أو ممكن التحصيل أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة أو ترك وهو الإمساك عن الشر أو مع النية وفيه أن الترك فعل إذا قصد وقضية الخبر ترتيب هذه الأمور الأربعة وليس مرادا وإنما هو التسهيل على من عجز عن واحد منها (حم ق) من حديث سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه (عن) جده (أبي موسى) الأشعري وسعيد أحد الأئمة المحتج بهم المجتمع على عدالتهم ومن لطائف إسناده أنه من روايته عن أبيه عن جده الحديث: 5464 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 5465 - (على مثل جعفر) بن أبي طالب الذي استشهد بغزوة مؤتة (فلتبك الباكية) لما أنه قد بذل نفسه لله وقاتل حتى قتل في سبيله إيثارا للآخرة على الدنيا (ابن عساكر) في التاريخ (عن أسماء بنت عميس) الحديث: 5465 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 [ص: 324] 5466 - (علام) أصله على ما بمعنى لم؟ قال الطيبي: الاستعمال الكثير على حذف الألف والأصل قليل وفيه معنى الإنكار (يقتل أحدكم أخاه) إذا (رأى أحدكم من أخيه) في الإسلام (ما يعجبه) من بدنه أو ماله أو غير ذلك (فليدع له بالبركة) قاله لعامر بن ربيعة لما نظر إلى سهل بن حنيف وهو يغتسل فرأى جسده ناعما فأعجبه فأغمى عليه فتغيظ المصطفى صلى الله عليه وسلم عليه ثم ذكره. قال ابن العربي: وهذا إعلام وتنبيه على أن البركة تدفع المضرة وقال غيره: قد أشار بقوله فليدع له إلخ إلى الاستغسال الآتي قال القرطبي: وصفته عند العلماء أن يؤتى بقدح من ماء ولا يوضع القدح بالأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله يغسل به كفه الصحيحة ثم بيمينه ما يغسل كفه اليسرى وبشماله ما يغسل مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم شق رأسه اليمنى فاليسرى على الصفة والترتيب المتقدم وكل ذلك في القدح ثم داخلة الإزار وهو الطرف الذي على حقوه الأيمن وذكر بعضهم أن داخلة الإزار يكنى به على الفرج وجمهور العلماء على ما قلناه فإذا استكمل هذا صبه من خلفه من على رأسه كذا نقله المازري وقال: إنه تعبدي قال عياض: وبه قال الزهري وأخبر أنه أدرك العلماء يصفونه ومضى به العمل وذلك أن غسل وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى وكذا سائر أعضائه وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغسل داخلة الإزار إدخاله وغمسه في القدح ثم يقوم الذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع بدنه ثم يكفي الإناء على ظهر الأرض وفيه جبر العائن على الوضوء المذكور وان من اتهم بأمر أحضره الحاكم وكشف عنه وأن العين قد تقتل وأن الدعاء بالبركة يذهب أثر العين وأن تأثير العين إنما هو من حسد كامن في القلب ولو قتل واحدا بعينه عمدا قتل به كالساحر (ن هـ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) بضم المهملة مصغرا واسم أبي أمامة أسعد وقيل سعد الأنصاري معروف بكنيته معدود في الصحابة قال في التقريب كأصله: له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فالحديث مرسل الحديث: 5466 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 5467 - (علام تدغرن) بدال مهملة وغين معجمة على الرواية الصحيحة قال القرطبي: ولا يجوز غيره والخطاب للنسوة أي لم تغمزن حلوق (أولادكن) قاله لأم قيس وقد دخلت عليه بولدها وقد أعلقت عنه أي عالجت رفع لهاته بأصبعها والدغرة معالجة حلق الولد بالأصابع ليرتفع ذلك الموضع فالاستفهام في معنى الإنكار له ولنفعه (بهذا العلاق) قال القرطبي: الرواية وهي الداهية هذه رواية الشيخين وفي رواية لمسلم الإعلاق قال القرطبي: وهو الصواب قياسا لأنه مصدر علقت وهو المعروف لغة وقال النووي: هو الأشهر عند أهل اللغة بل زعموا أن الصواب وأن العلاق لا يجوز قالوا: والإعلاق مصدر أعلقت عنه ومعناه أزلت عنه العلوق وهي الداهية والآفة وفي الكلام معنى الإنكار أي على أي شيء تعالجني هذا الداء بهذه الداهية والمداواة الشنيعة فلا تفعلن بهم ذلك ولكن (عليكن بهذا العود الهندي) قال في صحيح مسلم يعني به الكست أي الزموا معالجتهم بالقسط بأن يدق ناعما ويذاب ويسقط به فإنه يصل إلى العذرة فيقبضها لكونه حارا يابسا قال القرطبي: وظاهره أنه يستعمل مفردا لا يضاف له غيره (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء كدواء وأدوية (من سبعة أدواء منها ذات الجنب) قال الترمذي: يعني السل واعترض وقال القرطبي: وجع فيه يسمى الشوصة قال الطيبي: خصه بالذكر لأنه أصعب الأدواء وقلما يسلم منه من ابتلي به وقوله (ويسعط به) ابتداء كلام مبين لكيفية التداوي في الداءين المذكورين (من العذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع أو عقدة في الحلق تعتري الصبيان غالبا أو قرحة في [ص: 325] الأذن أو الحلق أو في الحذر بين الأذن والحلق سميت به لأنها تعرض غالبا عند طلوع العذرة وهي خمسة كواكب تحت الشعري والسعوط الدواء في الأنف للتداوي قال ابن العربي: وصفته هنا أن يؤخذ سبع حبات منه تدق ثم تخلط بزيت ثم يقطر في منخره (ويلد به من ذات الجنب) بأن يصب الدواء في إحدى شقي الفم واقتصر من السبعة على اثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما أو الراوي اختصر وللقسط منافع تزيد على السبعة بكثير والسبعة علمت بالوحي وما زاد عليها بالتجربة فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه أو ذكر المحتاج إليه دون غيره أو لأن السبعة أصول صفة التداوي وتحت كل واحد منها منافع مختلفة أو لأن السبعة تطلق ويراد بها الكثرة كثيرا وأرشد إلى معالجة العذرة بالقسط مع كونه حارا وهي إنما تعرض زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة وقطر الحجاز حار لأن الدواء الحار ينفع في المرض الحار بالعرض كثيرا وبالذات أيضا <تنبيه> قال النووي: اعترض بعض من في قلبه مرض فقال أجمع الأطباء على أن مداواة ذات الجنب بالقسط خطر جدا لفرط حرارته قال الماوردي: وقد كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فقد ذكر جالينوس أن القسط ينفع من وجع الصدر وذكر بعض قدماء الأطباء أنه يستعمل لجذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره وهذا يبطل ما زعمه المعترض الملحد قال القرطبي: وليسأل من أهل الخبرة المسلمين هل يستعمل مفردا أو مع غيره فيفعل (حم ق د هـ عن أم قيس) بنت محصن أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي لم يأكل الطعام فبال عليه فدعى بماء فرشه قالت: ودخلت عليه بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة فذكره الحديث: 5467 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 5468 - (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت) فيرتدعون عن ملابسة الرذائل خوفا لأن ينالهم منه نائل قال ابن الأنباري: لم يرد به الضرب به لأنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم (حل عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: غريب من حديث عبد الله بن دينار والحسن بن صالح تفرد به عنه سويد بن عمرو الكلبي الحديث: 5468 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 5469 - (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم) أي هو باعث لهم على التأدب والتخلق بالأخلاق الفاضلة والمزايا الكاملة التي أكثر النفوس الفاظة تتحمل فيها المشاق الشديدة لما له من الشرف ولما به من الفخار (عب طب عن ابن عباس) ورواه عنه البزار أيضا لكنه قال حيث يراه الخادم قال الهيثمي: وإسناد الطبراني حسن اه. ورواه البخاري في أواخر الأدب المفرد عن ابن عباس بلفظ علق سوطك حيث يراه أهلك الحديث: 5469 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 5470 - (علم لا يقال به) أي لا يعلم لأهله أو لا يعمل به (ككنز لا ينفق منه) بجامع الحبس عن الانتفاع به والظلم بمنع المستحق منه والعالم كما يجب عليه العمل بموجب علمه يجب عليه تعليم غيره قال تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5470 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 5471 - (علم لا ينفع ككنز لا ينفق منه) سمي العلم علما لكونه دلالة على الشيء وعلامة عليه ومنه {وإنه لعلم للساعة} أي دلالة على مجيئها فمن لم ينفع بعلمه في المهمات ولم يستعن بنوره في ظلمات الجهل والملمات صار علمه وبالا عليه ويلام على تركه الإنفاق منه على نفسه وغيره وقد كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم أسألك علما نافعا وقد أودع العالم العلم الذي هو أخص صفاته فجعله كالخازن لأنفس خزائنه ثم هو مأذون له في الإنفاق على كل محتاج فمن منعه من مستحقه فقد اعتدى وسلك سبيل الردى (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن مسعود) قال شارحه [ص: 326] العامري: غريب الحديث: 5471 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 5472 - (علم) بالتحريك والتخفيف أي منار (الإسلام) في رواية الإيمان (الصلاة) أي الصلوات المفروضات (فمن فرغ لها قلبه وحافظ عليها بحدها ووقتها وسننها فهو مؤمن) أي حافظ عليها بجد وانكماش من الأحوذي وهو النجاد الحسن السياق للأمور كذا قرره الزمخشري وقال العامري: العلم والعلامة واحدة وهو ما دل على الشيء ومنه {وإنه لعلم للساعة} أي دلالة على مجيئها ومعنى الحديث أن فعل الصلاة يدل على أنه مؤمن فلو صلى كافر بدار الحرب حكم بإيمانه والقصد أن كمال صلاته يدل على كمال إيمانه ونقصانها يدل على نقصانه وأنها كالميزان (خط) في ترجمة عباد بن مرزوق (وابن النجار) في تاريخه والقضاعي في شهابه (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال أعني الخطيب: هذا الحديث غريب جدا اه وفيه أبو يحيى القتات أورده الذهبي في الضعفاء ومحمد بن جعفر المدائني أورده فيهم وقال أحمد: لا أحدث عنه أبدا وقال: مرة لا بأس به الحديث: 5472 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 5473 - (علم الباطن) كذا هو بالميم في خط المصنف ورأيته أيضا في نسخة قديمة من الفردوس مضبوطة مصححة بخط الحافظ ابن حجر علم الباطن فما في نسخ من أنه على تحريف (سر من أسرار الله عز وجل وحكم من حكم الله يقذفه في قلوب من يشاء من عباده) قال الغزالي: علم الآخرة قسمان علم مكاشفة وعلم معاملة وعلم المكاشفة هو علم الباطن وذلك غاية العلوم وقد قال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب منه يخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى النصيب منه التصديق وتسليمه لأهله وقال بعضهم: من كان فيه خصلتان لم يفتح عليه منه بشيء بدعة أو كبر ومن كان محبا للدنيا أو مصرا على الهوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم وهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره من الصفات المذمومة وهذا هو العلم الخفي الذي أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله (فر عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا ابن شاهين وغيره الحديث: 5473 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 5474 - (علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر) هذا لا ينافي ما سبق من الأمر يتعلمه لتعين حمل هذا على التعمق فيه حتى يشغله عما هو أهم منه من الأحكام الشرعية ونحوها وذاك على ما يعرف به الإنسان فقط (ابن عبد البر) في كتاب العلم (عن أبي هريرة) ورواه أبو نعيم في رياض المتعلمين من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قيل: يا رسول الله فلان أعلم الناس بأنساب العرب وبالشعر وبما اختلف فيه العرب فذكره قال الحافظ ابن رجب: وإسناده لا يصح وبقية دلسه عن غير ثقة وقال ابن حجر: هذا الكلام قد روي مرفوعا ولا يثبت وروي عن عمر أيضا ولا يثبت الحديث: 5474 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 5475 - (علمني جبريل الوضوء) أي كيفيته في أول ما أوحى إليه كما مر في حديث (وأمرني أن أنضح تحت ثوبي مما يخرج من البول بعد الوضوء) الظاهر أن الأمر المذكور للندب (هـ عن زيد بن حارثة) بن شراحيل الكلبي أبو أسامة [ص: 327] مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: حديث إسناده ضعيف ولما شئل عنه أبو حاتم قال: هذا حديث كذب باطل اه فتحسين المصنف له غفلة عن ذلك الحديث: 5475 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 5476 - (علموا الصبي الصلاة ابن سبع) لفظ رواية أبي داود لسبع أي إن ميز عندها كما هو الغالب (وضربوه عليها) أي على تركها والتهاون بها (ابن عشر) من السنين قال أبو البقاء: ابن بالنصب فيهما وفيه وجهان أحدهما هو حال من الصبي والمعنى إذا كان ابن سبع وإذا كان ابن عشر أو علموه صغيرا واضربوه مراهقا والثاني أن يكون بدلا من الصبي ومن الهاء في اضربوه اه وأخذ بظاهره بعض أهل العلم فقالوا: تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها وهذه صفة الوجوب وبه قال أحمد في رواية وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ وقالوا: الأمر بضربه للتدريب وجزم البيهقي بأنه غريب منسوخ برفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وأخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا الرضيع ثم يقال له غلام إلى أن يصير ابن سبع ثم يافعا إلى عشر <تنبيه> ما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع في رواية أحمد وسياقه في غيرهما علموا الصبي الصلاة إذا كان ابن سبع سنين واضربوه عليها إذا كان ابن عشر سنين (حم ت طب ك) في الصلاة من حديث عبد الملك بن الربيع عن أبيه (عن) جده (سيرة) بن معبد قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في الرياض: حديث حسن اه. لكن عبد الملك هذا ضعفه ابن معين. وقال ابن القطان: هو غير محتج به وإن كان مسلم قد خرج له قال الحافظ: وإنما خرج له متابعة ومن لطائف إسناد الحديث أنه من رواية الآباء عن الأجداد الحديث: 5476 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 5477 - (علموا أبناءكم السباحة) بالكسر العوم لأنه منجاة من الهلاك وقيل لأبي هاشم الصوفي: فيم كنت؟ قال: في تعليم ما لا ينسى وليس شيء من الحيوان عنه غنى. قيل: ما هو؟ قال: السباحة وقال عبد الملك للشعبي: علم ولدي العوم فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنهم وقد غرقت سفينة فيها جماعة من قريش فلم يعطب ممن كان يسبح إلا واحدا ولم ينج ممن كان لا يسبح إلا واحدا (والرمي) بالسهام ونحوها لما فيه من الدفع عن مهجته وحريمه عند لقاء العدو (والمرأة المغزل) أي الغزل بالمغزل لأنه لائق بها والله يحب المؤمن المحترف ويكره البطال والبطالة تجر إلى الفساد لا سيما فيهن (هب) من حديث أحمد بن عبيد العطار عن أبيه عن قيس عن ليث عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه عبيد العطار منكر الحديث اه الحديث: 5477 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 5478 - (علموا أولادكم السباحة والرماية) في رواية الرمي (ونعم لهو المؤمنة) في رواية بدله المرأة (في بيتها المغزل وإذا دعاك أبواك فأجب أمك) أولا ثم أباك لأنها مقدمة على الأب في البر وهذا منه قال الحكيم: هذه خصال من رؤوس الأدب فلا ينبغي أن يغفل عنها وكتب عمر رضي الله عنه إلى الشام أن علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية قال ابن سعد في الطبقات: كان أسيد بن حضير يكتب بالعربية في الجاهلية وكانت الكتابة في العرب قليلة وكان يحسن العوم والرمي وكان يسيء من كانت هذه الخصال فيه في الجاهلية وأول الإسلام الكامل وكانت قد اجتمعت في أسيد وفي سعد بن عبادة ورافع بن خديج وأمر بعض الكبراء معلم ولده أن يعلمه السباحة قبل الكتابة وعلله بأن [ص: 328] الكاتب يصاب ولا كذلك السابح وزعم بعضهم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يعم لأنه لم يثبت أنه سافر في بحر ولا في الحرمين بحر ونوزع بما أخرجه البغوي عن ابن أبي مليكة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم دخل هو وأصحابه غديرا فقال: يسبح كل رجل إلى صاحبه فسبح كل رجل منهم إلى صاحبه حتى بقي أبو بكر والمصطفى صلى الله عليه وسلم فسبح إلى أبي بكر واعتنقه (ابن منده في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (وأبو موسى في الذيل فر) وكذا أبو نعيم (عن بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري) وفيه سليم بن عمرو الأنصاري قال في الميزان: روى عنه علي بن عياش خبرا باطلا وساق هذا الحديث وقال السخاوي: سنده ضعيف لكن له شواهد الحديث: 5478 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 5479 - (علموا بنيكم الرمي) بالنشاب (فإنه نكاية العدو) فتعلمه للأولاد سنة مؤكدة وقد أفتى ابن الصلاح بأن الرمي بالنشاب أفضل من الضرب بالسيف لأنه أبلغ إنكاء في الأعداء (فر عن جابر) بن عبد الله وفيه عبد الله بن عبيدة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعيف ووثقه غير واحد ومنذر بن زياد قال الدارقطني: متروك ورواه عنه البزار أيضا وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه له لكان أولى الحديث: 5479 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 5480 - (علموا) الناس ما يلزمهم من أمر دينهم (ويسروا ولا تعسروا) الواو للحال أي علموهم وحالتكم في التعليم اليسر لا العسر بأن تسلكوا بهم سبيل الرفق في التعليم (وبشروا ولا تنفروا) أي لا تشددوا عليهم ولا تلقوهم بما يكرهون لئلا ينفروا من قبول الدين واتباع الهدى (وإذا غضب أحدكم فليسكت) فإن السكوت يسكن الغضب وحركة الجوارح تثيره (حم خد عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس بسديد فقد قال الهيثمي: فيد ليث بن سليم وهو مدلس ولم يخرج له مسلم إلا مقرونا بغيره الحديث: 5480 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 5481 - (علموا) وفي رواية الآجري في أخلاق حملة القرآن عرفوا (ولا تعنفوا) أي علموهم وحالتكم الرفق وهو ضد العنف (فإن المعلم) بالرفق (خير من) المعلم (المعنف) أي بالشدة والغلظة فإن الخير كله في الرفق والشر في ضده قال الماوردي: فعلى العلماء أن لا يعنفوا متعلما ولا يحتقروا ناشئا ولا يستصغروا مبتدئا فإن ذلك أدعى إليهم وأعطف عليهم وأحث على الرغبة فيما لديهم (الحارث) بن أبي أسامة (عد هب) كهم من حديث إسماعيل بن عياش عن حميد بن أبي سويد عن عطاء (عن أبي هريرة) أيضا ورواه عنه الآجري وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه وليس كذلك فإن ابن عدي قال عقب إيراده: حميد هذا منكر الحديث والبيهقي في الشعب قال عقبه: تفرد به حميد هذا وهو منكر الحديث هذه عبارته قال الزركشي: لكن من شواهده ما أخرجه مسلم عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن فقال لهما: يسرا ولا تعسرا وعلما ولا تنفرا الحديث: 5481 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 5482 - (علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور) لأن في الأولى أبلغ زاجر للرجال وفي الثانية أبلغ زاجر للنساء إذ فيها قصة الإفك وتحريم إظهار الزينة وغير ذلك مما هو مختص بهن ولائق بحالهن (ص) عن عتاب بن بشير عن خصيف (هب عن مجاهد مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه ففيه عتاب بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مختلف في توثيقه وخصيف ضعفه أحمد وغيره الحديث: 5482 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 [ص: 329] 5483 - (علمي) يا شفاء بنت عبد الله (حفصة رقية) بالضم وسكون القاف (النملة) ورقيتها كما في الفائق وغيره العروس تحتفل أي تتزين وتختضب وتكتحل وكل شيء تفتعل غير أن لا تعاصي الرجل وقيل النملة بالفتح قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب ورده بعض أذكياء المغاربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها فكيف يأمر بها وإنما أراد الأول وقصد به تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} اه. وذلك أن حفصة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية فقال: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت فاكتمي فأخبرت حفصة عائشة فلم تكتم رواه الطبراني (أبو عبيد في الغريب) أي في كتاب غريب الحديث (عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة) عبد الله بن حذيفة العدوي المدني فقيه عارف بالنسب من الطبقة الرابعة كذا في التقريب فالحديث مرسل الحديث: 5483 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 5484 - (عليك) اسم فعل بمعنى الزم (السمع والطاعة) بالنصب على الإغراء أي الزم طاعة أميرك في كل ما يأمر به وإن شق ما لم يكن إثما وجمع بينهما تأكيدا للاهتمام بالمقام ذكره بعض الأعلام وقال أبو البقاء: بالرفع على أنه مبتدأ وما قبله الخبر وهذا اللفظ لفظ خبر ومعناه الأمر أي اسمع وأطع على كل حال (في عسرك) أي ضيقك وشدتك (ويسرك) بضم السين وسكونها نقيض العسر يعني في حال فقرك وغناك (ونشطك) مفعل من النشاط (ومكرهك) أسماء زمان أو مكان أي فيما يوافق طبعك وما لا يوافقه (وأثرة عليك) بفتحات ومثلثة وهو الإيثار يعني إذا فضل ولي أمرك أحدا عليك بلا استحقاق ومنعك حقك فاصبر ولا تخالفه وإنما قال وأثرة عليك وإن شمله مكرهك إشارة لشدة تلك الحالة (حم م ن عن أبي هريرة) الحديث: 5484 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 5485 - (عليك بالإياس) وفي رواية باليأس وهو ضد الرجاء (مما في أيدي الناس) أي صمم والزم نفسك باليأس منه وزاد في رواية بعد قوله فإنه غني (وإياك والطمع) أي احذره (فإنه الفقر الحاضر) ومن ثم قال بعض العارفين: من عدم القناعة لم يزده المال إلا فقرا (وصل صلاتك وأنت مودع) أي اشرع فيها والحال أنك تارك غيرك بمناجاة ربك مقبلا عليه بكليتك (وإياك وما يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما يحوجك أن تعتذر عنه (ك) في الرقاق (عن سعد) ظاهر صنيع المصنف أنه سعد بن أبي وقاص فإنه المراد عندهم إذا أطلق لكن ذكر أبو نعيم أنه سعد أبو محمد الأنصاري غير منسوب وذكر ابن منده أنه سعد بن عمارة قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد بن سعد المذكور وهو مضعف اه. وقال السخاوي: وفيه أيضا محمد بن حميد مجمع على ضعفه ورواه الروياني في مسنده والهيثمي في الترغيب من حديث إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري عن أبيه عن جده أن رجلا أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أوصني وأوجز فذكره الحديث: 5485 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 5486 - (عليك بالبر) بباء الجر هنا وفيما سبق وفيما يأتي جميعا واستشكاله بتعديته بنفسه في {عليكم أنفسكم} دفعه الرضي بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم الأفعال التي هي بمعناها لكن كثيرا ما تزاد الباء في مفعولها [ص: 330] نحو عليك به لضعفها في العمل بالفتح نوع من الثياب (فإن صاحب البز) أي الذي هو تجارته (1) (يعجبه أن يكون الناس بخير وفي خصب) كحمل ونماء وبركة وكثرة عشب وكلأ فإنهم إذا كانوا كذلك تيسر بأيديهم ما يشترون به البز لكسوة عيالهم وأهاليهم بخلاف الذي يتجر في الأقوات فإنه يعجبه أن يكون الناس في الجدب ليبيع ما عنده بأغلى (خط عن أبي هريرة) قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فيم تتجر؟ فذكره   (1) وقيل لثياب خاصة من أمتعة البيت وقيل أمتعة التاجر من الثياب ورجل بزاز والحرفة البزازة بالكسر أي اتجر فيه الحديث: 5486 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 5487 - (عليك بالخيل فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) في إفهامه ندبه حسن القيام بها وتطييب علفها ورعيها قال الحرالي: ويندب تناوله بيده كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول علف فرسه بيده ويمسحه بردائه (طب والضياء) المقدسي (عن سوادة بن الربيع) لم أر ذلك في الصحابة المشاهير الحديث: 5487 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 5488 - (عليك بالصعيد) أي التراب أو وجه الأرض واللام فيه للعهد المذكور في الآية (فإنه يكفيك) لكل صلاة ما لم تحدث أو نجد الماء أو يكفيك لإباحة فرض واحد وحمله البخاري في طائفة على الأول فأقاموا التيمم مقام الوضوء مطلقا وحمله الجمهور على الثاني ومنعوا أن يؤدي بتيمم واحد أكثر من فرض أي ونوافل أو يكفيك عن القضاء ويحتمل يكفيك للأداء فلا يدل على ترك القضاء وهذا قاله لما رأى رجلا لم يصل فسأله فقال: أصابتني جنابة ولا ماء فذكره (ق ن عن عمران بن حصين) الحديث: 5488 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 5489 - (عليك بالصوم) أي الزمه (فإنه لا مثل له) وفي رواية أبي نعيم بدله فإنه لا عدل له إذ هو يقوي القلب والفطنة ويزيد في الذكاء ومكارم الأخلاق وإذا صام المرء اعتاد قلة الأكل والشرب وانقمعت شهواته وانقلعت مواد الذنوب من أصلها ودخل في الخير من كل وجه وأحاطت به الحسنات من كل جهة (حم ن حب ك عن أبي أمامة) قلت: يا رسول الله مرني بأمر ينفعني فذكره قال ابن القطان: هو حديث يرويه ابن مهدي وفيه عبد الله بن أبي يعقوب لا يعرف حاله اه وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 5489 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 5490 - (عليك) يا ابن مظعون هكذا جاء مصرحا به في رواية الطبراني (بالصوم (1) فإنه مخصي) وفي رواية الطبراني فإنه مجفرة بدل مخصي كنى به عن كسر شهوته بكثرة الصوم قال الحرالي: في الصوم قتل الشهوة حسا وحياة الجسد معنى وطهارة الأرواح بطهارة القلوب وفراغها للتفكر وتهيآتها لإفاضة الحكمة والخشية الداعية إلى التقوى وشهرة شهر الصبر المستعان به على الشكر وفيه تذكير بالضر الحاث على الإحسان إلى المضرور وهو مدعاة إلى التخلي من الدنيا والتحلي بأوصاف الملائكة ولذلك أنزل فيه القرآن المتلقى من ملائكة الرحمن (هب عن قدامة) بضم القاف وفتح المهملة ابن مظعون بفتح الميم وسكون المعجمة الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وكسر المهملة المكي من السابقين الأولين يروي (عن أخيه عثمان) رمز المصنف لحسنه   (1) قال في المصباح: وخصيت العبد أخصيه خصاء بالمد والكسر سللت خصيتيه فهو خصي فعيل بمعنى مفعول مثل سريع وفتيل والجمع خصيان اه الحديث: 5490 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 [ص: 331] 5491 - (عليك بالعلم) الشرعي النافع (فإن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله) قال القاضي: العقل غريزة في نفس الإنسان يدرك بها المعاني الكلية ويحكم ببعضها على بعض وهو رئيس قوى الإنسان وخلاصة الخواص النفسانية ونور الله في قلب المؤمن المعني بقوله {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح} بدليل قراءة ابن مسعود نوره في قلب المؤمن ولذلك سمي لبا وبصيرة (والعمل قيمه والرفق أبوه) أي أصله الذي ينشأ منه ويتفرع عليه وكل من كان سببا لإيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره يسمى أبا ولذلك سمي النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين (واللين أخوه والصبر أمير جنوده) وقد سبق شرح هذا في أواخر حرف الهمزة بما فيه غنية عن إعادته هنا <تنبيه> قال الغزالي: من ثمرات العلم خشية الله ومهابته فإن من لم يعرف الله حق معرفته لم يهبه حق مهابته ولم يعظمه حق تعظيمه وحرمته ولم يخدمه حق خدمته فصار العلم يثمر الطاعات كلها ويحجز عن المعاصي كلها ويجمع المحاسن ويضم شملها فعليك بالعلم أول كل شيء والله ولي التوفيق (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قال: كنت ذات يوم رفيقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت: بلى فذكره الحديث: 5491 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 5492 - (عليك بالهجرة) أي الزم التحول من ديار الكفر إلى ديار الإيمان (فإنه لا مثل لها عليك بالجهاد فإنه لا مثل له) وقال الديلمي: يريد به الهجرة مما حرم الله (عليك بالصوم فإنه لا مثل له) لما فيه من حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والهوى (عليك بالسجود) يعني الزم كثرة الصلاة (فإنك لا تسجد لله سجدة إلا ورفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة) فيه إشارة إلى أن السجود أفضل من غيره كطول القيام لكن في بعض الأحاديث ما يفيد أن طول القيام أفضل وسيجيء بسطه (طب عن أبي فاطمة) الليثي أو السدوسي أو الأسدي اسمه أنيس أو عبد الله بن أنيس صحابي سكن الشام ومصر رمز لحسنه الحديث: 5492 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 5493 - (عليك بأول السوم فإن الربح مع السماح) أي إذا أردت بيع سلعة فأعطيت فيها شيئا يساويها فبع من أول مساوم ولا تؤخر طلبا للزيادة فإن الربح مع السماح في قرن (ش د في مراسليه هق عن) ابن الشهاب (الزهري مرسلا) ورواه الديلمي عن ابن عباس لكنه بيض لسنده الحديث: 5493 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 5494 - (عليك بتقوى الله تعالى) أي بمخافته والحذر من عصيانه قال الحرالي: والتقوى ملاك الأمر وأصل الخير وهي إطراح استغناء العبد بشيء من شأنه كله (والتكبير) أي قول الله أكبر (على كل شرف) بالتحريك أي علو وهذا قاله لمن قال أريد سفرا فأوصني فذكره ومراده أوصيك بأن لا تعصي الله في سفرك ما استطعت وبأن تكبر على كل محل عال فلما ولى الرجل قال: اللهم اطو له البعيد وهون عليه السفر (ت) في الدعوات (عن أبي هريرة) وحسنه ورواه عنه النسائي في اليوم والليلة وابن ماجه الحديث: 5494 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 5495 - (عليك بتقوى الله فإنها جماع كل خير) أي أنها وإن قل لفظها كلمة جامعة لحقوق الحق وحقوق الخلق كما سبق [ص: 332] (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية المسلمين) من الرهبنة وهي ترك ملاذ الدنيا والزهد والعزلة عن أهلها وتحمل مشاقها ونحو ذلك من أنواع التعذيب الذي يفعله رهبان النصارى فكما أن الترهب أفضل عمل أولئك فأفضل عمل الإسلام الجهاد (وعليك بذكر الله وتلاوة كتاب الله) القرآن (فإنه نور لك في الأرض) فإنه يعلو قارئه العامل به من البهاء ما هو كالمحسوس (وذكر لك في السماء) بمعنى أن أهل السماء وهم الملائكة يثنون عليك فيما بينهم لسبب لزومك لتلاوته (واخزن لسانك) أي صنه واحفظه عن النطق (إلا من خير) كذكر ودعاء وتعلم علم وتعليمه وغير ذلك (فإنك بذلك) أي بملازمة فعل ما ذكر (تغلب الشيطان) إبليس وحزبه قال العلائي: هذا من جوامع الكلم فقد جمع في هذه الوصية بين خيري الدنيا والآخرة <تنبيه> قال ابن حجر: المراد بالذكر الألفاظ التي ورد الترغيب في قولها كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما ألحق بها كالحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار والدعاء بخير الدارين ويطلق الذكر ويراد به المواظبة على الواجب والمندوب ثم الذكر يقع باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضار معناه بل أن لا يقصد غير معناه فإن انضاف له استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله فهو من أبلغ الكمال قال الإمام الرازي: المراد بذكر اللسان اللفظ الدال على التسبيح والتحميد وبالذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وأدلة التكاليف من أمر ونهي حتى يطلع على أحكامها في أسرار المخلوقات والذكر بالجوارح أن تصير مستغرقة بالطاعة (ابن الضريس ع عن أبي سعيد) الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني فذكره. قال الهيثمي: وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وقد وثق وبقية رجاله ثقات الحديث: 5495 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 5496 - (عليك بتقوى الله عز وجل ما استطعت) أي مدة دوامك مطيقا وذلك بتوفر الشروط والأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها وهذا من جوامع الكلم إذ هو قول أديب متأدب بآداب الله مقتديا بقوله {فاتقوا الله ما استطعتم} أي على قدر الطاقة البشرية فإنك لا تطيق أن تتقيه حق تقاته (واذكر الله عند كل حجر وشجر) أشار بالشجر إلى الحضر وبالحجر إلى السفر أي اذكره حضرا وسفرا ويمكن أن المراد في الشدة والرخاء والحجر عبارة عن الجدب حال الشدة (وإذا عملت سيئة فأحدث عندها توبة) أشار إلى عجز البشرية وضعفها كأنه قال إنك إن توقيت الشر جهدك لا تسلم منه فعليك بالتوبة إلى ربك والرجوع إليه حسب الإمكان (السر بالسر والعلانية بالعلانية) أخبر أن الشر الذي يعمل ضربين: سرا وجهرا فالسر فعل القلب والعلانية فعل الجوارح فيقابل كل شيء بمثله (حم في) كتاب (الزهد طب) من رواية عطاء (عن معاذ) بن جبل قال: قلت يا رسول الله أوصني فذكره. قال المنذري: إسناده حسن لكن عطاء لم يلق معاذا ورواه البيهقي فأدخل بينهما رجلا لم يسم وقال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 5496 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 5497 - (عليك بحسن الخلق) بالضم أي الزمه (فإن أحسن الناس خلقا أحسنهم دينا) كما مر توجيهه غير مرة وحسن الخلق اعتدال قوى النفس وأوصافها وهذا معنى قول الحكماء: التوسط بين شيئين إلى المنحرف إلى أطرافها وفي الإحياء وغيره: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان دائما يسأل الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق (طب عن معاذ) بن جبل قال: بعثني رسول الله [ص: 333] صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن فقلت: أوصني فذكره. قال الهيثمي: فيه عبد الغفار بن القاسم وهو وضاع آه. فكان ينبغي للمصنف حذفه الحديث: 5497 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 5498 - (عليك بحسن الخلق وطول الصمت) أي السكوت حيث لم يتعين الكلام لعارض (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصريفه (ما تجمل الخلائق بمثلهما) إذ هما جماع الخصال الحميدة ومن ثم كان من أخلاق الأنبياء وشعار الأصفياء والجمال يقع على الذات وعلى المعاني <تنبيه> عدوا من محاسن الأخلاق الإصغاء لكلام الجليس وأنه إذا سمع إنسانا يورد شيئا عنده منه علم لا يستلب كلامه ولا يغالبه ولا يسابقه فإن ذلك صغر نفس ودناءة همة بل يستمعه منه كأنه لا يعرفه سيما في المجامع (ع عن أنس) قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى فذكره. قال الهيثمي: رجاله ثقات وأعاده بمحل آخر عازيا للبزار وقال: فيه بشار بن الحكم ضعيف وقال المنذري: رواه الطبراني والبزار وأبو يعلى عن أنس بإسناد جيد رواته ثقات واللفظ له ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] عن أبي ذر بإسناد واه الحديث: 5498 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 5499 - (عليك بحسن الكلام) بين الأنام (وبذل الطعام) للخاص والعام كما سبق تقريره قالوا: وحسن الكلام أن يزن ما يتكلم به قبل النطق بميزان العقل ولا يتكلم إلا بما تمس الحاجة إليه فقد قيل: لا تكثر الكلام وإن كان حسنا لأنه إذا كثر سمج ولا يتكلم بما يحرك النفس ويثير الشر فإنه إذا صدر من نفس ثائرة حرك نفس المخاطب وإن كان حسنا ومن تكلم بكلام فيه خشونة عن نفس طيبة لا تؤثر إزعاجا وقد قال علي كرم الله وجهه: مغرس الكلام القلب ومستودعه الفكر ومقويه القلب ومبدؤه اللسان وجسمه الحروف وروحه المعنى وحليته الإعراب قالوا: وليحذر من فاحش الكلام ولو على وجه الحكاية وفي حال القبض والغضب لأنه إلى الزلل أقرب وأحسن ضابط أن يقال لا يتكلم إلا بما تمس الحاجة إليه ورب كلام جوابه السكوت كما قيل: ما كل قول له جواب. . . جواب ما يكره السكوت (خد ك) في الأيمان (عن هانئ) أي شريح (بن يزيد) المذحجي الحارثي صحابي له وفادة نزل بالكوفة قال: قلت يا رسول الله أخبرني بشيء يوجب الجنة فذكره قال الحاكم: صحيح ولا علة له وعلته عندهما أن هانئ ليس له راو غير ابنه لكن له نظائر عندهما اه. وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن الحديث: 5499 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 5500 - (عليك بركعتي الفجر) أي الزم فعلهما (فإن فيهما فضيلة) إذ هما خير من الدنيا وما فيها كما في خبر آخر (طب فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن السلماني ضعيف الحديث: 5500 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 5501 - (عليك بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أي الزم قول هذه الكلمات الباقيات الصالحات (فإنهن يحططن الخطايا) أي يلقينها ويسقطنها (كما تحط الشجرة ورقها) أيام الشتاء والمراد الصغائر (هـ) عن أبي الدرداء رمز المصنف لحسنه الحديث: 5501 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 [ص: 334] 5502 - (عليك بكثرة السجود) في الصلاة أي الزمها بأن تطيل السجود أكثر من بقية الأركان لما فيه من إظهار الافتقار والتزام الخضوع والذلة بين يدي ملك الملوك (فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة) أي منزلة عالية في الآخرة فلا يزال العبد يترقى بالمداومة على السجود درجة فدرجة حتى يفوز بالقدح المعلى من القرب الإلهي (وحط عنك بها خطيئة) هذا كالصريح في تفضيل السجود على القيام وهو أحد وجوه للشافعية ثانيها تطويل القيام أفضل وتأول قائلوه الحديث على أن مراده بكثرة السجود كثرة الصلاة لا حقيقة السجود فإن التقرب بسجدة فردة بلا سبب حرام كما صححه الرافعي لكن قال المحب الطبري الشافعي: الجواز أولى بل لا يبعد ندبه فإنها عبادة مشروعة استقلالا فإذا جاز التقرب بها بسبب جاز بغيره كالركعة وبه فارقت الركوع فإنه لم يشرع استقلالا مطلقا قال: والحديث يقتضي كل سجود وحمله على سجود في صلاة تخصيص على خلاف الظاهر ومن أدلة الذاهبين إلى تفضيل السجود ما رواه مسلم عن ربيعة بن كعب كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: أو غير ذلك قلت: هو ذلك قلت: فأعني على نفسك بكثرة السجود وفيه أن مرافقة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة من الدرجات العالية التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحضور الزلفى عند الله في الدنيا بكثرة السجود انظر أيها المتأمل في هذه الشريطة وارتباط القرينتين لتقف على سر دقيق فإن من أراد مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يناله إلا بالقرب من الله ومن رام قرب الله لم ينله إلا بقرب حبيبه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أوقع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المحبتين وذلك أن محبة العبد منوطة بمتابعته ومحبة الله العبد متوقفة على متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم (حم م ت ن هـ) في الصلاة (عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم (وأبي الدرداء) قالوا كلهم قال معدان: لقيت ثوبان فقلت: أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال: سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره زاد مسلم والترمذي ثم لقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك فاقتصار المصنف عليها كأنه لذلك الحديث: 5502 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 5503 - (عليك) بكسر الكاف خطابا لعائشة (بالرفق) أي بلين الجانب والاقتصاد في جميع الأمور والأخذ بأيسر الوجوه وأقربها وأحسنها (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه) إذ هو سبب لكل خير (ولا ينزع من شيء إلا شانه) أي عابه قاله لها وقد ركبت بعيرا فيه صعوبة فجعلت ترده وتضربه قال الطيبي: وكان تامة وفي شيء متعلق به ويحتمل أن تكون ناقصة وفي شيء خبره والاستثناء مفرغ من أعم عام وصف الشيء أي لا يكون الرفق مستترا في شيء يتصف بصفة من الأوصاف إلا بصفة الزينة والشيء عام في الأعراض والذوات (م عن عائشة) الحديث: 5503 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 5504 - (عليك) يا عائشة (بالرفق وإياك والعنف) بتثليث العين والضم أفصح الشدة والمشقة أي احذري العنف فإن كل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله (والفحش) أي التعدي في القول والجواب وهذا حث على التخلق بالرفق وذم العنف (خد عن عائشة) قاله لها حين قالت لليهودي عليكم السام واللعنة بعد قولهم للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السام عليك الحديث: 5504 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 [ص: 335] 5505 - (عليك) بكسر الكاف خطابا لأم أنس (بالصلاة فإنها أفضل الجهاد) إذ هي جهاد لأعظم الأعداء (واهجري المعاصي) أي فعلها (فإنه) أي هجرها (أفضل الهجرة) أي أكثر ثوابا من الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (المحاملي في أماليه) من طريق محمد بن إسماعيل عن يونس بن عمران بن أبي قيس (عن) جدته (أم أنس) الصحابية قالت: يا رسول الله جعلك الله في الرفيق الأعلى من الجنة وأنا معك علمني عملا قال: عليك بالصلاة إلخ وقضية تصرف المؤلف أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني في ترجمة أم أنس هذه من معجمه وقال: ليست هي أم أنس بن مالك فتنبه له قال البغوي: ولا أعلم لها غيره الحديث: 5505 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 5506 - (عليك) يا عائشة (بجمل الدعاء وجوامعه) هي ما قل لفظه وكثر معناه أو التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة أو التي تجمع الثناء على الله وآداب المسألة وغير ذلك (قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأسألك الجنة) أي دخولها (وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك مما سألك به محمد وأعوذ بك مما تعوذ به محمد وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا) كذا بخط المصنف وفي رواية خيرا بدل رشدا وقد مضى الكلام على هذا (خد عن عائشة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 5506 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 5507 - (عليكم بالأبكار) أي بتزوجهن وإيثارهن على غيرهن (فإنهن أعذب أفواها) أي أطيب وأحلى ريقا والعذب الكلام الطيب أو هو كناية عن قلة البذاءة والسلاطة لبقاء حيائها بعدم مخالطة الرجال (وأنتق أرحاما) أكثر أولادا يقال للكثيرة الولد ناتق لأنها ترمي بالأولاد رميا والنتق الرمي لا يقال يعارضه خبر عليكم بالولود لأن البكر لا يعلم كونها كثيرة الولادة لأنا نقول البكر مظنة ذلك فالمراد بالولود الكثيرة الولد بتجربة أو مظنة وأما الآيسة ومن جربت فوجدت عقيمة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما (وأرضى باليسير) من العمل أي الجماع أو أعم والحمل عليه أتم ومن رضى باليسير وقنع بالموجود كان نقي القلب طاهر اللب راضيا عن الله بما رزقه الله وأولاه (هـ هق) في النكاح (عن) أبي عبد الرحمن (عويمر) بعين مهملة مصغر (ابن ساعدة) الأنصاري المدني من بني عمرو بن عوف عقبي بدري كبير وفيه فيض قال الذهبي في المهذب: كذبه ابن معين لكن رواه غيره اه. فأشار إلى تقويه بوروده من طرق ثم إن ما جرى عليه المصنف من العزو لعويمر بن ساعدة وجعله هو صحابي الحديث تبع فيه الحافظ ابن حجر التابع للتهذيب حيث جعل فيه الحديث من مسند عويمر بن ساعدة قال الكمال ابن أبي شريف: وهو ممنوع إنما هو عن عتبة بن عويمر بن ساعدة وليست له صحبة صرح به البغوي في شرح السنة فالحديث مرسل. إلى هنا كلامه. وقال [ص: 336] في موضع آخر: هذا تبع فيه ما ذكره المزي في التهذيب وقد ذكر في الأطراف ما يخالفه والصواب أن صحابي الحديث إنما هو عتبة ولم يذكره ابن عبد البر ولا ابن حبان في الصحابة الحديث: 5507 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 5508 - (عليكم بالأبكار) قال القاضي: حث وإغراء على تزوجهن (فإنهن أنتق أرحاما) أي أكثر حركة والنتق بنون ومثناة الحركة ويقال أيضا للرمي وأراد أنها كثيرة الأولاد (وأعذب أفواها) قال الطيبي: أفرد الخبر وذكره على تقدير كقوله تعالى {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} قال القاضي: إضافة العذوبة إلى الأفواه لاحتوائها على الريق وقد يقال للريق والخمر الأعذبان (وأقل خبا) بالكسر أي خداعا (وأرضى باليسير) من الإرفاق لأنها لم تتعود في سائر الأزمان من معاشرة الأزواج ما يدعوها إلى استقلال ما تصادفه (طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه يحيى بن كثير السقاء وهو متروك الحديث: 5508 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 5509 - (عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما) أي أرحامهن أكثر نتقا بالولد وهو النتق ويقال امرأة منتاق أي كثيرة الولد وزند ناتق أي وار ذكره القاضي (وأسخن أقبالا) أي فروجا واحدها قبل بضم الباء وسكونها سمي به لأن صاحبه يقابل به غيره (وأرضى باليسير من العمل) قال الطيبي: وباجتماع هذه الصفات يكمل المقصود من المولود (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث: 5509 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 5510 - (عليكم بالأترج فإنه يشد الفؤاد) أي الزموا أكله فإنه يشد القلب ويقويه بقوة فيه وبخاصية له وبالعرض لتحليله للسوداء ومضغه يطيب النكهة ويذهب البخر ويفتح سدد الدماغ أكلا وشما ويعين على الهضم وينفع من الفواق ويحبس ويجلب النوم بالعرض وإن استف من بزره نصف مثقال أزال القشعريرة ومنافعه كثيرة (فر عن عبد الرحمن بن دلهم معضلا) الحديث: 5510 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 5511 - (عليكم بالإثمد (1)) الكحل الأسود أي الزموا التكحل به (فإنه يجلو البصر) أي يزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة من الرأس (وينبت الشعر) بتحريك العين هنا أفصح للازدواج والمراد شعر هدب العين لأنه يقوي طبقاتها (2) وهذا من أدلة الشافعية على ندب الاكتحال بالأثمد قال ابن العربي: التكحل مشروع مستثنى من التداوي قبل نزول الداء الذي هو مكروه طبا وشرعا وذلك لحاجة الانتفاع بالبصر وكثرة تصرفه وعظيم نفعه وقيل إنه يطرأ على البصر من الغبار ما يكون عنه القذى وينزل منه بالعين ما يؤذيها فيشرع التكحل ليزول ذلك الداء فهو تطبب بعد [ص: 337] نزول الداء لا قبله ومنافع الاكتحال كثيرة وأجود الأكحال وأيسرها وجودا سيما بالحجاز الإثمد (حل عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي قال في الميزان عن ابن معين: أحاديثه غير قوية وأورد له هذا الخبر ورواه عنه ابن خزيمة وصححه ابن عبد البر والخطابي   (1) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة وحكى فيه ضم الهمزة حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون ببلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان (2) فالاكتحال به يحفظ صحة العين لا سيما عند المشايخ والصبيان لكنه لا يوافق الرمد الحار وخاصيته النفع للجفون وذوات الفضول الغليظة الحديث: 5511 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 5512 - (عليكم بالإثمد) أي الاكتحال به وهل هو اسم للحجر الذي منه الكحل أو هو نفس الكحل؟ خلاف (عند النوم فإنه يجلو البصر وينبت الشعر (1)) تعلق بظاهره قوم فأنكروا على الرجال الاكتحال نهارا قال ابن جرير: وهو خطأ لأنه نص على النوم لأن الاكتحال عنده أنفع لا لكراهة استعماله في غيره من أوقات النهار أوغيره قال: وخص الإثمد في صحيح البخاري إشارة إلى اختصاصه بالأنفعية من بين الاكتحال (هـ عن جابر) وفيه سعيد بن سلام العطار قال في الميزان عن ابن المديني: يضع الحديث وقال النسائي: متروك ثم ساق له هذا الخبر (د ك) في الطب (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح وأقره الذهبي لكنه قال: فيه عثمان بن عبد الملك صويلح   (1) خص الليل لأن الكحل عند النوم يلتقي عليه الجفنان ويسكن حرارة العين ويتمكن الكحل من السراية في تجاويف العين وطبقاتها ويظهر تأثيره في المقصود من الانتفاع وفي شرح الشمائل لابن حجر حكمه كونه في الليل أنه أنقى أو أبنى في العين وأسكن في السراية إلى طبقاتها الحديث: 5512 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 5513 - (عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى) جمع قذاة ما يقع في العين من نحو تبن أو تراب (مصفاة للبصر) من النوازل المنحدرة إليه من الرأس ويوافق هذا ما رآه الضحاك في كتاب الشمائل له عن علي مرفوعا أمرني جبريل بالكحل وأنبأني أن فيه عشر خصال يجلو البصر ويذهب الهم ويلحس البلغم ويحسن الوجه ويشد الأضراس ويذهب النسيان ويذكي الفؤاد عليكم بالكحل فإنه سنة من سنتي وسنة الأنبياء قبلي (طب حل) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: فيه عون بن محمد بن الحنفية ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جمع ولم يوثقه أحد وبقية رجاله ثقات وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: إسناده حسن قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده جيد وقال ابن حجر في الفتح: سنده حسن وعن ابن عمر نحوه عند الترمذي في الشمائل الحديث: 5513 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 5514 - (عليكم بالباءة) أي التزويج وقد يطلق على الجماع (1) (فمن لم يستطع) لفقد الأهبة (فعليه بالصوم) أي فليلزمه ويداوم عليه (فإنه له وجاء) أي مانع من الشهوات ولم يصب في التعبير من قال قاطع إذ الوجدان قاض بأنه يفتر الشهوة ويضعفها ولا يقطعها من أصلها وإن ديم عليه (طس والضياء) المقدسي (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي   (1) والباءة في الأصل المنزل لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا وقيل لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يتمكن كما يتبوأ من منزله الحديث: 5514 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 5515 - (عليكم بالبياض من الثياب) أي بلبس الثياب البيض لفظ رواية الحاكم بهذه الثياب البيض (فليلبسها أحياؤكم) ندبا سيما في الجمع (وكفنوا فيها موتاكم) ندبا (فإنها من خيار ثيابكم) أي أطهرها وأحسنها رونقا فلبس الأبيض مستحب إلا في العيد فالأنفس (حم ن ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 5515 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 [ص: 338] 5516 - (عليكم بالبغيض النافع) أي كلوه أو لازموا استعماله قالوا: وما البغيض النافع يا رسول الله قال: (التلبينة) بفتح فسكون حساء يعمل من دقيق فيصير كاللبن بياضا ورقة وقد يجعل فيه عسل والبغيض كعظيم من البغض سماه به لأنه مبغوض للمريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية وحكى عياض أنه وقع له في رواية المروزي بنون بدل الموحدة قال: ولا معنى له وذلك لأنه غذاء فيه لطافة سهل التناول للمريض فإذا استعمله اندفعت عنه الحرارة الجوعية وحصلت له القوة الغذائية بغير مشقة (فوالذي نفسي بيده إنه) أي هذا الطعام المسمى بها وفي رواية إنها (ليغسل بطن أحدكم كما يغسل الوسخ عن وجهه بالماء) تحقيق لوجه الشبه قال الموفق البغدادي: إذا شئت منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذى غذاء لطيفا وإذا شرب حارا كان أحلى وأقوى نفوذا <تنبيه> قال الراغب: النافع هو ما يعين على بلوغ الشيء كالفضيلة والسعادة والخير والشفاء والنافع في الشيء ضربان ضروري وهو ما لا يمكن الوصول إلى المطلوب إلا به كالعلم والعمل الصالح للمكلف في البلوغ إلى النعيم الدائمي وغير ضروري وهو الذي قد يسد غيره مسده كالسكنجبين في كونه نافعا في قمع الصفراء ومن ما هنا (هـ ك) في الطب (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنها النسائي أيضا الحديث: 5516 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 5517 - (عليكم بالتواضع فإن التواضع في القلب) لا في الزي واللباس (ولا يؤذين مسلم مسلما فرب متضاعف في أطمار) جمع طمر وهو الثوب الخلق (لو أقسم على الله) أي حلف عليه (لأبره) أي لأبر قسمه وأعطاه ما طلبه فيجب أن لا يحتقر أحدا ولا يستصغره فإنك لا تدري لعله خير منك كما بينه الغزالي والحذر من احتقار من لا يعبأ به محمود وتركه مذموم ولبعض النفوس تأثير كتأثير السم بل أشد وقد جبلت النفوس البشرية على حيل ودهاء غامض فربما تحيل الفقير المزدري فأوقع في المهالك ومن ثم قيل: من الحزم أن تكرم الأرذلين. . . وأن تهيب من لا يهاب فما يخرج الأسد من غابها. . . لحتف المشيئة إلا الكلاب وقال آخر: لا تحقرن صغيرا في مخاصمة. . . إن الذبابة أدمت جبهة الأسد وقال آخر: ولا تحقرن كيد الضعيف فربما. . . تموت الأفاعي من سموم العقارب وقال آخر: لا تحقرن صغيرا في مخاصمة. . . فرب فيل يموت من ناموسة (طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه محمد بن سعيد المصلوب وهو يضع الحديث الحديث: 5517 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 5518 - (عليكم بالثفاء) بمثلثة مضمومة وفاء مفتوحة الخردل أو حب الرشاد (1) (فإن الله جعل فيه شفاء من كل داء) [ص: 339] وهو حار يابس في الثالثة يلين البطن ويحرك الباه ومنافعه مبينة في المفردات والطب (ابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن أبي هريرة)   (1) وهو يسخن ويلين البطن ويخرج الدود وحب القرع ويحلل أورام الطحال ويحرك شهوة الجماع ويجلو الجرب المتقرح والقوبا وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها وإذا بخر به في موضع طرد الهوام عنه ويمسك الشعر المتساقط وإذا خلط بسوق الشعير والخل وتضمد به نفع من عرق النساء وحلل الأورام الحارة في آخرها وينفع من الاسترخاء في جميع الأعضاء ويشهي الطعام وينفع من عرق النسا ووجع حق الورك إذا شرب أو احتقن به ويجلو ما في الصدر والرئة من البلغم اللزج وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار أسهل الطبيعة وحلل الرياح ونفع من وجع القولنج البارد المسبب وإذا سحق وشرب نفع من البرص وإذا لطح عليه وعلى البهق الخل نفع منهما وينفع من الصداع الحادث من البلغم والبرد وإن قلي وشرب سهل البطن وإذا غسل بمائه الرأس نقاه من الأوساخ والرطوبات اللزجة الحديث: 5518 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 5519 - (عليكم بالجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله (فإنه باب من أبوب الجنة) أي سبب من الأسباب الموصلة إليها وإطلاق الباب على مثل ذلك سائغ شائع كما بينه الراغب (يذهب الله به الهم والغم) من صدور المؤمنين (طس عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عمرو بن الحصين متروك اه. وعمرو هذا قال الطبراني: تفرد به وقضية صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجب مع وجوده في كتاب مشهور وهو المستدرك باللفظ المذكور وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى الحديث: 5519 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 5520 - (عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة) بفتح القاف والميم وسكون الحاء المهملة وضم الدال المهملة وفتح الواو بضبط المصنف نقرة القفا والحجامة فيها تنفع من جحظ العين ونتئها العارض وثقل الحاجبين والجفن وغير ذلك (فإنها دواء من اثنين وسبعين داء وخمسة أدواء (1) من الجنون والجذام والبرص ووجع الأضراس) المخاطب بالحديث أهل الحجاز ونحوهم قال ابن العربي: والحجامة بالحجاز أنفع من الفصادة والفصد في هذه البلاد أنفع من الحجامة وهذا على الجملة وإلا فللفصد موضع وللحجم موضع قال: وبالجملة فالذين ترجموا عن الأطباء لم يجعلوا للحجامة قدرا لكنهم رأوا ثناء المصطفى صلى الله عليه وسلم عليها وقد أظهر الله رسوله ودينه وكلامه ولو كره المشركون (طب وابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن صهيب) قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات ورواه عنه الديلمي   (1) أي وخمسة أدواء زيادة على ذلك فذكر خمسة وعد أربعا فكأن الخامسة سقطت من بعض الرواة أو من بعض النساخ الحديث: 5520 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 5521 - (عليكم بالحزن) بالضم أي الزموه (فإنه مفتاح القلب) قالوا: يا رسول الله وكيف الحزن قال: (أجيعوا أنفسكم وأظمئوها) إلى حد لا يضر فإن بذلك تذل النفوس وتنقاد وتنكسر الشهوة ويتوفر الحزن ويتنور الباطن (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 5521 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 5522 - (عليكم بالحناء فإنه ينور رؤوسكم) أي يقويها وينبت شعرها ويحسنها ويذهب ما بها من نحو قرح وبشرة وكذا في سائر البدن (ويطهر قلوبكم) من الدنس أي ينورها والنور يزيل ظلمة الدنس (ويزيد في الجماع) بما فيه من [ص: 340] تهيج قوى المحبة وحسن لونه الناري المحبوب (وهو شاهد في القبر) أي علامة يعرف بها الملائكة المؤمن من الكافر (1) (ابن عساكر) في التاريخ من حديث ثابت بن بندار عن أبيه عن محمد بن عمر بن بكير البخاري عن أبي القاسم المؤدب النصيبي عن أحمد بن عامر الربعي عن عمرو بن حفص الدمشقي عن معروف الخياط (عن وائلة) بن الأسقع قال ابن الجوزي في الواهيات: حديث لا يصح قال ابن عدي: والمعروف أن عبد الله الخياط أحاديثه منكرة جدا عامة ما يرويه لا يتابع عليه   (1) ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدري بصبي فخضبت أسافل رجليه بحناء فإنه يأمن على عينيه أن يخرج فيهما شيء وهو صحيح مجرب لا شك فيه وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها وقلع السوس عنها وإذا نقع ورقه في ماء عذب ثم عصر وشرب من صفوه أربعين درهما مع عشرة دراهم سكر وتغذى عليه بلحم الضأن الصغير فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة الحديث: 5522 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 5523 - (عليكم بالدلجة) بالضم والفتح سير الليل وهو اسم من الإدلاج بتخفيف الدال وهي السير أول الليل وقيل الإدلاج الليل كله ولعله المراد هنا لتعقيبه بقوله (فإن الأرض تطوى بالليل) أي ينزوي بعضها لبعض ويتداخل فيقطع المسافر من المسافة فيه ما لا يقطعه نهارا سيما آخر الليل الذي ما فعل فيه شيء إلا كانت البركة فيه أكثر لأنه الوقت الذي ينزل الله فيه إلى سماء الدنيا (1) وعند الصباح يحمد القوم السرى (د ك) في الحج والجهاد (هق) كلهم (عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في موضع وقال في آخر: إن سلم من مسلم بن خالد بن يزيد العمري فجيد قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود: إسناده حسن   (1) فيقول هل من تائب إلخ وقد قال الله تعالى {فأسر بأهلك بقطع من الليل} أي سر في سواد الليل إذا بقي منه قطعة الحديث: 5523 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 5524 - (عليكم بالرمي) بالسهام (فإنه خير لهوكم) أي خير ما لهوتم به قال الطرسوسي: وأصل اللهو ترويح النفس بما لا تقتضيه الحكمة وألهاني الشيء بالألف شغلني (البزار) في مسنده (عن سعد) بن أبي وقاص وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا حاتم بن الليث وهو ثقة الحديث: 5524 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 5525 - (عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم) بفتح اللام وكسر العين ويجوز تخفيفه بكسر اللام وسكون العين لكن قال ابن قتيبة: ولم يسمع في التخفيف فتح اللام مع السكون (طس عن سعد) بن أبي وقاص قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا حاتم المذكور الحديث: 5525 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 5526 - (عليكم بالزبيب) أي لازموا أكله فإنه (يكشف المرة) بكسر الميم وشد الراء (ويذهب البلغم ويشد العصب ويذهب بالعياء) أي التعب (ويحسن الخلق) بالضم (ويطيب النفس ويذهب بالهم) وهو كالعنب الحلو منه حار والحامض والقابض بارد ينفع السعال والكلى والمثانة والرئة والصدر والحلق والمعدة والطحال والكبد بخاصية فيه (1) (أبو نعيم) [ص: 341] في الطب النبوي (عن علي) أمير المؤمنين   (1) أخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب قال: من أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء كل يوم لم ير جسده شيئا يكرهه والأبيض أشد قبضا من غيره وإذا أكل لحمه وافق قصبة الرئة ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة ولين البطن ويقوي المعدة والكبد والطحال وينفع من وجع الصدر والحلق والرئة ويغذو غذاء صالحا ولا يسدد كما يفعل التمر وما كان بعجمه كان أكثر نفعا للمعدة والكبد والطحال وفيه نفع للحفظ قال الزهري: من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب الحديث: 5526 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 5527 - (عليكم بالسراري) جمع سرية بضم فكسر ثم تشديد وقد تكسر السين أيضا سميت به لأنها من السرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع أو يطلق عليها ذلك لأنه يكتم أمرها عن الزوجة غالبا فإنهن مباركات الأرحام قال الراغب: قال عمر رضي الله عنه: ليس قوم أكيس من أولاد السراري لأنهم يجمعون فصاحة العرب ودهاء العجم (طس) عن موسى بن زكريا عن عمرو بن الحصين عن محمد بن عبد الله بن علاثة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن مالك بن يخامر عن أبي الدرداء (ك) من هذا الوجه (عن أبي الدرداء) قال ابن الجوزي: موضوع عثمان بن عطاء لا يحتج به وابن علاثة يروي الموضوعات عن الثقات وعمرو بن الحصين ليس بشيء وحفص متروك اه وقال ابن حجر في المطالب العلية: قد روي موصولا من حديث أبي الدرداء أخرجه الحاكم وإسناده واه جدا حتى خرجه ابن الجوزي في موضوعاته وقال في الفتح: إسناده واه ولأحمد من حديث ابن عمرو مرفوعا انكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة قال: وإسناده أصلح من الأول لكنه غير صريح في التسري اه. وقال الهيثمي بعد عزوه لأوسط الطبراني: فيه عمرو بن الحصين العقيلي متروك (د في مراسيله عن رجل من بني هاشم) أي من التابعين كما يشير إليه قوله (مرسلا) وله طريق آخر فيه حفص بن عمر الأيلي الحديث: 5527 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 5528 - (عليكم بالسكينة) أي الوقار والتأني (عليكم بالقصد) أي التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (في المشي بجنائزكم) بأن يكون بين المشي المعتاد والخبب لصحة الأمر بالإسراع بها وحمل على ذلك لأن ما فوقه إزراء به وإضرار بالمشيعين فإن خيف تغير الميت بالإسراع أو التأني فضده أي المخوف أولى بل واجب إن غلب ظن تغيره (طب هق عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لحسنه الحديث: 5528 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 5529 - (عليكم بالسنا) بالمد والقصر معروف ومنافعه لا تحصى (والسنوت) السبت أو العسل أو رغوة السمن أو حب كالكمون وليس به أو الكمون الكرماني أو الرازنانج أو التمر أو العسل الذي في زقاق السمن أقوال نقلها في الهدى وصوب آخرها (فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السأم) بالمهملة بغير همز (وهو الموت) وفيه أن الموت داء من جملة الأدواء قال الشاعر:. . . وكنه الموت ليس له دواء. . . وطريق استعمال ذلك أن يخلط السنا مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا لما في العسل والسمن من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال (هـ ك) في الطب من حديث عمرو بن بكر عن إبراهيم بن أبي عبيدة (عن عبد الله بن أم حرام) بحاء وراء مهملتين. قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن عمرو بن بكر اتهمه ابن عدي بأن له مناكير الحديث: 5529 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 5530 - (عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم) وفي رواية مطهرة للفم أي آلة تنقيه وتزيل تغيره فهي طهارة لغوية لا شرعية كما هو واضح (مرضاة للرب) ولا يجب عينا بل الواجب على من أكل شيئا له دسومة إزالتها ولو بغير سواك (حم [ص: 342] عن ابن عمر) بن الخطاب. قال المنذري والهيثمي: فيه ابن لهيعة ورواه البخاري تعليقا مجزوما من حديث عائشة والنسائي وابن خزيمة موصولا كما بينه الحافظ العراقي الحديث: 5530 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 5531 - (عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك يذهب بالحفر) داء يفسد أصول الأسنان (وينزع البلغم ويجلو البصر ويشد اللثة ويذهب بالبخر ويصلح المعدة ويزيد في درجات الجنة ويحمد الملائكة ويرضي الرب ويسخط الشيطان) ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه به ومن ثم ذهب إسحاق بن راهويه فيما حكاه عنه الماوردي إلى وجوبه لكل صلاة وأن من تركه عمدا لم تصح صلاته وبه قدح في نقل بعضهم الإجماع على عدم وجوبه لكنه قول مزيف (عبد الجبار الخولاني) بفتح المعجمة وسكون الواو وآخره نون نسبة إلى خولان قبيلة نزلت بالشام نسب إليها جمع من العلماء (في تاريخ داريا عن أنس) الحديث: 5531 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 5532 - (عليكم بالشام) أي الزموا سكنى أرض الشام قيل مطلقا لكونها أرض المحشر والمنشر وقيل المراد آخر الزمان لأن جيوش المسلمين تنزوي إليها عند اختلال أمر الدين وغلبة الفساد. قال في الكشاف: وقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة وحقت أن تكون كذلك فهي مبعث الأنبياء ومهبط الوحي ومكناتهم أحياء وأمواتا (طب عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي: أسانيده كلها ضعيفة لكن رواه أبو يعلى بسند رجاله رجال الصحيح في حديث طويل الحديث: 5532 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 5533 - (عليكم بالشام فإنها) أي الشام (صفوة بلاد الله) أي مصطفاه من بلاده (يسكنها خيرته من خلقه) أي يجمع إليها المختارين من عباده (فمن أبى) أي امتنع منكم عن القصد إلى الشام (فليلحق بيمنه) أضاف اليمن إليهم لأنه خاطب به العرب (وليسق من غدره) عطف على عليكم يالشام وقوله فمن أبى كلام معترض رخص لهم في النزول بأرض اليمن ثم عاد إلى ما بدأ به والمعنى ليسق كل واحد من غدره المختصة به والغدر بضمتين جمع غدير الحوض وأهل الشام شأنهم أن يتخذ كل رفقة منهم غديرا للشرب وسقي الدواب فوصاهم بالسقي مما يختص بهم وترك المزاحمة فيما سواه والتغلب لئلا يكون سبيلا للاختلاف وتهييج الفتنة (فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله) أي ضمن لي حفظها وحفظ أهلها القائمين بأمر الله وفي رواية بدل تكفل توكل قيل وهي وهم فإن ثبتت فبمعناه فإن من توكل في شيء تكفل القيام به قال ابن العربي عقب سياقه: هذه الأحاديث ونحوها أحاديث يرويها أهل الشام (طب عن وائلة) بن الأسقع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحذيفة ومعاذ وهما يستشيرانه في المنزل فأومأ إلى الشام ثم سألاه فأومأ إلى الشام ثلاثا ثم ذكره قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد كلها ضعيفة الحديث: 5533 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 5534 - (عليكم بالشفاءين العسل) لعاب النحل وله زهاء مئة اسم (والقرآن) جمع بين الطب البشري والإلهي وبين الفاعل الطبيعي والروحاني وطب الأجساد وطلب الأرواح والسبب الأرضي والسمائي {وننزل من القرآن ما هو شفاء} قال الطيبي: قوله العسل والقرآن تقسيم للجمع فجعل جنس الشفاء نوعين حقيقي وغير حقيقي ثم قسمه نحو قولهم القلم أحد [ص: 343] اللسانين والخال أحد الأبوين وقال المظهر: شفاء البئر والنهر طرفه والشفاء من المرض موافاة شفاء السلامة فصار اسما للبرء قال تعالى في العسل {فيه شفاء للناس} وفي القرآن {شفاء لما في الصدور} قال ابن القيم: جماع أمراض القلب الشبهات والشهوات والقرآن شفاء لهما ففيه من البينات والبراهين القطيعة والدلالة على المطالب العالية ما لم يتضمنه كتاب سواه فهو الشفاء بالحقيقة لكن ذلك موقوف على فهمه وتقريره المراد فيه (هـ ك) في الطب (عن ابن مسعود) قال الحاكم: على شرطهما قال البيهقي في الشعب: الصحيح موقوف على ابن مسعود الحديث: 5534 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 5535 - (عليكم بالصدق) أي الزموه وداوموا عليه (فإنه مع البر) يحتمل أن المراد به العبادة (وهما في الجنة) أي الصدق مع العبادة يدخلان الجنة (وإياكم والكذب) اجتنبوه واحذروا الوقوع فيه (فإنه مع الفجور) أي الخروج عن الطاعة (وهما في النار) يدخلان نار جهنم (وسلوا الله اليقين والمعافاة) لأنه ليس شيء مما يعمل للآخرة يتلقى إلا باليقين وليس شيء من الدنيا يهنأ لصاحبه إلا مع العافية وهي الأمن الصحة وفراغ القلب فجمع أمر الآخرة كله في كلمة والدنيا في كلمة (فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله) وسبق تقريره موضحا بما فيه (حم خد هـ عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة الحديث: 5535 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 5536 - (عليكم بالصدق) أي القول الحق وهو ضد الكذب وقد يستعمل في أفعال الجوارح كصدق فلان في القتال إذا وفاه حقه وقد يعبر عن كل فاضل بالصدق والمحكم في ذلك ما يقتضيه المقام والقياس <تنبيه> قال القشيري: الصدق عماد الأمر وبه تمامه وفيه نظامه وأقله استواء السر والعلانية وقال التستري: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره وقال المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب إطلاع الناس على مثقال ذرة من حسن عمله وإذا طلبته بالصدق أعطاك مرآة تبصر بها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة (فإن الصدق يهدي إلى البر) أي إلى العمل الصالح الخالص والبر سبق أنه اسم جامع للخير (وإن البر يهدي إلى الجنة) أي يوصل إليها قال ابن العربي: بين أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله وذلك لأن الرجل إذا تحرى الصدق لم يعص أبدا لأنه إن أراد أن يشرب أو يزني أو يؤذي خاف أن يقال له زنيت أو شربت فإن سكت جر الريبة وإن قال لا كذب وإن قال نعم فسق وسقطت منزلته وذهبت حرمته (وما يزال الرجل يصدق) في كلامه (ويتحرى الصدق) أي يجتهد فيه (حتى يكتب عند الله صديقا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقية (وإياكم والكذب) أي احذروه (فإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والإنبعاث في [ص: 344] المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إليها (وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الكذابين وعاقبتهم والمراد إظهار ذلك لخلقه بكتابته في اللوح أو الصحف أو بالإلقاء في القلوب وعلى الألسنة (حم خد م ت عن ابن مسعود) الحديث: 5536 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 5537 - (عليكم بالصدق فإنه باب من أبواب الجنة وإياكم والكذب فإنه باب من أبواب النار) وقد سبق أن الكذب من علامات النفاق وكان إمامنا الشافعي يعلمه بالفراسة وهي تنشأ عما سبق من حكمة التناسب وربما بالغ في الزجر عن ذلك يرد ما اطلع على أنه اشترى له ممن اتصف بنحو كذب أو نفاق (خط) في ترجمة عبد الكريم بن السني (عن أبي بكر) الصديق وفيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة قال الذهبي في الضعفاء: كذبوه ورواه الطبراني عن معاوية بلفظ عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار قال المنذري: سنده حسن الحديث: 5537 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 5538 - (عليكم بالصف الأول) أي لازموا الصلاة فيه وسبق أنه الذي يلي الإمام (وعليكم بالميمنة) أي الجهة اليمنى من الصفوف فإنها أفضل (وإياكم والصف بين السواري) جمع سارية وهي العمود (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن يوسف المكي وهو ضعيف الحديث: 5538 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 5539 - (عليكم بالصلاة فيما بين العشاءين) المغرب والعشاء فهو من باب التغليب وهو باب طويل الذيل (فإنها تذهب بملاغاة النهار) رواية مسند الفردوس فإنها تذهب بملاغاة أول النهار وتسدن آخره اه. بلفظه (فر عن سلمان) الفارسي وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قد مر غير مرة وقال الحافظ العراقي: فيه إسماعيل بن أبي زياد بالياء لا بالنون خلافا لما وقع للغزالي وإسماعيل هذا متروك يضع الحديث قاله الدارقطني اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه الحديث: 5539 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 5540 - (عليكم بالصوم فإنه محسمة (1)) بحاء مهملة (للعروق) لأنه مانع للمني من السيلان يمعنى أنه يقلله جدا (ومذهبة للأشر) أي البطر يعني أن الصوم يقلل دم العروق وتخفف مادة المني ويكسر النفس فيذهب ببطرها (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن شداد بن أوس)   (1) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح الثانية والميم قال في المصباح: حسمه حسما من باب ضرب فانحسم بمعنى قطعه فانقطع وحسمت العرق على حذف مضاف والأصل حسمت دم العرق إذا قطعته ومنعته السيلان بالكي بالنار اه. وقال في النهاية: محسمة للعرق مقطعة للنكاح الحديث: 5540 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 5541 - (عليكم بالعمائم) أي داوموا لبسها (فإنها سيما الملائكة) أي كانت علامتهم يوم بدر قال تعالى {يمددكم ربكم بخمسة [ص: 345] آلاف من الملائكة مسومين} قال الكلبي: معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم (وأرخوها خلف ظهوركم) فيه ندب العذبة (طب عن ابن عمر) قال الهيثمي: فيه عيسى بن يونس قال الدارقطني: ضعيف (هب) وكذا ابن عدي كلاهما من حديث الأخوص بن حكيم عن خالد بن معدان (عن عبادة) بن الصامت قال الزين العراقي في شرح الترمذي: والأخوص ضعيف الحديث: 5541 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 5542 - (عليكم بالغنم) أي اتخذوها واقتنوها (فإنها من دواب الجنة فصلوا في مراحها) بالضم مأواها (وامسحوا أرغامها) تمام الحديث عند مخرجه الطبراني قلت يا رسول الله ما الرغام؟ قال: المخاط والأمر للإباحة والغنم اسم جنس يطلق على الضأن والمعز ولا واحد للغنم من لفظها (طب) من رواية صبيح (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه الحديث: 5542 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 5543 - (عليكم بالقرآن) أي الزموا تلاوته وتدبره (فاتخذوه إماما وقائدا) تقتدون به وتنقادون لأمره ونهيه (فإنه كلام رب العالمين الذي هو منه بدأ وإليه يعود فآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله) {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} قال المرزوقي: المثل جملة من القول مقتضية من أصلها أو مرسلة بذاتها تتسم بالقبول وتشتهر بالتداول فتنتقل عما وردت فيه إلى كل ما يصح قصده بها من غير تغيير يلحقها في لفظها وعما يوجبه الظاهر إلى أشباهه من المعاني (ابن شاهين في) كتاب (السنة وابن مردويه) في التفسير عن (علي) أمير المؤمنين ورواه عنه ابن لال والديلمي أيضا الحديث: 5543 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 5544 - (عليكم بالقرع) أي الزموا أكله (فإنه يزيد في الدماغ) ويذهب الصداع الحار وهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه بل ورد عند أحمد في المسند عن أنس أنه كان أحب الطعام إليه وفي رواية لأبي بكر الشافعي عن عائشة إنه يشد قلب الحزين (وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا) زاد البيهقي والماليني في رواية آخرهم عيسى ابن مريم وهو يرق القلب ويسرع الدمعة اه. وأخرج ابن السني في الطب عن أبي هريرة مرفوعا أن نبيا من الأنبياء اشتكى إلى الله قساوة قلوب قومه فأوحى الله إليه وهو في مصلاه أن مر قومك يأكلوا العدس فإنه يرق القلب ويدمع العينين ويذهب الكبر وهو طعام الأبرار وأخرج الديلمي عن ابن عباس يرفعه من أحب أن يرق قلبه فليدمن أكل البلس يعني العدس وفيهما متروك ومنكر الحديث وكذاب (طب) من حديث عمرو بن الحصين عن محمد بن عبد الله بن علانة عن ثور بن يزيد عن مكحول (عن وائلة) ابن الأسقع قال المصنف: وعمرو وشيخه متروكان وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه عمرو بن الحصين وهو متروك قال الزركشي: ووجدت بخط ابن الصلاح إنه حديث باطل وقال النووي: حديث أكل البطيخ والباقلاء والعدس والأرز ليس فيها شيء صحيح وقال السخاوي: لا يصح فيه شيء وحكى البيهقي في الشعب أن ابن المبارك سئل عنه فقال: ولا على لسان نبي واحد إنه لمؤذ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات من عدة طرق وحكم عليه بالوضع ودندن عليه المؤلف ولم يأت بطائل الحديث: 5544 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 [ص: 346] 5545 - (عليكم بالقرع) بسكون الراء وفتحها لغتان والسكون أشهر وهو الدباء وقيل إنه غير عربي بل معرب (فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ) أي لما فيه من الرطوبة. قال الديلمي: ويروى عليكم بالأترج بدل القرع والقرع بارد رطب في الثالثة وهو أقل الثمار الصيفية مضرة وله في دفع الحميات اليد البيضاء والحظ الأوفر (طب عن عطاء مرسلا) ورواه أيضا الحاكم في التاريخ وعنه تلقاه البيهقي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه مخلد بن قريش أورده في اللسان وقال: قال ابن حبان في الثقات يخطئ الحديث: 5545 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 5546 - (عليكم بالقنا) جمع قناة وهي الرمح (والقسى العربية) التي يرمى بها بالنشاب لا قوس الجلاهق البندق وإضافته للتخصيص (فإن بها يعز الله دينكم) دين الإسلام (ويفتح لكم البلاد) وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع وقال ابن تيمية: احترز بالعربية عن العجمية فتكره لانها من زي الأعجام وقد أمرنا بمخالفتهم قال الأثرم: قلت عبد الله يعني أحمد إن أهل خراسان يزعمون أن لا منفعة لهم في القوس العربية وإنما النكاية عندهم للفارسية قال: وكيف وإنما افتتحت الدنيا بالعربية (طب عن عبد الله بن يسر) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه اليسرى ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبع الجيش متوكئ على قوس فمر برجل يحمل قوسا فارسيا فقال: ألقها فإنها ملعونة ملعون من يحملها ثم ذكره وفيه بكر بن سهل الدمياطي قال الذهبي: مقارب الحديث وقال النسائي: ضعيف وبقية رجاله رجال الصحيح قال الهيثمي: إلا أني لم أجد لأبي عبيدة عيسى بن سليم بن عبد الله بن بشر سماعا الحديث: 5546 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 5547 - (عليكم بالقناعة) أي الرضى بالقليل (فإن القناعة مال لا ينفذ) لأن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من الدنيا رضي بما دونه وقيل هي الاكتفاء بما تندفع به الحاجة أو السكون عند عدم المألوف أو ترك التشوف إلى المقصود والاستغناء بالموجود أو غير ذلك (طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي متروك الحديث: 5547 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 5548 - (عليكم بالكحل) بالضم أي الزموا الإكتحال بالإثمد (فإنه ينبت للشعر) أي شعر الأهداب (ويشد العين) لتخفيفه للمواد (البغوي في مسند عثمان) بن عفان (عنه) أي عن عثمان الحديث: 5548 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 5549 - (عليكم بالمرزنجوش) فتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي وسكون النون وضم الجيم وشين معجمة الريحان الأسود أو نوع من الطيب أو نبت له ورق يشبه ورق الآس فارسي (فشموه) إرشادا (فإنه جيد للخشام) بخاء معجمة مضمومة أي الزكام. قال في الفردوس: الخشام داء يأخذ الإنسان في خيشومه ومنه يقال رجل مخشوم والخيشوم الأنف (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) قال ابن القيم: لا أعلم صحته الحديث: 5549 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 5550 - (عليكم بالهليلج الأسود فاشربوه) إرشادا (فإنه من شجر الجنة طعمه مر وهو شفاء من كل داء) في الموجز [ص: 347] بارد في الأولى يابس في الثانية أكله يطفئ الصفراء وينفع الخفقان والجذام والتوحش والطحال ويقوي خمل المعدة وغير ذلك (ك) في الطب من حديث سيف بن محمد الثوري عن معمر عن أيوب عن محمد (عن أبي هريرة) قال الذهبي: وسيف قال أحمد وغيره: كذاب اه الحديث: 5550 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 5551 - (عليكم بالهندباء) يحتمل بزره أو ورقه أو أصله والأول أقرب (فإنه ما من يوم إلا وهو يقطر عليه قطر من قطر الجنة) منقبة عظيمة وفضيلة جسيمة بارد رطب في الأولى وهما البقلة المباركة ومنافعها لا تدخل تحت ضبط (أبو نعيم) في الطب النبوي (عن ابن عباس) وفيه عمرو بن أبي سلمة ضعفه ابن معين وغيره قال الحافظ العراقي: وله من حديث الحسن بن علي وأنس بن مالك نحوه وكلها ضعيفة الحديث: 5551 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 5552 - (عليكم بأبوال الإبل) أي تداووا بها في المرض الملائم لذلك والتداوي بنجس يجوز عند الشافعية غير الخمر (البرية وألبانها) فإنها ترعى في المراعي الزكية الطيبة فيتولد لها لبنا صالحا قال ابن العربي: لا يمتنع أن تكون ألبان الإبل وأبوالها دواء في بعض الأحوال لبعض الأمراض لبعض الأشخاص في بعض البلدان وقد قالوا: إن أصلح اللبن لبن النساء ثم لبن الأتن ثم لبن الإبل ثم لبن المعز ثم البقر ثم الضأن وهو أغلظها ولا يمنع من ذكر الترتيب بقياس التجربة الطبية هذا الحديث لأنه إنما أشار على الأعراب باللبن عند سقمهم لأنهم نشأوا عليه فوافق أبدانهم والمعول عليه أن الألبان تختلف باختلاف الحيوان والأبدان والأهوية والأزمنة والمراعي والأقطار وأما البول فإنما دلهم عليه لما فيه من الحرافة وفيه نفع لداء البطن سيما الاستسقاء (ابن السني وأبو نعيم) في الطب (عن صهيب) الرومي الحديث: 5552 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 5553 - (عليكم بأسقية الأدم) بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوع والسقاء ظرف الماء واللبن (التي يلاث) بمثلثة أي يشد ويربط (على أفواهها) (د عن ابن عباس) قال وفد عبد القيس: فيم نشرب يا رسول الله؟ فذكره رمز المصنف لحسنه الحديث: 5553 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 5554 - (عليكم باصطناع المعروف) مع كل بر وفاجر (فإنه يمنع مصارع السوء وعليكم بصدقة السر فإنها تطفئ غضب الله عز وجل) (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (قضاء الحوائج عن ابن عباس) الحديث: 5554 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 5555 - (عليكم بألبان الإبل والبقر فإنها ترم) أي تجمع (من الشجر كله) أي من الحار والبارد والرطب فتقرب ألبانها لذلك من الاعتدال وإذا أكلت من الكل فقد جمعت النفع كله في أكلها فهذا هو الأكل لله لا لنفسها ولو آثرت المحبوب على المكروه كان أكلها لنفسها وإنما صار لحمها داء لأنها تأكل بالنهمة ذكره الحكيم الترمذي (وهو دواء من كل داء) يقبل العلاج به بل إذا شاء الله يجعل شفاء الضد في الضد ولهذا أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم العرنيين لما اصفرت وجوههم وعظمت بطونهم بشرب ألبان الإبل فشربوها حتى صحوا وفيه أن التداوي مباح وهو إجماع [ص: 348] على ما في الهداية للحنفية وكأنه لم يلتفت للخلاف فيه لضعفه جدا (ابن عساكر) في التاريخ (عن طارق) بالفاف (ابن شهاب) الأحمس الحديث: 5555 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 5556 - (عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر) أي لا تبقي شجرا ولا نباتا إلا علقت منه فيكون لبنها مركبا من قوى أشجار مختلفة وأنواع من النباتات متباينة فكأنه شراب مجتمع مطبوخ (وهو) أي اللبن (شفاء من كل داء) قال ابن القيم: إذا شرب سمن بقر أو معز بعسل نفع من السم القاتل والحية والعقرب وفي الموجز حار رطب في الأولى منضج محلل سيما بعسل وهو ترياق السموم المشروبة (ك عن ابن مسعود) الحديث: 5556 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 5557 - (عليكم بألبان البقر فإنها دواء وأسمانها شفاء) من كل داء كما في الحديث الذي قبله (وإياكم ولحومها) أي احذروا أكلها (فإن لحومها داء) قال الحليمي: إنما قال ذلك لأن الأغلب عليها البرد واليبس وبلاد الحجاز قشيفة يابسة فلم يأمن إذا انضم إلى ذلك الهواء أكل لحم البقر أن يزيدهم يبسا فيتضرروا بها وأما لبنها فرطب وسمنها بارد ففي كل منها الشفاء من ضرر الهوى اه. قال الزركشي: وهو تأويل حسن قيل وهذا يعارضه ما صح أنه ضحى عن نسائه بالبقر (ابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (ك) في باب الطب (عن ابن مسعود) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال النسائي: قد تساهل الحاكم في تصحيحه قال الزركشي: قلت بل هو منقطع وفي صحته نظر فإن في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر وهو لا يتقرب بالداء الحديث: 5557 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 5558 - (عليكم بألبان البقر فإنها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء) قال ابن القيم: إنما كانت كذلك لانها تأكل بالنهمة وترعى من كل الشجر حلوها ومرها وترد المزابل ومراعي السوء وترعى من المقاذير وتذر الأطايب من الشجر أحيانا فلما صارت تأكل بالنهمة صار لحمها داء والسمن أو اللبن الحادث عن أخلاط الشجر دواء بالنهمة عليها نبت لحمها فصارت منزوعة البركة وكل شيء لا يبارك فيه فهو دواء في الدنيا والآخرة والدواء ضد الداء والشفاء بعد الدواء وهو البرء (ابن السني وأبو نعيم) في الطب (عن صهيب) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 5558 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 5559 - (عليكم بإنقاء الدبر) في الغسل في الاستنجاء (فإنه يذهب بالباسور) بخلاف الحجر والباسور قيل ورم تدفعه الطبيعة إلى كل موضع في البدن يقبل الرطوبة من المقعدة والأنثيين والأشفار وغير ذلك فإن كان في المقعدة لم يكن حدوثه دون انفتاح أفواه العروق وقد تبدل السين صادا فيقال باصور وقيل غير عربي (ع عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5559 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 5560 - (عليكم بثياب البيض فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم) ندبا فيهما (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5560 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 5561 - (عليكم بثياب البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها أمواتكم) (البزار) في مسنده عن الحسن قال أظنه (عن أنس) قال الهيثمي: ورجاله ثقات وقد رواه الطبراني في الأوسط عن أنس بغير شك الحديث: 5561 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 [ص: 349] 5562 - (عليكم) في رمي الجمار (بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة) قال السبكي: المراد بهذا مع قول الراوي في آخره والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان الإيضاح والبيان بحصى الخذف وليس المراد أن الرمي يكون على هيئة الخذف اه فبين به أن السنة في رمي الجمار أن يكون كهيئة الرمي باليد لا بهيئة الخذف فإنه منهي عنه في خبر الشيخين وعلله بأنه لا ينكأ العدو أنه يفقأ العين ويكسر السن وهو أن يضع الحصاة على بطن إبهامه ويرميها برأس السبابة وفيه رد على أبي حنيفة في قوله يجزئ الرمي بجميع أجزاء جنس الأرض وهذا قاله في حجة الوداع قال ابن جرير: وفيه أن على الإمام أن يعلم الناس مناسكهم فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم علمهم الرمي وقدر الحصاة التي يرمى بها (حم ن حب عن الفضل بن عباس) قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فلما دخل بطن منى ذكره قال ابن حجر: إسناده صحيح الحديث: 5562 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5563 - (عليكم بذكر ربكم) أي بالإكثار منه امتثالا لقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} وأفضل الذكر لا إله إلا الله كما مر مرارا (وصلوا صلاتكم في أول وقتكم) الأصل في أول وقتها (فإن الله عز وجل يضاعف لكم الأجور) لكن يستثنى من ندب تعجيل الصلاة أول وقتها صور لعارض (طب عن عياض) عياض في الصحابة نحو عشرين فكان ينبغي تمييزه الحديث: 5563 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5564 - (عليكم برخصة الله التي رخص لكم) قاله وقد رأى رجلا في السفر اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: ما له قالوا: صائم فذكره (م عن جابر) بن عبد الله الحديث: 5564 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5565 - (عليكم بركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب) جمع رغيبة وهي ما يرغب فيه من الذخائر والأموال النفيسة أراد أن فيهما الأجر الجزيل والثواب الكثير (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن أنس) بن مالك الحديث: 5565 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5566 - (عليكم بركعتي الضحى فإن فيهما الرغائب) جمع رغيبة أي الأجر العظيم فإن صلاها أربعا أو ستا أو ثمانيا فهو أعظم للأجر وقول بعضهم المواظبة على صلاتها تورث العمى لا أصل له (خط) في ترجمة عبد الخالق السرخسي عن أنس بن مالك وفيه إبراهيم بن سليمان الزيات قال ابن عدي: ليس بالقوي الحديث: 5566 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5567 - (عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من الباسور) وهو ورم تدفعه الطبيعة إلى كل موضع في البدن يقبل الرطوبة من مقعدة وأنثيين وأشفار وغير ذلك فإن كان في المقعدة لم يكن حدوثه دون انفتاح أفواه العروق وقد تبدل السين صادا وقيل إنه معرب لا عربي (ابن السني) في الطب النبوي (عن عقبة بن عامر) الجهني ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5567 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5568 - (عليكم بسيد الخضاب الحناء) فإنه (يطيب البشرة) يحسن لونها وممسها (ويزيد في الجماع) قال ابن العربي: قد أكثر الناس في [ص: 350] الحناء ووضعت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب واتباع الجهال وطلاب المعاش بالباطل عند الناس تقربا إلى قلوبهم ولا يوجد فيها شيء إلا عن ضعف كحديث أبي رافع وغيره دونه فلا يعول عليه فلا فائدة فيه وأنذروا كل من يروي شيئا منه بعقوبة الله البالغة وبأنه قد تبوأ مقعده من النار بالوعيد الصادق الصحيح (ابن السني وأبو نعيم) في الطب من حديث معمر بن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه (عن) جده (أبي رافع) قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: معمر يتفرد عن أبيه بنسخة أكثرها مقلوب والاحتجاج به لا يجوز وقال ابن العربي: حديث لا يصح الحديث: 5568 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 5569 - (عليكم بشواب النساء) أي انكحوهن وآثروهن على المسنات (فإنهن أطيب أفواها وأنتق بطونا وأسخن أقبالا) أي فروجا كما سبق رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن (الشيرازي في) كتاب (الألقاب) له (عن يسير) بمثناة تحتية مضمومة فمهملة مصغرا على ما في نسخ وفي بعضها بشر بموحدة تحتية فمعجمة غير مصغر (ابن عاصم) بن سفيان الثقفي قال الذهبي: ثقة (عن أبيه) سفيان بن عبد الله الثقفي له صحبة ولي الطائف لعمر (عن جده) عبد الطائفي هكذا ساقه بعضهم قال الكمال ابن أبي شريف في كتاب من روى عن أبيه عن جده لم أعرف يسيرا أولا أباه ولا جده ولم أجده أيضا في ثقات التابعين لابن حبان اه. وهذا بناء على أنه يسير بمثناة ومهملة أما على أنه بشر بموحدة فمعجمة وهو ما في التقريب كأصله فهو معروف من ثقات الطبقة الثالثة الحديث: 5569 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 5570 - (عليكم بصلاة الليل) أي التهجد فلا تدعوها (ولو) كان إنما تصلون (ركعة واحدة) فإنها بركة وفيها ندب التهجد وهو الصلاة بالليل بعد النوم ويكره ترك تهجد اعتاده (حم في) كتاب الزهد وابن نصر (طب) عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصلاة الليل ورغب فيها حتى قال عليكم إلخ قال الهيثمي: فيه حسين بن عبد الله وهو ضعيف الحديث: 5570 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 5571 - (عليكم بغسل الدبر فإنه مذهبة للباسور) وفي رواية فإنه يذهب الباسور وقوله بغسل الدبر الرواية بغين معجمة وضم الدال والباء من الدبر كذا هو في النسخ السائرة لكن رأيت الديلمي ضبطه بالقلم بعين مهملة وفتح السين والدال وسكون الباء ثم قال الدبر بفتح فسكون هو النحل وعليه فيكون المراد أكل عسل النحل (ابن السني وأبو نعيم) في الطب (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو يعلى والديلمي وأورده في الميزان في ترجمة عثمان بن مطر الشيباني من حديثه ونقل عن جمع تضعيفه وأن حديثه منكر ولا يثبت وسياقه في اللسان في ترجمة عمر بن عبد العزيز الهاشمي وقال: شيخ مجهول له أحاديث مناكير لا يتابع عليها الحديث: 5571 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 5572 - (عليكم بقلة الكلام) إلا في خير (ولا يستهوينكم الشيطان فإن تشقيق الكلام) أي التعمق فيه ليخرج أحسن مخرج (من شقائق الشيطان) ومن التشدق تكلف السجع والتصنع فيه قال في المناهج: كثرة الكلام تتولد عن أمرين إما طلب رئاسة يريد أن يرى الناس علمه وفصاحته وإما قلة العلم بما يجب عليه في الكلام وعلاجه ودواؤه ملاحظة ما ورد [ص: 351] إن العبد مؤاخذ بما يتكلم به ومسؤول عنه {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} {إن عليكم لحافظين كراما كاتبين} ونحو ذلك من الآيات القرآنية والأخبار النبوية والآثار السلفية (الشيرازي) في الألقاب (عن جابر) أن أعرابيا مدح النبي صلى الله عليه وسلم حتى أزبد شدقه أي ظهر عليه شبه الرغوة فذكره الحديث: 5572 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 5573 - (عليكم بقيام الليل) يعني التهجد فيه (فإنه دأب الصالحين) أي عادتهم وشأنهم من دأب في العمل إذا جد فحولوه إلى العادة والشأن (قبلكم) أي هي عادة قديمة واظب عليها الكمل السابقون واجتهدوا في إحراز فضلها ومنه قوله تعالى {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} أي مواظبين على إصلاح العالم (وقربة إلى الله تعالى) وفي رواية وهو قربة لكم إلى ربكم نكر القربة إيذانا بأن لها شأنا وأتى بالجملة ولم يعطف قربة على دأب الصالحين لتدل باستقلالها على مزيد تقريب (ومنهاة) بفتح الميم وسكون النون (عن الإثم) أي حال من شأنها أن تنهى عن الإثم مفعلة من النهي والميم زائدة وقال القاضي: مفعلة بمعنى اسم فاعل ونظائره كثيرة مطهرة ومرضاة ومبجلة (وتكفير للسيئات) أي خصلة تكفر سيئاتكم (ومطردة للداء عن الجسد) أي حالة شأنها إبعاد الداء مفعلة من الطرد قال القاضي: معناه أن قيام الليل قربة تقربكم إلى ربكم وخصلة تكفر سيئاتكم وتنهاكم عن المحرمات {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال ابن الحاج: وفي قيام الليل من الفوائد أنه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف الورق الجاف من الشجرة وينور القبر ويحسن الوجه ويذهب الكسل وينشط البدن وترى الملائكة موضعه من السماء كما يتراءى الكوكب الدري لنا من السماء (حم ت ك هق عن بلال) وقال الترمذي: حديث حسن غريب ولا يصح سمعت محمدا يعني البخاري يقول: محمد القرشي هو ابن سعد الشامي ترك حديثه (ت ك هق عن أبي أمامة) الباهلي (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء طب عن سلمان) الفارسي (ابن السني عن جابر) قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وقال الهيثمي: في سند الطبراني عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون ضعفه أبو داود ووثقه ابن حبان الحديث: 5573 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 5574 - (عليكم بلباس الصوف تجدوا) لفظ رواية البيهقي تجدون (حلاوة الإيمان في قلوبكم) زاد الديلمي في روايته من حديث أبي أمامة هذا وبقلة الأكل تعرفوا في الآخرة وإن النظر إلى الصوف يورث التفكر والتفكر يورث الحكمة والحكمة تجري في أبدانكم مثل الدم فمن كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وغظم بدنه وقسا قلبه والقلب القاسي بعيد من الله عز وجل اه بلفظه. قال البيهقي: وهذه زيادة منكرة ويشبه كونها من كلام بعض الرواة فألحقت بالحديث وقال الحسن البصري: من لبس الصوف تواضعا لله زاده نورا في بصره وقلبه ومن لبسه إظهارا للزهد في الدنيا والتكبر به على الإخوان في نفسه كور في جهنم مع الشياطين وقال: ما كل الناس يصلح للبس الصوف لأنه يطلب صفاء ومراقبة لله وقيل له مرة: ما سبب لبسك الصوف؟ فسكت. فقيل: ألا تجيب؟ قال: إن قلت زاهدا في الدنيا زكيت نفسي أو فقرا وضيقا شكوت ربي (ك هب) من رواية إسماعيل بن عياش عن ثور عن خالد بن معدان (عن أبي أمامة) الباهلي قال الزين العراقي: وفيه محمد بن يونس الكديمي وقد ضعفوه وقال غيره: فيه عبد الله بن داود التمار ضعفوه وإسماعيل بن عياش وفيه مقال وثور بن يزيد قدري الحديث: 5574 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 5575 - (عليكم بلحم الظهر) أي بأكله (فإنه من أطيبه) أي من أطيب اللحم وأطيب منه الذراع وكان يحب الذراع وسم [ص: 352] في الذراع وادعى بعضهم تقديم كل مقدم (أبو نعيم) في الطب (عن عبد الله بن جعفر) قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة وأرغفة فجعل يأكل ويأكلون وسمعته يقول فذكره ورواه عنه هكذا الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه صرم بن حوشب متروك الحديث: 5575 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 5576 - (عليكم بماء الكمأة الرطبة) بفتح الكاف وسكون الميم وبهمز ودونه واحدة الكمأ بفتح فسكون فهمز نبت لا ورق له ولا ساق له يوجد في الأرض بغير ذرع (فإنها من المن) المنزل على بني إسرائيل وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويأكل ومنه الترنجبين يشبه الكماة بجامع وجود كل بلا علاج (وماؤها شفاء للعين) بأن تؤخذ فتقشر ثم تسلق حتى تنضج أدنى نضج ثم تشق ويستخرج ماؤها ويكتحل به وهو حار. وقد فعل ذلك المتوكل في رمد أعيا الأطباء فبرأ في الدفعة الثانية فقال زعيم الأطباء يوحنا: أشهد أن صاحبكم يعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم لحكيم. فإن جعل المسيل في مائها وهو بارد لم ينجع بل يضر (ابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن صهيب) الرومي الحديث: 5576 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 5577 - (عليكم بهذا السحور فإنه هو الغذاء المبارك) زاد الديلمي في روايته وإن لم يصب أحدكم إلا جرعة ماء فليتسحر بها (حم ن عن المقدام) بن معد يكرب رمز المصنف لصحته وليس بصواب ففيه كما قالوا بقية ابن الوليد وغيره من الضعفاء الحديث: 5577 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 5578 - (عليكم بهذا العود الهندي) وفي رواية البحري أي تداووا به (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء (يسعط به عن العذرة) وجع في الحلق يعرض للصبيان كما سبق موضحا (ويلد به من ذات الجنب) ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأخذ من سيء الأمراض وأخوفها وقد اقتصر في الحديث من السبعة على اثنين فإما أنه ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على اثنين لوجودهما دون غيرهما على أن منافعه تزيد على سبعة وإنما خصها لأنها أصول وتحت كل واحد منها منافع جمة لأدواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم (خ عن أم قيس) بنت محصن الأسدية أخت عكاشة يقال اسمها آمنة من السابقات المهاجرات الحديث: 5578 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 5579 - (عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض) أي يقبض أهله كما سبق (وقيل أن يرفع) من الأرض بانقراضهم كما تقرر (العالم) العامل (والمتعلم) لوجه الله (شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس بعد) أي في بقية الناس بعد العالم والمتعلم قال المنذري: وهذا قريب المعنى من قوله: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه (هـ عن أبي أمامة) الباهلي وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف لا يحتج به. ذكره المنذري الحديث: 5579 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 5580 - (عليكم بهذه الحبة) وفي رواية للبخاري الحبيبة مصغرا (السوداء فإن فيها شفاء من كل داء) يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل جميع الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها إلا هي وأخذ من [ص: 353] أحاديث أخر أن معنى كونها شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك وقيل قوله من كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها إنما تنفع من الأمراض الباردة لا الحارة إلا بالعرض (إلا السام وهو الموت) أي إلا أن يخلق الله الموت عندها فلا حيلة في دفعه (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (ت حب عن أبي هريرة حم عن عائشة) ورواه عنها أبو يعلى والديلمي أيضا الحديث: 5580 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 5581 - (عليكم بهذه الخمس) كلمات أي واظبوا على قولها (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها الباقيات الصالحات في قول ابن عباس (طب عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لصحته وهو زلل فاحش فقد أعله الهيثمي وغيره: بأن فيه جرير بن أيوب وهو ضعيف جدا الحديث: 5581 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 5582 - (عليكم بهذه الشجرة المباركة) أي بثمرة هذه الشجرة (زيت الزيتون فتداووا به فإنه مصحة من الباسور) في كثير من النسخ بباء موحدة ورأيت في أصول قديمة صحيحة بالنون فليحرر ثم يحتمل أن المراد أكل الزيتون أو الريت المعتصر أو دهن الباسور به من خارج (طب وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن عقبة بن عامر) الجهني قال في الميزان عقب إيراده: قال أبو حاتم: هذا كذاب وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح قال: لكن ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عثمان بن صالح وقال عن أبي حاتم إنه كذب الحديث: 5582 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 5583 - (عليكم حج نسائكم) أي زوجاتكم حجة الإسلام (وفك عانيكم) أي أسيركم من أيدي الكفار وهذا في الأسير على بابه بالنسبة لمآسير المسلمين عند تعذر بيت المال وأما بالنسبة إلى الحج فيحمل على أن المراد أن ذلك على الرجال من باب المروءة والندب المؤكد لا الوجوب جمعا بينه وبين ما نطقت به أدلة أخرى من عدم إحجاج الزوجة قال المحب الطبري: ظاهر الحديث الوجوب بدليل على ولا أعلم أحد قال بوجوب السفر عليه معها فيحمل على الندب. وقال ابن جماعة: استدل به بعضهم على أن حج الرجل بامرأته أفضل من صلاة التطوع (ص عن مكحول مرسلا) الحديث: 5583 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 5584 - (عليكم هديا قاصدا) أي طريقا معتدلا غير شاق (عليكم هديا قاصدا عليكم هديا قاصدا) يعني الزموا القصد في العمل وهو استقامة الطريق أو الأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير (فإنه) أي الشأن (من يشاد هذا الدين يغلبه) أي من يقاومه ويقاويه ويكلف نفسه من العبادات فوق طاقته يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل وترك الواجبات (حم ك هق عن بريدة) قال: خرجت ذات يوم أمشي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فأخذ بيدي فانطلقنا جميعا فإذا برجل يصلي يكثر من الركوع والسجود فقال: أترى هذا مرائي قلت: الله ورسوله أعلم فأرسل يده [ص: 354] وطبق بين يديه ثلاث مرات يرفع يديه ويضربهما ويقول عليكم إلخ قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله موثقون وقال ابن حجر في تخريج المختصر: إسناد أحمد حسن الحديث: 5584 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 5585 - (عليكم من الأعمال بما) لفظ رواية مسلم ما بدون حرف جر ورواية البخاري بإثباته (تطيقون) أي الزموا ما تطيقون الدوام عليه بلا ضرر ولا تحملوا أنفسكم أورادا كثيرة لا تقدرون على أدائها فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق وهذا وإن ورد في الصلاة لكن اللفظ عام وهو المعتبر والخطاب للرجال والنساء ولكنه غلب الذكور قال ابن الحاج: فليحذر أن يتكلف من العمل ما عليه فيه مشقة أو يخل باشتغاله بالعلم لأن اشتغاله به أفضل وهذا باب كثيرا ما يدخل منه الشيطان على المشتغلين بالعلم إذا عجز عن تركهم له بأمرهم بكثرة الأوراد حتى ينقص اشتغالهم لأن العلم هو العدة التي يتلقى بها ويحذر منه منها فإذا عجز عن الترك رجع إلى باب النقص وهو باب قد غمض على كثير من طلبة العلم لأنه باب خير وعادة الشيطان أن لا يأمر بخير فيلتبس الأمر على الطالب فيخل بحاله وكان المرجاني يقول: ينبغي لطالب العلم أن يكون عمله في علمه كالملح في العجين إذا عدم منه لم ينتفع به والقليل منه يصلحه (فإن الله) ولفظ رواية فوالله (لا يمل) بمثناة تحتية وميم مفتوحتين أي لا يترك الثواب عنكم (حتى تملوا) بفتح أوليه أي تتركوا عبادته فإن من مل شيئا تركه وأتى بهذا اللفظ للمشاكلة كقوله {وجزاء سيئة سيئة} وأفاد أفضلية المداومة على الطاعة وإن قلت وشفقته على أمته ورأفته بهم وكراهة التشديد في العبادة والناس في العبادة على طبقات أعلاها وأفضلها طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه كان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا ولا نائما إلا رأيته نائما وأصل الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال عليه تعالى فأول بما مر وهذا الحديث رواه مسلم بأتم من هذا ولفظه يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دوم عليه وإن قل وإن كان آل محمد إذا عملوا عملا أثبتوه ورواه البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: مه عليكم من الأعمال بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا قال البيضاوي: الملل فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والإعراض عنه وأمثال ذلك إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من تنزه عنه فيستحيل تصوره في حقه فإذا أسند إليه أول بما هو منتهاه وغاية معناه كإسناد الرحمة والغضب والحياء والضحك إليه تعالى فالمعنى اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإنه لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كان معاملة الله معكم معاملة الملول عنكم وقال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر أحد اللفظين موافقة للأخرى وإن خالفتها قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وقال الشاعر: ألا لا يجهل أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلين ولا يفتخر ذو عقل بجهل وإنما أراد فنجازيه بجهله ونعاقبه على سوء صنيعه (طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 5585 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 5586 - (عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار فأكثروا منهما فإن إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله [ص: 355] والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء) جمع هوى مقصور هوى النفس يعني أهلكتهم بميل نفوسهم إلى الأمور المذمومة (وهم) مع ذلك (يحسبون أنهم مهتدون) (ع عن أبي بكر) الصديق قال الهيثمي: فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف الحديث: 5586 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 5587 - (عليكن) أيتها النسوة (بالتسبيح) أي بقول سبحان الله (والتهليل) أي التوحيد (والتقديس) أي قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح قالوا: والفرق بين التسبيح والتقديس أن التسبيح للأسماء والتقديس للآلاء وكلاهما يؤدي إلى العظمة (واعقدن بالأنامل) أي اعددن عدد مرات التسبيح بها وهذا ظاهر في عقد كل أصبع على حدته لا ما يعتاده كثير من العد بعقد الأصابع (فإنهن مسؤولات) عن عمل صاحبها (مستنطقات) للشهادة عليه فأما المؤمن فتنطق عليه بخيره وتسكت عن شره سترا من الله والكافر بالعكس فإن خيره لغير الله فهو هباء (ولا تغفلن) بضم الفاء بضبط المؤلف (فتنسين) بضم المثناة الفوقية وسكون النون وفتح السين بخطه (الرحمة) أي لا تتركن الذكر فتنسين منها وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة وكان ذلك معروفا بين الصحابة فقد أخرج عبد الله بن أحمد أن أبا هريرة كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به وفي حديث رواه الديلمي نعم المذكر السبحة لكن نقل المؤلف عن بعض معاصري الجلال البلقيني أنه نقل عن بعضهم أن عقد التسبيح بالأنامل أفضل لظاهر هذا الحديث لكن محله إن أمن الغلظ وإلا فالسبحة أولى وقد اتخذ السبحة أولياء كثيرون ورؤي بيد الجنيد سبحة فقيل له: مثلك يمسك بيده سبحة فقال: طريق وصلت به إلى ربي لا أفارقه وفي رواية عنه شيء استعملناه في البدايات لا نتركه في النهايات أحب أن أذكر الله بقلبي ويدي ولساني ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها نعم محل ندب اتخاذها فيمن يعدها للذكر بالجمعية والحضور ومشاركة القلب للسان في الذكر والمبالغة في إخفاء ذلك أما ما ألفه الغفلة البطلة من إمساك سبحة يغلب على حباتها الزينة وغلو الثمن ويمسكها من غير حضور في ذلك ولا فكر ويتحدث ويسمع الأخبار ويحكيها وهو يحرك حباتها بيده مع اشتغال قلبه ولسانه بالأمور الدنيوية فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح (ت ك عن يسيرة) بمثناة تحتية مضمومة وسين وراء مهملتين بينهما مثناة تحتية وهي بنت ياسر أو أم ياسر صحابية من الأنصاريات وقيل من المهاجرات وظاهر اقتصار المصنف على الترمذي أنه تفرد به من بين الستة وليس كذلك فقد رواه أبو داود في الصلاة ولم يضعفه الحديث: 5587 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 5588 - (عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) يعني الأمراء والرعية وهذا قاله لما قالوا له: يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء من بعدك يأخذونا بالحق الذي علينا ويمنعونا الحق الذي لنا نقاتلهم ونعصيهم فذكره (طب عن يزيد بن سلمة الجعفي) قال الهيثمي: فيه عبيد بن عبيدة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 5588 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 5589 - (علي أخي في الدنيا والآخرة) كيف وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فأسلم وصلى يوم الثلاثاء فمكث يصلي مستخفيا سبع سنين كما رواه الطبراني عن أبي رافع وفي الأوسط للطبراني عن جابر مرفوعا مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة وفيه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وآخى بينه وبين علي قال الإمام أحمد: ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي وقال النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي (طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: كل ما ورد في أخوة علي فضعيف الحديث: 5589 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 [ص: 356] 5590 - (علي أصلي وجعفر فرعي) أو جعفر أصلي وعلي فرعي هكذا ورد على الشك وفي رواية الطبراني قال في الحلية: علي سيد القوم محب المشهود ومحبوب المعبود باب مدينة الحكم والعلوم ورواية المهتدين ونور المطيعين وولي المتقين وإمام العادلين أقدمهم إجابة وإيمانا وأقومهم قضية وإيقانا وأعظمهم حلما وأوفرهم علما قدوة المتقين وزينة العابدين المنبئ عن حقائق التوحيد المشير إلى لوامع علم التفريد صاحب القلب العقول واللسان السؤول والأذن الواعي والعهد الوافي فقاء عيون الفتن ووقى من فنون المحن فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودفع المارقين الأخيشن في دين الله الممسوس في ذات الله (طب والضياء) المقدسي كلاهما من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر بن عمه موسى بن جعفر عن صالح بن معاوية عن أخيه عبد الله عن أبيه (عن) جده (عبد الله بن جعفر) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم الحديث: 5590 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 5591 - (علي إمام البررة وقاتل الفجرة) أي المنبعثين في المعاصي (منصور) من عند الله (من نصره) أي معان من عند الله مؤيد بقوته (مخذول من خذله) أي متروك من رعاية الله وإعانته وما أحسن قول حكيم له لما دخل الكوفة: لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي أحوج إليك منك إليها وهو أول صبي أسلم إجماعا وصح إسلامه لأن الأحكام إذ ذاك كانت منوطة بالتمييز ولم يعبد وثنا قط (ك) في فضائل الصحابة (عن جابر) قال الحاكم: صحيح فقال الذهبي: لا بل والله موضوع وأحمد أي ابن عبد الله وراويه كذاب فما أجهلك على سمعة معرفتك اه. وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إيراده الحديث: 5591 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 5592 - (علي باب حطة) أي طريق حط الخطايا (من دخل منه) على الوجه المأمور به كما يشير إليه قوله سبحانه في قصة بني إسرائيل {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} (كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا) يعني أنه سبحانه وتعالى كما جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سببا للغفران جعل لهذه الأمة مودة علي والاهتداء بهديه وسلوك سبيله وتوليه سببا للغفران ودخول الجنان ونجاتهم من النيران والمراد يخرج منه خرج عليه (قط في الأفراد عن ابن عباس) قضية صنيع المصنف أن الدارقطني خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال: تفرد به حسين الأشقر عن شريك وليس بالقوي قال: وقال البخاري: حسين عنده مناكير وقال الهذلي: هو كذاب الحديث: 5592 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 5593 - (علي عيبة علمي) أي مظنة استفصاحي وخاصتي وموضع سري ومعدن نفائسي والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه. قال ابن دريد: وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره وذلك غاية في مدح علي وقد كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه وفي شرح الهمزية: أن معاوية كان يرسل يسأل عليا عن المشكلات فيجيبه فقال أحد بنيه: تجيب عدوك قال: أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا (عد عن ابن عباس) وفيه ضرار بن صرد وأبو نعيم الطحان قال البخاري والنسائي: متروك وكذبه ابن معين الحديث: 5593 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 5594 - (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا) في القيامة (علي الحوض) وهذا كان أعلم الناس بتفسيره [ص: 357] قال المولى خسرو الرمي عندما قال القاضي إنه جمع في تفسيره ما بلغه عن عظماء الصحابة أراد بعظمائهم عليا وابن عباس والعبادلة وأبي وزيد. قال: وصدرهم علي حتى قال ابن عباس: ما أخذت من تفسيره فعن علي ويتلوه ابن عباس اه. ملخصا وقيل له: مالك أكثر الصحابة علما قال: كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني وكان عمر يتعوذ من كل معضلة ليس لها أبو الحسن ولم يكن أحد من الصحب يقول: سألوني إلا هو وعرض رجل لعمر وهو يطوف فقال: خذ حقي من علي فإنه لطم عيني فوقف عمر حتى مر علي فقال: ألطمت عين هذا قال: نعم رأيته يتأمل حرم المؤمنين فقال: أحسنت يا أبا الحسن وأخرج أحمد أن عمر أمر برجم امرأة فمر بها علي فانتزعها فأخبر عمر فقال: ما فعله إلا لشيء فأرسل إليه فسأله فقال: أما سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاث الحديث قال: نعم قال: فهذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها فقال عمر: لولا علي هلك عمر واتفق له مع أبي بكر نحوه فأخرج الدارقطني عن أبي سعيد أن عمر كان يسأل عليا عن شيء فأجابه فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن وفي رواية لا أبقاني الله بعدك يا علي (طس ك) في فضائل الصحابة (عن أم سلمة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني صالح بن أبي الأسود ضعيف وأخرج البزار عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي: يا علي من فارقني فارق الله ومن فارقك فارقني قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 5594 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 5595 - (علي مني وأنا من علي) أي هو متصل بي وأنا متصل به في الاختصاص والمحبة وغيرهما ومن هذه تسمى اتصالية من قولهم فلان كأنه بعضه متحد به لاختلاطهما (ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) كان الظاهر أن يقال لا يؤدي عني إلا علي فأدخل أنا تأكيدا لمعنى الاتصال في قوله علي مني وأنا من علي وأخرج الطبراني عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليا إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت: لئن رجعت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمت قلت: يا رسول الله رأيت من علي كذا وكذا فقال: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي رواه الطبراني قال الهيثمي: فيه دكين ذكره أبو حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله وثقوا اه (تتمة) أخرج أحمد من طريق الأجلح الكندي عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي والآخر خالد فقال: إذا التقيتما فعلي على الناس وإن افترقتما فكل منكم على حده فظهر المسلمون فسبوا فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه فكتب خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلما أتيته دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجهه فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ بك فقال: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي قال جدنا للأم الزين العراقي: الأجلح الكندي وثقه الجمهور وباقيهم رجاله رجال الصحيح وروى الترمذي والنسائي من حديث عمران بن الحصين في قصة طويلة مرفوعا ما تريدون من علي إن عليا مني وآنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال الترمذي: حديث حسن غريب (حم ت ق هـ عن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة التحتية فمعجمة بعدها مثناة تحتية ثقيلة (ابن جنادة) السلولي بفتح السين المهملة له صحبة نزل الكوفة قال الذهبي: قال البخاري إسناد حديثه فيه نظر الحديث: 5595 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 5596 - (علي مني بمنزلة رأسي من بدني) مبالغة في شدة الاتصال واللصوق به أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه (خط عن البراء) بن عازب قال الخطيب: لم أكتبه إلا من هذا الوجه قال ابن الجوزي: وفي إسناده مجاهيل [ص: 358] (فر عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: وفيه حسين الأشقر عنده مناكير وقيس بن أبي الربيع قال يحيى: ليس بشيء وقال أحمد: يتشيع الحديث: 5596 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 5597 - (علي مني بمنزلة هارون من) أخيه (موسى) يعني متصل بي ونازل مني منزلته حين خلفه في قومه بني إسرائيل لما خرج إلى الطور فالباء زائدة كما قاله الكرماني ولما كان وجه الشبه مبهما في الجملة بينه بقول (إلا أنه لا نبي بعدي) ينزل بشرع ناسخ لهذه الشريعة نفى الاتصال به من جهة النبوة فبقى من جهة الخلافة لأنها تلي النبوة في الرتبة ثم إنها محتملة لأن تكون في حياته أو بعد مماته فخرج بعد مماته لأن هارون مات قبل موسى بنحو أربعين سنة فتعين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك كمسير موسى إلى مناجاة ربه ذكره جمع منهم القرطبي قال: وإنما قال إلا إلخ تحذيرا مما وقع فيه قوم موسى من غلاة الروافض فإنهم زعموا أن عليا نبي يوحى إليه وتناهى بعضهم في الغلو إلى أن صار في علي ما صارت إليه النصارى في المسيح قالوا: إنه الإله وقد حرق علي من قال ذلك فافتتن به جماعة منهم وزادهم ضلالا فقالوا: الآن تحققنا أنه الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله وهذه كلها أقوال عوام جهال سخفاء العقول لا يبالي أحدهم بما يقول فلا ينفع معهم البرهان لكن السيف والسنان (أبو بكر المطيري) بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف بضبط المصنف كغيره نسبة إلى المطيرة قرية بناحية سرمن رأى ينسب إليها جمع من المحدثين منهم أبو بكر هذا واسم محمد بن جعفر بن أحمد الصدفي المطيري حدث عنه الحسين بن عرفة وعنه الدارقطني وغيره كان ثقة مأمونا (في جزئه عن أبي سعيد) الخدري قضية صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر ولا أعلى منه وإلا لما أبعد النجعة إليه وهو ذهول عجيب فقد أخرجه أحمد والبزار. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 5597 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 5598 - (علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه) قيل في معناه من كنت أتولاه فعلي يتولاه قال الحرالي: والمولى هو الولي اللازم الولاية القائم بها الدائم عليها لمن تولاه بإسناد أمره إليه فيما هو ليس بمستطيع له (المحاملي في أماليه عن ابن عباس) الحديث: 5598 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 5599 - (علي يزهر في الجنة ككواكب الصبح) أي كما تزهر الكواكب التي تظهر عند الفجر (لأهل الدنيا) يعني يضيء لأهل الجنة كما يضيء الكوكب النير المشرق لأهل الدنيا (البيهقي في فضائل الصحابة فر عن أنس) بن مالك ورواه عنه الحاكم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى قال ابن الجوزي في العلل: حديث لا يصح فيه يحيى الفاطمي متهم وإبراهيم بن يحيى متروك الحديث: 5599 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 5600 - (علي يعسوب المؤمنين) أي سيدهم (والمال يعسوب المنافقين) قال في المحكم: اليعسوب أمير النحل ثم كثر حتى سموا كل رئيس يعسوبا وقال ثعلب: اليعسوب ذكر النحل الذي يتقدمها ويحامي عنها وأما ما اشتهر على الألسنة أمير النحل علي فلا أصل له كما قاله الزركشي وغيره (عد عن علي) قال ابن الجوزي في العلل: حديث غير صحيح ورواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وسلمان مطولا قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيد علي فقال: هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة وهذا يعسوب المؤمنين [ص: 359] والمال يعسوب الظالمين الحديث: 5600 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 5601 - (علي يقضي ديني) بفتح الدال أخرج الطبراني عن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتضر قالت له صفية: لكل امرأة من نسائك أهل تلجأ إليهم وإنك أجليت أهلي فإن حدث حدث فإلى من ألجأ؟ قال: إلى علي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وأخرج البزار عن جابر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس فقال: اضمن عني ديني ومواعيدي قال: لا أطيق ذلك فوقع به ابنه عبد الله فقال: فعل الله بك من شيخ فقال: دعني فدعا علي بن أبي طالب فقال: نعم هي علي فضمنها فلما قدم على أبي بكر مال قال: هذا مال الله وما أفاء على المسلمين فحق ما قضى عن نبيه فقضاها قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن يحيى متروك (البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيثمي: فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف الحديث: 5601 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5602 - (عم الرجل صنو أبيه) بكسر المهملة أي مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه وفيه حث على القيام بحق العم وتنزيله منزلة الأب في الطاعة وعدم العقوق (ت عن علي) بن أبي طالب (طب عن ابن عباس) الحديث: 5602 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5603 - (عمار بن ياسر ما عرض عليه أمر إلا اختار الأرشد منهما) أي الأكثر إصابة للصواب والرشد والصلاح (هـ عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وفي الباب ابن مسعود عند أحمد ورجاله كما قال الهيثمي رجال الصحيح الحديث: 5603 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5604 - (عمار مليء إيمانا إلى مشاشه) بضم الميم بضبط المصنف أي ملأ الله جوفه به حتى تعدى الجوف ووصل إلى العظام الظاهرة والمشاش رؤوس العظام وفي رواية لمخرجه أبي نعيم أيضا عمار مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه قال: يعني مشاشه (حل) في ترجمة عمار وكذا الخطيب من حديث هانئ بن هانئ (عن علي) أمير المؤمنين قال هانئ: كنا عند علي فدخل عليه عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره. وفيه أحمد بن المقدام أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة صاحب مزاح ورواه عنه أيضا أبو يعلى والديلمي وفي الباب عائشة الحديث: 5604 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5605 - (عمار يزول مع الحق حيث يزول) أي يدور معه حيث دار فاهتدوا بهديه (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) الحديث: 5605 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5606 - (عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه وخلط الإيمان بلحمه ودمه يزول مع الحق حيث زال ولا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا) المراد نار الآخرة (ابن عساكر) في التاريخ عن علي أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 5606 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5607 - (عمار تقتله الفئة الباغية) أي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام الحق وزاد الطبراني في رواية الناكبة عن الحق والمراد بهذه الفئة فئة معاوية كما جاء موضحا في رواية الطبراني وغيره وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع. [ص: 360] <فائدة> روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما في الإصابة عن أبي وائل عن أبي مسيرة أنه رأى عمارا وذا الكلاع وكان قتل مع معاوية يوم صفين في قباب بيض بفناء الجنة فقال: ألم يقتل بعضكم بعضا قالوا: بلى ولكن وجدنا الله واسع المغفرة (حل) وكذا الخطيب (عن أبي قتادة) وفي الباب أبو أيوب رفعه تقتل عمارا الفئة الباغية الحديث: 5607 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 5608 - (عمدا صنعته يا عمر) قاله له لما صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر: لقد صنعت شيئا لم تكن صنعته فذكره وفيه جواز الخمس والنفل بوضوء والمسح على الخف ورد على من أوجب الوضوء لكل فرض ولا ينافيه {إذا قمتم إلى الصلاة} لأن المراد محدثين (حم م 4 عن بريدة) بن الحصيب الحديث: 5608 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 5609 - (عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة) أي يزهو ويضيء لأهلها كما يضيء السراج لأهل الدنيا وأنهم ينتفعون بهديه فيها كما ينتفع أهل الدنيا بضوء المصباح لما سبق أن العلماء يحتاج الناس إليهم في الجنة (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمر الغفاري وهو ضعيف (حل) من حديث محمد بن عمر الواقدي عن مالك عن ابن شهاب عن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال: غريب من حديث مالك تفرد به عنه الواقدي (ابن عساكر) في تاريخه (عن الصعب) بفتح المهملة الأولى وسكون الثانية ضد السهل (بن جثامة) بفتح الجيم وشد المثلثة الليثي نزيل ودان قيل: مات في خلافة الصديق قال في التقريب: والأصح في خلافة عثمان الحديث: 5609 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 5610 - (عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان) أي يدور معه حيث دار فإنه كان مشتغلا بالحق والغالب على قلبه سلطانه (طب) وكذا الأوسط (عد عن الفضل) بن عباس قال: تكلم عمر بكلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يودع الناس ويستحلهم في أول مرضه فذكره قال الهيثمي: وفي إسناده من لم أعرفه الحديث: 5610 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 5611 - (عمرو بن العاص) يأتي كثيرا في كتب الحديث بحذف الباء لغة في المنقوص والفصيح إثباتها (من صالحي قريش) تمامه عند أحمد وأبي يعلى ونعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله وعبد الله اه. قال أبو يزيد: جزع عمرو بن العاص عند موته جزعا شديدا فلما رأى ذلك ابنه قال: ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك قال: قد كان ذلك ولا أدري أحق كان ذلك أم يتألفني؟ مات بمصر يوم الفطر عن نحو مئة سنة (ت عن طلحة) بن عبيد الله قال: قال: ألا أخبركم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بشيء سمعته يقول فذكره قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 5611 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 5612 - (عمران بين المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وبكسر الدال وبضم ففتح فتشديد الأول على إرادة المصدر أو المكان أي بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة والثانية بمعنى المطهر وتطهره إخلاؤه من الأصنام أو الذنوب وإضافته من إضافة الموصوف بصفته بمسجد الجامع (خراب يثرب) أي عمران بيت المقدس يكون خراب يثرب (وخراب يثرب خروج الملحمة) أي وما به خراب يثرب خروج الملحمة وهي معترك القتال اسم لموضعه [ص: 361] أي موضع التحام القتال ذكره ابن قرقول. وفي النهاية هي الحرب وموضعه يعني أنها اسم لمجموع ذلك. قال الجوهري: الوقعة العظيمة فزاد الوصف بالعظم (وخروج الملحمة فتح القسطنطينية) وهو لخروج الدجال جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم كل واحد منهما عين ما بعده وعبر به عنه (حم د) في الفتن (عن معاذ) بن جبل قال المنذري: فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان بن صالح تكلم في غير واحد اه. وأورده في الميزان من جملة مناكيره الحديث: 5612 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 5613 - (عمرة في رمضان تعدل حجة) أي تقابلها وتماثلها في الثواب لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت ذكره المظهر. قال الطيبي: وهذا من باب المبالغة وإلحاق الناقص بالكامل ترغيبا وبعثا عليه وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج اه. فعلم أنها لا تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن فرض الحج وفيه أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا كلها وأن ثواب العمل يزداد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص النية فإن أفضل أوقات العمرة رمضان قال الراغب: والعمرة الزيادة التي فيها عمارة الوقت وجعل في الشرع للقصد المخصوص (حم خ هـ عن جابر) بن عبد الله (حم ق د هـ عن ابن عباس د ت هـ عن أم معقل) بفتح الميم وكسر القاف الأسدية وقيل الأنصارية (هـ عن وهب بن خنيس) بمعجمة ونون وموحدة تحتية ومهملة وزن جعفر الطائي صحابي نزل الكوفة ويقال اسمه هرم ووهب (طب عن الزبير) بن العوام وخرجه البزار عن علي وأنس الحديث: 5613 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 5614 - (عمرة في رمضان كحجة معي) في حصول الثواب كما تقرر. قال ابن العربي: هذا صحيح مليح وفضل من الله ونعمة نزلت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها اه. وفيه كالذي قبله أنه يسن إكثار العمرة في رمضان وعليه الشافعية (سمويه عن أنس) بن مالك وفيه داود بن يزيد الأزدي ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم وهلال بن يزيد قال في الميزان عن ابن حبان: في حديثه مناكير وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير وهو عجب فقد خرجه الطبراني والحاكم والبزار باللفظ المذكور بل هو عند مسلم على الشك بلفظ عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي وعزاه ابن العربي في شرح الترمذي إلى أبي داود بغير شك كما هنا وقال: إنه صحيح الحديث: 5614 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 5615 - (عمل الأبرار) جمع بار هو المطيع (من الرجال) لفظ رواية الخطيب من رجال أمتي (الخياطة) أي خياطة الثياب (وعمل الأبرار من النساء المغزل) أي الغزل بالمغزل قال في الميزان: لازم ذلك الحياكة إذ لا يتأتى خياطة ولا غزل إلا بحياكة فقبح الله من وضعه اه. بلفظه وقد ورد في فضل المغزل أخبار منها ما رواه ابن عساكر عن زياد القرشي قال: دخلت على هند بنت المهلب وهي امرأة الحجاج فرأيت في يدها مغزلا تغزل به فقلت: أتغزلين وأنت امرأة أمير قالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطولكن طاقة أعظمكن أجرا وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس مرفوعا زينوا مجالس نسائكم بالمغزل وهما حديثان واهيان (تمام) في فوائده عن عبد السلام بن أحمد القرشي عن محمد بن إسماعيل التميمي عن محمد بن عبد الله الخراساني عن موسى بن إبراهيم المروزي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال المؤلف في مختصر الموضوعات: وموسى متروك (خط) في ترجمة أبي داود النخعي من حديث أبي حازم عن سهل (وابن لال) في المكارم (وابن عساكر) في التاريخ وكذا أبو نعيم [ص: 362] والديلمي كلهم (عن سهل بن سعد) الساعدي وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قدح في سنده فعقبه بأن أبا داود النخعي أحد رواته كذاب وضاع دجال وبسط ذلك بما منه أن يجيء ذكر أنه أكذب الناس وجزم الذهبي في الضعفاء بأنه كذاب دجال وفي الميزان عن أحمد كان يضع الحديث وعن يحيى كان أكذب الناس ثم سرد له أحاديث هذا منها ووافقه في اللسان وحكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بإيراد حديث تمام وقال ابن موسى متروك ولم يزد على ذلك الحديث: 5615 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 5616 - (عمل البر) بالكسر (كله نصف العبادة والدعاء نصف) أي نصف العبادة الآخر (فإذا أراد الله بعبد خيرا انتحى) بحاء مهملة (قلبه للدعاء) أي مال قلبه له وتوجه إليه يقال انتحى في سيره اعتمد على الجانب الأيسر وانحنى انحناء مثله هذا هو الأصل ثم صار الانتحاء الاعتماد والميل في كل وجه (ابن منيع) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5616 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 5617 - (عمل الجنة) أي عمل أهل الجنة أو العمل الموصل إلى الجنة (الصدق وإذا صدق العبد بر وإذا بر آمن وإذا آمن دخل الجنة وعمل النار الكذب إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار) أي نار جهنم ومقصود الحديث الحث على لزوم الصدق وتجنب الكذب فالصدق محمود والكذب مذموم عقلا وشرعا وتطابقت على ذلك الملل والنحل لكن قد يعرض ما يصير الصدق مذموما بل حراما والكذب محمودا بل واجبا وليس الكلام فيه (حم عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه الحديث: 5617 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 5618 - (عمل قليل في سنة) أي مصاحب لها (خير من عمل كثير) أي في صورته وعدده (في بدعة) لأن ذاك وإن قل أكثر نفعا وذا أكثر ضررا ففي بمعنى مع كهي في {ادخلوا في أمم} فالظرفية مجازية فكأنهما لصدورهما معهما من صاحبهما مظروفان بهما متمكنان فيهما تشبه تمكنهما فيهما بتمكن المظروف في ظرفه ذكره الطيبي كالقاضي. وقال الخطابي: لا خير في العمل مع البدعة لكن المراد أنه مع السنة ينفع القليل ومع البدعة لا نفع فيه واعلم أن مصباح السعادة اتباع السنة والاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في مصادره وموارده وحركاته وسكناته حتى في هيئة أكله وقيامه وقعوده وكلامه قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه ومن نهاكم عنه فانتهوا} {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وذلك شامل لجميع الآداب فعليك أن تلبس السراويل قاعدا وتعتم قائما وتبتدئ باليمين في نعليك وتأكل بيمينك وتقلم أظفارك مبتدئا بمسبحة اليد اليمنى وتختم بإبهامها وفي الرجل بخنصر اليمنى وتختم باليسرى وكان بعضهم لا يأكل البطيخ لكونه لم ينقل كيفية أكل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له قال الغزالي: فلا ينبغي التساهل في ذلك ويقال هذا مما يتعلق بالعادات فلا معنى للاتباع فيه فإن ذلك يغلق بابا عظيما من أبواب السعادة (الرافعي) الإمام في التاريخ (عن أبي هريرة فر) وكذا القضاعي والدارمي (عن ابن مسعود) وفيه أبان بن يزيد العطار لينه القطان الحديث: 5618 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 5619 - (عمل هذا قليلا وأجر كثيرا) قاله حين جاءه رجل مقنع بالحديد فقال: [ص: 363] يا رسول الله أقاتل وأسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل ففعل فقتل (ق عن البراء) بن عازب. ورواه عنه أيضا أحمد والطيالسي وغيرهم الحديث: 5619 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 5620 - (عموا بالسلام) بأن يقول المبتدئ إذا سلم على جمع السلام عليكم (وعموا بالتشميت) بأن يقول يرحمكم الله أو يهديكم الله أو يغفر الله لكم ونحو ذلك فلو قال يرحمك الله حصل أصل السنة والأمر للندب فيهما (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) الحديث: 5620 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 5621 - (عمي وصنو أبي العباس) بن عبد المطلب أي فاحفظوا حقي فيه وأحلوه محل الإكرام والإعظام فإن من آذاه فقد آذاني (أبو بكر في الغيلانيات عن عمر) بن الخطاب الحديث: 5621 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 5622 - (عن الغلام عقيقتان وعن الجارية عقيقة) أي يجزي عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة وبظاهره أخذ الليث والظاهرية فأوجبوها وأجاب الجمهور بأنه علقها في أخبار أخر على محبة فاعلها وذلك يدل على الندب ولو كانت واجبة لبين وجوبها بيانا عاما تقوم به الحجة (طب عن ابن عباس) الحديث: 5622 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 5623 - (عن الغلام شاتان مكافئتان) أي متساويتان في السن والحسن أو معادلتان لما يجب في الزكاة في الأضحية من الأسنان مذبوحتان من قولهم كافأ الرجل بين بعيرين إذا وجأ في لبة هذا ثم لبة ذاك فنحرهما معا ذكره الزمخشري وزاد أو مكافئتان دفعا لتوهم أن يتجن في أحديهما ويهون أمرهما فبين به أن تكون فاضلة كاملة وفيه تنبيه على تهذيب العقيقة من عيوب الأضحية (وعن الجارية شاة) على قاعدة الشريعة فإنه سبحانه فاضل بين الذكر والأنثى في الإرث والدية والشهادة والعتق فكذا العق ولا يعارضه أن فاطمة ذبحت عن الحسن والحسين كبشا كبشا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن كل واحد كبشا وذبحت أمهما عنهما كبشين واقتصاره في الأخبار على الشياه يفهم أنه لا يجزئ غيرهما ولو أعلى كالإبل والبقر وبه صرح جمع لكن نقل عن مالك أنه كان يعوق بجزور (حم د ن هـ حب عن أم كرز) بضم الكاف وسكون الراء ثم زاي الكعبية المكية الصحابية (عن عائشة طب عن أسماء بنت يزيد) بن السكن الحديث: 5623 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 5624 - (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أم إناثا) فيه كالذي قبله رد على الحسن وغيره في زعمهم أنه لا يسن العقيقة عن الأنثى قال ابن المنذر: وهو رأي ضعيف لا يلتفت إليه لمخالفته السنة الصحيحة من وجوه وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية وعن مالك هما سواء فيعق عن كل منهما شاة قال الحليمي: وحكمة كون الأنثى على النصف من الذكر أن القصد استبقاء النفس فأشبهت الدية وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا عتق كل عضو منه ومن أعتق جاريتين كذلك (حم د ت ن حب ك عن أم كرزت [ص: 364] عن سلمان بن عامر) بن أوس بن حجر الضبي نزيل البصرة قال مسلم: لم يكن في الصحابة ضبي غيره (وعن عائشة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: له طرق عن الأربعة والبيهقي الحديث: 5624 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 5625 - (عن يمين الرحمن تعالى وكلتا يديه يمين) أي هما بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأن الشمال ينقص عن اليمين وكل ما جاء في الكتاب والسنة من هذا فمجاز واستعارة (رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء) أي يحسدونهم حسدا خاصا محمودا (بمقعدهم وقربهم من الله تعالى هم جماع من نوازع القبائل) أي جماعات من قبائل شتى (يجتمعون على ذكر الله فينتقون) أي يختارون الأفضل (من أطايب الكلام) أي أحسنه وخياره (كما ينتقي آكل التمر أطايبه) (طب عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين ابن عامر بن خالد السلمي أبي نجيح صحابي قديم وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 5625 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 5626 - (عند الله خزائن الخير والشر مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعل الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر) أي الفساد والسوء (وويل) حزن وهلاك ومشقة من عذاب (لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير) قال الراغب: الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل والشر ضده والخير قد يكون خيرا لواحد شرا لآخر والشر كذلك كالمال الذي يكون ربما كان خيرا لزيد وشرا لعمرو ولذلك وصفه الله بالأمرين قال الطيبي: والمعنى الذي يحتوي على خيرية المال وعلى كونه شرا هو المشبه بالخزائن فمن توسل بفتح ذلك المعنى وأخرج المال منها وأنفق في سبيل الله ولا ينفقه في سبيل الشيطان فهو مفتاح للخير مغلاق للشر ومن توسل بإغلاق ذلك الباب في إنفاقه في سبيل الله وفتحه في سبيل الشيطان فهو مغلاق للخير ومفتاح للشر (طب والضياء) المقدسي (عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه أبو يعلى والديلمي الحديث: 5626 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 5627 - (عند الله علم أمية بن أبي الصلت) وذلك أن الشريد قال: ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل معك شيء من شعر أمية قلت: نعم فأنشدته مئة قافية كلما أنشدته قافية قال: هيه أي زدني ثم ذكره (طب عن الشريد بن سويد) ظاهره أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور عن شريد المذكور كما في الفردوس وغيره الحديث: 5627 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 5628 - (عند اتخاذ الأغنياء الدجاج) أي اقتنائهم إياها (يأذن الله تعالى بهلاك القرى) أي يكون ذلك علامة على هلاكها وما ذكر من أن لفظ الحديث هكذا هو ما في نسخ الكتاب لكن في الفردوس وغيره ما نصه: عند اتخاذ الأغنياء الدجاج هلاك الفقراء وبإذن الله عز وجل بهلاك القرى اه. فسقط من قلم المؤلف لفظ هلاك الفقراء (هـ عن [ص: 365] أبي هريرة) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج ثم ذكره. قال السخاوي: وهو ضعيف وقال المؤلف في الميزان تبعا للدميري: إنه واه ولابن حبان في الضعفاء عن ابن عمر مرفوعا الدجاج غنم فقراء أمتي والجمعة حج فقرائها الحديث: 5628 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 5629 - (عند أذان المؤذن) للصلاة (يستجاب الدعاء) إذا توفرت شروطه وأركانه وآدابه كما سبق (فإذا كان الإقامة لا ترد دعوته) أي الداعي كأنه يقول إنه عند الإقامة أقوى في تأكد رجاء القبول منه عند الأذان (خط عن أنس) بن مالك وبيض له الديلمي الحديث: 5629 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 5630 - (عند كل ختمة) من القرآن يختمها القارئ (دعوة مستجابة) فيه عموم للقارئ والمستمع بل والسامع ومن ثم آكد واطلب الدعاء عند ختمه (حل) من حديث جعفر بن مجاشع عن حمون بن عباد عن يحيى بن هاشم عن مسعر عن قتادة عن أنس وقال: لا أعلم رواه عن مسعر غير يحيى (وابن عساكر) في التاريخ وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه يحيى السمسار. قال في الميزان: كذبه ابن معين وتركه النسائي وقال ابن عدي: يضع الحديث ويسرقه قال: ومن بلاياه هذا الخبر في أخبار أخر الحديث: 5630 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 5631 - (عندي أخوف عليكم من الذهب أن الدنيا ستصب عليكم صبا فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب) أي عند صب الدنيا عليها وما هم بتاركيه. مراده رجال أمته وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع (حم عن رجل) من الصحابة ولا يضر إبهامه لأنهم عدول وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 5631 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 5632 - (عنوان كتاب المؤمن يوم القيامة حسن ثناء الناس) عليه في الدنيا وعنوان الكتاب علامته التي يعرف بها ما في الكتاب من خير وشر وحسن وقبيح وقد عنونت الكتاب أعنونه <فائدة> قيل لبزرجمهر عندما قدم للقتل: تكلم بكلام تذكر به فقال: أي شيء قول إن الكلام لكثير لكن إن أمكنك أن تكون حديثا حسنا فافعل وكتب حكيم إلى الإسكندر: اعلم أن الأيام تأتي على كل شيء فتخلقه وتخلق آثاره وتميت الأفعال إلا ما رسخ في قلوب الناس فأودع قلوبهم محبة أبدية يبقى بها حسن ذكرك وكريم أفعالك وشرف آثارك (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن الحسن الأزدي. قال الذهبي: قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ومحمد بن كثير المصيصي ضعفه أحمد الحديث: 5632 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 5633 - (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب) أي حبه علامة يعرف المؤمن بها يوم القيامة وعنوان الكتاب بضم العين وقد تكسر وعنونته جعلت له عنوانا (خط عن أنس) وفيه أبو الفرج أحمد بن محمد بن جوري العكبري قال مخرجه الخطيب: في حديثه مناكير. قال الذهبي: قلت له حديث موضوع انتهى. كأنه يشير إلى هذا. وقال ابن الجوزي: حديث لا أصل له الحديث: 5633 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 5634 - (عهد الله تعالى أحق ما أدى) يحتمل أن المراد بالعهد الصلاة لقوله في الخبر الآتي: العهد الذي بيننا وبينهم [ص: 366] الصلاة (طب عن أبي أمامة) الباهلي رمز لحسنه الحديث: 5634 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 5635 - (عهدة الرقيق ثلاثة أيام) فإذا وجد به المشتري عيبا فيها رده على البائع بلا بينة وإن وجده بعدها لم يرد إلا بينة هذا مذهب مالك ولم يعتبر الشافعي العهدة ونظر إلى العيب فإن أمكن حدوثه فالقول للبائع وإلا رده وقال لم يثبت خبر العهدة (حم د ك هق) في البيع عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن (عن عقبة بن عامر هـ عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح لكن الحسن لم يسمع من عقبة أي فهو منقطع ومن ثم ضعفه أحمد وغيره الحديث: 5635 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 5636 - (عودوا المريض) بضم العين والدال بينهما واو ساكنة أي زوروا فالفاعل عائد وجمعه عواد كذا في المصباح وقال ابن الأثير: العيادة الزيارة ثم اشتهرت في زيارة المريض حتى صار كأنه مختص به (واتبعوا الجنازة) فإنها (تذكركم الآخرة) أي أحوالها وأهوالها وهذا كالمحسوس والأمر للندب المؤكد قال بعضهم: أمر بذلك لحق المسلم وللاتعاظ فإن المرض والموت يذكران الآخرة لأنهما من أسباب الرحيل فيستعد وكأنه يشير به إلى أن يكون معظم قصدكم من اتباع الجنائز ذكر الآخرة لا ما أحدثوا من الرسم والعادة مع ما فيها من البركة بحضور المؤمنين ومعونة أهله على تجهيزه (حم حب هق عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 5636 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 5637 - (عودوا المرضى) قال ابن بطال: يحتمل كون الأمر للوجوب على الكفاية فإطعام الجائع وفك الأسير يحتمل كونه للندب للحث على التواصل والألفة وجزم الداودي بالأول وقال الجمهور: هي في الأصل ندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبراني تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعي حاله وتباح فيما عداهما وفي الكافر خلف وقد نقل النووي في الكافر الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان واستدل بقوله عودوا المريض على مشروعية العيادة في كل مرض لكن استثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو وهذا لأمر خارجي قد يجيء مثله في بقية الأمراض كالمغمى عليه (ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور) والكلام في مريض مسلم كما هو ظاهر ويحتمل تقييده بما إذا لم يكن عاصيا بمرضه (طس عن أنس) وضعفه المنذري ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب الحديث: 5637 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 5638 - (عودوا المريض واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة والعيادة) تكون (غبا) أي يوما بعد يوم بحيث لا يمل (أو ربعا) بالكسر بأن يترك يومين بعد العيادة ثم يعاد في الرابع قال في الاتحاف: وهذا التقييد بحسب الأعم الأغلب وإلا فنحو الصديق والقريب يعاد كل يوم بحسب الحاجة والمصلحة والعادة (إلا أن يكون مغلوبا) على عقله بأن كان لا يعرف العائد حينئذ (فلا يعاد) لعدم فائدة العيادة لكن يدعى له (والتعزية) بالميت تكون (مرة) واحدة فلا يكررها المعزي فيكره لما فيه من تجديد الحزن ولا يجلس لها المعزي فإنه بدعة مكروهة كما قاله ابن القيم وغيره (البغوي في مسند عثمان) بن عفان (عنه) أي عن عثمان ثم قال أعني مخرجه البغوي: هو مجهول الإسناد الحديث: 5638 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 [ص: 367] 5639 - (عودوا) بواو مشددة مكسورة بضبط المصنف من العادة سميت به لأن صاحبها يعاودها أي يرجع إليها مرة بعد أخرى (قلوبكم الترقب) من المراقبة وهي كما في العوارف علم القلب بنظر الله إليه فما دام هذا العلم يلازم القلب فهو مراقب (وأكثروا التفكر) من الفكر وهو تردد القلب بالنظر والتدبير لطلب المعاني وقيل: هو ترتيب أمور في الذهن يتوصل منها إلى مطلوب علما أو ظنا (والاعتبار) أي الاستدلال والاتعاظ والمعتبر المستدل بالشيء على الشيء والتفكر من أعلى مقامات السالكين قال الفضيل: التفكر مرآة تريل حسناتك وسيئاتك وقال ابن أدهم: التفكر مخ العقل ومن لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو. وفي الحكم: الفكر سير القلب في ميادين الاعتبار والفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له والتفكر فكرتان فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان فالأولى لأرباب الاعتبار والثانية لأرباب الشهود والاستبصار وفيها لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها في صلتك (فر عن الحكم بن عمير) مصغرا وفيه يحيى بن سعيد العطار قال الذهبي: قال ابن عدي: بين الضعف وعيسى بن إبراهيم القرشي الهاشمي قال الذهبي: قال ابن معين: ليس بشيء وتركه أبو حاتم وموسى بن أبي حبيب ضعفه أبو حاتم الحديث: 5639 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 5640 - (عوذوا) بسكون الواو وذال معجمة أي اعتصموا (بالله) والتجئوا إليه (من عذاب القبر) فإن عذاب القبر حق خلافا للمعتزلة (عوذوا بالله من عذاب النار) أي نار جهنم (عوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال) فإنها أعظم الفتن (عوذوا الله من فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت وفتنة الموت فتنة الاحتضار أو القبر وذكره الفتنتين الأخيرتين من ذكر الخاص بعد العام (م ن عن أبي هريرة) الحديث: 5640 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 5641 - (عورة المؤمن) الذي رأيته في أصول صحيحة الرجل بدل المؤمن (ما بين سرته إلى ركبته) والعورة بسكون الواو الخلل في شعر وغيره وكل ما يستحي منه كما في القاموس وقال التلمساني: من العار الذي يلحق الذم بسببه يقال عورات الجسد وعورات الكلام (سمويه عن أبي سعيد الخدري ورواه عنه أيضا الحرث في مسنده قال ابن حجر: وفيه شيخ الحرث داود بن المحبر رواه عن عباد بن كثير عن أبي عبد الله الشامي عن عطاء عنه وهو سلسلة ضعفاء إلى عطاء الحديث: 5641 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 5642 - (عورة الرجل على الرجل كعورة المرأة على الرجل) فيحرم نظر الرجل إلى ما بين سرة الرجل وركبته وكذا المرأة مع المرأة (ك) في اللباس (عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن فيه إبراهيم بن علي الرافعي ضعفوه الحديث: 5642 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 5643 - (عوضوهن) أي عن صداقهن (ولو بسوط) أي ولو بشيء حقير جدا فإنه إذا كان متمولا يجوز جعله صداقا ولا تخلين العقد منه وإن كان صحيحا وقوله (يعني في التزويج) مدرج من كلام الراوي أو المصنف للبيان والإيضاح (طب والضياء) [ص: 368] في المختارة (عن سهل بن سعد) الساعدي قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم الحديث: 5643 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 5644 - (عون العبد أخاه يوما خير من اعتكافه شهرا) يعني أفضل من اعتكافه في المسجد مدة شهر والعون الظهير على الأمر جمعه أعوان واستعان به فأعانه (ابن زنجويه عن الحسن مرسلا) وهو البصري الحديث: 5644 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 5645 - (عويمر) بن زيد بن قيس الأنصاري أبو الدرداء الصحابي الجليل (حكيم أمتي وجندب) بن جنادة أبو ذر الغفاري (طريد أمتي يعيش وحده ويموت وحده والله يبعثه) يوم القيامة (وحده) قاله لما خرج لتبوك فأبطأ بأبي ذر بعيره فحمل متاعه على ظهره وتبع النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا فنظر ناظر فقال: يا رسول الله هذا رجل يمشي وحده فقال: كن أبا ذر فلما تأملوه قالوا: هو فذكره (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن أبي المثنى المليكي) لعل صوابه الأملوكي بفتح الهمزة وسكون الميم وضم اللام وآخره كاف نسبة إلى أملوك بطن من ردمان قبيلة من رعين (مرسلا) الحديث: 5645 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 5646 - (عيادة المريض أعظم أجرا من اتباع الجنائز) لأن فيها أربعة أنواع من الفوائد نوع يرجع إلى المريض ونوع يعود على العائد ونوع يعود على أهل المريض ونوع يعود على العامة فتدبر وقال في الإتحاف: وجهه أن معاملة الحي أولى وأفضل من معاملة غيره (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه عبد الرزاق وأبو الشيخ [ابن حبان] وغيرهما الحديث: 5646 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 5647 - (عينان لا تمسهما النار أبدا عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) قال الطيبي: قوله عين بكت إلخ كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحملت النسبة بين العينين عين مجاهدة مع النفس والشيطان وعين مجاهدة مع الكفار والخوف والخشية مترادفان (ن والضياء عن أنس) وعزاه الذهبي لأبي داود قال المناوي: وهو وهم وعزاه الهيثمي لأبي يعلى وقال المنذري: رجاله ثقات الحديث: 5647 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 5648 - (عينان لا تريان النار عين بكت وجلا من خشية الله وعين باتت تكلأ في سبيل الله) أي تحرس فيه وأعلم أن البكاء إما من حزن وإما من وجع وإما من فزع وإما فرح وإما من شكر وإما من خشية من الله تعالى وهو أعلاها درجة وأغلاها ثمنا في الدار الآخرة وأما البكاء للرياء والكذب فلا يزداد صاحبه إلا طردا ومقتا وحق لمن لم يعلم وحق لمن لم يعلم ما جرى له به العلم في سابق علمه تعالى من سعادة مؤبدة أو شقاوة مخلدة وهو فيما بين هذين قد ركب المحرمات وخالف المنهيات أن يكثر بكاؤه وأن يهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن يجأر إلى الله عما سلف منه من سوابق مخالفاته وقبائح شهواته فعسى أن لا تمسه النار في دار القرار (طس عن أنس) وفيه زافر بن سليمان قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه وشبيب بن بشر أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم لين الحديث الحديث: 5648 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 [ص: 369] 5649 - (عينان لا تصيبهما النار عين بكت في جوف الليل من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) أي في الثغر أو الجيش أو نحوهما قيل: بكاء العين من خشية الله يطفئ بحورا من النيران فإن خشيته تحرق قلبه فتذيب شحم فؤاده فتجري دموعه فتطفئ نار معصيته وسوى بين العين الباكية والحارسة لاستوائهما في سهر الليل لله والباكية بكت في جوف الليل خوفا لله والحارسة سهرت خوفا على دين الله (ت) من حديث عطاء الخرساني (عن ابن عباس) قال الترمذي في العلل: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال: عطاء الخراساني يستحق أن يترك فإن عامة أحاديثه معلولة اه. ثم قال بعد سطيرات: عطاء الخراساني ثقة لم أر أحدا تكلم فيه بشيء الحديث: 5649 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف العين] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 5650 - (العائد في هبته كالعائد في قيئه) أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكله يقبح أن يتصدق بشيء ثم يسترجعه بوجه من الوجوه كشرائه من المنتقل إليه فشبه بأخس الحيوانات في أخس أحوالها زيادة للتهجين والتنفير فيكره تنزيها لمن وهب أو تصدق أن يشتريه حتى ممن انتقل إليه من المتصدق عليه ولو وهب وأقبض لم يكن له أن يطلب ثوابا مطلقا عند الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: له طلب ثواب هبته أما الرجوع في الموهوب فمنعه الشافعي إن وهب لأجنبي لا لفرعه وعكس أبو حنيفة وقال مالك للأب الرجوع وكذا الأم ما لم يكن يتيما وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله وليس كذلك بل بقيته ليس لنا مثل السوء أي لا ينبغي لنا معشر المسلمين أن نتصف بصفة ذميمة يساهمنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها (حم ق د ن هـ عن ابن عباس) الحديث: 5650 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 5651 - (العارية مؤداة) أي واجبة الرد على مالكها عينا حال الوجود وقيمة عند التلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: هي أمانة في يده لا تضمن إلا بالتعدي وقال مالك: إن خفي تلفها ضمن وإلا فلا والعارية مشددة الياء مأخوذة من العار منسوبة إليه فإنهم يرون الاستعارة عارا وعيبا وقيل هي من التعاور وهو التداول (والمنحة مردودة) هي ما يمنح الرجل صاحبه من أرض يزرعها ثم يردها أو شاة يشرب درها ثم يردها وهي في معنى العارية وحكمها الضمان (هـ عن أنس) قال الحافظ ابن حجر: وله في النسائي طريقان من رواية غيره صحح ابن حبان إحداهما الحديث: 5651 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 5652 - (العارية مؤداة) أي مردودة مضمومة (والمنيحة مردودة) لأنه لم يعطه عينها بل لبها فإذا مضت أيام اللبن ردها (والدين) بفتح الدال (مقضي) إلى صاحبه أي صفته اللازمة هي القضاء (والزعيم) أي الكفيل يعني الضمين (غارم) ما ضمنه بمطالبة المضمون له سواء كان عن ميت ترك وفاء أم لا عند الشافعي ومالك خلافا لأبي حنيفة لأنه قول عام على تأسيس القواعد فحمل على عمومه فإن كانت الكفالة بالبدن فلا غرم عند الشافعي ومالك إلا أن مالكا غرمه إذا [ص: 370] لم يحضره والشافعي لا والغرم أداء الشيء. قال الطيبي: ومن وجب عليه حق لغيره فإما أن يكون على سبيل الأداء بما يتصل فهو العارية أو بدون ما يتصل به فالمنحة أو على القضاء من غير عينه فالدين أو على الغرامة بالالتزام فالكفالة (حم د) في البيع (ت هـ) في الوصايا (والضياء) في المختارة (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وقال ابن حجر: فيه إسماعيل بن عياش رواه عن شامي وهو شرحبيل بن مسلم وضعفه ابن حزم ولم يصب وهو عند الترمذي في الوصايا أتم سياقا كذا ذكره في تخريج الرافعي لكنه جزم في تخريج الهداية بضعفه الحديث: 5652 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 5653 - (العافية عشرة أجزاء تسعة في الصمت) أي السكوت إلا عن خير (والعاشر في العزلة) أي الانفراد والتنحي (عن الناس) حيث استغنى عنهم واستغنوا عنه فإن دعاه الشرع إلى مخالطتهم لتعلم أو تعليم فلا خير فيها وعليه نزلت الإطلاقات المتباينة في مدحها وذمها وإنما كان الصمت كذلك لما فيه من كف اللسان عن النطق فيما تهواه النفس وذلك مع مخالطة الناس صعب شديد لا يحصل إلا بقهر النفس ومجاهدتها (فر عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: هذا حديث منكر الحديث: 5653 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 5654 - (العافية عشرة أجزاء تسعة في طلب المعيشة) أي الكسب الحلال الذي يعيش به الإنسان (وجزء في سائر الأشياء) لأن المكتسب قائم بفرض ممتثل أمر الشارع بالاستغناء عن الناس وهو محبوب لله تعالى ففي الخبر المار " إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال " وفي رواية الديلمي أيضا العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشر كسب اليد من الحلال اه. فينبغي للعاقل أن يختار العافية فهي بالأغراض الدينية والدنيوية وافية فمن عجز واضطر إلى الخلطة فليلزم الصمت وما أحسن العزلة فهي للعبد ولاية لا يرى معها عزلة (فر عن أنس بن مالك) الحديث: 5654 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 5655 - (العالم أمين الله في الأرض) على ما أودع من العلوم ومنح من المفهوم فلا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون فالعلم من وجه عبادة ومن وجه خلافة عن الله وهي أجل خلافة فإن الله قد فتح على قلب العالم العلم الذي هو أخص صفاته فهو كالخازن لأنفس خزائنه ثم هو مأذون له في الإنفاق على كل ما يحتاج إليه رواه الإمام أبو عمر (ابن عبد البر) الذي قال فيه ابن الصلاح عن الباجي لم يخرج من الأندلس رجل أعلم بالحديث منه (في) كتاب (العلم) المؤلف الحافل (عن معاذ) بن جبل قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد ممن وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة مع أن أبا يعلى والديلمي خرجاه باللفظ المزبور الحديث: 5655 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 5656 - (العالم والمتعلم شريكان في الخير) لاشتراكهما في التعاون على نشر العلم. ونشره أعظم أنواع البر وبه قوام الدنيا والدين (وسائر الناس لا خير فيهم) قال الشريف السمهودي: هذا قريب المعنى من خبر: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما <تنبيه> قال الإمام الرازي: قد دل على فضل العلماء والعلم وشرفه المعقول والمنقول فمن الشواهد العقلية أن كون العلم صفة كمال والجهل صفة نقص معلوم للعقلاء ضرورة ولذلك لو قيل للعالم يا جاهل تأذى به ولو قيل للجاهل يا عالم فرح وإن علم كذب القائل وقد وقر في طباع الحيوانات الانقياد للإنسان لكونه أعلم منهم وفي طباع الناس كل طائفة منقادة للأعلم منها وتعظمه والعالم يطير في أقطار الملكوت ويسبح في بحار المعقولات والجاهل في ظلمات الجهل وضيقه فإن قيل قد ذكر فضل العالم والعلم وشرفه فهل هذا الفضل للعلماء والعلم من حيث [ص: 371] هو أو للبعض من العلوم دون بعض أو لكلها كيف كانت؟ قلنا أما العلم من حيث هو ففيه شرف وتزكية للنفس وهو خير من الجهل إلا ما كان علما شيطانيا يهدي إلى الشر ويوقع فيه كالسحر وما ليس كذلك فمنه مباح ومنه مندوب ومنه واجب وحقيقة القول الكلي الذي يجمع معاني الشرف وتعتبر به المراتب أن شرف العلوم بشرف المعلوم فكلما كان المعلوم أشرف كان العلم أشرف فالعلم المتعلق بالله ومعرفة توحيده وعظمته وجلال صفاته أشرف العلوم لأن معلومه أشرف المعلومات وبهذا تعتبر بقية العلوم ويمتاز بعضها على بعض وشرف العالم بشرف علمه فالعالم بالأشرف أشرف مرتبة من العالم بما دونه ولا شرف أشرف من العلم بالله وإدراك الحقائق والمعارف الإلهية وحقائق التوحيد وعلوم المكاشفة والاشتغال بذلك والتوصل إليه والسعي في حصوله من أشرف المقاصد وأعلى المطالب وكذا العلم بأمره ونهيه وفهم كتابه وأسرار كلامه اه (طب) وكذا الديلمي (عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله الهيثمي بأن فيه معاوية بن يحيى الصدفي قال ابن معين: هالك ليس بشيء الحديث: 5656 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 5657 - (العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء) فكان عند أهل الدنيا والآخرة في الذروة العليا والرتبة الكبرى (وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء) فسقط من مرتبته وهان على أهل الدنيا في الآخرة عند الله {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} قال ابن الزملكاني: قال بعض مشايخنا كأن هذه الآية فينا نزلت وقد طم البلاء وعم بسبب طمع العلماء في الحطام وصار المؤمن القابض على دينه معهم كالقابض على الجمر لأنهم قد تمكنوا من صدور الخلق لغلبة الجهل عليهم فهم المقتدى بهم والمنظور إليهم فهم عند الخلق علماء وفي الملكوت جهال فمن تمسك بالسنة بين ظهراني هؤلاء بعد تمكنهم من الرياسة ونفاذ القول في الخلق فقد بارزهم بالمحاربة لأن في تمسكه بها هتكا لسترهم عند العامة وكشفا لعوارهم ونشرا لفضائحهم فالمتمسك بالحق يرصدونه بالعداوة ويرمونه عن قوس واحدة ويقذفونه بالعظائم ومع ذلك حرمة الإيمان معهم فالأولى أن لا يعذبهم بل يرحمهم <فائدة> اعتذر ابن عربي عن تسمية الصوفية العالم عارفا ولم يسموه عالما مع أنه أولى لاستعماله في النصوص بأن الغيرة غلبت عليهم لما رأوا اسم العالم يطلق عرفا على كل من حصل عنده علم كيفما كان ويكون قد أكب على الشهوات وتورط في الشبهات بل وفي المحرمات فأدركتهم الغيرة أن يشاركهم البطال في اسم واحد وقد شاع ذلك وذاع ففرقوا بين المقامين بأن خصوا اسم المعرفة بهذا المقام العلي والمعنى واحد في العلم والمعرفة (فر عن أنس) وفيه الحسن بن عمرو القيسي قال الذهبي: مجهول الحديث: 5657 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 5658 - (العالم سلطان الله في الأرض) بين خلقه (فمن وقع فيه) أي ذمه وعابه وسبه واغتابه (فقد هلك) أي فعل فعلا يؤدي إلى الهلاك الأخروي لأن الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم أمر الدنيا إلا بالملك ولا يتم الملك إلا بالعلم لأنه مرشد السلطان إلى طريق سياسة الخلق وحراستهم فالعلم أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع فإضراره إضرار بالدنيا والدين فلذلك كانت أمه من الهالكين ومن ثم كان غيبة العلماء كبيرة (1) وقال الحرالي: إنما كان سلطانا بل أعظم لأن الملوك وإن تشرفوا بملك الدنيا فليس لهم من عزة الدين شيء والعلماء أعزهم [ص: 372] الله بالدين تخدمهم الأحرار ويتوطأ لهم الأخيار ولا يجدون وحشة ولا يحضرون في محل الأشرار ولا تسقط لهم حرمة حيثما كانوا والسلطان لا يخدمه إلا من استرقه قهرا ولا يملك حجاب قلوبهم محصور في أقطار مملكته لا يخرج عنها حتى يمتنع الملوك من الحج خوف نيل الذل في غير موطن الملك والعالم ممكن في الأرض كلها قد خرج من سجن الملك إلى سعة العز بعزة الله (فر عن أبي ذر) لكنه أعني الديلمي لم يذكر له سندا في مسند الفردوس بل بيض له لعدم وقوفه عليه فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب   (1) قال ابن عساكر: اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} الحديث: 5658 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 5659 - (العالم والعلم والعمل في الجنة) إذا عمل العالم بما علم (فإذا لم يعمل العالم بما يعلم كان العلم والعمل في الجنة وكان العالم في النار) فهذا العالم كالجاهل بل الجاهل خير منه ولهذا قال سفيان: إن أنا عملت بما أعلم فأنا أعلم الناس وإن لم أعمل به فليس في الدنيا أجهل مني وقال أبو الدرداء: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا لكن ليس المراد بالعالم العامل كونه لا يصدر عنه ذنب قط لأن العصمة مقام الأنبياء بل أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب وإن حصلت منه هفوات أو زلات فلا تخرجه عن ذلك حيث تداركه مولاه بالإنابة سريعا فالعالم العامل لا يصر لأن النور الرباني المخامر لقلبه يمنعه منه {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} أي فيسترجعون من الشيطان ما اختلسه ويستردون منه ما افترسه لانبعاث جيوش الاستغفار والذلة والخضوع والافتقار وانقشاع سحب الغفلة والافتخار وإشراق شمس البصيرة فلا تدعهم تقواهم للإصرار على مخالفة مولاهم بل ربما كانوا بعد المعصية أكمل مما قبلها لعظيم ما نشأ عن ذلك من الذلة والانكسار والالتجاء والافتقار وهذا هو الحكمة في جريان المخالفة عليهم ومن ثم قال بعض العارفين: من سبقت له العناية لم تضره الجناية (فر عن أبي هريرة) وفيه الحسن بن زياد أي اللؤلؤي قال الذهبي: كذبه ابن معين وأبو داود ورواه عنه أبو نعيم أيضا ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 5659 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 5660 - (العامل بالحق على الصدقة) أي الزكاة المفروضة (كالغازي في سبيل الله عز وجل) أي في حصول الأجر ويستمر كذلك (حتى يرجع إلى بيته) أي يعود من عمله ذلك إلى محل إقامته قال الطيبي: إذا جعل غاية للمشبه لم يفد فائدة ما إذا جعل غاية للمشبه به لأن وجه التشبيه هو سعي الساعي والغازي في تحصيل بيت المال للمسلمين وفيه أن الساعي كالغازي الغانم وليس كالغازي الشهيد (حم د ت ك) في الزكاة (عن رافع بن خديج) قال الترمذي: حسن وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن عزاه ابن القطان لأبي داود وقال: فيه ابن إسحاق عن عاصم والقول فيه كثير فالحديث لأجله حسن لا صحيح انتهى. وقال الهيثمي: في سنده أحمد بن إسحاق ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 5660 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 5661 - (العباد) كلهم (عباد الله) وإن اختلفت أقطارهم وبلدانهم وتباينت طباعهم وألوانهم (والبلاد بلاد الله فمن) أي فأي إنسان مسلم (أحيا من موات الأرض شيئا) وهو ما لم يجر عليه ملك لآدمي (فهو له) وإن لم يأذن له الإمام [ص: 373] عند الشافعي وشرط الحنفية (وليس لعرق ظالم حق) روي بالإضافة والصفة والمعنى أن من غرس أرض غيره أو زرعه بغير إذنه فليس لغرسه وزرعه حق إبقاء بل لمالك الأرض أن يقلع مجانا وقيل معناه أن من غرس أرضا أحياه غيره أو زرعها لم يستحق به الأرض وهو أوفق للحكم السابق وظالم إن أضيف إليه فالمراد به الغارس سماه ظالما لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه وإن وصف به فالمغروس سمي به لأنه لظالم أو لأن الظلم حصل به (هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه ولذا رواه عنها ابن الجارود والعسكري وغيرهما وضعفه بعضهم الحديث: 5661 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 5662 - (العبادة في الهرج) أي وقت الفتن واختلاط الأمور (كهجرة إلي) في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأول كان قليلا لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك فهكذا العابد في الهرج قليل قال ابن العربي: وجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى ذار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة (حم م ت هـ) في الفتن (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف (بن يسار) ضد اليمين ولم يخرجه البخاري الحديث: 5662 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 5663 - (العباس مني وأنا منه) ومن ثم كان الصحب يعظمونه غاية التعظيم أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس لم يمر بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له وأخرج الزبير بن بكار كان أبو بكر وعمر ولايتهما لا يلقى العباس منهما أحد وهو راكب إلا نزل عن دابته وقادها ومشى مع العباس حتى يبلغ منزله أو مجلسه (ت ك) في المناقب (عن ابن عباس) وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه من حديث إسرائيل اه. وفيه عبد الأعلى بن عامر قال الذهبي: ضعفه أحمد وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 5663 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 5664 - (العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عم الرجل صنو أبيه) ولهذا كان يعامله معاملة الوالد حتى أنه كان إذا جلس يجلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه وكان كاتب سره فإذا جاء العباس تنحى أبو بكر وجلس العباس مكانه كما أخرجه الدارقطني (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 5664 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 5665 - (العباس وصيي ووارثي) ولهذا كان الصديق يجله كثيرا وكان عمر إذا قحطوا استسقى به فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا إذا قحطنا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعمه فاسقنا فيسقون وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن صهيب رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم ارض عني (خط) عن محمد بن المظفر عن محمد بن سليمان عن جعفر بن عبد الواحد عن سعيد بن سالم البهلي عن المسيب بن زهير عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ورواه ابن حبان عن علي والعسكري عن محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي من طريقيه هذين ثم قال: موضوع جعفر كذاب يضع ومحمد بن الضوء يروي عن أبيه مناكير اه. وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكنا عليه اه الحديث: 5665 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 5666 - (العباس عمي وصنو أبي فمن شاء فليباهي) أي يفاخر (بعمه) ومن ثم كان الصحب يعرفون فضله ويقدمونه ويشاورونه [ص: 374] ويأخذون برأيه وأخرج البغوي عن عروة أن عائشة قالت له: لقد رأيت من تعظيم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمه العباس أمرا عجيبا (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 5666 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 5667 - (العبد من الله وهو منه) وفي رواية والله منه (ما لم يخدم فإذا خدم وقع عليه الحساب) هذا قريب من معنى خير من اتخذ من الخدم غير ما ينكح الحديث فإذا حوسب فلا يخلو من الإخلال بحق من حقوق خادمه المتوجه لكونه جعل واليا عليه وكل عبد إلهي توجه لأحد عليه حق من المخلوقين فقد نقص من عبوديته لله بقدر ذلك الحق فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به فلا يكون عبدا محضا خالصا لله ومن ثم انقطع الأكابر عن الخلق ولزم الخلوات أو السياحات والخروج عن ملك الحيوانات فإنهم يريدون الحرية من جميع الأكوان. قال ابن عربي: ومن ذلك الزمن الذي حصل لي فيه هذا المقام ما ملكت حيوانا ولا الثوب الذي ألبسه فإني لا ألبسه إلا عارية لشخص معين والزمن أتملك فيه الشيء أخرج عنه حالا بهبة أو عتق وهذا ما حصل لي لما أردت التحقق بعبودية الاختصاص لله تعالى قيل لي: لا يصح لك هذا حتى لا يقوم لأحد عليك حجة قلت: ولا لله إن شاء الله قيل: وكيف ذلك؟ قلت: إنما تقام الحجج على المنكرين لا المعترفين وعلى أهل الدعاوى وأصحاب الحظوظ لا على من قال لا حق لي ولا حظ (ص هب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وفيه إسماعيل بن عياش وفيه خلاف ورواه الديلمي أيضا الحديث: 5667 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 5668 - (العبد مع من أحب) طبعا وعقلا وجزاءا ومحلا فكل مهتم لشيء فهو منجذب إليه كما سيأتي توضيحه وأراد بالعبد الإنسان قال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه. . . فكل قرين بالمقارن يقتدي إذا كنت في قوم فخالل خيارهم. . . ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى (حم) وكذا الطبراني (عن جابر) قال الهيثمي: إسناد أحمد حسن الحديث: 5668 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 5669 - (العبد عند ظنه بالله) إن خيرا فخير وإن شرا فشر فإن ظن أن يسامحه سامحه وإن ظن أن يعاقبه عاقبه فلا يظن به إلا خيرا يرى الخير وهذا أصل عظيم في حسن الرجاء في الله وجميل الظن به (وهو مع من أحب) (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا رمز المصنف لحسنه الحديث: 5669 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 5670 - (العبد الآبق) أي الهارب من مولاه بلا عذر (لا تقبل له صلاة) يعني لا يثاب عليها (حتى يرجع إلى مواليه) ونبه بالصلاة على غيرها من القرب وأراد بالعبد الإنسان ولو أنثى (طب عن جرير) بن عبد الله ورواه عنه الطيالسي والديلمي رمز المصنف لحسنه الحديث: 5670 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 5671 - (العبد المطيع) أي المذعن المنقاد (لوالديه) أي أصليه المسلمين ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما لا يكون الجواب إلا عن قول (ولربه في أعلى عليين) لفظ رواية الديلمي فيما وقفت عليه من الأصول الصحيحة المحررة بخط الحافظ [ص: 375] ابن حجر وغيره والمطيع لرب العالمين في أعلى عليين (فر عن أنس) ورواه عنه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه للأصل لكان أولى الحديث: 5671 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 5672 - (العتل) هو الشديد الجافي الغليظ الفظ هذا أصله لكن فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (كل رغيب الجوف) أي واسعه ذو رغبة في كثرة الأكل (وثيق الخلق) بالسكون أي ثابت قوي (أكول شروب جموع للمال منوع له) وهذا حال أكثر الناس الآن علموا أنه تعالى كريم ماجد جواد محسن متفضل لكن لم يشرق في قلوبهم نور جلاله ولا حل بها عظمته ولا تجلى عليها كبرياؤه ولا عارضها سلطانه ولا طالعت مجده وبهاءه ولا عاينت إحسانه وأياديه ولا فهمت تدبيره ولطفه في الأمور (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي الدرداء) الحديث: 5672 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 5673 - (العتل الزنيم) هو المدعي في النسب الملحق بالقوم وليس منهم وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الفاحش) أي ذو الفحش في فعله وقوله (اللئيم) أي الشحيح الدنيء النفس وهذا قاله لما سئل عن نفس الآية (ابن أبي حاتم) عبد الرحمن (عن موسى بن عقبة مرسلا) هو مولى آل الزبير ويقال مولى أم خالد زوجة الزبير قال في الكاشف: ثقة مفت وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى ولا أحق بالعزو من أبي حاتم ولا مسندا وهو ذهول عجيب فقد خرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن غنم الأشعري قال ابن منده: وله صحبة الحديث: 5673 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 5674 - (العتيرة حق) كان الرجل يقول إذا كان كذا فعلي أن أذبح من كل عشرة شياه كذا في رجب يسمونها العتائر وهذا كان في صدر الإسلام ثم نسخ وقال الخطابي: تفسيرها في الخبر شاة تذبح في رجب هذا هو اللائق بالدين أما عتيرة الجاهلية فكانت للأصنام (حم عن ابن عمرو) بن العاص رمز لحسنه الحديث: 5674 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 5675 - (العجب أن ناسا من أمتي يؤمون البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فيهم المستبصر) هو المستبين لذلك القاصد له عمدا وهو بسين مهملة ومثناة فوقية وياء موحدة وصاد مهملة بعدها راء (والمجبور) المكره يقال أجبرته فهو مجبر هذه اللغة المشهورة وجبرته فهو مجبور وعليها ورد هذا الخبر (وابن السبيل) أي سالك الطريق معهم وليس منهم (يهلكون مهلكا واحدا) أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم (ويصدرون) يوم القيامة (مصادر شتى) أي يبعثهم الله مختلفين (على) حسب (نياتهم) فيجازون بمقتضاها والحاصل أن الهلاك يعم الطائع مع العاصي والطائع عند البعث يجازى بعمله وكذا العاصي إن لم يدركه العفو وفيه حث على التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا ينالهم ما يعاقبون به وأن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في الدنيا (م عن عائشة) قالت: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أي اضطرب بدنه فقلنا: صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله فذكره الحديث: 5675 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 [ص: 376] 5676 - (العجماء) بالمد كل حيوان غير آدمي لأنه لا يتكلم ومنه قولهم صلاة النهار عجماء لأنها لا تسمع فيها قراءة ذكره الزمخشري. وقال البيضاوي: العجماء البهيمة وهي في الأصل تأنيث أعجم وهو الذي لا يقدر على الكلام سميت به لأنها لا تتكلم (جرحها جبار) بفتح الجيم وقيل بضمها وخفة الموحدة أي ما أتلفته بجرح أو غيره هدر لا يضمنه صاحبها ما لم يفرط لأن الضمان لا يكون إلا بمباشرة أو سبب وهو لم يجن ولم يتسبب وفعلها غير منسوب إليه نعم إن كان معها ضمن ما أتلفته ليلا ونهارا عند الشافعي (والبئر) أي وتلف الواقع في بئر حفرها إنسان بملك أو موات (جبار) لا ضمان فيه فإن حفرها متعديا كفى طريق أو ملك غيره ضمن وكذا لا ضمان لو انهارت على رجل يحفرها قال الطيبي: لا بد هنا من تقدير مضاف ليصح حمل الخبر على المبتدي أي فعل العجماء هدر باطل ولا يعتبر في الضمان وسقوط البئر على الشخص أو سقوط الشخص في البئر هدر (والمعدن) إذا حفره بملكه أو موات لاستخراج ما فيه فوقع فيه إنسان أو انهار على حافره (جبار) لا ضمان فيه ذكره الرافعي في شرح المسند فنقل نحوه عن السيوطي قصور وجمود (وفي الركاز) دفين الجاهلية أصله من الثبات واللزوم تقول: ركز الشيء في الأرض إذا ثبت (الخمس) لبيت المال والباقي لواجده وأفاد عطفه على المعدن تغايرهما وأن الخمس في الركاز لا في المعدن وهو مذهب الشافعي ومالك وفيه رد على أبي حنيفة حيث ذهب إلى أن الركاز المعدن واحتمال أن هذه الأمور ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوقات مختلفة فجمعها الراوي وساقها مساقا واحدا فلا يكون فيه حجة خلاف الظاهر. (لطيفة) قال ابن عربي: مما نعتوا به المحب كالدابة جرحه جبار (حكى) أن خطافا راود خطافة في قبة سليمان عليه السلام فسمعه يقول بلغ مني حبك لو قلت لي اهدم القبة على سليمان فعلت فاستدعاه سليمان فقال له لا تعجل إن للمحبة لسانا لا يتكلم به إلا المحبون والعاشقون ما عليهم من سبيل فإنهم يتكلمون بلسان المحبة لا بلسان العلم والعقل فضحك سليمان ولم يعاقبه وقال هذا جرح جبار (مالك) في الموطأ (حم ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمرو بن عوف) الحديث: 5676 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 5677 - (العجم يبدأون بكبارهم إذا كتبوا) إليهم كتابا (فإذا كتب أحدكم) أيها العرب (فليبدأ بنفسه) في كتابه فإنه سنة الأنبياء {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن عبد الرحمن المقدسي قال الذهبي في الضعفاء: متهم وفي الباب ابن عباس وجابر وأبو ذر وأنس وأبو رمثة وعائشة والجهدمة وأبو الطفيل وجابر بن سمرة وغيرهم الحديث: 5677 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 5678 - (العجوة من فاكهة الجنة) قال في المطامح: يعني أن هذه العجوة تشبه عجوة الجنة في الشكل والصورة والاسم لا في اللذة والطعم لأن طعام الجنة لا يشبه طعام الدنيا فيها وقال القاضي: يريد به المبالغة في الاختصاص بالمنفعة والبركة فكأنها من طعامها لأن طعامها يزيل الأذى والعناء (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن بريدة) رمز المصنف لحسنه وفيه صالح بن حبان القرشي ضعفه ابن معين وقال البخاري: فيه نظر وقال النسائي: غير ثقة وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 5678 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 5679 - (العجوة والصخرة) صخرة بيت المقدس (والشجرة) الكرمة أو شجرة بيعة الرضوان (من الجنة) في مجرد الاسم والشبه الصوري [ص: 377] غير أن ذلك الشبه يكسبها فضلا وفخرا والعجوة ضرب من أجود تمر المدينة ولينه وقال الداودي: من وسط التمر قال ابن الأثير: ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى سواد وهو مما غرسه المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده في المدينة وهو الذي الكلام فيه وهذا الأخير ذكره القزاز (حم هـ ك عن رافع) ضد خافض (ابن عمرو المزني) صحابي سكن البصرة وبقي إلى خلافة معاوية ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5679 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 5680 - (العجوة من الجنة) بالمعنى المقرر (وفيها شفاء من السم) ظاهره خصوصية عجوة المدينة وقيل أراد العموم (والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) أي الماء الذي تنبت فيه وهو مطر الربيع وإن كان أراد ماء الكمأة نفسها فالمراد بللها أو نداؤها الذي يخلص إلى المرود منها إذا غرز فيها واكتحل به فإنه ينفع العين الذي غلب عليها اليبس الشديد ذكره الحليمي وسبق فيه تقرير آخر (حم ت هـ عن أبي هريرة حم ن هـ عن أبي سعيد) الخدري (وجابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا وابن منيع وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 5680 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 5681 - (العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم) مثلث السين قال الزمخشري: هي تمر بالمدينة من غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحليمي: معنى كونها من الجنة أن فيها شبها من ثمار الجنة في الطعم فلذلك صارت شفاء من السم ذلك أن السم قاتل وتمر الجنة خال من المضار والمفاسد فإذا اجتمعا في جوف عدل السليم الفاسد فاندفع الضرر (والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والكبش العربي الأسود شفاء من عرق النسا يؤكل من لحمه ويحسى من مرقه) وقد سبق ذلك كله موضحا قال السمهودي: لم يزل إطباق الناس على التبرك بالعجوة وهو النوع المعروف الذي يأثره الخلف عن السلف بالمدينة ولا يرتابون في تسميته بذلك (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عباس) الحديث: 5681 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 5682 - (العدة دين) أي هي كالدين في تأكد الوفاء بها وإذا أحسنت القول فأحسن الفعل ليجتمع لك مزية اللسان وثمرة الإحسان ولا تقل ما لا تفعل فإنك لا تخلو في ذلك من ذنب تكتسبه أو عجز تلتزمه (طس) وكذا في الصغير (عن علي) أمير المؤمنين وقد أثنى الله سبحانه على إسماعيل عليه السلام بقوله {إنه كان صادق الوعد} (وعن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: سندهما فيه جهالة وقال تلميذه الهيثمي: فيه حمزة بن داود ضعفه الدارقطني ورواه أبو داود في مراسيله ورواه القضاعي في الشهاب بهذا اللفظ وقال: إنه حديث حسن قال السخاوي: وقد أفردت طرقه في جزء الحديث: 5682 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 5683 - (العدة دين) أي هي في مكارم الأخلاق كالدين الواجب أداؤه في لزوم الوفاء بالعهد (ويل) حزن وهلاك (لمن وعد ثم أخلف ويل لمن وعد ثم أخلف ويل لمن وعد ثم أخلف) لما في الخلف من الانكسار والرجوع عنه من الخيبة بعد تجرع مرارة الانتظار فالمخلف يستوجب بالمنع لوم الخلف ومقت الغادر وهجنه الكذوب (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين قضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرجه الطبراني الذي عزى إليه أولا ولا غيره [ص: 378] من المشاهير أصحاب الرموز وإلا لما أبعد النجعة وعزاه لبعض المتأخرين وهو عجيب فقد خرجه أبو نعيم وغيره بل والطبراني في الأوسط نفسه من حديث علي باللفظ المزبور من الوجه المسطور وقال الهيثمي: فيه حمزة المذكور الحديث: 5683 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 5684 - (العدة عطية) أي عدتك بمنزلة عطيتك فلا ينبغي أن تخلفها كما لا ينبغي أن ترجع في عطيتك ولأنه إذا وعد فقد أعطى عهده بما وعد وقد قال تعالى {وأوفوا بالعهد} وفي الحديث من وعد وعدا فقد عهد عهدا كذا في شرح الشهاب للعامري وفي رواية العدة واجبة وأصل ذلك أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأله شيئا فقال: ما عندي ما أعطيك فقال: تعدني فذكره (حل) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) قال: إذا وعد أحدكم حبيبه فلينجز له فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ثم قال: غريب تفرد به إبراهيم الفزاري اه. وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه أصبح بن عبد العزيز الليثي قال أبو حاتم: مجهول ورواه البخاري في الأدب المفرد موقوفا ورواه في الشهاب مرفوعا قال العامري: وهو غريب الحديث: 5684 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 5685 - (العدل) وهو عبارة عن أن يكون ذو الأمر والسلطان مانعا كل فرد من رعيته من الجور والاعتداء (حسن) لأنه يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتنعم به الأرض وتنمو به الأموال ويكثر معه العمران ويعم معه الأمان قال الهرمزان لعمر حين رآه نائما بالمسجد مبتذلا: عدلت فأمنت فنمت. والعدل وضع الشيء في محله اللائق به شرعا وعرفا وهو يشمل كل فعل جميل جناني ولساني قال بعضهم: والعدل أصل لجميع الأخلاق الحميدة فكلها متفرعة عنه وما ورد في ذم الظلم مدح للعدل وعكسه فالعدل مدح بلسانين لسان التنصيص على فضله ولسان التنصيص على ذم ضده (ولكن) هو (في الأمراء) على الناس (أحسن) لأن الآحاد إذا لم يعدل الواحد منهم قوم بالسلطان وأما هو فلا مقوم له ولأن العدل ميزان صلاحه ونجاحه وفلاحه واستمرار دولته إذ لا نظام لها إلا به وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور إذ لا يقف على حد ولا ينتهي إلى غاية ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمله (السخاء حسن ولكن) هو (في الأغنياء أحسن) لأن به عمارة الدين والدنيا إذ به تستدفع سطوة الأعداء وبه يستكف نفار الخصماء ليصيروا له بعد الخصومة أعوانا وبعد العداوة إخوانا وقيل السخاء أن تكون بمالك متبرعا وعن مال غيرك متورعا (الورع حسن) في جميع الناس (ولكن) هو (في العلماء أحسن) منه في غيرهم لأن عدم الورع يزل أقدامهم (الصبر حسن) لكل أحد (ولكن) هو (في الفقراء أحسن) فإنهم يتعجلون به الراحة مع اكتساب المثوبة فهو في الفقراء أحسن من حيث عجزهم عن تلاقي ما هو في مظنة القوت فما لم يصبر الواحد منهم احتمل هما لازما وصبر صبرا كارها وقال علي للأشعث: إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك وأنت مأزور وقال شبيب للمهدي: إن أحق ما صبر عليه المرء ما لم يجد سبيلا إلى دفعه (التوبة) من الذنوب شيء (حسن) لكل عاص كبير أو صغير (ولكن) هي (في الشباب أحسن) منها في غيرهم والله يحب الشاب النائب (الحياء حسن) في الذكور والإناث (ولكن) هو (في النساء أحسن) منه في الرجال لأنهن إليه أحوج وهن به أحق وأحرى <تنبيه> إن قيل: كيف جاز الجمع بين حرفي العطف الواو ولكن؟ قلنا: إذا جاءت الواو خرجت لكن من العطف وجردت لإفادة معنى الاستدراك كما جردت لا لتوكيد النفي وإن كانت للعطف في الأصل بدخول حرف العطف عليها وهو الواو في قولك لم يقم زيد [ص: 379] ولا عمرو (فر عن علي) أمير المؤمنين قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله ما علامة المؤمن قال: ستة أشياء حسن ولكن في ستة من الناس أحسن ثم ذكره الحديث: 5685 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 5686 - (العرافة) وفي رواية بدله الإمارة (أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة) زاد في رواية إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها قال النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية والعرافة سيما لمن كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط فيه إذا جوزي الخزي والعذاب يوم القيامة وأما من كان أهلا وعدل فأجره عظيم كما تظاهرت الأخبار لكن في الدخول فيها خطر عظيم وقال القاضي: أمرها خطر والقيام بحقوقها عسر فلا ينبغي لعاقل أن يهجم عليها ويميل الطبيعة إليها كان من زلت قدمه فيها على متن الصواب قد يدفع إلى فتنة تؤدي به إلى عذاب والعريف القيم بأمر قبيلة أو محل يلي أمرهم ويتعرف منه الحاكم حالهم وهو من دون الرئيس من عرف فلان بالضم عرافة بالفتح أي صار عريفا ومن كلامهم ويل لكل رئيس من عذاب بئيس (الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5686 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 5687 - (العرب للعرب أكفاء) أي متماثلون متساوون والكفاءة كون الزوج نظير الزوجة في النسب ونحوه بخلاف غير العرب وهم العجم فليسوا أكفاء للعرب نعم القرشية لا يكافئها غير قرشي من العرب والهاشمية والمطلبية لا يكافئها غير هاشمي ولا مطلبي (والموالي أكفاء للموالي إلا حائك أو حجام) وهذا الحديث مما احتج به من جعل العجم ليسوا بأكفاء للعرب واحتج به أحمد على الكفاءة ليست حقا لواحد معين بل من الحقوق المطلقة في النكاح حتى يفرق بينهم عند عدمها (هق) عن الحكم بن عبد الله الأزدي الزهري (عن عائشة) مرفوعا وتعقبه في المهذب بأن الحكم عدم ورواه بنحوه من وجه آخر عن ابن عمر قال في المهذب: ولم يصح كأنه من وضع عروة اه. وقال في المطامح: حديث منكر وقال في الفتح: لم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث وأما هذا الحديث فإسناده ضعيف ورواه البزار من حديث معاذ رفعه بلفظ العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء قال ابن حجر: وإسناده ضعيف الحديث: 5687 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 5688 - (العربون لمن عربن) مع العربون أن يشتري ويدفع لبائعه شيئا على أنه إن رضيه فمن الثمن وإلا فهبة وهو باطل عند الأثمة الثلاثة فيجب رده لصاحبه وأجازه أحمد (خط في رواة مالك عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه بركة بن محمد الحلبي متهم وأحمد بن علي بن أخت عبد القدوس قال في الميزان: عن الدارقطني متروك الحديث وخبره باطل ثم ساق هذا الخبر بعينه الحديث: 5688 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 5689 - (العرش) الذي هو أعظم المخلوقات (من ياقوتة حمراء) فيه رد لما في الكشاف وغيره في تفسيره أنه من جوهرة خضراء قال: وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانون ألف عام اه. قال في المطامح: والعرش مخلوق جسماني هو جامع الجوامع في العالم العلوي المحيط وهو سفينة حاملة للوجود كله انتقش في ظله صور جميع العالم وهو مخلوق لا يعبر عنه ولم يقع في صحيح أخبار الإسراء عنه أخبار وفي أخبار كثيرة ما يدل على أنه أشرف المخلوقات وأعظمها وأكملها وأنه أولها وأسبقها إلى الوجود لكن في خبر يمين الله ملأى أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض إشارة إلى السماوات أول المخلوقات وهو ما في التوراة وقال العارف البوني: خلق الله العرش المجيد الذي لا غاية لناهيه ولا نهاية لتعاليه لؤلؤة بيضاء تتلألأ ملء الكون فلا يكون العبد على حالة من الأحوال إلا انطبع مثاله [ص: 380] في العرش على الحالة التي يكون عليها فإذا كان يوم القيامة ووقف للمحاسبة كشف له عن صورته فرأى نفسه على الهيئة التي كان عليها في الدنيا فيذكر نفسه بمشاهدة نفسه فيأخذه من الحياء والخوف ما يجل وصفه ولهذا العرش الكريم أعوان يحملونه بعون الله تعالى وهذه أسماؤهم أبجد. هوزح. طيكل. منسع. فصقر. شتثخ. ذ ضظغ (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة عن الشعبي مرسلا) الحديث: 5689 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 5690 - (العرف) يعني المعروف (ينقطع فيما بين الناس) أي أن من فعل معه ربما جحد وأنكر (ولا ينقطع فيما بين الله وبين من فعله) إذا كان فعله لله فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا (فر عن أبي اليسر) وفيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول الحديث: 5690 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 5691 - (العسيلة الجماع) يعني أنه يكنى بها عنه لأن العسل فيه حلاوة ويلتذ بأكله والجماع له حلاوة ويلتذ به فكنى عما يجده المتناكحان من لذة الجماع بالعسل لكونه أحلى الأشياء وألذها (حل عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد وأبو يعلى والديلمي قال الهيثمي: فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 5691 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 5692 - (العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر) قاله لما سئل عن قوله تعالى {وليال عشر والشفع والوتر} (حم ك عن جابر) بن عبد الله الحديث: 5692 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 5693 - (العطاس) بضم العين (من الله والتثاؤب) بفتح التاء لغلبة الأبخرة والهمزة بعد الألف هو الصواب والواو غلط (من الشيطان) لأن العطاس ينشأ عنه العبادة فلذلك أضافه إلى الله والتثاؤب إنما ينشأ من ثقل النفس وإمتلائها المتسبب عن نيل الشهوات الذي يأمر به الشيطان فيورث الغفلة والكسل (وإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه) ليرده ما استطاع (وإذا قال آه آه) حكاية صوت المتثائب (فإن الشيطان يضحك من جوفه) لما أنه قد وجد إليه سبيلا وقوي سلطانه عليه (وإن الله عز وجل يحب العطاس) قال ابن حجر: أي الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور بالتحميد والتشميت له ويحتمل التعميم في نوعي العطاس والتفصيل في التشميت المذكور في قوله (ويكره التثاؤب) لأن العطاس يورث خفة الدماغ ويروحه ويزيل كدر النفس وينشأ عنه سعة المنافذ وذلك محبوب إلى الله فإذا اتسعت ضاقت على الشيطان وإذا ضاقت بالأخلاط والطعام اتسعت للشيطان وكسر منه التثاؤب فأضيف للشيطان مجازا فأمر العاطس بالحمد على ما منح من الخفة <تنبيه> قال زين الحفاظ العراقي: لا يعارض قوله هنا العطاس من الله قوله في حديث عدي بن ثابت العطاس في الصلاة من الشيطان لأن هذا الحديث مطلق وحديث جد عدي مقيد بحالة الصلاة وقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليستثقل به عنه على أن حديث جد عدي ضعيف أو يقال إنما لا يوصف العطاس في الصلاة بالكراهة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب <فائدة> أخرج أبو نعيم في الطب النبوي عن علي مرفوعا من قال عند كل عطسة يسمعها " الحمد لله رب العالمين على كل حال " لم يصبه وجع ضرس ولا أذى أبدا (ت وابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا ورمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد جزم الحافظ ابن حجر في الفتح بضعف سنده الحديث: 5693 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 [ص: 381] 5694 - (العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة والحيض والقيء والرعاف من الشيطان) بمعنى أنه يستلذ بوقوع لك فيها ويحبه ويرضاه لما فيها من الحيلولة بين العبد وما ندب إليه من الحضور بين يدي الله والاستغراق في لذة مناجاته ولأنها إنما تكون غالبا من شره الطعام الذي هو من عمل الشيطان قال الطيبي: وإنما فصل بقوله في الصلاة بين الخصال لأن الثلاثة الأولى لا تبطل الصلاة بخلاف الأخيرة أي فإن الحيض يبطلها اتفاقا والقيء والرعاف عند بعض العلماء وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة إن الله يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة قال ابن حجر: وهذا يعارضه هذا الحديث وفي سنده ضعيف وهو موقوف وأجاب المؤلف في فتاويه بأن المقام مقامان مقام إطلاق ومقام نسبي أما مقام الإطلاق فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من عمل الشيطان وعليه يحمل حديث الترمذي هذا وأما المقام النسبي فإذا وقعا في الصلاة مع كونهما من الشيطان فالعطاس في الصلاة أحب إلى الله من التثاؤب فيها والتثاؤب فيها أكره إليه من العطاس فيها وعليه يحمل أثر ابن أبي شيبة فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض اه (ت) في الاستئذان من حديث عدي بن ثابت (عن) أبيه عن جده يرفعه وجده قيل اسمه (دينار) وقيل هو دينار القراظ بظاء معجمة الخزاعي المدني تابعي كثير الإرسال قال المناوي: ومدار الحديث على شريك وفيه مقال معروف وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به عن الستة وليس كذلك بل رواه ابن ماجه أيضا في الصلاة عن دينار المذكور الحديث: 5694 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 5695 - (العطاس عند الدعاء شاهد صدق) وفي رواية شاهد عدل والشاهد الحاضر والصدق ضد الكذب وذلك لأن الملك يتباعد عن العبد عند الكذب من نتن ما جاء به كما جاء في الخبر فإذا غاب الملك عند الكذب حضر عند الصدق فشهد والملك حبيب الله وتقدم أن الله يحب العطاس فإذا أحبه فهو شاهد بالحق لما يكون عنده من حديث أو دعاء وكان صادقا كالملك (أبو نعيم) في الطب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى بلفظ العطسة عند الحديث شاهد عدل الحديث: 5695 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 5696 - (العفو) الذي هو التجاوز عن الذنب (أحق ما عمل به) فإنه سبحانه يزيد من يعفو عزا بأن ينتقم له ممن ظلمه فإن انتقم له في الدنيا أظهر عزه على ظالمه وإن أخره للقيامة كان هو العز الأكبر والشرف الأفخر (ابن شاهين في) كتاب (المعرفة عن حليس بن زيد بن صفوان) الضبي قال الذهبي: له وفادة من وجه آخر الحديث: 5696 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 5697 - (العقل على العصبة) العقل الدية سمي به لأنه من العقل وهو الشد لأن القاتل يأتي بالإبل فيعقلها بفناء المقتول وبه سميت العصبة التي تحمل العقل عاقلة وفيه دليل لقول فقهائنا إن دية الخطأ يختص وجوبها بعصبة القاتل سوى أصله وفرعه (وفي السقط) أي الجنين الذي فيه صورة خلق آدمي (غرة) أي رقيق أو مملوك ثم أبدل منه قوله (عبد أو أمة) وقيل للرقيق غرة لأنه غرة ما يملك أي خياره وأفضله وقيل أطلق اسم الغرة هي الوجه على الجملة كما قيل رقبة ورأس فكأنه قال فيه نسمة عبد أو أمة ذكره كله الزمخشري. وقال القاضي: الغرة المملوك وأصلها البياض في جبهة الفرس ثم استعير لأكرم كل شيء لقولهم غرة القوم سيدهم ولما كان المملوك خير ما يملك سمي غرة وقيل الغرة لا يطلق إلا للرفيق الأبيض قال الطيبي: وأوفى قوله أو أمة للتقسيم (طب عن حمل بن النابغة) صوابه بن مالك بن النابغة كما في التقريب كأصله وهو الهذلي [ص: 382] أبو نضيلة بفتح النون وسكون المعجمة صحابي نزل البصرة وله ذكر في الصحيحين الحديث: 5697 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 5698 - (العقيقة حق عن الغلام شاتان متكافئتان) أي متساويتان سنا وحسنا وفي رواية قال مكافئتان قال العسكري: هكذا يقوله بعض المحدثين وهو خطأ وكل شيء نشأ حتى يكون مثله فهو مكافئ له اه. وزاده دفعا لتوهم أن الفداء لو وقع بواحدة ينبغي كونها فاضلة كاملة فلما وقع في ثنتين جاز كون الثانية تتمة غير مقصودة فلا يشرع كمالها. قال ابن القيم: وفيه تنبيه على تهذيب العقيقة من عيوب الأضحية (وعن الجارية شاة) نص صريح يبطل قول من كرهها مطلقا ومن كرهها عن الجارية وذلك شأن اليهود فإنها كانت تعق عن الغلام لا الجارية ومن ثم عدوا العق عن الأنثى من خصائص هذه الأمة قال الإمام أحمد: الأحاديث المعارضة لأخبار العقيقة لا يعبأ بها (حم عن أسماء بنت يزيد) الهيثمي رجاله محتج بهم الحديث: 5698 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 5699 - (العقيقة تذبح لسبع) من الأيام (أو لأربع عشرة) يوما (أو لإحدى وعشرين) يوما قال أحمد: يعني أنها تذبح يوم السابع فإن لم يفعل ففي أربع عشرة فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين وحكمه كونها في السبع أن الطفل لا يغلب ظن سلامة بنيته وصحته خلقته وقبوله للحياة إلا بمضي الأسبوع والأسبوع دور يومي كما أن السنة دور شهري (طس والضياء عن بريدة) قال الهيثمي: ورواه عنه أحمد أيضا وفيه إسماعيل بن المكي وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه الحديث: 5699 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 5700 - (العلماء) بالعلوم الشرعية (أمناء الله على خلقه) لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين ففيه أنه يحب الرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم والأمناء جمع أمين وهو الثقة الحافظ لما أوهن عليه وقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم والرجوع إليهم حيث قال {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} قاله الغزالي وإن كانوا أمناء الله على خلقه فيجب أن يتكفل كل عالم بإقليم أو بلد أو محلة أو مسجد بتعليم أهلها دينهم وتمييز ما يضرهم عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا ينبغي أن يصبر إلى أن يسأل بل يتصدى لدعوة الناس إلى نفسه فإنهم ورثة الأنبياء وهم لم يتركوا الناس على جهلهم بل كانوا ينادونهم في الجامع ويدورون على دورهم في الابتداء ويطلبون واحدا بعد واحد فيرشدونهم فإن مرضى القلوب لا يعرفون مرضهم كما أن من ظهر على وجهه برص ولا مرآة له لا يعرف برصه ما لم يعرفه غيره وهذا فرض عين على العلماء وعلى السلاطين أن يرتبوا في كل محلة من يعلم الناس دينهم فإن الدنيا دار مرض إذ ليس في بطن الأرض إلا ميت ولا على ظهرها إلا سقيم ومرض القلوب أكثر من الأبدان والعلماء أطباء والسلاطين قوام ديار المرضى فكل مريض لا يقبل العلاج بمداواة العالم سلم للسلطان ليكف شره عن الناس كما يسلم الطبيب المريض لمن يحميه (القضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه أيضا العقيلي في الضعفاء وقال العامري في شرح الشهاب: حسن الحديث: 5700 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 5701 - (العلماء) وفي رواية الفقهاء (أمناء الرسل) فإنهم استودعوهم الشرائع التي جاؤوا بها وهي العلوم والأعمال وكلفوا الخلق طلب العلم فهم أمناء عليه وعلى العمل به فهم أمناء على الوضوء والصلاة والغسل والصوم والزكاة والحج وعلى الاعتقادات كلها وكل ما يلزمهم التصديق به والعلم والعمل فمن وافق علمه عمله وسره علته [ص: 383] كان جاريا على سنة الأنبياء فهو الأمين ومن كان بضد ذلك فهو الخائن وبين ذلك درجات فلذلك قال: (ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا) لفظ الحاكم ويداخلوا في الدنيا (فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم) لفظ الحاكم فاعتزلوهم أي خافوا منهم واستعدوا وتأهبوا لما يبدو منهم من الشر فإنهم إنما يتقربون إلى السلطان باستمالة قلبه وتحسين قبح فعله وما يوافق هواه وإن أخبروه بما فيه نجاته استثقلهم وأبعدهم فمخالط السلطان لا يسلم من النفاق والمداهنة والخوض في الثناء والإطراء في المدح وفيه هلاك الدين والعلماء ساسات الناس والناس لهم تبع فلا إلباس ما لم يتلطخوا بأقذار الدنيا ويشتغلوا بشهوات النفوس عن مصالح العباد فإنهم إذا فعلوا ذلك سقطوا من مراتب العلية وهانوا على أهل الدنيا الدنية وفي الآخرة عند الله قال الثوري: احذر اللياذ بالأمراء وإياك أن تخدع ويقال لك ترد مظلمة وتدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها الفقهاء سلما (الحسن بن سفيان) في مسنده عن مخلد بن مالك عن إبراهيم بن رستم عن عمر العبدي عن إسماعيل بن سميع (عن أنس) بن مالك (عق عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه قال ابن الجوزي: موضوع إبراهيم لا يعرف والعبدي متروك وقال المؤلف: قوله موضوع ممنوع وله شواهد فوق الأربعين فنحكم له عن مقتضى صناعة الحديث بالحسن الحديث: 5701 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 5702 - (العلماء أمناء أمتي) قال الخطيب: هذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين كيف وهم أكمل الخلق علما بوحدانية الله تعالى وصفاته وأعرف الناس بأحكام الحلال والحرام؟ قال الحكيم الترمذي: بعث الله الرسل إلى الخلق بمعرفة الأمور ومعرفة التدبير فيها وكيف ولم وكنه الأمور عندهم مكنون قد أفشى الله من ذلك إلى الرسل من غيبه ما لا تحتمله عقول من دونهم وبفضل النبوة قدروا على احتماله فالعلم إنما بدأ من عند الله إلى الرسل ثم من عند الرسل إلى الخلق فالعلم بمنزلة البحر وأجرى منه واديا ثم أجرى من الوادي نهرا ثم أجرى من النهر جدول ثم من الجدول ساقية فلو أجرى إلى الجدول ذلك الوادي لغرقه وأفسده ولو مال البحر إلى الوادي لأفسده فبحر العلم عند الله فأعطى الرسل منها أودية ثم أعطت الرسل من أوديتهم أنهارا إلى العلماء ثم أعطت العلماء إلى العامة جداول صغارا على قدر طاقتهم ثم أجرت العامة إلى سواقيهم من أهلهم وأولادهم بقدر طاقة تلك السواقي ومن ثم جاء في حديث إن لله سرا لو أفشاه لفسد التدبير وللملوك سرا لو أفشوه لفسد ملكهم وللأنبياء سرا لو أفشوه لفسدت نبوتهم وللعلماء سرا لو أفشوه لفسد علمهم فلذلك كانوا أمناء على ذلك السر وإنما يفسد ذلك لأن العقول لا تحتمله فلما زيدت الأنبياء في عقولهم فنالوا العلم فقدروا على احتمال ما عجزت عنه العامة وزيد في عقول علماء الباطن فقدروا على احتمال ما عجز عنه علماء الظاهر. ألا ترى أن كثيرا منهم عجزوا عن قطع الوسوسة في الصلاة وعن المشي على الماء وطي الأرض حتى جحدوا عامة هذه الروايات التي جاءت في ذلك فلو نظر علماء الظاهر إلى ما أعطى الله أولئك فأبصروه لاستحيوا من إنكارهم لكن لم يبصروا ما أعطاهم الله وهو المعرفة (فر عن عثمان) بن عفان. ورواه عنه أيضا الجرجاني الحديث: 5702 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 5703 - (العلماء) العاملون (مصابيح الأرض) أي أنوارها التي يستضاء بها من ظلمات الجهل (وخلفاء الأنبياء) على أممهم (وورثتي وورثة الأنبياء) من قبلي {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا} قال في الكشاف: ما سماهم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله اه. ومعجزات الأنبياء ضربان أحدهما الوحي بواسطة الملك والثاني خرق العوائد كانقلاب العصا حية وقلق البحر وإحياء الموتى ونبع الماء من بين الأصابع وأفضل الناس من ورث منهم الأمرين جميعا فورثوا في مقابلة الوحي الإلهام والعلوم وتبين ما أتت به الأنبياء من الكتب بما جعل [ص: 384] في قلوبهم من النور وورثوا في مقابلة الخوارق والآيات الكرامات وبذلك سموا أبدال النبيين لأنهم بدل منهم قال بعضهم: من ولي هذا المنصب فارتقى من مقام الولاية إلى مقام الوراثة عظمت عداوة الجهال له لعلهم بقبيح أفعالهم وقصورهم عن معارج رتب الكمال وإنكارهم لما وافق الهوى من أعمالهم وقال ابن عربي: العلماء ورثة الأنبياء أحوالهم الكتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما عندهم ولهذا قال الخضر: {ما فعلته عن أمري} فالكتمان من أصولهم إلا أن يؤمروا بالإفشاء والإعلان <فائدة> سئل الحافظ العراقي عما اشتهر على الألسنة من حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ويغني عنه العلماء ورثة الأنبياء وهو حديث صحيح (عد عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أبو نعيم والديلمي الحديث: 5703 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 5704 - (العلماء قادة) أي يقودون الناس إلى أحكام الله من أمر ونهي إذ فهم أكمل الناس علما بوحدانيته تعالى ومعرفة أحكامه والعلم منشأ جميع النعم وأصلها (والمتقون سادة) أي أشراف الناس وأما جدهم (ومجالستهم زيادة) للجالس في تشبيهه بالمتقي والعمل بعلمه واقتفاء أثره والاستضاءة بأنواره (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) ورواه الطبراني في حديث طويل قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 5704 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 5705 - (العلماء ورثة الأنبياء) لأن الميراث ينتقل إلى الأقرب وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الآخرة وكانوا للأمة بدلا من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل. كتب قطب زمانه شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي إلى الإمام الرازي إذا صفت مصادر العلم وموارده من الهوى أمدته كلمات الله التي تنفذ البحار دون نفاذها ويبقى العلم على كمال قوته لا يضعفه تردده في تجاويف الأفكار وبقوته يتلقى الفهوم المستقيمة وهذه رتبة الراسخين في العلم المتسمين بصورة العمل وهم وراث الأنبياء كبر عملهم على العلم وعلمهم على العمل فصفت أعمالهم ولطفت فصارت مسامرات سرية ومحاورات روحية فتشكلت الأعمال بالعلوم لمكان لطافتها وتشكلت العلوم بالأعمال لقوة فعلها وسرايتها إلى الاستعدادات وهو الميراث الأكبر لأن الورثة إنما يورثون ميراث الدنيا بحكم أهل الدنيا والرسل إنما يورثون ورثتهم الحكم الربانية واعلم أنه كما لا رتبة فوق رتبة النبوة فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة قال ابن عربي: ومقام الوارثين لا مقام أعلى منه شهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسوم الصفات هم عرائس الله المخبؤون عنده المحجوبون لديه الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون سواه توجهم بتاج البهاء وإكليل السناء وأقعدهم على منابر الضياء عن القرب في بساط الأنس ومناجاة الديمومية بلسان القومية لم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فهم بالحق وإن خاطبوا الخلق وعاشروهم فليسوا معهم وإن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال الله فهم يشاهدون الصنعة والصانع ولا تحجبهم الصنعة عن الصانع وذلك غير ضار إلا إن شغل القلب حسن الصنعة فهؤلاء هم الوارثون حقا فهنيئا لهم بما نالوا من حقائق المشاهدة وهنيئا لنا على التصديق والتسليم لهم بالموافقة والمساعدة (يحبهم أهل السماء) أي سكانها من الملائكة (ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة) لأنهم لما ورثوا عنهم تعليم الناس الإحسان وكيفيته والأمر به إلى كل شيء ألهم الله الأشياء الاستغفار لهم مكافأة على ذلك ذكره الخطابي وقال القاضي: إنما يستغفر أهل السماوات لأنهم عرفوا بتعريفه وعظموا بقوله [ص: 385] وأهل الأرض لأن بقاءهم وصلاحهم مربوط برأيه وقوله يستغفر لهم مجاز عن إرادة استقامة حالة المستغفر له من طهارة النفس ورفعة المنزلة ورخاء العيش لأن الاستغفار من العقلاء حقيقة ومن الغير مجاز وقال ابن جماعة: وجهه أنها لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم المبينون ما يحل ويحرم منها ويحثون على الإحسان إليها ودفع الضر عنها وقال السيد السمهودي: لا رتبة فوق مرتبة من يشغل الملائكة وغيرهم من المخلوقات بالاستغفار والدعاء لهم حتى تقوم القيامة فإن قلت ما وجه زيادته إلى يوم القيامة قلت لأن العلم ينتفع به بعد موت العالم إلى يوم القيامة ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته قال الزمخشري: ففيه دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمته من أجل النعم وأجزل القسم وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا عظيما وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) ضعفه جمع وقال ابن حجر: له طرق وشواهد يعرف بها أن للحديث أصلا اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم والديلمي والحافظ عبد الغني وغيرهم باللفظ المذكور بعضهم من حديث أنس وبعضهم من حديث البراء الحديث: 5705 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 5706 - (العلماء ثلاثة رجل عاش بعلمه وعاش الناس به ورجل عاش الناس به وأهلك نفسه ورجل عاش بعلمه ولم يعش به غيره) فالأول من علم وعلم غيره والثاني من علم فعمل الناس بعلمه ولم يعمل هو بما علم والثالث من عمل بعلمه ولم يعلم غيره (فر عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال الذهبي في الضعفاء: قال النسائي وغيره متروك الحديث: 5706 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 5707 - (العلم) أي الشرعي (أفضل من العبادة) لأن العلم مصحح لغيره مع كونه متعديا فالعبادة مفتقرة له ولا عكس ولأن العلماء ورثة الأنبياء ولا يوصف المتعبد بذلك ولأن العلم تبقى ثمرته بعد صاحبه والعبادة تنقطع بموته ومن ثمة اتفقوا كما في المجموع على أن الاشتغال بالعلم أفضل منه بنحو صلاة وصوم (ملاك) بكسر الميم (الدين) أي قوامه ونظامه (الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثبات الورع بالكف عن التوسع في الأمور الدنيوية المشغلة عن ذكر الله ودوام مراقبته (خط وابن عبد البر في) كتاب (العلم) كلاهما (عن ابن عباس) وفيه معلى بن مهدي قال الذهبي في الذيل: قال أبو حاتم يأتي أحيانا بالمنكر وسوار بن مصعب أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد والدارقطني متروك الحديث الحديث: 5707 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 5708 - (العلم أفضل من العمل) لما تقرر ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة ولأن العابد تابع للعالم مقتد به مقلد له واجب عليه طاعته وفي الغيلانات إذا خلا الزمن عن سلطان ذي كفاءة فالأمور موكولة إلى العلماء ويلزم الأمة الرجوع إليهم ويصيرون ولاة فإن عسر جمعهم على واحد استقل كل قطر بإتباع علمائه فإن كثروا فالمتبع أعلمهم فإن استووا أقرع اه. قال السمهودي: وهذا من حيث انعقاد الولاية الخاصة فلا ينافي وجوب الطاعة العلماء مطلقا فاندفع ما للسبكي هنا وكان الإمام مالك يمتنع من الولايات فيحبس ويعذر ومع ذلك يمتثل أمره وكذا الشافعي فقد روى البيهقي كان الشافعي عطرا وكان به باسور فكان يمسح الاسطوانة التي يجلس عليها بغالية فعمد شخص إلى شاربه فلطخه قذرا وجاء حلقة الشافعي فقال: ما حملك على ذلك قال: رأيت تجبرك فأردت التواضع فأمر باعتقاله حتى انصرف فضربه ثلاثين أو أربعين وقال: هذا بما تخطيت المسجد بالقذر (وخير الأعمال أوساطها) لتوسط الوسط بين طرفين مذمومين [ص: 386] إذ كل خصلة حسنة لها طرفان مذمومان فالسخاء وسط بين البخل والتبذير والشجاعة بين الجبن والتهور وأبعد الجهات والمقادير من كل طرفين وسطهما فإذا كان في الوسط فقد ابتعد عن المذموم بقدر الإمكان (ودين الله تعالى بين القاسي والغالي) يشير إلى أن المتدين ينبغي أن يكون سائسا لنفسه مدبرا لها فإن للنفس نفورا يفضي بها إلى التقصير ووفورا يؤول إلى سرف وقيادها عسر ولها أحوال ثلاثة فحال عدل وإنصاف وحال غلو وإسراف وحال تقصير وإجحاف فالأول أن يختلف قوي النفس من جهتين متقابلتين طاعة مسعدة وشفقة كافة فطاعتها تمنع من التقصير وشفقتها تصد عن السرف وهذه أحمد الأحوال لأن ما منع من التقصير تام وما صد عن السرف مستديم فالنمو إذا استدام فأخلق به أن يستكمل ومن ثم قال الحكماء: طالب العلم وعامل البر كآكل الطعام إن أخذ منه قوتا عصمه وإن أسرف فيه بشمه وربما كانت فيه منيته وأما حال التقصير فبأن تختص النفس بقوة الشفقة وتقدم قوى الطاعة فيدعوها الإشفاق إلى المعصية فيكون خائنا مغبونا (والحسنة بين السيئتين لا ينالها إلا الله) قال أبو عبيد: أراد أن الغلو في العمل سيئة والتقصير عنها سيئة والحسنة كما جاء في خبر في فضل قارئ القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه فالغلو فيه التعمق والجفاء عنه التقصير وكلاهما سيئة (وشر السير الحقحقة) هي المتعب من السير أو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه والقصد بها الإشارة إلى الرفق في العبادة وعدم إجهاد النفس في المشقة فيها وهذا الحديث قد عدوه من الحكم والأمثال (هب عن بعض الصحابة) فيه زيد بن رفيع أورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 5708 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 5709 - (العلم) أي العلم الذي هو أصل علوم الدين أو العلم النافع في الدين فالتعريف للعهد (ثلاثة) أي ثلاثة أقسام (وما سوى ذلك فهو فضل) أي زائد لا ضرورة إلى معرفته قال في المغرب: الفضل الزيادة وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل فضول بلا فضل وطول بلا طول ثم قيل لمن لا يعنيه فضولي (آية محكمة) أي لم تنسخ أو لا خفاء فيها قال الحرالي: وهي التي أبرم حكمها كما يبرم الحبل الذي يتخذ حكمة أي زماما يزم به الشيء الذي يخاف خروجه عن الانضباط كأن الآية المحكمة تحكم النفس عن جولانها وتمنعها عن جماحها وتضطرها إلى محالها وقال الطيبي: المحكمة التي أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه فكانت أم الكتاب أي أصله فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها ولا يتم ذلك إلا للماهر الحاذق في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدمات تفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربية (أو سنة قائمة) أي ثابتة دائمة محافظ عليها معمول بها عملا متصلا من قامت السوق نفقت لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات وينافس فيه المحصلون وإذا عطلت وأضيفت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه ودوامها إما أن يكون لحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والضعيف المتشعب منه أنواع كثيرة وما يتصل بها من المتممات وإما أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان والتيقظ وتفهم معانيها واستنباط العلوم الجمة منها لأن جلها بل كلها من جوامع الكلم التي أوتيها وخص بها هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم (أو فريضة عادلة) أي مساوية للقرآن في وجوب العمل بها وفي كونها صدقا وصوابا ذكره القاضي أو المراد العدل في القسمة أي معدله على سهام الكتاب والسنة بلا جور أو أنها مستنبطة منهما وسميت عادلة لأنها معادلة أي مساوية لما أخذ منها قال الطيبي: ويفقه من هذا أن المراد بقوله وما سوى ذلك هو فضل أن الفضل واحد الفضول الذي لا دخل له في أصل علوم الدين وما استعاذ منه بقول أعوذ بالله من علم لا ينفع (د هـ) في السنة (ك) في الرقاق (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الذهبي في المهذب وتبعه الزركشي: فيه عبد الرحمن بن الفم ضعيف وقال في المنار: [ص: 387] فيه أيضا عبد الرحمن بن رافع التنوخي لم تثبت عدالته بل أحاديثه مناكير اه. وأقول: فيه أيضا عند ابن ماجه وغيره: رشد ابن سعد ومن ثم قال ابن رجب: الحديث فيه ضعف مشهور الحديث: 5709 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 5710 - (العلم ثلاثة كتاب ناطق) أي مبين واضح (وسنة ماضية) أي جارية مستمرة ظاهرة (ولا أدري) أي قول المجيب لمن سأله عن مسألة لا يعلم حكمها لا أدري قال ابن عطاء الله: من علامة جهل السالك بطريق علم الظاهر أو الباطن أن يجيب عن كل ما يسأل عنه ويعبر عن كل ما شهد ويذكر كل ما علم لدلالته على أنه لم يكن بالله ولا لله بل لنفسه إذ النفس مع العقل والتمييز ومن طلب الحق بالعقل ضل وكان دليلا على جهله اه. وقال الماوردي: ليس بمتناه في العلم إلا ويجد من هو أعظم منه بشيء إذ العلم أكثر من أن يحيط به بشر وقيل لحكيم: من يعرف كل العلم قال: كل الناس وقال الشعبي: ما رأيت مثلي ولا أشاء أن ألقي رجلا أعلم مني إلا لقيته وهذا لم يقله تفضيلا لنفسه بل تعظيما للعلم أن يحاط به وكلما يجد بالعلم معجبا وبما أدركه منه مفتخرا إلا من كان فيه مقلا مقصرا لأنه يجهل قدره ويظن أنه نال بالدخول أكثر من غيره وأما من كان فيه متوجها ومنه مستكثرا فهو يعلم من بعد غايته والعجز عن إدراك نهايته ما يصده عن العجب به وقالوا: العلم ثلاثة أشبار فمن نال منه شبرا شمخ بأنفه وظن أنه هو ومن نال منه الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه ما ناله وأما الثالث فهيهات لا يناله أحد قال أعني الماوردي: ومما أنذرك من حالي أني صنفت في البيوع كتابا جمعت له ما استطعت من كتب الناس وأجهدت فيه نفسي وكدرت فيه خاطري حتى تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصورت أني أشد الناس اضطلاعا بعلمه فحضرني أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه بالبادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لشيء منها جوابا فأطرقت مفكرا ولحالي معتبرا فقالا: ما عندك له جواب وأنت زعيم هذه الطائفة قلت: لا فقالا: أيها لك وانصرفا فسألا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي فسألاه فأجابهما مسرعا فانصرفا راضيين بجوابه حامدين لعلمه فبقيت مرتبكا فكان ذلك زاجر نصيحة وتدبر عظمة اه. وأخذ من الحديث أن على العالم إذا سئل عما لا يعلمه أن يقول لا أدري أو لا أحققه أو لا أعلمه أو الله أعلم وقول المسؤول لا أعلم لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة لأن العالم المتمكن لا يضر جهله ببعض المسائل بل يرفعه قوله لا أدري لأنه دليل على عظيم محله وقوة دينه وتقوى ربه وطهارة قلبه وكمال معرفته وحسن نيته وإنما يأنف من ذلك من ضعفت ديانته وقلت معرفته لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين ولا يخاف من سقوطه من نظر رب العالمين وهذه جهالة ورقة دين ومن ثم نقل لا أدري ولا أعلم عن الأئمة الأربعة والخلفاء الأربعة بل عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وجبريل عليهما السلام كما مر في حديث خير البقاع المساجد وفي مسند الدارمي موصولا من عدة طرق أن عليا كرم الله وجهه سئل عن مسألة فقال: لا علم لي بها ثم قال: وأبردها على كبدي سئلت عما لا علم لي به فقلت لا أعلم وفيه أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فقال: لا علم لي بها فولى الرجل فقال ابن عمر: نعم ما قال ابن عمر وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه عن خالد بن أسلم خرجنا نمشي مع ابن عمر فلحقنا أعرابي فسأله عن إرث العمة فقال: لا أدري قال: أنت ابن عمر ولا تدري قال: نعم اذهب إلى العلماء فلما أدبر قبل ابن عمر يديه وقال: نعم ما قلت وأخرج البخاري عن ابن مسعود من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من علم الرجل أن يقول لما لا يعلم الله أعلم ورواه الدارمي بلفظ إذا سئل العالم عما لا يعلم قال: الله أعلم وأخرج الهروي عن ابن مسعود إذا سئل أحدكم عما لا يدري فليقل لا أدري فإنه ثلث العلم وأخرج الحازمي في سلسلة الذهب عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عجلان: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيب في مقاتله والأخبار والآثار في هذا كثيرة وإنما أطلت بإيراد هذه النبذة لما تطابق عليه فقهاء زماننا من التحاشي عن ذلك والمبادرة إلى الجواب باللسان والقلم كيف كان (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن الديلمي رواه مرفوعا وهو ذهول بل صرح في الفردوس بعدم [ص: 388] رفعه ورواه عنه أبو نعيم أيضا والطبراني في الأوسط والخطيب في رواة مالك والدارقطني في غرائب مالك موقوفا قال الحافظ ابن حجر: والموقوف حسن الإسناد الحديث: 5710 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 5711 - (العلم حياة الإسلام) أي لأن الإسلام لا تعلم حقيقته وشروطه وآدابه إلا به (وعماد الدين) أي معتمده ومقصوده الأعظم (ومن علم علما أتم) بمثناة فوقية بخط المصنف وفي خبر يأتي أنمى (الله له أجره) بالنون ومعنى أتم أكمل ففي المصباح تم الشيء يتم تكملت أجزاؤه أنمى زاد (ومن تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم) أي العلم اللدني الذي هو موهبة من الله يدرك به العبد ما للنفس من الحظوظ والفرض وما للحق من الحقوق والمفترض فيترك ما لها من الحظوظ ويقوم بما للحق من الحقوق وهو معنى قول البعض أراد به إلهامه علم ما لم يتعلم من مزيد معرفة الله وخدع النفس والشيطان وغرور الدنيا وآفات العمل من نحو عجب ورياء وكبر ورياضة النفس وتهذيبها وتحمل الصبر على مر القضاء والشكر على النعماء والثقة بما وعد والتوكل عليه وتحمل أذى الخلق وقد ثبت أن دقائق علوم الصوفية منح إلهية ومواهب اختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب فلزم مراعاة وجه تحصيل ذلك وهو ثلاث: الأول العمل بما علم على قدر الاستطاعة. الثاني اللجأ إلى الله على قدر الهمة. الثالث إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأهل السنة ليحصل الفهم وينتفي الخطأ ويتيسر الفتح وقد أشار لذلك الجنيد بقوله: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمراء والجدال بل عن الجوع والسهر ولزوم الأعمال. قال الغزالي: من انكشف له ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفا بصحة الطريق ومن لم ير ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جدا ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والوقائع فكل حكم يظهر في القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام وقال حجة الإسلام: يتعين أن يكون أكثر الاهتمام بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة فإن المجاهدة تفضي إلى المشاهدة فجاهد تشاهد دقائق علم القلوب وتنفجر منها ينابيع الحكمة من القلب أما الكتب في التعليم فلا تفي بذلك بل الحكمة الخارجة عن الحصر الخارجة عن الحصر والحد إنما تنفتح بالمجاهدة قال: وكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعلم ومتوفر على العمل ومراقبة القلب فتح الله له من لطائف الحكم ما تحار فيه عقول ذوي الألباب فلذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من تعلم فعمل إلخ وفي بعض الكتب السالفة يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من ينزله ولا في تخوم الأرض من يصعد به ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به العلم محصور في قلوبكم تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين وتخلقوا بأخلاق الصديقين أظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم ويعمركم انتهى. وقال الإمام مالك: علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر فمتى علم الظاهر وعمل به فتح الله عليه علم الباطن ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره وقال: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذفه الله في القلب يشير إلى علم الباطن (تتمة) قال يحيى بن معاذ: التقى ابن أبي الحواري وأحمد بن حنبل فقال أحمد حدثنا بحكاية سمعتها من أستاذك الداراني فقال يا أحمد قل سبحان الله وطولها بلا عجب قال سبحان الله وطولها بلا عجب قال سمعته يقول إذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما فقام أحمد وقعد ثلاثا وقال سمعت في الإسلام بحكاية أعجب من هذه ثم ذكر حديث من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم. قال التونسي: اجتمع العارف علي وفا والإمام البلقيني فتكلم علي معه بعلوم بهرت عقله فقال البلقيني: من أين لك هذا يا علي قال: من قوله تعالى {اتقوا الله ويعلمكم الله} فأسكت (أبو الشيخ [ابن حبان] ) [ص: 389] ابن حبان (عن ابن عباس) الحديث: 5711 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 5712 - (العلم خزائن ومفاتحها السؤال) قال الماوردي: حكي أن بعض الحكماء رأى شيخا يحب النظر في العلم ويستحي من السؤال فقال: يا هذا تستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله (فسلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة) من الأنفس (السائل والمعلم والمستمع والمحب لهم) لا يعارضه خبر النهي عن السؤال لما سبق أن المراد به سؤال تعنت أو امتحان أو عما لا يحتاج إليه ونحو ذلك (حل) وكذا العسكري (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: ضعيف أي وذلك لأن فيه داود بن سليمان الجرجاني الغازي كذبه ابن معين ولم يعرفه أبو حاتم قال في اللسان كأصله: وبكل حال هو شيخ كذاب له نسخة موضوعة عن علي بن موسى الرضي ثم ساق له عدة أخبار هذا منها الحديث: 5712 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 5713 - (العلم خليل المؤمن) لأنه لا نجاة ولا فوز إلا به فكأنه خالل المؤمن بمحبته ومودته يطلبه عند غيبته ويتمسك به عند وجوده ويستضيء بنوره عند جهله (والعقل دليله) فإنه عقال لطبعه أن يجري بعجلته وجهله لتقدم العقل بين يدي كل أمر من فعل وترك مسترشدا به في عاقبته استضاءة بنوره (والعمل قيمه) وفي رواية قائده أي العمل بمقتضى العلم والعقل شكرا لنعمتهما خوف ذهاب العلم أو تركه إذ العلم يقود المؤمن إلى كل خير (والحلم وزيره) فإن الوزير المعين المحتمل الأثقال فيستعين المؤمن على متابعة العلم بالحلم ولهذا روى ما ضم شيء لشيء أحسن من حلم إلى علم (والصبر أمير جنوده) جعل ما تقدم وتأخر جنودا وأميرها الصبر لا يعمل كل منهما فيما أهل له إلا به لأنه عجلة النفس وخفتها تفسد كل خلق حسن ما لم يتقدم الصبر أمامها (والرفق والده) فإن الرفق في المعونة والمساهلة كالوالد للمؤمن لا يصدر في أمر إلا بمراجعته وطاعته رجاء بركته (واللين أخوه) لا ينفصل ولا يستقل دونه (هب عن الحسن) البصري (مرسلا) قضية صنيع المصنف أنه لا علة فيه سوى الإرسال وليس كذلك بل هو مع إرساله ضعيف إذ فيه سوار بن عبد الله العنبري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال الثوري ليس بشيء وعبد الرحمن بن عثمان أبو بحر البكراوي قال أحمد: طرح الناس حديثه قال الحافظ العراقي: ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أنس وكذا الديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية عن أنس بسند ضعيف والقضاعي في مسند الشهاب عن أبي الدرداء أو أبي هريرة وكلاهما ضعيف اه. وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رواية إرساله تقصير أو قصور الحديث: 5713 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 5714 - (العلم خير من العبادة) لأنه أسها وعمادها إذ هي مع الجهل فاسدة قال ابن عطاء الله: والمراد بالعلم في هذه الأخبار النافع المخمد للهوى القامع الذي تكتنفه الخشية ويكون معه الخوف والإنابة أما علم معه الرغبة في الدنيا والتملق لأبنائها وصرف الهمة لاكتسابها والجمع في الادخار والمباهاة والاستكثار وطول الأمل فما أبعده من ذلك (وملاك الدين الورع) كما سبق (ابن عبد البر) في العلم (عن أبي هريرة) ورواه الديلمي عن عبادة الحديث: 5714 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 5715 - (العلم خير من العمل) لأن العلم وظيفة القلب وهو أشرف الأعضاء والعمل وظيفة الجوارح الظاهرة ولا يكون [ص: 390] العمل مقصودا إلا به والقصد صادر عن القلب فالعلم مقدم على العمل شرفا وحالا إذ الشيء يعلم أولا ثم يعمل به (وملاك الدين الورع والعالم من يعمل) ومن لا يعمل فهو والجاهل سواء بل الجاهل خير منه لأن علمه حجة عليه فأس طريق العلم ونتيجته العمل وفائدة العلم إنما هي العمل به لأن العلم بلا عمل عاطل والعمل بغير علم باطل إذ لا يصح العمل إلا بمعرفة كيفيته ولا تظهر فائدة العلم إلا بالعمل به على مقتضى السنة قال بعض العارفين: بالعلم يصح العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة توفق للزهد وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا ترغب في الآخرة وبالرغبة فيها تنال رضا الله تعالى (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عبادة) بن الصامت ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5715 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 5716 - (العلم دين) قال الطيبي: التعريف فيه للعهد وهو ما جاء به الرسول لتعليمه الخلق من الكتاب والسنة وهما أصول الدين (والصلاة دين فانظروا عمن تأخذون هذا العلم) قال الطيبي: المأخوذ عنه العدول الثقات المتقون كما بينه قوله في الحديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وعمن صلة تأخذون على تضمين معنى تؤدون وضمن انظروا معنى العلم (وكيف تصلون هذه الصلوات فإنكم تسألون) أي عن العلم والصلاة (يوم القيامة) يشير به إلى أن العلم ينبغي أن لا يؤخذ إلا عمن عرفت عالميته واشتهرت ديانته فلا يتلقاه عن جاهل فيضله ولا عن فاسق فيغويه (فر عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5716 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 5717 - (العلم علمان فعلم) ثابت (في القلب) وهو ما أورث الخشية وأبعد عن الكبائر الظاهرة والباطنة (فذلك) هو العلم (النافع) لصاحبه (وعلم على اللسان) ولا قرار له لأنه شرارة من شرار الإيمان (فذلك حجة الله على ابن آدم) قال الطيبي: الفاء في فعلم تفصيلية وفي فذلك سببية من باب قوله خولان فأنكح أي هؤلاء الذين اشتهرت نساؤهم بالرغبة فيهما فأنكح منهم فكذلك قوله علم في القلب دل على كونه مرغوبا فيه فرتب عليه ما بعده وفي عكسه قوله فذلك حجة الله فإن صاحب العلم اللساني الذي لم يتأثر منه فإنه محجوج عليه ويقال له {لم تقولون ما لا تفعلون} ويمكن حمل الحديث على علمي الظاهر والباطن قال أبو طالب: علم الباطن وعلم الظاهر أصلان لا يستغني أحدهما عن صاحبه بمنزلة الإسلام والإيمان مرتبط كل منهما بالآخر كالجسم والقلب لا ينفك أحدهما من صاحبه وقيل علم الباطن يخرج من القلب وعلم الظاهر يخرج من اللسان فلا يجاوز الآذان وهذا لا ينصرف إليه اسم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء إذ هم العلماء العاملون الأبرار المتقون الذين آل إليهم العلم الموروث بالصفة التي كان عليها عند المورث لا من علمه حجة عليه وقد منعه سوء ما لديه من خبث نيته وسوء طويته واتباع شهوته أن يلج نور العلم قلبه ويخالط لبه {فأوردهم النار وبئس الورد المورود} قال بعضهم: وهذه صفة علماء زماننا تجدهم يجتهدون في تحسين الهيئة والثياب الفاخرة والمراكب السنية فإذا نظر إلى باطن أحدهم وجد خوف الرزق على قلبه كالخيال يكاد يموت من همه وخوف الخلق وخوف سقوط المنزلة من قلوبهم والفرح بمدحهم والثناء عليه وحب الرئاسة وطلب العلو والتبصبص للظلمة والأغنياء واحتقار الفقراء والأنفة من الفقر والاستكبار في موضع الحق والحقد على أخيه المسلم والعداوة والبغضاء وترك الحق مخافة الذل والقول بالهوى والحمية والرغبة في الدنيا والحرص عليها والشح والبخل وطول الأمل والأشر والبطر والغل والغش والمباهاة والرياء والسمعة والاشتغال بعيوب الخلق والمداهنة والإعجاب بالنفس والتزيين للمخلوق والصلف والتجبر وعزة النفس والقسوة والفظاظة والغلظة وسوء الخلق وضيق الصدر والفرح بالدنيا والحزن على فوتها وترك القنع والمراء والجفاء والطيش والعجلة والحدة وقلة الرحمة والاتكال على الطاعة وأمن سلب ما أعطى وفضول الكلام والشهوة [ص: 391] الخفية وطلب العز والجاه واتخاذ الإخوان في العلانية على عداوة في السر والغضب إذا رد عليه قوله والتماس المغالبة لغير الله والانتصار للنفس والأنس بالخلق والوحشة من الحق والغيبة والحسد والنميمة والجور والعدوان فهذه كلها مزابل قد انضمت عليها طوية صدورهم وظاهرهم صوم وصلاة وزهد وأنواع أعمال البر فإذا انكشف الغطاء بين يدي الله عن هذه الأمور كان كمزبلة فيها أنواع الأقذار غشيت بالذبائح فأنتنت فهذا عالم مرائي مداهن يتصنع عند شهواته فلم يقدر أن يخلص عمله ونفسه مقيدة بنار الشهوة وقلبه مشحون بهوى نفسه وهذه كلها عيوب والعبد إذا كثرت عيوبه انحطت قيمته (ش والحكيم) الترمذي وابن عبد البر (عن الحسن) البصري (مرسلا) قال المنذري: إسناده صحيح وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح (خط عنه) أي الحسن (عن جابر) مرفوعا قال المنذري: إسناده صحيح قال الحافظ العراقي: وسند جيد وإعلال ابن الجوزي له وهم وقال السمهودي: إسناده حسن ورواه أبو نعيم والديلمي عن أنس مرفوعا الحديث: 5717 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 5718 - (العلم في قريش) القبيلة المشهورة وناهيك بالشافعي منهم (والأمانة في الأنصار) الأوس والخزرج والظاهر أن المراد الأمانة العلمية والمالية وغيرهما (طب) وكذا في الأوسط (عن) عبيد الله بن الحارث (ابن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي الزبيدي قال الهيثمي: إسناد حسن الحديث: 5718 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 5719 - (العلم ميراثي وميراث الأنبياء قبلي) يعني أن جميع الأنبياء لم يورثوا شيئا من الدنيا لعدم صرفهم هممهم إلى اكتسابها وإعراضهم عن الجمع والادخار واشتغالهم بما يوصل إلى دار القرار لكن لا ينتقل الشيء إلى الوارث إلا بالصفة التي كان عليها عند المورث كما سبق قال الغزالي: لا يكون العالم وارثا نبيه إلا إذا اطلع على جميع معاني الشريعة حتى لا يكون بينه وبينه إلا درجة النبوة وهي الفارقة بين الوارث والموروث إذ المورث هو الذي حصل المال له واشتغل بتحصيله واقتدر عليه والوارث هو الذي لم يحصله لكن انتقل إليه وتلقاه عنه اه. ثم ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تتمته عند مخرجه الديلمي فمن كان يرثني فهو معي في الجنة اه. بنصه فإثبات المصنف بعضا وحذف بعض لا ينبغي (فر عن أم هانئ) وفيه إسماعيل بن عبد الملك قال الذهبي: قال النسائي غير قوي ورواه عنه أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه له كان أولى الحديث: 5719 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 5720 - (العلم والمال يستران كل عيب والجهل والفقر يكشفان كل عيب) أراد بالعلم الذي يستر كل عيب النافع الذي يصحبه العمل قال ابن عطاء الله: مثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين أو خمسين سنة يتعلم ولا يعمل كمن قعد هذه المدة يتطهر ولم يصل صلاة واحدة إذ مقصود العلم العمل كما أن القصد بالطهارة وجود الصلاة ثم إن المال وإن كان يستر العيب لكن لا نسبة بينه وبين ستر العلم لأن ذلك أتم وأكمل وقلما يجتمع العلم والمال قال الماوردي: قيل لبعض الحكماء: لم لا يجتمع العلم والمال قال: لعزة الكمال (فر) من وراية الخليفة الرشيد عن أبيه عن جده عن علي بن عبد الله بن عباس (عن ابن عباس) وفي رجاله من هو متكلم فيه الحديث: 5720 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 5721 - (العلم لا يحل منعه) أي عن مستحقه فمن منعه عنه ألجم بلجام من نار يوم القيامة كما في عدة أخبار قال البغدادي: المراد [ص: 392] علم الدين المفترض طلبه على كافة المسلمين دون غيره فإن الجهل بالدين مهلك والعلم طريق نجاته فإذا أشفى على الهلاك بجهله وطلب ما يخلصه وجب كما يجب حفظ مهجته من هلاك حسي (فر عن أبي هريرة) وفيه يزيد بن عياض قال النسائي وغيره: متروك ذكره الذهبي الحديث: 5721 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 5722 - (العم والد) أي هو نازل منزلته في وجوب الاحترام والإعظام لتفرعهما عن أصل واحد وهذا خرج مخرج الزجر عن عقوقه (ص عن عبد الله الوراق مرسلا) الحديث: 5722 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 5723 - (العمائم تيجان العرب) أي فيها عز وجمال وهيبة ووقار كتيجان الملوك يتميزون بها عن غيرهم وما سواها من القلانس ليس إلا للعجم وأهل الخفة من الأتراك أي هي لهم بمنزلة التيجان للملوك وكانت العمائم إذ ذاك خاصة بالعرب (والاحتباء حيطانها وجلوس المؤمن في المسجد رباطه) (القضاعي) في مسند الشهاب (فر عن علي) أمير المؤمنين قال العامري: غريب وقال السخاوي: سنده ضعيف أي وذلك لأن فيه حنظلة السدوسي قال الذهبي: تركه القطان وضعفه النسائي ورواه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل كان أولى الحديث: 5723 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 5724 - (العمائم تيجان العرب) أطلق عليها تيجان لكونها قائمة مقامها (فإذا وضعوا العمائم وضعوا عزهم) لفظ رواية الديلمي فيما وقفت عليه من نسخ قديمة مصححة بخط ابن حجر وغيره فإذا وضعوا العمائم وضع الله عزهم ثم خرج من طريق آخر العمائم وقار للمؤمنين وعز للعرب فإذا وضعت العرب عمائمها فقد خلعت عزتها اه. وعمم المصطفى صلى الله عليه وسلم عليا بيده وذنبها من ورائه وبين يديه وقال: هذه تيجان الملائكة (فر عن ابن عباس) وفيه عتاب بن حرب قال الذهبي: قال العلائي: ضعيف جدا ومن ثم جزم السخاوي بضعف سنده ورواه عنه أيضا ابن السني قال الزين العراقي: وفيه عبد الله بن حميد ضعيف الحديث: 5724 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 5725 - (العمامة على القلنسوة) أي لفها عليها (فصل) أي (قطع ما بيننا وبين المشركين) في المصباح فصلته عن غيره أو نحيته قطعته ومنه فصل الخصومات وهو الحكم بقطعها (يعطي يوم القيامة بكل كورة يدورها على رأسه نورا) في المصباح كار العمامة أدارها على رأسه وكورها بالتشديد مبالغة ومنه كورت الشيء إذا لففته على هيئة الاستدارة وفي هذا وما قبله ندب العمامة بقصد التجمل ونحوه وأنه يحصل السنة بكونها على الرأس أو نحو قلنسوة تحتها وأن الأفضل كورها وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة في زمانه ومكانه فإن زاد على ذلك كره (الباوردي عن ركانة) بضم الراء وتخفيف الكاف بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي من مسلمة الفتح ثم نزل المدينة وليس له غير هذا الحديث كما في التقريب كأصله الحديث: 5725 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 5726 - (العمد قود والخطأ دية) (طب عن ابن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي بن يزيد بن لوذان الأنصاري من عمال المصطفى صلى الله عليه وسلم على نجران قال الهيثمي: وفيه عمران بن أبي الفضل وهو ضعيف الحديث: 5726 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 [ص: 393] 5727 - (العمرى) اسم من أعمرتك الشيء أي جعلته لك مدة عمرك (جائزة) صحيحة ماضية لمن أعمر له ولورثته من بعده وقيل جائزة أي عطية (لأهلها) أي يملكها الآخذ ملكا تاما بالقبض كسائر الهبات ولا ترجع للأول عند الشافعي وأبي حنيفة وجعلها مالك إباحة منافع (حم ق ن عن جابر) بن عبد الله (حم ق د ن عن أبي هريرة حم د ت عن سمرة) ابن جندب (عن زيد بن ثابت وابن عباس) الحديث: 5727 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 5728 - (العمرى) بضم العين المهملة وسكون الميم والقصر مأخوذة من العمر (ميراث لأهلها) أي ميراث لمن وهبت له سواء أطلقت أو قيدت بعمر الآخذ أو ورثه أو المعطى بدليل قوله في الحديث الذي بعده لمن وهبت له وبهذا أخذ الشافعي وأبو حنيفة. وقال مالك: هي ميراث للواهب فترجع له أو لورثته بعد موت الآخذ لأنه إنما وهب المنفعة دون الرقبة والمؤمنون عند شروطهم (م) في الفرائض (عن جابر) بن عبد الله (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5728 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 5729 - (العمرى لمن وهبت له) هذا كما ترى نص صريح فيما ذهب إليه الإمامان الشافعي وأبو حنيفة من عدم رجوعها للمعمر عقبه مطلقا لأنه إنما وهب الرقبة وحمله المالكية على المنافع وقالوا: هي تمليك منفعة الشيء مدة حياة الآخذ بغير عوض (م د ن عن جابر) بن عبد الله الحديث: 5729 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 5730 - (العمرى جائزة لأهلها) أي هي عطية جائزة لمن وهبت له لأنها من البر والمعروف ذكره القرطبي والمراد بالجواز الأعم لا الأخص لأن الأعم يشمل المندوب والواجب وهي مندوبة لما تقرر (والرقبى) بوزن العمرى مأخوذة من الرقوب لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه وكانا عقدين في الجاهلية (جائزة لأهلها) فهما سواء عند الجمهور ولا يناقضه خبر: لا تعمروا ولا ترقبوا لأن النهي فيه إرشادي معناه لا تهبوا أموالكم مدة ثم تأخذونها بل إذا وهبتم شيئا زال عنكم ولا يعود إليكم هبة بلفظ هبة أو عمرى أو رقبى (4 عن جابر) بن عبد الله الحديث: 5730 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 5731 - (العمرى جائزة) قال القاضي: قوله جائزة أي نافذة ماضية لمن أعمر له وقيل عطية (لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها) قال القاضي: العمري اسم من أعمرتك الشيء أي جعلته لك مدة عمرك وهي جائزة تملك بالقبض كسائر الهبات وتورث عنه كسائر أمواله سواء أطبق أو أردف بأنه لعقبه أو ورثته بعده وذهب جمع إلى أنه لو أطلق لم تورث عنه بل تعود بموته إلى المعمر وتكون تمليكا للمنفعة له مدة عمره دون الرقبة وهو قول مالك (والعائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد مسلم في روايته فيأكله. قال همام: قال قتادة ولا ألم القيء إلا حراما أي كما بقبح أن يقيء ثم يأكل يقبح أن يعمر أو يرقب ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه (حم ن عن أبن عباس) الحديث: 5731 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 5732 - (العمرى والرقبى سبيلهما سبيل الميراث) ينتقل بموت الأخذ لورثته لا إلى المعمر والمرقب وورثتهما خلافا لمالك [ص: 394] قال النوري: قال أصحابنا للعمرى ثلاثة أحوال: أحدها أن يقول أعمرتك الدار فإذا مت فلورثتك أو عقبك فتصح اتفاقا ويملك رقبة الدار وهي هبة فإذا مات فلورثته وإلا فلبيت المال ولا يعود للواهب بحال. الثاني أن يقتصر على جعلتها لك عمرك ولا يتعرض لغيره والأصح صحته. الثالث أن يزيد فيقول فإن مت عادت لورثتي فيصح ويلغو الشرط (طب عن زيد بن ثابت) ورواه عنه ابن حبان باللفظ المذكور ما عدا الرقبى الحديث: 5732 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 5733 - (العمرة إلى العمرة) أي العمرة حال كون الزمن بعدها ينتهي إلى العمرة فإلى للانتهاء على أصلها قيل ويحتمل كونها بمعنى مع (كفارة لما بينهما) من الصغائر وظاهر الحديث على الأول أن المكفر هو العمرة الأولى لتقييدها بما قدرناه وعلى الثاني أنهما معا واستشكل كون العمرة كفارة لها مع أن تجنب الكبائر يكفرها وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير التجنب عام لجميع عمر العبد. قال في المطامح: نبه بهذا الحديث على فضل العمرة الموصولة بعمرة اه. وفيه رد على مالك حيث كره أن يعتمر في السنة غير مرة (والحج المبرور) أي الذي لا يخالطه إثم أو المقبول أو ما لا رياء فيه ولا فسوق (ليس له جزاء إلا الجنة) أي لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة. قال في المطامح: وقضية جعله العمرة مكفرة والحج جزاؤه الجنة أنه أكمل (مالك حم ق 4) في الحج (عن أبي هريرة) هذا تصريح بأن الجماعة كلهم رووه لكن استثنى المناوي أبا داود الحديث: 5733 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 5734 - (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا) أي الصغائر (والحج المبرور) أي الذي لا يشوبه إثم أو المقبول المقابل بالبر وهو الثواب (ليس له جزاء إلا الجنة) قال ابن القيم: فيه دليل على التفريق بين الحج والعمرة في التكرار إذ لو كانت العمرة كالحج لا يفعله في السنة إلا مرة لسوى بينهما ولم يفرق (حم عن عامر بن ربيعة) بن كعب بن مالك العنبري بسكون النون حليف آل الخطاب صحابي بدري مشهور. قال الهيثمي: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف الحديث: 5734 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 5735 - (العمرتان تكفران ما بينهما) من الذنوب الصغائر ما اجتنبت الكبائر (والحج المبرور) أي المقبول (ليس له جزاء إلا الجنة) أي دخولها مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب (وما سبح الحاج من تسبيحة ولا هلل من تهليلة ولا كبر من تكبيرة إلا يبشر بها تبشيرة) أي ما قال سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر إلا بشره الله أو ملائكته بأمره بكل واحدة من الثلاث ببشارة أي بحصول شيء يسره (هب عن أبي هريرة) فيه من لم أعرفهم ولم أرهم في كتب الرجال الحديث: 5735 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 5736 - (العمرة في الحج بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة الزكاة من الصيام) فيه إشارة إلى وجوب العمرة فلا يكفي الحج عن العمرة ولا عكسه (فر عن ابن عباس) وفيه إسماعيل بن أبي زياد وهم ثلاثة قد رمي كل منهم بالكذب وجويبر قال الذهبي: قال الدارقطني متروك الحديث: 5736 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 [ص: 395] 5737 - (العنبر ليس بركاز) فلا زكاة فيه خلافا للحسن لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى ركازا لغة ولا عرفا (بل هو لمن وجده) وهو شيء يقذفه البحر بالساحل أو نبات يخلقه الله في قعره وجنباته أو نبع عين فيه أو شجر ينبت في البحر فينكسر فيلقيه الموج إلى الساحل أو روث دابة بحرية أو غير ذلك. قال ابن القيم: وهو أفخر أنواع الطيب بعد المسك وخطأ من قدمه عليه وضروبه كثيرة وألوانه شتى أبيض وأشهب وأحمر وأصفر وأخضر وأزرق وأسود وهو الأجود ومن منافعه أن يقوي القلب والحواس والدماغ (ابن النجار) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 5737 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 5738 - (العنكبوت شيطان فاقتلوه) هو دويبة تنسج في الهواء جمعه عناكب وننظر بين هذا وبين قوله في الخبر المار جزى الله العنكبوت عنا خيرا الحديث وقد يقال ذاك في معينة نسجت على باب الغار وأما هذا ففي الجنس بأسره (د في مراسيله) عن ابن الصيفي عن بقية عن الوضين بن عطاء (عن يزيد بن مرشد) أبي عثمان الهمداني الصنعاني من صنعاء دمشق تابعي يرسل كثيرا (مرسلا) الحديث: 5738 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 5739 - (العنكبوت شيطان) كان امرأة سحرت زوجها كما في خبر الديلمي فلأجل ذلك (مسخه الله تعالى فاقتلوه) ندبا وروى الثعلبي عن علي طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر (عد عن ابن عمر) بن الخطاب قضية تصرف المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مسلمة بن علي الخشني وقال: عامة حديثه غير محفوظ وفي الميزان هو شامي واه تركوه وقال أبو حاتم: لا يشتغل به والنسائي: متروك والبخاري: منكر الحديث الحديث: 5739 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 5740 - (العهد الذي بيننا وبينهم) يعني المنافقين هو (الصلاة) بمعنى أنها موجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهد (فمن تركها فقد كفر) أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار فنقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له. قال في الكشاف: والعهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وقال القاضي: الضمير الغائب للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم وحقن دمائهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه والمعنى أن العمدة في إجراء الأحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلواتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة فإذا تركوها كانوا وسائر الكفار سواء قال التوربشتي: ويؤيد هذا المعنى قوله عليه السلام لما استؤذن في قتل المنافقين إني نهيت عن قتل المصلين قال الطيبي: ويمكن أن يكون الضمير عاما فيمن تابع النبي بالإسلام سواء كان منافقا أم لا (حم ت ن حب ك) من حديث الحسين بن واقد (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح ولا علة له واحتج مسلم بالحسين وقال العراقي في أماليه: حديث صحيح وظاهر كلام المصنف أنه لم يروه من الأربعة إلا ذينك وليس كذلك بل رووه جميعا الحديث: 5740 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 5741 - (العيافة) بالكسر زجر الطير (والطيرة) أي التشاؤم بأسماء الطيور وأصواتها وألوانها وجهة سيرها عند تنفيرها كما يتفاءل بالعقاب على العقوبة وبالغراب على الغربة وبالهدهد على الهدى وكما ينظر إن طار إلى جهة اليمين تيمن أو اليسار تشاءم (والطرق) الضرب بالحصى والخط بالرمل (من الجبت) أي من أعمال السحر فكما أن السحر حرام فكذا هذه الأشياء أو مماثل عبادة الجبت في الحرمة قال القاضي: والجبت في الأصل الفشل الذي لا خير فيه وقيل أصله جبس فأبدلت السين تاءا تنبيها على مبالغته في الفشولة ثم استعير لما يعبد من دون الله وللساحر والسحر [ص: 396] ولخساستها وعدم اعتبارها وقد فسر في الحديث عن كل واحد منهما ولا بد من إضمار في الأولين مثل إنه مما يماثل عبادة الجبت أو من قبيلها أو من أعمال الجبت أي السحر انتهى (د) في الطب (عن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة بن برمة بضم الموحدة وسكون الراء الأسدي قال في التقريب كأصله: مختلف في صحبته ورواه عنه النسائي أيضا في التفسير وقال النووي بعد عزوه لأبي داود: إسناده حسن الحديث: 5741 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 5742 - (العيادة) بمثناة تحتية أي زيارة المريض (فواق) بالضم والتخفيف وفيه ندب تخفيف الزيارة فلا يطيل القعود عند المريض لشغله بالمرض وقد تعرض له حاجة (ناقة) أي قدر الزمن الذي بين حلبتي الناقة وقال الطيبي: فواق خبر المبتدأ أي زمن العيادة قدر فواق ناقة (هب عن أنس) ورواه عنه الديلمي بلا سند الحديث: 5742 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 5743 - (العيدان) عيد الأضحى وعيد الفطر (واجبان على كل حالم) أي محتلم (من ذكر أو أنثى) يعني صلاته واجبة على كل من بلغ من الرجال والنساء والمراد أن ذلك متأكد الندب بحيث يقرب من الوجوب (فر عن ابن عباس) وفيه عمرو بن شمس قال الذهبي: تركوه الحديث: 5743 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 5744 - (العين حق) يعني الضرر الحاصل عنها وجودي أكثري لا ينكره إلا معاند وقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد وتدخل البستان فتضر بكثير من العروش بغير مس والصحيح ينظر إلى الأرمد فقد يرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو وقد ذكروا أن جنسا من الأفاعي إذا وقع بصره على الإنسان هلك وحينئذ فالعين قد تكون من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون وقد أجرى الله عادته بوجود كثير من القوى والخواص والأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيحدث في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وذلك بواسطة ما خلق الله في الأرواح من التأثيرات ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة إنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية بغير اتصال ومنها ما يؤثر بالمقابلة ومنها ما يؤثر بتوجه الروح كالحادث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله ومنها ما يقع بالتوهم والتخييل فالخارج من عين العائن سهم معيون إن صادف البدن ولا وقاية لأثر فيه وإلا فلا كالسهم الحسي وقد يرجع على العائن (حم ق د ن عن أبي هريرة عن عامر بن ربيعة) الحديث: 5744 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 5745 - (العين حق) أي الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه (تستنزل الحالق) أي الجبل العالي قال الحكماء: والعائن يبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعان فيهلك أو يهلك نفسه قال: ولا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعين وتخلل مسام بدنه فيخلق الله الهلاك عندها كما يخلقه عند شرب السم وهو بالحقيقة فعل الله قال المازري: وهذا ليس على القطع بل جائز أن يكون وأمر العين مجرب محسوس لا ينكره إلا معاند (حم طب ك) في الطب (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي عقب عزوه لأحمد والطبراني: فيه دويد البصري قال أبو حاتم لين وبقية رجاله ثقات الحديث: 5745 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 5746 - (العين) أي الإصابة بالعين (حق) أي كائن مقضي به في الوضع الإلهي لا شبهة في تأثيره في النفوس والأموال [ص: 397] قال القرطبي: هذا قول عامة الأمة ومذهب أهل السنة وأنكره قوم مبتدعة وهم محجوجون بما يشاهد منه في الوجود فكم من رجل أدخلته العين القبر وكم من جمل أدخلته القدر لكن بمشيئة الله تعالى ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل فتمسك باستبعاد لا أصل له فإنا نشاهد من خواص الأحجار وتأثير السحر ما يقضي منه العجب وتحقق أن ذلك فعل مسبب كل سبب (ولو كان شيء سابق القدر) بالتحريك أي لو أمكن أن يسبق شيء القدر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر له (لسبقته) أي القدر (العين) لكنها لا تسبق القدر فإنه تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة فإنهم بعد التقدير خلقوا قال القرطبي: فقوله ولو كان مبالغة في تحقيق إصابة العين تجري مجرى التمثيل إذ لا يرد القدر شيء فإنه عبارة عن سابق علمه تعالى ونفوذ مشيئته ولا راد لأمره ولا معقب لحكمه فهو كقولهم لأطلبنك ولو تحت الثرى ولو صعدت السماء فأجرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لأن القدر لم يرده شيء وقال القاضي: معناه أن إصابة العين لها تأثير ولو أمكن أن يعاجل القدر شيء فيؤثر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر لسبقته العين (وإذا استغسلتم فاغتسلوا) خطاب لمن يتهم بأنه عائن أي إذ أمر العائن بما اعتيد عندهم من غسل أطرافه وما تحت إزاره ويصب غسالته على المعيون فليفعل ندبا وقيل وجوبا ويتعين المصير إليه عند خوف محذور بالمعان وغلب على الظن برؤه بالاغتسال وذلك لأنه كما يؤخذ ترياق لسم الحية من لحمها يؤخذ علاج هذا من أثر النفس الغضبية وأثر تلك العين كشعلة نار أصابت الجسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما صار إليه المازري من أنه تعبدي إنما هو لخفاء وجه الحكمة عليه قال ابن القيم: وهذا لا ينتفع به من أنكره ولا من فعله بقصد التجربة <تنبيه> عدوا من خصائص نبينا الاسغتسال من العين وأنه يدفع ضررها (حم م) في الطب (عن ابن عباس) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5746 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 5747 - (العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم) فالشيطان يحضرها بالإعجاب بالشيء وحسد ابن آدم بغفلة عن الله فيحدث الله في المنظور علة يكون النظر بالعين سببها فتأثيرها بفعل الله لكن لما كان الناظر منهيا عن النظر لحقه الوعيد بجنايته المنهي عنها وهي النظر إلى شيء على غلة واستحسانه والحسد عليه من غير ذكر الله <تنبيه> نقل ابن بطال عن بعضهم منع العائن من مداخلة الناس ولزوم بيته كالمجذوم بل أولى ونفقة الفقير في بيت المال قال النووي: وهو صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه (الكجي في سننه) والقضاعي (عن أبي هريرة) قضية تصرف المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول شنيع فقد رواه باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور أحمد في المسند قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 5747 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 5748 - (العين تدخل الرجل القبر) أي تقتله فيدفن في القبر (وتدخل الجمل القدر) أي إذا أصابته مات أو أشرف على الموت فذبحه مالكه وطبخه في القدر يعني أن العين داء والداء يقتل فينبغي للعائن أن يبادر إلى ما يعجبه بالبركة ويكون ذلك رقية منه <فائدة> أخرج ابن عساكر أن سعيدا الساجي من كراماته أنه قيل له: احفظ ناقتك من فلان العائن فقال: لا سبيل له عليها فعانها فسقطت تضطرب فأخبر الساجي فوقف عليه فقال: بسم الله حبس حابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه وعلى كبده وكلوتيه وشيق وفي ماله يليق فأرجع البصر هل ترى من فطور الآية فخرجت حدقنا العائن وسلمت الناقة (عد حل) من حديث شعيب بن أيوب عن معاوية بن هشام عن الثوري عن ابن المنكدر (عن جابر) وقال: غريب من حديث الثوري تفرد به معاوية اه. (عن أبي ذر) قال السخاوي: تفرد به شعيب بن أيوب عن معاوية عن هشام [ص: 398] قال الصابوني: وبلغني أنه قيل له ينبغي أن تمسك عن هذه الرواية ففعل الحديث: 5748 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 5749 - (العين وكاء السه) بفتح السين وكسر الهاء مخففا أي حفاظه عن أن يخرج منه شيء والوكاء بالكسر ما يشد به الكيس أو نحوه والسه الدبر (فمن نام فليتوضأ) وجوبا قال الزمخشري: جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة وهو الخيط الذي يشد بها فوها والسه الإست أصله سته فحذفت العين كما حذفت في مذ وإذا صغرت ردت فقيل ستيه اه. وقال البيضاوي: الوكاء ما يشد به الشيء والسه الدبر والمعنى أن الإنسان إذا تيقظ أمسك ما في بطنه فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله فلعله يخرج منها ما ينقض طهره وذلك إشارة إلى أن نقض الطهارة بالنوم وسائر ما يزيل العقل ليس لأنفسها بل لأنها مظنة خروج ما ينتقض الطهر به ولذلك خص منه نوم ممكن المقعدة وقال الطيبي: شبه عين الإنسان وجوفه ودبره بقربة لها فم مشدود بخيط وشبه ما يطلقه من الغفلة عند النوم بحل ذلك الخيط من فم القربة وفيه تصوير لقبح صدور هذه الغفلة من الإنسان (حم هـ) وكذا أبو داود (عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال عبد الحق: حديث علي هذا ليس بمتصل قال ابن القطان: هو كما قال لكن بقي عليه أن يبين أنه من رواية بقية وهو ضعيف عن الوضين وهو واه فهاتان علتان مانعتان عن تصحيحه اه ولما رواه عبد الله بن أحمد وجده في كتاب أبيه بخط يده قال: كان في المحنة وقد ضرب على هذا الحديث في كتابه اه وقال الساجي: حديث منكر وقال ابن حجر: أعله أبو زرعة وأبو حاتم بالانقطاع بين علي والتابعي اه وقال الذهبي: الوضين لين وابن عائد لم يلحق عليا الحديث: 5749 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 5750 - (العين) وفي رواية العينان (وكاء السه فإذا نامت استطلق الوكاء) أي انحل كنى بالعين عن اليقظة لأن النائم لا عين له تبصر قال القاضي: الوكاء ما يشد به الشيء والسه الدبر بمعنى أن الإنسان إذا تيقظ أمسك ما في بطنه فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله فلعله يخرج منها ما ينقض طهره وذلك إشارة إلى أن نقض الطهارة بالنوم وكل ما يزيل العقل ليس لأنفسها بل لكونها مظنة خروج ما ينتقض الطاهر به ولهذا خص علي النوم ممكنا مقعدته لأن الصحب كانوا ينامون قعودا حتى تخفض رؤوسهم الأرض ثم يصلون فإن قيل ينتقض بقوله إذا نامت العينان إلخ قلنا مخصوص بما ذكر وإلا لزم النسخ (هق) من حديث بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس (عن معاوية) رمز المصنف لصحته وهو زلل فقد تعقبه البيهقي نفسه فقال: أبو بكر ضعيف وأقره عليه الذهبي في المهذب ثم رواه عن مروان بن جناح عن عطية عن معاوية موقوفا وقال: مروان أثبت من أبي بكر وقال ابن عبد البر: حديث علي ومعاوية ضعيفان ولا حجة فيهما من جهة النقل وقال مغلطاي لما سئل عن هذين الحديثين: حديث علي أثبت وقال ابن حجر: حديث معاوية ضعيف جدا وقال الذهبي: فيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف جدا ورواه الدارقطني بهذا اللفظ من هذا الوجه قال الغزالي في مختصره: وأبو بكر عبد الله بن أبي مريم قال عبد الحق: هو عندهم ضعيف جدا قال: وحديث علي غير متصل الحديث: 5750 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 5751 - (العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزني) والعينان أصل زنا الفرج فإنهما له رائدان وإليه داعيان وقد سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره فأرشده إلى ما ينفعه ويدفع ضرره وقال لابن عمه علي تحذيرا مما يوقع في الفتنة ويورث الحسرة لا تتبع النظرة النظرة أما سمعت قول العقلاء من سرح ناظره أتعب خاطره ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت أوقاته؟ نظر العيون إلى العيون هو الذي. . . جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا [ص: 399] (حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: سنده جيد وقال المنذري: صحيح ورواه عنه أيضا أبو يعلى والبزار ورواه ابن حبان عن أبي هريرة قال ابن حجر: وأصله في البخاري الحديث: 5751 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 5752 - (العينان دليلان والأذنان قمعان) أي يتبعان الأخبار ويحدثان بها القلب قال الزمخشري: من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يسمعون ولا يعون وفلان قمع الأخبار يتبعها ويحدث بها ويقول ما لكم أسماع وإنما هو إقماع (واللسان ترجمان) أي يعبر عما في القلب (واليدان جناحان والكبد رحمة والطحال ضحك والرئة نفس والكليتان مكر والقلب ملك) هذه الأعضاء كلها وهي رعيته (فإذا صلح الملك صلحت رعيته وإذا فسد الملك فسدت رعيته) فالقلب هو العالم بالله وهو العاقل لله وهو الساعي إلى الله وهو المتقرب إليه وهو المكاشف بما عند الله ولديه وإنما الجوارح أتباع وخدم وآلات يستخدمها القلب ويستعملها استعمال الملك لعبيده واستخدام الراعي لرعيته والقلب هو المخاطب والمعاتب والمطالب والمعاقب وهو المطيع بالحقيقة لله وإنما الذي ينشر على الجوارح من العبادات أنواره وهو العاصي المتمرد على الله وإنما فواحش الأعضاء آثاره وإظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل وعاء يرشح بما فيه وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه وإذا جهل نفسه جهل ربه ومن جهل قلبه فهو بغيره أجهل وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وقد حيل بينهم وبين أنفسهم فإن الله يحول بين المرء وقلبه وحيلولته بأن يمنعه عن مشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن وأنه كيف يهوي مرة إلى أسفل سافلين وينخفض إلى أفق الشياطين وكيف يرتفع إلى أعلى عليين ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين ومن ثم من لم يعرف قلبه ليراقبه ويترصد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه وفيه فهو من الذين {نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} إذا علمت ذلك فالقلب في وسط مملكة كالملك وتجري القوة الخيالية المودعة في مقدم الدماغ مجرى صاحب بريده إذ تجتمع أخبار المحسوسات عنده وتجري القوة الحافظة التي مسكنها مؤخر الدماغ مجرى خازنه ويجري اللسان مجرى ترجمانه وتجري الأعضاء المتحركة مجرى كتابه وتجري الحواس الخمسة مجرى جواسيسه فيوكل كل واحد بأخبار صقع من الأصقاع فيوكل العين بأنواع الألوان والسمع بعالم الأصوات والشم بعالم الروائح وكذا سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه العوالم ويؤدونها إلى القوة الخيالية التي هي كصاحب البريد ويسلم صاحب البريد إلى الخازن وهي القوة الحافظة ويعرضها الخازن على الملك فيقتبس منه ما يحتاجه في تدبير مملكته وقمع عدوه الذي هو مبتلى به ودفع قواطع طريق سفره عليه فإذا فعل ذلك كان موفقا سعيدا شاكرا وإذا عطل هذه الجملة واستعملها في رعاية أعداءه وهي الشهوة والغضب وسائر الحظوظ العاجلة وفي عمارة طريقه التي هي الدنيا دون منزله ومستقره الذي هو الآخرة كان مخذولا شقيا كافرا لنعمة الله فيستحق المقت والإبعاد في المنقلب والمعاد إذا تدبرت ذلك عرفت أن هذا الحديث ضربه المصطفى صلى الله عليه وسلم مثالا لذلك ولله دره (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة عد وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي سعيد) الخدري (الحكيم) الترمذي (عن عائشة) وسببه أنه دخل عليها كعب الأحبار فقال لها ذلك فقالت هذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث: 5752 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 [ص: 400] حرف الغين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5753 - (غبار المدينة) النبوية (شفاء من الجذام) قال ابن جماعة: لما حج ابن المرحل المقدس سنة أحد وسبعين وسبع مئة ورجع إلى المدينة سمع شيخا من المحدثين يقول كان في جسد بعض الناس بياض فكان يخرج إلى البقيع عريانا وفي السحر ويعود فبرأ بذلك الغبار فكأن ابن المرحل حصل في نفسه شيء فنظر في يده فوجد فيها بياضا قدر الدرهم فأقبل على الله بالدعاء والتضرع وخرج إلى البقيع وأخذ من رمل الروضة ودلك به ذلك البياض فذهب (أبو نعيم في الطب) النبوي وكذا الديلمي (عن ثابت بن قيس بن شماس) بفتح المعجمة وشد الميم خطيب الأنصاري وممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة الحديث: 5753 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5754 - (غبار المدينة يبرئ الجذام) هذا وما قبله مما لا يمكن تعليله ولا يعرف وجهه من جهة العقل ولا الطب فإن توقف فيه متشرع قلنا الله ورسوله أعلم وهذا لا ينتفع به من أنكره أو شك فيه أو فعله مجربا بل ولا الآحاد (ابن السني وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي بكر بن محمد بن سلام مرسلا) الحديث: 5754 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5755 - (غبار المدينة يطفئ الجذام) قال السمهودي: قد شاهدنا من استشفى به منه وكان قد أضر به فنفعه جدا (الزبير بن بكار في) كتاب (أخبار المدينة) وكذا ابن النجار وابن الجوزي وابن زبالة وغيرهم (عن إبراهيم بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك رجاء ذلك عن ابن عمر مرفوعا روى رزين عنه لما رجع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من تبوك تلقاه رجال من المخلفين فأثاروا غبارا فخمر أو غطى بعض من كان معه أنفه فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللثام عن وجهه وقال: أما علمتم أن عجوة المدينة شفاء من السم وغبارها شفاء من الجذام ولابن زبالة عن صيفي عن أبي عامر مرفوعا والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة وإنها شفاء من الجذام الحديث: 5755 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5756 - (غبن المسترسل حرام) قال الحنابلة: ويثبت الفسخ وقال أبو حنيفة والشافعي: لا وقال داود: يبطل البيع (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه موسى بن عمير الأعمى وهو ضعيف جدا اه. وفي الميزان موسى بن عمير الأعمى القرشي كذبه أبو حاتم وغيره ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث وقال السخاوي: هو ضعيف لكن له شاهد اه ولقد أحسن المصنف حيث عقبه به فقال: الحديث: 5756 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5757 - (غبن المسترسل ربا) أي أن ما غبنه به مما زاد على القيمة بمنزلة الربا في عدم حل تناوله (هق عن أنس) قال الذهبي في التنقيح: المتهم بوضعه يعيش بن هشام القرقساني راويه عن مالك عن الزهري عن أنس (وعن جابر) بن عبد الله (وعن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ: سند هذا جيد الحديث: 5757 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5758 - (غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) الغدوة من أول النهار إلى الزوال والروحة منه إلى آخر [ص: 401] النهار وسبيل الله طريق التقرب إليه بكل عمل خالص وأعلى أنواع التقربات الجهاد فالغدوة أو الروحة فيه خير من الدنيا وما فيها لأن بها ترتب ثوابها وبعض الثواب لو برز إلى الدنيا لاضمحلت وتلاشت دونه (حم ق هـ عن أنس) بن مالك (ق ت ن عن سهل بن سعد) الساعدي (م هـ عن أبي هريرة ت عن ابن عباس) قال المصنف: هذا متواتر الحديث: 5758 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 5759 - (غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت) هو بمعنى ما قبله ففيه ما فيه (حم م ن عن أبي أيوب) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 5759 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 5760 - (غرة العرب كنانة) بالكسر والتخفيف قبيلة معروفة أي هم أشراف العرب وخيارهم وسادتهم (وأركانها) أي دعائمها التي بها وجودها (تميم وخطباؤها أسد) حي معروف (وفرسانها قيس ولله تعالى من أهل الأرض فرسان وفرسانه في الأرض قيس) القبيلة المشهورة (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي ذر الغفاري) الحديث: 5760 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 5761 - (غزوة في البحر مثل عشر غزوات في البر) في الأجر (والذي يسدر في البحر) أي يتحير وتدور رأسه من ريحه والسدر محركا الدوار وهو كثيرا ما يعرض لراكب البحر (كالمتشحط في دمه في سبيل الله) (هـ عن أم الدرداء) ورواه عنها الديلمي أيضا الحديث: 5761 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 5762 - (غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها والمائد فيه كالمتشحط في دمه) أي كالمذبوح المتلطخ بدمه يقال شحط الجمل ذبحه وهو بالسين المهملة كما في القاموس أعلا المائد الذي يدار برأسه من ريح البحر واضطراب السفينة (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: خالد بن يزيد أي أحد رجاله يروي الموضوعات عن الأثبات الحديث: 5762 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 5763 - (غسل يوم الجمعة) تمسك به من قال الغسل لليوم للإضافة ومذهب الشافعية والمالكية وأبو يوسف للصلاة لزيادة فضلها على الوقت واختصاص الطهر بها كما مر دليلا وتعليلا (واجب) أي كالواجب في التأكيد أو في الكيفية لا في الحكم قال التوربشتي: وذلك لأن القوم كانوا عمالا في المهنة يلبسون الصوف وكان المسجد ضيقا ويتأذى بعضهم بريح عرق بعض فندبهم إلى الاغتسال بلفظ الوجوب ليكون أدعى إلى الإجابة وأما دعوى النسخ فلا ينقدح إلا بدليل ولا دليل بل مجموع الأحاديث تدل على استمرار الحكم وتأويل القدوري قوله واجب بمعنى ساقط وعلى بمعنى عن ركيك متعسف (على كل محتلم) أي بالغ لأن المراد حقيقته وهو نزول المني فإنه موجب للغسل يوم الجمعة وغيرها وخص الاحتلام لكونه أكثر ما يبلغ به الذكور كقوله لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار لأن الحيض أغلب ما يبلغ [ص: 402] به النساء (مالك) في الموطأ (حم د ت هـ عن أبي سعيد) الخدري لكن لفظ رواية مسلم غسل الجمعة على كل محتلم قال النووي: كذا وقع في جميع الأصول وليس فيه ذكر واجب الحديث: 5763 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 5764 - (غسل يوم الجمعة واجب) أي ثابت لا ينبغي تركه لا ما يؤثم بتركه كما يقال رعاية فلان علينا واجبة (كوجوب غسل الجنابة) يعني كصفة غسل الجنابة فالتشبيه لبيان صفة الغسل لا لبيان وجوبه هذا هو الذي عليه التعويل وأخذ بظاهره جمع فأوجبوه علينا واختاره السبكي ونصره ابن دقيق العيد وقال: ذهب الأكثر إلى استحباب غسل الجمعة وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال إكرامكما علي واجب وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على الظاهر وأقوى ما عارضوا به حديث من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت إلخ ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث وربما أولوه تأويلا مستكرها (الرافعي) إمام الدين القزويني في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ورواه الديلمي عن أبي هريرة الحديث: 5764 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 5765 - (غسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع) أي من حدوث وجع الرأس (أبو نعيم في الطب) النبوي (عن أبي هريرة) الحديث: 5765 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 5766 - (غسل الإناء وطهارة الفناء) أي نظافته قال في الفردوس: فناء الدار ساحتها (يورثان الغنى) الدنيوي والأخروي يحتمل أن المراد بالإناء القلب بدليل حديث إن لله تعالى آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وبالفناء الصدر وما حول القلب من جنوده وطهارة القلوب فيه الغنى الأكبر والعز الأفخر قال القونوي: وطهارة القلوب تحصل بسبب قلة التعسفات والتعلقات أو إذهابها ما خلا تعلقه بالحق وبسبب قلة خواص الكثرة والصفات الإمكانية سيما أحكام إمكانات الوسائط وكدورة القلب والروح والحرمان والحجب والمنع ونحوها تكون بالصفات المقابلة بهذه ولكثرة الأحطام الإمكانية وخواص إمكانات الوسائط وكثرة التعلقات والإنصباغ بالخواص والأحكام المضرة المودعة في الأشياء التي هي مظاهر النجاسة وكما أن طهارة القلوب مما ذكر توجب مزيد الرزق المعنوي وقبول عطايا الحضرة الإلهية على ما ينبغي ووفور الحظ منها فكذا الطهارة الظاهر الصورية (خط) في ترجمة علي بن محمد الزهري من حديثه عن أبي يعلى عن شيبان عن سعيد عن عبد العزيز (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو يعلى الموصلي وعنه تلقاه الخطيب عازيا مصرحا فعزوه للفرع دون الأصل غير جيد ثم فيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في ذيل الضعفاء المتروكين وقال أبو حاتم: يرى القدر اضطر إليه الناس بآخره وسعيد بن سليم قال الذهبي: ضعفوه وفي الميزان علي بن محمد الزهري عن أبي يعلى كذبه الخطيب وغيره وضع على أبي يعلى خبرا متنه غسل الإناء إلى آخر ما هنا الحديث: 5766 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 5767 - (غشيتكم السكرتان سكرة حب العيش وحب الجاه) أي حب ما يؤدي إلى الجاه (فعند ذلك لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر والقائمون بالكتاب والسنة) حالتئذ (كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار) هذا [ص: 403] الحديث خرجه الحكيم الترمذي على غير هذا السياق ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنتم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله ثم تظهر فيكم السكرتان سكرة العيش وسكرة الجهل وستحولون إلى غير ذلك يفشو فيكم حب الدنيا فإذا كنتم كذلك لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ولم تجاهدوا في سبيل الله والقائمون اليوم بالكتاب والسنة في السر والعلانية السابقون الأولون (حل) من حديث موسى بن أيوب عن إبراهيم بن شعيب الخولاني وابن أدهم عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال: غريب من حديث إبراهيم وهشام الحديث: 5767 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 5768 - (غشيتكم الفتن) أي المحن أو البلايا (كقطع الليل المظلم أنجى الناس فيها رجل صاحب شاهقة) أي جبل عال (يأكل من رسل غنمه أو رجل أخذ بعنان فرسه من وراء الدروب) أي الطرق جمع درب كفلوس وفلس وأصله المدخل بين جبلين ثم استعمل في معنى الباب فيقال لباب السكة السكة درب وللمدخل الضيق درب وليس أصله عربيا (يأكل من سيفه) (ك) في الفتن (عن أبي هريرة) وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 5768 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 5769 - (غضوا الأبصار) أي احفظوا الأعين عن النظر إلى ما لا يحل كامرأة أجنبية فإن النظر رائد الشهوة ورسولها وأصل حفظ الفرج فإن الحوادث مبدؤها من النظر فمن أطلق بصره أورده موارد الهلكان قال الغزالي: وفي غض الطرف تطهير القلب وتكثير للطاعة (واهجروا الدعار) أي الفساد والشر والخبث (واجتنبوا أعمال أهل النار) قال في الفردوس: أصل الدعر الفساد والشر والخبث يقال رجل داعر ورجال داعرون ودعار ودعرة <فائدة> في تذكرة العلم البلقيني حكى بعض الثقات عن نفسه قال: لازمت الذكر مدة حتى خطر لي أني تأهلت وسافرت فوافقت في سفري شابا نصرانيا جميلا فلما فارقته تألمت لفراقه فدخلت أخميم وأنا متألم فحضرت ميعاد ابن عبد الظاهر فنظر إلي وقال: ثم أناس يظنون أنهم الخواص وهم عوام العوام قال تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ومن للتبعيض ومعناه أن لا ترفع شيئا من بصرك إلى شيء من المعاصي (طب عن الحكم بن عمير) الثمالي وفيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي قال في الميزان عن البخاري والنسائي: منكر الحديث وعن أبي حاتم: متروك ثم ساق له أخبارا هذا منها الحديث: 5769 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 5770 - (غط فخذك) يا معمر ورأيت في أصول كثيرة غط عليك فخذيك (فإن الفخذ) بفتح فكسر أو فسكون ويكسر فسكون أو فكسر (عورة) سميت عورة لأنه يستقبح ظهرها وتغض الأبصار عنها فيحرم نظر الرجل إلى عورة رجل وهي ما بين سرته وركبته ولو من محرم ولو مع أمن الفتنة وعدم الشهوة قال النووي: ذهب الأكثر إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية العورة السوأتان فقط وبه قال الظاهرية والاصطخري (ك) في اللباس من حديث أبي كثير مولى محمد بن جحش (عن محمد بن عبد الله بن جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة الأسدي قتل أبوه بمؤتة وله عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وعائشة وقال البخاري قتل أبوه يوم أحد قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فذكره. قال في المنار: في سنده اضطراب لكنه ليس بعلة عند الأكثر اه. وقد سبق وسيجيء أن البخاري أسنده في تاريخه الكبير من حديث محمد المذكور وعلقه في صحيحه فهذا بعض اضطرابه وقال ابن حجر: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير وقد روى عنه جمع ولم أجد فيه تصريحا بتعديل ومعمر هو معمر [ص: 404] بن عبد الله بن نضلة العدوي الحديث: 5770 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 5771 - (غط فخذك) وفي رواية للعيسوي في فوائده من حديث حرب بن قبيصة بن مخارق الهلالي عن أبيه عن جده مرفوعا وار فخذك (فإن فخذ الرجل من عورته) قاله وما قبله لما مر بمعمرا وجرهدا أو غيرهما وهو كاشف فخذه لا يناقضه كالحديث قبله خبر عائشة أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان مضطجعا في بيته كاشفا فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو كذلك ثم عمر وهو كذلك ثم عثمان فجلس فسوى ثيابه وقال: ألا نستحي من رجل تستحي منه الملائكة لاحتمال أن المراد بكشف فخذه أنه كان مجردا عن الثوب الذي يخرج به للناس وليس عليه إلا ثوب مهنة وذلك هو اللائق بكمال حياته وقد استدل بهذا الحديث البخاري وغيره على أن الفخذ عورة واعترضه الإسماعيلي بأنه لا تصريح فيه بعدم الحائل ولا يقال الأصل عدمه (حم ك) في اللباس (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في التنقيح: فيه ضعف الحديث: 5771 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 5772 - (غطوا حرمة عورته) أي عورة الصبي (فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير (ولا ينظر الله إلى كاشف عورته) قاله لما رفع إليه محمد بن عياض الزهري وهو صغير وعليه خرقة لم توار عورته فذكره واستدل به من ذهب من أئمتنا إلى حل نظر فرج الصبي الذي لم يميز والأصح عند الشافعية خلافه وأجابوا عن الحديث بأن ظاهر قوله رفع وكونها واقعة حال قولية والاحتمال يعمها يمنع حمله على التمييز (ك) في المناقب (عن محمد بن عياض الزهري) قال: رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغري وعلي خرقة فذكره كذا استدركه على الشيخين وتعقبه الذهبي بأن إسناده مظلم ومتنه منكر ولم يذكروا محمد بن عياض في الصحابة الحديث: 5772 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 5773 - (غطوا الإناء) أي استروه والتغطية الستر والأمر للندب سيما في الليل (وأوكئوا السقاء) مع ذكر اسم الله في هذه الخصلة وما قبلها وبعدها من الخصال فاسم الله هو السور الطويل العريض والحجاب الغليظ المنيع من كل سوء قال القرطبي: هذا الباب من الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية نحو {وأشهدوا إذا تبايعتم} وليس الأمر الذي قصد به الإيجاب وغايته أن يكون من باب الندب بل جعله جمع أصوليون قسما منفردا عن الوجوب والندب (فإن في السنة ليلة) قال الأعاجم في كانون الأول (ينزل فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط ولا سقاء لم يوك إلا وقع فيه من ذلك الوباء) بالقصر والمد الطاعون والمرض العام قال النووي: فيه جملة من أنواع الآداب الجامعة وجماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتحصل السلامة من الآفات الدنيوية والأخروية (حم م) في الأشربة (عن جابر) بن عبد الله وفي رواية لمسلم أيضا يوما بدل ليلة الحديث: 5773 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 5774 - (غطوا) وفي رواية لمسلم أكفئوا (الإناء وأوكئوا السقاء وأغلقوا الأبواب وأطفئوا السراج) أي أذهبوا نورها [ص: 405] (فإن الشيطان) هو هنا للجنس أي الشياطين (لا يحل سقاء ولا يفتح بابا) أغلق مع ذكر الله عليه كما يوضحه الخبر المار في الهمزة حيث قال لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه (ولا يكشف إناء) كذلك قال ابن العربي هذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا الموحدة وهو أن يكون الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة العجيبة ويتولج في المسام الضيقة فتعجزه الذكرى عن حل الغلق والوكاء وعن التولج من سائر الأبواب والمنافذ (فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض) ضبطه الأصمعي بضم الراء وأبو عبيدة بكسرها. قال القرطبي: والوجه الأول أي يجعل العود معروضا على فم الإناء (على إنائه عودا) أي بنصبه عليه بالعرض إن كان الإناء مربعا فإذا كان مستدير الفم فهو كله عرض هذا إن كان فيه شيء فإن كان فارغا كفاه على فمه (ويذكر اسم الله) عليه في هذا وما قبله فإنه الحجاب المنيع بين الشيطان والإنسان (فليفعل) ولا يتركه (فإن الفويسقة) أي الفأرة سماها الفويسقة في معرض الذم لوجود معنى الفسق فيها وهو الخروج من شيء إلى غيره وذلك هنا إلى المذموم والأذى مذموم فمن يقع منه مذموم (تضرم على أهل البيت) وفي رواية على الناس (بيتهم) أي تحرقه سريعا وهو بضم التاء وسكون الضاد المعجمة وأضرم النار أوقدها والضرمة بالتحريك النار وقد أفاد ما تقرر آنفا أن ذكر الله يحول بين الشيطان وبين فعل هذه الأشياء وقضيته أنه يتمكن من كل ذلك إذا لم يذكر اسم الله عليه وقد تردد ابن دقيق العيد في ذلك فقال: يحتمل أن يجعل قوله فإن الشيطان إلخ على عمومه ويحتمل تخصيصه بما ذكر اسم الله عليه ويحتمل أن يكون المنع من الله بأمر خارج عن جسمه قال: والحديث دل على منع دخول الشيطان الخارج لا الداخل فيكون ذلك لتخفيف المفسدة لا رفعها ويحتمل كون التسمية عند الإغلاق ونحوه تطرده من البيت وعليه فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه وأخذ منه ندب غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في عموم الأبواب مجازا (م هـ) في الأشربة (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 5774 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 5775 - (غفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء غير مصروف باعتبار القبيلة وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغرا (غفر الله لها) ذنب سرقة الحاج في الجاهلية وفيه إشعار بأن ما سلف منها مغفور (وأسلم سالمها الله) بفتح اللام من المسالمة وترك الحرب أي صالحها لدخولها في الإسلام اختيارا بغير حرب وقوله غفر الله وسالمها خبرين أريد بهما الدعاء أو هما خبران على بابهما ويؤيده قوله (وعصية) بمهملتين مصغرا وهم بطن من بني سليم (عصت الله ورسوله) بقتلهم القراء ببئر معونة ونقض العهد فلا يجوز حمله على الدعاء. فيه إظهار شكاية منهم فيستلزم الدعاء عليهم وما أحسن هذا الجناس وألذه على السمع وأعلقه بالقلب (حم ق ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أبو قرصافة وسمرة وغيرهما الحديث: 5775 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 5776 - (غفر الله لرجل ممن كان قبلكم) من الأمم السابقة (كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا إذا قضى سهلا إذا اقتضى) قال ابن العربي: السهل والسمح ينظران من مشكاة واحدة ويجربان على سنن واحد ويتعلقان بمتعلق واحد وقوله ممن كان قبلكم كالحث لنا على امتثال ذلك لعل الله أن بغفر لنا وهذا الحديث قد تعلق به من جعل شرع من قبلنا شرع لنا لأنه تعالى ذكره لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرا ووعظا والحديث [ص: 406] أصل في تكفير السيئات بالحسنات وتمسك به من فضل الغنى على الفقر قالوا: فإذا كان هذا الغفران في مجرد المساهلة فما بالك بمن تصدق وأطعم الجياع وكسى العراة؟ (حم ت هق عن جابر) ذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري قال حديث حسن وبه يعرف أن نسبة المصنف تحسينه للترمذي دون إمام الفن قصور والمحسن إنما هو قاضي الفن وحاكمه والترمذي ناقل الحديث: 5776 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 5777 - (غفر الله عز وجل) خبر لا دعاء كما تفيده رواية أحمد عن أنس أن شجرة كانت على طريق الناس تؤذيهم فأتى رجل فعزلها فغفر له (لرجل أماط) أزال (غصن شوك عن الطريق) لئلا يؤذي الناس (ما تقدم من ذنبه وما تأخر) قال ابن العربي: هذا بأن تكون اعتدلت كفتا أعماله فلما وضعت في كفة الحسنات إماطته رجحت الكفة فكان ذلك علامة على المغفرة اه. ولا حاجة لذلك بل الكريم قد يجازي على القليل بالكثير ولهذا قال جمع عقب الحديث: إن قليل الخير يحصل به كثير الأجر وفضل الله واسع وقال آخرون: هذا من مزيد كرم الله تعالى وتقدس حيث لم يضع عمل عامل وإن كان يسيرا فهو سبحانه يجازي العبد على إحسانه إلى نفسه والمخلوق إنما يجازي من أحسن إليه وأبلغ من ذلك أنه هو الذي أعطى العبد ما يحسن به إلى نفسه وغيره وجازاه عليه بأضعاف مضاعفة لا نسبة لإحسان العبد إليها فهو المحسن بإعطاء الإحسان (ابن زنجويه عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي الحديث: 5777 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 5778 - (غفر) بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي غفر الله (لامرأة) لم تسم (مومسة) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بضبطه (مرت بكلب على رأس ركي) بفتح الراي وكسر الكاف وشد التحتية بئر (يلهث) بمثلثة يخرج لسانه من شدة الظمأ (كاد يقتله العطش) لشدته وفي رواية يأكل الثرى من العطش أي التراب الندي (فنزعت خفها) من رجلها (فأوثقته) أي شدته (بخمارها) بكسر الخاء أي بغطاء رأسها والخمار ككتاب ما يغطى به الرأس (فنزعت) جذبت وقلعت (له من الماء) أي بالبئر فسقته (فغفر لها بذلك) أي بسبب سقيها للكلب على الوجه المشروح فإنه تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير إذا شاء فضلا منه. قال ابن العربي: وهذا الحديث يحتمل كونه قبل النهي عن قتل الكلاب وكونه بعده فإن كان قبله فليس بناسخ لأنه إنما أمر بقتل كلاب المدينة لا البوادي على أنه وإن وجب قتله يجب سقيه ولا يجمع عليه حر العطش والموت ألا ترى أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمر بقتل اليهود شكوا العطش فقال: لا تجمعوا عليهم حر السيف والعطش فسقوا واستدل به على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره أنها سقت الكلب من خفها ومنع باحتمال أن تكون صبته في شيء فسقته أو غسلت خفها بعد أو لم تلبسه على أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ولو قلنا به فمحله ما لم ينسخ <فائدة> قال شيخنا الشعراني: سقط على قلب زوجتي شيء فوصلت لحالة الموت فصاحت أهلها وإذا بقابل يقول وأنا بمجاز الخلاء خلص الذبابة من ضبع الذباب من الشق الذي تجاه وجهك ونحن نخلص لك زوجتك فوجدته عاضا عليها فخلصتها فخلصت زوجتي حالا (خ) في بدء الخلق (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو كذلك من حيث اللفظ وأما بمعناه فرواه مسلم أيضا الحديث: 5778 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 5779 - (غفر الله عز وجل لزيد بن عمرو) بن نفيل (ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم) الخليل ولم يعبد الأصنام وسبق [ص: 407] أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى له في الجنة درجتين وقوله غفر الله إلخ يحتمل الخبر ويحتمل الدعاء (ابن سعد) في الطبقات (عن سعيد بن المسيب مرسلا) الحديث: 5779 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 5780 - (غلظ القلوب والجفاء في أهل المشرق) قال القرطبي: شيئان لمسمى واحد كقوله {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ويحتمل أن المراد بالجفاء أن القلب لا يميل لموعظة ولا يجتمع لتذكرة والمراد بالغلظ أنها لا تفهم المراد ولا تعقل المعنى وفي خبر مر رأس الكفر نحو المشرق قال النووي: كان ذلك في عهده حين يخرج الدجال وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الترك الغاشمة العاتية (والإيمان والسكينة) أي الطمأنينة والسكون (في أهل الحجاز) لا يعارض خبر الإيمان يمان إذ ليس فيه النفي عن غيرهم ذكره ابن الصلاح (حم م عن جابر) قال الهيثمي: وهو في الصحيح يعني صحيح البخاري باختصار أهل الحجاز الحديث: 5780 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 5781 - (غنيمة أهل مجالس الذكر الجنة) أي غنيمة توصل للدرجات العلى في الجنة لما فيه من الثواب (حم طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وإسناد أحمد حسن الحديث: 5781 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 5782 - (غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال) قال أبو البقاء: ظاهر اللفظ يدل على أن غير الدجال هو المخاف وليس معنى الحديث هذا إنما معناه أني أخاف على أمتي من غير الدجال أكثر من خوفي منه فعليه يكون فيه تأويلان أحدهما أن غير مبتدأ وأخوف خبر مبتدأ محذوف أي غير الدجال أنا أخوف على أمتي منه الثاني أن يكون أخوف على النسب أي غير الدجال ذو خوف شديد على أمتي كما تقول فلانة طالق أي ذات طلاق قال وقوله (الأئمة المضلين) كذا وقع في هذه الرواية بالنصب والوجه أن تقديره من تعني بغير الدجال قال أعني الأئمة وإن جاء بالرفع كان تقديره الأئمة المضلون أخوف من الدجال أو غير الدجال الأئمة اه قال بعضهم: لما استعظم صحبه أمر الدجال وأشار به إلى أنه لم ينذرهم منه خوفا منه عليهم لأنهم لم يتخالجهم في الله شك إذ ليس كمثله شيء بل إيذانا بأن خروجه في زمن بأس وضيق وقال ابن العربي: هذا لا ينافي خبر لا فتنة أعظم من فتنة الدجال لأن قوله هنا غير الدجال إلخ إنما قاله لأصحابه لأن الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال فالقريب المتيقن وقوعه لمن يخاف عليه يشتد الخوف منه على البعيد المظنون وقوعه به ولو كان أشد (حم) وكذا الديلمي (عن أبي ذر) قال الحافظ العراقي: سنده جيد ورواه مسلم في آخر الصحيح بلفظ غير الدجال أخوفني عليكم ثم ذكر حديثا طويلا الحديث: 5782 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 5783 - (غيرتان) تثنية غيرة وهي الحمية والأنفة (إحداهما يحبها الله والأخرى يبغضها الله ومخيلتان) تثنية مخيلة (إحداهما يحبها الله والأخرى يبغضها الله الغيرة في الريبة) أي عند قيام الريبة (يحبها الله والغيرة في غير الريبة) بل بمجرد سوء الظن (يبغضها الله) وهذه الغيرة تفسد المحبة وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه ومن الغيرة الفاسدة ما وقع لبعض الصوفية أنه قيل له: أتحب أن تراه قال: لا قيل: ولم قال: أنزه ذاك الجمال عن نظر مثلي وهذه شطحة مذمومة لا تعد من مناقب هذا القائل وإن جل فإن رؤيته تعالى أعلى نعيم الجنة وقد سألها من هو أعلى منزلة منه ومن غيره وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم (والمخيلة إذا تصدق الرجل يحبها الله) لأن الإنسان يهزه رائحة السخاء [ص: 408] فيعطيها طيبة بها نفسه ولا يستكثر كثيرا ولا يعطي منها شيئا إلا وهو مستقل له (والمخيلة في الكبر يبغضها الله عز وجل) قال ابن حجر: وهذا الحديث ضابط الغيرة التي يلام صاحبها والتي لا يلام فيها قال: وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجل لضرورة امتناع اجتماع زوجين لامرأة لطريق الحل وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم كزنا أو نقص حق وجور عليها لضرة وتحققت ذلك أو ظهرت القرائن فهي غيرة مشروعة فلو وقع ذلك بمجرد توهم عن غير ريبة فهي الغيرة في غير ريبة وأما لو كان الزوج عادلا ووفى لكل من زوجتيه حقها فالغيرة منها إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم يتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل وعليه حمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك كعائشة وزينب وغيرهما (حم طب ك) في الزكاة (عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير عبد الله بن زيد الأزرق وهو ثقة الحديث: 5783 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 5784 - (غيروا) ندبا (الشيب) بنحو حناء أو كتم لا بسواد لحرمته (ولا تشبهوا) قال ابن بطال: بفتح أوله وأصله تتشبهوا فحذف إحدى التاءين ويجوز ضم أوله وكسر الموحدة والأول أظهر (باليهود) في ترك الخضاب فإنهم لا يخضبون فخالفوهم ندبا وقد دل الكتاب وجاء صريح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم وإذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بياض الشيب الذي ليس من فعلنا فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى (حم ن عن الزبير) بن العوام (ت) في اللباس (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع للترمذي لكن فيه عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال في الميزان: ضعفه ابن معين وشعبة ووثقه ابن حبان وقال النسائي: غير قوي وأبو حاتم: لا يحتج به ثم ساق هذا الخبر وأعاده في ترجمة يحيى بن أبي شيبة الرهاوي وقال: أجمعوا على ترك حديثه الحديث: 5784 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 5785 - (غيروا الشيب) أي لونه ندبا قال الزين العراقي في شرح الترمذي: وصرفه عن الوجوب كون المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يختضب وكذا جمع من الصحابة انتهى وفيه نظر فما كان يأمر بشيء إلا كان أول آخذ به (ولا تشبهوا باليهود والنصارى) أي فيما يتعلق بتغيير الشيب فيحتمل أن المراد أنهم لا يغيرونه أصلا وأنهم يغيرون بغير ما أذن فيه وهو الحناء والكتم والصفر قال الزين العراقي: والأولى أظهر بدليل خبر أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم لكن بدل للثاني حديث عمر عند الطبراني السواد خضاب الكافر لكن لا يلزم من نسبته للكافر دخول اليهود والنصارى فيه وفيه ندب مخالفة اليهود والنصارى مطلقا فإن العبرة بعموم اللفظ قال ابن تيمية: أمر بمخالفتهم وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرا مقصودا للشارع لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل القصد وإن كان الأمر بها في تغيير الشيب فقط فهو لأجل ما فيه من المخالفة فالمخالفة إما علة مفردة أو علة أخرى أو بعض علة وكيف كان يكون مأمورا بها مطلوبة من الشارع لأن الفعل المأمور إذا عبر عنه بلفظ مشتق من معنى أعم من ذلك الفعل فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمرا مطلوبا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه مناسب للحكمة (حم حب عن أبي هريرة) ورواه النسائي بدون قوله والنصارى الحديث: 5785 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 5786 - (غيروا الشيب ولا تقربوا السواد) قال في الفردوس: يعني أبا قحافة أبا أبي بكر الصديق وذلك أنه جيء بأبي قحافة [ص: 409] يوم الفتح وكان رأسه ولحيته ثغامة بيضاء فقال ذلك قال ابن حجر: يستحب الخضاب إلا إن كانت عادة أهل بلده ترك الصبغ فإن من يتفرد به عنهم يصير في مقام الشهرة فالترك أولى (حم عن أنس) بن مالك قضية صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس وغيره إلى مسلم بلفظ وجنبوه بدل ولا تقربوه قال الديلمي: وفي الباب أسماء الحديث: 5786 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الغين] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5787 - (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله) أي قادمون عليه امتثالا لأمره (دعاهم) إلى الحج والغزو والاعتمار (فأجابوه وسألوه فأعطاهم) ما سألوه فيه ومقصود الحديث بيان أن الحاج حجا مبرورا لا ترد دعوته (هـ حب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5787 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5788 - (الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة) أي يكون ذلك نورا على وجوههم فيها (حل عن أنس) ورواه عنه الطبراني والديلمي الحديث: 5788 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5789 - (الغدو والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله) أي مما يلحق به في الثواب أي فيه ثواب عظيم لما فيه من المجاهدة والمرادعة للنفس والشيطان ذكره ابن عساكر وغيره (طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) فيه القاسم أبو عبد الرحمن وفيه خلاف ذكره الهيثمي الحديث: 5789 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5790 - (الغدو والرواح في تعليم العلم) أي الشرعي (أفضل عند الله من الجهاد في سبيل الله) ما لم يتعين الجهاد (أبو مسعود الأصبهاني في معجمه وابن النجار) في تاريخه (فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى الحديث: 5790 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5791 - (الغرباء في الدنيا أربعة قرآن في جوف ظالم ومسجد في نادي قوم لا يصلى فيه ومصحف في بيت لا يقرأ فيه ورجل صالح مع قوم سوء) قال في الفردوس: النادي والندى مجتمع القوم ودار الندوة أخذت من ذلك لأنهم كانوا يجتمعون ويتحدثون فيها والمراد أن كل واحد منهم كالغريب النائي عن وطنه النازل في غير منزلته اللائقة به (فر) وكذا ابن لال (عن أبي هريرة) وفيه عبد الله بن هارون الصوري قال الذهبي في الذيل: لا يعرف الحديث: 5791 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5792 - (الغرفة) أي في الجنة (من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم) بالفاء صدع ولا تكسر [ص: 410] والفصم الكسر بلا إبانة وفي التنزيل {لا انفصام لها} (ولا وصم) أي عيب يقال ما في فلان وصمه أي عار ولا عيب (وإن أهل الجنة يتراءون) الغرفة منها (كما تتراءون الكوكب الدري الشرقي أو الغربي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما) بكسر العين كلمة مبالغة في المدح والمعنى لو فضل الرجال رجلا رجلا فضلهم أبو بكر وعمر (الحكيم الترمذي عن سهل بن سعد) الساعدي الحديث: 5792 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 5793 - (الغريب إذا مرض فنظر عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه فلم ير أحدا يعرفه) ولا يعطف عليه (يغفر الله له ما تقدم من ذنبه) لأن المرض في الغربة من أعظم المصائب وأشد البلاء فجوزي عليه بالغفران والنجاة من النيران (ابن النجار) في تاريخه وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال السخاوي بعد ما أورد هذا الخبر وما أشبهه: لا يصح شيء من ذلك الحديث: 5793 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 5794 - (الغريق شهيد والحريق شهيد والغريب شهيد والملدوغ شهيد والمبطون شهيد ومن وقع عليه البيت فهو شهيد ومن يقع من فوق البيت فتدق رجله أو عنقه فيموت فهو شهيد ومن وقع عليه الصخرة فهو شهيد والغيرى على زوجها) غيرة غير مذمومة متجاوزة للحدود الشرعية وكذلك الأمة على سيدها (كالمجاهد في سبيل الله فلها أجر شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون أخيه) في الدين أي لدفع عنه والمراد أخوه في الإسلام وإن لم يكن أخوه في النسب (فهو شهيد ومن قتل دون جاره فهو شهيد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد) أي إذا أمر ظالما بمعروف أو نهاه عن منكر فقتله يكون شهيدا فهؤلاء كلهم شهداء في حكم الآخرة لا الدنيا (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 5794 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 5795 - (الغريق في سبيل الله شهيد) أي الغازي في البحر إذا غرق فيه فهو شهيد يعني هو من شهداء الآخرة (تخ عن عقبة بن عامر) الحديث: 5795 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 5796 - (الغزو خير لوديك) يا من قلنا له ألا تغزو فقال غرست وديا لي أي نخلا صغارا وأخاف أن تضيع فغزا الرجل ورجع فوجد وديه كأحسن الودى وأجوده (فر عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف إلى الأصل لكان أولى الحديث: 5796 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 [ص: 411] 5797 - (الغزو غزوان) قال القاضي: الغزو غزوان غزو على ما ينبغي وغزو على ما لا ينبغي فاختصر الكلام واستغنى بذكر الغزاة وعد أصنافها وشرح حالهم وبيان أحكامهم عن ذكر القسمين وشرح كل واحد منهما مفصلا (فأما من غزا ابتغاء وجه الله تعالى) أي طلبا للأجر الأخروي منه لا لأجل حظه من الغنيمة ولا ليقال فلان شجاع (وأطاع الإمام) أي في غزوه فأتى به على ما أمره (وأنفق الكريمة) أي الناقة العزيزة عليه المختارة عنده وقيل نفسه (وياسر الشريك) أي أخذ باليسر والسهولة مع الرفيق نفعا بالمعونة وكفاية للمؤونة (واجتنب الفساد في الأرض) بأن لم يتجاوز الحد المشروع في نحو قتل ونهب وتخريب (فإن نومه ونبهه) بفتح فسكون يقظته (أجر كله) أي ذو أجر وثواب والمراد أن من كان هذا شأنه فجميع حالاته من حركة وسكون ونوم ويقظة جالبة للثواب بمعنى أن كلا من ذلك أجر فقوله كله مبتدأ وأجر خبره ولا يصح جعل كله تأكيدا ذكره القاضي والطيبي (وأما من غزا فخرا ورياء) بالمد (وسمعة) بضم السين أي ليراه الناس ويسمعونه (وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف) أي الثواب وهو مأخوذ من كفاف الشيء وهو خياره أو من الرزق أي لم يرجع بخير أو بثواب يغنيه يوم القيامة أي لم يعد من الغزو رأسا برأس بحيث لا أجر ولا وزر بل عليه الوزر لأنه لم يغز (حم ت ك هب عن معاذ) بن جبل قال الحاكم: صحيح وقال المناوي: فيه بقية وفيه ضعيف الحديث: 5797 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 5798 - (الغسل يوم الجمعة سنة) أي غير واجب وهذا ما عليه جماهير السلف والخلف وحكاه الخطابي عن عامة الفقهاء وعياض عن أئمة الأمصار ونقل ابن عبد البر عليه الإجماع ونوزع (طب حل عن ابن مسعود) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5798 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 5799 - (الغسل واجب على كل مسلم في كل سبعة أيام) أي في كل سبعة أيام من يوم الجمعة كما فصح به في رواية ابن خزيمة والنسائي وبه احتج أبو ثور على أن الغسل لليوم (شعره وبشره) يعني أن كل من كان مسلما يلزمه عقلا أن يفعل ذلك وإلا لم يكن محافظا على اتباع السنة فهو واجب في تحقق الصفة على الكمال فتدبر (طب عن ابن عباس) الحديث: 5799 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 5800 - (الغسل يوم الجمعة واجب) في الأخلاق الكريمة وحسن المجالسة (على كل محتلم) أي بالغ وهو مجاز لأن الاحتلام يستلزم البلوغ والقرينة المانعة من الحمل على الحقيقة أن الاحتلام إذا كان معه إنزال كان واجبا للغسل سواء كان يوم الجمعة أو غيره (وأن يستن) أي يدلك أسنانه بالسواك وأن مصدرية أي والاستنان وهو الاستياك (وأن يمس) بفتح الميم على الأفصح (طيبا) أي أي طيب كان (إن وجد) الطيب أو السواك والطيب لكن تأكدهما دون تأكد الغسل إذ لم يقل أحد في أحدهما بالوجوب كما قيل فيه ولهذا أخذ الجمهور من عطفها عليه عدم وجوبه لأنهما حيث وقع الاتفاق على عدم وجوبهما فما عطفا عليه يكون غير واجب وظاهر الحديث أن الغسل مشروع للبالغ وإن لم يرد حضور الجمعة وظاهر خبر إذا جاء أحدكم أنه لمريدها ولو طفلا وبه أخذ الشافعية (حم ق د [ص: 412] عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 5800 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 5801 - (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم) لم يذكر في هذا الطريق لفظة واجب (والسواك) عليه أيضا قال ابن المنير: لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظف والتطيب ناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر بالملائكة وبني آدم (ويمس من الطيب ما قدر عليه) يحتمل أنه هو للتأكيد أي يفعل منه ما أمكن قال عياض: ويرجحه قوله (ولو من طيب المرأة) المكروه للرجال لظهور لونه وخفاء ريحه فإباحته للرجال لفقد غيره بدل للتأكيد (إلا أن يكثر) أي طيب المرأة فلا يفعل أفهم اقتصاره على المس الأخذ بالتخفيف وفيه تنبيه على الرفق وعلى تيسير الأمر في الطيب بأن يكون بأقل ما يمكن <فائدة> حكى ابن العربي وغيره أن بعضهم قال: يجزئ عن الغسل للجمعة التطيب لأن القصد النظافة وعن بعضهم أنه لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بنحو ماء ورد ثم تعقبه بأنهم قوم وقفوا على المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعنى والجمع بين التعبد والمعنى أولى (ن حب عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 5801 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 5802 - (الغسل من الغسل) أي الغسل لبدن الغاسل واجب من غسله لبدن الميت (والوضوء) واجب (من الحمل) أي من حمل الميت يفسره خبر من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وجرى على ذلك بعض الأئمة فأوجب الغسل على غاسل الميت والوضوء على حامله والأكثر على أن ذلك مندوب لا واجب فيأول الخبر بمعنى ما سبق (الضياء) المقدسي (عن أبي سعيد) الحديث: 5802 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 5803 - (الغسل صاع والوضوء مد) أي يسن أن يكون ماء الغسل صاعا وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وماء الوضوء مدا فإن نقص وأسبغ أجزأ وإن زاد كان إسرافا وهذا فيمن بدنه كبدن المصطفى صلى الله عليه وسلم نعومة ونحوها وإلا زيد ونقص لائق بالحال (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن القطان: ضعيف ولم يبين وجه ضعفه وبينه الهيثمي فقال: فيه الحكم بن نافع ضعفه أبو زرعة ووثقه ابن معين قال ابن القطان: ومعناه ورد من طريق صحيح عند ابن السكن الحديث: 5803 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 5804 - (الغسل في هذه الأيام واجب) أي هو كالواجب في التأكد (يوم الجمعة ويوم الفطر) أي يوم عيده (ويوم النحر) أي عيده (ويوم عرفة) يعني هو في هذه الأيام متأكد الندب على وتيرة ما سبق (فر عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن عبد الحميد قال الذهبي: قال أحمد كان يكذب جهارا الحديث: 5804 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 5805 - (الغضب من الشيطان) لأنه ناشئ عن وسوسته وإغوائه فأسند إليه لذلك (والشيطان خلق من النار والماء يطفئ النار فإذا غضب أحدكم فليغتسل) ظاهر الخبر أن الغضب عرض يتبعه غليان دم القلب لإرادة الانتقام وفي خبر آخر ما يقتضي أنه عجن بطينة الإنسان فإذا نوزع في غرض من أغراضه اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه [ص: 413] دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعالي البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين حتى يحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها (ابن عساكر) وأبو نعيم عن أبي مسلم الخولاني (عن معاوية) قال: كلم معاوية بشيء وهو على المنبر فغضب فنزل فاغتسل ثم عاد إلى المنبر فذكره الحديث: 5805 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 5806 - (الغفلة) التي هي غيبة الشيء عن البال (في ثلاث) من الخصال (عن ذكر الله) باللسان والقلب (وحين يصلي الصبح إلى طلوع الشمس) بان لا يشغل ذلك الزمن بشيء من الأوراد المأثورة والدعوات المشهورة عند الصباح (وغفلة الرجل عن نفسه في الدين) بفتح الدال (حتى يركبه) بأن يسترسل في الاستدانة حتى يتراكم عليه الديون فيعجز عن وفائها (طب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه خديج بن صومي وهو مستور وبقية رجاله ثقات انتهى وفيه عند البيهقي عبد الرحمن بن محمد المحاربي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة قال ابن معين: يروي عن المجهولين مناكير وعبد الرحمن الأفريقي ضعفه النسائي وغيره قال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئا وخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة أيضا الحديث: 5806 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 5807 - (الغل) بالكسر الحقد بدليل قرنه بقوله (والحسد يأكلان الحسنات كما تأكل النار الحطب) تحقيق لوجه التشبيه (ابن صصري في أماليه عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين الحديث: 5807 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 5808 - (الغلة بالضمان) هو كخبر الخراج بالضمان والغلة ما يحصل من زرع وتمر ونتاج وإجارة ولبن وصوف (حم هق عن عائشة) الحديث: 5808 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 5809 - (الغناء ينبت النفاق في القلب) ذهب بعضهم إلى أن لفظه الغنى بالقصر وأن المراد غنى المال الذي هو ضد الفقر وصوب بعض الحفاظ أنه بالمد وأن المراد به التغني ولذلك أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الملاهي واستدل لصحة هذا بأن مخرجه أخرجه أيضا من وجه آخر عن ابن مسعود موقوفا أن الغنى ينبت النفاق في القلب كما بنيت الماء البقل والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع فمقابلة الغناء بالذكر يدل على أن المراد به التغني (كما ينبت الماء البقل) أي هو سبب للنفاق ومنبعه وأسه وأصله وهذا تشبيه تمثيلي لأنه متبوع منتزع من عدة أمور متوهمة قال البغوي: الغناء رقية الزنا (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الملاهي عن ابن مسعود) ورواه ابن عدي عن أبي هريرة والديلمي عنه وعن أنس قال ابن القطان: وهو ضعيف وقال النووي: لا يصح وأقره الزركشي وقال العراقي: رفعه غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم الحديث: 5809 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 5810 - (الغناء (1) ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع) فيا لها من صفقة في غاية الخسران حيث باع سماع الخطاب [ص: 414] من الرحمن بسماع المعازف والألحان والجلوس على منابر الدر والياقوت بالجلوس في مجالس الفسوق ومذهب الشافعي أنه مكروه تنزيها عند أمن الفتنة وأخذ جمع بظاهره فحرموا فعله واستماعه مطلقا قال ابن حجر: وزعم أن المراد بالغناء هنا غنى المال رد بأن الرواية إنما هي بالمد وغنى المال مقصور (هب عن جابر) وفيه علي بن حماد قال الدارقطني: متروك وعبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلسا وإبراهيم ابن طهمان مختلف فيه   (1) قال ابن حجر في النحفة ويكره الغناء بكسر أوله والمد بلا آلة وسماعه يعني استماعه لا مجرد سماعه بلا قصد لما صح عن ابن مسعود ومثله لا يقال من قبل الرأي فيكون في حكم المرفوع أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل وقد جزم الشيخان في موضع بأنه معصية وينبغي حمله على ما فيه وصف نحو خمر أو تشبيب بأمرد أو أجنبية ونحو ذلك مما يحمل غالبا على معصية قال الأذرعي: أما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل كحداء الأعراب لإبلهم والنساء لتسكين صغارهم فلا شك في جوازه بل ربما يندب إذا نشط على سير أو رغب في خير كالحداء في الحج والغزو وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة اه. ومما يحرم اتفاقا سماعه من أمرد أو أجنبية خشية فتنة وقضية قوله بلا آلة حرمته مع الآلة اه. ملخصا وقال ابن الملقن في العجالة ويكره الغناء بلا آلة وسماعه لقوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية الحديث: 5810 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 5811 - (الغنى هو الإياس) أي القنوط (مما في أيدي الناس) أي ليس الغنى الحقيقي هو كثرة العرض والمال بل هو غنى النفس وقنعها بما قسم لها وقطع الآمال من الأموال التي بأيدي الناس والإعراض عنها بالقلب فيستغني بما حصل له لعلمه أنه لم يتغير وغنى النفس هو الاقتصار على ما يسد الخلة أو حصول الكمالات والتوكل على الرؤوف الغني أو كمال يمنع من ميل النفس وحرصها على الدنيا ولذتها حتى لا نفرق بين الحجر والذهب والمعنى أنه إذا يئس مما في أيدي الناس استغنى قلبه بالحق وسكنت نفسه إلى ضمانه وصار حرا عن التذلل لغيره ويحصل ذلك بصفاء توحيد قلبه بأن الخلق من ذروة العرش إلى منتهى تخوم العرش لا يستقلون بنفع ولا ضر إلا بإذنه تعالى وتسخيره (حل والقضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما الغنى؟ فذكره وفيه أبو بكر إبراهيم بن زياد العجلي قال في اللسان: عن أبي حاتم مجهول والحديث الذي يرويه منكر ثم ساق هذا قال: مطين راويه عن إبراهيم قلت لإبراهيم: هذا رأيته في النوم فغضبت وقال: يقول لي هذا وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: قال الأزدي إبراهيم متروك الحديث: 5811 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 5812 - (الغنى) بالكسر والقصر ضد الفقر والمراد هنا غنى النفس (الإياس مما في أيدي الناس) أي قطع الطمع عما في أيديهم والقناعة والرضى بالمقسوم فهذا هو الغنى المحمود المعتبر (ومن مشى منكم إلى طمع من طمع الدنيا فليمش رويدا) أي شيئا برفق وتمهل وتأن فإنه لا يناله إلا ما قسم له فلا فائدة للكد (العسكري في المواعظ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي باللفظ المذكور من هذا الوجه فاقتصار المصنف على العسكري تقصير أو قصور الحديث: 5812 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 5813 - (الغنى الإياس مما في أيدي الناس وإياك والطمع) أي احذره واجتنبه (فإنه الفقر الحاضر) فإن الطامع كلما حصل على شيء طلب غيره وهلم جرا فنفسه فقيرة أبدا حتى يجذبه ملك الموت بخياشيمه ويقبض روحه من جسده وهو على تلك الحالة الخبيثة الرديئة من غير استعداد للموت ولا تأهب له (العسكري) في المواعظ (عن ابن عباس) الحديث: 5813 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 [ص: 415] 5814 - (الغنم بركة) أي زيادة في النمو والخير ومنافع الغنم ظاهرة لا تكاد تحصى (ع عن البراء) بن عازب رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عبد الله الرزاز وهو ثقة الحديث: 5814 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 5815 - (الغنم بركة والإبل عز لأهلها والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وعبدك أخوك) في الدين (فأحسن إليه) بالقول والفعل والقيام بحقه (وان وجدته مغلوبا فأعنه) على ما كلفته من العمل ويحرم تكليفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام (البزار) في مسنده (عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف اه وأورده في الميزان من حديث أبي هريرة باللفظ المزبور في ترجمة أرطاة بن الأشعث وقال: إنه هالك الحديث: 5815 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 5816 - (الغنم من دواب الجنة فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها) جمع مربض كمجلس مأواها ليلا فلا تكره الصلاة فيه بخلاف الصلاة في عطن الإبل (خط عن أبي هريرة) ورواه عنه الحاكم أيضا في التاريخ باللفظ المذكور وقال البيهقي: روي عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا والوقف أصح الحديث: 5816 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 5817 - (الغنم أموال الأنبياء) أراد به أنها معظم أموال الأنبياء فنحو يحيى وعيسى الظاهر من قصصهما أنه لم يكن لهما أموال لا غنم ولا غيره (فر عن أبي هريرة) وفيه موسى بن مطير قال الذهبي: قال غير واحد متروك الحديث الحديث: 5817 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 5818 - (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) أي شبهها بجامع أن كلا منهما حصول نفع بلا جهد ومشقة والغنيمة الباردة ما حصل بلا حرب ولا مشقة (ت) في الصوم (عن عامر بن مسعود) وهذا مرسل إذ عامر المذكور تابعي لا صحابي وهو والد إبراهيم القرشي كما بينه الترمذي نفسه فقال: مرسل وعامر لا صحبة له اه فعدم بيان المصنف لكونه مرسلا غير صواب الحديث: 5818 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 5819 - (الغلام) أصله الشاب من الناس من الغلمة وهي شدة طلب النكاح وهيجان شهوته لكن المراد هنا المولود (مرتهن بعقيقته) أي هي لازمة له فيشبه في عدم انفكاكه منها بالرهن في يد مرتهنه يعني إذا لم يعق عنه فمات طفلا لا يشفع في أبويه كذا نقله الخطابي عن أحمد واستجوده وتعقب لأنه لا يقال لمن يشفع في غيره مرهون فالأولى أن يقال إن العقيقة سبب لانفكاكه من الشيطان الذي طعنه حال خروجه فهي تخليص له من حبس الشيطان له في أسره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته فهي سنة مؤكدة عند الشافعي ومالك للحديث المذكور وهو حجة على أبي حنيفة في قوله إنها بدعة بل أخذ بظاهره الليث وجمع فأوجبوها وهي شاتان للذكر وشاة للأنثى عند الشافعي وعند مالك شاة للذكر كالأنثى (تذبح عنه) بالبناء للمفعول فأفاد أنه لا يتعين الذابح وعند الشافعية يتعين من تلزمه نفقة المولود وعند الحنابلة يتعين الأب إلا إن تعذر (يوم السابع) من يوم الولادة وهل يحسب يوم الولادة؟ وجهان رجح الرافعي الحسبان واختلف ترجيح النووي وتمسك به من قال بتأقيتها به وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع وإنها تفوت بعده وهو قول مالك وعند الشافعية أن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين ونقل الترمذي عن العلماء أنه يستحبون أن يذبح يوم السابع [ص: 416] فإن لم يتهيأ فالرابع عشر فإن لم يتهيأ فالحادي والعشرون قال ابن حجر: ولم أره صريحا إلا للبوشنجي (ويسمى) فيه باسم حسن ومن لا يعق عنه لا تؤخر تسميته إلى السابع بل يسمى غداة ولادته كما اقتضاه صنيع البخاري وقال ابن حجر: إنه جمع لطيف قال: لكن قد اختلف في هذه اللفظة هل هي يسمي أو يدمي بالدال بدل السين؟ والأصح يسمي وحمل بعضهم قوله ويسمي على التسمية عند الذبح كما خرجه ابن أبي شيبة عن قتادة يسمي على العقيقة كما يسمي على الأضحية باسم الله عقيقة فلان (ويحلق رأسه) أي كله للنهي عن القزح ولا يطلى بدم العقيقة كما كانت الجاهلية تفعله واستمر زمنا في صدر الإسلام ثم نسخ وأمرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن يجعلوا مكان الدم خلوقا ويتصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة ولذلك كره الجمهور التدمية وإطلاقه حلق الرأس يشمل الأنثى لكن حكى الماوردي كراهة حلق رأسها وعن بعض الحنابلة تحلق واستدل بقوله يذبح ويسمي ويحلق بالواو وعلى عدم اشتراط الترتيب لكن خرج أبو الشيخ [ابن حبان] عن سمرة يذبح يوم سابعه ثم يحلق وفي تهذيب البغوي يستحب الذبح قبل الحلق وصححه في المجموع (ت ك) من حديث الحسن (عن سمرة) بن جندب وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به عن الستة وليس كذلك فقد قال ابن حجر: رواه أحمد وأصحاب والسنن والحاكم والبيهقي عن سمرة وصححه الترمذي والحاكم وأحله بعضهم بأنه من رواية الحسن عن سمرة وهو مدلس لكن في البخاري أن الحسن سمع حديث العقيقة من سمرة قال أعني ابن حجر فكأنه نحى هذا الحديث: 5819 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 5820 - (الغلام مرتهن بعقيقته) قال أحمد: محتبس عن الشفاعة لوالديه وتعقبه ابن القيم بأن شفاعة الولد في والده ليست بأولى من العكس وبأنه لا يقال لمن شفع لغيره إنه مرتهن بل المراد أن العقيقة تخليص له من الشيطان ومنعه من سعيه في مصالح آخرته (فأهريقوا عنه الدم) أمر من إهراق يهريق بسكون الهاء أهرياقا نحو استطاع يستطيع استطياعا وكأن الأصل أزاق فأبدلت الهمزة هاء ثم جعلت عوضا عن ذهاب حركة العين فصارت كأنها من نفس الكلمة ثم أدخل عليه الهمزة ذكره القاضي (وأميطوا) أزيلوا وزنا ومعنى (عنه الأذى) أي شعر رأسه وما عليه من قذر طاهر أو نجس ليخلف الشعر شعر أقوى منه ولأنه أنفع للرأس مع ما فيه من فتح مسام الرأس ليخرج البخار بسهولة وفيه تقوية حواسه والشافعي ندب ذبح شاتين عن الذكر إظهارا لشرفه وإبانة لمحله لذا فضل به على الأنثى كما فضله في الدية والإرث وغيرهما قالوا: وندب إماطة الأذى يعرفك أن ما اعتيد من لطخ رأس المولود بدم العقيقة غير جائز لأنه تنجس له بلا ضرورة وذلك من أكبر الأذى وقد جاء النهي عنه صريحا لأنه فعل الجاهلية (هب عن سالم بن عامر) الضبي ظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه ولعله ذهول فقد عزاه في مسند الفردوس إلى عظيم الفن البخاري الحديث: 5820 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 5821 - (الغلام) لفظ رواية مسلم إن الغلام (الذي قتله الخضر) وكان شابا ظريفا وضيء الوجه غير بالغ اسمه حنشور أو خنشور (طبع يوم طبع كافرا) أي جبل على الكفر وكتب في بطن أمه من الأشقياء ولا يعارضه خبر كل مولود يولد على الفطرة لأن المراد بالفطرة استعداد قبول الإسلام وذلك لا ينافي كونه شقيا في جبلته والمراد إن الله علم أنه لو بلغ كان كافرا لأنه كافر حالا إذ أبواه مؤمنان (و) لكنه (لو عاش) حتى بلغ (لأرهق أبويه) أي لحملهما حبه على اتباعه في كفره فكان ذلك (طغيانا) مجاوزا للحد في المعصية (وكفرا) جحودا للنعمة لا يقال كفره [ص: 417] مآلا لا يبيح قتله حالا لأنا نقول جاز ذلك في شرعهم أو نقول هذا علم لدني قال تعالى {وعلمناه من لدنا علما} وله مشرب آخر غير معهود في الظاهر لا يليق إلا بأهل الكشف وهذا بناء على ما عليه الجمهور أن الغلام لم يكن بلغ وهو المعروف من اسم الغلام وذهب بعضهم إلى أنه كان بالغا وقال العرب تطلق الغلام على البالغ إذا كان قريبا منه توسعا قالت الأخيلية: شفاها من الداء العضال الذي بها. . . غلام إذا هز القناة شفاها وقال صفوان لحسان: تلق ذباب السيف عني فإني. . . غلام إذا هوجيت لست بشاعر قال القرطبي: والصحيح ما قاله الجمهور وأن المراد بطبع خلق قلبه على صفة قلب الكافر من القسوة والجهل ومحبة الفساد وضرر العباد ولما علم الله منه ذلك أمر الخضر بقتله فقتله من باب دفع الضرر كقتل الحيات والسباع العادية لا من باب القتل المترتب على التكليف ولا إشكال فيه على أصول أهل السنة فإنه تعالى الفعال لما يريد لا وجوب عليه وفيه بيان حكمة فعل الخضر فكأنه خرج مخرج الاعتذار عنه (م د ت عن أبي) بن كعب ورواه عنه الطيالسي وغيره الحديث: 5821 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 5822 - (الغيبة ذكرك) بلفظ أو كتابة أو رمز أو إشارة أو محاكاة (أخاك) في الدين في غيبته (بما) أي بالشيء الذي (يكره) لو بلغه في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو أهله أو خادمه أو ماله أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكره بلفظ أو إشارة أو رمز كما في الأذكار عن الحجة بل أو بالقلب قال: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم قال بعض من يدعي العلم أو بعض من ينسب للصلاح ونحو ذلك مما يفهم السامع المراد به ومنه قولهم عند ذكره الله يعافينا أو يتوب علينا أو نسأله السلامة فكل ذلك من الغيبة قال الغزالي: وإياك وغيبة القراء المرائين وهي أن تفهم المقصود من غير تصريح فتقول أصلحه الله وقد ساءني وغمني ما جرى عليه فنسأل الله أن يصلحنا وإياه فإن هذا جمع بين خبيثين الغيبة إذ به حصل التفهيم والآخر تزكية النفس والثناء عليها بالتحرج والصلاح وإن كان قصدك الدعاء له بالصلاح فادع له سرا وإن اغتممت له فعلامته أن لا تريد فضيحته فيحرم وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وعلم منه أن ذكره بما يكره غيبة وإن كان صدقا كما ذكره الغزالي (د) في الأدب (عن أبي هريرة) قضية تصرف المصنف أن هذا لم يخرج في أحد الصحيحين وهو ذهول بل رواه مسلم في البر والصلة ولفظه أتدرون ما الغيبة قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره ورواه الترمذي في البر والنسائي في التفسير فاقتصاره على أبي داود تقصير الحديث: 5822 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 5823 - (الغيبة تنقض الوضوء والصلاة) تمسك بظاهره قوم من المتنسكين والعباد فأوجبوا الوضوء من النطق المحرم وبالغ بعضهم فقال: إذا خطر في القلب خاطر غير الله فهو حدث يتوضأ منه وهذا غلو لا يوافق عليه الجمهور والحديث عندهم خرج مخرج الزجر عن الغيبة (تتمة) حكى في علم الهدى عن بعضهم أنه رأى سائلا عليه عباءة وبيده ركوة فقال: إني إنسان أقصد الورع ولا آكل إلا ما يلقيه الناس ربما آخذ قشرة شيء فربما سبقني النمل فهل علي شيء في تناوله قال: فقلت في نفسي ما على وجه الأرض من يتورع مثل هذا كالمنكر عليه فنظرت فإذا الرجل واقف على أرض من فضة صافية فقال لي: الغيبة حرام وغاب عن بصري (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فإهمال المصنف للأصل واقتصاره على الفرع غير مرضي الحديث: 5823 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 [ص: 418] 5824 - (الغيرة) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها راء مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما تكون ما بين الزوجين (من الإيمان) لأنها وإن تمازج فيها داعي الطبع وحق النفس بكونها مما يجدها المؤمن والكافر لكنها بالمؤمن أحق وهي له أوجب لأن فيها حفظ الرسوم الشرعية ذكره في المطامح (والبذاء من النفاق) كذا وقفت عليه في نسخ بالباء الموحدة لكن الذي أورده في النهاية المذاء بميم مكسورة يعني قيادة الرجل على أهله بأن يدخل الرجال عليهم ثم يخليهم يماذي بعضهم بعضا يقال أمذى الرجل وماذى إذا قاد على أهله وقيل هو المذاء بالفتح ثم وقفت على مسند البزار فرأيته بالميم وفيه تتمته وهي كما قال قلت: ما المذاء قال: الذي لا يغار اه. بنصه كأنه من اللين والرخاوة من أمذيت الشراب إذا أكثرت مزاجه فذهبت شدته وحدته ويروى المذال باللام وهو أن يقلق الرجل عن فراشه الذي يضاجع عليه حليلته ويتحول عنه ليفترشه غيره والماذل الذي يطيب نفسه عن الشيء يتركه ويسترخي عنه <تنبيه> قال الراغب: الغيرة ثوران الغضب حماية على الحرم وأكثر ما يراعى في النساء وجعل الله القوة الإنسانية سببا لصيانة المياه وحفظا للإنسان ولذلك قيل كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها وقد يستعمل ذلك في صيانة كل ما يلزم صيانته من السياسات الثلاث سياسة الرجل نفسه وسياسة الملك مدينته ولذلك قيل ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته بل ذبه عن كل مختص به وقال بعضهم: الغيرة إذا كانت في ميزان الاقتصاد حمدت بأن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها ولا يبالغ في إساءة الظن وتجسيس البواطن وقال ابن عربي: كن غيورا لله واحذر من الغيرة الطبيعية الحيوانية أن تستفزك وتلبس عليك نفسك بها والميزان أن الذي يغار لله إنما يغار لانتهاك محارمه على نفسه وعلى غيره فكما يغار على أمه أو حليلته أن يزني بها أحد يغار على أم غيره وحليلته أن يزني هو بها فمن زنى وادعى الغيرة في الدين أو المروءة فهو كاذب فلا يكون غيرته من الإيمان بل من الكفران ومن يكره شيئا لنفسه ولا يكرهه لغيره فليس بذي غيرة إيمانية وقال بعضهم: معنى الحديث أن الغيرة أساسها الإيمان لكن تكون الغيرة لله لا عليه وهي التي وقعت للشبلي لما أذن وقال أشهد أن لا إله إلا الله وعزتك لولا أمرتني بذكر محمد ما ذكرته معك ولعل هذا صدر منه قبل أن يعرف الله معرفة العارفين فإنه غار على الحق وذلك غير لائق إذ الحق رب كل مخلوق فلا يمكن اختصاصه به وحده فالغيرة المحمودة لا تكون إلا لله أو به أو لأجله لا عليه (تتمة) ورد في حديث أن فتى جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا. فزجره أصحابه وهموا أن يبطشوا به فكفهم وقال: ادن فدنا منه فقال: يا هذا أتحب أن يزني أحد بأمك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن تزني بأمهاتهم قال: أتحب أن يزني أحد بامرأتك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن يزنى بزوجاتهم فقال الرجل: تبت إلى الله تعالى (البزار) في مسنده (هب) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه قال البزار: تفرد به أبو مرحوم وهو عبد الرحيم ابن كروم قال أبو حاتم: مجهول وقال الهيثمي: فيه أبو مرحوم وثقه النسائي وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 5824 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 5825 - (الغيلان سحرة الجن) قالوا: خلقها خلق إنسان ورجلاها رجلا حمار ورأى الغول جمع من الصحابة منهم عمر رضي الله عنه حين سافر إلى الشام قبل الإسلام وضربه بسيفه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (مكائد الشيطان عن عبد الله بن عبيد بن عمير) بالتصغير (مرسلا) هو الليثي أبو الهاشم المكي عن ابن عباس وخلق وثقه أبو حاتم وغيره الحديث: 5825 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 حرف الفاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 5826 - (فاتحة الكتاب) سميت فاتحة لأنها فتح بها القرآن وفاتحة الشيء أوله. قال المولى الخسروي: والكتاب كالقرآن [ص: 419] يطلق على الجزء والكل والمراد هنا الأول فمعنى فاتحة الكتاب أوله ثم صار علما بالغلبة على سورة الحمد وقد تطلق عليها الفاتحة وحدها فإما علم آخر بالغلبة أيضا واللام لازمة آو اختصار لعدم الإلباس واللام كالعوض عن المضاف إليه (شفاء من السم) قال الطيبي: ولعمري أنها كذلك لمن تدبر وتفكر وجرب. قال ابن القيم: إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب فقد اشتملت على ذكر أصول أسمائه تعالى ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به وتجنب ما نهى عنه والاستقامة عليه وتضمنها ذكر أوصاف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لجهله به مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع وحقيق بسورة هذا شأنها أن تشفي من السم ومن غيره (ص هب عن أبي سعيد) الخدري (أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 5826 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 5827 - (فاتحة الكتاب) قال العصام: سميت به لأن الله يفتح بها الكتاب على القارئ إذ فيها الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم الذي لأجله نزل الكتاب الكريم وبه يعرف وجه التسمية بسورة الكنز والكافية والوافية والشافية وأم الكتاب ولأمر ما صارت أول الكتاب اه. (شفاء من كل داء) من أدواء الجهل والمعاصي والأمراض الظاهرة لما حوته من إخلاص العبودية والثناء على الله وتفويض الأمر إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم وذلك من أعظم الأدوية الشافية الكافية قيل ومحل الرقية منها {إياك نعبد وإياك نستعين} لما فيهما من عموم التفويض والتوكل والالتجاء والاستعانة والافتقار والطلب والجمع من أعلى الغايات وهي عبادة الرب وحده وأشرف الوسائل ومن الاستعانة به على عبادته ما ليس في غيرها (هب عن عبد الملك بن عمير مرسلا) هو الكوفي رأى عليا وسمع جريرا قال أبو حاتم: صالح الحديث ليس بالحافظ ثم إن فيه محمد بن منده الأصبهاني قال الذهبي: قال ابن أبي حاتم: لم يكن بصدوق الحديث: 5827 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 5828 - (فاتحة الكتاب تعدل ثلثي القرآن) لاشتمالها على أكثر مقاصد القرآن من الحكمة العملية والنظرية باعتبار ما هو دعاء منها فالمشير إلى الحكمة العملية {الصراط المستقيم} والمشير إلى الحكمة النظرية ذكر السعداء وضدهم <فائدة> قال ابن عربي: إذا قرأت الفاتحة فصل باسم الله الرحمن الرحيم بالحمد لله في نفس واحد من غير قطع فإني أقول بالله العظيم لقد حدثني أبو الحسن علي بن أبي الفتح الكفاري الطبيب بمدينة الموصل سنة أحد وست مئة وقال بالله العظيم لقد سمعت المبارك ابن أحمد المقرئ النيسابوري يقول بالله العظيم لقد سمعت من لفظ أبي بكر الفضل بن محمد الكاتب الهروي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر بن محمد الشاشي الشافعي من لفظه وقال بالله العظيم لقد حدثني عبد الله المعروف بأبي نصر السرخسي وقال بالله العظيم لقد حدثنا محمد بن الفضل وقال بالله العظيم لقد حدثنا محمد بن علي بن يحيى الوراق الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد وقال بالله العظيم لقد حدثني موسى بن عيسى وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الراجعي وقال بالله العظيم لقد حدثني عمار بن موسى البرمكي وقال [ص: 420] بالله العظيم لقد حدثني أنس بن مالك وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال بالله العظيم لقد حدثني جبريل وقال بالله العظيم لقد حدثني إسرافيل وقال قال الله تعالى يا إسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة: أشهد على أني قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت عنه السيئات ولا أحرق لسانه في النار وأجيره من عذاب القبر وعذاب النار والفزع الأكبر ويلقاني قبل الأنبياء والأولياء أجمعين (عبد بن حميد في تفسيره عن ابن عباس) الحديث: 5828 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 5829 - (فاتحة الكتاب أنزلت من كنز تحت العرش) لأن الله جمع نبأه العظيم فيها وكنزها تحت العرش ليظهرها في الختم عند تمام أمر الخلق وظهور بادئ الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه وتعالى يختم بما به بدأ ولم يظهرها قبل ذلك لأن ظهورها يذهب وهل الخلق ويمحو كفرهم. ذكره الحرالي (ابن راهويه عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 5829 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 5830 - (فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرؤهما عبد في دار فيصيبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن) وفي كتاب الثواب لأبي الشيخ عن عطاء إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقضى إن شاء الله تعالى <تنبيه> قال حجة الإسلام: ورد في خبر إن آية الكرسي السيد والفاتحة وسر التخصيص أن جامع الأفضل ويسمى فاضلا والذي يجمع أنواعا أكثر يسمى أفضل فنون الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد وأما السؤد فعبارة عن رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه عن معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى التي هي المتبوعة المقصودة التي يتبعها سائر المعارف واسم السيد بها أليق (فر عن عمران بن حصين) الحديث: 5830 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 5831 - (فاتحة القرآن تجزئ) أي تقضى وتنوب (ما لا يجزئ شيء من القرآن) قال القاضي: فيه وجوب القراءة في الصلاة فقال أحمد ومالك إنها سنة وأوجبها الباقون ثم اختلفوا في الواجب فقال الشافعي تتعين الفاتحة ولا يقوم غيرها مقامها لهذا الحديث ونحوه وقال أبو حنيفة يجب آية من القرآن أية آية منه (ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات) لاحتوائها على ما فيه من الوعد والوعيد والأوامر والنواهي وزيادتها بأسرار محجبة بين الأستار <فائدة> قال ابن عربي: خدمت فاطمة بنت المثنى وكانت تقول أعطاني الله فاتحة الكتاب تخدمني فما شغلتني وكانت إذا قرأتها تنشئها في القراءة صورة مجسدة في الهواء الخارج من فيها بحروف الفاتحة حتى تقوم صورة مكملة فتقول يا فاتحة افعلي كذا وكذا فيكون كما قالت وأنا أعجب ممن عنده الفاتحة كيف يحتاج إلى غيرها وجاءتها امرأة تشتكي غيبة زوجها فقرأت الفاتحة ثم قالت يا فاتحة الكتاب تروحي إلى بلد كذا تأتي بزوجها فلم يلبث سوى مسافة الطريق (فر عن أبي الدرداء) ورواه عنه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي الحديث: 5831 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 5832 - (فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبدا) يريد إلى أن فارس تقاتل المسلمين مرة أو مرتين ثم يبطل ملكها [ص: 421] ويزول فحذف الفعل لبيان معناه (والروم ذات القرون) جمع قرن (كلما هلك قرن خلفه قرن أهل صبر وأهله لآخر الدهر هم أصحابكم ما دام في العيش خير) (الحارث) بن أبي أسامة (عن) عبد الله (ابن محيريز) بمهملة وراء وآخره زاي مصغرا هو ابن جنادة بن وهب الجمحي المكي ثقة عابد من الطبقة الثالثة الحديث: 5832 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 5833 - (فاطمة) ابنته (بضعة) بفتح أوله وحكى ضمه وكسره وسكون المعجمة والأشهر الفتح أي جزء (مني) كقطعة لحم مني (فمن أغضبها) بفعل لا يرضيها فقد (أغضبني) استدل به السهيلي على أن من سها كفر لأنه يغضبه وأنها أفضل من الشيخين قال ابن حجر: وفيه نظر قال الشريف السمهودي: ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه ومن ثم لما رأت أم الفضل في النوم أن بضعة منه وضعت في حجرها أولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تلد فاطمة غلاما فيوضع في حجرها فولدت الحسن فوضع في حجرها فكل من يشاهد الآن من ذريتها بضعة من تلك البضعة وإن تعددت الوسائط ومن تأمل ذلك انبعث من قلبه داعي الإجلال لهم وتجنب بغضهم على أي حال كانوا عليه اه. قال ابن حجر: وفيه تحريم أذى من يتأذى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بتأذيه فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتأذى به بشهادة هذا الخبر ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها من قبل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا {ولعذاب الآخرة أشد} اه (خ) في المناقب (عن المسور) بن مخرمة الحديث: 5833 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 5834 - (فاطمة بضعة) بفتح الباء على المشهور وفي رواية مضغة بميم مضمومة وبغين معجمة ذكره ابن حجر (مني يقبضني ما يقبضها) أي أكره ما تكرهه وانجمع مما تنجمع منه (ويبسطني ما يبسطها) أي يسرني ما يسرها (وإن الأنساب) كلها (تنقطع يوم القيامة) {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} (غير نسبي وسببي) النسب بالولادة والسبب بالزواج أصله من السبب وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ثم استعير لكل ما يوصل لأي شيء (وصهري) الفرق بينه وبين النسب أن النسب راجع لولادة قريبة لجهة الآباء والصهر من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج <تنبيه> قال المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: في هذه الأخبار تحريم نكاح علي على فاطمة في حياتها حتى تأذن ويدل على ذلك قوله تعالى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} اه وقال غيره: أخذ من هذه الأخبار حرمة التزوج على بناته وممن جزم به الشيخ أبو علي السخي في شرح التلخيص فقال: يحرم التزويج على بنات النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف: ولعله يريد من ينسب إليه بالنبوة ويكون هذا دليله وقال ابن حجر في الفتح: لا يبعد أن يعد من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة لأنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدة فواحدة فلم يبق ممن تأنس به ممن يخفف عنها أمر الغيرة أحد (حم ك عنه) أي عن المسور الحديث: 5834 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 5835 - (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم) وفي رواية لأحمد والطبراني إلا ما كان من مريم (بنت عمران) فعلم أنها أفضل من عائشة لكونها بضعة منه وخالف فيه بعضهم قال السبكي الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة ولم يخف عنا الخلاف في ذلك ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل إلى هنا كلامه قال الشيخ شهاب الدين ابن [ص: 422] حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون قال: فأفضلهن فاطمة فخديجة فعائشة وظاهر الأحاديث أفضليتها على أخواتها لكونه خصها بالبضعة منه دونهن ولتجرعها ألم فقده دونهن لموتهن في حياته بخلاف أمهن فإنها شاركتهن في ألم فقدها نعم ينبغي أن يلحق بها أخواتها في تفضلهن أيضا على أمهن بل نظر بعض الأئمة إلى ما فيهن من البضعة ففضلهن من هذه الحية أنه حصل لهن بها شرف عظيم فهو كتفضيل المصحف على كتب العلم وبه يعلم أن التفضيل لا ينحصر في زيادة الثواب إلى هنا كلام الشهاب. قال في المطامح: والتحقيق أن الفضيلة رتبة ذاتية فعائشة لها الفضيلة الرتبية لأنها رفيقته في الجنة وهو أعلى الخلق درجة فيها وفاطمة فضيلتها بالذات والاتصال وكذا سائر أولاده قال: وقد زل قدم البعض فقال إن فاطمة إنما شرفت بالمهدي الذي يخرج منها وهذا كفر لا غبار عليه وسمعت بعض شيوخنا يحكيه عن السهيلي عفا الله عنه وقد كفر وامتحن من أجلها فإنما قال ذلك من قلة الدين والاجتراء على الهوى والباطل اه. وقد اجترأ عفا الله عنه على السهيلي ونسب إليه ما لم يقله فإنه لم يقل إنها شرفت بالمهدي كما زعمه بل قال إن ذلك من جملة سؤددها وشتان ما بين التعبير وعبارة السهيلي في روضه عند كلامه على خبر إنها سيدة نساء أهل الجنة ما نصه قد دخل في هذا الحديث أمها وأخواتها وقد تكلم الناس في المعنى الذي سادت به غيرها دون أخواتها وأمها لأنهن متن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكن في صحيفته ومات سيد العالمين في حياتها فكان رزؤه في صحيفتها ومميزاتها وقد روى البزار عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام قال لها هي خير بناتي لأنها أصيبت بي ومن سؤددها أيضا أن المهدي المبشر به في آخر الزمان من ذريتها مخصوصة بذلك كله هذه عبارة بحروفها وليس فيها أنها إنما شرفت بالمهدي كما عزى إليه والتعصب يضيع العجائب وفي الفتاوى الظهيرية للحنفية أن فاطمة لم تحض قط ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلا تفوتها صلاة قال: ولذلك سميت بالزهراء وقد ذكره من صحبنا المحب الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وأورد فيه حديثين أنها حوراء آدمية طاهرة مطهرة لا تحيض ولا يرى لها دم في طمث ولا ولادة وفي الدلائل للبيهقي أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع يده على صدرها ورفع عنها الجوع فما جاعت بعد وفي مسند أحمد وغيره أنها لما احتضرت غسلت نفسها وأوصت أن لا يكشفها أحد فدفنها علي بغسلها ذلك وذكر العلم العراقي أن فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بالاتفاق (تتمة) قال ابن حجر في الفتح: أقوى ما استدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن خبر إن فاطمة سيدة نساء العالمين إلا مريم وأنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات في حياتها فكان في صحيفتها قال: وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصا في تفسيره الطبري عن فاطمة أنه ناجاها فبكت ثم ناجاها فضحكت فذكر الحديث في معارضة جبريل له القرآن مرتين وأنه قال: أحسب أني ميت في عامي هذا وأنه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا فبكت فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فضحكت (ك) في فضائل أهل البيت (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا عنه أحمد والطبراني قال ابن حجر: وإسناده حسن وإذا ثبت ففيه حجة لمن قال امرأة فرعون ليست بنبية الحديث: 5835 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 5836 - (فاطمة أحب إلي منك) يا علي بن أبي طالب (وأنت أعز علي منها) وقوله (قاله لعلي) مدرج للبيان من الصحابي أو من المصنف (طس عن أبي هريرة) قال: قال علي يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم فاطمة؟ فذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 5836 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 5837 - (فتح) بالبناء للمفعول وفي رواية للبخاري فتح الله (اليوم) نصب على الظرفية (من ردم يأجوج ومأجوج) من سدهم الذي بناه ذو القرنين (مثل) بالرفع مفعول ناب عن فاعله (هذه) أي الحلقة القصيرة [ص: 423] (وعقد بيده تسعين) بأن جعل طرف سبابته اليمنى في أصل الإبهام وضمها محكما بحيث انطوت عقدة إبهامها حتى صارت كالحية المطوقة واختلف في العاقد ورجح بعضهم أن العقد مدرج وليس من الحديث وإنما الرواة عبروا عن الإشارة مثل هذه بذلك والمراد بالتمثيل التقريب لا التحديد وقد قيل إنهم يحفرون في كل يوم حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوه إلا قليلا فيقولون غدا نأتي فيأتون إليه فيجدونه عاد كما كان فإذا جاء الوقت قالوا: عند المساء غدا إن شاء الله فإذا أتوا ونقبوه خرجوا <تنبيه> قال ابن العربي: الإشارة المذكورة تدل على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يعلم عدد الحساب وليس فيه ما يعارض حديث إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب فإن هذا إنما جاء لبيان صورة معينة قال ابن حجر: والأولى أن يقال أراد بنفي الحساب ما يتعاناه أهل صناعته من الجمع والضرب والتكعيب وغير ذلك وأما عقد الحساب فاصطلاح تواضعه العرب بينهم استغناء به عن اللفظ وأكثر استعمالهم له عند المساومة سترا عمن حضر فشبه المصطفى صلى الله عليه وسلم قدر ما فتح بصفة معروفة بينهم (حم ق عن أبي هريرة) وخرجاه أيضا عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم إلخ الحديث: 5837 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 5838 - (فتح الله بابا للتوبة من المغرب عرضه مسيرة سبعين عاما لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه) أي من جهته ومر شرح ذلك مفصلا بما منه أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد فلا تغفل (تخ عن صفوان بن عسال) المرادي صحابي له اثنا عشرة غزوة الحديث: 5838 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 5839 - (فتنة الرجل) أي ضلاله ومعصيته أو ما يعرض له من الشر ويدخل عليه من المكروه (في أهله) مما يعرض له معهم من نحو هم وحزن أو شغله بهم عن كثير من الخير وتفريطه فيما يلزمه من القيام بحقهم وتأديبهم وتعليمهم (وماله) بأن يأخذه من غير حله ويصرفه في غير حله ووجهه أو بأن يشغله لفرط محبته له عن كثير من الخيرات (و) فتنته في (نفسه) بالركون إلى شهواتها ونحو ذلك (و) فتنته في (ولده) بفرط محبته والشغل به عن المطلوبات الشرعية (و) في (جاره) بنحو حسد وفخر ومزاحمة في حق وإهمال في تعهد ونبه بالأربع على ما سواها (يكفرها) أي الفتنة المتصلة بما ذكر (الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لأن الحسنات يذهبن السيئات ونبه به على ما عداها فنبه بالصلاة والصوم على العبادة الفعلية وبالصدقة على المالية وبالأمر والنهي على القولية وهي أصول المكفرات والمراد الصغائر فقط لخبر الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر يحتمل أن يكون كل واحد من الصلاة وما بعدها يكفر المذكورات كلها لا كل واحد منهما وأن يكون من الكفر والشرك بأن تكفر الصلاة فتنة الأهل وهكذا إلخ وخص الرجل لأنه غالبا صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم (ق ت هـ عن حذيفة) بن اليمان سببه أن عمر قال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة فقال حذيفة: أنا أحفظه كما قال قال: إنك عليه لجريء فكيف قال قال: فتنة الرجل إلخ قال: ليس هذه أريد ولكني أريد التي تموج كموج البحر قال: قلت ليس عليك فيها بأس بينك وبينها باب مغلق قال فيكسر الباب أو يفتح قال: قلت لا بل يكسر قال: فإنه إذا كسر لم يغلق أبدا قال: قلت أجل فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق: سله فسأله فقال: عمر قال: قلنا يعلم عمر من يعني قال: نعم كما كان دون غد ليلته وذلك أني أحدثه حديثا ليس بالأغاليط انتهى الحديث: 5839 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 [ص: 424] 5840 - (فتنة القبر في) أي فتنة القبر تكون في السؤال عن النبوة المحمدية فمن أجاب حين يسأل بأنه عبد الله ورسوله وأنه آمن به وصدقه نجا ومن تلعثم أو قال سمعت الناس يقولون شيئا فقلته عذب (فإذا سئلتم عني) في القبر (فلا تشكوا) أي لا تأتوا بالجواب على الشك والتردد بل اجزموا بذلك لتحصل لكم النجاة (ك عن عائشة) الحديث: 5840 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 5841 - (فجرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان) وهما غير سيحون وجيحون فإنه لم يرد أنهما من الجنة إلا في خبر ضعيف رواه الواحدي وأما سيحان وجيحان ففي مسلم ولا يكره استعمال مياه هذه الأربعة في الحدث والخبث. وإن كانت من الجنة لأن المنع منها تضييق والفرات نهر عظيم مشهور يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بالكوفة ثم بالحلة ثم يلتقي مع دجلة (حم عن أبي هريرة) ورواه ابن منيع والحارث والديلمي رمز المصنف لصحته الحديث: 5841 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 5842 - (فجور المرأة الفاجرة) أي المنبعثة في المعاصي (كفجور ألف) رجل (فاجر) في الإثم أو في الفساد والإضرار بالناس (وبر المرأة) أي عملها في وجوه الخير وتحليها بصنوف الديانات (كعمل سبعين صديقا) أي يضاعف لها ثواب عملها حتى يبلغ ثواب عمل سبعين صديقا (أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حبان (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم والديلمي الحديث: 5842 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 5843 - (فخذ المرء المسلم من عورته) لأن ما بين السرة والركبة عورة وهذا منه (طب عن جرهد) ورواه الحاكم والديلمي عن ابن عباس بلفظ فخذ الرجل عورة الحديث: 5843 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 5844 - (فراش للرجل وفراش لامرأته) قال الطيبي: فراش مبتدأ مخصصه محذوف يدل عليه قوله (والثالث للضيف) أي فراش واحد كاف للرجل وهكذا (والرابع للشيطان) لأنه زائد على الحاجة وسرف واتخاذه مماثل لعرض الدنيا وزخارفها فهو للمباهاة والاختيال والكبر وذلك مذموم وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويحث عليه فكأنه له أو هو على ظاهره وأن الشيطان يبيت عليه ويقيل وفيه جواز اتخاذ الإنسان من الفرش والآلات ما يحتاجه ويترفه به قال القرطبي: وهذا الحديث إنما جاء مبينا لعائشة ما يجوز للإنسان أن يتوسع فيه ويترفه به من الفرش لا أن الأفضل أن يكون له فراش يختص به ولامرأته فراش فقد كان المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس له إلا فراش واحد في بيت عائشة وكان عنده فراشا ينامان عليه ويجلسان عليه نهارا وأما فراش الضيف فيتعين للمضيف إعداده لأنه من إكرامه والقيام بحقه ولأنه لا يتأتى له شرط الاضطجاع ولا النوم معه وأهله على فراش واحد ومقصود الحديث أن الرجل إذا أراد أن يتوسع في الفرش فغايته ثلاث والرابع لا يحتاجه فهو سرف وفقه الحديث ترك الإكثار من الآلات والأشياء المباحة والترفه بها وأن يقتصر على حاجته ونسبة الرابع للشيطان ذم له لكنه لا يدل على التحريم فكذا الفرش قيل وفيه أنه لا يلزمه المبيت مع زوجته بفراش ورد بأن النوم معها وإن لم يجب لكن علم من أدلة أخرى أنه أولى حيث لا عذر لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم (حم م) في اللباس (د ن عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري الحديث: 5844 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 5845 - [ص: 425] (فرج) بالفاء للمفعول لتعظيم الفاعل أي فتح بمعنى شق (سقف) لفظ رواية البخاري عن سقف (بيتي) أضافه إليه لسكناه به وكان ملك أم هانئ فلذلك أضيف إليها في رواية باعتبار ملك البقعة ولا يعارضه رواية أنه كان بالحطيم لأنه فرج به من البيت إلى الحطيم وحكمة التعبير بالانفراج أن الملك انصب عليه من السماء انصبابة واحدة وفيه أيضا تمهيد بما وقع من شق صدره فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه كيفية ما سيفعل به لطفا به وتثبيتا له كذا قرره ابن حجر وفيه نظر لما أن الشق كان وقع من قبل أيضا (وأنا بمكة) جملة حالية دفع به توهم أنه كان بغيرها (فنزل جبريل) فانطلق به من البيت إلى الحجر ومنه كان الإسراء فلا يعارضه رواية إن الإسراء كان من المسجد ودخل من السقف لا الباب لكونه أوقع صدقا في القلب وأبلغ في المفاجأة وتنبيها على وقوع الطلب بغير موعد (ففرج) بفتح الفاء والراء والجيم أي شق (صدري) ما بين النحر إلى اللبة كما في رواية وقد شق صدره وهو صغير في بني سعد لينشأ على أكمل الأحوال ثم عند التكليف وهو ابن نحو اثني عشر لئلا يلتبس بشيء مما يعاب على الرجال ثم عند البعث ليتلقى ما يلقى إليه بقلب قوي ثم عند إرادة العروج وهو الذي الكلام فيه ليتأهب للمناجاة وهل شق صدره من خصائصه؟ خلاف (ثم غسله) ليصفو ويزداد قابلية لإدراك ما عجز القلب عن معرفته وكان غسله (بماء زمزم) لكون أصله من الجنة فيقوى على مشاهدة الملكوت الأعلى ومن خواصه أنه يقوي القلب ويسكن الروع وأخذ منه البلقيني أنه أفضل من الكوثر (ثم جاء) أي جبريل (بطست) بفتح أو كسر فسكون السين مهملة والمعجمة لغة لم يقف عليها من جعلها من لحن العامة وخصه دون بقية الأواني لأنه آلة الغسل عرفا وكان (من ذهب) لأنه أعلى أواني الجنة ولسرور القلب برؤيته وصفرته {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين} ولأن الطبائع الأربع فيه على السواء ولأنه أثقل الأشياء فهو موافق لثقل الوحي ولأن الأرض وكذا النار لا تأكله ولا تغيره كالقرآن وهذا قبل تحريم الذهب لأنه إنما حرم بالمدينة مع أنه فعل الملائكة ولا يلزم كونهم مثلنا في تحريم استعمال النقد كذا قالوه قال ابن جماعة: وأحسن منه أن يقال هذه من آنية الجنة فلا يحرم استعمالها لأنها خلقت للإباحة مطلقا (ممتلئ) صفة لطست وذكره على معنى الإناء لا على الطست لأنها مؤنثة (حكمة) أي علما تاما بالأشياء أو فقها أو قضاء أو عدلا (وإيمانا) تصديقا أو كمالا استعد به لخلافة الحق فالعطف يقرب من التأكيد والتتميم والملء مجاز عن عدم سعته لشيء آخر أو عن شدة الكثرة (فأفرغها) أي الطست والمراد ما فيها وجعل الضمير للحكمة ضعفه النووي بأنه يصير إفراغ الإيمان مسكوتا عنه (في صدري) صبها في قلبي (ثم أطبقه) غطاه وجعله مطبقا وختم عليه حتى لا يجد عدوه إليه سبيلا (ثم أخذ) جبريل (بيدي) أي أقامني وانطلق (فعرج) بالفتح أي جبريل (بي) أي صعد وفي رواية به على الالتفات (إلى السماء الدنيا) أي القربى منا وهي التي تلينا وننظرها ويقال لها الرفيع وفي خبر أحمد إنها موج مكفوف ولم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس إما اختصارا من الراوي أو لأن هذه قصة أخرى ليس فيها إسراء بناء على تعدد المعراج (فلما جئنا إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح) أي بابها وهذا يفيد أنه كان مغلقا وحكمته إظهار أنه لم يفتح إلا له بخلاف ما لو وجده مفتوحا وفيه دليل على أن المعراج كان ببدنه وإلا لما استفتح (قال) الخازن (من هذا) الذي قال افتح (قال هذا جبريل) ولم يقل أنا لأن قائلها يقع في العنا (قال هل معك أحد قال نعم معي محمد) فيه إشارة إلى أنه إنما استفتح لكونه مع إنسان ولو انفرد لما طلب الفتح وإلى أن السماء محروسة لا يدخلها أحد [ص: 426] إلا بإذن (قال فأرسل إليه) أي هل أرسل إليه للعروج رسولا والقول بأن معناه هل صار رسولا غير ظاهر لأن أمر نبوته ظاهر لا يخفى على الملائكة (قال نعم ففتح فلما) أي فتح لنا (فلما علونا السماء الدنيا فإذا) للمفاجأة وكذا أخواتها (رجل عن يمينه أسودة) قال الزمخشري: جمع سواد وهو الشخص والمراد هنا جماعة من بني آدم (وعن يساره أسودة) أشخاص أيضا (فإذا نظر قبل يمينه ضحك) سرورا وفرحا (وإذا نظر قبل شماله بكى) حزنا وغما (فقال) أي فسلمت عليه فقال (مرحبا) أي لقيت رحبا وسعة فاستأنس ولا تستوحش كلمة تقال لتؤنس القادم قال التوربشتي: مر وسلم على الأنبياء وإن كان أفضلهم لأنهم كانوا غائبين عنه وكان في حكم القائم وهم في حكم القعود والقائم يسلم على القاعد (بالنبي الصالح والابن الصالح) اقتصر هو ومن يجيء على الصلاح لأنه صفة تشمل كمال الخير ولذا كررها كل منهم عند كل صفة والصالح القائم بما لزمه من حقوق الحق والخلق ونص على نبوته افتخارا به وخاطبوه بها لا بالرسالة مع كونها أشرف لأن معه جبريل وهو موصوف بالرسالة فلو قيل مرحبا بالرسول ربما التبس (قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم) أبو البشر (وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه) أي أرواحهم والنسم بفتح النون والسين مهملة جمع نسمة بفتحها وروي بشين معجمة والأول أصح (فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى) ولا يلزم من ذلك أن تكون أرواح الكفار في السماء لأن الجنة في جهته عن يمينه والنار في شماله فالرائي في السماء والمرئي في غيرها (ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح فلما مررت بإدريس) فيها (قال) لي (مرحبا) قال القاضي: من رحب رحبا بالضم إذا وسع وهو من المفاعيل المنصوبة لعامل مضمر لازم إضماره والمعنى أتيت رحبا وسعة (بالنبي الصالح والأخ الصالح) ذكر الأخ تلطفا وتواضعا إذ الأنبياء إخوة والمسلمون إخوة ولم يقل الابن لأنه ليس من ذريته (قلت) لجبريل (من هذا) المرحب (قال هذا إدريس) النبي وقضيته أن إدريس في الثانية وليس مرادا إذ ثم لترتيب الأخبار لا للواقع وكذا يقال في ذكر موسى قبل عيسى على أن هذه الرواية شاذة مخالفة للروايات الصحيحة (ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح فقلت من هذا قال هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا قال هذا عيسى ابن مريم) ثم هنا للترتيب الإخباري لا الزماني إلا إن قيل بتعدد المعراج إذ الروايات متفقة على أن المرور بعيسى قبل موسى (ثم مررت بإبراهيم) الخليل (فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فقلت من هذا قال هذا إبراهيم) الخليل ورؤيته كل نبي في السماء يدل على تفاوت رتبهم [ص: 427] وعبوره على جميعهم يدل على أنه أعلاهم رتبة والمرئي أرواحهم لا أجسادهم إلا عيسى فشخصه (ثم عرج بي حتى ظهرت) أي ارتفعت (بمستوى) بفتح الواو موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد (أسمع فيه صريف الأقلام) بفتح الصاد المهملة صريرها على اللوح حال كتابتها في تصاريف الأقدار (ففرض الله عز وجل على أمتي) أي وعلي وهذا بمعنى أوجب فسقط ما قيل النسخ لا يدخل الأخبار (خمسين صلاة) في رواية في كل يوم وليلة قيل كانت كل صلاة ركعتين (فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) في رواية ونعم الصاحب كان صاحبكم (فقال موسى ماذا فرض ربك على أمتك قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال موسى فراجع ربك) في رواية فارجع إلى ربك أي إلى المحل الذي ناجيته فيه واعتنى موسى بذلك دون غيره لأنه لما قال يا رب اجعلني من أمة محمد لما رأى كرامتهم على ربهم اعتنى بهم كما يعتني بالقوم من هو منهم (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فوضع شطرها) يعني نصفها فقد حققت رواية ثابتة أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة فتحمل بقية الروايات عليها (فرجعت إلى موسى فأخبرته) بذلك (فقال راجع ربك) أي إلى محل المناجاة (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فقال هن خمس) عددا (وهي خمسون) ثوابا (لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فقلت قد استحيت من ربي) تقديره حتى استحيت فلا أرجع فإن رجعت كنت غير راض ولا مسلم ولكني أرضى وأسلم أمري وأمرهم إلى الله تفرس من كون التخفيف وقع خمسا أنه لو سأل التخفيف بعد كان سائلا في رفعها مع ما فهم من الالتزام في الأخير بقوله هي خمس إلخ (ثم انطلق بي) أي جبريل ولم يقل عرج إشعارا بأنه لا عروج من السابعة (حتى انتهى إلى سدرة المنتهى) أي إلى حيث تنتهي إليه أعمال العباد أو نفوس السائحين في الملأ الأعلى فيجتمعون فيه اجتماع الناس في أنديتهم أو إليه ينتهي علم الخلائق من الملائكة والرسل وأرباب النظر والاعتبار وما ورائه غيب لا يطلع عليه غيره تعالى ذكره كله القاضي. وقال غيره: سدرة المنتهى شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش من عجائب المخلوقات وبدائع المصنوعات ينتهي إليها علم الخلائق لا يتعداها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا يعارض ذا أنها في السادسة إذ أن المراد أن أصلها وأسها فيها وأغصانها وفروعها في السابعة (ففيها ألوان لا أدري ما هي) في رواية فلا يستطيع أحد أن ينعتها من حسنها (ثم أدخلت الجنة) أي والنار أيضا كما في رواية صحيحة لم يذكرها هنا اختصارا وزاد في الرواية وهي جنة المأوى ودار الإقامة. قال ابن العربي: وهي خارجة عن أقطار السماوات والأرض. وقال ابن عبد السلام: فيه أن سدرة المنتهى ليست في الجنة (فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) بفتح الجيم فنون وكسر الموحدة جمع جنبذ بضم أوله وثالثه ما ارتفع واستدار كالقبة فارسي معرب ووقع في صحيح البخاري حبائل اللؤلؤ (وإذا ترابها المسك) وفيه عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وجواز النسخ في الإنشاءات قبل الفعل وأن الجنة موجودة والترحيب عند اللقاء والاستشفاع والمراجعة والحياء من تكثير الحوائج وأن الجنة في السماء وأن للسماء أبوابا وحفظة وأن النبي صلى الله عليه وسلم من نسل إبراهيم ومدح الإنسان في وجهه عند الأمن من نحو عجب وغير [ص: 428] ذلك مما أفرد بالتأليف (ق عن أبي ذر) بتشديد الراء (إلا قوله ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام فإنه عن ابن عباس وأبي حبة البدري) الأنصاري وهو بحاء مهملة مفتوحة وباء موحدة وذكره القابسي بمثناة تحتية وغلط وقال الواقدي: بالنون واسمه مالك بن عمرو بن ثابت قال: وليس ممن شهد بدرا أحد يكنى بأبي حبة بالباء وإنما أبو حنة من غزية من بني النجار قتل باليمامة ولم يشهد بدرا والأول قاله عبد الله بن عمارة الأنصاري قال الزركشي: وهو أعلم الأنصار الحديث: 5845 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 5846 - (فرخ الزنا) بخاء معجمة بضبط المصنف وفي بعض النسخ فرج بالجيم وهو تصحيف (لا يدخل الجنة) مطلقا إن استحل أو مع السابقين الأولين إن لم يستحل وذلك لأنه يتعذر عليه اكتساب الفضائل الحسنة ويتيسر له رذائل الأخلاق. ذكره الطيبي وهذا وعيد شديد وتحذير عظيم على الإصرار عليه لئلا يكون قد باع أبكارا عربا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات مسافحات أو متخذات أخدان وحورا مقصورات في الخيام بعاهرات مسبيات بين الأنام <تنبيه> قال ابن الجوزي: هذا الحديث ونحوه أحاديث مخالفة للأصول وأعظمها قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} اه. قال الرافعي في تاريخ قزوين: رأيت بخط الإمام الطالفاني سألني بعض الفقهاء في المدرسة النظامية ببغداد في سنة ست وسبعين وخمس مئة عما ورد في خبر إن ولد الزنا لا يدخل الجنة وهناك جمع من الفقهاء فقال بعضهم: هذا لا يصح {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وذكر أن بعضهم قال في معناه: إنه إذا عمل عمل أصليه وارتكب الفاحشة لا يدخلها وزيفه بأن هذا لا يختص بولد الزنا ثم فتح الله علي جوابا شافيا لا أدري هل سبقت له أم لا؟ فقلت: معناه لا يدخل الجنة بعمل أصليه بخلاف ولد الرشد فإنه إذا مات طفلا وأبواه مؤمنان ألحق بهما وبلغ درجتهما بصلاحهما على ما قال تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} وولد الزنا لا يدخل بعمل أصليه أما الزاني فنسبه منقطع وأما الزانية فشؤم زناها وإن صلحت يمنع وصول بركة صلاحها إليه اه. بنصه (عد) عن حمزة بن داود الثقفي عن محمد بن زنبور عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل عن أبي صالح السمان عن أبيه (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: موضوع اه. وسهيل بن صالح السمان قال يحيى: حديثه ليس بحجة وقال أبو حاتم: يكتب ولا يحتج به الحديث: 5846 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 5847 - (فرغ الله عز وجل إلى كل عبد) أي انتهى تقديره في الأزل من تلك الأمور إلى تدبير الأمر بإبدائها أو إلى بمعنى اللام (من خمس) متعلق بفرغ (من أجله) أي عمره (ورزقه وأثره) بفتح المثلثة هي أثر مشيه في الأرض لقوله تعالى {ونكتب ما قدموا وآثارهم} (ومضجعه) بفتح الجيم يعني سكونه وحركته ومحل موته ومدفنه ومن ثم جمع بينهما ليشمل جميع أحواله من الحركات والسكنات (وشقي) هو (أو سعيد) فالسعادة أو الشقاوة من الكليات التي لا تقبل التغيير قال أبو البقاء: وشقي أم سعيد لا يجوز فيه إلا الرفع على تقدير وهو ولو جر عطفا على ما قبله لم يجز لأنه لو قلت فرغ من شقي أم سعيد لم يكن له معنى اه. وقال الغزالي: معنى الفراغ من ذلك أنه سبحانه لما قسم العباد قسمين وقدر لكل قسم ما ذكر وقدر أحدهما على اليقين أن يكون من أهل الجنة والآخر من أهل النار وعينهم تعيينا لا يقبل التغيير والتبديل فقد فرغ من أمرهم {فريق في الجنة وفريق في السعير} والرزق لا يزيد بالطلب ولا ينقص بتركه فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ مقدر مؤقت ولا تبديل لحكم الله ولا تغير لقسمته وكتابته لكن ما في اللوح قسمان قسم مكتوب مطلقا وقسم معلق [ص: 429] بفعل العبد (تتمة) قال ابن عطاء الله: سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك (حم طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله ثقات اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 5847 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 5848 - (فرغ إلى ابن آدم من أربع) لا ينافيه قوله فيما قبل خمس لأن مفهوم العدد غير معتبر أو لأن واحدة من هذه الأربع في طيها الخامسة أو لأنه أعلم بالقليل ثم بالكثير (الخلق) بسكون اللام (والخلق) بضمها المار في الخبر أيضا إن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق وأسلفنا الكلام فيه (والرزق والأجل) أي انتهى تقدير هذه الأربعة والفراغ منها تمثيل بفراغ العامل من عمله والكاتب من كتابته كما في خبر جفت الأقلام وطويت الصحف يريد ما ليس في اللوح المحفوظ من المقادير والكائنات (تتمة) قال في الحكم: ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه وقال ابن عربي: قد كملت النشأة واجتمعت أطراف الدائرة (طس عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عيسى بن المسيب البجلي وهو ضعيف عند الجمهور ووثقه الدارقطني في سننه وضعفه في غيرهما الحديث: 5848 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 5849 - (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس) أي الفارق بيننا أنا نعتم على القلانس وهو يكتفون بالعمائم ذكره الطيبي فالمسلمون يلبسون القلنسوة وفوقها العمامة فأما لبس القلنسوة وحدها فزي المشركين وأما لبسها على غير قلنسوة فهو غير لائق لأنها تنحل لاسيما عند الوضوء وبالقلنسوة تشد الرأس وتحسن هيئة العمامة ذكره ابن العربي قال: والعمامة سنة المرسلين وعادة الأنبياء والسادة وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة فدل على أنها كانت عادة أمر باجتنابها حال الإحرام وشرع كشف الرأس إجلالا لذي الجلال وسننها أن يكون على قدر الحاجة فلا يعظمها زهوا فإنما كانت عمائم السلف لفتين أو ثلاثا انتهى. قال ابن تيمية: وهذا بين أن مفارقة المسلم المشرك في اللباس مطلوبة للشارع إذ الفرق بالاعتقاد والعمل بدون العمامة حاصل فلولا أنه مطلوب أيضا لم يكن فيه فائدة (د ت) في اللباس من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة (عن) أبيه عن (ركانة) بضم الراء وتخفيف الكاف ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي صحابي من مسلمة الفتح له حديث واحد وهو هذا قال أعني الترمذي: غريب وليس إسناده بالقائم ولا يعرف العسقلاني ولا ابن ركانة وفي الميزان محمد بن ركانة عن أبيه لم يصح حديثه انفرد به أبو الحسن شيخ لا يدري من هو متنه فرق بيننا إلى آخر ما هنا الحديث: 5849 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 5850 - (فسطاط المسلمين) بضم الفاء وكسرها وبالطاء والتاء مكان الطاء المدينة التي يجمع فيها الناس وأبنية السفر دون السرادق وأبنية من نحو شعر والمراد هنا الأول (يوم الملحمة) هي الحرب ومحل القتال أو القتال نفسه (الكبرى بأرض يقال لها الغوطة) اسم للبساتين والمياه التي حول دمشق وهي غوطتها (فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ) أي يوم وقوع الملحمة وأصل الغوطة كل موضع كثير الماء والشجر (حم عن أبي الدرداء) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه أبو داود باللفظ المذكور قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة ومعاذ الحديث: 5850 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 [ص: 430] 5851 - (فصل) بصاد مهملة ساكنة بمعنى فاصل أو فارق أو مميز (ما بين) النكاح (الحلال والحرام ضرب الدف) بالضم وبفتح معروف (والصوت في النكاح) المراد إعلان النكاح واضطراب الأصوات فيه والذكر في الناس وبعض الناس يذهب به إلى السماع يعني السماع المتعارف بين الناس الآن وهو خطأ والمعنى أن الفرق بين النكاح الجائز وغيره الإعلان والإشهار والنهي عن الضرب بالدف بفرض صحته محله في غير ذلك وفي الحديث عموم يقتضي طلب ضرب الدف فيه حتى للرجال ولعله مراد كما قاله الحافظ ابن حجر فإن الأحاديث القوية فيها الإذن للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن (حم ت ن هـ ك) كلهم في النكاح (عن محمد بن حاطب) بن الحارث الجمحي له صحبة ورواية حسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي الحديث: 5851 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 5852 - (فصل) بالصاد المهملة قال التوربشتي: ومن الناس من يقوله بالمعجمة وهو تصحيف (ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب) أي فرق ما بينهما (أكلة السحر) قال النووي: المشهور وضبط الجمهور أنه بفتح الهمزة مصدر للمرة من الأكل وضبطه المغاربة بالضم وقال عياض: روي يالفتح والضم فبالضم بمعنى اللقمة وبالفتح الأكل مرة واحدة قال: وهو الأشبه هنا لأن الثواب في الفعل لا في الطعام قال الحافظ العراقي: ولو قيل الأشبه هنا الضم لم يبعد لأن الفضل يحصل بلقمة ولا يتوقف على زيادة انتهى. والقصد بهذا الحديث الحث على السحور والإعلام بأن هذا من الدين وذلك لأن الله أباح لنا إلى الفجر ما حرم عليهم من نحو أكل وجماع بعد النوم فمخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة التي خصصنا بها قال ابن تيمية: وفيه دليل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع قال مالك: ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون ترك العمل يوم الجمعة لئلا يصنعوا فيه كما فعل اليهود والنصارى في السبت والأحد (حم م 4) كلهم في الصوم (عن عمرو بن العاص) ولم يخرجه البخاري الحديث: 5852 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 5853 - (فصل ما بين لذة المرأة ولذة الرجل كأثر المخيط في الطين إلا أن الله يسترهن بالحياء) قال الزمخشري: اللذة في الأصل لذا فعلي فقلب أحد حرفي التضعيف حرف لين والمراد هنا لذة الجماع والمراد أن شهوة الرجل بالنسبة إلى شهوة المرأة شيء قليل جدا يكاد يكون لا أثر له في جنب عظم شهوة المرأة ولولا أن الله سترهن بالحياء لافتضحن وظهر ذلك عليهن والمراد جنس الرجال وجنس النساء لا كل فرد (طس عن ابن عمرو ابن العاص) قال الهيثمي: فيه أحمد بن علي بن شوذب لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات قال ابن القيم: هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده مظلم لا يحتج بمثله الحديث: 5853 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 5854 - (فضل) بضاد معجمة (الجمعة) أي صلاتها (في رمضان كفضل رمضان على الشهور) أي كفضل صومه على سائر الشهور ويحتمل أن المراد أن يوم الجمعة الذي هو من أيام رمضان أفضل من غيره من كل يوم جمعة كما أن شهر رمضان أفضل من جميع شهور السنة (فر عن جابر) وفيه هارون بن زياد قال الذهبي: قال أبو حاتم: له حديث باطل وقال ابن حبان: كان ممن يضع وعمر بن موسى الرجيبي قال الذهبي: قال ابن عدي: يضع الحديث الحديث: 5854 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 [ص: 431] 5855 - (فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة) أي البعيدة (كفضل الغازي على القاعد) أضاف الفضل للدار والمراد أهلها على حد {واسأل القرية} وفيه فضل السكنى بقرب المسجد لسهولة المشي إلى الجماعة ويعارضه الحديث المار أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى وجمع بحمل ما هنا على الإمام ومن تعطل الجماعة القريبة بغيبته وذاك على من عدا ذلك لكثرة الخطا فيه المتضمنة لكثرة الثواب كما مر ولما أراد الساكنون بمنى التحول قرب المسجد نزل {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فأمسكوا (حم عن حذيفة) بن اليمان ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي ورمز المصنف لحسنه وفيه ابن لهيعة الحديث: 5855 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 5856 - (فضل الشاب العابد الذي تعبد) بمثناة فوقية بخط المصنف (في) حال (صباه) ومظنة صبوته (على الشيخ الذي تعبد) بمثناة فوقية بضبطه (بعد ما كبرت سنة كفضل) الأنبياء (المرسلين على سائر الناس) لأنه لما قهر نفسه بكفها عن لذاتها وقاسى تجرع مرارة مخالفة الهوى استحق التفضل على الشيخ الذي فقدت فيه دواعي الشهوة وصار يملك أدبه لكن هذا من قبيل المبالغة والترغيب في لزوم العبادة للشاب (أبو محمد التكريتي في) كتاب (معرفة النفس فر كلاهما عن أنس) بن مالك وفيه عمر بن شبيب قال الذهبي: ضعفه الدارقطني وقال أبو زرعة: واه اه الحديث: 5856 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 5857 - (فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفا) وفي رواية سبعين صلاة قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية سبعين والصواب سبعون والتقدير فضل سبعين لأنه خبر فضل الأول وقال الطيبي: سبعين مفعول مطلق أو ظرف أي تفضل مقدار سبعين ويجوز أن يكون الأصل بسبعين فحذفت الباء وبقي عملها ولفظ رواية الحاكم فضل الصلاة التي يستاك لها على التي لا يستاك لها سبعين ضعفا (حم ك) في الطهارة (عن عائشة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه ضعفه لأن مداره على ابن إسحاق ومعاوية بن يحيى الصدفي ويحيى قال الدارقطني: ضعيف ورواه أبو نعيم وابن حبان في الضعفاء من طرق أخرى قال ابن معين: حديث باطل لا يصح له إسناد قال ابن حجر: وأسانيده كلها معلولة الحديث: 5857 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 5858 - (فضل العالم على العابد) أي فضل هذه الحقيقة على هذه الحقيقة أو هو من باب ركب القوم دوابهم (كفضلي على أمتي) قال الحجة: أراد العلماء بالله قال علي كرم الله وجهه: لقد سبق إلى الجنة أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولكنهم عقلوا عن الله مواعظه فوجلت منه قلوبهم واطمأنت إليه نفوسهم وقال شيخ الطريقين السهروردي: الإشارة بهذا الحديث إلى العلم بالله لا إلى علم البيع والشراء والطلاق والعتاق وقد يكون العبد عالما بالله ذا يقين وليس عنده علم من فروض الكفايات وقد كانت الصحابة أعلم من التابعين بحقائق اليقين ودقائق المعرفة وقد كان علماء التابعين فيهم من هو أقوم بعلم الفتوى والأحكام من بعض الصحابة <تنبيه> قال ابن عربي: علم الكلام مع شرفه لا يحتاج إليه أكثر الناس بل رجل واحد يكفي منه في البلد بخلاف العلماء بفروع الدين فإن الناس يحتاجون إلى الكثرة من علماء الشريعة ولو مات الإنسان وهو لا يعلم اصطلاح القائلين بعلم النظر كالجوهر والعرض والجسم [ص: 432] والجسماني والروح والروحاني لم يسأله الله عن ذلك فإنما يسأل الناس عما وجب عليهم من التكليف بالفروع ونحوها (الحارث) بن أبي أسامة (عن أبي سعيد) الخدري أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح فيه سلام طويل قال الدارقطني وغيره: متروك الحديث: 5858 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 5859 - (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف الرسول إلى أدنى شرف الصحابة فإن المخاطبين بقوله أدناكم الصحب وقد شبهوا بالنجوم في حديث أصحابي كالنجوم وهذا التشبيه ينبه على أنه لا بد للعالم من العبادة وللعابد من العلم لأن تشبيههما بالمصطفى وبالعلم يستدعي المشاركة فيما فضلوا به من العلم والعمل كيف لا والعلم مقدمة للعمل وصحة العمل متوقفة على العلم؟ ذكره الطيبي. وقال الذهبي: إنما كان العالم أفضل لأن العالم إذا لم يكن عابدا فعلمه وبال عليه وأما العابد بغير فقه فمع نقصه هو أفضل بكثير من فقيه بلا تعبد كفقيه همته في الشغل بالرئاسة اه. وقال ابن العربي: للفظ العلم إطلاقات متباينة ينشأ عنها اختلاف الحد والحكم أيضا كلفظ العالم والعلماء وللالتباس الواقع في لفظ العلم غلط كثير من الناس في معنى خبر فضل العالم على العابد فحملوه على الفقيه بالمعنى المتعارف الآن وأن يكون ذلك والتقابل بين العالم والعابد في الحديث ينافي الاشتراك في صفة العلم التي بها التقابل كما هو الظاهر إذ لا عابد بدون علم الفقه في الجملة وأوضح من هذه الحجة الاتفاق على أن العبادة أفضل من العلم العملي المتعلق بها فيقتضي فضل العابد على العالم والحديث مصرح بخلافه ومن الواضح أن التفضيل ههنا إنما هو بحسب الوصف العنواني فافهم. على أن التوجيهات قليلة هنا كثيرة لكن بتعسف فلا يلتفت إليها عند المحصلين والتحقيق في ذلك ما قاله حجة الإسلام ونصه ثم العلم المقدم على العمل لا يخلو إما أن يكون هو العلم بكيفية العمل وهو علم الفقه وعلم كيفية العبادات وإما أن يكون علما سواه وباطل أن يكون الأول هو المراد لوجهين أحدهما أن فضل العالم على العابد والعابد هو الذي له علم العبادات فإن كان جاهلا فهو عابث فاسق والثاني أن العلم بالعمل لا يكون أشرف من العمل لأن العلم العملي يراد للعمل وما يراد لغيره يستحيل أن يكون أشرف منه إلى هنا كلامه ودعواه الاتفاق غير جيد لتصريحهم بأن التخلي لتعلم الفقه الذي منه العلم المتعلق بالعبادة أفضل من الاشتغال بالنفل الذي هو من العبادة فهو كما ترى ينادي برد هذا الاتفاق (إن الله عز وجل وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) أي يستغفرون لهم طالبين لتخليهم عما لا ينبغي ولا يبق بهم من الأوضار والأدناس لأن بركة علمهم وعملهم وإرشادهم وفتواهم سبب لانتظام أحوال العالم وذكر النملة والحوت بعد ذكر الثقلين والملائكة تتميم لجميع أنواع الحيوان على طريقة الرحمن الرحيم وخص النملة والحوت بالذكر للدلالة على إنزال المطر وحصول الخير والخصب ببركتهم كما قال بهم تنصرون وبهم ترزقون حتى أن الحوت الذي لا يفتقر إلى العلماء افتقار غيره لكونه في جوف الماء يعيش أبدا ببركتهم ذكره القاضي وقال الطيبي: قوله إن الله وملائكته جملة مستأنفة لبيان التفاوت العظيم بين العالم والعابد وأن نفع العابد مقصور على نفسه ونفع العالم متجاوز إلى الخلائق حتى النملة وعطف أهل السماوات على الملائكة تخصيص بحملة العرش وسكان أمكنة خارجة عن السماوات والأرض من الملائكة المقربين كما ثبت في النصوص وفي يصلون تغليب للعقلاء على غيرهم واشتراك فإن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن الغير دعاء وطلب وذكر النملة وتخصيصها مشعر بأن صلاتها بحصول البركة النازلة من السماء فإن دأب النملة القنية وادخارها القوت في جحرها ثم التدرج منها إلى الحيتان وإعادة كلمة الغاية للترقي والصلاة من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار المعبر به في الرواية الأخرى ولا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وجميع المخلوقات بالاستغفار والدعاء له إلى القيامة [ص: 433] ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته وأنه ليتنافس في دعوة رجل صالح فكيف بدعاء الملأ الأعلى وأما إلهام الحيوانات الاستغفار له فقيل لأنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم المبينون ما يحل منها وما يحرم ويوصون بالإحسان إليها ودفع الضر عنها حتى بإحسان القتلة والنهي عن المثلة فاستغفارهم له شكر لذلك النعمة وذلك في حق البشر آكد لأن احتياجهم إلى العلم أشد وعود فوائده عليهم أتم (ت) في العلم (عن أبي أمامة) الباهلي قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فذكره قال الترمذي: غريب وفي نسخة حسن صحيح. قال الصدر المناوي: وفيه الوليد بن جميل لينه أبو زرعة الحديث: 5859 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 5860 - (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) قال البيضاوي: العبادة كمال ونور لازم ذات العابد لا يتخطاه فشابه نور الكواكب والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفا وفضلا ويتعدى منه إلى غيره فيستفيض نوره وكماله ويكمل بواسطته لكنه كمال ليس للعالم في ذاته بل نوره يتلقاه من المصطفى صلى الله عليه وسلم فلذلك شبه بالقمر ولا نظن أن العالم المفضل عار عن العمل ولا العابد عن العلم بل إن علم ذلك غالب على عمله وعمل هذا غالب على علمه ولذلك جعل العلماء ورثة الأنبياء والمراد بالفضل كثرة ثواب ما يعطيه الله للعبد في الآخرة من درجات الجنة ولذاتها ومأكلها ومشربها ونعيمها الجسماني أو ما يمنح من مقامات القرب ولذة النظر إليه وسماع كلامه ولذة المعارف الإلهية الحاصلة عند كشف الغطاء ونحو ذلك قال ابن الملقي: فيه أن نور العلم يزيد على نور العبادة كما مثله بالقمر بالنسبة لباقي الكواكب <تنبيه> قال ابن عربي: العالم أشرف من صاحب الحال فإن صاحب الحال حكمه كالمجنون لا يكتب له ولا عليه والعالم يكتب له وعليه فصاحب العلم أتم من صاحب الحال فالحال في الدنيا نقص وفي الآخرة تمام والعلم هنا تمام وفي الآخرة تمام <تنبيه> المراد في هذه الأخبار بالعالم من صرف زمنه للتعليم وللإفتاء والتصنيف ونحو ذلك وبالعابد من انقطع للعبادة تاركا ذلك وإن كان عالما (حل عن معاذ) بن جبل قضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وليس كذلك بل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه الحديث: 5860 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 5861 - (فضل العالم على العابد سبعين) فيه ما تقرر في حديث فضل الصلاة بسواك إلخ (درجة) أي منزلة عالية في الجنة وليس هو تمثيل للرفعة المعنوية كما قيل (ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) وذلك لأن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها والعابد يقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها هكذا ورد تعليله في نص حديث عند الديلمي في الفردوس (ع عن عبد الرحمن بن عوف) قال الهيثمي: فيه الخليل بن مرة قال البخاري: منكر الحديث وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه وليس بمتروك الحديث: 5861 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 5862 - (فضل المؤمن العالم على المؤمن العابد سبعون درجة) زاد في رواية ما بين كل درجتين حضر الفرس السريع المضمر مئة عام وزاد لفظ المؤمن إشارة إلى أن الكلام في عالم كامل الإيمان عامل بعلمه وفي عابد كامل الإيمان عارف بالفروض العينية وإلا فهو غير عابد (ابن عبد البر) في العلم (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: في سنده ضعف وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من ابن عبد البر وهو غفلة فقد خرجه ابن عدي عن أبي هريرة الحديث: 5862 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 5863 - (فضل العالم على غيره) من كل عابد وإمام وغير ذلك فهو أعم مما قبله (كفضل النبي على أمته) لأن الشيطان [ص: 434] يبدع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها والعابد مقبل على عبادته قاصر على نفع نفسه (خط عن أنس) بن مالك الحديث: 5863 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 5864 - (فضل العلم أحب إلي) وفي رواية الطبراني بدل أحب إلي خير (من فضل العبادة) أي نفل العلم أفضل من نفل العمل كما أن فرض العلم أفضل من فرض العمل وفضل العلم ما زاد على المفترض وقال السهروردي: الإشارة بهذا العلم ليس إلى علم البيع والشراء والطلاق والعتاق بل إلى العلم بالله وقوة اليقين وقد يكون العبد عالما بالله وليس عنده علم من فروض الكفايات وقد كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم أعلم من علماء التابعين رحمهم الله بحقائق اليقين ودقائق المعرفة وفي علماء التابعين من هو أقوم بعلم الفتوى من بعض الصحابة لأن فضل العلم يحكم العبادة ويصححها ويخلصها ويصفيها قال حجة الإسلام: العلم أشرف جوهرا من العبادة مع العمل به وإلا كان علمه هباء منثورا إذ العلم بمنزلة الشجرة والعبادة بمنزلة الثمر فالشرف للشجرة لكونها الأصل لكن الانتفاع بثمرتها فلا بد للعبد من أن يكون له من كلا الأمرين حظ ونصيب ولهذا قال الحسن: اطلبوا العلم طلبا لا يضر العبادة واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم (وخير دينكم الورع) (البزار) في مسنده (طس ك عن حذيفة) بن اليمان قال المنذري: وإسناده لا بأس به وقال في موضع آخر: حسن (ك عن سعد) بن أبي وقاص ورواه الترمذي في العلل عن حذيفة ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فلم يعده محفوظا اه. وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح والمتهم بوضعه عبد الله بن عبد القدوس الحديث: 5864 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 5865 - (فضل القرآن) في رواية فضل كلام الله (على سائر الكلام كفضل الرحمن) تعالى وفي رواية للترمذي كفضل الله وعبر هنا بالرحمن مشاكلة لقوله تعالى {الرحمن علم القرآن} (على سائر خلقه) لأن بلاغة البيان تعلو إلى قدر علو المبين والكلام على قدر المتكلم فعلو بيان الله على بيان خلقه بقدر علوه على خلقه فبيان كل مبين على قدر إحاطة علمه فإذا أبان الإنسان عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه وهو لا يحيط به علمه فلا يصل إلى غاية البلاغة في بيانه وإذا أنبأ عن الماضي فيقدر ما بقي من ناقص علمه لما لزم الإنسان من النسيان وإذا أراد أن ينبئ عن الآتي أعوزه البيان كله إلا بقدره فبيانه في الكائن ناقص وفي الماضي أنقص وبيانه في الآتي ساقط {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} وبيان الحق سبحانه وتعالى عن الكائن بالغ إلى غاية ما أحاط به علمه {قل إنما العلم عند الله} وعن المنقطع كونه بحسب إحاطته بالكائن وسبحانه من النسيان {لا يضل ربي ولا ينسى} وعن الآتي فيما هو الحق الواقع {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} والمبين الحق لا يوهم بيانه إيهام لنسبة النقص لبيانه والإنسان يتهم نفسه في البيان ويخاف من نسبة العي إليه فيضعف مفهوم بيانه ومفهوم بيان القرآن أضعاف أضعاف إفصاحه ذكره الحرالي (ع في معجمه هب عن أبي هريرة) وفيه أشعث الحرالي قال الذهبي: ثقة وشهر بن حوشب أورده أعني الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي لا يحتج به وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه الترمذي بلفظ: فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه لكن عذر المصنف أنه وقع في ذيل حديث فلم ينبه له ولفظه بتمامه يقول الرب عز وجل من شغله القرآن عن ذكري وعن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. قال ابن حجر في الفتح: ورجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعيف وخرجه ابن عدي من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وفيه عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف وخرجه ابن الضريس من وجه آخر عن شهر بن حوشب مرسلا ورجاله لا بأس بهم وخرجه ابن حميد [ص: 435] الحماني في مسنده من حديث عمر بن الخطاب وفيه صفوان بن أبي الصهب مختلف فيه وخرجه ابن الضريس أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قال: وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال ابن حجر: أشار البخاري في خلق الأفعال إلى أنه لا يصح مرفوعا الحديث: 5865 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 5866 - (فضل الماشي خلف الجنازة على فضل الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع) وبهذا أخذ الحنفية فقالوا: الأفضل للمشيع أن يمشي خلفها وذهب الشافعية إلى أن الأفضل للمشيع المشي أمامها وإن ركب لأنه شفيع وحق الشفيع أن يتقدم واستظهر على ذلك بأحاديث أخرى (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5866 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 5867 - (فضل الوقت الأول على الآخر) وفي رواية فضل الصلاة أول الوقت على آخره (كفضل الآخرة على الدنيا) فأعظم به من فضل فيتأكد الحث على المبادرة (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 5867 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 5868 - (فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره) من المساجد (مئة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمس مئة صلاة) كما سبق موضحا (هب عن أبي الدرداء) وفيه سعيد بن سالم يعني القداح ليس بذاك عن سعيد بن بشير قال الذهبي: شبه المجهول الحديث: 5868 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 5869 - (فضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده خمس وعشرون درجة) قال الزركشي: كذا وقع في الصحيحين خمس بحذف الموحدة في أوله والهاء من آخره قال: وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر: أشارت كليب بالأكف الأصابع. . . أي إلى كليب وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة (وفضل صلاة التطوع في البيت على فعلها في المسجد كفضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد (ابن السكن عن ضمرة بن حبيب) الزهري الحمصي وثقه ابن معين (عن أبيه) حبيب الحديث: 5869 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 5870 - (فضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) قيل هم الحفظة وقيل غيرهم وأيد بأن الحفظة لم ينقل أنهم يفارقونه ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار وبأنهم لو كانوا الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله كيف تركتم عبادي ثم المراد باجتماعهم أنهم يشهدون الصلاة في جماعة أو هو أعم قال ابن بطال: وقوله وتجتمع إلخ إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين [ص: 436] على خمس وعشرين يؤخذ من ذلك (ق عن أبي هريرة) الحديث: 5870 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 5871 - (فضل صلاة الرجل) والمرأة أولى وفي رواية فضل صلاة التطوع (في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة) وهذا في النفل وأما الفرض فصلاته في المسجد أفضل وإن رآه الناس بدليل خبر أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (طب عن صهيب بن النعمان) رمز المصنف لحسنه قال الذهبي في الصحابة: له حديث رواه عنه هلال بن يساف في الطبراني تفرد به قيس بن الربيع اه. وقال الهيثمي: فيه محمد بن مصعب الفرفسائي ضعفه ابن معين وغيره ووثقه أحمد الحديث: 5871 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 5872 - (فضل صلاة الليل على النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية) يؤخذ من القياس أن من أراد الاقتداء به وتعليم غيره فصلاة النهار في حقه بذلك القصد أفضل ولم أر من ذهب إليه (ابن المبارك) في الزهد (طب حل عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وخرجه البيهقي باللفظ المذكور وصحح وقفه الحديث: 5872 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 5873 - (فضل غازي البحر على غازي البر كفضل غاز البر على القاعد في أهله وماله) (طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن الحديث: 5873 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 5874 - (فضل غازي البحر على غازي البر كعشر غزوات في البر) لما في ركوب البحر من الخطر والغرور والمشقة (طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن الحديث: 5874 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 5875 - (فضل حملة القرآن على الذي لم يحمله كفضل الخالق على المخلوق) فأفهم الناس من وهبه الله فهما في كلامه ووعيا في كتابه ففي علمه يندرج كل علم من أصناف العلوم ففيه تفصيل كل شيء قال الحكيم: وهذا فيمن حمل القرآن فأقامه على ما أنزل من ربه وعمل بأمره ونهيه ووعده ووعيده فإذا مر في تلاوته بذكر الجنة حن إليها وعمل عليها للقائه في داره والنظر إليه وإذا مر بذكر النار التي هي سجنه أشفى صدره من أعدائه لما أعد لهم وإذا مر بذكر القرون فرأى نصرة الأولياء ونقمة الأعداء فرح بنصرة الأولياء وشمت بنقمة الأعداء وإذا مر بضرب الأمثال صار قلبه مرآة قد عاينت ما وصف له فكأنه مشاهده بقلبه فزاده إيمانا مع إيمانه وإذا مر بحججه الدامغة للباطل قوي بها وازدادت بصيرته وإذا مر باللطائف وعلائم الرقة والرحمة ازداد علما بالله وبمنازل العباد منه وإذا مر بمحض التوحيد والفردية لهى عن كل ما سواه وانفرد به تعلقا بفرديته فمن هذا شأنه فهو المراد هنا وأما ذو التخليط الذي إنما يقرؤه مع كدورة النفس وضيقها وتعسرها وتكدرها ونفسه شهوانية ثقيلة في ائتماره بطيئة عن المسارعة إلى الخيرات متحملة أثقال التكليف ملجمة بالوحيد ولولاه لركضت به نفسه في ميادين الحائرين فأجنبي من هذا المقام (فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن تميم الغرياني قال الذهبي: قال ابن حبان كان يضع الحديث والحكم بن أبان قال ابن المبارك: ارم به ورواه ابن لال وعنه أورده الديلمي فكان عزوه إلى الأصل أولى الحديث: 5875 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 5876 - (فضل الثريد على الطعام كفضل عائشة على النساء) ضرب المثل بالثريد لأنه أفضل طعامهم ولأنه ركب من خبز [ص: 437] ولحم ومرقة ولا نظير له في الأطعمة ثم إنه جامع بين الغداء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في الحلقوم فخص المثل به إيذانا بأنها جمعت مع حسن الخلق حسن الخلق وحسن الحديث وحلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب للبعل ومن ثم عقلت منه ما لم يعقل غيرها من نسائه وروت عنه ما لم يرو مثلها من الرجال إلا قليلا قال ابن القيم: الثريد وإن كان مركبا فإنه مركب من خبز ولحم فالخبز أفضل الأقوات واللحم سيد الإدام فإذا اجتمعا لم يكن بعدهما غاية وفي أفضلهما خلاف والصواب أن الحاجة للخبز أعم واللحم أفضل وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه (هـ عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5876 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 5877 - (فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظاهرا) أي عن ظهر قلب (كفضل الفريضة على النافلة) فالقراءة نظرا في المصحف أفضل لأنها تجمع القراءة والنظر وهو عبادة أخرى نعم إن زاد خشوعه بها حفظا فينبغي كما في المجموع تفضيله لأن المدار على الخشوع ما أمكن إذ هو روح العبادة وأسها (أبو عبيدة في فضائله) أي القرآن (عن بعض الصحابة) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وليس كذلك بل رواه أبو نعيم والطبراني والديلمي وفيه بقية الحديث: 5877 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 5878 - (فضل الله قريشا) أي قبيلة قريش (بسبع خصال لم يعطها أحد قبلها ولا يعطاها أحد بعدهم: فضل الله قريشا أني منهم وأن النبوة فيهم وأن الحجابة فيهم) هي سدانة الكعبة وتولي حفظها لمن بيده مفتاحها كانت أولا في بني عبد الدار ثم صارت في بني شيبة بتقرير المصطفى صلى الله عليه وسلم (وأن السقاية فيهم) وكان يليها العباس جاهلية وإسلاما وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم له فهي لآل العباس أبدا قالوا: فلا يجوز لأحد نزعها منهم ما بقي من ذريته أحد قال في المجمل: السقاية المحل الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم كان يشتري الزبيب فينبذ في ماء زمزم ويسقي الناس (ونصرهم على الفيل وعبدوا الله سبع سنين) أي من أسلم منهم (لا يعبده غيرهم) في تلك المدة وهي ابتداء البعثة (وأنزل الله فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم) وهي سورة (لإيلاف قريش) (تخ طب ك) في التفسير من حديث يعقوب بن محمود الزهري عن إبراهيم بن محمد بن ثابت عن عثمان بن أبي عتيق عن سعيد بن عمرو عن أبيه عن جدته أم هانئ (والبيهقي في الخلافيات عن أم هانئ) أخت علي أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن يعقوب ضعيف وإبراهيم صاحب مناكير هذا أنكرها فالصحة من أين؟ وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم الحديث: 5878 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 5879 - (فضل الله قريشا بسبع خصال فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبد الله إلا قريش) الظاهر أن المراد لا يعبده عبادة صحيحة إلا هم ليخرج أهل الكتابين فإنهم كانوا موجودين حينئذ يعبدون في الديورات والصوامع لكنها عبادة فاسدة (وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون) أي والحال أنهم عبدة أوثان (وفضلهم بأنه نزلت فيه سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين وهي لإيلاف قريش وفضلهم بأن فيهم النبوة والخلافة) أي الإمامة العظمى [ص: 438] لا يجوز أن يليها إلا قريش (والحجابة والسقاية) (طس عن الزبير) بن العوام قال الهيثمي: فيه مضعفون الحديث: 5879 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 5880 - (فضلت على الأنبياء بست) وفي الحديث الآتي بخمس قال التوربشتي: وليس باختلاف تضاد بل اختلاف زمان وقع فيه حديث الخمس متقدما وذلك أنه أعطيها فحدث به ثم زيد فأخبر به ولا يعارضه لا تفضلوني لأن هذا إخبار عن الأمر الواقع لا أمر بالتفضيل وقد قيل إن الاختصاص بالمجموع لا بالجميع لأن نوحا هو آدم الأصغر ولم يبق على وجه الأرض بعد الغرق إلا من كان معه وعيسى كان سياحا في الأرض يصلي حيث أدركته الصلاة (أعطيت جوامع الكلم) أي جمع المعاني الكثيرة في ألفاظ يسيرة وقيل إيجاز الكلام في إشباع من المعنى فالكلمة القليلة الحروف منها تتضمن كثيرا من المعاني وأنواعا من الكلام (ونصرت بالرعب) يقذف في قلوب أعدائي فيخذلهم (وأحلت لي الغنائم) جمع غنيمة (وجعلت لي الأرض طهورا) بفتح الطاء (ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة) أي أرسلت إرسالة محيطة بهم لأنها إذا شملتهم كفتهم أن يخرج منها أحد منهم ولا يعارضه أن نوحا بعد خروجه من الفلك كان مبعوثا للكل لأن ذلك إنما كان لانحصار الخلق فيمن كان معه حيئنذ والمصطفى صلى الله عليه وسلم عموم رسالته في أصل بعثته فلا ملجئ إلى تأويل المطامح وغيرها للخبر بأن المراد مجموع الخمس لا جميعها نعم مال ابن دقيق العيد إلى أن بعثة الأنبياء بالنسبة للتوحيد عامة (وختم بي النبيون) أي أغلق باب الوحي وقطع طريق الرسالة وسد وجعل استغناء الناس عن الرسل وإظهار الدعوة بعد تصحيح الحجة وتكميل الدين أو أما باب الإلهام فلا ينسد وهو مدد يعين النفوس الكاملة فلا ينقطع لدوام الضرورة وحاجة الشريعة إلى تأكيد وتذكير وكما أن الناس استغنوا عن الرسالة والدعوة احتاجوا إلى التنبيه والتذكير لاستغراقهم في الوسواس وانهماكهم في الشهوات واللذات فالله تعالى أغلق باب الوحي بحكمة وتجديد وفتح الإلهام برحمته لطفا منه بعباده فعلم أنه ليس بعده نبي وعيسى إنما ينزل بتقرير شرعه قال الزين العراقي: وكذا الخضر وإلياس بناء على ثباتهما وبقائهما إلى الآن فكل منهما تابع لأحكام هذه الملة (م ت عن أبي هريرة) ورواه أبو يعلى وغيره الحديث: 5880 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 5881 - (فضلت على الأنبياء بخمس) من الخصال (بعثت إلى الناس كافة وذخرت شفاعتي لأمتي) قال في المطامح: قد استفاضت أخبار الشفاعة في الشريعة وصارت في حيز التواتر (ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) تمسك بظاهره وما قبله وما بعده أبو حنيفة ومالك على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض من حجر ورمل وحصباء قالوا فكما يجوز الصلاة عليها يجوز التيمم بها وخصه الشافعي وأحمد بالتراب تمسكا بخبر مسلم وجعلت تربتها لنا طهورا فحمل الإطلاق على التقييد: وقول القرطبي هو ذهول رد بأنه هو الذهول وذلك مبسوط في الأصول (طب عن السائب بن يزيد) قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة وهو متروك الحديث: 5881 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 [ص: 439] 5882 - (فضلت بأربع جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ما يصلي عليه وجد الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الناس كافة ونصرت بالرعب من مسيرة شهرين يسير بين يدي وأحلت لي الغنائم) قال الطيبي: لا منافاة بين فيما سبق ست وخمس وهنا أربع لأن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر وقد يكون أعلم في وقت بأربع ثم بأكثر قال الزين العراقي: ويحصل بما في مجموع الأخبار إحدى عشرة خصلة وهي إعطاؤه جوامع الكلم ونصرته بالرعب وإحلال الغنائم وجعل الأرض طهورا ومسجدا وإرساله إلى الكافة وختم الأنبياء به وجعل صفوف أمته كصفوف الملائكة وإعطاؤه الشفاعة وتسميته أحمد وجعل أمته خير الأمم وإيتاؤه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش (هق عن أبي أمامة) ورواه عنه بنحوه الطبراني وغيره الحديث: 5882 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 5883 - (فضلت بأربع جعلت أنا وأمتي في الصلاة كما تصف الملائكة) قال الزين العراقي: المراد به التراص وإتمام الصفوف الأول فالأول في الصلاة فهو من خصائص هذه الأمة وكانت الأمم السابقة يصلون منفردين وكل واحد على حدة (وجعل الصعيد لي وضوءا وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم) فيه رد لقول ابن يزيد يحتمل أن المراد به الاصطفاف في الجهاد وفيه مشروعية تعديد نعم الله وإلقاء العلم قبل السؤال وأن الأصل في الأرض والطهارة وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني وأما حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فضعيف كما يأتي واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي لأنه خلق من ماء وتراب وقد ثبت أن كلا منهما طهور (طب عن أبي الدرداء) الحديث: 5883 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 5884 - (فضلت على الناس بأربع) خصها باعتبار ما فيها من النهاية التي لا ينتهي إليها أحد غيره لا باعتبار مجرد الوصف (بالسخاء) أي الجود فإنه كان أجود من الريح المرسلة (والشجاعة) هي كما سبق خلق غضبي بين إفراط يسمى تهورا وتفريط يسمى جبنا (وكثرة الجماع) لكمال قوته وصحة ذكورته (وشدة البطش) فيما ينبغي على ما ينبغي وقدم السخاء لجموم منافعه وثني بالشجاعة لأنه نبي الجهاد {يا أيها النبي جاهد الكفار} وثلث بالجماع لما سبق أن قوته عليه معجزة وربع بشدة البطش لأنه من لوازم القوة وساغ له مدح نفسه لأنه مأمون الخطأ ولذا جاز له الحكم لنفسه (طس والإسماعيلي) في معجمه كلاهما من طريق واحدة (عن أنس) قال الهيثمي: إسناد الطبراني رجاله موثقون اه وغره قول شيخه العراقي: رجاله ثقات لكن في الميزان: إنه خبر منكر رواه الطبراني عن محمد بن هارون عن العباس بن الوليد عن مروان بن محمد عن سعيد بن بشر بن قتادة عن أنس ومروان بن محمد هو الدمشقي [ص: 440] الطاطري كان مرجئا وفيه خلاف قال في اللسان: لا ذنب فيه لهذا الرجل والظاهر أن الضعف من قبيل سعد بن بشير اه. ومن ثم قال ابن الجوزي: حديث لا يصح الحديث: 5884 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 5885 - (فضلت على آدم بخصلتين كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتى أسلم وكن أزواجي عونا لي) على طاعة ربي (وكان شيطان آدم كافرا) ولم يسلم (وكانت زوجته عونا على خطيئته) فإنها حملته على أن أكل من الشجرة فأهبطا من الجنة وقد فضل عليه بخصال أخرى ومفهوم العدد ليس بحجة عند الجمهور (البيهقي في الدلائل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الوليد البقلانسي قال في الميزان: عن ابن عدي يضع وعن أبي عروبة كذاب قال: ومن أباطيله هذا الخبر وقال الحافظ العراقي: ضعيف لضعف محمد بن الوليد الحديث: 5885 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 5886 - (فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين) فسجدات التلاوة أربع عشرة منها سجدتا سورة الحج وغيرها من السور ليس فيها إلا سجدة واحدة وهذا نص صريح ناص على ما ذهب إليه الشافعي من أن في الحج سجدتين وقال أبو حنيفة: فيها سجدة واحدة فسجدات التلاوة أربع عشرة بالاتفاق بين المذهبين لكن الشافعي يجعل في الحج ثنتين ولا سجود في " ص " والحنفي يثبت سجدة " ص " وينفي سجدة من سجدتي الحج (د في مراسيله هق عن خالد بن سعدان مرسلا) قال أبو داود: وقد أسند هذا ولا يصح وقال ابن حجر: كأنه يشير إلى حديث عقبة وهو ما ذكره بقوله: الحديث: 5886 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 5887 - (فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين) وأما خبر ابن عباس لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فناف وضعيف على أن الترك إنما ينافي الوجوب لا الندب (ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) أي السورة قال التوربشتي: كذا وجدنا في نسخ المصابيح يقرأها بإعادة الضمير إلى السورة وهو غلط والصواب فلا يقرأهما بإعادة الضمير إلى السجدتين كما في أبي داود والترمذي ووجه النهي عن قراءتهما أن السجدة شرعت في حق التالي بتلاوته والآيتان بها من حق التلاوة وتمامها فإن كانت بصدد التضييع فالأولى به تركها لأنها إما أن تكون واجبة فيأثم بتركها أو سنة فيلام بالتهاون بها (حم ت) وكذا أبو داود وكأن المصنف ذهل عنه (طب ك عن عقبة بن عامر) قال: قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتان قال: نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما قال الطيبي: وهمزة الاستفهام مضمرة في قوله فضلت بدلالة قوله نعم في الجواب قال الحاكم: صحت الرواية في هذا من قول عمر وطائفة وقال الترمذي: إسناده ليس بقوي قال المناوي: وذلك لأن فيه ابن لهيعة وشرح ابن هاعان ولا يحتج بحديثهما كما قال المنذري وعجب سكوت الحاكم عليه وأعجب منه سكوت الذهبي وقال ابن حجر: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 5887 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 5888 - (فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من اللذة) أي لذة الجماع (ولكن الله ألقى عليهن الحياء) فهو [ص: 441] الذي منعهن من إظهار تلك اللذة والاستكثار من نيلها والحرص على تحصيلها (هب عن أبي هريرة) وفيه داود مولى أبي مكمل قال في الميزان: قال البخاري منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر انتهى. وأقول: فيه أيضا ابن لهيعة وأسامة بن زيد الليثي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: فيه لين ورواه الطبراني والديلمي عن ابن عمر الحديث: 5888 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 5889 - (فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي) قال الطيبي: هذه الخصال من بعض خصائص هذه الأمة المرحومة ثنتان منها لرفع الحرج ووضع الإصر كما قال تعالى {ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} وواحدة إشارة إلى رفع الدرجات في المناجاة بين يدي بارئهم صافين صفوف الملائكة المقربين كما قال {وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون} وقال الخطابي: إنما جاء على مذهب الامتنان على هذه الأمة فإنه رخص لهم في الطهور بالأرض والصلاة عليها في بقاعها وكانت الأمم لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم وقال الأشرفي: فيه أن الصلاة بالتيمم لا تجوز عند القدرة على الماء وقال البغوي: خص التراب بالذكر لكونه طهورا (حم م ن عن حذيفة) بن اليمان الحديث: 5889 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 5890 - (فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة) أي العار والمشقة الحاصلان للنفس من كشف العيوب في الدنيا ونشرها بين الناس بقصد الاستحلال والتنصل منها أهون من كتمانها وبقائها على رؤوس الناس ملطخا بها حتى تنشر وتشهر في الموقف الأعظم على رؤوس الأشهاد يوم التناد وهذا قاله للملاعنة لما أرادت تلتعن فعلى من ابتلى بأمر فيه خيانة أو تطفيف أو توجه حق عليه في نفس أو مال أن لا يمتنع من أداء الحق خوف العار والفضيحة (طب) وكذا الأوسط (عن الفضل) بن عباس وفيه القاسم بن يزيد قال في الميزان عن العقيلي: حديث منكر ثم ساق من مناكيره هذا الخبر وقال العراقي: هذا الحديث منكر وقال تلميذه الهيثمي: فيه مجهولون ورواه أبو يعلى بإسناد أصح من هذا إذ غايته أن فيه عطاء بن سليم مختلف فيه وبقية رجاله كما قال الهيثمي: ثقات فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى الحديث: 5890 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 5891 - (فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفة يوم تعرفون) وقد مر ويأتي (الشافعي) في مسنده (هق عن عطاء مرسلا) قال ابن حجر: ورواه الترمذي واستغربه وصححه الدارقطني عن عائشة تدفعه وصوب وقفه الحديث: 5891 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 5892 - (فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف) قال الخطابي: معناه أن الخطأ موضوع عن الناس فيما سبيله الاجتهاد فلو اجتهد قوم فلم يروا الهلال إلا بعد ثلاثين فأتموا ثم ثبت أن الشهر تسع وعشرون فصومهم وفطرهم ماض وكذا إذا أخطأوا يوم عرفة أجزاهم ولا قضاء تخفيفا [ص: 442] من الله ورفقا بهم (د هق) من حديث محمد بن المنكدر (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته قال البزار: ومحمد لم يسمع من أبي هريرة الحديث: 5892 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 5893 - (فعل المعروف يقي مصارع السوء) قال العامري: المعروف هنا يعود إلى مكارم الأخلاق مع الخلق كالبر والمواساة بالمال والتعهد في مهمات الأحوال كسد خلة وإغاثة ملهوف وتفريج مكروب وإنقاذ محترم من محذور فيجازيه الله من جنس فعله بأن يقيه مثلها أو يقيه مصارع السوء عند الموت (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن أبي سعيد) الخدري والقضاعي في الشهاب الحديث: 5893 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 5894 - (فقدت) بضم الفاء وكسر القاف مبنيا للمفعول (أمة) بالرفع نائب الفاعل جماعة أو طائفة (من بني إسرائيل لا يدري) بالبناء للمفعول (ما فعلت وإني لأراها) بضم الهمزة لأظنها ظنا مؤكدا يقرب من الرؤية البصرية (إلا الفأر) بإسكان الهمزة زاد مسلم في روايته مسخ وآية ذلك ما ذكره بقوله (ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب) لأن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل (وإذا وضع لها ألبان الشاه) أي الغنم (شربت) لأنها حلال لهم كلحمها وذلك دليل على المسخ قال القرطبي: هذا قاله ظنا وحدثا قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل لمسخ نسلا فلما أوحى إليه به زال عنه التخوف وعلم أن الفأر ليس من نسل ما مسخ ويحرم أكل الفأر لا لكونه مسخ بل لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استخبثه كما استخبث الوزغ وأمر بقتله وسماه فويسقا (حم ق عن أبي هريرة) الحديث: 5894 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 5895 - (فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مئة عام) وفي رواية للترمذي أيضا عن جابر مرفوعا وحسنه يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا وفي مسلم عن ابن عمرو مرفوعا فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا قال القرطبي: اختلاف هذه الأخبار يدل على أن الفقراء مختلفون في الحال وكذا الأغنياء ويرتفع الخلاف بأن يرد المطلق إلى المقيد في روايتي الترمذي ويكون المعنى فقراء المسلمين المهاجرين والجمع بينهما وبين خبر مسلم أن سباق الفقراء من المهاجرين يسبقون سباق الأغنياء منهم بأربعين خريفا وغير سباق الأغنياء بخمس مئة عام (ت عن أبي سعيد) الخدري وحسنه وتبعه المؤلف فرمز لحسنه الحديث: 5895 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 5896 - (فقيه) في رواية الفقيه (واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) لأن الشيطان كلما فتح بابا على الناس من الهوى وزين الشهوات في قلوبهم بين الفقيه العارف مكايده ومكامن غوائله فيسد ذلك الباب ويرده خائبا خاسرا والعابد ربما اشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري قال الغزالي: والمراد بالفقه هنا علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب لا تفريعات الطلاق واللعان والسلم والإجارة فإن التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما يشاهد من المتجردين فيه انتهى. وقال الذهبي: هذا الحديث لو صح نص في الفقيه الذي تبصر في العلم ورقى إلى الاجتهاد وعمل بعلمه لا كفقيه اشتغل بمحض الدنيا (ت) في العلم (هـ) في السنة (عن ابن عباس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من [ص: 443] هذا الوجه وأورده ابن الجوزي في العلل وقال: لا يصح والمتهم به روح بن جناح قال أبو حاتم: يروي عن الثقات ما لم يسمعه من ليس متجرا في صناعة الحديث شهد له بالوضع انتهى. وقال الحافظ العراقي: ضعيف جدا الحديث: 5896 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 5897 - (فكرة ساعة) أي صرف الذهن لحظة من العبد في تدبير تقصيره وتفريطه في حقوق الحق ووعده وعيده وحضوره بين يديه ومحاسبته له ووزن أعماله وخوف خسرانه وجوازه على الصراط وشدة وحدته وغير ذلك من أهوال القيامة (خير من عبادة ستين سنة) مع عزوبة البال عن التفكير بهذه الأهوال لأنه إذا تفكر في ذلك قوي خوفه واجتمع همه وصارت الآخرة نصب عينيه فأوقع العبادة بفراغ قلب من الشواغل الدنيوية ونشاط وجد وتشمير ومن قل تفكره قسى قلبه وتفرق شمله وتتابعت عليه الغفلة فهو وإن تعبد فقلبه هائج بأشغال الدنيا متكل على عقله غير معتمد على ربه لا يتأثر بقوارع التخويف ولا ينزجر بزواجر التذكير قال الحرالي: لا خير في عبادة إلا بتفكر كما أن الباني لا بد أن يفكر في بنيانه كما قال الحكيم أول الفكرة آخر العمل وأول العمل آخر الفكرة كذلك من حق أعمال الإيمان أن لا تقع إلا بفكرة في إصلاح أوائلها السابقة وأواخرها اللاحقة وقال بعضهم: إن العبادة تنقسم إلى ظاهرة بالأركان وباطنة بالقلب والجنان وعادة الباطن أفضل وأخلص وأصفى ولأسلم والفكر أتمها لحصول القلب في عالم الغيب وخروجه عن عالم الشهادة والحس وعظم الفكر بحسب المتفكر فيه فمنهم من تفكر في المصنوعات استدلالا على صانعها ومنهم من تفكر في الجنة والنار كأنه يعاينها ومنهم من تفكر في عظمة الله ومشاهدته (تتمة) قال الغزالي: عن وهب كان فيمن قبلكم رجل عبد الله سبعين سنة صائما قائما فسأل الله حاجة فلم تقض فأقبل على نفسه وقال: من قبلك أتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك فأنزل الله ملكا فقال: ساعتك التي ازدريت فيها نفسك خير من عبادتك التي مضت (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة) من حديث عثمان بن عبد الله القرشي عن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخراساني عن أبي هريرة أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه عثمان بن عبد الله القرشي عن إسحاق الملطي كذابان فأحدهما وضعه وتعقبه المؤلف بأن العراقي اقتصر في تخريج الأحياء على ضعفه وله شاهد الحديث: 5897 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 5898 - (فكوا) خلصوا والفكاك بفتح الفاء وتكسر التخليص (العاني) بمهملة ونون أي أعتقوا الأسير من أيدي العدو بمال أو غيره كالرقيق قال ابن الأثير: العاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا قال ابن بطال: فكاك الأسير فرض كفاية وبه قال الجمهور وقال ابن راهويه: من بيت المال وروي عن مالك وقال أحمد: يفادي بالرؤوس أو بالمال أو بالمبادلة (وأجيبوا الداعي) أي إلى نحو وليمة أو معاونة (وأطعموا الجائع) ندبا إن لم يصل لحالة الاضطرار ووجوبا إن وصل قال ابن حجر: وأخذ من الأمر بإطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والأمر بإطعامه مستمر (وعودوا المريض) ندبا مؤكدا إن كان مسلما وإلا فجوازا وإن كان نحو قريب أو جار أو رجي إسلامه قال في المطامح: هذه مصلحة كلية ومواساة عامة لا يقوم نظام الدنيا والآخرة إلا بها وقال ابن الأثير: المقصرون الذين وجب حقهم على غيرهم منحصرون في هذه الأقسام صريحا أو كناية عند إمعان النظر (حم خ عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الحارث وغيره الحديث: 5898 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 5899 - (فلق البحر لبني إسرائيل) فدخلوا فيه لما تبعهم فرعون وجنوده (يوم عاشوراء) اليوم العاشر من المحرم فمن ثم [ص: 444] صاموه شكرا لله على نجاتهم وهلاك عدوهم (ع وابن مردويه) في التفسير (عن أنس) قال ابن القطان: فيه ضعيفان وقال الهيثمي: فيه يزيد الرقاشي وفيه كلام كثير الحديث: 5899 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 5900 - (فمن أعدى الأول) قاله لمن استشهد على العدوى بإعداء البعير الأجرب للإبل وهو من الأجوبة المسكتة البرهانية التي لا يمكن دفعها إذ لو جلبت الأدواء بعضها لزم فقد الداء الأول لفقد الجالب فقطع التسلسل وأحال على حقيقة التوحيد الكامل الذي لا معدل له فهو جواب في غاية الرشاقة والبلاغة قال ابن العربي: وهذا أصل عظيم في تكذيب القدرية وأصل حدث العالم ووجوب دخول الأولية له ودليل على صحة القياس في الأصول وأما خبر لا يورد ممرض على المصح فهو نهي عن إدخال التوهم المحظور على العامة باعتقاد وقوع العدوى عليهم بدخول البعير الأجرب فيهم قال القرطبي: هذه الشبهة وقعت للطبائعيين ثم للمعتزلة فقال الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها ويسمون المؤثر طبيعة وقال المعتزلة به في أفعال العباد وقالوا قدرتهم مؤثرة فيها الإيجاد مستقلون بها واستدل كل بالمشاهدة الحسية وهو غلط سببه التباس إدراك العقد وفيه جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إن كان السائل أهلا لفهمه وإلا خوطب بما يحتمله عقله من الإقناعيات (ق د ت عن أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوة ولا طيرة فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها؟ فذكره الحديث: 5900 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 5901 - (فناء أمتي بالطعن والطاعون) قالوا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال (وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة) وفي الخبر المار اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون وقيل معناه أن غالب فنائهم بالفتن التي تسفك الدماء وبالوباء ولا يشكل بأن أكثر الأمة يموت بغيرهما لأن معنى الخبر الدعاء كما تقرر وقد استجيب في البعض أو أراد بالأمة طائفة مخصوصة كصحبه أو الخيار وقد مر ذلك موضحا في اللهم (حم طب) كلاهما من رواية زياد بن علاقة عن رجل (عن أبي موسى) الأشعري (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده جيد وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجال بعضها ثقات اه. وقال ابن حجر: رجاله ثقات إلا المبهم الحديث: 5901 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 5902 - (فهلا) تزوجت جارية (بكرا) يا جابر بن عبد الله الذي أخبر بأنه تزوج ثيبا قال في المفتاح: وهلا يطلب بها حصول النسبة ولهذا امتنع هل عندك عمرو أم بشر بالاتصال دون الانقطاع فقوله فهلا بكرا أي فهلا تزوجت بكرا ثم علله بقوله (تلاعبها وتلاعبك) اللعب المعروف وقيل هم من اللعاب وهو الريق ويؤيد الأول قوله (وتضاحكها وتضاحكك) وذلك ينشأ عن الألفة التامة فإن الثيب قد تكون معلقة القلب بالزوج الأول فلم يكن لها محبة كاملة بخلاف البكر ذكره الطيبي فأفاد ندب تزويج البكر وملاعبة الرجل امرأته وملاطفتها ومضاحكتها وحسن العشرة وغير ذلك (حم ق د ن هـ) في النكاح (عن جابر) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزوجت بعد أبيك؟ قلت: نعم. قال: بكرا أم ثيبا قلت: ثيبا فذكره الحديث: 5902 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 5903 - (فهلا بكرا تعضها وتعضك) فيدوم بذلك الائتلاف والموافقة ويبتعد وقوع الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله [ص: 445] نعم الثيب أولى لعاجز عن الاقتضاض ولمن عنده عيال يحتاج لكاملة تقوم عليهن كما اعتذر به جابر للنبي صلى الله عليه وسلم في الخبر السابق واستصوبه منه قيل فيه رد لقول الأطباء أن جماع الثيب أنفع وأحفظ للصحة وأن جماع البكر لا ينفع بل يضر وهذا كما ترى غير مستقيم لأن مراد الأطباء بكراهة نكاح البكر كراهة وطئها في فم الفرج مع بقاء بكارتها بخلاف الثيب ذكره الطيبي (طب) من حديث الربيع بن كعب بن عجرة (عن) أبيه (كعب بن عجرة) ولم أجد من ترجم الربيع وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم ضعف وقد وثقهم ابن حبان الحديث: 5903 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 5904 - (فوا لهم) بضم الفاء وألف التثنية أمر لحذيفة وابنه بالوفاء للمشركين بما عاهدوهما عليه حين أخذوهما وأخذوا عليهم أن لا يقاتلوهم يوم بدر فاعتذرا للنبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذرهما وأمرهما بالوفاء (ونستعين الله عليهم) أي على قتالهم أي فإنما النصر من عند الله لا بكثرة عدد ولا عدد وقد أعانه الله تعالى وكانت واقعة أعز الله بها الإسلام وأهله (حم عن حذيفة) بن اليمان الحديث: 5904 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 5905 - (في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البر صدقته) قال ابن دقيق العيد: الذي رأيته في نسخة من المستدرك في هذا الحديث البر بضم الموحدة وبراء مهملة اه. قال ابن حجر: والدارقطني رواه بزاي معجمة لكن طريقه ضعيفة (ومن رفع دنانير أو دراهم أو تبرا أو فضة لا يعدها لغريم ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة) {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} (ش حم ك) في الزكاة (هق) كلهم (عن أبي ذر) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص وقال في المهذب: إسناده جيد ولم يخرجوه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: إسناده لا بأس به وقال في تخريج المختصر: حديث غريب رواته ثقات لكنه معلول قال الترمذي: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال لم يسمع ابن جريج من عمران بن أبي أنس الحديث: 5905 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 5906 - (في الإبل فرع وفي الغنم فرع ويعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم) كان الرجل في الجاهلية إذا تمت إبله مئة نحر بكرا لصنمه وهو الفرع وكان المسلمون يفعلونه في صدر الإسلام ثم نسخ كذا في النهاية (طب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن يزيد بن عبد الملك المزني عن أبيه) قال الهيثمي: رجاله ثقات وقد رواه ابن ماجه بنحوه الحديث: 5906 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 5907 - (في الأسنان خمس خمس من الإبل) أي في الواجب لمن قلع له ذلك في كل سن خمس من الإبل (د ن عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 5907 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 5908 - (في الأصابع عشر عشر) يعني في الواجب لمن قطع له ذلك في كل إصبع عشر من الإبل. قال ابن جرير: وحكمه بذلك دليل على أن المدار هنا على الاسم دون المنفعة وقد أوضحه في خبر آخر بقوله الإبهام والخنصر سواء ولا شك أن في الإبهام من المنافع والجمال ما ليس في الخنصر إذ معظم عمل الآدمي في نحو كتابة وعلاج كل صناعة إنما هو [ص: 446] بالإبهام والتي يليها وليس للخنصر من الجمال شيء وعلى منوال ذلك دية جميع الأضراس والأنياب سواء (حم د ن) وكذا ابن ماجه وابن حبان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر: حديث حسن الحديث: 5908 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 5909 - (في الأنف الدية إذا استوعى) كذا هو بخط المصنف بالعين والظاهر أنه سبق قلم وأنه بالفاء (جدعة مئة من الإبل وفي اليد خمسون وفي الآمة ثلث النفس وفي الجائفة ثلث النفس) هي الطبقة التي تنفذ إلى الجوف يقال جفته إذا أصبت جوفه واجفته الطعنة وجفته بها والمراد بالجوف هنا كل ما له قوة محيلة كبطن ودماغ (وفي المنقلة خمس عشرة) أي ما ينقل العظم عن موضعه (وفي الموضحة خمس وفي السن خمس وفي كل أصبع مما هنالك عشر عشر) (هق عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور البزار قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي ليلى سيء الحفظ وبقية رجاله ثقات الحديث: 5909 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 5910 - (في الإنسان ستون وثلاث مئة مفصل) وفي رواية ست مئة وستون قالوا: وهي غلط (فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة) قالوا: ومن يطيق ذلك؟ قال: (النخاعة) أي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع والنخامة البزقة التي تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة (في المسجد يدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر) للشكر لأنها لم تشرع جابرة لغيرها بخلاف الرواتب (فركعتا الضحى تجزئ عنك) وخصت الضحى بذلك لتمحضها (حم) في الأدب (حب عن بريدة) بن الحصيب قال المناوي: فيه علي بن الحسين بن واقد ضعفه أبو حاتم وقواه غيره الحديث: 5910 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 5911 - (في الإنسان ثلاثة) من الخصال (الطيرة) بكسر ففتح التشاؤم بالشين يعني قلما يخلو الإنسان من طيرة (والظن) يعني الشك العارض (والحسد فمخرجه من الطيرة أن لا يرجع) بل يتوكل على الله ويمشي لوجهه حسن الظن بربه واثقا بجميل صنعه (ومخرجه من الظن أن لا يتحقق) ما خطر في قلبه ويحكم به (ومخرجه من الحسد أن لا يبغي) على المحسود والمؤمنون متفاوتون في أحوالهم فمنهم الضعيف إيمانه والقوي والعالي والداني فوصف المتوسطين منهم بقوله ومخرجه من الحسد إلخ وهذا الحسد المذموم الذي يتعين مجاهدة النفس عنه وكذا إذا أساء ظنه بأخيه طالبته نفسه بأن يقول فيه سوءا فيجاهدها وكذا الطيرة تمنع عن المضي فيجاهد نفسه وأما من علت رتبته فإنه وإن اشتمل على هذه الخصال لا تذم منه لأنها تكون في أسباب الدين لا الدنيا بأن يحسده في فضيلة فيتمناها كما يشير إليه خبر لا حسد إلا في اثنتين (هب عن أبي هريرة) الحديث: 5911 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 5912 - (في البطخ) ويقال البطيخ (عشر خصال هو طعام وشراب وريحان وفاكهة وأشنان) أي يغسل به الأيدي [ص: 447] كما يغسل بالأشنان (ويغسل البطن) في رواية المشاة (ويكثر ماء الظهر) بمعنى المني (ويزيد في الجماع ويقطع الأبردة وينقي البشرة) إذا دلك فيه ظاهر الجسد في الحمام وفيه جواز غسل الأيدي بالبطيخ ويحتاج إلى تأويل ومن خصاله أيضا أنه يدر البول ويصفي البشرة إذا دلك به أو ببذره مدقوقا وإذا جفف كان أجلى وإذا ضمد بلحمه أورام العين سكن وجعها وإذا وضع قشره على يوافيخ الصبيان نفع أورام أدمغتهم ولا ينبغي أكله إلا بين طعامين لسرعة استحالته (الرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (فر عن ابن عباس) مرفوعا (أبو عمرو النوقاني) بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون نسبة إلى نوقان إحدى مدينتي طوس نسب إليها جماعة من العلماء (في كتاب البطيخ عنه موقوفا) قال بعضهم: لا يصح في البطيخ شيء الحديث: 5912 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 5913 - (في التلبينة شفاء من كل داء) كما مر توجيهه غير مرة حساء من نخالة ولبن وعسل أو من نخالة فقط وأنها تشد قلب الحزين كما في القاموس وغيره (الحارث) بن أبي أسامة (عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5913 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 5914 - (في الجمعة) أي في يومها (ساعة) أي لحظة لطيفة (لا يوافقها) أي لا يصادفها (عبد) مسلم (يستغفر الله) أي يطلب منه الغفران: الستر لذنوبه (إلا غفر له) وفيها أكثر من أربعين قولا أرجحها ثلاثة: الأول أنها تنتقل كليلة القدر ورجحه المحب الطبري تبعا للحجة الثاني أنها آخر ساعة من النهار واختاره أحمد ونقله العلائي عن الشافعي الثالث ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وصححه النووي قال ابن حجر: وما عدا الثلاثة ضعيف أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف قال عياض: وليس معنى هذه الأقوال أن كله وقت لها بل أنها في أثناء ذلك الوقت لقوله في رواية وأشار بيده يقللها وفائدة إبهامها بعث الدواعي على الإكثار فيها من الصلاة والدعاء ولو بينت لاتكل الناس عليها وتركوا ما عداها فالعجب مع ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها واستشكل ما اقتضاه الخبر من حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمطالع وساعة الإجابة متعلقة بالأوقات وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل كما في نظيره في ساعة الكراهة وفيه فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة وفضل الدعاء فيه وندب الإكثار منه وبقاء الإجمال بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وغير ذلك (ابن السني عن أبي هريرة) ورواه مسلم بلفظ إن في يوم الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال وهي ساعة خفيفة الحديث: 5914 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 5915 - (في الجنة مئة درجة) سبق أنه لا تعارض بينه وبين الأخبار الدالة على زيادة درجتها على المئة لخبر إن قارئ القرآن يصعد بكل آية معه درجة حتى يقرأ آخر شيء معه لأن تلك المئة درجات كبار وكل درجة منها تتضمن درجات صغارا (ما بين كل درجتين مئة عام) وفي رواية خمس مئة وفي أخرى أزيد وأنقص ولا تناقض لاختلاف السير والسرعة والبطء والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك تقريبا للأفهام أو خطابا لكل مؤمن بما يليق به من المقام (ت عن أبي هريرة) وحسنه ورمز المصنف لحسنه الحديث: 5915 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 5916 - (في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون) مجازاة لهم على ما كان يصيبهم من العطش [ص: 448] في صيامهم قال الحكيم الترمذي: وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الصلاة باب الزكاة باب الجهاد باب الصدقة باب الحج باب العمرة باب الكاظمين الغيظ باب الراضين باب من لا حساب عليه باب الضحى باب الفرح باب الذاكرين باب الصابرين والظاهر أن الأبواب الأصول ثمانية وما زاد عليها كالخوخ المعهودة ثم إنه لم يقل يسمى باب الريانين لأن أل فيه للجنس والعموم مع المبالغة فهو أبين منه وأبلغ ولأن باب فعلان لم ينقل فيه جمع السلامة فقلما يقال في سكران سكرانين ذكره السهيلي (خ عن سهل بن سعد) الساعدي وفي الباب غيره أيضا الحديث: 5916 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 5917 - (في الجنة باب يدعى الريان) مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين (يدعى له الصائمون فمن كان من الصائمين دخله ومن دخله لا يظمأ أبدا) قال السهيلي: لم يقل باب الري لأنه لو قاله دل على أن الري مختص بالباب فما بعده ولم يدل على ري قبله وأما الريان ففيه إشعار بأنه لا يدخله إلا ريان بحيث لم يصبه من حر الموقف ما أصاب الناس من الظمأ (ت هـ عنه) الحديث: 5917 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 5918 - (في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن) أي يجامعهم المؤمن فالطواف هنا كناية على المجامعة وفي رواية الشيخين الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا وفي البخاري طولها ثلاثون ميلا قال ابن القيم: وهذه الخيام غير الغرف والقصور بل هي خيام في البساتين وعلى شط الأنهار وروى ابن أبي الدنيا عن أبي الحواري ينشأ خلق حور العين إنشاءا فإذا تكامل خلقهن ضربت عليهن الخيام (حم م ت عن أبي موسى) الأشعري الحديث: 5918 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 5919 - (في الجنة مئة درجة) المراد بالمئة التكثير وبالدرجة المرقاة (ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) هذا التفاوت يجوز كونه صوريا وكونه معنويا ويكون المراد بالدرجة المرتبة فالأقرب إليه سبحانه يكون أرفع درجة ممن دونه (والفردوس أعلاها درجة) والأعلى أبعد من الخلل من الأدنى والأطراف (ومنها تفجر) أي تتفجر (أنهار الجنة الأربعة) نهر الماء ونهر اللبن ونهر الخمر ونهر العسل فهي أربعة باختلاف الأنواع لا باعتبار تعداد الأنهار إذ كل نوع له أنهار لا نهر (ومن فوقها يكون العرش) أي عرش الرحمن (فإذا سألتموا الله) الجنة (فاسألوه الفردوس) لأنه فضلها وأعلاها قال ابن القيم: لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه مما الجنان بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنان ولعظم سعة الجنة وغاية ارتفاعها كان الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج درجة فوق درجة كما يقال للقارئ اقرأ وارق (حم ت ك عن عبادة بن الصامت) قال المناوي: هذا الحديث لم أقف عليه في الصحيحين ولا أحدهما الحديث: 5919 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 [ص: 449] 5920 - (في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) قال الطيبي: ما هنا موصولة أو موصوفة وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق والمعنى ما رأت العيون كلهن ولا عين واحدة منهن فيحتمل نفي الرؤية والعين أو نفي الرؤية فحسب والمراد عيون البشر وآذانهم كما مر (ولا خطر على قلب بشر) من باب قوله تعالى {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} أي لا قلب ولا خطور فجعل انتفاء الصفة دليلا على انتفاء الذات أي إذا لم تحصل ثمرة القلب وهو الإخطار فلا قلب وخص البشر هنا دون القرينتين قبله لأنهم هم الذين ينتفعون بما أعد لهم ويهتمون به بخلاف الملائكة (البزار) في مسنده (طس) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح وقال المنذري: رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح الحديث: 5920 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 5921 - (في الحبة) في رواية لمسلم إن في الحبة (السوداء) وهي الشونيز كما في صحيح مسلم (شفاء من كل داء) بالمد (إلا السام) والسام الموت ولابن ماجه إلا أن يكون الموت وأخرج العسكري عن الأصمعي قال: عنى المصطفى صلى الله عليه وسلم به أي السام الموت. ولم يسمع قبله ولا سمعته في شعر ولا في كلام جاهلي اه. وأخرج عن ابن الأعرابي قال: لم يسمع في كلام الجاهلية في شعر إنما هو إسلامي قال: وهذا عجيب ولم يأت في شيء جاهلي وفيه أن الموت داء من جملة الأدواء والشونيز كثير المنافع وقوله من كل داء من قبيل {تدمر كل شيء بأمر ربها} أي كل شيء يقبل التدمير وفي رواية لمسلم ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام قال الخطابي: هذا من العموم الذي أريد به الخصوص ولا يجمع في طبع شيء من النبات كالشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها وتباين طبائعها وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من كل ورطوبة وبرودة وبلغم لأنه حار يابس فيشفي ما يقابله لأن الدواء بالمضاد والفداء بالمشاكل <تنبيه> قال بعض العارفين: جرت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحيل على الأدوية المفردة كالسناء والحبة السوداء لأنها جامعة وذرات حرف واحد ولا يحيل على مركبات الأدوية كما يضعه الأطباء لأنه صاحب جوامع التكلم <فائدة> رأيت بخط الحافظ شيخ الإسلام الولي العراقي ما نصه: قال ابن ناصر: لم يصح عن المصطفى صلى الله عليه سلم شيء فيما يروى في ذكر الحبوب إلا حديث الحبة السوداء وحده وفي رواية لمسلم ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام (حم ق) كلهم في الطب (عن أبي هريرة) ولفظ ابن ماجه عليكم بالحبة السوداء إلخ الحديث: 5921 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 5922 - (في الحجم شفاء) لاستفراغه أعظم الأخلاط وهو الدم وهو في البلاد الحارة أنجح من الفصد قال الموفق البغدادي: الحجامة نتقي سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن والحجامة للصبيان في البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد يغني عن كثير من الأدوية ولهذا وردت الأحاديث بذكره دون الفصد لأن العرب ما كانت تعرف إلا الحجامة غالبا وقال ابن القيم: التحقيق أن الحجامة والفصد مختلفان اختلاف الأزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الزمان الحار والمكان الحار أولى والفصد بعكسه ولهذا كان الحجم أنفع للصبيان (سمويه حل والضياء) المقدسي (عن عبد الله بن سرجس) ورواه مسلم من حديث جابر بلفظ إن في الحجم شفاء وقد تقدم الحديث: 5922 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 5923 - (في الخيل السائمة في كل فرس دينار) يغارضه خبر عفوت عن الخيل والرقيق وخبر ليس في الخيل والرقيق [ص: 450] زكاة وخبر ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة (قط هق عن جابر) قضية تصرف المصنف أن مخرجه خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل قال الدارقطني عقبه: تفرد به فورك بن الخضرم عن جعفر بن محمد وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء وقال الذهبي في التنقيح: إسناده مظلم وفيه فورك بن الخضرم اه. وفي الميزان عن الدارقطني فورك ضعيف جدا ثم أورد من مناكيره هذا الخبر وقال ابن حجر: سنده ضعيف جدا وقال الهيثمي: فيه ليث بن حماد وفورك كلاهما ضعيف الحديث: 5923 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 5924 - (في الخيل وأبوالها وأرواثها كف من مسك الجنة) أي مقدار قبضة والأولى في مثل هذا أن يفوض فهمه إلى الشارع وتترك التعسفات في توجيهه (ابن أبي عاصم في الجهاد عن عريب) بفتح المهملة وكسر الراء (المليكي) بضم ففتح بضبط المصنف شامي قال البخاري: يقال له صحبة قال الذهبي: له حديث من وجه ضعيف انتهى وأشار به إلى هذا الحديث الحديث: 5924 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 5925 - (في الذباب في أحد جناحيه) قيل وهو الأيسر (داء) أي سم كما جاء هكذا في رواية (وفي الآخر شفاء فإذا وقع في الإناء) أي الذي فيه مائع كعسل (فارسبوه) أي اغمسوه يقال رسب الشيء رسوبا ثقل وصار إلى أسفل وفيه أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه لأن الشارع لا يأمر بغمس ما ينجس الماء إذا مات فيه لأنه إفساد واعتراضه بأنه لا يلزم من غمسه موته فقد يغمسه برفق وبأن الحديث غير مسوق لبيان النجاسة والطهارة بل لقصد بيان التداوي من ضرر الذباب أجيب بأنه وإن كان كذلك لكن لا يمنع أن يستنبط منه حكم (فيذهب شقاؤه بدائه) (ابن النجار) في التاريخ (عن علي) ورواه أحمد والنسائي عن أبي سعيد بلفظ أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يدس السم ويؤخر الشفاء الحديث: 5925 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 5926 - (في الركاز) الذي هو من دفين الجاهلية في الأرض (الخمس) بضمتين وقد تسكن الميم وإنما كان فيه الخمس لا نصف عشره لسهولة أخذه ولأنه مال كافر فنزل واجده منزلة الغانم فله أربعة أخماسه (هـ عن ابن عباس طب عن أبي ثعلبة) الخشني (طس عن جابر وعن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه يزيد بن سنان وفيه كلام الحديث: 5926 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 5927 - (في الركاز) بكسر الراء وتخفيف الكاف (الخمس) مذهب الأئمة الأربعة أن فيه الخمس لكن شرط الشافعي النصاب والنقدين لا الحول <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أنه أبيح لهم الكنز إذا أدوا زكاته (أبو بكر بن أبي داود في جزء من حديثه عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5927 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 5928 - (في السماء ملكان أحدهما يأمر بالشدة والآخر باللين وكلاهما مصيب أحدهما جبريل والآخر ميكائيل ونبيان أحدهما يأمر باللين والآخر بالشدة وكل) منهما (مصيب إبراهيم ونوح) إبراهيم باللين ونوح بالشدة (ولي صاحبان [ص: 451] أحدهما يأمر باللين والآخر بالشدة أبو بكر وعمر) بن الخطاب فأبو بكر يشبه ميكائيل وإبراهيم وعمر يشبه جبريل ونوحا (طب وابن عساكر) في التاريخ وكذا الديلمي (عن أم سلمة) قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات الحديث: 5928 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 5929 - (في السمع مئة من الإبل) إذا جنى إنسان على إنسان مسلم معصوم فأبطل سمعه فعليه دية كاملة وهي مئة من الإبل (وفي العقل مئة من الإبل) كذلك (هق من معاذ) بن جبل الحديث: 5929 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 5930 - (في السواك عشر خصال) فاضلة (يطيب الفم) أي يذهب برائحته الكريهة ويكسبه ريحا طيبة (ويشد اللثة) أي لحم الأسنان (ويجلو البصر ويذهب البلغم ويذهب الحفر) بفتح الحاء والفاء بضبط المصنف داء يصيب الأسنان (ويوافق السنة) أي الطريقة المحمدية (ويفرح الملائكة) لأنهم يحبون الريح الطيبة (ويرضي الرب) لما في فعله من الثواب (ويزيد في الحسنات) لأن فعله منها (ويصحح المعدة) أي ما لم يبالغ فيه جدا (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب وأبو نعيم في) كتاب فضل (السواك) من طريق الخليل بن مرة وفيه كما قال الولي العراقي: ضعف عن ابن أبي رباح (عن ابن عباس) وهذا الحديث خرجه الدارقطني في سننه عن ابن عباس من هذا الوجه لكن ترتيبه يخالف ما هنا ولفظه في السواك عشر خصال مرضاة للرب ومسخطة للشيطان ومفرحة للملائكة جيد للثة ويذهب بالحفر ويجلو البصر ويطيب الفم ويقل البلغم وهو من السنة ويزيد في الحسنات اه ثم قال أعني الدارقطني معلى بن ميمون أحد رجاله ضعيف متروك وروى أبو نعيم من طريق إسماعيل بن عباس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء عليكم بالسواك فلا تغفلوه وأديموه فإن فيه أربعة وعشرين خصلة أفضلها وأعلاها درجة أنه يرضي الرحمن ومن أرضى الرحمن فإنه يحل الجنان. الثانية أنه يصيب السنة. الثالثة أنه تضاعف صلاته سبعا وعشرين ضعفا. الرابعة أنه يورث السعة والغنى. الخامسة يطيب النكهة. السادسة يشد اللثة. السابعة يذهب الصداع ويسكن عروق رأسه فلا يضرب عليه عرق ساكن ولا يسكن عليه عرق ضارب. الثامنة يذهب عنه وجع الضرس. التاسعة تصافحه الملائكة لما ترى من النور على وجهه. العاشرة تنقي أسنانه حتى تبرق. الحادي عشر تشيعه الملائكة إذا خرج إلى مسجده لصلاته. الثانية عشر تستغفر له حملة العرش عند رفع أعماله. الثالث عشر يفتح له أبواب الجنة. الرابعة عشر يقال هذا مقتد بالأنبياء يقفو آثارهم ويلتمس هديهم. الخامسة عشر يكتب له أجر من تسوك من يومه ذلك في كل يوم. السادسة عشر تغلق عنه أبواب الجحيم. السابعة عشر تستغفر له الأنبياء والرسل. الثامنة عشر لا يخرج من الدنيا إلا طاهرا مطهرا. التاسعة عشر لا يعاين ملك الموت عند قبض روحه إلا في الصورة التي يقبض فيها الأنبياء. العشرون لا يخرج من الدنيا حتى يسقى من الرحيق المختوم. الحادية والعشرون يوسع عليه قبره وتكلمه الأرض من محبته وتقول كنت أحب نغمتك على ظهري فلأتسعن عليك. الثانية والعشرون يصير قبره عليه أوسع من مد البصر. الثالثة والعشرون يقطع الله عنه كل داء ويعقبه كل صحة. الرابعة والعشرون يكسى إذا كسي الأنبياء ويكرم إذا كرموا ويدخل الجنة معهم بغير حساب. قال العراقي: خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء والحديث في متنه نكارة وهو موقوف الحديث: 5930 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 [ص: 452] 5931 - (في الضبع) إذا صاده المحرم (كبش) هو فحل الضأن في أي سن كان والأنثى نعجة وواجب الضبع على قول الأكثر نعجة لا كبش (هـ عن جابر) قال البيهقي: حديث جيد تقوم به الحجة ورواه بمعناه أصحاب السنن الأربعة الحديث: 5931 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 5932 - (في الضبع كبش وفي الظبي) الغزال والأنثى ظبية (شاة) هي الواحدة من الغنم تقع على الذكر والأنثى من ضأن أو معز (وفي الأرنب) اسم جنس يقع على الذكر والأنثى (عناق) أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة وفي الروضة أنثى المعز من حين تولد حتى ترعى (وفي اليربوع) حيوان معروف كلون الغزال (جفرة) أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والذكر جفر سمي به لأنه جفر جنباه أي عظما (هق) وكذا الدارقطني كلاهما من حديث أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله (عد هق عن عمر) بن الخطاب قال عبد الحق: رواه الثقات الأثبات عن عمر من قوله الحديث: 5932 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 5933 - (في العسل في كل عشرة أزق زق) جمع قلة لزق وهو السقاء الذي زق جلده أي سلخ من قبل رأسه وبه أخذ أبو حنيفة وأحمد والشافعي في القديم فأوجبوا فيه العشر وفي الجديد لا زكاة فيه وهو مذهب مالك لأنه ليس بقوت ولم يصح فيه خبر (ت هـ) في الزكاة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: لا يصح وفيه صدقة السمين ضعيف وقد خولف وقال النسائي حديث منكر وقال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح اه. وتعقبه مغلطاي بصحة حديث فيه في مسند الشافعي وغيره اه. وبالجملة فحديث الترمذي هذا جزم الحافظ ابن حجر وغيره ليضعفه الحديث: 5933 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 5934 - (في الغلام) أي المولود الذكر (عقيقة) وهو ما يذبح عند حلق شعره (فأهريقوا) عنه (دما) أي اذبحوا عنه شاتين ويجزئ واحدة (وأميطوا عنه الأذى) نجسا أو طاهرا فيحلق شعر رأسه يوم السابع ويتصدق بزنته ذهبا فإن عسر ففضة أما الأنثى فيعق عنها بشاة واحدة (ن عن سلمان بن عامر) الضبي صحابي مشهور الحديث: 5934 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 5935 - (في الكبد الحارة أجر) يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان أجر والمراد المحترم (هب عن سراقة) بضم المهملة وخفة الراء (ابن مالك) بن جشم المدلجي الحديث: 5935 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 5936 - (في اللبن صدقة) أي زكاة ولم أر من أخذ بقضية هذا الخبر فأوجبها فيه ويمكن تنزيله على زكاة التجارة وقد يحمل على صدقة التطوع ويكون الطلب ندبا <فائدة> سئل جدي الشرف المناوي هل اللبن أفضل من العسل أم عكسه؟ فأجاب بأن الذي يظهر أن اللبن أفضل من العسل (الروياني) في مسنده (عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا الخلال والديلمي الحديث: 5936 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 5937 - (في اللسان الدية إذا منع الكلام وفي الذكر الدية إذا قطعت الحشفة وفي الشفتين الدية) (عد هق عن ابن عمرو) ابن العاص الحديث: 5937 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 [ص: 453] 5938 - (في المؤمن) أي الغير الكامل الإيمان (ثلاث خصال الطيرة والظن) أي السيء (والحسد) فقلما ينفك عنها (فمخرجه من الطيرة أن لا يرجع) عن مقصده بل يعزم ويتوكل على ربه (ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الحسد أن لا يبغي) على المحسود وقد مر معناه غير مرة (ابن صصري في أماليه فر عن أبي هريرة) الحديث: 5938 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 5939 - (في المنافق ثلاث خصال إذ حدث كذب) أي أخبر بخلاف الواقع (وإذا وعد أخلف) بأن لا يفي به (وإذا ائتمن خان) في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقض ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو وقد مر ذلك أول الكتاب موضحا (البزار) وكذا الطبراني في الأوسط (عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: فيه يوسف بن الخطاب مجهول الحديث: 5939 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 5940 - (في المواضح) جمع موضحة وهي التي ترفع اللحم عن العظم وتوضحه أي تظهر بياضه (خمس خمس من الإبل) إن كان في رأس أو وجه وإلا ففيها الحكومة عند الشافعي وتمام الحديث والأصابع كلها سواء عشر عشر من الإبل قال القاضي: وأمثال هذه التقديرات تعبد محض لا طريق إلى معرفته إلا التوقيف (حم 4 عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 5940 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 5941 - (في أحد جناحي) في خط المصنف جناح بدون الياء ولعله سبق قلم (الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام) أي المائع (فأملقوه) أي اغمسوه (فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء) والأمر للندب (هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه الحديث: 5941 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 5942 - (في الوضوء إسراف) أي مجاوزة للحد في قدر الماء (وفي كل شيء من العبادات وغيرها) إسراف بحسبه وهو مذموم (ص عن يحيى بن أبي عمرو السيباني) بفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها موحدة أبو زرعة الحمصي قال الذهبي وغيره: ثقة وروايته عن الصحابة مرسلة فلذا قال (مرسلا) الحديث: 5942 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 5943 - (في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذرية بطونهم) قال الزمخشري: الذرب فساد المعدة وقال ابن الأثير: الذرب بالتحريك داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ويفسد فيها فلا تمسكه وقد احتج بهذا الحديث من قال بطهارته من مأكول اللحم أما من الإبل فبنص الحديث وأما من غيرها فبالقياس وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني وذهب الشافعي كالجمهور إلى نجاسة كل بول وروث من مأكول أو غيره وردوا الأول بأنه للتداوي بدليل قوله شفاء وهو جائز كتناوله لعطش وميتة [ص: 454] لجوع وأما حديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها فأراد بالحرام ما أخذ قليله بسبب أخذ كثيره أو أنه في المسكر أو المراد نفي الشفاء الحاصل بالحرام والشفاء ليس فيه بل الشافي هو الله فإن قيل فلا وجه لتخصيص الحرام قلنا تخصيص أحد النوعين بالذكر لا يدل على نفي الآخر بخلاف الصفة سيما إذا وقع السؤال لذلك النوع أو خص للزجر (ابن السني وأبو نعيم) معا (في الطب) النبوي وابن المنذر (عن ابن عباس) ورواه الحارث والديلمي وفيه ابن لهيعة وغيره الحديث: 5943 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 5944 - (في أصحابي) الذين ينسبون إلى صحبتي وفي رواية في أمتي وهو أوضح في المراد (اثني عشر منافقا) هم الذين جاؤوا متلثمين وقد قصدوا قوله ليلة العقبة مرجعه من تبوك حتى أخذ مع عمار وحذيفة طريق الثنية والقوم ببطن الوادي فحماه الله وأعلمه بأسمائهم (فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة) زاد في رواية ولا يجدون ريحها (حتى يلج الجمل في سم الخياط) (حم م عن حذيفة) الحديث: 5944 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 5945 - (في أمتي خسف ومسخ وقذف) بالحجارة من جهة السماء استشكل هذا الحديث ابن مردويه عن جابر مرفوعا دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم شيئين وأبى أن يرفع عنهم اثنين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع عنهم الخسف والرجم وأبى أن يرفع الآخرين وأجيب أن الإجابة مقيدة بزمن مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة وأما بعد فيجوز وقوعه وبأن المراد أن لا يقع لجمعهم بل لأفراد منهم غير مقيد بزمن <تنبيه> من الغريب قول ابن العربي الممسوخ حيوانا مأكولا لا يحرم أكله لأن كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلا وقال الحافظ ابن حجر: وحل أكل الآدمي إذا مسخ حيوانا مأكولا لم أره في كتب فقهائنا (ك) في الفتن من حديث الحسن بن عمرو الفقي عن أبي الزبير (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: على شرط مسلم إن كان أبو الزبير سمع من ابن عمرو قال ابن حجر: والمسخ قد ورد في روايات كثيرة وفي أسانيدها مقال غالبا لكن يدل مجموعها على أن لذلك أصلا الحديث: 5945 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 5946 - (في أمتي) أي سيظهر في أمتي (كذابون) صيغة مبالغة من الكذب وهو الخبر الغير المطابق للواقع ولا يعارضه الإخبار بإفشاء الكذب من القرن الرابع لأن المراد الزيادة على الكذب كما دلت عليه صيغة المبالغة وفي رواية كلهم يكذب على الله ورسوله (ودجالون) أي مكارون منسوبون من الدجل وهو التلبيس مبالغون في الكذب وأفردهم عن الأولين باعتبار ما قام بهم من المبالغة في الزيادة فيه تنبيها على أنهم النهاية التي لا شيء بعدها في هذا المبلغ وظاهر هذا أن الدجال إذا جمع أريد به علم الجنس وإذا أفرد فهو علم شخص (سبعة وعشرون منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي) وعيسى إذا نزل إنما يحكم بشرعه (حم طب) وكذا الديلمي (والضياء) المقدسي (عن حذيفة) قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني والبزار رجال البزار رجال الصحيح وقضيته أن رجال ذينك ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أحسن الحديث: 5946 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 5947 - (في بيض النعام يصيبه المحرم) أي يتلفه (ثمنه) أي يضمن قشره بقيمته لأنه ينتفع به (هـ عن أبي هريرة) ورواه [ص: 455] عنه أيضا الطبراني والديلمي الحديث: 5947 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 5948 - (في بيضة نعام) يتلفها المحرم (صيام يوم أو إطعام مسكين) مدا من طعام وبهذا أخذ الأئمة ومذهب الشافعي أن في بيض النعام ولو مذرا القيمة (هق) وكذا الدارقطني (عن أبي هريرة) قال الذهبي: هذا حديث منكر اه. ورواه الدارقطني أيضا عن عائشة بلفظ في بعض نعام كسره رجل محرم صيام يوم لكل بيضة قال عبد الحق: هذا لا يسند من وجه صحيح الحديث: 5948 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 5949 - (في ثقيف) اسم قبيلة (كذاب) قيل هو المختار بن عبيد الذي زعم أن جبريل يأتيه بالوحي (ومبير) أي مهلك وتنوينه للتعظيم هو الحجاج لم يكن في الإهلاك أحد مثله قبل قتل مئة وعشرين ألفا صبرا سوى ما قتل في حروبه وفيه إخبار عن المغيات وقد وقع فهو من المعجزات (ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن سلامة بنت الحسن) رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه من طريق الترمذي عبد الله بن عصم قال ابن حبان: منكر الحديث وخبر الطبراني أعله الهيثمي بأن فيه نسوة مساتير الحديث: 5949 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 5950 - (في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة) ما له سنة كاملة سمي به لأنه يتبع أمه أو لأن قرنه يتبع أذنه (وفي أربعين من البقر مسنة) وتسمى ثنية وهي ما لها سنتان كاملتان سميت مسنة لكمال أسنانها (ت هـ عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه الحديث: 5950 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 5951 - (في جهنم واد وفي الوادي بئر يقال له هبهب) قال ابن الأثير: الهبهب السريع وهبهب السراب إذا ترقرق (حق على الله أن يسكنها كل جبار) أي متمرد على الله عات متكبر قال القاضي: سمي بذلك إما للمعانه من شدة اضطراب النار فيه والهابه من هبهب الشراب إذا لمع أو لسرعة اتقاد ناره بالعصاة واشتعالها فيهم من الهبهب الذي هو السرعة أو لشدة أجيج النار فيه من الهباب وهو الصياح. قال الغزالي: أودية جهنم عدد أودية الدنيا وشهواتها وقد تضمن هذا الحديث ما يقصم الظهر جزعا ويبكي القلوب ألما والعيون دما من ظلمة الفؤاد من ظلم العباد وقسوة القلب والفؤاد <تنبيه> سميت جهنم لأنها كريهة المظهر والجهام السحاب الذي هرق ماؤه والغيث رحمة فلما أنزل الله الغيث من السحاب أطلق عليه اسم الجهام لزوال الرحمة الذي هو الغيث فكذا الرحمة أزالها الله من جهنم فكانت كريهة المنظر والمخبر (ك) في الرقاق (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورده عليهما الزين العراقي بأن فيه أزهر بن وسنان ضعفه ابن معين وابن حبان وأورد له في الضعفاء هذا الحديث اه. فكما أن الحاكم لم يصب في تصحيحه لم يصبه ابن الجوزي في حكمه عليه بالوضع بل هو ضعيف الحديث: 5951 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 5952 - (في خمس من الإبل شاه) وفي عشر شاتان وفي خمس عشر ثلاث شياه (وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين ابنة مخاض) زاد في رواية أنثى وهي التي تم لها سنة سميت لأن أمها تكون حاملا والمخاض الحوامل من النوق لا واحد لها من لفظها ويقال لواحدتها خلفة وإنما أضيفت إلى المخاض والواحدة لا تكون بنت نوق لأن أمها تكون من نوق حوامل وضعت حملها معهن في سنة وهي تتبعهن ووصفها بأنثى تأكيدا كما قال سبحانه {نعجة واحدة} [ص: 456] وفائدة التأكيد أن لا يتوهم متوهم أن البنت هنا والابن في ابن لبون كالبنت في بنت طلق والابن في ابن آوى وابن داية يشترك فيها الذكر والأنثى (إلى خمس وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإن زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإن زادت واحدة ففيها جذعة) وهي التي تمت أربع سنين ودخلت في الخامسة (إلى خمس وسبعين فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومئة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون) دليل على استقرار الحساب بعد ما جاوز العدد المذكور وهو مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة والثوري يستأنف الحساب بإيجاب الشياه ثم بنت مخاض ثم بنت لبون على الترتيب السابق (فإذا كانت إحدى وعشرين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومئة فإذا كانت ثلاثين ومئة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومئة فإذا كانت أربعين ومئة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومئة فإذا كانت خمسين ومئة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومئة فإذا كانت ستين ومئة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومئة فإذا كانت سبعين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومئة فإذا كانت ثمانين ومئة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومئة فإذا كانت تسعين ومئة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومئة فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم أي راعيتها لا لمعلوفة (في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومئة فإن زادت واحدة فشاتان إلى المائتين فإن زادت على المائتين) واحدة (ففيها ثلاث إلى ثلاث مئة فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مئة شاة شاة ليس فيها شيء حتى تبلغ [ص: 457] المئة ولا يفرق) بضم أوله وفتح ثالثه مشددا (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (ولا يجمع) بضم أوله وفتح ثالثه أي لا يجمع المالك والمصدق (بين متفرق) بتقديم التاء على الفاء (مخافة) وفي رواية للبخاري خشية (الصدقة) أي مخافة المالك كثرة الصدقة والساعي قلتها وفيه أن الخلطة تجمع مال الخليطين كواحد لكن بشروط مبينة في الفروع (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان) ما متضمنة معنى الشرط أي مهما كان من خليطين أي مخلوطين أو خالطين فإنهما أي الخليطين بالمعنى الثاني أو مالكيهما بالمعنى الأول ولا مانع من ذلك إذ فعيل تأتي بمعنى مفعول وبمعنى فاعل ويجوز جمعها باعتبارين فيكون خليط بمعنى مخلوط بالنسبة للمال وبمعنى خالط بالنسبة للمالك ومعنى يتراجعان أن من أخرج منهما زكاتهما من ماله رجع على الآخر بقدر نسبة ماله إلى جملة المال وقوله (بالسوية) أراد به النسبة (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) بكسر الراء أي كبيرة السن (ولا ذات عوار) بفتح العين المعيبة بما يرد به في البيع (من الغنم ولا تيس الغنم) أي فحل المعز (إلا أن يشاء المصدق) بتخفيف الصاد أي الساعي وبتشديدها أي المالك والاستثناء إما من التيس لأنه قد يزيد على خيار الغنم في القيمة لطلب الفحولة أو من الكل إذ أداؤه أنفع للمستحقين فالمنع في المذكورات موضعه إذا كانت ماشيته كلها كذلك والغرض كما قال الحطابي أن لا يأخذ الساعي شرار الأموال كما لا يأخذ كرائمها فلا يجحف بالمالك ولا يزري بالمستحقين (حم عد ك عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 5952 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 5953 - (في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بني مخاض) (د عن ابن مسعود) الحديث: 5953 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 5954 - (في طعام العرس مثقال من ريح الجنة) الله أعلم بما أراد نبيه (الحارث) بن أبي أسامة (عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5954 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 5955 - (في عجوة العالية) العجوة تمر بضرب إلى سواد والعالية الحوائط والقرى التي في الجهة العليا للمدينة مما يلي نجد (أول البكرة) بضم فسكون نصب على الظرفية (على ريق النفس) أي بزاق الإنسان نفسه (شفاء من كل سحر أو سم) لخاصية فيه أو لدعاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له أو لغير ذلك وهل تناوله أول الليل كتناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السحر والسم إلى الصباح احتمالان وظاهر الإطلاق المواظبة على ذلك قال الخطابي: كون العجوة ينفع من السحر والسم إنما هو ببركة دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر وقال ابن التين: يحتمل أن المراد نخل خاص لا يعرف الآن أو هو خاص بزمنه (حم عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا الحديث: 5955 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 5956 - (في كتاب الله) القرآن (ثمان آيات للعين: الفاتحة وآية الكرسي) لفظ رواية الديلمي كما رأيته في نسخة قديمة مصححة بخط الحافظ ابن حجر في كتاب الله عز وجل ثمان آيات للعين لا يقرؤها عبد في دار فتصيبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن فاتحة الكتاب سبع آيات وآية الكرسي اه بنصه (فر عن عمران بن حصين) ورواه عنه الميداني أيضا الحديث: 5956 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 [ص: 458] 5957 - (في كل إشارة في الصلاة عشر حسنات) الظاهر أن المراد بالإشارة فيه الإشارة بالمسبحة في التشهد عند قوله لا إله إلا الله (المؤمل) بوزن محمد بالهمزة (بن إهاب) بكسر أوله وبموحدة الربعي العجلي أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل الرملة أصله من كرمان قال في التقريب كأصله: صدوق له أوهام (في جزئه عن عقبة بن عامر) الجهني ورواه الطبراني بلفظ يكتب بكل إشارة يشيرها الرجل في صلاته بيده بكل أصبع حسنة أو درجة قال البيهقي: وسنده حسن الحديث: 5957 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 5958 - (في كل) أي في إرواء كل (ذات كبد) بفتح فكسر أو فسكون أو كسر فسكون وفي ظرفية أو سببية كما في خبر في النفس مئة من الإبل (حرى) فعلى من الحر وهو تأنيث حران وهما للمبالغة وأنثها لأن الكبد مؤنث سماعي. قال القرطبي: عنى به حرارة الحياة أو حرارة العطش وفي رواية كل كبد رطبة أي حية يعني بها رطوبة الحياة (أجر) عام مخصوص بحيوان محترم وهو ما لم يؤمر بقتله ونبه بالسقي على جميع وجوه الإحسان من الإطعام قال القرطبي: وفيه أن الإحسان إلى الحيوان مما يغفر الذنوب وتعظم به الأجور ولا يناقضه الأمر بقتل بعضه أو إباحته فإنه إنما أمر به لمصلحة راجحة ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة (حم هـ عن سراقة بن مالك حم عن ابن عمرو) بن العاص وسببه كما في مسند أبي يعلى قيل يا رسول الله الضوال ترد علينا هل لنا أجر أن نسقيها قال: نعم ثم ذكره وقضية اقتصار المصنف على ابن ماجه من بين الستة أنه تفرد به وهو ذهول فقد خرجه الشيخان معا والبخاري في بدء الخلق وفي باب الآبار وعند أبي هريرة في لفظ في كل ذات كبد رطبة أجر ومسلم في الحيوان عنه كمثل معناه وعذر المصنف أنه في ذيل حديث المومسة التي سقت الكلب فلم يتفطن له الحديث: 5958 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 5959 - (في كل ركعة تسليمة) بعد التشهد لمن شاء وذلك في النفل (هـ عن أبي سعيد) الخدري ورواه الديلمي أيضا الحديث: 5959 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 5960 - (في كل ركعتين التحية) فيه حجة لأحمد في وجوب التشهد الأول كالأخير وقال مالك وأبو حنيفة سنتان والشافعي الأول سنة والأخير واجب (م عن عائشة) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير وكان يقرأ في كل ركعتين التحية الحديث: 5960 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 5961 - (في كل ركعتين تشهد وتسليم على المرسلين وعلى من تبعهم من عباد الله الصالحين) وهم القائمون بما عليهم من حقوق الله وحقوق عباده وفيه أن الأفضل للمتنفل أن يتشهد في كل ركعتين ويسلم لا في كل ركعة (طب عن أم سلمة) الحديث: 5961 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 5962 - (في كل قرن من أمتي سابقون) قال الحكيم: هم البدلاء الصديقون الذين بهم يدفع البلاء عن وجه الأرض ويرزقون وذلك لأن النبوة ختمت بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا الولاية فكان من الصحب من المقربين قليل ومن بعدهم في كل قرن قليل اه وفي شرح الحكم أن المراد بالسابق الداعي إلى الله المبعوث على رأس كل قرن للتجديد (الحكيم) الترمذي (عن أنس) ورواه أبو نعيم والديلمي عن ابن عباس فما أوهمه عدول المصنف للحكيم من أنه لا يوجد لأحد من المشاهير الذي وضع لهم الرموز غير جيد الحديث: 5962 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 [ص: 459] 5963 - (في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن) أي مخاصم واستثنى في رواية أخرى جماعة أخرى قد مر ذلك (هب عن كثير بن مرة) ضد حلوة (الحضرمي) بفتح الحاء والراء (مرسلا) هو الحمصي قال ابن سعد: تابعي ثقة والنسائي: لا بأس به قال في التقريب كأصله: ووهم من عده الصحابة الحديث: 5963 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 5964 - (في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس) أي من الآدميين وغيرهم (يريد قبضها) أي موتها (في تلك السنة) كلها والظاهر أن المراد غير شهداء البحر الذين هو يتولى قبض أرواحهم (الدينوري) أبو بكر أحمد بن مروان المالكي (في) كتاب (المجالسة) تأليفه وهو في عدة أسفار نسبة إلى دينور بفتح الدال المهملة وسكون المثناة تحت وفتح النون والواو وآخره راء بلدة من بلاد الجبل عند قرمسين ينسب إليها جمع من العلماء والصلحاء (عن راشد بن سعد مرسلا) هو الحمصي شهد صفين قال الذهبي: ثقة مات سنة ثلاث عشرة ومئة الحديث: 5964 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 5965 - (في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا) في رواية قبر سبعون نبيا ببناء قبر للمفعول (طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وقال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 5965 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 5966 - (في هذا مرة وفي هذا مرة يعني القرآن والشعر) يشير به إلى أنه ينبغي للطالب عند وقوف ذهنه لترويحه بنحو شعر أو حكايات فإن الفكر إذا أغلق ذهل عن تصور المعنى وذلك لا يسلم منه أحد ولا يقدر إنسان على مكابدة ذهنه على الفهم وغلبة قلبه على التصور لأن القلب مع الإكراه أشد نفورا وأبعد قبولا وفي أثر إن القلب إذا أكره عمي ولكن يعمل على رفع ما طرأ عليه بترويحه بشعر أو نحوه من الأدب ليستجيب له القلب مطيعا قال: وليس بمغن في المودة شافع. . . إذا لم يكن بين الضلوع شفيع وقال الحكماء: إن لهذه القلوب تنافرا كتنافر الوحش فألفوها بالاقتصاد في التعليم والتوسط في التقديم ليحسن طاعتها ويدوم نشاطها وهذا يسمى عندهم بالتحميض وكان ابن عباس يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس أحمضوا أي ميلوا إلى الفاكهة وهاتوا من أشعاركم فإن النفس تمل كما تمل الأبدان وفي صحف إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام على العبد أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلي فيها بين نفسه ولذاته فيما يحل ويباح (ابن الأنباري في) كتاب (الوقف) والابتداء (عن أبي بكرة) الحديث: 5966 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 5967 - (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف في أهل القدر) بالتحريك قال الطيبي: قوله في أهل القدر بدل بعض من قوله هذه الأمة بإعادة العامل وانتصابه على الحال والعامل فعل محذوف دل عليه قرينة الحال (ت هـ عن ابن عمر) ابن الخطاب رمز المصنف لصحته الحديث: 5967 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 5968 - (في هذه الأمة خسف) لبعض المدن والقرى (ومسخ) أي تحول صورة بعض الآدميين إلى صورة بعض الحيوانات وغيرهم (وقذف) رمي بالحجارة من جهة السماء (إذا ظهرت القيان والمعازف [ص: 460] وشربت الخمور) وقد مر تأويله (ت عن عمران بن حصين) قال المنذري: خرجه الترمذي من رواية عبد العزيز بن عبد القدوس وقد وثق وقال: حديث غريب وقد روي عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 5968 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 5969 - (فيما سقت السماء) أي ماؤها فهو مع ما بعده من مجاز الحذف أو من ذكر المحل وإرادة الحلال (والأنهار) جمع نهر وهو الماء الجاري المتسع (والعيون) جمع عين (أو كان عثريا) بفتح المهملة والمثلثة ما يسقى بالسيل الجاري في حفر ويسمى البعلي ومنه ما يشرب من النهر بلا مؤونة أو يشرب بعروقه (العشر) مبتدأ خبره فيما سقت أي العشر واجب فيما سقت السماء (وفيما يسقي بالسواني) بخط المصنف بالنون جمع سانية (أو النضح) بفتح فسكون ما سقي من الآبار بالقرب أو الساقية فواجبه (نصف العشر) والفرق ثقل المؤونة في الثاني وخفتها في الأول والناضح ويسقى عليه من نحو بعير واستدل به الحنفية على وجوب الزكاة في قليل الزرع وكثيره وقال الشافعية مخصوص بحديث الشيخين أيضا ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة فقوله فيما سقت السماء العشر أي فيما لا يمكن التوثيق فيه جمعا بين الدليلين. وفيه رد على منع تخصيص السنة بالسنة (حم خ 4 عن ابن عمرو) الحديث: 5969 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 5970 - (فيهما فجاهد) أي إن كان لك أبوان فأبلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما فإن ذلك يقوم لك مقام قتال العدو وقوله (يعني الوالدين) مدرج من كلام الراوي للبيان وهذا قاله لرجل استأذنه في الجهاد فقال: أحي والدك قال: نعم قال: ففيهما فجاهد أي إذا كان الأمر كما قلت فجاهد في خدمتهما وابذل في ذلك وسعك واتعب بذلك فإنه أفضل في حقك من الجهاد فيحتمل أنه كان متطوعا بالجهاد فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن خدمة أبويه أهم سيما إذا كان بهما حاجة إليه ويحتمل أنه نبئ أن الرجل لا كفاية له في الحرب وفيهما متعلق بالأمر قدم للاختصاص والجمهور على حرمة الجهاد إذا منعاه أو أحدهما بشرط إسلامهما (حم ق) في الأدب (3) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 5970 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الفاء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 5971 - (الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب منها من العابد المقنط) أي الآيس من الرحمة وذلك لأن الفاجر الراجي لعلمه بالله قريب من الرحمة فقربه الله والعابد المقنط جاهل بالله ولجهله به بعد من الرحمة ورجاء العبد على قدر معرفته بربه وعلمه بجوده والقنوط من جهله به ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} فالمقنط إنما يقنط غيره لقنوطه فهو ضال عن ربه فما تغني العبادة مع الضلال و {لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (الحكيم) في النوادر (والشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن مسعود) وفيه عبد الله بن يحيى الثقفي أورده الذهبي [ص: 461] في ذيل الضعفاء وقال: صويلح ضعفه ابن معين وسلام بن مسلم قال في الضعفاء: تركوه باتفاق وزيد العمى ضعيف متماسك ورواه عنه الحاكم ومن طريقه الديلمي بلفظ الفاجر الراجي رحمة الله أقرب إليها من العابد المجتهد الآيس منها الذي لا يرجو أن ينالها وهو مطيع لله عز وجل الحديث: 5971 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 5972 - (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) شبهه به في ارتكاب الكبيرة قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} والزحف الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيبا إن زحف الصبي إذا دب على أسته قليلا قليلا سمي بالمصدر فكما يحرم الفرار من الزحف يحرم الخروج من بلد وقع فيها الطاعون (والصابر فيه كالصابر في الزحف) في حصول الثواب لكن محل النهي حيث قصد الفرار منه محضا بخلاف ما لو عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم لذلك أو قصد الراحة من البلد التي فيها الطاعون فلا يحرم (حم وعبد بن حميد عن جابر) الحديث: 5972 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 5973 - (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) لما فيه من التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة مما قدر عليه (ومن صبر فيه كان له أجر شهيد) لما في الثبات من الوقوف مع المقدور والرضى به: (حم عن جابر) قال الحافظ: جاء من حديث جابر بإسناد ضعيف ومن حديث عائشة بإسناد جيد اه وقد أورده المصنف من حديث جابر واقتصر عليه ثم لم يكتف بذلك حتى رمز لصحته فانعكس عليه الحال الحديث: 5973 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 5974 - (الفأل مرسل) أي الفأل الحسن مرسل من قبل الله يستقبلك به كالبشير لك فإذا تفاءلت فقد أحسنت به الظن والله عند ظن عبده قال الحكيم: التفاؤل حسن الظن بالله في وارد ورده وهو شيء يختص بقوم ولا يكون لكل أحد كالفراسة والإلهام والحكمة فمن أعطي حظا من التفاؤل انتفع بالفأل فمن أعطي الفراسة فله منها حظ ومن لم يعطه فلا حظ له فيه فمعنى إرساله أن الله يرسل نبأ مما سيقع على لسان ذلك القائل (والعطاس شاهد عدل) أي دلالة صادقة على صدق الحديث الذي قارنه العطاس لأن العطسة تنفس الروح وتكشف الغطاء عن الملكوت بعد الكشف فذلك الوقت وقت حق يحقق صدق الحديث ويرجى فيه إجابة الدعاء (الحكيم) الترمذي في نوادره قال: حدثنا محمد عن بقية بن الوليد عن رجل سماه (عن الرويهب) السلمي رفعه وبقية قد مر الكلام فيه غير مرة والرجل مجهول كما ترى ومحمد غير منسوب الحديث: 5974 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 5975 - (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) الفتنة المحنة وكل ما يشق على الإنسان وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة قال تعالى {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} كذا في الكشاف وقال ابن القيم: الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما (الرافعي) الإمام في تاريخ قزوين (عن أنس) ورواه عنه الديلمي لكن بيض ولده لسنده الحديث: 5975 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 5976 - (الفجر فجران فجر يحرم فيه) على الصائم (الطعام) والشراب أي الأكل والشرب (وتحل فيه الصلاة) أي صلاة [ص: 462] الصبح وهو الفجر الصادق (وفجر تحرم فيه الصلاة) أي صلاة الصبح بعد دخول وقتها بطلوعه (ويحل فيه الطعام) والشراب للصائم وهو الفجر الكاذب الذي يطلع كذنب السرحان ثم يذهب وتعقبه ظلمة (ك هق) في الصلاة من حديث سفيان عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرطهما ووقفه بعضهم على سفيان وشاهده صحيح وهو ما ذكره بقوله: الحديث: 5976 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 5977 - (الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان) ثم يذهب تعقبه ظلمة (فلا يحل الصلاة) أي صلاة الصبح أي وقتها لا يدخل به (ولا يحرم الطعام) والشراب على الصائم (وأما) الفجر (الذي يذهب مستطيلا في الأفق) أي نواحي السماء (فإنه يحل الصلاة) أي صلاة الصبح لأنه يدخل وقتها بطلوعه (ويحرم الطعام) والشراب على الصائم فالفجر الأول ويسمى الكاذب لا معول عليه في شيء من الأحكام بل وجوده كعدمه (ك هق عن جابر) قال البيهقي: روي موصولا ومرسلا فالمرسل أصح قال ابن حجر: والمرسل الذي أشار إليه خرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني الحديث: 5977 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 5978 - (الفخذ عورة) أي من العورة التي يجب سترها وهذا قاله لما مر على جرهد وهو كاشف عن فخذه وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الترمذي والفرج فاحشة (ت) وكذا البخاري في التاريخ وأبو داود وأحمد والطبراني من طرق كلهم (عن جرهد) بضم الجيم وسكون الراء وفتح الهاء الأسلمي كان من أهل الصفة وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (وعن عباس) ورواه عنه أيضا أحمد وعبد بن حميد وضعفه البخاري في تاريخه وفال ابن حجر في المقدمة: فيه اضطراب وقال في الإصابة: اختلفوا في إسناده اختلافا كثيرا وصححه ابن حبان مع ذلك ورواه البخاري في تاريخه وأحمد والطبراني وغيرهم عن محمد بن جحش مرفوعا وعلقه البخاري في الصحيح في كتاب الصلاة ومما تقرر عرف أن اقتصار المؤلف على عزوه للترمذي وحده غير جيد الحديث: 5978 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 5979 - (الفخر) أي ادعاء العظم والكبر (والخيلاء) بالضم والمد الكبر والعجب (في أهل) البيوت المتخذة من (الوبر) قال الخطابي: إنما ذمهم لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمر دينهم وذلك يفضي إلى قسوة القلب (والسكينة) وهي السكون (والوقار) والتواضع (في أهل الغنم) لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من أسباب الفخر والخيلاء أي فاتخاذ الغنم أولى من اتخاذ الإبل لأن هذه تكسب خلقا مذموما وهذه خلقا محمودا (حم عن أبي سعيد) الخدري ظاهره أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس لهما معا بلفظ الفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم اه بنصه. ثم رأيته فيه في كتاب الأنبياء كما ذكره الحديث: 5979 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 5980 - (الفرار من الطاعون) من بلد هو فيها إلى محل ليس هو فيه (كالفرار من الزحف) لأنه فرار من قدر الله كما مر إلا متحيزا إلى فئة في لحوق الإثم وعظم الجرم (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) وقضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر ولا أحق بالعزو من ابن سعد وإلا لما أبعد النجعة والأمر بخلافه فقد رواه أحمد بما يتضمن المعنى المذكور وزيادة ولفظه الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه له أجر شهيد اه فالعدول عنه غير سديد الحديث: 5980 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 [ص: 463] 5981 - (الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها) أي أشرفها وأفضلها ووسط كل شيء أحسنه لبعده عن الأطراف قال ابن القيم وغيره: فيه أن السماوات كرية مقبية فإن الأوسط لا يكون أعلاها إلا إذا كان كريا وأن الجنة فوق السماوات تحت العرش اه. وقال الطيبي: جمع بين الأعلى والأوسط ليكون أحدهما للحسي والآخر للمعنوي (ومنها) أي الفردوس (تفجر) بحذف إحدى التاءين (أنهار الجنة) الأربعة المذكورة في القرآن في قوله {فيها أنهار من ماء غير آسن} والمراد منها أصول أنهار الجنة قيل الجاري واحد وطبائعه أربعة: طبع الماء في إيجاد الحياة وطبع اللبن في التربية وطبع العسل في الشفاء والحلاوة وطبع الخمر في النشاط فيكون جمعه باعتبار معانيه كذا في شرح آثار النيرين وفيه أن أنهار الجنة تفجر من أعلاها ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجاتها (طب) وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب. قال الهيثمي: أحد أسانيد الطبراني رجاله وثقوا وفي بعضهم ضعف الحديث: 5981 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 5982 - (الفريضة في المسجد) أي فعلها يكون فيه ندبا مؤكدا (والتطوع في البيت) أي فعله يكون في البيت فإنه أفضل من فعله في المسجد لبعده عن الرياء والمراد التطوع الذي لا تشرع له جماعة وإلا فهو بالمسجد أفضل (ع عن عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه الحديث: 5982 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 5983 - (الفضل في أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك) قال في الإتحاف: المراد بالفضل الكامل وإنما يعين على ذلك أن يلاحظ الشخص بعمله وجه الله ويعرض عن الغرض الدنيء الدنيوي ولذلك آثار عظيمة في الدنيا والآخرة (هناد) في الزهد (عن عطاء) بن أبي رباح مرسلا الحديث: 5983 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 5984 - (الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس) أي الفطر هو اليوم الذي يجمعون على الفطر فيه هبه صادف الصحة أو لا ويوم الأضحى هو الذي يجمعون على التضحية فيه فيوم مرفوع خبر المبتدأ ويصح نصبه على الظرفية ويكون في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو الفطر تقديره الفطر في اليوم الذي يفطرون فيه قال الرافعي: احتج به الشافعي على أنه إذا شهدوا يوم عيد عند المساء أن اليوم الثلاثين كان يوم فطر لا تقبل الشهادة ويصلي من الغد أداء فليس يوم الفطر أول شوال مطلقا بل يوم فطر الناس ومثل ذلك الأضحى ويوم عرفة ويوافقه قول الترمذي معناه الفطر والصوم مع الجماعة ومعظم الناس (ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا الشافعي والديلمي ورمز المصنف لصحته الحديث: 5984 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 5985 - (الفطرة) واجبة (على كل مسلم) وعليه الإجماع إلا من شذ (خط) في ترجمة عثمان البزار (عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم بن راشد الآدمي قال الذهبي في الضعفاء: وثقه الخطيب واتهمه ابن عدي وبهلول بن عيد الكندي قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 5985 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 5986 - (الفقر) وهو كما قال الحرالي: فقد ما إليه الحاجة في وقت من قيام المرء في ظاهره وباطنه (أزين على المؤمن [ص: 464] من العذار الحسن على خد الفرس) لأن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه فطلبها شين والقلة منها زين والفقر في الأصل عدم المال وقلته وعند أهل التصوف عبارة عن الزهد والعبادة فيسمون من اتصف بذلك فقيرا وإن كان ذا مال وغيره غير فقير وإن كان فقيرا والصواب كما قاله جمع عدم النظر إلى الألفاظ المحدثة بل إلى ما جاء به الشارع (طب عن شداد بن أوس هب عن سعيد بن مسعود) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف والمعروف أنه من كلام عبد الرحمن بن زياد بن أنعم رواه ابن عدي في الكامل هكذا وقال في اللسان عن ابن عدي: إنه حديث منكر الحديث: 5986 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 5987 - (الفقر أمانة فمن كتمه كان عبادة ومن باح به فقد قلد إخوانه المسلمين) قد تقرر فيما قبله أن الفقر عند المتشرعة عدم المال والتقلل منه وعند الصوفية الانقطاع إلى الله وقد اختلفت عبارتهم وفيه ندب كتمان الفقر قال رويم الفقر حرمة له وحرمته ستره وإخفاؤه والغيرة عليه والضن به فمن كشفه وأظهره فليس من أهله ولا كرامه وفيه كالذي قبله وبعده شرف الفقير وضعة الغنى لأن الغنى هو فضول المال وحطام الدنيا ولا يكاد يدرك إلا بالطلب والطلب للاستكثار متوعد بغضب الله ومن حصلت له من غير طلب فهو مكثر وهو هالك إلا القليل قال بعض العارفين: كفى ذا المال أنه يحتاج إلى التطهير ولولا التدنيس به لم تطهره الزكاة قالوا: ولذلك لم تجب الزكاة على الأنبياء لكونهم لم يتدنسوا بها إذ هم خزان الله وأمناؤه على خلقه وللناس في التفضيل بين غني شاكر وفقير صابر معارك قال ابن القيم: والتحقيق أن أفضلهما أتقاهما فإن استويا استويا {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وفيه راجح بن الحسين مجهول الحديث: 5987 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 5988 - (الفقر شين عند الناس وزين عند الله يوم القيامة) لأن الفقراء إلى الله ببواطنهم وظواهرهم ولا يشهدون لأنفسهم حالا ولا غنى ولا مالا وللفقر مع الرضى فضل كبير قال اليافعي: وفي مدح الفقر قلت: وقائلة ما المجد للمرء والفخر. . . فقلت لها شيء كبيض العلا مهر فأما بنو الدنيا ففخرهم الغنى. . . كزهر نضير في غد يبس الزهر وأما بنو الأخرى ففي الفقر فخرهم. . . نضارته تزهو إذا فني الدهر <تنبيه> قال ابن الكمال: سئلت عن الفقر مع كونه سواد الوجه في الدارين كيف كان فخر بفخر الناس فأجبت كونه سواد الوجه جهة مدح لا ذم إذ المراد من الوجه ذات الممكن ومن الفقر احتياجه في وجوده وسائر حاله إلى العمر وكون ذلك الاجتماع سواد وجهه عبارة عن لزومه لذاته بحيث لا ينفك السواد عن محله (فر عن أنس) وفيه محمد بن مقاتل الرازي لا المروزي قال الذهبي في الذيل: ضعيف الحديث: 5988 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 5989 - (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم) كان ضررهم على الدين والمسلمين أعظم من ضرر الكافرين والجاهلين فالفقهاء الذين هم ورثة الأنبياء وأمناؤهم على أممهم هم الذين جعلوا غرضهم ومرمى همهم إرشاد المسترشدين ونصيحة المؤمنين لا ما ينتحيه الفقهاء من الأغراض الخسيسة ويرومونه من المقاصد الركيكة من التصدي والتدريس والتبسط في البلاد والتشبه بالظلمة في ملابسهم ومراكبهم ومجالسهم [ص: 465] ومنافسة بعضهم بعضا وفشو داء الضرائر بينهم وانقلاب حماليق حدقتهم إذا لمح ببصره مدرسة لآخر أو شرذمة جثوا بين يديه لاقتباس علم وتهالكه على أن يكون موطىء العقب دون الناس كلهم فما أبعد هؤلاء من قوله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا} ذكره كله الزمخشري. وقال الحكيم الترمذي: قد أبق علماء زماننا من مولاهم لأنهم تعجلوا حرية النفس وتقلبهم في دنياهم بمناهم وشهواتهم استبطأوا الحرية فتعجلوها فهربوا من العبودية له لأنهم عرفوه وهم به جهال فلا شربوا بالكأس الأوفى من محبته ولا ولهوا به وله العاكف ببابه ولا حييت قلوبهم بحياة الحي القيوم (العسكري) في الأمثال (عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته الحديث: 5989 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 5990 - (الفقه يمان والحكمة يمانية) أي منسوبة إلى اليمن والألف فيه معوضة عن ياء النسبة على غير قياس قيل معنى يمان أنه مكي وقد سبق تقريره قال الديلمي: والرواية المشهورة الإيمان يمان (ابن منيع) في معجمه (عن أبي مسعود) البدري ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 5990 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 5992 - (الفلق) بفتحتين (سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون وإن جهنم لتتعوذ بالله منه) وهذا قاله تفسيرا لقوله تعالى {قل أعوذ برب الفلق} (ابن مردويه) في التفسير (عن ابن عمرو) بن العاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل {قل أعوذ برب الفلق} والمعوذتين فذكره الحديث: 5992 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 5991 - (الفلق جب) أي بئر (في جهنم مغطى) في رواية ابن أبي حاتم في قعر جهنم عليه غطاء إذا كشف عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه (ابن جرير) في التفسير (عن أبي هريرة) ورواه الديلمي عن عمر بن الخطاب الحديث: 5991 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 حرف القاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 5993 - (قابلوا للنعال) أي اعملوا لها قبالين قال الزمخشري: يقال نعل مقبلة ومقابلة وهي التي جعل لها قبالان وقد أقبلتها وقابلتها ومنه هذا الخبر ونعل مقبولة إذا شددت قبالها وقد قبلتها عن أبي زيد إلى هنا كلامه وقيل المراد أن يضع إحدى نعليه على الأخرى في المسجد (ابن سعد) في الطبقات (والبغوي) في المعجم (والباوردي) في جزئه (طب وأبو نعيم) كلاهما من حديث عبد الله بن مسلم بن هرمز عن يحيى بن عبيد عن عطاء (عن) أبيه عن جده (إبراهيم الطائفي الثقفي) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يكلم الناس يقول لهم قابلوا إلخ قال الهيثمي: وعبد الله بن هرمز ضعيف قال ابن عبد البر: (وماله) أي لإبراهيم هذا (غيره) ونقل الذهبي عن ابن عبد البر أنه قال: لا يصح ذكره في الصحابة لأن حديثه مرسل فهو تابعي قال ابن حجر: لفظ ابن عبد البر إسناد حديثه ليس بالقائم ولا يصح صحبته عندي وحديثه مرسل انتهى فإن عنى بالإرسال انقطاعا بين أحد رواته فذاك وإلا فقد صرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي إن ثبت إسناد حديثه لكن مداره على عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف وشيخه مجهول وفي سياقه خلف أيضا الحديث: 5993 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 [ص: 466] 5994 - (قاتل) وفي رواية لعن (الله اليهود) عاداهم أو لعنهم أو أهلكهم فأخرج في صورة المغالبة أو عبر عنه بما هو سبب عنه فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله تعالى ومقاتلته ومن قابله قتله ذكره الطيبي كالقاضي (إن الله عز وجل لما حرم عليهم الشحوم) أي أكلها في زعمهم إذ لو حرم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة في إذابتها المذكورة بقوله (جملوها) بجيم أذابوها قائلين: الله حرم علينا الشحم وهذا ودك (ثم باعوها) مذابة (فأكلوا أثمانها) والمنهي عنه الإذابة للبيع للاستصباح فإنه جائز فالدعاء عليهم مرتب على المجموع لا على الجمع وفي رواية باعوه فأكلوا ثمنه قال الطيبي كالكرماني: الضمير راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم الذي في ضمن الشحوم وفيه تحريم بيع الخمر واستعمال القياس وإبطال الحيل بفعل المحرم <تنبيه> قال عياض: أكثر اعتراض ملاعين اليهود والزنادقة على هذا الحديث بأن موطوءة الأب بالملك لولده بيعها دون وطئها وهو ساقط لأن قضية موطوءة الأب لم يحرم على الابن منها إلا وطؤها فقط فتدخل منتفعاتها حلال لغيره وشحم الميتة المقصود منه الأكل وهو حرام من كل وجه وحرمته عامة على كل اليهود فافترقا (حم ق 4 عن جابر) بن عبد الله (ق عن أبي هريرة حم ق ن هـ عن عمر) بن الخطاب وسببه كما في أبي داود عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا خلف المقام فرفع رأسه إلى السماء فنظر ساعة ثم ضحك ثم ذكره الحديث: 5994 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 5995 - (قاتل الله اليهود) أي أبعدهم عن رحمته لأنهم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم وخص هنا اليهود لابتدائهم هذا الاتخاذ فهم أظلم وضم إليهم في رواية للبخاري النصارى وهم وإن لم يكن لهم إلا نبي واحد ولا قبر له لأن المراد النبي وكبار أتباعه كالحواريين أو يقال الضمير يعود لليهود فقط لتلك الرواية أو على الكل ويراد بأنبيائهم من أمروا بالإيمان بهم وإن كانوا من الأنبياء السابقين كنوح وإبراهيم قال القاضي: لما كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه أما من اتخذ مسجدا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه نحوه فلا حرج عليه ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام عند الحطيم؟ ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي لصلاته والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة لما فيها من النجاسة انتهى لكن في خبر الشيخين كراهة بناء المسجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد وظاهره أنها كراهة تحريم لكن المشهور عند الشافعية أنها كراهة تنزيه فيحمل ما تقرر عن القاضي على ما إذا لم يخف ذلك انتهى قال الشافعية وفيه أن لا يصلى على قبر نبي قيل وفي المطابقة بين الدليل والمدعي نظر إلا أن يقال إذا حرمت الصلاة إليه فعليه كذلك (ق د عن أبي هريرة) وفي الباب جابر وابن عمر وغيرهما الحديث: 5995 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 5996 - (قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون) قاله لما دخل الكعبة ورأى فيها تصاوير فمحاها وأصل اتخاذ الصور أن الأوائل فعلوها على شكل أسلافهم ليأنسوا برؤية صورهم ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ثم خلق من بعدهم خلق جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدونها فعبدوها فحذر المصطفى صلى الله عليه [ص: 467] وسلم عن مثل ذلك وتوعد عليه سببا للذريعة المؤدية إلى ذلك وفيه دليل على تحريم التصوير وقول بعضهم إنما يحرم في ذلك الزمان لقرب عهدهم بالأوثان أطنب القشيري في رده (الطيالسي) أبو داود (والضياء) المقدسي (عن أسامة) بن زيد ورواه عنه الديلمي الحديث: 5996 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 5997 - (قاتل دون مالك حتى تحوز مالك أو تقتل فتكون من شهداء الآخرة) أي يجوز لك ذلك فإن فعلت فقتلت كنت شهيدا في حكم الآخرة لا الدنيا (حم طب عن مخارق) مخارق في الصحابة بجلي وشيباني وهلالي فلو ميزه لكان أولى رمز المصنف لحسنه الحديث: 5997 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 5998 - (قاتل عمار وسالبه في النار) قتلته طائفة معاوية في وقعة صفين ضربته عادية المزنى برمح فسقط فجاء آخر فاحتز رأسه فاختصما إلى عمرو بن العاص ومعاوية كل يقول: أنا قتلته فقال عمرو: إنكما في النار <فائدة> قال ابن حجر: حديث تقتل عمارا الفئة الباغية رواه جمع من الصحابة منهم قتادة وأم سلمة وأبو هريرة وابن عمر وعثمان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأمية وأبو اليسر وعمار نفسه وغالب طرقه كلها صحيحة أو حسنة وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه (طب عن عمرو بن العاص وعن ابنه) عبد الله ورواه عنه أحمد أيضا قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما: ورجال أحمد ثقات فاقتضى أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فعكس المصنف ولم يكتف بذلك حتى رمز لصحته الحديث: 5998 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 5999 - (قارئ سورة الكهف تدعى) أي تسمى (في التوراة الحائلة) لأنها (تحول بين قارئها وبين النار) نار جهنم فتمنعه من دخولها وتخلصه من الزبانية بإذن ربها ويؤخذ من تعبيره بقارئ أن المراد المواظب على قراءتها في كل يوم أو في كل ليلة لا من قرأها أحيانا ثم يترك ويحتمل أن المراد في ليلة الجمعة ويومها لاستحباب قراءتها فيهما (هب فر عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه وهو تلبيس فاحش بل عقبه بإعلاله فقال ما نصه: تفرد به محمد بن عبد الرحمن الجدعاني هكذا وهو منكر اه والجدعاني ضعفه أبو حاتم وغيره وفيه أيضا سليمان بن مرقاع أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال العقيلي: منكر الحديث وإسماعيل بن أبي أويس قال النسائي: ضعيف وقال الذهبي: صدوق صاحب مناكير وهذا الحديث والحديثان بعده سندها واحد وطريقها متحد الحديث: 5999 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 6000 - (قارئ اقتربت) أي سورتها (تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها) أي حافظها عن ظهر قلب أو قارئها في المصحف (يوم تسود الوجوه) وهو يوم القيامة (هب فر عن ابن عباس) فيه ما في الذي قبله الحديث: 6000 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 6001 - (قارئ الحديد وإذا وقعت) الواقعة (والرحمن) أي وسورة الرحمن (يدعى في ملكوت السماوات والأرض ساكن [ص: 468] الفردوس) أي جنة الفردوس أي أنه محكوم له بأنه سيسكنها مفروغ من ذلك مقطوع به عندهم (هب فر عن فاطمة) الزهراء ثم قال البيهقي: تفرد بهما محمد بن عبد الرحمن عن سليمان وكلاهما منكر الحديث: 6001 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 6002 - (قارئ ألهاكم التكاثر) أي سورتها بكمالها (يدعى في الملكوت مؤدي الشكر) لله سبحانه (فر عن أسماء بنت عميس) وفيه إسماعيل بن أبي أويس قال الذهبي في الذيل: صدقوه لأنه صدوق صاحب مناكير وقال النسائي: ضعيف الحديث: 6002 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 6003 - (قاربوا) أي اقصدوا أقرب الأمور فيما تعبدتم به ولا تغلوا فيه ولا تقصروا وقيل هو من قولهم قاربت الرجل لاطفته بكلام حسن لطيف (وسددوا) اقصدوا السداد في كل أمر (ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها) قال الغزالي: ولذلك سأل زيد بن ثابت ربه أن لا يزال محموما فلم يزل محموما ولم تفارقه الحمى حتى مات وكان في الأنصار من يتمنى العمى وقال عيسى عليه السلام: لا يكون عالما من لم يفرح بدخول المصائب والأمراض عليه لما يرجوه من ذلك من كفارة خطاياه (حم م ت عن أبي هريرة) قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره الحديث: 6003 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 6004 - (قاضيان في النار وقاض في الجنة قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فجار متعمدا أو قضى بغير علم فهما في النار) تمامه عند مخرجه الحاكم قالوا: فما ذنب هذا الذي يجهل قال: ذنبه أن لا يكون قاضيا حتى يعلم قال الذهبي: فكل من قضى بغير علم ولا بينة من الله ورسوله على ما يقضي به فهو داخل في هذا الوعيد المفيد أن ذلك كبيرة (ك) في الأحكام (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن ابن بكير الغنوي أحد رجاله منكر الحديث وقال في الكبائر: إسناده قوي الحديث: 6004 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 6005 - (قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار) قال البيهقي: المراد قاطع سدر في خلاة يستظل بها ابن السبيل وغيره بغير حق وههنا توجيهات ركيكة فاحذرها (هق) من حديث بهز بن حكيم (عن معاوية بن حيدة) الحديث: 6005 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 6006 - (قال الله تبارك وتعالى) أي تنزه عن كل ما لا يليق بكماله الأقدس (يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات) أي عن صلاتها (من أول النهار أكفك آخره) أي شر ما يحدثه في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد وأما هو فلا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية قالوا: هذا الحديث كلام قدسي والفرق بينه وبين القرآن أن القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل للإعجاز عن الإتيان بسورة من مثله والحديث القدسي إخبار الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام معناه بإلهام أو بالمنام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى بعبارة نفسه وجميع الأحاديث لم يضفها إلى الله ولم يروها عنه كما أضاف وروى الحديث القدسي قال الطيبي: وفضل القرآن على الحديث القدسي أن القدسي نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان من غير واسطة ملك غالبا لأن المنظور فيه المعنى [ص: 469] دون اللفظ وفي القرآن اللفظ والمعنى منظوران فعلم من هذا مرتبة بقية الأحاديث اه. وقال الحافظ ابن حجر: هذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة (حم د عن نعيم بن همام طب عن النواس) بن سمعان الحديث: 6006 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 6007 - (قال الله تعالى يا ابن آدم صل) في رواية اركع (أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره) قال ابن تيمية: هذه الأربعة عندي هي الفجر وسننها وبه رد تلميذه ابن القيم على من استدل بها على سنة الضحى. قال بعضهم: يؤيد أنها الضحى ما في العيلانيات مرفوعا ما من عبد صلى الضحى ثم لم يتركها إلا عرجت إلى الله تعالى وقالت يا رب إن فلانا حفظني فاحفظه وإن تركها قالت يا رب إن فلانا ضيعني فضيعه (حم عن أبي مرة الطائفي) قال في التقريب كأصله: شيخ لمكحول يقال له صحبة قيل الصواب أنه كثير بن مرة المتقدم قال الهيثمي: رجاله رجال صحيح (ت عن أبي الدرداء) قال في الميزان: حسن قوي الإسناد ورواه أيضا أبو داود والنسائي وفيه إسماعيل بن عياش الحديث: 6007 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 6008 - (قال الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري) لكن وسعهم حلمه فأخرهم {ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} أي متخوفة لا تعي شيئا فيقال لهم {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} <تنبيه> قال الغزالي: المنعم هو الله والوسائط مسخرون من جهته فهو المشكور وتمام هذه المعرفة في الشك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك بشيء فرأى لوزيره أو وكيله دخلا في إيصاله إليه فهو إشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فلا يكون موحدا في حق الملك وكمال شكره أن لا يرى الواسطة مسخرة تحت قدرة الملك ويعلم أن الوكيل والخازن مضطران من جهته في الإيصال فيكون نظره إلى الموصل كنظره إلى قلم الموقع وكاغده فلا يؤثره ذلك شركا في توحيده من إضافته النعمة للملك فكذلك من عرف الله وعرف أفعاله على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كالقلم في يد الكاتب والله هو المسلط على الفعل شاءت أم أبت (الحكيم) الترمذي (هب) وكذا الحاكم (عن أبي الدرداء) لكن الحكيم لم يذكر له سندا فكان اللائق عدم عزوه إليه ثم إن فيه عند مخرجه البيهقي كالحاكم مهنى بن يحيى مجهول وبقية بن الوليد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: يروي عن الكذابين ويدلسهم وشريح بن عبيد ثقة لكنه مرسل الحديث: 6008 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 6009 - (قال الله تعالى من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليلتمس ربا سواي) قال الغزالي: كأنه يقول هذا لا يرضانا ربا حتى سخط فليتخذ ربا آخر يرضاه وهذا غاية الوعيد والتهديد لمن عقل ولمن صدق ولقد صدق من قال إذ سئل: ما العبودية والربوبية فقال: الرب يقضي والعبد يصبر وليس في السخط إلا الهم والضجر في الحال والوزر والعقوبة في المآل بلا فائدة إذ القضاء نافذ فلا ينصرف بالهلع والجزع كما قيل: ما قد قضى يا نفس فاصطبري له. . . ولك الأمان من الذي لم يقدر [ص: 470] وتيقني أن المقدر كائن. . . حتم عليك صبرت أو لم تصبري فمن ترك التسليم للقضاء فقد جمع على نفسه ذهاب ما أصيب به وذهاب ثواب الصابرين فهو خسران مبين ومن رضي بمكروه القضاء تلذذ بالبلاء ونال ثواب الصابرين ومن علم من نفسه العجز فليستعذ بالله من حمله ما لا يطيق وليقل كما علمه {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} ويسأل المعافاة ويستعين بالله على قضائه {فنعم المولى ونعم النصير} فإن قيل الشر والمعصية بقضاء الله فكيف يرضى به العبد قلنا الرضى إنما يلزم بالقضاء وقضاء الشر ليس بشر بل الشر المقضي قالوا والمقضيات أربعة نعمة وشدة وخير وشر فالنعمة يجب الرضى فيها بالقاضي والقضاء والمقضي ويجب الشكر عليها والشدة يجب الصبر عليها والخير يجب الرضى فيه بالقاضي والمقضي ويجب عليه ذكر المنة من حيث أنه وفقه له والشر يجب فيه الرضا بالقاضي والقضاء والمقضي من حيث إنه مقضي لا من حيث إنه شر <تنبيه> قال في شرح العوارف: أول ما كتب الله في اللوح المحفوظ إلى أنا الله لا إله إلا أنا من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سواي (طب) وكذا الديلمي (عن أبي هند الداري) نسبة إلى الدار بن هانئ واسمه يزيد بن عبد الله بن رزين صحابي سكن فلسطين ومات ببيت جبرين وهو أخو تميم الداري لأمه قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف جدا وبينه تلميذه الهيثمي فقال: فيه سعيد بن زياد قال الذهبي: متروك وأورده في اللسان في ترجمة سعيد من حديثه عن هند وقال الأزدي: متروك وساق ابن حبان له هذا وقال: لا أدري البينة منه أو من أبيه أو من جده الحديث: 6009 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 6010 - (قال الله تعالى من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس ربا غيري) أي ولا رب إلا الله فعلى العبد الرضى بقضائه وإحسان الظن به وشكره عليه فإن حكمته واسعة وهو بمصالح العباد أعلم وغدا يشكره العباد على البلايا إذا رأوا ثواب البلاء كما يشكر الصبي بعد البلوغ مؤدبه على ضربه وتأديبه والبلاء تأديب من الله وعنايته لعباده أتم وأوفر من عناية الآباء بأبنائهم روي أن بعض الأنبياء شكى إلى ربه الجوع والقمل عشر سنين فأوحى إليه كم تشكو؟ هكذا كان بدؤك عندي قبل أن أخلق السماوات والأرض هكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا أفتريد أن أغير خلق الدنيا لأجلك أم أبدل ما قدرت عليك فيكون ما تحب فوق ما أحب؟ وعزتي وجلالي لئن تلجلج في صدرك هذا مرة أخرى لأمحونك من ديوان الأنبياء (هب عن أنس) الحديث: 6010 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 6011 - (قال الله تعالى الصيام جنة يستجن بها العبد من النار وهولي وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء بلا حساب لأن فيه الإعراض عن لذات الدنيا والنفس وحظوظها ومن أعرض عنها ابتغاء وجه الله لم يجعل بينه وبينه حجاب واعلم أن الصوم من أخص أوصاف الربوبية إذ لا يتصف به على الكمال إلا الله فإنه يطعم ولا يطعم فإضافته إلى نفسه بقوله وأنا أجزي به لكونه لا يتصف به أحد على الحقيقة إلا هو لأنه الغني عن الأكل أبد الآبدين ومن سواه لا بد له منه حتى الملائكة فإن طعامهم التسبيح والأذكار وشرابهم المحبة الخالصة والمعارف والعلوم الصافية من الأكدار ومن عداهم طعامهم وشرابهم ما يليق بهم في دار الدنيا وكل دار وقد دعا الباري إلى الاتصاف بأوصافه وتعبدهم بها بعد الطاقة والصوم من أخصها وأصعب الأشياء على النفوس لكونه خلاف ما جبلوا عليه لما أن وجودهم لا يقوم إلا بمادة بخلاف الغنى عن كل شيء (حم هب عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: إسناد أحمد حسن الحديث: 6011 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 [ص: 471] 6012 - (قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له) أي كل عمل له فإن له فيه حظا ودخلا لإطلاع الناس عليه فهو يتعجل به ثوابا منهم (إلا الصيام فإنه) خالص (لي) لا يطلع عليه غيري أو لا يعلم ثوابه المترتب عليه أو وصف من أوصافي لأنه يرجع إلى صفته الصمدية لأن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسمه الصمد أو معناه أن الأعمال يقتص منها يوم القيامة في المظالم إلا الصوم فإنه لله ليس لأحد من أصحاب الحقوق أن يأخذ منه شيئا واختاره ابن العربي وقيل لم يعبد به غير الله فلم تعظم الكفار في عصر قط آلهتهم بالصوم وإن عظموها بالسجود وغيره واستحسنه ابن الأثير وللطالقاني في ذلك جزء مفرد جمع فيه نحو خمسين قولا (وأنا أجزي به) صاحبه جزاءا كثيرا وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سر بيني وبين عبدي لا يطلع عليه غيري كصلاة بغير طهر أو ثوب نجس أو نحو ذلك مما لا يعلمه إلا الله (والصيام جنة) أي ترس يدفع المعاصي أو النار عن الصائم كما يدفع الترس السهم (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها لا يتكلم بقبيح (ولا يصخب) بسين أو بصاد مهملة لا يصيح وفي رواية لمسلم بدل يصخب يجهل وصحف من رواه ولا يسخر بالراء من السخرية (وإن سابه أحد) أي شاتمه يعني تعرض لشتمه (أو قاتله) أي أراد مقاتلته أو نازعه ودافعه (فليقل) بقلبه أو لسانه أو بهما وهو أولى (إني امرؤ صائم) ليكف نفسه عن مقاتلة خصمه (والذي نفس محمد بيده) أي بتقديره وتصريفه (لخلوف) بضم الخاء وخطأوا من فتحها تغير رائحة (فم الصائم) فيه رد على من قال لا تثبت الميم عند الإضافة إلا في الضرورة (أطيب عند الله من ريح المسك) أي عندكم فضل ما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ولا يتوهم أن الله يستطيب الروائح ويستلذ ما فإنه محال عليه تعالى وإنما معنى هذه الأطيبية راجع إلى أنه تعالى يثيب على خلوف فمه ثوابا أكثر مما يثيب على استعمال المسك حيث ندب الشرع إلى استعماله في الجمع والأعياد وغيرها ويحتمل أن يكون في حق الملائكة فيستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وقيل يجازيه الله في الآخرة بأن يجعل نكهته أطيب من المسك كما في دم الشهيد أو هو مجاز واستعارة لتقريبه من الله (وللصائم فرحتان يفرحهما) أي يفرح بهما (إذا أفطر فرح بفطره) أي بإتمام صومه وسلامته من المفسدات لخروجه عن عهدة المأمور أو بالأكل والشرب بعد الجوع أو بما يعتقده من وجود الثواب أو بما ورد في خبر إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد (وإذا لقي ربه فرح بصومه) أي بنيل الثواب وإعظام المنزلة أو بالنظر إلى وجه ربه والأخير فرح الخواص (ق ن) في الصوم (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة الحديث: 6012 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 6013 - (قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم) زاد ابن خزيمة ومن كنت خصمه خصمته (يوم القيامة) والخصم مصدر خصمته أخصمه نعت به للمبالغة كعدل وصوم (رجل أعطى بي ثم غدر) بحذف المفعول أي أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه ثم نقضه (ورجل باع حرا فأكل ثمنه) خص الأكل لأنه أعظم مقصود (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه) ما استأجر لأجله من العمل (ولم يعطه أجره) لأنه استوفى منفعته بغير عوض واستخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده. [ص: 472] (حم خ عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى وغيره الحديث: 6013 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 6014 - (قال الله تعالى شتمني) بلفظ الماضي وروي بلفظ المضارع المفتوح الأول وكسر التاء والشتم الوصف بما يقتضي النقص (ابن آدم) أي بعض بني آدم وهم من أنكر البعث ومن ادعى أن له ندا (وما ينبغي له أن يشتمني) أي لا يجوز له أن يصفني بما يقتضي النقص (وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني) أي ليس له ذلك من حق مقام العبودية مع الربوبية (أما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا) لاستلزامه الإمكان المتداعي للحدوث وذلك غاية النقص في حق البارئ لأن الشتم توصيف الشيء بما هو نقص وإزراء وإثبات الولد له كذلك لأنه قول بمماثلة الولد له في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي للحدوث ولأن الحكمة في التوالد استبقاء النوع فلو كان متخذا ولدا كان مستخلفا خلفا يقوم بأمره بعد عصره {تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا} (وأنا الله الأحد) حال من ضمير فقوله أو من محذوف أي فقوله لي (الصمد) أي الذي يصمد إليه في الحوائج (لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد) ومن هو كذلك فكيف ينسب إليه وهو واجب الوجود لذاته قديما وكل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية (وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني) وهذا قول منكري البعث من عبدة الأوثان (وليس أول الخلق) أي أول المخلوق أو أول خلق الشيء (بأهون علي من إعادته) الضمير للمخلوق أو للشيء قال القاضي: إشارة إلى برهان تحقق المعاد وإمكان الإعادة وهو أن ما يتوقف عليه تحقق البدن من مواده وأجزائه وصورته لو لم يكن وجوده ممكنا لما وجد أولا وقد وجد وإذا أمكن لم تمتنع لذاته وجوده ثانيا وإلا لزم انقلاب الممكن لذاته ممتنعا لذاته وهو محال وتنبيه على تمثيل يرشد العامي وهو ما يرى في الشاهد أن من عمد إلى اختراع صنعة لم يرى مثلها صعب عليه ذلك وتعب وافتقر إلى مكابدة أفعال ومعاونة أعوان ومرور أزمان ومع ذلك كثيرا لا يتم له الأمر ومن أراد إصلاح منكسر وإعادة منهدم هان عليه فيا معشر الغواة أتحيلون إعادة أبدانكم وإنكم معترفون بجواز ما هو أصعب منها بالنسبة لقدركم وأما بالنسبة لله فيستوي عنده نكوس بعوض طيار وتحليق فلك دوار {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} قال: والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص فإثبات الولد المماثل له في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي إلى الحدوث لأن الخدمة في التوالد استحفاظ النوع إذ لو كانت العناية الأزلية مقتضية لبقاء أشخاص الحيوان استغنى عن التناسل استغناء الأفلاك والكواكب عنه فلو كان البارئ متخذا ولدا لكان مستخلفا خلفا يقوم بأمره بعد عصره تعالى عن ذلك علوا كبيرا اه. وقال الطيبي: هذه أوصاف مشعرة بغلبة الحكم أما قوله الأحد فإنه بني لنفي ما يذكر معه من العدد فلو فرض له ولد يكون مثله فلا يكون أحدا ولذلك قال في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} لأنه لو كان له ولد كان مثله نبيا لم يكن خاتم النبيين وهذا معنى الاستدراك في قوله {ولكن رسول الله} إلخ والصمد هو الذي يصمد إليه في الحوائج فلو كان له ولد لشركه فيه فيلزم فساد السماوات والأرض وقوله كفوا أي صاحبة ولا ينبغي له إذ لو فرض له ذلك لزم منه الاحتياج إلى قضاء الشهوة وكل ذلك وصف له بما فيه نقص وإزراء وهذا معنى الشتم فالأحد ذاتي والصمد إضافي والثالث سلبي فإن قيل أي الأمرين أعظم قلنا كلاهما عظيم لكن التكذيب أعظم لأن المكنونات لم تكون إلا للجزاء فمن أنكر الجزاء لزمه العبث في التكوين وإعدام السماوات والأرض فتنتفي جميع [ص: 473] الصفات الكمالية التي أثبتها الشرع فيلزم منه التعطيل على أن الصفات الثبوتية إذا انتفت يلزم منه انتفاء الذات وكذا السلبية وذكر الله تكذيب ابن آدم وشتمه وعظمهما ولعمري أن أقل الخلق وأدناه إذا نسب ذلك إليه استنكف وامتلأ غضبا وكاد يستأصل قائله فسبحانه ما أحلمه وما أرحمه {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} (حم خ ك عن أبي هريرة) الحديث: 6014 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 6015 - (قال الله تعالى كذبني ابن آدم) عموم يراد به الخصوص والإشارة إلى الكفار الذين يقولون هذه المقالات (ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك) هذا من قبيل ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية لأن قوله لم يكن له ذلك نفي للكينونة التي هي بمعنى الانتفاء فيجب حمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي علل الحكم به بحسب التلميح وإلا لم يكن لتخصيص ابن آدم دون البشر والناس فائدة ذكره الطيبي قال: والتكذيب أعظم الأمرين (فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا) إنما سماه شتما لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والناكح يستدعي باعثا له على ذلك والله منزه عن كل ذلك قال الطيبي: ومما في التكذيب والشتم من الفظاعة والهول أن المكذب منكر للحشر يجعل الله كاذبا والقرآن المجيد الذي هو مشحون بإثباته مفترى ويجعل حكمة الله في خلقه السماء والأرض عبثا والشاتم يحاول إزالة المخلوقات بأسرها ويزاول تخريب السماوات من أصلها {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} ثم تأمل في مفردات التركيب لفظة لفظة فإن قوله لم يكن له ذلك من باب تركيب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية لأن قوله لم يكن له ذلك نفي للكينونة التي هي بمعنى الانتفاء كقوله تعالى {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} أراد أن تأتي ذلك محال من غيره ومنه {وما كان لنبي أن يغل} معناه ما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول فيجب أن يحمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي يعلل الحكم به وإلا لما كان لتخصيص ابن آدم دون الناس والبشر فائدة وذلك لوجوه الأول له تلميح إلى قوله {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} من من الله عليهم بها المعنى أنا أنعمنا عليكم يإيجادكم من العدم وصورناكم في أحسن تقويم ثم أكرمناكم بأن أمرنا الملائكة المقربين بالسجود لأبيكم لتعرفوا قدر الإنعام فتشكروا فقلبتم الأمر فكفرتم ونسبتم المنعم إلى الكذب وإليه الإشارة بقوله تعالى {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} أي شكر رزقكم. الثاني تلميح إلى قوله {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} المعنى ألم تر أيها المكذب إلى أنا خلقناك من ماء مهين خرج من ذكر أبيك واستقر في رحم أمك فصرت تخاصمني بترهاتك فيما أخبرت به من الحشر والنشر بالبرهان فأنت خصيم لي بين الخصومة. الثالث أنه تلميح إلى قوله {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} المعنى أوليس الذي خلق هذه الأجرام العظام بقادر على أن يخلق مثل هذا الجرم الصغير الذي خلق من تراب ومن نطفة (خ) في تفسير سورة البقرة (عن ابن عباس) الحديث: 6015 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 6016 - (قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين) أي القائمين بما وجب عليهم من حق الحق والخلق (ما لا عين رأت) [ص: 474] أي ما لا رأت العيون كلها لا عين واحدة فإن العين في سياق النفي تفيد الاستغراق ومثله قوله (ولا أذن سمعت) بتنوين عين وأذن وروي بفتحها (ولا خطر على قلب بشر) معناه أنه تعالى ادخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق فذكر الرؤية والسمع لأن أكثر المحسوسات تدرك بهما والإدراك ببقية الحواس أقل ولا يكون غالبا إلا بعد تقدم رؤية أو سماع ثم زاد أنه لم يجعل لأحد طريقا إلى توهمها بذكر وخطور على قلب فقد جلت عن أن يدركها فكر وخاطر واستشكاله بأن جبريل رآها في عدة أخبار وأجيب بأنه تعالى خلق ذلك فيها بعد رؤيتها وبأن المراد عين البشر وآذانهم وبأن ذلك يتجدد لهم في الجنة كل وقت وبأن جبريل إنما ينظر ما أعد لعامتهم ولهذا قال بعض العارفين: المراد هنا التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه لأنها نعم خالقيات وأما النعم الخلقيات التي أخبر بها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جنة النعيم فقد رأتها الأعين وسمعتها الآذان وخطرت على قلوب البشر وإلا لما أخبرها أحد وأما التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه فما رأتها عين ولا سمعت حقيقتها أذن ولا خطرت على قلب بشر إذ كل ما يخطر بالبال أو يمر بالخيال فالله بخلافه بكل حال وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح مسلم ثم قرأ {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخر لأولئك وأخفي عن الخلق وفي رواية لمسلم عقيب قوله ولا خطر على قلب بشر ما نصه ذخر آبله ما أطلعكم الله عليه ثم قرأ {فلا تعلم نفس} الآية اه وزعم بعضهم أن قراءة الآية من قول أبي هريرة لا المرفوع وسياق مسلم يرده <تنبيه> في قوله أعددت دليل على أن الجنة مخلوقة الآن وقول الطيبي تخصيص البشر لأنهم الذين ينتفعون بما أعد لهم ويهتمون بشأنه بخلاف الملائكة عورض بما زاده ابن مسعود في حديثه الذي رواه ابن أبي حاتم ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل (حم ق ت هـ عن أبي هريرة) وفي الباب أنس وغيره الحديث: 6016 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 6017 - (قال الله تعالى إذا هم عبدي بحسنة) أي أرادها مصمما عليها عازما على فعلها (ولم يعملها) لأمر عاقه عنها (كتبت له حسنة) أي كتبت الحسنة التي هم بها ولم يعملها كتابة واحدة لأن الهم سببها وسبب الخير خير فوقع حسنة موقع المصدر (فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه) أي إن تركها خوفا منه تعالى ومراقبة له بدليل زيادة مسلم إنما تركها من جرائي أي من أجلي وإن تركها لأمر آخر صده عنها فلا (فإن عملها كتبتها سيئة واحدة) أي كتبت له السيئة كتابة واحدة عملا بالفضل في جانبي الخير والشر ولم يقل له مؤكدا لها لعدم الاعتناء بها المفاد من الحصر في قوله {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} (ق ت عن أبي هريرة) الحديث: 6017 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 6018 - (قال الله تعالى إذا أحب عبدي لقائي) أي الموت وقال ابن الأثير: المصير إلى الآخرة وطلب ما عند الله وليس المراد الموت لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها كره لقاءه (أحببت لقاء) أي أردت له الخير ومن أحب لقاء الله أحب التخلص إليه من الدار ذات الشوائب كما قال علي كرم الله وجهه لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علي (وإذا كره لقائي كرهت لقاءه) قال الزمخشري: مثل حاله بحال عبد قدم على سيده [ص: 475] بعد عهد طويل وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخط منها اه وقيل لأبي حازم: مالنا نكره الموت قال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم الانتقال من العمران إلى الخراب ولما احتضر بشر فرح فقيل له: أتفرح بالموت قال: تجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع مخلوق أخافه؟ <تنبيه> قال ابن عربي: من نعت محب الله أنه موصوف بأنه مقتول تالف سائر إليه بأسمائه طيار دائم السهر كامن الغم راغب في الخروج من الدنيا إلى لقاء محبوبه متبرم بصحبة ما يحول بينه وبينه كثير التأوه يستريح إلى كلام محبوبه خائف من ترك الحرمة في إقامة الخدمة يعانق طاعة محبوبه ويجانب مخالفته خارج عن نفسه بالكلية لا يطلب الدية في قتله يصبر على الضراء هائم القلب متداخل الصفات ما له نفس معه ملتذ في دهش لا يقبل حبه الزيادة بإحسان المحبوب ولا النقص بجفائه الناس حظه مخلوع النعوت مجهول الأسماء لا يفرق بين الوصل والهجر مصطلم مجهود مهتوك الستر سره علانية فضحه لا يعلم الكتمان (مالك) في الموطأ (ن خ عن أبي هريرة) الحديث: 6018 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 6019 - (قال الله تعالى قسمت الصلاة) أي قراءتها بدليل تفسيره بها قاله المنذري يعني الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله الحج عرفة وقيل من أسماء الفاتحة الصلاة فهي المعينة في الحديث (بيني وبين عبدي) وقدم تعالى نفسه في البينية فقال أولا بيني لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه (نصفين) باعتبار المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء من قوله {وإياك نستعين} يزيد على نصف الثناء أو المراد قسمين والنصف قد يراد به أحد قسمي الشيء أي نصف عباده إلى {مالك يوم الدين} وهو حق الرب ونصف مناله إلى آخرها وهو حق العبد ولا ضمير في زيادة كلمات أحد القسمين على الآخر لأن كل شيء تحته نوعان أحدهما نصف له وإن لم يتحسد عددهما (ولعبدي ما سأل) أي له السؤال ومني الإعطاء ف {الحمد لله رب العالمين} آية {الرحمن الرحيم} آية ثانية {مالك يوم الدين} ثالثة {إياك نعبد وإياك نستعين} رابعة {اهدنا الصراط المستقيم} خامسة {صراط الذين أنعمت عليهم} سادسة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} سابعة فثلاث آيات لله تعالى وثلاث للعبد وواحدة بين العبد ومولاه فالتي لله هي الثلاث الأول وحينئذ (فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين) تمسك به من لا يرى البسملة منها لكونه لم يذكرها وأجيب بأن التنصيف يرجع إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة (قال الله تعالى حمدني عبدي) أي مجدني وأثنى علي بما أنا أهله قال ابن عربي: ومن هو العبد حتى يقول الله سبحانه وتعالى يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والتفضل الرباني لما وقع الاشتراك في المناجاة بقوله قال لي وقلت (فإذا قال الرحمن الرحيم) أي الموصوف بكمال الإنعام (قال الله أثنى علي عبدي) لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية (فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي) عظمني (فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل) فالذي للعبد منها {إياك نعبد} أي والذي لله {إياك نستعين} (فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي) أي خاص به (ولعبدي ما سأل) قال الطيبي: السورة في هذا التقدير أثلاث وقال في الثلث الأول حمدني وأثنى علي فأضافهما إلى نفسه وقال في الثلث الآخر هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فخصه بالعبد وفي [ص: 476] الوسط جمع بينهما وقال هذا بيني وبين عبدي قال العارف البوبي: وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى فإنك إنما عبدته بإرادته ومعونته إذ العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحوله تعالى وإرادته. وقال البخاري في خلق الأعمال: قد بين بهذا الحديث أن القراءة غير المقروء فالقراءة هي التلاوة والتلاوة غير المتلو فبين أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله وأن قول الغير غير كلام الرب هذا من العبد الدعاء والتضرع ومن الله الأمر والإجابة فالقرآن كلام الرب والقراءة فعل العبد اه وقال ابن عربي: فيه أن القراءة في الصلاة لا تجزى إلا بأم القرآن لأنه تعالى بين أنه لا يناجى إلا بكلامه وبالجامع من كلامه والأم هي الجامعة فالحديث القدسي مفسر لما تيسر من القرآن <تنبيه> قال بعض العارفين: من كان في صلاته يشهد الغير معرى عن شهود الحق فيه فليس بمصل فلا يكون مناجيا والحق لا يناجى في الصلاة بالألفاظ بل بالحضور فالقائل الحمد لله بغير حضور مع الله لسانه لا عينه فيقول الله عند ذلك حمدني لسان عبدي لا عبدي فإن حضر قال حمدني عبدي المفروض عليه مناجاتي فالعبد إذا حضر تضمن اللسان وسائر الجوارح وإذا لم يحضر لم تقم عنه جارحة من جوارحه ولا من غير نفسها اه قال القاضي: وهذا الحديث يدل على فضل الفاتحة لا وجوبها إلا أن يقال قسمت الصلاة من حيث إنها عامة شاملة لأفراد الصلاة كلها في معنى قولنا كل صلاة مقسومة على هذا الوجه ويلزمه أن كل ما لا يكون مقسوما هكذا لا يكون صلاة والخالي عن الفاتحة لا يكون مقسوما على هذا الوجه فلا يكون صلاة (حم م عن أبي هريرة) وسبب هذا كما في مسلم أن أبا هريرة حدث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام فقيل له إنما نكون وراء الإمام فقال اقرأها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله قسمت إلخ قال ابن حجر: وليس هو على شرط البخاري فلذلك لم يخرجه لكنه أشار إليه فيه الحديث: 6019 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 6020 - (قال الله تعالى يا عبادي) جمع عبد وهو لغة الإنسان والمراد هنا بدلالة قوله الآتي إنسكم وجنكم الثقلان خاصة لاختصاص التكليف وتعاقب الفجور والتقوى ولذلك فصل المخاطبين بالإنس والجن فيما يأتي ذكره القاضي قال: وقد يكون عاما شاملا لذوي العلم كلهم من الملائكة والثقلين ويكون ذكر الملائكة مطويا مندرجا في قوله وجنكم لشمول الاجتنان لهم وتوجه هذا الخطاب نحوهم لا يتوقف على صدور الفجور منهم ولا على إمكانه لأنه كلام صادر على سبيل الفرض والتقدير واعترضه الطيبي بأنه يمكن أن يكون الخطاب عاما ولا تدخل الملائكة في الجن لأن الإضافة في جنكم تقتضي المغايرة فلا يكون تفصيلا بل إخراج لغير القبيلتين الذين يصح اتصافهما بالتقوى والفجور (إني حرمت) أي منعت (الظلم على نفسي) أي تقدست وتعاليت عنه لأنه مجاوزة والتصرف في ملك الغير وكلاهما في حقي كالمحرم فهو استعارة مصرحة تبعية شبه تنزهه عنه بتحرز المكلف عما نهى عنه شرعا في الامتناع عنه ثم استعمل في جانب ما كان مستعملا في جانب المشبه به مبالغة ويحتمل كونه مشاكلة لقوله تعالى: وجعلته بينكم محرما ذكره الطيبي. قال العارف ابن عربي: من لم يخرج شيئا في الحقيقة عن ملكه فلا يتصف بالظلم فيما يجريه حكمه في ملكه ثم إنه قدم ذلك تمهيدا وتوطئة لقوله (وجعلته محرما بينكم) أي حكمت بتحريمه عليكم وهذا وما قبله توطئة لقوله (فلا تظالموا) بشد الظاء وتخفف. أصله تتظالموا أي لا يظلم بعضكم بعضا فإنه لا بد من اقتصاصه تعالى للمظلوم من ظالمه ولما قرر حرمة الظلم على النفس وعباده أتبعه بذكر إحسانه إليهم وغناه عنهم وفقرهم إليه فقال (يا عبادي) كرر النداء تنبيها على فخامة الأمور ونسبة الضلال إلى الكل بحسب مراتبهم (كلكم ضال) أي غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل {ووجدك ضالا فهدى} {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} أو ضال عن الحق لو ترك وما [ص: 477] يدعو له الطبع من الراحة وإعمال النظر المؤدي إلى المعرفة وامتثال الأمر وتجنب النهي (إلا من هديته) وفقته للإيمان أو للخروج عن مقتضى طبعه ولا يناقضه خبر كل مولود يولد على الفطرة لأن ذلك ضلال طار على الفطرة الأولى (فاستهدوني) سلوني الهداية بمعنى الدلالة على طريق الخير والإيصال إليها (أهدكم) أنصب لكم أدلة واضحة على ذلك أو أوصل من شئت إيصاله في سابق علمي الأزلي {من يهدي الله فهو المهتدي} وحكمة الطلب إظهار الافتقار والإذعان والاعتراف بمقام الربوبية ورتبة العبودية. قال الراغب: الضلال العدول عن الطريق المستقيم ويضاده الهداية ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمدا أو سهوا قليلا أو كثيرا فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتقى صعب جدا ونحن وإن كنا مصيبين من وجه لكنا ضالين من وجوه كثيرة فإن الاستقامة والصواب يجري مجرى المقرطس من المرمى وما عداه من الجوانب كلها ضلال وإليه أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: استقيموا ولن تحصوا فإذا كان كذلك صح أن يستعمل لفظ الضلال فيمن يكون له حظا ما ولذلك نسب الضلال إلى الأنبياء وإلى الكفار وإن كان بين الضالين بون بعيد. قال في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم {ووجدك ضالا فهدى} أي غير مهتد لما سبق لك من النبوة وقال موسى {وأنا من الضالين} تنبيها على أن ذلك منه سهو اه ولما فرغ من الامتنان بأمور الدين شرع في الامتنان بأمور الدنيا وبدأ بما هو أصل فيها ومكمل لمنافعها من الشبع واللبس إذ لا يستغنى عنهما ومن ثم وصف الجنة بقوله {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى} فقال (ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) لأن الخلق ملكه ولا ملك لهم بالحقيقة وخزائن الرزق بيده فمن لا يطعمه بفضله بقي جائعا بعدله وأما {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فهو التزام تفضلا لا وجوبا (فاستطعموني) اطلبوا مني الطعام لأنه في يده تعالى وما في يد العبد ليس بحوله وقوته فلا يد له بالحقيقة بل اليد لرب الخليقة (أطعمكم) أيسر لكم أسباب تحصيله {إن الله هو الرزاق} وهذا تأديب للفقراء فكأنه قال: لا تطلبوا الطعمة من غيري فإن الذين استطعمتموهم أنا الذي أطعمهم. قال الطيبي: إن قلت ما معنى الاستثناء في قوله إلا من أطعمته وإلا من كسوته وليس أحد من الناس محروما عنهما؟ قلت لما كان الإطعام والكسوة معبرين عن النفع التام والبسط في الرزق وعدمهما عن التقتير والتضييق كما قال تعالى {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} سهل التقصي عن الجواب فظهر منه أنه ليس المراد من إثبات الجوع والعري في المستثنى منه نفي الشبع والكسوة بالكلية وليس في المستثنى إثبات الشبع والكسوة مطلقا بل المراد بسطهما وتكثيرهما (يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) واسألوا الله من فضله فإنه لا حول ولا قوة إلا به ولا استمساك إلا بسببه قال عيسى: ابن آدم أنت أسوأ بربك ظنا حين كنت أكمل عقلا لأنك تركت الحرص حين كنت جنينا محمولا ورضيعا مكفولا ثم أدرعته عاقلا قد أصبت رشدك وبلغت أشدك (يا عبادي إنكم تخطئون) بضم أوله وكسر ثالثه أي تفعلون الخطيئة عمدا وبفتح أوله وثالثه من خطأ يخطىء إذا فعل عن قصد (بالليل والنهار) هذا من قبيل المقابلة لاستحالة وقوع الخطأ من كل منهم ليلا ونهارا (وأنا أغفر الذنوب جميعا) غير الشرك وما لا يشاء مغفرته {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وأكد بأل الاستغراقية وجميعا المفيد كل منهما للعموم ليقوى الرجاء ولا يقنط أحد (فاستغفروني أغفر لكم) {وإني لغفار لمن تاب} ووطأ بعد الفاء بما قبلها إيذانا بأن غير المعصوم لا ينفك غالبا عن المعصية وفي هذه الجمل توبيخ يستحي منه كل مؤمن لأنه إذا لمح أنه [ص: 478] خلق الليل ليطاع فيه سرا استحياء أن ينفق أوقاته في ذلك إلا فيه كما أنه استحى بطبعه من صرف شيء من النهار حيث يراه الخلق للمعصية (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) بحذف نون الإعراب جوابا عن النفي أي لن تبلغوا لعجزكم إلى مضرتي ولا يستقيم ولا يصح أن تضروني حتى أتضرر منكم (ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) أي لا يتعلق بي ضرر ولا نفع فتضروني أو تنفعوني لأنه تعالى غني مطلق والعبد فقير مطلق والفقير المطلق لا يملك للغني المطلق ضرا ولا نفعا فما اقتضاه ظاهر الخبر أن لضره أو نفعه غاية لكي لا يبلغها العبد غير المراد (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم) أي على تقوى أتقى قلب رجل أو على أتقى أحوال قلب رجل واحد منكم ذكره القاضي قال الطيبي: ولا بد منه ليستقيم أن يقع أتقى خبرا لكان ثم إنه لم يرد أن كلهم بمنزلة رجل واحد هو أتقى من الناس بل كل واحد من الجمع بمنزلته لأن هذا أبلغ كقولك ركبوا فرسهم وعليه قوله تعالى {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} في وجه ثم إضافة أفعل إلى نكرة مفردة يدل على أنك لو تقصيت قلب رجل رجل بل كل الخلائق لم تجد أتقى قلبا من هذا الرجل اه. (ما زاد ذلك في ملكي شيئا) نكره للتحقير (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا) لأنه مرتبط بقدرته وإرادته وهما باقيتان ذاتيتان لا انقطاع لهما فكذا ما ارتبط بهما وعائد التقوى والفجور على فاعلهما قال الطيبي: قوله شيئا يجوز كونه مفعولا إن قلنا أن نقص متعد ومفعولا مطلقا إن قلنا إنه لازم أي نقص نقصانا قليلا والتنكير فيه للتحقير (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) أي في أرض واحدة ومقام واحد (فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي) لأن أمري بين الكاف والنون قال القاضي: قيد السؤال بالاجتماع في مقام واحد لأن تزاحم السؤال مما يذهل المسؤول ويبهته ويعسر عليه إنجاح مآربهم والإسعاف بمطالبهم (إلا كما ينقص المخيط) بكسر فسكون ففتح الإبرة (إذا أدخل البحر) لأن النقص إنما يدخل المحدود الفاني والله سبحانه واسع الفضل عظيم النوال لا ينقص العطاء خزائنه فخاطب العباد من حيث يعقلون وضرب لهم المثل بما هو غاية القلة ونهاية ما يشاهدونه فإن البحر من أعظم المرئيات والإبرة صغيرة صقيلة لا يعلق بها شيء وإن فرض لكنه لا يظهر حسا ولا يعتد به عقلا فلذا شبه بها (يا عبادي إنما هي أعمالكم) أي هي جزاء أعمالكم (أحصيها) أضبطها وأحفظها (لكم) أي بعلمي وملائكتي الحفظة (ثم أوفيكم إياها) أي أعطيكم جزاءها وافيا تاما إن خيرا فخير وإن شرا فشر والتوفية إعطاء الحق على التمام ذكره القاضي وقال المظهر: أعمالكم تفسير لضمير المؤنث في قوله إنما هي يعني إنما تحصى أعمالكم أي تعد وتكتب أعمالكم من الخير والشر توفية لجزاء عمل أحدكم على التمام وقال الطيبي: ويمكن أن يرجع إلى ما يفهم من قوله أتقى قلب رجل وأفجر قلب رجل وهما الأعمال الصالحة والطالحة ويشهد لفظ إنما لاستدعائها الحصر أي ليس نفعها وضرها راجعا إلي بل أحصيها لكم لأجازيكم بها فمن وجد خيرا فليشكر الله لأنه هو هادي الضلال موفقهم للخير ومن وجد شرا فليلم نفسه لأنه باق على ضلالته الذي أشار إليه بقوله كلكم ضال اه. والتوفية إعطاء الحق على التمام قال ابن عربي: ولهذا يعود التنزيه على المنزه فمن كان علمه التنزيه عاد عليه تنزيهه فكان محاه منزها [ص: 479] عن أن يقوم به اعتقاد ما لا ينبغي أن يكون الحق عليه ومن هنا قال من قال سبحاني تعظيما لجلال الله إلى هنا كلامه (فمن وجد خيرا) ثوابا ونعيما بأن وفق لأسبابهما أو حياة طيبة هنيئة (فليحمد الله) على توفيقه للطاعات التي يترتب عليها ذلك الخير والثواب فضلا منه ورحمة (ومن وجد غير ذلك) أي شرا ولم يذكره بلفظه تعليما لخلقه كيفية أدب النطق بالكناية عما يؤذي أو يستهجن أو يستحى منه أو إشارة إلى أنه إذا اجتنب لفظه فكيف فعله (فلا يلوم إلا نفسه) فإنها آثرت شهواتها على رضى رزاقها فكفرت لأنعمه ولم تذعن لأحكامه وحكمه فاستحقت أن يقابلها بمظهر عدله وأن يحرمها مزايا جوده وفضله قال ابن عطاء الله: لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك وفي الحديث إيماء إلى ذم ابن آدم وقلة إنصافه فإنه يحسب طاعته من عمله لنفسه ولا يسندها إلى التوفيق ويتبرأ من معاصيه ويسندها إلى الأقدار فإن كان لا تصرف له كما يزعم فهلا كان في الأمرين وإلا فلم نفاه عن أحدهما وختم بهذه إيذانا بأن عدم الاستقلال بنحو الإطعام والستر لا ينافي التكليف بالفعل والترك لأنا وإن لم نستقل نحس بوجدان الفرق بين حركة الاختيار والاضطرار وهذا الحديث لجلالته وعظم فوائده كان راويه عن أبي ذر أبو إدريس إذا حدث به جثا على ركبتيه تعظيما له <تنبيه> قال القونوي: الحق سبحانه جواد مطلق فياض على الدوام سابغ الإنعام دون بخل ولا التماس عوض ولا تخصيص طائفة بعينها تخصيصا يوهم منعا وتحجيرا على آخرين والخلائق كلهم يقبلون من عطاياه الذاتية والأسمائية بقدر استعداداتهم الكلية الغير المجعولة التي بها قبلوا منه الوجود أو لا حال ارتسامهم في علمه تقدس ويقبلون من عطائه باستعداداتهم التفصيلية الوجودية المجعولة بحسب طهارتهم الظاهرة والباطنة الوجودية وإنما قلنا الوجودية لأن الطهارة المختصة بالاستعداد الكلي الموجب قبول الوجود من الحق القبول التمام عبارة عن سلامة حقيقة القابل من أكثر أحكام الإمكان وقوة مناسبة تلك الحقيقة للحضرة الوحدانية الإلهية التي منها ينبسط على جميع القوابل الممكنة وهي الطهارة الأصلية وكما أن قلة الوسائط وأحكام الكثرة الإمكانية توجب الطهارة وثبوت المناسبة مع الحضرة الوحدانية الإلهية فيستلزم قبول العطايا الإلهية على وجه تام فكذلك كثرة الأحكام الإمكانية وقوتها وخواص إمكانات الوسائط التي هي النجاسات المعنوية يوجب نقص القبول وتغيير الفيض المقدس فإذا وضح هذا فنقول وفور الحظوظ من عطاياه سبحانه الذاتية والأسمائية ونقصانها راجع إلى كمال استعدادات القوابل ونقصها وكمال استعداد كل قابل ونقصه هو المعبر عنه بالطهارة والنجاسة عند أهل الطريق وذلك هو المشار إليه بقوله في هذا الحديث فمن وجد خيرا فليحمد الله إلخ ويؤيده {ما أصابك من حسنة فمن الله} الآية (م) في الأدب (عن أبي ذر) وأخرجه عنه أيضا أحمد والترمذي وابن ماجه ورواته دمشقيون قال أحمد: ليس لأهل الشام حديث أشرف منه الحديث: 6020 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 6021 - (قال تعالى إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا ويقول الرب للحفظة إني أنا قيدت عبدي وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح) قال الغزالي: إنما نال العبد هذه المرتبة لأن كل مؤمن يقدر على الصبر على المحارم وأما الصبر على البلاء فلا يقدر عليه إلا ببضاعة الصديقين فإن ذلك شديد على النفس فلما قاسى مرارة الصبر جوزي بها الجزاء الأوفى اه. وفيه ترغيب في الصبر وتحذير من الشكوى لكن ليس من الشكوى قول المريض إني وجع أو وارأساه [ص: 480] إذا اشتد به الوجع ونحو ذلك وقد ترجم البخاري باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع قال الطبري: وقد اختلف في ذلك والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على دفعه والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت وإنما كلف العبد أن لا يقع منه حال المرض أو المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه ومزيد الجزع والضجر وأما مجرد الشكوى فلا (حم ع طب حل عن شداد بن أويس) قال الهيثمي: خرجه الكل من رواية إسماعيل بن عياش عن راشد الصنعاني وهو ضعيف عن غير الشاميين اه. ولم يبال المصنف بذلك فرمز لحسنه الحديث: 6021 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 6022 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما ذكرتني شكرتني وإذا ما نسيتني كفرتني) أي كفرت إنعامي عليك وإفضالي لديك وما الثانية مزيدة للتأكيد قيل مكتوب في التوراة عبدي اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فإذا ظلمت فاصبر فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك وحرك يدك أفتح لك باب الرزق (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه أبو بكر الهمداني وهو ضعيف انتهى. وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 6022 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 6023 - (قال الله تعالى أنفق) على عباد الله وهو بفتح فسكون فكسر أمر بالاتفاق (أنفق عليك) بضم فسكون جواب الأمر أي أعطيك خلفه بل أكثر منه أضعافا مضاعفة {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} قال الطيبي: هذا مشاكلة لأن إنفاق الله لا ينقص من خزائنه شيئا وهذا ظاهر لأنه إذا أنفق ظهر بصورة الفقر والعبودية والسخاء فاستحق نظر الحق إليه من جهة فقره الذي لا بد من جبره ومن جهة مقابلة وصفه بوصف ربه وظهور معاني أسمائه فكأنه قال لعبده عند إنفاقه أتتسخى علي وأنا خلقت السخاء؟ وقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر ربه فكان أكثر الناس إنفاقا وأتمهم جودا (حم ق عن أبي هريرة) الحديث: 6023 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 6024 - (قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم) أي يقول في حقي ما أكرهه وزعم أن المراد يخاطبني بما يؤذي من يمكن في حقه التأذي تكلف قال الطيبي: والإيذاء إيصال مكروه إلى الغير وإن لم يؤثر فيه وإيذاؤه تعالى عبارة عن فعل ما لا يرضاه (يسب الدهر) يروى بحرف الجر وبياء المضارع والدهر اسم لمدة العالم من مبدأ تكوينه إلى انقراضه ويعبر به عن مدة طويلة (وأنا الدهر) أي مقلبه ومدبره فأقيم المضاف مقام المضاف إليه أو بتأويل الدهر على أن يكون مصدرا أي المصرف المدبر لما يحدث ولهذا عقبه بقوله (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) أي أجددهما وأبليهما وأذهب بالملوك كما في رواية أحمد والمعنى أنا فاعل ما يضاف إلى الدهر من الحوادث فإذا سب الآدمي الدهر يعتقد أنه فاعل ذلك فقد سبني ذكره الراغب. وقال القاضي: من عادة الناس إسناد الحوادث والنوازل إلى الأيام والأعوام وسبها لا من حيث إنها أيام وأعوام بل من حيث إنها أسباب تلك النوائب موصلتها إليهم على زعمهم فهم في الحقيقة ذموا فاعلها وعبروا عنه بالدهر في سبهم وهو بمعنى قوله أنا الدهر لا أن حقيقته حقيقة الدهر ولإزاحة هذا الوهم الزائغ أردفه بقوله (أقلب الليل والنهار) فإن مقلب الشيء ومغيره لا يكون نفسه وقيل فيه إضمار والتقدير وأنا مقلب الدهر والمتصرف فيه والمعنى أن الزمان يذعن لأمري لا اختيار له فمن ذمه على ما يظهر فيه صادرا عني فقد ذمني فأنا الضار والنافع والدهر ظرف لا أثر له ويعضده نصب الدهر على أنه ظرف متعلق بأقلب والجملة خبر المبتدأ [ص: 481] انتهى كلامه قال المنذري: الجمهور على ضم الراء إلى هنا كلام المنذري (حم ق د عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير وكأن المصنف أغفله سهوا الحديث: 6024 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 6025 - (قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم) بأن بنسب إلي ما لا يليق بجلالي (يقول يا خيبة الدهر) بفتح الخاء المعجمة أي يقول ذلك إذا أصابه مكروه (فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما) فإذا سب ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلي لأني فاعلها وإنما الدهر زمان جعلته ظرفا لمواقع الأمور (م عن أبي هريرة) الحديث: 6025 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 6026 - (قال الله تعالى سبقت) وفي رواية البخاري غلبت (رحمتي) أي غلبت آثار رحمتي على آثار (غضبي) والمراد بيان سعة الرحمة وشمولها ووصولها للخلائق قبل الغضب لكونها مقتضى ذاته دونه وإلا فهما من صفاته راجعتان لإرادته الثواب والعقاب لا توصف إحداهما بالسبق والغلبة على الأخرى فهو إشارة إلى مزيد العناية بعبيده والإنعام عليهم بغايات الفضل ونهاية الرفق والمسامحة وإلى أن مقام الفضل أوسع من مقام العدل والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذانه الأقدس والغضب يتوقف على سابقة عمل من العبد الحادث وقال الدماميني: الغضب إرادة العقاب والرحمة إرادة الثواب والصفات لا توصف بغلبة ولا يسبق بعضها بعضا لكن ورد هذا على الاستعارة ولا مانع من جعل الرحمة والغضب من صفات الفعل لا الذات فالرحمة هي الثواب والإحسان والغضب الانتقام والعذاب فتكون الغلبة على بابها <تنبيه> قال ابن عربي: لما نفخ الروح في آدم عطس فقال الحمد لله فقال الله يرحمك الله يا آدم فسبقت رحمته غضبه ولذا قدم الرحمة في الفاتحة وأخر ذكر الغضب فسبقت الرحمة الغضب في أول افتتاح الوجود فسبقت الرحمة إلى آدم قبل العقوبة على أكل الشجرة ثم رحم بعد ذلك فجاءت رحمتان بينهما غضب فتطلب الرحمتان الامتزاج لأنهما مثلان فانضمت هذه إلى هذه فانعدم الغضب بينهما كما قال بعضهم في يسرين بينهما عسر: إذا ضاق عليك الأمر. . . ففكر في ألم نشرح فعسر بين يسرين. . . إذا ذكرته فافرح (تتمة) قال ابن المنكدر: إني لأستحي من الله أن أرى رحمته تعجز عن أحد من العصاة ولولا النص ورد في المشركين ما أخرجتهم لقوله تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء} وقال بعض العارفين: حضرة الحق تعالى مطلقة يفعل فيها ما يريد وما مع أحد من المؤمنين أمان بعدم مؤاخذته على ذنوبه وإنما يتعلق الناس بنحو قوله تعالى: سبقت رحمتي غضبي (م عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى والديلمي الحديث: 6026 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 6027 - (قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب) أي قصد (يخلق خلقا كخلقي) أي ولا أحد أظلم ممن قصد أن يصنع كخلقي وهذا التشبيه لا عموم له يعني كخلقي من بعض الوجوه في فعل الصورة لا من كل وجه واستشكل التعبير بأظلم بأن الكافر أظلم وأجيب بأنه إذا صور الصنم للعبادة كان كافرا فهو هو ويزيد عذابه على سائر الكفار بقبح كفره (فليخلقوا ذرة) [ص: 482] بفتح المعجمة وشد الراء نملة صغيرة (أو ليخلقوا حبة) بفتح الحاء أي حبة بر بقرينة ذكر الشعير أو هي أعم (أو ليخلقوا شعيرة) والمراد تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه وأخذ منه مجاهد حرمة تصوير ما لا روح فيه حيث ذكر الشعيرة وهي جماد وخالفه الجمهور استدلالا بقوله في حديث آخر أحيوا ما خلقتم وفيه نوع من الترقي في الخساسة ونوع من التنزل والإلزام وحكي أنه وقع السؤال عن حكمة الترقي من الذرة إلى الحبة إلى الشعيرة فأجاب التقي الشمني بديهة بأن صنع الأشياء الدقيقة فيه صعوبة والأمر بمعنى التعجيز فناسب الترقي من الأعلى للأدنى فاستحسنه الحافظ ابن حجر وزاد في إكرام الشيخ وإشهار فضيلته (حم ق) في اللباس (عن أبي هريرة) قال: دخلت دارا بالمدينة أي لمروان بن الحكم فإذا أعلاها مصور بصور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره الحديث: 6027 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 6028 - (قال الله تعالى لا يأتي ابن آدم) بالنصب مفعول مقدم وفاعله (النذر) بفتح النون وحكاية عياض ضمها غلط أو خلل من ناسخ (بشيء لم أكن قد قدرته) يعني النذر لا يأتي بشيء غير مقدر (ولكن يلقيه النذر إلى القدر) بالقاف في يلقيه والقدر بفتح القاف ودال مهملة أي إن صح أن القدر هو الذي يلقي ذلك المطلوب ويوجده لا النذر فإنه لا دخل له في ذلك وفي رواية يلقيه بالفاء (وقد قدرته له) أي النذر لا يصنع شيئا وإنما يلقيه إلى القدر فإن كان قدر وقع وإلا فلا (أستخرج به من البخيل) قال النووي: معناه أنه لا يأتي بهذه القربة تطوعا مبتدأ بل في مقابلة بنحو شفاء مريض مما علق النذر عليه وقال الزين العراقي: يحتمل أن يريد النذر المالي لأن البخل إنما يستعمل غالبا في البخل بالمال وأن يريد كل عبادة كما في خبر أبخل الناس من بخل بالسلام (فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل) يعني أن العبد يؤتي على تحصيل مطلوبه ما لم يكن أتاه من قبل تحصيل مطلوبه ففيه إشارة إلى ذم ذلك قال الخطابي: وفي قوله أستخرج إشارة لوجوب الوفاء (حم خ ن عن أبي هريرة) الحديث: 6028 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 6029 - (قال الله تعالى إذا تقرب إلي العبد) أي طلب قربة مني بالطاعة (شبرا) أي مقدارا قليلا (تقربت إليه ذراعا) أي أوصلت رحمتي إليه قدرا أزيد منه وكلما زاد العبد قربا زاده الله رحمة (وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا) معروف وهو قدر مد اليدين (وإذا أتى إلي مشيا أتيته هرولة) وهو الإسراع في المشي أي أوصل إليه رحمتي بسرعة قال النووي: معناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود وقال في المطامح: الذراع والباع والشبر والهرولة ونحوها مقامات وأحوال مختلفة في الإجابة بحسب اختلاف درجات الخلق عند الحق سبحانه وقال القاضي: العبد لا يزال يتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات وأصناف الرياضات ويترقى من مقام إلى آخر أعلى منه حتى يحبه فيجعله مستغرقا بملاحظة جناب قدسه بحيث ما لاحظ شيئا إلا لاحظ ربه فما التفت إلى حاس ومحسوس وصانع ومصنوع وفاعل ومفعول إلا رأى الله وهو آخر درجات السالكين وأول درجات الواصلين (خ عن أنس) بن مالك (وعن أبي هريرة هب [ص: 483] عن سلمان) الفارسي الحديث: 6029 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 6030 - (قال الله تعالى لا ينبغي لعبد) لي من الأنبياء (أن يقول أنا خير) في رواية أنا أفضل (من يونس بن متى) أي من حيث النبوة فإن الأنبياء فيها سواء وإنما التفاوت في الدرجات ونحوها أو المراد لا ينبغي لعبد بلغ كمال النفس والصبر على الأذى أن يرجح نفسه على يونس لأجل ما حكيت عنه من قلة صبره على أذى قومه لأن تلك أقدار وأمور عارضة لم تخطئه خردلة ومتى بفتح الميم وشد المثناة مقصور اسم أمه ولم يشتهر بها نبي سواه وقول ابن الأثير وعيسى غير مرضي إذ الشهرة بإحلال أبوين لمن له أبوان (م عن أبي هريرة) الحديث: 6030 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 6031 - (قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك) قال الطيبي: اسم التفضيل هنا لمجرد الزيادة والإضافة للبيان أو على زعم القوم (من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) قال القاضي: المراد بالشركة هنا العمل والواو عاطفة بمعنى مع والضميران لمن أي أجعله وعمله مردودا من حضرتي والرياء دليل على السفه ورداءة الرأي وسوء الحظ ولقد صدق القائل: يا مبتغي الحمد والثواب. . . في عمل تبتغي محالا قد خيب الله ذا رياء. . . وأبطل السعي والكلالا من كان يرجو لقاء ربه. . . أخلص من أجله الفعالا الخلد والنار في يديه. . . فرائه يعطك النوالا (م هـ عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري قال المنذري: وإسناد ابن ماجه رواته ثقات الحديث: 6031 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 6032 - (قال الله تعالى أنا الرحمن أنا خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي) لأن أصل الرحمة عطف يقتضي الإحسان وهي في حقه تعالى نفس الإحسان أو إرادته فلما كان هو المنفرد بالإحسان التام والإفضال العام وركز في طبع البشر الرقة الحادثة الناشئ عنها الإحسان إلى من يرحم صح اشتقاق أحدهما من الآخر قال ابن العربي: وهذا الحديث يقتضي رعاية الاتفاق في الأسماء وأن ذلك النوع من الإخاء وقد قالوا في المثل: اتفاق الكنى إخاء ثان فإنه تعالى راعى في الرحم اتفاق اسمها مع اسمه في وجه انتظام الحروف الأصلية إذ النون زائدة والرحم مخلوقة محدثة وهو تعالى خالق غير محدث وفيه تنبيه على وهم الملحدة في قولهم هذا نسب بين الله وبين الرحم تعالى الله عما يقولون إذ جعلوا بينه وبين الرحم والنسب وإنما قالها على سبيل التشريف كما أنه جعل العبد قادرا عالما إلى آخر الصفات ولم يكن ذلك نسبا ولا تشبيها (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) أي من راعى حقوقها راعيت حقه ووفيت ثوابه ومن قصر لها قصرت به في ثوابه ومنزلته (ومن بتها بتته) أي قطعته لأن البت القطع فعطفه على ما قبلها تأكيد والمراد بالرحم التي يجب مواصلتها كل قريب ولو غير محرم كما مر غير مرة (حم خ د) في الزكاة (ت) في البر (ك) في البر والصلة (عن عبد الرحمن بن عوف) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي (ك عن أبي هريرة) قال المنذري: في تصحيح الترمذي نظر فإن أبا سلمة لم يسمع من أبيه وبينه تلميذه الهيثمي الحديث: 6032 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 [ص: 484] 6033 - (قال الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) أي أنه خاص صفتي فلا يليق إلا بي فالمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي فإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جني عليه ذكره الغزالي. قال الكلاباذي: الرداء عبارة عن الجمال والبهاء والإزار عبارة عن الجلال والستر والحجاب فكأنه قال لا تليق الكبرياء إلا بي لأن من دوني صفات الحدوث لازمة له وسمة العجز ظاهرة عليه والإزار عبارة عن الامتناع عن الإدراك والإحاطة به علما وكيفية لذاته وصفاته فكأنه قال حجبت خلقي عن إدراك ذاتي وكيفية صفاتي بالجلال والعظمة (فمن نازعني واحدا منهما) أي جاذبني إياه (قذفته) أي رميته وفي رواية أدخلته (في النار) لتشوفه إلى ما لا يليق إلا بالقادر القهار القوي الجبار الغني العلي سبحانه {ليس كمثله شيء} قال في الحكم: كن بأوصاف ربوبيته متعلقا بأوصاف عبوديتك متحققا منعك أن تدعي ما ليس لك مما للمخلوقين أفيبيح لك أن تدعي وصفه وهو رب العالمين؟ وقد أفاد هذا الوعيد أن التكبر والتعاظم من الكبائر (حم د هـ عن أبي هريرة هـ عن ابن عباس) تبع في عزوه لأبي داود الأشبيلي. قال في المنار: ولا أعرفه عند أبي داود وهو عند مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بقريب من هذا اللفظ وهو قوله رداءه الحديث: 6033 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 6034 - (قال الله تعالى: الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي قصمته) أي أذللته وأهنته أو قربت هلاكه. قال الزمخشري: هذا وارد عن غضب شديد ومناد على سخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي بين تلازم الأجزاء بخلاف الكسر وقال القاضي: والكبرياء الكبر وهو الترفع على الغير بأن يرى لنفسه عليه شرفا والعظمة كون الشيء في نفسه كاملا شريفا مستغنيا فالأول أرفع من الثاني إذ هو غاية العظمة فلذا مثله في الرداء وقيل الكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه إلا الحق فكبرياء ألوهيته التي هي عبارة عن استغنائه عما سواه وعظمة وجوبه الذاتي الذي هو عبارة عن استقلاله واستغنائه ومثلهما بالرداء والإزار إدناء للمتوهم من المشاهد وإبرازا للمعقول في صورة المحسوس فلما لا يشارك الرجل في ردائه وإزاره لا يشارك الباري في هذين فإنه الكامل المنعم المنفرد بالبقاء وما سواه ناقص محتاج على صدد الفناء {كل شيء هالك إلا وجهه} وكل مخلوق استعظم نفسه واستعلى على الناس فهو مزور ينازع رب العزة في حقه مستوجب لأقبح نقمه وأفظع عذابه أعاذنا الله منه ومن موجبه (ك عن أبي هريرة) الحديث: 6034 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 6035 - (قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعز إزاري من نازعني في شيء منهما عذبته) أي عاقبته وأصله الضرب ثم استعمل في كل عقوبة وقال حجة الإسلام: معناه أن العظمة والكبرياء من الصفات التي تختص بي ولا تنبغي لأحد غيري كما أن رداء الإنسان وإزاره يختص به لا يشارك فيه وفيه تحذير شديد من الكبر ومن آفاته حرمان الحق وعمى القلب عن معرفة آيات الله وفهم أحكامه والمقت والبغض من الله وأن خصلة تثمر لك المقت من الله والخزي في الدنيا والنار في الآخرة وتقدح في الدين لحري أن تتباعد عنها وقال ابن عربي: عجبا للمتكبر وهو يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات وأن قرصة النملة والبرغوث تؤلمه والمرحاض يطلبه لدفع ألم البول والحزاة عنه ويفتقر إلى كسرة خبز يدفع بها ألم الجوع عن نفسه فمن صفته هذه كل يوم وليلة كيف يصح أن يدخل قلبه كبرياء ما ذاك إلا للطبع الإلهي على قلبه (سمويه عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) ورواه بنحوه أبو داود وابن ماجه أيضا الحديث: 6035 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 [ص: 485] 6036 - (قال الله تعالى: أحب عبادي) أي الصوام (إلي أعجلهم فطرا) أي أكثرهم تعجيلا للإفطار إذا تيقن الغروب لما فيه من الانقياد لأمر الشارع وسرعة ائتماره بأمره بمسارعة فطره ولأنه إذا أفطر قبل الصلاة تمكن من أدائها بتوفر خشوع وحضور قلب أو المراد أحب عبادي إلي من يخالف المبتدعة الزاعمين أن تأخير الفطر لاشتباك النجوم أفضل إذ المراد جميع هذه الأمة الذين يتدينون بتأخير الفطر أي هي أحب إلي ممن قبلهم من الأمم والفضل للمتقدم وفيه إشارة إلى تحريم الوصال علينا لاقتضاء الخبر كراهة تأخير الفطر فكيف بتركه (حم ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب اه. وفيه مسلم بن علي الخشني قال في الميزان: شامي واه وقال البخاري: منكر الحديث والنسائي: متروك وابن عدي: حديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 6036 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 6037 - (قال الله تعالى: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) يعني أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم وقال البيضاوي: كل ما يتحلى به الإنسان ويتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله تعالى منزلة لا يشاركه فيها من لم يتصف بها وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون مثل ذلك مضموما إلى ما له من المراتب الرفيعة الشريفة فذلك معنى قوله يغبطهم النبيون لأن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة وتكميل الخاصة إلى غير ذلك من كليات تشغلهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقهم والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة لكنهم إذا رأوا يوم القيامة منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله ودوا لو كانوا ضامين خصالهم إلى خصالهم فيكونوا جامعين بين الحسنيين فائزين بالمرتبتين هذا من أولى ما قيل في التأويل وأما قول السبكي هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب وأما أولئك فلا بد من سؤالهم عن التبليغ فيغبطون السالم من ذلك التعب لراحته ولا يلزم أن يكون حالة الراحة أفضل تعقبه ابن شهبة بأن المتحابين في مقام الولاية وهي أول درجة النبي قبل النبوة ولا يمكن أن يحصل للولي خصلة ليست للنبي قال: والجواب المرضي عندي أنهم لا يغبطونهم على منابر النور والراحة بل على المحبة فإن المحبة في الله محبة لله وهو مقام يتنافس به فالغبطة على محبة الله لا على مواهبه انتهى (ت عن معاذ) ابن جبل ورواه الطبراني عن العرباض باللفظ المزبور قال الهيثمي: وإسنادهما جيد ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 6037 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 6038 - (قال الله تعالى وجبت) وفي رواية حقت (محبتي للمتحابين في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد أبدا مشغولا في خلوته فإذا دخل إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك لأن لمجالسة الخواص أثرا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم (والمتباذلين في) أي بذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته كما فعل الصديق رضي الله عنه ببذل نفسه ليلة الغار وماله حتى تخلل بعباءة لا لغرض من الدنيا ولا لدار القرار (والمتزاورين في) زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنا أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير من أماكنها شوقا إليه وهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في [ص: 486] اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافا وتلذذا وشوقا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب قال ابن عربي: قد أعطاني الله من محبته الحظ الأوفر والله إني لأجد من الحب ما لو وضع على السماء لانفطرت وعلى النجوم لانكدرت وعلى الجبال لسيرت والحب على قدر التجلي والتجلي على قدر المعرفة لكن محبة العارف لا أثر لها في الشاهد (حم طب ك عن معاذ) بن جبل قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال في الرياض: حديث صحيح وقال المنذري: إسناده صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني وثقوا الحديث: 6038 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 6039 - (قال الله تعالى أحب ما تعبدني) بمثناة فوقية أوله بضبط المصنف (به عبدي إلي) بالتشديد بضبطه (النصح لي) والنصح له وصفه بما هو أهله عقدا أو قولا والقيام بتعظيمه ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه وقال الحكيم: النصح لله أن لا يخلط بالعبودية شأن الأحرار وأفعالهم فيكون في سره وعلنه قد آثر أمر الله على هواه وحق الله على شهواته فإن خلط فيه ما ليس منه كانت العبودية مغشوشة والغش ضد النصح (حم عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال زين الحفاظ في شرح الترمذي بعدما عزاه لأحمد: إسناده ضعيف اه. وأعله الهيثمي بأن فيه عبد الله بن زحر عن علي بن زيد وكلاهما ضعيف الحديث: 6039 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 6040 - (قال الله تعالى أيما عبد من عبادي يخرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له أن أرجعه) إلى وطنه (إن أرجعته) إليه (بما) أي الذي (أصاب من أجر أو غنيمة وإن قبضته) أي توفيته (أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة) لجوده بنفسه وبذله إياها في رضى الذي خلقه (حم ن عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته الحديث: 6040 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 6041 - (قال الله تعالى) يا محمد (افترضت على أمتك خمس صلوات) في اليوم والليلة (وعهدت عندي عهدا أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة) أي مع السابقين الأولين (ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي) أخبر عباده أن تقربهم إليه بالعبادة فمن تقرب إليه بالطاعة تقرب الله منه بالتوفيق والاستطاعة <تنبيه> قال بعض الكاملين: رضاء الله تعالى في فرائضه والتقصير في الفرائض هو الذي أهلك النفوس ونكس الرؤوس فلو أتى بالفرائض على حسب الأمر لكان فيها رضى الله وغاية الدرجات (هـ عن أبي قتادة) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي الحديث: 6041 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 6042 - (قال الله تعالى إذا بلغ عبدي) أي المؤمن إذ أكثر الأمور الآنية إنما تتأتى فيه (أربعين سنة) وهو أحسن العمر واستكمال الشباب واستجماع القوة (عافيته من البلايا الثلاث من الجنون والبرص والجذام) لأنه عاش في الإسلام عمرا تاما ليس بعده إلا الإدبار فثبت له من الحرمة ما يدفع به عنه هذه الآفات التي هي من الداء العضال (وإذا بلغ خمسين سنة حاسبته [ص: 487] حسابا يسيرا) لأن الخمسين نصف أرذل العمر الذي يرتفع ببلوغه الحساب جملة فببلوغ النصف الأول يخفف حسابه وخفة الحساب في الدنيا ألا ينزع منه البركة ولا يحرمه الطاعة ولا يخذله (وإذا بلغ ستين سنة) وهو عمر التذكر والتوفيق الذي قال الله تعالى فيه {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} (حببت إليه الإنابة) أي الرجوع إليه لكونه مظنة انتهاء العمر غالبا (وإذا بلغ سبعين سنة أحبته الملائكة) لأنه شهر حبه فيهم كما يقال هذا عبد قد كان في عبودية مولاه حفيا لم يأبق منه ولم يول عنه حتى شاخ في الإسلام وذهبت فيه قوته (وإذا بلغ ثمانين سنة) وهو الخرف (كتبت حسناته وألقيت سيئاته) لأن تعميره في الإسلام ضعف الأربعين أوجب له هذه الحرمة (وإذا بلغ تسعين سنة) وهو الفناء وقد ذهب أكثر العقل وهو منتهى أعمار هذه الأمة غالبا (قالت الملائكة أسير الله في أرضه) لأنه عجز وهو في ربقة الإسلام كأسير في وثاق لا يستطيع براحا (فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويشفع في أهله) تمامه عند مخرجه الحكيم فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا كتب له ما كان يعمل في صحته من الخير وإن كان عمل سيئة لم تكتب اه وحذف المصنف له غير جيد ثم قال الحكيم: هذا من جيد الحديث وقد أتت روايات أخر وليس فيها حكاية عن الله وهذا حديث يخبر عن حرمة الإسلام وما يوجب الله لمن قطع عمره مسلما من الإكرام ومثال هذا موجود في خلقه ترى الرجل يشتري عبدا فإذا أتت عليه ستون سنة فيقول قد طالت صحبة هذا وعتق عندنا فترفع عنه بعض العبودية وتخفف عنه في ضريبته فإذا زادت مدة صحبته زيد رفقا وعطفا والعبد لا يخلو من تخليط وإساءة فمولاه لطول صحبته لا يمنعه رفقه ورفده ولا يتعبه فإذا شاخ أعتقه (الحكيم) الترمذي (عن عثمان) بن عفان وفيه مجهول وضعيف الحديث: 6042 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 6043 - (قال الله تعالى إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة) أي شدة وبلاء (في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبله بصبر جميل استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا) أي أترك النصب والنشر ترك من يستحي أن يفعلهما لما مر أنه سبحانه إذا وصف بالاستحياء فالمراد به الشيء اللازم لانقباض النفس كما أن المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لعينهما واشترط جمال الصبر في صبره وهو الرضى لأن الصبر ثلاثة صبر الموحدين وصبر المقصرين وصبر المقربين فصبر الموحدين أن لا يسخطوا على ربهم بل صبروا على إيمانهم به وأعملوا جوارحهم في المعاصي وهو صبر ممزوج بالجزع فهو صبر الظالمين لأنفسهم وصبر المقصرين صبر بالقلب والجوارح فرضوا بقلبهم وحفظوا جوارحهم عن العصيان وفي النفس كره فلم يملكوا أكثر من هذا لحياة نفوسهم بالشهوات وصبر المقربين هو الرضى مع غلبة حلاوة التسليم وموت الشهوة فإذا صار العبد إلى هذه الدرجة لا يحاسب ولا يشاحح ويجاد عليه كما جاد بنفسه التي لا شيء عنده أعظم منها فألقاها بين يديه <تنبيه> قال القرطبي: فيه أن الميزان حق ولا يكون في حق كل أحد فمن لا حساب عليه لا يوزن عليه والمجرمون يعرفون بسيماهم وإنما يكون لمن بقي من أهل المحشر ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا من المؤمنين وقد يكون من الكفار وذكر حجة الإسلام أن الذين لا يحاسبون لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا وإنما هي براءات مكتوبة (الحكيم) في النوادر (عن أنس) ورواه عنه ابن عدي باللفظ المزبور قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 6043 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 [ص: 488] 6044 - (قال الله تعالى حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتناصحين في وحقت محبتي للمتزاورين في وحقت محبتي للمتباذلين في) قال العلائي: معنى التباذل أن يبذل كل منهما ماله لأخيه متى احتاجه لا لغرض دنيوي قال بعضهم: هدية النظير للنظير الغالب فيها التودد والتقرب ومن المتدينين من يقصد بها التباذل كما حكى أن بعض الصوفية زار شيخه فأعطاه الشيخ ثوبا من ثيابه فلما ولى استدعاه الشيخ وقال هل معك شيء تدفعه لي فدفع إليه سجادته فقال أعلم أن هذه مباذلة لا مبادلة لعلنا أن ندخل في هذا الخبر وساقه (المتحابون في) يكونون يوم القيامة (على منابر) جمع منبر (من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء) فقد عرفت مما مر بك من التقرير آنفا في مثله أنه ليس المراد أن الأنبياء ومن معهم يغبطون المتحابين حقيقة بل القصد بيان فضلهم وعلو قدرهم عند ربهم على آكد وجه وأبلغه (حم طب ك عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني موثقون الحديث: 6044 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 6045 - (قال الله تعالى إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه) بالتثنية أي محبوبتيه أي بفقدهما وفسره الراوي أو المصنف بقوله (يريد عينيه) سماهما بذلك لأن العالم عالمان عالم الغيب وعالم الشهادة وكل منهما محبوب ومدرك الأول البصيرة ومدرك الثاني البصر واشتق الحبيب من حبة القلب وهي سويداؤه نظير سواد العين قال أبو الطيب: يود أن سواد الليل دام له. . . يزيد فيه سواد القلب والبصر ولأن السرور يكنى عنه بقرة العين لما يشاهد المحبوب ويكنى عن الحزن بسخونتها للمفارقة عنه (ثم صبر) زاد الترمذي واحتسب بأن يستحضر ما وعد به الصابرون ويعمل به (عوضته منهما الجنة) أي دخولها لأن فاقدهما حبيس فالدنيا سجنه حتى يدخل الجنة فيا له من عوض ما أعظمه والالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها قال الطيبي: وثم للتراخي في الرتبة لأن ابتلاء الله العبد نعمة وصبره عليه مقتض لتضاعف تلك النعمة لقوله {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ولما أصيب ابن عباس ببصره أنشد: إن يذهب الله من عيني نورهما. . . ففي لساني وقلبي للهدى نور عقلي ذكي وقولي غير ذي خطل. . . وفي فمي صارم كالسيف مأثور (حم خ) في كتاب المرض (عن أنس) بن مالك الحديث: 6045 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 6046 - (قال الله تعالى إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له بهما ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما) وفي رواية حبيبتيه سماهما بذلك لما فيهما من جلب المسار ودفع المضار وتوقي الأخطار وقيل سماهما كريمتين لكثرة منافعهما دينا ودنيا ولأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوت رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه وإذا كان ثوابه الجنة فمن له عمل صالح آخر يزداد له في الدرجات قال داود: [ص: 489] يا رب ما جزاء الحزين يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك قال: جزاءه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه أبدا وقال حجة الإسلام في كشف علم الآخرة: في الحديث الصحيح إن أول من يعطيهم الله أجورهم الذين ذهبت أبصارهم ينادي يوم القيامة بالمكفوفين فيقال لهم أنتم أحرى أي أحق من ينظر إلينا ثم يستحي الله تعالى منهم ويقولون لهم اذهبوا إلى ذات اليمين ويعقد لهم راية تجعل بيد شعيب عليه السلام فيصير إمامهم ومعهم من ملائكة النور ما لا يحصى عددهم إلا الله يزفونهم كما تزف العروس فيمر بهم على الصراط كالبرق الخاطف هذا فيمين صفته الصبر والحلم كابن عباس ومن ضاهاه من الأمة (طب حل عن عرباض) بن سارية قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف الحديث: 6046 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 6047 - (قال الله تعالى إني أنا الله) أي أنا المعروف المشهور بالوحدانية أو المعبود بحق فهو من قبيل أنا أبو النجم (لا إله إلا أنا) حال مؤكدة لمضمون هذه الجملة (من أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني آمن من عذابي) لأنه أثبت عقد المعرفة بالاله قلبا وباللسان نطقا أنه إلهه فدخل في حصن كثيف فاستوجب الأمن قال الإمام الرازي: لا إله إلا الله محمد رسول الله أربعة وعشرون حرفا وساعات الليل والنهار كذلك فكأنه قيل كل ذنب أذنب من صغيرة وكبيرة سر وجهر خطأ وعمد قول وفعل في هذه الساعات مغفورة بهذه الحروف والكلمات والشهادتان سبع كلمات وللعبد سبعة أعضاء وللنار سبعة أبواب فكل كلمة من السبع تغلق بابا من الأبواب السبعة على عضو من الأعضاء السبعة وقال الإمام الرازي أيضا: جعل الله العذاب عذابين أحدهما السيف من يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار في غلاف لا يرى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا الله أدخلنا السيف في الغمد الذي يرى وصار محسنا ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا إله إلا الله أدخلنا سيف عذاب الآخرة في غمد الرحمة وأدخلنا القائل في حصنها حتى يكون واحدا بواحد ولا ظلم ولا جور <فائدة> في تاريخ نيسابور للحاكم أن عليا الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء وقد شق بها السوق فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة الرازي وابن أسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث من لا يحصى فقالا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به؟ فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة وأقر عيون الخلائق برؤية طلعته فكانت له ذؤابتان متدليتان على عاتقه والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصاخ ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته وعلا الضجيج فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس انصتوا واسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذونا بصراخكم وكان المستملي أبو زرعة والطوسي فقال الرضى حدثنا أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه شهيد كريلاء عن أبيه على المرتضى قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثني جبريل عليه السلام قال حدثني رب العزة سبحانه يقول كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي ثم أرخى الستر على القبة وسار فعد أهل المحابر والدواين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض أمراء السبامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه في قبره فرؤي في النوم بعد موته فقيل ما فعل الله بك قال غفر لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجمال الزرندي في معراج الوصول أن الحافظ أبا نعيم روى هذا الحديث بسنده عن أهل البيت إلى علي سيد الأولياء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء حدثني جبريل عليه السلام سيد الملائكة [ص: 490] قال قال الله تعالى {إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} فمن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي (الشيرازي) في الألقاب (عن علي) أمير المؤمنين ونحوه خبر الحاكم في تاريخه وأبو نعيم عن علي أيضا لا إله إلا الله حصني إلخ قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف وقول الديلمي: حديث ثابت مردود الحديث: 6047 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 6048 - (قال الله تعالى يا ابن آدم) إنك (مهما عبدتني) كذا بخط المصنف وفي نسخ دعوتني بمغفرة ذنوبك كما يدل عليه السياق الآتي (و) الحال أنك (رجوتني) بأن ظننت تفضلي عليك بإجابة دعائك وقوله إذ الرجاء تأميل الخير وقرب وقوعه (ولم تشرك بي شيئا غفرت لك) ذنوبك أي سترتها عليك بعدم العقاب في الآخرة (على ما كان منك) من المعاصي وإن تكررت وتكثرت (وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوبا استقبلتك بملئهن من المغفرة وأغفر لك ولا أبالي) ولا أكترث بذنوبك ولا أستكثرها وإن كثرت فلا يتعاظمه شيء ولأنه لا حجر عليه تعالى فيما يفعله أو معنى لا أبالي لا أشغل بالي به قالوا: لا يوجد في الأحاديث أرجى من هذا قال المظهر: ولا يجوز لأحد أن يغتر به ويقول أكثر من الخطيئة ليكثر الله مغفرتي وإنما قاله لئلا ييأس المذنبون من رحمته ولله مغفرة وعقوبة لكن مغفرته أكثر لكن لا يعلم أحد أنه من المغفورين أو من المعاقبين فينبغي التردد بين الخوف والرجاء وقال الطيبي: هذا عام خص بحسب الأحوال والأزمان فإن جانب الخوف ينبغي رجحانه ابتداء والرجاء انتهاء أو مطلق محمول على المقيد بالمشيئة في {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} أو بالعمل الصالح مع الإيمان (طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه إبراهيم بن إسحاق الضبي وقيس بن الربيع وفيهما خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 6048 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 6049 - (قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) أي أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله أو أنا عند علمه وإيمانه بما وعدت من قبول حسناته والعفو عن زلاته وإجابة دعواته عاجلا وآجلا أو المراد أنا عند أمله ورجائه قال في المطامح: هذا أصل عظيم في حسن الرجاء في الله وجميل الظن به وليس لنا وسيلة إليه إلا ذلك قالوا: والأفضل للمريض أن يكون رجاؤه أغلب قال القرطبي: وقد كانوا يستحبون تلقين المحتضر محاسن عمله ليحسن ظنه بربه وقال البناني: كان شاب دهق فلما نزل به الموت أكبت أمه عليه تقول يا بني كنت أحذرك مصرعك هذا قال يا أماه لي رب كثير المعروف وإني لأرجو اليوم أن لا يعدمني معروفه <تنبيه> قال ابن أبي جمرة: المراد بالظن هنا العلم لقوله {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} وفي المفهم معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده قال في الحكم: لا يعظم الذنب عند الحاكم عظمة تقنطك من حسن الظن بالله فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله (مهمة) قال العارف الشاذلي: قرأت ليلة {قل أعوذ برب الناس} فقيل لي شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك يذكرك أفعالك السيئة وينسيك ألطافه الحسنة ويقلل عندك ذات اليمين ويكثر عندك ذات الشمال ليعدل بك عن حسن الظن بالله وكرمه إلى سوء الظن بالله ورسوله فأحذرك هذا الباب فقد أخذ منه خلق كثير من العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد (طب ك) في التوبة (عن وائلة) بن الأسقع قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله ثقات وهذا في الصحيحين بدون قوله ما شاء الحديث: 6049 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 [ص: 491] 6050 - (قال الله تعالى يا ابن آدم قم إلي أمش إليك وامش إلي أهرول إليك) قال بعض العارفين: هذا وأشباهه إن خطر ببالك أو تصور في خيالك أن ذلك قرب مسافة أو مشي جارحة فأنت هالك فإنه سبحانه بخلاف ذلك وإنما معناه أنك إذا تقربت إليه بالخدمة تقرب منك بالرحمة أنت تتقرب منه بالسجود وهو يتقرب منك بالجود (حم) من حديث شريح بن الحارث (عن رجل) من الصحابة قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريح وهو ثقة الحديث: 6050 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 6051 - (قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي إن ظن) بي (خيرا فله) مقتضى ظنه (وإن ظن) بي (شرا) أي أني أفعل به شرا (فله) ما ظنه فالمعاملة تدور مع الظن فإذا أحسن ظنه بربه وفى له بما أمل وظن والتطير سوء الظن بالله وهروب عن قضائه فالعقوبة إليه سريعة والمقت له كائن ألا ترى إلى العصابة التي فرت من الطاعون كيف أماتهم؟ قال الحكيم الترمذي: الظن ما تردد في الصدر وإنما يحدث من الوهم والظن هاجسة النفس وللنفس إحساس بالأشياء فإذا عرض أمر دبر لها الحس شأن الأمر العارض فما خرج لها من التدبير فهو هواجس النفس فالمؤمن نور التوحيد في قلبه فإذا هجست نفسه لعارض أضاء النور فاستقرت النفس فاطمن القلب فحسن ظنه لأن ذلك النور يريه من علائم التوحيد وشواهده ما تسكن النفس إليه وتعلمه أن الله كافيه وحسبه في كل أموره وأنه كريم رحيم عطوف به فهذا حسن الظن بالله وأما إذا غلب شره النفس وشهواتها فيفور دخان شهواتها كدخان الحريق فيظلم القلب وتغلب الظلمة على الضوء فتحيى النفس بهواجسها وأفكارها وتضطرب ويتزعزع القلب عن مستقره وتفقد الطمأنينة وتعمى عين الفؤاد لكثرة الظلمة والدخان فذلك سوء الظن بالله فإذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه حسن الظن بأن يزيده نورا يقذفه في قلبه ليقشع ظلمة الصدر كسحاب ينقشع عن ضوء القمر ومن لم يمنح ذلك فصدره مظلم لما أتت به النفس من داخل شهواتها والعبد ملوم على تقوية الشهوات من استعمالها فإذا استعملها فقد قواها ككانون: كلما ألقيت فيه حطبا ازداد لظما ودخانا (حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف الحديث: 6051 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 6052 - (قال الله تعالى لعيسى) ابن مريم (يا عيسى إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله وشكروا له وإن أصابهم ما يكرهون صبروا واحتسبوا ولا حلم) لهم باللام (ولا علم قال يارب كيف يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم قال أعطيهم من حلمي وعلمي) قال الطيبي: قوله ولا حلم ولا علم تأكيد لمفهوم صبروا واحتسبوا لأن معنى الاحتساب أن يبعثه على العمل الصالح الإخلاص وابتغاء مرضاة الرب لا الحلم ولا العلم فحينئذ يتوجه عليه أنه كيف يصبر ويحتسب من لا علم له ولا حلم فيقال إذا أعطاه من حلمه يتحلم ويتعلم بحلم الله وعلمه وفي موضع يتعلم موضع العقل إشارة إلى عدم جواز نسبة العقل وهو القوة المتهيئة لقبول العلم إلى الله تعالى عن صفات المخلوقين وقال الحكيم: هذه أمة مختصة بالوسائل من بين الأمم محبوة بالكرامات مقربة بالهدايات محفوظة من الولايات تولى الله هدايتهم وتأديبهم يسمون في التوراة صفوة الرحمن وفي الإنجيل حلماء علماء أبرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء وفي القرآن {أمة وسطا} و {خير أمة أخرجت للناس} وقوله صبروا واحتسبوا: الاحتساب أن يرى ذلك الشيء الذي أخذه لله وإن كان صبره باسمه [ص: 492] فالأصل لله وقوله صبروا أي ثبتوا فلم يزل أحدهم عن مقامه بزوال ذلك الشيء عنه فإن المؤمن يقول: إنا لله وها أنا بين يديه في طاعته ونعمه علي سابغة فإذا امتحنه فأزال عنه نعمه زال عن مقامه ذلك طلبا لتلك النعمة التي زالت فليس هذا إثبات وقوله ولا حلم ولا علم كأنه يخبر أنه تعالى قدر حلما وعلما لخلقه يتحالمون به بينهم ويعلمون فبذلك الحلم والعلم يتخلقون وفي حديث إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وكانت هذه الأمة آخر الأمم فرق ذلك فيهم ودق فلو تركهم على رقة تلك الأخلاق ورقة تلك الحلوم وقلة العلم لم ينالوا من الخير إلا قليلا ولم يزل الناس ينقصون من الخلق والرزق والعمر من زمن نوح فكان أحدهم يعمر ألف سنة وطوله ستون ذراعا والرمانة يقعد في قشرتها عشرة رجال فلم تزل تنقص إلى الآن فانظر كم بين الخلقين والعمرين والرزقين؟ فكذا الخلقين لم يبق لنا من الحلم والعلم إلا قليلا ما نفسد أكثر مما نصلح فإن صبروا واحتسبوا أعطاهم وقوله أعطيتهم من حلمي وعلمي فالعلم النور يقذف في قلوبهم فينشرح الصدر فيتسع بذلك علمه والحلم اتساع القلب فكلما دخلته فكرة انهضم كما ينهضم الطعام في المعدة فاتسع القلب وصلحت فيه الأمور وقال ابن عربي: هذه الأمة في أول دورة الميزان ومدتها ستة آلاف سنة روحانية محققة ولهذا ظهر فيها من العلوم الإلهية ما لم يظهر في غيرها من الأمم فإن الدورة التي انقضت كانت ترابية فغاية علمهم بالطبائع والإلهيون فهم غرباء قليلون جدا لا يكاد يظهر لهم أثر ثم إن المتأله منهم ممتزج بالطبيعة ولا بد والمتأله منا صرف خالص لا سبيل لحكم الطبع عليه (حم طب ك هب) وكذا الحكيم (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبو حليس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان الحديث: 6052 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 6053 - (قال الله تعالى: يا ابن آدم اثنتان لم يكن لك واحدة منهما جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك) بالتحريك أي عند خروج نفسك وانقطاع نفسك (لأطهرك به) من أدناسك (وأزكيك وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك) قال الفاكهاني: من خصائص هذه الأمة الصلاة على الميت والإيصاء بالثلث (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 6053 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 6054 - (قال الله تعالى: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له) قال المظهر: فيه أن الاعتراف بذلك سبب للغفران وهو نظير أنا عند ظن عبدي بي وقد عير الله قوما فقال {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} قال الطيبي: وقوله من علم إلخ تعريض للوعيد به وبمن قال إن الله لا يغفر الذنوب بغير توبة ويشهد للتعريض قوله (ولا أبالي) أي لا أحتفل (ما لم يشرك بي شيئا) وفيه رد على المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليين وروي أن حماد بن سلمة عاد سفيان فقال سفيان: أترى يغفر الله لمثلي؟ قال: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي ومحاسبة أبوي ما اخترت إلا محاسبة الله لأنه أرحم بي منهما. قالوا: وهذا أرجى حديث في السنة ولا يغتر به فإنه تعالى كما أنه عظيم الثواب شديد العقاب فعقابه عظيم كما أن عفوه واسع جسيم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (طب ك) في التوبة (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن جعفر بن عمر العدني أحد رجاله واه فالصحة من أين؟ الحديث: 6054 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 6055 - (قال الله تعال: ابن آدم اذكرني بعد الفجر وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما) قال ابن رجب: يشير إلى أن [ص: 493] الأعمال بالخواتم فإذا كان البداءة والختام بخير شمل الخير ورجاء المغفرة حكم الجميع (حل عن أبي هريرة) ورواه ابن المبارك في الزهد عن الحسن مرسلا الحديث: 6055 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 6056 - (قال الله تعالى إن المؤمن مني بعرض كل خير إني أنزع نفسه من جنبيه وهو يحمدني) قال بعض الصحابة: مررت على سالم مولى أبي حذيفة في القتلى وبه رمق فقلت: أسقيك فقال جرني قليلا إلى العدو واجعل الماء في الترس فإني صائم فإن عشت إلى الليل شربته وقال الإمام الرازي: حكمة سؤال الملكين أن الملائكة لما طعنت في بني آدم بعث الله إليه ملكين يسألانه عن ربه ودينه فيقول ربي الله وديني الإسلام فيقول الله انظروا إليه أخذت روحه وماله وزوجته: فماله لعدوه وزوجته تحت غيره ومع ذلك هو مقر بتوحيدي وتنزيهي لتعلموا أني أعلم ما لا تعلمون (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس وعن أبي هريرة) ورواه أحمد بنحوه الحديث: 6056 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 6057 - (قال الله تعالى أنا أكرم وأعظم عفوا من أن أستر على عبد مسلم في الدنيا ثم أفضحه بعد أن سترته ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني) أي في مدة دوام استغفاره لي وإن تاب ثم عاود الذنب ثم تاب وهكذا إلى ما لا يحصى (الحكيم) في النوادر (عن الحسن) البصري (مرسلا عق عنه) أي الحسن (عن أنس) وفيه أيوب بن ذكوان قال في الميزان: عن البخاري: منكر الحديث وعن الأزدي: متروك الحديث وعن ابن عدي: ما يرويه لا يتابع عليه وفي اللسان: ذكر العقيلي هذا الحديث فيما أنكر عليه ثم قال: وروي من غير هذا الوجه بمعنى هذا اللفظ بإسناد أصلح منه الحديث: 6057 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 6058 - (قال الله تعالى حقت محبتي على المتحابين) أي في الله (أظلهم في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلي) لأنهما لما تحابا في الله وتواصلا بروح الله وتآلفا بمحبته فكان ذلك منهما احتياشا إلى الله فآواهما إلى ظله (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان عن عبادة بن الصامت) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو ذهول فقد خرجه أحمد والطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله وثقوا اه. فعدول المصنف لابن أبي الدنيا واقتصاره عليه غير جيد الحديث: 6058 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 6059 - (قال الله تعالى لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة قال ابن حجر: يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الجهري والتقدير إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى قال ابن بطال: هذا نص في أن الملائكة أفضل من الآدميين وهو مذهب جمهور أهل العلم وعليه شواهد من القرآن نحو {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} والخالد [ص: 494] أفضل من الفاني فالملائكة أفضل وتعقبه جمهور أهل السنة بما هو معروف <تنبيه> قال بعض العارفين: الله تعالى له الأخلاق السنية وهي الأسماء الإلهية فمن ذكر الحق كان جليسه ومن كان جليسه فهو أنيسه فلا بد أن ينال من مكارم خلقه على قدر زمان مجالسته ومن جلس إلى قوم يذكرون الله أدخله معهم في رحمته وكرامته فإنهم القوم لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه (من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ) أي جماعة من خواص خلقي المقبلين على ذكري داعيا لهم إلي أو ناشرا بينهم ثنائي أو دالا لهم على حقيقة ذكري أو مراقبتي أو شاغلا لهم بذكري (إلا ذكرته في الرفيق الأعلى) ظاهر هذا أن ذكر اللسان علانية أفضل من الذكر الخفي والذكر القلبي قال وهب: رأيت في بعض الكتب الإلهية أن الله يقول يا ابن آدم ما قمت لي بما يجب لي عليك أذكرك وتنساني وأدعوك وتفر مني خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد (طب عن معاذ بن أنس) بن مالك قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 6059 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 6060 - (قال الله تعالى عبدي) بحذف حرف النداء (إذا ذكرتني خاليا) عن الخلائق أو عن الالتفات لغيري وإن كنت معهم (ذكرتك خاليا) أي إن ذكرتني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرتك بالثواب والرحمة سرا وقال ابن أبي جمرة: يحتمل كونه كقوله تعالى {اذكروني أذكركم} معناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام وقال تعالى {ولذكر الله أكبر} أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف أمنه أو مستوحش آنسه {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم وأكبر) وفي رواية بدله خير من الذين ذكرتني فيهم وهذا تنويه عظيم بشرف الذكر قال بعض العارفين: الذاكر ربه حياته متصلة دائمة لا تنقطع بالموت فهو حي وإن مات بحياة هي خير وأتم من حياة المقتول في سبيل الله ومن لا يذكر الله ميت وإن كان في الدنيا بين الأحياء فإنه حي بالحياة الحيوانية وجميع العالم حي بحياة الذكر فمثل الذاكر وغيره مثل الحي والميت وإنما كان الذاكر أفضل من الشهيد الغير الذاكر لقوله في الخبر المار ألا أخبركم بأفضل إلخ (هب عن ابن عباس) ورواه عنه البزار قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة الحديث: 6060 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 6061 - (قال الله تعالى إذا ابتليت عبدي المؤمن) أي اختبرته وامتحنته (فلم يشكني) أي لم يخبر بما عنده من الألم (إلى عواده) أي زواره في مرضه وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد لكنه اشتهر في عائد المريض كما سبق (أطلقته من إساري) أي من ذلك المرض (ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه) الذي أذهبه الألم (ودما خيرا من دمه) الذي أذهبه الألم (ثم يستأنف العمل) أي يكفر المرض عمله السيء ويخرج منه كيوم ولدته أمه ثم يستأنف وذلك لأن العبد لما تلطخ بالذنوب ولم يتب طهره من الدنس بتسليط المرض فلما صبر ورضي أطلقه من أسره بعد غفره ما كان من إصره ليصلح لجواره بدار إكرامه فبلاؤه نعمة وسقمه منة وفي إفهامه أنه إذا شكى لم ينل هذه المثوبة قال الغزالي: الشكوى معصية قبيحة من أهل الدين فكيف لا تقبح من رب العالمين فالأحرى الصبر على القضاء فإن كان ولا بد من الشكوى فإلى الله فهو المبلي وهو المعافي والشكوى ذل وإظهار الذل للعبيد مع كونهم أذلاء قبيح قال حكيم: لا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك نعم لا بأس بالإظهار إذا صحت النية كأن يصف ما به للطبيب أو لغيره ليعلمه الصبر أو ليظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى ربه ولكن يحسن ممن عرف منه القوة والصرامة كما قيل لعلي في مرضه كيف [ص: 495] أنت قال بشر فنظر بعض القوم لبعض ظانين أنه شكاية فقال: أأتجلد على الله؟ فأحب إظهار عجزه لما علموه من قوته (ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: لم يخرجه الستة لعلته اه. وقال العراقي: سنده جيد الحديث: 6061 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 6062 - (قال الله تعالى عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي) فإنه تعالى خلقه في غاية الحسن والإتقان وأعلى منصبه على سائر الحيوان وجعله مختصرا من العالم المحيط مركبا من كثيف وبسيط لم يبق في الإمكان شيء إلا وأودع فيه في أول نشأته ومبانيه حتى برز على غاية الكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال فليس في الوجود عجز ولا في القدرة نقصان قال ابن عربي: صح ذلك عند ذوي العقول الراجحة بالدليل والبرهان ولهذا قال بعض الأئمة يعني الغزالي ليس أبدع من هذا العالم في الإمكان فانظر إلى ما تفرق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني من ملك وملكوت حتى إذا ظهر في العالم مثل إنما وجدته في الإنسان كالشعر والظفر وكما أن في العالم ماءا ملحا وعذبا وزعاقا ومرا فكذا في الإنسان: فالمالح في عينه والزعاق في منخريه والمر في أذنيه والعذب في فمه وكما أن في العالم ترابا وماءا وهواءا ونارا ففي الإنسان مثل ذلك وكما أن في العالم رياحا أربع شمالا وجنوبا وصبا ودبورا ففي الإنسان أربع قوى: جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة وكما أن في العالم سباعا وشياطين وبهائم ففي الإنسان الافتراس وطلب القهر والغلبة والغضب والحقد والحسد والأكل والشرب والنكاح وكما أن في العالم ملائكة بررة سفرة ففي الإنسان طهارة وطاعة وكما أن في العالم من يظهر للأبصار ويخفى ففي الإنسان ظاهر وباطن: عالم الحس وعالم القلب فظاهره ملك وباطنه ملكوت وكما أن في العالم سماءا وأرضا ففي الإنسان علوا وسفلا فامش بهذا الاعتبار على العالم تجد النسخة الإلهية صحيحة ما اختل حرف ولا نقص معنى. والقصد بيان شرف الإنسان (طس) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن المهرم متروك الحديث: 6062 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 6063 - (قال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين: إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي) فمن كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر وبالعكس وذلك لأن من أعطى علم اليقين في الدنيا طالع الصراط وأهواله بقلبه فذاق من الخوف وركب من الأهوال ما لا يوصف فيضعه عنه غدا ولا يذيقه مرارته مرة ثانية وهذا معنى قول بعض العارفين لأنه لما صلى حر مخالفة القوى في الدنيا لم يذقه الله كرب الحر في العقبى. قال القرطبي: فمن استحى من الله في الدنيا مما يصنع استحى الله عن سؤاله في القيامة ولم يجمع عليه حياءين كما لم يجمع عليه خوفين وقال الحرالي: نار الحق في الدنيا للمعترف رحمة من عذاب النار تفديه من نار السطوة في الآخرة ومحمد عليه الصلاة والسلام يعطى الأمن يوم القيامة حتى يتفرغ للشفاعة وما ذاك إلا من الخوف الذي كان علاه أيام الدنيا فلم يجتمع عليه خوفان فكل من كان له حظ من اليقين فعاين منه ما ذاق من الخوف سقط عنه من الخوف بقدر ما ذاق هنا قال العارفون: والخوف خوفان خوف عقاب وخوف جلال والأول يصيب أهل الظاهر والثاني يصيب أهل القلوب والأول يزول والثاني لا يزول (حل عن شداد بن أوس) ورواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة الحديث: 6063 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 6064 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك) أي سرا وخيفة إخلاصا وتجنبا للرياء (ذكرتك في نفسي) أي [ص: 496] أسر بثوابك على منوال عملك وأتولى بنفسي إثابتك لا أكله لأحد من خلقي فهو وارد على منهج المشاكلة أو المعنى إن خلوت بذكري أخليت سرك عن سواي وإن أخفيت ذكرك إجلالا لي أخفيتك في غيبي فلا ينالك مكروه فتكون سري بين خلقي غاروا على أذكاره فغار على أوصافهم فهم خباياه في غيبه وأسراره في خلقه (وإن ذكرتني في ملأ) افتخارا بي وإجلالا لي بين خلقي (ذكرتك في ملأ خير منهم) أي ملأ الملائكة المقربين وأمواح المرسلين مباهات بك وإعظاما لقدرك وخيرية الملائكة من جهة أن حالتهم واحدة في الطاعة والمؤمنون مختلفون فهم بين طاعة ومعصية وفترة وتوفير وجد وتقصير والملأ الذي عنده مقدس لا يعصون الله بحال فقد تمسك بهذا من فضل الملائكة على البشر (وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول) يعني من دنا إلي وقرب مني بالاجتهاد والإخلاص في طاعتي قربته بالهداية والتوفيق وإن زاد زدت واعلم أنه سبحانه وتعالى أقرب من كل شيء إلى كل شيء أبعد إلى كل شيء من كل شيء وقربه من خلقه أقسام ثلاثة قرب العامة وهو قرب العلم وقرب الخاصة وهو قرب الرحمة وقرب خاصة الخاصة وهو قرب الحفظ والرعاية ذكره بعض الأعاظم وقال ابن عربي: هذا قرب مخصوص يرجع إلى ما يتقرب إليه سبحانه من الأعمال والأحوال فإن القرب العام قوله {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فضاعف القرب بالذراع فإن الذراع ضعف الشبر وما تقربت إليه إلا به لأنه لولا ما دعاك وبين لك طريق القرب وأخذ بناصيتك فيها لم تعرف الطريق التي يتقرب منه ما هي ولو عرفتها لم يكن لك حول ولا قوة إلا بالله اه. <تنبيه> قال العوفي: هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته (حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 6064 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 6065 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني) أي مدة دعائك فهي زمانية نحو {ما يتذكر فيه من تذكر} (ورجوتني) أي أملت مني الخير (غفرت لك) ذنوبك (على ما كان منك) من عظائم وجرائم أو ما دمت تدعوني وترجو مغفرتي ولا تقنط من رحمتي فإني أغفر لك ولا تعظم علي مغفرتك وإن كانت ذنوبك كثيرة وذلك لأن الدعاء مخ العبادة والرجاء متضمن لحسن الظن بالله وهو قال أنا عند ظن عبدي بي وعند ذلك تتوجه الرحمة له وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء (ولا أبالي) بذنوبك إذ لا معقب لحكمي ولا مانع لعطائي كأنه من البال فإنه إذا قيل لا أبالي كأنه قال لا يشتغل بالي بهذا الأمر أو نحوه قال الطيبي: في عدم مبالاته معنى قوله {لا يسأل عما يفعل} (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك) بفرض كونها أجساما (عنان) بفتح المهملة سحاب (السماء) بأن ملأت ما بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى أو عنانها ما عن لك منها أي ظهر إذا رفعت رأسك ثم (استغفرتني) أي تبت توبة صحيحة (غفرت لك ولا أبالي) لأن الاستغفار استقالة والكريم محل إقالة العثرات وهذا على إطلاقه لأن الذنب إما شرك يغفر بالاستغفار أي التوبة منه وهو الإيمان أو دونه فبالندم والإقلاع بشرطه المعروف قال التوربشتي: العنان السحاب وإضافته على هذا المعنى إلى السماء غير فصيح وأرى الصواب أعنان السماء وهي صفائحها يحسها وما اعترض من أقطارها كأنه جمع عنن فلعل الهزة سقطت من بعض الرواة وورد أن العنان بمعنى العياء وأجاب الطيبي بأنه يمكن أن يجعل من باب قوله {فخر عليهم السقف من فوقهم} تصويرا لارتفاع شأن السحاب وأنه بلغ مبلغ السماء وقال القاضي: العنان السحاب الواحدة عنانة من عن إذا اعترض وأضيف إلى السماء لأنه معترض من دونها وقد يقال أعنان [ص: 497] السماء والمعنى أنه لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث تبلغ أقطارها وتعم نواحيها ثم استغفرتني غفرت لك جميعها غير مبال بكثرتها فإن استدعاء الاستغفار للمغفرة يستوي فيه القليل والكثير والجليل والحقير (يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف ويقال بكسرها والضم كما في الرياض أفصح وأشهر أي بقريب ملئها أو مثلها وهو أشبه إذ الكلام سيق للمبالغة وقال القاضي: هو مأخوذ من القرب أي ما يقاربها في المقدار والقراب شبه جراب يضع فيها المسافر زاده وقراب السيف غمده (خطايا) قال الطيبي: تمييز من الإضافة نحو قولك ملأ الإناء عسلا (ثم لقيتني) أي مت حال كونك (لا تشرك بي شيئا) لاعتقادك لتوحيدي وتصديق رسلي وما جاؤوا به قال الطيبي: وثم للتراخي في الأخبار (لأتيتك بقرابها مغفرة) ما دمت تائبا عنها مستغفرا منها مستقبلا إياها وعبر به للمشاكلة وإلا فمغفرته أبلغ وأوسع من ذلك فهو بيان لكثرة مغفرته لئلا ييأس المذنبون عنها لكثرة الخطايا ولا يجوز الاغترار بهذا وإكثار المعاصي لأن لله عقوبة شديدة (ت والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك الحديث: 6065 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 6066 - (قال الله تعالى عبدي) بحذف حرف النداء (أنا عند ظنك بي وأنا معك) بالتوفيق والمعونة أو أنا معك بعلمي وهو كقوله {إنني معكما أسمع وأرى} والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} إلى أن قال {إلا هو معهم أينما كانوا} (إذا ذكرتني) أي دعوتني فاسمع ما تقوله فأجيبك وقال ابن أبي جمرة: أنا معك بحسب ما قصدت من ذكرك لي قال: ثم يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط أو بهما أو بامتثال الأمر وتجنب النهي قال: والذي تدل عليه الأخبار أن الذكر نوعان أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه مثل هذا الخبر والثاني على خطر قال: والأول يستفاد من قوله تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} والثاني من الحديث الذي فيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا لكن إن كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووجل مما هو فيه فإنه يرجى له (ك عن أنس) بن مالك الحديث: 6066 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 6067 - (قال الله تعالى للنفس اخرجي) من الجسد (قالت لا أخرج إلا كارهة) قال الطيبي: ليس المراد نفسا معينة بل الجنس مطلقا كقوله أمر على اللئيم يسبني وذلك لأنها ألفت الجسد واشتدت مصاحبتها له وامتزاجها به فلا تخرج إلا بغاية الإكراه (خد عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار هكذا وزاد قال اخرجي وإن كرهت قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 6067 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 6068 - (قال الله تعالى يا ابن آدم ثلاثة واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك فما عملت من عمل جزيتك به فإن أغفر فأنا الغفور الرحيم وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء والمسألة وعلي الاستجابة والعطاء) تفضلا وتكرما لا وجوبا والتزاما فالاستجابة والعطاء أمر محقق لا ريب فيه لكن تارة يكون بعين المسؤول وتارة بدله مما هو أصلح وأنفع وتارة في الدنيا وأخرى في الآخرة (طب عن سلمان) الفارسي رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه حميد بن الربيع مدلس وفيه ضعف الحديث: 6068 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 6069 - (قال الله تعالى من لا يدعوني أغضب عليه) أي ومن يدعوني أحبه وأستجيب له وقيل في المعنى: [ص: 498] الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب قال سبحانه {أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي} فقدم إجابته لنا إذا دعوناه على إجابتنا له إذا دعانا وجعل الاستجابة من العبد لأنها أبلغ من الإجابة لأنه سبحانه لا مانع له من الإجابة فلا فائدة للتأكيد وللإنسان موانع منها الهوى والنفس والشيطان والدنيا فلذلك أمر بالاستجابة فإن الاستفعال أشد في المبالغة من الأفعال وأين الاستخراج من الإخراج ولهذا يطلب الكون من الله العون (خاتمة) قالوا: هذه أحاديث قدسية وتفارق القرآن بأنه اللفظ المنزل للإعجاز بشيء منه والحديث القدسي إخبار الله نبيه معناه بإلهام أو منام فأخبر عنه بعبارة نفسه وبقية الأحاديث لم يضفها إليه ولم يروها فالقرآن أشرف الكل فالقدسي لأنه نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان بغير واسطة ملك غالبا لأن المنظور إليه معناه دون لفظه وفي التنزيل اللفظ والمعنى معا ذكره الطيبي (العسكري في المواعظ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6069 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 6070 - (قال ربكم أنا أهل أن أتقى) بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي أخاف وأحذر فالحذر أن أوصف بما وصفني به المشركون {ويحذركم الله نفسه} ورأس الاتقاء اتقاء كلمة الكفر كما قال (فلا يجعل) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (معي إله) لأنه لا إله غيري ولو أشرك بي العبد أحدا معي لفعل محالا لجعله شيئا لا يكون وليس بكائن (فمن اتقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له) هذا على نسق التنزيل نسب الأهلية إلى نفسه في الفعلين لأنه شكور ولا يضيع أجر المحسنين فمن زعم أن أحدا من الموحدين يخلد في النار فقد أعظم الفرية ونسب ربه إلى الجور " تعالى الله عن ذلك " وقول بعض السلف بخلود أهل الكبائر أراد به طول المكث وأبهمه زجرا وتخويفا فلم يفهم أولئك مراده فضلوا وأضلوا قال الإمام الرازي: سمى نفسه أهل التقوى وسمى الموحدين أهل كلمة التقوى فكأنه يقول أنا أهل أن أكون مذكورا بهذه الكلمة وأنت أهل أن تكون ذاكرها فما أعظم هذا الشرف وقال الطيبي: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين ثم تجوز واستعمل في معنى الخليق والجدير فقيل فلان أهل لكذا أي خليق به وهو المعني بقوله {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} فأخبر بأنه حقيق بأن يتقى منه وخليق بأن يغفر لمن اتقاه ففوض الترتيب إلى ذهن السامع اه (حم ت ن) في التفسير (هـ) في الزهد (ك) في التفسير كلهم من حديث سهيل القطيعي عن ثابت (عن أنس) وقال الترمذي: حسن غريب وسهيل ليس بالقوي وقد تفرد به عن ثابت الحديث: 6070 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 6071 - (قال ربكم لو أن عبادي أطاعوني) في فعل المأمورات وتجنب المنهيات (لأسقيتهم المطر بالليل ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد) قال الطيبي: من باب التتميم فإن السحاب مع وجود الرعد فيه شائبة خوفا من البرق لقوله سبحانه {هو الذي يريكم البرق خوفا وطعما} (حم ك) في التفسير من حديث صدقة بن موسى عن محمد بن واسع عن عمير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن صدقة واه فالصحة من أين؟ الحديث: 6071 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 6072 - (قال) لي (جبريل لو رأيتني) يا محمد حين قال فرعون عند إدراكه الغرق {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل [ص: 499] وأنا من المسلمين} (وأنا آخذ من حال البحر) أي طينه الأسود المنتن (فأدسه في في فرعون) عندما أدركه الغرق (مخافة أن تدركه الرحمة) أي رحمة الله التي وسعت كل شيء وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا عجيبا يبهت الواصف عن كنهه فإني لما شاهدت تلك الحالة بهت غضبا على عدو الله لادعائه تلك العظمة والحاصل أنه إنما فعل ذلك غضبا لله لا أنه كره إيمانه لأن كراهة إيمان الكافر على ما قالوا كفر قال الماتريدي: إنما يكون الرضى بالكفر كفرا إذا رضي بكفر نفسه لا بكفر غيره وقد ذكر الزمخشري هذا بوزن قوله مخافة إلخ وقال دسه في فيه للغضب لله على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه قال وأما ما يضم إليه من قولهم مخافة أن تدركه الرحمة فمن زيادات المباهتين لله ولملائكته لأن الإيمان يصح بالقلب فحال البحر لا يمنعه أي عند الحنفية وقد يجاب بأن جبريل عليه السلام أراد شغل قلبه لا لسانه (حم ك عن ابن عباس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما أغرق الله فرعون فقال {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} فقال لي جبريل إلخ قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان نقل عن أحمد أن يوسف بن مهران أحد رجاله لا يعرف ثم ساقه بلفظه الحديث: 6072 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 6073 - (قال لي جبريل بشر خديجة) بنت خويلد أم المؤمنين (ببيت في الجنة من قصب) يعني قصب اللؤلؤ المجوف كما جاء مفسرا في هذا الخبر بعينه وهو إما من تتمة الحديث أو من كلام الصحابي (لا صخب فيه) بفتح المهملة والمعجمة والموحدة لا صياح فيه (ولا نصب) بالتحريك لا تعب لأن قصور الجنة ليس فيها ذلك كما ذكره ابن القيم قال السهيلي: المناسبة في هاتين الصفتين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دعى إلى الإيمان أجابت خديجة طوعا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا نزاع ولا تعب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب كون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة قال الخطابي: والبيت هنا عبارة عن قصر وقد يقال لمنزل الرجل بيته قال السهيلي: وهو صحيح يقال في القوم هو أهل بيت شرف وعزو في التنزيل {غير بيت من المسلمين} ونكتة تعبيره ببيت دون قصر أنها كانت ربة بيت في الإسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت وأيضا هي أول من بنى بيتا في الإسلام بتزوجها نبيا وجزاه الفعل يذكر بلفظ الفعل وإن كان أشرف منه كما جاء أن من كسى مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق ومنه خبر من بنى مسجدا - الحديث - لم يرد مثله في كونه مسجدا ولا في صفته بل قابل البنيان بالبنيان أي كما بنى بنى له كما قابل الكسوة بالكسوة والسقيا بالسقيا فهنا رفعت المماثلة لا في ذات المبنى أو المكسو فمن ثم اقتضت الفصاحة أن يعبر بها عما بشرت به بلفظ البيت وإن كان فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت قال ابن حجر: وفي البيت معنى آخر وهو أن مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليها (طب) وكذا الأوسط (عن ابن أبي أوفى) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبي سمية وقد وثقه غير واحد الحديث: 6073 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 6074 - (قال لي جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أفضل من بني هاشم) قال الحكيم: إنما طاف الأرض ليطلب النفوس الطاهرة الصافية المتزكية بمحاسن الأخلاق ولم ينظر للأعمال لأنهم كانوا أهل الجاهلية إنما نظر إلى أخلاقهم فوجد الخير في هؤلاء وجواهر [ص: 500] النفوس متفاوتة بعيدة التفاوت <تنبيه> قال ابن عربي: من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه بعث من قوم لا هم لهم إلا قرى الضيف ونحر الجزور والحروب الدائمة وسفك الدماء وبهذا يتمدحون وبه يمدحون ولا خفاء عند كل أحد بفضل العرب على العجم بالكرم والسماحة والوفاء وإن كان في العجم كرماء وشجعان لكن في آحاد كما أن في العرب جبناء وبخلاء لكن في آحاد وإنما الكلام في الغالب وهذا لا ينكره أحد (الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأقدم ولا أحق بالعزو منهما وهو ذهول فقد خرجه الإمام أحمد في المناقب وآخرون كالطبراني والبيهقي والديلمي وابن لال والمحاملي وغيرهم وكان ينبغي للمصنف البداءة بالعزو لأحمد كعادته قال ابن حجر في أماليه: لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن الحديث: 6074 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 6075 - (قال لي جبريل من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن) أي وإن زنى وإن سرق ومات مصرا على ذلك ولم يتب فهو تحت المشيئة إن شاء عذبه الله ثم أدخله الجنة وإن شاء عفى عنه ابتداء فلم يدخله النار وفيه رد على المعتزلة الزاعمين أن صاحب الكبيرة إذا مات بغير توبة يخلد في النار (خ عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 6075 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 6076 - (قال لي جبريل ليبك الإسلام) أي أهله (على موت عمر) بن الخطاب فإنه قفل الفتنة كما ورد ومن موته نشأت الحروب بين المسلمين وكان ما كان (طب) وكذا الديلمي (عن أبي) بن كعب قال الهيثمي: فيه حبيب كاتب مالك وهو متروك كذاب وقال شيخه الحافظ العراقي: روياه عن الآجري في كتاب الشريعة عن أبي بسند ضعيف جدا وأورده ابن الجوزي في الموضوع الحديث: 6076 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 6077 - (قال لي جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت) قال بعضهم: هذا وعظ وزجر وتهديد والمعنى فليتأهب من غايته للموت بالاستعداد لما بعده ومن هو راحل عن الدنيا كيف يطمئن إليها فيخرب آخرته التي هو قادم عليها وقال ابن الحاجب: هذا تسمية للشيء بعاقبته نحو لدوا للموت وابنوا للخراب (وأحبب من شئت فإنك مفارقه) أي تأمل من تصاحب من الإخوان عالما بأنه لا بد من مفارقته فلا تسكن إليه بقلبك ولا تطعه فيما يعصي ربك فإنه لا بد من فرقة الأخلاء كلهم إلى يوم قيل فيه {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} فإن كان ولا بد فأحبب في الله من يعينك على طاعة الحق تعالى ولا تعلق قلبا عرف مولاه بمحبة سواء قال بعض العارفين: من أحب بقلبه من يموت مات قلبه قبل أن يموت (واعمل ما شئت) مبالغة في التقريع والتهديد من قبيل {اعملوا ما شئتم} يجازيكم به فإن كان العمل حسنا سرك جزاؤه أو سيئا ساءك لقاؤه (فإنك ملاقيه) قال الغزالي: هذا تنبيه على أن فراق المحبوب شديد فينبغي أن تحب لا يفارقك وهو الله ولا تحب من يفارقك وهو الدنيا فإنك إذا أحببت الدنيا كرهت لقاء الله فيكون قدومك بالموت على ما تكرهه وفراقك لما تحبه وكل من فارق محبوبا أذاه في فراقه بقدر حبه وأنسه وأنس الواحد للدنيا أكثر من أنس فاقدها وأنشدوا: يافرقة الأحباب لا بد لي منك. . . ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام مالي وللمنى [ص: 501] . . . ويا سكرت الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة. . . إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبك ألا أي حي ليس للموت موقنا. . . وأي يقين منه أشبه بالشك <فائدة> قال ابن السمعاني: سمعت إمام الحرمين يقول كنت بمكة فرأيت شيخا من أهل المغرب يطوف ويقول: تمتع بالرقاد على شمال. . . فسوف يطول نومك باليمين ومتع من يحبك من تلاق. . . فأنت من الفراق على يقين (الطيالسي) أبو داود في مسنده (هب) من طريق أبي داود المذكور قال عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله ثم قال البيهقي: وروى ذلك من حديث أهل البيت أيضا والحسن بن أبي جعفر وهو الجعفي قال الذهبي: ضعفوه وأبو الزبير مر ضعفه غير مرة وأورده ابن الجوزي من عدة طرق ثم حكم عليه بالوضع الحديث: 6077 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 6078 - (قال لي جبريل قد حببت) بالبناء للمفعول أي حبب الله (إليك الصلاة) أي فعلها (فخذ منها ما شئت) فإن فيها قرة عينك وجلاء همك وتفريج كربك (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه علي بن يزيد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 6078 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 6079 - (قال لي جبريل راجع حفصة) بنت عمر بن الخطاب وكان طلقها طلقة رجعية (فإنها صوامة قوامة) بالتشديد أي دائمة القيام للصلاة (وأنها زوجتك في الجنة) سبب طلاقها كما رواه الطبراني أنها دخلت عليه في بيتها وهو يطأ مارية فقال: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة وهو أن أباك يلي الأمر من بعد أبي بكر إذا أنا مت فأخبرت عائشة فطلقها. وعند ابن سعد عن شعبة مولى ابن عباس خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجاريته القبطية ببيت حفصة فجاءت فدقت الباب فخرج ووجهه يقطر فقالت: أما إني رأيت ما صنعت قال: فاكتمي علي وهي حرام فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها فقالت له: أما يومي فتفرس فيه بالقبطية وتسلم لنسائك سائر أيامهن فطلق حفصة (ك) وكذا ابن سعد والدارمي (عن أنس) بن مالك ولابن سعد مثله عن ابن عباس عن عمر قال ابن حجر في الفتح: وإسناده حسن (وعن قيس بن زيد) الجهني ورواه عنه البزار وغيره قال ابن حجر: وقيس مختلف في صحبته الحديث: 6079 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 6080 - (قال موسى بن عمران يا رب من أعز عبادك عندك قال من إذا قدر غفر) أي عفا وسامح فالعفو لا يزيد العبد إلا عزا ورفعة والعافي أجره على الله تعالى حقا كما قال في الحديث المار إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم من على الله أجره فلا يقوم إلا من عفى عن ذنب أخيه (هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده الحديث: 6080 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 6081 - (قال موسى) بن عمران (يا رب كيف شكرك آدم فقال علم أن ذلك مني فكان ذلك شكره) أي كان بمجرد هذه المعرفة شاكرا فإذن لا شكر إلا بأن تعترف بأن الكل منه وإليه وليس لغيره سوى مجرد مظهرية لما بين يديه [ص: 502] فإن خالطك ريب في هذا لم تكن عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم فهذا أصل أصيل إليه المرجع وعليه التعويل ذكره الغزالي قال: وإنما يكون العبد شاكرا إذا كان لشروط الشكر جامعا ومنها أن يكون فرحه بالمنعم لا بالنعمة ولا بالإنعام ولعل هذا مما يتعذر عليك فهمه فتمثله فتقول الملك الذي يريد السفر فأنعم على رجل بفرس يتصور أن يفرح به من حيث كونه مال ينتفع به وهذا فرح بالفرس فقط ومن حيث إنه يستدل به على غاية عناية الملك به لا من حيث كونه فرسا فالأول لا يدخل فيه معنى الشكر لأن فرحه بالفرس لا بالمعطي والثاني داخل في معنى الشكر من حيث كونه فرحا بالمنعم لا بالنعمة وقد أبان هذا الخبر عن استحالة الشكر شكر وأن من لم يشكر فقد شكر ومن نظر بعين التوحيد المحض عرف أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره وأن كل شيء هالك إلا وجهه لأن الغير هو الذي يتصور أن يكون له بنفسه قوام وهذا محال أن يوجد إذ الوجود المحقق هو القائم بنفسه وليس له بنفسه قوام فليس له بنفسه وجود بل هو قائم بغيره فهو موجود بغيره فإن اعتبر من حيث ذاته لم يكن له وجود البتة وإنما الموجود هو القائم بنفسه ومن كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره فهو قيوم ولا يتصور أن يكون القيوم إلا واحدا فليس في الوجود إلا الحي القيوم الواحد فالكل منه مصدره وإليه مرجعه ويعبر الصوفية عن هذا بفناء النفس أي فنى عن نفسه وعن غير الله فلا يرى إلا الله فمن لا يفهم هذا ينكر عليهم ويسخر منهم فيسخرون منه هذا كله كلام الغزالي (الحكيم) الترمذي (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 6081 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 6082 - (قال موسى لربه عز وجل ما جزاء من عزى الثكلى) أي من فقدت ولدها (قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) وإذا كان هذا جزاء المعزى فما جزاء المصاب لكن عظم الجزاء مشروط بعدم الجزع كما يقع من الجهلة من ضرب خد وشق ثوب ونشر شعر وتغيير زي وغير ذلك أما شدة الحزن العاري عن ذلك فغير مذموم وإن تطاول بدليل قصة يعقوب عليه السلام (ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي بكر) الصديق (وعمران) بن حصين ورواه عنه الديلمي وغيره أيضا الحديث: 6082 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 6083 - (قال داود) النبي (يا زارع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها) يعني أن الدنيا مزرعة الآخرة والقلب كالأرض والإيمان كالبذر فيه والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها مجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق فيها كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر ويوم القيامة يوم الحصاد ولا يحصد أحد إلا ما زرع وقال الحكماء: كل يحصد ما يزرع ويجزى بما يصنع وزرع يومك حصاد غدك وقال الراغب: الإنسان في دنياه حارث وعمله حرثه ودنياه محرثته ووقت الموت وقت حصاده والآخرة بيدره ولا يحصد إلا ما زرعه ولا يكيل إلا ما حصده وكما أن في الدنيا مكاييل وموازين وأمناء وحفاظا وكتابا ففي الآخرة مثل ذلك (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء) الحديث: 6083 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 6084 - (قال داود إدخالك يدك في فم التنين) ضرب من الحيات كالنخلة السحوق (إلى أن يبلغ المرفق فيقضمها) أي [ص: 503] يعضها (خير لك من أن تسأل من لم يكن له شيء ثم كان) أي من كان معدما فصار غنيا وليس هو من بيت شرف ولا مجد. أوحى الله إلى موسى لأن تدخل يدك إلى منكبيك في فم التنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر خرجه السلفي عن الثوري (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير سديد الحديث: 6084 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 6085 - (قال سليمان بن داود لأطوفن) في رواية لأطيفن قال عياض: وهما لغتان فصيحتان واللام موطئة للقسم أي والله لأدورن (الليلة) أي في الليلة (على مئة امرأة) فكنى بالطواف عن الجماع وفي رواية سبعين وتسعين وغيرهما وجمع بأن البعض سراري والبعض حرائر على أن القليل لا ينفي الكثير بل مفهوم العدد غير حجة عند الأكثر وقوله الليلة يحتمل أن الليل في ذلك الزمان كان طويلا جدا بحيث يتأتى له فيه جماع مئة امرأة مع تهجده ونومه ويحتمل أنه تعالى خرق له العادة فيجامع ويتطهر وينام ثم هكذا ثم هكذا والليل في الطول على ما هو عليه الآن كما خرق الله العادة لأبيه داود عليهما السلام في قراءة الزبور بحيث كان يقرأه بقدر ما تسرج له دابته وهذا يوجد الآن في الأولياء كثيرا وفيه ما رزقه سليمان من القوة على الجماع وأنها في الرجال فضيلة وهي تدل على صحة الذكورية وكمال الإنسانية قال القرطبي: أعطى الأنبياء صحة النبوة وقوة الفحولية مع ما كانوا عليه من الجهد والمجاهدة حتى أن نبينا مات ولم يشبع من خبز الشعير وجاء عن سليمان أنه كان يفترش المئة امرأة وكان يأكل خبز الرماد ومن هذا حاله فالعادة ضعفه عن الجماع لكن العوائد خرقت لهم ولا يلزم مما تقرر تفضيل سليمان على محمد عليهما الصلاة والسلام لكونه لم يعط إلا قوة أربعين رجلا ولم يكن له غير عشرة نسوة ما ذاك إلا لأن سليمان تمنى أن يكون له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطي الملك وأعطي هذه القوة في الجماع ليتم له الملك على خرق العادة من كل الجهات لأن الملوك يتخذون من الحرائر والسراري بقدر ما أحل لهم ويستطيعونه فأعطي سليمان تلك الخصوصية ليتميز بها عنهم فكان نساؤه من جنس ملكه الذي لا ينبغي لأحد من بعده ونبينا خير أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني فأعطي ذلك القدر لرضاه بالفقر والعبودية فأعطي الزائد لخرق العادة (كلهن يأتي بفارس) أي تلد ولدا ويصير فارسا (يجاهد في سبيل الله) قاله تمنيا للخير وجزم لغلبة الرجاء عليه دلالة على أنه إنما تمناه لله تعالى لا لحظ نفسه ولا تظن به أنه قطع بذلك على الله أنه يفعل به بل هو قوة ورجاء من فضله حمله عليه حبه للخير (فقال له صاحبه) قرينه وبطانته أو الملك الذي يأتيه أو وزيره من الإنس أو خاطره وفي رواية الملك (قل إن شاء الله) ذلك (فلم يقل إن شاء الله) أي بلسانه لنسيان عرض له فعلة الترك النسيان لا الإباء عن التفويض إلى الرحمن فصرفه عن الاستثناء القدر السابق أن لا يكون ما تمنى وفيه تقديم وتأخير أي لم يقل إن شاء الله فقال صاحبه قل ذكره عياض فدل ذلك على أن أمور الغيب لا يجوز القطع عليها في نجح ما يرجى منها إلا مع الاستثناء (فطاف عليهن) جامعهن جميعا (فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق إنسان) قيل هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وقال بعض المتكلمين: نبه به على أن التمني وشؤم الاعتراض على التسليم والتفويض سلبه الاستثناء وأنساه إياه ليتم فيه قدره السابق (والذي) في رواية أما والذي (نفس محمد بيده) بقدرته وتدبيره (لو قال إن شاء الله لم يخنث) فلو قال إن شاء الله لحصل مراده (وكان دركا) بفتح الراء اسم من الإدراك أي لحاقا (لحاجته) يعني كان يحصل له ما يتمنى ولا يلزم من [ص: 504] إخباره بذلك في حق سليمان وقوعه لكل من استثنى في أمنيته وهذه منقبة عظيمة لسليمان حيث كان همه الأعظم إعلاء كلمة الله حيث عزم أن يرسل أولاده الذين هم أكباده إلى الجهاد المؤدي إلى الموت وفيه جواز ذكر النساء وذكر الطواف عليهم بين الأصدقاء لأن في الإخبار لهم بذلك تنبيها على المبادرة بمثله وجواز ذكر أفعال الدنيا إذا ترتب عليه طاعة وعدم ربط الأشياء بالعوائد فيقول لا يكون كذا إلا من كذا ولا يتولد كذا إلا من كذا وأن المباح ينقلب طاعة بالنية ثم إن قيل طلب العلم أفضل من الجهاد لخبر فيه فكان الأولى لسليمان أن ينوي بهم أن يكونوا علماء قلنا العلماء جعلوا لتقرير الأحكام والفرسان لنصرة الدين فطلب سليمان ما هو المثبت للأصل مع أنه لا ينافي أن يكون الفارس عالما فإن قيل أيضا فلم لم تحمل منهن إلا واحدة ولم لم يمنع الحمل من الكل ولم كان الواحد لا يكون أنثى أو يكون رجلا كاملا فالجواب إنا إن قلنا إن ذلك إرادة إلهية لا مجال للعقل فيها فظاهر وإن نظرنا إلى كرامة الرسل على الله عز وجل بأن لنا من حكمة الحكيم وهو أنه لو لم يحمل منهن أحد لتشوش سليمان وخشي أن يكون قد رفعت عنه العصمة فلم تقبل نيته للخير ولو جاءت به أنثى كان ضد ما عزم عليه وذلك يدل على عدم القبول وكونه لم يكن تام الخلق من أجل ما نقص من الأسباب المبلغة لمراده وهو قوله إن شاء الله (حم ق ن عن أبي هريرة) الحديث: 6085 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 6086 - (قال يحيى بن زكريا لعيسى ابن مريم أنت روح الله) أي مبتدأ منه لأنه خلق روحه ابتداء بلا واسطة أصل وسبق مادة أو لأنه تعالى أحيي به الأموات كما أحيي بالأرواح الأبدان (وكلمته) الذي كان وجوده بلا أب لقوله " كن " بعد تعلق الإرادة بغير واسطة نطفة أو لأنه لما تكلم بغير أوانه لفرط غرابة ونهاية بلاغة بكلام مستغرب هو قوله: {إني عبد الله} الآية سمي بكلمة الله وأضيف إلى الله تعظيما وأخرج ابن عساكر عن أبي بن كعب قال: كان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم عليه السلام فأرسله الله إلى مريم في صورة بشر فحملت بالذي خاطبها وهو روح عيسى عليه السلام فدخل من فيها فحملت به لسبع أو تسع ساعات ووضعته من يومها (وأنت خير مني) أي أفضل عند الله (فقال عيسى بل أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي) هذا قاله تواضعا أو قبل علمه بأنه أفضل فإنه أفضل منه بلا نزاع ولا يقدح فيه ما ذكره من السلام إذ قد يكون في المفضول مزية بل مزايا لا توجد في الفاضل (فوائد) أخرج ابن عساكر أن عيسى لما بلغ سبع سنين أسلمت أمه للكتاب فكان المعلم لا يعلمه شيئا إلا بدره به فعلمه أبجد فقال: ما أبجد فقال: لا أدري قال: فكيف تعلمني ما لا تعلم ولا تدري فقال: إذا فعلمني فقال: الألف آلاء الله والباء بهاء الله والجيم جمال الله والدال دوام الله فعجب المعلم وأخرج عن يعلى بن شداد مرفوعا ليخرجن الله بشفاعة عيسى من جهنم مثل أهل الجنة (ابن عساكر) في التاريخ (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 6086 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 6087 - (قال رجل لا يغفر الله لفلان) أي العامل للمعاصي (فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها) أي الكلمة التي قالها (خطيئة فليستقبل العمل) أي يستأنف عمله للطاعات فإنها حبطت بتأليه على الله وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لا الحقيقة (طب عن جندب) بن جنادة الحديث: 6087 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 [ص: 505] 6088 - (قالت أم سليمان بن داود لسليمان) وكانت من العابدات الصالحات قال ابن عساكر: وكان سليمان وضيئا أبيض جسيما يلبس البياض (يا بني لا تكثر النوم بالليل) الذي هو محل المناجاة ووقت المصافاة (فإن كثرة النوم بالليل) عن التهجد ونحوه (تترك الإنسان فقيرا يوم القيامة) لقلة عمله وفي إكثاره طول الغفلة وبله العقل ونقص الفطنة وسهو القلب ومن آفاته أنه يميت القلب عن تعاطي أسباب الدنيا وأحوالها مما لا بد للإنسان منه وربما استحكم في الإنسان كثرته حتى يصير حكمه مخالفا لحكم نوم الطبيعة المجعول راحة للجسد فيفسد صحة مزاجه الأصلي ومن مفاسده أنه يضعف نفسه الروحانية لكثرة ارتباطها بعالم الخيال وتخليها عن جسدها المأمورة بمساعدته على مصائب الدنيا سيما إن كان الجسد مظلما كثيفا بالأعمال الخارجة عن السنة والطبيعة الكلية فإنه يتركب من ذلك الارتباط ضعف الاعتقاد وفساد القوة الخيالية المصورة للأشياء في مرآة العقل فيصير لا يشهد أمرا إلا مقيدا مرتبطا منعقدا حتى ربما اختلط حاله على نفسه وربما التحق في الحكم بالحيوانات البهم البعيدة عن الإدراك وأنشد بعضهم يقول: بقدر الكد تعطى ما تروم. . . ومن طلب العلا ليلا يقوم وبعضهم: بقدر الكد تكتسب المعالي. . . ومن طلب العلا سهر الليالي تروم العز ثم تنام ليلا. . . يغوص في البحر من طلب اللآلى (ن هـ هب عن جابر) قضية صنيع المصنف أن النسائي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله: فيه يوسف بن محمد بن المنكدر متروك وسنيد بن داود لم يكن بذاك وفيه أيضا موسى بن عيسى الطرسوسي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي ممن يسرق الحديث وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب الحديث: 6088 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 6089 - (قبضات التمر للمساكين) أي الفقراء زاد ابن عدي في روايته وفلق الخبز (مهور الحور العين) يعني أن التصدق بقليل من التمر إذا تقبله الله أعد للمتصدق به في الجنان عددا من الحور العين وكذا الصلاة المقبولة قال الغزالي: عن أزهر بن مغيث رأيت في النوم امرأة لا تشبه نساء الدنيا قلت من أنت قالت من الحور قلت زوجيني نفسك قالت اخطبني من سيدي وامهرني قلت ما مهرك قالت طول التهجد (قط في الأفراد) عن أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه عن جده عن طلحة بن زيد عن الوضين بن عطاء عن القاسم (عن أبي أمامة) الباهلي قال ابن الجوزي: موضوع تفرد به طلحة وهو متروك عن الوضين وهو واهي الحديث اه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات ورواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ مهور الحور العين قبضات التمر وفلق الخبز وقال ابن الجوزي: موضوع فيه عمر بن صبح يضع الأحاديث الحديث: 6089 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 6090 - (قبلة المسلم أخاه) في الدين هي (المصافحة) أي هي بمنزلة القبلة وقائمة مقامها فهي مشروعة والقبلة غير مشروعة له (المحاملي في أماليه فر) وكذا الخرائطي وابن عدي وابن شاهين كلهم عن (أنس) بن مالك وفيه عمر بن عبد الجبار قال في الميزان: عن ابن عدي وروى عن عمه مناكير وأحاديثه غير محفوظة ثم ساق له عدة أخبار هذا منها الحديث: 6090 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 6091 - (قتال المسلم أخاه) في الدين وإن لم يكن من النسب (كفر) أي يشبه الكفر من حيث إنه من شأن الكفار فأطلق عليه الكفر لشبهه به أو أراد الكفر اللغوي وهو التغطية لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه [ص: 506] فلما قاتله صار كأنه غطى حقه وأطلق عليه الكفر مبالغة في التهديد معتمدا على ما تقرر من القواعد أن ذلك يخرج عن الملة (وسبابه) بكسر السين وتخفيف الموحدة أي سبه له قال الحرالي: السباب أشد من السب وهو أن يقول فيه ما فيه وما ليس فيه (فسوق) أي خروج عن طاعة الله ورسوله والفسوق في عرف الشرع أشد من العصيان قال تعالى {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} وفيه تعظيم لحق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق (ت عن ابن مسعود ن عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 6091 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 6092 - (قتال المسلم كفر) أي إن استحل قتاله (وسبابه فسوق) أي مسقط العدالة (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) بغير عذر شرعي (حم ع طب والضياء عن سعد) الحديث: 6092 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 6092 - (قتال المسلم) وفي رواية بدله المؤمن (كفر وسبابه فسوق) أي فسوق وفيه رد على المرجئة الزاعمين أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ولا تمسك فيه للخوارج الذين يكفرون بالمعاصي لأن ظاهره غير مراد كما تقرر لكن لما كان القتال أشد من السباب لإفضائه إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر غير مريد حقيقته التي هي الخروج عن الملة وهذا كله محمول على من فعله بغير تأويل وقيل أراد بقوله كفرانه قد يؤول بصاحبه إليه وهو بعيد وأبعد منه حمله على المستحل إذ لو أريد لم يحسن التفريق بين السباب والقتال فإن مستحل سب المؤمن بغير تأويل يكفر أيضا (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) بغير عذر شرعي (حم طب والضياء عن سعد) الحديث: 6092 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 6093 - (قتل الرجل صبرا) بأن أمسك فقتل في غير معركة بغير حق (كفارة لما) وقع (قبله من الذنوب) جميعا حتى الكبائر على ما اقتضاه إطلاق هذا الخبر وفي حديث آخر ما ترك القاتل على المقتول من ذنب (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو وهم فقد أعله الهيثمي بأن فيه صالح بن موسى بن طلحة وهو متروك الحديث: 6093 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 6094 - (قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه) ظاهره وإن كان المقتول عاصيا ومات بلا توبة ففي عمومه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب وعلى المعتزلة الموجبين تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة (البزار) في مسنده (عن عائشة) وقال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه قال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 6094 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 6095 - (قتل المؤمن) أي بغير حق (أعظم عند الله من زوال الدنيا) ومن ثم ذهب بعض السلف إلى عدم قبول توبته تمسكا بهذا الخبر ونحوه كخبر الشيخين لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ففيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا بما يتوعد به الكافر وثبت عن ابن عمر أنه قال لمن قتل عاملا بغير حق تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة والجمهور على أن القاتل أمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه وهذا الحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر بلفظ زوال الدنيا عند الله أهون من قتل رجل مسلم قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بالصالح (ن والضياء) المقدسي (عن بريدة) بن الحصيب ورواه الطبراني عن ابن عمر وحسنه الترمذي الحديث: 6095 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 6096 - (قد تركتكم على البيضاء) وفي رواية عن المحجة البيضاء وهي جادة الطريق مفعلة من الحج القصد والميم زائدة (ليلها [ص: 507] كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا) فيه من معجزاته الإخبار بما سيكون بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر وقد كان عالما به جملة وتفصيلا لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم ولم يكن يظهره لأحد بل كان ينذر منه إجمالا ثم يلقي بعض التفصيل إلى بعض الآحاد (فعليكم) الزموا التمسك (بما عرفتم من سنتي) أي طريقتي وسيرتي القديمة بما أصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وتفسير السنة بما طلب طلبا غير لازم اصطلاح حادث قصد به تمييزها عن الفرض (وسنة) أي طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين) والمراد بالخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فإن ما عرف عن هؤلاء أو بعضهم أولى بالإتباع من بقية الصحب وهذا بالنظر لتلك الأزمنة وما قاربها أما اليوم فلا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في قضاء ولا إفتاء لا لنقص في مقام أحد من الصحب ولا لتفضيل أحد الأربعة على أولئك بل لعدم تدوين مذاهب الأولين وضبطها وإجماع شروطها (عضوا عليها بالنواجذ) أي عضوا عليها بجميع الفم كناية عن شدة التمسك ولزوم الإتباع لهم والنواجذ الأضراس والضواحك والأنياب أو غيرها (وعليكم بالطاعة) أي الزموها (وإن كان) الأمير عليكم من جهة الإمام (عبدا حبشيا) فاسمعوا له وأطيعوا (فإنما المؤمن كالجمل الأنف) أي المأنوف وهو الذي عقر أنفه فلم يمتنع على قائده والقياس مأنوف لأنه مفعول به فجاء هذا شاذا (حيثما قيد انقاد) (حم هـ ك عن عرباض) بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا فذكره وقضية تصرف المصنف أن ابن ماجه تفرد بإخراجه من بين الستة وهو ذهول فقد رواه أبو داود الحديث: 6096 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 6097 - (قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم) في رواية من بني إسرائيل (أناس محدثون) قال القرطبي: الرواية بفتح الدال اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم أو صادق الظن وهو من ألقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد أو تكلمه الملائكة بلا نبوة أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب كأنه حدث به وألقى في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (فإن يكن من أمتي منهم أحد) هذا شأنه وفي رواية بدله وإن يك في أمتي من أحد (فإنه عمر بن الخطاب) كأنه جعله في انقطاع قرينه في ذلك كأنه نبي فلذلك أتى بلفظ إن بصورة الترديد قال القاضي: ونظير هذا التعليق في الدلالة على التأكيد والاختصاص قولك إن كان لي صديق فهو زيد فإن قائله لا يريد به الشك في صداقته بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره وقال القرطبي: قوله فإن يكن دليل على قلة وقوعه وندرته وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون لأنه كثير في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر ومعنى الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعا وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم بالوقوع وقد دل على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصة الجبل يا سارية الجبل وغيره وأصح ما يدل على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك حيث قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وليس لك أن تقول [ص: 508] هذا كالصريح في تفضيل الفاروق على الصديق لأنا نمنعه بأن الصديق لا يتلقى عن قلبه بل عن مشكاة النبوة وهي معصومة والمحدث تارة يتلقى عنها وتارة عن قلبه وهو غير معصوم ولهذا كان عمر يزن الوارد بميزان الشرع فإن وافق وإلا لم يلتفت إليه قال ابن حجر: وقد كثر هؤلاء المحدثون بعد العصر الأول وحكمته زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فلما فات هذه الأمة المحمدية كثرة الأنبياء لكون نبيهم خاتم الأنبياء عوضوا تكثير الملهمين ومما تقدم عرف أنه ليس لأحد من الأولياء العمل بالوارد حتى يزنه بالميزان فإن وافق انتفع به هو ومن كاشفه به ممن يعتقد صدقة وزادهم إيمانا <تنبيه> قال الغزالي: قال بعض العارفين سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهد النفس فالتفت إلى شماله وقال ما تقول رحمك الله ثم إلى يمينه كذلك ثم أطرق إلى صدره فقال ما تقول ثم أجاب فسألته عن التفاته فقال لم يكن عندي علم فسألت الملكين فكل قال لا أدري فسألت قلبي فحدثني بما أجبت فإذا هو أعلم منهما قال الغزالي: وكأن هذا معنى الحديث (حم خ عن أبي هريرة حم م ت ن عن عائشة) الحديث: 6097 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 6098 - (قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليما) من الأمراض كحقد وحسد وغيرهما (ولسانه صادقا) فيما يتكلم به فلا يقول إلا حقا (ونفسه مطمئنة) أي راضية بالأقضية الإلهية (وخليقته) أي طريقته (مستقيمة وأذنه مستمعة وعينه ناظرة) خص السمع والبصر لأن الآيات الدالة على وحدانية الله إما سمعية فالأذن هي التي تجعل القلب وعاء لها أو نظرية والعين هي التي تقرها في القلب وتجعله وعاء لها وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أحمد فأما الأذن فقمع والعين مقرة لما يوعى القلب وقد أفلح من جعل قلبه واعيا اه (حم) وكذا ابن لال والبيهقي (عن أبي ذر) قال الهيثمي: إسناده حسن وقال المنذري: في إسناد أحمد احتمال للتحسين الحديث: 6098 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 6099 - (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا) أي ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات والفاقات ولا يلحقه بأهل الترفهات. قال القاضي: الفلاح الفوز بالبغية (وقنعه الله بما آتاه) بمد الهمزة أي جعله قانعا بما أعطاه إياه ولم يطلب الزياد لمعرفته أن رزقه مقسوم لن يعدو ما قدر له والفلاح الفوز بالبغية في الدارين والحديث قد جمع بينهما والمراد بالرزق الحلال منه فإن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مدح المرزوق وأثبت له الفلاح وذكر الأمرين وقيد الثاني بقنع أي رزق كفافا وقنعه الله بالكفاف فلم يطلب الزيادة وأطلق الأول ليشمل جميع ما يتناوله الإسلام ذكره الطيبي وصاحب هذه الحالة معدود من الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر على القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقراء إلا السلامة من قهر الرجال وذل المسألة (حم م ت هـ عن ابن عمرو) بن العاص وتبع في العزو لما ذكر عبد الحق. قال في المنار: وهذا لم يذكره مسلم وإنما هو من عند الترمذي لم يقل بما آتاه وقال فيه: حسن صحيح الحديث: 6099 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 6100 - (قد أفلح من رزق لبا) أي عقلا خاليا من الشوائب سمي به لأنه خالص ما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس وإنما أفلح من رزقه لأن العقل يدرك به المعاني ويمنع عن القبائح وهو نور الله في القلب وأي فلاح أعظم من امتلاء القلب بنور اليقين قال الكشاف: والفلاح الظفر بالمراد وقيل البقاء في الخير وأفلح دخل في الفلاح كأبشر دخل في البشارة (هب عن قرة) بضم القاف وشد الراء (بن هبيرة) بن عامر القشيري من وجوه الوفود قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قصة فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفلح إلخ وفيه سعيد بن نشيط مجهول ذكره الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول الحديث: 6100 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 [ص: 509] 6101 - (قد كنت أكره لكم أن تقولوا ما شاء الله وشاء محمد) لما فيه من إيهام التشريك (ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد) وهذا نهي تنزيه رعاية للأدب ودفعا لذلك التوهم وإنما أتى بثم لكمال البعد مرتبة وزمانا. قال الخطابي: أرشدهم إلى رعاية الأدب في التقديم واختار لهم من بين طرق التقديم ثم المفيدة للترتيب والمهلة والفاصلة الزمانية ليفيد أن مشيئة غير الله مؤخرة بمراتب وأزمنة قال ابن القيم: وفي معناه الشرك المنهي عنه كقول من لا يتوقى الشرك أنا بالله وبك في حسب الله وحسبك وما لي إلا الله وأنت متكلي على الله وعليك ووالله وحياتك ونحوه من الألفاظ الشنيعة (الحكيم) في النوادر (ن والضياء) في المختارة (عن حذيفة) بن اليمان الحديث: 6101 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 6102 - (قد رحمها الله برحمتها ابنيها) جاءت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم ومعها ابنان لها فأعطاها ثلاث تمرات فأعطت كل واحد تمرة فأكلاها ثم جعلا ينظران إلى أمهما فشقت تمرتها بينهما فذكره (طب عن الحسن) البصري (مرسلا) وهذا وهم أوقعه فيه أنه ظن أنه الحسن البصري وليس كذلك بل هو الحسن بن علي وليس بمرسل كما هو مبين في المعجم الكبير والصغير وجرى عليه الهيثمي وغيره ثم قال الهيثمي: وفيه خديج بن معاوية الجعفي وهو ضعيف اه. وقد رمز المصنف لحسنه فوقع في وهم على وهم الحديث: 6102 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 6103 - (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة) أي عن حضورها ولا يسقط عنه الظهر (وإنا مجمعون إن شاء الله) قاله في يوم جمعة وافقت عيدا فإذا وافق يوم الجمعة يوم عيد وحضر من تلزمه من أهل القرى فصلوا العيد سقطت عنهم الجمعة عند الشافعي كالجمهور ولم يسقطها أبو حنيفة (د هـ ك) في الجمعة وقال: صحيح غريب (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: وفي إسناده بقية وصحح أحمد والدارقطني إرساله (هـ عن ابن عباس وعن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: ورواية ابن ماجه عن ابن عباس بدل أبي هريرة وهم نبه هو عليه وتخريجه له من حديث ابن عمر سنده ضعيف اه الحديث: 6103 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 6104 - (قد عفوت) يشعر بسبق ذنب من إمساك المال عن الإنفاق (عن الخيل والرقيق) أي لم أوجب زكاتها عليكم ولم ألزمكم بها (فهاتوا) مؤذن بالتحقيق يعني الأصل فيما يملكه الإنسان من الأموال أن تزكى فقد عفوت عن الأكثر فهاتوا هذا النزر القليل وذكر الخيل والرقيق ليس للاختصاص بل للاستيعاب كقوله {لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} (صدقة الرقة) هي الدراهم المضروبة والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة (من كل أربعين درهما درهم) أي من كان له مال فليزك على هذا النسق (وليس في تسعين ومئة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك) وفيه حجة للشافعي في أنه لا وقص في زكاة الورق بل ما زاد على النصاب فبحسابه ورد على أبي حنيفة في ذهابه إلى إثبات الوقص هنا فإذا قيل المراد حساب أربعين أي في كل أربعين درهما درهم رد بالمنع لأنه علم صريحا من قوله إذا بلغت مائتين (وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة) مبتدأ وفي الغنم خبره قال الطيبي: وليس شاة هنا تمييزا [ص: 510] مثله في قوله كل أربعين درهما درهم لأن درهما بيان مقدار الواحد من أربعين ولا يعلم هذا من الرقة فتكون شاة هنا لمزيد التوضيح (فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء) أي زكاة (وفي البقر في كل ثلاثين تبيع) ولد البقرة (وفي الأربعين مسنة) طعنت في السنة الثالثة (وليس على العوامل شيء) جمع عاملة وهي ما يعمل من إبل وبقر في نحو حرث وسقي فلا زكاة فيها عند الثلاثة وأوجبها مالك (وفي خمس وعشرين من الإبل خمسة من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإن لك يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين فإذا كانت واحدة وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومئة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) قال القاضي: الظاهر انه نهي للمالك عن الجمع والتفريق قصدا لسقوط الزكاة أو تقليلها (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار) بالفتح عيب وقد يضم وفي شرح السنة النقص والعيب (ولا تيس) أي فحل الغنم يعني إذا كانت ماشية أو بعضها إناثا لا يؤخذ منه ذكر بل أنثى إلا في موضعين (إلا أن يشاء المصدق) بفتح الدال والكسر أكثر فعلى الأول يراد به المعطي ويكون الاستثناء مختصا بقوله ولا تيس لأن رب المال ليس له أن يخرج ذات عوار وتيس وعلى الثاني معناه أن ما يراه المصدق أنفع للمستحقين فكأنه وكيلهم (وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر وما سقى بالغرب ففيه نصف العشر) (حم د) في الزكاة من حديث عاصم بن حمزة (عن علي) يرفعه وعاصم متكلم فيه لكن ذكر ابن حجر أن الترمذي نقل عن البخاري تصحيحه الحديث: 6104 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 6105 - (قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض) أي أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق ما كان وما يكون وما هو كائن إلى الأبد (بخمسين ألف سنة) أراد طول الأمد وتمادي الزمن بين التقدير والخلق فإن قيل كيف يحمل على الزمن وهو مقدار حركة الفلك الذي لم يخلق حينئذ؟ أجيب بأن مقدار حركة الفلك الأعظم أي العرش موجودة حينئذ بدليل قوله في رواية {وكان عرشه على الماء} أي ما كان تحته قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء والماء على الريح فالعرش والماء خلقا قبل السماء والأرض وأخذ منه أن العرش أول المخلوقات وقيل القلم لخبر أحمد لما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال اكتب مقادير كل شيء فأوليته القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش قال ابن حجر: وأما خبر أول ما خلق الله العقل فليس له طريق يثبت (حم ت عن ابن عمرو) ابن العاص رمز المصنف لحسنه وهو في مسلم بدون وكان إلخ الحديث: 6105 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 [ص: 511] 6106 - (قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية) هما يوم النيروز والمهرجان (وإن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر) قال الطيبي: وهذا نهي عن اللعب والسرور فيهما وفيه نهاية من اللطف وأمر بالعبادة وأن السرور الحقيقي فيهما {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} قال مخرجه البيهقي: زاد الحسن فيه أما يوم الفطر فصلاة وصدقة وأما يوم الأضحى فصلاة ونسك قال المظهر: وفيه دليل على أن تعظيم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما منهي عنه وقال أبو حفص الحنفي: من أهدى فيه بيضة لمشرك تعظيما لليوم كفر وكان السلف يكثرون فيه الاعتكاف بالمسجد وكان علقمة يقول اللهم إن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم ونحن على إيماننا فاغفر لنا وقال المجد ابن تيمية: الحديث يفيد حرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم يقرهما على العيدين الجاهليين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة وقال أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بين البدل أو المبدل منه ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا في ترك اجتماعهما (هق عن أنس) رمز المصنف لحسنه وفيه محمد بن عبد الله الأنصاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود تغير شديدا الحديث: 6106 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 6107 - (قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر) وهو جهاد العدو المباين (إلى الجهاد الأكبر) وهو جهاد العدو المخالط قالوا وما الجهاد الأكبر قال (مجاهدة العبد هواه) فهي أعظم الجهاد وأكبره لأن قتال الكفار فرض كفاية وجهاد النفس فرض عين على كل مكلف في كل وقت {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} فإن البدن كالمدينة والعقل أعني المدرك من الإنسان كملك مدبر لها وقواه المدركة من الحواس الظاهرة والباطنة كجنوده وأعوانه وأعضاؤه كرعية والنفس الأمارة بالسوء التي هي الشهوة والغضب كعدو ينازعه في مملكته ويسعى في هلاك رعيته فصار بدنه كرباط وثغر ونفسه كمقيم فيه مرابط فإن جاهد عدوه فهزمه وقهره على ما يحب حمد أثره إذا عاد إلى الحضرة {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} وإن ضيع ثغره وأهل رعيته ذم أثره وانتقم منه عند لقاء الله فيقال له يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم ترد الضالة اليوم أنتقم منك وإلى هذه المجاهدة الكبرى أشار بالحديث قال ابن أدهم: أشد الجهاد جهاد الهوى فمن منع النفس هواها فقد استراح من الدنيا وبلاها وقال الحرالي: من لم يحترق بنار المجاهدة أحرقته نار الخوف ومن لم يحترق بنار الخوف أحرقته نار السطوة فعلى العاقل أن يجاهد نفسه ساعة فساعة ويخاطبها خطاب النصوح الآمر بنحو: أيتها النفس المطمئنة أنت على جناح سفر ودارك هذه غرور وكدر والمسافر إذا لم يتزود ركب متن الخطر وخير الزاد التقوى كما أنزل على سيد البشر فجدي السير وشدي المئزر بتجريد عزم التوبة والتلبس بلباس الحوبة وملازمة ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات فلا تتركي عمل اليوم لغد فالوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك (خط) في ترجمة واصل الصوفي كذا الديلمي (عن جابر) ورواه عنه البيهقي أيضا في كتاب الزهد وهو مجلد لطيف وقال: إسناده ضعيف وتبعه العراقي الحديث: 6107 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 6108 - (قدموا قريشا ولا تقدموها) بفتح التاء والقاف والتشديد بضبط المصنف أصله تتقدموها وحذفت تاء التفعيل [ص: 512] لا تاء المضارعة أي ولا تتقدموا عليها في أمر شرع تقديمها فيه كالإمامة (وتعلموا منها ولا تعالموها) بفتح المثناة مفاعلة من العلم أي لا تغالبوها بالعلم ولا تفاخروها فيه فإنهم المخصوصون بالأخلاق الفاضلة والأعمال الكاملة وكانوا قبل الإسلام طبيعتهم قابلة للفضائل والفواضل والخيور الهوامل لكنها معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ولا هم مشتغلون بالعلوم العقلية المحضة من نحو حساب وطب إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من نحو شعر وبلاغة وفصاحة وخطب فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى أخذوه بعد المجاهدة الشديدة والمعالجة على نقلهم عن عادتهم الجاهلية وظلماتهم الكفرية بتلك الفطرة الجيدة السنية والقريحة السوية المرضية فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال المنزل إليهم كأرض جيدة في نفسها لكنها معطلة عن الحرث أو ينبت بها شوك فصارت مأوى الخنازير والسباع فإذا طهرت عن المؤذي وزرع فيها أفضل الحبوب والثمار أنبتت من الحرث ما لا يوصف مثله (الشافعي) في المسند (والبيهقي في) كتاب (المعرفة) كلاهما (عن ابن شهاب) الزهري (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك (عد عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أن الشافعي لم يخرجه إلا بلاغا فقط وليس كذلك فقد أفاد الشريف السمهودي في الجواهر وغيره أن الشافعي في مسنده وأحمد في المناقب خرجاه من حديث عبد الله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: خرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح لكنه مرسل وله شواهد الحديث: 6108 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 6109 - (قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش) العلم الشرعي وآلته (ولا تعلموها) بضم المثناة وفتح العين وشد اللام بضبطه لأن التعليم إنما يكون من الأعلى إلى الأدنى ومن الأعلم لغيره فنهاهم أن يجعلوهم في مقام التعليم ومقام المغالبة بالعلم (ولولا أن تبطر قريش) أي تطغى في النعمة وتكفرها (لأخبرتها ما لخيارها عند الله) من المنازل العالية والمثوبات العظيمة يعني أنها إذا علمت ما لها عند الله من الثواب العظيم والنعيم المقيم المعد لها ربما بطرت وتركت العمل اتكالا على ما لها عنده من حسن الجزاء فلذلك لا أعلمها به (طب) من حديث أبي معشر عن المقبري (عن عبد الله بن السائب) وأبو معشر قالوا: ضعيف ورواه أبو نعيم والديلمي عن أنس الحديث: 6109 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 6110 - (قدموا قريشا) تصغير قرش وهي دابة في البحر لا تمر بشيء غث وسمين إلا أكلته أخرجه البيهقي عن ابن عباس وقد أكثر ابن دحية من حكاية الخلاف في تسمية قريش قريشا ومن أول من تسمى به؟ ولا تقدموها (ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها) أي لخيارها كما بينه الخبر الذي قبله (عند الله) من الخير والأجر وهذا وما قبله دليل على علو منزلتها وارتفاع قدرها عنده وأن المعد لها شيء عظيم لا يمكن الإنسان مع معرفته به أن لا يطغى وإضافة البطر إليها ليس غضبا عليها ولا حطا لقدرها لأنه جبلي ركب في الإنسان وطبعت فطرته عليه فلا يكاد يخلو منه وإن وجد من يقهر نفسه ويكف هواه فإليه المنتهى وقليل ما هم <تنبيه> استدل بقوله في هذه الأحاديث ونحوها قدموا قريشا على رجحان مذهب الشافعي على غيره لورود الأمر بتقديم القرشي على من ليس قرشيا قال عياض: ولا حجة فيها لأن المراد الخلافة وقد قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم ابن حذيفة في إمامة الصلاة وخلفه من قريش وأمر معاذ بن جبل وغيره على من معه من قريش وتعقبه النووي وغيره بأن في أحاديث الباب ما يدل على أن للقرشي [ص: 513] مزية على غيره فصح الاستدلال به لترجيح الشافعي على غيره وليس مراد المستدل به أن الفضل لا يكون إلا لقرشي بل المراد أن كونه قرشيا من أسباب الفضل والتقديم كما أن من أسبابها الورع والفقه وغيرهما فيصح الاستدلال على تقديم الشافعي على من سواه في العلم والدين من غير قريش لأن الشافعي قرشي وعجب قول القرطبي في المفهم بعد ما ذكر نحو ما ذكره عياض أن المستدل بهذه الأحاديث على ترجيح الشافعي صحبته غفلة قارنها من صميم التقليد طيشة كذا قال: وهو الذي أصابته الغفلة لكونه لم يفهم مراد المستدل انتهى <تنبيه> قال الشريف السمهودي وغيره: كل ما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب (البزار) في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 6110 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 6111 - (قده) بضم فسكون (بيده) سببه أنه مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بنحو سير أو خيط فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكره (طب عن ابن عباس) الحديث: 6111 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 6112 - (قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة) لأنها محل المناجاة ومعدن المصافاة (وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير) أي فيما لم يرد فيه ذكر بخصوصه (والتسبيح أفضل من الصدقة) المالية (والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار) أي وقاية من نار جهنم قال الطيبي: ذكر خاصية المفضول وترك خواص الفاضل تنبيها على أنها تناهت عن الوصف فإن قلت: هذا الحديث يدل على أن الصوم دون الصلاة والصدقة ودل حديث كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم الحديث على أن الصوم أفضل قلت: إذا نظر إلى نفس العبادة كانت الصلاة أفضل من الصدقة وهي من الصوم فإن موارد التنزيل وشواهد الأحاديث النبوية جارية على تقديم الأفضل فإذا نظر إلى كل منهما وما يدلى إليه من الخاصية التي لم يشاركه غيره فيها كان أفضل (قط في الأفراد هب عن عائشة) وفيه محمد بن سلام قال ابن مندة: له غرائب عن الفضل بن سليمان وفيه مقال عن رجل من بني خزيمة مجهول الحديث: 6112 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 6113 - (قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة) قال الطيبي: قوله ألف درجة خبر لقوله قراءة القرآن على تقدير المضاف أي ذات ألف درجة ليصح الحمل كما في قوله تعالى {هم درجات} أي ذو درجات وإنما فضلت القراءة في المصحف لحظ النظر فيه وحمله ومسه وتمكنه من التفكر فيه واستنباط معانيه وقوله إلى ألفي درجة حال أي انتهى إلى ألفي درجة (طب هب عن أوس بن أبي أوس الثقفي) واسم أبي أوس حذيفة صحابي معروف وهو غير أوس بن أوس الثقفي الصحابي على الصحيح فما هنا ابن أبي أوس وذاك بن أوس وكلاهما صحابي قال الذهبي: يقال إنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال والد عمرو بن أوس قال الهيثمي: فيه أبو سعيد بن عود وثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى وبقية رجاله ثقات الحديث: 6113 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 [ص: 514] 6114 - (قراءتك نظرا) في المصحف (تضاعف على قراءتك ظاهرا) أي عن ظهر قلب (كفضل) الصلاة (المكتوبة على) الصلاة (النافلة) (ابن مردويه) في تفسيره (عن عمرو بن أوس) عمرو بن أوس في الصحابة ثقفي وأنصاري وقرشي ولو ميزه لكان أولى الحديث: 6114 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 6115 - (قرب اللحم من فيك عند الأكل فإنه أهنأ) أي أكثر هناءا والهناء كما في العارضة خلوص الشيء عن النصب والنكد (وأبرأ) أي أسلم من الداء وروي بالميم والاستمراء الملائمة للذة (حم ك) في الأطعمة (هب عن صفوان بن أمية) قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم بيدي فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي لكن قال المنذري: فيه انقطاع فإن الحاكم وأبا داود خرجاه من حديث عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان وعثمان لم يسمع منه ورواه عنه أيضا الترمذي وفيه عنده خاصة عبد الكريم المعلم واه الحديث: 6115 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 6116 - (قرصت) بالتحريك لدغت وأصل القرص الأخذ بأطراف الأصابع (نملة) سميت نملة لتنملها أي كثرة حركتها (نبيا من الأنبياء) عزيز أو موسى أو داود روى أنه قال يا رب تعذب أهل قرية وفيهم المطيع فأراد ربه أن يريه العبرة في ذلك فسلط عليه الحر فلجأ لظل شجرة عندها بيت نمل فنام فلدغته واحدة وهو في ألذ النوم (فأمر بقرية النمل) أي محل اجتماعها أو سكنها والعرب تفرق في الأوطان فتقول لسكن الإنسان وطن وللإبل عطن وللأسد عرين وغابة وللظبى كناس وللذئب وجار وللطائر عش وللزنبور كور ولليربوع نافقاء وللنملة قرية (فأحرقت) بالبناء للمفعول والتأنيث وفي رواية للبخاري أحرق أي النمل وهو جائز في شرعه لا في شرعنا للنهي عن قتل النمل في خبر يجيء (فأوحى الله إليه) أي إلى ذلك النبي (أن) بحذف حرف الجر وبفتح الهمزة وهمزة الاستفهام مقدرة أو ملفوظة (قرصتك نملة) واحدة (أحرقت أمة) أي طائفة (من الأمم تسبح) أي مسبحة لله تعالى ووضع المضارع موضع مسبحة ليدل على الاستمرار ومزيد الإنكار وقال في البحر: فالعتب على ذلك النبي لزيادة القتل على نملة لدغته لا لنفس القتل والإحراق لأنه سائغ في شرعته حتى توعد سليمان الهدهد بقوله {لأعذبنه} وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بإحراق الكفار ثم نهى عنه فلو أحرق واحدة لم يعاتب وإنما عوتب لأنه فعله انتقاما وتشفيا اه وفي المفهم إنما عوتب حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع أذاه واحد منهم وكان الأولى الصبر والعفو لكن رأى النبي أن هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة ابن آدم أعظم من حرمة غير الناطق فلو لم ينضم لذلك التشفي الطبيعي لا يعاتب والذي يوجب ذلك التمسك بعصمة الأنبياء وأنهم أعلم الناس بالله وبأحكامه وأشدهم له خشية اه. وقال بعضهم: لم يعاتبه إنكارا لفعلته بل إيضاحا لحكمة شمول الإهلاك لجميع أهل القرية وضرب له المثل بالنمل أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره وتعين إهلاك الكل طريقا لإهلاك المستحق جاز إهلاك الكل وقوله تسبح قضيته أي تسبيح بنطق وقال كما أخبر تعالى عن الطير بأن له منطقا وفهمه سليمان معجزة له وأخبر عن النملة التي سمعها سليمان تقول ما قالت فهذا كما قال القرطبي يدل دلالة واضحة على أن لها نطقا وقولا لكن لا يسمعه كل أحد بل من شاء الله ممن خرق له العادة من نبي أو ولي ولا ينكر هذا من حيث أنا لا نسمعه إذ لا يلزم من عدم الإدراك عدم المدرك في نفسه قولا وكلاما (لطيفة) قال الزمخشري: دخل قتادة الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوني عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان [ص: 515] كان ذكرا أو أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة كانت أنثى فقيل له من أين عرفت قال من قوله تعالى {قالت نملة} ولو كان ذكرا لقال قال نملة (ق د ن عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا قال بعضهم: وسبب القصة أن ذلك النبي مر على قرية أهلكها الله بذنوب أهلها فوقف متعجبا فقال: يا رب فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبا ثم نزل تحت شجرة فلدغته نملة فأحرق الكل فقيل له ذلك الحديث: 6116 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 6117 - (قرض الشيء خير من صدقته) قال الحرالي: القرض الجزء من الشيء والقطع منه كأنه يقطع له من ماله قطعة ليقطع له من ثوابه أقطاعا مضافة (هق عن أنس) ورواه عنه أيضا النسائي وأبو نعيم والديلمي الحديث: 6117 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 6118 - (قرض مرتين في عفاف) أي إغضاء عن الربا وما يؤدي إليه (خير من صدقة مرة) مفهومه أن الصدقة مرة بدرهم خير من قرض درهم وقد ورد في حديث في حرف الراء ما يخالفه (ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك الحديث: 6118 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 6119 - (قريش) قال المظهر: سميت بدابة في البحر هي سيدة الدواب البحرية وكذلك قريش سادة الناس قال ابن حجر: هو تصغير القرش بكسر فسكون: الحوت المعروف بالبحر (صلاح الناس ولا تصلح الناس إلا بهم ولا يعطى إلا عليهم) الظاهر أن المراد إعطاء الطاعة (كما أن الطعام لا يصلح إلا بالملح) قال الحليمي: وإذا وجبت التقدمة لقريش كانت لبني هاشم أوجب لأنهم أخص به منهم قال حرب الكرماني: فالعرب أفضل الناس وقريش أفضلهم هذا مذهب الأئمة وأهل الأثر والسنة قال ابن تيمية: وهكذا جاءت الشريعة فإن الله خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص (عد عن عائشة) الحديث: 6119 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 6120 - (قريش خالصة الله تعالى فمن نصب لهم حربا سلب ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والآخرة) لعناية الله تعالى بها وهدايته إياها ألا ترى أنه لم يكن فيهم منافق في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا بعده وارتد بعده العرب إلا قريش مع كراهتهم الدخول في الإسلام والتربص بعد الفتح حتى جعل لهم مدة أربعة أشهر وكان صفوان بن أمية منهم ثم أسلم وذهب عكرمة بن أبي جهل على وجهه حتى بلغ البحر في قصة طويلة ثم كان من حسن إسلامه أنه إذا نشر المصحف يقول هذا كلام ربي فيغشى عليه وسهيل بن عمرو كان منه ما كان يوم الحديبية وبلغ من إسلامه أنه هاجر إلى الشام وقتل شهيدا وخطب يوم اليرموك خطبة بلغت من الناس مبلغا كانت سببا للفتح وكان صفوان بن أمية سأل الله الشهادة في إعزاز الدين وحكيم بن حزام باع داره لمعاوية بستين ألفا فقالوا غلبك قال والله ما أخذتها في الجاهلية إلا بزق خمر وأشهدكم أنها في سبيل الله (ابن عساكر) في التاريخ (عن عمرو بن العاص) ورواه عنه أيضا أبو نعيم الحديث: 6120 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 6121 - (قريش على مقدمة الناس يوم القيامة ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لمحسنها عند الله من الثواب) المضاعف والدرجات الرفيعة فهم أفضل العرب الذين جنسهم أفضل الناس كما تقرر فمن عابهم أو طعن فيهم فهو [ص: 516] مبتدع قال ابن تيمية: والأحاديث في فضل قريش فيها كثرة وهي تدل على فضل العرب إذ نسبة قريش إلى العرب نسبة العرب إلى الناس وسبب هذا الفضل ما خصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع أو بالعمل الصالح والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبادة ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا للمعاني وجمعا للمعنى الكثير في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر كما نجده في لغتهم في جنس الحيوان مثلا فإنهم يعبرون عن القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة ثم يميزون بين أنواعه في أسماء إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي وأما العمل فمبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم فهم أقرب للأخلاق المحمودة من نحو سخاء وعلم وشجاعة ووفاء وكانوا قبل الإسلام طبيعتهم قابلة للخير معطلة عن فعله فلما جاءهم الهدى ببعثة خير الورى زالت تلك الريون عن قلبهم (عد عن جابر) قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال هذا الحديث بهذا الإسناد باطل ليس يرويه غير إسماعيل بن مسعدة وكان يحدث عن الثقات بالبواطيل وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الإثبات لا تحل الرواية عنه الحديث: 6121 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 6122 - (قريش والأنصار وجهينة) كحيينة وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن إد بن طابخة بموحدة فمعجمة ابن الياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب (وأسلم) بفتح اللام ابن إلحاف بمهملة وفاء وزن الياس (وأشجع) بمعجمة وجيم وزن أحمد وهم بنو أشجع بن ريث بن غطفان منهم نعيم بن مسعود وغيره (وغفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار ابن مليل بميم ولامين مصغرا منهم أبو ذر الغفاري (موالي) بتشديد التحتانية والإضافة أي أنصاري وأحبائي هذا هو الأنسب هنا وإن كان للمولى عدة معان وروي بالتنوين أي بعضهم أحباء لبعض وروي بتخفيف التحتية وحذف المضاف إليه أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله (ليس لهم مولى دون الله ورسوله) أب لا ولاء لأحد عليهم إلا الله ورسوله أو أن أشرافهم لم يجر عليه رق ولا يقال لهم موالي لأنهم ممن بادر إلى الإسلام ولم يسبوا فيرقوا لغيرهم ثم قيل موالي بتخفيف الياء وروي بتشديدها كأنه أضافهم إليه قال الطيبي: قوله ليس لهم إلخ. جملة مقررة للجملة الأولى على الطرد والعكس وفي تمهيد ذكر الله ورسوله وتخصيص ذكر الرسول إيذان بمكانته ومنزلته عند الله وإشعار بأن توليه إياهم بلغ مبلغا لا بقدر قدره قال ابن حجر: هذه سبع قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم وقال في موضع آخر: هذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه قيل خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبقوا كغيرهم وهذا إن سلم حمل على الغالب (ق عن أبي هريرة) الحديث: 6122 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 6123 - (قريش ولاة الناس في الخير والشر) يعني في الجاهلية والإسلام ويستمر ذلك (إلى يوم القيامة) فالخلافة فيهم ما بقيت الدنيا ومن تغلب على الملك بطريق الشوكة لا ينكر أن الخلافة في قريش قال ابن تيمية: والذي عليه أهل السنة والجماعة أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم وسريانيهم وروميهم وفارسيهم وغيرهم وأن [ص: 517] قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفسا وأفضلهم نسبا وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نسبا وإلا لزم الدور اه (حم ت عن عمرو بن العاص) رمز المصنف لصحته الحديث: 6123 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 6124 - (قريش ولاة هذا الأمر) أي أمر الإمامة العظمى زاد في رواية ما أقاموا الدين. قال ابن حجر: فيحتمل أن يكون خروج القحطاني إذا لم تقم قريش أمر الدين وقد وجد ذلك فإن الخلافة لم تزل فيهم والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين فضعف أمرهم وتلاشى إلى أن لم يبق من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها اه. ونحن الآن في زمن ليس لهم فيه منها ولا الاسم (فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم) أي هكذا كانوا في الجاهلية وإذ قد علمنا أن أحدا منهم لم يبق بعده على الكفر علم أن المراد منه أن الإسلام لم ينقصهم عما كانوا عليه في الجاهلية من الشرف فهم سادة في الإسلام كما كانوا قادة في الجاهلية وقيل المراد بهذا الأمر الدين والمعنى أن مسلمي قريش قدوة غيرهم من المسلمين لأنهم المتقدمون في التصديق وكافروهم قدوة غيرهم من الكفار فإنهم أول من رد الدعوة وأعرض عن الآيات والنذر (حم عن أبي بكر) الصديق (وسعد) بن أبي وقاص الحديث: 6124 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6125 - (قسم من الله تعالى لا يدخل الجنة بخيل) أي إنسان رزق مالا وحظا من الدنيا فلحبه له وعزته عنده وعظمته في عينه ووقعه في قلبه زواه عن حقوق الحق والخلق فهذا لا يدخلها حتى يطهر من دنس البخل وقبح الشح بنار جهنم أو يعفى عنه والمال في يد العبد أمانة سلطه الله على هلكته في الحق فمن عدل عن أمره وخزنه لنفسه فقد خان وخالف حكمة الكريم فحرم جنة النعيم وأيد الغزالي احتمالا حمل فيه الحديث على ظاهره وهو أن يراد بالبخل من بخل بأقبح بخل وهو كلمة الشهادة وقال بعضهم: المراد بالخبر أنه إذا تكامل في القلب نعت البخل والشح ولم يبق مع كمالها إيمان فلا يدخل الجنة والشح يضيق القلب عن كل خير ليتسع لضده وهو كل شر (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 6125 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6126 - (قسمت النار سبعين جزءا فللآمر) أي بالقتل (تسع وستون) جزأ منها (وللقاتل جزء حسبه) أي يكفيه هذا المقدار من العقاب ثم يحتمل أن هذا زجر وتهويل وتهديد للآمر ويحتمل أنه فيما لو أكره الآمر المأمور بغير حق (حم) من حديث يزيد بن عبد الله المزني (عن رجل) من الصحابة قال: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القاتل والآمر فذكره رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس الحديث: 6126 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6127 - (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) أي وفروها وكثروها من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه {حتى عفوا} أي كثروا وأصل القص تتبع الأثر قال في المحكم بالليل ويطلق على إيراد الخبر تاما على من لم يحضره وعلى قطع شيء بشيء بآلة مخصوصة والمراد به هنا قطع الشعر النابت على الشفة العليا بغير استئصال وكذا قص الظفر أخذ أعلاه من غير استئصال (حم عن أبي هريرة) الحديث: 6127 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6128 - (قصوا الشوارب مع الشفاه) يعني سووها مع الشفة بأن تقطعوا ما طال ودعوا الشارب مساويا لها فلا تستأصلوه بالكلية (طب عن الحكم بن عمير) قال الهيثمي: فيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان وهو متروك ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 6128 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6129 - (قصوا أظافركم) جمع أظفور والأظفار جمع ظفر أي اقطعوا ما طال منها لأنها إن تركت بحالها تخدش وتخمش وتضر وتجمع الوسخ ربما أجنب ولم يصلها الماء فلا يزال جنبا (وادفنوا قلاماتكم) أي غيبوا ما قطعتموه منها في الأرض فإن جسد المؤمن ذو حرمة فما سقط منه فحرمته قائمة فدفنه كدفنه لئلا يقع في النار أو في شيء من الأقذار. قال في المصباح: والقلم أخذ الظفر والقلامة بالضم هي المقلومة عن طرف الظفر وقضية الإطلاق حصول السنة بقصها على أي وجه كان وقد ذكروا هيآت لم يصح فيها شيء (ونقوا براجمكم) أي بالغوا في تنظيف ظهور عقد مفاصل أصابعكم وقال الحكيم: هي قصبة الأصبع أمر بتنقيتها لئلا تدرن فيحول الدرن بين الماء والبشرة (ونظفوا لثاتكم) لحم أسنانكم (من الطعام) لئلا يبقى فيه الوضر فتتغير النكهة ويتأذى الملكان ولأنه طريق القرآن (واستاكوا) نظفوا أفواهكم بخشن يزيل القلح ولفظ رواية الحكيم واستنوا بدل واستاكوا وما عزاه المصنف إليه لم أره في كلامه (ولا تدخلوا علي قحرا) مصفرة أسنانكم من شدة الخلوف (بخرا) أي رائحة نكهتكم متغيرة منكرة والبخر بفتحتين نتن الفم هكذا الرواية لكن قال الحكيم: المحفوظ عندي قحلا فلجا ولا أعرف القحر <تنبيه> جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة في قص الأصابع بمسبحة اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام وفي اليسرى بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام وفي الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ولم يذكر للندب دليلا وفي المجموع بعد نقله عن الغزالي وأن المازري اشتد إنكاره عليه ولا بأس بما قاله الغزالي إلا في تأخير إبهام اليمنى فالأولى تقديم اليمنى بكمالها على اليسرى قال ابن دقيق العيد: وكل ذلك لا أصل له وذكر الدمياطي عن بعض مشايخه أن من قص أظفاره مخالفا لم يرمد وأنه جربه اه وما ذكره عن بعض مشايخه نقله الولي العراقي عن بعض مشايخ أبيه حيث قال حكى والدي عن بعض مشائخه أنه يبدأ بمسبحة اليد اليمنى فالبنصر فالإبهام فالوسطى فالخنصر فإبهام اليسرى فالوسطى فالخنصر فمجاور الإبهام فمجاور الخنصر وقال: إنه جربه للسلامة من الرمد فصح وأنه كان يرمد فمن حين واظبه لم يرمد (الحكيم) الترمذي (عن عبد الله بن بسر) المازني قال الحافظ ابن حجر: فيه راو مجهول وقال شيخه الزين العراقي: فيه عمر بن بلال غير معروف كما قاله ابن عدي وأقول: فيه أيضا عمر بن أبي عمر قال الذهبي: عن ابن عدي مجهول وإبراهيم بن العلاء لا يعرف الحديث: 6129 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6130 - (قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة) قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه يحصل سنة القص والنتف والحلق في أي وقت كان والضابط الحاجة وجاء في الخبر الآتي يفعل كل أربعين وفي بعضها كل أسبوع ولا تعارض لأن الأربعين أكثر المدة والأسبوع أقلها واختلف في اليوم الذي يتأكد فيه فعله من الأسبوع وقد اختلفت الأحاديث في ذلك ففي بعضها يوم الجمعة قال البيهقي في سننه: روينا عن أبي جعفر مرسلا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستحب أن يأخذ من شاربه وأظفاره يوم الجمعة. وفي الأوسط للطبراني عن عائشة مرفوعا من قلم أظفاره يوم الجمعة وقى من السوء إلى مثلها وفيه أحمد بن ثابت في جزئه ضعيف وورد في حديثنا هذا يوم الخميس وهو من الأحاديث المسلسلة أخبرني به والدي ورأيته [ص: 519] يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني الشيخ معاذ ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني أستاذي شيخ الإسلام يحيى المناوي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني شيخ الإسلام ولي الدين العراقي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني والدي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني أبو العباس أحمد الحرالي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا الحافظ عبد المؤمن الدمياطي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا صفر بن يحيى وأبو طالب ابن العجمي وعمر بن سعيد الحلبوني والحافظ أبو الحجاج يوسف ومحمد وعبد الحميد أبو عبد الهادي الدمشقيون ورأيت كلا منهم يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا يحيى الثقفي ورأيناه يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا جدي لأبي أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا محمد الحسن بن السمرقندي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا حفص المستغفري وهو يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا جعفر المكي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام إسماعيل المروزي بها يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا بكر محمد النيسابوري يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الفضل بن العباس الكوفي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الحسين بن هارون الضبي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت عمر بن حفص يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت جعفر بن محمد يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت علي بن الحسين يقلم أظفاره يوم الخميس وقال رأيت عليا رضي الله تعالى عنه يقلم أظفاره يوم الخميس وقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقلم أظفاره يوم الخميس قال يا علي قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس إلخ قال الزين العراقي: في إسناده من يحتاج للكشف عنه من المتأخرين أما الحسين بن هارون الضبي ومن بعده فثقات وأما قص الظفر فقد مر الكلام عليه بما فيه مقنع قال ابن قدامة في المغني: ويسن غسل رؤوس الأصابع بعد قصها ويقال إن الحك بها قبل غسلها يضر بالبدن ويستثنى من ندب قلم الأظفار موضع منها حالة الإحرام وعشر ذي الحجة لمريد التضحية وحالة الموت وحالة الغزو على ما في المحيط للحنفية وأما نتف الإبط فمتفق على ندبه وتحصل السنة بإزالته بحلق أو نورة لكن النتف أولى لأن الإبط محل الريح الكريه ونتفه يضعف أصوله ويرقق جرمه فيخف الاحتباس فتقل الرائحة المتعفنة ويتأكد أن يتولى ذلك بنفسه لما في تولي غيره لذلك من هتك الحرمة والمروءة بخلاف الشارب ذكره النووي قال الزين العراقي: وهو مسلم في النتف لا الحلق لعسر حلقه لنفسه ويندب البداءة بالإبط الأيمن فينتف الأيمن باليسرى والأيسر باليمنى لأنه المتيسر ويستثنى مع ما مر حالة الموت وذكر بعض الشافعية أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن له شعر تحت إبطه لحديث كان يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه قال الأسنوي: وبياض الإبط كان من خصائصه وأما إبط غيره فأسود لما فيه من الشعر واعترضه العراقي بأن ذلك لم يثبت بل لم يرد في شيء من الكتب المعتمدة والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من بياض إبطيه أن لا يكون له شعر لأنه إذا نتف بقي محله أبيض ولذلك ورد في حديث الترمذي عن عبد الله بن أقرم الخزاعي كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد والعفرة بياض غير ناصع فلو كان خاليا من الشعر لم يكن أعفر وإطلاق بياض الإبط في حق غيره موجود في كلام كثير من الفقهاء وغيرهم والإنكار فيه لأن الإبط لا تناله الشمس في السفر والحضر وأما حلق العانة فمجمع على ندبه قال النووي: فيسن حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما وتحصل السنة بقصه أو حلقه أو نتفه أو تنويره لكن الأفضل في الإبط النتف والعانة الحلق لأن الإبط محل الريح الكريه والنتف يضعف الشعر فيخف الريح كما مر ونتف العانة يرخي المحل نعم النتف للمرأة أفضل وينبغي لكل البداءة بالجانب الأيمن وحكمة حلق العانة التنظيف مما يكره عادة والتحسن للزوجين وهو للمرأة آكد وهذه الثلاثة لا تترك أكثر من أربعين يوما لحديث أبي داود عن أنس وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة [ص: 520] فهي مضبوطة بالحاجة والأربعون غاية الترك والأفضل فعلها في كل أسبوع كما مر فيندب تعهد ذلك كل جمعة فإن لم يفعل فلا يهمله فوق أربعين (التيمي) أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل (في مسلسلاته) بالفعل يوم الخميس (فر) كلاهما (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 6130 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 6131 - (قفلة) هي المرة من القفول وهو الرجوع من سفر (كغزوة) أي رب قفلة تساوي الغزو لكن القفول ترجح مصلحته على مصلحة المضي للغزو كخوف على الحرم وكون العدو أضعاف المسلمين ونحو ذلك أو المراد أن أجر الغازي في انصرافه لأهله راجعا كأجره في إقباله للجهاد وقيل أراد بالقفلة الكرة على العدو بعدما انفصل عنه فرارا أو لغيره (حم د ك) في الجهاد لكن الذي رأيته في مستدركه بخط الحافظ الذهبي كعمرة بدل غزوة (عن ابن عمرو) بن العاص وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 6131 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 6132 - (قل هو الله أحد) مع كونها ثلاث آيات وآيات القرآن تزيد على ستة آلاف (تعدل ثلث القرآن) لأن القرآن قصص وأحكام وصفات وهي متمحضة للصفات فهي ثلثه أو لأن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب ثلث القرآن بغير تضعيف. قال الطيبي: فلا يلزم من تكريرها على الأول استيعاب القرآن ويلزم على الثاني <فائدة> قال ابن عربي: ظهر لبعض أهل المكاشفة صور سور القرآن فساطيط مئة وثلاثة عشر سورة وكان أميا فقال كنت أسمع أن القرآن مئة وأربعة عشر سورة فقيل له قل هو الله أحد لا تسعها السماوات والأرض (مالك) في الموطأ (حم خ د ن عن أبي سعيد) الخدري (خ عن قتادة بن النعمان) بضم النون بن يزيد بن عامر الأنصاري الظفري البدري (م عن أبي الدرداء) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا وكيف؟ فذكره (ت ن عن أبي هريرة ن عن أبي أيوب) الأنصاري (حم هـ عن أبي مسعود الأنصاري) البدري (طب عن ابن مسعود وعن معاذ) بن جبل (حم عن أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط الأمويه أسلمت قديما وهي أخت عثمان لأمه (البزار) في مسنده (عن جابر) بن عبد الله (أبو عبيد) القاسم بن سلام (عن ابن عباس) قال المصنف: وهو متواتر الحديث: 6132 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 6133 - (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) أي تساويه لأن معانيه آيلة إلى ثلاثة علوم: علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس وسورة الإخلاص تشتمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل والأساس للقسمين الآخرين وهو علم التوحيد على أبين وجه وآكده (وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن) كما سبق توجيهه بما يغني عن إعادته. قال حجة الإسلام: ما أراك تفهم وجه هذا أو كأني بك تقول هذا بعيد عن الفهم والتأويل فإن آيات القرآن تزيد على ستة آلاف فهذا القدر كيف يكون ثلثها وهذا لقلة معرفتك بحقائق القرآن ونظرك إلى ظاهر ألفاظه فتظن أنها تعظم وتكثر بطول الألفاظ وقصرها وذلك لظن من يؤثر الدراهم الكثيرة على جوهرة واحدة نظرا لكثرتها فاعلم أن الإخلاص تعدل ثلثه قطعا وأرجح والقرآن ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي هي مهمات القرآن وهي معرفة الله ومعرفة الآخرة ومعرفة الصراط المستقيم وهذه المعارف الثلاثة هي المهمات والباقي توابع والإخلاص مشتمل على واحدة من الثلاثة وهي معرفة الله وتوحيده وتقديسه عن مشارك في الجنس والنوع وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفء والوصف بالصمد يشعر بأنه السيد الذي لا مصمود في الوجود للحوائج سواه [ص: 521] وليس فيها معرفة الآخرة والصراط المستقيم فلذلك تعدل ثلث القرآن أي ثلث الأصول منه كخبر الحج عرفة أي هو الأصل والباقي تابع (طب ك عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث: 6133 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 6134 - (قل اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي واجعل علانيتي صالحة اللهم إني أسألك من صالح ما تؤتى الناس من المال والأهل والولد غير الضال والمضل) أي غير الضال في نفسه المضل لغيره وهذا من جوامع الكلم وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو به (ت عن عمر) بن الخطاب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر قل فذكره الحديث: 6134 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 6135 - (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه) قال ابن فلاح في المغني: أجاز المبرد وصف اللهم قياسا على وصفه لو كانت معه ياء فكذا مع عوضها حملا عليه ومنعه سيبويه لبعده من التركيب عن التمكن المقتضي للوصف مع ضعف وصف المناوي ويحمل مثله على البدل وقال الرضي: لا يوصف اللهم عند سيبويه كما لا يوصف أخواته أي الأسماء المختصة بالنداء وأجاز المبرد وصفه لأنه بمنزلة يا ألله واستدل بنحو اللهم فاطر السماوات والأرض وهو عند سيبويه على النداء المستأنف ولا أرى في الأسماء المختصة بالنداء مانعا في الوصف بل السماع مفقود فيها (أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه. قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك) قال ابن القيم: قد تضمن هذا الحديث الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان. وغايته إما أن يعود على العامل أو على أخيه المسلم فتضمن الحديث مصدري الشر الذي يصدر عنهما وغايتيه اللتين يصل إليهما اه. فإن قلت لم قدم الاستعاذة من شر النفس مع أن شر الشيطان أهم في الدفع لأن كيده ومحاربته أشد من النفس لأن شرها وفساده إنما ينشأ من وسوسته ومن ثم أفردت له في التنزيل سورة تامة بخلافها قلت الظاهر أنه جعله من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى (حم د ت حب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال: إن أبا بكر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مرني بكلمات أقولهم إذا أصبحت وإذا أمسيت فذكرها قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال في الأذكار بعد ما عزاه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح غير حيي بن عبد الله المغافري وثقه جمع وضعفه آخرون الحديث: 6135 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 6136 - (قل اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة) أي مستقرة تقطع بوحدانيتك وتجزم بحقيقة ما جاءت به رسلك بحيث (تؤمن بلقائك) أي بالبعث يوم الموت (وترضى بقضائك وتقنع بعطائك) أي تسكن تحت مجاري أحكامك. أوحى [ص: 522] الله إلى داود لن تلقاني بعمل هو أرضى عنك ولا أحط لوزرك من الرضى بقضائي (طب والضياء عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم الحديث: 6136 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 6137 - (قل اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل فأعزني وإني فقير فارزقني) قال بعض العارفين: جرت عادة العامة أنهم متى حاولوا جلب رزق إنما يحاولونه بما يجانس كالتجارة والصنائع ومقاواة الأعداء في الحروب والمكايدة والخاصة إنما يحاولوه بما هو فوق تلك الرتبة من الأدعية والأذكار الصالحة فإنهم يملكون من أمر الله ما لا يملكه العامة فمتى عرض لأحدهم أمر اجتلب خيره واستدقع ضره بما وراء ذلك من الكلمات النافعة (ك) في الدعاء عن ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبي داود الأزدي الأعمى (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: قلت أبو داود الأعمى متروك الحديث الحديث: 6137 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 6138 - (قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي) فإنه لن يدخل الجنة أحد بعمله ولا الأكابر إلا أن يتغمدهم الله برحمته (ك والضياء) في المختارة من حديث عبد الله بن محمد بن جابر بن عبد الله عن أبيه (عن) جده (جابر) القول مرتين أو ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل إلخ فقالها الرجل ثم قال عد فعاد ثم قال مخرجه الحاكم في الدعاء رواته مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح انتهى وعبد الله لم يخرج له أحد من الستة وتوابعها وابن محمد تابعي مدني حدث عنه ابناه الحديث: 6138 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 6139 - (قل إذا أصبحت) أي إذا دخلت في الصباح (بسم الله على نفسي وأهلي ومالي فإنه لا يذهب لك شيء) هذا من الطب الروحاني المشروط نفعه بالإخلاص وحسن الاعتقاد (ابن السني في عمل يوم وليلة عن ابن عباس) قال: شكا رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يصيبه الآقات فقال له قل إلخ قال النووي في الأذكار: وإسناده ضعيف الحديث: 6139 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 6140 - (قل كلما أصبحت وإذا أمسيت بسم الله على ديني ونفسي وولدي وأهلي ومالي) قال ابن عربي: وحضور الذاكر عند نطقه بشيء من الأسماء الإلهية لا بد منه حتى يعرف من يذكر وكيف يذكر ومن يذكر والله خير الذاكرين وذكر الفخر الرازي أنه يشترط حضور القلب وفراغه من الشواغل الدنيوية والكدورات الجسمانية وإلا فلا يلومن إلا نفسه (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) الحديث: 6140 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 6141 - (قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني فإن هؤلاء) الكلمات (تجمع لك دنياك وآخرتك) أي أمور دنياك وأمور آخرتك بالشروط المقررة فيما قبله (حم هـ عن طارق) بن أشيم (الأشجعي) والد أبي مالك يعد في الكوفيين [ص: 523] قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم أمره أن يدعو بهذه الكلمات وفي رواية قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني كلاما أقوله قال قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلخ قال هؤلاء لربي فما لي؟ قال قل اللهم إلخ الحديث: 6141 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 6142 - (قل اللهم إني ظلمت نفسي) بارتكابي ما يوجب العقوبة (ظلما كثيرا) بالمثلثة في معظم الروايات وفي رواية بموحدة قال في الأذكار: فينبغي الجمع بينهما فيقال ظلما كثيرا كبيرا احتياطا للتعبد ومحافظة على لفظ الوارد (وأنه) أي الشأن (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك الرب المالك ولا حيلة لي في دفعها وهو اعتراف بالوحدانية وعظمته الربوبية واستجلاب للمغفرة (فاغفر لي مغفرة) نكره للتعظيم أي عظمة لا يدرك كنهها وزاد (من عندك) لأن الذي من عنده لا يحيط به وصف واصف ولا يحصيه عد عاد مع ما فيه من الإشارة إلى أنه طلب أنها تكون له تفضلا من عنده تعالى لا بعمل منه (وارحمني) تفضل علي وأحسن إلي وزدني إحسانا على المغفرة (إنك) بالكسر على الاستئناف البياني المشعر بالتعليل (أنت الغفور الرحيم) كل من الوصفين للمبالغة وقابل اغفر بالغفور وارحم بالرحيم فالأول راجع إلى اغفر لي والثاني إلى ارحمني فهو لف ونشر مرتب فهذا عبد اعترف بالظلم ثم التجأ إليه مضطرا لا يجد لذنبه ساترا غيره ثم سأله المغفرة وقال بعض المحققين: وقال من عندك مع أن الكل منه وإليه إشارة إلى أنه يطلب من خزائنه ما خزنه عن العامة ولله رحمة تعم الخلق وله رحمة تخص الخواص وهي المطلوبة هنا وقد استدل به للدعاء في آخر الصلاة قال في الأذكار: وهو صحيح فإن قوله الآتي في صلاتي يعم جميعها اه. وفيه رد على شيخ الإسلام زكريا أن قوله في صلاتي المراد به المحل اللائق بالدعاء وفيه منها وهو السجود وبعد التشهد الأخير فقط وفيه مشروعية طلب تعليم العلم من العلماء وإجابة العالم للمتعلم سؤاله والمراد بالنفس هنا بالذات المشتملة على الروح كما في قوله تعالى {أن النفس بالنفس} وإن اختلف العلماء في أن حقيقة النفس هي الروح أو غيرها حتى قيل إن فيها ألف قول والغفر الستر والمعنى أن الداعي طلب منه تعالى أن يجعل له ساترا بينه وبين الذنوب إن لم تكن وقعت وساترا بينه وبين ما يترتب عليها من العقاب والعتاب إن كانت وقعت ولا يخفى حسن ترتيب هذا الحديث حيث قدم الاعتراف بالذنب ثم بالوحدانية ثم بسؤال المغفرة لأن الاعتراف بذلك أقرب إلى العفو والثناء على السيد بما هو أهله أرجى لقبول سؤاله (حم ق ت ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (وعن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فذكره وفيه رد على من منع الدعاء في المكتوبة بغير القرآن كالنخعي الحديث: 6142 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 6143 - (قل آمنت بالله) أي جدد إيمانك بالله ذكرا بقلبك ونطقا بلسانك بأن تستحضر جميع معاني الإيمان الشرعي (ثم استقم) أي الزم عمل الطاعات والانتهاء عن المخالفات إذ لا تتأتى مع شيء من الاعوجاج فإنها ضده وانتزاع هاتين الجملتين من آية {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} وهذا من بدائع جوامع الكلم فقد جمعتا جميع معاني الإيمان والإسلام اعتقادا وقولا وعملا إذ الإسلام توحيد وهو حاصل بالجملة الأولى والطاعة بسائر أنواعها في ضمن الثانية إذ الاستقامة امتثال كل مأمور وتجنب كل منهي وعرفها بعضهم بأنها المتابعة للسنن المحمدية مع التخلق بالأخلاق المرضية وبعضهم بأنها الإتباع مع ترك الابتداع وقيل حمل النفس على أخلاق الكتاب والسنة قال القشيري: وهي درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها وقال بعضهم: لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات [ص: 524] ومفارقة الرسوم والعادات (حم م ت ن هـ عن سفيان) بتثليث أوله (ابن عبد الله الثقفي) الطائفي له صحبة استعمله عمر على الطائف قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه غيرك فذكره ولم يخرجه البخاري قال النووي: لم يرو مسلم لسفيان غير هذا الحديث وقال المناوي: ولم أر لسفيان هذا غير هذا الحديث في مسلم ولا في الأربعة اه. وهذا ذهول فقد رواه الترمذي عنه وزاد فيه قلت يا رسول الله ما أخوف ما أتخوف علي؟ قال هذا وأخذ بلسانه الحديث: 6143 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 6144 - (قل) يا علي (اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم) قال القاضي: أمره بأن يسأل الله الهداية والسداد وأن يكون في ذلك مخطرا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم وسدادا كسداد السهم نحو الغرض والمعنى أن يكون في سؤاله طالبا غاية الهدى ونهاية السداد اه. وقال بعضهم: معناه إذا سألت الهدى فأخطر بقلبك هداية الطريق لأن سالك الفلاة يلزم الجادة ولا يفارقها خوفا من الضلال وكذا الرامي إذا رمى شيئا سدد السهم نحوه ليصيبه فأخطر ذلك بقلبك ليكون ما تنويه من الدعاء على شاكلة ما تستعمله في الرمي وقال القونوي: اشترط في هذا الحديث صحة الاستحضار للأمر المطلوب من الحق حال الطلب وذلك لأن الإجابة تابعة للتصور فالأصح تصورا للحق تكون أدعيته مجابة وصحة التصور تابعة للعلم المحقق والشهود الصحيح ولهذا قال في الحديث الآتي: لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما كان تام الشهود كانت أكثر أدعيته مستجابة وهكذا من داناه في المعرفة من الأنبياء والأولياء وهؤلاء هم الموعودون بالإجابة متى دعوا بالدعاء المشار إليه بقوله تعالى {ادعوني أستجب لكم} فمن لم يعرف ولم يستحضر حال الدعاء بضرب ما من ضروب الاستحضارات الصحيحة لم يدع الحق فلم يستجب له. قال الراغب: والتسديد أن تقوم إرادته وحركته نحو الغرض المطلوب ليهجم إليه في أسرع مدة يمكن الوصول فيها إليه وهو المسؤول بقوله {اهدنا الصراط المستقيم} (م د ن عن علي) أمير المؤمنين ورواه الطبراني عن أبي موسى قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على نصف اليمن ومعاذا على نصفه فأتيته أسلم فقال لي قل إلخ الحديث: 6144 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 6145 - (قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: حب العيش) أي طول الحياة (والمال) مجاز واستعارة يعني أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم كاحتكام قوة الشاب في شبابه. ذكره النووي وقال غيره: حكمة تخصيص هذين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه أعظم في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبا طول العمر فلما أحس بقرب نفاذ ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه. قيل دخل رجل على أبي رجاء العطاردي فقال: كيف تجدك؟ قال حب جلدي على عظمي وهذا أمل جديد بين عيني فما خرجنا من عنده حتى مات وقال أبو عثمان النهدي: بلغت نحوا من مئة وثلاثين سنة وما من شيء إلا وقد عرفت النقص فيه إلا أملي فإنه كما هو (م هـ عن أبي هريرة) وروى البخاري معناه الحديث: 6145 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 6146 - (قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وكثرة المال) قد عرفت معناه مما قبله. قال النووي: هذا صوابه اه. وقيل وصفه بكونه شابا لوجود هذين الأمرين فيه اللذين هما في الشباب أكثر وبهم أليق وحب الدنيا [ص: 525] هو كثرة المال وطول الأمل هو طول الحياة وفيه من أنواع البديع التوشيع وهو الإتيان بمثنى وتعقيبه بمفردين <تنبيه> أخذ بعضهم هذا فنظمه فقال: قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب. . . إن الحريص على الدنيا لفي تعب لو كان يصدقني ذهني وفكرته. . . ما اشتد حرصي على الدنيا ولا نصبي أسعى وأكدح فيما لست أدركه. . . والذهن يكدح في زندي وفي عصبي (حم ن ك) في الرقاق (عن أبي هريرة عد وابن عساكر عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 6146 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 6147 - (قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة) يشير إلى أن المؤمن الخير في الحيوانات كالنحل يأخذ أطايب الأشجار والنور الحلو ثم يعطي الناس ما يكثر نفعه ويحلو طعمه ويطيب ريحه فهو يحب الحلو ويطعم الحلو ويعطي الحلو. قال الحكيم: المؤمن الكامل قد وضع الله في قلبه حلاوة التوحيد بحلاوته فإذا جاءت الشهوة ضرب بتلك الحلاوة وجهها وردها بقوة هذه الحلاوة (هب عن أبي أمامة) ثم قال أعنى البيهقي: متنه منكر وفي إسناده من هو مجهول (خط) في ترجمة أبي الحسن الخطيب (عن أبي موسى) الأشعري وقال أعني الخطيب: رجاله ثقات غير محمد بن العباس بن سهيل البزار وهو الذي وضعه وركبه على الإسناد اه. ونقله عنه في الميزان وأقره ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الخطيب وحكم بوضعه وتعقبه المؤلف بإيراده من طريق البيهقي ولم يزد على ذلك وقد عرفت أن نفس مخرجه البيهقي طعن فيه ورواه الديلمي أيضا وزاد من حرمها على نفسه فقد عصى الله ورسوله ولا تحرموا نعمة الله والطيبات على أنفسكم وكلوا واشربوا واشكروا فإن لم تفعلوا لزمتكم عقوبة الله تعالى الحديث: 6147 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 6148 - (قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس) أي خير ما اتخذوه كنزا وذخرا فإن هذه الثلاثة جامعة لجميع المطالب الدنيوية والأخروية وتعين عليها وإنما كان كذلك لأن الشكر يستوجب المزيد والذكر منشور الولاية والزوجة الصالحة تحفظ على الإنسان دينه ودنياه وتعينه عليهما (هب عن أبي أمامة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ: يا معاذ قلب شاكر إلخ رمز المصنف لحسنه وفيه يحيى بن أيوب قال النسائي: ليس بذاك القوي الحديث: 6148 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 6149 - (قلوب بني آدم تلين في الشتاء وذلك لأن الله تعالى خلق آدم من طين والطين يلين في الشتاء) فتلين فيه تبعا لأصلها والمراد بلينها أنها تصير سهلة منقادة للعبادة أكثر فخرج بذلك الكافر وكل قلب طبع على القسوة فإنه منعه من رجوعه إلى أصله عارض (حل) من حديث يحيى عن شعبة بن الحجاج عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان (عن معاذ) عن جبل ظاهر صنيع المصنف أن أبا نعيم خرجه وأقره والأمر بخلافه بل بين أن عمر بن يحيى متروك الحديث قال في الميزان: أتى بخبر باطل شبه موضوع وهو هذا. قال: ولا نعلم لشعبة عن ثور رواية اه. ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: إنما هو محفوظ من قول خالد كما قال أبو نعيم نفسه والمتهم يرفعه عمر بن يحيى وهو متروك ومحمد بن زكريا يضع اه. وتعقبه المؤلف فلم يأت بشيء الحديث: 6149 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 [ص: 526] 6150 - (قليل الفقه) لفظ رواية العسكري قليل العلم ورأيت بخط الحافظ الذهبي بدله التوفيق (خير من كثير العبادة) لأنه المصحح لها (وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه) قال العسكري: أراد المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا أن العالم وإن كان فيه تقصير في عبادته أفضل من جاهل مجتهد لأن العالم يعرف ما يأتي وما يجتنب قال: وهذا مثل قول المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضلكم أعلمكم بهذا الدين وإن كان يزحف على أسته (وإنما الناس رجلان مؤمن وجاهل فلا تؤذي المؤمن ولا تحاور) بحاء مهملة (الجاهل) قال في الفردوس: المحاورة المكالمة وروي لا تجاور بالجيم اه. وهذا مسوق للنهي والزجر عن المراء والمجادلة (طب) وكذا العسكري (عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: فيه إسحاق بن أسيد لين وقال: ورفع الحديث غريب وقال الهيثمي: فيه إسحاق بن أسيد قال أبو حاتم: لا يشتغل به اه. ورواه عنه البيهقي أيضا وقال: قال أبو حاتم إسحاق لا يشتغل به الحديث: 6150 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 6151 - (قليل التوفيق خير من كثير العقل) فإن التوفيق هو رأس المال فعلى العاقل استيثاق الله تعالى لزيادة العمل والتقوى والجؤار إليه في إفاضته عليه من ذلك السبب الأقوى وفي رواية قليل التوفيق خير من كثير العمل وفي أخرى خير من كثير العبادة. قال بعض العارفين: ما قل عمل برز من قلب موفق زاهد ولا كثر عمل برز من قلب غافل لاه وحسن الأعمال نتائج حسن الأحوال (والعقل في أمر الدنيا مضرة والعقل في أمر الدين مسرة) قال الماوردي: ذكروا أن زيادة العقل في الأمور الدنيوية تفضي بصاحبها إلى الدهاء والمكر وذلك مذموم وصاحبه ملوم وقد أمر عمر أبا موسى أن يعزل زيادا عن ولايته فقال: يا أمير المؤمنين عن موجدة أم جناية قال: لا عن واحدة منهما ولكن خفت عن أن أحمل الناس فضل عقله وقال حكيم: كفاك من عقلك ما دلك على سبيل رشدك وقيل قليل يكفي خير من كثير يلهي (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) ورواه عنه الديلمي لكن بيض ولده لسنده الحديث: 6151 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 6152 - (قليل العمل ينفع مع العلم) فإنه يصححه (وكثير العمل لا ينفع مع الجهل) لأن المتعبد بغير علم كالحمار في الطاحون كما سيجيء في خبر (فر عن أنس) بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أي العمل أفضل قال العلم بالله قاله ثلاثا قال يا رسول الله أسألك عن العمل وتخبرني عن العلم فذكره الحديث: 6152 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 6153 - (قليل تؤدي شكره) يا ثعلبة الذي قال ادع الله أن يرزقني مالا (خير من كثير لا تطيقه) تمامه عند الطبراني أما تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو سألت الله أن يسيل الجبال ذهبا وفضة لسألت اه. وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنه دعا لثعلبة هذا أن ينمي ماله فنمت غنمه حتى ضاقت المدينة عنها فنزل واديا وانقطع عن الجمعة والجماعة وطلبت منه الزكاة فقال ما هذه إلا أخية الجزية وفيه نزل {ومنهم من [ص: 527] عاهد الله} الآية (البغوي والباوردي وابن قانع وابن السكن وابن شاهين) كلهم في الصحابة وكذا الطبراني والديلمي من طريق معاذ بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم (عن أبي أمامة) الباهلي (عن ثعلبة بن حاطب) أو ابن أبي حاطب الأنصاري قال أبو أمامة: جاء ثعلبة إلى المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا نبي الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال: ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي فلو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا لسارت فقال: ادع الله لي أن يرزقني مالا فوالذي بعثك بالحق نبيا لئن رزقنيه لأعطين كل ذي حق حقه قال: لا تطيقه فقال: يا نبي الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال: اللهم ارزقه مالا فاتخذ غنما فبورك له فيها وتمت حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها فكان يشهد مع المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنهار ولا يشهد صلاة الليل ثم نمت فكان لا يشهد إلا من الجمعة إلى الجمعة ثم نمت فكان لا يشهد الجمعة ولا الجماعة فقال المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويح ثعلبة ثم أمر المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأخذ الزكاة والصدقة فبعث رجلين فمرا على ثعلبة وقالا: الصدقة فقال: ما هذه إلا أخية الجزية فأنزل الله فيه ومنهم من عاهد الله} الآية. قال البيهقي: في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير اه وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: وفي كون صاحب هذه القصة إن صح الخبر ولا أظنه يصح هو البدري نظر الحديث: 6153 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 6154 - (قم فصل فإن في الصلاة شفاء) من الأمراض القلبية والبدنية والهموم والغموم {واستعينوا بالصبر والصلاة} ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إليها والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للداء مقوية للقلب مفرحة للنفس مذهبة للكسل منشطة للجوارح ممدة للقوى شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب مبيضة للوجه حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة للشيطان مقربة من الرحمن وبالجملة فلها تأثير عجيب في حفظ صحة القلب والبدن وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما سيما إذا وفيت حقها من التكميل فما استدفعت أذى الدارين واستجلبت مصالحهما بمثلها وسرها أنها صلة بين العبد وربه وبقدر الوصلة يفتح الخير وتفاض النعم وتدفع النقم (حم هـ عن أبي هريرة) الحديث: 6154 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 6155 - (قم فعلمها عشرين آية) من القرآن (وهي امرأتك) قال القاضي: لهذا الحديث فوائد منها أن أقل الصداق غير مقدر وأنه يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقا وإليه ذهب الشافعي ولم يجوزه أبو حنيفة ومالك وأحمد ومنها الدلالة من طريق القياس على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وجعل منفعة الحر صداقا ولم يجوزه أصحاب الرأي وأولوا الحديث بأن المرأة لعلها وهبت المهر وهو تأويل لا يناسب السياق (د عن أبي هريرة) رمز لحسنه الحديث: 6155 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 6156 - (قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها) هكذا هو في صحيح مسلم بلفظ الماضي (المساكين وإذا أصحاب الجد) أي الأغنياء والجد بفتح الجيم الغنى (محبوسون) في العرصات فلم يؤذن لهم في دخول الجنة لطول حسابهم (إلا) وفي رواية بدلها غير. قال الطيبي: وهي بمعنى لكن والمغايرة بحسب التفريق (أصحاب النار) أي الكفار فقد أمر بهم إلى النار فلا يوقفون في العرصات بل يساقون إليها ويوقف المسيئون في العرصات للحساب والمساكين هم السابقون إلى الجنة لفقرهم وخفة ظهورهم (وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء) لأنهم يكفرن العشير وينكرن الإحسان قال في المطامح: يدل على [ص: 528] أن الفقر أفضل من الغنى وهو مذهب الجمهور والخلاف مشهور <تنبيه> قال العكبري: إذا هنا للمفاجأة وهي ظرف مكان والجيد هنا أن ترفع المساكين على أنه خبر عامة من دخلها وكذا رفع محبوسون على أنه الخبر وإذا ظرف للخبر ويجوز أن تنصب محبوسين على الحال وتجعل إذا خبر والتقدير فبالحضرة أصحاب الجد فيكون محبوسين حالا والرفع أجود والعامل في الحال إذا وما يتعلق به من الاستقرار وأصحاب صاحب الحال (حم ق ن عن أسامة بن زيد) لكن لفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه من نسخه المعتبرة قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار إلخ الحديث: 6156 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 6157 - (قوائم منبري رواتب في الجنة) قال في الفردوس: يقال رتب الشيء إذا استقر ودام وعد المصنف هذه من خصائصه (حم ن حب عن أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (طب ك عن أبي واقد) الليثي قال الهيثمي: فيه أي عند الطبراني يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف الحديث: 6157 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 6158 - (قوام أمتي) بتشديد الواو (شرارها) بشين معجمة أوله والظاهر أن قوام بضم وتشديد يعني القائمون بأمر الأمة وهم أمراؤها وهم شرار الأمة غالبا لقلة الاستقامة وكثرة الجور منهم ورأيت في نسخ من الفردوس قديمة مصححة بخط الحافظ ابن حجر بشرارها بباء موحدة أوله وعليه فيظهر أن القوام بالفتح والتخفيف وأن المعنى إن قوامها يعني استقامتها وانتظام أحوالها يكون بشرارها فيكون من قبيل خبر إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وخبر إن الله يؤيد هذا الدين برجال ما هم من أهله (حم طب عن ميمون بن سنباذ) بكسر السين بضبط المصنف وذال معجمة أبو المغيرة العقيلي قيل له صحبة قال الذهبي: وفيه نظر اه قال الهيثمي: فيه هارون بن دينار وهو ضعيف اه ورواه البخاري في تاريخه أيضا وقال ابن عبد البر: إسناده ليس بالقائم وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 6158 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 6159 - (قوام المرء عقله ولا دين لمن لا عقل له) لأن العقل هو الموقف على أسرار الدين ورتبة كل إنسان في الدين على قدر رتبة عقله وقد أخرج البيهقي عن جابر مرفوعا أن رجلا تعبد في صومعة فأمطرت السماء فأعشبت الأرض فرأى حمارا يرعى فقال يا رب لو كان لك حمارا لرعيته مع حماري فهم به نبيهم فأوحى الله إليه دعه فإنما أجازي العباد على قدر عقولهم (هب عن جابر) قضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه عقبه بما نصه تفرد به حامد بن آدم وكان متهما بالكذب اه بلفظه فكان على المصنف حذفه وليته إذ ذكره لم يحذف من كلام مخرجه علته الحديث: 6159 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 6160 - (قوا بأموالكم عن أعراضكم) أي أعطوا الشاعر ونحوه ممن تخافون لسانه ما تستدفعون به شر وقيعتهم في أعراضكم بنحو سب أو هجو (وليصانع أحدكم) أيها المؤمنون (بلسانه عن دينه) ولهذا لما أنشده العباس بن مرداس قصيدته العينية قال اقطعوا عني لسانه أي أرضوه حتى يسكت كنى باللسان عن الكلام. قال الفاكهي: ولا ريب أن المال محبوب عظيم للنفوس فإذا طلب مداراة السفهاء بدفع المال فمداراتهم بلين المقال والسعي إليهم إن اقتضاه الحال أولى بطريق قياس المساواة أو طريق أولى ولا يبعد وجوبه في هذا الزمان (عد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) وفيه الحسين بن المبارك قال ابن عدي: متهم بالوضع ثم ساق له هذا الحديث فحذف المصنف ذلك من [ص: 529] كلام ابن عدي غير جيد الحديث: 6160 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 6161 - (قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه) أخرج في الطيوريات بسند فيه ضعف عن بقية قال: سألت الأوزاعي ما معنى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم قوتوا طعامكم إلخ قال: صغر الأرغفة وقال في النهاية: حكى عن الأوزاعي أنه تصغير الأرغفة وكذا حكى عن ابن الجنيد قال القسطلاني: ولعل هذا هو سند كثير من الصوفية في تصغيره كنبي الوفاء وغيرهم (طب عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا البزار قال ابن حجر: وسنده ضعيف وقال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وبقية رجاله ثقات الحديث: 6161 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 6162 - (قولوا اللهم صل على محمد) أي عظموه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف مثوبته (وعلى آل محمد) قال الطيبي: حمل الأول على العموم من الأصفياء وأتقياء الأمة فيدخل فيه أهل البيت دخولا أوليا أولى (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جمع قال ابن حجر: وإن ثبت أن له أولادا من غير سارة وهاجر دخلوا لا محالة ثم المراد المسلمون منهم بل المتقون (إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها أو بمعنى حامد أي يحمد أفعال عباده (مجيد) من المجد وهو صفة من كمل في الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال كما أن الحمد يدل على صفة الإكرام ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وذلك يستلزم طلب الحمد والمجد (اللهم بارك على محمد) أي أثبت له دوام ما أعطيته من التشريف والكرامة من برك البعير إذا ناخ بمحل ولزمه ويطلق البرك على الزيادة والأصل الأول كذا في النهاية (وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) قال الطيبي: التشبيه ليس من إلحاق الناقص بالكامل بل من إلحاق ما لا يعرف بما يعرف والأتقياء والأصفياء من الأمة موازية للأنبياء من بني إسرائيل فمعناه كما سبقت منك الصلاة على إبراهيم نسألك الصلاة على محمد بالأولى وقال: في موقع التشبيه أقاويل أفردت بالتآليف ومن أحسنها قول صاحب القاموس عن بعض أهل الكشف إن التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه وذلك أن المراد باللهم صل على محمد اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في أتباعه أنبياء يقررون الشريعة والمراد بقوله على آل محمد اجعل من أتباعه محدثين يخبرون بالمغيبات كما صليت على آل إبراهيم بأن جعلت منهم أنبياء يخبرون بالغيب فالمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم أتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم (إنك حميد) أي محمود (مجيد) أي ماجد وهو من كمل شرفا وكرما وقال الطيبي: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على العموم أي إنك حميد فاعل لما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثير الإحسان إلى عبادك الصالحين انتهى. وفيه مشروعية الصلاة والسلام على من ذكر فيه والصلاة على محمد في التشهد الأول وعلى غيره في الأخير سنة أما الصلاة على محمد في الأخير فواجبة للأمر بالصلاة عليه في الكتاب والسنة قالوا: وقد أجمع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها (حم ق د ن هـ عن كعب بن عجرة) قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي؟ فذكره الحديث: 6162 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 [ص: 530] 6163 - (قولوا خيرا تغنموا) بقول الخير إذا نوى به نشر الخير وتعليمه والاشتغال به عن الشر فيغنم بنيته وكذا السكوت عن الشر بنية الصيانة عنه وأن لا ينشره ولا يبدأ به ولا يوافق أهله ففي خبر إن الكف عن الشر صدقة قال بعض السلف: كنا نتعلم السكوت كما تتعلمون الكلام (واسكتوا عن شر تسلموا) كما سبق تقريره في حرف الراء بما يغني عن إعادته (القضاعي) في مسند الشهاب (عن عبادة) بن الصامت ظاهر كلام المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه باللفظ المذكور قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمرو بن مالك الخشني وهو ثقة انتهى وممن خرجه أيضا الديلمي الحديث: 6163 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 6164 - (قوموا) خطابا للأنصار أو لجميع من حضر منهم ومن المهاجرين (إلى سيدكم) سعد بن معاذ القادم عليكم لما له من الشرف المقتضي للتعظيم وقيل معناه قوموا لإعانته في النزول عن الدابة لما به من الجرح الذي أصاب أكحله يوم الأحزاب وأيده التوربشتي بأنه لو أراد تعظيمه لقال قوموا لسيدكم ورده الطيبي بأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا إليه تلقيا وإكراما ويدل له ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله إلى سيدكم علة للقيام له وفيه ندب إكرام أهل الفضل من عالم أو صالح أو ذي شرف بالقيام لهم إذا أقبلوا والتنبيه على شرف ذوي الشرف والتعريف بأقدارهم وتنزيلهم منازلهم وقد قام المصطفى صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل لكونه من رؤساء قريش ولعدي بن حاتم لكونه سيد بني طيء يتألفهما به وما ورد من النهي عن ذلك إنما هو في القيام للإعظام كما هو دأب الأعجام لا للإكرام كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعله كما أفصح بذلك الغزالي بقوله القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على جهة الإكرام والتنبيه على شرفه وإطلاق السيد على المخلوق (د) في الأدب (عن أبي سعيد) الخدري قال ابن حجر: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول بل هو فيهما معا فالبخاري في الجهاد وفي فضل سعد والاستئذان والمغازي ومسلم في المغازي والنسائي في المناقب الحديث: 6164 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 6165 - (قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (خير من قيام ستين سنة) أي من التهجد في الليل مدة ستين سنة وهذا فيما إذا تعين القتال (عد وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة شراحيل العبسي (عن أبي هريرة) وشراحيل قال الذهبي في التاريخ: ضعفه ابن عوف الحمصي الحديث: 6165 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 6166 - (قيد) وفي رواية قيدها (وتوكل) أي قيد ناقتك وتوكل على الله فإن التقييد لا ينافي التوكل إذ هو اعتماد القلب على الرب في كل عمل ديني أو دنيوي فالتقييد لا يضاده كما أن الكسب لا يناقضه قال المحاسبي: من ظن أن التوكل ترك كسبه فليترك كل كسب دنيوي وديني وكفى به جهلا (هب عن عمرو بن أمية) الضمري الكناني قال: يا رسول الله أرسل راحلتي وأتوكل قال: بل قيد وتوكل ورواه عنه أيضا الحاكم بلفظ قيدها وتوكل قال الذهبي: وسنده جيد وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما عمرو بن عبد الله بن أمية الضمري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 6166 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 6167 - (قيدوا العلم بالكتاب) لأنه يكثر على السمع فتعجز القلوب عن حفظه والحفظ قرين العقل والقلب مستودعهما [ص: 531] والنسيان كامن في الآدمي وأول من نسي آدم فسمي إنسانا فنسيت ذريته فالعلم يعقل ثم يحفظ فإذا كان القلب معلولا بهذه العلة والنسيان كامن فخيف ذهابه قيد بالكتابة لئلا يفوت ويدرس فنعم المستودع وإن دخله القلب فنعم الكشف له الكتاب وقد أدب الله عباده وحثهم على مصالحهم فقال {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} قال الماوردي: ربما اعتمد الطالب على حفظه فتصوره وأغفل تقييد العلم في كتبه ثقة بما استقر في نفسه وهذا خطأ منه لأن التشكيك معترض والنسيان طار ومن ثم قال الخليل: اجعل ما في الكتب رأس المال وما في قلبك النفقة وقال مهند: لولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين لانحلت مع النسيان عقود الآخرين وقد كره كتابة العلم جمع منهم الحبر قال الذهبي: وانعقد الإجماع الآن على الجواز وقال ابن حجر في المختصر: الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم وعلى استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي الفساد ممن يتعين عليه تبليغ العلم اه. وقال بعض الأئمة: الكتابة تدبير من الله لعباده وهي من حروف مصورة مختلفة التخطيط علائم تدل على المعاني فإذا حفظت استغنى عن الكتاب وإن نسيت فالكتاب نعم المستودع وإذا أدب الله تجار الدنيا وحثهم على كتابة المداينة فكيف بتجار الآخرة في تقييد الأمانات العلمية التي أودعهم إياها وأخذ عليهم الميثاق أن يؤدوه ولا يكتموه وإذا علمت هذا ظهر لك اتجاه بحث بعض الأعاظم وجوب كتابة العلم الشرعي وتقييد رسومه لئلا يندرس فتدبر وليس لك أن تقول قد ذم الله الكتابة في قوله {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} لأنا نقول إنما ذم من ألحق في التوراة ما ليس منها كما يعرف بتدبر الآية والقصة فإن قيل نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث بقوله في خبر مسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن قلنا جمع بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن خوف لبسه بغيره أو بكتابة غير القرآن معه في شيء واحد إذ النهي متقدم والإذن ناسخ عند أمن اللبس قال ابن حجر: وهو أقربها مع أنه لا ينافيها وقيل النهي خاص لمن خيف منه الاتكال على الكتاب دون الحفظ دون غيره ومنهم من أعل خبر مسلم بالوقف وقيل العلم شجر والخط ثمر وقيل الخط لسان اليد وقيل هو الطلسم الأكبر وقيل كل مأثرة بنتها الأقلام لم تطمع في درسها الأيام (الحكيم) الترمذي في النوادر (وسمويه) كلاهما (عن أنس) بن مالك وفيه عبد الله بن المثنى الأنصاري من رجال البخاري لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعيف وهو صدوق (طب ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه لكن أورده في الميزان في ترجمة عباد بن كثير من حديثه وقال عن البخاري: تركوه وعن ابن معين ليس بشيء وادعاه في ترجمة عبد الحميد المدني أخو فليح ونقل تضعيفه عن جمع وأورده ابن الجوزي من طرق وقال: لا يصح الحديث: 6167 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 6168 - (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) من القيلولة قال الجوهري: وهي النوم في الظهيرة وقال الأزهري: القيلولة والمقيل عند العرب الاستراحة نصف النهار وإن ثم يكن معه نوم بدليل قوله سبحانه وتعالى {وأحسن مقيلا} والجنة لا نوم فيها وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة لإعانتها على قيام الليل قال حجة الإسلام: وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير فإن فيها معونة على التهجد كما أن في السحور معونة على صيام النهار فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار (طب وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي والديلمي والبزار (عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس كما ذكر فقد قال الهيثمي: فيه كثير بن مروان وهو كذاب اه وقال في الفتح: في سنده كثير بن مروان متروك الحديث: 6168 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 6169 - (قيم الدين) أي عماده الذي يقوم به وينتظم (الصلاة وسنام العمل) أي أعلى الأعمال وأفضلها وأعظمها (الجهاد [ص: 532] وأفضل أخلاق الإسلام الصمت) أي السكوت عما لا ينبغي (حتى يسلم الناس منك) أي من لسانك ويدك (ابن المبارك) في الزهد (عن وهب بن منبه) بضم الميم وفتح النون وشد الموحدة (مرسلا) هو اليماني الصنعاني الأخباري القاص كان واسع العلم لكنه متهم بالقدر الحديث: 6169 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف القاف] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 6170 - (القائم بعدي) بالخلافة وهو أبو بكر (في الجنة والذي يقوم بعده) أي الذي يقوم بها بعده وهو عمر رضي الله تعالى عنه (في الجنة والثالث) وهو عثمان (في الجنة والرابع) وهو علي (في الجنة) إذ هم خلفاؤه حقا وبعدهم وبعد أيام الحسن إنما صار ملكا وفي رواية للديلمي بدل والرابع والقائم الرابع بعدي في الجنة يعني عليا فذكرهم وإن كان باقي العشرة في الجنة لكونهم ولوا الخلافة واختلفت الفرق في شأنهم فمنهم من جعل الحق في الخلافة لعلي دون الشيخين ومنهم من جعل الحق لأولئك وأبغض عليا فنص على أن كلا منهم في الجنة لكونه على الحق وأن الطعن مردود (ابن عساكر) في ترجمة عثمان (عن ابن مسعود) وفيه عبد الله بن سلمة بن عبيدة قال الذهبي: ضعفه الدارقطني الحديث: 6170 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 6171 - (القاتل لا يرث) من المقتول شيئا أخذ بعمومه الشافعية فمنعوا توريثه مطلقا قال الحنابلة إلا الخطأ وورثه مالك من المال دون الدية (ت هـ) كلاهما في الفرائض (عن أبي هريرة) قال الترمذي: لا يصح ولا يعرف إلا من هذا الوجه قال الذهبي ثم ابن حجر في تخريج الرافعي: وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. قال النسائي: متروك وقال البيهقي: إسحاق لا يحتج به وقال مرة: هو واه لكن له شواهد تقويه وقال ابن حجر في تخريج المختصر: رواه النسائي من حديث أبي هريرة وفيه إسحاق بن أبي فروة قال النسائي متروك وإنما خرجته لئلا يترك من الوسط وخرجه الترمذي وقال: لا يصح وإسحاق تركه بعض أهل العلم منهم أحمد الحديث: 6171 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 6172 - (القاص) الذي يقص على الناس ويعظمهم ويأتي بأحاديث لا أصل لها يعظ ولا يتعظ ويختال ويرغب في جلوس الناس إليه (ينتظر المقت) من الله تعالى لما يعرض في قصصه من الزيادة والنقصان ولأنه مستهدف لكيد الشيطان فهو يقول له أما تنظر إلى الخلق فهم موتى من الجهل هلكى من الغفلة قد أشرفوا على النار؟ أما لك رحمة على عباده تنقذهم من المعاطب بنصحك ووعظك وقد أنعم الله عليك بقلب بصير ولسان ذلق ولهجة مقبولة فكيف تكفر نعمته وتتعرض لسخطه وتسكت عن إشاعة العلم ودعوة الخلق إلى الصراط المستقيم فلا يزال يستدرجه بلطائف الحيل حتى يشتغل بوعظ الناس ثم يدعوه إلى أن يتزين لهم ويتصنع بتحسين اللفظ وإظهار الفصاحة ويقول إن لم تفعل ذلك سقط وقع كلامك من قلبهم ولم يهتدوا إلى الحق فلا يزال يقرر ذلك وهو في أثنائه يؤكد فيه شوائب الرياء ولذة الجاه والتعزز بكثرة العلم والنظر إلى الخلق بعين الاحتقار ليستدرج المسكين بالنصح إلى الهلاك والمقت فيتكلم ظانا [ص: 533] أن قصده الخير وإنما قصده الجاه والقبول فيمقته الله وهو يظن أنه عنده بمكان (والمستمع) للعلم الشرعي (ينتظر الرحمة) من الله تعالى (والتاجر) أي الصدوق الأمين كما سبق (ينتظر الرزق) أي الربح من الله (والمحتكر) الذي حبس الطعام الذي تعم الحاجة إليه ليبيعه بأغلى إذا غلا السعر (ينتظر اللعنة) أي الطرد والبعد عن مواطن الرحمة (والنائحة) التي تنوح على الميت (ومن حولها) من النسوة اللاتي يندبنه أو يستمعن كلامهن ونوحهن وبكائهن (من) كل (امرأة مستمعة) إلى نوحهن (عليهن لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) إن لم يتبن والحديث مسوق للزجر والتنفير من فعل ذلك والإصغاء إليه أو الرضى به فإنه حرام (طب) عن عبد الله بن أيوب بن زادان عن شيبان بن فروخ الأيلي عن بشر بن عبد الرحمن الأنصاري عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن العبادلة الأربعة المذكورين بقوله (عن ابن عمر) بن الخطاب (وابن عمرو) بن العاص (وابن عباس وابن الزبير) وبشر الأنصاري قال العقيلي وابن حبان: وضاع وفي الميزان عن ابن عدي: من مصائبه أحاديث هذا منها وأورده ابن الجوزي في الموضوعات عن الطبراني من هذا الطريق وقال: لا يصح عبد الوهاب ليس بشيء وابن زادان متروك وتبعه عليه المؤلف في مختصر الموضوعات وأقره عليه الحديث: 6172 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 6173 - (القبلة حسنة والحسنة بعشرة) (حل عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي الحديث: 6173 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 6174 - (القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة) قال جبريل إلا الدين فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إلا الدين) بفتح الدال هكذا هو في رواية الترمذي أي ما تعلق بذمته من دين الآدمي وذلك لأن حق الآدمي لا يسقطه إلا عفوه أو استيفاؤه فإذا قتل سقط عنه حق الحق بفضله وبقي حق العبد وقال ابن حجر: يستفاد منه أن الشهادة لا تكفر التبعات وحصول التبعات لا تمنع حصول درجة الشهادة وليس للشهادة معنى إلا أن الله يثيب من حصلت له ثوابا مخصوصا ويكرمه كرامة زائدة وقد بين الحديث أنه يكفر عنه ما عدا التبعات فإن كان له عمل صالح كفرت الشهادة سيئاته غير التبعات فإن عمله الصالح ينفعه في موازنة ما عليه من التبعات وتبقى له درجة الشهادة خالصة فإن لم يكن له عمل صالح فهو تحت المشيئة (م) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص (ت عن أنس) قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمدا يعني البخاري فلم يعرفه الحديث: 6174 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 6175 - (القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشد ذلك الودائع) حيث أمكنه ردها إلى أربابها والإيصاء بها ولم يفعل (طب حل عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 6175 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 6176 - (القتل في سبيل الله شهادة والطاعون شهادة والغرق شهادة والبطن شهادة والنفساء شهادة) فالأول شهيد الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه والباقون شهداء في حكم الآخرة فيغسلون ويصلى عليهم (حم والضياء) المقدسي (عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه أي عند أحمد رجل لم يسم الحديث: 6176 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 6177 - (القتل في سبيل الله شهادة والطاعون شهادة والغرق شهادة والبطن شهادة والحرق شهادة والسيل) بفتح السين المشددة [ص: 534] ومثناة تحتية أي الغرق في الماء كذا ضبطه المصنف بخطه ورأيته بعيني فيه فما في كثير من النسخ من أنه السل تحريف من النساخ (والنفساء يجرها ولدها بسررها إلى الجنة) (حم عن راشد بن حبيش) صحابي على ما قاله أحمد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عباده يعوده فقال: أتعلمون من الشهداء من أمتي؟ فأرمى القوم بأبصارهم فقال عبادة: ساندوني فأسندوه فقال: يا رسول الله الصابر المحتسب قال: إن شهداء أمتي إذن لقليل ثم ذكره رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 6177 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 6178 - (القدر نظام التوحيد فمن وحد الله وآمن بالقدر) بالتحريك (فقد استمسك بالعروة الوثقى) لأن من قطع بأن الخلق لو أجمعوا كلهم على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قدره الله له ولو أجمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قدره عليه وطرح الأسباب فقد استمسك بأعظم العرى واستنار قلبه وانشرح صدره وأيقن بأن العبد لا يعلم مصلحته إلا أن أعلمه الله إياها ولا يقدر على تحصيلها حتى يقدره الله عليها ولا يريد ذلك حتى يخلق الله فيه إرادة ومشيئة فعاد الأمر كله إلى من ابتدأ منه وهو الذي بيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله قيل وفي التقدير بطلان التدبير والمرء طالب والقضاء غالب والقضاء يبعد القريب ويقرب البعيد (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف الحديث: 6178 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 6179 - (القدر سر الله) أي هو استأثر به فلم يطلع على بعضه إلا بعض خواص خلقه وطلب سر الله تعالى منهي عنه لما فيه من سوء الأرب وعدم الأدب والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز سره وظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فلا تفشوا سر الله عز وجل اه. وفي رواية للديلمي بدله فلا تتكلفوا علمه قال بعضهم: استأثر تعالى بسر القدر ونهى عن طلبه ولو كشف لهم عنه وعن عاقبة أمرهم لما صح التكليف كما لا يصح عند كشف الغطاء يوم القيامة فالسعادة فضل الله والشقاوة عدله قال الكرماني: وسر الله ينكشف للخلائق إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف لهم قبل دخولها لم يذكر المصنف له مخرجا لعدم استحضاره لمن خرجه حال التصنيف وقد خرجه أئمة مشاهير منهم أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر وابن عدي في الكامل عن عائشة قال الحافظ العراقي: وكلاهما ضعيف ولا يقدح عدم الاطلاع على مخرجه في جلالة المؤلف لأنه ليس من شرط الحافظ إحاطته بمخرج كل حديث في الدنيا. (1)   (1) [وحيث أن تخريج السيوطي موجود في الصل المطبوع فلعله ليس من السيوطي أو نسخة أخرى أو أضيف بناء على شرح المناوي. وهذا الكلام من المناوي غاية في الإنصاف ويبين تقييمه للإمام السيوطي بأنه من أجل الحفاظ ويوضح سبب تحامله في مواضع أخرى من الشرح على السيوطي ألا وهو منع الاستهانة بادعاء الاجتهاد كما ذكر بالتفصيل في التعليق على الحديث 3771. دار الحديث] الحديث: 6179 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 6180 - (القدرية) زاد الطبراني في روايته والمرجئة (مجوس هذه الأمة) لأن إضافة القدرية الخير إلى الله والشر لغيره يشبه إضافة المجوس الكوائن إلى إلهين أحدهما يزدان ومنه الخير والآخر هرمز ومنه الشر لكن يقولون ذلك في الأحداث والأعيان والقدرية يقولون في الأحداث دون الأعيان قال الطيبي: هذا تقرير قول الخطابي كجمع ومذهب المعتزلة خلافه قال الزمخشري في كتاب المنهاج: إن قلت إن الحسنة والسيئة من الله أم من العبد؟ قلت الحسنة التي هي الخصب والصحة من الله والطاعة من العبد لكن الله لطف به في أدائها وبعثه عليها والسيئة التي هي القحط والمرض من الله وهو صواب وحكمة وأما المعصية فمن العبد والله بريء منها قال القاضي والطيبي: وقوله مجوس هذه الأمة تركيبه من قبيل القلم أحد [ص: 535] اللسانين ولفظة هذه إشارة إلى تعظيم المشار إليه وإلى النعي على القدرية والتعجب منهم أي انظروا إلى هؤلاء كيف امتازوا عن هذه الأمة المكرمة بهذه الهيئة الشنيعة حيث نزلوا من أوج المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذيلة (إن مرضوا فلا تعودوهم) أي لا تزوروهم في مرضهم بل اهجروهم لينزجروا فيتوبوا (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لا تحضروا جنائزهم ولا تصلوا عليهم وخص النهي عن حقوق المسلمين على المسلمين بهاتين الخصلتين لأنهما ألزم وأولى إذ المرض والموت حالتان مفتقرتان إلى الدعاء له بالصحة والصلاة عليه بالمغفرة (د ك) في الإيمان من حديث أبي حازم عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن المنذر: حديث منقطع وأشار إلى ذلك الحاكم حيث قال: على شرطهما إن صح لأبي حازم سماع من ابن عمر كذا في التلخيص وقال في المهذب: هو منقطع بين أبي حازم وابن عمر وقال في الكبائر: رواته ثقات لكنه منقطع اه ورده ابن الجوزي وقال: لا يصح الحديث: 6180 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 6181 - (القراء عرفاء أهل الجنة) لأن في الجنة أمراء وعرفاء فالأمراء الأنبياء والعرفاء هم القراء والعريف من تحت يد الأمير له شعبة من السلطان فالعرافة ثم لأهل القرآن وأهله هم من عرف به هنا تلاوة له وعملا به (ابن جميع) بضم الجيم (في معجمه) عن محمد بن منصور الواسطي أبي بكر عن أبي أمية محمد بن إبراهيم عن يزيد بن هارون عن أنس (والضياء) في المختارة (عن أنس) قال في الميزان: المتهم به محمد بن منصور الطروسي شيخ لابن جميع الحديث: 6181 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 6182 - (القرآن شافع مشفع وماحل مصدق) بالبناء للمجهول (من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار) لأن القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس فمن لم يجعله إمامه فقد بنى على غير أساس فانهار به في نار جهنم وقال الزمخشري: الماحل الساعي وهو من المحال وفيه مطاولة وإفراط من التماحل ومنه المحل وهو القحط المتطاول الشديد يعني من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة في العفو عن فرطاته ومن ترك العمل به ثم على إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه اه. وقال في الزاهر: معناه من شهد عليه القرآن بالتقصير والتضييع فهو في النار ويقال لا تجعل القرآن ماحلا أي شاهدا عليه (حب هب عن جابر) بن عبد الله (طب هب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك الحديث: 6182 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 6183 - (القرآن غنى لا فقر بعده) أي فيه غنى لقلب المؤمن إذا استغنى بمتابعته عن متابعة غيره فيستغني به عن البدع ويستضئ بنوره في ظلمات الفتن ويستشفى بشفائه من جميع الأدواء (ولا غنى دونه) لأن جميع الموجودات عاجزة فقيرة ذليلة فمن استغنى بفقير زاد فقره ومن تعزز بذليل زاد ذله ومن تعلق بغير الله انقطع حبله قال في المطامح: وغيرها يحتمل كونه إشارة إلى أن الغنى الأعظم هو الغنى بطاعة الله ولا غنى فوق الغنى بالقرآن ويحتمل أن المراد نفي الفقر المحسوس وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرزق يلتمس بوجوه منها النكاح وقال الغزالي: لازم رجل باب عمر فقال: يا هذا هاجرت إلى عمر أو إلى الله تعلم القرآن فإنه يغنيك عن بابي فغاب حتى فقده عمر فوجده يتعبد فقال: ما شغلك عنا قال: قرأت القرآن فأغناني عن عمر فقال: وما وجدت فيه؟ قال: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} فبكى عمر رضي الله تعالى عنه (ع) وكذا الطبراني (ومحمد بن نصر) كلهم (عن أنس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال: فيه عبد أبي يعلى يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف الحديث: 6183 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 [ص: 536] 6184 - (القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف) يقرؤه من الثواب (زوجة) في الجنة (من الحور العين) قال في التحرير: فضل القرآن على سائر الكتب المنزلة ثلاثين خصلة لم تكن في غيره (طس عن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال في الميزان: تفرد بخبر باطل وساق هذا الخبر قال الطبراني: ولا يروى إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات وقال في موضع آخر: رواه الطبراني عن شيخه محمد بن عبيد ذكره في الميزان بهذا الحديث ولم أجده لغيره فيه كلاما وبقية رجاله ثقات الحديث: 6184 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 6185 - (القرآن يقرأ على سبعة أحرف ولا تماروا في القرآن فإن مراءا في القرآن كفر) قال ابن النقيب: من خصائص القرآن كونه يقرأ على سبعة أحرف وقال الحليمي في المنهاج: ومن عظم قدر القرآن أنه تعالى خصه بأنه دعوة وحجة ولم يكن مثل ذلك لنبي قط إنما كان لكل منهم دعوة ثم يكون له حجة وغيرها وقد جمعها الله لرسوله في القرآن فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه وكفى الدعوة شرفا أن يكون حجتها معها وكفى الحجة شرفا أن لا تنفصل الدعوة عنها انتهى (حم عن أبي جهيم) مصغرا بن الحارث بن الصمت بكسر المهملة وشد الميم ابن عمرو الأنصاري قيل اسمه عبد الله وقد ينسب لجده قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 6185 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 6186 - (القرآن هو النور المبين) أي الضياء الذي يستغنى به إلى سلوك الهدى (والذكر) أي المذكور أو ما يتذكر به أي يتعظ (الحكيم) أي المحكم آياته {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} أي المشتمل على الحقائق أو الحكيم بمعنى ذي الحكمة ذكره القاضي. قال الطيبي: والذكر إن فسر بالمذكور فالمناسب أن يؤول الحكيم بالمحكم أي هذا القرآن المذكور محكم آياته ورصين ألفاظه مصبوب في قالبي البلاغة والفصاحة أعجز الخلق عن الإتيان بمثله وإن فسر بالشرف والكرم فالموافق أن يؤول الحكيم بذي الحكمة لأن كون الكلام شريفا إنما يكون باعتبار ما يتضمنه من الحكمة والنكت والمعاني الدقيقة واللطائف الرشيقة (والصراط المستقيم) أي هو مثل الصراط المستقيم في كونه يوصل سالكه إلى المقصد الأسنى فهو تشبيه بحذف أداته وقيل جعله نفس الصراط المستقيم لظهور بياناته النافية لطرائق الدين (هب عن رجل) من الصحابة الحديث: 6186 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 6187 - (القرآن هو الدواء) أي من الأمراض الروحانية كالاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوة والمعاد وكالأخلاق المذمومة وفيه أوضح بيان لأنواعها وحث على اجتنابها ومن الأمراض الجسمانية بالتبرك بقراءته عليها لكن مع الإخلاص وفراغ القلب من الأغيار وإقباله على الله بكليته وعدم تناول الحرام وعدم الآثام واستيلاء الغفلة على القلب فقراءة من هذا حاله مبرئ للأمراض وإن أعيت الأطباء ولهذا قال بعض الأئمة: متى تخلف الشفاء فهو إما لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المحل المنفعل أو لمانع قوي يمنع تخلفه أن ينجع فيه الدواء كما تكون في الأدوية الحسية شفاء لما في الصدور {وننزل من القرآن ما هو شفاء} قال الأكثر: من جنسية لا تبعيضية فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية لكن لا يحسن التداوي به إلا الموفقون ولله حكمة بالغة في إخفاء سر التداوي [ص: 537] به عن نفوس أكثر العالمين كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم <تنبيه> قال ابن عربي: إذا كان الإنسان مؤمنا بالقرآن أنه كلام الله وشفاء للأدواء فليأخذ عقيدته منه ويترك المبارزة في ديوان المجادلة فإنه قد تضمن جميع الأصول فنزه سبحانه نفسه أن يشبهه شيء من المخلوقات أو يشبه شيئا بقوله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} و {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} وأثبت رؤيته في دار الآخرة بظاهر قوله {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} و {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} ونفى الإحاطة بدركه بقوله {لا تدركه الأبصار} وأثبت كونه قادرا بقوله {وهو على كل شيء قدير} وأثبت كونه عالما بقوله {أحاط بكل شيء علما} وأثبت كونه مريدا بقوله {فعال لما يريد} وأثبت كونه سميعا بقوله {لقد سمع الله} وأثبت كونه بصيرا بقوله {ألم يعلم بأن الله يرى} وكونه متكلما بقوله {وكلم الله موسى تكليما} وكونه حيا بقوله {الحي القيوم} وإرسال الرسل {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله {محمد رسول الله} وأنه آخر الأنبياء بقوله {وخاتم النبيين} وأن كل ما سواه خلقه بقوله {الله خالق كل شيء} وخلق الجن بقوله {وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون} وحشر الأجساد بقوله {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم} إلى مثل هذا مما تحتاجه العقائد لمن حشر ونشر وقضاء وقدر وجنة ونار وقبر وميزان وحوض وصراط وحساب وصحف وكل ما لا بد منه للمعتقد أن يعتقده {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فاستبان أن في القرآن غنية لصاحب الداء العضال ومقنعا لمن عزم على طريق النجاة ورغبا في سمو الدرجات وترك العلوم التي تتوارد عليها الشكوك فيضيع الوقت ويخاف المقت (السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (والقضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين قال شارحه العامري: حسن صحيح اه وفيه الحسن بن رشيق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة تكلم فيه عبد الغني وسعاد أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال أبو حاتم شيعي وليس بالقوي الحديث: 6187 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 6188 - (القصاص ثلاثة أمير أو مأمور أو محتال) وهو من لم يأذن له الإمام أو نائبه لأن دخوله في عهدة ما لم يخاطب به دل على احتياله وفيه إشعار بأن قص الإمام أو مأذونه محبوب مطلوب قال تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وما ورد من النهي عن القص فموضعه في قاص يروي أخبارا موضوعة ويحكي أقوالا تومئ إلى هفوات وتساهلات يقصر فهم العامة عن درك معانيها أو عن كونها هفوة نادرة مردفة بتكفيرات ومتدارك بحسنات فإن العامي يعتصم بذلك في مساهلاته ويمهد لنفسه عذرا ويحتج بأنه حكى ذلك عن بعض المشايخ وكلنا بصدد المعاصي وقد عصى من هو أكبر مني ونحو ذلك مما يفيده جرأة على الله من حيث لا يشعر وإثم ذلك عليه وعلى العاصي الذي أرداه حتى وقع في مهواة وأكثر ما اعتاد القصاص والوعاظ من الأشعار ما يتعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح الوصال وألم الفراق والمجلس مشحون بأخلاط العوام وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات للصور الجميلة فتحرك الأشعار من قلوبهم ما هو مستكن فيها فتشتغل نيران الشهوات فيزعقون ويتواجدون وكل ذلك يرجع إلى فساد ذكره حجة الإسلام (طب عن عوف بن مالك وعن كعب بن عياض) الأشعري صحابي نزل الشام رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الله بن يحيى الإسكندراني ولم أجد من ترجمه ورواه عنه أيضا أحمد والديلمي الحديث: 6188 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 6189 - (القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل [ص: 538] فهو في النار ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار) قال في المطامح: هذا التقسيم بحسب الوجود لا بحسب الحكم ومعروف أن مرتبة القضاء شريفة ومنزلته رفيعة لمن اتبع الحق وحكم على علم بغير هوى {وقليل ما هم} روي أن عمر جاءه خصمان فأقامهما فعادا فأقامهما فعادا ففصل بينهما فقيل له فيه فقال وجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فعالجت نفسي حتى ذهب ذلك قال القاضي: الإنسان خلق في بدر فطرته بحيث يقوى على الخير والشر والعدل والجور ثم تعرض له دواعي داخلة وأسباب خارجة تتعارض وتتصارع فتجذبه هؤلاء مرة وهؤلاء أخرى حتى يفضي التطارد بينهما إلى أن يغلب أحد الحزبين ويقهر الآخر فتنقاد له بالكلية ويستقر على ما يدعوه إليه فالحاكم إن وفق حتى غلب له أسباب العدل وتمكن فيه دواعيه صار بشراشره مائلا إلى العدل مشغوفا به متحاشيا عما ينافيه ونال به الجنة وإن خذل بأن كان على خلاف ذلك جار بين الناس ونال بشؤمه النار وقيل معناه من كان الغالب على أقضيته العدل والتسوية بين الخصمين فله الجنة ومن غلب على أحكامه الجور والميل إلى أحدهما فله النار (ع 4 ك عن بريدة) وسكت عليه أبو داود وصححه الحاكم. قال الذهبي في الكبائر: صححه الحاكم والعهدة عليه الحديث: 6189 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 6190 - (القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة: قاض قضى بالهوى فهو في النار وقاض قضى بغير علم فهو في النار وقاض قضى بالحق فهو في الجنة) فيه إنذار عظيم للقضاة التاركين للعدل والأعمال والمقصرين في تحصيل رتب الكمال قالوا: والمفتي أقرب إلى السلامة من القاضي لأنه لا يلزم بفتواه والقاضي يلزم بقوله فخطره أشد فيتعين على كل من ابتلي بالقضاء أن يتمسك من أسباب التقوى بما يكون له جنة ويحرص على أن يكون الرجل الذي عرف الحق فقضى به وكان المخصوص من القضاة الثلاثة بالجنة ويجعل داء الهوى عنه محسوما ولحظه ولفظه بين الخصوم مقسوما ولا يأل فيما يجب من الاجتهاد إذا اشتبه عليه الأمران ويعلم أنه إن اجتهد وأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران وصوب الصواب واضح لمن استشف بنور الله برهانه ويتوكل على الله في قصده ويتقي فإن الله يهدي قلبه ويثيب لسانه (طب) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمر) بن الخطاب صححه بعضهم وأفرد ابن حجر فيه جزءا وقال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 6190 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 6191 - (القلب ملك وله جنود) جمع جند وهم أتباع يكونون نجدة للمتتبع ذكره الحرالي وصلاح القلب وحياته مادة كل خير وفساده مادة كل شر فبصلاحه وحياته يكون قوته وسمعه وبصره وعفته وشجاعته وصبره وسائر أخلاقه الفاضلة ومحبته للحسن وبغضه للقبيح بخلاف الفاسد فإنه لا فرق بين الحسن والقبيح وجنوده تابعون له (فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده) يعني هو أصل الكل إن أفسدته فسد الكل وإن أصلحته صلح الكل إذ هو الشجرة وسائر الأعضاء أغصان ومن الشجرة تشرب الأغصان وتصلح وتفسد وأن الملك وسائر الأعضاء تبع وأركان وإذا صلح الملك صلحت الرعية وإذا فسد فسدت فصلاح العين واللسان والبطن وغيره دليل على صلاح القلب وعمرانه وإذا رأيت فيها خللا فاعلم أنه منه ذكره الغزالي وقال ابن عربي: سبب ارتباط صلاح الرعية وفسادها بصلاحه وفساده أنه تعالى إذا ولي خليفة على قوم يعطيه أسرارهم وعقولهم فيكون مجموع رعيته فمتى خانهم في أسرارهم ظهر فيهم وإن اتقى الله ظهر فيهم. قال بعض العارفين: قد بنى الله الإنسان على صورة مدينة [ص: 539] وجعل فيه بيتا له وهو القلب وأسكن فيه ملكا وهو الإيمان قال الغزالي: النفس عسكر القلب وللقلب عساكر مختلفة {وما يعلم جنود ربك إلا هو} فالقلب هو الملك إذ هو محل السلطنة في الجسد فإذا ألبسه الله خلعة الولاء وهو الإيمان حجبه عن أعدائه وجعل له وزيرا وهو العقل وسورا وهو اليقين ومعراجا وهو النجاة وجيشا وهو المعرفة وبابا وهو الإخلاص كل ذلك بقدرته وإرادته {لا يسأل عما يفعل} (والأذنان قمع والعينان مسلحة) أي يتقي بهما (واللسان ترجمان) عما في الضمير (واليدان جناحان والرجلان بريد والكبد رحمة والطحال ضحك والكليتان مكر والرئة نفس) أخرج الطبراني عن كعب قال: أتيت عائشة فقلت هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإنسان فانظري هل يوافق نعتي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: انعت فقال: عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجلاه بريدان وكبده رحمة ورئته وطحاله ضحك وكليته مكر والقلب ملك فإذا طاب طاب جنوده وإذا فسد فسدت نفس جنوده فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإنسان هكذا وأخرج البيهقي عن علي كرم الله وجهه: إن العقل في القلب وإن الرحم في الكبد وإن الرأفة في الطحال وإن النفس في الرئة قد مر في آخر حرف العين أن هذا مثل ضربه الشارع بين به كيف كان القلب ملكا والجوارح جنوده تقريبا للأفهام فإن التصريح بعجائب القلب وأسراره الداخلية في جملة عالم الملكوت مما يكل عن دركه أكثر الأوهام قال الغزالي: والقلب له جندان جند يرى بالأبصار وجند لا يرى إلا بالبصائر وهو في حكم الملك والجنود في حكم الخدم والأعوان وهذا معنى الجند أما جنده المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة لأنها كلها خادمة مسخرة له وهو المتصرف فيها خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت والرجل بالتحرك تحركت واللسان بالتكلم تكلم وكذا سائر الأعضاء (هب عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي: قال الإمام أحمد هكذا جاء موقوفا ومعناه جاء في حديث النعمان بن بشير مرفوعا اه وعده في الميزان من المناكير الحديث: 6191 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 6192 - (القلس حدث) قال في الفردوس: القلس هو ما يخرج من الحلق شبه القيء يقال قلس إذا قاء فهو قالس وقال الخليل: القلس ما خرج ملء الفم أو دون ذلك فإذا غلب فهو قيء اه وأخذ بذلك الحنفية والحنابلة فقالوا: خروج القيء وغيره من النجاسات من غير السبيلين ينقض الوضوء وأجيب بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاء وغسل فمه فقيل له أما تتوضأ فقال حدث القيء غسله أو بأن الحديث منسوخ أو محمول على غسل الفم (قط) من حديث سوار بن مصعب عن زيد بن علي عن أبيه (عن) جده (الحسن بن علي) أمير المؤمنين ثم قال أعني الدارقطني: لم يروه عن زيد غير سوار وسوار متروك اه الحديث: 6192 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 6193 - (القناعة مال لا ينفذ) لأن القناعة تنشأ من غنى القلب بقوة الإيمان ومزيد الإيقان ومن قنع أمد بالبركة ظاهرا وباطنا لأن الإنفاق منها لا ينقطع إذ صاحبها كلما تعذر عليه شيء قنع بما دونه ورضي فلا يزال غنيا عن الناس ولهذا كان ما يقنع به خير الرزق كما في الخبر السابق ومن قنع بما قسم له كانت ثقته بالله التي شأنها أن لا تنقطع لتأكد الوثاقة كنز له لا ينفذ إمداده ولهذا قال لقمان لابنه: يا بني الدنيا بحر عميق غرق فيه ناس كثير فاجعل سفينتك فيها القناعة <تنبيه> سئل بعض الصوفية عن مقام القناعة هل يطلب من ربه القناعة بما أعطاه الحق له من معرفته كما يقنع [ص: 540] بنظيره من القوت؟ فأجاب بأن القناعة المطلوبة خاصة بأمور الدنيا لئلا يشتغل بكثرتها عن آخرته لكونه مجبولا على الشح وأما القناعة من المعرفة بالقليل فمذمومة بنص آية {وقل رب زدني علما} أي بك وبأسرار أحكامك لا زيادة من التكاليف فإنه كان يكره السؤال في الأحكام وأنشد يقول: إن القناعة باب أنت داخله. . . إن كنت ذاك الذي يرجى لخدمته فاقنع بما أعطت الأيام من نعم. . . من الطبيعة لا تقنع بنعمته لو كان عندك مال الخلق كلهم. . . لم يأكل الشخص منه غير لقمته وأنشد يقول: لا تقنعن بشيء دونه أبدا. . . وأشره فإنك مجبول على الشره واحرص على طلب العلياء تحظ بها. . . فليس نائم ليل مثل منتبه وقال أبو العتاهية: تسربلت أخلاقي قنوعا وعفة. . . فعندي بأخلاقي كنوز من الذهب فلم أر حظا كالقنوع لأهله. . . وأن يحمل الإنسان ما عاش في الطلب وقال ابن دريد: ذاق روح الغنى من لا قنوع له. . . ولم تر قانعا ما عاش مفتقرا العرف من يأته تحمد معيشته. . . ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا (القضاعي) وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه خلاد بن عيسى الصفار ورواه الطبراني في الأوسط عن جابر باللفظ المذكور رزاد وكنز لا يفنى قال الذهبي: وإسناده واه الحديث: 6193 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 6194 - (القنطار ألفا أوقية) بألف التثنية. قال في الكشاف: القنطار المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته ومنه القنطرة لأنه مشيد. قال بعضهم يصف ناقة: كقنطرة الرومي أقسم ربها. . . لتكتنفن حتى تشاد بقرمد قال النووي: وأجمع أهل الفقه والحديث واللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما (ك) في النكاح (عن أنس) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {والقناطير المقنطرة} فذكره. قال الحاكم: على شرطهما ورده الذهبي بأنه خبر منكر الحديث: 6194 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 6195 - (القنطار اثنتا عشرة ألف أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء وربما جاء وقية وليست بعالية وهمزتها زائدة كذا في النهاية (كل أوقية خير مما بين السماء والأرض) قاله في تفسير القناطير المقنطرة. قال أبو عبيد: لا تجد العرب تعرف وزن القنطار. وفي رواية للديلمي القنطار مئة رطل والرطل اثني عشرة أوقية والأوقية سبعة دنانير والدينار أربعة وعشرون قيراطا اه. وقال ابن الأثير: الأوقية في غير هذا الحديث نصف سدس الرطل وهو جزء من اثني عشر جزءا ويختلف باختلاف اصطلاح البلاد اه. وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند قال المؤلف في حاشية القاضي صحيح عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن قول الله {والقناطير المقنطرة} قال: القنطار ألف دينار (هـ حب عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 6195 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 6196 - (القهقهة) أي الضحك بصوت يقال قه قها ضحك وقال في ضحكه قه بالسكون فإذا كرر قيل قهقه قهقهة كدحرج [ص: 541] دحرجة (من الشيطان) أي هو يحبها ويحمل عليها (والتبسم) أي الضحك قليلا من غير صوت (من الله) فتبطل القهقهة الصلاة دون التبسم عند الحنفية وكذا عند الشافعية إن ظهر منها حرفان أو حرف مفهم (طس عن أبي هريرة) رضي الله عنه الحديث: 6196 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 حرف الكاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 6197 - (كاتم العلم) أي عن أهله (يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء) لما سبق أن العلم يتعدى نفعه إليهما فإنه آمر بالإحسان إليهما حتى بإحسان القتلة فكتمه يضر بهما وبغيرهما من الحيوانات وقد تظافرت النصوص القرآنية على ذم كاتم العلم {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} {وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم تارة بخلا به وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا وتارة خوفا أن يحتج عليهم بما أظهروه منه وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين للعلم فإنه تارة يكتمونه بخلا به وتارة كراهة أن ينال غيرهم من الفضل والتقدم والوجاهة ما نالوه وتارة اعتياضا برئاسة أو مال فيخاف من إظهاره انتقاص رتبته وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل وذلك كله مذموم وفاعله مطرود من منازل الأبرار ومقامات الأخيار مستوجب للعنة في هذه الدار ودار القرار (ابن الجوزي في) كتاب (العلل) المتناهية في الأخبار الواهية (عن أبي سعيد) الخدري وقضية صنيع المصنف أن ابن الجوزي سكت عليه والأمر بخلافه فإن تعقبه بقوله: حديث لا يصح فيه يحيى بن العلاء قال أحمد: كذاب يضع الحديث: 6197 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 6198 - (كاد الحليم أن يكون نبيا) أي قرب من درجة النبوة وكاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكن لم يكن لفقد شرط أو عروض مانع. قال العسكري: كذا يرويه المحدثون ولا تكاد العرب تجمع بين كاد وأن وبهذا نزل القرآن. (لطيفة) قد ألغز أبو العلاء المصري في لفظة كاد فقال: أنحوي هذا العصر ما هي لفظة. . . جرت في لساني جرهم وثمود إذ ما نفت والله أعلم أثبتت. . . وإن أثبتت قامت مقام جحود وقال الشهاب الحجازي: فلم أجد أحدا أجاب فقلت لقد كاد هذا اللغز يصدئ فكرتي. . . وما كدت أشفى غلتي بورود وهذا جواب يرتضيه ذوو النهى. . . وممتنع عن فهم كل بليد وهذا الجواب لغز أيضا فأوضحه بعضهم بقوله: أشار الحجازي الإمام الذي حوى. . . علو ما زكت من طارف وتليد إلى كاد إفصاحا لذي الفضل والنهى. . . وأبهم إبعادا لكل بليد (خط) في ترجمة محمد البزدوي (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي متروك والربيع بن صبح ضعفه ابن معين وغيره ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 6198 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 [ص: 542] 6199 - (كاد الفقر) أي الفقر مع الاضطرار إلى ما لا بد منه كما ذكره الغزالي (أن يكون كفرا) أي قارب أن يوقع في الكفر لأنه يحمل على حسد الأغنياء والحسد يأكل الحسنات وعلى التذلل لهم بما يدنس به عرضه ويلثم به دينه وعلى عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق وذلك إن لم يكن كفرا فهو جار إليه ولذلك استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفقر وقال سفيان الثوري: لأن أجمع عندي أربعين ألف دينار حتى أموت عنها أحب إلي من فقر يوم وذلي في سؤال الناس قال: ووالله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ببلية من فقر أو مرض فلعلي أكفر ولا أشعر فلذلك قال: كاد الفقر أن يكون كفرا لأنه يحمل المرء على ركوب كل صعب وذلول وربما يؤديه إلى الاعتراض على الله والتصرف في ملكه كما فعل ابن الراوندي في قوله: كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه. . . وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأوهام حائرة. . . وصير العالم التحرير زنديقا والفقر نعمة من نعم الله إلى الإنابة والالتجاء إليه والطلب منه وهو حلية الأنبياء ورتبة الأولياء وزي الصلحاء ومن ثم ورد خبر: إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين فهو نعمة جليلة بيد أنه مؤلم شديد التحمل <تنبيه> قال الغزالي: هذا الحديث ثناء على المال ولا تقف على وجه الجمع بين المدح والذم إلا بأن تعرف حكمة المال ومقصوده وإفادته وغوائله حتى ينكشف لك أنه خير من وجه شر من وجوه وليس بخير محض ولا بشر محض بل هو سبب للأمرين معا يمدح مرة ويذم مرة والبصير المميز يدرك أن المحمود منه غير المذموم (وكاد الحسد أن يكون سابق القدر) أي كاد الحسد في قلب الحاسد أن يغلب على العلم بالقدر فلا يرى أن النعمة التي حسد عليها أنها صارت إليه بقدر الله وقضائه كما أنها لا تزول إلا بقضائه وقدره وغرض الحاسد زوال نعمة المحسود ولو تحقق القدر لم يحسده واستسلم وعلم أن الكل بقدر <تنبيه> قال ابن الأنباري في الانتصاف: لا يستعمل أن مع كاد في اختيار ولذلك لم يأت في القرآن ولا في كلام فصيح فأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا فإن صح فزيادة أن من كلام الراوي لا من كلام الرسول لأنه أفصح من نطق بالضاد وقال النووي: إثبات أن مع كاد جائز لكنه قليل وقال ابن مالك: وقوع خبر كاد مقرونا بأن قد خفي على أكثر النحاة وقوعه والصحيح جوازه لكنه قليل ولذلك لم يقع في القرآن لكن عدم وقوعه فيه لا يمنع من استعماله قياسا (حل) من حديث المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن حجاج بن قرافصة عن يزيد الرقاشي (عن أنس) ويزيد الرقاشي قال في الميزان: تالف وحجاج قال أبو زرعة: ليس بقوي ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه يزيد المذكور ورواه الطبراني من وجه آخر بلفظ كاد الحسد أن يسبق القدر وكادت الحاجة أن تكون كفرا قال الحافظ العراقي: وفيه ضعف وقال السخاوي: طرقه كلها ضعيفة قال الزركشي: لكن يشهد له ما خرجه النسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد مرفوعا اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر فقال رجل ويعتدلان قال نعم الحديث: 6199 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 6200 - (كادت النميمة) أي قارب نقل الحديث من قوم لقوم على وجه الإفساد (أن تكون سحرا) أي خداعا ومكرا أو صرفا للشيء عن وجهه وإخراجا للباطل في صورة الحق فلما كادت النميمة أن تجذب السامع إلى بغض المنقول عنه ويوقع بينه وبين الشرور شبهت بالسحر الحقيقي (ابن لال) في المكارم (عن أنس) وفيه الكديمي وقد مر غير مرة ضعفه والمعلى بن الفضل قال الذهبي في الضعفاء: له مناكير ويزيد الرقاشي قد تكرر أنه متروك الحديث: 6200 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 6201 - (كافل اليتيم) أي المربي له أو القائم بأمره من نحو نفقة وكسوة وتأديب وغير ذلك (له) كقريبه (أو لغيره) [ص: 543] كالأجنبي (أنا وهو كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى (في الجنة) مصاحبا له فيها وقد تطابقت الشرائع والأديان على الحث على الإحسان إلى اليتيم وحق على من سمع هذا الحديث العمل به ليكون رفيق المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة أفضل من ذلك وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى من كلام داود عليه السلام كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك كما تزرع تحصد رواه الطبراني وكذا البخاري في الأدب المفرد (عن أبي هريرة) ورواه البخاري بدون قوله ولغيره اه والتقديم والتأخير مع اتحاد المعنى لا أثر له ورواه الطبراني بزيادة قيل حسن لا بد منه. ولفظه كافل اليتيم أو لغيره إذا اتقى معي في الجنة كهاتين قال الهيثمي: رجاله ثقات والمراد اتقى في التصرف لليتيم الحديث: 6201 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 6202 - (كان أول من أضاف الضيف) أي أول الناس تضيفا (إبراهيم) الخليل قال في النهر: وهو الأب الحادي والثلاثون لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو أول من اختتن قال ابن المسيب: وأول من قص شاربه وأول من رأى الشيب والضيف مجازا باعتبار ما يؤول إليه وفي رواية كان يسمى أبا الضيفان كان يمشي الميل والميلين في طلب من يتغذى معه قيل دعا من يأكل معه فحضر فقال له قل بسم الله قال لا أدري ما الله فهبط جبريل فقال يا خليل الله إن الله يطعمه منذ خلقه وهو كافر فبخلت أنت عليه بلقمة وفي الكشاف كان لا يتغذى إلا مع ضيف فلم يجده يوما فإذا هو بفوج من الملائكة بصورة البشر فدعاهم فخيلوا له أن بهم جذاما فقال الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أن عافاني (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (قرى الضيف عن أبي هريرة) الحديث: 6202 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 6203 - (كان على موسى) بن عمران (يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف) بضم الكاف وتشديد الميم أو بكسر الكاف قلنسوة صغيرة أو مدورة (وسراويل صوف) قال ابن العربي: إنما جعل ثيابه كلها صوفا لأنه كان بمحل لم يتيسر له فيه سواه فأخذ باليسر وترك التكليف والعسر وكان من الاتفاق الحسن أن آتاه الله تلك الفضيلة وهو على تلك اللبسة التي لم يتكلفها وقال الزين العراقي: يحتمل كونه مقصودا للتواضع وترك التنعم أو لعدم وجود ما هو أرفع ويحتمل أنه اتفاقي لا عن قصد بل كان يلبس كل ما يجد كما كان نبينا يفعل (وكانت نعلاه من جلد حمار ميت) يحتمل أنها كانت مدبوغة فذكر في الحديث أصلها وترك ذكر الدباغ للعلم به وجرى العادة بدباغها قبل لبسها ويحتمل أن شرعه استعمالها بدون دباغ ولكونها من جلد ميت في الجملة قيل له {اخلع نعليك إنك بالواد المقدس} أي طأ الأرض بقدميك لتصيب قدميك بركة هذا الوادي الذي من الله به عليك فأخذ اليهود منه لزوم خلع النعلين في الصلاة وليس الأخذ صحيحا كما سبق قال ابن عربي: قد أمر بخلع نعليه التي جمعت ثلاثة أشياء الجلد وهو ظاهر الأمر أي لا تقف مع الظاهر في كل الأحوال الثاني البلادة فإنها منسوبة إلى الحمار الثالث كونه ميتا غير ذكي والموت الجهل وإذا كنت لا تعقل ما تقول ولا ما يقال لك كنت ميت والمناجي لا بد أن يكون بصفة من يعقل ما يقول وما يقال له فيكون حي القلب فطنا بمواقع الكلام غواصا على المعاني التي يقصدها من يناجيه واعلم أن هذا الحديث قد وقع فيه في بعض الروايات زيادة منكرة بشعة قال الحافظ ابن حجر: وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعر جلدي منه أخرج ابن الجوزي في الموضوعات الحديث عن ابن مسعود باللفظ المذكور زاد في آخره فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة قال: أنا الله قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوق والمتهم به حميد الأعرج قال ابن حجر: كلا والله إن حميدا بريء من هذه الزيادة المنكرة وما أدرى ما أقول في ابن بطة بعد هذا (ت) من حديث حميد بن علي الأعرج عن عبد الله بن الحارث (عن [ص: 544] ابن مسعود) ثم قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال حميد هذا منكر الحديث اه. وذكر مثله في المستدرك ثم قال: هذا أصل كبير في التصوف وعده في الميزان من مناكير الأعرج لكن شاهده خبر أبي أمامة عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم قال الذهبي: ساقه من طريق ضعيف وسقط نصف السند من النسخة اه وبه عرف أنه لا اتجاه لجعل ابن الجوزي له في الموضوعات لكن قال الزين العراقي: هو حديث غير صحيح وقال المنذري: صححه الحاكم ظانا أن حميدا الأعرج هو ابن قيس المكي وإنما هو ابن علي وقيل ابن عمار أحد المتروكين الحديث: 6203 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 6204 - (كان داود) نبي الله (أعبد) وفي رواية من أعبد (البشر) أي أكثرهم عبادة في زمانه أو مطلقا والمراد أشكرهم قال تعالى {اعملوا آل داود شكرا} أي بالغ في شكري وابذل وسعك فيه قيل جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فما من ساعة إلا وإنسان منهم قائم يصلي (ت ك) في التفسير من حديث فضيل عن محمد بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن عبد الله هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة اه وأفاد الهيثمي أن البزار رواه بإسناد حسن وبه يعرف أن المصنف لم يصب حيث آثر الرواية التي فيها الكذب على الرواية الحسنة بل قال في جواهر العقدين: إن الحديث في صحيح مسلم الحديث: 6204 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 6205 - (كان أيوب) النبي عليه السلام (أحلم الناس) أي أكثرهم حلما والحلم سعة الأخلاق (وأصبر الناس) أي أكثرهم صبرا على السقم وصفة الحليم تحمل أثقال الأمر والنهي بالرضى وسعة الصدر (وأكظمهم للغيظ) لأن الله شرح صدره فاتسع لتحمل مساوئ الخلق ومن ثم لما سئل حكيم عن الحلم قال: هو تطييب الأمور في الصدور وسئل علي: ما العلم؟ قال: خشية الرب واعتزال الخلق قيل: فما الحلم قال: كظم الغيظ وملاك النفس (الحكيم) الترمذي (عن ابن أبزى) الذي وقفت عليه في كتب الحكيم ابن أبزى بفتح الهمزة وسكون الموحدة ثم زاي مقصور الخزاعي صحابي صغير الحديث: 6205 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 6206 - (كان الناس يعودون داود) أي يزورونه (يظنون أن به مرضا وما به شيء إلا شدة الخوف) وفي رواية للحكيم بدله الفرق (من الله تعالى) زاد أبو نعيم في رواية والحياء هذا لفظه وذلك لما غلب على قلبه من الهيبة الجلالية عاين القلب سلطانا عظيما فلم يتمالك لأنه لزمه الوجل حتى كاد يغلق كبده فظهرت العبرة على جوارحه الظاهرة قال يزيد الرقاشي: خرج داود في أربعين ألفا يعظهم ويخوفهم فمات منهم ثلاثون ألفا ورجع في عشرة آلاف وكان له جاريتان اتخذهما حتى إذا جاءه الخوف وسقط فاضطرب قعدتا على رجليه وصدره مخافة أن تتفرق مفاصله فيموت (ابن عساكر) في ترجمة داود وكذا أبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور ولعل المؤلف لم يستحضر كلا منهما عن (ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهما محمد بن عبد الرحمن بن غزوان قال الذهبي: قال ابن حبان يضع وقال ابن عدي متهم بالوضع ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير سديدة لإيهامه الحديث: 6206 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 6207 - (كان زكريا) بالمد والقصر والشد والتخفيف اسم أعجمي (نجارا) فيه إشارة إلى أن كل أحد لا ينبغي له أن يتكبر [ص: 545] عن كسب يده لأن نبي الله مع علو درجته اختار هذه الحرفة وفيه أن التجارة لا تسقط المروءة وأنها فاضلة لا دناءة فيها فالاحتراف بها لا ينقص من مناصب أهل الفضائل (حم م) في المناقب (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن ماجه ولم يخرجه البخاري قال القرطبي: بل الحرف والصنائع غير الدينية زيادة في فضل أهل الفضل لحصول مزيد التواضع والاستغناء عن الغير وكسب الحلال الخالي عن المنة قال: وقد كان كثير من الأنبياء يزاولون الأعمال فآدم الزراعة ونوح التجارة وداود الحدادة وموسى الكتابة كان يكتب التوراة بيده وكل منهم قد رعى الغنم الحديث: 6207 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 6208 - (كان نبي من الأنبياء) إدريس أو دانيال أو خالد بن سنان (يخط) كانت العرب تأخذ خشبة وتخط خطوطا كثيرة على عجل كي لا يلحقها العدد وتمحو خطين خطين وإن بقي زوج فهو علامة النجاح أو فرد فعلامة الخيبة والعرب تسميه الأشحم ذكره الزمخشري. وقال القاضي: قوله يخط أي يضرب خطوطا كخطوط الرمل فيعرف الأحوال بالفراسة بتوسط تلك الخطوط (فمن وافق خطه) أي من وافق خطه خطه في الصورة والحالة وهي قوة الخاطر في الفراسة وكماله في العلم والورع الموجبين لها (فذاك) الذي تجدون إصابته أو فذاك الذي يصيب ذكره القاضي قال: والمشهور خطه بالنصب فيكون الفاعل مضمرا وروي بالرفع فيكون المفعول به محذوفا قال الحكيم: والخط علم عظيم خص به أهله وقيل المراد به الزجر عنه والنهي عن تعاطيه لأن خط ذلك النبي عليه السلام كان معجزة وعلما لنبوته وقد انقطعت نبوته ولم يقل فذلك الخط حرام دفعا لتوهم أن خط ذلك النبي عليه السلام حرام وقال النووي: الصحيح أن معناه أن من وافق خطه فهو مباح له لكن لا طريق لنا إلى العلم باليقين بالموافقة فلا يباح والقصد أنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا بها يقين اه فقال ابن الأثير: قال ابن عباس الحزر ما يخطه الحازر وهي بمهملة وزاي معجمة أي يحرز الأشياء ويقدرها بظنه وهو علم قد تركه الناس يأتي صاحب الحاجة إليه فيعطيه حلوانا فيقول اقعد حتى أخط وبين يديه غلام بيده منديل فيأتي أيضا رخوة فيخط فيها خطوطا بالعلة ليلا يلحقها العدد ثم يمحوها على مهل خطين خطين وغلامه يقول العيان بن عيان أسرع البيان فإن بقي خطان فعلامة النجح وإلا فالخيبة وهو علم معروف فيه تصانيف (حم م) في الصلاة (د ن عن معاوية بن الحكم) بفتح الحاء والكاف السلمي قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام إلى أن قال ومنا رجال يخطون فذكره ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن معاوية الحديث: 6208 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 6209 - (كان رجل يداين الناس) أي يجعلهم مديونين له وفي رواية رجل لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس (فكان يقول لفتاه) أي غلامه كما صرح به في رواية أخرى (إذا أتيت معسرا) وهو من لم يجد وفاء (فتجاوز عنه) بنحو إنظار وحسن تقاض والتجاوز التسامح في التقاضي وقبول ما فيه نقص يسير (لعل الله) أي عسى الله (أن يتجاوز عنا) قال الطيبي: أراد القائل نفسه لكن جمع الضمير إرادة أن يتجاوز عمن فعل هذا الفعل ليدخل فيه دخولا أوليا ولهذا ندب للداعي أن يعم في الدعاء (فلقي الله) أي رحمته في القبر أو القيامة (فتجاوز عنه) أي غفر له ذنوبه ولم يؤاخذه بها لحسن ظنه ورجائه أنه يعفو عنه مع إفلاسه من الطاعات وأفاد بفضل إنظار المعسر والوضع عنه ولو لما قل وأنه مكفر وفضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار فعل الخير وإن قل فلعلها تكون سببا للرحمة والمغفرة (حم ق ن) في البيع (عن أبي هريرة) الحديث: 6209 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 [ص: 546] 6210 - (كان هذا الأمر) أي الخلافة (في حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح المثناة تحت قبيلة بواد من اليمن (فنزعه الله منهم) ببعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم (وجعله في قريش وسيعود إليهم) في آخر الزمان بعد نزعه من قريش (حم طب عن ذي مخبر) بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الميم ويقال ذو مخبر بموحدة بدل الميمين أخي النجاشي صحابي خدم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال الهيثمي: رجالهما ثقات اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن قال ابن الجوزي: هذا حديث منكر وإسماعيل بن عياش أحد رجاله ضعفوه وبقية مدلس يروي عن الضعفاء الحديث: 6210 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 6211 - (كان الحجر الأسود أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم) وليس من لازم تسويدها له أن تبيضه طاعات مؤمنيهم كما زعمه بعض الضالين ونسب للجاحظ فقد تكون من فوائد بقائه مسودا أن يأتي سواده شهيدا على الكفار يوم القيامة <فائدة> في أمالي ابن دريد عن الحبر أن آدم أهبط ومعه الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج فوضعه على أبي قبيس فكان يضيء بالليل كأنه القمر فحيث بلغ ضوءه كان من الحرم اه (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6211 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 6212 - (كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأدخل الجنة) بسبب إماطتها (هـ عن أبي هريرة) ورواه أحمد وأبو يعلى عن أنس ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6212 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 6213 - (كبر كبر) أي ليلي الكلام أو يبدأ بالكلام الأكبر وسببه أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود انطلقا إلى خيبر وهي يومئذ صلح فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم وهو أحدث القوم فقال فذكره (حم ق د عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة ومثلثة ساكنة (حم عن رافع بن خديج) ورواه عنه أيضا الترمذي وابن ماجه في الديات والنسائي في القضاء فما أوهمه المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا أولئك غير صواب الحديث: 6213 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 6214 - (كبرت الملائكة على آدم) أربعا في الصلاة عليه زاد الحاكم في روايته وكبر أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وكبر عمر على أبي بكر وكبر صهيب على عمر أربعا وكبر الحسن على علي أربعا وكبر الحسين على الحسن أربعا اه. وهذا كما ترى صريح في رد قول الفاكهي أن الصلاة على الجنائز من خصائص هذه الأمة (ك) عن مبارك بن فضالة عن الحسن (عن أنس) بن مالك (حل عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن مبارك ليس بحجة الحديث: 6214 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 6215 - (كبرت خيانة) أنثه باعتبار التمييز وهو فاعل معنى (أن تحدث أخاك حديثا) في الدين وإن لم يكن أخاك من النسب (هو لك به مصدق وأنت له به كاذب) لأنه ائتمنك فيما تحدثه به فإن كذبته فقد خنت أمانته وخنت أمانة [ص: 547] الإيمان فيما أوجب من نصيحة الإخوان {والله لا يحب الخائنين} قال الطيبي: أخاك فاعل كبرت وأنث الفعل له باعتبار المعنى لأنه نفس الخيانة وفيه معنى التعجب كما في {كبر مقتا عند الله} والمراد خيانة عظيمة منك إذا حدثت أخاك المسلم بحديث وهو يعتمد عليك اعتمادا على أنك مسلم لا تكذب فيصدقك والحال أنك كاذب قال النووي: والتورية والتعريض إطلاق لفظ هو ظاهر في معنى ويريد معنى آخر يتناوله اللفظ لكنه خلاف ظاهره وهو ضرب من التغرير والخداع فإن دعت إليه مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا به فلا بأس وإلا كره فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق حرم عليه وعليه ينزل هذا الخبر ونحوه (خد د) في الأدب (عن سفيان بن أسيد) بفتح الهمزة وإسناده كما قال النووي في الأذكار: فيه ضعف لكن لم يضعفه أبو داود فاقتضى كونه حسنا عنده قال البغوي: ولا أعلم لسفيان غير هذا الحديث وقال المنذري: رواه أبو داود من رواية بقية بن الوليد (حم طب) وكذا ابن عدي (عن النواس) بن سمعان قال المنذري: رواه أحمد عن شيخه عمر بن هارون وفيه خلف وبقية رجاله ثقات وقال الهيثمي: فيه شيخ الإمام أحمد عمر بن هارون ضعيف وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي: في حديث سفيان ضعفه ابن عدي وحديث النواس سنده جيد الحديث: 6215 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 6216 - (كبر) أي شق وعظم (مقتا عند الله الأكل من غير جوع) فإنه مذموم شرعا وطبا مورث لأمراض كثيرة وكثيرا ما يفضي إلى الموت فهو كفر لنعمة الحياة (والنوم من غير سهر والضحك من غير عجب) لأنه يقسي القلب وينسي ذكر الرب (وصوت الرنة) أي الصياح (عند المصيبة) أي عند حدوثها (والمزمار عند النعمة) (فر عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عبد الله بن أبان قال الذهبي: قال ابن عدي مجهول منكر الحديث وعمرو بن بكر السكسكي قال ابن عدي: منكر الحديث الحديث: 6216 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 6217 - (كبروا على موتاكم بالليل والنهار أربع تكبيرات) أي كبروا في الصلاة على الجنازة أربع تكبيرات سواء صليتم على موتاكم ليلا أو نهارا (حم عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه الحديث: 6217 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 6218 - (كبري الله) يا أم هانئ التي قالت يا رسول الله دلني على عمل فإني ضعفت وكبرت وبدنت (مئة مرة) أي قولي (الله أكبر مئة مرة واحمدي الله مئة مرة) أي قولي الحمد لله مئة مرة (وسبحي الله مئة مرة) أي قولي (سبحان الله مئة مرة فإن ذلك خير من مئة فرس ملجم مسرج في سبيل الله) أي فإن ثواب هذه الكلمات أعظم من ثواب إعداد تلك الخيول للجهاد (وخير من مئة بدنة) أي وثوابها أعظم من ثواب مئة بدنة تنحر ويفرق لحمها على المساكين (وخير من مئة رقبة) أي وثوابها أعظم من ثواب عتق مئة رقبة لله تعالى وزاد الحاكم في رواية متقبلة وقول لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يشبهها عمل اه (هـ عن أم هانئ) قالت: يا رسول الله دلني على عمل فإني قد ضعفت وكبرت وبدنت فذكره رمز المصنف لحسنه ورواه الحاكم عن زكريا بن منظور عن محمد بن عقبة عن أم هانئ وصححه وتعقبه الذهبي بأن زكريا ضعفوه وسقط من بين محمد وأم هانئ اه وسند ابن ماجه محرر الحديث: 6218 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 6219 - (كتاب الله القصاص) برفعهما على الابتداء والخبر وحذف مضاف أي حكمة القصاص والإشارة إلى نحو قوله [ص: 548] {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} الآية وقوله {وإن عاقيتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} الآية وقوله {والجروح قصاص} وكذا قوله {وكتبنا عليهم فيها} إلى قوله {السن بالسن} إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا إن لم يرد ناسخ ويجوز بنصب الأول على الإغراء أي عليكم كتاب الله والزموا كتاب الله ورفع الثاني على حذف الخبر أي القصاص أوجب أو مستحق والقصاص قتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة من غير مجاوزة ولا عدوان (حم ق د ن هـ عن أنس) بألفاظ متقاربة والمعنى متفق وهذا قاله في قصة كسر الربيع ثنية الأنصارية الحديث: 6219 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 6220 - (كتاب الله) أي القرآن (هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض) أي هو الوصلة التي يوثق عليها فيستمسك بها من أراد الرقي والعروج إلى معارج القدس وجوار الحق كأنه قيل ما السبب الموصل إلى الله الذي في السماء سلطانه فقال: هو التمسك بالقرآن والسبب في أصل اللغة هو الحبل (ش وابن جرير) الطبري (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه الحديث: 6220 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 6221 - (كتب الله مقادير الخلائق) أي أجرى القلم على اللوح أو غيره بتحصيل مقاديرها على وفق ما تعلق به وإرادته وليس المراد هنا أصل التقدير لأنه أزلي لا ابتداء له (قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) معناه طول الأمد وتكثير ما بين الخلق والتقدير من المدد لا التحديد إذ لم يكن قبل السماوات والأرض سنة ولا شهر فلا تدافع بينه وبين خبر الألفين المار قال البيضاوي: أو تقديره ببرهة من الدهر الذي يوم فيه كألف سنة مما تعدون أو من الزمان نفسه قال: فإن قلت كيف يحمل على الزمان وهو على المشهور مقدار حركة الفلك الذي لم يخلق حينئذ قلت فيه كلام وإن سلم فمن زعم ذلك قال بأنه مقدار الفلك الأعظم الذي هو عرش الرحمن وكان موجودا حينئذ بدليل قوله فيما بعده {وكان عرشه على الماء} (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات قال بعض أهل التحقيق: ذلك الماء هو العلم قال بعضهم: وفيه صراحة بأن أول المخلوقات العرش والماه والله أعلم بأيهما سبق الآخر ومن وهم أن هذا الخبر يدل على أن أولها العرش فحسب فقد وهم ثم أن ما ذكر من الأولية يعارضه خبر الترمذي أول ما خلق القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد وادعى بعضهم أن أول ما خلق الله الماء ثم أوجد منه سائر الأجرام تارة بالتلطيف وأخرى بالتكثيف <تنبيه> قال التونسي: في قوله {وكان عرشه على الماء} بيان استحالة الجهة في حقه تعالى لأن استقرار العرش على الماء فعلم بأنه لما خرقت العادة باستقرار هذا الجرم العظيم الذي هو أعظم الأجرام على الماء الذي ليس من عادة مثله بل ولا عادة أقل منه من الأجرام الراتبة أن يستقر على الماء علم أن الاستواء عليه ليس استواء استقرار وتمكن (م) في الإيمان بالقدر (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا الترمذي وغيره ولم يخرجه البخاري الحديث: 6221 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 6222 - (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي) هذا على وزان {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله عفو كريم يتجاوز عنه بفضله والمراد بالسيف القاطع بوقوعها ذكره الطيبي وقال القاضي: التزمها تفضلا وإحسانا والمراد بالرحمة ما يعم الدارين قال: والله تعالى غفور رحيم بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مسامح فيها اه. وقال التفتازاني: الكتابة باليد تصوير وتمثيل لإثباته وتقديره (هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6222 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 [ص: 549] 6223 - (كتب علي الأضحى) أي التضحي (ولم يكتب عليكم) أيها الأمة (وأمرت بصلاة الضحى) أي بفعلها في كل يوم في وقتها المعروف (ولم تؤمروا بها) أي أمر إيجاب بل أمر ندب وهذا من أدلة الجمهور على عدم وجوب التضحية علينا وأوجبها الحنفية على المقيم القادر (حم طب) وكذا أبو يعلى (عن ابن عباس) قال الذهبي: فيه جابر الجعفي ضعيف جدا بل كذاب رافضي خبيث وقال ابن حجر في التخريج: حديث ضعيف من جميع طرقه وصححه الحاكم فذهل اه. لكن قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح اه الحديث: 6223 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 6224 - (كتب على ابن آدم) أي قضى عليه وأثبت في اللوح المحفوظ وقيل خلق له إرادة وعدة من الحواس وغيرها والأول هو المناسب لمعاني هذا الباب (نصيبه من الزنا) أي مقدماته من التمني والتخطي لأجله والتكلم فيه طلبا أو حكاية أو استماعا ونحوها (مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه) أي بالإتيان بما هو المقصود من ذلك أو بالترك أو بالكف عنه ولما كانت المقدمات من حيث كونها طلائع وأمارات تؤذن بوقوع ما هي وسيلة إليه تشابه المواعيد والأخبار عن الأمور المتوقعة سمى ترتب المقصود عليها الذي هو كالمدلول لها وعدم ترتبه صدقا وكذبا (هـ عن أبي هريرة) ورواه البخاري مختصرا الحديث: 6224 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 6225 - (كثرة الحج والعمرة تمنع العلة) التي هي الفقر والمسكنة يعني أنهما سببان للغنى بخاصية فيهما علمها الشارع (المحاملي) أبو الحسن بن إبراهيم (في أماليه) عن أم سلمة وفيه عبد الله بن شبيب المكي قال الذهبي في الضعفاء: متهم ذو مناكير وفليح بن سليمان قال النسائي وابن معين: ليس بقوي وخالد بن إلياس قال الذهبي: منكر وليس بالساقط الحديث: 6225 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 6226 - (كخ كخ) بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسرها منونة وغير منونة فهي ست لغات وهي كلمة ردع للطفل عن تناول شيء مستقذر قال الزمخشري: وتقال عند التقذر من الشيء أيضا قال:. . . وعاد وصل الغانيات كخا. . . اه. وهي من أسماء الأفعال على ما في التسهيل ومن أسماء الأصوات على ما في حواشيه الهشامية عربية أو معربة وهذه قالها للحسن وقد أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فزجره وقال (ارم بها) وفي رواية اطرحها وفي أخرى ألقها ولا تعارض فإنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال كخ إشارة إلى استقذار ذلك ويحتمل عكسه (أما) بهمزة الاستفهام وفي رواية بحذفها وهي مرادة (شعرت) بالفتح فطنت يعني أخفي علي فطنتك (أنا) آل محمد صلى الله عليه وسلم (لا نأكل الصدقة) بالتعريف وفي رواية بدونه أي لحرمتها علينا وظاهره يعم النفل لكن السياق خصها بالفرض لأنه الذي يحرم على آله وفيه أن الطفل يجنب الحرام لينشأ عليه ويتمرن وحل تمكينه من اللعب بما لا يملكه حيث لا ضرر ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع المميز إعلاما بالنهي وأخذ منه ندب مخاطبة نحو العجمي بما يفهمه من لغته (ق عن أبي هريرة) الحديث: 6226 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 [ص: 550] 6227 - (كذب النسابون) قال في الكشاف: يعني أنهم يدعون علم الأنساب وقد نفى الله علمها عن العباد (قال الله تعالى {وقرونا بين ذلك كثيرا} ) يعني هم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله قال ابن دحية: أجمع العلماء والإجماع حجة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا انتسب لا يجاوز عدنان (ابن سعد) في الطبقات (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) الحديث: 6227 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 6228 - (كرامة) وفي رواية إكرام (الكتاب ختمه) زاد القضاعي في روايته وذلك قوله تعالى {إني ألقي إلي كتاب كريم} قيل في تفسيره وصفته بالكرم لكونه مختوما قال العامري: الكرم هنا التكريم للكتاب ويرجع إلى السر المودع فيه وقد يسمى المكتوب كتابا ومآل التكريم يعود إلى المكتوب فيه بصيانة سره بالختم ولما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكتاب إلى ملوك العجم قيل له لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم فاصطنعه وعن ابن المقنع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك ورواه من هذا الوجه القضاعي والثعلبي والواحدي قال ابن ظاهر: وافقه عندهم محمد بن مروان وهو متروك الحديث وقال العامري: هو جلي حسن الحديث: 6228 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 6229 - (كرم المرء دينه) أي به يشرف ويكرم ظاهرا وباطنا قولا وفعلا وفي رواية للعسكري كرم الرجل تقواه والكرم كثرة الخير والمنفعة لا ما في العرف من الاتفاق والبذل شرفا وفخرا (ومروءته عقله) لأن به يتميز عن الحيوان وبه يعقل نفسه عن كل خلق دنيء ويكفها عن شهواتها الرديئة وطباعها الدنيئة ويؤدي إلى كل ذي حق حقه من حق الحق والخلق فليس المراد بالمروءة ما في عرفكم من جمال الحال والاتساع في المال بذلا وإظهارا فليس كل عاقل يكون له مال يتوسع فيه بذلا وعطاء بل قال الحكماء: المروءة نوعان أحدهما البذل والعطاء والآخر كف الهمة عن الأسباب الدنيئة وهو أتم وأعلا (وحسبه خلقه) بالضم أي ليس شرفه بشرف آبائه بل بشرف أخلاقه وليس كرمه بكثرة ماله بل بمحاسن أخلاقه وقال الأزهري: أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه وإن لم يكن له نسب وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له. قال العلائي: وحاصل المروءة راجعة إلى مكارم الأخلاق لكنها إذا كانت غريزة تسمى مروءة وقيل المروءة إنصاف من دونك والسمو إلى من فوقك والجزاء مما أوتي إليك من خير أو شر <تنبيه> قد أخذ أبو العتاهية معنى هذا الحديث فنظمه فقال: كرم الفتى التقوى وقوته. . . محض اليقين ودينه حسبه والأرض طينته وكل نبي. . . حوافيها واحد نسبه (حم ك) في النكاح (هق) من وجهين وضعفهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم ورده الذهبي بأن فيه مسلما الزنجي ضعيف وقال البخاري: منكر الحديث وقال الرازي: لا يحتج به الحديث: 6229 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 6230 - (كسب الإماء حرام) أي بالزنا أو الغناء كما يفسره خبر أبي يعلى والديلمي كسب المغنيات والنوات حرام (الضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: وصححه ابن حبان وفي الباب غيره الحديث: 6230 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 6231 - (كسر عظم الميت ككسره حيا) (حم د هـ عن عائشة) الحديث: 6231 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 6232 - (كسر عظم الميت) المسلم المحترم (ككسر عظم الحي في الإثم) لأنه محترم بعد موته كاحترامه حال حياته قال [ص: 551] ابن حجر في الفتح: يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته (هـ عن أم سلمة) وقع في الإمام أن مسلما رواه ورد عليه الحديث: 6232 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 6233 - (كفى بالدهر) وفي رواية بالموت (واعظا) كفى بتقلبه بأهله مرققا ملينا للقلوب مبينا لقرب حلول الحمام لكل إنسان والسعيد من اتعظ بغيره (وبالموت مفرقا) بشد الراء وكسرها قال الحرالي: الواعظ إهزاز النفس بوعود الجزاء وهذا قد عده العسكري من الحكم والأمثال (ابن السني في عمل يوم وليلة) وكذا العسكري (عن أنس) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن جاري يؤذيني فقال: اصبر على أذاه وكف عنه أذاك فما لبثت إلا يسيرا إذ جاءه فقال: مات فذكره هذا من بليغ حكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ووجيزها لأنه لما علم أن أسباب العظات كثيرة من العبر والآيات وطوارق الآفات وسوء عواقب الغفلات ومفارقة الدنيا وما بعد الممات قال: في عظة الموت كفاية عن جميع ذلك لأن الموت ينزعه عن جميع محبوباته في الدنيا ومخوفاته إما إلى الجنة وإما إلى ما يكرهه وذلك يوجب المنع من الركون إلى الدنيا والاستعداد إلى الآخرة وترك الغفلة الحديث: 6233 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 6234 - (كفى بالسلامة داء) لأن دوام سلامة العبد في نفسه وأهله من المصائب تورثه البطر والعجب والكبر وتحبب إليه الدنيا لما يألفه من الشهوات وحب الدنيا رأس كل خطيئة والتمتع بالشهوات المباحات يحجب القلوب عن الآخرة وكل ذلك يسقم الدين ويكدر الإيمان ويخرج إلى الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} لكن هذا لا ينافي طلب العافية المأمور به في عدة أحاديث لأن المطلوب عافية سليمة العاقبة مما ذكر (فر عن ابن عباس) وفيه عمران القطان قال الذهبي: ضعفه يحيى والنسائي قال الديلمي: وفي الباب أنس الحديث: 6234 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 6235 - (كفى بالسيف شاهدا) قاله لما بلغه أن سعد بن عبادة لما نزل قوله تعالى {والمحصنات من النساء} الآية. قال: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف ولم أمهله لآتي بأربعة شهداء وأخذ بقضيته أحمد فقال: لو أقام بينة أنه وجده مع امرأته فقتله هدر وإن لم يأت بأربعة شهداء وأوجب الشافعي القود لكن قال له فيما بينه وبين الله قتله ثم إن ما ذكر من أن لفظ الحديث شاهدا هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب لكن ذكر ابن الأثير أن الرواية كفى بالسيف أراد أن يقول شاهدا فأمسك ثم قال: لولا أن يتابع فيه الغيران والسكران وجواب لولا محذوف أراد لولا تهافت الغيران والسكران في القتل لتممت على جعله شاهدا وحكمت إلى هنا كلامه (هـ عن سلمة بن المحبق) وفيه الفضل بن دلهم قال في الكاشف: قال أبو داود وغيره: ليس بقوي الحديث: 6235 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 6236 - (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع) يعني لو لم يكن للرجل إثما إلا تحدثه بكل ما يسمعه من غير بينة أنه صدق أم كذب يكفيه من الإثم لأنه إذا تحدث بكل ما يسمعه لم يخلص من الكذب إذ جميع ما يسمع ليس بصدق بل بعضه كذب فعليه أن يبحث ولا يتحدث إلا بما ظن صدقه فإن ظن كذبه حرم وإن شك وقد أسنده لقائله وبين حاله برئ من عهدته وإلا امتنع أيضا ومحل ذلك ما إذا لم يترتب عليه لحوق ضرر وإلا حرم وإن كان صدقا بل إن تعين الكذب طريقا لدفع ذلك وجب (د ك عن أبي هريرة) الحديث: 6236 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 [ص: 552] 6237 - (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) أي من يلزم قوته قال الزمخشري: قاته يقوته إذا أطعمه قوتا ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه {وكان الله على كل شيء مقيتا} وحذف الجار والمجرور من الصلاة هنا نظير حذفهما في الصفة من قوله تقدس {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} إلى هنا كلامه وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم فمع الخوف على ضياعهم هو مضطر إلى الطلب لهم لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية لأن الدنيا بغيضة لله وسؤال أوساخ الناس قروح وخموش يوم القيامة قال الحرالي: والضيعة هو التقريظ فيما له غناء وثمرة إلى أن لا يكون له غناء ولا ثمرة (حم د ك) في الزكاة (هق عن ابن عمرو) بن العاص صححه الحاكم وأقره الذهبي وقال في الرياض: إسناده صحيح ورواه عنه أيضا النسائي وهو عند مسلم بلفظ: كفى بالمرء إثما أن يحبس عن من يملكه قوته وسببه كما في البيهقي: أن ابن عمرو كان ببيت المقدس فأتاه مولى له فقال: أقيم هنا رمضان؟ قال: هل تركت لأهلك ما يقوتهم؟ قال: لا. قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره الحديث: 6237 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 6238 - (كفى بالمرء سعادة أن يوثق به في أمر دينه ودنياه) لأنه إنما يوثق به ويعتمد عليه فيما يخبر عنه عن أمر الدين والدنيا إذا استمرت أحواله من الخلق على الأمانة والعدل والصيانة فثقة المؤمنين به نوع شهادة له بالصدق والوفاء فيسعد بشهادتهم فإنهم شهداء الله في الأرض (ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك ورواه القضاعي في الشهاب وقال شارحه العامري: حسن غريب الحديث: 6238 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 6239 - (كفى بالمرء شرا أن يتسخط ما قرب إليه) أي ما قرب له المضيف من الضيافة فإن التكلف للضيف منهي عنه فإذا قدم له ما حضر فسخط فقد باء بشر عظيم لأنه ارتكب المنهي (ابن أبي الدنيا في) كتاب (قرى الضيف) بكسر القاف (وأبو الحسن بن بشران في أماليه عن جابر) وفيه يحيى بن يعقوب القاضي. قال في الميزان: قال أبو حاتم محله الصدق وقال البخاري: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 6239 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 6240 - (كفى بالمرء علما أن يخشى الله) إنما يخشى الله من عباده العلماء (وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بنفسه) لجمعه بين العجب والكبر والاغترار بالله. قال الغزالي: وهذه الآفة قلما ينفك عنها العلماء والعباد. قال: ومن اعتقد جزما أنه فوق أحد من عباد الله فقد أحبط بجهله جميع عمله فإن الجهل أفحش المعاصي وأعظم شيء يبعد العبد عن الله وحكمه لنفسه بأنه خير من غيره جهل محض وأمن من مكر الله {ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} وفي الفردوس من حديث أنس: كان حكيمان يلتقيان فيعظ أحدهما صاحبه فالتقيا فقال أحدهما لصاحبه: عظني وأوجز وأجمع فإني لا أقدر أن أقف عليك من العبادة فقال: احذر أن يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك (هب عن مسروق مرسلا) الحديث: 6240 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 [تابع حرف الكاف] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 6241 - [ص: 2] (كفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه) فالجاهل أو العاصي إذا عبد الله وتواضع وذل هيبة لله وخوفا منه فقد أطاع بقلبه فهو أطوع لله من العالم المتكبر والعابد المعجب. ولذلك روي أن رجلا من بني إسرائيل أتى عابدا منهم فوطئ على رقبته وهو ساجد فقال: ارفع فوالله الله لا يغفر الله لك فأوحى الله إليه أيها المتعالي علي بل أنت لا يغفر الله لك ولذلك قال الحسن: صاحب الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف الخز أي إن صاحب الخز يذل لصاحب الصوف ويرى الفضل له وصاحب الصوف يرى الفضل لنفسه (حل عن ابن عمرو) ابن العاص. ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 6241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 6242 - (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) أي إذا لم يتثبت لأنه يسمع عادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد لكن التعمد شرط الإثم. قال القرطبي: والباء في بالمرء زائدة هنا على المفعول وفاعل كفى أن يحدث وقد تزاد الباء على فاعل كفى كقوله تعالى {وكفى بالله شهيدا} (م) في مقدمة صحيحه (عن أبي هريرة) ورواه أبو داود في الأدب مرسلا الحديث: 6242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 6243 - (كفى بالمرء من الشر أن يشار إليه بالأصابع) تمامه قالوا: يا رسول الله وإن كان خيرا؟ قال: وإن كان خيرا فهي مذلة إلا من رحمه الله وإن كان شرا فهو شر اه. قالوا: وفيه تحذير من شر الإشارة إلى الإنسان بالأصابع (طب) وكذا أبو نعيم (عن عمران بن حصين) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه كثير بن مروان المقدسي قال العقيلي: لا يتابع كثير على لفظه إلا من جهة مقارنته وقال يحيى: كثير ضعيف وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 6243 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 6244 - (كفى بالمرء من الكذب) كذا هو في خط المؤلف وفي رواية العسكري: كفى بالمرء من الكذب كذبا (أن يحدث بكل ما سمع) أي لو لم يكن للرجل كذب إلا تحدثه بكل ما سمع من غير مبالاة أنه صادق أو كاذب لكفاه من جهة الكذب لأن جميع ما سمعه لا يكون صدقا وفيه زجر عن الحديث بشيء لا يعلم صدقه (وكفى بالمرء من الشح أن يقول) لمن له عليه دين (آخذ حقي) منه كله بحيث (لا أترك منه شيئا) ولو قليلا فإن ذلك شح عظيم ومن ثم عد الفقهاء مما ترد به الشهادة المضايقة في التافه وهذا عد من الحكم والأمثال (ك) في البيع عن الأصم عن هلال ابن العلاء بن هلال بن عمر الرقي عن ابن عمر بن هلال قال: حدثني أبو غالب (عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي أن هلال بن عمرو وأبوه لا يعرفان فالصحة من أين؟ الحديث: 6244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 [ص: 3] 6245 - (كفى بالموت واعظا) كيف واليوم في الدور وغدا في القبور وفي معناه بيت الحماسة: أبعد بني أمي الذين تتابعوا. . . أرجى حياة أم من الموت أجزع كيف وهو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه وترك العمل له وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن افتكر. قيل: أن أعرابيا كان يسير على جمل فخر الجمل ميتا فنزل عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تنبعث هذه أعضاءك كاملة وجوارحك سالمة ما شأنك ما الذي كان يبعثك ما الذي صرعك ما الذي عن الحركة منعك ثم تركه وانصرف متفكرا في شأنه متعجبا في أمره وأنشأ يقول: جاءته من قبل المنون إشارة. . . فهوى صريعا لليدين وللفم قال الحسن: قد أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشا لا موت معه وقيل: ذهب ذكر الموت بلذة كل عيش وسرور كل نعيم وقال الغزالي: الموت هو القيامة الصغرى ومن مات فقد قامت قيامته وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال له {لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} وفيها يقال له {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} والقيامة الصغرى بالنسبة للكبرى كالولاية الصغرى بالنسبة للكبرى فإن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى الصغرى نسبة فضاء العالم إلى مضيق الرحم ونسبة فضاء العالم الذي يقدم عليه بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع فقس الآخرة بالأولى فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم الغيب والشهادة والمقر بالصغرى لا الكبرى ناظر بالعين العوراء إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال فما أعظم غفلتك يا مسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن كنت لا تؤمن بالكبرى للجهل والضلال أفلا تكفيك القيامة الصغرى ألك اعتذار بعد قول سيد الأبرار كفى بالموت واعظا أما تستحي من استبطائك هجوم الموت إقتداءا برعاع الغافلين الذين لا ينظرون {إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} فيأتيهم المرض نذيرا من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون {فيا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} أيظنون أنهم في الدنيا خالدون {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} أم يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم يعودون كلا {إن كل لما جميع لدينا محضرون} لكن {ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} قال الحراني: والوعظ دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق مما يخوفها في مقام التذكير بما يرجيها ويبسطها (وكفى باليقين غنى) لأنه سكون النفس عند جولان الموارد في الصدر لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك ولا ترد عنك مقضيا فإذا رزق العبد السكون إلى قضاء الله والرضى به فقد أوتي الغناء الأكبر قال الخواص: الغنى حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا ومن عطاياه رضى فذاك الغني كل الغنى وإن أمسى طاويا وأصبح معوزا <تنبيه> قد تضمن هذا الخبر الحث على الزهد وهو أمر قد تطابقت عليه الملل والنحل قال الغزالي: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصحف موسى وصحف إبراهيم وكل كتاب منزل ما أنزل إلا لدعوة الحق إلى الملك الدائم المخلد والمراد منهم أن يكونوا ملوكا في الدنيا والآخرة أما ملك الدنيا فبالزهد والقناعة وأما الآخرة فبالقرب منه تعالى يدرك بقاء لا فناء فيه وعزا لا ذل معه والشيطان يدعوهم إلى ملك الدنيا ليفوت عليهم ملك الأخرى إذ هما ضرتان ونعيم الدنيا لا يسلم له أيضا لكدرها ومنازعتها وطول الهم والغم وإلا لحسده عليها أيضا فلما كان الزهد أيضا جاء حتى عداه عنه ومعنى الزهد أن يملك العبد شهوته وغضبه [ص: 4] وبذلك يصير العبد حرا وباستيلاء الشهوة يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه فيكون مسخرا كالبهيمة يجره زمام الشهوة إلى حيث يريد فما أعظم اغترار الإنسان أيظن أنه ينال المال بمصيره مملوكا وينال الربوبية بأن يصير عبدا ومثله هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهاد: هل لك حاجة قال: كيف أطلب منك حاجتي وملكي أعظم من ملكك قال: كيف؟ قال: من أنت عبده فهو عبدي أنت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وأنا ملكتهم فهم عبيدي فهذه هو الملك في الدنيا وهو الجار إلى ملك الآخرة فالمخدوعون بالغرور خسروا الدنيا والآخرة (طب) من حديث الحسن البصري (عن عمار) بن ياسر وضعفه المنذري وقال العلائي: حديث غريب منقطع لأن الحسن لم يدرك عمارا وفيه أيضا الربيع بن بدر قال الدارقطني: متروك وقال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا وهو معروف من قول الفضيل بن عياض الحديث: 6245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 6246 - (كفى بالموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة) لأنه أعظم المصائب وأبشع الرزايا وأشنع البلايا فتفكر يا ابن آدم في مصرعك وانتقالك من موضعك وإذا انتقلت من سعة إلى ضيق وخانك الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك ونقلت من مهادك فيا جامع المال والمجتهد في البنيان ليس لك من مالك إلا الأكفان بل هو للخراب وجسمك للتراب فاعتبر يا مسكين بمن صار تحت الثرى وانقطع عن الأهل والأحباب بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر وجمع الأموال والذخائر فجاء الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه وليتأمل حال من مضى من إخوانه ودرج من أقاربه وخلانه الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم ومحى التراب محاسن وجوههم وتفرقت في القبور أجزاؤهم وترملت نساؤهم وشمل ذل اليتم أولادهم واقتسم غيرهم طريقهم وتلادهم وقيل إن الكنز الذي كان للغلامين كان فيه لوح من ذهب فيه " عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك (ش حم في) كتاب (الزهد عن الربيع بن أنس مرسلا) بصري نزل خراسان روى عن أنس وغيره قال أبو حاتم: صدوق وقال ابن أبي داود: حبس بمرو ثلاثين سنة الحديث: 6246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 6247 - (كفى بالمرء إثما أن يحبس عن من يملك قوته) قال النووي: قوته مفعول يحبس وقال المظهري: يحبس مبتدأ وكفى خبره مقدما أو خبر مبتدأ محذوف وإثما تمييز وهذا حث على النفقة على العيال وتحذير من التقصير فيها (م) في الزكاة (عن ابن عمرو بن العاص) جاءه قهرمانه فقال: أعطيت الرقيق قوتهم قال: لا قال: فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره الحديث: 6247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 6248 - (كفى ببارقة السيوف) أي بلمعانها قال الراغب: البارقة لمعان السيف (على رأسه) يعني الشهيد (فتنة) فلا يفتن في قبره ولا يسأل إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم <تنبيه> قال القرطبي: إذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل قدرا وأعظم أجرا فهو أحرى أن لا يفتن لأنه المقدم في التنزيل على الشهداء {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء} وقد جاء في المرابط الذي هو أقل رتبة من الشهيد أنه لا يفتن فكيف بمن هو أعلى منه وهو الشهيد (ن عن رجل) له صحبة قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد فذكره الحديث: 6248 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 [ص: 5] 6249 - (كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما) لأن كثرة المخاصمة تفضي غالبا في ما يذم صاحبه وقد ورد الترغيب في ترك المخاصمة ففي أبي داود عن أبي أمامة رفعه أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وأبغض العباد إلى الله تعالى الألد الخصم كما في الصحيحين ولهذا قال داود لابنه: يا بني إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان قال بعضهم: ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ولا أضيع للذة ولا اشغل للقلب من المخاصمة فإن قيل لا بد من الخصومة لاستيفاء الحقوق فالجواب ما قال الغزالي: أن الذم المتأكد إنما هو خاص بباطل أو بغير علم كوكلاء القاضي وقال بعض العارفين: إذا رأيت الرجل لجوجا مرائيا معجبا برأيه فقد تمت خسارته (ت عن ابن عباس) وقال: غريب وخرجه عنه البيهقي والطبراني قال ابن حجر: وسنده ضعيف الحديث: 6249 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 6250 - (كفى به شحا أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي) أخذ به جمع فأوجبوا الصلاة عليه كلما ذكر لكن الذي عليه الجمهور أنه إنما تجب عليه الصلاة في الصلوات الخمس (ص عن الحسن مرسلا) الحديث: 6250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 6251 - (كفى بالمرء نصرا أن ينظر إلى عدوه في معاصي الله) لأن العاصي ممقوت متعرض للعطب والمؤاخذة بذنوبه في الدنيا والآخرة وذلك نصر للمرء بلا شك (فر عن علي) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي أسنده وليس كذلك الحديث: 6251 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 6252 - (كفى بالرجل أن يكون بذيا فاحشا بخيلا) فيه أن هذه الأخلاق الثلاثة مذمومة منهي عنها قال الغزالي: ومصدرها الخبث واللؤم قال إبراهيم بن ميسرة: يجاء بالفاحش المتفحش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب قال الغزالي: وحقيقته التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة ويجري أكثر ذلك في ألفاظ الوقاع وما ينطق به فإن لأهل الفساد عبارات فاحشة يستعملونها فيه وأهل الصلاح يتحاشون عن التعرض لها بل يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز (هب عن عقبة بن عامر) الجهني الحديث: 6252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 6253 - (كفى بالمرء في دينه أن يكثر خطؤه) أي إثمه وذنوبه (وينقص حلمه وتقل حقيقته جيفة بالليل) أي نائم طول الليل كأنه جسد ميت لا روح فيه لا يتهجد ولا يذكر الله فيه (بطال بالنهار) لا حرقة له (كسول) جزوع (هلوع) صيغة مبالغة أي شديد الجزع والضجر (منوع رتوع) أي متسع في الخصب قال في الفردوس: الهلع الحرص والشح والرتوع الأكول بسعة ولهمة (حل) وكذا الديلمي عن (الحكم بن عمير) وفيه بقية بن الوليد وقد مر غير مرة وعيسى بن إبراهيم قال الذهبي: تركه أبو حاتم الحديث: 6253 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 6254 - (كفى بالمرء إثما أن يشار إليه بالأصابع) قالوا: يا رسول الله وإن كان خيرا فقال: و (إن كان خيرا فهي مزلة إلا من رحم الله تعالى وإن كان شرا فهو شر) قال في الإحياء " قد ذكر الحسن للحديث تأويلا لا بأس به وهو أنه لما رواه [ص: 6] قيل له: إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع فقال: إنه لم يعن هذا إنما عنى به المبتدع في دينه والفاسق في دنياه وفيه أن الاشتهار مذموم وأن المحمود الخمول إلا من نشره الله لنشر دينه من غير تكلف منه الشهرة (هب) من حديث كثير بن مرة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عقبة بن وشاح (عن عمران بن حصين) ثم قال أعني البيهقي: كثير هذا غير قوي انتهى فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه خرجه وأقره غير سديد وفي الميزان: كثير ضعفوه وقال يحيى: كذاب ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 6254 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 6255 - (كفاك الحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها) قال البيهقي: هذا إن صح فإنما أراد وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور به فقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقتلها ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ويدل لذلك حديث مسلم من قتل وزغة بضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية (قط في الأفراد هق عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني أيضا الحديث: 6255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 6256 - (كفارة الذنب الندامة) أي ندامة تغطي ذنبه لأن الكافر كافر لأنه يغطي نعمة الله بالجحود قال الطيبي: الكفارة عبارة الفعلة أو الخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة وهي فعالة للمبالغة كصرابة وقتالة وهي من الصفات الغالبة في الاسمية والندم الغم اللازم والحزن (ولو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون ليغفر لهم) <تنبيه> قال رزين: من خصائص هذه الأمة أن الندم لهم توبة وكانت بنو إسرائيل إذا أخطأ أحدهم حرم عليه كل طيب من الطعام وتصبح خطيئته مكتوبة على باب داره (حم طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه لكن قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي: فيه يحيى بن عمر بن مالك الذكري وهو ضعيف الحديث: 6256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 6257 - (كفارة المجلس) أي اللفظ الواقع في المجلس (أن يقول العبد) بعد أن يقوم كما جاء هكذا في رواية الأوسط للطبراني (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك) قال الحليمي: هذا قد يلتحق بقوله تعالى {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} (طب عن ابن عمرو) بن العاص (وعن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط انتهى لكن رواه النسائي في اليوم والليلة عن رافع بن خديج قال الحافظ العراقي: سنده حسن الحديث: 6257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 6258 - (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين) قال ابن حجر: حمله بعضهم على النذر المطلق وأما حمل بعضهم على نذر اللجاج والغضب فلا يستقيم إلا في رواية كفارة اليمين من غير تعرض لقيد عدم التسمية وقال ابن العربي: النذر الذي لم يسم هو النذر المطلق وأما المقيد وهو المعين فلا بد من الوفاء به (حم م 3) كلهم في النذر (عن عقبة بن عامر) ولم يخرجه البخاري وما جرى عليه المصنف من نسبة الحديث بتمامه إلى مسلم غير صواب وإنما رواه بدون قوله ولم يسم ورواه من عداه بدون قيد التسمية الحديث: 6258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 [ص: 7] 6259 - (كفارة من اغتبت) أي ذكرته بما يكره في غيبته (أن تستغفر له) أي تطلب له المغفرة من الله أي إن تعذرت مراجعته واستحلاله وإلا تعين ما لم يترتب عليه مفسدة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت عن أبي عبيدة بن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه عن عتبة بن عبد الرحمن القرشي عن خالد بن يزيد اليماني (عن أنس) بن مالك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: عتبة متروك وتعقبه المؤلف بأن البيهقي خرجه في الشعب عن عتبة وقال: إسناده ضعيف وبأن العراقي في تخريج الإحياء اقتصر على تضعيفه ورواه عنه الخطيب في التاريخ والديلمي فاقتصار المصنف هنا على ابن أبي الدنيا غير جيد لإبهامه قال الغزالي: وهذا الحديث يحتج به للحسن في قوله يكفيك من الغيبة الاستغفار دون الاستحلال الحديث: 6259 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 6260 - (كفارات الخطايا إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله من واجباته وسننه (على المكاره) من نحو شدة برد (وإعمال الأقدام إلى المساجد) أي السعي إليها لنحو صلاة (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) في المسجد وغيره فذلك يكفر الصغائر ما اجتنبت الكبائر (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6260 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 6261 - (كفر بالله تبرؤ) أي ذو تبرئ (من نسب وإن دق) ليس المراد بالكفر حقيقته التي يخلد صاحبها في النار ومناسبته إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان ولم يخلقني من ماء فلان والواقع خلافه (البزار) في مسنده (عن أبي بكر) الصديق رمز المصنف لحسنه الحديث: 6261 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 6262 - (كفر بامرئ ادعاء نسب لا يعرف أو جحده وإن دق) قال ابن بطال: ليس معنى هذين الخبرين من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود وإنما المراد به من تحول عن نسبه لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى {ادعوهم لآبائهم} {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} فنسب كل منهم إلى أبيه الحقيقي لكن بقي بعضهم مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد بن الأسود ليس الأسود أباه بل تبناه واسم أبيه الحقيقي عمر بن ثعلبة (هـ عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني والديلمي وغيرهم الحديث: 6262 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 6263 - (كفر بالله العظيم عشرة) من المكلفين (من هذه الأمة الغال) أي الخائن في المغنم وغيره (والساحر والديوث) الذي لا يغار على أهله (وناكح المرأة في دبرها وشارب الخمر ومانع الزكاة ومن وجد سعة ومات ولم يحج والساعي في الفتن) بالإفساد (وبائع السلاح من أهل الحرب ومن نكح ذات محرم منه) أي كل منهم يكفر إن استحل ذلك لكن ينبغي استثناء الواطئ في دبر امرأته (ابن عساكر) في تاريخه (عن البراء) بن عازب وظاهر صنيع المصنف [ص: 8] أنه لم يره لأشهر من ابن عساكر مع أن الديلمي أخرجه باللفظ المزبور عن البراء المذكور من هذا الوجه الحديث: 6263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 6264 - (كف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك) (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الصمت عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6264 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 6265 - (كف عنا جشاءك) هو الريح الذي يخرج من المعدة عند الشبع (فإن أكثرهم) يعني الناس (شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) والنهي عن الجشاء نهي عن سببه وهو الشبع وهو مذموم طبا وشرعا كيف وهو يقرب الشيطان ويهيج النفس إلى الطغيان والجوع يضيق مجاري الشيطان ويكسر سطوة النفس فيندفع شرهما ومن الشبع تنشأ شدة الشبق إلى المنكوحات ثم يتبعها شدة الرغبة إلى الجاه والمال اللذان هما الوسيلة إلى التوسع في المطعومات والمنكوحات ثم يتبع ذلك استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ثم يتولد من ذلك آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ثم يتداعى ذلك إلى الحسد والحقد والعداوة والبغضاء ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء والبطر والأشر وذلك مفض إلى الجوع في القيامة وعدم السلامة إلا من رحم ربك (ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال الترمذي: حسن غريب وذلك الرجل هو أبو جحيفة كما صرح به في عدة روايات وكان لم يبلغ الحلم قال في المعارف: ولم يأكل بعد ذلك ملء بطنه حتى فارق الدنيا رمز المصنف لحسنه الحديث: 6265 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 6266 - (كف عنه أذاك واصبر لأذاه فكفى بالموت مفرقا) قاله لمن شكى إليه أذى جاره له ثم عاد عن قرب وذكر أنه مات قال الغزالي: فيه الأمر بالصبر لمن أوذي بفعل أو قول أو جنى عليه في نفسه أو ماله والصبر على ذلك بترك المكافأة قال بعض الصحابة: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانا إذا لم يصبر على الأذى وقال تعالى {ولنصبرن على ما آذيتمونا} وقال لرسوله {ودع أذاهم وتوكل على الله} وقال {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا} إلى غير ذلك من الآيات ولذلك مدح تعالى العافين عن حقوقهم في القصاص فقال {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} (ابن النجار) في التاريخ (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (الحبلي) بضم المهملة والموحدة وهو المغافري من ثقات الطبقة الثالثة (مرسلا) قال: شكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاره فذكره الحديث: 6266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 6267 - (كفوا صبيانكم) عن الانتشار (عند العشاء فإن للجن) حينئذ (انتشارا) أي تفرقا (وخطفة) أي استيلاء بسرعة (د عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لصحته ورواه العسكري أيضا عن جابر بلفظ كفوا فراشيكم حتى تذهب فحمة عتمة العشاء وقال جمع: فاشية وهي ما ينشر ويفشو من نحو إبل وغنم قال: ومن لا يضبط من أصحاب الحديث يقول مواشيكم وهو تصحيف الحديث: 6267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 6268 - (كفوا عن أهل لا إله إلا الله) وهم من نطق بها أي مع نطقه بالشهادة الثانية وإن لم يعلم ما في قلبه (لا تكفروهم بذنب) [ص: 9] ارتكبوه وإن كان من أكبر الكبائر كالقتل والزنا والسرقة (فمن أكفر أهل لا إله إلا الله) أي حكم بكفرهم (فهو إلى الكفر أقرب) منه إلى الإيمان فمخالف الحق من أهل القبلة ليس بكافر ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد فإنه حينئذ ليس من أهل لا إله إلا الله فنكفره وقال علي كرم الله وجهه: أعلم الناس بالله أشدهم حبا وتعظيما لأهل لا إله إلا الله. قال ابن عربي: إياك ومعاداة أهل لا إله إلا الله فإن لهم من الله الولاية العامة فهم أولياء الله ولو جاؤوا بقراب الأرض خطايا لا يشركون بالله لقيهم الله بمثلها مغفرة ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته ومن لم يطلعك الله على عداوته لله فلا تتخذه عدوا فإذا تحققت أنه عدو الله وليس إلا المشرك فتبرأ منه كما فعل إبراهيم بأبيه ولا تعاد عباد الله بالإنكار ولا بما ظهر على اللسان بل اكره فعله لا عينه والعدو لله إنما يكره عينه ففرق بين من يكره عينه وهو عدو الله ومن يكره فعله وهو المؤمن العاصي (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه الضحاك بن حمزة عن علي بن زيد وقد اختلف في الاحتجاج بهما الحديث: 6268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 6269 - (كل آية في القرآن درجة في الجنة) فيقال للقارئ ارق في درجها على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميعه استولى على أقصى درج الجنة ومن قرأ جزءا منها فرقيه في الدرج بقدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة وهذا تحريض لنا على الإكثار من القراءة وملازمة التدبر والعمل به (ومصباح في بيوتكم) من كثرة الملائكة المفيضين للرحمة والمستمعين لتلاوته قال الإمام أحمد: رأيت الله عز وجل في النوم فقلت: يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون عندك قال: بكلامي يا أحمد قلت: بفهم أو بغير فهم قال: بفهم أو بغير فهم (حل عن ابن عمرو) ابن العاص وفيه رشد بن سعد وقد مر غير مرة تضعيفه الحديث: 6269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 6270 - (كل ابن آدم يأكله التراب) أي كل أجزاء ابن آدم تبلى وتنعدم بالكلية أو المراد أنها باقية لكن زالت أعراضها المعهودة قال إمام الحرمين: ولم يدل قاطع سمعي على تعين أحدهما ولا يبعد أن تصير أجسام العباد بصفة أجسام التراب ثم تعاد بتركها إلى المعهود (إلا عجب الذنب) بفتح العين فسكون العظم الذي في أصل صلبه فإنه قاعدة البدن كقاعدة الجدار فيبقى ليركب خلقه منه عند قيام الناس من قبورهم وقال القاضي: أراد طول بقائه تحت التراب لا أنه لا يفنى أصلا لأنه خلاف المشهور (منه خلق ومنه يركب) أي منه ابتداء خلق الإنسان وابتداء تركيبه ويحتمل أن المراد ابتداء خلقه ومنه يركب خلقه عند قيام الساعة وهذا أظهر ثم هذا عام خص منه نحو عشرة أصناف كالأنبياء والشهداء والصديقين والعلماء العاملين والمؤذن المحتسب وحامل القرآن فمعنى الخبر كل ابن آدم مما يأكله التراب وإن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة (م د ن عن أبي هريرة) الحديث: 6270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 6271 - (كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين) لا يناقضه الخبر المار أنت ومالك لأبيك لما سبق أن معناه إذا احتاج لمالك أخذه لا أنه يباح له ماله على الإطلاق إذ لم يقل به أحد (هق) عن أبي عبيد عن هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى (عن حبان) بكسر المهملة وموحدة مشددة وآخره نون ابن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة (الجمحي) أشار المصنف لصحته وهو ذهول أو قصور فقد استدرك عليه الذهبي في المهذب فقال: قلت لم يصح مع انقطاعه الحديث: 6271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 [ص: 10] 6272 - (كل البواكي) على موتاهن (يكذبن) أي فيما يصفن من الفضائل أو الفواضل (إلا أم سعد) بن معاذ فإنها لم تكذب فيما وصفته به لاتصاف ميتها بذلك (ابن سعد) في الطبقات (عن سعد بن إبراهيم مرسلا) هو الزهري ولى قضاء واسط قال الذهبي: صدوق الحديث: 6272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 6273 - (كل الخير أرجو من ربي) أي أؤمل منه أن يجمع في زمن الخيور ما تفرق في سائر الأنبياء وقد حقق الله رجاءه وهذا قاله للعباس في مرضه فبين به أنه يطلب للمريض أن يكون رجاؤه أقوى من خوفه عكس الصحيح (ابن سعد) في الطبقات (وابن عساكر) في التاريخ (عن العباس) بن عبد المطلب الحديث: 6273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 6274 - (كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها) أي جزاءه إلى (يوم القيامة) فيجازي بها فاعلها فيه إن شاء قال الطيبي: من في منها منصوبة المحل مفعولة بيؤخر وتكون ابتدائية (إلا عقوق الوالدين) أي الأصلين المسلمين (فإن الله يعجله) أي يعجل عقوبته (لصاحبه) أي فاعله (في الحياة الدنيا قبل الممات) ولا يغتر العاق بتأخير التأثير حالا بل يقع ولو بعد حين كما وقع لابن سيرين أنه لما ركبه الدين اغتم فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة ونظر بعض العباد إلى أمر فقيل له لتجدن غبه بعد أربعين سنة فكان كذلك. قال الذهبي: وفيه أن العقوق كبيرة وهو متفق عليه (طب ك) في البر من حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه (عن أبي بكرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: بكار ضعيف الحديث: 6274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 6275 - (كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم) الخليل يعني هم كلهم ذريته فليس من عربي إلا وهو منهم (ابن سعد) في الطبقات (عن علي) بضم العين وفتح اللام بضبط المصنف (ابن رباح مرسلا) هو اللخمي وكان في المكتب إذ قتل عثمان الحديث: 6275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 6276 - (كل الكذب يكتب على بن آدم إلا ثلاث الرجل يكذب في الحرب) فلا يكتب عليه في ذلك إثم (فإن الحرب خدعة) بل قد يجب إذا دعت إليه ضرورة أهل الإسلام (والرجل يكذب على المرأة فيرضيها) صادق بامرأته وغيرها كأمته أو نحو ابنته من عياله (والرجل يكذب بين الرجلين) بينهما نحو إحن وفتن (ليصلح بينهما) فالكذب في هذه الأحوال غير محرم بل قد يجب ومحصوله أن الكذب تجري فيه الأحكام الخمسة والضابط كما قال الغزالي: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام لفقد الحاجة وإن لم يكن للتوصل إليه إلا به جاز إن كان ذلك المقصود جائزا ويجب إن كان واجبا وله أمثلة كثيرة (طب وابن السني في عمل يوم وليلة) والخرائطي في المكارم (عن النواس) بن سمعان رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه محمد [ص: 11] ابن جامع العطار وهو ضعيف اه. وقال شيخه العراقي: فيه انقطاع وضعف ورواه ابن عدي عن أسماء بنت يزيد يرفعه بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: يا أيها الناس ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما يتتابع الفراش في النار؟ كل الكذب. إلى آخر ما هنا الحديث: 6276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 6277 - (كل) مبتدأ (المسلم) فيه رد لزعم أن كلا لا تضاف إلا إلى نكرة (على المسلم حرام) خبره (ماله) أي أخذ ماله بنحو غصب (وعرضه) أي هتك عرضه بلا استحقاق (ودمه) أي إراقة دمه بلا حق وأدلة تحريم هذه الثلاثة مشهورة معروفة من الدين بالضرورة وجعلها كل المسلم وحقيقته لشدة اضطراره إليها فالدم فيه حياته ومادته المال فهو ماء الحياة الدنيا والعرض به قيام صورته المعنوية واقتصر عليها لأن ما سواها فرع عنها وراجع إليها لأنه إذا قامت الصورة البدنية والمعنوية فلا حاجة لغيرهما وقيامهما إنما هو بتلك الثلاثة ولكون حرمتها هي الأصل والغالب لم يحتج لتقييدها بغير حق فقوله في رواية إلا بحقها إيضاح وبيان وذا حديث عظيم الفوائد كثير العوائد مشير إلى المبادئ والمقاصد (حسب امرئ من الشر) يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يحقر أخاه المسلم) أي يذله ويهينه ويزدريه ولا يعبأ به لأن الله أحسن تقويمه وسخر ما في السماوات والأرض لأجله ومشاركة غيره له إنما هي بطريق التبع وسماه مسلما ومؤمنا وعبدا وجعل الأنبياء الذين هم أعظم الخلق من جنسه فاحتقاره احتقار لما عظمه الله وشرفه ومنه أن لا يبدأه بالسلام ولا يرده عليه احتقارا (د) في الأدب (هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم بتمامه بتقديم وتأخير ولفظه بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه اه الحديث: 6277 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 6278 - (كل أمتي معافى) بفتح الفاء مقصورا اسم مفعول من عافاه الله إذا أعفاه وقال النووي: هو بالهاء في آخره هكذا هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة اه. وفي نسخ المصابيح وغيرها معافى بلا هاء كما هنا قال الطيبي: وعليه فينبغي أن تكتب ألفه بالياء فيكون مطابقا للفظ كل (إلا المجاهرين) أي لكن المجاهرين بالمعاصي لا يعافون من جاهر بكذا بمعنى جهر به وعبر بفاعل للمبالغة أو هو على ظاهر المفاعلة والمراد الذي يجاهد بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه (وإن من الجهار) أي الإظهار والإذاعة (أن يعمل الرجل بالليل عملا) مسيئا (ثم يصبح) أي يدخل في الصباح (وقد ستره الله فيقول عملت البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول من برح زال (كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) بإشهار ذنبه في الملأ وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر (ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى وغيره الحديث: 6278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 6279 - (كل أمتي معافى) اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفى الله عنه وإما سلمه الله وسلم منه (إلا المجاهرين) أي المعلنين بالمعاصي [ص: 12] المشتهرين بإظهارها الذين كشفوا ستر الله عنهم وروي المجاهرون بالرفع ووجهه بأن معافى في معنى النفي فيكون استثناء من كلام لغو موجب والتقدير لا ذنب لهم إلا المجاهرون ثم فسر المجاهر بأنه (الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه فيقول يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل) عنه فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله قال النووي: فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود فإن أخبر بها شيخه أو نحوه مما يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امراته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه (طس) وكذا الصغير (عن أبي قتادة) قال الهيثمي: وفيه عوف بن عمارة وهو ضعيف الحديث: 6279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 6280 - (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) بفتح الهمزة والموحدة بامتناعه عن قبول الدعوى أو بتركه الطاعة التي هي سبب لدخولها لأن من ترك ما هو سبب شيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع والمراد أمة الدعوة فالآبي هو الكافر بامتناعه عن قبول الدعوة وقيل أمة الإجابة فالآبي هو العاصي منهم استثناهم تغليظا وزجرا عن المعاصي قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: (من أطاعني) أي انقاد وأذعن لما جئت به (دخل الجنة) وفاز بنعيمها الأبدي بين أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مجاز عن الامتناع لسببه وهو عصيانه بقوله (ومن عصاني) بعدم التصديق أو بفعل المنهي (فقد أبى) (1) فله سوء المنقلب بإبائه والموصوف بالإباء إن كان كافرا لا يدخل الجنة أصلا أو مسلما لم يدخلها مع السابقين الأولين قال الطيبي: ومن أبى عطف على محذوف أي عرفنا الذين يدخلون الجنة والذي أبى لا نعرفه وكان من حق الجواب أن يقال من عصاني فعدل إلى ما ذكره تنبيها به على أنهم ما عرفوا ذاك ولا هذا إذ التقدير من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة ومن اتبع هواه وزل عن الصواب وخل عن الطريق المستقيم دخل النار فوضع أبى موضعه وضعا للسبب موضع المسبب (خ) في أواخر الصحيح (عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم ووهم الحاكم في استدراكه وعجب إقرار الذهبي له عليه في تلخيصه   (1) [من عصاه صلى الله عليه وسلم فقد أبى دخول الجنة لأنه أبى وامتنع عن الطريق الوحيد الموصل إليها. دار الحديث] الحديث: 6280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 6281 - (كل امرئ مهيأ لما خلق له) أي مصروف مسهل لما خلق له إن خيرا فخير وإن شرا فشر وفيه إيماء إلى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به فإن عمله أمارة إلى ما يؤول إليه أمره غالبا وإن كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك لكن لا إطلاع لنا عليه فعلى المكلف بخاصة نفسه ولا يكلها إلى ما يؤول إليه أمره فيلام ويستحق العقوبة (حم طب عن أبي الدرداء) قال: قالوا يا رسول الله أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه أو شيء نستأنفه فقال: بل فرغ منه قالوا: فكيف بالعمل فذكره قال الهيثمي: سليمان بن عنبسة وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر بعد ما عزاه لأحمد: سنده حسن الحديث: 6281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 6282 - (كل امرئ في ظل صدقته) يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس (حتى يقضى) لفظ رواية الحاكم حتى يفصل (بين الناس) يعني أن المتصدق يكفى المخاوف ويصير في كنف الله وستره يقال أنا في ظل فلان أي في داره وحماه أو المراد الحقيقة بأن تجسد الصدقة فيصير بها في ظل بخلق الله وإيجاده كما قيل فيه وفي نظائره المعروفة كذبح [ص: 13] الموت ووزن الأعمال {والله على كل شيء قدير} وكان بعض السلف لا يأتي عليه يوم إلا تصدق ولو ببصلة أو لقمة (حم ك) في الزكاة (عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في المهذب: إسناده قوي وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات الحديث: 6282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 6283 - (كل أمر ذي بال) أي حال شريف محتفل ومهتم به شرعا كما يفيده التنوين المشعر بالتعظيم والبال أيضا القلب كأن الأمر ملك قلب صاحبه لاشتغاله به وقيل شبه الأمر بذي قلب على الاستعارة المكنية بأن يشبه برجل له قلب ثبت وجنان ذو عزم فنبه عن لازم المشبه به وهو البال المنكر تنكير تفخيم على موضع الاستعارة في أمر فيكون قوله أقطع من قوله (لا يبدأ فيه بالحمد أقطع) ترشيحا للاستعارة قال الطيبي: والأولى أن يحمل الحمد هنا على الثناء على الجميل من نعمة وغيرها من أوصاف الكمال والجلال والإكرام والإفضال. واعلم أن لفظ ابن ماجه لا يبدأ فيه بالحمد أقطع والبيهقي بالحمد لله ولفظ البغوي بحمد الله قال التاج السبكي: والكل بلفظ أقطع من غير إدخال الفاء على خبر المبتدأ وجاء في رواية فهو أجذم بإدخال الفاء على خبر المبتدأ وليس ذا في أكثر الروايات. قال النووي: يستحب البداءة بالحمد لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب وبين يدي جميع الأمور المهمة (هـ هق) وكذا أبو عوانة الإسفرايني في مسنده المخرج على صحيح مسلم (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه تبعا لابن الصلاح قال: وإنما لم يصح لأن فيه قرة بن عبد الرحمن ضعفه ابن معين وغيره وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: منكر الحديث جدا ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد الحديث: 6283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 6284 - (كل أمر ذي بال) أي ذي شأن وشرف وفي رواية كل كلام والأمر أعم من الكلام لأنه قد يكون فعلا فلذا آثر روايته. قال ابن السبكي: والحق أن بينهما عموما وخصوصا من وجه فالكلام قد يكون أمرا وقد يكون نهيا وقد يكون خبرا والأمر قد يكون فعلا وقد يكون قولا (لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) أي ناقص غير معتد به شرعا. وسبق أن المراد بالحمد ما هو أعم من لفظه وأنه ليس القصد خصوص لفظه فلا تنافي بين روايتي الحمد والبسملة قال الكازروني: وقد فهموا من تخصيص الأمر بذي البال أنه لا يلزم في ابتداء الأمر الحقير التسمية لأن الأمر الشريف ينبغي حفظه عن صيرورته أبتر والحقير لا اهتمام ولا اعتداد بشأنه <تنبيه> قال النووي: في كتاب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا قال: ويحمل هذا الحديث وما أشبهه على أن المراد لا يبدأ فيه بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فكأنه روي على أوجه بذكر الله ببسم الله بحمد الله قال: وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ بلفظ الحمد بل بالبسملة اه. قال ابن حجر: والحديث الذي أشار إليه صححه ابن حبان وفي إسناده مقال. وبتقدير صحته فالرواية المشهورة بلفظ بحمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية ثم اللفظ وإن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهو الأمور التي تحتاج إلى تقديم الخطبة. وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك وهو نظير الحديث الذي خرجه أبو داود بلفظ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير وقد جمعت كتب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو [ص: 14] يؤيد ما قررته اه (عبد القادر الرهاوي) بضم الراء كما في الصحاح نسبة إلى رها بالضم حي من مذحج وذكر ابن عبد الهادي عن عبد الغني بن سعيد المصري أنه بالفتح (في) أول كتاب (الأربعين) البلدانية وكذا الخطيب في تاريخه (عن أبي هريرة) قال النووي في الأذكار بعد سياقه هذا الحديث وما قبله: روينا هذه الألفاظ في الأربعين للرهاوي وهو حديث حسن وقد روي موصولا ومرسلا قال: ورواية الموصول جيدة الإسناد وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا فالحكم الاتصال عند الجمهور الحديث: 6284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 6285 - (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله) قال النووي في الأذكار: وأحسن العبارات فيه " الحمد لله رب العالمين " (والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة) قال ابن السبكي: دخول الفاء في خبر هذا المبتدأ مع عدم اشتماله على واقع موضع الشرط أو نحوه موصولا بظرف أو شبهه أو فعل صالح للشرطية وجهه أن المبتدأ وهو كل ما أضيف لموصوف بغير ظرف ولا جار ولا مجرور ولا فعل صالح للشرطية فجاز دخول الفاء على حد قوله: كل أمر مباعد أو مداني. . . فمنوط بحكمة المتعالي وفيه كالذي قبله تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع وقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على نبيه أمام كل علم مفاد وقبل كل عظة وتذكرة وفي مفتتح كل خطبة وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم من الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن ذكره كله الزمخشري (الرهاوي) في الأربعين (عن أبي هريرة) ثم قال الرهاوي: غريب تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جدا لا يعتبر بروايته ولا بزيادته ومن ثم قال التاج السبكي: حديث غير ثابت وقال القسطلاني: في إسناده ضعفاء ومجاهيل وقال في اللسان كأصله إسماعيل بن أبي زياد قال الدارقطني: متروك يضع الحديث وقال الخليلي: شيخ ضعيف والراوي عنه حسين الزاهد الأصفهاني مجهول ورواه ابن المديني وابن منده وغيرهم بأسانيد كلها مشحونة بالضعفاء والمجاهيل الحديث: 6285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 6286 - (كل أهل الجنة يرى مقعده من النار) أي نار جهنم (فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكرا) قال أبو البقاء: يكون بمعنى يحدث وكان تامة وشكر فاعلها ولو روي بالنصب كان خبر كان بمعنى انتهى وظاهره أن الرواية بالرفع والثابت بخط المصنف النصب فلعل فيه روايتين (وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون عليه حسرة) تمامه عند الحاكم ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} (حم ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 6286 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 6287 - (كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا مسجدا) أو نحوه مما بنى بقصد القربة إلى الله كمدرسة ورباط فإنه [ص: 15] ليس بوبال بل مطلوب محبوب بشرطه ويستثنى في خبر آخر ما لا بد منه لحاجة الإنسان للسكنى وذلك لأن حاجة النفس إلى المسكن كحاجتها إلى المطعم والمشرب والملبس والمركب فإذا كان البناء مما لا يستغنى عنه فلا ضير فيه والحاصل كما في الكشاف أن العمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه أي وحرام انتهى. وقال ابن الأثير: والوبال المكروه ما أراد به في الحديث العذاب في الآخرة (هب عن أنس) رمز لحسنه الحديث: 6287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 6288 - (كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه) أي إلا ما كان شيئا قليلا بقدر الحاجة فلا يوسعه ولا يرفعه خرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي عمار إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين؟ قال الشهاب ابن حجر: ومثله لا يقال من قبل الرائي وكتب عمر إلى أبي موسى لا تشتغلوا بالبناء قد كان لكم في بناء فارس والروم كفاية الزموا السنة تبقى لكم الدولة وقال نوح لما قيل له في الخص الذي بني له ليسكنه هذا لمن يموت كثير قال الزمخشري: ازدحم الناس على درجة الحسن فتحركت وكانت رثة فصاح بهم ابنه فزجره وقال: لولا أنه حان من الدنيا ارتحال وإلى الآخرة انتقال لجددنا لكم البناء شوقا للقائكم ورجاء لحديثكم وما على الدرجة نشفق ولكن عليكم فاربعوا (1) على أنفسكم ومر بدار لبعض العلماء جديدة فقال رفع الطين ووضع الدين غره من في الأرض ومقته من في السماء أخرب داره وعمر دار غيره وكان أبو ذر لا يبني قط شيئا من داره إذا انهدم ويقول: إن رب المنزل لا يدعنا نقيم به إلا بعض أيام (وكل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به) (طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: فيه هانئ بن المتوكل قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال   (1) [اربعوا: بهمزة وصل وفتح الباء كما في شرح مسلم للنووي. دار الحديث] الحديث: 6288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 6289 - (كل بني آدم يمسه الشيطان) أي يطعنه في جنبه كما بينه في الرواية الآتية (يوم ولدته أمه إلا مريم) بنت عمران (وابنها) عيسى لاستجابة دعاء حنة لها بقولها {إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} وعلى هذا فالمس حقيقي وقيل أراد به الطمع في الإغواء لا حقيقة النخس وإلا لامتلأت الدنيا صياحا. فالاستهلال تصوير وتخييل لطمع الشيطان كأنه يمسه بيده وعليه فلا يرد ما قيل لو كان كذا لما خصا بالاستثناء لأن الصالحين كلهم كذا ما ذاك إلا لأن المراد كما قال عياض هما ومن في معناهما أما إذا أريد بالمس حقيقته وأنه من الفضائل فلا مانع من اختصاصهما حتى على المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ اختصاص المفضول بشيء لا يوجد في الفاضل غير عزيز كذا قرره بعض الأفاضل وهي زلقة زلقها مما عملته أيدي الزمخشري قال التفتازاني: طعن الزمخشري في صحة الحديث بمجرد أنه لم يوافق هواه وإلا فأي امتناع في أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما يرى ويسمع فليست تلك المسة للإغواء ليدفع بأنه لا يتصور في حق المولود حين يولد. قال: ثم أوله الزمخشري على تقدير صحته بأن المراد بالمس الطمع في إغوائه واستثناء مريم وابنها لعصمتهما ولما لم يخص هذا المعنى بهما عم الاستثناء لكل من يكون على صفتهما وهذا إما تكذيب للحديث بعد صحته وإما قول بتعليل الاستثناء والقياس عليه قال: وليت شعري من أين ثبت تحقق طمع الشيطان ورجائه وصدقه في أن هذا المولود محل لإغوائه ليلزمنا إخراج كل من لا سبيل له إلى إغوائه فلعله يطمع في إغواء من سوى مريم وابنها ولا يتمكن منه إلى هنا كلام السعد قال: وقد يشكل على ظاهر الحديث أن إعاذة أم مريم كانت بعد الوضع فلا يحل حملها على الإعاذة من المس الذي يكون حين الولادة والجواب أن المس ليس إلا بعد الانفصال وهو الوضع ومعه الإعاذة غايته أنه عبر عنه بالمضارع لقصد الاستمرار بخلاف الوضع والتسمية اه (م عن أبي هريرة) الحديث: 6289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 [ص: 16] 6290 - (كل بني آدم يطعن الشيطان) بضم العين (في جنبيه) بالتثنية (بإصبعه) بالإفراد وفي رواية للبخاري بالتثنية. قال الطيبي: المس والطعن عبارة عن الإصابة بما يؤذيه ويؤلمه لا كما زعمه المعتزلة أن المس تخييل واستهلاله صارخا من مسه تصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه وأما قول ابن الرومي: لما تؤذن الدنيا به من صروفها. . . يكون بكاء الطفل ساعة يولد إذا أبصر الدنيا استهل كأنه. . . بما هو لاق من أذاها يهدد وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأوسع مما كان فيه وارغد فمن باب حسن التعليل فلا يستقيم تنزيل الحديث على أنه لا ينافيه وقال البيضاوي: مس الشيطان تعلقه بالمولود وتشويش حاله والإصابة بما يؤذيه ويؤلمه أولا كما قال تعالى عن أيوب {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} والاهتمام بحصول ما يصير ذريعة ومتسلقا في إغوائه اه. فقوله يؤلمه بين به أن المس حقيق ردا على الزمخشري (حين يولد) زاد البخاري في رواية في آل عمران فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه (غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب) أي المشيمة التي فيها الولد. قال ابن حجر: اقتصر هنا على عيسى دون الأولى لأن هذا بالنسبة للطعن في الجنب وذاك بالنسبة للمس أو هذا قبل الإعلام بما زاد وفيه بعد (خ عن أبي هريرة) ورواه مسلم بمعناه في المناقب الحديث: 6290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 6291 - (كل بني آدم حسود ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد) هذا الحديث سقط من قلم المصنف منه طائفة فإن سياقه عند أبي نعيم الذي عزاه إليه: كل بني آدم حسود وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد اه. وإنما كان كل أدمي حسودا لأن الفضل يقتضي الحسد بالطبع فإذ نظر الإنسان إلى من فضل عليه في مال أو علم أو غيرهما لم تملكه نفسه عن أن يحسده فإن بادر بكفها انكف وإلا سقط في مهاوي الهلكة وقيل لا يفقد الحسد إلا من فقد الخير أجمع ولذلك قال بعض الشعراء: إن العرانين تلقاها محسدة. . . ولا ترى للئام الناس حسادا وقال أبو تمام: وذو النقص في الدنيا. . . بذي الفضل مولع وقال البحتري: لا تحسدوه فضل رتبته التي. . . أعيت عليكم وافعلوا كفعاله قال في عين العلم: ونبه بهذا الحديث على أن سبب الحسد خبث النفس وأنه داء جبلي مزمن قل من يسلم منه (حل عن أنس) بن مالك وفيه مجاهيل الحديث: 6291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 6292 - (كل بني آدم خطاء) بشد الطاء والتنوين يقال رجل خطاء إذا كان ملازما للخطأ وهو من أبنية المبالغة. قال الطيبي: إن أريد بلفظ كل الكل من حيث هو كل فهو تغليب لأن الأنبياء ليسوا بمبالغين في الخطأ وإن أريد به الاستغراق وأن كل واحد خطاء لم يستقم إلا على التوزيع كما يقال هو ظلام للعبيد أي يظلم كل واحد واحد فهو ظالم بالنسبة إلى كل أحد ظلام بالنسبة إلى المجموع وإذا قلت هو ظلام لعبده ما كان مبالغا في الظلم (وخير الخطائين التوابون) يعني أن [ص: 17] العبد لا بد أن يجري عليه ما سبق به القدر فكأنه قال لا بد لك من فعل الذنوب والخطايا لأن ذلك مكتوب عليك فأحدث توبة فإنه لا يؤتى العبد من فعل المعصية وإن عظمت وإنما يؤتى من ترك التوبة وتأخيرها فإن الله غفور يحب التوابين وقد قال تعالى {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئة} فما وصفهم بعد السيئة أصلا (حم ت هـ ك عن أنس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة اه. قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل فيه لين وقال في موضع آخر: فيه ضعف وقال الزين العراقي: فيه علي بن مسعدة ضعفه البخاري اه. وقال جدي في أماليه: حديث فيه ضعف اه. لكن انتصر ابن القطان لتصحيح الحاكم وقال ابن مسعدة: صالح الحديث وغرابته إنما هي فيما انفرد به عن قتادة الحديث: 6292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 6293 - (كل بني آدم ينتمون) قال في الفردوس: الانتماء الارتفاع في النسب (إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم) قال في أصل الروضة: من خصائصه أن أولاد بناته ينتسبون إليه بخلاف غيره اه. قال المصنف: ولم يذكروا مثله في أولاد بنات بناته كأولاد بنت بنته زينب من عبد الله بن جعفر وهم موجودون الآن فهم من آله وذريته وأولاده إجماعا لكن لا يشاركون أولاد الحسنين في الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقد فرقوا بين من يسمى ولد الرجل وبين من ينسب إليه فالخصوصية للطبقة العليا فقط فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه وأولاد زينب وأم كلثوم ابنتا فاطمة ينسبون إلى أبيهم لا إلى أمهم ولا إلى أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم جريا على قاعدة الشرع أن الولد يتبع أباه ما خرج عن ذلك إلا أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي نص عليها في هذا الخبر وهو مقصور على سلالة الحسنين رضي الله عنهما (طب عن فاطمة الزهراء) رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه أبو بشر ابن نعامة وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الأحاديث الواهية وقال: لا يصح. فقول المصنف هو حسن غير حسن الحديث: 6293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 6294 - (كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم) انظر لفظه كيف خص التعصيب بأولادها دون أختيها ولهذا ذهب السلف والخلف إلى أن ابن الشريفة غير شريف إذا لم يكن أبوه شريفا وهل يطلق على الزينبية أنهم أشراف؟ خلاف هذا ما ذكره المؤلف وقال الشهاب ابن حجر الهيثمي: معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته أنه يطلق عليه أنه أب لهم وأنهم بنوه حتى يعتبر ذلك في الكفاءة فلا يكافئ شريفة هاشمي غير شريف قال: وقولهم إن بني هاشم والمطلب أكفاء محله فيما عدا هذه الصورة قال الذهبي: والعلامة الخضراء لا أصل لها في الشرع بل حدث سنة ثلاثة وسبعين وسبع مئة بأمر السلطان شعبان (طب عن عمر) بن الخطاب وذلك أنه خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فاعتل بصغرها وقال: أعددتها لابن أخي جعفر فقال عمر: والله ما الباه أردت ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: فيه بشر بن مهران وهو متروك الحديث: 6294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 6295 - (كل بيعين) بتشديد التحتية بعد الموحدة (لا بيع بينهما) أي ليس بينهما بيع لازم (حتى يتفرقا) من مجلس العقد (إلا بيع الخيار) بينهما فيلزم البيع حينئذ بالتفرق فيلزم باشتراطه (حم ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 6295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 6296 - (كل جسد) وفي رواية كل لحم (نبت من سحت فالنار أولى به) هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال الناس [ص: 18] بالباطل من الكبائر قال الذهبي: يدخل فيه المكاس وقاطع الطريق والسارق والخائن والزاني ومن استعار شيئا فجحده ومن طفف في وزن أو كيل ومن التقط مالا فلم يعرفه وأكله ولم يتملكه ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر ومخبر المشتري بالزائد هكذا عد هذه المذكورات من الكبائر مستدلا عليها بهذا الحديث ونحوه ولا يخلو بعضها من نزاع. <تنبيه> هذا الحديث مما تمسك به المعتزلة على ذهابهم إلى أنه لا شفاعة لصاحب الكبيرة وقالوا: هو نص صريح (هب حل) من حديث زيد بن أرقم (عن أبي بكر) الصديق قال زيد: كان لأبي بكر مملوك يغل عليه فاتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة ثم قال: من أين جئت به قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فأعطوني قال: أف لك كدت أن تهلكني فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له لا تخرج إلا بالماء فجعل يشرب الماء ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له كل هذا من أجل لقمة قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه عبد الواحد بن واصل أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الأزدي وعبد الواحد بن زيد قال البخاري والنسائي: متروك قال أبو نعيم: وفي الباب عن عائشة وجابر الحديث: 6296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 6297 - (كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة) إنما صرفه إلى الطاعة لأنها أكشف الأشياء وأشهرها عند الناس فالعامة إنما تعرف الطاعة والمعصية فكل ما أمر الله به فهو طاعة وما نهى عنه فهو معصية والطاعة عند الخواص بذل النفس فيما أمر ونهى والمعصية إباؤها وامتناعها والقنوت الركوع فكل شيء استقر ولم يتحرك فهو راكد فالقنوت مقابلة الشيء بالشيء راكد عليه والقنوت مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه فإذا قابله بقلبه فقد بذل له نفسه فقد أطاعه (حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: في إسناد أحمد وأبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وأقول فيه أيضا دراج عن أبي الهيثم وقد سبق أن أبا حاتم وغيره ضعفوه وأن أحمد قال: أحاديثه مناكير الحديث: 6297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 6298 - (كل خطبة ليس فيها تشهد) وفي رواية شهادة موضع تشهد (فهي كاليد الجذماء) أي المقطوعة والجذم سرعة القطع يعني أن كل خطبة لم يؤت فيها بالحمد والثناء علي فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة بها لصاحبها قال ابن العربي: ذكر الله مفتح كل كلام ولولا الحاجة إلى الدنيا لكان الكلام كله مصروفا إليه فإذا لم يكن بد من الذكر فليكن بعد الذكر له وأراد بالتشهد هنا الشهادتين من إطلاق الجزء على الكل كما في التحيات قال القاضي: أصل التشهد الإتيان بكلمة الشهادة وسمى التشهد تشهدا لتضمنه إياهما ثم اتسع فيه فاستعمل في الثناء على الله تعالى والحمد له (د) في الأدب من حديث مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب عن أبيه (عن أبي هريرة) وعبد الواحد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة. قال ابن معين: ليس بشي. وقال الطيالسي: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها وعاصم أورده في الضعفاء أيضا وقال: قال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به أي وقد انفرد به كما قاله البيهقي قال: وإنما تكلم ابن معين في أبي هاشم الرفاعي لهذا الحديث الحديث: 6298 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 6299 - (كل خطوة) ضبطت بالضم والفتح (يخطوها أحدكم إلى الصلاة) أي إليها (تكتب له حسنة ويمحى عنه بها سيئة) (حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وليس على ما ينبغي ففيه إبراهيم بن خالد أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: وثقوه وقال أبو حاتم: كان يتكلم بالرأي ليس محله محل المستمعين الحديث: 6299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 [ص: 19] 6300 - (كل خلة يطبع عليها المؤمن) أي يمكن أن يطبع عليها (إلا الخيانة والكذب) فلا يطبع عليهما وإنما يحصل له ذلك بالتطبع ولهذا صح سلب الإيمان عنه في قوله " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " ولا معارضة بين استثناء الخصلتين هنا وخبر من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق من إذا أؤتمن خان وإذا وعد أخلف وإذا حدث كذب لأن خلف الوعد داخل في الكذب والفجور من لوازم الخيانة (ع عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لحسنه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: فيه علي بن هاشم مجروح وقال الدارقطني: وقفه على سعد أشبه بالصواب وقال الذهبي في الكبائر: روي بإسنادين ضعيفين اه الحديث: 6300 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 6301 - (كل خلق الله تعالى حسن) أي أخلاقه المخزونة عنده التي هي مئة وسبعة عشر كلها حسنة فمن أراد به خيرا منحه شيئا منها (حم طب عن الشريد بن سويد) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 6302 - (كل دابة من دواب البحر والبر ليس لها دم منعقد) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ يتفصد وهو رواية (فليست لها ذكاة) قال في الفردوس: يقال تفصد الدم إذا سال اه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك وجزم الحافظ ابن حجر بضعف سنده الحديث: 6302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 6303 - (كل دعاء محجوب) عن القبول (حتى يصلي) بالبناء للمفعول أي حتى يصلي الداعي (على النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أنه لا يرفع إلى الله حتى يستصحب الرافع معه الصلاة عليه إذ هي الوسيلة إلى الإجابة لكونها مقبولة والله من كرمه لا يقبل بعض الدعاء ويرد بعضا فالصلاة عليه شرط في الدعاء وهو عبادة والعبادة بدون شرطها لا تصح (فر عن أنس) ابن مالك (هب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) عليه قال بعضهم: وقفه ظاهر وأما رواية أنس فيحتمل كونه ناقلا لكلام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ففيه تجريد جرد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه نبيا وخاطبه وهو هو وظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الوقف وأنه لم يرو عن علي إلا موقوفا والأمر بخلافه أما الأول فلأن فيه محمد بن عبد العزيز الدينوري قال الذهبي في الضعفاء: منكر الحديث وأما الثاني فقد رواه الطبراني في الأوسط عن علي موقوفا وزاد فيه الأول فقال: كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد قال الهيثمي: رجاله ثقات اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رواية الديلمي الضعيفة ورواية البيهقي الموقوفة المعلولة وإهماله الطريق المسندة الجيدة الإسناد من سوء التصرف الحديث: 6303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 6304 - (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات) حال كونه (مشركا) بالله يغني كافرا به وخص الشرك لأنه أغلب أنواع الكفر حالتئذ لا للإخراج (أو قتل مؤمنا متعمدا) بغير حق وهذا في الإشراك مقطوع به {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وفي القتل منزل على ما إذا استحل وإلا فهو تهويل وتغليظ قال الذهبي في الكبائر: وأعظم من ذلك أن تمسك مؤمنا لمن عجز عن قتله فيقتله أو تشهد بالزور على جمع مؤمنين فتضرب أعناقهم بشهادتك الملعونة (د عن أبي الدرداء [ص: 20] حم ن) في المحاربة (ك) في الحدود (عن معاوية) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي قال المناوي وغيره: رجاله ليس فيهم إلا من روى له الشيخان أو أحدهما إلا أبا عوف الأنصاري وهو ثقة وقال الهيثمي: رواه البزار عن عبادة أيضا ورجاله ثقات الحديث: 6304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 6305 - (كل ذي مال أحق بماله) من والده وولده (يصنع به ما شاء) من إعطاء وحرمان وزيادة ونقصان (هق عن ابن المنكدر) بضم الميم وسكون النون عبد الله بن الهدير بضم الهاء وفتح المهملة ابن عبد العزى القرشي التيمي أحد أعلام التابعين (مرسلا) الحديث: 6305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 6306 - (كل ذي ناب من السباع) يصول به كأسد ونمر وذئب وكلب (فأكله حرام) وبهذا أخذ جمهور السلف والخلف وهو قول الشافعي وأبو حنيفة ومالك في إحدى قوليه والثاني وبه قال جمهور صحبه يكره بخلاف ما له ناب لا يصول به كضبع فأكله غير حرام فإن فرض عدوه به كما قيل فيخص بحديثه عموم الحديث (م) في الصيد (ن) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري قال ابن عبد البر: مجمع على صحته الحديث: 6306 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 6307 - (كل راع مسؤول عن رعيته) أي كل حافظ لشيء يسأله الله عنه يوم القيامة هل أصلح ما تحت نظره وقام بحقوقه أم لا (خط) في ترجمة عبيد الله الخزاعي (عن أنس) وقال: تفرد به الزبير بن بكار ورواه عنه الطبراني ومن طريقه تلقاه الخطيب مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه ربيعة بن عثمان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: صدوق. وقال فيه أبو حاتم: منكر الحديث ورواه أيضا البيهقي في أشعب باللفظ المزبور الحديث: 6307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 6308 - (كل سارحة ورائحة على قوم حرام على غيرهم) قال في الفردوس: السارحة التي تسرح بالغداة إلى مراعيها اه. والمراد أن كل ماشية أسامها القوم حرم على غيرهم التعرض لها بمنعها من الرعي وغيره (طب) عن أبي أمامة قال الهيثمي: فيه سليمان بن سلمة الجبابري وهو ضعيف وقال غيره: فيه الحسن بن علي العمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: حافظ رفع موقوفات قليلة وسليمان بن سلمة الجبابري تركه أبو حاتم وغيره وبقية ضعفوه الحديث: 6308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 6309 - (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) وفي رواية بدل ونسبي وصهري قال الديلمي: السبب هنا الوصلة والمودة وكل ما يتوصل به إلى الشيء عنك فهو سبب وقيل السبب يكون بالتزويج والنسب بالولادة وهذا لا يعارضه حسنه في أخبار أخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه وتحذيرهم الدنيا وغرورها وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأن معناه أنه لا يملك لهم نفعا لكن الله يملكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة فهو لا يملك إلا ما ملكه ربه فقوله لا أغني عنكم أي بمجرد نفسي من عير ما يكرمني الله تعالى به أو كان قبل علمه بأنه يشفع ولما خفي طريق الجمع على بعضهم تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء (طب ك) في فضائل علي (هق عن عمر) بن الخطاب قال عمر: فتزوجت أم كلثوم لما سمعت ذلك وأحببت أن يكون بيني وبينه نسب وسبب خرج هذا السبب البزار (طب عن ابن عباس وعن المسور) بن مخرمة قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل منقطع وقال [ص: 21] الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات الحديث: 6309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 6310 - (كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم مفرد سلاميات عظام الجسد أو أنامله أو مفاصله أي كل مفصل من المفاصل الثلاث مئة وستين التي في كل واحد عظم (من الناس عليه) ذكره مع أن سلامى مؤنثة باعتبار العضو هي المفصل لا لرجوعه لكل كما قيل (صدقة) إيجابها عليه مجاز وفي الحقيقة واجبة علي صاحبه (كل يوم تطلع فيه الشمس) في مقابلة ما أنعم الله عليه في تلك السلامى من باهر النعم ودوامها ولو شاء لسلبها القدرة وهو فيه عادل فإبقاؤها لا سيما مع التقصير في خدمته توجب دوام شكره بالتصدق وغيره ما دامت تلك النعم إذ لو فقد له عظم واحد أو يبس أو لم ينبسط فلم ينقبض لاختلت حياته وعظم بلاؤه والصدقة تدفع البلاء وليس المراد بالصدقة هنا المالية فحسب بل كنى بها عن نوافل الطاعات كما يفيده قوله (تعدل) هو في تأويل المصدر مبتدأ خبره صدفة (بين الاثنين) متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين (صدقة عليهما) لوقايتهما مما يترتب عليه الخصام من قبيح الأقوال والأفعال (وتعين) فيه وما بعده ما ذكر أي وفي إعانتك (الرجل) يعني الإنسان (على دابته فيحمل عليها) المتاع أو الراكب بأن يعينه في الركوب أو يحمله كما هو (وترفع) بمثناة فوقية بضبط المصنف (له عليها متاعه صدقة) أي أجرها كأجر صدقة عليه حذفت المضافات وحرف التشبيه للمبالغة وكذا في أخواته وهذا تشبيه محسوس بمحسوس والجامع عقلي وهو ترتب الثواب على كل منهما (والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة وبضمها ما بين القدمين وهو مبتدأ والباء زائدة (يخطوها) في رواية يمشوها (إلى الصلاة صدقة) أطلق على الكلمة صدقة كدعاء وذكر وسلام وثناء وغير ذلك مما يجمع القلوب ويؤلفها وعلى الخطوة إلى الصلاة صدقة مع عدم تعدي نفعها إلى الغير للمشاركة وتشبيها لهما بالمال في سعة الأجر وقيل هما صدقة على نفس الفاعل وفيه حض على حضور الجماعة ولزوم المساجد والسعي إليها (ودل الطريق صدقة وتميط) بضم أوله تنحى (الأذى) أي مما يؤذي المارة كقذر وحجر وشوك (عن الطريق) يذكر ويؤنث (صدقة) على المسلمين وأخرت هذه لكونها دون ما قبلها كما يشير إليه خبر شعب الإيمان وحمل الأذى على أذى الظالم والطريق على طريقه تعالى وهو شرعه بعيد وشرط الثواب على هذه الأعمال خلوص النية (حم ق عن أبي هريرة) الحديث: 6310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 6311 - (كل سنن قوم لوط) أي طرائقهم (فقدت إلا ثلاثا) من سننها فإنها باقية إلى الآن معمول بها (جر نعال السيوف) على الأرض (وخضب الأظفار وكشف عن العورة) (الشاشي وابن عساكر عن الزبير) بن العوام وقضية كلام المصنف أنه لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فإن أبا نعيم والديلمي خرجاه باللفظ المزبور عن الزبير المذكور الحديث: 6311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 6312 - (كل شراب أسكر) أي الذي فيه قوة الإسكار ومن شأنه أن يسكر وفي رواية لمسلم كل شراب مسكر (فهو حرام) [ص: 22] فيه عموم يشمل جميع الأشربة نيئا أو مطبوخا عنبا أو غيره فلا وجه لتخصيص أحد الأشربة كيف والأخبار متعاضدة على ذلك (حم ق 4 عن عائشة) قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع بكسر الموحدة وسكون الفوقية وهو نبيذ العسل فذكره وفي رواية لمسلم عن أبي موسى كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام وفي رواية عنه أيضا أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة الحديث: 6312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 6313 - (كل شرط) أي اشتراط (ليس في كتاب الله) أي في حكمه أو ليس فيه جوازه أو وجوبه بواسطته كالنص القرآني وقال القرطبي: قوله ليس في كتاب الله أي ليس مشروعا فيه تأصيلا ولا تفصيلا فإن من الأحكام ما لا يوجد تفصيله في الكتاب كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع والقياس (فهو باطل وإن كان مئة شرط) يعني وإن شرط مئة مرة لا يؤثر فذكره للمبالغة لا لقصد عين هذا العدد قال الطيبي: وهذا من الشرط الذي يتبع به الكلام السابق بلا جزاء للمبالغة وقال القرطبي: هذا خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط الشرعية صحيحة (البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن ابن عباس) رمز لصحته الحديث: 6313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 6314 - (كل شيء بقدر) أي جميع الأمور إنما هي بتقدير الله في الأزل فالذي قدر لا بد أن يقع والمراد كل المخلوقات أي بتقدير محكم وهو تعلق الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب (حتى العجز) التقصير فيما يجب فعله أو من الطاعة أو أعم (والكيس) بفتح الكاف أي النشاط والحذق والظرافة أو كمال العقل أو شدة معرفة الأمور أو تمييز ما فيه الضر من النفع قال الطيبي: قوبل الكيس بالعجز على المعنى لأن المقابل الحقيقي للكيس البلادة ولعجز القوة وفائدة هذا الأسلوب تقييد كل من اللفظين بما يضاد الآخر يعني حتى الكيس والقوة والبلادة والعجز من قدر الله فهو رد على من يثبت القدرة لغيره تعالى مطلقا ويقول إن أفعال العباد مستندة إلى قدرة العبد واختياره ولأن مصدر الفعل الداعية ومنشؤه القلب الموصوف بالكياسة والبلادة ثم القوة والضعف ومكانهما الأعضاء والجوارح إذا كانوا بقدر الله وقضائه فأي شيء يخرج عنهما وقال التوربشتي: الكيس جودة القريحة وأتى به في مقابل العجز لأنه الخصلة المفضية بصاحبها إلى الجلادة وإتيان الأمور من أبوابها وذلك يقتضي العجز ولذلك كنوا به عن الغلبة فقالوا كايسته فكيسته أي غلبته قال: والعجز هنا عدم القدرة وقيل ترك ما يجب فعله والعجز والكيس روي بالجر بحتى أو بعطفه على شيء وبالرفع على كل أو بأنه مبتدأ حذف خبره أي كائنان بقدر الله ورجح الطيبي أن حتى حرف جر بمعنى إلى نحو {حتى مطلع الفجر} قال: ومعنى الحديث يقتضي الغاية لأنه أراد به أن أكساب العباد وأفعالهم كلها بتقدير خالقهم حتى الكيس الموصل صاحبه إلى البغية والعجز الذي يتأخر به عن دركها وقال ابن حجر: معناه أن كل شيء لا يقع في الوجود إلا وقد سبق به علم الله ومشيئته وإنما جعلهما في الحديث غاية لذلك إشارة إلى أن أفعالنا وإن كانت معلومة لنا مرادة منا فلا تقع بعد ذلك إلا بمشيئة الله {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وقال القونوي: لم يختلف أحد من علماء الإسلام في أن حكم القضاء والقدر شامل كل شيء منسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الأفعال والصفات والأحوال وغير ذلك فإن قلت: كيف هذا مع حديث الصحيح عن أم حبيبة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمعها وهي تقول اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأخي معاوية وبأبي فقال لها: سألت الله بأرزاق مقسومة وآجال مضروبة لا يعجل منها شيء قبل محله ولا يؤخر بعد محله فلو سألت الله أن يجيرك من عذاب القبر وعذاب النار انتهى فما الفرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حث عليه من طلب الإجارة من النار والقبر؟ فالجواب: [ص: 23] أن المقدرات ضربان ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكلية المختصة بالإنسان أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها محصورة في أربعة أمور العمر والرزق والأجل والشقاء والسعادة وأما اللوازم الجزئية التفصيلية فإنها لم تكد تنحصر ولم يمكن تعيين ذكرها وأيضا فظهور بعضها وحصوله للإنسان يتوقف على أسباب وشروط ربما كان بالدعاء والكسب والسعي والتعمل من جملتها بمعنى أنه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط أو الشروط بخلاف تلك الأربعة فإنه ليس للإنسان في ذلك قصد ولا تعمل ولا سعي بل ذلك نتيجة قضاء الله وقدره بموجب علمه السابق الثابت المحكم أزلا وأبدا فهذا فرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حرض عليه فتدبر (حم م) في الإيمان بالقدر (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 6314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 6315 - (كل شيء فضل عن ظل بيت وجلف الخبز) بكسر وسكون (وثوب يواري عورة الرجل والماء لم يكن لابن آدم فيه حق) قال ابن الأثير: الجلف الخبز وحده لا أدم معه وقيل خبز يابس ويروى بفتح اللام جمع جلفة وهي الكسرة من الخبز وقال القاضي: الجلف هنا الظرف كالخرج والجوالق يريد ما يترك فيه الخبز (حم) وكذا أبو نعيم في ترجمة عثمان (عن عثمان) بن عفان رمز المصنف لحسنه وفيه حريث بن السائب أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الساجي وفيه حمدان قال النسائي: ليس بثقة وقال أبو داود: رافضي الحديث: 6315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 6316 - (كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب) فهو مذموم واللذة التي لا تعقب ألما في الآخرة ولا التوصل إلى لذة هناك فهي باطلة إذ لا نفع فيها ولا ضرر وزمنها قليل ليس لتمتع النفس بها قدر (إلا أن يكون أربعة) أي واحد من أربعة هي (ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين (1)) قال القرطبي: فيه تحريم الغناء لأنه لم يرخص في شيء منه إلا في هذه الثلاثة فيحرم ما سواها من اللهو لأنه باطل كما في خبر آخر (وتعليم الرجل السباحة) أي العوم فإنه عون ولهذا كانت لذة اللعب بالدف جائزة لإعانتها على النكاح كما تعين لذة الرمي بالقوس وتأديب الفرس على الجهاد وكلاهما محبوب لله فما أعان على حصول محبوبه فهو من الحق ولهذا عد ملاعبة الرجل امرأته من الحق لإعانتها على النكاح المحبوب لله ولما كانت النفوس الضعيفة كالمرأة والصبي لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا بإعطائها شيئا من اللهو واللعب بحيث لو فطمت بالكلية طلبت ما هو شر لها منه رخص لهما في ذلك ما لم يرخص لغيرهما كما دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله قائلا: هو لا يحب الباطل ولم يمنعهن لما يترتب عليه من المفسدة (ن) من حديث عطاء بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير) الأنصاري قال: رأيتهما يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه وهو تقصير فقد قال في الإصابة: إسناده صحيح فكان حق المصنف أن يرمز لصحته وجابر هذا قال البخاري: له صحبة وقال ابن حبان: يقال له صحبة   (1) قال العزيزي: الغرض بمعجمين بينهما راء مرمى السهم يحتمل أن المراد مشيه بينهما في القتال ليجمع السهام المرمى بها أو مبارزة للقتال اه الحديث: 6316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 [ص: 24] 6317 - (كل شيء للرجل حل من المرأة في) حال (صيامه ما خلا ما بين رجليها) كناية عن جماعها فتجوز القبلة لمن لم تحرك شهوته (طس عن عائشة) وفيه إسماعيل بن عياش وقد مر غير مرة الخلاف فيه ومعاوية بن طويع اليزني أورده الذهبي في الذيل وقال: مجهول الحديث: 6317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 6318 - (كل شيء ينقص) كذا هو بخط المصنف وفي رواية يغيض بغين وضاد معجمتين يقال غاض الشيء إذا نقص وفاض إذا زاد وكثر (إلا الشر فإنه) لا ينقص بل (يزاد فيه) يحتمل أن المراد كل زمان يأتي بعده أكثر شرا منه (حم طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الهيثمي بأن فيه أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ورجل آخر لم يسم الحديث: 6318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 6319 - (كل شيء جاوز الكعبين من الإزار) يعني كل شيء جاوزهما من قدم صاحب الإزار المسبل يعذب (في النار) عقوبة له على فعله حيث فعل خيلاء فإسبال الإزار بقصدها حرام لهذا الوعيد الشديد ويستثنى النساء ومن أسبله لضرورة كمن بقدميه نحو جرح يؤذيه نحو ذباب وفقد غيره ذكره الزين العراقي (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه اليمان ابن المغيرة ضعفه الجمهور الحديث: 6319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 6320 - (كل شيء قطع من الحي فهو ميت) أفاد به أن ما أبين من الحي فحكمه كميتته طهارة ونجاسة فنحو يد الآدمي ومشيمته طاهر ونحو ألية الخروف نجسة (حل) من حديث يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال: تفرد به خارجة فيما أعلم ورواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد عن عطاء عن أبي واقد الليثي وهو المشهور الصحيح اه الحديث: 6320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 6321 - (كل شيء خلق من الماء) فهو مادة الحياة وأصل العالم (حم ك) في البر (عن أبي هريرة) قلت: يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح خلا أبا ميمونة وهو ثقة الحديث: 6321 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 6322 - (كل شيء سوى الحديدة) وفي رواية الدارقطني كل شيء سوى السيف وهي مبينة للمراد بالحديدة (خطأ) أي غير صواب يعني أنه من وجب عليه القتل فقتله الإمام أو المستحق بغير السيف كان مخطئا (ولكل خطأ أرش) قال ابن حجر: يعارضه خبر أنس في قصة العرنيين فعند مسلم في بعض طرقه إنما سملهم لأنهم سملوا الرعاء فالأولى حمله على غير المماثلة في القصاص جمعا بين الأدلة وحجة الجمهور في ذهابهم إلى أن القاتل يقتل بما قتل به قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وقوله {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (طب عن النعمان بن بشير) قال ابن حجر: سنده ضعيف وقال الذهبي في التنقيح: فيه جابر الجعفي واه وفي الميزان عن جمع: كذاب قائل بالرجعة ثم أورد له هذا الخبر وقال: قال البخاري: لا يتابع عليه ورواه البيهقي في سننه أيضا باللفظ المزبور ورواه الدارقطني وفيه عنده جابر المذكور الحديث: 6322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 [ص: 25] 6323 - (كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة) أي فيؤجر عليه بشرط الصبر والاحتساب على ما فيه مما سلف تقريره قال ابن العربي: فالكفارات سارية في الدنيا والإنسان لا يسلم من أمر يضيق صدره ويؤلمه حسا وعقلا حتى قرصة البرغوث والعثرة والآلام محدودة مؤقتة ورحمة الله غير موقتة فإنها وسعت كل شيء فمنها ما يكون من طريق المنة ومنها ما يؤخذ بطريق الوجوب الإلهي في قوله {كتب ربكم على نفسه الرحمة} بعد قوله {فسأكتبها} ثم كتبها فالناس يأخذونها جزاء وبعضهم يكون له امتنانا وكل ألم في العالم في الدنيا والآخرة مكفر لأمور مؤقتة محدودة وهو جزاء لمن يتألم به من كبير وصغير بشرط تعقل التألم لا بطريق الإحساس بالتألم من غير تعقله وهذا المدرك لا يدركه من لا كشف له فالرضيع لا يعقل التألم وإن أحس به إلا أن نحو أبويه وأقاربه يتألم ويتعقل لما يرى من تألمه بمرضه فيكون ذلك كفارة لمتعقله فإن زاد ذلك الترحم به كان مع التكفير عنه مأجورا وأما الطفل إذا استعقل التألم وطلب النفور عن السبب المؤلم فألمه كفارة لما صدر منه مما يأثم به غيره من إيذاء حيوان أو طفل آخر وإبائه عما يدعوه إليه أبواه أو قتله بنحو نملة يطؤها برجله وسر هذا الأمر عجيب سار في الموجودات حتى الإنسان يتألم بنحو غم وضيق صدر فإنه كفارة لذنوب أتاها من حيث لا يشعر وذلك كله يراه أهل الكشف تحققا (ابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أبي إدريس) عائذ بن عبد الله (الخولاني) بفتح المعجمة وسكون الواو وبالنون الشامي أحد علماء التابعين ولد يوم حنين وله رؤية لا رواية فهو من حيث الرؤية صحابي ومن حيث الرواية تابعي (مرسلا) الحديث: 6323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 6324 - (كل شيء بينه وبين الله حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ودعاء الوالد لولده) (ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) كلام المصنف يؤذن بأنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجيب فقد خرجه أبو يعلى والديلمي باللفظ المزبور عن أنس الحديث: 6324 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 6325 - (كل شيء يتكلم به ابن آدم فإنه مكتوب عليه) أي يكتبه عليه الملكان الحافظان (فإذا أخطأ الخطيئة) قال في الفردوس: يقال خطئ إذا أذنب وأخطأ إذا لم يصب الصواب (ثم أحب أن يتوب إلى الله عز وجل فليأت بقعة مرتفعة فليمدد يديه إلى الله ثم يقول اللهم إني أتوب إليك منها لا أرجع أبدا فإنه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك) قال السهيلي: هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث الخروج إلى براز من الأرض وإتيان بقعة رفيعة لعل المراد به مفارقة موضع المعصية فإنه موضع سوء وأهله كذلك إذا رآهم تشبه بهم أو رأوه فلم يبصروه ولم ينكروا عليه ويشهد لهذا التأويل أخبار كثيرة ومما يشير إلى ذلك الأمر بالخروج من ديار ثمود فهو إشارة إلى أن هجر مواضع المعصية من توابع التوبة لأن التوبة طهارة من الذنب ولا بد في الطهارة من طهارة القلب والجوارح ومن طهارة موضع التوبة كموضع الصلاة والثوب والبدن اه (طب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: إنه منكر الحديث: 6325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 [ص: 26] 6326 - (كل صلاة) لفظ عام يشمل الفرض والنفل والجماعة والفرادى لأن لفظ كل للعموم (لا يقرأ فيها بأم الكتاب) أي الفاتحة سميت به لأنها أول القرآن في التلاوة (فهي خداج) أي ذات خداج بكسر الخاء مصدر خدجت الناقة إذا ألقت ولدها ناقصا فلا تصح فاستعير للناقص أي فصلاته ذات نقصان أو خدجة أي ناقصة نقص فساد وبطلان فلا تصح الصلاة بدونها للمنفرد ولا للمقتدي عند الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجب على المأموم قراءة ووافقه مالك وأحمد في الجهرية <تنبيه> قال ابن عربي: المصلي يناجي ربه والمناجاة كلام والقرآن كلام والعبد لا يعلم ما يكلم به ربه وقت مناجاته فكلمه ربه لما قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ثم إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي الحديث فما ذكر في حق المصلي إذا ناجاه يناجيه بغير كلامه ثم عين من كلامه أم القرآن إذا كان لا يناجي إلا بكلامه وبالجامع من كلامه والأم هي الجامعة فكأن الحديث مفسرا لما تيسر من القرآن (حم عن عائشة حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص (هق عن علي) بن أبى طالب (خط عن أبي أمامة) الباهلي ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن جابر وزاد إلا أن يكون وراء الإمام وقال: فيه يحيى بن سلام ضعيف الحديث: 6326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 6327 - (كل طعام لا يذكر اسم الله عليه فإنما هو داء) أي يضر بالجسد وبالروح وبالقلب (ولا بركة فيه وكفارة ذلك إن كانت المائدة موضوعة أن تسمي) الله تعالى بأن تقول بسم الله على أوله وآخره (وتعيد يدك) إلى تناول الطعام (وإن كانت قد رفعت أن تسمي الله وتلعق أصابعك) قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله قال ابن حجر: وفي نقل الإجماع نظر إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل وإلا فقد ذهب جمع إلى وجوبها وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة (ابن عساكر) في ترجمة منصور بن عمار من حديثه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير (عن عقبة بن عامر) ثم قال أعني ابن عساكر: قال ابن عدي: ابن عمار منكر الحديث اه وقال الدارقطني: له أحاديث لا يتابع عليها وابن لهيعة حاله معروف ورواه أيضا من هذا الوجه الديلمي والمخلص والبغوي وغيرهما فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير جيد الحديث: 6327 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 6328 - (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه) وهو المجنون (والمغلوب على عقله) الذي لا يتحصل شيء من أمره قال ابن العربي: قد اتفق الكل على سقوط أثر قوله شرعا لكن يحاول له وليه أمره كله إن كان له ولي وإلا فالسلطان ولي من لا ولي له وقال: وهذا بخلاف المجنون الذي يجن مرة ويفيق أخرى فإنه في حال جنونه ساقط القول وفي حالة إفاقته معتبرة إلا إن غلب عليه الصرع فعتهه فيلحق بالأول (ت) في الطلاق من حديث عطاء بن عجلان (عن أبي هريرة) قال الترمذي: وعطاء ضعيف ذاهب الحديث اه. قال ابن الجوزي: عطاء قال يحيى: كذاب كان يوضع له الحديث فيتحدث به وقال الرازي: متروك وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كتب حديثه إلا للإعتبار اه وقال ابن حجر: ضعيف جدا فيه عطاء بن عجلان متروك الحديث: 6328 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 6329 - (كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر) . (ك) عن جابر (صح) (1) الحديث: 6329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 6330 - كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن محسر وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة) . (هـ) عن جابر (صح)   (1) هذا الحديث والذي بعده ساقطان من نسخ الشرح الحديث: 6330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 [ص: 27] 6331 - (كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عرنة) بضم العين المهملة وفتح الراء وزان رطبة وفي لغة بضمتين موضع بين منى وعرفات وتصغيرها عرينة وبها سميت القبيلة والنسبة إليها عرنى (وكل المزدلفة موقف وارفعوا عن بطن محسر) بصيغة اسم الفاعل وهو واد بين منى ومزدلفة سميت به لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيى فحسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات (وكل فجاج منى منحر وكل أيام التشريق ذبح) وقال الطيبي: أراد به التوسعة ونفي الحرج (حم عن جبير بن مطعم) قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 6331 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 6332 - (كل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله عز وجل فإنه ينمى له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة) قال القاضي: معناه أن الرجل إذا مات لا يزاد عن ثواب ما عمل ولا ينقص منه شيء إلا الغازي فإن ثواب مرابطته ينمو ويتضاعف وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره إليه أو لا يزاد فاندفع قول البعض هذا الحديث يكاد يخل بالحصر المذكور في خبر " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " (طب حل عن العرباض) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات الحديث: 6332 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 6333 - (كل عين زانية) يعني كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية أي أكثر العيون لا تنفك من نظر مستحسن وغير محرم وذلك زناها أي فليحذر من النظر ولا يدع أحد العصمة من هذا الخطر فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي مع جلالته يا علي لا تتبع النظرة النظرة (والمرأة) في نسخة فالمرأة بالفاء (إذا استعطرت فمرت بالمجلس) فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها فكل من ينظر إليها فقد زنى بعينه ويحصل لها إثم لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه فإذن هي سبب زناه بالعين (فهي) أيضا (زانية) وفي رواية فهي كذا وكذا يعني زانية (حم ت) في الاستئذان عن (أبي موسى) الأشعري قال الترمذي: حسن صحيح رمز المصنف لحسنه وقال الهيثمي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف تفرد الترمذي به من بين الستة وهو ذهول فقد رواه أيضا النسائي في الزينة باللفظ المذكور الحديث: 6333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 6334 - (كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله وعينا سهرت في سبيل الله وعينا خرج منها مثل رأس [ص: 28] الذباب من خشية الله) فلا تبكي يوم القيامة بكاء حزن بل بكاء فرح وسرور لما ترى من عظيم إكرام الله لها وعظيم ثوابه (حل عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 6335 - (كل قرض صدقة) من المقرض على المقترض أي يؤجر عليه كأجر الصدقة (طس حل عن ابن مسعود) قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه جعفر بن ميسرة وهو ضعيف وقال غيره: فيه غسان بن الربيع أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وجعفر بن ميسرة الأشجعي قال أبو حاتم: منكر الحديث جدا الحديث: 6335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 6336 - (كل قرض جر منفعة) إلى المقرض (فهو ربا) أي في حكم الربا فيكون عقد القرض باطلا فإذا شرط في عقده ما يجلب نفعا إلى المقرض من نحو زيادة قدر أو صفة بطل (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين قال السخاوي: إسناده ساقط وأقول: فيه سوار بن مصعب قال الذهبي: قال أحمد والدارقطني: متروك الحديث: 6336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 6337 - (كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم) أي مقطوع البركة أو ناقصها وما جرى عليه المصنف من أن لفظ الحمد بغير لام التعريف هو ما وقع لابن الملقن وغيره قال الكمال بن أبي شريف: والصواب في الرواية إثباتها وهكذا هو في نسخ أبي داود المعتمدة بالحمد لله (د) في الأدب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أيضا النسائي في عمل يوم وليلة وابن ماجه في النكاح وأبو عوانة والدارقطني وابن حبان والبيهقي وغيرهم قال ابن حجر: اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني إرساله الحديث: 6337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 6338 - (كل كلم) بفتح فسكون (يكلمه) بضم فسكون أي كل جرح يجرحه (المسلم في سبيل الله) قد يخرج في غير سبيله وفي رواية والله أعلم بمن يكلم في سبيله إشارة إلى الإخلاص (تكون يوم القيامة كهيئتها) أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة ويوضحه رواية كل كلمة يكلمها (إذ طعنت تفجر) بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى أصله تتفجر (دما واللون لون الدم والعرف) بفتح المهملة وسكون الراء الريح (عرف مسك) وإنما أتى على هيئته ليشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة طيب ريحه إظهار فضله لأهل الموقف وانتشار ذلك فيهم ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد وفيه طهارة المسك ورد عليه من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد (ق) في الجهاد (عن أبي هريرة) الحديث: 6338 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 6339 - (كل ما) قال الحرالي: كلمة تفهم تكرر الأمر في عموم الأوقات (صنعت إلى أهلك) ابتغاء لوجه الله كما قيد به في عدة أخبار (فهو صدقة عليهم) فما أنفقه الإنسان بنية التقرب به فهو داخل في قسم إرادة الآخرة والسعي إليها قال السبكي: والعبادة أربعة أقسام أحدها ما وضعه الشرع عبادة كصلاة وصوم وحج وصدقة فمتى صح فقربة مطلقا وثانيها ما طلب الشرع من مكارم الأخلاق كإفشاء سلام ونحوه مما فيه مصلحة فإن وجد بنية الامتثال فقربة وإلا فمباح ثالثها ما لا يستقل بتحصيل مصلحة فإنما يفعل للتوصل به لغيره كالمشي فهو وسيلة فيكون بحسب ما قصد رابعها ما وضع مباحا مقصودا لتحصيل مصلحة دنيوية كأكل وشرب ونوم فإن حصل بغير نية أو نية دنيوية فمباح أو بنية دينية ففيه ثواب على النية فقط عند البعض وعليها مع الفعل عند البعض وهو الحق اه (طب) من حديث الزبرقان بن عبد الله [ص: 29] بن عمرو بن أمية عن أبيه (عن) جده (عمرو بن أمية) الضمري قال: مر على عثمان أو على عبد الرحمن بن عوف بمرط فاستغلاه فمر به على عمرو بن أمية فاشتراه فكساه امرأته فمر به عثمان أو عبد الرحمن فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت قال: تصدقت به على أهلي قال: أو كل ما صنعت إلى أهلك صدقة فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر ذلك فذكر ما قال عمرو لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: صدق عمرو كل ما صنعت إلخ والزبرقان هذا مشهور وثقه النسائي وغيره وأخرج له أيضا الترمذي وأبو داود وليس هو بالزبرقان الضمري ذاك انفرد به وقد كتبهما الذهبي وأشار إلى ضعف الفرق وأبوه انفرد به النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وجده صحابي مشهور من غير مرة ومن لطائف إسناد هذا الحديث أن من رواية الرجل عن أبيه عن جده وقال المنذري عقب عزوه لأبي يعلى والطبراني: رواته ثقات وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير فكان حقه الرمز لصحته الحديث: 6339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 6340 - (كل مال النبي) ولفظ رواية الترمذي كل مال نبي أو مال كل نبي صدقة إذ النكرة في الإثبات للعموم (صدقة إلا ما أطعمه) في نسخة أطعمه الله وفي أخرى أطعمه بضم الهمزة أي أنا لكوني المتصرف في أموال المسلمين وضمير أطعمه على الأول عائد للنبي أو لله أي إلا ما نص على أنه يأكل منه عياله (أهله وكساهم إنا) معشر الأنبياء (لا نورث) وحكمته أن لا يتمنى الوارث موت نبي فيهلك ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لمورثهم فيهلك الظان وينفر عنهم ولأنهم أحياء ولأنه تعالى شرفهم بقطع حظوظهم من الدنيا وما بأيديهم منها إنما هو عارية وأمانة ومنفعة لعيالهم وأممهم وأما قوله تعالى {وورث سليمان داود} فالمراد إرث العلم وكذا قول زكريا {يرثني} وقد كان ينفق من ماله ويتصدق بفضله ثم توفي فصنع الصديق كفعله (د عن الزبير) وشهد به جمع من الصحابة رمز المصنف لحسنه الحديث: 6340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 6341 - (كل مال أدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا تحت الأرض وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا) على وجه الأرض فالكنز في عرف الشرع ما لم تؤد زكاته كيفما كان وفي لسان العرب المال المجتمع المخزون فوق الأرض وتحتها قال ابن الأثير: فهو حكم شرعي تجوز فيه عن الأصل. وقال ابن عبد البر: والاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي ولا أعلم مخالفا في أن الكنز ما لم تؤد زكاته إلا شيئا روى عن علي وأبي ذر والضحاك وذهب إليه قوم من أهل الزهد قالوا: إن في المال حقوقا سوى الزكاة وقال القاضي: لما نزل {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية كبر ذلك على الصحابة وظنوا أنها تمنع عن جمع المال وضبطه رأسا وأن كل من أثل مالا قل أم جل فالوعيد لاحق به فبين صلى الله عليه وسلم أن المراد في الكنز بالآية ليس الجمع والضبط مطلقا بل الحبس عن المستحق والامتناع عن الإنفاق الواجب الذي هو الزكاة وأنه تعالى ما رتب الوعيد على الكنز وحده بل على الكنز مع عدم الإنفاق وهو الزكاة (هق عن ابن عمر) بن الخطاب مرفوعا وموقوفا وقال البيهقي: ليس بمحفوظ والمشهور وقفه الحديث: 6341 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 6342 - (كل ما توعدون في مئة سنة) أي يكون وقوع جميعه في مئة سنة من آخر الزمان لأنه يقع في مئة سنة من البعثة والوفاة (البزار) في مسنده (عن ثوبان) ورواه ابن الجوزي وأعله الحديث: 6342 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 6343 - (كل مؤدب يحب أن تؤتى مأدبته ومأدبة الله القرآن فلا تهجروه) سبق عن الزمخشري أن المأدبة مصدر بمنزلة [ص: 30] الأدب وهو الدعاء إلى الطعام وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوليمة فالمعنى أن كل مولم يحب أن يأتيه الناس في وليمته إذا دعاهم وضيافة الله لخلقه القرآن فلا تتركوه بل داوموا على قراءته (هب عن سمرة) بن جندب ورواه عنه الديلمي في الفردوس الحديث: 6343 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 6344 - (كل مؤذ في النار) يعني كل ما يؤذي من نحو حشرات وسباع يكون في نار جهنم عقوبة لأهلها وقيل هو وعيد لمن يؤذي الناس أي كل من آذى الناس في الدنيا من الناس أو من غيرهم يعذبه الله في تلك الدار في نار الآخرة ذكره الزمخشري والخطابي (خط) في ترجمة عثمان الأشج المعروف بابن أبي الدنيا (وابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن علي) أمير المؤمنين. قال الخطيب: وعثمان عندي ليس بشيء اه. وأورده الذهبي في المتروكين وقال: خبر غريب الحديث: 6344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 6345 - (كل مسجد فيه إمام ومؤذي فالاعتكاف فيه يصح) أخذ بظاهره الحنابلة فقالوا: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة وقال الثلاثة: يصح في كل مسجد (قط عن حذيفة) قال الذهبي: هذا الحديث في نهاية الضعف وذلك لأن فيه سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث. قال ابن حبان: يضع على الأثبات ما لا يخفى ووهاه ابن عدي وأورد له من الواهيات عدة هذا منها وفي اللسان سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث الحديث: 6345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 6346 - (كل مسكر حرام) سواء كان من عنب أو نقيع زبيب أو تمر أو عسل أو غيرها كما ذهب إلى ذلك الجمهور واستدلوا بمطلق قوله كل على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا فدخل نحو حشيش وبنج وغيرهما وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وجزم آخرون بأنها مخدرة. قال الحافظ ابن حجر: وهي مكابرة لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة وبفرض تسليم عدم إسكارها فقد ثبت في أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء (حم ق د ن هـ عن أبي موسى) الأشعري (حم ن عن أنس) بن مالك (حم د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (حم ن هـ عن أبي هريرة هـ عن ابن مسعود) قال: قالوا يا رسول الله إن شرابا يصنع يقال له المزر وإن شرابا يقال له البتع من العسل فذكره. قال المصنف: الحديث متواتر الحديث: 6346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 6347 - (كل مسكر خمر) أي مخامر للعقل ومغطيه يعني أن الخمر اسم لكل ما يوجد فيه الإسكار وللشرع أن يحدث الأسماء بعد أن لم تكن كما أن له وضع الأحكام كذلك أو أنه كالخمر في الحرمة ووجوب الحد وإن لم يكن خمرا (وكل مسكر حرام) قال الزين العراقي: كذا في رواية الصحيح وفي بعض طرقه في الصحيح وكل خمر حرام والكل صحيح اه. والرواية الثانية يحصل منها مقدمتان وينتج ذلك كل مسكر حرام اه. قال ابن العربي: من زعم أن قوله كل مسكر خمر معناه مثل الخمر لأن حذف مثل في مثله مسموع شائع فقد وهم. قال: بل الأصل عدم التقدير ولا يصار إلى التقدير إلا لحاجة ولا يقال احتجنا إليه لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث لبيان الأسماء قلنا بل بيان الأسماء من جملة الأحكام لمن يعلمها وقال الطيبي: فيه دليل على جواز القياس باطراد العلة وقال في الفائق: قول نعمان الخمر كل ما أسكر فغيره حلال طاهر رد بخبر كل مسكر خمر إن من الحنطة خمرا الخمر من هاتين الشجرتين فالخمر [ص: 31] في الكل حقيقة شرعية أو مجاز في الغير فيلزم النجاسة والتحريم (ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها) أي مصر عليها وهي معنى قوله في الرواية الأخرى لم يتب وفي رواية الصحيح إلا أن يتوب وفيه أن التوبة تكفر الكبائر والواو للحال وإدمانها مداومة شربها (لم يشربها في الآخرة) يعني لم يدخل الجنة لأن الخمر شراب أهل الجنة فإذا لم يشربها لم يدخلها أو أنه يدخلها ويحرم شربها بأن تنزع منه شهوتها ذكره ابن عبد البر واستشكل بأن من لا يشتهي شيئا لا يخطر بباله لا يحصل له عقوبة ذلك وشهوات الجنة كثيرة يستغني بعضها عن بعض وأجاب الزين العراقي بأن كل شهوة يجد لها لذة لا يجدها لغيرها فيكون ذلك نقصا في نعيمه بل ورد في الحديث أن الطعام الواحد في الجنة يجد لكل لقمة منه لذة لا يجدها لما قبلها فهذا في النوع الواحد فكيف بنعيم برأسه (حم م 4) في الأشربة (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه الحديث: 6347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 6348 - (كل مسكر حرام) سواء اتخذ من العنب أم من غيره وفرق الحنفية بينهما بدعوى المغايرة في الاسم مع اتحاد العلة فيهما فإن كل ما قدر في المتخذ من العنب يقدر في المتخذ من غيرها. قال القرطبي: وهذا من أرفع أنواع القياس لمساواة الفرع فيه للأصل في جميع أوصافه مع موافقته لظهور النصوص الصحيحة (وما أسكر منه الفرق) بالتحريك مكيلة تسع ستة عشر رطلا وبالسكون تسع مئة وعشرون رطلا (فملء الكف منه حرام) قال الطيبي: الفرق وملء الكف كلاهما عبارة عن التكثير والتقليل لا التحديد قال القرطبي: الأحاديث الواردة في هذا الباب على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا أن الأمر بتجنب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب ومن غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادروا إلى إراقة ما كان من عصير غير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم للنهي عن إضاعة المال فلما بادروا للإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره مطلقا قال: وأما الأحاديث التي تمسك بها المخالف فلا شيء منها يثبت (د ت عن عائشة) قال القرطبي: إسناده صحيح ولذلك رمز المؤلف لصحته ورواه مسلم عن ابن عمر بنحوه الحديث: 6348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 6349 - (كل مشكل) أي كل حكم أشكل علينا لخفاء النص فيه أو لتعارض نصين أو لعدم نص صريح ولم يقع على ذلك الحكم إجماع واجتهد فيه مجتهد ولم يظهر له شيء أو فقد المجتهد فهو (حرام) لبقائه على إشكاله بالنسبة للعلماء وغيرهم (وليس في الدين إشكال) عند الراسخين في العلم غالبا لعلمهم الحكم في الحادثة بنص أو إجماع أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإذا تردد شيء بين الحل والحرمة اجتهد فإن ظهر له الحكم بدليل غير خال عن تطرق الاحتمال فالورع العمل بالأحوط (طب) وكذا القضاعي (عن تميم الداري) قال الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو مجمع على ضعفه وفي الميزان: كذبه مالك وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب وقال أحمد: لا يساوي شيئا وقال أبو زرعة: يضرب على حديثه وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ومن مناكيره هذا الحديث الحديث: 6349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 6350 - (كل مصور) لذي روح (في النار) أي يكون يوم القيامة في نار جهنم لتعاطيه ما يشبه ما انفرد الله به من الخلق [ص: 32] والاختراع (يجعل له) بفتح ياء يجعل والفاعل الله أضمر للعلم به (بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم) أي يعذبه نفس الصورة بأن يجعل فيه روح والباء في بكل صورة شخصا يعذبه فالباء بمعنى لام السبب (حم م) في اللباس من حديث سعيد بن أبي الحسن (عن ابن عباس) قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال له: ادن مني فدنا ثم قال: ادن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه وقال له: أفتك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول فذكره الحديث: 6350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 6351 - (كل معروف) أي ما عرف فيه رضى الله عنه من جملة الخيرات وقال الحرالي: هو ما يشهد عيانه بموافقته وقبول موقعه بين الأنفس فلا يلحقها منه تنكر وقال في موضع آخر: هو ما تقبله الأنفس ولا تجد منه نكيرا (صدقة) أي ثوابه كثواب الصدقة وفيه إشارة إلى أنه لا يحتقر شيء من المعروف قال ابن بطال: دل الحديث على أن كل شيء يفعله الإنسان أو يقوله يكتب له به صدقة وقال ابن أبي جمرة: المراد بالصدقة الثواب فإن قارنت النية أثيب صاحبه جزما وإلا ففيه احتمال قال: وفيه إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر في المحسوس فلا تختص بأهل اليسار مثلا بل كل أحد يمكنه فعلها غالبا بلا مشقة (حم) بسند رجاله رجال الصحيح (خ) في الأدب (عن جابر) ابن عبد الله (حم م) في الزكاة (د) في الأدب (عن حذيفة) بن اليمان قال المصنف: هذا حديث متواتر الحديث: 6351 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 6352 - (كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة) تسمية هذا وما قبله وما بعده صدقة من مجاز المشابهة أي لهذه الأشياء أجر كأجر الصدقة في الجنس لأن الجمع صادر عن رضا الله مكافأة على طاعته إما في القدر أو الصفة فيتفاوت بتفاوت مقادير الأعمال وصفاتها وغايتها وقيل معناه أنها صدقة على نفسه واستدل بظاهر هذه الأحاديث الكعبي على أنه ليس في الشرع شيء يباح بل إما أجر وإما وزر فمن اشتغل بشيء عن المعصية أجر قال ابن التين: والجماعة على خلافه (خط في الجامع) في آداب المحدث والسامع (عن جابر) بن عبد الله (طب عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف وقال الهيثمي: في سند الطبراني صدقة بن موسى الدقيقي وهو ضعيف الحديث: 6352 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 6353 - (كل معروف صدقة) أي كل ما يفعل من أنواع البر وثوابه من تصدق بالمال والمعروف لغة ما عرف وشرعا قال ابن عرفة الطاعة: ولما تكرر الأمر بالصدقة في الكتاب والسنة مالت إليها القلوب فأخبرهم بأن كل طاعة من قول أو فعل أو بذل صدقة يشترك فيها المتصدقون حثا منه للكافة على المبادرة إلى فعل المرء طاقته وسميت صدقة لأنها من تصديق الوعد بنفع الطاعة عاجلا وثوابها آجلا (وما أنفق المسلم من نفقة على نفسه وأهله كتب له بها صدقة) لأنه ينكف بذلك عن السؤال ويكف من ينفق عليه (وما وقى به المرء المسلم عرضه) أي يعطيه الشاعر ومن يخاف لسانه وشره (كتب له به صدقة) أي دفع به النقيصة عن عرضه بذكر ما يهتضم به في نفسه وفي أسلافه فإنه صدقة لأن صيانة العرض من جملة الخيرات لما أنه يحرم على الغير كالدم والمال قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرء من ماله متطوعا به وقد يطلق على الواجب لتحري صاحبه الصدق في فعله ويقال لكل ما يحابي به المرء [ص: 33] من حقه صدقة لأنه تصدق بذلك على نفسه قال عبد الحميد الهلالي: قلت لابن المنكدر: ما وقى الرجل به عرضه قال: يعطي الشاعر أو ذا اللسان (وكل نفقة أنفقها المسلم فعلى الله خلفها والله ضامن إلا نفقة في بنيان أو معصية) ظاهر هذا أنه لا يشترط في حصول الثواب نية القربة لكنه مقيد في أخبار أخر بقوله وهو يحتسبها فيحمل المطلق على المقيد وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة فإن نفقة الزوجة من ملاذ الدنيا المباحة ووضع اللقمة في فمها إنما يكون عند الملاعبة وهي أبعد الشيء عن الطاعة وأمور الآخرة ومع ذلك فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يثاب عليه ثواب الصدقة ففي غير هذه الحالة أولى (عبد بن حميد ك) من حديث عبد الحميد بن الحسن عن محمد بن المنكدر (عن جابر) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عبد الحميد ضعفوه وقال في الميزان: غريب جدا الحديث: 6353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 6354 - (كل معروف صدقة) قال القاضي: المعروف في اصطلاح الشارع ما عرف حسنه بالشرع وبإزائه المنكر وهو ما أنكره وحرمه وقال الراغب: المعروف اسم لكل ما عرف حسنه بالشرع والعقل معا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف وقال ابن أبي جمرة: يطلق المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من عمل البر جرت به العادة أم لا (والدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان) أي المتحير في أمره الحزين المسكين <تنبيه> قال الماوردي: المعروف نوعان قول وعمل فالقول طيب الكلام وحسن البشر والتودد بجميل القول والباعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع لكن لا يسرف فيه فيكون ملقا مذموما وإن توسط واقتصد فهو بر محمود وفي منثور الحكم من قل حياؤه قل أحباؤه والعمل بذل الجاه والإسعاف بالنفس والمعونة في النائبة والباعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حد بخلاف الأولى فإنها وإن كثرت أفعال تعود بنفعين نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر ونفع على المعان بها في التخفيف والمساعدة فلذلك سماه هنا صدقة (هب عن ابن عباس) وفيه طلحة بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: متروك وقال الحافظ العراقي: رواه الطبراني في المستجاد من رواية الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحجاج ضعيف وقد جاء مفرقا في أخبار أخر الحديث: 6354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 6355 - (كل من ورد) وفي رواية لأبي نعيم كل من وافى (القيامة) من الأمم (عطشان) أي فترد كل أمة على نبيها في حوضه فيسقي من أطاعه منهم (حل هب) كلاهما من حديث سهل بن نصر عن ابن أسماك الهيثمي بن جماز عن يزيد الرقاشي (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: دخلت على يزيد وهو يبكي في يوم حار وقد عطش نفسه أربعين سنة فقال: أدخل تعال نبكي على الماء البارد في اليوم الحار حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره ومحمد بن صبيح بن سماك أورده الذهبي في الضعفاء قال ابن نمير: ليس حديثه بشيء والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي: متروك ويزيد الرقاشي قال النسائي: متروك وقال الذهبي: ضعيف الحديث: 6355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 6356 - (كل مولود) من بني آدم (يولد على الفطرة) اللام للعهد والمعهود فطرة الله التي فطر الناس عليها أي الخلقة التي خلق الناس عليها من الاستعداد لقبول الدين والنهي لتتجلى بالحق وقبول الاستعداد والتأبي عن الباطل والتمييز بين [ص: 34] الخطأ والصواب (حتى يعرب عنه لسانه) فحينئذ إن ترك بحاله وخلى وطبعه ولم يتعرض له من الخارج من يصده عن النظر الصحيح من فساد التربية وتقليد الأبوين والألف بالمحسوسات والانهماك في الشهوات ونحو ذلك لينظر فيما نصب من الدلالة الجلية على التوحيد وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك نظرا صحيحا يوصله إلى الحق وإلى الرشد عرف الصواب ولزم ما طبع عليه في الأصل ولم يختر إلا الملة الحنيفية وإن لم ينكر بحاله بأن كان أبواه نحو يهوديين أو نصرانيين (فأبواه) هما اللذان (يهودانه) أي يصيرانه يهوديا بأن يدخلاه في دين اليهودية المحرف المبدل بتفويتهما له (أو ينصرانه) أي يصيرانه نصرانيا (أو يمجسانه) أي يدخلانه المجوسية كذلك بأن يصداه عما ولد عليه ويزينا له الملة المبدلة والنحل الزائفة ولا ينافيه {لا تبديل لخلق الله} لأن المراد به لا ينبغي أن تبدل تلك الفطرة التي من شأنها أن لا تبدل أو هو خبر بمعنى النهي ذكره البيضاوي وقال الطيبي: الفطرة تدل على نوع من الفطر وهو الابتداء والاختراع والمعنى بها هنا تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة بالتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها استمر على لزومها ولم يفارقها لغيرها لأن هذا الدين حسنه مركوز في النفوس وإنما يعدل عنه بآفة من الآفات البشرية والتقليد والفاء في فأبواه للتعقيب أو للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه انتهى. والحاصل أن الإنسان مفطور على التهيئ للإسلام بالقوة لكن لا بد من تعلمه بالفعل فمن قدر الله كونه من أهل السعادة قيض الله له من يعلمه سبيل الهدى فصار مهذبا بالفعل ومن خذله وأشقاه سبب له من يغير فطرته ويثني عزمته والله سبحانه هو المتصرف في عبيده كيف يشاء {فألهمها فجورها وتقواها} قال الطيبي: فإن قلت أمر الغلام الذي قتله الخضر ينقض هذا البيت لأنه لم يلحق بأبويه بل خيف إلحاقهما به قلت لا ينقض بل يرفعه ويستبد بثباته لأن الخضر نظر إلى عالم الغيب وقتل الغلام وموسى اعتبر عالم الشهادة وظاهر الشرع فأنكر عليه ولذلك لما اعتذر الخضر بالخفى أمسك عنه (ع طب هق عن الأسود بن سريع) له صحبة كان شاعر بني منقذ قضى بالبصرة قال في اللسان: وهذا له أسانيد جياد انتهى. ومن ثم رمز المصنف لصحته ورواه مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ " كل إنسان تلده أمه على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين " فمسلم كل إنسان تلده أمه يلكز الشيطان في خصيتيه إلا مريم وابنها " ورواه البخاري بلفظ " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء " الحديث: 6356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 6357 - (كل ميت) في أبي داود بالتعريف قال أبو زرعة: والصواب التنكير لاقتضاء التعريف استغراق أجزائه فيصير معناه يختم على كل جزء من أجزاء الميت وليس صحيحا فالتعريف تحريف (يختم على عمله) المراد به طي صحيفته وأن لا يكتب له بعد موته عمل (إلا الذي مات) أي الملازم في السفر للجهاد (في سبيل الله فإنه ينمو له عمله) أي يزيد (إلى يوم القيامة) قال الأبي: يعني الثواب المترتب على رباط اليوم والليلة يجري له دائما ولا يعارضه حديث " إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث " إما لأنه لا مفهوم للعدد في الثلاث وإما بأن يرجع هذا إلى إحدى الثلاث هنا وهو صدقة جارية (ويؤمن) بضم ففتح فتشديد (من فتان القبر) أي فتانيه منكر ونكير أي لا يأتيانه ولا يختبرانه بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه قال عياض: رويناه للأكثر بضم الفاء وجمع فاتن وعن الطبري بالفتح وذكره أبو داود مفسرا فقال: وأمن فتان القبر وقال القرطبي: هو جمع فاتن ويكون للجنس أو يؤمن من كل ذي فتنة فيه لكن المتبادر لا يضرانه ولا يفتن بهما <تنبيه> قال القرطبي: لا معنى للنمو إلا المضاعفة وهي موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه بل هي فضل دائم من الله تعالى لأن أعمال البر لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منه ببيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما عمله من الأعمال الصالحة (د ت [ص: 35] ك) في الجهاد (عن فضالة عن عبيد حم عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف الحديث: 6357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 6358 - (كل ميسر) وفي رواية يسر بضم أوله وكسر المهملة الثقيلة (لما خلق له) أي مهيأ لما خلق لأجله قابل له بطبعه قال المفسرون في قوله فسنيسره أي سنهديه من يسر الفرس للراكب إذا سرجها وألجمها فليس المراد به هنا ما يقابل التعسير وأما قول الشريف في شرح حاشية المفتاح معناه كل موفق لما خلق لأجله فغير سديد كما بينه ابن الكمال وغيره لأن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد وليس المعنى هنا مقصور عليه بل المراد التهيئة لما خلق لأجله من خير وشر {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} (تنبيه آخر) قال الراغب: لما احتاج الناس بعضهم لبعض سخر كل واحد منهم لصناعة ما يتعاطاه وجعل بين طبائعهم وصنائعهم مناسبات خفية واتفاقات سماوية ليؤثر الواحد بعد الواحد حرفة ينشرح صدره بملابستها وتعطيه قواه لمزاولتها فإذا جعل إليه صناعة أخرى ربما وجد مستبلدا فيها متبرما منها سخرهم الله لذلك لئلا يختاروا كلهم صناعة واحدة فتبطل الأقوات والمعاونات ولولا ذلك ما اختاروا من الأسماء إلا أحسنها ومن البلاد إلا أطيبها ومن الصناعات إلا أجملها ومن الأفعال إلا أرفعها ولتنازعوا فيه لكن الله بحكمته جعل كلا منهم في ذلك مخيرا فالناس إما راض بصنعته لا يبغي عنها حولا كالحائك الذي رضي بصناعته ويعيب الحجام الذي يرضى بصناعته وبذلك انتظم أمرهم {كل حزب بما لديهم فرحون} وإما كاره لها يكابدها مع كراهته إياها كأنه لا يجد عنها بدلا وعلى ذلك دل هذا الحديث {نحن قسمنا بينهم معيشهتم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} فالتباين والتفرق والاختلاف سبب الالتئام والاجتماع والاتفاق فسبحان الله ما أحسن صنعه (حم ق د عن عمران بن حصين ت عن عمر) بن الخطاب (حم عن أبي بكر) الصديق قيل يا رسول الله أتعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم قال: فلم يعمل العاملون؟ فذكره الحديث: 6358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 6359 - (كل نائحة تكذب إلا أم سعد) بن معاذ القائلة حين احتمل نعشه: ويل أم سعد أضر أمه وجدا. . . وسيدا سد به مسدا قالوا: من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وترخيصه في إرضاع سالم وهو كبير وفي النياحة لخولة بنت حكيم وفي تعجيل صدقة عامين للعباس وفي ترك الإحداد لأسماء بنت عميس وفي الجمع بين اسمه وكنيته للولد الذي يولد لعلي وفي فتح باب من داره في المسجد له وفي فتح خوخة فيه لأبي بكر وفي أكل المجامع في رمضان من كفارة نفسه وغير ذلك (ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) ورواه الطبراني أيضا في الكبير والديلمي الحديث: 6359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 6360 - (كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة) بن عبد المطلب فإنها غير كاذبة في ندبه أي فلها النوح عليه فرخص لها فيه بخصوصها وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء كما تقرر قال في النهاية: الندب أن تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه وأفعاله (ابن سعد) في الطبقات (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (مرسلا) أرسل عن عمرو عن خاله سعد بن أبي وقاص الحديث: 6360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 6361 - (كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري) قال المصنف: قيل معناه أن أمته ينسبون إليه وأمم [ص: 36] سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب ورجح بما ذكر في سبب الحديث الآتي بيانه قال الطيبي: والنسب ما رجع إلى ولادة قريبة من جهة الآباء والصهر ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها المتزوج وعلم بهذا الحديث ونحوه عظيم نفع الانتساب إليه عليه السلام ولا يعارضه ما في أخبار آخر من حثه لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته وأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا لكن الله يملكه نفع أقاربه فقوله لا أغني عنكم شيئا أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله به من نحو شفاعة ومعفرة فخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف (ابن عساكر) في ترجمة زيد بن عمر بن الخطاب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه (عن عمر بن الخطاب) قال محمد خطب عمر إلى ابنته أم كلثوم فقال والله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد ففعل فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين فقال زفوني ثم ذكره قال الذهبي: فيه ابن وكيع لا يعتمد لكن ورد فيه مرسل حسن الحديث: 6361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 6362 - (كل نعيم زائل إلا نعيم أهل الجنة وكل هم منقطع إلا هم أهل النار) أي الخالدين فيها لدوام هذا الهم ومن ثم قال الحسن: كل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون الناس يسير (ابن لال عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن حمدويه قال في الميزان: حدث بخبر باطل وعمرو بن الأزهر قال البخاري: يرمى بالكذب وقال أحمد: يضع الحديث وقال النسائي: متروك الحديث: 6362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 6363 - (كل نفس تحشر على هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه عمله شيئا) هذا ورد على سبيل الزجر والتنفير عن معاهدة الكفار (طس عن جابر) قال الهيثمي: في إسناده ضعفاء وثقوا الحديث: 6363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 6364 - (كل نفس من بني آدم سيد فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها) ومن لا أهل له ولا بعل سيد على جوارحه فعلى كل أحد أن يعرف قدر ما ولاه الله عليه ويعلم أنه رقيب عليه وهو الذي استخلفه على ذلك وجعل له عليه السيادة ونبه بذلك على أن السيد إذا نقص من حال من ساد عليه نقص من سيادته بقدر ذلك وعزل بقدره ذكره الحرالي (ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور الحديث: 6364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 6365 - (كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها إلا البنيان) لغير نحو مسجد وما كان زائدا على الحاجة كما يشير إليه الخبر الآتي وغيره قال الحكيم: إنما صار غير مأجور لأنه ينفق في دنيا قد أذن الله في خرابها يزيد في زينتها حتى جعلت فتنة وبلوى للعباد ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن انتقل إلى ربه ما بنى مسكنا لنفسه وتبعه أولياء أمته فما وضع أحدهم لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وذلك لأنهم رأوا الدنيا جسرا منصوبا من خشب على نهر عظيم وهم عابرون فيه راحلون عنه فهل رأيتم أحدا يبني على جسر خشب سيما وقد عرفنا أن المطر ينزل والنهر يعظم بالسيول والجسور تنقطع فكل من بنى على جسر خشب عرضه للتلف فلو كشف الله بصيرة عمار الدنيا حتى روأها جسرا والنهر الذي بنيت عليه خطرا لما بنوا فلم تكن لهم عيون يبصرون بها الدنيا وإنها قنطرة خشب على نهر خرار ولا كان لهم سمع يسمعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم العالم بما أوحى إليه أن الدنيا قنطرة فلا بالإيمان عملوا ولا على [ص: 37] الرؤية والكشف حصلوا {وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا} (طب) وكذا الحكيم (عن خباب) بن الأرت رمز المصنف لحسنه قال الحافظ العراقي: إسناده جيد اه. فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه عن جنابه باللفظ المزبور الحديث: 6365 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 6366 - (كل نفقة ينفقها المسلم على نفسه وعلى عياله وعلى صديقه وعلى بهيمه يؤجر عليها إلا في بناء إلا بناء مسجد (2) يبتغي به وجه الله) وذلك لأنها نفقة في دنيا قد أذن الله بخرابها يزيد في زينتها التي هي فتنة وبلوى للعباد وعاقبتها أن يصير ما عليها صعيدا جرزا في خبر أن أبا الدرداء بنى كنيفا في منزله بحمص فكتب إليه عمر " لقد كان لك يا عويمر فيما بنت فارس والروم كفاية عن تزيين الدنيا وقد أذن الله بخرابها فإذا أتاك كتابي فارحل من حمص إلى دمشق فجعل ذلك عقوبة له " (هب عن) أبي حمزة (إبراهيم مرسلا) وفيه علي بن الجعد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: متقن فيه تجهم وقيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر   (1) [قوله " إلا في بناء إلا بناء مسجد ": أي لا يؤجر في نفقة البناء إلا إن كان مسجدا. دار الحديث] الحديث: 6366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 6367 - (كل يمين يحلف بها دون الله شرك) قال ابن العربي: يريد به شرك الأعمال لا شرك الاعتقاد من قبيل قوله " من أبق من مولاه فقد كفر " وذلك لأن اليمين عقد القلب على فعل أو ترك أخبر به الحالف ثم أكده بمعظم عنده فحجر الشرع التعظيم على غير الله لأنه إنما يجب له (ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم والديلمي الحديث: 6367 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 6368 - (كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب) فلا يليق بمن أصله التراب الافتخار والتكبر والتجبر (لينتهين) اللام في جواب القسم أي والله لينتهين (قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن) عطف على لينتهين والضمير الفاعل العائد إلى أقوام هو واو الجمع المحذوف من ليكونن يعني والله إن أحد الأمرين واقع لا محالة إما الانتهاء أو كونهم (أهون على الله من الجعلان) دويبة سوداء قوتها الغائط فإن شمت ريحا طيبة ماتت فليحذر كل عاقل من الاتكال على شرف نفسه وفضيلة آبائه فإن ذلك يورث النقص والانحطاط عن معالمهم فنهايته الحسرة والندامة وغايته العداوة إذ كل يظهر مثالب الآخر ويثبت مفاخر نفسه فيؤدي لذلك فلا ينبغي لعاقل الإعجاب بنفسه {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والناس يجمعهم في الأنساب. . . وإنما اختلفوا في الفضل شتاتا وقيل: إذا افتخرت بآباء مضوا سلفا. . . قالوا صدقت ولكن بئس ما ولدوا وقيل: وليس فخار المرء إلا بنفسه. . . وإن عد آباء كراما ذوي نسب وشرف النسب وإن كان له ثمرة فينبغي للمتصف به أن لا يعجب بنفسه ولا يفاخر بحسبه بل يهضم نفسه (البزار) في مسنده (عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لحسنه وليس كما ذكر فقد أعله الهيثمي بأن فيه الحسن بن الحسين المقري وهو ضعيف الحديث: 6368 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 6369 - (كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله) أي فارق الجماعة وخرج عن الطاعة التي يستوجب بها دخول الجنة (شراد البعير على أهله) شبهه به في قوة نفاره وحدة فراره لأن من ترك التسبب إلى شيء لا يوجد بغيره فقد أباه ونفر [ص: 38] عنه والإباء شدة الامتناع وخص البعير لأنه أشد الحيوانات نفارا فإذا انفلت لا يكاد يلحق (طس ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد وهو ثقة الحديث: 6369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 6370 - (كلكم راع) أي حافظ ملتزم بصلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره من الرعاية وهي الحفظ يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان واليا ومن عدم الخيانة إن كان موليا عليه (وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة (فالإمام) أي الأعظم أو نائبه في رواية فالأمير (راع) فيمن ولي عليهم يقيم الحدود والأحكام على سنن الشرع ويحفظ الشرائع ويحمي البيضة ويجاهد العدو (وهو مسؤول عن رعيته) هل راعى حقوقهم أو لا (والرجل راع في أهله) زوجة وغيرها (وهو مسؤول عن رعيته) هل وفاهم حقوقهم من نحو نفقة وكسوة وحسن عشرة (والمرأة راعية في بيت زوجها) بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له والشفقة عليه والأمانة في ماله وحفظ عياله وأضيافه ونفسها (وهي مسؤولة عن رعيتها) هل قامت بما يجب عليها ونصحت في التدبير أو لا فإذا أدخل الرجل قوته بيته فالمرأة أمينة عليه وإن اختزنه دونها خرج عن أمانتها الخاصة وصارت هي وغيرها فيه سواء فإن سرقت من المخزن قطعت وفاقا للشافعي ومالك خلافا لأبي حنيفة في قوله: لا قطع بين الزوجين قال ابن العربي: كنت بالروضة المقدسة وعندنا عز الإسلام السميكاتي أحد أئمة الشافعية فتذاكرت معه المسألة وقلت الحنفية يقولون الزوجية توجب اتحادا في الأبدان تمنع من القطع كاتحاد الأبوة والبنوة فقال: هذا باطل إذ لو كان موجبا للاتحاد بينهما لأسقط القصاص فإذا كانت شبهة هذا الاتحاد لا تسقط العقوبة في محلها وهو البدن فأولى أن لا تسقط الواجب في غير محلها وهو المال وهو القطع بالسرقة (والخادم راع في مال سيده) بحفظه فعليه القيام بما يستحقه عليه من حسن خدمته ونصحه (وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه) بحفظه وتدبير مصلحته (وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع) بالفاء جواب شرط محذوف الفذلكة وهي التي يأتي بها المحاسب بعد التفصيل ويقول فلك كذا وكذا حفظا للحساب وتوقيا عن الزيادة والنقص (وكلكم مسؤول عن رعيته) عمم أولا ثم خصص ثانيا وقسم الخصوصية إلى جهة الرجل وجهة المرأة وجهة الخادم وجهة النسب ثم عم آخرا تأكيد البيان الحكم أولا وآخرا وفيه رد العجز على الصدر ذكره كله البيضاوي وقال الطيبي: كلكم راع تشبيه مضمر الأداة أي كلكم مثل الراعي وكلكم مسؤول عن رعيته وفيه معنى التشبيه وهذا مطرد في التفصيل ووجه التشبيه حفظ الشيء وحسن التعهد وهذا القدر المشترك في التفصيل وأفاد أن الراعي غير مطلوب لذاته بل أقيم لحفظ ما استرعاه ويشمل المنفرد إذ يصدق عليه أنه راع في جوارحه بفعل المأمور وترك المنهي وفيه تكذيب لوضاع أموي افترى خبر إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات لا السيئات (حم ق د ت عن ابن عمر) الحديث: 6370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 6371 - (كلما طال عمر المسلم كان له خير) لأنه في الدنيا كتاجر سافر ليتجر فيربح فيعود لوطنه سالما غانما فرأس ماله عمره ونقده أنفاسه ومزاولة جوارحه وربحه العمل فكلما زاد رأس المال زاد الربح واستشكل بأنه قد يعمل السيئات [ص: 39] فيزيد عمره شرا وأجيب بحمل المؤمن على الكامل وبأن المؤمن بصدد أن يفعل ما يكفر ذنوبه لمن تجنب الكبائر أو فعل الحسنات فيقاوم بتضعيفها سيئاته وما دام الإيمان باق فالحسنات بصدد التضعيف والسيئات بصدد التكفير (طب) من حديث شداد (عن عوف بن مالك) قال شداد: قال عوف يا طاعون خذني إليك فقالوا: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما إلخ. قال: بلى. رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه النهاس بن فهم وهو ضعيف فرمز المصنف لحسنه فيه ما فيه الحديث: 6371 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 6372 - (كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم) قال الحكيم: كان هذا الدعاء عند أهل البيت معروفا مشهورا يسمونه دعاء الفرج فيتكلمون به في النوائب والشدائد متعارفا عندهم غياثه والفرج به (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في كتاب الفرج) بعد الشدة (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 6373 - (كلمات من ذكرهن مئة مرة دبر كل صلاة الله أكبر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا قوة إلا بالله لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن) كناية عبر بها عن الكثرة عرفا قال النووي: ومن قالهن أكثر من مئة مرة فله الأجر المذكور والزيادة عليه وليس ذا من التحديد المنهي عن مجاوزة أعداده كعدد الركعات (حم عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال الهيثمي: فيه أبو كثير لم أعرفه وبقية رجاله حديثهم حسن الحديث: 6373 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 6374 - (كلمات من قالهن عند وفاته دخل الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم) يقولها (ثلاثا) من المرات (الحمد لله رب العالمين) يقولها (ثلاثا) من المرات (تبارك الذي بيده الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) ظاهر السياق أن هذه يقولها واحدة بخلاف الأولين وظاهره أن ذلك يكون آخر كلامه ويعارضه خبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة والقياس أنه يأتي بهذه الكلمات ثم يأتي بكلمة الشهادة (ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 6374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 7375 - (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلس عند فراغه) أي عند انتهاء لفظ ذلك المجلس وإرادة القيام منه (ثلاث مرات إلا كفر) بالبناء المفعول (بهن عنه) ما وقع منه من اللغط في ذلك المجلس (ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم الله بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة) والكلمات المذكورة هي (سبحانك اللهم وبحمدك [ص: 40] لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) فإن ذلك يجبر ما كان وقع في ذلك المجلس مما يوجب العقوبة من حصائد الألسنة والهفوات والسقطات (د حب عن أبي هريرة) الحديث: 7375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 6376 - (كلمتان) أراد بالكلمة الكلام من قبيل كلمة الشهادة وهو خبر وخفيفتان وما بعده صفة والمبتدأ سبحان الله ونكتة تقديم الخبر تشويق السامع للمبتدأ (خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان) وصفها بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب وإشارة إلى رشاقتهما قال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريها على اللسان بما خف على الحامل كنحو متاع فلا يثقله ففيه إشارة إلى أن التكاليف صعبة شاقة ثقيلة وهذه سهلة مع كونها تثقل في الميزان كثقل المشاق (حبيبتان) أي محبوبتان والمراد أن قائلها محبوب (إلى الرحمن) لتضمنها المدح بالصفات السلبية المدلول عليها بالتنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد وخص الرحمن من الأسماء الحسنى تنبيها على سعة الرحمة حيث يجازي على العمل القليل بثواب كثير جزيل (سبحان الله) أي تنزيهه عما لا يليق به (وبحمده) الواو للحال أي أسبحه متلبسا بحمدي له أو عاطفة أي أسبحه وأتلبس بحمده والحمد مضاف إلى الفاعل والمراد لازمه أو ما يوجبه (سبحان الله العظيم) وفيه جواز السجع إذا وقع بغير كلفة وحث على المواظبة على الكلمتين وتحريض على ملازمتهما وتعريض بأن جميع التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان ثقل غيرها من التكاليف فلا يليق تركها روي أن عيسى عليه السلام سئل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف قال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فلذلك ثقلت عليكم فلا يحملنكم ثقلها على تركها فإن بذلك تثقل الموازين يوم القيامة والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت عليكم فلا يحملنكم على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة (حم ق ت عن أبي هريرة) ورواه عنه النسائي في اليوم والليلة الحديث: 6376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 6377 - (كلمتان إحداهما ليس لها ناهية دون العرش والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض لا إله إلا الله والله أكبر) والمراد إذا قال ذلك بإخلاص وصحة نية وحضور قلب (طب) من حديث معاذ بن أبي عبد الله بن رافع (عن معاذ) ابن جبل قال معاذ بن عبد الله: كنت في مجلس فيه ابن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الرحمن بن أبي عمرة فقال ابن أبي عمرة: سمعت معاذ بن جبل يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: معاذ بن عبد الله لم أعرفه وابن لهيعة فيه ضعف وبقية رجاله ثقات الحديث: 6377 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 6378 - (كلمتان قالهما فرعون ما علمت لكم من إله غيري إلى قوله أنا ربكم الأعلى فإن بينهما أربعون عاما فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) الحديث: 6378 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 6379 - (كلم موسى) بالبناء المفعول والفاعل الله أي كلم الله موسى (ببيت لحم) قرية من قرى بيت المقدس (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك الحديث: 6379 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 [ص: 41] 6380 - (كلم المجذوم) أي من أصابه الجذام (وبينك وبينه قيد) بكسر فسكون (رمح أو رمحين) لئلا يعرض لك جذام فتظن أنه أعداك مع أن ذلك لا يكون إلا بتقدير الله وهذا خطاب لمن ضعف يقينه ووقف نظره عند الأسباب وما رواه الخطيب عن أنس كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فأتاه مجذوم فأراد أن يدخل عليه فقال: يا أنس اثن البساط لا يطأ عليه بقدمه اه. فلعله كان بحضرة من قصر نظره ووقف عند السبب (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عبد الله بن أبي أوفى) قال ابن حجر في الفتح: وسنده واه الحديث: 6380 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 6381 - (كل الثوم نيئا فلولا أني أناجي ربي لأكلته) الذي وقفت عليه لأبي نعيم كلوا الثوم وتداووا به فإن فيه شفاء من سبعين داء ولولا أن الملك يأتيني لأكلته بحروفه ثم إن هذا الحديث قد عورض بأحاديث النهي عن أكل الثوم وأجاب زين الحفاظ العراقي بأن هذا حديث لا يصح فلا يقاوم الصحيح وبأن الأمر بعد النهي للإباحة بدليل حديث أبي داود كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه (حل وأبو بكر في الغيلانيات عن علي) أمير المؤمنين وفيه حبة العرني قال الذهبي في الضعفاء: شيعي غالي ضعفه الدارقطني وقال زين الحفاظ: ضعفه الجمهور الحديث: 6381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 6382 - (كل) بلفظ الأمر جوازا (الجنين في بطن الناقة) التي ذكيت وخرج ولدها وليس فيه حياة مستقرة فإن ذكاتها ذكاته والناقة مثال فغيرها من كل مأكول كذلك (خط عن جابر بن عبد الله) الحديث: 6382 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 6383 - (كل) معي أيها المجذوم (بسم الله ثقة بالله) أي كل معي أثق ثقة بالله (وتوكلا على الله) أي وأتوكل توكلا عليه فالفعل المقدر منصوب على الحال والثقة الاعتماد هذا درجة من قوي توكله واطمأنت نفسه على مشاركة الأسباب وليس من هذا القبيل من ضعف يقينه ووقف مع الأسباب فإن مباعدته للمجذوم واتقاءه إياه أولى فلا تناقض بين الأخبار كما زعمه بعض الضالين (4) في الطب (حب ك) في الأطعمة (عن جابر) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها في قصعة ثم ذكره قال ابن حجر: حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وفيه نظر اه. وقال ابن الجوزي: تفرد به المفضل بن فضالة وليس بذلك ولا يتابع عليه إلا من طريق لين الحديث: 6383 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 6384 - (كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) قاله لمن رقي معتوها في القيود بالفاتحة ثلاثا غدوة وعشية وجمع بزاقه فتفل فشفي فأعطوه جعلا فقال: لا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره (حم د) في البيع والطب (ك) في فضائل القرآن (عن عم خارجة) بن الصلت قيل اسمه علاقة بن صخار وقيل عبد الله بن عبثر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا النسائي في الطب الحديث: 6384 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 6385 - (كل ما أصميت) أي ما أسرعت إزهاق روحه من الصيد والإصماء أن تقتل الصيد مكانه (ودع ما أنميت) أي ما أصبته بنحو سهم أو كلب فمات وأنت تراه والإنماء أن يصيب إصابة غير قاتلة وخرج به ما لو أصابه فغاب ومات [ص: 42] ولا يدري حاله فلا يأكله (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن أظنه القرشي وهو متروك الحديث: 6385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 6386 - (كل) من السمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء وإذا خرج منه كان عيشه عيش مذبوح (ما طفا) أي علا من طفا بغير همز يطفو إذا علا الماء ولم يرسب (على البحر) وهو الذي يموت في الماء ثم يعلو فوق وجهه فأفاد حل ميتة البحر سواء مات بالاصطياد أم بنفسه وهو قول الجمهور وعن الحنفية يكره وفرقوا بين ما لفظه فمات وما مات بغير آفة وتمسكوا بحديث ابن الزبير عن جابر: ما ألقاه البحر أو جزره فكلوه. وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه خرجه أبو داود مرفوعا ونوزع فيه بالضعف والانقطاع والقياس يقتضي الحل لأنه سمك لو مات في البر لأكل بغير تذكية فكذا لو مات فيه فيحل أكله وإن أنتن كما قاله النووي والنهي عن أكل اللحم إذا أنتن للتنزيه نعم إن خيف منه ضرر حرم (ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) ويخالفه خبر أبي داود وابن ماجه: كلوا ما حسر عنه البحر وما قذف ودعوا ما طفا فوقه الحديث: 6386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 6387 - (كل ما فرى الأوداج) جمع ودج بالتحريك وهو العرق الذي في الأخدع (ما لم يكن قرض) بضاد معجمة بخط المصنف (سن أو حز ظفر) قال ابن الأثير: الرواية كل أمر بالأكل وقد ردها أبو عبيدة وغيره وقالوا: إنما هو كل ما أفرى الأوداج أي كل شيء أفرى والفري القطع أما السن والظفر فلا يحل أكل ما ذبح بهما لأنهما لا يفريان ولا يقع بهما غالبا إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبح وظاهر الحديث أنه لا فرق بين المتصل والمنفصل وهو مذهب الجمهور وخصه الحنفية بالمتصل وأحلوا الذبح بالمنفصل وفرقوا بأنه في المتصل في معنى الخنق وبالمنفصل في معنى الآلة المستقلة من خشب أو غيره (طب عن أبي أمامة) قال الذهبي: إسناده ضعيف الحديث: 6387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 6388 - (كل ما ردت عليك قوسك) قاله لمن قال: يا رسول الله أفتني في قوسي. قال ابن بطال: أجمعوا على أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه جاز أكله ولو لم يعلم هل مات بالجرح أو من سقوطه في الهوى أو من وقوعه على الأرض وأنه لو وقع على جبل مثلا فتردى منه فمات لا يؤكل أو أن السهم إذا لم ينفذ في مقاتله لا يؤكل إلا إذا أدركت ذكاته (حم عن عقبة بن عامر) الجهني. قال الهيثمي: وفيه راو لم يسم (وحذيفة) بن اليمان (حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص (هـ عن ثعلبة) جرثوم أو جرهم أو جرثم أو ناشب أو جرثومة أو عرنوف أو ناشر أو لاشن أو لاشر أو لاش أو لاشق والأشهر الأول وهو ابن عمرو أو ناسب أو ناسم أو ناسر أو لاسن أو ماسح أو لاسم أو جلهم أو حمير أو جرهم أو غير ذلك (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم نون نسبة إلى بني خشين بطن من النمر بن وبرة من قضاعة وكان إسلام أبي ثعلبة قبل خبير وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه فأسلموا وهذا الحديث رمز المصنف لحسنه. قال الحافظ ابن حجر: وفيه ابن لهيعة اه. وقضية صنيع المؤلف أن ابن ماجه قد تفرد بإخراجه من بين الستة وليس كذلك بل هو في أبي داود من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي ثعلبة قال: يا رسول الله أفتني في قوسي قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي. قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك وقوله يصل بصاد مهملة مكسورة ولام ثقيلة أي ينتن الحديث: 6388 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 [ص: 43] 6389 - (كل مع صاحب البلاء) كأجذم وأبرص (تواضعا لربك وإيمانا) فإنه لا يصيبك منه شيء إلا بتقدير الله تعالى وهذا خطاب لمن قوي يقينه أما من لم يصل إلى هذه الدرجة فمأمور بعدم أكله معه كما يفيده خبر: فر من المجذوم (الطحاوي) في مسنده (عن أبي ذر) الحديث: 6389 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 6390 - (كلوا الزيت) زيت الزيتون (وادهنوا به) من ادهن رأسه على افتعل طلاه بالدهن وتولى ذلك بنفسه. قال الزين العراقي: والمراد بالادهان دهن الشعر به وقيده في رواية بدهن شعر الرأس وعادة العرب دهن شعورهم لئلا تشعث لكن لا يحمل الأمر به على الإكثار منه ولا على التقصير فيه بل بحيث لا تشعث رأسه فقط (فإنه) يخرج (من شجرة مباركة) لكثرة ما فيها من القوى النفاعة أو لأنها تنبت بالأرض المقدسة التي بورك فيها ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ما يخرج منها من الزيت (ت) في الأطعمة (عن عمر) بن الخطاب (حم ت) في الأطعمة (ك) في التفسير (عن أبي أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين. قال الحافظ العراقي: كذا قيده الدارقطني والقول بأنه بالضم لا يصح. قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن عبد البر: في سنده من الطريقين اضطراب الحديث: 6390 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 6391 - (كلوا الزيت وادهنوا به) قال بعضهم: مثال هذا الأمر للإباحة والندب لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه (فإنه طيب مبارك) أي كثير الخير والنفع والأمر فيه وفيما قبله إرشادي كما مر قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما في البلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس به فيها خطر بالبصر (هـ ك) من حديث عبد الله بن سعيد المقبري عن جده (عن أبي هريرة) وصححه فرده الذهبي بأن عبد الله واه وقال الزين العراقي بعد عزوه لابن ماجه وحده: فيه عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف الحديث: 6391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 6392 - (كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء) الظاهر أن المراد به التكثير لا التحديد كنظائره يعني أدواء كثيرة (منها الجذام) ظاهر هذا الخبر وما قبله أن إساغة المائعات تسمى أكلا فإذن هو يشكل على قولهم في تعريف الأكل هو إيصال ما يتأتى فيه المضغ إلى الجوف ممضوغا كان أو غيره قال ابن الكمال: فإذن لا يكون اللبن والسويق مأكولا اه. فالحديث كما ترى صريح في رده (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) الحديث: 6392 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 6393 - (كلوا التين) في الموجز هو حار قليلا رطب كثير الماء جيد الغذاء سريع الانحدار واليابس حار لطيف أغذى من جميع الفواكه (فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين وإنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس) ويفتح السدد ويدر البول وينضج الدماميل ويحسن اللون ويلين ويبرد ويوافق الكلى والمثانة وعلى الريق يفتح مجاري الغذاء (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما في الطب (فر) كلهم من حديث يحيى بن أبي كثير عن الثقة (عن أبي ذر) والذي وقفت عليه لابن السني والديلمي ليس على هذا السياق بل سياقه بعد قوله هي التين وينفع من النقرس اه الحديث: 6393 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 [ص: 44] 6394 - (كلوا التمر على الريق فإنه) مقو للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ويغذي كثيرا و (يقتل الدود) فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية فإذا أديم استعماله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه وقتله (أبو بكر في الغلانيات فر) وكذا ابن عدي كلهم (عن ابن عباس) وفيه أبو بكر الشافعي قال في الميزان: شيخ للحاكم متهم بالوضع وعصمة بن محمد قال في الضعفاء: تركوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات الحديث: 6394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 6395 - (كلوا البلح بالتمر) قال في المصباح: البلح تمر النخل ما دام أخضر فإذا أخذ في التلون فبسر فإذ تكامل لونه فهو الزهو قال ابن القيم: إنما أمر بأكله معه دون البسر لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب فكل يصلح للآخر والبسر والتمر حاران وإن كان التمر أشد حرارة والتمر حار في الثانية وهل هو رطب أو يابس؟ قولان وهو مقو للكبد ملين يزيد في الباه ويغذي. (كلوا الخلق بالجديد فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال عاش ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد) وفي رواية الجديد بالخلق وقال في شرح الألفية: معناه ركيك لا ينطبق على محاسن الشريعة لأن الشيطان لا يغضب من حياة ابن آدم بل من حياته مسلما مطيعا لله ومن ثم اتفقوا على نكارته (ن هـ ك) في الأطعمة (عن عائشة) قال الدارقطني: تفرد به يحيى بن محمد أبو زكير بن هشام قال العقيلي: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وقال ابن حبان: أبو زكير لا يحتج به يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل روي هذا الحديث ولا أصل له ومدار الحديث من جميع طرقه على أبي زكير وفيه أيضا محمد بن شداد قال الدارقطني: لا يكتب حديثه وتابعه نعيم بن حماد عن أبي زكير ونعيم غير ثقة وفي الميزان: هذا حديث منكر رواه الحاكم ولم يصححه مع تساهله في التصحيح اه. ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع والحاصل أن متنه منكر وفي سنده ضعفاء والمنكر من قبيل الضعف ففيه ضعف على ضعف إن سلم عدم وضعه الحديث: 6395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 6396 - (كلوا جميعا) أي مجتمعين كما أمرتم بالصلاة كذلك (ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة) وهو محسوس لا سيما إذا كان المجتمعون على الطعام إخوانا على طاعته كما في المطامح قال ابن المنذر: يؤخذ منه استحباب الاجتماع على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده وفيه إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت النعمة معها والبركة فتعم الحاضرين قال بعضهم: وفي الأكل مع الجماعة فوائد منها ائتلاف القلوب وكثرة الرزق والمدد وامتثال أمر الشارع لأنه تعالى أمرنا بإقامة الدين وعدم التفرق فيه ولا يستقيم ذلك إلا بائتلاف القلوب ولا تألف إلا بالاجتماع على الطعام وشر الناس من أكل وحده ومنع رفده كما مر في حديث فمن فعل ذلك وأراد من الناس نصرته على إقامة الدين فقد أتى البيوت من غير أبوابها وربما خذلوه عنادا لبغضهم له إذ البخيل مبغوض ولو كثر تعبده والسخي محبوب ولو فاسقا كما هو مشاهد (هـ) من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وليس كما ظنه فقد ضعفه المنذري قال: فيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير واهي الحديث وقال ابن حجر: عمرو بن دينار هذا ضعفوه وهو غير عمرو بن دينار شيخ ابن عيينة ذاك وثقوه الحديث: 6396 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 6397 - (كلوا جميعا ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين (فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة [ص: 45] والأربعة كلوا جميعا ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين (فإن البركة في المجاعة) قال ابن حجر: يؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة ونقل إسحاق بن راهويه عن جبير أن معنى الحديث أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين والذي يشبع الاثنين يكفي قوت أربعة وفيه أن لا ينبغي للمرء أن يحتقر ما عنده فيمتنع من تقديمه فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية لا حقيقة الشبع (العسكري في) كتاب (المواعظ عن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه الطبراني في الأوسط بدون قوله فإن البركة إلخ وضعفه المنذري الحديث: 6397 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 6398 - (كلوا لحوم الأضاحي) قال ابن العربي: لما كان إراقة دم الأضحية لله أذن في أكلها رحمة وقد كان القرابين لا تؤكل في سائر الشرائع فمن خصائص هذه الأمة أكل قرابينها (وادخروا) قاله لهم بعد ما نهاهم عن الادخار فوق ثلاث لجهد أصاب الناس ذلك العام فلم يضحي إلا بعضهم فحثهم على المواساة فلما زالت العلة ارتفع النهي عن الادخار فرخص لهم فيه فالأمر للإباحة لا للوجوب خلافا للظاهرية وأفهم اقتصاره عليها عدم جواز البيع واتفقوا عليه لكن اختلف في الجلد فجوز أبو حنيفة بيعه بما ينتفع به ومنعه الجمهور (حم ك) في الأضحية (عن أبي سعيد) الخدري (وقتادة بن النعمان) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال زين الحفاظ: ودخل في عمومه المنفرد والآكل مع غيره وفيه احتمال للخطابي الحديث: 6398 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 6399 - (كلوا في القصعة من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها) بالتحريك وقد يسكن (فإن البركة تنزل في وسطها مع ما فيه من القناعة والبعد عن الشره والنهمة والأمر للإرشاد أو الندب بل قيل للوجوب قال زين الحفاظ العراقي: وجه النهي عن الأكل من الوسط أن وجه الطعام أفضله وأطيبه فإذا قصده بالأكل استأثر به على رفقته وهو ترك أدب وسوء عشرة فأما إذا أكل وحدة فلا حرج والمراد بالبركة هنا الإمداد من الله وقال ابن العربي: البركة في الطعام لمعان كثيرة فمنها استمراره وصونه عن مرور الأيدي عليه فتتقذره النفس وأن زبدة المرق في الوسط فإذا أخذ الطعام من الحواشي ينتثر عليه شيئا فشيئا وإن أخذه من أعلاه فما بعده دونه في الطيب اه. قال الزين: وشمل عموم الطعام الخبز فلا يأكل من وسط الرغيف كما في الإحياء بل يأكل من استدارته إلا إذا قل الخبز ويندب الأكل مما يلي الآكل ويكره مما يلي غيره قال في المطامح: وهل للآكل أن يدير الصفحة إذا وضعها ربها أم لا لأن مالكها أملك بوضعها؟ ذهب جماعة من المحدثين إلى الثاني (حم هق عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 6400 - (كلوا من حواليها) يعني القصعة التي فيها الطعام (وذروا ذروتها) أي اتركوا أعلاها ووسطها ندبا لا وجوبا وبين وجه ذلك بقوله (يبارك فيها) فإنكم إذا فعلتم ذلك يبارك فيها وليس المراد ترك الأكل من الأعلى والوسط بل إنه يبدأ بالأكل من حواليها حتى ينتهي إلى الوسط فيأكل ثم يلحسها فإنها تستغفر له كما يأتي في حديث زاد البيهقي: ثم قال: فوالذي نفسي بيده ليفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه بسم الله (د هـ عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة ومهملة كان للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصعة يقال لها الغراء يجملها أربعة رجال فلما أصبحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة يعني وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله [ص: 46] صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة قال: إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال: كلوا فذكره قال في الرياض: إسناده حسن ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن قال في المهذب: وإسناده صالح الحديث: 6400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 6401 - (كلوا بسم الله) أي قائلين بسم الله (من حواليها وأعفوا رأسها) عن الأكل (فإن البركة تأتيها من فوقها) قال في المطامح: تحقيق هذه البركة وكيفية نزولها أمر إيماني لا يطلع على حقيقته وأخذ منه ابن العربي أن الآكل يأكل الرغيف على ثلاث وثلاثين لقمة ويستدير من الجوانب حتى ينتهي إلى الوسط كما يشير إليه قوله فإن البركة تأتيها من فوقها إلى هنا كلامه فأما ما ذكره من الأكل من حواليها فقد يسلم وأما هذا العدد فليس في الحديث دلالة عليه البتة (هـ عن واثلة) بن الأسقع وفيه ابن لهيعة الحديث: 6401 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 6402 - (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف) أي مجاوزة حد (ولا مخيلة) كعظيمة بمعنى الخيلاء وهو التكبر وقيل بوزن مفعلة من اختال إذا تكبر أي بلا عجب ولا كبر {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} ولفظ رواية النسائي وابن ماجه " كلوا واشربوا وتصدقوا ما لم يخف إسراف ولا مخيلة " وهذا الخبر جامع لفضائل تدبير المرء نفسه والإسراف يضر بالجسد والمعيشة والخيلاء تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس وبالآخرة حيث تكسب الإثم (حم ن هـ ك عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم: صحيح وهو عندهم من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال المنذري: ورواته إلى عمرو ثقات محتج بهم في الصحيح الحديث: 6402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 6403 - (كلوا السفرجل فإنه يجلي عن الفؤاد ويذهب بطخاء الصدر) قال أبو عبيد: الطخاء ثقل وغشاء يقال ما في السماء طخاء أي سحاب وظلمة قال الزمخشري: عن جعفر بن محمد ريح الملائكة ريح الورد وريح الأنبياء ريح السفرجل وريح الآس ريح الحور (ابن السني) أحمد بن محمد بن إسحاق (وأبو نعيم) في الطب (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 6403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 6404 - (كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر الصدر) أي غليه وحرارته والسفرجل بارد قابض جيد للمعدة والحلو منه أقل بردا ويبسا والحامض أشد يبسا وبردا وأكله يسكن الظمأ والقيء ويدر البول ويعقل البطن وينفع من قرحة الأمعاء ونفث الدم والهيضة ويمنع الغثيان وتصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام ويقوي المعدة والكبد ويشد القلب ويسكن النفس (ابن السني وأبو نعيم) معا في الطب (فر عن أنس) وفيه محمد بن موسى الحوشي قال الذهبي: قال أبو داود: ضعيف عن عيسى بن شعيب قال ابن حبان: يستحق الترك الحديث: 6404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 6405 - (كلوا السفرجل فإنه يجم الفؤاد) أي يريحه وقيل يفتحه ويوسعه من جمام الماء وهو اتساعه وكثرته (ويشجع القلب) أي يقويه (ويحسن الولد) قيل يجمعه على صلاحه ونشاطه قال الحرالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينبه على حكمة الله في الأشياء التي بها يتناول أو يجتنب عملا بقوله تعالى {يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} فكان يبين لهم حكمة الله في المتناول من مخلوقاته ومعرفة أخص منافعها مما خلقه ليكون غذاء في سعته أو ضرورة أو إداما أو فاكهة ودواء كذلك ومعرفة موازنة ما بين الانتفاع بالشيء ومضرته واستعماله على حكم الأغلب من منفعته [ص: 47] واجتنابه على حكم الأغلب من مضرته (فر عن عوف بن مالك) وفيه عبد الرحمن العرزمي أورده الذهبي في الضعفاء ونقل تضعيفه عن الدارقطني قال ابن الجوزي: ليس لخبر السفرجل مدار يرجع إليه وقال ابن القيم: روي في السفرجل أحاديث هذا منها ولا تصح الحديث: 6405 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 6406 - (كما تكونوا يولى عليكم) فإذا اتقيتم الله وخفتم عقابه ولى عليكم من يخافه فيكم وعكسه وفي بعض الكتب المنزلة أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رجمة وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم ومن دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا وروى الطبراني عن كعب الأحبار أنه سمع رجلا يدعو على الحجاج فقال: لا تفعل إنكم من أنفسكم أتيتم فقد روي أعمالكم عمالكم وكما تكونوا يولى عليكم (فر) وكذا القضاعي كلاهما من حديث يحيى بن هاشم عن يونس بن إسحاق عن أبيه عن جده (عن أبي بكرة) مرفوعا قال السخاوي: ورواية يحيى في عداد من يضع (هب) من جهة يحيى بن هشام عن يونس بن إسحاق (عن أبي إسحاق) عمر بن عبد الله (السبيعي مرسلا) بلفظ كما تكونون كذلك يؤمر عليكم ثم قال: هذا منقطع وراويه يحيى بن هشام ضعيف والسبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة وسكون المثناة تحت وعين مهملة نسبة إلى سبيع بطن من همدان وله طريق أخرى مسندة عند ابن جميع في معجمه والقضاعي من جهة أحمد بن عثمان الكرماني عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا قال ابن طاهر: والمبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالعمدة على من رواه عنه فإن فيهم جهالة الحديث: 6406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 6407 - (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار وهما طريقان فأيهما أخذتم أدركتم) إليه وفي رواية للعسكري وهما طريقان في أيهما سلكتم وردتم على أهله وفي رواية فأيهما أخذتم أدتكم إليه وهذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال (ابن عساكر) في تاريخه وكذا ابن منيع والعسكري (عن أبي ذر) وفيه مكبر بن عثمان التنوخي قال في الميزان عن ابن حبان: منكر الحديث جدا ثم ساق من مناكيره هذا الخبر الحديث: 6407 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 6408 - (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار فاسلكوا أي طريق شئتم فأي طريق سلكتم وردتم على أهله) فمن سلك طريق أهل الله ورد عليهم فصار من السعداء ومن سلك طريق الفجار ورد عليهم وكان منهم فصار من الأشقياء والإنسان مع من أحب ومن تشبه بقوم فهو منهم والعبد يبعث على ما مات عليه (حل عن يزيد بن مرثد مرسلا) الحديث: 6408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 6409 - (كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان شيء) وفي رواية لأبي نعيم أيضا كما لا يضر مع الإيمان ذنب لا ينفع مع الشرك عمل انتهى. وأراد بالإيمان الحقيقي الكامل الذي يملأ القلب نورا فتستأنس النفس وتصير تحت سلطنته وقهره فهذا هو الذي لا يضر معه شيء من الأشياء إذ الإيمان كما في شرح الحكم قد يكون بالغيب وقد يكون عن كشف وشهود وهو الحقيقي (خط عن عمر) بن الخطاب وفيه منذر بن زياد الطائي وعنه حجاج بن [ص: 48] نصير ومنذر قال في الميزان عن الدارقطني: متروك الحديث وساق له ابن عدي مناكير منها هذا الخبر وقال الفلاس: كان كذابا وحجاج ضعفه ابن معين وغيره وقال البخاري: متروك (حل) من حديث يحيى بن اليمان عن سفيان عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه عن مسروق (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري عن إبراهيم تفرد به يحيى بن اليمان ويحيى بن اليمان ثقة من رجال مسلم لكنه فلج في آخر عمره فساء حفظه الحديث: 6409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 6410 - (كما يضاعف لنا) معشر الأنبياء (الأجر) أي الثواب ورفع الدرجات (يضاعف علينا البلاء) وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما سبق ولذلك كان على المصطفى صلى الله عليه وسلم من التشديدات في التكليفات ما لم يكن على غيره وكان يوعك كما يوعك الرجلان (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 6411 - (كما تدين تدان) أي كما تفعل تجازى بفعلك وكما تفعل يفعل معك سمى الفعل المبتدأ جزاء والجزاء هو الفعل الواقع بعده ثوابا كان أو عقابا للمشاكلة كما في {وجزاء سيئة سيئة مثلها} مع أن الجزاء المماثل مأذون فيه شرعا فيكون حسنا لا سيئا قال الميداني في ذلك: ويجوز إجراؤه على ظاهره أي كما تجازي أنت الناس على صنيعهم تجازى أنت على صنيعك والكاف في محل نصب للمصدر أي تدان دينا مثل دينك والقصاص إن لم يكن فيك أخذ من ذريتك ولهذا قال تعالى {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله} فاتق الله في أولاد غيرك يحفظك في ذريتك وييسر لهم ببركة تقواك ما تقر به عينك بعد موتك وإن لم تتق الله فيهم فأنت مؤاخذ بذلك في نفسك وذريتك وما فعلته كله يفعل بهم وهم وإن كانوا لم يفعلوا لكنهم تبعا لأولئك الأصول وناشئون عنهم {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} (عد) من جهة مكرم بن عبد الله الجوزجاني عن محمد بن عبد الملك الأنصاري عن نافع (عن ابن عمر) ثم ضعفه بمحمد المذكور فعزو الحديث لمخرجه وحذفه من كلامه وتصريحه بتضعيفه غير صواب قال الزركشي: ورواه البيهقي في الأسماء والصفات وفي الزهد عن أبي قلابة مرسلا بلفظ الذنب لا ينسى والبر لا يبلى والديان لا يموت وكما تدين تدان وبه يتقوى وقال ابن حجر: له شاهد مرسل خرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة يرفعه قال: ورجاله ثقات ورواه أحمد في الزهد عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء فذكره الحديث: 6411 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 6412 - (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضى ما أقسم لأجله (منهم البراء بن مالك) أخو أنس لأبويه قال أنس: ثم إن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أقسمت على ربك عز وجل لأبرك فأقسم على ربك فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: أقسمت يا براء على ربك قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا رواه أبو نعيم وغيره عن أنس (ت والضياء) في المختارة (عن أنس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه أبو نعيم الحديث: 6412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 6413 - (كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم عمار بن ياسر) قال الزين العراقي: وقد قلت في ذلك: [ص: 49] لا تحسب الفخر في لبس وتدريع. . . ووصف حسن وزي غير مشروع فرب أشعث ذي طمرين مدفوع. . . إن قال قولا تراه غير مسموع لكنه عند رب الناس ذي قسم. . . بر إذا رام أمرا غير ممنوع <تنبيه> قال ابن عربي: هؤلاء الذي أرادهم بهذا الحديث هم الرجال المسمون بالملامتية الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها وهذا ما يسمى مقام القرب اقتطعهم لله إليه وحبسهم في خيام الأعمال الظاهرة فلا يعرفون بخرق العوائد فلا يلفت إليهم بل هم غامضون في الناس مغمورون فيهم وقد قال بعضهم في صفتهم لما سئل عن قولهم: العارف مسود الوجه في الدنيا والآخرة أي مستغرقا لأوقاته كلها في تجليات الحق له فلا يرى نفسه ولا مقامه كونا من الأكوان والأكوان في نور الحق ظلمة فلا يشهد إلا سواد الدوام التجلي عليه فهو مع الحق في الدارين أو المراد بالتسويد السيادة وبالوجه حقيقة الإنسان أي له السيادة في الدارين واعلم أن الظهور للرسل كمال وللأولياء نقص لأن الرسل مضطرون إليه لأجل التشريع بخلاف الأولياء فإن الله أكمل لهم الدين فكمال حالهم ستر مرتبتهم عن نفوسهم فضلا عن غيرهم فمن منازل صونهم أداء الفريضة مع الجماعة ولا يتوطن مكانا في المسجد وإذا كلمه الناس كلمهم ورأى الحق عليه رقيبا في كلامه وإذا سمع كلامهم سمع كذلك ويقلل مجالسة الناس حتى جيرانه لئلا يشعر به ويقضي حاجة الصغير والأرملة ويلاعب أولاده وأهله بما يرضي الله ويمزج ولا يقول إلا حقا وإن عرف في موضع انتقل إلى غيره فإن لم تمكنه النقلة استقضى من يعرفه وألح عليه في حوائجه حتى ينفي عنه وإن كان عنده مقام التحول في الصورة تحول كما كان قضيب البان وهذا كله حيث لم يرد الحق إظهاره (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) ورواه أيضا الطبراني في الأوسط عنها باللفظ المزبور فما أوهمه صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز غير جيد قال الهيثمي: وسنده ضعيف لكنه يجبر بتعدده فقد رواه الرافعي في أماليه أيضا الحديث: 6413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 6414 - (كم من عذق) بكسر العين المهملة غصن من نخلة وأما بفتحها فالنخلة بكمالها وليس مرادا هنا (معلق لأبي الدحداح) بدالين وحاءين مهملات ولا يعرف اسمه (في الجنة) جزاء له على جبره لخاطر اليتيم الذي خاصمه أبو لبانة في نخلة فبكى فاشتراها أبو الدحداح من أبي لبابة بحديقة فأعطاها اليتيم فبإشارة الباقي على الفاني جوزى بتكثير النخل في الجنة فوق ما لأمثاله والجزاء من جنس العمل (حم م د ت عن جابر بن سمرة) ورواه عنه الطيالسي أيضا الحديث: 6414 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 6415 - (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه) فيه تأكيد عظيم لرعاية حق الجار والحث على مؤاساته وإن جار وذلك سبب للائتلاف والاتصال فإن أهان كل أحد جاره انعكس الحال (خد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي والأصفهاني وضعفه المنذري الحديث: 6415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 6416 - (كم من عاقل عقل عن الله أمره وهو حقير عند الناس ذميم المنظر) ينجو إذا وقف على معرفة نفسه واشتغل بالعلم بحقائقه من حيث هو إنسان فلم ير فرقا بينه وبين العالم الأكبر ورأى أنه مطيع لله ساجد له قائم بما تعين عليه من عبادة خالقه فطلب الحقيقة التي يجتمع فيها مع العالم فلم يجد إلا الإمكان والافتقار والذلة والخضوع والمسكنة [ص: 50] ثم رأى أن العالم فطر على عبادة ربه فافتقر هذا العاقل إلى من يرشده وينزله الطريق المقربة إلى سعادته لما سمع قوله سبحانه {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فعبده بالافتقار إليه كما عبده سائر العالم ثم رأى أن الله قد حد له حدودا ونهاه عن تعديها وأن يأتي من أمره بما استطاع فتعين عليه العلم بما شرعه الله يقيم عبادته الفرعية كما أقام الأصلية فعلمها فإذا علم أمر ربه ونهيه ووفى حقه وحق عبوديته فقد عرف نفسه ومن عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه فهو من الناجين الفرجين يوم القيامة (وكم من ظريف اللسان جميل المنظر عظيم الشأن هالك غدا في القيامة) لسوء عمله وكآبة منقلبه وقبح سيرته وسوء سريرته إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم فالقلب هو محل نظر الحق فلا عبرة بحسن الظاهر وزخرف اللسان مع خبث الجنان (هب) من حديث نهشل بن سعيد عن عبادة بن كثير عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي: تفرد به نهشل بن عباد اه. ونهشل هذا قال الذهبي: قال ابن راهويه: كان كذابا وعباد بن كثير قال البخاري: تركوه وعبد الله بن دينار قال الذهبي: ليس بالقوي الحديث: 6416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 6417 - (كم ممن) وفي رواية من (أصابه السلاح ليس بشهيد ولا حميد وكم ممن قد مات على فراشه وحتف أنفه عند الله صديق شهيد) قال في الفردوس: قال أبو عبيد: يقال مات فلان حتف أنفه إذا مات على فراشه وقال غيره: قيل له ذلك لأن نفسه تخرج بتنفسه من فيه وأنفه وغلب أحد الاسمين على الآخر لتجاورهما وأصل هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: من تعدون الشهيد فيكم قالوا: من أصابه السهم فذكره وعلى ذلك ترجم البخاري باب لا يقال فلان شهيد أي على سبيل القطع والجزم إلا أن يكون بالوحي فالمقصود بالحديث النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال (حل) من حديث عبد الله بن خبيق عن يوسف بن أسباط عن حماد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت (عن أبي ذر) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعدون الشهيد فيكم قالوا: من أصابه السلاح فذكره ثم قال أبو نعيم: غريب بهذا الإسناد واللفظ لم نكتبه إلا من حديث يوسف اه ويوسف بن أسباط أورده الذهبي في الضعفاء وقال: وثقه يحيى وقال أبو حاتم: لا يحتج به وقال ابن حجر: في إسناده نظر فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بمعجمة ثم موحدة وقاف مصغرا عن يوسف بن أسباط الزاهد الحديث: 6417 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 6418 - (كم من حوراء عيناء) أي واسعة العين بيضاء أعدت لرجل في الجنة (وما كان مهرها) في الدنيا (إلا) شيئا قليلا مثل (قبضة) قبضها (من حنطة أو مثلها من تمر) وناولها لمسكين قاصدا بها وجه الله تعالى فيثيبه بها زوجة في الجنة من الحور العين وتتعدد الزوجات بتعدد القبضات سبحان الكريم ما أوسع عطاءه (عق) عن أحمد بن محمد النصيبي عن هشام بن عبد الملك عن عقبة بن السكن الفزاري عن أبان بن المجبر عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حبان: باطل وأبان متروك وقال مخرجه العقيلي: لا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو دونه وفي الميزان عن ابن حبان: حديث باطل وقال الأزدي: أبان متروك الحديث وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصرها فلم يتعقبه الحديث: 6418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 6419 - (كم من مستقبل يوما لا يستكمله غدا ومنتظر غدا لا يدركه) بين به أن على العاقل أن يروض نفسه ويكشف لها حالة [ص: 51] الأجل ويصرفها عن غرور الأمل حتى لا يطول الأمل أجلا قصيرا ولا ينسيه موتا ولا نشورا والليل والنهار يتراكضان تراكض البريد يقربان كل بعيد ويخلقان كل جديد قال رجل لزاهد في البصرة: ألك حاجة ببغداد قال: ما أحب أن أشط أملي بمن يذهب لبغداد ويجيء أما سمعت قول عيسى عليه السلام الدنيا ثلاثة أيام أمس مضى ما بيدك منه وغدا لا تدري أتدركه أم لا ويوم أنت فيه فاغتنمه وقال إمام الحرمين: الدنيا ثلاثة أنفاس نفس مضى عملت فيه ما عملت ونفس أنت فيه ونفس لا تدري أتدركه أم لا إذ كم من تنفس نفسا ففاجأه الموت قبل النفس الآخر فلست تملك إلا نفسا واحدا لا يوما ولا ساعة فبادر في هذا النفس إلى الطاعة قبل الفوت وإلى التوبة قبل الموت ولا تهتم بالرزق فلعلك لا تبقى حتى تحتاج إليه فيكون وقتك ضائعا والهم فاضلا (فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عون بن عبد الله أورده في اللسان ونقل عن الدارقطني ما يفيد تضعيفه الحديث: 6419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 6420 - (كمل) بتثليث الميم لكن الكسر ضعيف والكمال المتناهي والتمام (من الرجال كثير) لأن كمال المرء في سبعة العلم والحق والعدل والصواب الصدق والأدب والكمال في هذه الخصال موجود في كثير من الرجال بفضل العقول وتفاوتها لأن المعرفة تبع للعقل والنساء ناقصات عقل فعقلهن على النصف من الرجال ولهذا عدلت شهادة اثنتين رجلا (ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا آسية) بنت مزاحم قيل من العمالقة وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى وقيل عمة موسى وقيل بنت عمة فرعون (امرأة فرعون) أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى (ومريم بنت عمران) أم عيسى فإنهما برزتا على الرجال لما أعطيتا من سلوك السبيل إلى الله ثم الوصول إليه ثم الاتصال به والمراد بالكمال هنا التناهي في الفضائل والبر والتقوى وحسن الخصال وتمسك به من زعم نبوة مريم وآسية لأن كمال البشر إنما هو في مقام النبوة وارد بأن الكمال في شيء ما يكون حصوله للكامل أوفى من غيره والنبوة ليست أولى للنساء لبنائها على الظهور للدعوة وحالهن الاستنكار والكمال في حقهن الصديقية ثم الظاهر أنهما خير نساء عصرهما والتفضيل بينهما مسكوت عنه وعلم من دليل منفصل أن مريم أفضل وزادت عليهما فاطمة بزيادة كمال من كمال أبويها (وأن فضل عائشة) بنت أبي بكر الصديق (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) بالمثلثة (على سائر الطعام) لا تصريح فيه بأفضلية عائشة على غيرها لأن فضل الثريد على غيره إنما هو لسهولة مساغه وتيسر تناوله وكان يومئذ جل طعامهم <تنبيه> قال ابن عربي: كمال الوجود وجود النقص فيه إذ لو لم يكن كان كمال الوجود ناقصا لعدم لنقص فيه قال تعالى {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فما نقصه شيئا حتى النقص أعطاه فهذا كمال العلم ولله كمال يليق به وللإنسان كمال يليق به ومن نقص من الناس عن هذا الكمال فذلك النقص الذي في العالم لأن الإنسان من جملة العالم وما كل إنسان يقبل الكمال وما عداه فكامل في مرتبته لا ينقص شيء بنص القرآن فما ظهر في العالم نقص إلا في الإنسان لأنه مجموع حقائق العالم وهو المختصر الوجيز منه (حم ق ت عن أبي موسى) الأشعري رواه عنه النسائي أيضا الحديث: 6420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 6421 - (كن في الدنيا كأنك غريب) أي عش بباطنك عيش الغريب عن وطنه بخروجك عن أوطان عاداتها ومألوفاتها بالزهد في الدنيا والتزود منها للآخرة فإنها الوطن أي أن الآخرة هي دار القرار كما أن الغريب حيث حل نازع لوطنه ومهما نال من الطرف أعدها لوطنه وكلما قرب مرحلة سره وإن تعوق ساعة ساءه فلا يتخذ في سفره المساكن [ص: 52] والأصدقاء بل يجتزئ بالقليل قدر ما يقطع به مساقة عبوره لأن الإنسان إنما أوجد ليمتحن بالطاعة فيثاب أو بالإثم فيعاقب {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} فهو كعبد أرسله سيده في حاجة فهو إما غريب أو عابر سبيل فحقه أن يبادر لقضائها ثم يعود إلى وطنه وهذا أصل عظيم في قصر الأمل وأن لا يتخذ الدنيا وطنا وسكنا بل يكون فيها على جناح سفر مهيأ للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم وفيه حث على الزهد والإعراض عن الدنيا والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بد له من مركب وزاد ورفقاء وطريق يسلكها فالمركب نفسه ولا بد من رياضة المركوب ليستقيم للراكب والزاد التقوى والرفقاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والصراط المستقيم وإذا سلك الطريق لم يزل خائفا من القطاع إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع (أو عابر سبيل) قال الطيبي: الأحسن جعل أو بمعنى بل شبه الناسك السالك بغريب لا مسكن له يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل لأن الغريب قد يسكن بلد الغربة وابن السبيل بينه وبين مقصده أودية رديئة ومفارز مهلكة وقطاع وشأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة قال بعض العارفين: الأرواح خلقت قبل الأجساد ثم أفيضت من عالمها العلوي النوراني فأودعت هذا الجسد الترابي الظلماني فاجتمعا اجتماع غربة كل منهما يشير إلى وطنه ويطير إلى مسكنه فالبدن أخلد إلى الأرض والروح بدون السمو لم ترض راحت مشرقة ورحت مغربا. . . شتان بين مشرق ومغرب (خ) في الرقاق (عن ابن عمر) بن الخطاب (زاد حم د ت هـ وعد نفسك من أهل القبور) أي استمر سائرا ولا تفتر فإن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية فلا تتنافس في عمارة الدور فعل المستوطن المغرور فيأتيك الموت من غير استعداد وتقدم على سفر الآخرة بغير زاد رواه العسكري وزاد: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فإنه لا تدري ما اسمك غدا قالوا: وذا من جوامع الكلم الحديث: 6421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 6422 - (كن ورعا تكن أعبد الناس) أي داوم عليه في جميع الحالات حتى يصير طبعا لك فتكون أعبد الناس لدوام مراقبتك واشتغالك بأفضل العبادات بظاهرك وباطنك بإيثار حقك على حظك وهذا كمال العبودية ولهذا قال الحسن: ملاك الدين الورع وقد رجع ابن المبارك من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها وأبو يزيد إلى همدان لرد نملة وجدها في قرطم اشتراه وقال: غريبة عن وطنها وابن أدهم من القدس للبصرة لرد تمرة فانظر إلى قوة ورع هؤلاء وتشبه بهم إن أردت السعادة (وكن قنعا تكن أشكر الناس) لأن العبد إذا قنع بما أعطاه الله رضي بما قسم له وإذا رضي شكر فزاده الله من فضله جزاء لشكره وكلما زاد شكرا ازداد فضلا {لئن شكرتم لأزيدنكم} (وأحب للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان لإعراضك عن هواك وإن لم تحب لهم ما تحب لنفسك فأنت مؤمنا ناقص الإيمان لمتابعتك هواك (وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما) أي كامل الإسلام فإن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه (وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) وفي رواية البيهقي بدله فإن في كثرة الضحك فساد لقلب وإذا فسد القلب فسد الجسد كله. <تنبيه> الضحك المميت للقلب ينشأ من الفرح والبطر بالدنيا وللقلب حياة وموت فحياته بدوام الطاعة وموته بإجابة غير الله من النفس والهوى والشيطان بتواتر أسقام المعاصي تموت الأجسام بأسقامها واقتصر من أسباب موته على كثرة الضحك وهو ينشأ عن جميعها لانتشائه من حب الدنيا وحبها رأس كل خطيئة بنص الخبر أوحى الله إلى داود ومن عصاني فقد مات ومن أسباب موت [ص: 53] القلب الأشر والبطر والفرح وإذا مات لم يستجب له الله إذا دعاه <تنبيه> المأمور بالكف عن كثرة الضحك إنما هو أمثالنا أما من ذاق مشرب القوم من الأحباب فليس مرادا بهذا الخطاب قال بعض العارفين: جلس ذو النون للوعظ والناس حوله يبكون وشاب يضحك فزجره فأنشأ يقول: كلهم يعبدون الله من خوف النار. . . ويرون النجاة حظا جزيلا ليس لي في الجنان والنار رأي. . . أنا لا أبتغي بحبي بديلا فقيل له: فإن طردك فما تفعل؟ قال: فإذا لم أجد من الحب وصلا. . . رمت في النار منزلا ومقيلا ثم أزعجت أهلها ببكائي. . . بكرة في ضريعها وأصيلا معشر المشركين نوحوا علي. . . أنا عبد أحببت مولى جليلا لم أكن في الذي ادعيت صدوقا. . . فجزائي منه العذاب الوبيلا وقال ابن عربي: خدمت امرأة من المخبآت العارفات تسمى فاطمة بنت المثنى القرطبي خدمتها وسنها فوق خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أنظر إليها من حمرة خديها وحسن نغمتها وجمالها كأن عمرها دون عشرين سنة وكانت تضرب بالدف وتفرح وتقول اعتنى بي وجعلني من أوليائه واصطنعني لنفسه فكيف لا أفرح ومن أنا حتى يختارني على ابن جني (هب) من حديث أبي رجاء وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) قال العلائي: وأبو رجاء متكلم فيه وأقول: فيه أيضا يزيد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: يرى بالقدر وبه يعرف أن العامري لم يصب في زعمه لصحته الحديث: 6422 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 6423 - (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) بأن جعله الله حقيقة تقصر عقولنا عن معرفتها وأفاض عليها وصف النبوة من ذلك الوقت ثم لما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر بكليته جسما وروحا وأما قول الحجة المراد بالخلق التقدير لا الإيجاد فإنه قبل ولادته لم يكن موجودا فتعقبه السبكي بأنه لو كان كذلك لم يختص (ابن سعد) في الطبقات (عن قتادة مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال والديلمي كلهم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ثم إن فيه بقية وقد مر الكلام فيه وسعيد بن بشير ضعفه ابن معين وغيره الحديث: 6423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 6424 - (كنت نبيا) لم يقل كنت إنسانا ولا كنت موجودا إشارة إلى أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة فلما انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر بذاته جسما وروحا فكان الحكم له باطنا أوفى كل ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل ثم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الاسمين وإن كان الشرع واحدا (وآدم بين الروح والجسد) يعني أنه تعالى أخبره بمرتبته وهو روح قبل إيجاد الأجسام الإنسانية كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاد أجسامهم ذكره ابن عربي ومنه أخذ بعضهم قوله لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم كان محمد أول من قال بلى ولهذا صار متقدما على الأنبياء وهو آخر من يبعث فإن قيل حقيقة آدم في هذا الهيكل المخلوق من طين المنفوخ فيه الروح فمجموع الروح والجسد [ص: 54] هو المسمى بآدم فما معنى وآدم بين الروح والجسد؟ فالجواب أنه مجاز عما قبل تمام خلقته قريبا منه كما يقال فلان بين الصحة والمرض أي حالة تقرب من كل منهما قال السخاوي: وما اشتهر على الألسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فلم أقف عليه (ابن سعد) في الطبقات (حل عن ميسرة الفجر) له صحبة من أعراب البصرة (ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء طب عن ابن عباس) قال: قيل يا رسول الله متى كنت نبيا فذكره قال الطبراني: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد وفيه قيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة وهو عجب فقد خرجه الترمذي في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري ولم يعرفه قال أبو عيسى: وهو غريب وأخرجه البخاري في تاريخه وأحمد بن السكن والبغوي عن ميسرة أيضا وأخرجه عنه الحاكم بلفظ قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا قال: وآدم بين الروح والجسد وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأخرجه أحمد والطبراني باللفظ المزبور عنه قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح الحديث: 6424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 6425 - (كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط) فإنهما كانا أشد الناس إيذاء وظلما له وقد بلغ من إيذائهما ما حكاه بقوله (إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى) كالغائط والدم (فيطرحونه على بابي) تناهيا في إيصال الأذية مبالغة في إضرار تلك النفس الطاهرة الزكية لما أراد الله وقدر في الأزل من تضاعف العقاب على تلك النفوس الشقية وقصة أبي جهل في وضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد مشهورة وفي ذلك إرشاد إلى ندب تحمل الأذى من الجار وأن من صبر فله عقبى الدار (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) الحديث: 6425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 6426 - (كنت من أفل الناس في الجماع حتى أنزل الله علي الكفيت) بفتح الكاف وسكون الفاء وفتح الياء بضبط المصنف كذا رأيته بخطه في نسخته (فما أريده من ساعة إلا وجدته وهو قدر فيها لحم) هذا صريح في رد ما قيل إن معنى الكفيت في خبر ورزقت الكفيت ما أكفت به معيشتي أي أضم وأصلح قال ابن سيد الناس: وكثرة الجماع محمودة عند العرب إذ هو دليل الكمال وصحة الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمدح به سيرة مرضية (ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن إبراهيم مرسلا) وهو الزهري (وعن صالح بن كيسان مرسلا) رأى ابن عمر وسمع عروة والزهري قال الذهبي: كان جامعا بين الفقه والحديث والمروءة وغير ذلك الحديث: 6426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 6427 - (كنت نهيتكم عن الأشربة) جمع شراب وهو كل مائع رقيق يشرب ولا يتأتى فيه المضغ حلالا أو حراما قاله ابن الكمال (إلا في ظروف الأدم) فإنها جلد رقيق لا تجعل الماء حارا فلا يصير مسكرا وأما الآن فاشربوا في كل وعاء ولو غير أدم (غير أن لا تشربوا مسكرا) فإن زمن الجاهلية قد بعد واشتهر التحريم وتقرر في النفوس فينسخ ما كان قبل ذلك من تحريم الانتباذ في تلك الأوعية خوفا من مصيره مسكرا فلما تقرر الأمر أبيح الانتباذ في كل وعاء بشرط عدم الإسكار (م عن بريدة) بن الحصيب كزبيب وفي رواية له عنه أيضا نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل [ص: 55] شيئا ولا تحرمه وكل مسكر حرام الحديث: 6427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 6428 - (كنت نهيتكم عن الأوعية) أي عن الانتباذ في الظروف (فانبذوا) في أي وعاء كان ولو أخضر وأبيض لعموم الخبر خلافا لبعض المتقدمين (واجتنبوا كل مسكر) أي ما من شأنه الإسكار أي من أي شراب كان وهذا نسخ صريح لنهيه عن النبذ في المزفت والنقير وبه أخذ الحبر (هـ) عن بريدة ورواه عنه أيضا ابن جرير وغيره الحديث: 6428 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 6429 - (كنت نهيتكم) نهي تنزيه أو تحريم (عن لحوم الأضاحي) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها (فوق ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر وأوجبت عليكم التصديق بها عند مضي الثلاث وإنما نهيتكم عن ذلك (ليتسع ذوو الطول) أي ليوسع أصحاب الغنى (على من لا طول له) أي على الفقراء (فكلوا ما بدا لكم) أي مدة بدو الأكل لكم ولو فوق ثلاث (وأطعموا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح الآن الادخار فوق ثلاث والأكل متى شاء مطلقا قال القرطبي: وهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم يبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض قال النووي: وهذا من نسخ السنة بالسنة قال ابن العربي: هذا من ناسخ الحديث ومنسوخه وهو باب عسر أعسر من القرن وقد كان أكلها مباحا ثم حرم ثم أبيح ففيه رد على المعتزلة الذي يرون أن النسخ لا يكون إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر قالوا: ومحل جواز الأكل في التطوع لا المنذور (هـ عن بريدة) وفي الباب عن علي وغيره الحديث: 6429 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 6430 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وأما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى (فزوروا القبور) أي بشرط أن لا يقترن بذلك تمسح بالقبر أو تقبيل أو سجود عليه أو نحو ذلك فإنه كما قال السبكي بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال (فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة) ونعم الدواء لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه فإن انتفع بالإكثار منها فذاك وإلا أكثر من مشاهدة المحتضرين فليس الخبر كالعيان قال القاضي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بتكاثر الأموال فعل الجاهلية وأما الآن فقد جاء الإسلام وهدم قواعد الشرك فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر المموت والبلى قال ابن تيمية: قد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها بعد النهي وعلله بأنها تذكر الموت والدار الآخرة وأذن إذنا عاما في زيارة قبر المسلم والكافر والسبب الذي ورد عليه لفظ الخبر يوجب دخول الكافر والعلة موجودة في ذلك كله وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور البقيع والشهداء للدعاء والاستغفار لهم فهذا المعنى يختص بالمسلمين انتهى (هـ عن ابن مسعود) قال المنذري: إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذه الأحاديث لم يخرج منها شيء في أحد الصحيحين وليس كذلك بل جمع مسلم غالبها في حديث واحد وهو نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وعن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا انتهى. وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بنحوه الحديث: 6430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 [ص: 56] 6431 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا) بالضم أي قبيحا أو فحشا وقد أهجر في منطقة أفحش وأكثر الكلام فيما لا ينبغي وقوله نهيتكم خطاب رجال فلا يدخل فيه الإناث على المختار عند أصحابنا فلا يندب لهن لكن يجوز مع الكراهة ثم الزيارة بمجرد هذا القصد يستومي فيها القبور كما سبق قال السبكي: متى كانت الزيادة بهذا القصد لا يشرع فيها قصد قبر بعينه ولا تشد الرحال لها وعليه يحمل ما في شرح مسلم من منع شد الرجال لزيارة القبور وكذا بقصد التبرك إلا الأنبياء فقط وقال بعضهم: استدل به على حل زيارة القبور هب الزائر ذكرا أم أنثى والمزور مسلما أم كافرا قال النووي: بالجواز قطع الجمهور وقال صاحب الحاوي: ولا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط انتهى. وحجة الماوردي آية {ولا تقم على قبره} وفيه نظر انتهى (ك) في الجنائز (عن أنس) قال ابن حجر: سنده ضعيف الحديث: 6431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 6432 - (كنس المساجد مهور الحور العين) بمعنى أن له بكل كنسة يكنسها لمسجد من المساجد حوراء في الجنة ويظهر أن ذلك إذا فعله محتسبا لا بأجرة كما هو المتعارف الآن (ابن الجوزي) في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية من حديث عبد الواحد بن زيد عن الحسن (عن أنس) بن مالك وأورده أيضا بسنده في الموضوعات وحكم بوضعه وقال: فيه مجاهيل وعبد الواحد بن زيد متروك انتهى وروى نحوه الديلمي والطبراني الحديث: 6432 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 6433 - (كونوا في الدنيا أضيافا) يعني بمنزلة الضيف ودار ضيافتكم الإسلام والضيف ينزل حيث ينزله المضيف ويأكل ما قدم له ولا يتحكم فإنه لا بد من الارتحال وسائر ما تراه في هذه الدنيا خيال ومن لا يعرف مرتبة الخيال فلا عنده من المعرفة رائحة بحال وقد قال عليه الصلاة والسلام الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فنبه به على أن ما أدرك في هذه الدار كإدراك النائم في النوم وهو خيال فبالموت يرى أنه استيقظ وهكذا كل حال يكون فيه لا بد لك من الانتقال عنه كالضيف لا بد له من الانتقال (واتخذوا المساجد بيوتا) يعني لدينكم إليها تأوون وإلى ذكر الله فيها تسكنون ولطاعته فيها تأنسون ولدينكم بكثرة المقام فيها تحصنون كبيوت الدنيا لأسباب دنياكم ولأنس أهليكم وتحصين أموالكم واتخذوها لمعاشكم وفكاهتكم وخصوماتكم فإنها لم تبن لذلك كما في الخبر المار (وعودوا قلوبكم الرقة) أي عند ذكر الله ووعده ووعيده ورقتها بدوام الفكر في الذكر ونسيان ذكر الخالق بإيثار ذكر الحق ويحتمل أن المراد تعويد القلب الرقة على الإخوان وإصفائها بذكر الله (وأكثروا التفكر والبكاء) يعني التفكر في عظمة الله وقوة بطشه فيكثر البكاء والحذر يمتنع من متابعة هواه كما قال (ولا تختلفن) في رواية لئلا تختلفن (بكم الأهواء) أما أهواء الدنيا فتقطع عن الاستعداد للآخرة وأما أهواء البدع في الدين فتقطع عن المولى (تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون) وهذا الذي رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعهم عن الخلق ولزومهم السياحات والبراري والسواحل والفرار من الناس والخروج عن ملك الحيوان (الحسن بن سفيان حل) وكذا الديلمي (عن الحكم بن عمير) وفيه عندهم جميعا بقية وموسى بن حبيب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم الحديث: 6433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 [ص: 57] 6434 - (كونوا للعلم رعاة) كذا هو في الفردوس وغيره بالراء وفي نسخ بالواو فليحرر (ولا تكونوا له رواة) تمامه عند مخرجه أبي نعيم فقد يرعوي من لا يروى وقد يروى من لا يرعوي إنكم لم تكونوا عالمين حتى تكونوا بما علمتم عاملين اه بلفظه. فاقتصار المصنف على هذه القطعة وحذف ما عداها من سوء التصرف وإن كان جائزا. قال في شرح الحكم: علم الهداية يحصل به المقصود من أوله وهلة وعلم الرواية لا تحصل به الهداية إلا بشرط وتدرج. وعلم الهداية تسبقه الخشية للقلب فتسكنه الهيبة والحياء والأنس وقال الماوردي: ربما عنى المتعلم بالحفظ من غير تصور ولا فهم حتى يصير حافظا لألفاظ المعاني وهو لا يتصورها ولا يفهم ما تضمنها يروي بغير روية ويخير عن غير خبرة فهو كالكتاب الذي لا يدفع شبهة ولا يؤدي حجة (حل عن ابن مسعود) من رواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ابن مسعود الحديث: 6434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 6435 - (كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل) لأن اللسان ترجمان القلب يؤدي إليه القلب علم ما فيه فيعبر عنه اللسان فيرمي به إلى الأسماع فيولج القلب إن خيرا فخير وإن شرا فشر وكلام ابن آدم على ضروب منها ما يخلص للآخرة فذلك محبوب مطلوب متوعد عليه خير. ومنها ما يخلص للدنيا ولا نصيب للآخرة فيه وذلك مرغوب عنه متوعد عليه ومنها ما لا بد لهم منه في معاشهم كأخذ وعطاء فذلك مأذون فيه والحساب من ورائه ومن ثم قال بعض السلف: ما تكلمت بكلمة منذ عشرين سنة لم أتدبرها قبل التكلم بها إلا ندمت عليها إلا ذكر الله وهذا الحديث مقتبس من قوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية. قال: كلام يكون بخير فهو له وفيه ثواب وشر فهو عليه وفيه عقاب ولغو وعله حسابه وعقابه فلا يضيع نعمة نطقه فيما لا حاجة إليه وربما جر كثرة الكلام المباح إلى الحرام (ت هـ ك هب عن أم حبيبة) قال الترمذي: غريب الحديث: 6435 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 6436 - (كلام أهل السماوات) من الملائكة (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أن ذلك أكثر كلامهم (خط) في ترجمة خلف الموازيني (عن أنس) وفيه أحمد بن محمد بن عمران. قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف معروف وداود بن صفير قال الدارقطني وغيره: منكر الحديث وابن عدي: غاليا في التشيع ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح الحديث: 6436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 6437 - (كلامي لا ينسخ كلام الله وكلام الله ينسخ كلامي وكلام الله ينسخ بعضه بعضا) وهذا من خصائص هذه الشريعة وهذا النبي صلى الله عليه وسلم. قال الجلال: من خصائصه أن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ ثم هذا الحديث احتج به من منع نسخ الكتاب بالسنة وذهب الأكثر إلى جوازه لأن السنة مما أتى به الله قالوا: والخبر منكر (عد قط عن جابر) قال الذهبي: فيه جيرون بن واقد الإفريقي متهم فإنه روى بقلة حيائه هذا الحديث اه. وقال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه جيرون غير ثقة وعنه داود بن محمد القنطري أتى بحديثين باطلين قاله الذهبي وقال ابن الجوزي في العلل: قال ابن عدي هذا حديث منكر وفي الميزان تفرد به القنطري وهو موضوع وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذف ما أعله به غير مرضي الحديث: 6437 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 [ص: 58] 6438 - (كيف أنتم) أي كيف الحال بكم فهو سؤال عن الحال وعامله محذوف أي كيف تصنعون فلما حذف الفعل أبرز الفاعل (إذا كنتم من دينكم في مثل القمر ليلة البدر لا يبصره منكم إلا البصير) (ابن عساكر) في ترجمة صدقة الخراساني (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وأقره ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال: إن صدقة ضعفه أحمد والنسائي ووثقه أبو زرعة اه. وفي الضعفاء للذهبي عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به الحديث: 6438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 6439 - (كيف أنتم) أي كيف تصنعون (إذا جارت عليكم الولاة) الحال المسؤول عنها أتصبرون أم تقاتلون وترك القتال لازم كما هو مصرح به في عدة أخبار (طب عن عبد الله بن بسر) المازني رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه عمرو بن هلال الحمصي مولى بني أمية قال الهيثمي: جهله ابن عدي قال في الميزان: قال ابن عدي: غير معروف ولا حديثه بمحفوظ وأشار إلى هذا الحديث قال في اللسان: قال ابن عدي هذا الذي ضعفه ابن عدي الحديث: 6439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 6440 - (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) أي الخليفة من قريش على ما وجب واطرد أو وإمامكم في الصلاة رجل منكم كما في مسلم أن يقال له صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة. وقال الطيبي: معنى الحديث أي يؤمكم عيسى حال كونكم في دينكم وصحح المولى التفتازاني أنه يؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل فإمامته أولى وفي رواية بدل إمامكم منك ويؤمكم منكم ومعناه يحكم بشريعة الإسلام وهذا استفهام عن حال من يكونون أحياء عند نزول عيسى كيف يكون سرورهم بلقاء هذا النبي الكريم وكيف يكون فخر هذه الأمة وعيسى روح الله يصلي وراء إمامهم وذلك لا يلزم انفصال عيسى من الرسالة لأن جميع الرسل بعثوا بالدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل والنهي عما خالف ذلك من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحدة منها حق بالإضافة إلى زمانها مراعى فيه صلاح من خوطب به فإذا نزل المتقدم في أيام المتأخر نزل به على وقفه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي تنبيها على أن اتباعه لا ينافى الإيمان به بل يوجبه (ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا الحديث: 6440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 6441 - (كيف أنت يا عويمر) أي أخبرني على أي حالة تكون يا عويمر وهو تصغير عامر (إذا قيل لك) من قبل الله تعالى (يوم القيامة أعلمت أم جهلت فإن قلت علمت قيل لك فماذا عملت بما علمت وإن قلت جهلت قيل لك فما كان عذرك فيما جهلت ألا تعلمت) هذا من الأدلة الشرعية على قبح الجهل وعلى وبال عدم العمل بالعلم وهو استعظام لما يقع يومئذ من الدهشة والتحير في الجواب والارتباك فيما لا حيلة في دفعه ولا سبيل إلى التخلص منه وأن ما يحدث المرء به نفسه ويسهله عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يجدي فأفاد أن الغفلة عن الله على ضربين الجهل بأمر الدين فلا يعرف ما يأتي ولا يعلم ما يذر والسهو عما يعلم ذهابا عن إتيان ما أمر الله به وركوبا لما نهى عنه بشهوة النفس وغرور الدنيا وزخارفها وهذا أقبح النوعين (ابن عساكر) في تاريخه عن (أبي الدرداء) الحديث: 6441 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 [ص: 59] 6442 - (كيف بكم) قال الطيبي: كيف يسأل بها عن الحال أي ما حالكم وكيف أنتم (إذا كنتم عن) وفي نسخ في (دينكم كرؤية الهلال) كيف تفعلون وكيف يكون حالكم إذا خفيت عليكم أحكام دينكم فلم تبصرونها لغلبة الجهل واستيلاء الرين على القلب وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وأنهم يقعون في أمر مهول لا مخلص منه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) الحديث: 6442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 6443 - (كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم) استخبار فيه إنكار وتعجيب أي أخبروني كيف يطهر الله قوما لا ينصرون الظالم القوي على العاجز الضعيف مع تمكنهم من ذلك أي لا يطهرهم الله أبدا فما أعجب حالكم إن ظننتم أنكم مع تماديكم في ذلك يطهركم ولأن التقديس من قدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ويقال قدس إذا طهر لأن مطهر الشيء يبعده عن الأفذار (هـ هب عن جابر) بن عبد الله الحديث: 6443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 6444 - (كيف يقدس الله أمة) أي من أين يتطرق إليها التقديس والحال أنه (لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متعتع) بفتح التاء أي من غير أن يصيبه ويزعجه قال القاضي: ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فترك إزالة المنكر مع القدرة أبلغ في الذم وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن ذنب النبي أيوب الذي ابتلي به أنه استعان به مسكين على ظالم فلم يعنه (ع هق) وكذلك في الشعب (عن بريدة) قال: لما قدم جعفر من الحبشة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني ما أعجب ما رأيته بها قال: موت امرأة على رأسها مكتل فأصابها فارس فرماه فجعلت تلمه وتقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم فذكره قال الهيثمي بعد عزوه لأبي يعلى: فيه عطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط وبقية رجاله ثقات وقال بعضهم عقب عزوه للبيهقي: وفيه عمرو ابن قيس عن عطاء أورده الذهبي في المتروكين وقال: تركوه واتهم أي بالوضع الحديث: 6444 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 6445 - (كيف وقد قيل) قاله لعقبة وقد تزوج فأخبرته امرأة أنها أرضعتهما فركب إليه يسأله فقال: كيف أي كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها من الرضاع فإنه بعيد من المروءة والورع ففارقها ونكحت غيره قال الشافعي: كأنه لم يره شهادة فكره له المقام معها تورعا أي فأمره بفراقها لا من طريق الحاكم بل بالورع لأن شهادة المرضعة على فعلها لا يقبل عند الجمهور وأخذ أحمد بظاهر الخبر فقبلها ولم يجز بحضرته ترافع ولا أداء شهادة بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار وهو كسائر ما تقبل فيه شهادة النساء الخلص لا يثبت إلا بأربع قاله القاضي قال الطيبي: كيف سؤال عن الحال وقد قيل حال وهما يستدعيان عاملا يعمل فيهما يعني كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها؟ هذا بعيد من المروءة والورع وفيه أنه يجب تجنب مواقع التهم وأنشدوا: قد قيل ذلك إن صدقا وإن كذبا. . . فما اعتذارك عن قول إذا قيلا (خ) في الشهادات (عن) أبي سروعة بكسر المهملة وسكون الراء وفتح الواو والمهملة (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن الحارث) بالمثلثة بن عامر القرشي النوفلي من مسلمة الفتح ورواه أبو داود في القضاء والترمذي في الرضاع والنسائي في النكاح الحديث: 6445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 [ص: 60] 6446 - (كيلوا طعامكم) عند البيع وخروجه من مخزنه (يبارك لكم فيه) أي يحصل فيه الخير والبركة والنمو بنفي الجهالة عنه أما في البيع والشراء فظاهر وأما كيل ما يخرجه لعياله فلأنه إذا أخرجه جزافا قد ينقص عن كفايتهم فيتضررون أو يزيد فلا يعرف ما يدخر لتمام السنة فأمر بالكيل ليبلغهم المدة التي ادخر لها. قال ابن الجوزي وغيره: وهذه البركة يحتمل كونها للتسمية عليه وكونها لما بورك في مد أهل المدينة بدعوته ولا ينافيه خبر عائشة أنها كانت تخرج قوتها بغير كيل فبورك لها فيه حتى علمت المدة التي تبلغ إليها عند انقضائها لأن ما هنا في طعام يشترى أو يخرج من مخزنه فبركته بكيله لإقامة القسط والعدل وعائشة كالته اختبارا فدخله النقص وقوله يبارك بالجزم جوابا للأمر (حم خ) في الأطعمة (عن المقدام) بكسر الميم (بن معد يكرب) غير معروف (تخ هـ عن عبد الله بن بسر حم هـ عن أبي أيوب طب عن أبي الدرداء) الحديث: 6446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 6447 - (كيلوا طعامكم فإن البركة في الطعام المكيل) قال البعض: كأنه يشير إلى أنه إذا علم كيله ووزنه حلت البركة بنفي الجهالة ونفي التهمة عن الطعام بيده وكان بعضهم إذا أنفذ حاجة مع غلمانه ختمها ويقول فيه فائدتان سلامة سرى من سوء الظن بالغلام ويمنعه من الخيانة ويعوده الأمانة لكن مجرد الكيل لا يحصل البركة ما لم ينضم له قصد الامتثال فيما يشرع كيله ومجرد عدم الكيل لا ينزعها ما لم ينضم له قصد الاختبار والمعارضة (ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين ورواه القضاعي وغيره وقال بعضهم: حسن غريب الحديث: 6447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الكاف] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 6448 - (الكافر يلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول) يا رب (أرحني ولو إلى النار) أي ولو بصرفي من الموقف إلى جهنم لكونه يرى أن ما فيه أشد منها وفيه أن العذاب لا يكون في الآخرة بإدخال الجحيم فقط بل قد يكون بأنواع أخر تقدم على دخولها (خط) في ترجمة علي بن عبد الملك الطائي (عن ابن مسعود) وفيه بشر بن الوليد قال الذهبي: صدوق لكنه لا يعقل كان قد خرف الحديث: 6448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 6449 - (الكبائر) جمع كبيرة وهي كل ما كبر من المعاصي وعظم من الذنوب واختلف فيها على أقوال والأقرب أنها كل ذنب رتب الشارع عليه حدا وصرح بالوعيد عليه (الإشراك بالله) بالرفع خبر المبتدأ المقدر (وعقوق الوالدين) بأن يفعل الولد ما يتأذى به الوالد تأذيا ليس بهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة ذكره النووي كابن الصلاح (وقتل النفس) بغير حق (واليمين الغموس) والواو في الأربعة للعطف على السابق والشرك أعظمها (حم خ ت ن عن ابن عمرو) الحديث: 6449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 6450 - (الكبائر سبع) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: هن (الشرك بالله) بأن يتخذ معه إلها غيره (وعقوق الوالدين) أي [ص: 61] الأصلين المسلمين وإن عليا (وقتل النفس التي حرم الله) قتلها (إلا بالحق) كالقصاص والقتل بالردة والرجم (وقذف) المرأة (المحصنة) بفتح الصاد أي التي أحصنها الله من الزنا وبكسرها اسم فاعلة أي التي حصنت فرجها من الزنا (والفرار) أي الهرب (من الزحف) يوم القتال في جهاد الكفار (وأكل الربا) أي تناوله بأي وجه كان (وأكل مال اليتيم) أي الطفل الذي مات أبوه والمراد بغير حق قال الذهبي في الكبائر: وفرار الفار عن سلطانه أعظم وزرا من فرار الفار من عسكر خذلوا ثم انضم إلى بلد سلطانه وكذا فرار من فر لفرار سلطانه أخف كالجند في فرارهم (والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة) هذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر وأخذ منه ثبوت الصغيرة لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وما وقع للأستاذ الباقلاني والإمام من أن كل ذنب كبيرة وتفهيم الصغيرة فإنما هو نظر إلى عظمة من عصى الرب فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة مع وفاقهم في الحرج على أنه لا يكون بمطلق المعصية فالخلف لفظي يرجع إلى مجرد التسمية ثم إنه لا يلزم من كون المذكورات أكبر الكبائر استواء رتبتها في نفسها كما إذا قلت زيد وعمرو أفضل من بكر فإنه لا يقتضي استواؤهما قال الطيبي: ليس لقاتل أن يقول كيف عدها هنا سبعا وفي أحاديث أخر أكثر لأنه إنما أنهى في كل مجلس ما أوحي إليه أو سنح له باقتضاء أحوال السائل وتفاوت الأوقات فالأضبط أن تجمع كلها وتجعل مقيسا عليها كما بينه ابن عبد السلام (طس عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته والأمر بخلافه ففيه عبد السلام بن حرب أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: صدوق وقال ابن سعد: في حديثه ضعف وإسحاق ابن عبد الله بن أبي فروة ساقه الذهبي في الضعفاء وقال: متروك واه الحديث: 6450 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 6451 - (الكبائر) جمع كبيرة قال أبو البقاء: وهي من الصفات الغالبة التي لا يكاد يذكر الموصوف معها (الشرك بالله) أي أن تجعل لله ندا وتعبد معه غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو جني أو نجم أو غير ذلك قال الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} فمن أشرك به ومات مشركا فهو من أصحاب النار قلت: كما أن من آمن به ومات مؤمنا فمن أهل الجنة وإن عذب (والإياس من روح الله) بفتح الراء (والقنوط من رحمة الله) قال القاضي: ليس لقائل أن يقول كيف عد الكبائر هنا ثلاثا أو أربعا وفي حديث آخر سبعا لأنه لم يتعرض للحصر في شيء من ذلك ولم يعرب به كلامه أما في هذا الحديث فظاهر وأما في رواية السبع فلأن الحكم مطلق والمطلق لا يفيد الحصر فإن قلت بل الحكم فيه كلي إذ اللام في الكبائر للاستغراق قلت لو كانت للاستغراق لا للجنس كان المعنى كل واحدة من هذه الخصال وهو فاسد أما في رواية اجتنبوا السبع الموبقات فإنه لا يستدعي عدم اجتناب غيرها ولا أن غيرها غير موبق لا بلفظه ولا بمعناه ومفهوم اللقب ضعيف مزيف (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال: إن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر فذكره. رمز المصنف لحسنه قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن الحديث: 6451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 6452 - (الكبائر الإشراك بالله) أي مطلق الكفر وتخصيص الشرك لغلبته في الوجود حالتئذ واحتمال إرادة تخصيصه [ص: 62] رد بأن بعض الكفر أقبح من الشرك وهو التعطيل لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد (وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار يوم الزحف) أي الإدبار للفرار يوم الازدحام للقتال والزحف الجماعة الذين يزحفون أي يمشون بمشقة (وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين) مصدر عق والده يعق عقوقا فهو عاق أذاه وعصاه وخرج عليه (وإلحاد بالبيت) أي ميل عن الحق في الكعبة أي حرمها (قبلتكم أحياءا وأمواتا) فيه انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر فيفيد ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وقد فهم الفرق بين الكبيرة والصغيرة من مدارك الشرع وقد جاء في عدة أخبار ما يكفر الخطايا ما لم يكن كبائر فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعة ومنها ما لا يكفر وذلك عين المدعي ولهذا قال حجة الإسلام: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بفقيه واعلم أن هذا الحديث قد روى بأتم من هذا ولفظه الكبائر تسع الشرك بالله وقتل مؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم ما من رجل يموت لم يعمل هؤلاء الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبوابها مصاريع من ذهب قال الذهبي في الكبائر: إسناده صحيح ووضع عليه علامة أبي داود والنسائي فكان ينبغي للمؤلف إيثاره (عق عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لصحته وفيه عبد الحميد بن سنان قال في الميزان: لا يعرف ووثقه بعضهم وقال البخاري: حديثه عن ابن عمر فيه نظر الحديث: 6452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 6453 - (الكبر من بطر الحق) أي فعل من بطره أي دفعه وأنكره وترفع عن قبوله (وغمط الناس) بطاء مهملة كذا بخط المؤلف وهي رواية مسلم وفي رواية الترمذي غمص بغين معجمة وصاد مهملة بدل الطاء قال القاضي: فالمعنى واحد قال الغزالي: وقوله غمص الناس أي ازدراهم واحتقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه وبطر الحق رده وقال القاضي: البطر الحيرة والمعنى التحير في الحق والتردد فيه أو معناه التكبر عن الحق وعدم الالتفات إليه أو معناه إبطاله وتضييعه من قولهم ذهب دم فلان بطرا أي هدرا وغمط الناس احتقارهم والتهاون بحقوقهم والمتكبر منازع لله في صفته الذاتية التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياه فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء الله والذلة بين عباد الله (د ك عن أبي هريرة) ورواه يعلى عن ابن مسعود وهو في مسلم من جملة حديث الحديث: 6453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 6454 - (الكبر الكبر) بضم الكاف والباء ونصب آخره على الإغراء أي كبر الكبر أو ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا الأكبر إرشادا إلى الأدب في تقديم الأسن قاله وقد حضر إليه جمع في شأن صاحب لهم وجدوه قتيلا في خيبر فلم يعرف قاتله فبدأ أصغرهم ليتكلم فذكره ثم طالبهم ببينة فقالوا: ما لنا بينة قال: فيحلفون قالوا: ما نرضى بأيمان اليهود فكره أن يبطل دمه فواده بمئة من إبل الصدقة أي اشتراها من أصحابها بعد ما ملكوها قال القاضي: خبر القسامة أصل من أصول الشرع به أخذ العلماء كافة وإنما اختلفوا في كيفية الأخذ (ق د عن سهل بن أبي حثمة) الخزرجي صحابي مشهور الحديث: 6454 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 6455 - (الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلم) محترم في نفس أو مال (أو دفع به عن دين) لأنه لغير ذلك غش وخيانة ومن ثم كان أشد الأشياء ضررا والصدق أشدها نفعا وقبح الكذب مشهور معروف إذ ترك الفواحش بتركه وفعلها [ص: 63] بفعله فموضعه من القبح كموضع الصدق من الحسن ولهذا أجمع على حرمته إلا لضرورة أو مصلحة قال الغزالي: وهو من أمهات الكبائر قال: وإذا عرف الإنسان بالكذب سقطت الثقة بقوله وازدرته العيون واحتقرته النفوس وإذا أردت أن تعرف قبح الكذب فانظر إلى قبح كذب غيرك ونفور نفسك عنه واستحقارك لصاحبه واستقباحك ما جاء به قال: ومن الكذب الذي لا إثم فيه ما اعتيد في المبالغة كجئت ألف مرة فلا يأثم وإن لم يبلغ ألفا قال: ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل أن يقال كل الطعام فيقول لا أشتهيه وذلك منهي عنه وهو حرام إن لم يكن فيه غرض صحيح وقال الراغب: الكذب عار لازم وذل دائم وحق الإنسان أن يتعود الصدق ولا يترخص في أدنى الكذب فمن استحلاه عسر فطامه وقال بعض الحكماء: كل ذنب يرجى تركه بتوبة إلا الكذب فكم رأينا شارب خمر أقلع ولصا نزع ولم نر كذابا رجع وعوتب كذاب في كذبه فقال: لو تغرغرت به وتطعمت حلواته ما صبرت عنه طرفة عين (الروياني) في مسنده (عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم رمز لحسنه الحديث: 6455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 6456 - (الكذب يسود الوجه) لأن الإنسان إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه الله وكذبه إيمانه من قلبه فينظر أثر ذلك على وجهه {يوم تبيض وتسود وجوه} قال البيهقي: والكذب مراتب أعلاها في القبح والتحريم الكذب على الله ثم رسوله ثم كذب المرء على عينه فلسانه فجوارحه وكذبه على والديه ثم الأقرب فالأقرب أغلظ من غيره (والنميمة عذاب القبر) أي هي سبب له وأوردها عقب ذم الكذب إشارة إلى أن من الصدق الممدوح ما يذم كالنميمة والغيبة والسعاية فإنها تقبح وإن كان صدقا لذلك قيل كفى بالنميمة ذما أنه يقبح فيها الصدق <تنبيه> قال الراغب: الكذب إما أن يكون اختراع قصة لا أصل لها أو زيادة في قصة أو نقصانا أو تحريفا بتغيير عبارة فالاختراع يقال له الافتراء والاختلاق والزيادة والنقص يقال له ذنب وكل من أراد كذبا على غيره فإما أن يقول بحضرة المقول فيه أو بغيبته وأعظم الكذب ما كان اختراعا بحضرة المقول فيه وهو المعبر عنه بالبهتان والداعي إلى الكذب محبة النفع الدنيوي وحب الترؤس وذلك أن المخبر يرى أن له فضلا على المخبر بما علمه فيظن أنه يجلب بقوله فضيلة ومسرة وهو يجلب به نقيصة وفضيحة كذبة واحدة لا توازي مسرات (هب) من حديث زياد بن المنذر عن أبي داود (عن أبي برزة) مرفوعا وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل أعله فقال عقبه: في هذا الإسناد ضعف اه. وقد تساهل في إطلاقه عليه الضعف وحاله أفظع من ذلك فقد قال الهيثمي وغيره: فيه زياد بن المنذر وهو كذاب اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 6456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 6457 - (الكرسي لؤلؤ والقلم وطول القلم سبع مئة سنة) أي مسيرة سبع مئة عام والظاهر أن المراد به التكثير لا التحديد كنظائره (وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون) قال في الكشاف: في آية الكرسي هذا تصوير لعظمة الله وتخييل لأن الكرسي عبارة عن المعقد الذي لا يزيد على القاعد وهنا لا يتصور ذلك وقال في الكشف: الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وقوله {وسع كرسيه السماوات والأرض} تصويرا لعظمته وتخييل فقط ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد {وما قدروا الله حق قدره} اه. وقال الجمهور: الكرسي مخلوق عظيم مستقل بذاته وقال الإمام الرازي: قد جاء في الأخبار الصحيحة أن الكرسي جسم عظيم مستقل بذاته تحت العرش وفوق السماء السابعة ولا امتناع من القول به فوجب القول بإثباته (الحسن بن سفيان حل عن محمد بن الحنفية مرسلا) هذا تصريح من المصنف بأن أبا نعيم لم يروه إلا مرسلا وهو ذهول عجيب فإنه إنما رواه عن الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين مرفوعا [ص: 64] ثم إن فيه عندهما عنبسة بن عبد الرحمن فقد مر قول الذهبي وغيره: فيه متروك متهم الحديث: 6457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 6458 - (الكرم التقوى والشرف التواضع) قال السكري: أراد أن الناس متساوون وأن أحسابهم إنما هي بأفعالهم لا بأنسابهم قال الحجاج بن أرطأة لسوار بن عبد الله: أهلكني حب الشرف فقال: سوار اتق الله تشرق (واليقين الغنى) فإن العبد إذا تيقن أن له رزقا قدر لا يتخطاه عرف أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد سوى الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه وشكر عليه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في اليقين) أي في كتاب اليقين (عن يحيى بن كثير مرسلا) ورواه العسكري عن عمر بلفظ الكرم التقوى والحسب المال لست بخير من فارسي ولا نبطي إلا بتقوى الحديث: 6458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 6459 - (الكريم) أي الجامع لكل ما يحمد (ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم) قال في التنقيح: ابن الأول مرفوع وما بعده مجرور وكذا قوله الآتي يوسف بن يعقوب إلى آخره فإن ابن الأول صفة الكريم المرفوع وأما البواقي فصفة للكرم المجرور قال: فليتنبه لذلك فإنه مما يخفى اه. وهذا من تتابع الإضافات لكنه غير مستكره قال في دلائل الإعجاز عازيا للصاحب بن عباد: إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف وكتب ابن في الثلاثة بدون ألف لعله من تصرف النساخ وصوابه إثباتها لوقوعها بين الصفات (يوسف) بالرفع خبر المبتدأ وهو قوله الكريم (ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) نسب مرتب لما ذكر من اللف والنشر وأي كريم أكرم ممن حاز مع كونه ابن ثلاثة أنبياء متراسلين شرف النبوة وحسن الصورة وعلم الرؤيا ورئاسة الدنيا وحياطة الرعايا في القحط والبلاء؟ قال الشاعر: إن السرى إذا سرى فبنفسه. . . وابن السرى إذا سرى أسراهما وقد وقع قوله الكريم ابن الكريم إلخ موزونا ولا تعارض بينه وبين قوله تعالى {وما علمناه الشعر} لأنه لم يقع منه قصدا (حم خ) في تفسير يوسف (عن ابن عمر) بن الخطاب (حم عن أبي هريرة) ووهم الحاكم فاستدركه وعجب من الذهبي كيف أقره عليه وغلط الطيبي فقال: رواه الشيخان والذي روياه إنما هو خبر أكرم الناس المال الحديث: 6459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 6460 - (الكشر) بكسر الكاف ظهور الأسنان للضحك (لا يقطع الصلاة ولكن يقطعها القرقرة) أي الضحك العالي إن ظهر به حرفان أو حرف مفهم عند الشافعية. وقال أبو حنيفة: القهقهة تبطلها مطلقا (خط عن جابر) وفيه ثابت بن محمد الزاهد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعف لغلطه ورواه عنه الطبراني في الصغير مرفوعا وموقوفا قال الهيثمي: ورجاله موثقون الحديث: 6460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 6461 - (الكلب الأسود البهيم) أي الذي لا شية فيه بل كله أسود خالص شيطان سمي شيطانا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعا وأكثرها نعاسا ومن ثم قال أحمد: لا يحل الصيد به ولا يؤكل مصيده لأنه شيطان وقال الثلاثة: لا فرق بين الأسود وغيره وليس المراد بالحديث إخراجه من جنس الكلاب لأنه إذا ولغ في الإناء يغسل كغيره ولا يزاد وأخذ بظاهر هذا الخبر المالكية فمنعوا اقتناء الأسود إلا لحاجة نحو صيد أو حرس وجوزوا قتله دون غيره والأصح [ص: 65] عند الشافعية حال اقتنائه لما ذكر وجواز قتل العقور لا غيره مطلقا قيل ولولا أن لسان الكلب معقول لتكلم (حم عن عائشة) رمز المصنف لصحته وليس كما ينبغي فقد قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 6461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 6462 - (الكلمة الحكمة) قال التوربشتي: روي بالإضافة وروي الكلمة الحكيمة بالياء وكل قريب فالمراد بالكلمة الحكمة المقيدة والحكمة التي أحكمت مباينها بالعلم والعقل والحكيم المتقن للأمور الذي له غور فيها. قال الطيبي: وعلى الرواية الأولى يعني الكلمة الحكمة جعل الكلمة نفس الحكمة مبالغة وعلى رواية الحكيمة يكون من الإسناد المجازي لأن الحكيم قائلها (ضالة المؤمن) أي مطلوبه فلا يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته (فحيث وجدها فهو أحق بها) أي بالعمل بها واتباعها يعني أن كلمة الحكمة ربما نطق بها من ليس لها بأهل ثم رجعت إلى أهلها فهو أحق بها كما أن صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده. خطب الحجاج فقال: إن الله أمرنا بطلب الآخرة وكفانا مؤونة الدنيا فليته كفانا مؤونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا فقال الحسن: خذوها من فاسق الحكمة ضالة المؤمن ووجد رجل يكتب عن مخنث شيئا فعوتب فقال: الجوهرة النفيسة لا يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها. قال بعضهم: والحكمة هنا كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيحة وقال القاضي: الكلمة هنا بمعنى الكلام والحكمة المحكمة وهي التي تدل على معنى فيه دقة للحكيم الفطن المتقن الذي له غور في المعاني وضالته مطلوبه والمعنى أن الناس متفاوتة الأقدام في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة فمن قصر فهمه عن إدراك حقائق الآيات ودقائق الأحاديث ينبغي أن لا ينكر على من رزق فهمها وألهم تحقيقها ولا ينزع فيه كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها وأن من سمع كلاما ولم يفهم معناه أو لم يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه ويحمله إلى من هو أفقه منه فلعله يفهم منه ما لا يفهمه ويستنبط ما لا يمكنه استنباطه كما أن الرجل إذا وجد ضالة مضيعة فلا يضيعها بل يأخذها ويتفحص عن صاحبها حتى يجده فيردها عليه فإن العالم إذا سئل عن معنى ورأى في السائل دراية وفطانة يستعيد بها فهمه فعليه أن يعلمه ولا يمنعه <تنبيه> قال العارف ابن عربي: لا يحجبنك أيها الناظر في العلم النبوي الموروث إذا وقفت على مسألة من مسائله ذكرها فيلسوف أو متكلم أن تنقلها وتعمل بها لكون قائلها لا دين له فإن هذا قول من لا تحصيل له إذ الفيلسوف ليس كل علمه باطلا فإذا وجدنا شرعنا لا يأباها قبناها سيما فيما وصفوه من الحكم والتبرئ من الشهوات ومكائد النفوس وما تنطوي عليه من سوء الضمائر (ت) في العلم (هـ) في الزهد كلاهما عن إبراهيم بن المفضل عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة ابن عساكر) في تاريخه وكذا القضاعي (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن المفضل مضعف اه. وقال في العلل: قال يحيى: إبراهيم ليس حديثه بشيء رمز المصنف لحسنه وقال العامري: غريب الحديث: 6462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 6463 - (الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم وبعدها همزة شيء أبيض كالشحم ينبت بنفسه (من المن) الذي نزل على بني إسرائيل أي مما خلقه الله لهم في التيه كان ينزل عليهم في شجرهم مثل السكر أو هو الترنجبين أو من شيء يشبهه طبعا [ص: 66] أو طعما أو نفعا أو من حيث حصولها بلا تعب لكونه ينبت بنفسه بغير استنبات أو أراد بالمن النعمة وزعم أن المراد به مما من الله به على عباده يأباه ظاهر السبب وهو أن جمعا من الصحب قالوا: ما نرى الكمأة إلا الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار والله ما نرى لها أصلا في الأرض ولا فرعا في السماء وقال قوم: هي جدوى الأرض فلا نأكلها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فذكره (وماءها شفاء للعين) إذا خلط بالدواء كالتوتيا لا مفردا فإنه يؤذيها وقال النووي: بل مطلقا وقيل إن كان الرمد حارا فماؤها البحت شفاء وإلا فمخلوطا قال الديلمي: أنا جربت ذلك أمرت أن تقطر عين جارية بمائها وقد أعيي الأطباء علاجها فبرأت وقال ابن القيم: اعترف فضلاء الأطباء كالمسيحي وابن سينا بأن الكمأة تجلو العين (حم ق ت عن سعيد بن زيد حم ن هـ عن أبي سعيد) الخدري (وجابر) بن عبد الله (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عباس وعن عائشة) الحديث: 6463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 6464 - (الكمأة من المن) مصدر بمعنى المفعول أي الممنون به (والمن من الجنة وماؤها شفاء للعين) أي شفاء من داء العين إذا خلط مع أدوية لا مفردا ذكره الزمخشري قال ابن جرير: وإنما خص الكمأة مع مشاركة الكشوت في حدوثه في العراق بلا أصل لأنه يقتني ثم يربي وينمو فينمو بخلاف الكمأة وقال بعضهم: أشار بإدخال من على المن إلى أنها فرد من أفراده فالترنجبين فرد من أفراد المن وإن غلب استعمال المن عليه عرفا والمن أنواع من النبات الذي يؤخذ عفوا بلا علاج وماؤها شفاء للعين أي شفاء لداء العين إذا خلط بغيره من الأدوية اللائقة لا مفردا ذكره الزمخشري وحكى إبراهيم بن الحرث عن صالح وعبد الله بن أحمد بن حنبل أنهما اشتكيا أعينهما فأخذا الكمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما ورمدا قال ابن الجوزي: وحكى شيخنا ابن عبد الباقي أن رجلا عصر ماءها واكتحل به فذهبت عينه قال ابن حجر: والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة كغيرها خلق في الأصل سليما من المضار ثم عرضت له آفات من نحو جوار وامتزاج فالكمأة في الأصل نافع وإنما عرض له المضار بالمجاورة واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينفع مستعمله ويدفع عنه الضرر لنيته والعكس بالعكس (أبو نعيم) في الطب (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 6464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 6465 - (الكنود) بفتح الكاف وضم النون مخففا الكافر والعاصي والمراد به في القرآن (الذي يأكل وحده) تيها وتكبرا وترفعا على غيره واستحقارا له (ويمنع رقده) بكسر فسكون عطاءه وصلته (ويضرب عبده) أو أمته أو زوجته حيث لا يجوز الضرب وهذا قاله لما سئل عن تفسير الآية (طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) وفيه الوليد بن مسلم وقد سبق الحديث: 6465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 6466 - (الكوثر) فوعل من الكثرة المفرطة (نهر في الجنة حافتاه) أي جانباه (من ذهب) يحتمل مثل الذهب في النضارة والضياء ويحتمل الحقيقة وأخذ بها جمع مفسرون فرجحوا أنه نهر في الجنة ورجح آخرون أنه حوض في القيامة لخبر مسلم {ولكل وجهة هو موليها} (ومجراه على الدر) أي اللؤلؤ (والياقوت) لا يعارضه ما في رواية أن طينه مسك لجواز كون المسك تحت اللؤلؤ والياقوت كما يدل له قوله (تربته أطيب ريحا من المسك وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج) لا يلزم من ذلك الاستغناء عن أنهار العسل كمائهم لأنها ليست للشرب (حم ت هـ عن ابن عمر) [ص: 67] ابن الخطاب رمز المصنف لحسنه وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس موقوفا في قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر} هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل شاطئه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت خص الله به نبيه قبل الأنبياء وما ذكر في عمقه قد يخالفه ما خرجه ابن أبي الدنيا أيضا عن ابن عباس مرفوعا بإسناد حسن عن سماك أنه قال في حديث لابن عباس أنهار الجنة في أخدود قال: لا لكنها تجري على أرضها مستكفة لا تفيض ههنا ولا ههنا وأجيب بأن المراد إنها ليست في أخدود كالجداول ومجاري الأنهار التي في الأرض بل سائحة على وجه الأرض مع عظمها وارتفاعها حافاتها فلا ينافي ما ذكر في عمقها الحديث: 6466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 6467 - (الكوثر نهر أعطانيه الله في الجنة) وهو النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحا في البخاري (ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر وآكلها أنعم منها) قال القرطبي في التذكرة: ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وعكس آخرون والصحيح أن له حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل في الجنة وكل منهما يسمى كوثرا قال ابن حجر: وفيه نظر لأن الكوثر داخل الجنة كما في هذا الحديث وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لأنه يمد منه (ك عن أنس) بن مالك الحديث: 6467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 6468 - (الكيس) أي العاقل قال الزمخشري: الكيس حسن التأني في الأمور والكيس المنسوب إلى الكيس المعروف به وقال ابن الأثير: الكيس في الأمور يجري مجرى الرفق فيها وقال الراغب: الكيس القدرة على جودة استنباط ما هو أصلح في بلوغ الخير وتسميتهم الغادر كيسا إما على طريق التهكم أو تنبيها على أن الغادر يعد ذلك كيسا (من دان نفسه) أي حاسبها وأذلها واستعبدها وقهرها يعني جعل نفسه مطيعة منقادة لأوامر ربها قال أبو عبيد: الدين الدأب وهو أن يداوم على الطاعة والدين الحساب قال ابن عربي: كان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به وما يفعلونه ويقيدونه في دفتر فإذا كان بعد العشاء حاسبوا نفوسهم وأحضروا دفترهم ونظروا فيما صدر منهم من قول وعمل وقابلوا كلا بما يستحقه إن استحق استغفارا استغفروا أو التوبة تابوا أو شكرا شكروا ثم ينامون فزدنا عليهم في هذا الباب الخواطر فكنا نقيد ما نحدث به نفوسنا ونهم به ونحاسبها عليه (وعمل لما بعد الموت) قبل نزوله ليصير على نور من ربه فالموت عاقبة أمور الدنيا فالكيس من أبصر العاقبة والأحمق من عمي عنها وحجبته الشهوات والغفلات (والعاجز) المقصر في الأمور وهذا ما وقفت عليه في النسخ ورواه العسكري بلفظ الفاجر بالفاء (من أتبع نفسه هواها) فلم يكفها عن الشهوات ولم يمنعها عن مقارفة المحرمات واللذات (وتمنى على الله) زاد في رواية الأماني بتشديد الياء جمع أمنية أي فهو مع تقصيره في طاعة ربه واتبع شهوات نفسه لا يستعد ولا يعتذر ولا يرجع بل يتمنى على الله العفو والعافية والجنة مع الإصرار وترك التوبة والاستغفار قال الطيبي: والعاجز الذي غلبت عليه نفسه وقهرته فأعطاها ما تشتهيه قوبل الكيس بالعاجز والمقابل الحقيقي للكيس السفيه الرأي وللعاجز القادر إيذانا بأن الكيس هو القادر والعاجز هو السفيه واصل الأمنية ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر ولذلك يطلق على الكذب وعلى ما يتمنى قال الحسن: إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ويقول أحدهم إني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} وقال سعيد بن جبير: الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية ويتمنى على الله المغفرة قال العسكري: وفيه رد على المرجئة [ص: 68] وإثبات الوعيد اه. قد أفاد الخبر أن التمني مذموم وأما الرجاء فمحمود لأن التمني يفضي بصاحبه إلى الكسل بخلاف الرجاء فإنه تعليق القلب بمحبوب يحصل حالا قال الغزالي: والرجاء يكون على أصل والتمني لا يكون على أصل فالعبد إذا اجتهد في الطاعات يقول أرجو أن يتقبل الله مني هذا اليسير ويتم هذا التقصير ويعفو وأحسن الظن فهذا رجاء وأما إذا غفل وترك الطاعة وارتكب المعاصي ولم يبال بوعد الله ولا وعيده ثم أخذ يقول أرجو منه الجنة والنجاة من النار فهذه أمنية لا طائل تحتها سماها رجاء وحسن ظن وذلك خطأ وضلال وهو المشار إليه في الحديث وفيه قال الحسن: إن أقواما ألهتهم أمي المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ليس لهم حسنة يقول: إني أحسن الظن بربي وكذب ولو أحسن الظن بربه لأحسن العمل له <تنبيه> قال الزمخشري: الأماني جمع أمنية وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل اه. وقال غيره: التمني طلب ما لا مطمع فيه أو ما فيه عسر فالأول نحو قول الهرم:. . . ألا ليت الشباب يعود يوما. . . الثاني نحو قول العادم ليت لي مالا فأحج منه فإن حصول المال ممكن لكن يعسر والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن لا الواجب كمجيء الغد (حم ت هـ) في الزهد (ك) في الإيمان من حديث أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة (عن شداد بن أوس) قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري قال الذهبي: لا والله أبو بكر واه قال ابن طاهر: مدار الحديث عليه وهو ضعيف جدا الحديث: 6468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 6469 - (الكيس من عمل لما بعد الموت) من حيث إنه لا خير يصل إليه الإنسان أفضل مما بعد الموت لأن عاجل الحال يشترك في درك ضره ونفعه وجميع الحيوانات بالطبع وإنما الشأن في العمل للآجل فجدير بمن الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنسه ومنكر ونكير جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده والجنة أو النار مورده أن لا يكون له ذكر إلا الموت وما بعده ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله ولا تدبير إلا فيه ولا مطلع إلا إليه ولا تعريج إلا عليه ولا اهتمام إلا به ولا حوم إلا حوله ولا انتظار وتربص إلا له وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت فلذلك كان الكيس من عمل لما بعد الموت ولا يتيسر الاستعداد للشيء إلا عند تجدد ذكره على القلب ولا يتجدد ذكره إلا عند التذكر بالإصغاء إلى المذكرات والنظر في المنهيات (والعاري العاري من الدين) بكسر الدال بضبط المصنف وذلك لأن الإنسان إذا بلغ وقع في حومة الحرب بين داعي العقل والهوى وداعي الطبع والهوى فإن غلب باعث الدين رد جيش الهوى خاسئا أو داعي الهوى سقط نزاع داعي الدين رأسا فاستلبه الشيطان لباس الإيمان فيمسي ويصبح وهو عريان (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) فهو العيش الكامل وما سواه ظل زائل وحال حائل (هب) من حديث عون بن عمارة عن هشام بن حسان بن ثابت (عن أنس) قال أعني البيهقي: وعون ضعيف اه. وممن ضعفه أيضا أبو حاتم وغيره الحديث: 6469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 باب كان وهي الشمائل الشريفة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 قال الراغب: هي عبارة عما مضى من الزمان وفي كثير من وصف الله تنبئ عن معنى الأزلية نحو {وكان الله بكل شيء عليما} وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقا بوصف له وهو موجود فيه فينبه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك عنه نحو {وكان الإنسان كفورا} وإذا استعمل في الماضي جاز أن يكون المستعمل فيه بقي على حاله وأن يكون تغير نحو فلان كان كذا ثم صار كذا ولا فرق بين مقدم ذلك الزمن وقرب العهد به نحو كان آدم كذا وكان زيد هنا وقال القرطبي: زعم بعضهم أن كان إذا أطلقت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لدوام الكثرة والشأن فيه العرف وإلا فأصلها أن تصدق على من فعل الشيء ولو مرة (وهي الشمائل الشريفة) جمع [ص: 69] شمائل بالكسر وهو الطبع والمراد صورته الظاهرة والباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها الخاصة بها ووجه إيراد المصنف لها في هذا الجامع مع أن كله من المرفوع قول الحافظ ابن حجر: الأحاديث التي فيها صفته داخلة في قسم المرفوع اتفاقا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 6470 - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مليحا مقصدا) بالتشديد أي مقتصدا يعني ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير كأنه نحى به القصد من الأمور. قال البيضاوي: المقصد المقتصد يريد به المتوسط بين الطويل والقصير والناحل والجسيم وقال القرطبي: الملاحة أصلها في العينين والمقصد المقتصد في جسمه وطوله يعني كان غير ضئيل ولا ضخم ولا طويل ذاهبا ولا قصيرا بل كان وسطا (م) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية من حديث الجريري (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة ورواه عنه أيضا أبو داود في الأدب فما أوهمه كلامه من تفرد ذينك به عن الأربعة غير جيد. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري قال: فقلت كيف رأيته؟ فذكره وفي رواية لمسلم عنه أيضا كان أبيض مليح الوجه الحديث: 6470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 6471 - (كان أبيض كأنما صيغ) أي خلق من الصوغ يعني الإيجاد أي الخلق. قال الزمخشري: من المجاز فلان حسن الصيفة وهي الخلقة وصاغه الله صيغة حسنة وفلان بين صيغة كريمة من أصل كريم (من فضة) باعتبار ما كان يعلو بياضه من الإضاءة ولمعان الأنوار والبريق الساطع فلا تدافع بينه وبين ما يأتي عقبه من أنه كان مشربا بحمرة وآثره لتضمنه نعته بتناسب التركيب وتماسك الأجزاء فلا اتجاه لجعله من الصوغ بمعنى سبك الفضة وقد نعته عمه أبو طالب بقوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه. . . ثمال اليتامى عصمة للأرامل وفي رواية لأحمد فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة وفي أخرى للبزار ويعقوب بن أبي سفيان بإسناد قال ابن حجر: قوي عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصفه فقال: كان شديد البياض وفي رواية لأبي الطفيل عن الطبراني ما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره (رجل الشعر) بكسر الجيم ومنهم من سكنها أي مسرح الشعر كذا في الفتح وفسر بما فيه تثن قليل وما في المواهب أنه روى أنه شعر بين شعرين لا رجل ولا سبط فالمراد به المبالغة في قلة التثني (ت فيها) أي الشمائل (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته الحديث: 6471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 6473 - (كان أبيض مشربا بياضه بحمرة) بالتخفيف من الإشراب. قال الحرالي: وهو مداخلة نافذة سابغة كالشراب وهو الماء الداخل كلية الجسم للطافته ونفوذه وقال البيهقي: يقال إن المشرب منه حمرة إلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر وروي مشربا بالتشديد اسم مفعول من التشرب يقال بياض مشرب بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة فهو هنا للمبالغة في شدة البياض المائل إلى الحمرة (وكان أسود الحدقة) بفتحات أي شديد سواد العين قال في المصباح وغيره: حدقة العين سوادها جمعه حدق وحدقات كقصب وقصبات وربما قيل حداق كرقبة ورقاب (أهدب الأشفار) جمع شفر بالضم ويفتح حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر وهي الهدب بالضم [ص: 70] والأهدب كثيرة ويقال لطويله أيضا وما أوهمه ظاهر هذا التركيب من أن الأشفار هي الأهداب غير مراد ففي المصباح عن ابن قتيبة العامة تجعل أشفار العين الشعر وهو غلط وفي المغرب لم يذكر أحد من الثقات أن الأشفار الأهداب فهو إما على حذف مضاف أي الطويل شعر الأجفان وسمي النابت باسم المنبت للملابسة (البيهقي في) كتاب (الدلائل) أي دلائل النبوة (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الترمذي أيضا لكن قال: أدعج العينين بدل أسود الحدقة (كان أبيض مشربا بحمرة) أي مخالط بياضه حمرة كأنه سقي بها (ضخم الهامة) بالتخفيف أي عظيم الرأس وعظمه ممدوح محبوب لأنه أعون الادراكات ونيل الكمالات (أغر) أي صبيح (أبلج) أي مشرق مضيء وقيل الأبلج من نقي ما بين حاجبيه من الشعر فلم يقترنا والاسم البلج بالتحريك والعرب تحب البلج وتكره القرن (أهدب الأشفار) قد سمعت ما قيل فيه وحذف العاطف فيه وفيما قبله ليكون أدعى إلى الإصغاء إليه وأبعث للقلوب على تفهم خطابه فإن اللفظ إذا كان فيه نوع غرابة وعدم ألفة أصغى السمع إلى تدبره والفكر فيه فجاءت المعاني مسرودة على نمط التعديد إشعارا بأن كلا منها مستقل بنفسه قائم برأسه صالح لانفراده بالغرض (البيهقي) في الدلائل (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 6473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 6474 - (كان أحسن الناس وجها) حتى من يوسف قال المؤلف: من خصائصه أنه أوتي كل الحسن ولم يؤت يوسف إلا شطره (وأحسنهم خلقا) بضم المعجمة على الأرجح فالأول إشارة إلى الحسن الحسي والثاني إشارة إلى الحسن المعنوي ذكره ابن حجر وما رجحه ممنوع فقد جزم القرطبي بخلافه فقال: الرواية بفتح الخاء وسكون اللام قال: أراد حسن الجسم بدليل قوله بعده ليس بالطويل إلخ قال: وأما ما في حديث أنس الآني فروايته بضم الخاء واللام فإنه عنى به حسن المعاشرة بدليل بقية الخبر وفي رواية وأحسنه بالإفراد والقياس الأول قال أبو حاتم: لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا وقال غيره: جرى على لسانهم بالإفراد ومنه حديث ابن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالإفراد في الثاني (ليس بالطويل البائن) بالهمز وجعله بالياء وهم أي الظاهر قوله من باب ظهر أو المفرط طولا الذي بعد عن حد الاعتدال وفاق سواه من الرجال (ولا بالقصير) بل كان إلى الطول أقرب كما أفاده وصف الطويل بالبائن دون القصير بمقابله وجاء مصرحا به في رواية البيهقي وزعم أن تقييد القصير بالمتردد في رواية لوجوب جمل المطلق على المقيد يدفعه أن حمله عليه في النفي لا يجب وفي الإثبات تفصيل (ق عن البراء) بن عازب ورواه عنه أيضا جمع منهم الخرائطي الحديث: 6474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 6475 - (كان أحسن الناس قدما) بفتح القاف والدال وهي من الإنسان معروفة وهي أنثى وتصغيرها قديمة والجمع أقدام وقد روى ابن صاعد عن سراقة قال: دنوت من المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فرأيت ساقه في غرزه كأنها جهارة أي في شدة البياض فلا ينافيه ما ورد أنه كان في ساقه حموشة (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن بريدة مرسلا) هو قاضي مرو قال الذهبي: ثقة ولد سنة 15 وعاش مئة سنة الحديث: 6475 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 6476 - (كان أحسن) لفظ رواية الترمذي من أحسن (الناس خلقا) بالضم لحيازته جميع المحاسن والمكارم وتكاملها فيه ولما اجتمع فيه من خصال الكمال وصفات الجلال والجمال ما لا يحصره حد ولا يحيط به عد: أثنى الله عليه به في كتابه بقوله [ص: 71] {وإنك لعلى خلق عظيم} فوصفه بالعظم وزاده في المدحة بعلى المشعرة باستعلائه على معالي الأخلاق واستيلائه عليها فلم يصل إليها مخلوق وكمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل لأنه الذي تقتبس به الفضائل وتجنب الرذائل وقضية كلام المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا وكان بساطهم من جريد النخل كذا في صحيح مسلم <فائدة> روى أبو موسى بإسناد مظلم كما في الإصابة إلى هدية عن حماد عن ثابت عن أنس قال: وفد وفد من اليمن وفيهم رجل يقال له ذؤالة بن عوقلة الثمالي فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله من أحسن الناس خلقا وخلقا قال: أنا يا ذؤالة ولا فخر فذكر حديثا ركيك الألفاظ (م د عن أنس) بن مالك تمامه في بعض الروايات قال أي أنس: وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال: أحسبه كان فطيما فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: يا أبا عمير ما فعل النفير قال: فكان يلعب به هكذا هو عند مسلم وفيه أيضا عنه كان من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب فخرجت حتى أمر على صبيان يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال: أنيس ذهبت حيث أمرتك قلت: نعم أنا ذاهب الحديث: 6476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 6477 - (كان أحسن الناس) صورة وسيرة (وأجود الناس) بكل ما ينفع حذف للتعميم أو لفوت إحصائه كثرة لأن من كان أكملهم شرفا وأيقظهم قلبا وألطفهم طبعا وأعدلهم مزاجا جدير بأن يكون أسمحهم صلة وأنداهم يدا ولأنه مستغن عن الغانيات بالباقيات الصالحات ولأنه تخلق بصفات الله تعالى التي منها الجود (وأشجع الناس) أي أقواهم قلبا وأجودهم في حال البأس فكان الشجاع منهم الذي يلوذ بجانبه عند التحام الحرب وما ولى قط منهزما ولا تحدث أحد عنه بفرار وقد ثبتت أشجعيته بالتواتر النقلي قال المصنف: بل يؤخذ ذلك من النص القرآني لقوله {يا أيها النبي جاهد الكفار} فكلفه وهو فرد جهاد الكل و {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ولا ضير في كون المراد هو ومن معه إذ غايته أنه قوبل بالجمع وذلك مفيد للمقصود وقد جمع صفات القوى الثلاث العقلية والغضبية والشهوية والحسن تابع لاعتدال المزاج المستتبع لصفات النفس الذي به جودة القريحة الدالة على العقل واكتساب الفضائل وتجنب الرذائل والجود كمال القوة الشهوية والغضبية كمالها الشجاعة وهذه أمهات الأخلاق الفاضلة فلذلك اقتصر عليها قاله الطيبي (ق ت هـ عن أنس) بن مالك وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته في البخاري ولقد فزع أهل المدينة أي ليلا فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس أي استعاره من أبي طلحة وقال: وجدناه بحرا هكذا ساقه في باب مدح الشجاعة في الحرب وفي مسلم في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم عقب ما ذكر وقد قرع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا قال: وجدناه بحرا أو إنه لبحر انتهى الحديث: 6477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 6478 - (كان أحسن الناس صفة وأجملها) لما منحه الله من الصفات الحميدة الجليلة (كان ربعة إلى الطول ما هو بعيد ما بين المنكبين أسيل الخدين) في رواية الترمذي سهل الخدين أي ليس في خديه نتوء ولا ارتفاع وأراد أن خديه أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلد (شديد سواد الشعر أكحل العينين) أي شديد سواد أجفانهما (أهداب الأشفار) [ص: 72] قال ابن حجر: وكأن قوله أسيل الخدين هو الحامل على من سأل كأن وجهه مثل السيف (إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس له أخمص) أي لا يلصق القدم بالأرض عند الوطء قال المصنف وغيره: وذكر كثير أنه كان إذا مشى على الصخر غاصت قدماه فيه ولم أقف له على أصل (إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة وإذا ضحك يتلألأ) أي يلمع ويضيء ولا يخفى ما في تعدد هذه الصفات من الحسن وذلك لأنها بالتعاطف تصير كأنها جملة واحدة قالوا: ومن تمام الإيمان به الإيمان بأنه سبحانه خلق جسده على وجه لم يظهر قبله ولا بعده مثله وفي الأثر أن خالد بن الوليد خرج في سرية فنزل بحي فقال سيد الحي: صف لنا محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: أما إني أفصل فلا فقال: أجمل فقال: الرسول على قدر المرسل كذا في أسرار الإسراء لابن المنير (البيهقي) في الدلائل (عن أبي هريرة) الحديث: 6478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 6479 - (كان أزهر اللون) أي نيره وحسنه وفي الصحاح كغيره الأبيض المشرق وبه أو بالأبيض المنير فسره عامة المحدثين حملا على الأكمل أو لقرينة ولعل من فسره بالأبيض الممزوج بحمرة نظر إلى المراد بقرينة الواقع قال محقق: والأشهر في لونه أن البياض غالب عليه سيما فيما تحت الثياب لكن لم يكن كالجص بل نير ممزوج بحمرة غير صافية بل مع نوع كدر كما في المغرب ولهذا جاء في رواية أسمر وبه يحصل التوفيق بين الروايات (كان عرقه) محركا يترشح من جلد الحيوان (اللؤلؤ) في الصفاء والبياض وفي خبر البيهقي عن عائشة كان يخصف نعله وكنت أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نورا (إذا مشى تكفأ) بالهمز وتركه أي مال يمينا وشمالا (م) في المناقب (عن أنس) بن مالك وروى معناه البخاري الحديث: 6479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 6480 - (كان أشد حياء) بالمد أي استحياء من ربه ومن الخلق يعني حياؤه أشد (من) حياء (العذراء) البكر لأن عذرتها أي جلدة بكارتها باقية (في خدرها) في محل الحال أي كائنة في خدرها بالكسر سترها الذي يجعل بجانب البيت والعذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما يكون خارجه لكون الخلوة مظنة الفعل بها ومحل حيائه في غير الحدود ولهذا قال بالذي اعترف بالزنا: أنكتها؟ لا يكنى كما بين في الصحيح في كتاب الحدود (حم ق) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي فضائله (هـ) في الزهد (عن أبي سعيد) الخدري وفي الباب أنس وغيره الحديث: 6480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 6481 - (كان أصبر الناس) أي أكثرهم صبرا (على أقذار الناس) أي ما يكون من قبيح فعلهم وسيء قولهم لأنه لانشراح صدره يتسمع لما تضيق عنه صدور العامة فكانت مساوئ أخلاقهم ومدانئ أفعالهم وسوء مسيرهم وقبح سيرتهم في جنب صدره كقطرة دم في قاموس اليم وفيه شرف الصبر (ابن سعد) في الطبقات (عن إسماعيل بن عياش) بفتح المهملة وشد المثناة وشين معجمة وهو ابن سليم (مرسلا) هو العنسي بالنون عالم الشام في عصره صدوق في روايته عن أهل بلده يخلط في غيرهم الحديث: 6481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 6482 - (كان أفلج الثنيتين) أي بعيد ما بين الثنايا والرباعيات والفلج والفرق فرجة بين الثنيتين كذا في النهاية وزاد الجوهري رجل مفلج الثنايا أي منفرجها قال محقق: فله معيتان قيل أكثر الفلج في العليا وهي صفة جميلة لكن مع القلة لأنه أتم في الفصاحة لاتساع الأسنان فيه (إذا تكلم رىء) كقيل على الأفصح وروي كضرب (كالنور يخرج من بين ثناياه) جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من تحت قال الطيبي: ضميره يخرج إلى [ص: 73] الكلام فهو تشبيه في الظهور إلى النور فالكاف زائدة وحاصله أنه يخرج كلامه من بين الثنايا الأربع شبيها بالنور في الظهور قال محقق: والأنسب بأول الحديث أن المعنى يخرج من الفلج ما يشبه نور النجم أو نحوه فالضمير إلى المشبه المقدر وقيل يخرج من صفاء الثنايا تلألؤ <تنبيه> كانت ذاته الشريفة كلها نورا ظاهرا وباطنا حتى أنه كان يمنح لمن استحقه من أصحابه سأله الطفيل بن عمرو آية لقومه وقال: اللهم نور له فسطع له نور بين عينيه فقال: أخاف أن يكون مثلة فتحول إلى طرف سوطه وكان يضيء في الليل المظلم فسمي ذا النور وأعطى قتادة بن النعمان لما صلى معه العشاء في ليلة مظلمة ممطرة عرجونا وقال: انطلق به فإنه سيضيء له من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا فإذ دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه ليخرج فإنه الشيطان فكان كذلك ومسح وجه رجل فما زال على وجهه نورا ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر في وجهه كما ينظر في المرآة إلى غير ذلك (ت في) كتاب (الشمائل طب) وكذا في الأوسط (والبيهقي) في الدلائل (عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت وهو ضعيف جدا الحديث: 6482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 6483 - (كان حسن السبلة) بالتحريك ما أسبل من مقدم اللحية على الصدر ذكره الزمخشري وهو الشعرات التي تحت اللحى الأسفل أو الشارب وفي شرح المقامات للشربيني: السبلة مقدم اللحية ورجل مسبل وفلان خفيف العذارين وهما ما اتصل من اللحية بالصدغ وهما العارضان وهما ما نبت في الخدين من الشعر على عوارض الأسنان (طب عن العذاه) بفتح العين المهملة وشد الذال المعجمة وآخره مهملة (ابن خالد) بن هودة العامري أسلم يوم حنين هو وأبوه جميعا قال البيهقي: فيه من لم أعرفهم الحديث: 6483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 6484 - (كان خاتم النبوة في ظهره بضعة) بفتح الباء قطعة لحم (ناشزة) بمعجمات مرتفعة من اللحم وفي رواية مثل السلعة وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة سوداء أو خضراء ومكتوب عليها محمد رسول الله أو سر فأنت المنصور ونحو ذلك. قال ابن حجر: فلم يثبت منها شيء. قال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل كبيضة الحمامة وإذا كثر جمع اليد وفي الخاتم أقوال متقاربة وعد المصنف وغيره جعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه حيث يدخل الشيطان من خصائصه على الأنبياء وقال: وسائر الأنبياء كان خاتمهم في يمينهم (ت فيها) أي الشمائل (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 6484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 6485 - (كان خاتمه غدة) بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مشددة قال المؤلف: ورأيت من صحفه بالراء وسألني عنه فقلت إنما هو بالدال والغدة كما في القاموس وغيره كل عقدة في الجسد أطاف بها شحم وفي المصباح لحم يحدث بين الجلد واللحم يتحرك بالتحريك (حمراء) أي تميل حمرة فلا تعارض بينه وبين روايته أنه كان لون بدنه قال العصام: وفيه رد لرواية أنها سوداء أو خضراء (مثل بيضة الحمامة) أي قدرا وصورة لا لونها بدليل وصفها بالحمرة قبله وفي رواية لابن حبان مثل البندقة من اللحم وفي رواية للبيهقي مثل السلعة وفي رواية للحاكم والترمذي شعر يجتمع وفي رواية للبيهقي كالتفاحة وكلها متقاربة وأصل التفاوت في نظر الرائي بعد أو قرب (ت عن جابر بن سمرة) الحديث: 6485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 6486 - (كان ربعة من القوم) بفتح الراء وكسر الباء على ما ذكره بعضهم لكن الذي رأيته في الفتح لابن حجر بكسر الراء [ص: 74] وسكون الموحدة أي مربوعا قال: والتأنيث باعتبار النفس اه. وقال غيره: هو وصف يشترك فيه المذكر والمؤنث ويجمع على ربعات بالتحريك وهو شاذ وفسره بقوله (ليس بالطويل البائن) أي الذي يباين الناس بزيادة طوله وهو المعبر عنه في رواية بالمشيب وفي رواية أخرى بالممغط أي المتناهي في الطول من بان أي ظهر على غيره أو فارق من سواه (ولا بالقصير) زاد البيهقي عن علي وهو إلى الطول أقرب ووقع في حديث أبي هريرة عند الهذلي في الزهريات قال ابن حجر: بإسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب (أزهر اللون) أي مشرقه نيره زاد ابن الجوزي وغيره في الرواية كأن عرقه اللؤلؤ. قال في الروض: الزهرة لغة إشراق في اللون أي لون كان من بياض أو غيره وقول بعضهم: إن الأزهر الأبيض خاصة والزهر اسم للأبيض من النوار فقط خطأه أبو حنيفة فيه وقال: إنما الزهرة إشراق في الألوان كلها. وفي حديث يوم أحد نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تزهران تحت المغفر اه. وقال ابن حجر: قوله أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة وقد ورد ذلك صريحا في روايات أخر صريحة عند الترمذي والحاكم وغيرهما كان أبيض مشربا بياضه بحمرة (ليس بالأبيض الأمهق) كذا في الأصول ورواية أمهق ليس بأبيض قال القاضي: وهم (ولا بالآدم) بالمد أي ولا شديد السمرة وإنما يخالط بياضه الحمرة لكنها حمرة بصفاء فيصدق عليه أنه أزهر كما ذكره القرطبي والعرب تطلق على من هو كذلك أسمر والمراد بالسمرة التي تخالط البياض ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار قال ابن حجر بإسناد صحيح صححه ابن حبان أنه كان أسمر وفي الدلائل للبيهقي عن أنس كان أبيض بياضه إلى السمرة وفي لفظ لأحمد بسند حسن أسمر إلى البياض قال ابن حجر: يمكن توجيه رواية أمهق بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته فقد نقل عن رؤية أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه على تقدير ثبوت الرواية (وليس) شعره (بالجعد) بفتح الجيم وسكون العين (القطط) بفتحتين أي الشديد الجعودة الشبيه شعر السودان (ولا بالسبط) بفتح فكسر أو سكون المنبسط المسترسل الذي لا تكسر فيه فهو متوسط بين الجعودة والسبوطة (ق د ت عن أنس) بن مالك تبع في عزوه للشيخين ابن الأثير. قال الصدر المناوي: والظاهر أن ما قاله وهم فإني فحصت عن قول أنس كان ربعة من القوم فلم أقف عليها في مسلم بل هي رواية البخاري ولهذا قال عبد الحق: قوله كان ربعة من القوم من زيادة البخاري على مسلم. فالصواب نسبة هذه الرواية للبخاري دونه الحديث: 6486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 6487 - (كان شبح الذراعين) بشين معجمة فموحدة فحاء مهملة عبلهما عريضهما ممتدهما ففي المجمل شبحت الشيء مددته (بعيد) بفتح فكسر (مابين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر وما موصولة أو موصوفة لا زائدة لأن بين من الظروف اللازمة للإضافة فلا وجه لإخراجه عن الظرفية بالحكم بزيادة ما والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر وذلك آية النجابة وجاء في رواية بعبد مصغرا تقليلا للبعد المذكور إيماء إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن وافيا منافيا للاعتدال (أهدب أشفار العينين) أي طويلهما غزيرهما على ما مر (البيهقي) في الدلائل (عن أبي هريرة) الحديث: 6487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 6488 - (كان شعره دون الجمة وفوق الوفرة) وفي حديث الترمذي وغيره فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أي جعله وفرة فالمراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه وما اتصل به مسترسل إلى المنكب والجمة شعر الرأس المتجاوز شحمة الأذن إذا وصل المنسكب كذا في الصحاح في حرف الميم وفيه في باب الراء المتجاوز من غير وصول وفي النهاية ما سقط على المنكبين ولعل مراده بالسقوط التجاوز وفي القاموس الوفرة ما سال على الأذن أو جاوز الشحمة قال أبو شامة: [ص: 75] وقد دلت صحاح الأخبار على أن شعره إلى أنصاف أذنيه وفي رواية يبلغ شحمة أذنيه وفي أخرى بين أذنيه وعاتقه وفي أخرى يضرب منكبيه ولم يبلغنا في طوله أكثر من ذلك وهذا الاختلاف باعتبار اختلاف أحواله فروى في هذه الأحوال المتعددة بعدما كان حلقه في حج أو عمرة وأما كونه لم ينقل أنه زاد على كونه يضرب منكبيه فيجوز كون شعره وقف على ذلك الحد كما يقف الشعر في حق كل إنسان على حد ما ويجوز أن يكون كانت عادته أنه كلما بلغ هذا الحد قصره حتى يكون إلى أنصاف أذنيه أو شحمة أذنيه لكن لم ينقل أنه قصر شعره في غير نسك ولا حلقه ولعل ما وصف به شعره من الأوصاف المذكورة كان بعد حلقه له عمرة الحديبية سنة ست فإنه بعد ذلك لم يترك حلقه مدة يطول فيها أكثر من كونه يضرب منكبيه فإنه في سنة سبع اعتمر عمرة القضاء وفي ثمان اعتمر من الجعرانة وفي عشر حج اه (ت في الشمائل د عن عائشة) الحديث: 6488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 6489 - (كان شبيه نحو عشرين شعرة) بيضاء في مقدمة هذا بقية الحديث وقد اقتضى حديث ابن بشران شيبه كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع القلة لكن خص ذلك بعنفقته فيحتمل أن الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن وقع عند ابن سعد قال ابن حجر بإسناد صحيح عن حميد عن أنس ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة شعرة وروى الحاكم عنه لو عددت ما أقبل من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة وفي حديث الهيثم بن زهر ثلاثون عددا وجمع بينهما باختلاف الأزمان وبأن رواية ابن سعد إخبار عن عده وما عداها إخبار عن الواقع فأنس لم يعد أربع عشرة وهو في الواقع سبع عشرة أو ثمان عشرة أو أكثر وذلك كله نحو العشرين (ت فيها) أي في الشمائل (هـ) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا ابن راهويه وابن حبان والبيهقي الحديث: 6489 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 6490 - (كان ضخم الرأس) أي عظيمه وفي رواية ضخم الهامة (واليدين) يعني الذراعين كما جاء مبينا هكذا في رواية (والقدمين) يعني ما بين الكعب إلى الركبة وجمع بين الرأس واليدين والقدمين في مضاف لشدة تناسبهما إذ هي جميع أطراف الحيوان وهو بدونها لا يسماه (خ) في باب اللباس (عن أنس) بن مالك الحديث: 6490 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 6491 - (كان ضليع الفم) بفتح الضاد المعجمة أي عظيمه أو واسعه والعرب تتمدح بعظمه وتذم صغره قال الزمخشري: والضليع في الأصل الذي عظمت أضلاعه ووفرت فأجفر جنباه ثم استعمل في موضع العظيم وإن لم يكن ثم أضلاع وقيل ضليعه مهزولة وذابلة والمراد ذبول شفتيه ورقتهما وحسنهما وقيل هذا كناية عن قوة فصاحته وكونه يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (أشكل العينين) أي في بياضهما حمرة على الصحيح وذلك محمود قال محقق: وذا ينافيه كونه أدعج (منهوس العقب) بإعجام الشين وإهمالها أي قليل لحم العقب بفتح فكسر مؤخر القدم ففي جامع الأصول رجل منهوس القدمين والعقبين بسين وشين خفيف لحمهما وفي القاموس المنهوس من الرجال قليل اللحم (م ت) كلاهما (عن جابر بن سمرة) الحديث: 6491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 6492 - (كان ضخم الهامة) كبيرها وعظم الرأس يدل على الرزانة والوقار (عظيم اللحية) غليظها كثيفها هكذا وصفه جمع منهم علي وابن مسعود وغيرهما وفي رواية حميد عن أنس كانت لحيته قد ملأت من ههنا إلى ههنا ومد بعض الرواة يديه على عارضيه (البيهقي) في الدلائل (عن علي) أمير المؤمنين وروى الترمذي نحوه الحديث: 6492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 [ص: 76] 6493 - (كان فخما) بفتح الفاء فمعجمة ساكنة أفصح من كسرها أي عظيما في نفسه (مفخما) اسم مفعول أي معظما في صدور الصدور وعيون العيون لا يستطيع مكابر أن لا يعظمه وإن حرص على ترك تعظيمه كان مخالفا لما في باطنه فليست الفخامة جسيمة وقيل فخما عظيم القدر عند صحبه مفخما معظما عند من لم يره قط وهو عظيم أبدا ومن ثم كان أصحابه لا يجلسون عنده إلا وهم مطرقون لا يتحرك من أحدهم شعرة ولا يضطرب فيه مفصل كما قيل في قوم هذه حالهم مع سلطانهم: كأنما الطير منهم فوق رؤوسهم. . . لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال وقيل: فخامة وجهه وعظمه وامتلاؤه مع الجمال والمهابة (يتلألأ) أي يضيء ويتوهج (وجهه تلألؤ القمر) أي يتلألأ مثل تلألؤه فأعرب المضاف إليه إعرابه بعد حذفه للمبالغة في التناسي (ليلة البدر) أي ليلة أربعة عشر سمي بدرا لأنه يسبق طلوعه مغيب الشمس فكأنه يبدر بطلوعه والقمر ليلة البدر أحسن ما يكون وأتم ولا يعارضه قول القاضي في تفسير {والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها} أنه يبدر طلوعه غروبها ليلة البدر وطلوعها طلوعه أول الشهر لأن مراده بالغروب الإشراف عليه وشبه الوصاف تلألؤ الوجه بتلألؤ القمر دون الشمس لأنه ظهر في عالم مظلم بالكفر ونور القمر أنفع من نورها (أطول من المربوع) عند إمعان التأمل وربعه في بادي النظر فالأول بحسب الواقع والثاني بحسب الظاهر ولا ريب أن الطول في القامة بغير إفراط أحسن وأكمل (وأقصر من المشذب) بمعجمات آخره موحدة اسم فاعل وهو البائن الطول مع نحافة أي نقص في اللحم من قولهم نخلة شذباء أي طويلة بشذب أي قطع عنها جريدها ووقع في حديث عائشة عند ابن أبي خيثمة لم يكن أحد يماشيه من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذ فارقاه نسبا إلى الطول ونسب إلى الربعة (عظيم الهامة) بالتخفيف (رجل الشعر) كأنه مشط فليس بسبط ولا جعد قال القرطبي: والرواية في رجل بفتح الراء وكسر الجيم وهي المشهورة وقال الأصمعي: يقال شعر رجل بفتح فكسر ورجل بفتح الجيم ورجل بسكونها ثلاث لغات إذا كان بين السبوطة والجعودة وقال غيره: شعر مرجل أي مسرح وكان شعره بأصل خلقته مسرحا (إن انفرقت عقيقته) أي إن انقلبت عقيقته أي شعر رأسه انفرق بسهولة لخلفة شعره حينئذ (فرق) بالتخفيف أي جعل شعره نصفين نصفا عن يمينه ونصفا عن شماله سمي عقيقة تشبيها بشعر المولود قبل أن يحلق فاستعير له اسمه (وإلا) بأن كان مختلطا متلاصقا لا يقبل الفرق بدون ترجل (فلا) يفرقه بل يتركه بحاله معقوصا أي وفرة واحدة والحاصل أنه إن كان زمن قبول الفرق فرقه وإلا تركه غير مفروق وهذا أقعد من قول جمع معناه أنه إن انفرق بنفسه تركه مفروقا لعدم ملاءمته لقوله وإلا فلا لمصير معناه وإلا فلا يتركه مفروقا وهو ركيك وهذا بناء على جعل قوله وإلا فلا كلاما تاما وجعل بعضهم قوله فلا (يجاوز شحمة أذنيه إذا هو وفرة) كلاما واحدا وفسره تارة بأنه لا يجوز شحمة أذنيه إذا أعفاه من الفرق وقوله إذا هو وفره بيان لقوله وإلا وأخرى بأنه إذا انفرق لا يجوز شحمة أذنه في وقت توفير الشعر قال: وبه يحصل الجمع بين الروايات المختلفة في كون شعره وفرة وكونه جمة فيقال يختلف باختلاف أزمنة الفرق وعدمه واعلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أولا لا يفرق تجنبا لفعل المشركين وموافقة لأهل الكتاب ثم فرق واستقر عليه (أزهر اللون) أبيضه نيره وهو أحسن الألوان فالمراد أبيض اللون ليس بأمهق ولا آدم وحينئذ فاللون مستدرك (واسع الجبين) يعني الجبينين وهما ما اكتنف الجبهة عن يمين وشمال والمراد بسعتهما امتدادهما طولا وعرضا وذلك محمود محبوب (أزج الحواجب) أي مرققهما مع تقوس [ص: 77] وغزارة شعر جمع حاجب وهو ما فوق العين بلحمه وشعره أو هو الشعر الذي فوق العظم وحده وسمي به لحجبه الشمس عن العين أي منعه لها والحجب المنع وعدل عن الحاجبين إلى الحواجب إشارة إلى المبالغة في امتدادهما حتى صار كعدة حواجب (سوابغ) بالسين أفصح من الصاد جمع سابغة أي كاملات. قال الزمخشري: حال من المجرور وهو الحواجب وهي فاعلة في المعنى إذ تقديره أزج حواجبه أي زجت حواجبه (في غير قون) بالتحريك أي اجتماع يعني أن طرفي حاجبيه قد سبقا أي طالا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا (بينهما) أي الحاجبين (عرق) بكسر فسكون (يدره) أي يحركه نافرا (الغضب) كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلئ الضرع لبنا إذا در فيظهر ويرتفع (أقنى) بقاف فنون مخففة من القنا وهو ارتفاع أعلى الأنف واحد يدأب وسطه (العرنين) أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وهو بكسر فسكون الأنف أو ما صلب منه أو أوله حيث يكون الشم والقنا فيه طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه (له) أي للعرنين أو للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقرب (نور) بنون مضمومة (يعلوه) يغلبه من حسنه وبهاء رونقه (يحسبه) بضم السين وكسرها أي النبي أو عرنينه (من لم يتأمله) أي يمعن النظر فيه (أشم) مرتفعا قصبة الأنف قال محقق: وذا يفيد أن قناه كان قليلا فمن عكس انعكس عليه ومن قال المشهور كان أشم فالكتب المشهورة تكذبه اه. ومراده الدلجي والشمم ارتفاع قصبة الأنف وإشراف الأرنبة (كث اللحية) وفي رواية للحارث عن أم معبد كثيف اللحية بفتح الكاف غير دقيقها ولا طويلها وفيها كثافة كذا في النهاية وفي التنقيح كث اللحية كثير شعرها غير مسبلة وفي القاموس كثت كثرت أصولها وكثفت وقصرت وجعدت ولذا روى كانت ملتفة وفي شرح المقامات للشريشي كثة كثيرة الأصول بغير طول ويقال للحية إذا قص شعرها وكثر إنها لكثة وإذا عظمت وكثر شعرها قيل إنه لذوا عشنون فإذا كانت اللحية قليلة في الذقن ولم يكن في العارضين فذلك السنوط والسناط وإذا لم يكن في وجهه كثير شعر فذلك الشطط واللحية بكسر اللام وفي الشكاف الفتح لغة الحجاز الشعر النابت على الذقن خاصة (سهل الخدين) ليس فيهما نتوء ولا ارتفاع وهو بمعنى خبر البيهقي وغيره كان أسيل الخدين وذلك أعذب عند العرب (ضليع) بضاد معجمة (الفم) عظيمه أو واسعه (أشنب) أي أبيض الأسنان مع بريق وتحديد فيها أو هو رونقها وماؤها أو بردها وعذوبتها (مفلج الأسنان) أي مفرج ما بين الثنايا (دقيق) بالدال وروي بالراء (المسربة) بضم الراء وتفتح وضم الميم وسكون السين المهملة ما دق من شعر الصدر كالخيط سائلا إلى السرة (كأن عنقه) بضم المهملة وبضم النون وتسكن (جيد) بكسر فسكون وهما بمعنى وإنما عبر به تفننا وكراهة للتكرار اللفظي (دمية) كعجمة بمهملة ومثناة تحتية الصورة المنقوشة من نحو رخام أو عاج شبه عنقه بعنقها لأنه يتأنق في صنعتها مبالغة في حسنها وخصها لكونها كانت مألوفة عندهم دون غيرها (في صفاء الفضة) حال مقيدة لتشبيهه به أي كأنه هو حال صفائه قال الزمخشري: وصف عنقه بالدمية في الاستواء والاعتدال وظرف الشكل وحسن الهيئة والكمال وبالفضة في اللون والإشراق والجمال (معتدل الخلق) أي معتدل الصورة الظاهرة يعني متناسب الأعضاء خلقا وحسنا (بادنا) أي ضخم البدن لكن لا مطلقا بل بالنسبة لما يأتي من كونه شثن الكفين والقدمين جليل الشماش والكتد ولما كانت البدانة قد تكون من كثرة اللحم وإفراط السمن الموجب لرخاوة البدن وهو مذموم دفعه بقوله (متماسكا) يمسك بعض أجزائه بعضا من غير ترزرز قال الغزالي: لحمه متماسك يكاد يكون على الخلق الأول ولم يضره السن أراد أنه في السن الذي من شأنه استرخاء اللحم كان كالشباب ولا يناقض كونه بادنا ما في رواية البيهقي ضرب اللحم لأن القلة والكثرة والخفة والتوسط من [ص: 78] الأمور النسبية المتفاوتة فحيث قيل بادن أريد عدم النحولة والهزال وحيث قيل ضرب أريد عدم السمن التام (سواء البطن والصدر) بالإضافة أو التنوين كناية عن كونه خميص البطن والحشاء أي ضامر البطن من قبل طويل النجاد أي القامة (عريض الصدر) في الشفاء واسع الصدر وفي المواهب رحب الصدر والعرض خلاف الطول قال البيهقي: كان بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وظهره عريض فهو مساو لبطنه أو العريض بمعنى الوسيع أو مجاز عن احتمال الأمور (بعيد ما بين المنكبين) تثنية منكب مجتمع عظم العضد والمنكب وهو لفظ مشترك يطلق على ما ذكر وعلى المحل المرتفع من الأرض وعلى ريشة من أربع في جناح الطير (ضخم الكراديس) أي عظيم الألواح أو العظام أو رؤوس العظام وقال البغوي: الأعضاء وفيه دلالة على المقصود وقال محقق: والمراد عظام تليق بالعظم كالأطراف والجوارح وقد ثبت عظيم الأطراف والجوارح (أنور المتجرد) الرواية بفتح الراء قال البغوي وغيره: بمعنى نيره قال محقق: ولا حاجة له لأن أفعل التفضيل إذا أضيف فأحد معنييه الفضيل على غير المضاف إليه والإضافة للتوضيح فكأنه قال متجرده أنور من متجرد غيره قال البغوي وغيره: المتجرد ما جرد عنه الثياب وكشف من جسده أي كان مشرف البدن ثم المراد جميع البدن والقول بأن المراد ما يستر غالبا ويجرد أحيانا متعقب بالرد (موصول ما بين اللبة) بفتح اللام المنحر وهي التطامن الذي فوق الصدر وأسفل الحلق من الترقوتين (والسرة) بشعر متعلق بموصول (يجري) يمتد شبهه بجريان الماء وهو امتداده في سيلانه (كالخط) الطريقة المستطيلة في الشيء والخط الطريق وطلبه الاستقامة والاستواء فشبه بالاستواء وروي كالخيط والتشبيه بالخط أبلغ وهذا معنى دقيق المسربة المار (عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك) أي ليس عليهما شعر سوى ذلك وما ذكر من أن اللفظ الثديين تثنية ثدي هو ما في نسخ هذا الجامع لكن في النهاية الثندوتين قال: وهما للرجل كالثديين للمرأة فمن ضم الثاء همز ومن فتحها لم يهمز أراد إن لم يكن على ذلك الموضع كثير لحم اه. والأول هو رواية الشفاء وغيره وقول القرطبي ولا شعر تحت إبطيه رده الولي العراقي بأنه لم يثبت والخصوصية لا تثبت بالاحتمال (أشعر) أي كثير شعر (الذراعين) تثنية ذراع ما بين مفصل الكف والمرفق وفي القاموس من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى (والمنكبين وأعالي) جمع أعلى (الصدر) أي كان على هذه الثلاثة شعر غزير (طويل الزندين) بفتح الزاي عظما الذراعين تثنية زند كفلس وهو ما انحسر عنه اللحم من الذراع (رحب الراحة) واسعها حسا وعطاء ومن قصره على حقيقة التركيب أو جعله كناية عن الجود فحسب فغير مصيب. قال الزمخشري: ورحب الراحة أي الكف دليل الجود وصغرها دليل البخل قال محقق: وأما سعة القدمين فلم أقف عليه لكنه يفهم مما مر أنه ضخمها (سبط القصب) بالقاف أي ليس في ذراعيه وساقيه وفخذيه نتوء ولا تعقد والقصب جمع قصبة كل عظم أجوف فيه مخ (شثن الكفين) أي في أنامله غلظ بلا قصر وذلك يحمد في الرجل لكونه أشد لقبضه ويذم في النساء (والقدمين) وذا لا يعارضه خبر البخاري عن أنس ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفه لأن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته ومن ثم قال ابن بطال: كانت كفه ممتلئة لحما غير أنها مع ضخامتها لينة أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا بل كان بالنسبة لأصل الخلقة وحيث وصف بالغلظ والشثونة فبالنسبة إلى امتهانهن بالعمل فإنه يتعاطى كثيرا من أموره (سائل الأطراف) بسين ولام أي ممتدها كذا في النهاية لكن البيهقي وغيره فسروه بممتد الأصابع طوال غير معقدة ولا متثنية ويؤيده رواية كأن أصابعه قضبان فضة أي أغصانها والوجه التعميم فقد ورد سبط القصب وفسر بكل عظم ذي مخ والسبوط الامتداد قاله أبو نعيم وروي شائل الأطراف بشين معجمة أي مرتفعها وهو قريب من سائل [ص: 79] من قوله شالت الميزان ارتفعت إحدى كفتيه يعني كان مرتفع الأصابع بلا أحد يذاب ولا تقبض وروي سائن بالنون وهي بمعنى سائل بالسين المهملة وسائر بالراء من السير بمعنى طويلها ومحصول ما وقع الشك فيه في هذه اللفظة سائل بمهملة وبمعجمة وسائن بالنون وسائر براء. قال الزمخشري: ومقصود الكل أنها غير متعقدة (خمصان) بضم المعجمة وفتحها (الأخمصين) مبالغة من الخمص أي شديد تجافي أخمص القدم عن الأرض وهو المحل الذي لا يلصق بها عند الوطء (مسيح القدمين) أملسهما مستويهما لينهما بلا تكسر ولا تشقق جلد (بحيث ينبو عنهما الماء) أي يسيل ويمر سريعا إذا صب عليهما لاصطحابهما (إذا زال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (زال تقلعا) أي إذا ذهب وفارق مكانه رفع رجليه رفعا بائنا متداركا إحداهما بالأخرى مشية أهل الجلادة فتقلعا حال أو مصدر منصوب أي ذهاب قلع والقلع في الأصل انتزاع الشيء من أصله أو تحويله عن محله وكلاهما يصلح أن يراد هنا أي ينزع رجله عن الأرض أو يحولها بقوة (ويخطو) يمشي (تكفؤا) بالهمز وتركه أي تمايل إلى قدام من قولهم كفأت الإناء إذا قلبته أو إلى يمين وشمال ويؤيد الأول قوله الآتي كأنما ينحط (ويمشي) تفتن حيث عبر عن المشي بعبارتين فرارا من كراهة تكرار اللفظ (هونا) بفتح فسكون أي حال كونه هينا أو هو صفة لمصدر محذوف أي مشيا هينا بلين ورفق والهون الرفق (ذريع) كسريع وزنا ومعنى (المشية) بكسر الميم أي سريعها مع سعة الخطوة فمع كون مشيه بسكينة كان يمد خطوته حتى كأن الأرض تطوى له (إذا مشى كأنما ينحط من صبب) أي منحدر من الأرض وأصله النزول من علو إلى سفل ومنه صببت الماء والمراد التشبيه بالمنحدر من علو إلى سفل بحيث لا إسراع ولا إبطاء. وخير الأمور أوساطها. قال بعضهم: والمشيات عشرة أنواع هذه أعدلها وبما تقرر يعرف أنه لا تعارض بين الهون الذي هو عدم العجلة وبين الانحدار والتقلع الذي هو السرعة فمعنى الهون الذي لا يعجل في مشيته ولا يسعى عن قصد إلا لحادث أمر مهم وأما الانحدار والقلع فمشيه الخلقي (وإذا التفت التفت جميعا) وفي رواية جمعا كضربا أي شيئا واحدا فلا يسارق النظر ولا يلوي عنقه كالطائش الخفيف بل كان يقبل ويدبر جميعا. قال القرطبي: ينبغي أن يخص بالفتاته وراءه أما التفاته يمنة أو يسرة فبعنقه (خافض) من الخفض ضد الرفع (الطرف) أي البصر يعني إذا نظر إلى شيء خفض بصره تواضعا وحياءا من ربه وذلك هو شأن المتأمل المتفكر المشتغل بربه ثم أردف ذلك بما هو كالتفسير له فقال (نظره إلى الأرض) حال السكوت وعدم التحدث (أطول من نظره إلى السماء) لأنه كان دائم المراقبة متواصل الفكر فنظره إليها ربما فرق فكره ومزق خشوعه ولأن نظر النفوس إلى ما تحتها أسبق لها من نظرها إلى ما علا عليها أما في غير حال السكوت والسكون فكان ربما نظر إلى السماء بل جاء في أبى داود وكان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء وهذا كله في غير الصلاة أما فيها فكان ينظر إليها أولا فلما نزلت {والذين هم في صلاتهم خاشعون} أطرق <فائدة> رأيت بخط الحافظ مغلطاي أن ابن طغر ذكر أن عليا أتاه راهب بكتاب ورثه عن آبائه كتبه أصحاب المسيح فإذا فيه: الحمد لله الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولا لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. أمته الحمادون نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى المساء (جل نظره) بضم الجيم أي معظمه وأكثر (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ أي النظر بشق العين مما يلي الصدغ أراد به هنا أنه كان أكثر نظره في حال الخطاب الملاحظة وكثرة الفكر فلا يعارض قوله إذا التفت التفت جميعا (يسوق أصحابه) أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم كأنه يسوقهم تواضعا وإرشادا إلى ندب مشي كبير القوم وراءهم ولا [ص: 80] يدع أحدا يمشي خلفه أو ليختبر حالهم وينظر إليهم حال تصرفهم في معاشهم وملاحظتهم لإخوانهم فيربي من يستحق التربية ويكمل من يحتاج التكميل ويعاقب من يليق به المعاقبة ويؤدب من يناسبه التأديب وهذا شأن المولى مع رعيته أو لأن الملائكة كانت تمشي خلف ظهره أو لغير ذلك وإنما تقدمهم في قصة جابر رضي الله تعالى عنه لأنه دعاهم إليه فجاؤوا تبعا له (ويبدأ) وفي رواية يبدر أي يسبق (من لقيه بالسلام) حتى الصبيان تأديبا لهم وتعليما لمعالم الدين ورسوم الشريعة وإذا سلم عليه أحد رد عليه كتحيته أو أحسن منها فورا إلا لعذر كصلاة وبراز قال ابن القيم: ولم يكن يرده بيده ولا برأسه ولا بأصبعه إلا في الصلاة ثبت بذلك عدة أخبار ولم يجيء ما يعارضها إلا شيء باطل (ت في الشمائل) النبوية (طب هب عن هند بن أبي هالة) بتخفيف اللام وكان وصافا لحلية النبي صلى الله عليه وسلم وهو ربيبه إذ هو ابن خديجة ودالة اسم لدارة القمر قتل مع علي يوم الجمل وقيل مات في طاعون عمواس وبقي مدة لم يجد من يدفنه لكثرة الموتى حتى نادى مناد واربيب رسول الله فترك الناس موتاهم ورفعوه على الأصابع حتى دفن رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده عنده وإلا ففيه جميع بن عمر العجلي قال أبو داود: أخشى أن يكون كذابا وتوثيق ابن حبان له متعقب بقول البخاري: إن فيه نظرا ولذلك جزم الذهبي بأنه واه وفيه رجل من تميم مجهول ومن ثم قال بعض الفحول: خبر معلول الحديث: 6493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 6494 - (كان في ساقيه) روي بالإفراد وبالتثنية (حموشة) بحاء مهملة مفتوحة وشين معجمة أي دقة قال القاضي: حموشة الشاق دقتها يقال حمشت قوائم الدابة إذا دقت هكذا ضبط بعضهم. وقال بعضهم: خموشة بضم أوله المعجمة دقتها وبكسره ليفيد التقليل والمراد نفي غلظها وذلك مما يمتدح به وقد أكثر أهل القيافة من مدحها وفوائدها (ت) في المناقب (ك) كلاهما (عن جابر بن سمرة) وقال: حسن غريب صحيح الحديث: 6494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 6495 - (كان في كلامه) وفي رواية كان في قراءته (ترتيل) أي تأن وتمهل مع تبيين الحروف والحركات بحيث يتمكن السامع من عدها (أو ترسيل) عطف تفسيري أو شك من الراوي وفي الحديث أن الناس دخلوا عليه صلى الله عليه وسلم أرسالا يصلون عليه أي فرقا مقطعة يتبع بعضهم بعضا وأخذ بذا جمع ففضلوا قراءة القليل المرتل على الكثير بغير ترتيل لأن القصد من القراءة التدبر والفهم وذهب قوم إلى فضيلة الكثرة واحتجوا بأخبار قال ابن القيم: والصواب أن قراءة الترتيل والتدبر أرفع قدرا وثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة والثاني كمن تصدق بدنانير كثيرة (د عن جابر) بن عبد الله قال الزين العراقي: فيه شيخ لم يسم الحديث: 6495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 6496 - (كان كثير العرق) محركا ما يترشح من جلد الحيوان كما سبق وقد يستعار لغيره وكانت أم سليم تجمع عرقه فتجعله في قارورة وتخلطه في الطيب لطيب ريحه والقلب الطاهر الحي يشم منه رائحة الطيب كما أن القلب الخبيث الميت يشم منه رائحة النتن لأن نتن القلب والروح يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره والعرق يفيض من الباطن فالنفس العلية يقوى طيبها ويفوح عرف عرقها حتى يبدو على الجسد والخبيثة بضدها <فائدة> أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة مرفوعا قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إني زوجت ابنتي وأنا أحب أن تعينني بشيء قال: ما عندي شيء ولكن إذا كان غدا فأتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة وآية ما بيني وبينك أن أجيف ناحية الباب فلما كان من الغد أتاه الرجل بقارورة واسعة وعود شجرة فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلت العرق عن ذراعيه حتى امتلأت [ص: 81] القارورة فقال: خذها وأمر بنتك أن تغمس هذا العود في القارورة فتتطيب فكانت إذا تطيبت شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين قال الذهبي: حديث منكر (م عن أنس) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أم سليم فيقيل عندها فتبسط له نطعا وكان كثير العرق فكانت تجمعه فتجعله في الطيب الحديث: 6496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 6497 - (كان كثير شعر اللحية) أي غزيرها مستديرها زاد في رواية قد ملأت ما بين كتفيه قال القرطبي: ولا يفهم منه أنه كان طويلها لما صح أنه كان كث اللحية أي كثير شعرها غير طويله انتهى. قال الغزالي: وفي خبر غريب أنه كان يسرحها في اليوم مرتين (م عن جابر بن سمرة) الحديث: 6497 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 6498 - (كان كلامه كلاما فصلا) أي فاصلا بين الحق والباطل وآثره عليه لأنه أبلغ أو مفصولا عن الباطل أو مصونا عنه فليس في كلامه باطل أصلا أو مختصا أو متميزا في الدلالة على معناه وحاصله أنه بين المعنى لا يلتبس على أحد بل (يفهمه كل من سمعه) من العرب وغيرهم لظهوره وتفاصيل حروفه وكلماته واقتداره لكمال فصاحته على إيضاح الكلام وتبيينه ولهذا تعجب الفاروق من شأنه وقال له: مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال: كانت لغة إسماعيل قد درست أي متممات فصاحتها فجاءني بها جبرائيل فحفظتها وورد أنه كان يتكلم مع الفرس بالفارسية قال الزمخشري: وقد أعيا أولئك المفلقين المصاقع حتى قعدوا مقهورين ونكبوا فصاروا مبهوتين واستكانوا وأذعنوا وأسهبوا بالاستعجاب وأيقنوا أن الله عزت قدرته محض هذا اللسان العربي وألقى على لسانه زبدته فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وما قرن بمنطقه منطق إلا كان كالبرذون مع الحصان المطهم ولا وقع من كلامه شيء في كلام الناس إلا أشبه الوضح في ثقبة الأدهم وقال ابن القيم: كان أفصح الخلق وأعذبهم كلاما وأسرعهم أداء وأحلاهم منطقا حتى كان كلامه يأخذ بالقلوب ويسبي الأرواح وقد شهد له بذا أعداؤه وقد جمعوا من كلامه المفرد الموجز البليغ البديع دواوين لا تكاد تحصى (د عن عائشة) ورواه عنها أيضا الترمذي لكنه قال: يحفظه من جلس إليه وقال النسائي في يوم وليلة يحفظه كل من سمعه قال الزين العراقي: وإسناده حسن الحديث: 6498 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 6500 - (كان أبغض الخلق) أي أبغض أعمال الخلق (إليه الكذب) لكثرة ضرره وجموم ما يترتب عليه من المفاسد والفتن وكان لا يقول في الرضى والغضب إلا الحق كما رواه أبو داود عن ابن عمر ولهذا كان يزجر أصحابه وأهل بيته عنه ويهجر على الكلمة من الكذب المدة الطويلة وذلك لأنه قد يبنى عليه أمورا ربما ضرت ببعض الناس وفي كلام الحكماء إذا كذب السفير بطل التدبير ولهذا لما علم الكفار أنه أبغض الأشياء إليه نسبوه إليه فكذبوه بما جاءهم به من عند الله ليغيظوه بذلك لأنه يوقف الناس عن قبول ما جاء به من الهدى ويذهب فائدة الوحي وروي أن حذيفة قال: يا رسول الله ما أشد ما لقيت من قومك قال: خرجت يوما لأدعوهم إلى الله فما لقيني أحد منهم إلا وكذبني (هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه وهو باطل فإنه خرجه من حديث إسحاق بن إبراهيم الديري عن [ص: 82] عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة وعن محمد بن أبي بكر عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة عن عائشة ثم عقبه بما نصه قال البخاري: هو مرسل يعني بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة ولا يصح حديث ابن أبي مليكة قال البخاري: ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث صحيح اه. فأفاد بذلك أن فيه ضعفا أو انقطاعا فاقتطاع المصنف لذلك من كلامه وحذفه من سوء التصرف وإسحاق الديري يستبعد لقيه لعبد الرزاق كما أشار إليه ابن عدي وأورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 6500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 6501 - (كان أحب الألوان إليه) من الثياب وغيرها (الخضرة) لأنها من ثياب الجنة فالخضرة أفضل الألوان ولهذا كانت السماء خضراء وما نرى نحن من الزرقة إنما هو لون البعد وفي الخبر إن النظر إلى الخضرة والماء الجاري يقوي البصر فلخصاصته بهذه المزية كان أحب الألوان إليه قال ابن بطال: وكفى به شرفا موجبا للمحبة (طس وابن السني وأبو نعيم في الطب) النبوي (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا البزار. قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف لكن له شواهد منها ما خرجه ابن عدي في البيهقي عن قتادة قال: خرجنا مع أنس إلى الأرض فقيل: ما أحسن هذه الخضرة فقال أنس: كنا نتحدث أن أحب الألوان إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم الخضرة الحديث: 6501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 6502 - (كان أحب التمر إليه العجوة) قيل عجوة المدينة وقيل مطلقا وهي أجود التمر وألينه وألذه هناك ولها منافع كثيرة مر بيان بعضها (أبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا (هـ) أبو الشيخ [ابن حبان] وابن ماجه باللفظ المزبور قال الزين العراقي: فإسناده ضعيف الحديث: 6502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 6499 - (كان وجهه مثل) كل من (الشمس والقمر) أي الشمس في الإضاءة والقمر في الحسن والملاحة أو الواو بمعنى بل إذ الشمس تمنع استيفاء الحظ من رؤيتها فاللائق القمر وما في الوفاء من أنه لم يقم مع شمس إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس لا ينافي التشبيه بالشمس لأنه إن سلم عدم المبالغة أو المسامحة في الغلبة فذلك حين كانت الشمس في السماء الرابعة لا مطلقا على أنه يكفي أنها أعرف وأشهر ولا دعوى المماثلة العرفية لأن القدر الغير الفاحش لا يضر عرفا (وكان مستديرا) مؤكد لعدم المشابهة التامة والمماثلة أي هو أضوأ وأحسن لاستدارته دونه فكيف يشبهه أي يماثله أو مؤكد لمشابهتهما وقيل التشبيه بالنيرين إنما يتبادر منه الضوء والملاحة فبين الاستدارة ليكون التشبيه فيها أيضا (م عن جابر بن سمرة) الحديث: 6499 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 6503 - (كان أحب الثياب إليه) من جهة اللبس (القميص) أي كانت نفسه تميل إلى لبسه أكثر من غيره من نحو رداء أو إزار لأنه أستر منهما وأيسر لاحتياجهما إلى حل وعقد بخلافه فهو أحبها إليه لبسا والحبرة أحبها إليه رداء فلا تدافع بين حديثيهما أو ذاك أحب المخيط وذا أحب غيره ويلوح من ذلك أن لبسه له أكثر وكان لا يختلج في ذهني خلافه حتى رأيت الحافظ العراقي قال في حديث إلباس المصطفى صلى الله عليه وسلم قميصه لابن أبي لما مات ما نصه: وفيه لبسه عليه الصلاة والسلام للقميص وإن كان الأغلب من عادته وعادة سائر العرب لبس الإزار والرداء اه. ولم أقف له على سلف في جزمه بهذه الأغلبية بالنسبة لخصوص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفوق كل ذي علم عليم ولا يلزم من كون ذلك أغلب للعرب كونه أغلب له لأن أحواله وشؤونه كانت منوطة بما يؤمر به وبما كان دأب آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين فيما لم يوح إليه بشيء لا بشعار العرب وزيهم على أن أغلبية لبس الإزار والرداء لا ينافي أغلبية لبس القميص ولا مانع من لبس الثلاثة غالبا معا فتدبر (د ت) في اللباس (ك) كلهم (عن أم سلمة) ورواه عنها أيضا النسائي في الزينة قال الصدر المناوي: وفيه أبو ثميلة يحيى بن واضح أدخله البخاري في الضعفاء [ص: 83] لكن وثقه ابن معين الحديث: 6503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 6504 - (كان أحب الثياب إليه) أن يلبسها هذا لفظ رواية الشيخين (الحبرة) كعنبة برد يماني ذو ألوان من التحبير وهو التزيين والتحسين قال الطيبي: والحبرة خبر كان وأن يلبسها متعلق أحب أي كان بأحب الثياب إليه لأجل اللبس الحبرة لاحتمالها الوسخ أو للينها وحسن انسجام نسجها وإحكام صنعتها وموافقتها لبدنه الشريف فإنه كان بالغ النهاية في النعومة واللين فالخشن يضره ودعوى أنه إنما أحبها لكونها خضراء وثياب أهل الجنة خضر يردها ما جاء في رواية أنها حمراء قال في المطامح: وهذا على ما فهم أنس من حاله ولعل البياض كان أحب إليه وذكر في غير ما حديث أنه خير الثياب وقال البغدادي: كانت أحب الثياب إليه لكنه لم يكثر من لبس المخطط وقد يحب الشيء ويندب إليه ولا يستعمله لخاصية في غيره كقوله أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وما روي قط أنه أخذ نفسه بذلك بل قالت عائشة: كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم مع القطع بأنه سيد أولي العزم وقال بعضهم: هذا الحديث يعارضه ما ورد أنه صلى بثوب أحمر فخلعه وأعطاه لغيره وقال: أخشى أن أنظر إليه فيفتنني عن صلاتي وأجيب بأن أقبية الحبرة خاصة بغير الصلاة جمعا بين الحديثين (ق) في اللباس (د ن عن أنس) بن مالك الحديث: 6504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 6505 - (كان أحب الدين) بالكسر يعني التعبد (إليه ما دام عليه صاحبه) وإن قل ذلك العمل المداوم عليه يعني ما واظب عليه مواظبة عرفية وإلا فحقيقة الدوام شمول جميع الأزمنة وذلك غير مقدور وإنما كان أحب إليه لأن المداوم يدوم له الإمداد والإسعاد من حضرة الوهاب الجواد وتارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصول والهاجر بعد ما منحه من الفضل والبدل وبدوام القليل تستمر الطاعة والإقبال على الله بخلاف الكثير المشاق (خ د عن عائشة) الحديث: 6505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 6506 - (كان أحب الرياحين) جمع ريحان نبت طيب الريح أو كل نبت طيب الريح كذا في القاموس وفي المصباح الريحان كل نبت طيب الريح لكن إذا أطلق عند العامة انصرف إلى نبات مخصوص (إليه الفاغية) نور الحناء وهو من أطيب الرياحين وأحسنها ومر في خبر أنها سيدة الرياحين في الدنيا والآخرة وفي الشعب عن ابن درستويه الفاغية عود الحناء يغرس مقلوبا فيخرج بشيء أطيب من الحناء فيسمى الفاغية قال المصنف: وفيه منافع من أوجاع العصب والتمدد والفالج والصداع وأوجاع الجنب والطحال ويمنع السوس من الثياب ودهنه يلين العصب ويحلل الإعياء والنصب ويوافق الخناق وكسر العظام والشوهة وأوجاع الأرحام ويقوي الشعور ويزينها ويكسيها حمرة وطيبا (طب هب) من حديث عبد الحميد بن قدامة (عن أنس) قال ابن القيم: الله أعلم بحال هذا الحديث فلا نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا نعلم صحته وقال الذهبي في الضعفاء: عبد الحميد بن قدامة عن أنس في الفاغية قال البخاري: لا يتابع عليه اه الحديث: 6506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 6507 - (كان أحب الشاة إليه مقدمها) لكونه أقرب إلى المرعى وأبعد عن الأذى وأخف على المعدة وأسرع انهضاما وذا من طلبه الذي لا يدركه إلا أفاضل الأطباء فإنهم شرطوا في جودة الأغذية نفعها وتأثيرها في القوى وخفتها على المعدة وسرعة هضمها (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (هق) كلهم (عن مجاهد) بن جبير (مرسلا) الحديث: 6507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 6508 - (كان أحب الشراب إليه الحلو البارد) الماء العذب كالعيون والآبار الحلوة فإنه كان يستعذب له الماء أو [ص: 84] الممزوج بعسل أو المنقوع في تمر وزبيب قال ابن القيم: والأظهر أنه يعمها جميعها ولا يشكل بأن اللبن كان أحب إليه لأن الكلام في شراب هو ماء أو فيه ماء وإذا جمع الماء هذين الوصفين أعني الحلاوة والبرد كان من أعظم أسباب حفظ الصحة ونفع الروح والكبد والقلب وتنفذ الطعام إلى الأعضاء أتم تنفيذ وأعان على الهضم وقال في العارضة: كان يشرب الماء البارد ممزوجا بالعسل فيكون حلوا باردا وكان يشرب اللبن ويصب عليه الماء حتى يبرد أسفله (حم ت) في الأشربة عن عائشة وقال: الصحيح عن الزهري مرسلا (ك) في الأطعمة (عن عائشة) وتعقبه الذهبي بأنه من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه عن عائشة وعبد الله هالك فالصحيح إرساله اه الحديث: 6508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 6509 - (كان أحب الشراب إليه اللبن) لكثرة منافعه ولكونه لا يقوم مقام الطعام غيره لتركبه من الجبنية والسمنية والمائية وليس شيء من المائعات كذلك لكن ينبغي أن لا يفرط في استعماله لأنه رديء للمحموم والمصروع وإدامته نؤذي الدماغ وتحدث ظلمة البصر والغشى ووجع المفاصل وسدد الكبد ونفخ المعدة ويصلحه العسل ونحوه (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عباس) الحديث: 6509 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 6510 - (كان أحب الشراب إليه العسل) أي الممزوج بالماء كما قيده به في رواية أخرى وفيه من حفظ الصحة ما لا يهتدي لمعرفته إلا فضلاء الأطباء فإن شربه ولعقه على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة ويجلو لزوجتها ويدفع فضلاتها ويفتح سددها ويسخنها باعتدال ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وإنما يضر بالعرض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء فربما هيجها ودفع ضرره لهم بالخل قال في العارضة: العسل واللبن مشروبان عظيمان سيما لبن الإبل فإنها تأكل من كل الشجر وكذا النحل لا تبقي نورا إلا أكلت منه فهما مركبان من أشجار مختلفة وأنواع من النبات متباينة فكأنهما شرابان مطبوخان مصعدان لو اجتمع الأولون والآخرون على أن يركبوا شيئين منهما ما أمكن فسبحان جامعهما (ابن السني وأبو نعيم) معا كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عائشة) الحديث: 6510 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 6511 - (كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان) أخذ منه أن أفضل الصوم بعد رمضان شعبان ومر الجمع بينه وبين قوله أفضل الصيام بعد رمضان المحرم (د ن عن عائشة) ورواه عنها الحاكم باللفظ المزبور وزاد ثم يصله برمضان وقال: على شرطهما وأقره عليه الذهبي الحديث: 6511 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 6512 - (كان أحب الصباغ إليه الخل) أي كان أحب الصبوغ إليه ما صبغ بالخل والخل إذا أضيف إليه نحو نحاس صبغ أخضر أو نحو حديد صبغ أسود (أبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] باللفظ المذكور قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف الحديث: 6512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 6513 - (كان أحب الصبغ إليه الصفرة) لعله أراد به الخضاب بدليل أنه كان يخضب بها ومر به من خضب بالصفرة فاستحسنه ويحتمل أنه المراد من الثياب ولا يعارضه النهي عن المصفر والمزعفر لأن ما في هنا في الأصل بخلاف ذلك قال ابن العربي: ولم يرد في لباس الأصفر حديث اه. وهو خطأ وزلل فقد قال الحافظ عبد الحق وغيره: ورد في الأصفر أحاديث كثيرة منها ما خرجه البخاري عن أم خالد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي قميص [ص: 85] أصفر وفي أبي داود قيل لابن عمر لم تصبغ بالأصفر فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شيء أحب إليه من الصفرة وقد كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأخرج الطبراني عن قيس التميمي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أصفر ورأيته يسلم على نساء وقال ابن عبد البر: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه (طب عن ابن أبي أوفى) رمز المصنف لصحته وإنه لشيء عجيب فقد قال فيه الهيثمي: فيه عبيد بن القاسم وهو كذاب متروك الحديث: 6513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 6514 - (كان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز) وهو بفتح المثلثة أن يثرد الخبز أي يفتت ثم يبل بمرق وقد يكون معه لحم لمزيد نفعه وسهولة مساغه وتيسر مناولته وبلوغ الكفاية منه بسرعة اللذة والقوة وقلة المؤونة في المضغ (والثريد من الحسيس) هو تمر خلط بأقط وسمن والأصل فيه الخلط قال الراجز: التمر والسمن جميعا والأقط. . . الحيس إلا أنه لم يختلط (د) من رواية رجل من أهل البصرة لم يسم عن عكرمة عن ابن عباس ثم قال أبو داود في بعض رواياته: وهو حديث ضعيف (ك) من رواية عمر بن سعيد عن عكرمة (عن ابن عباس) وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 6514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 6515 - (كان أحب العراق إليه) بضم العين جمع عرق بالسكون وهو أكل اللحم عن العظم تقول عرقت العظم عرقا أكلت ما عليه من اللحم كذا في المصباح قال في النهاية: وهو جمع نادر (ذراعي الشاة) تثنية ذراع كحمار وهو من الغنم والبقر ما فوق الكراع وذلك لأنها أحسن نضجا وأسرع استمراء وأعظم لينا وأبعد عن مواضع الأذى مع زيادة لذتها وعذوبة مذاقها (حم د وابن السني وأبو نعيم) كلاهما في الطب النبوي (عن ابن مسعود) رمز لصحته الحديث: 6515 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 6516 - (كان أحب العمل إليه ما دووم عليه وإن قل) لما تقدم من أن المداومة توجب ألفة النفس للعبادة الموجب لإقبال الحق تعالى بمزايا الإكرام ومواهب الإنعام (ت ن عن عائشة وأم سلمة) معا ورواه مسلم من حديث عائشة بلفظ كان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه الحديث: 6516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 6517 - (كان أحب الفاكهة إليه الرطب والبطيخ) بكسر الباء وكان يأكل هذا بهذا دفعا لضرر كل منهما وإصلاحا له بالآخر لأن الرطب حار رطب في الثانية يقوي المعدة الباردة ويزيد في الباه لكنه سريع العفن معكر للدم والبطيخ بارد رطب مطف للحرارة الملتهبة وفيه دليل على حل أكل الطيبات وقد أمرت الرسل بأكلها في القرآن ورد على من كره ذلك من السلف وفعل ذلك إن نشأ عن بخل فهو حرام شديد التحريم أو بقصد مخالفة النفس وقمع الشهوة فجائز (عد عن عائشة) وفيه عباد بن كثير الثقفي نقل في الميزان تضعيفه عن جمع ثم ساق له هذا الحديث عن عائشة (النوقاني في كتاب) ما ورد في فضائل (البطيخ عن أبي هريرة) قال العراقي: وكلاهما ضعيف جدا الحديث: 6517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 6518 - (كان أحب اللحم إليه الكتف) لأنها أسلم من الأذى وأبعد عنه وأقوى اللحم وأطيبه وأسرعه نضجا كالذراع المتصلة بالكتف وفيه رد على المانعين أكل اللحم من فرق الضلال (أبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) ورواه [ص: 86] عنه أيضا باللفظ المزبور أبو الشيخ [ابن حبان] قال الحافظ العراقي: وإسناده ضعيف لكن في الصحيحين عن أبي هريرة ما هو في معناه وهو قوله وضعت بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه الحديث: 6518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 6519 - (كان أحب ما استتر به لحاجته) أي لقضاء حاجة في نحو الصحراء (هدف) بفتح الهاء والدال ما ارتفع من أرض أو بناء (أو حائش نخل) بحاء مهملة وشين معجمة نخل مجتمع ملتف كأنه لالتفافه يحوش بعضه لبعض وفيه ندب الاستتار عند قضاء الحاجة (1) والأكمل أن يغيب الشخص عن الناس قال النووي: وهذه سنة متأكدة (حم م د هـ عن عبد الله بن جعفر) قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وقال إلى آخره   (1) ولا يشكل على هذا كراهة الحاجة تحت الشجر الذي من شأنه أن يثمر لأن فضلاته صلى الله عليه وسلم كانت طاهرة [لا يسلم لكلام الحاشية هذا إذ لا يلزم من نص الحديث ولا من شرح المناوي كون ذلك تحت النخل بل يلزم عكسه حيث مفهوم الحديث أنه كان يستتر خلف ما ارتفع من أرض ولا يمكن أن يكون تحتها وكذلك خلف حائش نخل لا تحته فليتنبه ولا دخل لطهور فضلاته صلى الله عليه وسلم بهذا الموضوع فليتنبه. دار الحديث] الحديث: 6519 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 6520 - (كان أخف) لفظ رواية مسلم من أخف (الناس صلاة) إذا صلى إماما لا منفردا كما صرح به الحديث الآتي عقبه (في تمام) للأركان قيد به دفعا لتوهم من يفهم أنه ينقص منها حيث عبر بأحق قال ابن تيمية: فالتخفيف الذي كان يفعله هو تخفيف القيام والقعود وإن كان يتم الركوع والسجود ويطيلهما فلذلك صارت صلاته قريبا من السواء وقال بعضهم: محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبت عنه التطويل أيضا جدا أحيانا (م ت عن أنس) بن مالك وفي رواية لمسلم أيضا كان يوجز في الصلاة ويتم وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد قال الزين العراقي في المغني: إنه متفق عليه الحديث: 6520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 6521 - (كان أخف الناس صلاة على الناس) يعني المقتدين به (وأطول الناس صلاة لنفسه) ما لم يعرض ما يقتضي التحقيق كما فعل في قصة بكاء الصبي ونحوه وفيه كالذي قبله أنه يندب للإمام التخفيف من غير ترك شيء من الأبعاض والهيئات لكن لا بأس بالتطويل برضاهم إن انحصروا كما استفيد من حديث آخر (حم ع) من حديث نافع بن سرجس (عن أبي واقد) بقاف ومهملة الليثي بمثلثة بعد التحتية واسمه الحارث بن مالك المديني شهد بدرا قال في المهذب: إسناده جيد ونافع هذا قال أحمد: لا أعلم إلا خيرا اه الحديث: 6521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 6522 - (كان إذا أتى مريضا أو أتي به) شك من الراوي (قال) في دعائه له (أذهب الباس) بغير همز للمؤاخاة وأصله الهمز أي الشدة والعذاب (رب الناس) بحذف حرف النداء اشفه بهاء السكت أو الضمير للعليل (وأنت) وفي رواية بحذف الواو (الشافي) أخذ منه جواز تسميته تعالى بما ليس في القرآن بشرط أن لا يوهم نقصا وأن يكون له أصل في القرآن وهذا منه فإن فيه {وإذا مرضت فهو يشفين} (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف تقديره لنا أوله (إلا شفاؤك) بالرفع على أنه بدل من محل لا شفاء. قال الطيبي: خرج مخرج الحصر تأكيدا لقوله أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا عرف باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع إلا بتقدير الله (شفاء) مصدر منصوب بقوله اشف (لا يغادر) بغين معجمة يترك (سقما) بضم فسكون وبفتحتين وفائدة التقييد به أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض [ص: 87] فيخلفه مرض آخر وكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء وقال الطيبي: قوله شفاء إلى آخره تكميل لقوله اشف وتنكير سقما للتقليل واستشكل الدعاء بالشفاء مع ما في المرض من كفارة وأجور وأجيب بأن الدعاء عبادة وهو لا ينافيهما (1) قال ابن القيم: وفي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته ورحمته وأنه وحده الشافي (ق هـ) وكذا النسائي أربعتهم في الطب كلهم (عن عائشة)   (1) لأنهما يخصان بأول المرض وبالصبر عليه والداعي بين حسنيين إما أن يحصل له مقصوده أو يعرض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل ذلك من فضل الله تعالى الحديث: 6522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 6523 - (كان إذا أتى باب قوم) بنحو عيادة أو زيارة أو غير ذلك من المصالح (لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه) كراهة أن يقع النظر على ما لا يراد كشفه مما هو داخل البيت (ولكن) يستقبله (من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول السلام عليكم) وذلك لأن الدور يومئذ لم تكن لها ستور والظاهر أن تكرير السلام إنما هو لمن عن يمينه مرة ومن عن يساره مرة (حم د) في الأدب (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسين مهملة ساكنة رمز المصنف لحسنه وفيه كما قال ابن القطان: بقية وحاله معروف ومحمد بن عبد الرحمن بن عدة ذكره أبو حاتم ولم يذكر له حالا قال ابن القطان: فهو عنده مجهول الحديث: 6523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 6524 - (كان إذا أتاه الفيء) بالهمز ولا يجوز الإبدال والإدغام كما في المصباح وهو الخراج والغنيمة وأما تخصيصه بما حصل من كفار بلا قتال وإيجاف فعرف الفقهاء (قسمه) بين مستحقيه (في يومه) أي في اليوم الذي يصل إليه فيه (فأعطى الآهل) بالمد الذي له أهل أي زوجة اسم فاعل من أهل يأهل بكسر العين وضمها أهو لا إذا تزوج حظين بفتح الحاء بضبط المصنف لأنه أكثر حاجة فيعطى نصيبا له ونصيبا لزوجته أو زوجاته (وأعطى العزب) الذي لا زوجة له (حظا) واحدا لما ذكر وفيه طلب مبادرة الإمام للقسمة ليصل الحق لمستحقه فينتفع به فورا ولا يجوز التأخير إلا لعذر وقوله العزب هكذا هو في عدة نسخ والذي في المصابيح الأعزب قال القاضي: وهو أفعل من العزوبة هكذا هو وما رأيته مستعملا بهذا المعنى إلا في هذا الحديث وإنما المستعمل له العزب (د) في الخراج وسكت عليه (ك) كلاهما (عن عوف بن مالك) قال الحافظ العراقي: وأما خبر كان يعطي العطاء مقدار العيلة فلم أر له أصلا الحديث: 6524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 6525 - (كان إذا أتاه رجل فرأى في وجهه بشرا) بكسر الباء وسكون الشين طلاقة وجه وأمارة سرور (أخذ بيده) إيناسا له واستعطافا ليعرف ما عنده مما يسره من نصرة الدين وقيام شعار الإسلام وتأييد المؤمنين قال ابن العربي: الأخذ باليد نوع من التودد والمعروف كالمصافحة (ابن سعد) في الطبقات (عن عكرمة مرسلا) وهو مولى ابن عباس الحديث: 6525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 6526 - (كان إذا أتاه الرجل) يعني الإنسان فقد وقع له تغيير أسماء عدة نساء (وله اسم لا يحبه) لكراهة لفظه أو معناه عقلا أو شرعا (حوله) بالتشديد أي نقله إلى ما يحبه لأنه كان يحب الفأل الحسن وكان شديد الاعتناء بالعدول عن اسم تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس وكذا ما فيه تزكية النفس وفي أبي داود لا تزكوا أنفسكم هو الله أعلم بأهل [ص: 88] البر منكم (ابن منده) الحافظ المشهور (عن أبي) الوليد (عتبة) بضم المهملة ومثناة فوقية ساكنة وموحدة (ابن عبد) السلمي صحابي شهد أول مشاهده قريظة عمره مئة سنة وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لأشهر من ابن منده ولا أحق بالعزو منه وهو عجب فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن عتبة المذكور قال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 6526 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 6527 - (كان إذا أتاه قوم بصدقتهم) أي بزكاة أموالهم (قال) امتثالا لقول ربه له {وصل عليهم} (اللهم صل على آل فلان) كناية عمن ينسبون إليه أي زكى أموالهم التي بذلوا زكاتها واجعلها لهم طهورا واخلف عليهم ما أخرجوه منها واعطف عليهم بالرحمة واغفر لهم إنك أنت الغفور الرحيم وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام إذ يكره تنزيها إفراد الصلاة على غير نبي أو ملك لأنه صار شعارا لهم إذا ذكروا فلا يقال لغيرهم وإن كان معناه صحيحا (حم ق د ن هـ) كلهم في الزكاة (عن) عبد الله (ابن أبي أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي الحديث: 6527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 6528 - (كان إذا أتاه الأمر) الذي (يسره) وفي رواية أتاه الشيء يسره (قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذي يكرهه قال الحمد لله على كل حال) قال الحليمي: هذا على حسن الظن بالله تعالى وأنه لم يأت بالمكروه إلا لخير علمه لعبده فيه وأراده به فكأنه قال اللهم لك الخلق والأمر تفعل ما تريد وأنت على كل شيء قدير (ابن السني في عمل يوم وليلة ك) في كتاب الدعاء عن زهير بن محمد عن منصور بن صفية عن أمه (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح فاعترضه الذهبي بأن زهير له مناكير وقال ابن معين: ضعيف فأنى له بالصحة الحديث: 6528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 6529 - (كان إذا أتي بطعام) زاد أحمد في روايته من غير أهله (سأل عنه) عمن أتى به (أهدية) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذا وبالنصب بتقدير أجئتم به هدية (أم) جئتم به (صدقة فإن قيل) هو صدقة أو جئنا به صدقة (قال لأصحابه) أي من حضر منهم (كلوا ولم يأكل) هو منه لأنها حرام عليه (وإذا قيل هدية) بالرفع (ضرب بيده) أي مد يديه وشرع في الأكل مسرعا (فأكل معهم) من غير تحام عنه تشبيها للمد بالذهاب سريعا في الأرض فعداه بالباء قال البيضاوي: وذلك لأن الصدقة منحة لثواب الآخرة والهدية تمليك للغير إكراما ففي الصدقة نوع ذل للأخذ فلذا حرمت عليه بخلاف الهدية (ق ن) في الزكاة (عن أبي هريرة) الحديث: 6529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 6530 - (كان إذا أتي بالسبي) النهب وأخذ الناس عبيدا وإماء (أعطى أهل البيت جميعا) أي الآباء والأمهات والأولاد والأقارب (كراهة أن يفرق بينهم) لما جبل عليه من الرأفة والرحمة فاستفدنا من فعله أن يسن للإمام أن يجمع شملهم ولا يفرقهم لأنه أدعى إلى إسلامهم وأقرب إلى الرحمة والإحسان بهم (حم د عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته الحديث: 6530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 6531 - (كان إذا أتي بلبن قال بركة) أي هو بركة يعني شربه زيادة في الخير وكان تارة يشربه خالصا وتارة مشوبا بماء بارد لأنه عنده الحلب حار وتلك البلاد حارة تنكسر حدة حره ببرد الماء (هـ عن عائشة) الحديث: 6531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 [ص: 89] 6532 - (كان إذا أتي بطعام أكل مما يليه) تعليما لأمته آداب الأكل فإن الأكل مما يلي الغير مكروه لما فيه من مزيد الشره والنهمة وإلحاق الأذى بمن أكل معه وسببه أن كل آكل كالحائز لما يليه من الطعام فأخذ الغير له تعد عليه مع ما فيه من تقذر النفوس مما خاضت فيه الأيدي ثم هو سوء أدب من غير فائدة إذا كان الطعام لونا واحدا أما إذا اختلفت أنواعه فيرخص فيه كما أشار إليه بقوله (وإذا أتي بالتمر جالت) بالجيم (يده فيه) أي دارت في جهاته وجوانبه فتناول منه ما أحب من جال الفرس في الميدان يجول جولا وجولانا قطع جوانبه والجول الناحية وجال في البلاد طاف فيها غير مستقر وذلك لفقد العلة المذكورة فيما قبله ومنه أخذ الغزالي أن محل ندب الأكل مما يليه ما إذا كان الطعام لونا واحدا وما إذا كان غير فاكهة أما هي فله أن يجيل يده فيها لأنها في معنى التمر قال ابن العربي: إذا كان الطعام صنفا واحدا لم يكن للجولان فيه معنى إلا الشره والمجاعة وإذا كان ذا ألوان كان جولانها له معنى وهو اختيار ما استطاب منه اه. وقضيته ما مر أنه لا يكره الأكل من غير ما يليه إذا أكل وحده لكن صرح بعض الشافعية بالكراهة (خط) في ترجمة عبيد بن القاسم (عن عائشة) وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش فقد تعقبه بما نصه: قال أبو علي هذا كذاب وعبيد بن أخت سفيان كان يضع الحديث وله أحاديث مناكير اه كلامه الحديث: 6532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 6533 - (كان إذا أتي بباكورة التمرة) أي أول ما يدرك من الفاكهة قال أبو حاتم: الباكورة هي أول كل فاكهة ما عجل الإخراج وابتكرت الفاكهة أكلت باكورتها ونخلة باكورة وباكور وبكور أثمرت قبل غيرها (وضعها على عينيه ثم على شفتيه وقال) في دعائه (اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره) كان القياس أولها وآخرها لكنه ذكره على إرادة النوع (ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان) خص الصبي بالإعطاء لكونه أرغب فيه ولكثرة تطلعه إلى ذلك ولما بينهما من المناسبة في حداثة الانفصال عن الغيب وذا أقرب من قول الطيبي في وجه المناسبة الصبي ثمرة الفؤاد وباكورة الإنسان (ابن السني عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجال الصغير رجال الصحيح اه. وكلامه كالصريح في أن سند الكبير مدخول فعزو المؤلف الحديث إلى الطريق الضعيفة وضربه صفحا عن الطريق الصحيحة من سوء التصرف (الحكيم) الترمذي في النوادر كلهم (عن أنس) بن مالك الحديث: 6533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 6534 - (كان إذا أتي بمدهن الطيب لعق منه) أولا (ثم ادهن) قال في المصباح: المدهن بضم الميم والهاء ما يجعل فيه الدهن والمدهنة تأنيث المدهن قال: وهو من النوادر التي جاءت بالضم وقياسه الكسر والدهن بالضم ما يدهن به من زيت أو غيره لكن المراد هنا الدهن المطيب (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب أحد فقهاء التابعين (والقاسم) بن محمد الفقيه المشهور (مرسلا) الحديث: 6534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 6535 - (كان إذا أتي بامرئ قد شهد بدرا) أي غزوة بدر الكبرى التي أعز الله بها الإسلام (والشجرة) أي والمبايعة [ص: 90] التي كانت تحت الشجرة والمراد جاؤوا به ميتا للصلاة عليه (كبر عليه تسعا) أي افتتح الصلاة عليه بتسع تكبيرات لأن لمن شهد هاتين القضيتين فضلا على غيره في كل شيء حتى في تكبيرات الجنائز (وإذا أتي به قد شهد بدرا ولم يشهد الشجرة أو شهد الشجرة ولم يشهد بدرا كبر عليه سبعا) من التكبيرات إشارة إلى شرف الأول وفضله عليه (وإذا أتي به لم يشهد بدرا ولا الشجرة كبر عليه أربعا) من التكبيرات إشارة إلى أنه دونهما في الفضل قالوا: وذا منسوخ بخبر الحبر أن آخر جنازة صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم كبر أربعا قالوا: وهذا آخر الأمرين وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله وقد مر خبر " إن الملائكة لما صلت على آدم كبرت عليه أربعا وقالوا تلك سنتكم يا بني آدم " وقال أبو عمرو: انعقد الإجماع على أربع ولم نعلم من فقهاء الأمصار من قال بخمس إلا ابن أبي ليلى وقال النووي في المجموع: كان بين الصحابة خلاف ثم انقرض وأجمعوا على أنه أربع لكن لو كبر الإمام خمسا لم تبطل صلاته (ابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله وفيه محمد بن عمر المحرم قال في الميزان: قال أبو حاتم: واه وقال ابن معين: ليس بشيء ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 6535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 6536 - (كان إذا اجتلى النساء) أي كشف عنهن لإرادة جماعهن يقال جلوت واجتليت السيف ونحوه كشفت صداه وجلي الخبر للناس جلاء بالفتح والمد وضح وانكشف وجلوت العروس واجتليتها مثله (أقعى) أي قعد على ألييه مفضيا بهما إلى الأرض ناصبا فخذيه كما يقعى الأسد (وقبل) المرأة التي قعد لها يريد جماعها وأخذوا منه أنه يسن مؤكدا تقديم المداعبة والتقبيل ومص اللسان على الجماع وكرهوا خلافه وقد جاء في خبر رواه الديلمي عن أنس مرفوعا " ثلاثة من الجفاء أن يؤاخي الرجل الرجل فلا يعرف له اسما ولا كنية وأن يهيئ الرجل لأخيه طعاما فلا يجيبه وأن يكون بين الرجل وأهله وقاعا من غير أن يرسل رسوله المزاح والقبل لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة " وروى الخطيب عن أم سلمة أنه كان يغطي رأسه ويخفض صوته ويقول للمرأة عليك بالسكينة (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي أسيد الساعدي) بكسر العين المهملة الحديث: 6536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 6537 - (كان إذا حلف واجتهد في اليمين قال: لا والذي نفس أبو القاسم بيده) أي ذاته وجملته (بيده) أي بقدرته وتدبيره قال الطيبي: وهذا في علم البيان من أسلوب التجريد لأنه جرد من نفسه من يسمى أبا القاسم وهو هو وأصل الكلام الذي نفسي ثم التفت من التكلم إلى الغيبة (حم عن أبي سعيد) الخدري رمز لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه بل رواه أبو داود في الإيمان وابن ماجه في الكفارة وله ألفاظ الحديث: 6537 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 6538 - (كان إذا أخذ مضجعه) بفتح الميم والجيم أي أراد النوم في مضجعه أي استقر فيه لينام والمضجع موضع الضجوع (جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن) كما يوضع الميت في اللحد وقال الذكر المشهور فختم به كلامه فيندب ذلك لكل من أراد النوم ليلا أو نهارا وعلم من هذا كونه على شقه الأيمن والنوم عليه أسرع إلى الانتباه لعدم استقرار القلب حالتئذ فإنه بالجانب الأيسر فيتعلق ولا يستغرق في النوم بخلاف النوم على الأيسر لأن القلب لاستراحته يستغرق فيبطئ الانتباه والنوم عليه وإن كان أهنأ لكن إكثاره يضر القلب لميل الأعضاء إليه فتنصب المواد فيه (طب عن حفصة) [ص: 91] بنت عمر بن الخطاب رمز المصنف لصحته وظاهر صنيعه أن هذا ليس في الكتب الستة ولا كذلك فقد خرجه الترمذي عن البراء بزيادة وقال رب قني عذابك يوم تبعث عبادك الحديث: 6538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 6539 - (كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده) ليس فيه ذكر اليمنى وهو مبين في الرواية قبلها (ثم يقول باسمك اللهم) أي بذكر اسمك (أحيا) ما حييت (وباسمك أموت) أي وعليه أموت وباسمك المميت أموت وباسمك المحيي أحيا لأن معاني الأسماء الحسنى ثابتة له سبحانه وكل ما ظهر في الوجود فصادر عن تلك المقتضيات أو لا أنفك عن اسمك في حياتي ومماتي وهو إشارة إلى مقام التوحيد وقيل الاسم مفخم من قبيل سبح اسم ربك يعني أنت تحييني وتميتني أراد به النوم واليقظة فنبه على إثبات البعث بعد الموت (وإذا استيقظ) أي انتبه من نومه (قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا) أي أيقظنا بعد ما أنامنا أطلق الموت على النوم لأنه يزول معه العقل والحركة ومن ثم قالوا: النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وقالوا: النوم أخو الموت كذا قرره بعض المتأخرين وهو استمداد من بعض قول المتقدمين (قوله أحيانا بعدما أماتنا) أي رد أنفسنا بعد قبضها عن التصرف بالنوم يعني الحمد لله شكرا لنيل نعمة التصرف في الطاعات بالانتباه من النوم الذي هو أخو الموت وزوال المانع عن التقرب بالعبادات (وإليه النشور) الإحياء للبعث أو المرجع في نيل الثواب مما نكسب في حياتنا هذه وفيه إشارة بإعادة اليقظة بعد النوم إلى البعث بعد الموت وحكمة الدعاء عند النوم أن يكون خاتمة عمله العبادة فالدعاء هو العبادة {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وحكمة الدعاء عند الانتباه أن يكون أول ما يستيقظ يعبد الله بدعائه وذكره وتوحيده <تنبيه> قال القاضي: ورد آنفا أنه كان إذا قعد نظر إلى السماء فقرأ {إن في خلق السماوات والأرض} إلى آخر السورة ثم قام فتوضأ وقد دل بهذا على أن المتهجد إذا استيقظ ينبغي أن يشغل كل عضو منه بما هو المطلوب منه والموظف له من الطاعات فيطالع بعينه عجائب الملك والملكوت ثم يتفكر بقلبه فيما انتهى إليه حاسة بصره يعرج بمواقي فكره إلى عالم الجبروت حتى ينتهي إلى سرادقات الكبرياء فيفتح لسانه بالذكر ثم يتبع بدنه نفسه بالتأهب للصلاة وللوقوف في مقامات التناجي والدعاء (حم م عن البراء) بن عازب (حم خ عد عن حذيفة) بن اليمان (حم ق عن أبي ذر) الغفاري الحديث: 6539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 6540 - (كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال بسم الله) وفي رواية باسمك اللهم (وضعت جنبي) أي بإقدارك إياي وضعت جنبي ففيه الإيمان بالقدر وفي رواية أنه كان يقول " باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه " قال الولي العراقي: قال السبكي: وينبغي لنا الاقتصار على الوارد فلا يقال أرفعه إن شاء الله فإنه لما قدم الجار والمجرور كان المعنى الإخبار بأن الرفع كان باسم الله وهو عمدة الكلام (اللهم اغفر لي ذنبي واخسئ شيطاني) أي اجعله خاسئا أي مطرودا وهو بوصل الهمزة يقال خسئت الكلب أي طردته وخسأ يتعدى ولا يتعدى (وفك رهاني) أي خلصني من عقال ما اقترفت نفسي من الأعمال التي لا ترتضيها بالعفو عنها والرهان كسهام الرهن وهو ما يجعل وثيقة بالدين والمراد هنا نفس الإنسان لأنها مرهونة بعملها {كل امرئ بما كسب رهين} (وثقل ميزاني) يوم توزن الأعمال (واجعلني في الندي الأعلى) أي الملأ الأعلى من الملائكة والندي بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء كما في الأذكار القوم المجتمعون في مجلس ومنه [ص: 92] النادي وهذا دعاء يجمع خير الدنيا والآخرة فتتأكد المواظبة عليه كلما أريد النوم وهو من أجل الأدعية المشروعة عنده على كثرتها (د) في الأدب (ك) في الدعاء وصححه (عن أبي الأزهر) قال النووي في الأذكار: ويقال أبو زهير الأنماري الشامي قال البغوي في المعجم: لم ينسب ولا أدري أله صحبة أم لا وفي التقريب: صحابي لا يعرف اسمه وإسناده حسن الحديث: 6540 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 6541 - (كان إذا أخذ مضجعه) من الليل (قرأ قل يا أيها الكافرون) أي سورتها (حتى يختمها) ثم ينام على خاتمتها فإنها براءة من الشرك كما جاء معللا به في خبر آخر (طب عن عباد) بن عباد بموحدة مشددة (ابن أخضر) وهو عباد بن عباد بن علقمة المازني المصري المعروف بابن أخضر وكان زوج أمه وليس بصحابي فليحرر رمز المصنف لحسنه وليس كما زعم فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه يحيى الحماني ويحيى الجعفي كلاهما ضعيف جدا الحديث: 6541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 6542 - (كان إذا أخذ أهله) أي أحدا من أهل بيته (الوعك) أي الحمى أو ألمها (أمر بالحساء) بالفتح والمد طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن (فصنع) بالبناء للمفعول (ثم أمرهم فحسوا وكان يقول أنه ليرنو) بفتح المثناة التحتية وراء ساكنة فمثناة فوقية أي يشد ويقوي (فؤاد الحزين) قلبه أو رأس معدته (ويسرو عن فؤاد السقيم) بسين مهملة أي يكشف عن فؤاده الألم ويزيله (كما تسرو إحداهن الوسخ بالماء عن وجهها) أي تكشفه وتزيله قال ابن القيم: هذا ماء الشعير المغلي وهو أكثر غذاء من سويقه نافع للسعال قامع لحدة الفضول مدر للبول جدا قامع للظمأ مطف للحرارة وصفته أن يرض ويوضع عليه من الماء العذب خمسة أمثاله ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى خمساه (ت) في الطب (ك) في الأطعمة كلهم (عن عائشة) وقال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 6542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 6543 - (كان إذا ادهن) بالتشديد على افتعل تطلى بالدهن أي أراد ذلك (صب في راحته) أي في بطن كفه (اليسرى فبدأ بحاجبيه) فدهنهما أولا (ثم عينيه ثم رأسه) وفي رواية الطبراني عن عائشة كان إذا دهن لحيته بدأ بالعنفقة (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن عائشة) الحديث: 6543 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 6544 - (كان إذا أراد الحاجة) أي القعود للبول أو الغائط (لم يرفع ثوبه) عن عورته لفظ رواية أبي داود حال قيامه بل يصبر (حتى يدنو) أي يقرب (من الأرض) فإذا دنا منها رفعه شيئا فشيئا وهذا الأدب مستحب اتفاقا ومحله ما لم يخف تنجس ثوبه وإلا رفع قدر حاجته (د ت) في الطهارة (عن أنس) بن مالك (وعن ابن عمر) بن الخطاب (طس عن جابر) بن عبد الله وقد أشار المصنف لصحته وليس بمسلم فأما من طريقي أبي داود والترمذي فقد قال أبو داود نفسه وتبعه المنذري وعبد السلام بن حرب رواه عن الأعمش عن أنس وهو ضعيف وقال الزين العراقي: مداره على الأعمش وقد اختلف عليه فيه ولم يسمع الأعمش من أنس وهو ضعيف وإن كان رآه وفي حديث ابن عمر مجهول وذكر الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عن حديث أنس وابن عمر فقال: كلاهما مرسل ثم قال أعني العراقي: والحديث [ص: 93] ضعيف من جميع طرقه وقد أورد النووي في الخلاصة الحديث في فصل الضعيف فدل على أنه ضعيف عنده من جميع طرقه اه. قال في موضع آخر: الحديث ضعيف من جميع طرقه لأن رواية الأعمش عن ابن عمرو وعن أنس متقطعة وقال الصدر المناوي: الحديث ضعيف من رواية ابن عمر وصرح الترمذي أيضا بضعفه وإرساله قال بعض شراح أبي داود وضعفه للانقطاع أو لأن فيه متهما وقال عبد الحق: الأكثر على أن الحديث مقطوع وأن فيه رجلا لا يعرف وهو الصحيح وأما من طريق الطبراني فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله العجلي قيل إنه كان يضع الحديث الحديث: 6544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 6545 - (كان إذا أراد الحاجة) بالصحراء (أبعد) بحيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح ذكره الفقهاء وقال في الروض: لم يبين مقدار البعد وهو مبين في حديث ابن السكن في سننه أي في وتهذيب الآثار للطبري والأوسط والكبير للطبراني أي بسند جيد كما قاله الولي العراقي في شرح أبي داود بأنه على ثلثي فرسخ من مكة أو نحو ميلين أو ثلاثة وهو بفتح الميم الأخيرة وقال أبو دريد: الأصح كسرها مفعل من غمست كأنه اشتق من الغميس النبات الأخضر الذي ينبت في الخريوش اليابس وعلى رواية الفتح هو من غمست الثوب غطيته وهو مستور بهضاب الرمضاء والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن يأتي مكانا للمذهب إلا وهو مستور منخفض وفيه دليل على ندب الإبعاد لنحوه فإن قيل إنما يحصل الاستتار بذلك عن عيون الإنس فكيف بالجن قلنا يحصل المقصود في الجن وهو عدم قدرتهم على النظر إليه بأن يقول بسم الله كما مر في الحديث فإن قيل كما ثبت الإبعاد ثبت عدمه أيضا كما في أبي داود عن حذيفة أجيب بأنه إنما فعله لبيان الجواز أو لحاجة كخوف والبول أخف من الغائط لكراهة ريحه واحتياجه إلى زيادة تكشف وفي معنى الإبعاد اتخاذ الكنيف في البيوت وضرب الحجب وإرخاء الستور وإعماق الحفائر ونحو ذلك مما يستر العورة ويمنع الريح قال الولي العراقي: ويلحق بقضاء الحاجة كل ما يستحى منه كالجماع فيندب إخفاؤه بتباعد أو تستر وكذا إزالة القاذورات كنتف إبط وحلق عانة كما نقله والدي عن بعضهم (هـ عن بلال بن الحارث) المزني قدم سنة خمس في وفد مزينة وأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيق (حم ن هـ عن عبد الرحمن بن أبي قرار) بشديد الراء بضبط المصنف وليس بصحيح ففي التقريب كأصله بضم القاف وتخفيف الراء السليمي الأنصاري ويقال له الفاكه قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه: هذا حديث ضعيف لضعف رواته ومنهم كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف المزني قال أحمد مرة: منكر الحديث ومرة: لا يساوي شيئا والنسائي والدارقطني: متروك وأبو زرعة: واه وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب وابن حبان: يروي الموضوع اه لكن يعضده رواية أحمد عن المغيرة كان إذا تبرز تباعد ورواية أبي داود عن جابر كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد وهو بمعنى كان إذا أراد الحاجة أبعد لأنه جعل غاية الانطلاق أن لا يراه أحد وذلك إنما يحصل بالإبعاد ذكره الولي العراقي قال: فإن قيل يحصل بمكان خال وإن لم يبعد قلنا لا يأتي إلا في الكنف المعدة ولم تكن الكنف اتخذت ذلك الوقت فلا يحصل المقصود من ذلك إلا بالإبعاد الحديث: 6545 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 6546 - (كان إذا أراد أن يبول فأتى عزازا من الأرض) بفتح العين ما صلب واشتد منها من العزوز وهي الناقة الضيقة الإحليل الذي لا ينزل لبنها إلا بجهد وإنما يكون في أطرافها (أخذ عودا فنكت به في الأرض حتى يثير من التراب ثم يبول فيه) ليأمن عود الرشاش عليه فينجسه ولأن البول يخد في الأرض اللينة فلا يسيل ومتى سال قد يلوث رجله وذيله إن لم يرفعه فإن رفعه أدى إلى تكشفه فيستحب فعل ذلك لكل من بال بمحل صلب قال النووي: وهذا متفق [ص: 94] عليه (د في مراسيله والحارث) بن أبي أسامة (عن طلحة بن أبي قنان) بفتح القاف والنون العبدري مولاهم الدمشقي. قال في التقريب كأصله: مجهول أرسل حديثا أي وهو هذا (مرسلا) وهو ابن قنان العبدري مولاهم قال ابن القطان: لم يذكر عبد الحق لهذا علة إلا الإرسال وطلحة هذا لا يعرف بغير هذا وفي الميزان طلحة هذا لا يدرى من هو تفرد عنه الوليد بن سليمان الحديث: 6546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 6547 - (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه) أي ذكره (وتوضأ) وضوء (للصلاة) أي توضأ كما يتوضأ للصلاة وليس معناه أنه توضأ لأداء الصلاة إنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا قال ابن حجر: يحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد ويحتمل الاكتفاء بغسلها في الوضوء عن إعادته وعليه فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول جزء وإنما قدم على أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى وإلى الثاني ذهب بعض قدماء الشافعية ونقل ابن بطال الإجماع على عدم وجوب الوضوء مع الغسل ورد بأن مذهب داود أن الغسل لا يجزئ عن الوضوء للمحدث (ق د ن هـ عن عائشة) الحديث: 6547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 6548 - (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ) أي غسل أعضاءه الأربعة بالنية ولما كان الوضوء لغويا وشرعيا دفع توهم إرادة اللغوي الذي هو مطلق النظافة بقوله (وضوءه للصلاة) احترازا عن الوضوء اللغوي فيسن وضوء الجنب للنوم ويكره تركه ونقل ابن العربي عن مالك والشافعي أنه لا يجوز النوم بدونه إن أراد به نفي الحل المستوي الطرفين فمسلم وإلا فهو باطل عند الشافعي إذ لم يقل هو ولا أحد من صحبه بوجوبه ونوم المصطفى صلى الله عليه وسلم بغير وضوء وهو جنب بفرض صحة الخبر به لبيان الجواز وحكمة الوضوء تخفيف الحدث سيما إن قلنا بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند قال ابن حجر: رجاله ثقات عن شداد رفعه إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة وقيل حكمته أنه أحد الطهارتين وعليه فيقوم التيمم مقامه وقد روى البيهقي بإسناد قال ابن حجر: حسن عن عائشة كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم أي عند فقد الماء وقيل حكمته أن ينشط إلى العود أو الغسل ونقل ابن دقيق العيد عن نص الشافعي أنه مثل الجنب الحائض بعد الانقطاع وفيه ندب التنظف عند النوم قال ابن الجوزي: وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريه بخلاف الشياطين (وإذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب غسل يديه ثم يأكل ويشرب) لأن أكل الجنب بدون ذلك يورث الفقر كما جاء في خبر الديلمي عن شداد بن أوس يرفعه: ثلاث تورث الفقر أكل الرجل وهو جنب قبل أن يغسل يديه وقيامه عريانا بلا مئزر وسترة والمرأة تشتم زوجها في وجهه (د ن هـ عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله ثقات وفي الميزان عن ابن عدي: منكر الحديث: 6548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 6549 - (كان إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه) أي يلصق بشرته ببشرتها قال الحرالي: المباشرة التقاء البشرتين عمدا وليس المراد هنا الجماع فقط (وهي حائض أمرها أن تتزر ثم يباشرها) بالمئزر أي بالاتزار اتقاءا عن محل الأذى وفي رواية تأتزر بهمزتين قال القاضي كالهروي: وهي الصواب فإن الهمزة لا تدغم في التاء ولعل الإدغام من تحريف [ص: 95] بعض الرواة وفي المفصل إنه خطأ لكن قيل أنه مذهب كوفي والمراد أمرها بعقد إزار في وسطها بستر ما بين سرتها وركبتها كالسراويل ونحوه أي يضاجعها ويمس بشرتها وتمس بشرته للأمن حينئذ من الوقوع في الوقاع المحرم وهو عليه الصلاة والسلام أملك الناس لأربه ولا يخاف عليه ما يخاف عليهم من أن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه لكنه فعل ذلك تشريعا للأمة فأفاد أن الاستمتاع بما بين سرة الحائض وركبتها بلا حائل حرام وبه قال الجمهور وهو الجاري على قواعد المالكية في سد الذرائع ويجوز بحائل والحديث مخصص لآية {فاعتزلوا النساء في المحيض} وفيه تبليغ أفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم للاقتداء به وإن كانت مما يستحى ذكره عادة (خ د عن ميمونة) ورواه عنه أيضا البيهقي وغيره الحديث: 6549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 6550 - (كان إذا أراد من الحائض شيئا) يعني مباشرة فيما دون الفرج كالمفاخذة فكنى بها عنه (ألقى على فرجها ثوبا) ظاهره أن الاستمتاع المحرم إنما هو بالفرج فقط وهو قول للشافعي ورجحه النووي من جهة الدليل وهو مذهب الحنابلة وحملوا الأول على الندب جمعا بين الأدلة قال ابن دقيق العيد: ليس في الأول ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد وفصل بعضهم بين من يملك أربه وغيره (د عن بعض أمهات المؤمنين) قال ابن حجر: وإسناده قوي قال ابن عبد الهادي: انفرد بإخراجه أبو داود وإسناده صحيح الحديث: 6550 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 6551 - (كان إذا أراد سفرا) أي للغزو أو نحوه ومفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر قال ابن حجر: وليس عمومه مرادا بل يقرع فيما لو أراد القسم بينهن فلا يبدأ بأيهن شاء بل يقرع فمن قرعت بدأ بها وفي رواية للبخاري كان إذا أراد أن يخرج إلى سفر (أقرع بين نسائه) تطييبا لنفوسهن وحذرا من الترجيح بلا مرجح عملا بالعدل لأن المقيمة وإن كانت في راحة لكن يفوتها الاستمتاع بالزوج والمسافرة وإن حظيت عنده بذلك تتأذى بمشقة السفر فإيثار بعضهن بهذا وبعضهن بهذا اختيارا عدول عن الانصاف ومن ثم كان الاقراع واجبا لكن محل الوجوب في حق الأمة لا في حقه عليه الصلاة والسلام لعدم وجوب القسم عليه كما نبه عليه ابن أبي جمرة (فأيتهن) بتاء التأنيث أي أية امرأة منهن وروي فأيهن بدون تأنيث. قال الزركشي: والأول هو الوجه قال الدماميني: ودعواه أن الرواية الثانية ليست على الوجه خطأ إذ المنقول إذا أريد بأي المؤنث جاز إلحاق التاء به موصولا كان أو استفهاما أو غيرهما (خرج سهمها خرج بها معه) في صحبته وفي رواية أخرج بزيادة همزة قال ابن حجر: والأول الصواب وهذا أول حديث الإفك وفيه حل السفر بالزوجة وخروج النساء في الغزوات وذلك مباح إذا كان العسكر تؤمن عليه الغلبة وكان خروج النساء مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجهاد فيه مصلحة بينة لإعانتهن على ما لا بد منه وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته كما في البخاري وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا الله ورسوله هكذا ذكره في كتاب الهبة وفيه مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء ونحو ذلك والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبارها (ق) في الإفك (د هـ عن عائشة) وروي عن غيرها أيضا الحديث: 6551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 6552 - (كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد) أي بأطيب ما تيسر عنده من طيب الرجال فيندب التطيب عند إرادة الإحرام وكونه بأطيب الطيب وأنه لا بأس باستدامته ومنعه مالك وفي الحديث رد عليه (م عن عائشة) الحديث: 6552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 [ص: 96] 6553 - (كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة) كرطبة وقد تسكن الحاء ما أنحفت به غيرك (سقاه من ماء زمزم) لجموم فضائله وعموم فوائده ومدحه في الكتب الإلهية قال وهب: إنكم لا تدرون ماء زمزم والله إنها لفي كتاب الله أي التوراة المضنونة وبرء وشراب الأبرار لا تنزف ولا تدم طعام من طعم وشفاء من سقم لا يعمد إليها امرؤ فيتضلع منها إلا نفت ما به من داء وأحدثت له شفاء والنظر إلى زمزم عبادة تحط الخطايا حطا رواه عبد الرزاق وابن منصور بسند فيه انقطاع (حل عن ابن عباس) قال ابن حجر: هذا غريب من هذا الوجه مرفوعا والمحفوظ وقفه وفيه مقال من جهة محمد بن حميد الرازي ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر وخرجه الفاكهي في تاريخ مكة موقوفا بسند على شرط الشيخين الحديث: 6553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 6554 - (كان إذا أراد أن يدعو على أحد) في صلاته (أو يدعو لأحد) فيها (قنت) بالقنوت المشهور عنه (بعد الركوع) تمسك بمفهومه من زعم أن القنوت قبل الركوع قال: وإنما يكون بعده عند الدعاء على قوم أو لقوم وتعقب باحتمال أن مفهومه أن القنوت لم يقع إلا في هذه الحالة (خ) بهذا اللفظ في التفسير (عن أبي هريرة) قال الذهبي: وروى مسلم نحوه اه. فما أوهمه صنيع المصنف من أن هذا مما تفرد به البخاري غير جيد والتشبث بالخلف اللفظي خيال الحديث: 6554 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 6555 - (كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر) أي صلاته (ثم دخل معتكفه) في رواية في معتكفه أي انقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاته الصبح لأن ذلك وقت ابتداء اعتكافه بل كان يعتكف من الغروب ليلة الحادي والعشرين وإلا لما كان معتكفا للعشر بتمامه الذي ورد في عدة أخبار أنه كان يعتكف العشر بتمامه وهذا هو المعتبر عند الجمهور لمن يريد اعتكاف عشر أو شهر وبه قال الأئمة الأربعة ذكره الحافظ العراقي وغيره (د ت) في الاعتكاف (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه فظاهر صنيعه أنه لم يروه أحد من الستة غير هذين والأمر بخلافه بل رواه الجماعة جميعا لكن عذره أن الشيخين إنما روياه مطولا في ضمن حديث فلم يتنبه له لوقوعه ضمنا الحديث: 6555 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 6556 - (كان إذا أراد أن يودع الجيش) الذي يجهزه للغزو (قال أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم) قال الطيبي: قوله أستودع الله هو طلب حفظ الوديعة وفيه نوع مشاكلة للتوديع جعل دينهم وأمانتهم من الودائع لأن السفر يصيب الإنسان فيه المشقة والخوف فيكون ذلك سببا لإهمال بعض أمور الدين فدعا المصطفى صلى الله عليه وسلم لهم بالمعونة في الدين والتوفيق فيه ولا يخلو المسافر من الاشتغال بما يحتاج فيه إلى نحو أخذ وإعطاء وعشرة فدعا للناس المصطفى صلى الله عليه وسلم بحفظ الأمانة وتجنب الخيانة ثم بحسن الإختتام ليكون مأمون العاقبة عما سواه في الدنيا والدين (د ك) في الجهاد وكذا النسائي في اليوم والليلة (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير شهد الحديبية وولى الكوفة. قال في الأذكار: حديث صحيح وقال في الرياض: رواه أبو داود بإسناد صحيح الحديث: 6556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 6557 - (كان إذا أراد غزوة ورى) بتشديد الراء أي سترها وكنى عنها (بغيرها) أي بغير تلك الغزوة التي أرادها [ص: 97] فيوهم أنه يريد غزو جهة أخرى كان يقول إذا أراد غزو خيبر كيف تجدوا مياهها موهما أنه يريد غزو مكة لا أنه يقول أريد غزو خيبر وهو يريد مكة فإنه كذب وهو محال عليه والتورية أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيسأل عنه وعن طريقه فيفهم السامع بسبب ذلك أنه يقصد المحل القريب والمتكلم صادق لكن لخلل وقع من فهم السامع خاصة وأصله من وريت الخبر تورية سترته وأظهرت غيره وأصله ورا الإنسان لأنه من ورى بشيء كأنه جعله وراءه وضبطه السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها وذلك لئلا يتفطن العدو فيستعد للدفع والحرب كما قال الحرب خدعة وفي البخاري أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز واستقبل غزو عدو كثير فجلى المسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بجهته الذي يريد وعن كعب بن مالك ظاهر صنيعه أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو وهم بل هو فيهما فقد قال الحافظ العراقي: هو متفق عليه اه. وهو في البخاري في غزوة تبوك وفي موضع آخر وفي مسلم في التوبة كلاهما عن كعب المزبور مطولا ولفظهما: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة يعني تبوك غزاها في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا وغزوا كثيرا فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بجهته الذي يريد اه. وقد تقرر غير مرة عن مغلطاي وغيره من أهل الفن أنه ليس لحديثي عزو حديث لغير الشيخين مع وجود ما يفيده لأحدهما الحديث: 6557 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 6558 - (كان إذا أراد أن يرقد) في رواية بدله ينام (وضع يده اليمنى تحت خده) في رواية رأسه (ثم يقول: اللهم قني عذابك) أي أجرني منه (يوم تبعث) في رواية تجمع (عبادك) من القبور إلى النشور للحساب يقول ذلك (ثلاث مرات) أي يكرره ثلاثا والظاهر حصول أصل السنة بمرة وكمالها باستكمال الثلاث (د) في الأدب وكذا النسائي في يوم وليلة كلاهما (عن حفصة) أم المؤمنين ورواه الترمذي عن حذيفة لكن بدون التثليث وحسنه ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 6559 - (كان إذا أراد أمرا) أي فعل أمر من الأمور استخار الله تعالى (قال اللهم خر لي واختر لي) أي اختر لي أصلح الأمرين واجعل لي الخيرة فيه فالخيرات كلها من خيرته والصفوة من الخيرات مختارة (ت) عن عائشة (عن أبي بكر) الصديق وفيه زنفل العوفي قال في الميزان: ضعفه الدارقطني وساق له هذا الخبر وقال النووي في الأذكار بعد عزوه للترمذي: سنده ضعيف وقال ابن حجر بعدما عزاه للترمذي: سنده ضعيف الحديث: 6559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 6560 - (كان إذا أراد سفرا قال) عند خروجه له (اللهم بك أصول) أي أسطو على العدو وأحمل عليه (وبك أحول) عن المعصية أو أحتال والمراد كيد العدو (وبك أسير) إلى العدو فانصرني عليهم. قال الزمخشري: المحاولة طلب الشيء بحيلة ونظيرها المراوغة والمصاولة المواثبة وهو من حال يحول حيلة بمعنى احتال والمراد كيد العدو وقيل هو من حال بمعنى تحرك اه <تنبيه> في حاشية الكشاف للطيبي في آية {الآن خفف الله عنكم} هذا التخفيف للأمة دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لا يثقله حمل أمانة النبوة كيف يخاطب بتخفيف لقاء الأضداد وكيف يخاطب به وهو الذي يقول في هذا الحديث بك أصول وبك أحول ومن كان به كيف يخفف عنه أو يثقل عليه (حم) وكذا البزار (عن علي) أمير المؤمنين. قال الهيثمي: رجالهما ثقات اه. فإشارة المصنف لحسنه تقصير بل حقه الرمز لصحته الحديث: 6560 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 [ص: 98] 6561 - (كان إذا أراد أن يزوج امرأة من نسائه) يعني من أقاربه أو بنات أصحابه الأقربين (يأتيها من وراء الحجاب فيقول لها يا بنية إن فلانا قد خطبك فإن كرهتيه فقولي لا فإنه لا يستحي أحد أن يقول لا وإن أحببت فإن سكوتك إقرار) زاد في رواية فإن حركت الخدر لم يزوجها وإن لم تحركه أنكحها فيستحب لكل ولي مجبر أن يفعل ذلك مع موليته لأنه أطيب للنفس وأحمد عاقبة (طب عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك وقد وثقه ابن معين في رواية ورواه ابن عدي في الكامل وابن أبي حاتم في العلل وأبو الشيخ [ابن حبان] والغرياني في كتاب النكاح ورواه البيهقي عن ابن عباس وعكرمة المخزومي وغيرهما الحديث: 6561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 6562 - (كان إذا استجد ثوبا) أي لبس ثوبا جديدا (سماه) أي الثوب (باسمه قميصا) أي سواء كان قميصا (أو عمامة أو رداء) بأن يقول رزقني الله هذه العمامة. كذا قرره البيضاوي (ثم يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه) قال الطيبي: الضمير راجع إلى المسمى وقال المظهر: يحتمل أن يسميه عند قوله اللهم لك الحمد كما كسوتني هذه العمامة والأول أوجه لدلالة العطف بثم وفيه رد وقوله كما كسوتنيه مرفوع المحل مبتدأ وخبره (أسألك من خيره) وهو المشبه أي مثل ما كسوتنيه من غير حول مني ولا قوة (وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) وقال ابن العربي: خير ما صنع له استعماله في الطاعة وشر ما صنع له استعماله في المعصية وفيه ندب للذكر المذكور لكل من لبس ثوبا جديدا والظاهر أن ذلك يستحب لمن ابتدأ لبس غير ثوب جديد بأن كان ملبوسا ثم رأيت الزين العراقي قال: يستحب عند لبس الجديد وغيره بدليل رواية ابن السني في اليوم والليلة إذا لبس ثوبا (حم د ت) كلاهما في اللباس (ك) في اللباس أيضا كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن وقال النووي: صحيح ورواه أيضا النسائي في اليوم والليلة وابن السني الحديث: 6562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 6563 - (كان إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة) لكونه أفضل أيام الأسبوع فتعود بركته على الثوب وعلى لابسه (خط عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وعنبسة أحد رواته مجروح ومحمد بن عبيد الله الأنصاري يروي عن الأثبات ما ليس من حديثهم فلا يجوز الاحتجاج به الحديث: 6563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 6564 - (كان إذا استراث الخبر) أي استبطأ وهو استفعل من الريث وهو الاستبطاء يقال راث ريثا أبطأ واسترثته استبطأته (تمثل ببيت طرفة) وهو قوله (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) وأوله. . . ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا. . . وفي رواية أنه كان أبغض الحديث إليه الشعر غير أنه تمثل مرة ببيت أخي قيس بن طرفة ستبدى إلخ والتمثيل إنشاد بيت ثم آخر ثم آخر وتمثل بشيء ضربه مثلا كذا في القاموس والمثل الكلام الموزون في مورد خاص ثم شاع في [ص: 99] معنى يصح أن تورده باعتبار أمثال مورودة (حم عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح قال: ورواه الترمذي أيضا لكن جعل مكانه طرفة بن رواحة الحديث: 6564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 6565 - (كان إذا استسقى) أي طلب الغيث عند الحاجة إليه (قال اللهم اسق عبادك) لأنهم عبيدك المتذللون الخاضعون لك فالعباد هنا كالسبب للسقي (وبهائمك) جمع بهيمة وهي كل ذات أربع لأنهم يرحمون فيسقون وفي خبر لابن ماجه لولا البهائم لم تمطروا (وانشر رحمتك) أي ابسط بركات غيثك ومنافعه على عبادك (وأحي بلدك الميت) قال الطيبي: يريد به بعض بلاد المبعدين عن مظان الماء الذي لا ينبت فيه عشب للجذب فسماه ميتا على الاستعارة ثم فرع عليه الأحياء وزاد الطبراني في روايته واسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا (د عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النووي في الأذكار: وإسناده صحيح وقال ابن القطان: فيه علي بن قادم وهو وإن كان صدوقا فإنه مستضعف ضعفه يحيى وقال ابن عدي: نقبت عليه أحاديث رواها عن الثوري وهذا منها وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحارثي وقال: حدث بأشياء لم يتابع عليها اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وتصحيح النووي له الحديث: 6565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 6566 - (كان إذا استسقى قال اللهم أنزل في أرضنا بركتها وزينتها) أي نباتها الذي يزينها (وسكنها) بفتح السين والكاف أي غياث أهلها الذي تسكن إليه نفوسهم (وارزقنا وأنت خير الرازقين) (أبو عوانة) في صحيحه المشهور (طب) كلاهما (عن سمرة) قال ابن حجر: إسناده ضعيف الحديث: 6566 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 6567 - (كان إذا استفتح) الذي وقفت عليه في أصول مخرجي هذا الحديث افتتح (الصلاة) أي ابتدأ فيها (قال) أي بعد تكبيرة الإحرام (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك) قال ابن الأثير: الاسم هنا صلة قال الفخر الرازي: وكما يجب تنزيه ذاته عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب (وتعالى جدك) أي على جلالك وعظمتك والجد الحظ والسعادة والغنى (ولا إله غيرك) لفظ رواية الترمذي كان إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه اه. قال الطيبي: والواو في وبحمدك للحال أو هو عطف جملة فعلية على مثلها إذ التقدير أنزهك تنزيها وأسبحك تسبيحا مقيدا بشكرك وعلى التقديرين اللهم جملة معترضة والجار والمجرور أعني بحمدك متصل بفعل مقدر والباء سببية أو حال من فاعل أو صفة لمصدر محذوف أي نسبح بالثناء عليك أو متلبسين بشكرك أو تسبيحا مقيدا بشكرك وفيه رد على مالك في ذهابه إلى عدم سن الافتتاح لكن قال الحافظ ابن حجر: يعارض حديث الاستفتاح حديث أنس أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أخرجاه وخبر مسلم عن جابر كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ثم إن الحديث المشروح قد تمسك به الحنابلة على أن السنة في الافتتاح إنما هي ما ذكر مخالفين [ص: 100] للشافعي في ذهابه إلى ندبه بقوله وجهت وجهي إلخ (د ت هـ ك) وصححه (عن عائشة) ثم قال مخرجه أبو داود: لم يروه عن عبد السلام غير طلق بن غنام وليس هذا الحديث بالقوي وقال النووي في الأذكار: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد ضعيفة قال الذهبي: خرجه الترمذي من طريق حارثة بن أبي الرجال وهو واه (ن هـ ك عن أبي سعيد) الخدري قال الذهبي: فيه علي بن علي الرفاعي وفيه لين (طب عن ابن مسعود وعن واثلة) بن الأسقع قال الصدر المناوي: روي مرفوعا عن عائشة وأبي سعيد والكل ضعيف ورواه مسلم موقوفا قال: ووهم المحب الطبري حيث عزاه للسبعة أي الستة وأحمد فإنه ليس في الصحيح بل ولا صحيح بل ضعيف وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: فيه علة خفية وهي الانقطاع بين أبي الجوزاء أوس بن عبد الله وعائشة فإنه لم يسمع منها وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات لكن فيه انقطاع وأعله أبو داود وغيره وقال الهيثمي في رواية الطبراني: فيه عمرو بن حسين وهو ضعيف وقال الطيبي: حديث حسن قال: وقد رماه في المصابيح بالضعف وليس الأمر كما توهمه الحديث: 6567 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 6568 - (كان إذا استلم الركن) اليماني (قبله) بغير صوت (ووضع خده الأيمن عليه) ومن ثم ذهب جمع من الأئمة إلى ندب ذلك لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يستلمه ويقبل يده ولا يقبله (هق) من حديث عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد (عن ابن عباس) ثم قال أعني البيهقي: وعبد الله ضعيف وتعقبه الذهبي في المهذب فقال: قال أحمد صالح الحديث لكنه نقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين والنسائي وابن المديني وأورد له هذا الحديث الحديث: 6568 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 6569 - (كان إذا استن) أي تسوك من السن وهو إمرار شيء فيه خشونة على آخر ومنه المسن (أعطى السواك الأكبر) أي يناوله بعد ما تسوك به إلى أكبر القوم الحاضرين لأن توقير الأكبر واجب وإذا لم نبدأ به لم نوقره وسيجيء في خبر " ليس منا من لم يوقر كبيرنا " فيندب تقديم الأكبر في السواك وغيره من سائر وجوه الإكرام والتوقير وفيه حل الاستياك بحضرة الغير والظاهر أن المراد به الأفضل ويحتمل الأسن ثم محل تقديمه (1) ما لم يؤد إلى ترك سنته ككون من عن اليمين خلافه كما يشير إليه قوله (وإذا شرب) ماء أو لبنا (أعطى الذي عن يمينه) ولو مفضولا صغيرا كما مر قيل وفيه أيضا مشروعية الهبة وفيه ما فيه قال ابن حجر: وظاهر تخصيص الشراب أن ذلك لا يجري في الأكل لكن وقع في حديث أنس خلافه (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عبد الله بن كعب) بن مالك السلمي قال في التقريب: يقال له رؤية أي ولا رواية له اتفاقا فالحديث مرسل   (1) قال الشيخ وهذا يشعر بجواز دفع السواك للغير لكن حمله على جوازه بكراهة في شأن غير الشارع على أنه كان يفعل ذلك لبيان الجواز فلا ينافي كراهة الاستياك بسواك الغير الحديث: 6569 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 6570 - (كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة) أي بصلاة الظهر يعني صلاها في أول وقتها وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه (وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة) أي دخل بها في البرد بأن يؤخرها إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه قاصدا الجماعة قال الإمام البخاري: يعني هنا صلاة الجمعة قياسا على الظهر لا بالنص لأن أكثر الأحاديث تدل على الإبراد بالظهر وعلى التبكير بالجمعة مطلقا وقوله أعني البخاري يعني الجمعة يحتمل كونه قول التابعي مما فهم وكونه من تفقه فترجح عنده إلحاقا بالظهر لأنها إما ظهر وزيادة أو بدل عن الظهر لكن الأصح من مذهب الشافعي عدم الإبراد بها (خ ن عن أنس) بن مالك ولم يخرجه [ص: 101] مسلم ولا الثلاثة وإطلاق الصدر المناوي أن أصحاب السنن الأربعة لم يخرجوه ذهول عن النسائي الحديث: 6570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 6571 - (كان إذا اشتد الريح الشمأل) هي مقابل الجنوب (قال اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت فيها) وفي رواية بدله من شر ما أرسلت به والمراد أنها قد تبعث عذابا على قوم فتعوذ من ذلك فتندب المحافظة على قول ذلك عند اشتدادها وعدم الغفلة عنه (ابن السني) وكذا البزار (طب) كلهم (عن عثمان بن أبي العاص) رمز المصنف لحسنه وهو غير جيد فقد قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن إسحاق وأبو شيبة كلاهما ضعيف الحديث: 6571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 6572 - (كان إذا اشتد الريح قال اللهم) اجعلها (لقحا) بفتح اللام والقاف من باب تعب أي حاملا للماء كاللقحة من الإبل (لا عقيما) لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان لا ولد له شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم {وأرسلنا الرياح لواقح} (حب ك) في الأدب وكذا ابن السني كلهم (عن سلمة بن الأكوع) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي قال في الأذكار: إسناده صحيح الحديث: 6572 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 6573 - (كان إذا اشتكى) أي مرض (نفث) بالمثلثة أي خرج الريح من فمه مع شيء من ريقه (على نفسه بالمعوذات) بالواو المشددة: الإخلاص واللتين بعدها فهو من باب التغليب أو المراد: الفلق والناس وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو المراد الكلمات المعوذات بالله من الشيطان والأمراض أي قرأها ونفث الريح على نفيه أو أن المعوذتين وكل آية تشبههما نحو {وإن يكاد} الآية أو أطلق الجمع على التثنية مجازا ذكره القاضي. قال الزمخشري: والنفث بالفم شبيه بالنفخ ويقال نفث الراقي ريقه وهو أقل من التفل والحية تنفث السم ومنه قولهم لا بد للمصدور أن ينفث ويقال أراد فلان أن يقر بحقي فنفث في ذؤابة إنسان حتى أفسده (ومسح عنه بيده) لفظ رواية مسلم بيمينه أي مسح من ذلك النفث بيمينه أعضاءه وقال الطيبي: الضمير في عنه راجع إلى ذلك النفث والجار والمجرور حال أي نفث على بعض جسده ثم مسح بيده متجاوزا عن ذلك النفث إلى جميع أعضائه وفائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر وفيه تفاؤل بزوال الألم وانفصاله كانفصال ذلك الريق وخص المعوذات لما فيها من الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا ففي الإخلاص كمال التوحيد الاعتقادي وفي الاستعاذة من شر ما خلق ما يعم الأشباح والأرواح وبقية هذا الحديث في صحيح البخاري فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه فطفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الأعلى <تنبيه> قال الحكيم: جاء في رواية بدل فنفث فقرأ فدل على أن النفث قبل القراءة وفي حديث بدأ بذكر القرآن ثم النفث وفي آخر بدأ بذكر النفث بالقراءة فلا يكون النفث إلا بعد القراءة وإذا فعل الشيء لشيء كان ذلك الشيء مقدما حتى يأتي الثاني وفي حديث آخر نفث بقل هو الله أحد وذلك يدل على أن القراءة تقدم ثم نفث ببركتها لأن القصد وصول نورها إلى الجسد فلا يصل إلا بذلك فإذا قرأ استنار صدره بنور المقروء الذي يتلوه كل قارئ على قدره والنفث من الروح والنفخ من النفس وعلامته أن الروح باردة والنفس حارة فإذا قال نفث خرجت الريح باردة لبرد الروح وإذا قال هاه خرجت حارة فتلك نفثه والثانية نفخة وذلك لأن الروح مسكنه الرأس ثم ينبث في البدن والنفس في البطن ثم ينبث في البدن كله وفي كل منهما حياة بهما يستعملان البدن بالحركة ولا روح سماوية والنفس أرضية والروح شأنه الطاعة والنفس ضده فإذا ضم شفتيه اعتصر الروح في مسكنه فإذا أرسله خرج إلى شفتيه مع برد فذلك النفث [ص: 102] وإذا فتح فاه اعتصرت النفس فإذا أرسله خرجت ريح جلدة فلذلك ذكر في الحديث النفث لأن الروح أسرع نهوضا إلى نور تلك الكلمات والنفس ثقيلة بطيئة وإذا صار الريح بالنفث إلى الكفين مسح بهما وجهه وما أقبل من بدنه لأن قبالة المؤمن حيث كان فهو لقبالة الله فإذ فعل ذلك بجسده عند إيوائه إلى فراشه أو عند مرضه كان كمن اغتسل بأطهر ماء وأطيبه فما ظنك بمن يغتسل بأنوار كلمات الله تعالى. <فائدة> قال القاضي: شهدت المباحث الطبية على أن الريق له دخل في النضح وتبديل المزاج ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ودفع نكاية المغيرات ولهذا ذكروا في تدبير المسافر أنه يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إذا ورد غير الماء الذي تعود شربه ووافق مزاجه جعل شيئا منه في سقايته ويشرب الماء من رأسه ليحفظ عن مضرة الماء الغريب ويأمن تغير مزاجه بسبب استنشاق الهواء المغاير للهواء المعتاد ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها (ق د ن عن عائشة) ورواه عنها النسائي أيضا الحديث: 6573 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 6574 - (كان إذا اشتكى) أي مرض والشكاية كما قال الزركشي المرض (ورقاه جبريل قال بسم الله يبريك) الاسم هنا يراد به المسمى فكأنه قال الله يبريك من قبيل {سبح اسم ربك الأعلى} ولفظ الاسم عبارة عن الكلمة الدالة على المسمى والمسمى هو مدلولها لكنه قال: يتوسع فيوضع الاسم موضع المسمى مسامحة ذكره القرطبي (من كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد) خصه بعد التعميم لخفاء شره (وشر كل ذي عين) من عطف الخاص على العام لأن كل عائن حاسد ولا عكس فلما كان الحاسد أعم كان تقديم الاستعاذة منه أهم وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعيون تصيبه تارة وتخطئه أخرى فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام خابت فهو بمنزلة الرمي الحسي لكن هذا من النفوس والأرواح وذلك من الأجسام والأشباح ولهذا قال ابن القيم: استعاذ من الحاسد لأن روحه مؤذية للمحسود مؤثرة فيه أثرا بينا لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية وهو أصل الإصابة بالعين فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة تقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصة والتأثير كما يكون بالاتصال قد يكون بالمقابلة وبالرؤية وبتوجه الروح وبالأدعية والرقى والتعوذات وبالوهم والتخييل وغير ذلك وفيه ندب الرقية بأسماء الله وبالعوذ الصحيحة من كل مرض وقع أو يتوقع وأنه لا ينافي التوكل ولا ينقصه وإلا لكان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحق الناس بتحاشيه فإن الله لم يزل يرقى نبيه في المقامات الشريفة والدرجات الرفيعة إلى أن قبضه وقد رقى في أمراضه حتى مرض موته فقد رقته عائشة في مرض موته ومسحته بيدها ويده وأقر ذلك (م) في الطب (عن عائشة) ورواه أيضا ابن ماجه في الطب والترمذي في الجنائز والنسائي في البعوث أربعتهم عن أبي سعيد مع خلف يسير والمعنى متقارب جدا الحديث: 6574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 5675 - (كان إذا اشتكى اقتحم) أي استف وفي رواية تقحم (كفا) أي ملأ كفا (من شونيز) بضم الشين المعجمة وهو الحبة السوداء (وشرب عليه) أي على أثر استفافه (ماءا وعسلا) أي ممزوجا بعسل لأن لذلك سرا بديعا في حفظ الصحة لا يهتدي إليه إلا خاصة الأطباء ومنافع العسل لا تحصى حتى قال ابن القيم: ما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه ولم يكن معول الأطباء إلا عليه وأكثر كتبهم لا يذكرون فيها السكر ألبتة (خط عن أنس) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سعيد القطان ضعيف قال الحافظ العراقي وفيه الوليد بن شجاع. قال أبو حاتم: لا يحتج به الحديث: 5675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 [ص: 103] 6576 - (كان إذا اشتكى أحد رأسه) أي وجع رأسه (قال) له (اذهب فاحتجم) فإن للحجامة أثرا بينا في شفاء بعض أنواع الصداع فلا يجعل كلام النبوة الخاص الجزئي كليا عاما ولا الكلي العام جزئيا خاصا وقس على ذلك (وإذا اشتكى رجله) أي وجع رجله (قال) له (اذهب فاخضبها بالحناء) لأنه بارد يابس محلل نافع من حرق النار والورم الحار وللعصب إذا ضمد به ويفعل في الجراحات فعل دم الأخوين فلعل المراد هنا إذا اشتكى ألم رجله من إحدى هذه العلل ومن خواصه العجيبة المجربة أنه إذا بدأ بصبي جدري وخضب به أسافل رجليه أمن على عينيه (طب عن سلمى امرأة أبي رافع) داية فاطمة الزهراء ومولاة صفية عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم لها صحبة وأحاديث الحديث: 6576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 6577 - (كان إذا أشفق من الحاجة ينساها ربط في خنصره) بكسر الخاء والصاد كما في المصباح وهي أنثى (أو في خاتمه الخيط) ليتذكرها به والذكر والنسيان من الله إذا شاء ذكر وإذا شاء أنسى وربط الخيط سبب من الأسباب لأنه نصب العين فإذا رآه ذكر ما نسي فهذا سبب موضوع دبره رب العالمين لعباده كسائر الأسباب كحرز الأشياء بالأبواب والأقفال والحراس وأصل اليقين وهم الأنبياء لا يضرهم الأسباب بل يتعين عليهم فعلها للتشريع فتدبر <تنبيه> قال بعض العارفين: النسيان من كمال العرفان. قال تعالى في حق آدم {فنسي ولم نجد له عزما} وكان كاملا بلا ريب وكماله هو الذي أوجب النسيان لأنه كان يعلم أن فيه مجموع الوجود المقابل لأخلاق الحق تعالى وأن الحق نزه نفسه عن النسيان وجعله من حقيقة العبد كما وصف تعالى نفسه بالجواد وجعل البخل من وصف خلقه لا من وصفه فافهم (ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) الترمذي في النوادر (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو يعلى بلفظ كان إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في إصبعه خيطا ليذكرها. قال الزركشي: فيه سالم بن عبد الأعلى قال فيه ابن حبان: وضاع وقال ابن أبي حاتم: حديث باطل وابن شاهين في الناسخ: أحاديثه منكرة وقال المصنف في الدرر: قال أبو حاتم حديث باطل وقال ابن شاهين: منكر لا يصح ورواه ابن عدي عن واثلة بلفظ: كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا زاد في رواية الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر ليذكره به قال الحافظ العراقي: وكلاهما سنده ضعيف وقال السخاوي: فيه سالم بن عبد الأعلى رماه ابن حبان بالوضع واتهمه أبو حاتم بهذا الحديث وقال: هو باطل وقال ابن شاهين: جميع أسانيده منكرة وفي الميزان في ترجمة بشر بن إبراهيم الأنصاري عن العقيلي وابن عدي وابن حبان: هو يضع الحديث اه. ورواه عن ابن عمر أيضا أبو يعلى وكذا هو في رابع الخلعيات قال الحافظ ابن حجر: وفيه سالم بن عبد الأعلى وهو متروك ونقل الترمذي عن البخاري أنه منكر وأبو حاتم عن أبيه أنه باطل اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طرق ثلاثة الأولى للدارقطني عن ابن عمر باللفظ المذكور هنا وقال: تفرد به مسلم وليس بشيء وقال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه الثانية له ولابن عدي معا عن واثلة بلفظ كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا وقال: تفرد به بشير بن إبراهيم الأنصاري وهو يضع الحديث الثالثة للدارقطني والبغوي عن رافع بن خديج رأيت في يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيطا فقلت: ما هذا قال: أستذكر به وقال: تفرد به غياث وهو متروك ثم حكم بوضعه من جميع طرقه وزاد المؤلف طريقا رابعا وهو ما رواه الطبراني عن محمد بن [ص: 104] عبدوس عن عبد الجبار بن عاصم عن بقية عن أبي عبد مولى بني تيم عن سعيد المقبري عن رافع بلفظ كان يربط الخيط في خاتمه يستذكر به الحديث: 6577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 6578 - (كان إذا أصابته شدة) بالتشديد كعدة (فدعا) برفعها (رفع يديه) حال الدعاء (حتى يرى) بالبناء للمجهول (بياض إبطيه) أي لو كان بلا ثوب لرئي أو كان ثوبه واسعا فيرى بالفعل وذكر بعض الشافعية أنه لم يكن بإبطيه شعر قال في المهمات: وبياض الإبط كان من خواصه وأما إبط غيره فأسود لما فيه من الشعر ورده الزين العراقي بأن ذلك لم يثبت والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من بياض إبطه أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر اه. وحكمة الرفع اعتياد العرب رفعهما عند الخضوع في المسألة والذلة بين يدي المسؤول وعند استعظام الأمر والداعي جدير بذلك لتوجهه بين يدي أعظم العظماء ومن ثم ندب الرفع عند التحريم والركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول إشعارا بأنه ينبغي أن يستحضر عظمة من هو بين يديه حتى يقبل بكليته عليه (ع عن البراء) بن عازب رمز لحسنه الحديث: 6578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 6579 - (كان إذا أصابه رمد) بفتح الراء والميم وجع عين (أو أحد من أصحابه دعا بهؤلاء الكلمات) وهي (اللهم متعني ببصري واجعله الوارث مني وأرني في العدو ثأري وانصرني على من ظلمني) هذا من طبه الروحاني فإن علاجه صلى الله عليه وسلم للأمراض كان ثلاثة أنواع بالأدوية الطبية وبالأدوية الإلهية وبالمركب منهما فكان يأمر بما يليق به ويناسبه (ابن السني) في الطب النبوي (ك) في الطب (عن أنس) بن مالك سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه والأمر بخلافه فقد تعقبه الذهبي على الحاكم فقال: فيه ضعفاء الحديث: 6579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 6580 - (كان إذا أصابه غم) أي حزن سمي به لأنه يغطي السرور (أو كرب) أي هم (يقول حسبي الرب من العباد) أي كافيني من شرهم (حسبي الخالق من المخلوقين حسبي الرازق من المرزوقين حسبي الذي هو حسبي حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) الذي ضمني إليه وقربني منه ووعدني بالجميل والرجوع إليه قال الحكيم: قد جعل الله في كل موطن سببا وعدة لقطع ما يحدث فيه من النوائب فمن أعرض عن السبب والعدة ضرب عنه صفحا واغتنى بالله كافيا وحسيبا وأعرض عما سواه وقال حسبي الله عند كل موطن ومن كل أحد كفاه الله وكان عند ظنه إذ هو عبد تعلق به ومن تعلق به لم يخيبه وكان في تلك المواطن فإذا ردد العبد هذه الكلمات بإخلاص عند الكرب نفعته نفعا عظيما وكن له شفيعا إلى الله تعالى في كفايته شر الخلق ورزقه من حيث لا يحتسب وكان الله بكل خير إليه أسرع (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (من طريق الخليل بن مرة) بضم الميم وشد الراء نقيض حلوة الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري نزيل الرقة ضعيف (عن فقيه أهل الأردن) بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملتين وتشديد النون من بلاد الغور من ساحل الشام وطبرية من الأردن (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث: 6580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 [ص: 105] 6581 - (كان إذا أصبح وإذا أمسى) أي دخل في الصباح والمساء (يدعو بهذه الدعوات اللهم إني أسألك من فجاءة الخير) بالضم والمد وفي لغة وزان تمرة أي عاجله الآتي بغتة (وأعوذ بك من فجاءة الشر فإن العبد لا يدري ما يفجأه إذا أصبح وإذا أمسى) قال ابن القيم: من جرب هذا الدعاء عرف قدر فضله وظهر له جموم نفعه وهو يمنع وصول أثر العائن ويدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان العبد لها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنه سلاح والسلاح بضاربه (ع وابن السني) في الطب (عن أنس) بن مالك ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6581 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 6582 - (كان إذا أصبح وإذا أمسى قال أصبحنا على فطرة الإسلام) بكسر الفاء أي دينه الحق وقد ترد الفطرة بمعنى السنة (وكلمة الإخلاص) وهي كلمة الشهادة (ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) الظاهر أنه قاله تعليما لغيره ويحتمل أنه جرد من نفسه نفسا يخاطبها قال ابن عبد السلام في أماليه: وعلى في مثل هذا تدل على الاستقرار والتمكن من ذلك المعنى لأن المجسم إذا علا شيئا تمكن منه واستقر عليه ومنه {أولئك على هدى من ربهم} قال النووي في الأذكار: لعله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهرا ليسمعه غيره فيتعلمه منه (وملة أبينا إبراهيم) الخليل (حنيفا) أي مائلا إلى الدين المستقيم (مسلما وما كان من المشركين) قال الحرالي: جمع بين الحجتين السابقة بحسب الملة الحنيفية الإبراهيمية واللاحقة بحسب الدين المحمدي وخص المحمدية بالدين والإبراهيمية بالملة لينتظم ابتداء الأبوة الإبراهيمية لطوائف أهل الكتاب سابقهم ولاحقهم ببناء ابتداء النبوة الآدمية في متقدم قوله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} الآية لينتظم رؤوس الخطابات بعضها ببعض وتفاصيلها بتفاصيلها (حم طب) وكذا النسائي في اليوم والليلة وإغفاله غير جيد كلهم (عن عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالزاي وألف مقصورة الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث استعمله علي على خراسان وكان عالما مرضيا مختلف في صحبته قال ابن حجر: له صحبة ونفاها غيره وجزم ابن حجر بأنه صحابي صغير رمز المصنف لحسنه وليس يكفي منه ذلك بل حقه الرمز لصحته فقد قال النووي في الأذكار عقب عزوه لابن السني: إسناده صحيح وقال الحافظ العراقي في المغني: سنده صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح الحديث: 6582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 6583 - (كان إذا اطلى) أصله اطتلي قلبت التاء طاء وأدغمت يقال طليته بالنورة أو غيرها لطخته واطليت بترك المفعول إذا فعل ذلك بنفسه (بدأ بعورته) أي بما بين سرته وركبته (فطلاها بالنورة) المعروفة وهي زرنيخ وجص (وسائر جسده أهله) أي بعض حلائله فاستعمالها مباح لا مكروه وتوقف المؤلف في كونها سنة قال: لاحتياجه إلى ثبوت الأمر بها كحلق العانة ونتف الإبط وفعله وإن كان دليلا على السنة فقد يقال هذا من الأمور العادية التي لا يدل فعله لها على سنة وقد يقال فعله بيانا للجواز ككل مباح وقد يقال إنها سنة ومحله كله ما لم يقصد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله وإلا فهو مأجور آت بالسنة اه. قال: وأما خبر كان لا يتنور فضعيف لا يقاوم هذا الحديث القوي إسنادا على أن هذا الحديث مثبت وذاك ناف والقاعدة عند التعارض تقديم المثبت قال ابن القيم: ولم يدخل نبينا صلى الله عليه وسلم حماما قط ويرده ما رواه الخرائطي عن أحمد بن إسحاق الوراق عن سليمان بن ناشرة عن محمد بن زياد الألهاني قال: كان ثوبان مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم جارا لي وكان يدخل الحمام فقلت: فأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه [ص: 106] وسلم تدخل الحمام فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام وكان يتنور وأخرجه أيضا يعقوب بن سفيان في تاريخه عن سليمان بن سلمة الحمصي عن بقية عن سليمان بن ناشرة به وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريقه (هـ عن أم سلمة) قال ابن كثير في مؤلفه في الحمام: إسناده جيد ورواه عنها البيهقي أيضا قال في المواهب: ورجاله ثقات لكن أعل بالإرسال وقال ابن القيم: ورد في النورة عدة أحاديث هذا أمثلها وأما خبر كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه فجزم بضعفه غير واحد الحديث: 6583 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 6584 - (كان إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده) فلا يمكن أحدا من أهله بمباشرتهما لشدة حيائه وفي رواية بدل عانته مغابنه بغين معجمة جمع مغبن من غبن الثوب إذ أثناه وهي بواطن الأفخاذ وطيات الجلد قال ابن حجر: وهذا الحديث يقابله حديث أنس كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه وسنده ضعيف جدا (ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبي ثابت مرسلا) وإسناده صحيح قال ابن كثير: إسناده جيد وحبيب هو الأسدي كان ثقة مجتهدا ورواه ابن ماجه والبيهقي إلا فرجه عن أم سلمة قال في الفتح: ورجاله ثقات لكن أعل بالإرسال وأنكر أحمد صحته وروى الخرائطي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك الحديث: 6584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 6585 - (كان إذا اطلع على أحد من أهل بيته) أي من عياله وخدمه (كذب كذبة) واحدة بفتح الكاف وكسرها والذال ساكنة فيهما (لم يزل معرضا عنه) إظهارا لكراهته الكذب وتأديبا له وزجرا عن العود لمثلها (حتى يحدث توبة) من تلك الكذبة التي كذبها وفي رواية البزار ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة (حم ك عن عائشة) وقال أعني الحاكم: صحيح الإسناد وسكت عليه الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال يحيى بن سلمة العقبي قال العقيلي حدث بمناكير ثم ساق منها هذا الخبر الحديث: 6585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 6586 - (كان إذا اعتم) أي لف العمامة على رأسه (سدل عمامته) أي أرخاها (بين كتفيه) يعني من خلفه وفيه مشروعية العذبة قال في الفتح: وفيه يعني الترمذي أن ابن عمر كان يفعله والقاسم وسالم وأما مالك فقال: إنه لم ير أحدا يفعله إلا عامر بن عبد الله بن الزبير (ت) في اللباس (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: حسن غريب رمز المصنف لحسنه وفي الباب عن علي ولا يصح إسناده الحديث: 6586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 6587 - (كان إذا اهتم أخذ لحيته بيده ينظر فيها) كأنه يسلي بذلك حزنه أو لكونه أجمع للفكرة (الشيرازي) في الألقاب (عن أبي هريرة) الحديث: 6587 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 6588 - (كان إذا أفطر) من صومه (قال) عند فطره (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) قال الطيبي: قدم الجار والمجرور في القرينتين على العامل دلالة على الاختصاص إظهارا للاختصاص في الافتتاح وإبداء لشكر الصنيع المختص به [ص: 107] في الإختتام (د) في الصوم من مراسيله وسننه (عن معاذ بن زهرة) ويقال أبو زهرة الضبي التابعي قال في التقريب كأصله: مقبول أرسل حديثا فوهم من ذكره في الصحابة مرسلا قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إلخ. قال ابن حجر: أخرجه في السنن والمراسيل بلفظ واحد ومعاذ هذا ذكره البخاري في التابعين لكنه قال معاذ أبو زهرة وتبعه ابن أبي حاتم وابن حبان في الثقات وعده الشيرازي في الصحابة وغلطه المستغفري ويمكن كون الحديث موصول ولو كان معاذ تابعيا لاحتمال كون الذي بلغه له صحابيا وبهذا الاعتبار أورده أبو داود في السنن وبالاعتبار الآخر أورده في المراسيل اه الحديث: 6588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 6589 - (كان إذا أفطر قال ذهب الظمأ) مهموز الآخر مقصور العطش قال تعالى {ذلك بأنهم لا يصبهم ظمأ} ذكره في الأذكار قال: وإنما ذكرته وإن كان ظاهرا لأني رأيت من اشتبه عليه فتوهمه ممدودا (وابتلت العروق) لم يقل ذهب الجوع أيضا لأن أرض الحجاز حارة فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش وكانوا يمتدحون بقلة الأكل لا بقلة الشرب (ثبت الآجر) قال القاضي: هذا تحريض على العبادة يعني زال التعب وبقي الأجر (إن شاء الله) ثبوته بأن يقبل الصوم ويتولى جزاءه بنفسه كما وعد {إن الله لا يخلف الميعاد} وقال الطيبي: قوله ثبت الأجر بعد قوله ذهب الظمأ استبشار منه لأنه من فاز ببغيته ونال مطلوبه بعد التعب والنصب وأراد اللذة بما أدركه ذكر له تلك المشقة ومن ثم حمد أهل الجنة في الجنة (د) وكذا النسائي (ك) في الصوم من حديث حسين بن واقد عن مروان بن سالم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: احتج البخاري بمروان بن المقنع قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف وقال: كان ثم ساقه ورواه الدارقطني من هذا الوجه أيضا ثم قال. تفرد به الحسين بن واقد عن المقنعي وهو إسناد حسن قال ابن حجر: حديثه حسن الحديث: 6589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 6590 - (كان إذا أفطر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني) وفي رواية للدارقطني أفطرنا وتقبل منا (إنك أنت السميع) لدعائي (العليم) بحالي وإخلاصي ولعله كان يأتي بالإفراد إذا أفطر وحده وبالجمع إذا أفطر مع غيره (طب وابن السني) من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) قال ابن حجر: غريب من هذا الوجه وسنده واه جدا وهارون بن عنترة كذبوه اه وقال الهيثمي: فيه عبد الملك بن هارون ضعيف جدا اه ورواه الدارقطني من هذا الوجه فتعقبه الغرياني في مختصره فقال: فيه عبد الملك بن هارون بن عنترة تركوه وقال السعدي: دجال الحديث: 6590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 6591 - (كان إذا أفطر قال الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت) فيندب قول ذلك عند الفطر من الصوم فرضا أو نفلا (ابن السني هب عن معاذ) بن زهرة أو أبي زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال ذلك. قال ابن حجر: أخرجاه من طريق سفيان الثوري عن حصين عن رجل عن معاذ هذا وهذا محقق الإرسال اه وأقول: حصين بن عبد الرحمن هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة نسي أو شاخ وقال النسائي: تغير الحديث: 6591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 6592 - (كان إذا أفطر عند قوم) أي نزل ضيفا عند قوم وهو صائم فأفطر (قال) في دعائه (أفطر عندكم الصائمون) [ص: 108] خبر بمعنى الدعاء بالخير والبركة لأن أفعال الصائمين تدل على اتساع الحال وكثرة الخير إذ من عجز عن نفسه فهو عن غيره أعجز (وأكل طعامكم الأبرار) قال المظهري: دعاء أو إخبار وهذا الوصف موجود في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه أبر الأبرار (وتنزلت) وفي رواية بدله وصلت (عليكم الملائكة) أي ملائكة الرحمة بالبركة والخير الإلهي (حم هق عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا أبو داود قال الحافظ العراقي: بإسناد صحيح قال تلميذه ابن حجر: وفيه نظر فإن فيه معمرا وهو وإن احتج به الشيخان فإن روايته عن ثابت بخصوصه مقدوح فيها الحديث: 6592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 6593 - (كان إذا أفطر عند قوم قال أفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة) أي استغفرت لكم وقد مر معناه (طب عن ابن الزبير) رمز لحسنه الحديث: 6593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 6594 - (كان إذا اكتحل اكتحل وترا وإذا استجمر استجمر وترا) ظاهر السياق أن المراد بالاستجمار التبخر بنحو عود ويحتمل أن المراد الاستنجاء غير أن اقترانه بالاكتحال يبعده وفي كيفية الإيتار بالاكتحال وجهان أصحهما في كل عين ثلاثة لما رواه الترمذي وحسنه كان له مكحلة يكتحل منها كل عين ثلاثة أطراف والثاني يكتحل في عين وترا وفي عين شفعا ليكون المجموع وترا لما في الطبراني من حديث ابن عمر بسند قال الولي العراقي: ضعيف أنه كان إذا اكتحل جعل في اليمنى ثلاثا وفي اليسرى مرتين فجعلهما وتره وفي إيضاح التنبيه للأصبحي تفسير هذا الوجه قال يكتحل في اليمنى أربعة أطراف وفي اليسرى ثلاثة قال الولي العراقي: وهو تقييد غريب وفي أحكام المحب الطبري عن أنس كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكتحل وترا زاد ابن وضاح اثنين في كل عين وقسم بينهما واحدة (حم عن عقبة بن عامر) ورواه عنه الطبراني اثنين أيضا قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا ابن لهيعة ورمز المصنف لصحته الحديث: 6594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 6595 - (كان إذا أكل طعاما) يلتصق بأصابعه ويحتمل مطلقا محافظة على البركة (لعق أصابعه الثلاث) زاد في رواية الحاكم التي أكل بها اه وهذا أدب حسن وسنة جميلة لإشعاره بعدم الشره في الطعام وبالاقتصار على ما يحتاجه وذلك أن الثلاث يستقل بها الظريف الخبير وهذا فيما يمكن فيه ذلك من الأطعمة وإلا فيستعان بما يحتاجه من أصابعه كما مر وهذا بعض الحديث وتتمته عند مسلم وغيره وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة وفيه رد على من كره لعق الأصابع استقذارا قال الخطابي: عاب قوم أفسد عقولهم الترفيه لعق الأصابع واستقبحوه كأنهم ما علموا أن الطعام الذي علق بها وبالصفحة جزء من المأكول وإذا لم تستقذر كله فلا تستقذر بعضه وليس فيه أكثر من مصها بباطن الشفة (حم م 3 عن أنس بن مالك) الحديث: 6595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 6596 - (كان إذا أكل لم تعد أصابعه ما بين يديه) لأن تناوله كان تناول تقنع ويترفع عن تناول النهمة والشره [ص: 109] وكان يأمر بذلك غيره أيضا فيقول سم الله وكل مما يليك (تخ عن جعفر بن أبي الحكم) الأوسي (مرسلا أبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة (عنه) أي عن أبي جعفر (عن الحكم بن نافع بن سبأ) كذا هو في خط المصنف والظاهر أنه سبق قلم فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في مواضع سنان بنونين وهو الأنصاري الأوسي له ولأبيه صحبة وفي التقريب صحابي له حديث مختلف في إسناده (طب عن الحكم بن عمرو الغفاري) بكسر المعجمة من بني ثعلبة أخي غفار نزل البصرة فاستعمله زياد على خراسان. رمز المصنف لحسنه وليس بسديد فهو ضعيف الحديث: 6596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 6597 - (كان إذا أكل أو شرب قال) عقبه (الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه) أي سهل دخوله في الحلق ومنه {ولا يكاد يسيغه} أي يبتلعه (وجعل له مخرجا) أي السبيلين قال الطيبي: ذكر نعما أربعا: الإطعام والإسقاء والتسويغ وسهولة الخروج فإنه خلق الأسنان للمضغ والريق للبلع وجعل المعدة مقسما للطعام ولها مخارج فالصالح منه ينبعث إلى الكبد وغيره يندفع في الأمعاء كل ذلك فضل ونعمة يجب القيام بواجبها من الشكر بالجنان والبث باللسان والعمل بالأركان (د ن حب عن أبي أيوب) الأنصاري قال ابن حجر: حديث صحيح الحديث: 6597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 6598 - (كان إذا التقى الختانان) أي تحاذيا وإن لم يتماسا لأن ختانها فوق ختانه (اغتسل) أنزل أم لم ينزل والمراد محل ختان الرجل أي قطع جلدة تمرته وخفاض المرأة وهو قطع جلدة أعلى فرجها كعرف الديك وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وقاعدتهم رد الأثقل إلى الأخف (الطحاوي) بفتح الطاء والحاء المهملتين وبعد الألف واو نسبة إلى طحا قرية بصعيد مصر منها هذا الإمام وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأسدي صاحب كتاب شرح الآثار (عن عائشة) رمز المصنف لصحته الحديث: 6598 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 6599 - (كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد) بضم الهمزة ودال مهملة مفتوحة (ثم يمسك) عما زاد (ويقول كذب النسابون قال الله تعالى {وقرونا بين ذلك كثيرا} ) قال ابن عباس: لو شاء أن يعلمه لعلمه قال ابن سيد الناس: ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذا من إبراهيم إلى آدم لا يعلمه على حقيقته إلا الله تعالى (ابن سعد) في الطبقات (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا في مسند الفردوس لكن قال السهيلي: الأصح أن هذا من قول ابن مسعود الحديث: 6599 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 6600 - (كان إذا نزل عليه الوحي) أي حامل الوحي أسند النزول إلى الوحي للملابسة بين الحامل والمحمول ويسمى مجازا عقليا تارة واستعارة بالكناية أخرى بمعنى أنه شبه الوحي برجل مثلا ثم أضيف إلى المشبه الإتيان الذي هو من خواص المشبه به ينتقل الذهن منه إليه والوحي لغة الكلام الخفي وعرفا إعلام الله نبيه الشرائع بوجه ما (نكس رأسه) أي أطرق كالمتفكر (ونكس أصحابه رؤوسهم فإذا أقلع عنه) أي سرى عنه (رفع) رأسه (م) في المناقب [ص: 110] (عن عبادة بن الصامت) ولم يخرجه البخاري الحديث: 6600 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 6601 - (كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك) أي حزن لنزول الوحي والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس والمستكن في كرب إما للنبي صلى الله عليه وسلم يعني كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم أو لخوف ما عساه يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد أو الوحي بمعنى اشتد فإن الأصل في الكرب الشدة (وتريد وجهه) بالراء وتشديد الموحدة بضبط المصنف أي تغير لونه ذكره ابن حجر قال: وهذا حيث لا يأتيه الملك في صورة رجل وإلا فلا وقال القاضي: الضمير المستكن في كرب إما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم أو تخوف مما عساه أن يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد أو للوحي بمعنى اشتد فإن الأصل في الكرب الشدة وتربد وجهه من الغضب إذا تعبس وتغير من الربدة وهو أن يضرب إلى الغبرة (حم م) في المناقب (عنه) أي عن عبادة ولم يخرجه البخاري أيضا الحديث: 6601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 6602 - (كان إذا نزل عليه الوحي) بالمعنى السابق والمراد هنا وفيما مر من الوحي كما ذكره البعض (سمع عند وجهه شيء كدوي النحل) أي سمع من جانب وجهه وجهته صوت خفي كدوي النحل كأن الوحي يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافا غير تام فصاروا كمن يسمع دوي صوت ولا يفهمه أو سمعوه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من غطيطه وشدة تنفسه عند نزوله ذكره القاضي وكان يأتيه أيضا كصلصلة الجرس في شدة الصوت وهو أشده وكان يأتيه في صورة رجل فيكلمه وهو أخفه قال ابن العربي: وإنما كان الله يقلب عليه الأحوال زيادة في الاعتبار وقوة في الاستبصار (حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن فيه يونس بن سلم قال فيه تلميذه عبد الرزاق أظنه لا شيء انتهى وقال النسائي: حديث منكر وأعله أبو حاتم وابن عدي والعقيلي بيونس المذكور وقال: لم يروه غيره ولا يتابع عليه الحديث: 6602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 6603 - (كان إذا انصرف من صلاته) أي سلم (استغفر) أي طلب المغفرة من ربه تعالى (ثلاثا) من المرات زاد البزار في روايته ومسح جبهته بيده اليمنى قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث كيف الاستغفار قال يقول أستغفر الله أستغفر الله قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي استغفاره عقب الفراغ من الصلاة استغفار من رؤية الصلاة (ثم قال) بعد الاستغفار والظاهر أن التراخي المستفاد من ثم غير مراد هنا (اللهم أنت السلام) أي المختص بالتنزه عن النقائض والعيوب لا غيرك (ومنك السلام) أي أن غيرك في معرض النقصان والخوف مفتقر إلى جنابك بأن تؤمنه ولا ملاذ له غيرك فدل على التخصيص بتقدم الخبر على المبتدأ أي وإليك يعود السلام يعني إذا شوهد ظاهرا أن أحدا من غيره فهو بالحقيقة راجع إليك وإلى توفيقك إياه ذكره بعضهم وقال التوربشتي: أرى قوله ومنك السلام واردا مورد البيان لقوله أنت السلام وذلك أن الموصوف بالسلامة فيما يتعارفه الناس لما كان قد وجد بعرضة أنه ممن يصيبه تضرر وهذا لا يتصور في صفاته تعالى بين أن وصفه سبحانه بالسلام لا يشبه أوصاف الخلق فإنهم بصدد الافتقار فهو المتعالي عن ذلك فهو السلام الذي يعطي السلامة ويمنعها ويبسطها ويقبضها (تباركت) تعظمت وتمجدت أو حييت بالبركة وأصل الكلمة للدوام والثبات ومن ذلك البركة وبرك البعير ولا تستعمل هذه اللفظة إلا لله تعالى عما تتوهمه الأوهام (يا ذا الجلال والإكرام) (حم م 4) في الصلاة (عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله [ص: 111] عليه وسلم ولم يخرجه البخاري الحديث: 6603 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 6604 - (كان إذا انصرف) من صلاته بالسلام (انحرف) بجانبه أي مال على شقه الأيمن أو الأيسر فيندب ذلك للإمام والأفضل انتقاله عن يمينا بأن يدخل يمينا في المحراب ويساره إلى الناس على ما ذهب إليه أبو حنيفة أو عكسه على ما عليه الشافعي (د عن يزيد) من الزيادة (ابن الأسود) العامري السوائي شهد حنينا كافرا ثم اسلم رمز المصنف لحسنه الحديث: 6604 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 6605 - (كان إذا انكسفت الشمس أو القمر صلى) صلاة الكسوف (حتى ينجلي) وحكى ابن حبان في سيرته ومغلطاي والعراقي أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف فكانت أول صلاة الكسوف في الإسلام (طب عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 6606 - (كان إذا اهتم أكثر من مس لحيته) فيعرف بذلك كونه مهموما قال البعض: ويجوز كون مسه لها تسليما لله بنفسه وتفويضا لأمره إليه فكأنه موجه نفسه إلى مولاه (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عائشة) ترفعه (أبو نعيم) في الطب أيضا (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: إسناده حسن اه. لكن أورده في الميزان ولسانه في ترجمة سهل مولى المغيرة من حديث أبي هريرة فقال: قال ابن حبان: لا يحتج به يروي عن الزهري العجائب ورواه البزار عن أبي هريرة قال الهيثمي: وفيه رشدين ضعفه الجمهور الحديث: 6606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 6607 - (كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء) مستغيثا مستعينا متضرعا (وقال سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم) هو من أبنية المبالغة والقيم معناه القائم بأمور الخلق ومدبرهم ومدبر العالم في جميع أحوالهم ومنه قيم الطفل والقيوم هو القائم بنفسه مطلقا لا بغيره ويقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به وأخذ الحليمي من الخبر أنه يندب أن يدعو الله بأسمائه الحسنى قال: ولا يدعوه بما لا يخلص ثناء وإن كان في نفسه حقا (ت عن أبي هريرة) الحديث: 6607 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 6608 - (كان إذا أوى إلى فراشه) أي دخل فيه قال القاضي: آوى جاء لازما ومتعديا لكن الأكثر في المتعدي المد (قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا) أي دفع عنا شر خلقه (وآوانا) في كن نسكن فيه يقينا الحر والبرد ونحرز فيه متاعنا ونحجب به عيالنا (فكم ممن لا كافي له ولا مؤوى له) أي كثير من خلق الله لا يكفيهم الله شر الأشرار ولا يجعل لهم مسكنا بل تركهم يتأذون في الصحارى بالبرد والحر وقيل معناه كم من منعم عليه لم يعرف قدر نعمة الله فكفر بها (حم م 3) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه البخاري الحديث: 6608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 6609 - (كان إذا أوحى إليه وقد) بضم الواو بضبط المصنف أي سكن (لذلك ساعة كهيئة السكران) وهو المعبر عنه [ص: 112] بالحال فإن الطبع لا يناسبه فلذلك يشتد عليه وينحرف له مزاج الشخص ثم يسرى عنه فيخبر عنه بما قيل له (ابن سعد) في الطبقات (عن عكرمة) مولى ابن عباس (مرسلا) وفي الباب غيره أيضا الحديث: 6609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 6610 - (كان إذا بايعه الناس يلقنهم فيما استطعت) أي يقول فيما استطعت تلقينا لهم وهذا من كمال شفقته ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيقه (حم عن أنس) بن مالك الحديث: 6610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 6611 - (كان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار) قال القاضي: البعث مصدر بمعنى المبعوث أي إذا أراد أن يرسل جيشا أرسله في غرة النهار لأنه بورك له ولأمته في البكور كما في الخبر المار (د) في الجهاد (ت) في البيوع (هـ) في التجارة من حديث عمارة بن حديد (عن صخرة) بن وداعة العامري الأزدي قال الترمذي: ولا يعرف له غيره قال الذهبي: وعمارة هذا لا يعرف الحديث: 6611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 6612 - (كان إذا بعث) أي إذا أرسل (أحدا من أصحابه في بعض أمره قال بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) أي سهلوا الأمور ولا تنفروا الناس بالتعسير وزعم أن المراد النهي عن تنفير الطير وزجره وكانوا ينفرونه فإن جنح عن اليمين تيمنوا أو الشمال تشاءموا زلل فاحش إذ المبعوث الصحابة كما قيد به ومعاذ الله أن يفعلوا بعد إسلامهم ما كانت الجاهلية تفعله (د) في الأدب (عن أبي موسى) ظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما عدل لأبي داود وهو ذهول فقد خرجه مسلم في المغازي باللفظ المذكور الحديث: 6612 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 6613 - (كان إذا بعث أميرا) على جيش أو نحو بلدة (قال) فيما يوصيه به (أقصر الخطبة) بالضم فعلة بمعنى مفعول كنسخة بمعنى منسوخ وغرفة بمعنى مغروف (وأقل الكلام فإن من الكلام سحرا) أي نوعا تستمال به القلوب كما تستمال بالسحر وذلك هو السحر الحلال وليس المراد هنا بالخطبة خطبة الصلاة كما هو جلي بل ما كان يعتاده البلغاء الفصحاء من تقديمهم أمام الكلام خطبة بليغة يفتتحونه بها ثم يشرع الخطيب في المقصود بعد ذلك (طب) وكذا الخطيب في تاريخه (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ الهيثمي بأنه من رواية جميع بن ثور وهو متروك الحديث: 6613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 6614 - (كان إذا بلغه) من البلاغ وهو الانتهاء إلى الغاية (عن الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان (الشيء) الذي يكرهه (لم يقل فلان يقول) كذا (ولكن) استدراك أفاد أن من شأنه أن لا يشافه أحدا معينا حياء منه بل (يقول) منكرا عليه ذلك (ما بال أقوام) أي ما شأنهم وما حالهم (يقولون كذا وكذا) إإشارة إلى ما أنكر وكان يكني عما اضطره الكلام فما يكره استقباحا للتصريح (د عن عائشة) رمز لصحته الحديث: 6614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 6615 - (كان إذا تضور من الليل) بالتشديد أي تلوى وتقلب ظهرا لبطن (قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات [ص: 113] والأرض وما بينهما العزيز الغفار) (ن) في عمل اليوم والليلة (ك) في باب الدعاء (وكذا ابن حبان) كلهم عن عائشة وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح الحديث: 6615 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 6616 - (كان إذا تعار) بتشديد الراء أي انتبه (من الليل) والتعار الانتباه في الليل مع صوت من نحو تسبيح أو استغفار وهذا حكمة العدول إليه عن التعبير بالانتباه فإن من هب من نومه ذاكرا لله وسأله خيرا أعطاه وإنما يكون ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه وصار حديث نفسه في نومه ويقظته قالوا: وأصل التعار السهر والتقلب على الفراش ثم استعمل فيما ذكر وقد ورد عن الأنبياء أذكار مأثورة منها أنه كان إذا انتبه (قال رب اغفر وارحم واهد للسبيل الأقوم) أي دلني على الطريق الواضح الذي هو أقوم الطرق وأعظمها استقامة وحذف المعمول ليؤذن بالعموم وفيه جواز تسجيع الدعاء إذا خلا عن تكلف وقصد كهذا فينبغي المحافظة على قول الذكر عند الانتباه من النوم ولا يتعين له لفظ لكنه بالمأثور أفضل ومنه ما ذكر في هذا الخبر (محمد بن نصر) في كتاب فضل (الصلاة عن أم سلمة) وفي الباب غيرهما أيضا الحديث: 6616 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 6617 - (كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد) اجتنابا للشبع وإيثارا للجوع تنزها عن الدنيا وتقويا على العبادة وتقديما للمحتاجين على نفسه كما يدل له خبر البيهقي عن عائشة ما شبع ثلاثة تباعا ولو شاء لشبع لكنه يؤثر على نفسه. قال الغزالي: فيندب للإنسان أن يقتصر في اليوم والليلة على أكلة واحدة وهذا هو الأقل وما جاوز ذلك إسراف ومداومة للشبع وذلك فعل المترفين <تنبيه> قال ابن الحجاج: دعا موسى ربه أن يغنيه عن الناس فأوحى الله إليه يا موسى أما تريد أن أعتق بغدائك رقبة من النار وبعشائك كذلك قال: بلى يا رب فكان يتغدى عند رجل من بني إسرائيل ويتعشى عند آخر وكان ذلك رفعة في حقه ليتعدى النفع إلى عتق من من الله عليه بعتقه من النار (حل عن أبي سعيد) الخدري غفل عنه الحافظ العراقي فقال: لم أجد له أصلا وإنما رواه البيهقي في الشعب من فعل أبي حجيفة الحديث: 6617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 6618 - (كان) قال الكرماني: قال الأصوليون مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار (إذا تكلم بكلمة) أي بجملة مفيدة (أعادها ثلاثا) من المرات وبين المراد بقوله (حتى تفهم) وفي رواية للبخاري ليفهم بمثناة تحتية مضمومة وبكسر الهاء وفي رواية له بفتحها (عنه) أي لتحفظ وتنقل عنه وذلك إما لأن من الحاضرين من يقصر فهمه عن وعيه فيكرره ليفهم ويرسخ في الذهن وإما أن يكون المقول فيه بعض إشكال فيتظاهر بالبيان دفع الشبه وفي المستدرك حتى تعقل عنه بدل حتى تفهم وهذا من شفقته وحسن تعليمه وشدة النصح في تبليغه قال ابن التين: وفيه أن الثلاث غاية ما يقع به الإقرار والبيان (وإذا أتى على قوم) أي وكان إذا قدم على قوم (فسلم عليهم) هو من تتميم الشرط (سلم عليهم) جواب الشرط (ثلاثا) قيل هذا في سلام الاستئذان أما سلام المار فالمعروف فيه عدم التكرار لخبر إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاثا واعترض بأن تسليم الاستئذان لا يثنى إذا حصل الإذن بالأولى ولا يثلث إذا حصل بالثانية قال الكرماني: والوجه أن معناه كان إذا أتى قوما يسلم تسليمة الاستئذان ثم إذا قعد سلم تسليمة التحية ثم إذا قام سلم تسليمة الوداع وهذه [ص: 114] التسليمات كلها مسنونة وكان يواظب عليها وقال ابن حجر: يحتمل أنه كان يفعله إذا خاف عدم سماع كلامه اه وسبقه إليه جمع منهم ابن بطال فقال: يكرره إذا خشي أنه لا يفهم عنه أو لا يسمع أو أراد الإبلاغ في التعليم أو الزجر في الموعظة وقال النووي في الأذكار والرياض: هذا محمول على ما لو كان الجميع كثيرا وفي مسلم عن المقداد: كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان اه وجرى عليه ابن القيم فقال: هذا في السلام على جمع كثير لا يبلغهم سلام واحد فيسلم الثاني والثالث إذا ظن أن الأول لم يحصل به إسماع ولو كان هديه دوام التسليم ثلاثا كان صحبه يسلمون عليه كذلك وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثا وإذا دخل بيته سلم ثلاثا ومن تأمل هديه علم أنه ليس كذلك وأن تكرار السلام كان أحيانا لعارض إلى هنا كلامه (حم خ) في العلم والاستئذان (ت) في الاستئذان (عن أنس) بن مالك الحديث: 6618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 6619 - (كان إذا تهجد) أي تجنب الهجود وهو نوم الليل قال الكرماني: يعني ترك النوم للصلاة فإذا لم يصل فليس بتهجد اه. قال أبو شامة: ولعله أراد في عرف الفقهاء أما في أصل اللغة فلا صحة لهذا الاشتراط إإلا أن يثبت أن لفظ تهجد بمعنى ترك الهجود فلم يسمع إلا من جهة الشارع فقط ولم تكن العرب تعرفه وهو بعيد (يسلم بين كل ركعتين) فاستفدنا أن الأفضل في نفل الليل التسليم من كل ركعتين (ابن نصر) في كتاب الصلاة (عن أبي أيوب) الأنصاري وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 6619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 6620 - (كان إذا توضأ) أي فرغ من الوضوء (أخذ كفا من ماء) وفي رواية بدل كفا حفنة قال القاضي: والحفنة ملء الكفين ولا يكاد يستعمل إلا في الشيء اليابس ذكره الجوهري واستعماله في الماء مجاز (فنضح به فرجه) أي رشه عليه قال التوربشتي: قيل إنما كان يفعله دفعا للوسوسة وقد أجاره الله منها وعصمه من الشيطان لكن فعله تعليما للأمة أو ليرتد البول فإن الماء البارد يقطعه أو يكون النضح بمعنى الغسل كما قال البيضاوي وغيره (حم د ن هـ ك عن الحكم بن سفيان مرسلا) وهو الثقفي وفي سماعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم خلاف قال ابن عبد البر: له حديث واحد في الوضوء مضطرب الإسناد وهو هذا وقال في الميزان: ما له يعني الحكم بن سفيان غيره وقد اضطرب فيه ألوانا الحديث: 6620 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 6621 - (كان إذا توضأ فضل ماء) من ماء الوضوء (حتى يسيله على موضع سجوده) أي من الأرض ويحتمل على بعد أن المراد جبهته (طب عن الحسن) بن علي أمير المؤمنين (ع عن الحسين) بن علي قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 6621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 6622 - (كان إذا توضأ) زاد في رواية وضوءه للصلاة (حرك خاتمه) زاد في رواية في أصبعه أي عند غسل اليد التي فيها ليصل الماء إلى ما تحته يقينا فيندب ذلك ندبا مؤكدا سيما إن ضاق قال ابن حجر: هذا محمول على ما إذا كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك (هـ) من حديث معمر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه (عن) جده (أبي رافع) مولى المصطفى واسمه أسلم أو إبراهيم أو صالح أو ثابت أو هرمز كان للعباس فوهبه للمصطفى فلما بشره بإسلام العباس أعتقه قال ابن سيد الناس: ومعمر منكر الحديث وقال ابن القيم ومغلطاي وغيرهما: حديث ضعيف ضعفه ابن عدي والدارقطني والبيهقي وعبد الحق وابن القطان وابن طاهر والبغدادي والمقدسي وابن الجوزي وغيرهم ومحمد قال فيه البخاري: منكر الحديث وقال الرازي: ذاهب منكر جدا ومعمر قال ابن معين: ما كان بثقة ولا مأمون وقال أبو حاتم عن بعضهم: كذاب [ص: 115] وقال ابن حبان: أكثر أحاديثه مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به اه. وقال الأرغياني في حاشية مختصر الدارقطني: فيه معمر ليس بثقة وأبوه ضعيف وقال الحافظ ابن عبد الهادي وابن حجر: إسناده ضعيف ثم إن من لطائف إسناده أنه من رواية رجل عن أبيه عن جده وعبيد الله تابعي جليل خرج له جماعة وكان كاتبا لعلي رضي الله عنه الحديث: 6622 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 6623 - (كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء العظم الناتئ في آخر الذراع مسي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء وفيه أنه يجب إدخال المرفقين في غسل اليدين وهو مذهب الأربعة وقال زفر وداود: لا يجب والحديث حجة عليهما. قال الحافظ: يمكن أن يستدل لدخول المرفقين في الغسل بفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم. هذا والحديث وإن كان ضعيفا لكن يقويه ما في الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفي البزار والطبراني وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق (قط) من حديث القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه عن جده (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه وقال ابن جماعة وابن الملقن وابن حجر: ضعيف وقال الذهبي: القاسم متروك وسبقه لذلك أبو حاتم وقال أبو زرعة: منكر الحديث وقال الولي العراقي: حديث ضعيف لضعف القاسم عند الجمهور ولضعف جده عبد الله عند بعضهم وقال ابن حجر: ولا التفات لذكر ابن حبان للقاسم في الثقات وقد صرح بضعف هذا الحديث المنذري وابن الجوزي وابن الصلاح والنووي وغيرهم. إلى هنا كلام الحافظ. وقال الأرغياني في مختصر الدارقطني كما رأيته بخطه: فيه القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل متروك قاله أبو حاتم وغيره. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال الذهبي: هو عبد الله بن محمد نسب إلى جده وعبد الله هذا أيضا فيه مقال اه. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه استرواح الحديث: 6623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 6624 - (كان إذا توضأ خلل لحيته بالماء) أي أدخل الماء في خلالها بأصابعه الشريفة. وفيه ندب تخليل اللحية الكثة فإن لحيته الشريفة كانت كثة ومثلها كل شعر لا يجب غسل باطنه قال ابن القيم: ولم يكن يواظب على التخليل (حم ك عن عائشة) وصححه الحاكم (ت ك عن عثمان) بن عفان وقال الترمذي: حسن صحيح عنه (ت ك عن عمار) بن ياسر (ك عن بلال) المؤذن (هـ ك عن أنس) بن مالك (طب عن أبي أمامة) الباهلي (وعن أبي الدرداء وعن أم سلمة طس عن ابن عمر) بن الخطاب. قال الهيثمي: بعض هذه الطرق رجاله موثقون وفي البعض مقال اه. وأشار المصنف باستيعاب مخرجيه إلى رد قول أحمد وأبي زرعة لا يثبت في تخليل اللحية حديث الحديث: 6624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 6625 - (كان إذا توضأ أخذ كفا) بفتح الكاف أي غرفة (من ماء) وفي رواية غرفة من ماء (فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال الترمذي هكذا أمرني ربي) أن أخللها. قال الكمال ابن الهمام: طرق هذا الحديث متكثرة عن أكثر من عشرة من الصحابة لو كان كل منهم ضعيفا ثبت حجية المجموع فكيف وبعضها لا ينزل عن الحسن فوجب اعتبارها إلا أن البخاري يقول لم يثبت منها المواظبة بل مجرد الفعل إلا في شذوذ من الطرق فكان مستحبا لا سنة لكن ما في هذا الحديث من قوله بهذا أمرني ربي لم يثبت ضعفه وهو مغن عن نقل صريح المواظبة لأن أمره تعالى حامل عليها فيترجح [ص: 116] القول بسنيته اه. وأما قول أحمد وأبي حاتم لا يصح في تخليل اللحية شيء فمرادهما به أن أحاديثه ليس شيء منها يرتقي إلى درجة الصحة بذاته لا أنه لم يثبت فيه شيء يحتج به أصلا (د) في الوضوء كلاهما (عن أنس) بن مالك قال في المنار: فيه الوليد بن ذروان مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث لكن له سند حسن رواه به محمد بن يحيى الذهلي في العلل اه. قال في الإلمام: ودعواه جهالة الوليد على طريقته من طلب التعديل من رواية جماعة عن الراوي وقد روى عن الوليد هذا جمع من أهل العلم الحديث: 6625 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 6626 - (كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك) يعني عركا خفيفا (ثم شبك) وفي رواية وشبك بالواو (لحيته بأصابعه) أي أدخل أصابعه مبلولة فيها (من تحتها) وهذه هي الكيفية المحبوبة في تخليل اللحية قيل والعارض من اللحية ما نبت على عرض اللحى فوق الذقن وقيل عارضا الإنسان صفحتا خذه كذا في الفائق قال ابن الكمال: وقول ابن المعتز: كأن خط عذار شق عارضه. . . عيدان آس على ورد ونسرين يدل على صحة الثاني وفساد الأول وكأنه قائله لم يفرق بين العذار والعارض (هـ) وكذا الدارقطني والبيهقي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهم عبد الواحد بن قيس قال يحيى: شبه لا شيء وقال البخاري: كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب ثم أورد له أخبارا هذا منها وفيه رد على ابن السكن تصحيحه له وقال عبد الحق تبعا للدارقطني: الصحيح أنه فعل ابن عمر غير مرفوع وقال ابن القطان: وبعد ذلك هو معلول بعبد الواحد بن قيس راويه عن نافع عن ابن عمر فهو ضعيف اه. وقال ابن حجر: إسناده إسناد ضعيف الحديث: 6626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 6627 - (كان إذا توضأ صلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة) أي بالمسجد مع الجماعة وفيه ندب ركعتين سنة الوضوء وأن الأفضل فعلهما في بيته قبل إتيان المسجد <تنبيه> قال الكمال: هذه الأحاديث وما أشبهها تفيد المواظبة لأنهم إنما يحكمون وضوء الذي هو دأبه وعادته (هـ عن عائشة) أم المؤمنين الحديث: 6627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 6628 - (كان إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره) أي بخنصر إحدى يديه والظاهر أنها اليسرى قال ابن القيم: هذا إن ثبت عنه فإنما فعله أحيانا ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه كعلي وعثمان وغيرهما (د ت هـ) كلهم في الوضوء (عن المستورد) بن شداد واللفظ لأبي داود وقال الترمذي: حسن غريب قال اليعمري: يشير بالغرابة إلى تفرد ابن لهيعة به عن يزيد بن عمرو وبابن لهيعة صار حسنا وليس بغريب وهذا ليس بحسن فقد رواه عن يزيد كرواية ابن لهيعة الليث ابن سعد وعمرو بن الحارث وناهيك بهما جلالة ونبلا فالحديث إذن صحيح مشهور الحديث: 6628 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 6629 - (كان إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه) فيه أن تنشيف ماء الوضوء غير مكروه أي إذا كان لحاجة فلا يعارض ما ورد في حديث آخر أنه رد منديلا جيء به إليه لذلك وذهب بعض الشافعية إلى أن الأولى عدمه بطرف ثوبه وأجاب عن هذا الحديث بأنه فعله بيانا للجواز <فائدة> قال الكمال ابن الهمام: جميع من روى وضوءه عليه الصلاة والسلام قولا وفعلا اثنان وعشرون نفرا ثم ذكرهم وهم عبد الله بن زيد فعلا وعثمان وابن عباس والمغيرة وعلي الكل فعلا والمقدام بن معد يكرب قولا وأبو مالك الأشعري فعلا وأبو بكر قولا وأبو هريرة قولا وواثل بن حجر قولا وجبير بن نصير وأبو أمامة وأبو أيوب الأنصاري وكعب بن عمر اليماني وعبد الله بن أبي أوفى قولا والبراء [ص: 117] ابن عازب فعلا وأبو كامل قيس بن عائذ فعلا والربيع بن معوذ قولا وعائشة فعلا وعبد الله بن أبي أنيس فعلا وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وليس في شيء منها ذكر التسمية إلا في حديث ضعيف ورواه الدارقطني عن عائشة (ت عن معاذ) بن جبل وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله حديث غريب وسنده ضعيف فيه رشدين عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهما ضعيفان انتهى. وقال الطبراني: لا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد انتهى. لكن قول الترمذي أنه لا يصح فيه شيء رده مغلطاي بخبر فيه عن أم هانئ الحديث: 6629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 6630 - (كان إذا تلا قوله) تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال) في صلاته عقب الفاتحة (آمين) بقصر أو مد وهو أفصح مع تخفيف الميم فيهما: أي استجب ويقولها رافعا بها صوته قليلا (حتى يسمع) بضم أوله بضبط المصنف أي في الجهرية (من يليه من الصف الأول) وفيه أنه يسن للإمام بعد الفاتحة في الصلاة آمين وأنه يجهر بها في الجهرية ويقارن المأموم تأمين إمامه (د عن أبي هريرة) أشار المصنف لحسنه وليس كما ادعى فقد رده عبد الحق وغيره بأن فيه بشر بن رافع الحارثي ضعيف وقال ابن القطان: وبشر يرويه عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة وهو لا يعرف حاله والحديث لا يصح من أجله انتهى الحديث: 6630 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 6631 - (كان إذا جاء الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة وإذا جاء الصيف خرج ليلة الجمعة) يحتمل أن المراد بيت الاعتكاف ويحتمل أن المراد بالبيت الكعبة (وإذا لبس ثوبا جديدا حمد الله) أي قال اللهم لك الحمد كما كسوتنيه إلى آخر ما ورد عنه في الحديث المتقدم (وصلى ركعتين) أي عقب لبسه شكر الله تعالى على هذه النعمة (وكسى) الثوب (الخلق) بفتح اللام بضبط المصنف أي كسى الثوب البالي لغيره من الفقراء ونحوهم صدقة عنه ففيه أن لابس الثوب الجديد يسن له ثلاثة أشياء حمد الله تعالى والأكمل بلفظ الوارد وصلاة ركعتين أي بحيث ينسبان للبسه عرفا والتصدق بالثوب الخلق. قال في المصباح: خلق الثوب بالضم إذا بلي فهو خلق بفتحتين وأخلق الثوب بالألف لغة وأخلقته يكون الرباعي لازما ومتعديا (خط) في ترجمة الربيع حاجب المنصور (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما (عن ابن عباس) وهو من رواية الربيع المذكور عن الخليفة المنصور عن أبيه عن جده وبه عرف حال السند الحديث: 6631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 6632 - (كان إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) أي شرع في قراءتها (علم) بذلك (أنها سورة) أي أنه نزل عليه بافتتاح سورة من القرآن لكون البسملة أول كل سورة من القرآن حتى براءة كما قال ابن عربي قال: لكن بسملتها نقلت إلى النمل فإن الحق تعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم فلما خرجت رجمته براءة وهي البسملة بحكم التبرئ من أهلها برفع الرحمة عنهم وقف الملك بها لا يدري أين يضعها لأن كل أمة من الأمم الإنسانية قد أخذت برحمتها بإيمانها بنبيها فقال أعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا وهو البسملة التي سلبت عن المشركين <فائدة> في تذكرة المقريزي عن الميانشي أنه صلى خلف المازري فسمعه يبسمل فقال له أنت اليوم إمام في مذهب مالك فكيف تبسمل فقال قول واحد في مذهب مالك أن من قرأها في الفريضة لا تبطل صلاته وقول واحد في مذهب الشافعي أن من لم يقرأ بها بطلت صلاته فأنا أفعل ما لا [ص: 118] تبطل به صلاتي في مذهب إمامي وتبطل بتركه في مذهب الغير لكي أخرج من الخلاف (ك) في الصلاة عن معتمر عن مثنى بن الصلاح عن عمرو بن دينار عن سعيد (عن ابن عباس) وقال: صحيح فتعقبه الذهبي بأن مثنى متروك كما قاله النسائي الحديث: 6632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 6633 - (كان إذا جاءه مال) من فيء أو غنيمة أو خراج (لم يبيته ولم يقيله) أي إن جاءه آخر النهار لم يمسكه إلى الليل أو أوله لم يمسكه إلى القائلة بل يعجل قسمته وكان هديه يدعو إلى تعجيل الإحسان والصدقة والمعروف ولذلك كان أشرح الخلق صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا فإن للصدقة والبذل تأثيرا عجيبا في شرح الصدر (هق خط عن) أبي محمد (الحسن بن محمد بن علي مرسلا) الحديث: 6633 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 6634 - (كان إذا جرى به الضحك) أي غلبه (وضع يده على فيه) حتى لا يبدو شيء من باطن فمه وحتى لا يقهقه وهذا كان نادرا وأما في أغلب أحواله فكان لا يضحك إلا تبسما (البغوي) في معجمه (عن والد مرة) الثقفي الحديث: 6634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 6635 - (كان إذا جاءه) لفظ رواية الحاكم أتاه (أمر) أي أمر عظيم كما يفيده التنكير (يسر به خر ساجدا شكرا لله) أي سقط على الفور هاويا إلى إيقاع سجدة لشكر الله تعالى على ما أحدث له من السرور ومن ثم ندب سجود الشكر عند حصول نعمة واندفاع نعمة والسجود أقصى حالة العبد في التواضع لربه وهو أن يضع مكارم وجهه بالأرض وينكس جوارحه وهكذا يليق بالمؤمن كلما زاده ربه محبوبا ازداد له تذللا وافتقارا فيه ترتبط النعمة ويجتلب المزيد {لئن شكرتم لأزيدنكم} والمصطفى صلى الله عليه وسلم أشكر الخلق للحق لعظم يقينه فكان يفزع إلى السجود وفيه حجة للشافعي في ندب سجود الشكر عند حدوث سرور أو دفع بلية ورد على أبي حنيفة في عدم ندبه وقوله لو ألزم العبد بالسجود لكل نعمة متجددة كان عليه أن لا يغفل عن السجود طرفة عين فإن أعظم النعم نعمة الحياة وهي متجددة بتجديد الأنفاس رد بأن المراد سرور يحصل عند هجوم نعمة ينتظر أن يفجأ بها مما يندر وقوعه ومن ثم قيدها في الحديث بالمجيء على الاستعارة ومن ثم نكر أمر للتفخيم والتعظيم كما مر (د هـ ك) في الصلاة من حديث بكار بن عبد العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه (عن) جده (أبي بكرة) قال الحاكم: وبكار صدوق وللخبر شواهد وقال عبد الحق: فيه بكار وليس بقوي قال ابن القطان: لكنه مشهور مستور وقد عهد قبول المستورين وقول ابن معين ليس بشيء أراد به قلة حديثه قال: نعم الخبر معدول بأبيه عبد العزيز فإنه لا يعرف حاله اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين والأمر بخلافه فقد أخرجه الترمذي آخر الجهاد وقال: حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه الحديث: 6635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 6636 - (كان إذا جلس مجلسا) أي قعد مع أصحابه يتحدث (فأراد أن يقوم) منه (استغفر) الله تعالى أي طلب منه الغفر أي الستر (عشرا) من المرات (إلى خمس عشرة) بأن يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه كما ورد تعيينه في خبر آخر فتارة يكررها عشرا وتارة يزيد إلى خمس عشرة وهذه تسمى كفارة المجلس أي أنها ماحية لما يقع فيه من اللغط وكان عليه الصلاة والسلام يقولها تعليما للأمة وتشريعا وحاشا مجلسه من وقوع اللغط <تنبيه> أخرج النسائي في اليوم والليلة عن عائشة قالت: ما جلس رسول اله صلى الله عليه وسلم مجلسا ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات فقلت: يا رسول الله أراك ما تجلس مجلسا ولا تتلو قرآنا ولا تصلي صلاة إلا ختمت [ص: 119] بهؤلاء الكلمات قال نعم من قال خيرا كن طابعا له على ذلك الخير ومن قال شرا كانت كفارة له " سبحانك وبحمدك لا إلا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " (ابن السني عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 6636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 6637 - (كان إذا جلس) لفظ رواية أبي داود في المسجد ولفظ البيهقي في مجلس وإغفال المصنف لفظه مع ثبوته في الحديث المروي بعينه غير مرضي (احتبى يديه) زاد البزار ونصب ركبتيه أي جمع ساقيه إلى بطنه مع ظهره بيديه عوضا عن جمعهما بالثوب وفي حديث أن الاحتباء حيطان العرب أي ليس في البراري حيطان فإذا أرادوا الاستناد احتبوا لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار وفيه أن الاحتباء غير منهي عنه وهذا مخصص بما عدا الصبح وبما عدا يوم الجمعة والإمام يخطب للنهي عنه أيضا في حديث جابر بن سمرة: الاحتباء مجلبة للنوم فيفوته سماع الخطيب وربما ينتقض وضوءه لما في أبي داود بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء أي بيضاء نقية قال الحافظ ابن حجر: ويستثنى أيضا من الاحتباء باليدين ما لو كان بالمسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيده فينبغي أن يمسك أحدهما بالأخرى كما وقعت الإشارة إليه في هذا الحديث من وضع إحداهما على رسغ الأخرى ولا يشبك بين أصابعه في هذه الحالة لورود النهي عنه عند أحمد بسند لا بأس به ذكره ابن حجر (د) وكذا الترمذي في الشمائل (هق) كلاهما من حديث عبد الله بن إبراهيم الغفاري عن إسحاق الأنصاري عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه ثم تعقبه أبو داود بأن الغفاري منكر الحديث وتعقبه أيضا الذهبي في المهذب بأنه ليس بثقة والصدر المناوي بأن ربيح قال أحمد غير معروف ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف إسناده وبه تبين أن رمز المصنف لحسنه غير حسن بل وإن لم يحسنه فاقتصاره على عزوه لمخرجه مع سكوته عما عقبه به من بيان الفادح من سوء التصرف الحديث: 6637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 6638 - (كان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء) انتظارا لما يوحى إليه وشوقا إلى الرفيق الأعلى ذكره الطيبي وقوله جلس يتحدث خرج به حالة الصلاة فإنه كان يرفع بصره فيها إلى السماء أولا حتى نزلت آية الخشوع في الصلاة فتركه فإن قلت: ينافيه أيضا ما ورد في عدة أخبار أن نظره إلى الأرض كان أكثر من نظره إلى السماء قلت: يمكن الجواب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأوقات فإذا كان مترقبا لنزول الوحي عليه متوقعا هبوط الملك إليه نظر إلى جهته شوقا إلى وصول كلام ربه إليه واستعجالا ومبادرة لتنفيذ أوامره وكان في غير هذه الحالة نظره إلى الأرض أطول (د) في الأدب (عن عبد الله بن سلام) بالفتح والتخفيف ورواه عنه أيضا البيهقي في دلائل النبوة ورمز المصنف لحسنه وفي طريقيه محمد بن إسحاق الحديث: 6638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 6639 - (كان إذا جلس يتحدث يخلع نعليه) أي ينزعهما فلا يلبسهما حتى يقوم وتمام الحديث عند مخرجه البيهقي فخلعهما يوما وجلس يتحدث فلما انقضى حديثه قال لغلام من الأنصار: يا بني ناولني نعلي فقال: دعني أنا أنعلك قال: شأنك فافعله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إن عبدك يستحبب إليك فأحبه اه (هب عن أنس) وفيه الخصر بن أبان الكوفي قال الذهبي: ضعفه الحاكم وجعفر بن سليمان ضعفه القطان وفي الكاشف ثقة فيه شيء الحديث: 6639 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 6640 - (كان إذا جلس) يتحدث (جلس إليه أصحابه حلقا حلقا) بفتحتين على غير قياس واحده حلقة بالسكون والحلقة [ص: 120] القوم الذين يجتمعون متدبرين وذلك لاستفادة ما يلقيه من العلوم ويبثه من أحكام الشريعة وتعليم الأمة ما ينفعهم في الدارين (البزار) في مسنده (عن قرة بن إياس) سكوت المصنف على هذا الحديث غير جيد فقد قال الحافظ الهيثمي وغيره: فيه سعيد بن سلام كذبه أحمد اه الحديث: 6640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 6641 - (كان إذا حزبه) بحاء مهملة وزاي فموحدة مفتوحة (أمر) أي هجم عليه أو غلبه أو نزل به هم أو غم وفي رواية حزنه بنون أي أوقعه في الحزن يقال حزنني الأمر وأحزنني الأمر فأنا محزون ولا يقال محزن ذكره ابن الأثير (صلى) لأن الصلاة معينة على دفع جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه وذلك شأن كل كبير في حق من أقبل بكليته عليه (حم د عن حذيفة) بن اليمان وسكت عليه أبو داود الحديث: 6641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 6642 - (كان إذا حزبه) بضبط ما قبله (أمر قال) مستعينا على دفعه (لا إله إلا الله الحليم) الذي يؤخر العقوبة مع القدرة (الكريم) الذي يعطي النوال بلا سؤال (سبحان الله رب العرش العظيم) الذي لا يعظم عليه شيء (الحمد لله رب العالمين) وصف العرش بوصف مالكه فإن قيل هذا ذكر وليس بدعاء لإزالة حزن أو كرب فالجواب أن الذكر يستفتح به الدعاء أو يقال كان يذكر هذه الكلمات بنية الحاجة وذا كاف عن إظهاره لأن المذكور علام الغيوب وقد قال سبحانه من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وقال ابن أبي الصلت في مدح ابن جذعان: أأذكر حاجتي أم قد كفاني. . . حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوما. . . كفاه من تعرضك الثناء <فائدة> أخرج النسائي عن الحسن بن الحسن بن علي أن سبب هذا أنه لما زوج عبد الله بن جعفر بنته قال لها: إن نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي لا إله إلا الله إلى آخر ما ذكر فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقوله قال الحسن: فأرسل إلي الحجاج فقلتهن فقال: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد قتلك فأنت اليوم أحب إلي من كذا وكذا فسل حاجتك (حم عن عبد الله بن جعفر) وهو في مسلم بنحوه من حديث ابن عباس رمز لحسنه الحديث: 6642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 6643 - (كان إذا حلف على يمين) واحتاج إلى فعل المحلوف عليه (لا يحنث) أي لا يفعل ذلك المحلوف عليه وإن احتاجه (حتى نزلت كفارة اليمين) أي الآية المتضمنة مشروعية الكفارة وتمامه عند الحاكم فقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير اه. فإغفال المصنف له غير سديد (ك) في كتاب الإيمان (عن عائشة) وقال: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 6643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 6644 - (كان إذا حلف قال والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتصريفه وفيه جواز تأكيد اليمين بما ذكر أي إذا عظم المحلوف عليه وإن لم يطلب ذلك المخاطب وقد سبق هذا غير مرة (هـ عن رفاعة) بكسر الراء ابن عرابة بفتح المهملة وموحدة (الجهني) حجازي أو مدني صحابي روى عنه عطاء بن يسار رمز لحسنه الحديث: 6644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 [ص: 121] 6645 - (كان إذا حم) أي أخذته الحمى التي هي حرارة بين الجلد واللحم (دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل) بها وذلك نافع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الغب العرضية أو الغير الخالصة التي لا ورم فيها ولا شيء من الأعراض الرديئة والمراد الفاسدة فيطفئها بإذن الله إذا كان الفاعل لذلك من أهل الصدق واليقين وأكابر المتقين (طب ك) في الطب وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح وأقره عليه الذهبي لكن قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبزار والحاكم وأنه صححه: في سنده راو ضعيف وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه إسماعيل بن مسلم وهو متروك الحديث: 6645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 6646 - (كان إذا خاف قوما) أي شر قوم (قال) في دعائه (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) أي في إزاء صدورهم لتدفع عنا صدورهم وتحول بيننا وبينهم تقول جعلت فلانا في نحر العدو إذا جعلته قبالته وترسا يقاتل عنك ويحول بينه وبينك ذكره القاضي (ونعوذ بك من شرورهم) خص النحر لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع والعدو إنما يستقبل بنحره عن المناهضة للقتال أو للتفاؤل بنحرهم أو قتلهم والمراد نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم (حم د) في الصلاة (ك) في الجهاد (هق) كلهم (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة قال النووي: في الأذكار والرياض: أسانيده صحيحة قال الحافظ العراقي: سنده صحيح الحديث: 6646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 6647 - (كان إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه) يعني كان إذا أعجبه شيء (قال اللهم بارك فيه ولا تضره) الظاهر أن هذا الخوف وهذا القول إنما كان يظهره في قالب التشريع للأمة وإلا فعينه الشريفة إنما تصيب بالخير الدائم والفلاح والإسعاد والنجاح فطوبى لمن أصابه ناظره وهنيئا لمن وقع عليه باصره (ابن السني عن سعيد بن حكيم) ابن معاوية بن حيدة القشيري البصري أخو بهز تابعي صدوق الحديث: 6647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 6648 - (كان إذا خرج من الغائط) في الأصل الأرض المنخفضة ثم سمي به محل قضاء الحاجة (قال عقب خروجه بحيث ينسب إليه عرفا فيما يظهر (غفرانك) منصور بإضمار أطلب أي أسألك أن تغفر لي وأسألك غفرانك الذي يليق إضافته إليك لما له من الكمال والجلال عما قصرت فيه من ترك الذكر حال القعود على الخلاء. قال النووي: والمراد بغفران الذنب إزالته وإسقاطه فيندب لمن قضى حاجته أن يقول غفرانك سواء كان في صحراء أم بنيان وظاهر الحديث أنه يقوله مرة وقال القاضي وغيره: مرتين وقال المحب الطبري: ثلاثا فإن قيل: ترك الذكر على الخلاء مأمور به فلا حاجة للاستغفار من تركه قلت: فالجواب أن سببه من قبله فالأمر بالاستغفار مما تسبب فيه أو أنه سأل المغفرة لعجزه عن شكر النعمة حيث أطعمه ثم هضمه ثم جلب منفعته ودفع مضرته وسهل خروجه فرأى شكره قاصرا عن بلوغ هذه النعم ففزع إلى الاستغفار وقال الحرالي: والغفران فعلان صيغة مبالغة تعطى الملاءة ليكون غفرا للظاهر والباطن لما أودعته لأنفس التي هي مظهر حكمة الله التي هي موقع مجموع الغفران والعذاب وقال القاضي: غفرانك بمعنى المغفرة [ص: 122] ونصبه بأنه مفعول به والتقدير أسألك غفرانك ووجه تعقيب الخروج أنه كان مشغولا بما يمنعه من الذكر وما هو نتيجة إسراعه إلى الطعام واشتغاله بقضاء الشهوات هذا قصارى ما وجهوا به هذا الحديث وشبهه وهو من التوجيهات الاقناعية والرأي الفصل ما أشار إليه بعض العارفين أن سر ذلك أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه لخلاصه من هذه المؤذي لبدنه وخفة البدن وراحته وسأله أن يخلصه من المؤذي الآخر فيريح قلبه منه ويخففه وإسرار كلماته وأدعيته فوق ما يخطر بالبال (حم 4 حب ك) وكذا البخاري في الأدب المفرد وعنه رواه الترمذي ووهم ابن سيد الناس حيث قال: هو أبو إسماعيل الترمذي (عن عائشة) وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والنووي في مجموعه وأما قول الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث عائشة هذا أي لا يعرف من وجه صحيح إلا من حديثها وغيره من أذكار الخروج ضعيف كما يجيء فاعتراض مغلطاي عليه ليس في محله ورواه البيهقي بزيادة ربنا وإليك المصير وقال: الأشبه أنه لا أصل لهذه الزيادة الحديث: 6648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 6649 - (كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى) بهضمه وتسهيل خروجه (وعافاني) منه وفي رواية الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني وفي أخرى الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى علي قوته وأذهب عني أذاه أي من احتباس ما يؤذي بدني ويضعف قواي على ما تقرر فيما قبله (هـ عن أنس) بن مالك (ن عن أبي ذر) قال ابن محمود شارح أبي داود: في حديث ابن ماجه هذا إسماعيل بن مسلم المكي تركوه. وفي النسائي: إسناده مضطرب غير قوي وقال الدارقطني: حديث غير محفوظ وقال المنذري: ضعيف وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: حديث ضعيف لضعف رواته ومنهم إسماعيل منكر الحديث قال المديني: أجمعوا على تركه وقال الفلاس: إنما يحدث عنه من لا يبصر الرجال ولا معرفة له بهم الحديث: 6649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 6650 - (كان إذا خرج من الغائط قال الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره) أي في تناول الغذاء أولا فاغتذى البدن مما صلح منه ثم بإخراج الفضلة ثانيا فله الحمد في الأولى والآخرة وهذا وضحه خبر كان إذا خرج قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه لكنه ضعيف (ابن السني) في عمل اليوم والليلة (عن أنس) قال الولي العراقي: فيه عبد الله بن محمد العدوي وهو ضعيف وجزم المنذري أيضا بضعفه فقال: هذا وما قبله أحاديث كلها ضعيفة ولهذا قال أبو حاتم: أصح ما في هذا الباب حديث عائشة السابق الحديث: 6650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 6651 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله) زاد الغزالي في الإحياء الرحمن الرحيم واعترض (التكلان على الله) بضم التاء الاعتماد عليه (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا حيلة ولا قوة إلا بتيسيره وإقداره ومشيئته (هـ ك وابن السني) كلهم (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال الحافظ العراقي فيه ضعف الحديث: 6651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 [ص: 123] 6652 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله) أي اعتمدت عليه في جميع أموري (اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل) بفتح أوله وكسر الزاي بضبط المصنف من الزلل الاسترسال من غير قصد ويقال زلت رجله نزل إذا زلق والزلة الزلقة وقيل الذنب بغير قصد له زلة تشبيها بزلة الرجل. قال الطيبي: والأولى حمله على الاسترسال إلى الذنب ليزدوج مع قوله (أو فضل) بفتح النون وكسر الضاد بضبطه عن الحق من الضلالة (أو نظلم) بفتح النون وكسر اللام (أو نظلم) بضم النون وفتح اللام (أو نجهل) بفتح النون على بناء المعلوم أي أمور الدين (أو يجهل) بضم الياء بضبطه (علينا) أي ما يفعل الناس بنا من إيصال الضرر إلينا قال الطيبي: من خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمور فيخاف العدل عن الصراط المستقيم فأما في الدين فلا يخلو أن يضل أو يضل وأما في الدنيا فإما سبب التعامل معهم بأن يظلم أو يظلم وإما بسبب الخلطة والصحبة فإما أن يجهل أو يجهل عليه فاستعاذ من ذلك كله بلفظ وجيز ومتن رشيق مراعيا للمطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقوله: ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلين (ت) في الدعوات (وابن السني) كلاهما (عن أم سلمة) ورواه عنها أيضا النسائي في الاستعاذة لكن ليس في لفظه توكلت على الله وقال الترمذي: حسن صحيح غريب وقال في الرياض: حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة الحديث: 6652 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 6653 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله رب أعوذ بك من أن أزل أو أضل) بفتح فكسر فيهما وفي رواية أعوذ بك أن أزل أو أزل أو أضل أو أضل بفتح الأول فيهما مبني للفاعل والثاني للمفعول وهو المناسب لقوله (أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي) أي أفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء والإضلال ويحتمل أن يراد بقوله أجهل أو يجهل علي الحال الذي كانت العرب عليها قبل الإسلام من الجهل بالشرائع والتفاخر بالأنساب والتعاظم بالأحساب والكبرياء والبغي ونحوها (حم ن هـ ك) في الدعاء وصححه (عن أم سلمة) ورواه عنها أيضا الترمذي وقال: حسن صحيح (زاد ابن عساكر) في روايته في تاريخه (أو أن أبغي أو أن يبغى علي) أي أفعل بالناس فعل أهل البغي من الإيذاء والجور والإضرار الحديث: 6653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 6654 - (كان إذا خرج يوم العيد) أي عيد الفطر أو الأضحى (في طريق رجع في غيره) مما هو أقصر منه فيذهب في أطولهما تكثيرا للأجر ويرجع في أقصرهما ليشتغل بهم آخر وقيل خالف بينهما ليشمل الطريقين ببركته وبركة من معه من المؤمنين أو ليستفتيه أهلهما أو ليشيع ذكر الله فيهما أو ليتحرز عن كيد الكفار وتفاؤلهم بأن يقولوا رجع على عقبيه أو لاعتياده أخذ ذات اليمين حيث عرض له سبيلان أو لغير ذلك (ت ك عن أبي هريرة) الحديث: 6654 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 6655 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل [ص: 124] أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي أو أبغي أو يبغى علي) قال الطيبي: فإذ استعاذ العبد بالله باسمه المبارك فإنه يهديه ويرشده ويعينه في الأمور الدينية وإذا توكل على الله وفوض أمره إليه كفاه فيكون حسبه {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} ومن قال لا حول ولا قوة إلا بالله كفاه الله شر الشيطان (طب عن بريدة) بن الحصيب الحديث: 6655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 6656 - (كان إذا خطب) أي وعظ وأصل الخطب المراجعة في الكلام (احمرت عليناه وعلا صوته) أي رفع صوته ليؤثر وعظه في خواطر الحاضرين (واشتد غضبه) لله تعالى على من خالف زواجره قال عياض: يعني بشدة غضبه أن صفته صفة الغضبان قال: وهذا شأن المنذر المخوف ويحتمل أنه لنهي خولف فيه شرعه وهكذا يكون صفة الواعظ مطابقة لما يتكلم به (حتى كأنه منذر جيش) أي كمن ينذر قوما من جيش عظيم قصدوا الإغارة عليهم فإن المنذر المعلم الذي يعرف القوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره وهو المخوف أيضا (بقول) أي حال كونه يقول (صبحكم) أي أتاكم الجيش وقت الصباح (مساكم) أي أتاكم وقت المساء قال الطيبي: شبه حاله في خطبته وإنذاره بقرب القيامة وتهالك الناس فيما يريهم بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم يقصد الإحاطة بهم بغتة بحيث لا يفوته منهم أحد فكما أن المنذر يرفع صوته وتحمر عيناه ويشتد غضبه على تغافلهم فكذا حال الرسول صلى الله عليه وسلم عند الإنذار وفيه أنه يسن للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويحرك كلامه ويكون مطابقا لما تكلم به من ترغيب وترهيب قال النووي: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وقال في المطامح: فيه دليل على إغلاظ العالم على المتعلم والواعظ على المستمع وشدة التخويف ثم هذا قطعة من حديث وبقيته عند ابن ماجه وغيره ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصابعه السبابة والوسطى ثم يقول أما بعد فإن خير الأمور كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة <تنبيه> قال ابن القيم: كان يخطب على الأرض والمنبر والبعير ولا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله قال: وقوله كان كثيرا يستفتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار ليس معه سنة تقتضيه وكان كثيرا ما يخطب بالقرآن وكان يخطب كل وقت بما تقتضيه الحاجة. قال: ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته وكانت خطبته العارضة أطول من الراتبة (تتمة) قال ابن عربي: شرعت الخطبة للموعظة والخطيب داعي الحق وحاجب بابه ونائبه في قلب العبد يرده إلى الله ليتأهب لمناجاته ولذلك قدمها في صلاة الجمعة لما ذكر من قصد التأهب للمناجاة كما سن النافلة القبلية للفرض لأجل الذكر والتأهب (هـ حب ك عن جابر) ظاهره أنه لم يخرجه من الستة إلا ابن ماجه وإلا لما اقتصر عليه من بينهم على عادته وهو إيهام فاحش فقد خرجه الإمام مسلم في الجمعة عن جابر بن سمرة باللفظ المزبور ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة اه الحديث: 6656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 6657 - (كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا) قال ابن القيم: ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى قيام الدين به وهو جهل قبيح لأن الوارد العصا والقوس ولأن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق المشركين والمدينة التي كانت [ص: 125] خطبته فيها إنما افتتحت بالقرآن (هـ ك هق عن سعد القرظ) ورواه عنه أيضا الطبراني في الصغير قال الهيثمي: وهو ضعيف الحديث: 6657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 6658 - (كان إذا خطب يعتمد على عنزة) كقصبة رمح قصير (أو عصا) عطف عام على خاص إذ العنزة محركة عصا في أسفلها زج بالضم أي سنان وعبر عنها بعكاز في طرفه سنان وبعضهم بحربة قصيرة وفي طبقات ابن سعد أن النجاشي كان أهداها له وكان يصحبها ليصلي إليها في الفضاء أي عند فقد السترة ويتقي بها كيد الأعداء ولهذا اتخذ الأمراء المشي أمامهم بها ومن فوائدها اتقاء السباع ونبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة خوف الرشاش وتعليق الأمتعة بها والركزة عليها وغير ذلك وقول بعضهم كان يحملها ليستتر بها عند الحاجة رد بأن ضابط السترة ما يستر الأسافل والعنزة لا تسترها (الشافعي) في مسنده في باب إيجاب الجمعة (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) الحديث: 6658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 6659 - (كان إذا خطب المرأة قال: اذكروا لها جفنة سعد بن عبادة) بفتح الجيم وسكون الفاء القصعة العظيمة المعدة للطعام وقضية تصرف المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته تدور معي كلما درت هكذا هو ثابت عند مخرجه ابن سعد وغيره وقال ابن عساكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان سعد يبعث إليه في كل يوم جفنة فيها ثريد بلحم أو ثريد بلبن أو غيره وأكثر ذلك اللحم فكانت جفنته تدور في بيوت أزواجه اه (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة مات سنة 92 (عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا) هو ابن النعمان الظفري قال الذهبي: وثق وكان علامة بالمغازي مات سنة عشرين وقيل غير ذلك وظاهر حال المؤلف أنه لم ير هذا لأشهر من ابن سعد ولا أحق بالعزو منه وهو عجب فقد خرجه الطبراني عن سهل ابن سعد قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من سعد صحفة فكان يخطب المرأة يقول لك كذا وكذا وجفنة سعد تدور معي كلما درت قال الهيثمي: فيه عبد المؤمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف الحديث: 6659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 6660 - (كان إذا خطب) امرأة (فرد لم يعد) إلى خطبتها ثانيا (فخطب امرأة فأبت ثم عادت) فأجابت (فقال قد التحفنا لحافا) بكسر اللام كل ثوب يتغطى به كنى به عن المرأة لكونها تستر الرجل من جهة الإعفاف وغيره (غيرك) أي تزوجت امرأة غيرك وهذا من شرف النفس وعلو الهمة ومن ثم قيل: يا صاح لو كرهت كفى مبايتني. . . لقلت إذ كرهت كفى لها بيني لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي. . . ولا أبالي حبيبا لا يباليني قال المؤلف: وهذا من خصائصه ثم هو يحتمل التحريم ويحتمل الكراهة قياسا على إمساك كارهته ولم أر من تعرض له (ابن سعد عن مجاهد مرسلا) الحديث: 6660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 6661 - (كان إذا خلا بنسائه ألين الناس وأكرم الناس ضحاكا بساما) حتى أنه سابق عائشة يوما فسبقته كما رواه [ص: 126] الترمذي في العلل عنها. قال ابن القيم: وكان من تلطفه بهم أنه إذا دخل عليهم بالليل سلم تسليما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ذكره مسلم (ابن سعد) في طبقاته (وابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) وفيه حارثة بن أبي الرحال ضعفه أحمد وابن معين وفي الميزان عن البخاري منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر الحديث: 6661 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 6662 - (كان إذا دخل الخلاء) بالفتح والمد أي أراد الدخول إلى المحل الذي يتخلى فيه لقضاء الحاجة ويسمى بالكنيف والحش والبراز بفتح الموحدة والغائط والمذهب والمرفق والمرحاض وسمى بالخلاء لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة أو لأن الشيطان الموكل به اسمه خلاء ونصبه بنزع الخافض أو بأنه مفعول به لا بالظرفية خلافا لابن الحاجب لأن دخل عدته العرب بنفسه إلى كل ظرف مكان مختص تقول دخلت الدار ودخلت المسجد ونحوهما كما عدت ذهب إلى الشام خاصة فقالوا: ذهبت الشام ولا يقولون ذهبت العراق ولا اليمن (وضع خاتمه) أي نزعه من أصبعه ووضعه خارج الخلاء لما كان عليه محمد رسول الله. قال مغلطاي: هذا أصل عظيم في ندب وضع ما فيه اسم معظم عند الخلاء وفيه ندب تنحية ما عليه اسم معظم عند قضاء الحاجة. هبه بصحراء أو عمران قال التاج الفزاري: لكنه في الصحراء عند قضاء الحاجة وفي العمران عند دخول الخلاء وقول ابن حبان الحديث يدل على عدم الجواز ممنوع إذ لا يلزم من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم شيئا أن يكون ضده غير جائز ولعله أراد بكونه غير جائز أنه غير مباح مستوي الطرفين بل مكروه (4 حب ك) في مستدركه وقال: على شرط الشيخين وتبعه في الاقتراح وفي رواية الحكم التصريح بأن سبب النزع النقش كلهم (عن أنس) قال النووي: هذا الحديث ضعفه أبو داود والنسائي والبيهقي والجمهور قال: وقول الترمذي حسن مردود اه. ومثل به العراقي في ألفيته وشرحها للمنكر وقال بعضهم: هذا الحديث قد اختلفت رواته في حاله ما بين مصحح ومضعف فقال الترمذي: حسن غريب والحاكم: صحيح وأبو داود: منكر والنسائي: غير محفوظ والدارقطني: شاذ ومال مغلطاي إلى الأول والبغوي والبيهقي إلى الثاني لكن قال: له شواهد وقال ابن حجر: علته أنه من رواية همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس وابن جريج قيل لم يسمع من الزهري ولما نظر بعض الأعاظم إلى ذلك قال: إن في إثبات الكراهة بمجرد هذا الحديث نظر لأن الكراهة حكم شرعي الحديث: 6662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 6663 - (كان إذا دخل) وفي رواية للبخاري في الأدب المفرد كان إذا أراد أن يدخل وهي مبينة للمراد بقوله هنا دخل أي كان يقول الذكر الآتي عند إرادته الدخول لا بعده قال ابن حجر: وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول ولهذا قال ابن بطال: رواية أبي أعم لشمولها (الخلاء) وأصله المحل الذي لا أحد به ويطلق على المعد لقضاء الحاجة ويكنى به عن إخراج الفضلة المعهودة. قال الولي العراقي: والأولان حقيقيان والثالث مجازي قال: فيحتمل أن المراد في الحديث الأول ويوافقه أن الإتيان بهذا الذكر لا يختص بالنسيان عند الفقهاء وأن المراد الثاني ويوافقه لفظ الدخول وفي رواية الكنيف بدل الخلاء (قال) عند شروعه في الدخول (اللهم إني أعوذ) أي ألوذ وألتجئ (بك من الخبث) بضم أوله وثانيه وقد تسكن والرواية بهما وقول الخطابي تسكين المحدثين خطأ لأنه بالسكون جمع لأخبث لا لخبيث قال مغلطاي: هو الخطأ قال الولي العراقي: اتفق من بعده على تغليطه في إنكار الإسكان ثم افترقوا فرقتين فقالت إحداهما: هو بالسكون بمعناه بالتحريك وإنما هو مخفف منه وعليه النووي وابن دقيق العيد وقالت الأخرى ومنهم عياض: بالسكون معناه الشر والمكروه وقال ابن حجر كابن الأثير: وعليه فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب فإن فعلاء المضموم يسكن قياسا (والخبائث) المعاصي أو لخبث الشيطان والخبائث البول [ص: 127] والغائط وأصل الخبث في كلامهم المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم أو من الملل فهو الكفر أو من الطعام فالحرام أو من الشراب فالضار اه. وفائدة قوله هذا مع كونه معصوما من الشياطين وغيرهم التشريع لأمته والاستنان بسنته أو لزوم الخضوع لربه وإظهار العبودية له قال الفاكهي: والظاهر أنه كان يجهر بهذه الاستعاذة إذ لو لم يسمع لم ينقل وإخباره عن نفسه بها بعيد وفيه استحباب هذا الذكر عند إرادة قضاء الحاجة وهو مجمع عليه كما حكاه النووي. قال ابن العربي: وإنما شرعت الاستعاذة في هذا المحل لأنه محل خلوة والشيطان يتسلط فيها ما لا يتسلط في غيرها ولأنه موضع قدر ينزه الله عن جريان ذكره على اللسان فيه والذكر مبعد للشيطان فإذا انقطع الذكر اغتنم تلك الغفلة فشرع تقديم الاستعاذة للعصمة منه (حم ق 4) كلهم في الطهارة (عن أنس) بن مالك الحديث: 6663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 6664 - (كان إذا دخل الكنيف) بفتح الكاف وكسر النون موضع قضاء الحاجة سمي به لما فيه من التستر إذ معنى الكنيف الساتر (قال بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث) بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية وقال الخطابي: لا يجوز غيره واعترض بأنه يجوز إسكان الموحدة كنظائره فيما جاء على هذا الوجه قال النووي: وقد صرح جمع من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة قال ابن حجر: إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر (والخبائث) بياء غير صريحة ولا يسوغ التصريح بها كما بينه في الكشاف حيث قال: في معايش هو بياء صريحة بخلاف الشمائل والخبائث ونحوهما فإن تصريح الياء فيها خطأ والصواب الهمزة أو إخراج الياء بين بين إلى هنا كلامه. وخص الخلاء بهذا لن الشياطين يحضرونه لكونه ينحي فيه ذكر الله ولا فرق في ندب هذا الذكر بين البنيان والصحراء والتعبير بالدخول غالبي فلا مفهوم له (ش عن أنس) بن مالك قال الولي العراقي: فيه انقطاع الحديث: 6664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 6665 - (كان إذا دخل الخلاء) بالمد (قال يا ذا الجلال) أي صاحب العظمة التي لا تضاهى والعز الذي لا يتناهى (ابن السني عن عائشة) الحديث: 6665 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 6666 - (كان إذا دخل الغائط) أي أتى أرضا مطمئنة ليقضي فيها حاجته (قال اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس) بكسر الراء والنون وسكون الجيم فيهما لأنه من باب الاتباع (الخبيث المخبث) بضم فسكون فكسر قال الزمخشري: هو الذي أصحابه وأعوانه خبثا كقولهم للذي فرسه قوي مقو والذي ينسب الناس إلى الخبث ويوقعهم فيه (الشيطان الرجيم) أي المرجوم قال الولي العراقي: ينبغي الأخذ بهذه الزيادة وإن كانت روايتها غير قوية للتساهل في حديث الفضائل قال ابن حجر: وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهارا للعبودية ويجهر بها للتعليم قال: وقد روى المعمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ الأمر قال: إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية اه. وقال الولي العراقي في شرح أبي داود: وأصح ما في هذا ما رواه المعمري في عمل يوم وليلة بإسناد صحيح على شرط مسلم من حديث أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا دخلتم الغائط فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال: وفي مصنف ابن أبي شيبة وذكر الحديث المتقدم قال: وهذا يدل لما قاله أصحابنا أنه يستحب هنا تقديم بسم الله على الاستعاذة وفارق الصلاة لأن الاستعاذة فيها للقراءة والبسملة هناك قراءة فقدمت (د في مراسيله عن الحسن) البصري (مرسلا [ص: 128] ابن السني) أبو بكر في عمل يوم وليلة من طريق إسماعيل بن مسلم (عنه) أي عن الحسن وعن قتادة أيضا كلاهما (عن أنس) بن مالك وإسماعيل بن مسلم ضعفه أبو زرعة وغيره (عد عن بريدة) بن الحصيب بإسناد ضعيف ورواه ابن السني أيضا باللفظ المذكور من حديث ابن عمر وروى ابن ماجه من طريق عبيد الله بن زجر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا " لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " ورواه ابن أبي شيبة موقوفا على حذيفة الحديث: 6666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 6667 - (كان إذا دخل المرفق) بكسر الميم وفتح الفاء الكنيف (لبس حذاءه) بكسر الحاء والمد نعله قال في المصباح: الحذاء ككتاب النعل وذلك صونا لرجله عما قد يصيبها (وغطى رأسه) حياء من ربه تعالى ولأن تغطية الرأس حال قضاء الحاجة أجمع لمسام البدن وأسرع لخروج الفضلات ولاحتمال أن يصل شعره ريح الخلاء فيعلق به. قال أهل الطريق: ويجب كون الإنسان فيما لا بد منه من حاجته حي خجل مستور (ابن سعد) في الطبقات عن أبي بكر بن عبد الله (عن) أبي موسى حبيب بن صالح ويقال ابن أبي موسى الحمصي الطائي (مرسلا) ظاهر صنيعه أنه لا علة له غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي: أبو بكر ضعيف وظاهره أيضا أنه لم يره مخرجا لغير ابن سعد ممن هو أشهر وأحق بالعزو إليه وهو عجب عجاب فقد رواه البيهقي عن حبيب المذكور ورواه أبو داود موصولا مسندا عن عائشة بزيادة ولفظه كان إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه لكن الظاهر أن المصنف لم يغفل هذا الموصول عن ذهول بل لعلمه أن فيه محمد بن يونس الكديمي متهم بالوضع الحديث: 6667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 6668 - (كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبث المخبث الشيطان الرجيم فإذا خرج قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه) خص هذا الدعاء بالخارج من الخلاء للتوبة من تقصيره في شكر النعمتين المنعم على العبد بهما وهما ما أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه وأبقى فيه قوة ذلك <تنبيه> ذكر بعض المفسرين والمحدثين في قوله تعالى في نوح {إنه كان عبدا شكورا} أنه روى عبد الرزاق بسند منقطع أن نوحا كان إذا ذهب إلى الغائط يقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه (ابن السني) أبو بكر في عمل يوم وليلة من طريق إسماعيل بن رافع عن دريد بن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: هذا حديث ضعيف وقال العراقي: إسماعيل مختلف فيه ورواية دريد بن نافع عن ابن عمر منقطعة الحديث: 6668 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 6669 - (كان إذا دخل المسجد قال) حال شروعه في دخوله (أعوذ بالله العظيم) أي ألوذ بملاذه وألجأ إليه مستجيرا به (وبوجهه الكريم) أي ذاته إذ الوجه يعبر به عن الذات بشهادة {كل شيء هالك إلا وجهه} أي ذاته وعن الجهة كما في {فأينما تولوا فثم وجه الله} أي جهته (وسلطانه القديم) على جميع الخلائق قهرا وغلبة (من الشيطان الرجيم) أي المرجوم (وقال) يعني الشيطان (إذا قال ذلك حفظ مني سائر اليوم) أي جميع ذلك اليوم الذي يقول هذا الذكر فيه (د عن [ص: 129] ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وهو كذلك إذا علا فقد قال في الأذكار: إسناده جيد الحديث: 6669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 6670 - (كان إذا دخل يقول بسم الله والسلام على رسول الله) أبرز اسمه الميمون على سبيل التجريد عند ذكره التجاء إلى منصب الرسالة ومنزلة النبوة وتعظيما لشأنها كأنه غيره امتثالا لأمر الله في قوله {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) وإنما شرعت الصلاة عليه عند دخول المسجد لأنه محل الذكر وخص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج لأن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى الله وثوابه فناسب ذكر الرحمة فإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق فناسب ذكر الفضل كما سبق موضحا (حم هـ طب عن فاطمة الزهراء) قال مغلطاي: حديث فاطمة هذا حسن لكن إسناده ليس بمتصل انتهى. والمصنف رمز لحسنه الحديث: 6670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 6671 - (كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) طلب المغفرة في هذا الخبر وما قبله تشريعا لأمته لأن الإنسان حمل التقصير في سائر الأحيان وأبرز ضمير نفسه الشريفة عن ذكر الغفران تحليا بالانكسار بين يدي الملك الجبار وفي هذا الدعاء عند الدخول استرواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة لداخله (ت) وكذا أبو داود خلافا لما يوهمه صنيعه كلاهما في الصلاة من حديث فاطمة بنت الحسن (عن) جدتها (فاطمة) الكبرى الزهراء وقالا جميعا: ليس إسناده بمتصل لأن فاطمة بنت الحسن لم تدرك فاطمة الكبرى رمز لحسنه وفيه ما فيه الحديث: 6671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 6672 - (كان إذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صل على محمد وأزواج محمد) أورده المصنف عقب الأحاديث السابقة إشعارا بندب الصلاة على الأزواج عند دخول المسجد (ابن السني عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه الحديث: 6672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 6673 - (كان إذا دخل السوق) أي أراد دخولها (قال) عند الأخذ فيه (بسم الله اللهم إني أسألك من خير هذه السوق) فيه أن السوق مؤنثة. قال ابن إسحاق: وهو أصح وأفصح وتصغيرها سويقة والتذكير خطأ لأنه قيل سوق نافقة وما سمع نافق بغيرها والنسبة إليها سوقي على لفظها (وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها) أي من شر ما استقر من الأوصاف والأحوال الخاصة بها (وشر ما فيها) أي من شر ما خلق ووقع فيها وسبق إليها (1) (اللهم [ص: 130] إني أعوذ بك من أن أصيب يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة) إنما سأل خيرها واستعاذ من شرها لاستيلاء الغفلة على قلوب أهلها حتى اتخذوا الأيمان الكاذبة شعارا والخديعة بين المتبايعين دثارا فأتى بهذه الكلمات ليخرج من حال الغفلة فيندب لمن دخل السوق أن يحافظ على قوله ذلك فإذا نطق الداخل بهذه الكلمات كان فيه تحرزا عما يكون من أهل الغفلة فيها وهذا مؤذن بمشروعية دخول السوق أي إذا لم يكن فيه حال الدخول معصية كالصاغة وإلا حرم (طب) عن بريدة وفيه كما قال الهيثمي: محمد بن أبان الجعفي وهو ضعيف (ك) في باب الدعاء (عن بريدة) قال الحافظ العراقي: فيه أبو عمرو وجار لشعيب بن حرب ولعله حفص بن سليمان الأسدي مختلف فيه وقال غيره: فيه أبو عمرو وجار لشعيب بن حرب ولا يعرف. وقال المديني: متروك وبه رد الذهبي في التلخيص تصحيح الحاكم له وفي الميزان محمد بن عمرو أو محمد بن عمر له حديث واحد وهو منكر ذكره البخاري في الضعفاء ثم ساق له هذا الحديث ثم قال: قال البخاري لا يتابع عليه اه   (1) ورد أن الشيطان يدخل السوق مع أول داخل ويخرج مع آخر خارج الحديث: 6673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 6674 - (كان إذا دخل بيته) أي إذا أراد دخوله (بدأ بالسواك) لأجل السلام على أهله فإن السلام اسم شريف فاستعمل السواك للإتيان به أو ليطيب فمه لتقبيل أهله ومضاجعتهم لأنه ربما تغير فمه عند محادثة الناس فإذا دخل بيته كان من حسن معاشرة أهله ذلك أو لأنه كان يبدأ بصلاة النفل أول دخوله بيته فإنه قلما كان يتنقل بالمسجد فيكون السواك للصلاة وقول عياض والقرطبي خص به دخول بيته لأنه مما لا يفعله ذو مروءة بحضرة الناس ولا ينبغي عمله بالمسجد ولا في المحافل ردوه وفيه ندب السواك عند دخول المسجد وبه صرح النووي وغيره وأنه مما يبدأ به من القربات عند دخوله وتكراره لذلك ومثابرته عليه وأنه كان لا يقتصر في ليله ونهاره على مرة لأن دخول البيت مما يتكرر والتكرر دليل العناية والتأكد وبيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وأنه لا يختص بوقت ولا حال معينة وأنه لا يكره للصائم في شيء من النهار لكن يستثنى ما بعد الزوال لحديث الخلوف وذكروا أن السواك يسن للنوم وعلته ما ذكر من الاجتماع بالأهل لأن مسهن وملاقاتهن على حال من التنظف أمر مطلوب مناسب دلت عليه الأخبار ولا مانع من كونه للمجموع وفيه مداومته على التعبد في الخلاء والملاء (م د ن هـ) كلهم في الطهارة (عن عائشة) وحكى ابن منده الإجماع على صحته وتعقبه مغلطاي بأنه إن أراد إجماع العلماء قاطبة فمتعذر أو إجماع الأئمة المتعاصرين فغير صواب لأن البخاري لم يخرجه فأي إجماع مع مخالفته الحديث: 6674 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 6675 - (كان إذا دخل) أي بيته (قال) لأهله وخدمه (هل عندكم طعام) أي أطعمه (فإذا قيل لا قال إني صائم) أي وإذا قيل نعم أمرهم بتقديمه إليه كما بينه في رواية أخرى وهذا محمول بقرينة أخبار أخر على صوم النفل لا الفرض وأنه قبل الزوال وأنه لم يكن تناول مفطرا (د عن عائشة) رمز لصحته الحديث: 6675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 6676 - (كان إذا دخل الجبانة) محل الدفن سمي به لأنه يفزع ويجبن عند رؤيته ويذكر الحلول فيه وقال ابن الأثير: الجبانة الصحراء وتسمى بها المقابر لأنها تكون في الصحراء تسمية للشيء باسم موضعه (يقول السلام عليكم) لم يقل عليكم السلام ابتداء بل كان يكره ذلك ولا يعارضه ما في خبر صحيح أنه قال لمن قال عليك السلام لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى فإن ذلك إخبار عن الواقع لا عن المشروع أي أن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذا اللفظ كقوله: [ص: 131] عليك سلام الله قيس بن عاصم. . . ورحمة ربي الله ما شاء يرحم فكره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم (أيتها الأرواح الفانية) أي الأرواح التي أجسادها فانية (والأبدان البالية) التي أبلتها الأرض (والعظام النخرة) أي المتفتتة تقول نخر العظم نخرا من باب تعب بلى وتفتت فهو نخر وناخر (الذي خرجت من الدنيا وهي بالله) أي لا بغيره كما يؤذن به تقديم الجار والمجرور على قوله (مؤمنة) أي مصدقة موقنة (اللهم أدخل عليهم روحا) بفتح الراء أي سعة واستراحة (منك وسلاما منا) أي دعاء مقبولا وأخذ ابن تيمية من مخاطبته للموتى أنهم يسمعون إذ لا يخاطب من لا يسمع ولا يلزم منه أن يكون السمع دائما للميت بل قد يسمع في حال دون حال كما يعرض للحي فإنه قد لا يسمع الخطاب لعارض وهذا السمع سمع إدراك لا يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفي في قوله {إنك لا تسمع الموتى} إذ المراد به سمع قبول وامتثال أمر جاء في كثير من الروايات كان إذا وقف على القبور قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون قال البطليوسي: وهذا مما استعملت فيه إن مكان إذا فإن كلا منهما يستعمل مكان الآخر (ابن السني عن ابن مسعود) الحديث: 6676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 6677 - (كان إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس) عليك هو (طهور) بفتح الطاء أي مرضك مطهر لك من ذنوبك (إن شاء الله) وذلك يدل على أن طهور دعاء لا خبر فيه وفيه أنه لا نقص على الإمام في عيادة بعض رعيته ولو أعرابيا جاهلا جافيا ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلمه ويذكره ما ينفعه ويأمره بالصبر ويسليه إلى غير ذلك مما يجبر خاطره وخاطر أهله (خ) في الطب وغيره (عن ابن عباس) قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أعرابي يعوده فقال له ذلك فقال الأعرابي: قلت طهور كلا بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزبره القبور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذن الحديث: 6677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 6678 - (كان إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان وكان إذا كانت ليلة الجمعة قال هذه غراء) كحمراء أي سعيدة صبيحة (ويوم أزهر) أي نير مشرق ولفظ رواية البيهقي ويوم الجمعة يوم أزهر قال ابن رجب: فيه أن دليل ندب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمال الصالحة فيها فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا (هب وابن عساكر) في تاريخه وأبو نعيم في الحلية وكذا البزار كلهم من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس بن مالك قال النووي في الأذكار: إسناده ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه رواه وأقره وليس كذلك بل عقبه البيهقي بما نصه تفرد به زياد النميري وعنه زائدة بن أبي الرقاد وقال البخاري: زائدة عن زياد منكر الحديث وجهله جماعة وجزم الذهبي في الضعفاء بأنه منكر الحديث وبذلك يعرف أن قول إسماعيل الأنصاري لم يصح في فضل رجب غير هذا خطأ ظاهر الحديث: 6678 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 6679 - (كان إذا دخل) في رواية بدله إذا حضر (رمضان أطلق كل أسير) كان مأسورا عنده قبله (وأعطى كل سائل) [ص: 132] فإنه كان أجود ما يكون في رمضان وفيه ندب عتق الأسارى عند إقبال رمضان والتوسعة على الفقراء والمساكين (هب) وكذا الخطيب والبزار كلهم (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: فيه أبو بكر الهذلي قال ابن حبان: يروي عن الأثبات أشياء موضوعة وقال غندر: كان يكذب (ابن سعد) في طبقاته (عن عائشة) الحديث: 6679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 6680 - (كان إذا دخل شهر رمضان شد مئزره) بكسر الميم إزاره وهو كناية عن الاجتهاد في العبادة (ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ) أي يفرغ يقال سلخت الشهر سلخا وسلوخا صرت في آخره فانسلخ أي مضى ومن شأن المشمر المنكمش أن يقلص إزاره ويرفع أطرافه ويشدها أو كناية عن اعتزال النساء كما يجعل حله كناية عن ضد ذلك قال الأخطل: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم. . . دون النساء ولو بانت بأطهار قال جمع: ولا بعد في إرادة الحقيقة والمجاز بأن يشد المئزر حقيقة ويعتزل النساء لكن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة كما لو قلت فلان طويل النجاد وأردت طول نجاده مع طول قامته قيل: احتمل عبد الملك بن مروان المتاعب في جلب جارية من بلاد الصين فلما بات جعل يتململ في فراشه ويقول: ما أشوقني إليك قالت: وما يمنعك مني قال: بيت الأخطل هذا وكان في حرب (هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه فيه الربيع بن سليمان فإن كان هو صاحب الإمام الشافعي فثقة أو الربيع بن سليمان البصري الأزدي فضعيف قال يحيى: ليس بشيء الحديث: 6680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 6681 - (كان إذا دخل رمضان تغير لونه) إلى الصفرة أو الحمرة كما يعرض للخائف خشية من أن يعرض له فيها ما يقصر عن الوفاء بحق العبودية فيه (وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء) أي تضرع واجتهد فيه (وأشفق لونه) أي تغير حتى يصير كلون الشفق وهذا لولا غرض الإطناب كان يغني عنه قوله تغير لونه (هب عن عائشة) فيه عبد الباقي ابن قانع قال الذهبي: قال الدارقطني يخطئ كثيرا الحديث: 6681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 6682 - (كان إذا دخل العشر) زاد ابن أبي شيبة الأخير من رمضان والمراد الليالي (شد مئزره) قال القاضي: المئزر الإزار ونظيره ملحف ولحاف وشده كناية عن التشمر والاجتهاد أراد به الجد في الطاعة أو عن الاعتزال عن النساء وبجنب غشيانهن (وأحيا ليله) أي ترك النوم الذي هو أخو الموت وتعبد معظم الليل لا كله بقرينة خبر عائشة ما علمته قام ليلة حتى الصباح فلا ينافي ذلك ما عليه الشافعية من كراهية قيام الليل كله (وأيقظ أهله) المعتكفات معه في المسجد واللاتي في بيوتهن إذا دخلها لحاجة أي يوقظهن للصلاة والعبادة (ق) في الصوم (د ن) في الصلاة (هـ) في الصوم كلهم (عن عائشة) الحديث: 6682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 6683 - (كان إذا دعا لرجل أصابته الدعوة وولده وولد ولده) فيستجاب دعاؤه لذلك الرجل وبلغ ما دعا له به هو وذريته من بعده وسكت عما لو دعا عليه لأنه قد سأل الله تعالى أن يجعل دعاءه رحمة على المدعو عليه (حم عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد قال الحافظ الهيثمي متعقبا: رواه أحمد عن ابن حذيفة ولم أعرفه اه الحديث: 6683 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 6684 - (كان إذا دعا بدأ بنفسه) زاد أبو داود في روايته وقال رحمة الله علينا وعلى موسى اه ومن ثم ندبوا للداعي أن يبدأ [ص: 133] بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره فإنه أقرب إلى الإجابة إذ هو أخلص في الاضطرار وأدخل في العبودية وأبلغ في الافتقار وأبعد عن الزهو والإعجاب وذلك سنة الأنبياء والرسل قال نوح {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} وقال الخليل {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} وقال {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} <تنبيه> قال ابن حجر: ابتداؤه بنفسه في الدعاء غير مطرد فقد دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه فقال: رحم الله لوطا رحم الله يوسف ودعا لابن عباس بقوله اللهم فقهه في الدين ودعى لحسان بقوله اللهم أيده بروح القدس (طب عن أبي أيوب) الأنصاري رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: إسناده حسن غير أن عدول المصنف للعزو للطبراني واقتصاره عليه غير جيد لإيهامه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وقد عرفت أن أبا داود خرجه فهو بالعزو إليه أحق الحديث: 6684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 6685 - (كان إذا دعا فرفع يديه) حال الدعاء (مسح وجهه بيديه) عند فراغه تفاؤلا وتيمنا أن كفيه ملئتا خيرا فأفاض منه على وجهه فيتأكد ذلك للداعي ذكره الحليمي وقال القونوي: سره أن الإنسان في دعائه ربه متوجه إليه بظاهره وباطنه ولهذا يشترط حضور القلب في الدعاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبل دعاءا من قلب غافل لاه إذا علمته فاعرف أن يده الواحدة تترجم عن توجه الداعي من حيث ظاهره واليد الأخرى تترجم عن توجهه بباطنه واللسان يترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع إلى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن وهو كناية عن غيبة النائب في علم الحق أزلا وأبدا فإن وجه الشيء حقيقته وهذا الوجه مظهر تلك الحقيقة وإن كشف لك عن سر قوله تعالى {كل شيء هالك إلا وجهه} استشرفت على سر آخر أغرب من هذا يتعذر إفشاؤه إلا لأهله اه (د عن بريدة) رمز لحسنه الحديث: 6685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 6686 - (كان إذا دعا جعل) حال الدعاء (باطن كفيه إلى وجهه) وورد أيضا أنه كان عند الرفع تارة يجعل بطون كفيه إلى السماء وتارة يجعل ظهرهما إليها وحمل الأول على الدعاء بحصول مطلوب أو دفع ما قد يقع به بلاء والثاني على الدعاء برفع ما وقع به من البلاء وروى مسلم أنه فعل الثاني في الاستسقاء وأحمد أنه فعله بعرفة وحكمة رفعهما إلى السماء أنها قبلة الدعاء ومن ثم كانت أفضل من الأرض على الأصح فإنه لم يعص الله فيها (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وكأنه لم ير قول الحافظ العراقي: في سنده ضعيف ولا قول الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله وهو ضعيف الحديث: 6686 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 6687 - (كان إذا دنا من منبره) أي قرب منه (يوم الجمعة) ليصعده إلى الخطبة (سلم على من عنده) أي من بقربه عرفا (من الجلوس فإذا صعد المنبر) أي بلغ الدرجة التالية للمستراح (استقبل الناس بوجهه ثم سلم) على الناس (قبل أن يجلس) فيسن فعل ذلك لكل خطيب ويجب رد سلامه عند الشافعية (هق) من حديث عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه ابن حبان وابن القطان بعيسى المذكور وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه الحديث: 6687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 6688 - (كان إذا ذبح الشاة يقول أرسلوا بها) لعل المراد ببعضها فأطلق الكل وأراد البعض بقرينة المقام (إلى أصدقاء [ص: 134] خديجة) زوجته الدارجة صلة منه لها وبرا وإذا كان فعل الخير عن الميت برا فالسوء ضد ذلك وإن كنا لا نعرف كيفيته ولا يضرنا جهلنا بكيفية ذلك بل علينا التسليم والتصديق وفيه حفظ العهد والصدق وحسن الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير ولو ميتا وإكرام أهل ذلك الصاحب وأصدقائه (م عن عائشة) تمامه قالت عائشة: فأغضبته يوما فقلت: خديجة فقال: إني رزقت حبها الحديث: 6688 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 6689 - (كان إذا ذكر أحدا فدعا له) بخير (بدأ بنفسه) ثم ثنى بغيره ثم عمم اتباعا لملة أبيه إبراهيم فتتأكد المحافظة على ذلك وعدم الغفلة عنه وإذا كان لا أحد أعظم من الوالدين ولا أكبر حقا على المؤمن منهما ومع ذلك قدم الدعاء للنفس عليهما في القرآن في غير موضع فغيرهما أولى (م حب ك عن أبي) وقال الترمذي: حسن صحيح والحاكم: صحيح الحديث: 6689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 6690 - (كان إذا ذهب المذهب) بفتح فسكون أي ذهب في المذهب الذي هو محل الذهاب لقضاء الحاجة أو ذهب مذهبا على المصدر وهو كناية عن الحاجة (أبعد) بحيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح أي يغيب شخصه عن الناس بل روى الإمام ابن جرير في تهذيب الآثار أنه كان يذهب إلى المغمس مكان على نحو ميلين من مكة واستشكل هذا بما في الطبراني عن عصمة بن مالك وأصله في البخاري قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال: يا حذيفة استرني حتى بال فذكر الحديث فمن ذاهب إلى أن ندب الإبعاد مخصوص بالتغوط لأن العلة خوف أن يسمع لخارجه صوت أو يشم له ريح وذلك منتف في البول ومن ثم ورد أنه كان إذا بال قائما لم يبعد عن الناس ولم يبعدوا عنه ومن ذاهب إلى أن تعميم الإبعاد ندب وأنه إنما لم يفعله أحيانا لضرورة فإنه كان يطيل القعود لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم فإذا حضر البول وهو في بعض تلك الحالات ولم يمكنه تأخيره حتى يبعد كعادته فعل ذلك لما يترتب على تأخيره من الضرر فراعى أهم الأمرين واستفيد منه دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا وفيه ندب التباعد لقضاء الحاجة وأن الأدب الكناية في ذكر ما يستحى منه <فائدة> في النهاية تبعا لأبي عبيد الهروي يقال لموضع التغوط المذهب والخلاء والمرفق والمرحاض (4 ك) وكذا الدارمي والبيهقي (عن المغيرة) بن شعبة وصححه الترمذي والحاكم وحسنه أبو داود ورواه أيضا عن المغيرة بن خزيمة في صحيحه الحديث: 6690 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 6691 - (كان إذا رأى المطر قال اللهم صيبا) أي اسقنا صيبا وقوله (نافعا) تتميم في غاية الحسن لن لفظة صيبا مظنة للضرر والفساد. قال في الكشاف: الصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتكثير دل على أنه نوع من المطر شديد هائل فتممه بقوله نافعا صيانة عن الإضرار والفساد ونحوه قوله: فسقى ديارك غير مفسدها. . . صوب الربيع وديمة تهمى لكن نافعا في الحديث أوقع وأحسن من مفسدها اه (خ عن عائشة) ولم يخرجه مسلم ورواه النسائي وابن ماجه لكن أبدل صاد صيبا سينا قال الحافظ العراقي: وسند الكل صحيح الحديث: 6691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 6692 - (كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه) حذرا من شره لقوله عائشة فيما رواه الترمذي استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب أو أن حكمة صرف وجهه عنه الجنوح إلى قول أبيه إبراهيم {لا أحب الآفلين} والهلال يكون من أول ليلة [ص: 135] والثانية والثالثة ثم هو قمر (د) من رواية أبي هلال محمد بن سليم الراسبي (عن قتادة) بن دعامة (مرسلا) قال ابن حجر عن المنذري: هلال لا يحتج به قال: وقد وجدت لهذا المرسل شاهدا مرسلا أيضا أخرجه مسدد في مسنده الكبير ورجاله ثقات ووجدت له شاهدا موصولا عند أبي نعيم وهو بعض حديث ورجاله ثقات إلا واحدا انتهى الحديث: 6692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 6693 - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير) أي بركة (ورشد آمنت بالذي خلقك ثلاثا) أي يكرر ذلك ثلاثا (ثم يقول) بعده (الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا) قال الطيبي: إما أن يراد بالحمد الثناء على قدرته بأن مثل هذا الإذهاب العجيب وهذا المجيء الغريب لا يقدر عليه إلا الله أو يراد به الشكر على ما أولى العباد بسبب الانتقال من النعم الدينية والدنيوية ما لا يحصى وينصر هذا التأويل قوله هلال خير (د عن قتادة بلاغا) أي أنه قال: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القيم: فيه وفيما قبله لين قال الحافظ العراقي: وأسنده أيضا الدارقطني في الأفراد والطبراني في الأوسط عن أنس وقال أبو داود: ليس في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح الحديث: 6693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 6694 - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير ورشد) أي هاد إلى القيام بعبادة الحق تعالى يحدث عن ميقات الحج والصوم وغيرهما {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} (اللهم إني أسألك من خير هذا ثلاثا) أي كرر ذلك ثلاثا ثم يقول (اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وخير القدر) بالتحريك (وأعوذ بك من شره) أي من شر كل منهما يقول ذلك (ثلاث مرات) قال الحكيم: اليمن السعادة والإيمان والطمأنينة بالله كأنه سأله دوامها والسلامة والإسلام أن يدوم له الإسلام ويسلم له شهره فإن لله في كل شهر حكما وقضاء في الملكوت فالمحرم شهره ورجب صفوته ورمضان مختاره وفيه تنبيه على ندب الدعاء سيما عند ظهور الآيات وتقلب أحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع ذكره التوربشتي (طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 6694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 6695 - (كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله) قال الطيبي: روي بالفك والإدغام (علينا باليمن والإيمان والسلام والإسلام) وزاد قوله (ربي وربك الله) لأن أهل الجاهلية فيهم من يعبد القمرين فكأنه يناغيه ويخاطبه فيقول أنت مسخر لنا لتضيء لأهل الأرض ليعلموا عدد السنين والحساب قال القاضي: الإهلال في الأصل رفع الصوت ثم نقل إلى رؤية الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالا لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى إطلاعه وهو في الحديث بهذا المعنى أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترنا باليمن والإيمان انتهى. قال التوربشتي: وقوله ربي وربك الله تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز لفظ وفيه تنبيه على أن [ص: 136] الدعاء مستحب سيما عند ظهور الآيات وتقلب الأحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والالتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع وقال الطيبي: لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام طلب في كل من الفقرتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما يرفقه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أن نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم كلها ومحتوية على المنافع بأسرها فدل على أن عظم شأن الهلال حيث جعل وسيلة لهذا المطلوب فالتفت إليه قائلا ربي وربك الله مقتديا بأبيه إبراهيم حيث قال {لا أحب الآفلين} بعد قوله {هذا ربي} واللطف فيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم جمع بين طلب دفع المضار وجلب المنافع في ألفاظ يجمعها معنى الاشتقاق (حم ت) في الدعوات (ك) في الأدب كلهم من حديث سليمان بن سفيان عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه (عن) جده (طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة قال الترمذي: حسن غريب وهو مستند المصنف في رمزه لحسنه ونوزع بأن الحديث عد من منكرات سليمان وقد ضعفه المديني وأبو حاتم والدارقطني وقال: لين ليس ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ وقال الحافظ ابن حجر: صححه الحاكم وغلط في ذلك فإن فيه سليمان بن سفيان ضعفوه وإنما حسنه الترمذي لشواهده انتهى. ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده الحديث: 6695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 6696 - (كان إذا رأى الهلال قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وأعوذ بك من شر القدر) محركا (ومن شر يوم المحشر) بفتح فسكون ففتح موضع الحشر كفلس بمعنى المحشور أي المجموع فيه الناس ولا شر ولا خير أعظم من يوم المحشر وخيره ولا مساوي ولا مغارب كيف وهو يوم الفزع الأعظم (حم طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وقال شيخه الحافظ العراقي: رواه عنه أيضا ابن أبي شيبة وأحمد في مسنديهما وفيه من لم يسم بل قال الراوي: حدثني من لا أتهم انتهى. وقال ابن حجر: غريب ورجاله موثقون إلا من لم يسم الحديث: 6696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 6697 - (كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق) أي خلق قدرة الطاعة فينا (لما تحب وترضى ربنا وربك الله) قال البعض: هذا تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز ممكن ذكره التوربشتي (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات الحديث: 6697 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 6698 - (كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والسكينة والعافية والرزق الحسن) لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام كل من القرينتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما ينفعه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أنه نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم ومحتوية على المنافع بأسرها (ابن السني عن جرير بن أنس السلمي) قال الذهبي: لا صحبة له الحديث: 6698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 6699 - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا أسألك من خير هذا الشهر ونوره وبركته وهداه وظهوره ومعافاته) فيه كما قبله دلالة على عظم شأن الهلال حيث جعله وسيلة لمطلوبه وسأله من بركته وظهوره (ابن السني عن عبد الله بن مطرف) بضم الميم وفتح المهملة وشد الراء وبالفاء ويقال ابن أبي مطرف الأزدي شامي قال الذهبي: يروى له حديث لا يثبت قاله البخاري الحديث: 6699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 6700 - (كان إذا رأى سهيلا) الكوكب (قال لعن الله سهيلا فإنه كان عشارا فمسخ) شهابا وفي رواية للدارقطني عن ابن عمر لما طلع سهيل قال: هذا سهيل كان عشارا من عشاري اليمن يظلمهم فمسخه الله شهابا فجعله حيث ترون وفي رواية لابن السني عن ابن عمر أيضا لما طلع سهيل قال: لعن الله سهيلا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان عشارا باليمن يظلمهم ويغصبهم في أموالهم فمسخه الله تعالى شهابا فعلقه حيث ترون وفي رواية لابن عدي عن ابن عمر أيضا أن سهيلا كان عشارا فمسخه الله كوكبا وفي رواية لأبي الشيخ عن أبي الطفيل مرفوعا لعن الله سهيلا إنه كان عشارا يعشر في الأرض بالظلم فمسخه الله شهابا وفي رواية له أيضا عن جابر عن الحكم لم يطلع سهيل إلا في الإسلام فإنه ممسوخ وفي رواية له عن عطاء نظر عمر إلى سهيل فسبه وإلى الزهرة فسبها وقال: أما سهيل فكان عشارا وأما الزهرة فهي التي فتنت هاروت وماروت وفيه ذم المكس وأنه موجب لأقبح العفوبات وأشدها وأشنعها وهو المسخ (ابن السني) عن محمد بن أحمد بن المهاجر عن الفضل بن يعقوب الزحامي عن عبد الله بن جعفر عن عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل (عن علي) أمير المؤمنين. أورده ابن الجوزي في الموضوعات (1) من عدة طرق منها هذا الطريق وقال: مداره على جابر الجعفي وهو كذاب ورواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح ورواه عنه أيضا الطبراني في الكبير لكنه قال في آخره فمسخه الله شهابا قال الهيثمي: وفيه جابر الجعفي وفيه كلام كثير   (1) [وقد أحسن بذلك ولم ينازعه المناوي. دار الحديث] الحديث: 6700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 6701 - (كان إذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال) قال ابن عربي: أثنى عليه على كل حال لأنه المعطي بتجليه على كل حال فبالتجلي تغير الحال على الأعيان وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال وهو خشوع تحت سلطان التجلي فله النقصان يمحو ويثبت ويوجد ويعدم وفي الحديث الذي صححه الكشف إن الله إذا تجلى لشيء خشع له فإنه يتجلى على الدوام لأن التغيرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول فشأنه التجلي وشأن الموجودات التغير بالانتقال من حال إلى حال فمنا من يعرفه ومنا من لا يعرف ومن عرفه أظهر له العبودية في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال ولما ترقى المصطفى صلى الله عليه وسلم في المعرفة إلى رتب الكمال حمده وأثنى عليه على كل حال (رب أعوذ بك من حال أهل النار) بين به أن شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأن تلك الشدائد تعم بالتحقيق لأنها تعرضه لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة وأعراض كريمة في العاقبة تتلاشى في جنبها مشقة هذه الشدائد {وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} وما سماه الله خيرا فهو أكثر مما يبلغه الوهم والنعمة ليست خيرا عن اللذة وما اشتهته النفس بمقتضى الطبع [ص: 138] بل هي ما يزيد في رفعة الدرجة ذكره الإمام الغزالي (هـ) وكذا ابن السني (عن عائشة) قال في الأذكار: وإسناده جيد ومن ثم رمز المصنف لحسنه ورواه البزار من حديث علي وفيه عبد الله بن رافع وابنه محمد غير معروفين ومحمد ابن عبد الله بن أبي رافع ضعيف كذا في المنار الحديث: 6701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 6702 - (كان إذا راعه شيء) أي أفزعه (قال الله الله ربي لا أشرك به شيئا) أي لا مشارك له في ملكه فيسن قول ذلك عند الفزع والخوف (ن عن ثوبان) رمز المصنف لحسنه لكن فيه سهل بن هاشم الشامي قال في الميزان عن الأزدي: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر. وقال أبو داود: هو فوق الثقة لكن يخطئ في الأحاديث الحديث: 6702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 6703 - (كان إذا رضي شيئا) من قول أحد أو فعله (سكت) عليه لكن يعرف الرضا في وجهه كما مر ويجيء في خبر ما يصرح به (ابن منده) في الصحابة (عن سهيل) بضم أوله بضبط المصنف (ابن سعد الساعدي أخي سهل) بفتح أوله بضبطه ابن سعد قال الذهبي في الصحابة: يروى له حديث غريب لا يصح اه وكان يشير به إلى هذا الحديث: 6703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 6704 - (كان إذا رفأ الإنسان) وفي رواية إنسانا بفتح الراء وتشديد الفاء وبهمز وبدونه أي هنأه ودعا له بدل ما كانت عليه الجاهلية تقول في تهنئة المتزوج والدعاء له (إذا تزوج) قال القاضي: والترفيه أن يقول للمتزوج بالرفاء والبنين والرفا بكسر الراء والمد الالتئام والاتفاق من رفأت الثوب إذا أصلحته أو السكون والطمأنينة من رفوت الرجل إذا أسكنته ثم استعير للدعاء للمتزوج وإن لم يكن بهذا اللفظ وقدمها الشارع على قولهم ذلك لما فيه من التنفير عن البنات والتقدير لبغضهن في قلوب الرجال لكونه من دأب الجاهلية (قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) وفي رواية على خير قال الطيبي: إذ الأولى شرطية والثانية ظرفية وقوله قال: بارك الله جواب الشرط وإنما أتى بقوله رفا وقيده بالظرف إيذانا بأن الترفية منسوخة مذمومة وقال: أولا بارك الله لك لأنه المدعو أصالة أي بارك الله في هذا الأمر ثم ترقى منه ودعا لهما وعداه بعلى لأن المدار عليه في الذراري والنسل لأنه المطلوب بالتزوج وحسن المعاشرة والموافقة والاستمتاع بينهما على أن المطلوب الأول هو النسل وهذا تابع قال الزمخشري: ومعناه أنه كان يضع الدعاء بالبركة موضع الترفية المنهي عنها واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر وقيل غير ذلك (حم 4 ك) في النكاح (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي وقال في الأذكار بعد عزوه للأربعة: أسانيده صحيحة الحديث: 6704 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 6705 - (كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) تفاؤلا بإصابة المراد وحصول الإمداد ففعل ذلك سنة كما جرى عليه جمع شافعية منهم النووي في التحقيق تمسكا بعدة أخبار هذا منها وهي وإن ضعفت أسانيدها تقوت بالاجتماع فقوله في المجموع لا يندب تبعا لابن عبد السلام وقال: لا يفعله إلا جاهل في حيز المنع كما مر (ت) في الدعوات (ك) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال أعني الترمذي: صحيح غريب لكن جزم النووي [ص: 139] في الأذكار بضعف سنده الحديث: 6705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 6706 - (كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر ركعة قنت) قال النووي: فيه أن القنوت سنة في صلاة الصبح وأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان يداوم على القنوت لاقتضاء كان للتكرار قال النووي في شرح مسلم: وهو الذي عليه الكثيرون والمحققون من الأصوليين ورجحه ابن دقيق العيد وقد بين في هذا الحديث محل القنوت وقد اختلف الصحب والتابعون في ذلك وما في هذا الحديث هو ما نقل عن الخلفاء الأربعة وعليه الشافعي ومذهب جمع من الصحب منهم أبو موسى والبراء أن محله قبل الرجوع وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وذهب جمع من السلف إلى ترك القنوت رأسا وعزاه الترمذي إلى أكثر أهل العلم وتعقبوه واختلف النقل عن أحمد (محمد بن نصر) في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه ورواه الحاكم في كتاب القنوت بلفظ كان إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه ويدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت إلخ قال الزين العراقي: وفيه المقبري ضعيف الحديث: 6706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 6707 - (كان إذا رفع بصره إلى السماء قال يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك) قال الحليمي: هذا تعليم منه لأمته أن يكونوا ملازمين لمقام الخوف مشفقين من سلب التوفيق غير آمنين من تضييع الطاعات وتتبع الشهوات (ابن السني عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6707 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 6708 - (كان إذا رفعت) بصيغة المجهول (مائدته) يعني الطعام (قال الحمد لله حمدا) مفعول مطلق إما باعتبار ذاته أو باعتبار تضمنه معنى الفعل والفعل مقدر (كثيرا طيبا) خالصا عن الرياء والسمعة والأوصاف التي لا تليق بجنابه تقدس لأنه طيب لا يقبل إلا طيبا أو خالصا عن أن يرى الحامد أنه قضى حق نعمته (مباركا فيه الحمد لله الذي كفانا) أي دفع عنا شر المؤذيات (وآوانا) في كن نسكنه (غير مكفى) مرفوع على أنه خبر ربنا أي ربنا غير محتاج إلى الطعام فيكفى لكنه يطعم ويكفي (ولا مكفور) أي مجحود فضله وتعميمه (ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك فيعرض عنه (ولا مستغنى عنه) بفتح النون وبالتنوين أي غير متروك الرغبة فيما عنده فلا يدعى إلا هو ولا يطلب إلا منه وإن صحت الرواية بنصب غير فهو صفة حمدا أي حمدا غير مكفى به أي نحمد حمدا لا نكتفي به بل نعود إليه مرة بعد أخرى ولا نتركه ولا نستغني عنه و (ربنا) على هذا منصوب على النداء وعلى الأول مرفوع على الابتداء وغير مكفي خبره وفيه أعاريب أخر وتوجيهات كثيرة (حم خ د ت هـ عن أبي أمامة) الباهلي قال خالد بن معدان: شهدت وليمة ومعنا أبو أمامة فلما فرغنا قام فقال: ما أريد أن أكون خطيبا ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند فراعه من الطعام ذلك ووهم الحاكم فاستدركه الحديث: 6708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 6709 - (كان إذا ركع سوى ظهره) أي جعله كالصفيحة الواحدة (حتى لو صب عليه الماء لاستقر) مكانه فيه دليل [ص: 140] لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة أن الواجب في الركوع الانحناء بحيث تنال راحتاه ركبتيه وتطمئن واكتفى أبو حنيفة بأدنى انحناء (هـ عن وابصة) بن معبد (طب عن ابن عباس وعن أبي برزة وعن أبي مسعود) رمز المصنف لحسنه قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: سنده ضعيف لضعف طلحة بن زيد راويه قال الساجي والبخاري: منكر الحديث وأبو نعيم: لا شيء وأبو أحمد وأبو داود والمديني: يضع الحديث وابن حبان: لا يحل الاحتجاج به والأزدي: ساقط اه. قال ابن حجر: فيه طلحة بن زيد نسبه أحمد وابن المديني إلى الوضع نعم هو من طريق الطبراني جيد فقد قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أبو يعلى بسند كذلك الحديث: 6709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 6710 - (كان إذا ركع قال) في ركوعه (سبحان) علم على التسبيح أي أنزه (ربي العظيم) عن النقائص وإنما أضيف بتقدير تنكيره ونصب بفعل محذوف لزوما أي سبح (وبحمده) أي وسبحت بحمده أي بتوفيقه لا بحولي وقوتي والواو للحال أو لعطف جملة على جملة والإضافة فيه إما للفاعل والمراد من الحمد لازمه وهو ما يوجب الحمد من التوفيق أو للمفعول ومعناه سبحت ملتبسا بحمدي لك (ثلاثا) أي يكرر ذلك في ركوعه ثلاث مرات (وإذا سجد قال) في سجوده (سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا) كذلك قال جمع ومشروعية الركوع ليس من خصائص هذه الأمة لأنه تعالى أمر أهل الكتاب به مع أمة محمد بقوله {واركعوا مع الراكعين} وفيه ندب الذكر المذكور وذهب أحمد وداود إلى وجوبه والجمهور على خلافه لأنه عليه الصلاة والسلام لما علم الأعرابي المسيء صلاته لم يذكر له ذلك ولم يأمره قال القاضي: قال فإن قلت لم أوجبتم القول والذكر في القيام والقعود ولم توجبوا في الركوع والسجود قلت لأنهما من الأفعال العادية فلا بد من مميز يصرفهما عن العادة ويمحضهما وأما الركوع والسجود فهما بذاتهما يخالفان العادة ويدلان على غاية الخضوع والاستكانة ولا يفتقران إلى ما يقارنهما فيجعلهما طاعة (د عن عقبة بن عامر) الجهني رمز المصنف لحسنه قال الحاكم: حديث حجازي صحيح الإسناد وقد اتفقا على الاحتجاج براويه غير إياس بن عامر وهو مستقيم وخرجه ابن خزيمة في صحيحه ولعل المصنف لم يطلع على تصحيح الحاكم أو لم يرتضه حيث رمز لحسنه وكأنه توقف في تصحيحه لقول أبي داود هذه الزيادة يعني قوله وبحمده أخاف أن لا تكون محفوظة لكن بين الحافظ ابن حجر ثبوتها في عدة روايات ثم قال: وفيه رد لإنكار ابن الصلاح وغيره هذه الزيادة قال: وأصلها في الصحيح عن عائشة بلفظ كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك الحديث: 6710 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 6711 - (كان إذا ركع فرج أصابعه) تفريجا وسطا أي نحى كل أصبع عن التي تليها قليلا (وإذا سجد ضم أصابعه) منشورة إلى القبلة وفيه ندب تفريج أصابع يديه في الركوع لأنه أمكن وتفريقها في السجود ومثله الجلسات قال القرطبي: وحكمة ندب هذه الهيئة في السجود أنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان وقال ابن المنير: حكمته أن يظهر كل عضو بنفسه ويتمكن حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد ومقتضاه أن يستقبل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن القصد هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم واحد ذكره ابن حجر (ك هق عن واثل بن حجر) ابن ربيعة قال الذهبي: له صحبة ورواية قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره عليه الذهبي وقال الهيثمي: سنده حسن الحديث: 6711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 [ص: 141] 6712 - (كان إذا رمى الجمار مشى إليه) أي الرمي (ذاهبا وراجعا) فيه أنه يسن الرمي ماشيا وقيده الشافعية برمي غير النفر أما هو فيرميه راكبا لأدلة مبينة في الفروع وقال الحنفية: كل رمي بعده رمي يرميه ماشيا مطلقا ورحجه المحقق ابن الهمام وقال مالك وأحمد: ماشيا في أيام التشريق (ت) في الحج (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته الحديث: 6712 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6713 - (كان إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف) أي لم يقف للدعاء كما يقف في غيرها من الجمرات وعليه إجماع الأربعة وضابطه أن كل جمرة بعدها جمرة يقف عندها وإلا فلا (هـ عن ابن عباس) رمز لحسنه الحديث: 6713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6714 - (كان إذا رمدت) قالوا: الرمد ورم حار يعرض للشحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة أو حرارة في الرأس أو البدن أو غير ذلك (عين امرأة من نسائه) يعني حلائله (لم يأتها) أي لم يجامعها (حتى تبرأ عينها) لأن الجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن وقواه وطبيعته وأخلاطه والروح والنفس وكل حركة هي مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة والعين حال رمدها في غاية الضعف فأضر ما عليها حركة الجماع وهذا من الطب المتفق عليه بلا نزاع (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أم سلمة) الحديث: 6714 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6715 - (كان إذا زوج أو تزوج امرأة نثر تمرا) فيه أنه يسن لمن اتخذ وليمة أن ينثر للحاضرين تمرا أو زبيبا أو لوزا أو سكرا أو نحو ذلك وتخصيص التمر في الحديث ليس لإخراج غيره بل لأنه المتيسر عند أهل الحجاز لكن مذهب الشافعي أن تقديم ذلك للحاضرين سنة ونثره جائز ويجوز التقاطه والترك أولى (هق عن عائشة) الحديث: 6715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6716 - (كان إذا سأل الله) تعالى خيرا (جعل باطن كفيه إليه وإذا استعاذ) من شر (جعل ظاهرهما إليه) لدفع ما يتصوره من مقابلة العذاب والشر فيجعل يديه كالترس الواقي عن المكروه ولما فيه من التفاؤل برد البلاء (حم عن السائب) رمز لحسنه قال ابن حجر: وفيه ابن لهيعة وقال الهيثمي: رواه أحمد مرسلا بإسناد حسن اه. وفيه إيذان بضعف هذا المتصل فتحيز المصنف له كأنه لاعتضاده الحديث: 6716 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6717 - (كان إذا سال السيل قال اخرجوا بنا إلى هذا الوادي الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه) فيسن فعل ذلك لكل أحد. قال الشافعية: ويسن لكل أحد أن يبرز للمطر ولأول مطر آكد ويكشف له من بدنه غير عورته ويغتسل ويتوضأ في سيل الوادي فإن لم يجمعهما توضأ (الشافعي) في مسنده (هق) كلاهما (عن يزيد بن الهاد) مرسلا ظاهره أنه لا علة فيه إلا الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: إنه مع إرساله منقطع أيضا الحديث: 6717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6718 - (كان إذا سجد جافى) مرفقيه عن إبطيه مجافاة بليغة أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها (حتى نرى) بالنون كما [ص: 142] في شرح البخاري للقسطلاني وفي رواية حتى يرى بضم التحتية مبنيا للمفعول وفي رواية حتى يبدو أي يظهر لكثرة تجافيه (بياض إبطيه) فيسن ذلك سنا مؤكدا للذكر لا الأنثى قال ابن جرير: وزعم أنه إنما فعله عند عدم الازدحام وضيق المكان لا دليل عليه والكلام حيث لا عذر كعلة أو ضيق مكان اه. والمراد يرى لو كان غير لابس ثوبا أو هو على ظاهره وأن إبطه كان أبيض وبه صرح الطبري فقال: من خصائصه أن الإبط من جميع الناس متغير اللون بخلافه ومثله القرطبي وزاد ولا شعر عليه وتعقبه صاحب شرح تقريب الأسانيد بأنه لم يثبت وبأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من بياضه كونه لا شعر له (حم) وكذا ابن خزيمة وأبو عوانة (عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه قال أبو زرعة: صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح ورواه ابن جرير في تهذيبه من عدة طرق عن ابن عباس وسببه عنده أنه قيل له هل لك في مولاك فلان إذا سجد وضع صدره وذراعيه بالأرض فقال: هكذا يربض الكلب ثم ذكره وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وليس كذلك بل رواه البخاري بلفظ كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه ومسلم بلفظ كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه الحديث: 6718 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 6719 - (كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته) وسجد على جبهته وأنفه دون كور عمامته قال ابن القيم: لم يثبت عنه سجود على كور عمامته في خبر صحيح ولا حسن وأما خبر عبد الرزاق كان يسجد على كور عمامته ففيه متروك (ابن سعد) في طبقاته (عن صالح بن خيران) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة تحت وراء ويقال بحاء مهملة أيضا وهو السبائي بفتح المهملة والموحدة مقصورا (مرسلا) قال الذهبي: الأصح أنه تابعي وحكى في التقريب أنه من الطبقة الرابعة الحديث: 6719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 6720 - (كان إذا سر استنار وجهه) أي أضاء (كأنه) أي الموضع الذي يتبين فيه السرور وهو جبينه (قطعة قمر) قال البلقيني: عدل عن تشبيهه بالقمر إلى بشبيهه بقطعة منه لأن القمر فيه قطعة يظهر فيها سواد وهو المسمى بالكلف فلو شبه بالمجموع لدخلت هذه القطعة في المشبه به وغرضه الشبيه على أكمل وجه فلذلك قال قطعة قمر يريد القطعة الساطعة الإشراق الخالية من شوائب الكدر وقال ابن حجر: لعله حين كان متلثما والمحل الذي يتبين فيه السرور جبينه وفيه يظهر السرور فوقع الشبه على بعض الوجه فناسب تشبيهه ببعض القمر قال: ويحتمل أنه أراد بقطعة قمر نفسه والتشبيه وارد على عادة الشعراء وإلا فلا شيء يعدل حسنه وفي الطبراني عن جبير بن مطعم التفت بوجهه مثل شقة القمر فهذا محمول على صفته عند الالتفات وفي رواية للطبراني كأنه دارة قمر (ق عن كعب بن مالك) الحديث: 6720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 6721 - (كان إذا سلم من الصلاة قال ثلاث مرات سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) أخذ منه بعضهم أن الأولى عدم وصل السنة التالية للفرض بل يفصل بينهما بالأوراد المأثورة (ع عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه الحديث: 6721 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 6722 - (كان إذا سلم لم يقعد) أي بين الفرض والسنة لما صح أنه كان يقعد بعد أداء الصبح في مصلاه حتى تطلع الشمس [ص: 143] وقد أشار إلى ذلك البيضاوي بقوله إنما ذلك في صلاة بعدها راتبة أما التي لا راتبة بعدها فلا (إلا بمقدار ما يقول اللهم أنت السلام) أي السالم من كل ما لا يليق بجلال الربوبية وكمال الألوهية (ومنك) لا من غيرك لأنك أنت السلام الذي تعطي السلامة لا غيرك وإليك يعود السلام وكل ما يشاهد من سلامة فإنها لم تظهر إلا منك ولا تضاف إلا إليك (السلام) أي منك يرجى ويستوهب ويستفاد السلامة (تباركت يا ذا الجلال والإكرام) أي تعاظمت وارتفعت شرفا وعزة وجلالا وما تقرر من حمل لم يقعد إلا بمقدار ما ذكر على ما بين الفرض والسنة هو ما ذهب إليه ذاهبون أي لم يمكث مستقبل القبلة إلا بقدر ما يقول ذلك وينتقل ويجعل يمينه للناس ويساره للقبلة وجرى ابن حجر على نحوه فقال: المراد بالنفي نفي استمراره جالسا على هيئته قبل الإسلام إلا بقدر ما يقول ذلك فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه. وقال ابن الهمام: لم يثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم الفصل بالأذكار التي يواظب عليها في المساجد في عصرنا من قراءة آية الكرسي والتسبيحات وأخواتها ثلاثا وثلاثين وغيرها والقدر المتحقق أن كلا من السنن والأعداد له نسبة إلى الفرائض بالتبعية والذي ثبت عنه أنه كان يؤخر السنة عنه من الأذكار هو ما في هذا الحديث فهذا نص صريح في المراد وما يتخيل أنه يخالفه لم يعرفوه إذ يلزم دلالته على ما يخالف اتباع هذا النص واعلم أن المذكور في حديث عائشة هذا هو قولها لم يقعد إلا مقدار ما يقول وذلك لا يستلزم سنية أن يقول ذلك بعينه في دبر كل صلاة إذا لم يقل إلا حتى يقول أو إلى أن يقول فيجوز كونه كان مرة بأوله ومرة يقول غيره من الأوراد الواردة ومقتضى العبارة حينئذ أن السنة أن يفصل بذكر قدر ذلك وذلك يكون تقريبا فقد يزيد قليلا وقد ينقص قليلا وقد يدرج وقد يرتل فأما ما يكون زيادة غير متقاربة مثل العدد المعروف من التسبيحات والتحميدات والتكبيرات فينبغي استنان تأخيره عن الراتبة وكذا آية الكرسي ونحوها على أن ثبوت ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمواظبة فلم تثبت بل الثابت ندبه إلى ذلك ولا يلزم من ندبه إلى شيء مواظبته عليه فالأولى أن لا تقرأ الأعداد قبل السنة لكن لو فعل لم تسقط حتى إذا صلى بعد الأوراد يقع سنة مؤداة قال أبو زرعة: هذا لا يعارضه خبر إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه لأنه كان يترك الشيء وهو يحب فعله خشية المشقة على الناس والافتراض عليهم (م 4) في الصلاة كلهم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 6722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 6723 - (كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح) أي هلموا إليها وأقبلوا وتعالوا مسرعين (قال لا حول ولا قوة إلا بالله) قال ابن الأثير: المراد بهذا ونحوه إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور كالصلاة هنا وهو حقيقة العبودية (حم عن أبي رافع) ورواه عنه أيضا البزار والطبراني قال الهيثمي: وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف لكن روى عنه مالك الحديث: 6723 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 6724 - (كان إذا سمع المؤذن يتشهد) أي ينطق بالشهادتين في أذانه (قال وأنا وأنا) أي يقول عند شهادة أن لا إله إلا الله وأنا وعند أشهد أن محمدا رسول الله وأنا. رواه ابن حبان وبوب عليه باب إباحة الاقتصار عند سماع الأذان على وأنا وأنا. قال الطيبي: وقوله وأنا عطف على قول المؤذن يتشهد على تقدير العامل لا الاستئناف أي وأنا أشهد كما تشهد والتكرير وأنا راجع إلى الشهادتين. قال: وفيه أنه كان مكلفا أن يشهد على رسالته كسائر الأمة وفيه لو اقتصر عليه حصل له فضل متابعة الأذان كله (د ك عن عائشة) الحديث: 6724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 [ص: 144] 6725 - (كان إذا سمع المؤذن قال حي على الفلاح قال: اللهم اجعلنا مفلحين) أي فائزين بكل خير ناجين من كل ضير (ابن السني) في عمل يوم وليلة (عن معاوية) بن أبي سفيان. قال السخاوي: وفيه نصر بن طريف أبو جزء القصاب متروك والراوي عنه عبد الله بن واقد قال البخاري: متروك الحديث: 6725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 6726 - (كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق) جمع صاعقة وهو قصفة رعد تنقض منها قطعة من نار (قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) خص القتل بالغضب والإهلاك بالعذاب لأن نسبة الغضب إلى الله استعارة والمشبه به الحالة التي تعرض للملك عند انفعاله وغليان دم القلب ثم الانتقام من المغضوب عليه وأكثر ما ينتقم به القتل فرشح الاستعارة به عرفا والإهلاك والعذاب جاريان على الحقيقة في حق الحق ولما لم يكن تحصيل المطلوب إلا بمعافاة الله كما في خبر أعوذ بمعافاتك من عقوبتك قال: وعافانا إلخ (حم ت) في كتاب الدعاء قال الصدر المناوي: بسند جيد (ك) في الأدب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي. لكن قال النووي في الأذكار بعد عزوه للترمذي: إسناده ضعيف. قال الحافظ العراقي: وسنده حسن قال المناوي: وقد عزاه النووي في خلاصته لرواية البيهقي وقال: فيه الحجاج بن أرطأة وهو قصور فإن الحديث في الترمذي من غير طريق الحجاج اه. وقال ابن حجر: حديث غريب أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحجاج صدوق لكنه مدلس وقد صرح بالتحديث والعجب من الشيخ يعني النووي يطلق الضعف على هذا وهو متماسك وسكت على خبر ابن مسعود وقد تفرد به متهم بالكذب الحديث: 6726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 6727 - (كان إذا سمع بالاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه) فمن ذلك تبديله عاصية بجميلة والعاصي بن الأسود بمطيع لأن الطباع السليمة تنفر عن القبيح وتميل إلى الحسن المليح وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير. قال القرطبي: وهذه سنة ينبغي الاقتداء به فيها وفي أبي داود كان لا يتطير وإذا بعث غلاما سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح ورؤي بشره في وجهه فإن كره اسمه رؤي كراهته في وجهه. قال القرطبي: ومن الأسماء ما غيره وصرفه عن مسماه لكن منع منه حماية واحتراما لأسماء الله وصفاته عن أن يسمى بها فقد غير اسم حكم وعزيز كما رواه أبو داود لما فيهما من التشبه بأسماء الله تعالى (ابن سعد) في الطبقات (عن عروة) بن الزبير (مرسلا) ظاهره أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن سعد وأنه لم يقف عليه موصولا ولا عجب من هذا الإمام المطلع وقد رواه بنحوه بزيادة الطبراني في الصغير عن عائشة بسند قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ولفظه كان إذا سمع اسما قبيحا غيره فمر على قرية يقال لها عفرة فسماها خضرة هذا لفظه فعدول المصنف عنه قصور أو تقصير الحديث: 6727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 6728 - (كان إذا شرب الماء قال الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا) الفرات العذب فالجمع بينهما للإطناب وهو لائق في مقام السؤال والابتهال (برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا) بضم الهمزة مرا شديد الملوحة وكسر الهمزة لغة نادرة [ص: 145] (بذنوبنا) أي بسبب ما ارتكبناه من الذنوب (حل) من حديث الفضل عن جابر بن يزيد الجعفي (عن أبي جعفر) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب مرسلا ثم قال: غريب ورواه أيضا كذلك الطبراني في الدعاء. قال ابن حجر: وهذا الحديث مع إرساله ضعيف من أجل جابر الجعفي الحديث: 6728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 6729 - (كان إذا شرب تنفس) خارج الإناء (ثلاثا) من المرات إن كان يشرب ثلاث دفعات والمراد التنفس خارج الإناء يسمي الله في أول كل مرة ويحمده في آخرها كما جاء مصرحا به في رواية واستحب بعضهم أن يكون التنفس الأول في الشرب خفيفا والثاني أطول والثالث إلى ربه ولم أقف له على أصل (ويقول هو) أي الشرب بثلاث دفعات (أهنأ) بالهمز من الهناء وفي رواية بدله أروى من الري بكسر الراء أي أكثر ريا قال ابن العربي: والهناء خلوص الشيء عن النصب والنكد والاستمراء الملائمة واللذة (وأمرأ) بالهمز من المريء أي أكثر مراءة أي أقمع للظمأ وأقوى على الهضم (وأبرأ) بالهمز من البراءة أو من البرئ أي أكثر برءا أي صحة للبدن فهو يبرئ كثيرا من شدة العطش لتردده على المعدة الملتهبة بدفعات فتسكن الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه والثالثة ما عجزت عنه الثانية وذلك اسلم للحرارة الغريزية فإن هجوم البارد يطفئها ويفسد مزاج الكبد والتنفس استمداد النفس (حم ق عن أنس) بن مالك الحديث: 6729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 6730 - (كان إذا شرب تنفس مرتين) أي تنفس في أثناء الشرب مرتين فيكون قد شرب ثلاث مرات وسكت عن التنفس الأخير لكونه من ضرورة الواقع فلا تعارض بينه وبين ما قبله وبعده من الثلاث قال ابن العربي: وبالجملة فالتنفس في الإناء يعلق به روائح منكرة تفسد الماء والإناء وذلك يعلم بالتجربة ولذلك قلنا إن الشرب على الطعام لا يكون إلا حتى يسمح فمه ولا يدخل حرف الإناء في فيه بل يجعله على الشفة ويتعلق الماء بشربه بالشفة العليا مع نفسه بالاجتذاب فإذا جاء نفسه الخارج أبان الإناء عن فيه (ت عن ابن عباس) قال الحافظ في الفتح: سنده ضعيف الحديث: 6730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 6731 - (كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا) قال القاضي: يعني كان يشرب بثلاث دفعات لأنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرا في برد المعدة وضعف الأعصاب (يسمي عند كل نفس) بفتح الفاء بضبطه (ويشكر) الله تعالى (في آخرهن) بأن يقول الحمد لله إلى آخر ما جاء في الحديث المتقدم والحمد رأس الشكر كما في حديث. قال الزين العراقي: هذا يدل على أنه إنما يشكر مرة واحدة بعد فراغ الثلاث لكن في رواية للترمذي أنه كان يحمد بعد كل نفس وفي الغيلانيات من حديث ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا يحمد على كل نفس ويشكر عند أخرهن (ابن السني) في الطب (طب) كلاهما (عن ابن مسعود) قال النووي في الأذكار عقب تخريجه لابن السني: إسناده ضعيف قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال الصحيح إلا المعلى فاتفقوا على ضعفه قال البخاري: منكر الحديث وقال النسائي: متروك انتهى. وسبقه الذهبي ففي الميزان معلى بن عرفان منكر الحديث وقال الحاكم: متروك وكان من غلاة الشيعة انتهى. ومن ثم قال ابن حجر: غريب ضعيف ورواه الدارقطني أيضا في الأفراد الحديث: 6731 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 6732 - (كان إذا شهد جنازة) أي حضرها (أكثر الصمات) بضم الصاد السكوت (وأكثر حديث نفسه) أي [ص: 146] في أهوال الموت وما بعده من القبر والظلمة وغير ذلك (ابن المبارك وابن سعد) في الطبقات (عن عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء وشد الواو وقال: صدوق عابد ربما وهم رمي بالإرجاء (مرسلا) هو مولى المهلب بن أبي صفرة قال الذهبي: ثقة مرجئ عابد الحديث: 6732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 6733 - (كان إذا شهد جنازة رؤيت عليه كآبة) بالمد أي تغير نفس بانكسار (وأكثر حديث النفس) قال في فتح القدير: ويكره لمشيع الجنازة رفع الصوت بالذكر والقراءة ويذكر في نفسه (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة الحديث: 6733 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 6734 - (كان إذا شيع جنازة علا كربه) بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه (وأقل الكلام وأكثر حديث نفسه) تفكرا فيما إليه المصير (الحاكم في) كتاب (الكنى عن عمران بن حصين) الحديث: 6734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 6735 - (كان إذا صعد المنبر) للخطبة (سلم) فيه رد على أبي حنيفة ومالك حيث لم يسنا للخطيب السلام عنده (هـ عن جابر) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الزيلعي: حديث رواه وسأل عنه ابن أبي حاتم أباه فقال: هذا موضوع. وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف جدا انتهى. وكيفما كان فكان الأولى للمصنف حذفه من الكتاب فضلا عن رمزه لحسنه الحديث: 6735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 6736 - (كان إذا صلى الغداة) أي الصبح (جاءه خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه) للتبرك بيده الشريفة وفيه بروزه للناس وقربه منهم ليصل كل ذي حق لحقه وليعلم الجاهل ويقتدي بأفعاله وكذا ينبغي للأئمة بعده (حم م عن أنس) بن مالك الحديث: 6736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 6737 - (كان إذا صلى الغداة) لفظ رواية مسلم الفجر (جلس في مصلاه) أي يذكر الله تعالى كما في رواية الطبراني (حتى تطلع الشمس) حسناء هكذا هو ثابت في صحيح مسلم في رواية وأسقطها في رواية أخرى قال البيضاوي: قيل الصواب حسناء على المصدر أي طلوعها حسناء ومعناه أنه كان يجلس متربعا في مجلسه إلى ارتفاع الشمس وفي أكثر النسخ حسناء فعلى هذا يحتمل أن يكون صفة لمصدر محذوف والمعنى ما سبق أو حالا والمعنى حتى تطلع الشمس نقية بيضاء زائلة عنها الصفرة التي تتخيل فيها عند الطلوع بسبب ما يعترض دونها على الأفق من الأبخرة والأدخنة وفيه ندب القعود في المصلى بعد الصبح إلى طلوع الشمس مع ذكر الله عز وجل (حم م 3) كلهم في الصلاة (عن جابر بن سمرة) الحديث: 6737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 6738 - (كان إذا صلى بالناس أقبل عليهم بوجهه) أي إذا صلى صلاة ففرغ منها أقبل عليهم ولضرورة أنه لا يتحول [ص: 147] عن القبلة قبل الفراغ وذلك ليذكرهم ويسألهم ويسألوه فقال: هل فيكم مريض أعوده فإن قالوا: لا قال: فهل فيكم جنازة أتبعها (فإن قالوا لا قال من رأى منكم رؤيا) مقصور غير منصرف وتكتب بالألف كراهة اجتماع مثلين (يقصها علينا) أي لنعبرها له قال الحكيم: كان شأن الرؤيا عنده عظيما فلذلك كان يسأل عنه كل يوم وذلك من أخبار الملكوت من الغيب ولهم في ذلك نفع في أمر دينهم بشرى كانت أو نذارة أو معاتبة اه. وقال القرطبي: إنما كان يسألهم عن ذلك لما كانوا عليه من الصلاح والصدق وعلم أن رؤياهم صحيحة يستفاد منها الاطلاع على كثير من علم الغيب وليسن لهم الاعتناء بالرؤيا والتشوق لفوائدها ويعلمهم كيفية التعبير وليستكثر من الاطلاع على الغيب وقال ابن حجر: فيه أنه يسن قص الرؤيا بعد الصبح والانصراف من الصلاة وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل كان عليه السلام إذا صلى الصبح قال: هل رأى أحد منكم شيئا فإذا قال رجل أنا قال خيرا تلقاه وشرا توقاه وخيرا لنا وشرا لأعدائنا والحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك. الحديث وسنده ضعيف جدا قال ابن حجر: في الحديث إشارة إلى رد ما خرجه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس ورد على من قال من أهل التعبير يستحب أن يكون تفسير الرؤيا بعد طلوع الشمس إلى الرابعة من العصر إلى قبيل المغرب فإن الحديث دل على ندب تعبيرها قبل طلوع الشمس ولا يصح قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة. قال المهلب: تعبير الرؤيا بعد الصبح أولى من جميع الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله فيما يفكره فيما يتعلق بمعاشه وليعرض الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه <تنبيه> قال ابن العربي: صور العالم الحق من الاسم الباطن صور الرؤيا للنائم والتعبير فيها كون تلك الصور أحوال الرائي لا غيره فما رأى إلا نفسه فهذا هو قوله في حق العارفين {ويعلمون أنه الحق المبين} أي الظاهر فمن اعتبر الرؤيا يرى أمرا هائلا ويتبين له ما لا يدركه من غير هذا الوجه فلهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يسألهم عنها لأنها جزء من النبوة فكان يحب أن يشهدها في أمته والناس اليوم في غاية من الجهل بهذه المرتبة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعتني بها ويسأل كل يوم عنها والجهلاء في هذا الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم لم يرفعوا له رأسا وقالوا: ليس لنا أن نحكم بهذا الخيال وما لنا وللرؤيا فيستهزئون بالرائي وذلك لجهل أحدهم بمقامها وجهله بأنه في يقظته وتصرفه في رؤيا وفي منامه في رؤيا فهو كمن يرى أنه استيقظ وهو في نومه وهو قوله عليه السلام الناس نيام فما أعجب الأخبار النبوية لقد أبانت عن الحقائق على ما هي عليه وعظمت ما استهونه العقل القاصر فإنه ما صدر إلا من عظيم وهو الحق تعالى (تكميل) قالوا: ينبغي أن يكون العابر دينا حافظا ذا حلم وعلم وأمانة وصيانة كاتما لأسرار الناس في رؤياهم وأن يستغرق المنام من السائل بأجمعه ويرد الجواب على قدر السؤال للشريف والوضيع ولا يعبر عند طلوع الشمس ولا غروبها ولا زوالها ولا ليله ومن آداب الرائي كونه صادق اللهجة وينام على طهر لجنبه الأيمن ويقرأ والشمس والليل والتين والإخلاص والمعوذتين ويقول اللهم إني أعوذ بك من سيء الأحلام وأستجير بك من تلاعب الشيطان في اليقظة والمنام اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافعة حافظة غير منسية اللهم أرني في منامي ما أحب. ومن آدابه أنه لا يقصها على امرأة ولا على عدو ولا جاهل (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 6738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 6739 - (كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع) ليفصل بين الفرض والنفل لا للراحة من تعب القيام فسقط قول ابن [ص: 148] العربي أن ذلك لا يسن إلا للمتهجد (على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيامن في شأنه كله أو تشريع لنا لأن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة بخلاف اليمين فإنه يكون معلقا فلا يستغرق وهذا بخلافه عليه السلام فإن قلبه لا ينام وهذا منصوب وعليه حمل الأمر به في خبر أبي داود وأفرط ابن حزم فأخذ بظاهره فأوجب الاضطجاع على كل أحد وجعله شرطا لصحة صلاة الصبح وغلطوه قال الشافعي فيما حكاه البيهقي: وتتأدى السنة بكل ما يحصل به الفعل من اضطجاع أو مشي أو كلام أو غير ذلك اه قال ابن حجر: ولا يتقيد بالأيمن (خ عن عائشة) ظاهره أن هذا من تفردات البخاري على مسلم وليس كذلك فقد عزاه الصدر المناوي وغيره لهما معا فقالوا: رواه الشيخان من حديث الزهري عن عروة عن عائشة الحديث: 6739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 6740 - (كان إذا صلى صلاة أثبتها) أي داوم عليها بأن يواظب على إيقاعها في ذلك الوقت أبدا ولهذا لما فاته سنة العصر لم يزل يصليها بعده وما تركها حتى لقي الله وقد عدوا المواظبة على ذلك من خصائصه (م عن عائشة) الحديث: 6740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 6741 - (كان إذا صلى) يحتمل أراد أن يصلي ويحتمل فرغ من صلاته أما فعل ذلك في أثناء الصلاة فبعيد لأمره في أخبار بالمحافظة على سكون الأطراف فيها (مسح بيده اليمنى على رأسه ويقول بسم الله الذي لا إله غيره الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم) وهو كل أمر يهم الإنسان أو يهينه (والحزن) وهو الذي يظهر منه في القلب خشونة وضيق يقال مكان حزن أي خشن وقيل الهم والغم والحزن من واد واحد وهي ما يصيب القلب من الألم من فوات محبوب إلا أن الغم أشدهما والحزن أسهلهما (خط عن أنس) بن مالك الحديث: 6741 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 6742 - (كان إذا صلى الغداة في سفر مشى عن راحلته قليلا) الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترتحل فظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما وقفت عليه في سنن البيهقي وناقته تقاد ولعل المصنف حذفه سهوا (حل) من حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس قال: غريب من حديث سليمان ويحيى (هق عن أنس) ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ كان إذا صلى الفجر في السفر مشى. قال الحافظ العراقي: وإسناده جيد الحديث: 6742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 6743 - (كان إذا ظهر في الصيف استحب أن يظهر ليلة الجمعة وإذا دخل البيت في الشتاء استحب أن يدخل ليلة الجمعة) لأنها الليلة الغراء فجعل غرة عمله فيها تيمنا وتبركا (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في الطب) النبوي (عن عائشة) ورواه عنها أيضا باللفظ المزبور البيهقي في الشعب وقال: تفرد به الزبيدي عن هشام وروى من وجه آخر أضعف منه عن ابن عباس اه الحديث: 6743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 6744 - (كان إذا طاف بالبيت استلم الحجر والركن) أي اليماني زاد في رواية وكبر (في كل طواف) أي في كل طوفة فذلك سنة قال الفاكهي عن ابن جرير: ولا يرفع بالقبلة صوته كصوته كقبلة النساء قال المصنف: وفي الحجر فضيلتان الحجر وكونه على قواعد إبراهيم فله التقبيل والاستلام وللركن اليماني فضيلة واحدة فله الاستلام فقط (ك) في الحج (عن [ص: 149] ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 6744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 6745 - (كان إذا عرس) بالتشديد أي نزل وهو مسافر آخر الليل للاستراحة والتعريس نزول المسافر آخر الليل نزله للنوم والاستراحة (وعليه ليل) وفي رواية للترمذي بليل أي زمن ممتد منه (توسد يمينه) أي يده اليمنى أي جعلها وسادة لرأسه ونام نوم المتمكن لاعتماده على الانتباه وعدم فوت الصبح لبعده (وإذا عرس قبل الصبح) أي قبيله (وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده) لئلا يتمكن من النوم فتفوته الصبح كما وقع في قصة الوادي فكان يفعل ذلك لأنه أعون على الانتباه وذلك تشريع وتعليم منه لأمته لئلا يثقل بهم النوم فيفوتهم أول الوقت (حم حب ك عن أبي قتادة) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي في الشمائل بل عزاه الحميدي والمزني إلى مسلم في الصلاة وكذا الذهبي لكن قيل إنه ليس فيه الحديث: 6745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 6746 - (كان إذا عصفت الريح) أي اشتد هبوبها وريح عاصف شديد الهبوب قال داعيا إلى الله (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به) قال الطيبي: يحتمل الفتح على الخطاب ويحتمل بناؤه للمفعول اه. وفي رواية بدل أرسلت به جبلت عليه أي خلقت وطبعت عليه ذكره ابن الأثير (وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت إليه) تمامه عند مخرجه مسلم وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال لعله كما قال قوم عاد {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا (1) } اه. بنصه وكأن المصنف ذهل عنه (حم م ت عن عائشة)   (1) الآية وكان خوفه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة كما عوقب قوم عاد وسروره بزوال الخوف وتخيلت السماء من المخيلة بفتح الميم سحابة فيها رعد وبرق تخيل إليه أنها ماطرة ويقال أخالت إذا تغيرت الحديث: 6746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 6747 - (كان إذا عطس) بفتح الطاء من باب ضرب وقيل من باب قتل (حمد الله) أي أتى بالحمد عقبه والوارد عنه الحمد لله رب العالمين وروي الحمد لله على كل حال (فيقال له يرحمك الله) ظاهره الاقتصار على ذلك لكن ورد عن ابن عباس بإسناد صحيح يقال عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله (فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم) أي حالكم وقد تقدم شرحه غير مرة (حم طب عن عبد الله بن جعفر) ذي الجناحين رمز المصنف لحسنه وفيه رجل حسن الحديث على ضعف فيه وبقية رجاله ثقات ذكره الهيثمي الحديث: 6747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 6748 - (كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض) وفي رواية غض (بها صوته) أي لم يرفعه بصيحة كما يفعله العامة وفي رواية لأبي نعيم خمر وجهه وفاه وفي أخرى كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو ثوبه إلخ قال التوربشتي: هذا نوع من الأدب بين يدي الجلساء فإن العطاس يكره الناس سماعه ويراه الراؤون من فضلات الدماغ (د ت) وقال: [ص: 150] حسن صحيح (ك) في الأدب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 6748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 6649 - (كان إذا عمل عملا أثبته) أي أحكم عمله بأن يعمل في كل شيء بحيث يداوم دوام أمثاله وذلك محافظة على ما يحبه ربه ويرضاه لقوله في الحديث المار " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " (م د عن عائشة) الحديث: 6649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 6750 - (كان إذا غزى قال اللهم أنت عضدي) أي معتمدي قال القاضي: العضد ما يعتمد عليه ويثق به المرء في الحرب وغيره من الأمور (وأنت نصيري بك أحول) بحاء مهملة قال الزمخشري: من حال يحول بمعنى احتال والمراد كيد العدو أو من حال بمعنى تحول وقيل أدفع وأمنع من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر (وبك أصول) بصاد مهملة أي أقهر قال القاضي: والصول الحمل على العدو ومنه الصائل (وبك أقاتل) عدوك وعدوي قال الطيبي: والعضد كناية عما يعتمد عليه ويثق المرء به في الخيرات ونحوها وغيرها من القوة (حم د) في الجهاد (د ت) في الدعوات (د ك والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن أنس) بن مالك وقال الترمذي: حسن غريب ورواه عنه أيضا النسائي في يوم وليلة الحديث: 6750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 6751 - (كان إذا غضب احمرت وجنتاه) لا ينافي ما وصفه الله به من الرأفة والرحمة لأنه كما أن الرحمة والرضا لا بد منهما للاحتياج إليهما كذلك الغضب والاستقصاء كل منهما في حيزه وأوانه ووقته وإبانه قال تعالى {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وقال {أشداء على الكفار رحماء بينهم} فهو إذا غضب إنما يغضب لإشراق نور الله على قلبه ليقيم حقوقه وينفذ أوامره وليس هو من قبيل العلو في الأرض وتعظيم المرء نفسه وطلب تفردها بالرياسة ونفاذ الكلمة في شيء (طب عن ابن مسعود وعن أم سلمة) الحديث: 6751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 6752 - (كان إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه) لأن البعد عن هيئة الوثوب والمسارعة إلى الانتقام مظنة سكون الحدة وهو أنه يسن لمن غضب أن يتوضأ (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب عن أبي هريرة) الحديث: 6752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 6753 - (كان إذا غضب لم يجترئ عليه أحد إلا علي) أمير المؤمنين لما يعلمه من مكانته عنده وتمكن وده من قلبه بحيث يحتمل كلامه في حال الحدة فأظم بها منقبة تفرد بها عن غيره (حم ك) في فضائل الصحابة عن حسين الأشقر عن جعفر الأحمر عن مخول عن منذر (عن أم سلمة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن الأشقر وثق وقد اتهمه ابن عدي وجعفر تكلم فيه اه. ورواه الطبراني عنها أيضا بزيادة فقالت: كان إذا غضب لم يجترئ عليه أحد أن يكلمه إلا علي قال الهيثمي: سقط منه تابعي وفيه حسين الأشقر ضعفه الجمهور وبقية رجاله وثقوا اه. فأشار إلى أن فيه مع الضعف انقطاع الحديث: 6753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 6754 - (كان إذا غضبت عائشة عرك بأنفهما) بزيادة الباء (وقال) ملاطفا لها (يا عويش) منادى مصغر مرخم فيجوز ضمه وفتحه على لغة من ينتظر وعلى التمام (قولي اللهم رب محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات [ص: 151] الفتن) فمن قال ذلك بصدق وإخلاص ذهب غضبه لوقته وحفظ من الضلال والوبال (ابن السني عن عائشة) الحديث: 6754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 6755 - (كان إذا فاته) الركعات (الأربع) أي صلاتها (قبل الظهر صلاها بعد الركعتين) اللتين (بعد الظهر) لأن التي بعد الظهر هي الجابرة للخلل الواقع في الصلاة فاستحقت التقديم وأما التي قبله فإنها وإن جبرت فسنتها التقدم على الصلاة وتلك تابعة وتقديم التابع الجابر أولى كذا وجهه الشافعية ووجهه الحنفية بأن الأربع فاتت عن الموضع المسنون فلا تفوت الركعتان أيضا عن موضعهما قصدا بلا ضرورة (هـ عن عائشة) وقال الترمذي: حسن غريب ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 6756 - (كان إذا فرغ من طعامه) أي من أكله (قال الحمد لله الذي أطعمنا) لما كان الحمد على النعم يرتبط به القيد ويستجلب به المزيد أتى به صلى الله عليه وسلم تحريضا لأمته على التأسي به ولما كان الباعث على الحمد هو الطعام ذكره أولا لزيادة الاهتمام وكان السقي من تتمته قال: وسقانا لأن الطعام لا يخلو عن الشرب في أثنائه غالبا وختمه بقوله (وجعلنا مسلمين) عقب بالإسلام لأن الطعام والشراب يشارك الآدمي فيه بهيمة الأنعام وإنما وقعت الخصوصية بالهداية إلى الإسلام كذا في المطامح وغيره (حم 4 والضياء) المقدسي في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وخرجه البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه. قال ابن حجر: هذا حديث حسن اه وتعقبه المصنف فرمز لحسنه لكن أورده في الميزان وقال: غريب منكر الحديث: 6756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 6757 - (كان إذا فرغ من دفن الميت) أي المسلم قال الطيبي: والتعريف للجنس وهو قريب من النكرات (وقف عليه) أي على قبره هو وأصحابه صفوفا (فقال استغفروا لأخيكم) في الإسلام (وسلوا له التثبيت) أي اطلبوا له من الله تعالى أن يثبت لسانه وجنهنه لجواب الملكين قال الطيبي: ضمن سلوا معنى الدعاء كما في قوله تعالى {سأل سائل} أي ادعوا الله له بدعاء التثبيت أي قولوا ثبته الله بالقول الثابت (فإنه) الذي رأيته في أصول صحيحة قديمة من أبي داود بدل هذا ثم سلوا له التثبيت (فهو الآن يسأل) أي يسأله الملكان منكر ونكير فهو أحوج ما كان إلى الاستغفار وذلك لكمال رحمته بأمته ونظره إلى الإحسان إلى ميتهم ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده قال الحكيم: الوقوف على القبر وسؤال التثبيت للميت المؤمن في وقت دفنه مدد للميت بعد الصلاة لأن الصلاة بجماعة المؤمنين كالعسكر له اجتمعوا بباب الملك يشفعون له والوقوف على القبر بسؤال التثبيت مدد العسكر وتلك ساعة شغل المؤمن لأنه يستقبله هول المطلع والسؤال وفتنته فيأتيه منكر ونكير وخلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا الملائكة ولا الطير ولا البهائم ولا الهوام بل خلق بديع وليس في خلقهما أنس للناظرين جعلهما الله مكرمة للمؤمن لتثبته ونصرته وهتكا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب وإنما كان مكرمة للمؤمن لأن العدو لم ينقطع طمعه بعد فهو يتخلل السبيل إلى أن يجيء إليه في البرزخ ولو لم يكن للشيطان عليه سبيل هناك ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء بالتثبيت وقال النووي: قال الشافعي والأصحاب: يسن عقب دفنه أن يقرأ عنده من القرآن فإن ختموا القرآن كله فهو أحسن قال: ويندب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها وقال المظهر: فيه دليل على أن [ص: 152] الدعاء نافع للميت وليس فيه دلالة على التلقين عند الدفن كما هو العادة لكن قال النووي: اتفق كثير من أصحابنا على ندبه قال الآجري في النصيحة: يسن الوقوف بعد الدفن قليلا والدعاء للميت مستقبل وجهه بالثبات فيقال اللهم هذا عبدك وأنت أعلم به منا ولا نعلم منه إلا خيرا وقد أجلسته تسأله اللهم فثبته بالقول الثابت في الآخرة كما ثبته في الدنيا اللهم ارحمه وألحقه بنبيه ولا تضلنا بعده ولا تحرمنا أجره اه (د عن عثمان) بن عفان سكت عليه أبو داود وأقره المنذري ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن ظاهر كلامه أنه لم يره لغير أبي داود مع أن الحاكم والبزار خرجاه باللفظ المزبور عن عثمان قال البزار: ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه الحديث: 6757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 6758 - (كان إذا فرغ من طعامه قال اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت وأشبعت وأرويت فلك الحمد غير مكفور) أي مجحود فضله ونعمته <تنبيه> قال في الروض: نبه بهذا الحديث ونحوه على أن الحمد كما يشرع عند ابتداء الأمور يشرع عند اختتامها ويشهد له {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} (ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك قال ابن حجر: ويحتمل كسرها على أنه حال من القائل (ولا مستغنى) بفتح النون وبالتنوين (عنك) وقد سبق تقرير هذا عما قريب (حم عن رجل من بني سليم) له صحبة قال ابن حجر: وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي فيه ضعف من قبل حفظه وسائر رجاله ثقات اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 6758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 6759 - (كان إذا فرغ من تلبيته) من حج أو عمرة (سأل الله رضوانه) بكسر الراء وضمها رضاه الأكبر (ومغفرته واستعاذ برحمته من النار) فإن ذلك أعظم ما يسأل وفي رواية واستعفى برحمته من النار والاستعفاء طلب العفو أي وهو ترك المؤاخذة بالذنب فلا يعاقبه عليه قال الرافعي: واستحب الشافعي ختم التلبية بالصلاة أي والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعدهما يسأل ما أحب قال ابن الهمام: ومن أهم ما يسأل ثم طلب الحنة بغير حساب (هق عن خزيمة بن ثابت) وتعقبه الذهبي في المهذب بأن صالح بن محمد بن زائدة لين وعبد الله الأموي فيه جهالة وقال ابن حجر: فيه صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي مدني ضعيف فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لغير البيهقي وهو عجب فقد خرجه إمام الأئمة الشافعي عن خزيمة المذكور ورواه الطبراني كذلك عن خزيمة وفيه صالح المذكور ورواه الدارقطني هكذا وقال: صالح بن محمد ضعيف الحديث: 6759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 6760 - (كان إذا فقد الرجل من إخوانه) أي لم يره (ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له وإن كان شاهدا) أي حاضرا في البلد (زاره وإن كان مريضا عاده) لأن الإمام عليه النظر في حال رعيته وإصلاح شأنهم وتدبير أمرهم وأخذ منه أنه ينبغي للعالم إذا غاب بعض الطلبة فوق المعتاد أن يسأل عنه فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل فإن كان مريضا عاده أو في غم خفض عليه أو في أمر يحتاج لمعونة أعانه أو مسافرا تفقد أهله وتعرض لحوائجهم ووصلهم بما أمكن وإلا تودد إليه ودعا له (ع عن أنس) قال الهيثمي: فيه عباد بن كثير كان صالحا لكنه ضعيف الحديث متروك لغفلته وفي الحديث قصة طويلة الحديث: 6760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 [ص: 153] 6761 - (كان إذا قال الشيء ثلاث مرات لم يراجع) بضم أوله بضبطه فيه جواز المراجعة بأدب ووقار (الشيرازي) في الألقاب (عن أبي حدرد) الأسلمي قضية تصرف المؤلف أنه لم ير هذا الحديث لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن أحمد والطبراني في الأوسط والصغير روياه باللفظ المزبور عن أبي حدرد المذكور بسند قال الهيثمي: رجاله ثقات وفيه قصة وهو أن أبا حدرد كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه فقال: يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها قال: أعطه حقه قال: والذي بعثك بالحق لم أقدر عليها قال: أعطه حقه قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها وقد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن نغنم شيئا فأقضيه حقه قال: أعطه قال: وكان إذا قال الشيء ثلاثا لم يراجع فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة ومتزر ببردة فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ونزع البردة فقال: اشتر هذه البردة فباعها منه بالدراهم فمرت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها فقالت: ها دونك هذا البرد وطرحته عليه الحديث: 6761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 6762 - (كان إذا قال بلال) المؤذن (قد قامت الصلاة نهض فكبر) أي تكبيرة التحرم ولا ينتظر فراغ ألفاظ الإقامة قاعدا قال ابن الأثير: معنى قد قامت الصلاة قام أهلها أو حان قيامهم (سمويه) في فوائده (طب) كلاهما (عن ابن أبي أوفى) قال الهيثمي: فيه حجاج بن فروخ وهو ضعيف جدا وقال الذهبي في المهذب: فيه حجاج بن فروخ واه والحديث لم يصح الحديث: 6762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 6763 - (كان إذا قام من الليل) أي للصلاة كما فسرته رواية مسلم إذا قام للتهجد ويحتمل تعلق الحكم بمجرد القيام ومن بمعنى في كما في {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} أي إذا قام في الليل ذكره البعض وقال ابن العراقي: يحتمل وجهين أحدهما أن معناه إذا قام للصلاة بدليل الرواية الأخرى الثاني إذا انتبه وفيه حذف أي انتبه من نوم الليل ويحتمل أن من لابتداء الغاية من غير تقدير حذف النوم (يشوص) بفتح أوله وضم الشين المعجمة (فاه بالسواك) أي يدلكه به وينظفه وينقيه وقيل يغسله قال ابن دقيق العيد: فإن فسرنا يشوص بيدلك حمل السواك على الآلة ظاهرا مع احتماله للدلك بأصبعه والباء للاستعانة أو يغسل فيمكن إرادة الحقيقة أي الغسل بالماء فالباء للمصاحبة وحينئذ يحتمل كون السواك الآلة وكونه الفعل ويمكن إرادة المجاز وأن تكون تنقية الفم تسمى غسلا على مجاز المشابهة وقال أيضا: إن فسر يشوص بيدلك فالأقرب حمله على الأسنان فيكون من مجاز التعبير بالكل عن البعض أو من مجاز الحذف أو يغسل وحمل على الحقيقة والمجاز المذكور فيمكن حمله على جملة الفم وأفهم أن سبب السواك الانتباه من النوم وإرادة الصلاة ولا يرد أن السواك مندوب للصلاة وإن لم ينتبه من نوم لثبوته بدليل آخر والكلام في مقتضى هذا الحديث نعم إن نظر إلى لفظ هذه الرواية مع قطع النظر عن الرواية الأخرى أفاد ندبه بمجرد الانتباه وسبب تغير الفم أن الإنسان إذا نام ارتفعت معدته وانتفخت وصعد بخارها إلى الفم والأسنان فنتن وغلظ فلذلك تأكد وقضيته أنه لا فرق بين النوم في الليل والنهار ومال بعضهم للتقييد بالليل لكون الأبخرة بالليل تغلظ (حم ق د ن هـ) كلهم في الطهارة (عن حذيفة) الحديث: 6763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 6764 - (كان إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين) استعجالا لحل عقدة الشيطان وهو وإن كان منزها عن عقد الشيطان على قافيته لكن فعله تشريعا لأمته ذكره الحافظ العراقي وقال ابن عربي: حكمته تنبيه القلب لمناجاته [ص: 154] من دعائه إليه ومشاهدته ومراقبته (خفيفتين) لخفة القراءة فيهما أو لكونه اقتصر على قراءة الفاتحة وذلك لينشط بهما لما بعدهما فيندب ذلك (م) في الصلاة (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 6764 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 6765 - (كان إذا قام إلى الصلاة) قال الزمخشري: أي قصدها وتوجه إليها وعزم عليها وليس المراد المثول وهكذا قوله {إذا قمتم إلى الصلاة} اه. (رفع يديه) حذو منكبيه (مدا) مصدر مختص كقعد القرفصاء أو مصدر من المعنى كقعدت جلوسا أو حال من رفع ذكره اليعمري وهذا الرفع مندوب لا واجب وحكمته الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة وقيل الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله أكبر وقيل استعظام ما دخل فيه وقيل إشارة إلى تمام القيام وقيل إلى رفع الحجاب بين العابد والمعبود وقيل ليستقبل بجميع بدنه قال القرطبي: وهذا أنسبها ونوزع وفيه ندب رفع اليدين عند التحريم وكذا يندب إذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه لصحة الخبر به كما في البخاري وغيره (ت عن أبي هريرة) ورواه بنحوه ابن ماجه بلفظ كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال: الله أكبر وصححه ابن خزيمة وابن حبان الحديث: 6765 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 6766 - (كان إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم) فيندب للخطيب استقبال الناس وهو إجماع (1) وذلك لأنه أبلغ في الوعظ وأدخل في الأدب فإن لم يستقبلهم كره وأجزأ (هـ عن ثابت) رمز المصنف لحسنه   (1) قال العلقمي: السنة أن يقبل الخطيب على القوم في جميع خطبته ولا يلتفت في شيء منها وأن يقصد قصد وجهه وقال أبو حنيفة يلتفت يمينا وشمالا في بعض الخطبة كما في الأذان ويستحب للقوم الإقبال بوجوههم عليه لأنه الذي يقتضيه الأدب وهو أبلغ في الوعظ وهو مجمع عليه وسبب استقبالهم له واستقباله إياهم واستدباره الخطبة أنه يخاطبهم فلو استدبرهم كان خارجا عن عرف الخطاب فلو خالف السنة وخطب مستقبل القبلة مستدبر الناس صحت خطبته مع الكراهة وفي وجه لا تصح الحديث: 6766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 6767 - (كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه) بأن يقبض بكفه اليمين كوع اليسرى وبعض الساعد والرسغ باسطا أصابعها في عرض المفصل أو ناشرا لها صوب الساعد ويضعهما تحت صدره وحكمته أن يكون فوق أشرف الأعضاء وهو القلب فإنه تحت الصدر وقيل لأن القلب محل النية والعادة جارية بأن من احتفظ على شيء جعل يديه عليه ولهذا يقال في المبالغة أخذه بكلتا يديه (طب عن واثل بن حجر) رمز لحسنه الحديث: 6767 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 6768 - (كان إذا قام) من جلسة الاستراحة في الصلاة (اتكأ على إحدى يديه) كالعاجن بالنون فيندب ذلك لكل مصل من إمام أو غيره ولو ذكرا قويا لأنه أعون وأشبه بالتواضع وقوله إحدى يديه هو ما وقع في هذا الخبر وفي بعض الأخبار يديه بدون إحدى وعليه الشافعية فقالوا: لا تتأدى السنة بوضع إحداهما مع وجود الأخرى وسلامتها (طب عنه) أي عن واثل المذكور الحديث: 6768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 6769 - (كان إذا قام من المجلس استغفر الله عشرين مرة) ليكون كفارة لما يجري في ذلك المجلس من الزيادة والنقصان (فأعلن) بالاستغفار أي نطق به جهرا لا سرا ليسمعه القوم فيقتدون به وقد مر ذلك (ابن السني عن عبد الله الحضرمي) [ص: 155] بفتح الحاء المهملة والراء وسكون المعجمة بينهما الحديث: 6769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 6770 - (كان إذا قدم عليه الوفد) جمع وافد كصحب جمع صاحب يقال وفد الوافد يفد وفدا ووفادة إذا خرج إلى نحو ملك لأمر (لبس أحسن ثيابه وأمر عليه أصحابه بذلك) لأن ذلك يرجح في عين العدو ويكتبه فهو يتضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه فلا يناقض ذلك خبر البذاذة من الإيمان لأن التجمل المنهي عنه ثم ما كان على وجه الفخر والتعاظم وليس ما هنا من ذلك القبيل (البغوي) في معجمه (عن جندب) بضم الجيم والدال تفتح وتضم (بن مكيث) بوزن عظيم آخره مثلثة ابن عمر بن جراد مديني له صحبة. وقيل هو ابن عبد الله بن مكيث نسبة لجده وقيل إنه أخو رافع ولهما صحبة الحديث: 6770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 6771 - (كان إذا قدم من سفر) زاد البخاري في رواية ضحى بالضم والقصر (بدأ بالمسجد) وفي رواية لمسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى فإذا قدم بدأ بالمسجد (فصلى فيه ركعتين) زاد البخاري قبل أن يجلس اه. وذلك للقدوم من السفر تبركا به وليستا تحية المسجد واستنبط منه ندب الابتداء بالمسجد عند القدوم قبل بيته وجلوسه للناس عند قدومه ليسلموا عليه ثم التوجه إلى أهله (ثم يثني بفاطمة) الزهراء (ثم يأتي أزواجه) ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه فقدم من سفر فصلى في المسجد ركعتين ثم أتى فاطمة فتلقته على باب القبة فجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي فقال: ما يبكيك قالت: أرك شعثا نصبا قد اخلولقت ثيابك فقال لها: لا تبكي فإن الله عز وجل بعث أباك بأمر لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا حجر ولا وبر ولا شعر إلا أدخل الله به عزا أو ذلا حتى يبلغ حيث بلغ الليل اه (هب ك عن أبي ثعلبة) قال الهيثمي: فيه يزيد بن سفيان أبو فروة وهو مقارب الحديث مع ضعف اه. والجملة الأولى وهي الصلاة في المسجد عند القدوم رواه البخاري في الصحيح في نحو عشرين موضعا الحديث: 6771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 6772 - (كان إذا قدم من سفر تلقى) ماض مجهول من التلقي (بصبيان أهل بيته) تمامه عند أحمد ومسلم عن ابن جعفر وأنه قدم مرة من سفر فسبق بي إليهم فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة اه. وفي رواية للطبراني بسند قال الهيثمي: رجاله ثقات وكان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة (حم م) في الفضائل (د) في الجهاد (عن عبد الله بن جعفر) الحديث: 6772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 6773 - (كان إذا قرأ من الليل رفع) قراءته (طورا وخفض طورا) قال ابن الأثير: الطور الحالة وأنشد:. . . فإن ذا الدهر أطوار دهارير الأطوار الحالات المختلفة والنازلات واحدها طور وقال ابن جرير: فيه أنه لا بأس في إظهار العمل للناس لمن أمن على نفسه خطرات الشيطان والرياء والإعجاب (ابن نصر) في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه لكن قال ابن القطان: فيه زيادة بن نشيط لا يعرف حاله ثم إن ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو قصور أو تقصير فقد خرجه أبو داود في [ص: 156] صلاة الليل عن أبي هريرة وسكت عليه هو والمنذري فهو صالح ولفظه كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا ورواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة أيضا ولفظه كان إذا قام من الليل رفع صوته طورا وخفض طورا الحديث: 6773 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 6774 - (كان إذا قرأ) قوله تعالى (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال بلى وإذا قرأ أليس الله بأحكم الحاكمين قال بلى) لأنه قول بمنزلة السؤال فيحتاج إلى الجواب ومن حق الخطاب أن لا يترك المخاطب جوابه فيكون السامع كهيئة الغافل أو كمن لا يسمع إلا دعاء ونداء من الناعق به {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} فهذه هبة سنية ومن ثم ندبوا لمن مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة أو عذاب أن يتعوذ من النار أو يذكر الجنة بأن يرغب إلى الله فيها أو النار أن يستعيذ به منها (ك) في التفسير (هب) كلاهما (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وهو عجيب ففيه يزيد بن عياض وقد أورده الذهبي في المتروكين وقال النسائي وغيره: متروك عن إسماعيل بن أمية قال الذهبي: كوفي ضعيف عن أبي اليسع لا يعرف وقال الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين: إسناده مضطرب ورواه في الميزان في ترجمة أبي اليسع وقال: لا يدرى من هو والسند مضطرب الحديث: 6774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 6775 - (كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى) أي سورتها (قال سبحان ربي الأعلى) لما سمعته فيما قبله وأخذ من ذلك أن القارئ أو السامع كلما مر بآية تنزيه أن ينزه الله تعالى أو تحميد أن يحمده أو تكبير أن يكبره وقس عليه ومن ثم كان بعض السلف يتعلق قلبه بأول آية فيقف عندها فيشغله أولها عن ذكر ما بعدها (حم د ك) في الصلاة (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 6775 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 6776 - (كان إذا قرب إليه طعام) ليأكل (قال) لفظ رواية النسائي كان إذا قرب إليه طعامه يقول (بسم الله فإذا فرغ) من الأكل قال (اللهم إنك أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت واجتبيت اللهم فلك الحمد على ما أعطيت) وقد تقدم شرح ذلك عن قريب فليراجع (حم) من طريق عبد الرحمن بن جبير المصري (عن رجل) من الصحابة قال جبير: حدثني رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه كان إذا قرب إليه طعام يقول ذلك وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يخرج في أحد الكتب الستة وهو ذهول فقد خرجه النسائي باللفظ المزبور عن الرجل المذكور. قال ابن حجر في الفتح: وسنده صحيح اه. لكن قال النووي في الأذكار: إسناده حسن الحديث: 6776 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 6777 - (كان إذا قفل) بالقاف رجع ومنه القافلة (من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف) بفتحتين محل عال (من الأرض ثلاث تكبيرات) تقييده بالثلاثة لبيان الواقع لا للاختصاص فيسن الذكر الآتي لكل سفر طاعة بل ومباحا بل عداه المحقق أبو زرعة للمحرم محتجا بأن مرتكب الحرام أحوج للذكر من غيره لأن الحسنات يذهبن [ص: 157] السيئات ونوزع بأنا لا نمنعه من الإكثار من الذكر بل النزاع في خصوص هذا بهذه الكيفية قال الطيبي: وجه التكبير على الأماكن العالية هو ندب الذكر عند تجديد الأحوال والتقلبات وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان اه. وقال الحافظ العراقي: مناسبة التكبير على المرتفع أن الاستعلاء محبوب للنفس وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء ويشكر له ذلك ويستمطر منه المزيد (ثم يقول لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية لئلا أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر أو من اسم لا باعتبار محله قبل دخولها (وحده) نصب على الحال أي لا إله منفرد إلا هو وحده (لا شريك له) عقلا ونقلا وأما الأول فلأن وجود إلهين محال كما تقرر في الأصول وأما الثاني فلقوله تعالى {وإلهكم إله واحد} وذلك يقتضي أن لا شريك له وهو تأكيد لقوله وحده لأن المتصف بالوحدانية لا شريك له (له الملك) بضم الميم السلطان والقدرة وأصناف المخلوقات (وله الحمد) زاد الطبراني في رواية يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير (وهو على كل شيء قدير) وهو إلخ عده بعضهم من العمومات في القرآن لم يتركها تخصيص وهي {كل نفس ذائقة الموت} {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} {والله بكل شيء عليم} {والله على كل شيء قدير} ونوزع في الأخيرة بتخصيصها في الممكن فظاهره أنه يقول عقب التكبير على المحل المرتفع ويحتمل أنه يكمل الذكر مطلقا ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد كل موجود وأنه المعبود في كل مكان (آيبون تائبون) من التوبة وهي الرجوع عن كل مذموم شرعا إلى ما هو محمود شرعا خبر مبتدأ محذوف أي نحن راجعون إلى الله وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع لأنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة قاله تواضعا وتعليما أو أراد أمته أو استعمل التوبة للاستمرار على الطاعة أي لا يقع منا ذنب (عابدون ساجدون لربنا) متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على التنازع وهو مقدر بعد قوله (حامدون) أيضا (صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه وكون العاقبة للمتقين (ونصر عبده) محمدا يوم الخندق (وهزم الأحزاب) أي الطوائف المتفرقة الذين تجمعوا عليه على باب المدينة أو المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن (وحده) بغير فعل أحد من الآدميين ولا سبب من جهتهم فانظر إلى قوله وهزم الأحزاب وحده فنفي ما سبق ذكره وهذا معنى الحقيقة فإن فعل العبد خلق لربه والكل منه وإليه ولو شاء الله أن يبيد أهل الكفر بلا قتال لفعل وفيه دلالة على التفويض إلى الله واعتقاد أنه مالك الملك وأن له الحمد ملكا واستحقاقا وأن قدرته تتعلق بكل شيء من الموجودات على ما مر (مالك حم ق) في الحج (د ت) في الجهاد (عن ابن عمر) بن الخطاب وزاد في رواية المحاملي في آخره و {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 6777 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 6778 - (كان إذا كان الرطب) أي زمنه (لم يفطر) من صومه (إلا على الرطب وإذا لم يكن الرطب لم يفطر إلا على التمر) لتقويته للنظر الذي أضعفه الصوم ولأنه يرق القلب (عبد بن حميد عن جابر) بن عبد الله الحديث: 6778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 6779 - (كان إذا كان يوم عيد) بالرفع فاعل كان وهي تامة تكتفي بمرفوعها أي إذا وقع يوم عيد (خالف الطريق) أي رجع في غير طريق الذهاب إلى المصلى فيذهب في أطولهما تكثيرا للأجر ويرجع في أقصرهما لأن الذهاب أفضل من [ص: 158] الرجوع لتشهد له الطريقان أو سكانهما من إنس وجن أو ليسوي بينهما في فضل مروره أو للتبرك به أو لشم ريحه أو ليستفتى فيهما أو لإظهار الشعار فيهما أو لذكر الله فيهما أو ليغيظ بهم الكفار أو يرهبهم بكثرة أتباعه أو حذرا من كيدهم أو ليعم أهلهما بالسرور برؤيته أو ليقضي حوائجهم أو ليتصدق أو يسلم عليهم أو ليزور قبور أقاربه أو ليصل رحمه أو تفاؤلا بتغير الحال للمغفرة أو تخفيفا للزحام أو لأن الملائكة تقف في الطرق أو حذرا من العين أو لجميع ذلك أو لغير ذلك والفضل المتقدم كما صححه في المجموع لكن قال القاضي عبد الوهاب المالكي: هذه المذكورات أكثرها دعاوى فارغة انتهى وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه كان يخرج في العيدين من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى (خ) في صلاة العيد (عن جابر) ورواه الترمذي عن أبي هريرة الحديث: 6779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 6780 - (كان إذا كان مقيما اعتكف العشر الأواخر من رمضان وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين) أي العشرين الأوسط والأخير من رمضان عشرا عوضا عما فاته من العام الماضي وعشرا لذلك العام وفيه أن فائت الاعتكاف يقضى أي شرع قضاؤه (حم عن أنس) بن مالك رمز لحسنه الحديث: 6780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 6781 - (كان إذا كان في وتر من صلاة لم ينهض) إلى القيام عن السجدة الثانية (حتى يستوي قاعدا) أفاد ندب جلسة الاستراحة وهي قعدة خفيفة بعد سجدته الثانية في كل ركعة يقوم عنها (د ت عن مالك بن الحويرث) الحديث: 6781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 6782 - (كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى) أي أشرف (على شيء) عال يرتقب الغروب يقال أوفى على الشيء أشرف عليه (فإذا قال) قد (غابت الشمس أفطر) لفظ رواية الطبراني أمر رجلا يقوم على نشز من الأرض فإذا قال قد وجبت الشمس أفطر (ك) في الصوم (عن سهل بن سعد) الساعدي (طب) في الصوم (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني الواقدي وهو ضعيف الحديث: 6782 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 6783 - (كان إذا كان راكعا أو ساجدا قال سبحانك) زاد في رواية ربنا (وبحمدك) أي وبحمدك سبحتك (أستغفرك وأتوب إليك) ورد تكريرها ثلاثا أو أكثر (طب عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 6784 - (كان إذا كان قبل التروية بيوم) وهو سابع الحجة ويوم التروية الثامن (خطب الناس) بعد صلاة الظهر أو الجمعة خطبة فردة عند باب الكعبة (فأخبرهم بمناسكهم) الواجبة وغيرها وبترتيبها فيندب ذلك للإمام أو نائبه في الحج ويسن أن يقول إن كان عالما هل من سائل؟ (ك هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: تفرد به أبو قرة الزبيدي عن موسى وهو صحيح وأقره الذهبي الحديث: 6784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 [ص: 159] 6785 - (كان إذا كبر للصلاة) أي للإحرام بها (نشر أصابعه) أي بسطها وفرقها مستقبلا بها القبلة إلى فروع أذنيه وبهذا أخذ الشافعي فقال: يسن تفريقها تفريقا وسطا وذهب بعضهم إلى عدم ندب التفريق وزعم أن معنى الحديث أنه كان يمد أصابعه ولا يطويها فيكون بمعنى خبر رفع يديه مدا. قال ابن القيم: ولم ينقل عنه أنه قال شيئا قبل التكبير ولا تلفظ بالنية قط في خبر صحيح ولا ضعيف ولا استحبه أحد من صحبه اه (ت ك عن أبي هريرة) الحديث: 6785 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 6786 - (كان إذا كربه أمر) أي شق عليه وأهمه شأنه (قال يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) في تأثير هذا الدعاء في دفع هذا الهم والغم مناسبة بديعة فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها وصفة القيمومية متضمنة لجميع صفات الأفعال ولهذا قيل إن اسمه الأعظم هو الحي القيوم والحياة التامة تضاد جميع الآلام والأجسام الجسمانية والروحانية ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ونقصان الحياة يضر بالأفعال وينافي القيمومية فكمال القيمومية بكمال الحياة فالحي المطلق التام الحياة لا يفوته صفة كمال البتة والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة فالتوصل بصفة الحياة والقيمومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة وتغير الأفعال فاستبان أن لاسم الحي القيوم تأثيرا خاصا في كشف الكرب وإجابة الرب (ت عن أنس) بن مالك الحديث: 6786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 6787 - (كان إذا كره شيئا رؤي ذلك في وجهه) لأن وجهه كالشمس والقمر فإذا كره شيئا كسا وجهه ظل كالغيم على النيرين فكان لغاية حيائه لا يصرح بكراهته بل إنما يعرف في وجهه (طس عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رواه بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح وأصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد ولفظه كان أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه الحديث: 6787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 6788 - (كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه) أي أخرج اليد اليمنى من القميص ذكره الهروي كالبيضاوي وقال الطيبي: قوله بميامنه أي بجانب يمين القميص. وقال الزين العراقي: الميامن جميع ميمنة كمرحمة ومراحم والمراد بها هنا جهة اليمين فيندب التيامن في اللبس كما يندب التياسر في النزع لخبر أبي داود عن ابن عمر كان إذا لبس شيئا من الثياب بدأ بالأيمن فإذا نزع بدأ بالأيسر وله من حديث أنس كان إذا ارتدى أو ترجل بدأ بيمينه وإذا خلع بدأ بيساره قال الزين العراقي: وسندهما ضعيف <تنبيه> قال ابن العربي في السراج: لم أر للقميص ذكرا صحيحا إلا في آية {اذهبوا بقميصي هذا} وقصة ابن أبي. ورده ابن حجر بأنه ثابت في عدة أحاديث أكثرها في السنن والشمائل (ت) في اللباس (عن أبي هريرة) قال العراقي: رجاله رجال الصحيح ورواه عنه أيضا النسائي في الزينة فما أوهمه تصرف المصنف من أن الترمذي تفرد به عن الستة غير جيد الحديث: 6788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 6789 - (كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام قام معه) الظاهر أن المراد بالقيام الوقوف (فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه) زاد ابن المبارك في رواية عن أنس ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه [ص: 160] (وإذا لقي أحدا من أصحابه فتناول أذنه ناوله إياها ثم لم ينزعها عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه) الظاهر أن المراد بمناولة الأذن أن يريد أحد من أصحابه أن يسر إليه حديثا فيقرب فمه من أذنه يسر إليه فكان لا ينحي أذنه عن فمه حتى يفرغ الرجل حديثه على الوجه الأكمل وهذا من أعظم الأدلة على محاسن أخلاقه وكماله صلى الله عليه وسلم كيف وهو سيد المتواضعين وهو القائل وخالق الناس بخلق حسن (ابن سعد) في الطبقات (عن أنس) وفي أبي داود بعضه الحديث: 6789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 6790 - (كان إذا لقيه الرجل من أصحابه مسحه) أي مسح يده بيده يعني صافحه (ودعا له) تمسك مالك بهذا وما أشبهه على كراهة معانقة القادم وتقبيل يده وقد ناظر ابن عيينة مالكا واحتج عليه سفيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم جعفر من الحبشة خرج إليه فعانقه فقال مالك: ذاك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له سفيان: ما نخصه بفهمنا كذا في المطامح (ن عن حذيفة) بن اليماني وفي أبي داود والبيهقي كان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأ بالمصافحة ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد قبضته الحديث: 6790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 6791 - (كان إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم) تأديبا لهم وتعليما لمعالم الديانة ورسوم الشريعة وحثا على لزوم ما خصت به هذه الأمة من هذه التحية العظمى التي هي تحية أهل الجنة في الجنة (طب عن جندب) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه من لم أعرفهم الحديث: 6791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 6792 - (كان إذا لم يحفظ اسم الرجل) أي الذي يريد نداءه وخطابه باسمه (قال يا ابن عبد الله) وهو عبد الله بن عبد الله بلا مزيد (ابن السني عن جارية الأنصاري) هو في الصحابة عدة فكان ينبغي تمييزه ورواه أيضا عنه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: وفيه أيوب الإنماطي أو أيوب الأنصاري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 6792 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 6793 - (كان إذا مر بآية خوف تعوذ وإذا مر بآية رحمة سأل) الله الرحمة والجنة (وإذا مر بآية فيها تنزيه الله سبح) أي قال سبحان ربي الأعلى كما في الرواية السابقة قال الحليمي: فينبغي للمؤمن سواه أن يكونوا كذلك بل هم أولى به منه إذا كان الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهم من أمرهم على خطر (حم م 4 عن حذيفة) بن اليمان الحديث: 6793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 6794 - (كان إذا مر بآية فيها ذكر النار قال ويل لأهل النار أعوذ بالله من النار) فيسن ذلك لكل قارئ اقتداء به قال المظهر وغيره: هذه الأشياء وشبهها تجوز في الصلاة وغيرها عند الشافعي وعند الحنفية والمالكية لا تجوز إلا في غير صلاة قالوا: لو كان في الصلاة لبينه الراوي ولنقله عدة من الصحابة مع شدة حرصهم على الأخذ منه والتبليغ فإذا زعم أحد أنه في الصلاة حملناه على التطوع وأجاب الشافعية بأن الأصل العموم وعلى المخالف دليل الخصوص وبأن من يتعاني هذا يكون حاضر القلب متخشعا خائفا راجيا يظهر افتقاره بين يدي مولاه والصلاة مظنة ذلك والقصر على النقل تحكم. وقال ابن حجر: أقصى ما تمسك به المانع حديث إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس [ص: 161] وهو محمول على ما عدا الدعاء جمعا بين الأخبار (ابن قانع) في معجمه (عن أبي ليلى) بفتح اللامين الأنصاري والد عبد الرحمن صحابي اسمه بلال أو غيره كما مر رمز لحسنه الحديث: 6794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 6795 - (كان إذا مر بالمقابر) أي مقابر المسلمين (قال السلام عليكم أهل الديار) بحذف حرف النداء سمي موضع القبور دارا تشبيها لهم بدار الأحياء لاجتماع الموتى فيها (من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والصالحين والصالحات وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) أي لاحقون بكم في الوفاة على الإيمان وقيل الاستثناء للتبرك والتفويض قال الخطابي: فيه أن السلام على الموتى كهو على الأحياء خلاف ما كانت الجاهلية عليه (ابن السني عن أبي هريرة) قال ابن حجر في أمالي الأذكار: إسناده ضعيف انتهى. وقد ورد بمعناه في مسلم فقال: كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفي خبر الترمذي كان إذا مر بقبور المدينة قال: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر الحديث: 6795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 6796 - (كان إذا مرض أحد من أهل بيته) وفي رواية لمسلم من أهله (نفث عليه) أي نفخ نفخا لطيفا بلا ريق (بالمعوذات) بكسر الواو وخصهن لأنهن جامعات للاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا كما مر تفصيله وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء المباشر لريقه وفيه ندب الرقية بنحو القرآن وكرهه البعض بغسالة ما يكتب منه أو من الأسماء الحسنى (م عن عائشة) وتمامه عنده فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي انتهى بنصه الحديث: 6796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 6797 - (كان إذا مشى لم يلتفت) لأنه كان يواصل السير ويترك التواني والتوقف ومن يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة أو لئلا يشغل قلبه بمن خلفه وليكون مطلعا على أصحابه وأحوالهم فلا يفرط منهم التفاتة احتشاما منه ولا غيرها من الهفوات إلى تلك الحال (ك) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله صححه الحاكم فتعقبه الذهبي عليه بأن فيه عبد الجبار بن عمر تالف انتهى الحديث: 6797 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 6798 - (كان إذا مشى مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة) قال أبو نعيم: لأن الملائكة يحرسونه من أعدائه انتهى. ولا يعارضه قوله تعالى {والله يعصمك من الناس} لأن هذا إن كان قبل نزول الآية فظاهر وإلا فمن عصمة الله له أن يوكل به جنده من الملأ الأعلى إظهارا لشرفه بينهم (ك عن جابر) بن عبد الله الحديث: 6798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 6799 - (كان إذا مشى أسرع) قال الزمخشري: أراد السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت امتثالا لقوله تعالى {واقصد في مشيك} أي اعدل فيه حتى يكون مشيا بين مشويين لا يدب دبيب المتماوتين ولا يثب وثب الشطار (حتى يهرول الرجل) أي يسرع في مشيه دون الخبب (وراءه فلا يدركه) ومع ذلك كان غاية من الهون والتأني وعدم العجلة وفي [ص: 162] الشمائل للترمذي عن أبي هريرة ما رأيت أحدا أسرع من مشيته كأن الأرض تطوى له حتى إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث وكان يمشي على هينته ويقطع ما يقطع بالجهد من غير جهد (ابن سعد) في الطبقات عن يزيد بن مرثد مرسلا هو أبو عثمان الهمداني الصنعاني كما مر وهو ثقة الحديث: 6799 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 6800 - (كان إذا مشى أقلع) أي مشى بقوة كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمن يمشي مختالا على زي النساء فكان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال وشدة مبادرة (طب عن أبي عتبة) بكسر ففتح بضبط المصنف ورواه أيضا الترمذي في الشمائل في حديث طويل الحديث: 6800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 6801 - (كان إذا مشى كأنه يتوكأ) أي لا يتكلم كأنه أوكأ فاه فلم ينطق ومنه خبر ابن الزبير كان يوكأ بين الصفا والمروة سعيا (1) والمراد سعى سعيا شديدا (د ك) في الأدب (عن أنس) بن مالك وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي   (1) عبارة العلقمي: وفي حديث الزبير أنه كان يوكئ بين الصفا والمروة سعيا أي لا يتكلم كأنه أوكأ فاه فلم ينطق والإيكاء في كلام العرب يكون بمعنى السعي الشديد واستدل عليه الأزهري بحديث الزبير ثم قال: وإنما قيل للذي يشتد عدوه موك لأنه قد ملأ مايين جري رجليه وأوكئ عليه الحديث: 6801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 6802 - (كان إذا نام نفخ) من النفخ وهو إرسال الهواء من مبعثه بقوة ذكره الحرالي وبين ذلك أن النفخ يعتري بعض النائمين دون بعض وأنه ليس بمذموم ولا مستهجن (حم ق عن ابن عباس) وفي الحديث قصة طويلة (1)   (1) عن ابن عباس قال: نمت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فصلى فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة ثم نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى ولم يتوضأ. فيه أن الجماعة في غير المكتوبة صحيحة الحديث: 6802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 6803 - (كان إذا نام من الليل) عن تهجده (أو مرض) فمنعه المرض منه (صلى) بدل ما فاته منه (من النهار) أي فيه (ثنتي عشرة ركعة) أي وإذا شفي يصلي بدل تهجده كل ليلة ثنتي عشرة ركعة (م عن عائشة) الحديث: 6803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 6804 - (كان إذا نام) أي أراد النوم أو المراد اضطجع لينام (وضع يده اليمنى تحت خده) قال: في رواية أبي داود وغيره الأيمن (وقال اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) زاد في رواية يقول ذلك ثلاثا والظاهر أنه كان يقرأ بعد ذلك الكافرون ويجعلها خاتمة الكلام. قال حجة الإسلام: ويندب له إذا أراد النوم أن يبسط فراشه مستقبل القبلة وينام على يمينه كما يضطجع الميت في لحده ويعتقد أن النوم مثل الموت والتيقظ مثل البعث وربما قبضت روحه في ليلته فينبغي الاستعداد للقائه بأن ينام على طهر تائبا مستغفرا عازما على أن لا يعود إلى معصية عازما على الخير لكل مسلم إن بعثه الله (حم ت) في الدعوات (ن) في يوم وليلة (عن البراء) بن عازب (حم ت) في الدعوات (عن حذيفة) بن [ص: 163] اليمان (حم ن عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن صحيح وقال ابن حجر: إسناده صحيح وهو مستند المصنف في رمزه لتصحيحه الحديث: 6804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 6805 - (كان إذا نزل منزلا) في سفره لنحو استراحة أو قيلولة أو تعريس (لم يرتحل) منه (حتى يصلي) فيه (الظهر) أي إن أراد الرحيل في وقته فإن كان في وقت فرض غيره فالظاهر أنه كان لا يرتحل حتى يصليه خشية من فوته عند الاشتغال بالترحال وما أوهمه اللفظ من الاختصاص بالظهر غير مراد بدليل ما خرجه الإسماعيلي وابن راهويه أنه كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل وفي رواية للحاكم في الأربعين فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب. قال العلائي: هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر وسند هذه الزيادة جيد اه. وخرج البيهقي بسند قال ابن حجر: رجاله ثقات كان إذا نزل منزلا في سفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر (حم د ن عن أنس) رمز المصنف لصحته الحديث: 6805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 6806 - (كان إذا نزل منزلا في سفر أو دخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين) فيندب ذلك اقتداءا به وقد روى الطبراني أيضا وأبو يعلى عن أنس كان إذا نزل منزلا لم يرتحل منه حتى يودعه بركعتين وفيه عثمان بن سعد مختلف فيه (طب عن فضالة بن عبيد) سكت المصنف عليه فلم يرمز إليه فأوهم أنه لا بأس بسنده وليس كذلك فقد قال الحافظ ابن حجر في أماليه: سنده واه هكذا قال وقال شيخه الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه الواقدي الحديث: 6806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 6807 - (كان إذا نزل عليه الوحي ثقل لذلك وتحدر جبينه عرقا) بالتحريك ونصبه على التمييز كأنه جمان بالضم والتخفيف أي لؤلؤ لثقل الوحي عليه {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} (وإن كان) نزوله (في البرد) لشدة ما يلقى عليه من القرآن ولضعف القوة البشرية عن تحمل مثل ذلك الوارد العظيم وللوجل من خوف تقصير فيما أمر به من قول أو فعل وشدة ما يأخذ به نفسه من جمعه في قلبه وحفظه فيعتريه لذلك حال كحال المحموم وحاصله أن الشدة إما لثقله أو لإتقان حفظه أو لابتلاء صبره أو للخوف من التقصير (طب عن زيد بن ثابت) رمز المصنف لصحته الحديث: 6807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 6808 - (كان إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء) لتخف حرارة رأسه فإن نور اليقين إذا هاج اشتعل في القلب بورود الوحي فيلطف حرارته بذلك (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: قد اختلف في إسناده على الأخوص بن حكيم الحديث: 6808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 6809 - (كان إذا نزل به هم أغم قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) أستعين وأستنصر يقال أغاثه الله أعانه ونصره وأغاثه الله برحمته كشف شدته وقد سمعت توجيهه عما قريب فراجعه (ك) في الدعاء عن وضاح عن النضر بن إسماعيل [ص: 164] البجلي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه (عن ابن مسعود) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه وعبد الرحمن ومن بعده ليسوا بحجة اه الحديث: 6809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 6810 - (كان إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي فيه ركعتين) أي غير الفرض (هق عن أنس) بن مالك. قال الحافظ ابن حجر: حديث صحيح السند معلول المتن خرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة بلفظ: الظهر ركعتين فظهر أن في رواية الأول وهما أو سقوطا والتقدير حتى يصلي الظهر ركعتين وقد جاء صريحا في الصحيحين الحديث: 6810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 6811 - (كان إذا نظر وجهه في المرآة) المعروفة (قال الحمد لله الذي سوى خلقي) بفتح فسكون (فعدله وكرم صورة وجهي فحسنها وجعلني من المسلمين) ليقوم بواجب شكر ربه تقدس ولهذا كان ابن عمر يكثر النظر في المرآة فقيل له فقال أنظر فما كان في وجهي زين فهو في وجه غيري شين أحمد الله عليه فيندب النظر في المرآة والحمد على حسن الخلق والخلقة لأنهما نعمتان يجب الشكر عليهما (ابن السني) في اليوم والليلة (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف ورواه عنه البيهقي في الشعب وفيه هاشم بن عيسى الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لا يعرف الحديث: 6811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 6812 - (كان إذا نظر في المرآة قال الحمد لله الذي حسن) بالتشديد فعل (خلقي) بسكون اللام (وخلقي) بضمها (وزان مني ما شان من غيري) قال الطيبي: فيه معنى قوله بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فجعل النقصان شينا كما قال المتنبي: ولم أر من عيوب الناس شينا. . . كنقص القادرين على التمام وعلى نحو هذا الحمد حمد داود وسليمان {ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} (وإذا اكتحل جعل في عين اثنتين) أي كل واحدة اثنتين (وواحدة بينهما) أي في هذه أو في هذه ليحصل الإيتار المحبوب وأكمل من ذلك ما ورد عنه أيضا في عدة أحاديث أصح منها أنه يكتحل في كل عين ثلاثا لكن السنة تحصل بكل (وكان إذا لبس نعليه بدأ باليمين) أي بإنعال الرجل اليمنى (وإذا خلع) خلع (اليسرى) أي بدأ بخلعهما (وكان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى وكان يحب التيامن في كل شيء أخذا وعطاءا) كما مر بما فيه غير مرة (ع طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك وتقدمه لذلك شيخه الحافظ العراقي فقال: فيه عمرو بن الحصين أحد المتروكين الحديث: 6812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 6813 - (كان إذا نظر إلى البيت) أي الكعبة (قال اللهم زد بيتك هذا) أضافه إليه لمزيد التشريف وأتى باسم الإشارة [ص: 165] تفخيما (تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة) إجلالا وعظمة (طب) من حديث عمر بن يحيى الأيلي عن عاصم بن سليمان عن زيد بن أسلم (عن حذيفة بن أسيد) بفتح المهملة الغفاري وقال: تفرد به عمر بن يحيى قال ابن حجر: وفيه مقال وشيخه عاصم بن سليمان وهو الكرزي متهم بالكذب ونسب للوضع ووهم من ظنه عاصم الأحول اه. وقال الهيثمي: فيه عاصم بن سليمان الكرزي وهو متروك الحديث: 6813 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 6814 - (كان إذا نظر إلى الهلال) أي وقع بصره عليه والهلال كما في التهذيب اسم للقمر لليلتين من أول الشهر ثم هو قمر لكن في الصحاح اسم لثلاث ليال من أول الشهر (اللهم اجعله هلال يمن) أي بركة (ورشد) أي صلاح (آمنت بالذي خلقك فعدلك تبارك الله أحسن الخالقين) ظاهر مخاطبته له أنه ليس بجماد بل حي دارك يعقل ويفهم قال حجة الإسلام: وليس في أحكام الشريعة ما يدفعه ولا ما يثبته فلا ضرر علينا في إثباته (ابن السني عن أنس) بن مالك الحديث: 6814 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 6815 - (كان إذا هاجت ريح) وفي رواية الريح معرفا (استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه) أي قعد عليهما وعطف ساقيه إلى تحته وهو قعود المستوفز الخائف المحتاج إلى النهوض سريعا وهو قعود الصغير بين يدي الكبير وفيه نوع أدب كأنه لما هبت الريح وأراد أن يخاطب ربه بالدعاء قعد قعود المتواضع لربه الخائف من عذابه (ومد يديه) للدعاء (وقال اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت إليه اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) لأن الريح من الهواء والهواء أحد العناصر الأربع التي بها قوام الحيوان والنبات حتى لو فرض عدم الهواء دقيقة لم يعش حيوان ولم ينبت نبات والريح اضطراب الهواء وتموجه في الجو فيصادف الأجسام فيحللها فيوصل إلى دواخلها من لطائفها ما يقوم لحاجته إليه فإذا كانت الريح واحدة جاءت من جهة واحدة وصدمت جسم الحيوان والنبات من جانب واحد فتؤثر فيه أثرا أكثر من حاجته فتضره ويتضرر الجانب المقابل لعكس مهبها بفوت حظه من الهواء فيكون داعيا إلى فساده بخلاف ما لو كانت رياحا تعم جوانب الجسم فيأخذ كل جانب حظه فيحدث الاعتدال وقال الزمخشري: العرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح فالمعنى اجعلها لقاحا من السحاب ولا تجعلها عذابا <تنبيه> استشكل ابن العربي خوفه أن يعذبوا وهو فيهم مع قوله {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} ثم أجاب بأن الآية نزلت بعد القصة واعترضه ابن حجر بأن آية الأنفال كانت في المشركين من أهل بدر ولفظ كان في الخبر يشعر بالمواظبة على ذلك ثم أجاب بأن في الآية احتمال التخصيص بالمذكورين أو بوقت دون وقت أو بأن مقام الخوف يقتضي عدم أمن المكر أو خشي على من ليس فيهم أن يقع بهم العذاب فالمؤمن شفقة عليه والكافر يود إسلامه وهو مبعوث رحمة للعالمين وفي الحديث الحث على الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه (تنبيه آخر) قال ابن المنير: هذا الحديث مخصوص بغير الصبا من جميع أنواع الريح لقوله في الحديث الآتي نصرت بالصبا ويحتمل إبقاء هذا الحديث على عمومه ويكون نصرها له متأخرا عن ذلك أو أن نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة المؤمنين وهو كان بهم رؤوفا رحيما وأيضا فالصبا يؤلف السحاب ويجمعه ثم المطر [ص: 166] غالبا يقع حينئذ وقد جاء في خبر أنه كان إذا أمطرت سرى عنه وذلك يقتضي أن يكون الصبا مما يقع التخوف عند هبوبها فيمكر ذلك على التخصيص المذكور (طب) وكذا البيهقي في سننه (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وليس كما ادعى فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه حسن بن قيس الملقب بخنش وهو متروك وبقية رجاله رجال الصحيح اه. ورواه ابن عدي في الكامل من هذا الوجه وأعله بحسين المذكور ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي ومن ضعفه هذا أن الإمامين لا يحسنا حديثه ثم رأيت الحافظ في الفتح عزاه لأبي يعلى وحده عن أنس رفعه وقال: إسناده صحيح اه. فكان ينبغي للمؤلف عدم إهماله الحديث: 6815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 6816 - (كان إذا وقع بعض أهله) أي جامع بعض حلائله (فكسل أن يقوم) أي ليغتسل أو ليتوضأ (ضرب بيده على الحائط فتيمم) فيه أنه يندب للجنب إذا لم يرد الوضوء أن يتيمم ولم أقف على من قال به من المجتهدين ومذهب الشافعية أنه يسن الوضوء لإرادة جماع ثان أو أكل أو شرب أو نوم فإن عجز عنه بطريقه تيمم (طس عن عائشة) قال الهيثمي: فيه بقية بن الوليد مدلس الحديث: 6816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 6817 - (كان إذا وجد الرجل راقدا على وجهه) أي نائما عليه يقال رقد رقودا نام ليلا كان أو نهارا وخصه بعضهم بالليل والأول أصح والظاهر أن الرجل وصف طردي وأن المراد الإنسان ولو أنثى إذ هي أحق بالستر (ليس على عجزه شيء) يستره من نحو ثوب (ركضه) بالتحريك ضربه (برجله) ليقوم (وقال هي أبغض الرقدة إلى الله) ومن ثم قيل إنها نوم الشياطين والعجز بفتح العين وضمها ومع كل فتح الجيم وسكونها والأفصح كرجل وهو من كل شيء مؤخره (حم عن الشريد) بن سويد رمز المصنف لحسنه وهو تقصير أو قصور فقد قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه فكان حقه أن يرمز لصحته الحديث: 6817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 6818 - (كان إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا ينزعها) أي يتركها (حتى يكون الرجل هو) الذي (يدع يده) باختياره (ويقول) مودعا له (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك) أي أكل كل ذلك منك إلى الله وأتبرأ من حفظه وأتخلى من حرسه وأتوكل عليه فإنه سبحانه وفي حفيظ إذا استودع شيئا حفظه ومن توكل عليه كفاه ولا قوة إلا بالله قال جدي شيخ الإسلام الشرف المناوي رحمه الله تعالى في أماليه: والأمانة هنا ما يخلفه الإنسان في البلد التي سافر منها (حم ت) في الدعوات (ن هـ ك) في الحج كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا الضياء في المختارة وساقه من طريق الترمذي خاصة الحديث: 6818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 6819 - (كان إذا وضع الميت في لحده قال بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله) قال الشافعية: فيسن لمن يدخل الميت القبر أن يقول ذلك لثبوته عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلا كما هنا وقولا كما سبق في حرف الدال (د ت هـ هق [ص: 167] عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وكذا رواه عنه النسائي وكأنه أغفله ذهولا فقد قال الحافظ ابن حجر: رواه أبو داود وبقية أصحاب السنن وابن حبان والحاكم اه الحديث: 6819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 6820 - (كان أرحم الناس بالصبيان والعيال) قال النووي: وهذا هو المشهور وروي بالعباد وكل منهما صحيح واقع والعيال أهل البيت ومن يمونه الإنسان (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) قال الزين العراقي: وروينا في فوائد أبي الدحداح عن علي كان أرحم الناس بالناس الحديث: 6820 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 6821 - (كان أكثر أيمائه) بفتح الهمزة جمع يمين (لا ومصرف القلوب) وفي رواية البخاري لا ومقلب القلوب أي لا أفعل وأقول وحق مقلب القلوب وفي نسبة تقلب القلوب أو تصرفها إشعار بأنه يتولى قلوب عباده ولا يكلها إلى أحد من خلقه وقال الطيبي: لا نفي للكلام السابق ومصرف القلوب إنشاء قسم وفيه أن أعمال القلب من الأدوات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله وجواز تسمية الله بما صح من صفاته على الوجه اللائق وجواز الحلف بغير تحليف قال النووي: بل يندب إذا كان لمصلحة كتأكيد أمر مهم ونفي المجاز عنه وفي الحلف بهذه اليمين زيادة تأكيد لأن الإنسان إذا استحضر أن قلبه وهو أعز الأشياء عليه بيد الله يقلبه كيف يشاء غلب عليه الخوف فارتدع عن الحلف على ما لا يتحقق (هـ عن ابن عمر) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6821 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 6822 - (كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب) المراد تقليب أعراضها وأحوالها لا ذواتها (ثبت قلبي على دينك) بكسر الدال قال البيضاوي: إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء ودفع توهم أنهم يستثنون من ذلك قال الطيبي: إضافة القلب إلى نفسه تعريضا بأصحابه لأنه مأمون العاقبة فلا يخاف على نفسه لاستقامتها لقوله تعالى {إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} وفيه أن أغراض القلوب من إرادة وغيرها يقع بخلق الله وجواز تسمية الله بما ثبت في الحديث وإن لم يتواتر وجواز اشتقاق الاسم له من الفعل الثابت (فقيل له في ذلك قال إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله) يقلبه الله كيف يشاء وأتى هنا باسم الذات دون الرحمن المعبر به في الحديث المار لأن المقام هنا مقام هيبة وإجلال إذ الإلهية متقضية له لأن يخص كل واحد بما يخصه به من إيمان وطاعة وكفر وعصيان (فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ) تمامه عند أحمد فنسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأل الله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب اه. قال الغزالي: إنما كان ذلك أكثر دعائه لاطلاعه على عظيم صنع الله في عجائب القلب وتقلبه فإنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب فإذا أصابه شيء وتأثر أصابه من جانب آخر ما يضاده فيغير وصفه وعجيب صنع الله في تقلبه لا يهتدي إليه إلا المراقبون بقلوبهم والمراعون لأحوالهم مع الله تعالى وقال ابن عربي: تقليب الله القلوب هو ما خلق فيها من الهم بالحسن والهم بالسوء فلما كان الإنسان يحس بترادف الخواطر المتعارضة عليه في قلبه الذي هو عبارة عن تقليب الحق وهذا لا يقتدر الإنسان على دفعه كان ذلك أكثر دعائه يشير إلى سرعة التقليب من الإيمان إلى الكفر وما تحتهما {فألهمها فجورها وتقواها} وهذا قاله للتشريع والتعليم (ت عن أم سلمة) رمز المصنف لحسنه لكن قال الهيثمي: فيه شهر بن حوشب وفيه عندهم ضعيف الحديث: 6822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 6823 - (كان أكثر دعائه يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء [ص: 168] قدير) قال ابن الكمال: اليد مجاز عن القوة المتصرفة وخص الخير بالذكر في مقام النسبة إليه تقدس مع كونه لا يوجد الشر إلا هو لأنه ليس شرا بالنسبة إليه تعالى وقال الزمخشري: التهليل والتحميد دعاء لكونه بمنزلته في استيجاب صنع الله تعالى وإنعامه (حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله موثقون اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن نقل في الأذكار عن الترمذي أنه ضعفه قال الحافظ ابن حجر: وفيه محمد بن أبي حميد أبو إبراهيم الأنصاري المدني غير قوي عندهم الحديث: 6823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 6824 - (كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس) فصومهما سنة مؤكدة (فقيل له) أي فقال له بعض أصحابه لم تخصهما بأكثرية الصوم (فقال الأعمال تعرض) على الله تعالى هذا لفظ رواية الترمذي وعند النسائي على رب العالمين (كل اثنين وخميس فيغفر لكل مسلم إلا المتهاجرين) أي المسلمين المتقاطعين (فيقول) الله لملائكته (أخروهما) حتى يصطلحا وفي معناه خبر تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا وفي خبر آخر اتركوا هذين حتى يفيئا قال الطيبي: لا بد هنا من تقدير من يخاطب بقول أخروا أو اتركوا أو أنظروا أو ادعوا كأنه تعالى لما غفر للناس سواهما قيل اللهم اغفر لهما أيضا فأجاب بذلك اه. وما قدرته أولا أوضح وفيه رد على الحليمي في قوله اعتياد صومهما مكروه ولذلك حكموا بشذوذه وتسميتهما بذلك يقتضي أن أول الأسبوع الأحد وهو ما نقله ابن عطية عن الأكثر لكن ناقضه السهيلي فنقل عن العلماء إلا ابن جرير أن أوله السبت (حم عن أبي هريرة) الحديث: 6824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 6825 - (كان أكثر صومه) من الشهر (السبت) سمي به لانقطاع خلق العالم فيه والسبت القطع (والأحد) سمي به لأنه أول أيام الأسبوع عند جمع ابتدأ فيه خلق العالم (ويقول هما يوما عيد المشركين فأحب أن أخالفهم) سمى اليهود والنصارى مشركين والمشرك هو عابد الوثن إما لأن النصارى يقولون المسيح ابن الله واليهود عزير بن الله وإما أنه سمى كل من يخالف دين الإسلام مشركا على التغليب وفيه أنه لا يكره إفراد السبت مع الأحد بالصوم والمكروه إنما هو إفراد السبت لأن اليهود تعظمه والأحد لأن النصارى تعظمه ففيه تشبه بهم بخلاف ما لو جمعهما إذ لم يقل أحد منهم بتعظيم المجموع. قال بعضهم: ولا نظير لهذا في أنه إذا ضم مكروه لمكروه آخر تزول الكراهة (حم طب ك) في الصوم (هق) كلهم (عن أم سلمة) وسببه أن كريبا أخبر أن ابن عباس وناسا من الصحابة بعثوه إلى أم سلمة يسألها عن أي الأيام كان أكثر لها صياما فقالت: يوم السبت والأحد فأخبرهم فقاموا إليها بأجمعهم فقالت: صدق ثم ذكرته قال الذهبي: منكر ورواته ثقات الحديث: 6825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 6826 - (كان أكثر دعوة يدعو بها ربنا) بإحسانك (آتنا في الدنيا) حالة (حسنة) لنتوصل إلى الآخرة بها على ما يرضيك قال الحرالي: وهو الكفاف من مطعم ومشرب وملبس ومأوى وزوجة لا سرف فيها (وفي الآخرة حسنة) أي من [ص: 169] رحمتك التي تدخلنا بها جنتك (وقنا عذاب النار) بعفوك وغفرانك قال الطيبي: إنما كان يكثر من هذا الدعاء لأنه من الجوامع التي تحوز جميع الخيرات الدنيوية والأخروية وبيان ذلك أنه كرر الحسنة ونكرها تنويعا وقد تقرر في علم المعاني أن النكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأولى فالمطلوب في الأولى الحسنات الدنيوية من الاستعانة والتوفيق والوسائل التي بها اكتساب الطاعات والمبرات بحيث تكون مقبولة عند الله وفي الثانية ما يترتب من الثواب والرضوان في العقبى قوله وقنا عذاب النار تتميم أي إن صدر منا ما يوجبها من التقصير والعصيان فاعف عنا وقنا عذاب النار فحق لذلك أن يكثر من هذا الدعاء (حم ق د) من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال صهيب: سأل قتادة أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ فذكره قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها الحديث: 6826 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 6827 - (كان بابه يقرع بالأظافير) أي يطرق بأطراف أظافر الأصابع طرقا خفيفا بحيث لا يزعج تأدبا معه ومهابة له قاله الزمخشري ومن هذا وأمثاله تقتطف ثمرة الألباب وتقتبس محاسن الآداب كما حكى عن أبي عبيد ومكانه من العلم والزهد وثقة الرواية ما لا يخفى أنه قال: ما دققت بابا على عالم قط حتى يخرج وقت خروجه انتهى. ثم هذا التقرير هو اللائق المناسب وقول السهيلي سبب قرعهم بابه بالأظافر أنه لم يكن فيه حلق ولذلك فعلوه رده ابن حجر بأنهم إنما فعلوه توقيرا وإجلالا فعلم أن العلماء لا ينبغي أن يطرق بابهم عند الاستئذان عليهم إلا طرقا خفيفا بالأظفار ثم بالأصابع ثم الحلقة قليلا قليلا نعم إن بعد موضعه عن الباب بحيث لا يسمع صوت قرعه بنحو ظفر قرع بما فوقه بقدر الحاجة كما بحثه الحافظ ابن حجر وتلاه الشريف السمهودي قال ابن العربي في حديث البخاري: في قصة جابر مشروعية دق الباب لكن قال بعض الصوفية: إياك ودق الباب على فقير فإنه كضربة بالسيف كما يعرف ذلك أرباب الجمعية بقلوبهم على حضرة الله وقال بعضهم: إياك ودق الباب فربما كان في حال قاهر يمنعه من لقاء الناس مطلقا (الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أنس) ورواه أيضا البخاري في تاريخه ورواه أبو نعيم عن المطلب بن يزيد عن عمير بن سويد عن أنس قال في الميزان عن ابن حبان: عمير لا يجوز أن يحتج به وقال في موضع آخر: رواه أبو نعيم عن حميد بن الربيع وهو ذو مناكير انتهى ورواه أيضا باللفظ المزبور البراز قال الهيثمي: وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف ورواه البيهقي في الشعب أيضا عن أنس بلفظ إن أبوابه كانت تقرع بالأظافير الحديث: 6827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 6828 - (كان تنام عيناه ولا ينام قلبه) ليعي الوحي الذي يأتيه في نومه ورؤيا الأنبياء وحي ولا يشكل بقصة النوم في الوادي لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كحدث وألم لا ما يتعلق بالعين ولأن قلبه كان مستغرقا إذ ذاك بالوحي وأما الجواب بأنه كان له حالان حالة ينام فيها قلبه وحالة لا فضعفه النووي (ك) في التفسير عن يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن محمد عن شريك (عن أنس) بن مالك قال الحاكم: على شرط مسلم ورده الذهبي بأن يعقوب ضعيف ولم يرو له مسلم انتهى الحديث: 6828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 6829 - (كان خاتمه) بفتح التاء وكسرها سمي خاتما لأنه يختم به ثم توسع فيه فأطلق على الحلي المعروف وإن لم يكن معدا للتختم به ذكره ابن العراقي (من ورق) بكسر الراء فضة (وكان فصه حبشيا) أي من جزع أو عقيق لأن معدنهما من الجنة أو نوعا آخر ينسب إليهما وفي المفردات نوع من زبرجد ببلاد الحبش لونه إلى الخضرة ينقي العين ويجلو البصر (م عن أنس) بن مالك وفيه عنه من طريق آخر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس خاتما من فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه الحديث: 6829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 [ص: 170] 6830 - (كان خاتمه من فضة فصه منه) أي فصه من بعضه لا منفصل عنه مجاور له فمن تبعيضية أو الضمير للخاتم وهذا بدل من خاتمه وكان هذا الخاتم بيده ثم الصديق فعمر فعثمان حتى وقع منه أو من معيقيب في بئر أريس (خ) في اللباس (عن أنس) بن مالك الحديث: 6830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 6831 - (كان خلقه) بالضم قال الراغب: هو والمفتوح الخاء بمعنى واحد لكن خص المفتوح بالهيئات والصور المبصرة والمضموم بالسجايا والقوى المدركة بالبصيرة ثم قيل للمضموم غريزي (القرآن) أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به وكل ما استهجنه ونهى عنه تجنبه وتخلى عنه فكان القرآن بيان خلقه انتهى. وقال في الديباج: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبيره وحسن تلاوته وقال السهروردي في عوارفه: وفيه رمز غامض وإيماء خفي إلى الأخلاق الربانية فاحتشم الراوي الحضرة الإلهية أن يقول كان متخلقا بأخلاق الله تعالى فعبر الراوي عن المعنى بقوله كان خلقه القرآن استحياء من سبحات الجلال وسترا للحال بلطف المقال وذا من نور العقل وكمال الأدب وبذلك عرف أن كمالات خلقه لا تتناهى كما أن معاني القرآن لا تتناهى وأن التعرض لحصر جزئياتها غير مقدور للبشر ثم ما انطوى عليه من جميل الأخلاق لم يكن باكتساب ورياضة وإنما كان في أصل خلقته بالجود الإلهي والإمداد الرحمني الذي لم تزل تشرق أنواره في قلبه إلى أن وصل لأعظم غاية وأتم نهاية (حم م د عن عائشة) ووهم الحاكم حيث استدركه (كان رحيما بالعيال) أي رقيق القلب متفضلا محسنا رقيقا وفي صحيح مسلم وأبي داود رحيما رفيقا ولفظه عن عمران بن حصين كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من الصحابة وأسر الصحب رجلا من بني عقيل فأصابوا معه العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عليه وهو في الوثاق فقال: يا محمد فأتاه فقال: ما شأنك فقال: بم أخذتني فقال: بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف عنه فناداه يا محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ قال: إني مسلم قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح وفي الصحيحين عن مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا فقال: ارجعوا إلى أهليكم وليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم (الطيالسي) أبو داود في مسنده (عن أنس) رمز المصنف لصحته الحديث: 6831 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 6832 - (كان رايته) تسمى العقاب كما ذكره ابن القيم وكانت (سوداء) أي غالب لونها أسود خالص ذكره القاضي ثم الطيبي. قال ابن حجر: ويجمع بينهما باختلاف الأوقات لكن في سنن أبي داود أنها صفراء وفي العلل للترمذي عن البراء كانت سوداء مربعة من حبرة (ولواؤه أبيض) قال ابن القيم: وربما جعل فيه السواد والراية العلم الكبير واللواء العلم الصغير فالراية هي التي يتولاها صاحب الحرب وليقاتل عليها وإليها تميل المقاتلة واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار ذكره جميع وقال ابن العربي: اللواء ما يعقد في طرف الرمح ويكون عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح (تتمة) روى أبو يعلى بسند ضعيف عن أنس رفعه: إن الله كرم أمتي بالألوية (د) في الجهاد وكذا الترمذي وكأن المؤلف ذهل عنه (ك) في الجهاد (عن ابن عباس) ولم يصححه الحاكم وزاد الذهبي فيه أن فيه يزيد بن حبان وهو أخو مقاتل وهو مجهول الحال وقال البخاري: عنده غلط ظاهر وساقه ابن عدي من مناكير يزيد بن حبان عن عبيد الله نعم رواه الترمذي في العلل عن البراء من طريق آخر بلفظ: كانت سوداء مربعة من نمرة ثم قال [ص: 171] سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال: حديث حسن اه. ورواه الطبراني باللفظ المذكور من هذا الوجه وزاد مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله الحديث: 6832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 6833 - (كان ربما اغتسل يوم الجمعة) غسلها (وربما تركه أحيانا) ففيه أنه مندوب لا واجب وفي قوله أحيانا إيذان بأن الغالب كان الفعل والأحيان جمع حين وهو الزمان قل أو كثر (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه محمد بن معاوية النيسابوري وهو ضعف لكن أثنى عليه أحمد وقال: عمرو بن علي ضعيف لكنه صدوق الحديث: 6833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 6834 - (كان ربما أخذته الشقيقة) بشين معجمة وقافين كعظيمة وجع أحد شقي الرأس (فيمكث) أي يلبث (اليوم واليومين لا يخرج) من بيته لصلاة ولا غيرها لشدة ما به من الوجع وذكر الأطباء أن وجع الرأس من الأمراض المزمنة وسببه أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ فإن لم تجد منفذا أخذ الصداع فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة وإن ملك قمقمة الرأس أحدث داء البيضة وقال بعضهم: الشقيقة بخصوصها في شرايين الرأس وحدها وتختص بالموضع الأضعف من الرأس وعلاجها شد العصابة ولذلك كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذته عصب رأسه (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن بريدة) بن الحصيب الحديث: 6834 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 6835 - (كان ربما يضع يده على لحيته في الصلاة من غير عبث) فلا بأس بذلك إلا خلا عن المحذور وهو العبث ولا يلحق بتغطية الفم في الصلاة حيث كره وفي سنن البيهقي عن عمرو بن الحويرث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربما مس لحيته وهو يصلي. قال بعضهم: وفيه أن تحرك اليد أي من غير عبث لا ينافي الخشوع (عد هق عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري. قال في الميزان عن ابن حبان: لا ينبغي أن يحتج بما انفرد به ثم ساق له هذا الخبر الحديث: 6835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 6836 - (كان رحيما) حتى بأعدائه لما دخل يوم الفتح مكة على قريش وقد أجلسوا بالمسجد الحرام وصحبه ينتظروه أمره فيهم من قتل أو غيره قال: ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال: أقول كما قال أخي يوسف {لا تثريب عليكم اليوم} اذهبوا فأنتم الطلقاء. قال ابن عربي: فلا ملك أوسع من ملك محمد فإن له الإحاطة بالمحاسن والمعارف والتودد والرحمة والرفق {وكان بالمؤمنين رحيما} وما أظهر في وقت غلظة على أحد إلا عن أمر إلهي حين قال له {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} فأمر بما لم يقتضي طبعه ذلك وإن كان بشرا يغضب لنفسه ويرضى لها (وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده) وإلا أمر بالاستدانة عليه وفي حديث الترمذي أن رجلا جاءه فسأله أن يعطيه فقال: ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيته فقال عمر: يا رسول الله قد أعطيته فما كلفك الله ما لا نقدر عليه فكره قول عمر فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فتبسم فرحا بقول الأنصاري أي وعرف في وجهه البشر ثم قال: بهذا أمرت (خد عن أنس) بن مالك وروى الجملة الأولى منه البخاري وزاد بيان السبب فاسند عن مالك بن الحويرث قال: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن [ص: 172] شببة فلبثنا عنده نحوا من عشرين ليلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما. زاد في رواية ابن علية رفيقا فقال: لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم الحديث: 6836 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 6838 - (كان شديد البطش) قد أعطى قوة أربعين في البطش والجماع كما في خبر الطبراني عن ابن عمرو وفي مسلم عن البراء كنا والله إذا حمي البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذي به وفي خبر أبي الشيخ عن عمران ما لقي كتيبة إلا كان أول من يضرب ولأبي الشيخ عن علي كان من أشد الناس بأسا ومع ذلك كله فلم تكن الرحمة منزوعة عن بطشه لتخلقه بأخلاق الله وهو سبحانه ليس له وعيد وبطش شديد ليس فيه شيء من الرحمة واللطف ولهذا قال أبو يزيد البسطامي وقد سمع قارئا يقرأ {إن بطش ربك لشديد} بطشي أشد فإن المخلوق إذا بطش لا يكون في بطشه رحمة وسببه ضيق المخلوق فإنه ما له الاتساع الإلهي وبطشه تعالى وإن كان شديدا ففي بطشه رحمة بالمبطوش به فلما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم البشر اتساعا كانت الرحمة غير منزوعة عن بطشه وبذلك يعرف أنه لا تعارض بين هذا والذي قبله (ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن علي) وهو ابن الحنفية مرسلا ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] من رواية أبي جعفر معضلا الحديث: 6838 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 6839 - (كان طويل الصمت قليل الضحك) لأن كثرة السكوت من أقوى أسباب التوقير وهو من الحكمة وداعية السلامة من اللفظ ولهذا قيل من قل كلامه قل لغطه وهو أجمع للفكر (حم) من حيث سماك (عن جابر بن سمرة) قال سماك: قلت لجابر أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم وكان طويل الصمت إلخ. رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة الحديث: 6839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 6840 - (كان فراشه نحوا) خبر كان أي مثل شيء (مما يوضع للإنسان) أي الميت (في قبره) وقد وضع في قبره قطيفة حمراء أي كان فراشه للنوم نحوها (وكان المسجد عند رأسه) أي كان إذا نام يكون رأسه إلى جانب المسجد. قال حجة الإسلام: وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتذكر بنومه كذلك أنه سيضجع في اللحد كذلك وحيدا فريدا ليس معه إلا عمله ولا يجزى إلا بسعيه ولا يستجلب النوم تكلفا بتمهيد الفراش الوطئ فإن النوم تعطيل للحياة (د) في اللباس (عن بعض آل أم سلمة) ظاهر صنيعه أن أبا داود تفرد بإخراجه عن الستة وليس كذلك بل رواه أيضا ابن ماجه في الصلاة هذا وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 6840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 6841 - (كان فراشه مسحا) بكسر فسكون بلاسا من شعر أو ثوب خشن يعد للفراش من صوف يشبه الكساء أو ثياب سود يلبسها الزهاد والرهبان وبقية الحديث عند مخرجه الترمذي يثنيه ثنيتين فينام عليه فلما كان ذات ليلة قلت لو ثنيته أربع ثنيات لكان أوطأ فثنيناه له بأربع ثنيات فلما أصبح قال: ما فرشتموه الليلة قلنا: هو فراشك إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا هو أوطأ لك قال: ردوه لحاله الأول فإنه منعني وطاؤه صلاتي الليلة. قال ابن العربي: وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يمهد فراشه ويوطئه ولا ينفض مضجعه كما يفعل الجهال بسنته اه. وأقول: قد جهل هذا الإمام سنته في هذا المقام فإنه قد جاء من عدة طرق أنه قال عليه الصلاة والسلام إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (عن حفصة) بنت عمر رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال [ص: 173] الحافظ العراقي هو منقطع الحديث: 6841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 6842 - (كان فرسه يقال له المرتجز) قال ابن القيم: وكان أشهب (وناقته القصواء) بضم القاف والمد قيل هي التي تسمى العضباء وقيل غيرها (وبغلته الدلدل) بضم فسكون ثم مثله سميت به لأنها تضطرب في مشيها من شدة الجري يقال دلدل في الأرض ذهب ومر يدلدل ويتدلدل في مشيه يضطرب ذكره ابن الأثير (وحماره عفير) فيه مشروعية تسمية الفرس والبغل والحمار وكذا غيرها من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها قال ابن حجر: وفي الأحاديث الواردة في نحو هذا ما يقوي قول من ذكر بعض أنساب الخيول العربية الأصيلة لأن الأسماء توضع لتميز بين أفراد الجنس (ودرعه) بكسر الدال زرديته (ذات العضول وسيفه ذو الفقار) قال الزين العراقي: وروينا في فوائد أبي الدحداح حماره يعفور وشاته بركة وفي حديث للطبراني اسم شاته التي يشرب لبنها غنية وأخرج ابن سعد في طبقاته كانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم سبع عجوة وسقيا وبركة وزمزم وورسة وأطلال وأطراف وفي سنده الواقدي وله عن مكحول مرسلا كانت له شاة تسمى قمر (ك هق عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 6842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 6843 - (كان فيه دعابة) بضم الدال (قليلة) أي مزاح يسير قال الزمخشري: المداعبة كالمزاحة ودعب يدعب كمزح يمزح ورجل دعب ودعابة وفي المصباح دعب يدعب كمزح يمزح وزنا ومعنى والدعابة بالضم اسم لما يستملح من ذلك قال ابن عربي: وسبب مزاحه أنه كان شديد الغيرة فإنه وصف نفسه بأنه أغير من سعد بعد ما وصف سعدا بأنه غيور فأتى بصيغة المبالغة والغيرة من نعت المحبة وهم لا يظهرونها فستر محبته وما له ومن الوجد فيه بالمزاح ملاعبته للصغير وإظهار حبه فيمن أحبه من أزواجه وأبنائه وأصحابه وقال {إنما أنا بشر} فلم يجعل نفسه أنه من المحبين فجهلوا طبيعته وتخيلت أنه معها لما رأته يمشي في حقها ويؤثرها ولم تعلم أن ذلك عن أمر محبوبه إياه بذلك وقيل إن محمدا صلى الله عليه وسلم يحب عائشة والحسنين وترك الخطبة يوم العيد ونزل إليهما لما رآهما يعثران في أذيالهما وهذا كله من باب الغيرة على المحبوب أن تنتهك حرمته وهكذا ينبغي أن يكون تعظيما للجناب الأقدس أن يعشق (خط وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 6843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 6844 - (كانت قراءته المد) وفي رواية مدا أي كانت ذات مد أي كان يمد ما كان في كلامه من حروف المد واللين ذكره القاضي وقال المظهر: معناه كانت قراءته كثيرة المد وحروف المد الألف والواو والياء فإذا كان بعدها همزة يمد ذلك الحرف (ليس فيها ترجيع) يتضمن زيادة أو نقصان كهمز غير المهموز ومد غير الممدود وجعل الحرف حروفا فيجر ذلك إلى زيادة في القرآن وهو غير جائز والتلحين والتغني المأمور به ما سلم من ذلك (طب عن أبي بكرة) رمز المصنف لحسنه وليس كما ظن فقد قال الهيثمي وغيره: فيه عمرو بن وجيه وهو ضعيف وقال مرة أخرى: فيه من لم أعرفه وفي الميزان: تفرد به عمرو بن موسى يعني ابن وجيه وهو متهم أي بالوضع الحديث: 6844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 6845 - (كان قميصه فوق الكعبين) أي إلى أنصاف ساقيه كما في رواية (وكان كمه مع الأصابع) أي مساويا لا يزيد ولا ينقص عنها قال ابن القيم: وأما هذه الأكمام التي كالأخراج فلم يلبسها هو ولا صحبه البتة بل هي مخالفة لسنته وفي جوازها نظر [ص: 174] لأنها من جنس الخيلاء وقال بعض الشافعية: متى زاد على ما ذكر لكل ما قدروه في غير ذلك بقصد الخيلاء حرم بل فسق وإلا كره إلا لعذر كأن يميز العلماء بشعار يخالف ذلك فلبسه بقصد أن يعرف فيسأل أو ليمتثل أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر (ك عن ابن عباس) الحديث: 6845 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 6846 - (كان كم قميصه إلى الرسغ) بضم فسكون مفصل ما بين الكف والساعد وروي بسين وبصاد وجمع بين هذا الخبر وما قبله بأن ذا كان يلبسه في الحضر وذاك في السفر وحكمة الاقتصار على ذلك أنه متى جاوز اليد شق على لابسه ومنعه سرعة الحركة والبطش ومتى قصر عن ذلك تأذى الساعد ببروزه للحر والبرد فكان الاقتصار على ما ذكر وسطا فينبغي التأسي به ويجري ذلك في أكمامنا وخير الأمور أوسطها (د ت عن أسماء بنت يزيد) بن السكن قال الترمذي: حسن غريب اه. رمز لحسنه وفيه شهر بن حوشب قال الحافظ العراقي: مختلف فيه وجزم غيره بضعفه الحديث: 6846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 6847 - (كان كثيرا ما يقبل عرف) ابنته (فاطمة) الزهراء وكان كثيرا ما يقبلها في فمها أيضا زاد أبو داود بسند ضعيف ويمص لسانها والعرف بالضم أعلى الرأس مأخوذ من عرف الديك وهو اللحمة مستطيلة في أعلى رأسه وعرف الفرس الشعر النابت في محدب رقبته (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) الحديث: 6847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 6848 - (كان له برد) بضم فسكون زاد في رواية أخضر (يلبسه في العيدين والجمعة) وكان يتجمل للوفود أيضا قال الغزالي: وهذا كان منه عبادة لأنه مأمور بدعوة الخلق وترغيبهم في الاتباع واستمالة قلوبهم ولو سقط عن أعينهم لم يرغبوا في اتباعه فكان يجب عليه أن ينظره لهم محاسن أحواله لئلا تزدريه أعينهم فإن أعين العوام تمتد إلى الظاهر دون السرائر وأخذ منه الإمام الرافعي أنه يسن للإمام يوم الجمعة أن يزيد في حسن الهيئة واللباس ويتعمم ويرتدي وأيده ابن حجر بخبر الطبراني عن عائشة كان له ثوبان يلبسهما في الجمعة فإذا انصرف طويناهما إلى مثله <تنبيه> ذكر الواقدي أن طول ردائه كان ستة أذرع في عرض ثلاثة وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين لا ذراعين وشبر وأنه كان يلبسهما في الجمعة والعيدين وفي شرح الأحكام لابن بزيزة ذرع الرداء الذي ذكره الواقدي في ذرع الإزار قال الحافظ في الفتح: والأول أولى (هق عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أيضا ابن خزيمة في صحيحه لكن بدون ذكر الأخضر الحديث: 6848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 6849 - (كان له جفنة) بضم الجيم وفتحها (لها أربع حلق) ليحملها منها أربعة رجال وكانت معدة للأضياف وهذا يدل على مزيد إكرامه للأضياف وسعة إطعامه (طب عن عبد الله بن بسر) بضم الباء وسكون المهملة الحديث: 6849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 6850 - (كان له حربة) بفتح فسكون رمح قصير تشبه العكاز (يمشي بها بين يديه) على الأعناق (فإذا صلى ركزها بين يديه) فيتخذها سترة يصلي إليها إذا كان في عير بناء وكان يمشي بها أحيانا وكان له حراب غيرها أيضا (طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (ابن مالك) رمز المصنف لحسنه قال الحافظ الهيثمي وغيره: ضعيف هكذا جزم به ولم يوجهه الحديث: 6850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 6851 - (كان له حمار اسمه عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها راء تصغير أعفر خرجوه عن بناء [ص: 175] أصله كسويد تصغير أسود من العفرة وهي حمرة يخالطها بياض ذكره جمع ووهموا عياضا في ضبطه بغين معجمة قال ابن حجر: وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له يعفور وزعم ابن عبدوس أنهما واحد رده الدمياطي فقال: عفير أهداه له المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس ويعفور بسكون المهملة وضم الفاء اسم ولد الظبي كأنه سمي به لسرعته قال الواقدي: نعق يعفور منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وقيل طرح نفسه في بئر يوم مات المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الزمخشري: وإنما سمي به لعفرة لونه والعفرة بياض غير ناصع كلون عفر الأرض أي وجهها قال: ويجوز كونه سمي به تشبيها في عدوه باليعفور وهو الظبي اه. وقال ابن القيم: كان أشهب أهداه له المقوقس ملك القبط وآخر أهداه له فروة الجذامي اه (حم عن علي) أمير المؤمنين (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 6851 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 6853 - (كان له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء) وفي لفظ بعد وضوئه وحينئذ فلا يكره التنشف بل لا بأس به وعليه جمع وذهب آخرون إلى كراهته لأن ميمونة أتته بمنديل فرده ولما أخرجه الترمذي عن الزهري أن ماء الوضوء يوزن وأجاب الأولون بأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال وبأنه إنما رده مخافة مصيره عادة ويمنع دلالته على الكراهة فإنه لولا أنه كان يتنشف لما أتته به وإنما رده لعذر كاستعجال أو لشيء رآه فيه أو لوسخ أو تعسف ريح وفي هذا الحديث إشعار بأنه كان لا ينفض ماء الوضوء عن أعضائه وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه لا تنفضوا أيديكم في الوضوء كأنها مراوح الشيطان قال ابن الصلاح وتبعه النووي: لم أجده وقد أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل (ت) في الطهارة (ك) كلاهما (عن عائشة) ظاهره أن مخرجه الترمذي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه قال عقبه: ليس بالقائم ولا يصح عن النبي فيه شيء وفيه أبو معاذ سليمان بن أرقم ضعيف عندهم وقد رخص قوم من أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء وقال يحيى: أبو معاذ هذا لا يساوي فلسا والبخاري: منكر الحديث والرازي: صالح لا يعقل ما يحدث به والنسائي: متروك وابن حبان: يروي الموضوعات وينفرد بالمعضلات لا يجوز الاحتجاج به وممن جزم بضعف الحديث البغوي والدارقطني وابن القيم وقال ابن حجر في تخريج الهداية: سنده ضعيف الحديث: 6853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 6853 - (كان له سكة) بضم السين وشد الكاف طيب يتخذ من الرامك بكسر الميم وتفتح شيء أسود يخلط بمسك ويفرك ويقرص ويترك يومين ثم ينظم في خيط وكلما عتق عبق كذا في القاموس. وقال في المطامح: وعاء يجعل فيه الطيب كما قال (يتطيب منها) واحتمال أنها قطعة من السك وهو طيب مجتمع من أخلاط بعيد (د) في الترجل (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ورواه الترمذي عنه في الشمائل الحديث: 6853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 6854 - (كان له سيف محلى قائمته من فضة ونعله من فضة) قال الزمخشري: هي الحديدة التي في أسفل قرابه قال:. . . إلى ملك لا ينصف الساق نعله. . . (وفيه حلق من فضة وكان يسمى ذا الفقار) سمي به لأنه كان فيه حفر متساوية وهو الذي رأى فيه الرؤيا ودخل به يوم فتح مكة وكانت أسيافه سبعة هذا ألزمها له وقال الزمخشري: سمي ذا الفقار لأنه كانت في إحدى شفرتيه حزوز سميت بفقار الظهر وكان هذا السيف لمنبه بن الحجاج أو منبه بن وهب أو [ص: 176] العاص بن منبه أو الحجاج بن عكاظ أو غيرهم ثم صار عند الخلفاء العباسيين. قال الأصمعي: دخلت على الرشيد فقال: أريكم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار قلنا: نعم فجاء به فما رأيت سيفا أحسن منه إذا نصب لم ير فيه شيء وإذا بطح عد فيه سبع فقر وإذا صفيحته يمانية يحار الطرف فيه من حسنه وقال قاسم في الدلائل: إن ذلك كان يرى في رونقه شبيها بفقار الحية فإذا التمس لم يوجد (وكان له قوس تسمى) بمثناة فوقية وسكون السين بضبط المصنف وكذا ما يأتي (ذا السداد) قال ابن القيم: وكان له قسي هذا أحدها (وكان له كنانة تسمى ذا الجمع) بضم الجيم بضبط المصنف الكنانة بكسر الكاف جعبة السهام وبها سميت القبيلة (وكان له درع) بكسر الدال وسكون الراء المهملتين (موشحة بنحاس تسمى ذات الفضول) وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي وكان له سبعة دروع هذه أحدها (وكان له حربة تسمى النبعاء) بنون مفتوحة فموحدة ساكنة فعين مهملة وقيل بباء موحدة ثم نون ساكنة فعين مهملة شجر يتخذ القسي منه قال ابن القيم: وكان له حربة أخرى كبيرة تدعى البيضاء (وكان له مجن) بكسر الميم ترس سمي به لأن صاحبه يستتر به وجمعه مجان ككتاب (يسمى الذقن وكان له فرس أشقر يسمى المرتجز) لحسن صهيله ذكره الزمخشري قال النووي في التهذيب: وهو الذي اشتراه من الأعرابي الذي شهد عليه خزيمة بن ثابت (وكان له فرس أدهم) أي أسود (يسمى السكب) بفتح فسكون قال الزمخشري: سمي به لأنه كثير الجري وأصل السكب الصب فاستعير لشدة الجري وقيل هو بالتحريك سمي بالسكب وهو شقائق النعمان قال الشاعر:. . . كالسكب المحمر فوق الرابية. . . وقيل بالتخفيف لكثرة سائله وهو ذنبه قيل وهذا أول فرس ملكه كما في تهذيب النووي قال: كان أغر محجلا طلق اليمين وهو أول فرس غزا عليه (وكان له سرح يسمى الداج وكان له بغلة شهباء تسمى دلدل) بضم الدالين المهملتين أهداها له يوحنا ملك أيلة وظاهر البخاري أنه أهداها له في غزوة حنين وقد كانت هذه البغلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قال القاضي: ولم يرو أنه كانت له بغلة غيرها ذكره النووي وتعقبه الجلال البلقيني بأن البغلة التي كان عليها يوم حنين غير هذه ففي مسلم أنه كان على بغلة بيضاء أهداها له الجذامي قال: وفيما قاله القاضي نظر فقد قيل كان له دلدل وفضة وهي التي أهداها ابن العلماء والأيلية وبغلة أهداها له كسرى وأخرى من دومة الجندل وأخرى من النجاشي كذا في سيرة مغلطاي وفي الهدي كان له من البغال دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس وأخرى اسمها فضة أهداها له صاحب دومة الجندل (وكانت له ناقة تسمى القصواء) بفتح القاف والمد وقيل بضمها والقصواء قبل وهي التي هاجر عليها والقصواء الناقة التي قطع طرف أذنها وكل ما قطع من الأذن فهو جذع فإذا بلغ الربع فهي قصوى فإذا جاوز فهو عضب فإذا استوصلت فهو صلم قال ابن الأثير: ولم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قصوى وإنما هو لقب لها لقيت به لأنها كانت غاية في الجري وآخر كل شيء أقصاه وجاء في خبر أن له ناقة تسمى العضباء وناقة تسمى الجذعاء فيحتمل أن كل واحدة صفة ناقة مفردة ويحتمل كون الكل صفة ناقة واحدة فيسمى كل واحد منهم بما يخيل فيها (وكان له حمار يسمى يعفور وكان له بساط) كذا بخط المصنف فما في نسخ من أنه فسطاط تصحيف عليه [ص: 177] (يسمى الكز) بزاي معجمة بضبط المصنف (وكان له عنزة) بالتحريك حربة (تسمى النمر وكان له ركوة تسمى الصادر) سميت به لأنه يصدر عنها بالري ذكره ابن الأثير (وكان له مرآة تسمى المدلة وكان له مقراض) بكسر الميم وهو المسمى الآن بالمقص (يسمى الجامع وكان له قضيب) فعيل بمعنى مفعول أي غصن مقطوع من شجرة (شوحظ يسمى الممشوق) قيل وهو الذي كان الخلفاء يتداولونه قال ابن أبي خثيمة في تاريخه: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من سلاح بني قينقاع ثلاثة قسى قوس اسمها الروحاء وقوس شوحظ تسمى البيضاء وقوس تسمى الصفراء (طب) من حديث عثمان بن عبد الرحمن عن علي بن عروة عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وعمرو بن دينار (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه علي بن عروة وهو متروك وقال شيخه الزين العراقي: فيه علي بن عروة الدمشقي نسب إلى وضع الحديث وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: موضوع عبد الملك وعلي وعثمان متروكون اه. ونوزع في عبد الملك بأن الجماعة إلا البخاري رووا له الحديث: 6854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 6855 - (كان له فرس يقال له اللحيف) بحاء مهملة كرغيف وقيل بالتصغير سمي به لطول ذنبه فعيل بمعنى فاعل كأنه يلحف الأرض بذنبه وقيل هو بخاء معجمة وقيل بجيم (خ عن سهل بن سعد) الساعدي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف وعند ابن الجوزي بالنون بدل اللام من النحافة وذكر الواقدي أنه أهداه له سعد بن البراء وقيل ربيعة بن البراء الحديث: 6855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 6856 - (كان له فرس يقال له الظرب) بفتح المعجمة وكسر الراء فموحدة (وآخر يقال له اللزاز) بكسر اللام وبزايين لتلززه واجتماع خلقه وبالشيء لزق كأنه يلتزق بالمطلوبات لسرعته وجملة أفراسه سبعة متفق عليها جمعها ابن جماعة في بيت فقال: والخيل سكب لحيف ظرب. . . لزاز مرتجز وردلها أسوار وقيل كانت له أفراس أخر خمسة عشر (هق عنه) أي عن سهل رمز المصنف لصحته الحديث: 6856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 6857 - (كانت له قدح قوارير) أي زجاج وهو بالتحريك واحد الأقداح التي للشرب قال في المشارق: إناء يسع ما يروي رجلين وثلاثة وقال ابن الأثير: هو إناء بين إناءين لا صغير ولا كبير وقد يوصف بأحدهما (يشرب فيه) أهداه إليه النجاشي وكان له قدح آخر يسمى الريان ويسمى مغيثا وآخر مضببا بسلسلة من فضة (هـ عن ابن عباس) الحديث: 6857 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 6858 - (كان له قدح من عيدان) بفتح العين المهملة وسكون التحتية ودال مهملة جمع عيدانة وهي النخلة السحوق المتجردة والمراد هنا نوع من الخشب وكان يجعل (تحت سريره) أي موضوع تحت سريره قال ابن القيم: وكان يسمى الصادر قال الراغب: والسرير مأخوذ من السرور لأنه في الغالب لأولي النعمة قال: وسرير الميت تشبيه به في الصورة وللتفاؤل بالسرور (يبول فيه بالليل) تمامه كما عند الطبراني بسند قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح فقام وطلبه فلم يجده فسأل فقالوا: شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة فقال: لقد احتظرت من النار بحظار اه. قيل وذا الخبر لا يعارضه خبر الطبراني أيضا في الأوسط بإسناد قال الولي العراقي: جيد لا ينقع بول في طست في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول لأن المراد بانقاعه طول مكثه وما في الإناء لا يطول مكثه بل تريقه الخدم عن قرب ثم يعاد تحت السرير لما يحدث والظاهر كما قاله الولي العراقي أن هذا كان قبل اتخاذ الكنف في البيوت فإنه لا يمكنه التباعد [ص: 178] بالليل للمشقة أما بعد اتخاذها فكان يقضي حاجته فيها ليلا ونهارا وأخذ من تخصيص البول أنه كان لا يفعل الغائط فيه لغلظه بالنسبة للبول ولكثافته وكراهة ريحه والليل أنه كان لا يبول فيه نهارا وفيه حل اتخاذ السرير وأنه لا ينافي التواضع لمسيس الحاجة إليه سيما الحجاز لحرارته وحل القدح من خشب النخل ولا ينافيه ما مر من حديث أكرموا عمتكم النخلة لأن المراد بإكرامها سقيها وتلقيحها كما تقدم فإذا انفصل منها شيء وعمل إناء أو غيره زال عنه اسم النخلة فلم يؤمر بإكرامه وأما الجواب بأن بوله فيه ليس إهانة بل تشريفا فغير قويم لاقتضائه اختصاص الجواز به ولا كذلك وفيه حل البول في إناء في البيت الذي هو فيه ليلا بلا كراهة حيث لم يطل مكثه فيه كما تقرر أما نهارا فهو خلاف الأولى حيث لا عذر لأن الليل محل الأعذار بخلاف النهار وبول الرجل بقرب أهل بيته للحاجة قيل وحل الاستنجاء بغير ماء إذ لو استنجى به في القدح لعاد رشاشه عليه وقطع النخل للحاجة انتهى. وهما ممنوعان أما الأول فلوضوح جواز كونه استنجى بالماء خارج القدح في إناء آخر أو في أرض ترابية ونحوها وأما الثاني فلا يلزم كون القدح إنما يصنع من نخل مقطوع بل المتبادر أنه من الساقط لنحو هبوب ريح أو ضعف وفيه مشروعية الصناعات ونحو ذلك مما لا يتم المعاش إلا به <فائدة> قال ابن قتيبة: كان سريره خشبات مشدودة بالليف بيعت في زمن بني أمية فاشتراها رجل بأربعة آلاف درهم (د ن) في الطهارة (ك) وصححه وكذا ابن حبان في صحيحه كلهم من حديث ابن جريج عن حكيمة (عن) أمها (أميمة بنت رقيقة) وحكيمة وأميمة ورقيقة بضم أولهن وفتح ثانيهن وتخفيفهن ورقيقة بقافين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى أخت خديجة أم المؤمنين وقيل بنت أبي ضبعي بن هاشم بن عبد مناف أم مخرمة بن نوفل وأميمة بنتها نسبت هنا إلى أمها واسم أبيها عبد وقيل عبد الله بن بجار بباء موحدة مكسورة ثم جيم قرشية تميمية ويقال أمية بنت أبي النجار بنون وجيم وراء وقيل هما اثنتان قال عبد الحق عن الدارقطني: هذا هو الحديث ملحق بالصحيح جار مجرى مصححات الشيخين وتعقبه ابن القطان بأن الدارقطني لم يقض فيه بصحة ولا ضعف والخبر متوقف الصحة على العلم بحال الراوية فإن ثبتت ثقتها صحت روايتها وهي لم تثبت انتهى وفي اقتفاء السنن هذا الحديث لم يضعفوه وهو ضعيف ففيه حكيمة وفيها جهالة فإنه لم يرو عنها إلا ابن جريج ولم يذكرها ابن حبان في الثقات انتهى. ونوزع بما فيه طول والتوسط ما جزم به النووي من أنه حسن الحديث: 6858 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 6859 - (كان له قصعة) بفتح القاف بضبط المصنف وفي المصباح بالفتح معروفة عربية وقيل معربة (يقال لها الغراء) تأنيث الأغر من الغرة وهي بياض الوجه وإضاءته أو من الغرة وهي الشيء النفيس المرغوب فيه أو لغير ذلك (يحملها أربع رجال) بينهم لعظمها وتمامه عند مخرجه أبي داود فلما أضحوا وسجدوا الضحى أي صلوها أتى بتلك القصعة وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة قال: إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها انتهى. وفيه دلالة على سعة كرم المصطفى صلى الله عليه وسلم (د عن عبد الله بن بسر) رمز لحسنه الحديث: 6859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 6860 - (كان له مكحلة) بضم الميم معروفة وهي من النوادر التي جاءت بالضم وقياسها الكسر لأنها آلة كذا في المصباح وفي شرح الترمذي للحافظ بضم الميم والحاء معا الوعاء المعروف وهو أحد ما يشذ مما يرتفق به فجاء على مفعل وبابه مفعل بفتح الميم قال: ونظيره المدهن والمسعط (يكتحل منها) بالإثمد عند النوم (كل ليلة ثلاثا في هذه وثلاثا في هذه) قال البيهقي: هذا أصح ما في الاكتحال وفي حديث آخر أن الإيتار بالنسبة للعينين (ت) في اللباس (هـ) كلاهما (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه قال الترمذي في العلل: إنه سأل البخاري عنه فقال: هو حديث محفوظ اه. وقال [ص: 179] الصدر المناوي: فيه عباد بن منصور ضعفه الذهبي الحديث: 6860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 6861 - (كان له ملحفة) بكسر الميم الملاءة التي تلتحف بها المرأة (مصنوعة بالورس) بفتح فسكون نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به أو صنف من الكركم أو يشبهه وملحفة ورسية مصبوغة بالورس ويقال مورسة (والزعفران) معروف وزعفرت الثوب صبغته بزعفران فهو مزعفر بالفتح اسم مفعول (يدور بها على نسائه) بالنوبة (فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء) الظاهر أن القصد برشها التبريد لأن قطر الحجاز في غاية الحر ويحتمل أنها ترشها بماء ممزوج بنحو طيب كما يفعله النساء الآن وفيه حل لبس المزعفر والمورس ويعارضه بالنسبة للمزعفر حديث الشيخين نهى أن يتزعفر الرجل وبه أخذ الشافعي ولا فرق بين ما صبغ قبل النسج وبعده وأما المورس فذهب جمع من صحبه لحله تمسكا بهذا الخبر المؤيد مما صح أنه كان يصبغ ثيابه بالورس حتى عمامته لكن ألحقه جمع بالمزعفر في الحرمة (خط) في ترجمة نوح القومسي (عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن ليث قال الذهبي: لا يعرف مؤمل بن إسماعيل قال البخاري: منكر الحديث وعمارة بن زاذان ضعفه الدارقطني وغيره الحديث: 6861 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 6862 - (كان له مؤذنان) يعني بالمدينة يؤذنان في وقت واحد (بلال) مولى أبي بكر (و) عمرو بن قيس بن زائدة أو عبد الله بن زائدة وكنيته (ابن أم مكتوم) واسم أم مكتوم عاتكة مات بالقادسية شهيدا (الأعمى) لا يناقضه خبر البيهقي الصحيح عن عائشة أنه كان له ثلاثة مؤذنين والثالث أبو محذورة لأن الاثنين كانا يؤذنان بالمدينة وأبو محذورة بمكة قال أبو زرعة: وكان له رابع وهو سعد القرظ بقباء وأذن له زياد بن الحارث الصدائي لكنه لم يكن راتبا. قال ابن حجر: وروى الدارمي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا وفيه جواز نصب الأعمى للأذان وجواز الوصف بعيب للتعريف لا للتنقيص واتخاذ مؤذنين لمسجد واحد ونسبة الرجل لأمه (م عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 6862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 6863 - (كان لنعله قبالان) أي زمامان يجعلان بين أصابع الرجلين والقبال بكسر القاف الزمام الذي يكون بين الأصابع الوسطى والتي تليها يعني كان لكل نعل زمامان يدخل الإبهام والتي تليها في قبال والأصابع الأخرى في قبال آخر (ت عن أنس) ظاهر صنيعه أن الترمذي تفرد به عن الستة وهو غفول أو ذهول فقد خرجه سلطان الفن في صحيحه في باب قبالان في نعل عن أنس فسبحان الله نعم في الترمذي كان لنعله قبالان مثنى شراكهما فإن كان المصنف قصد عزو هذا إليه فسقط من القلم مثنى شراكهما لم يبعد أو أن النسخ التي وقفنا عليها وقع السقط فيها من الناسخ الحديث: 6863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 6864 - (كان من أضحك الناس) لا ينافيه خبر أنه كان لا يضحك إلا تبسما لأن التبسم كان أغلب أحواله فمن أخبر به أخبر عن أكثر أحواله ولم يعرج على ذلك لندوره أو كل راو روى بحسب ما شاهد فالاختلاف باختلاف المواطن والأزمان وقد يكون في ابتداء أمره كان يضحك حتى تبدو نواجذه وكان آخرا لا يضحك إلا تبسما (وأطيبهم نفسا) ومع ذلك لا يركن إلى الدنيا ولا يشغله شاغل عن ربه بل كان استغراقه في حب الله إلى حد بحيث يخاف في بعض [ص: 180] الأحيان أن يسري إلى قلبه فيحرقه وإلى قالبه فيهدمه فلذلك كان يضرب يده على فخذ عائشة أحيانا ويقول: كلميني ليشتغل بكلامها عن عظيم ما هو فيه لقصور طاقة قالبه عنه وكان طبعه الأنس بالله وكان أنسه بالخلق عارضا رفقا ببدنه. ذكره كله الغزالي (طب) وكذا في الأوسط (عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف الحديث: 6864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 6865 - (كان من أفكه الناس) أي من أمزحهم إذا خلا بنحو أهله والفكاهة المزاحة ورجل فكه ذكره الزمخشري وفي حديث عائشة إني لطخت وجه سودة بحريرة ولطخت سودة وجه عائشة فجعل يضحك. رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة وأبو يعلى بإسناده. قال الحافظ العراقي: جيد (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه الحسن بن سفيان في مسنده عنه أيضا والطبراني وزاد مع صبي والبزار وزاد مع نسائه. قال الحافظ العراقي: وفيه ابن لهيعة وقد تفرد به الحديث: 6865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 6866 - (كان مما يقول للخادم ألك حاجة؟) أي كان كثيرا ما يقول ذلك. قال عياض: عن ثابت قال: كأنه يقول هذا من شأنه ودأبه فجعل ما كناية عن ذلك وعن بعضهم: أن معنى ما هنا ربما وربما تأتي للتكثير اه. قال القرطبي: وهذا كلام جملي لم يحصل منه بيان تفصيلي فإن هذا الكلام من السهل جملة الممتنع تفصيلا وبيانه أن اسم كان مستتر فيها يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وخبرها في الجملة بعدها وذلك أن ما بمعنى الذي وهي مجرورة بمن وصلتها يقول والعائد محذوف والمحذوف خبر المبتدأ والتقدير كان من جملة القول الذي يقوله هذا القول ويجوز أن تكون مصدرية والتقدير كان النبي صلى الله عليه وسلم من جملة قوله ألك إلخ ومن الوجهين استفهام محلي قال: وأبعد ما قيل فيها قول من قال إن من بمعنى ربما إذ لا يساعده اللسان ولا يلتئم مع تكلفه الكلام اه. وقال ابن حجر: لا اتجاه لقول الكرماني في نحو ما موصول أطلق على من يعقل مجازا لتصريحهم بأن من إذا وقع بعدها ما كانت بمعنى ربما وهي تطلق على الكثير كالقليل وفي كلام سيبويه تصريح به في مواضع. قال ابن عربي: قد خص المصطفى صلى الله عليه وسلم برتبة الكمال في جميع أموره ومنها الكمال في العبودية فكان عبدا صرفا لم يقم بذاته ربانية على أحد وهي التي أوجبت له السيادة على كل أحد وهي الدليل على شرفه على الدوام (حم عن رجل) خادم له صلى الله عليه وسلم رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. ثم اعلم أن قول المصنف عن رجل من تصرفه والذي في مسند أحمد عن زياد بن أبي زياد مولى بني مخزوم عن خادم النبي صلى الله عليه وسلم رجل أو امرأة كذا قال فأبدله المصنف برجل فوهم بل لو لم يقل رجل أو امرأة كان قول المصنف رجل خطأ لأن الخادم يطلق على الذكر والأنثى كما صرح به غير واحد من أهل اللغة ثم إن هذا ليس هو الحديث بكماله بل له عند مخرجه أحمد تتمة ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يقول للخادم ألك حاجة؟ حتى كان ذات يوم قال: يا رسول الله حاجتي قال: وما حاجتك قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة قال: من دلك على هذا؟ قال: ربي عز وجل قال: أما لا بد فأعني بكثرة السجود قال الزين العراقي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 6866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 6867 - (كان له ناقة تسمى العضباء) بفتح فسكون والجدعاء ولم يكن بها عضب ولا جدع وإنما سميت بذلك وقيل كان بأذنها عضب وهي العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان خلاف والعضباء هي التي كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه [ص: 181] وغنم يوم بدر جملا مهريا لأبي جهل في أنفه برة من فضة فأهداها يوم الحديبية ليغيظ المشركين (وبغلته الشهباء وحماره يعفور) بمثناة تحتية وعين مهملة ساكنة وفاء مضمومة (وجاريته خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين (هق عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق فقيه إمام (عن أبيه) محمد (مرسلا) الحديث: 6867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 6868 - (كان وسادته) بكسر الواو مخدته (التي ينام عليها بالليل من أدم) بفتحتين جمع أدمة أو أديم وهو الجلد المدبوغ الأحمر أو الأسود أو مطلق الجلد (حشوها) بالفتح أي الوسادة وفي رواية حشوه أي الأدم باعتبار لفظه وإن كان معناه جمعا فالجملة صفة لأدم (ليف) هو ورق النخل وفيه إيذان بكمال زهده وإعراضه عن الدنيا ونعيمها وفاخر متاعها وحل اتخاذ الوسادة ونحوها من الفرش والنوم عليها وغير ذلك قالوا: لكن الأولى لمن غلبه الكسل والميل للدعة والترفه أن لا يبالغ في حشو الفراش لأنه سبب لكثرة النوم والغفلة والشغل عن مهمات الخيرات (حم د ت هـ عن عائشة) الحديث: 6868 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 6869 - (كان لا يأخذ بالقرف) بفتح القاف وسكون الراء وفاء أي بالتهمة ولفظ رواية أبي نعيم بالقرف أو القرص على الشكل والقارصة الكلمة المؤذية (ولا يقبل قول أحد على أحد) وقوفا مع العدل لأن ما يترتب عليه موقوف على ثبوته عنده بطريقة المعتبر (حل) من حديث قتيبة بن الدكين الباهلي عن الربيع بن صبيح عن ثابت (عن أنس) أنه قيل له إن ههنا رجلا يقع في الأنصار فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال: مخرجه أبو نعيم وحديث الربيع عن ثابت غريب لم نكتبه إلا من حديث قتيبة اه الحديث: 6869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 6870 - (كان لا يؤذن له في العيدين) فلا أذان يوم العيدين ولا إقامة ولا نداء في معناهما فلا ينافي ما ذهب إليه الشافعية من ندب: الصلاة جامعة والعيد من العود لتكرره كل عام أو لعود السرور فيه أو لكثرة عوائد الله أي أفضاله على عباده فيه أو لغير ذلك (م د ت عن جابر بن سمرة) الحديث: 6870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 6871 - (كان لا يأكل الثوم) بضم المثلثة أي النيء (ولا الكراث) بضم الكاف (ولا البصل) كذلك (من أجل أن الملائكة تأتيه وأنه يكلم جبريل) فكان يكره أكل ذلك خوفا من تأذي الملائكة به (حل خط) وكذا الدارقطني في غرائب مالك كلهم (عن أنس) ثم قال الخطيب: تفرد به محمد بن إسحاق البكري بهذا الإسناد وهو ضعيف ومحمد بن حميد بن سهيل أي أحد رجاله ضعيف وكان فيه تساهل شديد اه. وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن الجوزي الحديث: 6871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 6872 - (كان لا يأكل الجراد ولا الكلوتين ((1) ولا الضب (2) من غير أن يحرمها) (3) (ابن صصري في أماليه عن ابن عباس) (ض)   (1) بضم الكاف لقربهما من الفضلات (2) أي كان عليه السلام يعاف المذكورات من غير أن يحرمها وقد أكل الضب على مائدته (3) هذا الحديث لم يرد في شرح المتن الحديث: 6872 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 6873 - (كان لا يأكل متكئا) أي مائلا إلى أحد شقيه معتمدا عليه وحده لأن المراد الاعتماد على وطاء تحته مع [ص: 182] الاستواء كما وهم فقول البعض الاتكاء هنا لا ينحصر في الماء بل يشمل الأمرين متعقب بالرد وحكمة كراهة الأكل متكئا أنه فعل المتكبرين شوقا وشفقا بالطعام (ولا يطأ عقبه) لا يمشي خلفه (رجلان) ولا أكثر كما يفعل الملوك يتبعهم الناس كالخدم قال الزين العراقي: وروى ابن الضحاك في الشامل عن أنس بسند ضعيف كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى كما يفعل العبد وروى أبو الشيخ [ابن حبان] بسند جيد عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجثو على ركبتيه وكان لا يتكئ (د عن ابن عمرو) بن العاص رمز لحسنه الحديث: 6873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 6874 - (كان لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها: للشاة) أي لأجل قصة الشاة (التي أهديت له) وسم فيها يوم خيبر فأكلوا منها فمات بعض أصحابه وصار المصطفى صلى الله عليه وسلم يعاوده الأذى منها حتى توفاه الله إلى كرامته (طب) وكذا البزار (عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: رواه عن شيخه إبراهيم بن عبد الله الجرمي وثقه الإسماعيلي وضعفه الدارقطني وفيه من لم أعرفه وذكره في موضع آخر وقال: رجاله ثقات الحديث: 6874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 6875 - (كان لا يتطير) أي لا يسيء الظن بالله ولا يهرب من قضائه وقدره ولا يرى الأسباب مؤثرة في حصول المكروه كما كانت العرب تعتقده (ولكن) كان (يتفاءل) أي إذا سمع كلاما حسنا تيمن به تحسينا لظنه بربه قال في المصباح: الفأل بسكون الهمزة وتخفف أن يسمع كلاما حسنا يتيمن به وإن كان قبيحا فهو الطيرة وجعل أبو زيد الفأل في سماع الكلامين قال القرطبي: وإنما كان يعجبه الفأل لأنه تنشرح له النفس ويحسن الظن بالله وإنما يكره الطيرة لأنها من أعمال أهل الشرك وتجلب سوء الظن بالله (الحكيم) في النوادر (والبغوي) في المعجم (عن بريدة) بن الحصيب ورواه عنه أيضا قاسم بن أصبغ وسكت عليه عبد الحق مصححا له قال ابن القطان: وما مثله يصحح فإن فيه أوس بن عبد الله بن بريدة منكر الحديث وروى أبو داود عنه قوله كان لا يتطير قال: وإسناده صحيح الحديث: 6875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 6876 - (كان لا يتعار) أي ينتبه (من الليل إلا أجرى السواك على فيه) أي تسوك به وإن تعدد انتباهه فيسن ذلك لكل أحد (ابن نصر) في كتاب الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر ولا أحق بالعزو من ابن نصر وهو عجب فقد رواه هكذا أبو يعلى والطبراني في الكبير قال الهيثمي: وسنده ضعيف وفيه من لم يسم الحديث: 6876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 6877 - (كان لا يتوضأ بعد الغسل) يعني كان إذا توضأ قبله لا يأتي به ثانيا (حم ت ن هـ ك عن عائشة) الحديث: 6877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 6878 - (كان لا يتوضأ من موطئ) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الطاء مهموز ما يوطأ من الأذى في الطريق أي لا يعيد الوضوء للأذى إذا أصاب رجله والمراد الوضوء الشرعي وقيل اللغوي فيكون معناه لا يغسل رجله من نحو طين الشارع (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه أبو قيس محمد بن سعيد المصلوب ضعيف جدا الحديث: 6878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 6879 - (كان لا يجد من الدقل) بفتحتين رديء التمر ويابسه فضلا عن أفضل منه (ما يملأ بطنه) قال الزمخشري: الدقل تمر رديء لا يتلاصق فإذا نثر تفرق وانفردت كل تمرة عن أختها وهذا مسوق لما كان عليه من الإعراض عن الدنيا وعدم [ص: 183] الاهتمام بتحصيل ملاذها ونعيمها (طب عن النعمان بن بشير) ورواه عنه الحاكم وزاد في آخره وهو جائع وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 6879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 6880 - (كان لا يجيز على شهادة الإفطار) أي من رمضان (إلا رجلين) فلا يثبت هلال شوال إلا بشهادة رجلين وكان يكتفي في ثبوت هلال رمضان بشهادة واحد احتياطا فيهما وهذا هو المفتى به عند الشافعية (هق عن ابن عباس وابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال ابن حجر: فيه حفص بن عمر الأيلي ضعيف انتهى ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه عنده حفص هذا وهو ضعيف جدا ورواه الدارقطني بالفظ المذكور ثم قال: تفرد به حفص بن عمر الأيلي أبو إسماعيل وهو ضعيف الحديث وبه عرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 6880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 6881 - (كان لا يحدث حديثا) وفي رواية بحديث (إلا تبسم) أي ضحك قليلا بلا صوت. قال في المصباح: التبسم الضحك من غير صوت قال بعضهم: جعله من الضحك مجازا إذ هو مبدأه فهي بمنزلة السنة من النوم قال في الكشاف: وكذلك ضحك الأنبياء لم يكن إلا تبسما انتهى فبين بذلك أنه ليس من خصوصياته (حم عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وليس بمسلم فقد قال الهيثمي: فيه حبيب بن عمرو قال الدارقطني: مجهول الحديث: 6881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 6882 - (كان لا يخرج) لصلاة العيد (يوم الفطر) أي يوم عيده (حتى يطعم) بفتح الياء والعين (ولا يطعم يوم النحر) وفي رواية يوم الأضحى (حتى يذبح) لفظ رواية الحاكم حتى يرجع وزاد الدارقطني وأحمد فيأكل من الأضحية وفي رواية فيأكل من نسيكته فيسن الأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر وتركه في الأضحى ليتميز اليومان عما قبلهما إذ ما قبل يوم الفطر يحرم فيه الأكل بخلاف ما قبل يوم النحر وليعلم نسخ تحريم الفطر قبل صلاته فإنه كان محرما قبلها أول الإسلام بخلاف ما قبل صلاة النحر أو ليوافق الفقراء في الحالين لأن الظاهر أنه لا شيء لهم إلا من الصدقة وهي سنة في الفطر قبل الصلاة وفي النحر إنما تكون بعدها ويكره ترك ذلك كما في المجموع عن النص (حم ت هـ ك) عن أبي عاصم عن ثواب بن عبيد الله عن أبي بريدة عن أبيه بريدة. قال الحاكم: صحيح وثواب لم يجرح بما يسقطه وقال الترمذي: غريب وثواب قال محمد يعني البخاري: ما أعرف له غير هذا الحديث وأنكر أبو زرعة وأبو حاتم توثيقه الحديث: 6882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 6883 - (كان لا يدخر شيئا) أي لا يجعل شيئا ذخيرة لسماحة نفسه وفيض كفه ومزيد ثقته بربه (لغد) أي ملكا بل تمليكا ولا ينافيه أنه ادخر قوت سنة لعياله فإنه كان خازنا قاسما فلما وقع المال بيده قسم لعياله مثل ما قسم لغيرهم فإن لهم حقا فيما أفاء الله به على المسلمين وهم لا تطمئن نفوسهم إلا بإحرازه عندهم فلم يكلفهن ما ليس في وسعهن على أنه وإن ادخر فليس هو وبقية الأنبياء مثل غيرهم فإن شهوتهم قد ماتت ونفوسهم قد اطمأنت والمحذور الذي لأجله منع الادخار وهو الاتكال على ما في الجراب وعدم التعرض لفيض الوهاب مفقود في أولئك لإشراق قلوبهم بالمعارف النورانية واشتغال حواسهم بالخدم السبحانية فهم في شغل عما أحرزوا وقد ارتفعت فكرهم عن شأن الأرزاق وتعلقت قلوبهم بخالقها فقالوا حسبنا الله (ت) في الزهد من حديث قطن بن بشير عن جعفر بن سليمان عن ثابت (عن أنس) قال ابن عدي: كان قطن يسرق الحديث وهذا يعرف بسرقة قطن قال الذهبي: هذا ظن وتوهم وإلا فقطن مكثر عن جعفر انتهى. وقال المناوي: سند الحديث جيد الحديث: 6883 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 [ص: 184] 6884 - (كان لا يدع أربعا) من الركعات أي صلاتهن (قبل الظهر) أي لا يترك صلاة أربع ركعات قبله يعني غالبا ولا ينافيه قوله في رواية ركعتين لأنه كان يصلي تارة أربعا وتارة ركعتين (وركعتين قبل الغداة) أي الصبح وكان يقول: إنهما خير من الدنيا وما فيها (خ د عن عائشة) الحديث: 6884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 6885 - (كان لا يدع قيام الليل) يعني التهجد فيه (وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا) ومع ذلك فصلاته قاعدا كصلاته قائما في مقدار الأجر بخلاف غيره فإن صلاته قاعدا على النصف من صلاة القائم (د ك عن عائشة) الحديث: 6885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 6886 - (كان لا يدع ركعتي الفجر) أي صلاة سنة الصبح (في السفر ولا في الحضر ولا في الصحة ولا في السقم) بفتحتين المرض أو الطويل فيه إشعار بأنهما أفضل الرواتب وهذا مذهب الشافعية بل قال الحسن البصري بوجوبهما لكن منع بخبر هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع (خط عن عائشة) وفيه عبد الله بن رجاء قال الذهبي عن الفلاس: صدوق كثير الغلط والتصحيف وعمران القطان قال الذهبي: ضعفه أحمد والنسائي وقابوس بن أبي ظبيان أورده الذهبي في الضعفاء أيضا وقال النسائي وغيره: غير قوي الحديث: 6886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 6887 - (كان لا يدع صوم أيام البيض) أي أيام الليالي البيض الثالث عشر وتالياه وهو على حذف مضاف أي أيام الليل البيض سميت بيضا لأن القمر أولها إلى آخرها (في سفر ولا حضر) أي كان يلازم صومها فيهما (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه الحديث: 6887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 6888 - (كان لا يدفع عنه الناس ولا يضربون عنه) ببناء يدفع ويضرب للمفعول وذلك لشدة تواضعه وبراءته من الكبر والتعاظم الذي هو من شأن الملوك وأتباعهم قال ابن القاضي: وفيه أن أصحاب المقارع بين يدي الحكام والأمراء محدثة مكروهة كما ورد في خبر رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم على ناقته لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وأخذ منه أن المفتي أو المدرس ينبغي له أن لا يتخذ نقيبا جافيا غليظا بل فطنا كيسا دربا يرتب الحاضرين على قدر منازلهم وينهى عن ترك ما ينبغي فعله أو فعل ما ينبغي تركه ويأمر بالإنصات للدرس وعلى العالم سماع السؤال من مورده على وجهه ولو صغيرا (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 6889 - (كان لا يراجع بعد ثلاث) أي غالبا أو من أكابر أصحابه وخاصته وإلا فقد ورد أن جماعة من المؤلفة قلوبهم أكثروا سؤاله حتى غضب فعاملهم بما يليق بعلي شأنه من الحلم والاحتمال وإكثار مراجعته ومغاضبته لا توجب سفك دم إلا أن يصدر ذلك عن كفر أو عناد كذا في المطامح. وأخذ منه أن المفتي أو المدرس إذا أجاب بجواب لا يراجع فيه بعد ثلاث فإن روجع فوقها فينبغي له زجره كما يزجر من تعدى في بحثه أو ظهر منه فيه لدد أو سوء أدب أو صياح بلا فائدة أو ترك إنصاف بعد ظهور الحق أو إساءة أدب على غيره أو ترفع في المجلس على من هو أحق به أو تحدث مع غيره أو ضحك أو استهزاء أو فعل شيء مما يخل بأدب الطلب مما هو معروف عند ذوي الرتب (ابن قانع) في معجم [ص: 185] الصحابة (عن زياد بن سعد) السلمي قال: حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وكان لا يراجع إلخ قال ابن الأثير: كذا جعله ابن قانع من الصحابة والمشهور بالصحبة أبوه وجده ذكره الأندلسي اه ورواه أحمد ابن أبي حدرد وجابر في حديث طويل قال الحافظ العراقي: وإسناده حسن اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 6889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 6890 - (كان لا يرد الطيب) لنه كما في خبر مسلم خفيف المحمل طيب الريح ولا منة في قبوله ومن العلة أخذ أن المراد بالطيب الريحان بل نص خبر مسلم من عرض عليه ريحان إلخ ووجهه أنه هو الذي يتسامح به وتخف مؤونته بخلاف نحو مسك وعنبر وغالية كما نبه عليه ابن القيم <تنبيه> قول ابن بطال إنما كان لا يرد الطيب لأنه ملازم للملائكة نوزع بأن مفهومه أنه من خصائصه وليس كذلك ومن محاسن الطيب أنه مقو للدماغ محرك لشهوة الجماع (حم خ) في الهبة (ت) في الاستئذان (ن) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه مسلم بهذا اللفظ لكن بمعناه الحديث: 6890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 6891 - (كان لا يرقد) أي ينام (من ليل ولا نهار) من لابتداء الغاية أو زائدة قال ابن العراقي: والأقرب أنها ظرفية بمعنى في كما في {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} (فيستيقظ) بالرفع عطف على يرقد وليس جوابا للنفي إنما جوابه قوله (إلا تسوك) قد تجاذب السواك ترتيبه على الاستيقاظ من النوم وفعله قبل الوضوء فاحتمل أن سببه النوم وأن سببه الوضوء وأن كلا منهما جزء علة والعلة المجموع. قال ابن العراقي: الأول أقرب لكونه رتبه عليه وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجيه أبي داود وابن أبي شيبة قبل أن يتوضأ هكذا هو ثابت في روايتيهما فأسقطه المؤلف ذهولا قال العراقي: وقوله قبل أن يتوضأ صادق مع كونه قبله بزمن كثير فلا يدل ذلك على أنه من سننه لأن السواك المشروع في الوضوء داخل في مسماه بناء على الأصح أنه من سننه فإذا دل دليل خارجي على ندب السواك للوضوء دل على أن هذا السواك غير مشروع في الوضوء لكن المشرع فيه داخل في قوله قبل أن يتوضأ فلو كان هو المشروع في الوضوء لزم التكرار (ش د) وكذا الطبراني في الأوسط (عن عائشة) قال النووي في شرح أبي داود: في إسناده ضعف وقال المنذري: فيه علي بن زيد بن جدعان ولا يحتج به وقال العراقي: فيه أيضا أم محمد الراوية عن عائشة وهي امرأة زيد بن جدعان واسمها أمية أو أمينة وهي مجهولة عينا وحالا تفرد عنها ابن زوجها علي الحديث: 6891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 7892 - (كان لا يركع بعد الفرض) أي لا يصلي نفلا بعده فإطلاق الركوع على الصلاة كلها من قبيل إطلاق البعض وإرادة الكل (في موضع يصلي فيه الفرض) بل ينتقل إلى موضع آخر ويتحول من المسجد إلى بيته ومن ثم اتفقوا على ندب ذلك (قط في الأفراد عن ابن عمر) ابن الخطاب الحديث: 7892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 6893 - (كان لا يسأل) بالبناء للمفعول (شيئا إلا أعطاه) للسائل إن كان عنده (أو سكت) إن لم يكن عنده كما بينه هكذا في رواية أخرى وفيه أنه يسن لمن طلبت منه حاجة لا يمكنه أن يقضيها أن يسكت سكوتا يفهم منه السائل ذلك ولا يخجله بالمنع إلا إذا لم يفهم إلا بالتصريح (ك عن أنس) وفي الصحيحين ما يشهد له ورواه الطيالسي والدارمي هكذا من حديث سهل الحديث: 6893 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 6894 - (كان لا يستلم إلا الحجر) الأسود (والركن اليماني) فلا يسن استلام غيرهما من البيت ولا تقبيله اتفاقا لهذا الحديث وغيره فإن فعل فحسن لكنا نؤمر بالاتباع والاستلام لمس الحجر والركن باليد على نية البيعة كما قاله الصوفية (ت عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته الحديث: 6894 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 [ص: 186] 6895 - (كان لا يصافح النساء) الأجانب (في البيعة) أي لا يضع كفه في كف الواحدة منهن بل يبايعها بالكلام فقط قال الحافظ العراقي: هذا هو المعروف وزعم أنه كان يصافحهن بحائل لم يصح وإذا كان هو لم يفعل ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة عنه فغيره أولى بذلك قال العراقي: والظاهر أنه كان يمتنع منه لتحريمه عليه فإنه لم يعد جوازه من خصائصه خاصة وقد قالوا: يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها (حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: إسناده حسن اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 6895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 6896 - (كان لا يصلي المغرب) إذا كان صائما (حتى يفطر) على شيء (ولو على شربة ماء) بالإضافة لكنه كان إن وجد الرطب قدمه وإلا فالتمر وإلا فحلو فإن لم يتسير فالماء كاف في حصول السنة (ك) في الصوم (هب) كلاهما (عن أنس) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 6896 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 6897 - (كان لا يصلي قبل العيد) أي قبل صلاته (شيئا) من النفل في المصلى (فإذا) صلى العيد و (رجع إلى منزله صلى ركعتين) أخذ منه الحنفية أنه لا ينتفل في المصلى خاصة قبل صلاة العيد أي يكره ذلك وقيل فيه وفي غيره وهو الظاهر لأنه نفي مطلق (هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وهو في ذلك تابع لابن حجر حيث قال في تخريج الهداية: إسناده حسن لكن قال غيره: فيه الهيثم بن جميل أورده الذهبي في الضعفاء وقال: حافظ له مناكير وعبد الله بن محمد بن عقيل أورده فيهم أيضا وقال: كان أحمد وابن راهويه يحتجان به الحديث: 6897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 6898 - (كان لا يصلي الركعتين بعد الجمعة ولا الركعتين بعد المغرب إلا في أهله) يعني في بيته ورواية الشيخين كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته قال الطيبي: قوله فيصلي عطف من حيث الجملة لا التشريك على ينصرف أي لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فإذا انصرف يصلي ركعتين ولا يستقيم أن يكون منصوبا عطفا عليه لما يلزم منه أنه يصلي بعد الركعتين الصلاة (الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه الحديث: 6898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 6899 - (كان لا يصيبه قرحة) بالضم والفتح (ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء) لما مر أنها قابضة يابسة تبرد فهي في غاية المناسبة للقروح والجروح وهذا من طبه الحسن (هـ عن سلمى) هذا الاسم المسمى به في الصحب كثير فكان اللائق تمييزه الحديث: 6899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 6900 - (كان لا يضحك إلا تبسما) من قبيل إطلاق اسم الشيء على ابتدائه والأخذ فيه قال في الشكاف في قوله تعالى {فتبسم ضاحكا} : أي شارعا في الضحك وأخذ فيه يعني أنه يجاوز حد التبسم إلى الضحك وكذلك ضحك الأنبياء وأطلق النفي مع ثبوت أنه ضحك حتى بدت نواجذه إلحاقا للقليل بالعدم أو مبالغة أو أراد أغلب أحواله لرواية جل ضحكه التبسم (حم ت ك) في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الحجاج بن أرطأة عن سماك (عن جابر بن سمرة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: حجاج لين الحديث الحديث: 6900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 [ص: 187] 6901 - (كان لا يطرق أهله ليلا) أي لا يقدم عليهم من سفر ولا غيره في الليل على غفلة فيكره ذلك لأن القادم إما أن يجد أهله على غير أهبة من نحو تنظف أو يجدهم بحالة غير مرضية وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين وكان يأتيهم غدوة أو عشية (حم ق ن عن أنس) بن مالك الحديث: 6901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 6902 - (كان لا يطيل الموعظة) في الخطبة يوم (الجمعة) لئلا يمل السامعون وتمامه عند أبي داود والحاكم إنما هن كلمات يسيرات فحذف المصنف لذلك كأنه لذهول والوعظ الأمر بالطاعة والوصية بها والاسم الموعظة وفيه أنه يسن عدم تطويل الخطبة (د ك) في الجمعة (عن جابر بن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح وأورده شاهدا لخبر عمار أمرنا بإقصار الخطبة الحديث: 6902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 6903 - (كان لا يعرف) لفظ رواية الحاكم لا يعلم (فصل السورة) أي انقضاءها وفي رواية السورتين وفي رواية السورة (حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم) زاد ابن حبان فإذا نزلت علم أن السورة قد انقضت ونزلت أخرى وفيه حجة لمن ذهب إلى أنها آية من كل سورة وزعم أنه ليس كل منزل قرآنا رده الغزالي بأنه عز منصف لا يستبرد هذا التأويل وقد اعترف المؤول بان البسملة كتبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل السور وأنها منزلة وهذا يفهم منه كل أحد أنها قرآن فترك بيان أنها ليست قرآن دليل قاطع أو كالقاطع أنها قرآن فإن قيل قوله لا يعرف فصل السورة دليل على أنها للفصل قلنا موضع الدلالة قوله حتى تنزل فأخبر بنزولها وهذه صفة القرآن وتقديره لا يعرف الشروع في سورة أخرى إلا بالبسملة فإنها لا تنزل إلا في السورة قال الغزالي: بيان أن البسملة غير قطعية بل ظنية فإن الدلالة وإن كانت متعارضة فجانب الشافعي فيها أرجح وأغلب (د عن ابن عباس) ورواه الحاكم أيضا وصححه قال الذهبي: أما هذا فثابت وقال الهيثمي: رواه عنه أيضا البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح اه. ومن ثم اتجه رمز المصنف لصحته الحديث: 6903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 6904 - (كان لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث) من الأيام تمضي من ابتداء مرضه قيل ومثل العيادة تعهده وتفقد أحواله قال الزركشي: وهذا يعارضه أنه عاد زيد بن أرقم من رمد به قبلها قال في شرح الإلمام: وقع لبعض العوام بأن الأرمد لا يعاد وقد خرج أبو داود أنه عاد زيد بن أرقم من وجع كان في عينيه ورجاله ثقات وقال المنذري: حديث حسن وذكر بعضهم عيادة المغمى عليه وقال: فيه رد لما يعتقده عامة الناس أنه لا يجوز عيادة من مرض بعينيه وزعموا ذلك لأنهم يرون في بيته ما يراه هو قال: وحالة الإغماء أشد من حالة مرض العين وقد جلس المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت جابر في حالة إغمائه حتى أفاق وهو الحجة (هـ عن أنس) بن مالك قال في الميزان: قال أبو حاتم: هذا باطل موضوع اه. وقال الزركشي في اللآلئ: فيه سلمة بن علي متروك قال: وأخرجه البيهقي في الشعب وقال: إنه منكر وقال ابن حجر: هذا ضعيف انفرد به سلمة بن علي وهو متروك وقد سئل عنه أبو حاتم فقال: حديث باطل قال: لكن له شاهد ربما أورثه بعض قوة وهو خبر لا يعاد المريض إلا بعد ثلاث وفيه راو متروك ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه الحديث: 6904 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 [ص: 188] 6905 - (كان لا يغدو يوم) عيد (الفطر) أي لا يذهب إلى صلاة عيد الفطر (حتى يأكل) في منزله (سبع تمرات) ليعلم نسخ تحريم الفطر قبل صلاته فإنه كان محرما قبلها أول الإسلام وخص التمر لما في الحلو من تقوية النظر الذي يضعفه الصوم ويرق القلب ومن ثم قالوا: يندب التمر فإن لم يتيسر فحلو آخر والشرب كالأكل فإن لم يفطر قبل خروجه سن في طريقه أو المصلى إن أمكنه ويكره تركه نص عليه إمامنا في الأم وخص السبع لأنه كان يحب الوتر في جميع أموره استشعارا للوحدانية (طب عن جابر بن سمرة) رمز المصنف لحسنه وقد رواه بمعناه البخاري ولفظه كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا اه. لكنه علق الجملة الثانية الحديث: 6905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 6906 - (كان لا يفارقه في الحضر ولا في السفر خمس) من الآلات (المرآة) بكسر الميم والمد (والمكحلة) بضم الميم وعاء الكحل (والمشط) الذي يمتشط أي يسرح به وهو بضم الميم عند الأكثر وتميم تكسرها قال في المصباح: وهو القياس قيل وكان من عاج وهو الدبل (والسواك والمدري) شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر الملبد وفي ضمنه إشعار بأنه كان يتعهد نفسه بالترجيل وغيره مما ذلك آلة له وذلك من سننه المؤكدة لكنه لا يفعل ذلك كل يوم بل نهى عنه ولا يلزم من كون المشط لا يفارقه أن يمتشط كل يوم فكان يستصحبه معه في السفر ليمتشط به عند الحاجة ذكره الولي العراقي (عق عن عائشة) وفيه يعقوب بن الوليد الأزدي قال في الميزان: كذبه أبو حاتم ويحيى وحرق أحمد حديثه وقال: كان من الكذابين الكبار يضع الحديث ورواه أيضا ابن طاهر في كتاب صفة التصوف من حديث أبي سعيد ورواه الخرائطي من حديث أم سعد الأنصارية قال الحافظ العراقي: وسندهما ضعيف وقال في موضع آخر: طرقه كلها ضعيفة وأعله ابن الجوزي من جميع طرقه وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 6906 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 6907 - (كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث) أي لا يقرأه كاملا في أقل من ثلاثة أيام لأنها أقل مدة يمكن فيها تدبره وترتيله كما مر تقريره غير مرة (ابن سعد) في طبقاته (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 6907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 6908 - (كان لا يقعد في بيت مظلم حتى يضاء له بالسراج) لكنه يطفئه عند النوم وفي خبر رواه الطبراني عن جابر أنه كان يكره السراج عند الصبح (ابن سعد) في الطبقات وكذا البزار وكان ينبغي للمصنف عدم إغفاله (عن عائشة) وفيه جابر الجعفي عن أبي محمد قال في الميزان: قال ابن حبان: وجابر قد تبرأنا من عهدته وأبو محمد لا يجوز الاحتجاج به الحديث: 6908 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 6909 - (كان لا يقوم من مجلس) أي لا يفارقه (إلا قال سبحانك اللهم ربي) وفي رواية ربنا (وبحمدك) أي وبحمدك سبحتك (لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) وقال (لا يقولهن أحد حيث يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه [ص: 189] في ذلك المجلس) وجاء في رواية أنه كان يقول ذلك ثلاثا قال الحليمي: كان يكثر أن يقول ذلك بعد نزول سورة الفتح الصغرى عليه وذلك لأن نفسه نعيت إليه بها فينبغي لكل من ظن أنه لا يعيش مثل ما عاش أو قام من مجلس فظن أنه لا يعود إليه أن يستعمل هذا الذكر. إلى هنا كلامه وقال الطيبي: فيه ندب الذكر المذكور عند القيام وأنه لا يقوم حتى يقوله إلا لعذر قال عياض: وكان السلف يواظبون عليه ويسمى ذلك كفارة المجلس (ك عن عائشة) الحديث: 6909 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 6910 - (كان لا يكاد يدع أحدا من أهله) أي عياله وحشمه وخدمه (في يوم عيد) أصغر أو أكبر (إلا أخرجه) معه إلى الصحراء ليشهد صلاة العيد وفيه ترغيب في حضور الصلاة ومجالس الذكر والوعظ ومقاربة الصلحاء لينال بركتهم إلا أن في خروج النساء الآن ما لا يخفى من الفساد الذي خلا عنه زمن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولهذا قال الطيبي: هذا للنساء غير مندوب في زمننا لظهور الفساد (ابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 6910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 6911 - (كان لا يكاد يسأل شيئا) أي من متاع الدنيا (إلا فعله) أي جاد به على طالبه لما طبع عليه من الجود فإن لم يكن عنده شيء وعد أو سكت ولا يصرح بالرد كما سبق (طب عن طلحة) وهو في الصحيحين بمعناه من حديث جابر بلفظ ما سئل شيئا قط فقال لا الحديث: 6911 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 6912 - (كان لا يكاد يقول لشيء لا) أي لا أعطيه أو لا أفعل (فإذا هو سئل فأراد أن يفعل) المسؤول فيه (قال نعم وإذا لم يرد أن يفعل سكت) ولا يصرح بالرد لما مر (ابن سعد في) طبقاته (عن محمد) بن علي بن أبي طالب أبي القاسم (بن الحنفية) المدني ثقة عالم والحنفية أمه (مرسلا) وفي مسند الطيالسي والدارمي من حديث سهل بن سعد كان لا يسأل شيئا إلا أعطاه الحديث: 6912 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 6913 - (كان لا يكل طهوره) بفتح الطاء (إلى أحد) من خدمه بل يتولاه بنفسه لأن غيره قد يتهاون ويتساهل في ماء الطهر فيحضر له غير طهور هكذا قرره شارح لكن يظهر أن المراد بذلك الاستعانة في غسل الأعضاء فإنها مكروهة حيث لا عذر أما الاستعانة في الصب فخلاف الأولى وفي إحضار الماء لا بأس بها (ولا) يكل (صدقته التي يتصدق بها) إلى أحد بل (يكون هو الذي يتولاها بنفسه) لأن غيره قد يغل الصدقة أو يضعها في غير موضعها اللائق بها لأنه أقرب إلى التواضع ومحاسن الأخلاق وهذا في مباشرة التطهر بنفسه (هـ عن ابن عباس) وأعله الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه بأن فيه علقمة بن أبي جمرة مجهول ومطهر بن الهيثم متروك وأطال في بيانه الحديث: 6913 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 6914 - (كان لا يكون في المصلين إلا كان أكثرهم صلاة ولا يكون في الذاكرين إلا كان أكثرهم ذكرا) كيف وهو [ص: 190] أعلم الناس بالله وأعرفهم به ولهذا قام في الصلاة حتى تورمت قدماه فقيل له: أتتكلف ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: أفلا أكون عبدا شكورا. وأخرج الترمذي وغيره عن ابن عباس قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء قيل: وما هممت به قال: هممت أن أقعد وأدعه (أبو نعيم في أماليه) الحديثية (خط وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن ابن مسعود) الحديث: 6914 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 6915 - (كان لا يلتفت وراءه إذا مشى وكان ربما تعلق رداءه بالشجرة فلا يلتفت) لتخليصه بل كان كالخائف الوجل بحيث لا يستطيع أن ينظر في عطفيه ومن ثم كان لا يأكل متكئا ولا يطأ عقبه رجلان. قال سهل: من أراد خفق النعال خلفه فقد أراد الدنيا بحذافيرها وكان حقيقة أمره أعطوني دنياكم وخذوا ديني. وقال ذو النون وسئل عن الآفة التي يخدع بها المريد عن الله قال: يريه الألطاف والكرامات والآيات قيل: ففيم يخدع قبل وصوله إلى هذه الدرجة قال: بوطء الأعقاب والتوقير (حتى يرفعوه عليه) وزاد الطبراني في روايته عن جابر لأنهم كانوا يمزجون ويضحكون وكانوا قد أمنوا التفاته صلى الله عليه وسلم (ابن سعد) في طبقاته (والحكيم) في نوادره (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 6915 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 6916 - (كان لا يلهيه عن صلاة المغرب طعام ولا غيره) الظاهر أن ذلك كان في غير الصوم أما فيه فقد مر أنه كان يقدم الإفطار على صلاتها (قط) من حديث جعفر بن محمد عن أبيه (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه الحديث: 6916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 6917 - (كان لا يمنع شيئا يسأله) وإن كثر وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر قال ابن القيم: وكان فرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما أخذه (حم عن أبي أسيد الساعدي) بضم أوله مالك بن ربيعة رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن أبي بكر لم يسمع من أبي أسيد أي ففيه انقطاع الحديث: 6917 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 6918 - (كان لا ينام حتى يستن) من الاستنان وهو تنظيف الأسنان بدلكها بالسواك (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه أيضا أبو نعيم في المعرفة بلفظ ما نام ليلة حتى يستن الحديث: 6918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 6919 - (كان لا ينام إلا والسواك عند رأسه) لشدة حرصه عليه (فإذا استيقظ بدأ بالسواك) أي عقب انتباهه فيندب ذلك (حم ومحمد بن نصر) في كتاب الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ الهيثمي: سنده ضعيف وفي بعض طرقه من لم يسم وفي بعضها حسام الحديث: 6919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 6920 - (كان لا ينام حتى يقرأ) سورة (بني إسرائيل) وسورة (الزمر) قال الطيبي: حتى غاية للإينام ويحتمل كون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى يقرأ وكونه لا ينام مطلقا حتى يقرأ يعني لم يكن عادته النوم قبل قراءتهما فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان ولو قيل كان يقرؤهما بالليل لم يفد ذلك (حم ت ك عن عائشة) وقال [ص: 191] الترمذي: حسن غريب الحديث: 6920 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 6921 - (كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك) فيه التقرير المذكور فيما قبله (حم ت) في فضائل القرآن (ن) في اليوم والليلة (ك) في التفسير كلهم عن جابر بن عبد الله قال الحاكم: على شرطهما وقال البغوي: غريب وقال الصدر المناوي: فيه اضطراب الحديث: 6921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 6922 - (كان لا ينبعث في الضحك) أي لا يسترسل فيه بل إن وقع منه ضحك على ندور رجع إلى الوقار فإنه كان متواصل الأحزان لا ينفك الحزن عنه أبدا ولهذا روى البخاري أنه ما رؤي مستجمعا ضاحكا قط (طب عن جابر بن سمرة) رمز لحسنه الحديث: 6922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 6923 - (كان لا ينزل منزلا) من منازل السفر ونحوه (إلا ودعه بركعتين) أي بصلاة ركعتين عند إرادته الرحيل منه فيندب ذلك وأخذ منه السمهودي ندب توديع المسجد الشريف النبوي بركعتين عند إرادة الرحيل منه (ك) في صلاة التطوع وغيرها من حديث عبد السلام بن هاشم عن عثمان بن سعد (عن أنس) بن مالك وقال: صحيح ورده الذهبي بقول أبي حفص الفلاس: عبد السلام هذا لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه وقال فيه مرة عند قول الحاكم صحيح: لا وإن عبد السلام كذبه الفلاس وعثمان لين اه. وقال ابن حجر: حسن غريب وقول الحاكم صحيح غلطوه فيه الحديث: 6923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 6924 - (كان لا ينفخ في طعام ولا شراب) فإن كان النفخ لحرارة صبر حتى يبرد أو لأجل قذاة أبصرها فليمطها بنحو أصبع أو عود فلا حاجة للنفخ (و) كان (لا يتنفس في الإناء) أي لا يتنفس في جوف الإناء لأنه يغير الماء إما لتغير الفم بالمأكول وإما لترك السواك وإما لأن النفس يصعد ببخار المعدة (هـ عن ابن عباس) ورواه عنه الطبراني أيضا رمز لحسنه الحديث: 6924 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 6925 - (كان لا يواجه) أي لا يقرب من أن يقابل والمواجهة بالكلام المقابلة به لمن حضر (أحدا في وجهه) يعني لا يشافهه (بشيء يكرهه) لأن مواجهته ربما تفضي إلى الكفر لأن من يكره أمره يأبى امتثاله عنادا أو رغبة عنه يكفر وفيه مخافة نزول العذاب والبلاء إذا وقع قد يعم ففي ترك المواجهة مصلحة وقد كان واسع الصدر جدا عزير الحياء ومنه أخذ بعض أكابر السلف أنه ينبغي إذا أراد أن ينصح أخا له يكتبه في لوح ويناوله له كما في الشعب وفي الإحياء أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد لشدة ما يعتريه من الحياء فينبغي للرجل أن لا يذكر لصاحبه ما يثقل عليه ويمسك عن ذكر أهله وأقاربه ولا يسمعه قدح غيره فيه وكثير يتقرب لصاحبه بذلك وهو خطأ ينشأ عنه مفاسد ولو فرض فيه مصالح فلا توازي مفاسده ودرؤها أولى نعم ينبهه بلطف على ما يقال فيه أو يراد به ليحذر (حم خد د ن) في اليوم والليلة وكذا الترمذي في الشمائل كلهم (عن أنس) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه لهؤلاء جميعا: وسنده ضعيف اه. وسببه أن رجلا دخل وبه أثر صفرة فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه؟ رمز المصنف لحسنه الحديث: 6925 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 [ص: 192] 6926 - (كان لا يولي واليا حتى يعممه) بيده الشريفة أي يدير العمامة على رأسه (ويرخي لها عذبة من جانب الأيمن نحو الأذن) إشارة إلى من ولى منا من أمر الناس شيئا ينبغي أن يراعي من تجمل الظاهر ما يوجب تحسين صورته في أعينهم حتى لا ينفروا عنه وتزدريه نفوسهم وفيه ندب العذبة وعدها المصنف من خصوصيات هذه الأمة (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي تبعا لشيخه الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه جميع بن ثوب وهو ضعيف الحديث: 6926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 6927 - (كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم) تلطفا وإيناسا لهم (ويعود مرضاهم) ويدنو من المريض ويجلس عند رأسه ويسأله كيف حاله (ويشهد جنائزهم) أي يحضرها للصلاة عليها. هبها لشريف أو وضيع فيتأكد لأمته التأسي به وآثر قوم العزلة ففاتهم بها خيور كثيرة وإن حصل لهم بها خير كثير (ع طب ك عن سهل بن حنيف) الحديث: 6927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 6928 - (كان يؤتى بالتمر) ليأكله و (فيه دود فيفتشه يخرج السوس منه) ثم يأكله فأكل التمر بعد تنظيفه من نحو الدود غير منهي عنه ولا يعارضه الحديث الآتي نهى أن يفتح التمر لأنه تمر لا دود فيه وجوز الشافعية أكل دود نحو الفاكهة معها حيا وميتا إن عسر تمييزه ولا يجب غسل الفم منه وظاهر هذا الحديث أن السوس يطلق عليه اسم الدود وعكسه (د عن أنس) الحديث: 6928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 6929 - (كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم) أي يدعو لهم بالبركة ويقرأ عليهم الدعاء بالبركة ذكره القاضي. وقيل يقول بارك الله عليكم (ويحنكهم) بنحو تمر من تمر المدينة المشهود له بالبركة ومزيد الفضل (ويدعو لهم) بالإمداد والإسعاد والهداية إلى طرق الرشاد. وقال الزمخشري: بارك الله فيه وبارك له وعليه وباركه وبرك على الطعام وبرك فيه إذا دعا له بالبركة. قال الطيبي: وبارك عليه أبلغ فإن فيه تصويب البركات وإفاضتها من السماء وفيه ندب التحنيك وكون المحنك ممن يتبرك به (ق د عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن كلا منهم روى اللفظ المزبور بتمامه والأمر بخلافه فالبخاري إنما رواه بدون ويحنكهم الحديث: 6929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 6930 - (كان) إذا أكل رطبا وبطيخا معا (يأخذ الرطب بيمينه) أي بيده اليمنى (والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ) ليكسر حر هذا برد هذا وعكسه (وكان) أي البطيخ (أحب الفاكهة إليه) فيه جواز الأكل باليدين جميعا. قال الزين العراقي: ويشهد له ما رواه أحمد عن أبي جعفر قال آخر: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه رطبات وفي الأخرى قثاء يأكل بعضا من هذه وبعضا من هذه قال أعني الزين العراقي: ولا يلزم من هذا الحديث لو ثبت أكله بشماله فلعله كان يأكل بيده اليمنى من الشمال رطبة رطبة فيأكلها مع ما في يمينه فلا مانع من ذلك قال الحافظ: وأما أكله البطيخ بالسكر الذي ذكره الغزالي فلم أر له أصلا إلا في خبر معضل مضعف رواه التوقاني وأكله بالخبز لا أصل له [ص: 193] بل إنما ورد أكل العنب بالخبز في خبر رواه ابن عدي بسند ضعيف عن عائشة وفيه حل أكل شيئين فأكثر معا ومنه جمعه بين زبد ولبن وتمر (طس ك) في الأطعمة (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) قال الحاكم: تفرد به يوسف بن عطية الصفار قال الذهبي: وهو واه انتهى. قال الزين العراقي بعد ما عزاه لهؤلاء جميعا: فيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك مجمع على ضعفه وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك الحديث: 6930 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 6931 - (كان يأخذ القرآن من جبريل خمسا خمسا) أي يتلقنه منه كذلك فيحتمل أن المراد خمس آيات ويحتمل الأحزاب ويحتمل السور ولم أر من تعرض لتعيين ذلك (هب عن عمر) بن الخطاب الحديث: 6931 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 6932 - (كان يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته) قال حجة الإسلام: الجاهل يظن أن ذلك وما يجيء في الحديث بعده من حب التزين للناس قياسا على أخلاق غيره وتشبيها للملائكة بالحدادين وهيهات فقد كان مأمورا بالدعوة وكان من وظائفه أن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوبهم لئلا تزدريه نفوسهم وتحسين صورته في أعينهم فينفرهم ذلك ويتعلق المنافقون به في تنفيرهم وهذا الفعل واجب على كل عالم تصدى لدعوة الخلق إلى الحق (ع عن سلمة بن الأكوع) الحديث: 6932 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 6933 - (كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها) هكذا في نسخ هذا الجامع والذي رأيته في سياق ابن الجوزي للحديث كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها بالسوية هكذا ساقه فلعل لفظ بالسوية سقط من قلم المؤلف وذلك ليقرب من التدوير جميع الجوانب لأن الاعتدال محبوب والطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين فلعل ذلك مندوب ما لم ينته إلى تقصيص اللحية وجعلها طاقة فإنه مكروه وكان بعض السلف يقبض على لحيته فيأخذ ما تحت القبضة وقال النخعي: عجبت للعاقل كيف لا يأخذ من لحيته فيجعلها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر العقل كما حكاه الغزالي ففعل ذلك إذا لم يقصد الزينة والتحسين لنحو النساء سنة كما عليه جمع منهم عياض وغيره لكن اختار النووي تركها بحالها مطلقا وأما حلق الرأس ففي المواهب لم يرو أنه حلق رأسه في غير نسك فتبقية شعر الرأس سنة ومنكرها مع علمه بذلك يجب تأديبه اه. ثم إن فعله هذا لا يناقض قوله أعفوا اللحى لأن ذلك في الأخذ منها لغير حاجة أو لنحو تزين وهذا فيما إذا احتيج إليه لتشعث أو إفراط يتأذى به وقال الطيبي: المنهي عنه هو قصها كالأعاجم أو وصلها كذنب الحمار وقال ابن حجر: المنهي عنه الاستئصال أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور (تتمة) قال الحسن بن المثنى: إذا رأيت رجلا له لحية طويلة ولم يتخذ لحيته بين لحيتين كان في عقله شيء وكان المأمون جالسا مع ندمائه مشرفا على دجلة يتذاكرون أخبار الناس فقال المأمون: ما طالت لحية إنسان قط إلا ونقص من عقله بقدر ما طالت منها وما رأيت عاقلا قط طويل اللحية فقال بعض جلسائه: ولا يرد على أمير المؤمنين أنه قد يكون في طولها عقل فبينما هم يتذاكرون إذ أقبل رجل طويل اللحية حسن الهيئة فاخر الثياب فقال المأمون: ما تقولون في هذا فقال بعضهم: عاقل وقال بعضهم: يجب كونه قاضيا فأمر المأمون بإحضاره فوقف بين يديه فسم فأجاد فأجلسه المأمون واستنطقه فأحسن النطق فقال المأمون: ما اسمك قال: أبو حمدويه والكنية علويه فضحك المأمون وغمز جلساءه ثم قال: ما صنعتك قال: فقيه أجيد الشرع في المسائل فقال: نسألك عن مسألة ما تقول في رجل اشترى شاة فلما تسلمها المشتري خرج من استها بعرة ففقأت عين رجل فعلى من الدية قال: على البائع دون المشتري لأنه لما باعها لم يشترط أن في استها منجنيقا فضحك المأمون حتى استلقى على قفاه ثم أنشد: [ص: 194] ما أحد كالت له لحية. . . فزادت اللحية في هيئته إلا وما ينقص من عقله. . . أكثر مما زاد في لحيته (ت) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص وقال: غريب وفيه عمرو بن هارون قال الذهبي: ضعفوه وقال ابن الجوزي: حديث لا يثبت والمتهم به عمرو بن هارون البلخي قال العقيلي: لا يعرف إلا به وقال يحيى: كذاب وقال النسائي: متروك وقال البخاري: لا أعرف لعمرو بن هارون حديثا ليس له أصل إلا هذا وفي الميزان قال: صالح جزره عمرو بن هارون كذاب وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 6933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 6934 - (كان يأكل البطيخ) بكسر الباء وبعض أهل الحجاز يجعل الطاء مكان الباء قال ابن السكيت في باب ما هو مكسور الأول وتقول هو البطيخ والبطيخ والعامة تفتح الأول وهو غلط لفقد فعيل بالفتح (بالرطب) ثمر النخيل إذا أدرك ونضج قبل أن يتتمر وذلك ليكسر حر هذا برد هذا فبجمعهما يحصل الاعتدال قال في المناهج: والبطيخ الذي وقع في الحديث هو الأخضر وقيل الأصفر ورجح الثاني ولا مانع أنه أكلهما وذكر العارف العمودي أنه رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام يأكل بطيخا أصفر يشقه بإبهام يده الكريمة فيأكله (هـ عن سهل بن سعد) الساعدي (ت عن عائشة) ظاهره أن هذين تفردا به من بين الستة وليس كذلك بل رواه عنها أيضا النسائي لكنه قدم وأخر فقال: كان يأكل الرطب بالبطيخ وذا لا أثر له (طب عن عبد الله بن جعفر) رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح الحديث: 6934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 6935 - (كان يأكل الرطب ويلقي النوى على الطبق) يعارضه الحديث الآتي نهى أن تلقى النواة على الطبق الذي يؤكل منه الرطب والتمر ولعل المراد هنا الطبق الموضوع تحت إناء الرطب لا الطبق الذي فيه الرطب فإن وضعه مع الرطب في إناء واحد ربما تعافه النفوس (ك) في الأطعمة (عن أنس) وقال: على شرطهما وأقره الذهبي قال الحافظ العراقي: وأخرج أبو بكر الشافعي في فوائده عن أنس بسند ضعيف أنه أكل الرطب يوما بيمينه وكان يحفظ النوى في يساره فمرت شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة الحديث: 6935 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 6936 - (كان يأكل العنب خرطا) يقال خرط العنقود واخترطه إذا وضعه في فيه فأخذ حبه وأخرج عرجونه عاريا ذكره الزمخشري وفي رواية ذكرها ابن الأثير خرصا بالصاد بدل الطاء (طب) وكذا العقيلي في الضعفاء كلاهما من حديث داود بن عبد الجبار عن أبي الجارود عن حبيب بن يسار (عن ابن عباس) قال العقيلي: ولا أصل له وداود ليس بثقة ولا يتابع عليه وفي الميزان عن النسائي: متروك وعن البخاري: منكر الحديث وساق له من مناكيره هذا وخرجه البيهقي في الشعب من طريقين قال: ليس فيه إسناد قوي وقال العراقي في تخريج الإحياء: طرقه ضعيفة ورواه ابن عدي من طريق آخر عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه حسين بن قيس ليس بشيء كذاب وأقره عليه المؤلف من مختصرها فلم يتعقبه إلا بأن الزين العراقي اقتصر على تضعيفه وخرجه ابن القيم من حديث ابن عمر وقال: فيه داود بن عبد الجبار كذبوه الحديث: 6936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 [ص: 195] 6937 - (كان يأكل الخربز) بخاء معجمة وراء وزاي نوع من البطيخ الأصفر وزعم أن المراد الأخضر لأن في الأصفر حرارة كالرطب رده ابن حجر بأن في الأصفر بالنسبة للرطب بردا وإن كان فيه طرف حرارة (بالرطب ويقول هما الأطيبان) أي هما أطيب أنواع الفاكهة (الطيالسي) أبو داود (عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه الحديث: 6937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 6938 - (كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة) لما في الهدية من الإكرام والإعظام والصدقة من معنى الذل والترحم ولهذا كان من خصائصه تحريم صدقة الفرض والنفل عليه معا (حم طب عن سلمان) الفارسي (ابن سعد) في طبقاته (عن عائشة وعن أبي هريرة) كلام المصنف كالصريح في أنه ليس في الصحيحين ولا في أحدهما وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول عجيب فقد قال الحافظ العراقي وغيره: إنه متفق عليه باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور وأول ناس أول الناس الحديث: 6938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 6939 - (كان يأكل القثاء) بكسر القاف وقد تضم (بالرطب) قال الكرماني: الباء للمصاحبة أو للملاصقة اه وذلك لأن الرطب حار رطب في الثانية يقوي المعدة الباردة وينفع الباه لكنه سريع العفن معكر الدم مصدع مورث للسدد ووجع المثانة والأسنان والقثاء بارد رطب في الثانية منعش للقوى مطفئ للحرارة الملتهبة ففي كل منهما إصلاح للآخر وإزالة لأكثر ضرره وفيه حل رعاية صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قانون الطب <تنبيه> قال ابن حجر: جاء عن الطبراني كيفية أكله لهما فأخرج في الأوسط عن عبد الله بن جعفر: رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفي شماله رطب وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة وفي سنده ضعف (حم ق 4) كلهم في الأطعمة (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب وعزوه للستة جميعا يخالف قول الصدر المناوي رواه الجماعة إلا النسائي وأما خبر ابن عباد عن عائشة كان يأكل القثاء بالملح فقال الحافظ العراقي: فيه متروك الحديث: 6939 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 6940 - (كان يأكل بثلاث أصابع) لم يعينها هنا وعينها في خبر آخر فقال: الإبهام والتي تليها والوسطى (ويلعق يده) يعني أصابعه فأطلق عليها اليد تجوزا وقيل أراد باليد الكف كلها فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو بعضها قال ابن حجر: وهذا أولى (قبل أن يمسحها) محافظة على بركة الطعام فيسن ذلك مؤكدا كما يسن الاقتصار على ثلاث أصابع فلا يستعين بالرابعة والخامسة إلا لعذر وقد جاء في أوسط الطبراني صفة لعق الأصابع ولفظه عن كعب بن عجرة: رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها قال العراقي: في سره أن الوسطى أكبر تلويثا لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر ولأنها لطولها أول ما ينزل في الطعام ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه لجهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذا الإبهام (تتمة) روى الحكيم الترمذي عن ميمونة بنت كردم قالت: خرجت في حجة حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطول أصبعه التي تلي الإبهام أطول على سائر أصابعه وقال في موضع آخر: روى عن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشيرة كانت أطول من الوسطى ثم الوسطى أقصر منها ثم البنصر أقصر من الوسطى (حم م د) في الأطعمة (عن كعب بن مالك) ولم يخرجه البخاري قال العراقي: وروى الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل بأصبعين وقال: إنه أكل الشياطين وأخرج عنه بسند [ص: 196] ضعيف لا تأكل بأصبع فإنه أكل الملوك ولا بأصبعين فإنه أكل الشياطين الحديث: 6940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 6941 - (كان يأكل الطبيخ) بتقديم الطاء لغة في البطيخ بوزنه (بالرطب) والمراد الأصفر بدليل ثبوت لفظ الخربز بدل البطيخ في الرواية المارة وكان يكثر وجوده بالحجاز بخلاف الأخضر وقال ابن القيم: المراد الأخضر قال زين الحفاظ العراقي: وفيه نظر والحديث دال على أن كل واحد منهما فيه حرارة وبرودة لأن الحرارة في أحدهما والبرودة في الآخر قال بعض الأطباء: والبطيخ بارد رطب فيه جلاء وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط صادفه في المعدة وإذا أكله محرور نفعه جدا وإذا كان مبرودا عدله بقليل نحو زنجبيل (ويقول يكسر حر هذا) أي الرطب (ببرد هذا) أي البطيخ (وبرد هذا بحر هذا) قال ابن القيم: وذا من تدبير الغذاء الحافظ للصحة لأنه إذا كان في أحد المأكولين كيفية تحتاج إلى كسر وتعديل كسرها وعدلها بضدها اه قيل وأراد البطيخ قبل النضج فإنه بعده حار رطب (د) في الأطعمة (هق) كلاهما (عن عائشة) قال ابن القيم: في البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد الحديث: 6941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6942 - (كان يأكل بثلاث أصابع ويستعين بالرابعة) قال بعضهم: وربما أكل بكفه كلها قال ابن العربي في شرح الترمذي: ويدل على الأكل بالكف كلها أنه عليه السلام كان يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها قال الزين العراقي: وفيه نظر لأنه يمكن بالثلاث سلمنا لكنه ممسك بكفه كلها لا آكل بها سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال ثم إن هذا الحديث لا يعارضه ما خرجه سعيد بن منصور من مرسل الزهري أنه عليه السلام كان إذا أكل أكل بخمس لأنه كان يختلف باختلاف الأحوال (طب عن عامر بن ربيعة) قال الزين العراقي: ورويناه عنه في الغيلانيات وفيه القاسم بن عبد الله العمري هالك قال: وفي مصنف ابن أبي شيبة عن الزهري مرسلا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بالخمس الحديث: 6942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6943 - (كان يأكل مما مست النار ثم يصلي ولا يتوضأ) وفيه رد على من ذهب إلى وجوب الوضوء مما مسته النار وحديثه منسوخ بهذا فإنه كان آخر الأمرين منه كما جاء في بعض الروايات (طب عن ابن عباس) ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6944 - (كان يأمر بالباه) يعني النكاح وهل المراد هنا العقد الشرعي أو الوطء فيه احتمالان لكن من المعلوم أن العقد لا يراد به إلا الوطء كذا زعمه ابن بزيزة وهو في حيز المنع فقد يريد الرجل العقد لتصلح المرأة له شأنه وتضبط بيته وعياله على العادة المعروفة ولا يريد الوطء والصواب أن المراد الوطء لتصريح الأخبار بأن حثه على التزويج لتكثير أمته وذا لا يحصل بمجرد العقد فافهم (وينهى عن التبتل) أي رفض الرجل للنساء وترك التلذذ بهن وعكسه فليس المراد هنا مطلق التبتل الذي هو ترك الشهوات والانقطاع إلى العبادة بل تبتل خاص وهو انقطاع الرجال عن النساء وعكسه (نهيا شديدا) تمامه عند مخرجه أحمد ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة وكان التبتل من شريعة النصارى فنهى عنه أمته اه (حم) والطبراني في الأوسط من حديث حفص بن عمر (عن أنس) وقد ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جمع وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي ورواه عنه ابن حبان أيضا باللفظ المزبور ومن ثم رمز لحسنه الحديث: 6944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6945 - (كان يأمر نساءه إذا أرادت إحداهن أن تنام) ظاهره شمول نوم الليل والنهار (أن تحمد) الله (ثلاثا وثلاثين) أي تقول الحمد لله وتكرره ثلاثا وثلاثين مرة (وتسبح ثلاثا وثلاثين) أي تقول سبحان الله وتكررها ثلاثا وثلاثين مرة (وتكبر ثلاثا وثلاثين) أي تقول الله أكبر وتكرره كذلك وهي الباقيات الصالحات في قول ترجمان القرآن فيندب ذلك عند إرادة النوم ندبا مؤكدا للنساء ومثلهن الرجال فتخصيصهن بالذكر ليس لإخراج غيرهن (ابن منده عن حابس) الحديث: 6945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6946 - (كان يأمر) أصحابه (بالهدية) يعني بالتهادي بقرينة قوله (صلة بين الناس) لأنها من أعظم أسباب التحابب بينهم (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن أنس المذكور وفيه سعيد بن بشير قال الذهبي: وثقه شعبة وضعفه غيره وخرجه الطبراني في الكبير باللفظ المزبور وزيادة قال الهيثمي: فيه سعيد بن بشير قد وثقه جمع وضعفه آخرون وبقية رجاله ثقات اه. فلعل المؤلف لم يقف على ذلك أو لم يستحضره وإلا لما أبعد النجعة وعزاه لبعض المتأخرين مع قوة سنده ووثاقة رواته الحديث: 6946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6947 - (كان يأمر بالعتاقة) بالفتح مصدر يقال عتق العبد عتقا وعتاقة (في صلاة الكسوف) في رواية في كسوف الشمس وأفعال البر كلها متأكدة الندب عند الآيات لاسيما العتق (د ك) في باب الكسوف (عن أسماء) بنت أبي بكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة غير أبي داود والأمر بخلافه فقد رواه سلطان الفن البخاري عن أسماء في مواضع منها الطهارة والكسوف وإذا كانت رواية أحد الشيخين موفية بالغرض من معنى حديث فالعدول عنه غير جيد الحديث: 6947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6948 - (كان يأمر أن نسترقي من العين) فإنها حق كما ورد في عدة أخبار (م عن عائشة) وفي رواية له عنها أيضا كان يأمرني أن أسترقي من العين الحديث: 6948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6949 - (كان يأمر بإخراج الزكاة) زكاة الفطر بعد صلاة الصبح (قبل الغدو للصلاة) أي صلاة العيد (يوم الفطر) قال عكرمة: يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإنه تعالى يقول {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} والأمر للندب فله تأخيره إلى غروب شمس العيد نعم يحرم تأخير أدائها عنه بلا عذر عند الشافعي والتعبير بالصلاة غالبي من فعلها أول النهار فإن أخرت سن الأداء أوله (ت عن ابن عمر) رمز لحسنه الحديث: 6949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6950 - (كان يأمر بناته ونساءه أن يخرجن في العيدين) الفطر والأضحى إلى المصلى لتصلي من لا عذر لها وتنال بركة الدعاء من لها عذر وفيه ندب خروج النساء لشهود العيدين هبهن شواب أو ذوات هيئة أو لا وقد اختلف فيه [ص: 198] السلف فنقل وجوبه عن أبي بكر وعلي وابن عمر واستدل له بخبر أحمد وغيره بإسناد قال ابن حجر: لا بأس به حق على كل ذات نطاق الخروج في العيدين ومنهم من حمله على الندب ونص الشافعي على استثناء ذوي الهيئات والشابة (حم عن ابن عباس) الحديث: 6950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 6951 - (كان يأمر بتغيير الشعر) أي بتغيير لونه الأبيض بالخضاب بغير سواد كما بينته روايات أخرى وعلل ذلك بقوله (مخالفة للأعاجم) أي فإنهم لا يصبغون شعورهم والأعاجم جمع أعجم أو أعجمي وهم خلاف العرب (طب عن عتبة بن عبد) قال الهيثمي: فيه الأحوص بن حكيم ضعيف فرمزه لحسنه غير جيد الحديث: 6951 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 6952 - (كان يأمر بدفن الشعر) المبان بنحو قص أو حلق أو نتف (والأظفار) المبانة بقص أو قطع أو غيرهما لأن الآدمي محترم ولجزئه حرمة كله فأمر بدفنه لئلا تتفرق أجزاؤه وقد يقع في النار أو غيرها من الأقذار كما سبق (طب عن وائل بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم ابن سعد بن مسرور الحمصي صحابي جليل كان من ملوك اليمن ثم سكن الكوفة الحديث: 6952 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 6953 - (كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان الشعر والظفر والدم والحيضة) بكسر الحاء خرقة الحيض (والسن والعلقة والمشيمة) لأنها من أجزاء الآدمي فتحترم كما تحترم جملته لما ذكر قال الحكيم: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وقال لعبد الله بن الزبير: أخفه حيث لا يراك أحد فلما برز شربه ورجع فقال: ما صنعت فقال: جعلته في أخفى مكان عن الناس فقال: شربته قال: نعم قال له: ويل للناس منك وويل لك من الناس (الحكيم) الترمذي (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن الحكيم خرجه بسنده كعادة المحدثين وليس كذلك بل قال وعن عائشة بل ساقه بدون سند كما رأيته في كتابه النوادر فلينظر الحديث: 6953 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 6954 - (كان يأمر من أسلم) من الرجال (أن يختتن وإن كان) قد كبر وطعن في السن مثل (ابن ثمانين سنة) فقد اختتن إبراهيم الخليل بالقدوم وهو ابن ثمانين سنة كما مر (طب عن قتادة) بن عياض (الرهاوي) بضم الراء وخفة الهاء نسبة إلى الرهاء مدينة من بلاد الجزيرة وقيل الجرشي رمز المصنف لحسنه الحديث: 6954 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 6955 - (كان يباشر نساءه) أي يتلذذ ويتمتع بحلائله بنحو لمس بغير جماع (فوق الإزار وهن حيض) بضم الحاء وشد الياء جمع حائض وفيه جواز التمتع بالحائض فيما عدا ما بين السرة والركبة وكذا فيما بينهما إذا كان ثم حائل يمنع من ملاقاة البشرة والحديث مخصص لآية {فاعتزلوا النساء في المحيض} (م د عن ميمونة) زوجته الحديث: 6955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 6956 - (كان يبدأ بالشراب) أي يشرب ما يشرب من المائع كماء ولبن (إذا كان صائما) وأراد الفطر فيقدمه على الأكل [ص: 199] (وكان) إذا شرب (لا يعب) أي لا يشرب بلا تنفس فإن الكباد أي وجع الكبد كما صرح به هكذا في رواية من العب (بل يشرب مرتين) بأن يشرب ثم يزيله عن فيه ويتنفس خارجه ثم يشرب ثم هكذا ثم يقول هو أهنأ وأمرؤ وأروى وآفات العب كثيرة (طب عن أم سلمة) قال الهيثمي: فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف وأعاده في موضع آخر وقال: رواه الطبراني بإسنادين وشيخه في أحدهما أبو معاوية الضرير ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 6956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 6957 - (كان يبدأ إذا أفطر) من صومه (بالتمر) أي إن لم يجد رطبا وإلا قدمه عليه كما جاء في رواية أخرى (ن عن أنس) بن مالك ورمز المصنف لحسنه الحديث: 6957 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 6958 - (كان يبدو إلى التلاع) لفظ رواية البخاري في الأدب المفرد إلى هؤلاء التلاع وهي بكسر التاء جمع تلعة بفتحها ككلبة وكلاب وهي مجرى الماء من أعلى الوادي إلى أسفله وهي أيضا ما انحدر من الأرض وما أشرف منها فهي من الأضداد كما في المصباح والنهاية وغيرهما والمراد أنه كان يخرج إلى البادية لأجلها (د حب عن عائشة) ورواه عنها أيضا البخاري في كتاب الأدب المفرد فكان ينبغي عزوه إليه أيضا وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 6958 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 6959 - (كان يبعث إلى المطاهر) جمع مطهرة بكسر الميم كل إناء يتطهر منه والمراد هنا نحو الحياض والفساقي والبرك المعدة للوضوء (فيؤتى) إليه (بالماء) منها (فيشربه) وكان يفعل ذلك (يرجو بركة أيدي المسلمين) أي يؤمل حصول بركة أيدي الذين تطهروا من ذلك الماء وهذا فضل عظيم وفخر جسميم للمتطهرين فيا له من شرف ما أعظمه كيف وقد نص الله في التنزيل على محبتهم صريحا حيث قال: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وهذا يحمل من له أدنى عقل على المحافظة على إدامة الوضوء ومن ثم صرح بعض أجلاء الشافعية بتأكد ندبه وأما الصوفية فعندهم واجب (طس عن ابن عمر) بن الخطاب. قال الهيثمي: رجاله موثقون ومنهم عبد العزيز بن أبي رواد ثقة نسب إلى الإرجاء الحديث: 6959 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 6960 - (كان يبيت الليالي المتتابعة) أي المتوالية يعني كان في بعض تلك الليالي على الاتصال (طاويا) أي خالي البطن جائعا (هو وأهله) عطف على الضمير المرفوع المؤكد بالمنفصل أكد ذلك بقوله (لا يجدون) أي الرسول وأهله (عشاءا) بالفتح عند العشاء بالكسر بمعنى آخر النهار يعني لا يجدون ما يتعشون به في الليل وقد أفاد ذلك ما كان دأبه وديدنه من التقلل من الدنيا والصبر على الجوع وتجنب السؤال رأسا كيف وهو أشرف الناس نفسا وفيه فضل الفقر والتجنب عن السؤال مع الجوع (وكان أكثر خبزهم خبز الشعير) أي كان أكثر خبز النبي صلى الله عليه وسلم وأهله خبز الشعير فكانوا يأكلونه من غير نخل بل كانوا لا يشبعون من خبز الشعير يومين متتابعين ففي خبر الترمذي عن عائشة ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الشيخان عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف قال في المغرب: وأهل الرجل امرأته وولده والذين في عياله ونفقته (حم ت هـ عن أبن عباس) رمز لحسنه وفيه أبو العلاء البصري ثقة لكنه تغير آخرا الحديث: 6960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 [ص: 200] 6961 - (كان يبيع نخل بني النضير) ككريم قبيلة من يهود خيبر من ولد هارون عليه السلام دخلوا في العرب على نسبهم (ويحبس لأهله) الذين يمونهم (قوت سنتهم) وسبق أن ذا لا ينافي الخبر الماز أنه كان لا يدخر شيئا لغد لحمله على الادخار لنفسه وهذا ادخار لغيره ثم محل حل الادخار ما لم يكن زمن ضيق وإلا امتنع (خ عن عمر) بن الخطاب الحديث: 6961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 6962 - (كان يتبع الحرير من الثياب) أي التي فيها حرير (فينزعه) منها مما يلبسه الرجال لما في الحرير من الخنوثة التي لا تليق بهم فيحرم لبسه على الرجال (حم عن أبي هريرة) الحديث: 6962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 6963 - (كان يتبع الطيب) بكسر فسكون (في رباع النساء) أي نسائه يعني في منازلهن وأماكن إقامتهن ومواضع الخلوة بهن والرباع كسهام جمع ربع كسهم محل القوم ومنزلهم وديار إقامتهم ويطلق على القوم مجازا (الطيالسي) أبو داود (عن أنس) بن مالك رمز لحسنه الحديث: 6963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 6964 - (كان يتبوأ) بالهمز (لبوله كما يتبوأ لمنزله) أي يطلب موضعا يصلح له كما يطلب موضعا يصلح للسكنى يقال تبوأ منزلا أي اتخذه فالمراد اتخاذ محل يصلح للبول فيه. قال الحافظ العراقي: واستعمال هذه اللفظة على جهة التأكيد والمراد أنه يبالغ في طلب ما يصلح لذلك ولو قصر زمنه كما يبالغ في استصلاح المنزل الذي يراد للدوام وفيه أنه يندب لقاضي الحاجة أن يتحرى أرضا لينة من نحو تراب أو رمل لئلا يعود عليه الرشاش فينجسه فإذا لم يجد إلا صلبة لينها بنحو عود وفيه أنه لا بأس بذكر لفظ البول وترك الكناية عنه (طس عن أبي هريرة) قال الولي العراقي: فيه يحيى بن عبيد وأبوه غير معروفين وقال الهيثمي: هو من رواية يحيى بن عبيد بن رجى عن أبيه ولم أر من ذكرهما وبقية رجاله ثقات الحديث: 6964 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 6965 - (كان يتحرى صيام) لفظ رواية الترمذي صوم (الاثنين والخميس) أي يتعمد صومهما أو يجتهد في إيقاع الصوم فيهما لأن الأعمال تعرض فيهما كما علله به في خبر آخر رواه الترمذي ولأنه تعالى يغفر فيهما لكل مسلم إلا المتاجرين كما رواه أحمد واستشكل استعمال الاثنين بالياء والنون مع تصريحهم بأن المثنى والملحق به يلزم الألف إذا جعل علما وأعرب بالحركة وأجيب بأن عائشة من أهل اللسان فيستدل بنطقها به على أنه لغة وفيه ندب صوم الاثنين والخميس وتحري صومهما وهو حجة على مالك في كراهته لتحري شيء من أيام الأسبوع للصيام (ت ن عن عائشة) لكن زاد النسائي فيه ويصوم شعبان ورمضان وقد رمز لحسنه وأصله قول الترمذي: حسن غريب ورواه عنها أيضا ابن ماجه وابن حبان وأعله ابن القطان بالراوي عنها وهو ربيعة الجرشي وأنه مجهول قال ابن حجر: وأخطأ فيه فهو صحابي وإطلاقه التخطئة غير صواب فقد قال شيخه الزين العراقي: اختلف في صحبته واختلف فيه كلام ابن سعد في طبقاته الكبرى من الصحابة وفي الصغرى من التابعين وكذا اختلف فيه كلام ابن حبان فذكره في الصحابة وفي التابعين وقال الوافدي: إنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو حاتم: لا صحبة له وذكره أبو زرعة في الطبقة الثالثة من التابعين هكذا ساقه في شرح الترمذي الحديث: 6965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 6966 - (كان يتختم في يمينه) أي يبلس الخاتم في خنصر يده اليمنى يعني كان أكثر أحواله ذلك وتختم في يساره والتختم [ص: 201] في اليمين وفي اليسار سنة لكنه في اليمين أفضل عند الشافعي وعكس مالك. قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه تلميذه الحافظ ابن حجر: ورد التختم في اليمين من رواية تسعة من الصحابة وفي اليسار من رواية ثلاثة كذا قالاه لكن يعكر عليه نقل العراقي نفسه التختم في اليسار عن الخلفاء الأربعة وابن عمر وعمرو بن حريث. قال البخاري: والتختم في اليمين أصح شيء في هذا الباب واليمنى أحق بالزينة وكونه صار شعار الروافض لا أثر له (خ ت عن ابن عمر) بن الخطاب (م ن عن أنس) بن مالك (حم ت هـ عن عبد الله بن جعفر) الحديث: 6966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 6967 - (كان يتختم في يساره) بهذا أخذ مالك ففضل التختم فيها على التختم في اليمين وحمله الشافعية على بيان الجواز والتختم في اليسار غير مكروه ولا خلاف الأولى إجماعا (م عن أنس) بن مالك (د عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 6967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 6968 - (كان يتختم في يمينه ثم حوله إلى يساره) أي وكان آخر الأمرين منه كذا ذكره البغوي في شرح السنة وتعقبه الطبري بأن ظاهره النسخ وليس ذلك مرادا قال في الفتح: لو صح هذا الحديث لكان قاطعا للنزاع لكن سنده ضعيف وقال في التخريج: هذه رواية ضعيفة اعتمدها البغوي وجمع بها بين الأخبار (عد عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) ورواه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] عن ابن عمر في شرح السنة وهو ضعيف من وجوه الحديث: 6968 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 6969 - (كان يتختم بالفضة) وكان أولا يتختم بالذهب ثم تركه ونهى عنه (طب عن عبد الله بن جعفر) رمز لحسنه الحديث: 6969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 6970 - (كان يتخلف) أي يتأخر (في المسير) أي في السفر (فيزجي) بمثناه تحتية مضمومة وزاي معجمة فجيم (الضعيف) أي يسوقه ليلحقه بالرفاق (ويردف) نحو العاجز على ظهر الدابة أي دابته أو دابة غيره (ويدعو لهم) بالإعانة ونحوها ونبه به على أدب أمير الجيش وهو الرفق بالسير بحيث يقدر عليه أضعفهم ويحفظ به قوة أقواهم وأن يتفقد خيلهم وحمولهم ويراعي أحوالهم ويعين عاجزهم ويحمل ضعيفهم ومنقطعهم ويسعفهم بماله وحاله وقاله ودعائه ومدده وإمداده (د ك) كلاهما في الجهاد (عن جابر) بن عبد الله وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي وسكت عليه أبو داود وقال في الرياض بعد عزوه له: إسناده حسن الحديث: 6970 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 6971 - (كان يتعوذ من جهد) بفتح الجيم وضمها مشقة (البلاء) بالفتح والمد ويجوز الكسر مع القصر (ودرك) بفتح الدال والراء وتسكن وهو الإدراك واللحاق (الشقاء) بمعجمة ثم قاف الهلاك. ويطلق على السبب المؤدي إليه (وسوء القضاء) أي المقضي وإلا فحكم الله كله حسن لا سوء فيه (وشماتة الأعداء) فرحهم ببلية تنزل بالمعادي تنكأ القلب أو تبلغ من النفس أشد مبلغ وقد أجمع العلماء في كل عصر ومصر على ندب الاستعاذة من هذه الأشياء وردوا على من شذ من الزهاد (ق ن عن أبي هريرة) الحديث: 6971 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 6972 - (كان يتعوذ من خمس: من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة الضن بالنفس عن أداء ما يتعين من نحو [ص: 202] قتال العدو (والبخل) أي منع بذل الفضل سيما للمحتاج وحب الجمع والادخار (وسوء العمر) أي عدم البركة فيه بقوة الطاعة والإخلال بالواجبات (وفتنة الصدر) بفتح الصاد وسكون الدال المهملتين ما ينطوي عليه الصدر من نحو حسد وغل وعقيدة زائغة (وعذاب القبر) أي التعذيب فيه بنحو ضرب أو نار أو غيرهما على ما وقع التقصير فيه من المأمورات أو المنهيات والقصد بذلك تعليم الأمة كيف يتعوذون (د) في الصلاة (ن) في الاستعاذة (هـ) في الدعاء (عن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وسكت عليه أبو داود الحديث: 6972 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 6973 - (كان يتعوذ من الجان) أي يقول أعوذ بالله من الجان (وعين الإنسان) من ناس ينوس إذا تحرك وذلك يشترك فيه الجن والإنس وعين كل ناظر (حتى نزلت) المعوذتان فلما نزلتا (أخذ بهما وترك ما سواهما) أي مما كان يتعوذ به من الكلام غير القرآن لما ثبت أنه كان يرقي بالفاتحة وفيهما الاستعاذة بالله فكان يرقي بها تارة ويرقي بالمعوذتين أخرى لما تضمنتاه من الاستعاذة من كل مكروه إذ الاستعاذة من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه في الأشباح والأرواح والاستعاذة من شر الغاسق وهو الليل وآيته أو القمر إذا غاب يتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشر فيه من الأرواح الخبيثة والاستعاذة من شر النفاثات تتضمن الاستعاذة من شر السواحر وسحرهن والاستعاذة من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من شر النفوس الخبيثة المؤذية والسورة الثانية تتضمن الاستعاذة من شر الإنس والجن فجمعت السورتان الاستعاذة من كل شر فكانا جديرين بالأخذ بهما وترك ماعداهما. قال ابن حجر: هذا لا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين بل يدل على الأولوية سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما وإنما اكتفى بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الكلم والاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا (ت ن هـ والضياء) المقدسي في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري وقال الترمذي: حسن غريب الحديث: 6973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 6974 - (كان يتعوذ من موت الفجاءة) بالضم والمد ويفتح ويقصر: البغتة (وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت) وقد وقع ذلك فإنه مرض في ثاني ربيع الأول أو ثامنه أو عاشره ثم امتد مرضه اثني عشر يوما (طب عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 6974 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 6975 - (كان يتفاءل) بالهمز أي إذا سمع كلمة حسنة تأولها على معنى يوافقها (ولا يتطير) أي لا يتشاءم بشيء كما كانت الجاهلية تفعله من تفريق الطير من أماكنها فإن ذهبت إلى الشمال تشاءموا وذلك لأن من تفاءل فقد فهم خيرا وإن غلط في جهة الرجاء ومن تطير فقد أساء الظن بربه (وكان يحب الاسم الحسن) وليس هو من معاني التطير بل هو كراهة الكلمة القبيحة نفسها لا لخوف شيء وراءها كرجل سمع لفظ خنا فكرهه وإن لم يخف على نفسه منه شيئا ذكره الحليمي (حم) وكذا الطبراني (عن ابن عباس) رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه ليث بن أسلم وهو ضعيف بغير كذب الحديث: 6975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 6976 - (كان يتمثل بالشعر) مثل قول طرفة (ويأتيك بالأخبار) بفتح الهمزة جمع خبر من خبرته أخبره خبرا بالضم وعرفا ما احتمل الصدق والكذب (من لم تزود) أي من لم تزوده وفي رواية كان أبغض الحديث إليه الشعر غير أنه تمثل مرة ببيت أخي قيس بن طرفة فقال: ويأتيك من لم تزود بالأخبار فجعل آخره أوله فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فقال: ما أنا بشاعر وهذا لا يعارض الحديث المشروح لأن المراد بالتمثل فيه الإتيان بمادة البيت أو المصراع [ص: 203] وجوهر لفظه دون ترتيبه الموزون هذا بعد الإغماض وفرض صحة هذه الرواية وإلا فقد قال البعض: لم أر له إسنادا ولم يسنده ابن كثير في تفسيره كما زعمه بعضهم (طب) وكذا البزار (عن ابن عباس ت عن عائشة) قال الهيثمي: رجال الطبراني والبزار رجال الصحيح الحديث: 6976 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 6977 - (كان يتمثل بهذا البيت كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا) أي زاجرا رادعا وإنما كان يتمثل به لأن الشيب نذير الموت والموت يسن إكثار ذكره لتتنبه النفس من سنة الغفلة فيسن لمن بلغ سن الشيب أن يعاتب نفسه ويوبخها بإكثار التمثل بذلك وفيه جواز إنشاد الشعر لا إنشاؤه له (ابن سعد) في طبقاته (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 6977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6978 - (كان يتنور) أي يستعمل النورة لإزالة الشعر (في كل شهر) مرة (1) (ويقلم أظافره) يعني يزيلها بقلم أو غيره فيما يظهر (في كل خمسة عشر يوما) مرة. قال الغزالي: قيل إن النورة في كل شهر مرة تطفئ الحرارة وتنقي اللون وتزيد في الجماع وورد أنه كان يقلمها يوم الجمعة وفي رواية كل يوم جمعة ولعله كان يفعل ذلك تارة كل أسبوع وتارة كل أسبوعين بحسب الحاجة (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر)   (1) والتنور مباح لا مندوب لعدم ثبوت الأمر به وفعله وإن حمل على الندب لكن هذا من العاديات فهو لبيان الجواز ويحتمل ندبه لما فيه من الامتثال والكلام إذا لم يقصد الإتباع وإلا كان سنة الحديث: 6978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6979 - (كان يتوضأ عند كل صلاة) وربما صلى صلوات بوضوء واحد ولفظ رواية الترمذي كان يتوضأ لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر قال الطحاوي: وهذا محمول على الفضيلة دون الوجوب أو مما خص به أو كان يفعله وهو واجب ثم نسخ انتهى والأصح الأخير بدليل حديث الترمذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد فقال عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن فعلته قال: عمدا فعلته يا عمر قال الترمذي: صحيح قال النووي: فيه جواز الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث وهو جائز بإجماع من يتعد به (حم خ 4 عن أنس) بن مالك قال حميد: قلت كيف تصنعون أنتم قالوا: نتوضأ وضوءا واحدا الحديث: 6979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6980 - (كان يتوضأ مما مست النار) ثم نسخ بخبر جابر كان آخر الأمرين ترك الوضوء منه (طب عن أم سلمة) رمز المصنف لصحته ومستنده قول الهيثمي: رجاله موثقون وعدل عن عزوه لأحمد مع كونه خرجه باللفظ المذكور لأن في سنده من لا يعرف الحديث: 6980 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6981 - (كان يتوضأ ثم يقبل) بعض نسائه (ويصلي ولا يتوضأ) (1) من القبلة وفي رواية للدارقطني بدل ولا يتوضأ ولا يحدث وضوءا وهذا من أدلة الحنفية على قولهم إن اللمس غير ناقض (حم هـ عن عائشة) قالت: وبما فعله بي رمز المصنف لصحته ونقل الدميري تضعيفه عن البيهقي وضعفه مغلطاي في شرح أبي داود   (1) وأجاب الرملي بأن هذه واقعة حال فيحتمل أنه قبل من وراء حائل ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الجمال وسقط بها الاستدلال [لا يسلم ذلك الكلام حيث أن رواة هذا الحديث من الصحابة يعلمون أنهم يروونه لأجل ما فيه من الأحكام الشرعية ألا ترى قولهم " ولا يتوضأ " وقولهم " ولا يحدث وضوءا " فلو كان ذلك التقبيل من وراء حائل لكان ذلك أهم ما في الحديث فكيف يكتم الصحابي ذكر الحائل ثم يذكر أنه لا يحدث وضوءا فيعكس بذلك الحكم الشرعي؟ حاشا وكلا. دار الحديث] الحديث: 6981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6982 - (كان يتوضأ) مرة (واحدة واحدة واثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا) قال بعضهم: هذا تعديد للغسلات لا تعديد للغرفات كما ذهب إليه بعضهم يعني ابن العربي إذ لم يجر للغرفات في هذا الحديث ذكر. قال اليعمري: ويؤيده أن الغسلة لا تكون حقيقة إلا مع الإسباغ وإلا فهي بعض غسلة فحيث وقع الكلام في أجزاء الواحدة وترجيح الثانية وتكملة الفضل بالثالثة فهي يقينا مع الإسباغ ليس للغرفة في ذلك دخل قال النووي: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين واختلافها دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ اه. وفي جامع الترمذي الوضوء مجزىء مرة مرة ومرتين مرتين أفضل وأفضله ثلاث (كل ذلك يفعله) لكن كان أكثر أحواله التثليث كما تصرح به روايات أخرى وفي بعضها هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي (طب عن معاذ) بن جبل رمز المصنف لحسنه والأمر بخلافه فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن سعيد المصلوب ضعيف جدا الحديث: 6982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6983 - (كان يتيمم بالصعيد) أي التراب أو وجه الأرض (فلم يمسح يديه ووجهه إلا مرة واحدة) ولهذا ذهب الشافعي إلى ندب عدم تكرار التيمم بخلاف الوضوء والغسل حيث يسن فيهما التثليث (طب عن معاذ) بن جبل قال الحافظ الهيثمي: وفيه محمد بن سعيد المصلوب كذاب يضع الحديث اه فكان ينبغي للمصنف حذفه مع ما قبله الحديث: 6983 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6984 - (كان يجتهد في العشر الأواخر) من رمضان (ما لا يجتهد في غيره) أي يجتهد فيه من العبادة فوق العادة ويزيد فيها في العشر الأواخر من رمضان بإحياء لياليه (حم م ت هـ) كلهم في الصوم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 6984 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6985 - (كان يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه) زاد في رواية وصلاته (وثيابه) يعني للبس ثيابه أو تناولها (وأخذه وعطائه وشماله لما سوى ذلك) بكسر سين سوى وضمها مع القصر فيهما وفتح السين مع المد أي لغير ذلك وما زائدة فأفاد أنه يندب مباشرة الأكل والشرب والطهور والصلاة واللبس باليمين وأخذ منه أن ما هو من قبيل التكريم والتشريف كأكل وشرب ولبس ثوب وسراويل وخف ومناولة حاجة وتناولها ودخول مسجد وسواك واكتحال وتقليم ظفر وقص شارب ومشط شعر ونتف إبط وحلق رأس ومصافحة وما كان بضده كخروج مسجد وامتخاط وخلع ثوب وسراويل وخف ونحوها فباليسار وقوله وثيابه يحتمل كما قال العراقي أن المراد أخذ الثياب للبسها كما في أخذ الطعام لأكله فيتناول ثوبه باليمين وأن المراد اللبس نفسه بمعنى أنه يبدأ بلبس الشق الأيمن قبل الأيسر أما النزع فبالشمال بمعنى أن اليسرى تكون أولهما نزعا وقوله لما سوى ذلك أي مما ليس في معناه (حم عن حفصة) أم المؤمنين ورواه عنها أحمد أيضا بلفظ كانت يمينه لطعامه وطهوره وصلاته وثيابه ويجعل شماله لما سوى ذلك ورواه عنها أيضا البيهقي ورمز المصنف لصحته وقال ابن محمود شارح أبي داود: وهو حسن لا صحيح لأن فيه أبا أيوب الأفريقي لينه أبو زرعة ووثقه ابن حبان وقال المنذري واليعمري: فيه الأفريقي وفيه مقال. وقال النووي: إسناده جيد قال العراقي: وإشارة المنذري إلى تضعيفه غير معمول بها لأن المقال في أبي أيوب غير قادح لكن فيه شيء آخر وهو الاختلاف في إسناده [ص: 205] وقال ابن سيد الناس: هو معلل الحديث: 6985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 6986 - (كان يجعل فصه) يعني الخاتم (مما يلي كفه) وفي رواية مسلم مما يلي باطن كفه فجعله كذلك أفضل اقتداء بفعله وإن لم يأمر فيه بشيء. قال ابن العربي: ولا أعلم وجهه. ووجهه النووي بأنه أبعد عن الزهو والعجب والزين العراقي بذلك وبأنه أحفظ للنقش الذي عليه من أن يحاكى أو يصيبه صدمة أو عود صلب فيغير النقش الذي وضع الخاتم لأجله وأيضا فإنه نهى الناس بأن ينقشوا على نقشه وذلك لئلا يختم غيره به فيكون صونا عن أن يدخل في الكتب ما لم يأذن به فأعلم أصحابه بذلك فهم لا يخالفون أمره ثم أراد ستر صورة النقش عن غيرهم من أهل الكفر والنفاق فجعله في باطن كفه وإنما ضم كفه عليه حتى لا يظهر على صورة النفش أحد (هـ عن أنس) بن مالك (د عن ابن عمر) بن الخطاب وهذا الحديث في مسلم عن ابن عمر ولفظه اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم ألقاه ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه هذا لفظه ولعل المؤلف غفل عنه فعزاه لابن ماجه الحديث: 6986 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 6987 - (كان يجل العباس) عمه (إجلال الولد للوالد) ويقول إنما الرجل صنو أبيه (ك) في المناقب (عن ابن عباس) وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 6987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 6988 - (كان يجلس القرفصاء) بضم القاف والفاء وتفتح وتكسر وتمد وتقصر والراء ساكنة كيف كان أي يقعد محتبيا بيديه قيل وينبغي حمله على وقت دون وقت فقد ورد كان يجلس متربعا (طب عن إياس) بكسر الهمزة وفتح التحتية وبالمهملة (ابن ثعلبة) أبي أمامة الأنصاري البلوي أو الحارثي قيل مات بعد أحد قال الذهبي: والصحيح أن ذاك أمه لأنه تأخر قال الهيثمي: فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف الحديث: 6988 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 6989 - (كان يجلس على الأرض) أي من غير حائل (ويأكل على الأرض) من غير مائدة ولا خوان إشارة إلى طلب التساهل في أمر الظاهر وصرف الهمم إلى عمارة الباطن وتطهير القلوب وتأسى به أكابر صحبه فكانوا يصلون على الأرض في المساجد ويمشون حفاة في الطرقات ولا يجعلون غالبا بينهم وبين التراب حاجزا في مضاجعهم قال الغزالي: وقد اتنهت النوبة الآن إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة ويقولون هي مبنى الدين فأكثر أوقاتهم في تزيين الظاهر كفعل الماشطة بعروسها والباطن خراب ولا يستنكرون ذلك ولو مشى أحدهم على الأرض حافيا أو صلى عليها بغير سجادة مفروشة أقاموا عليه القيامة وشددوا عليه النكير ولقبوه بالقذر وأخرجوه من زمرتهم واستنكفوا عن مخالطته فقد صار المعروف منكرا والمنكر معروفا (ويعتقل الشاة) أي يجعل رجليه بين قوائمها ليحلبها إرشادا إلى التواضع وترك الترفع (ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير) زاد في رواية والإهالة السنخة أي الدهن المتغير الريح وعلمه ذلك أنها بإخبار الداعي أو للعلم بفقره ورثاثة حاله أو مشاهدة غالب مأكوله ونحو ذلك من القرابين الخالية فكان لا يمنعه ذلك من إجابته وإن كان حقيرا وهذا من كمال تواضعه ومزيد براءته من سائر صنوف الكبر وأنواع الترفع (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 6989 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 [ص: 206] 6990 - (كان يجلس إذا صعد) بكسر العين (المنبر) أي أعلاه فيكون قعوده على المستراح ووقوفه على الدرجة التي تليه (حتى يفرغ المؤذن) يعني الواحد لأنه لم يكن يوم الجمعة إلا مؤذن واحد (ثم يقوم فيخطب) خطبة بليغة مفهومة قصيرة (ثم يجلس) نحو الإخلاص (فلا يتكلم) حال جلوسه (ثم يقوم) ثانيا (فيخطب) ثانية بالعربية فيشترط كون الخطبتين بها وأن يقعا من قيام للقادر وأن يفصل القائم بينهما بقعدة مطمئنا وغيره بسكتة فإن وصلهما حسبتا واحدة كما دل على ذلك هذا الحديث (د) في الجمعة (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه العمري وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال المنذري: فيه مقال الحديث: 6990 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 6991 - (كان يجمع) تقديما وتأخيرا (بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء) ولا يجمع الصبح مع غيرها ولا العصر مع المغرب (في السفر) لم يقيده هنا بما قيده في رواية بإذا جد في السفر فيحتمل حمله على المقيد به ويحتمل بقاؤه على عمومه وذكر فرد من أفراده لا يخصصه وهو الأولى فله الجمع جد به السير أم لا أي بشرط حله وهذا نص راد على الحنفية منعهم الجمع وقد أولوه بما فيه تعسف ثم إنه لم يبين في هذا الحديث ولا غيره من أحاديث الجمع أنه كان يجمع في كل سفر أو يخص بالطويل قال المحقق العراقي: وظاهر روايته كان إذا جد به السفر إلخ الاختصاص قال: والحق أن هذه واقعة غير محتملة فيمتنع في القصير للشك فلا تساعده مسالكا فبي التعميم بل يرد عليه (حم خ عن أنس) الحديث: 6991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 6992 - (كان يجمع بين الخربز) بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها زاى نوع من البطيخ الأصفر وقد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالخربز قال ابن حجر: شاهدته كذلك بالحجاز (والرطب) كما مر بسطه قال ابن حجر: وفيه رد على من زعم أن المراد بالبطيخ في الخبر الآتي الأخضر واعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب وقد علل بأن أحدهما يطفئ حر الآحر وجوابه أن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة (حم ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (ن عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته قال ابن حجر في الفتح: سنده صحيح الحديث: 6992 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 6993 - (كان يحب أن يليه المهاجرون والأنصار في الصلاة ليحفظوا عنه) فروضها وأبعاضها وهيئاتها فيرشدون الجاهل وينبهون الغافل قال ابن حجر: وحب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم للشيء إما بأخباره للصحابي بذلك وإما بالقرائن (حم ن هـ ك) في الصلاة (عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وله شاهد صحيح وأقره الذهبي وقال مغلطاي في شرح أبي داود: سنده صحيح الحديث: 6993 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 6994 - (كان يحب الدباء) بضم الدال المهملة وشد الموحدة والمد ويقصر: القرع أو خاص بالمستدير منه وفي المجموع أنه القرع اليابس قال في الفتح: وما أظنه إلا سهوا وهو اليقطين أيضا واحده دبه ودباه وقضية كلام الهروي أن الهمزة زائدة لكن الجوهري خرجه في المعتل على أن همزته منقلبة وهو أشبه بالصواب قال الزمخشري: ولا ندري هي مقلوبة [ص: 207] عن واو أو ياء (حم ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (ن هـ عن أنس) بن مالك لكن لفظ رواية ابن ماجه القرع وزاد هو والنسائي ويقول إنها شجرة أخي يونس قال الزين العراقي: وفي فوائد أبي بكر الشافعي من حديث عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد قلب الحزين. قال العراقي: ولا يصح الحديث: 6994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 6995 - (كان يحب) في رواية لمسلم ليحب (التيامن) لفظ رواية مسلم التيمن أي الأخذ باليمين فيما هو من باب التكريم قيل لأنه كان يحب الفأل الحسن وأصحاب اليمين أهل الجنة (ما استطاع) أي ما دام مستطيعا للتيمن بخلاف ما لو عجز عنه فيتعين غيره فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع ما ليس منه بد قال ابن حجر: ويحتمل أنه احترز به عما لا يستطاع فيه التيمن شرعا كفعل الأشياء المستقذرة ياليمين كاستنجاء وتمخط (في طهوره) بضم الطاء أي تطهره (وتنعله) أي ليس نعله (وترجله) بالجيم تمشيط شعره زاد أبو داود وسواكه (وفي شأنه) أي في حاله (كله) يعني في جميع حالاته مما هو من قبيل التكريم والتزيين وهذا عطف عام على خاص وفي رواية بحذف العاطف اكتفاء بالقرينة قال ابن دقيق العيد: هذا عام مخصوص لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيه باليسار وتأكيد الشأن بقوله كله يدل على التعميم لأن التأكيد يرفع المجاز فقد يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا وما لا يندب فيه التيامن ليس من الأفعال المقصودة بل هي إما متروك أو غير مقصودة هذا كله على تقدير إثبات الواو أما على حذفها فقوله في شأنه متعلق بيحب لا بالتيامن أي يحب في شأنه كله التيمن في تنعله إلخ أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله وقال الطيبي: قوله في شأنه بدل من تنعله بإعادة العامل ولعله ذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالرأس والطهور لكونه مفتاح العبادة فنبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل كل من كل وفيه ندب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق ولا يقال هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر بل هو من باب العبادة والتزيين والبداءة بالرجل اليمنى بالتنعل وفي إزالتها باليسرى والبداءة باليد والرجل اليمنى في الوضوء وبالشق الأيمن في الغسل وندب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب فكلما كان من باب التكريم والتزيين يبدأ باليمين وعكسه عكسه (حم ق 4 عن عائشة) الحديث: 6995 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 6996 - (كان يحب أن يخرج إذا غزا يوم الخميس) لأنه يوم مبارك أو لأنه أتم أيام الأسبوع عددا لأنه تعالى بث فيه الدواب في أصل الخلق فلاحظ الحكمة الربانية والخروج فيه نوع من بث الدواب الواقع في يوم المبدأ أو أنه إنما أحبه لكونه وافق الفتح له والنصر فيه أو لتفاؤله بالخميس على أنه ظفر على الخميس وهو الجيش ومحبته لا تستلزم المواظبة عليه فقد خرج مرة يوم السبت ولعله كان يحبه أيضا كما ورد في خبر آخر اللهم بارك لأمتي في سبتها وخميسها وفي البخاري أيضا أنه كان قلما يخرج إذا خرج في السفر إلا يوم الخميس وفي رواية للشيخين معا ما كان يخرج إلا يوم الخميس (حم خ) في الجهاد (عن كعب بن مالك) ولم يخرجه مسلم الحديث: 6996 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 6997 - (كان يحب أن يفطر على ثلاث تمرات) لما فيه من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم (أو شيء لم تصبه النار) أي ليس مصنوعا بنار كالبن وعسل فيندب لنا التأسي به في ذلك (ع) عن إبراهيم بن حجاج عن عبد الواحد بن زياد عن ثابت (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه وليس كما قال قال ابن حجر: عبد الواحد قال البخاري: منكر الحديث اه. وقال الهيثمي: فيه عبد الواحد بن ثابت وهو ضعيف الحديث: 6997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 [ص: 208] 6998 - (كان يحب من الفاكهة العنب) قال الحرالي: هو شجر متكرم لا يختص ذهابه بجهة العلو اختصاص النخلة بل يتفرع علوا وسفلا ويمنة ويسرة مثل المؤمن المتقي الذي تكرم بتقواه من كل جهة (والبطيخ) لما فيه من الجلاء وغيره من الفضائل وقد ذكر الله سبحانه العنب في مواضع من كتابه في جملة نعمه التي من بها على عباده في الدارين وهو فاكهة وقوت ودواء وأدم وشراب والبطيخ فيه جلاء وتفتيح وهو نافع للمحرور جدا سيما في قطر الحر كالحجاز قال الأطباء: البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا قال ابن القيم: وملوك الفاكهة ثلاث العنب والرطب والتين (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن معاوية) الذي رأيته في أصول صحاح أمية بدل معاوية فليحرر (بن يزيد العبسي) ولم أره في الصحابة قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 6998 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 6999 - (كان يحب الحلواء) بالمد على الأشهر فتكتب على الألف وتقصر فتكتب بالياء وهي مؤنث قال الأزهري وابن سيده: اسم لطعام عولج بحلاوة لكن المراد هنا كما قال النووي: كل حلو وإن لم تدخله صنعة وقد تطلق على الفاكهة (و) عطف عليه (العسل) عطف خاص على عام تنبيها على شرفه وعموم خواصه وقد تنعقد الحلواء من السكر فيتفارقان وحبه لذلك لم يكن للتشهي وشدة نزوع النفس له وتأنق الصنعة في اتخاذها كفعل أهل الترفه المترفين الآن بل معناه أنه إذا قدم له نال منه نيلا صالحا فيعلم منه أنه أعجبه وفيه حل اتخاذ الحلاوات والطيبات من الرزق وأنه لا ينافي الزهد ورد على من كره من الحلوى ما كان مصنوعا كيف وفي فقه اللغة أن حلواه التي كان يحبها المجيع - كعظيم - تمر يعجن بلبن وفيه رد على زاعم أن حلواه أنه كان يشرب كل يوم قدح عسل بماء وأن الحلواء المصنوعة لا يعرفها ولم يصح أنه رأى السكر وخبر أنه حضر ملاك أنصاري وفيه سكر قال السهيلي: غير ثابت <تنبيه> قال ابن العربي: والحلاوة محبوبة لملاءمتها للنفس والبدن ويختلف الناس في أنواع المحبوب منها كان ابن عمر يتصدق بالسكر ويقول إنه تعالى يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإني أحبه (ق 4) في مواضع عديدة (عن عائشة) وفيه قصة طويلة في الصحيح وفي الباب غيرها أيضا الحديث: 6999 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 7000 - (كان يحب العراجين ولا يزال في يده) منها ينظر إليها. العرجون: العود الأصفر الذي فيه شماريخ: العذق فعلون من الانعراج: الانعطاف (حم د عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 7000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 7001 - (كان يحب الزبد) بالضم كقفل ما يتخرج بالمخض من لبن البقر والغنم وأما لبن الإبل فلا يسمى ما يستخرج منه زبدا بل يقال له حباب (والتمر) يعني يحب الجمع بينهما في الأكل لأن الزبد حار رطب والتمر بارد يابس وفي جمعه بينهما من الحكمة إصلاح كل منهما بالآخر ولأحمد عن أبي خالد دخلت على رجل وهو يتمجع لبنا بتمر فقال: أدن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهما الأطيبين قال ابن حجر: إسناده قوي قال النووي: فيه جواز أكل شيئين من فاكهة وغيرها معا وجواز أكل طعامين معا وجواز التوسع في المطاعم ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك وما نقل عن السلف من خلافه محمول على الكراهة في التوسع والترفه والإكثار لغير مصلحة دينية وقال القرطبي: يدخل منه مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق على قاعدة الطب (د هـ عن ابن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة وابن بشر في الصحابة اثنان سلمانيان هما عبد الله وعطية فكان ينبغي تمييزه رمز المصنف لحسنه الحديث: 7001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 [ص: 209] 7002 - (كان يحب القثاه) لإنعاش ريحها للروح وإطفائها لحرارة المعدة الملتهبة سيما في أرض الحجاز ولكونها بطيئة الإنحدار عن المعدة كان كثيرا ما يعدلها بنحو رطب أو تمر أو عسل (طب عن الربيع) بالتصغير والتثقيل (بنت معوذ) ابن عفراء الأنصارية النجارية من صغار الصحابة رمز لحسنه الحديث: 7002 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 7003 - (كان يحب هذه السورة) سورة (سبح اسم ربك الأعلى) أي نزه اسمه عن أن يبتذل أو يذكر إلا على جهة التعظيم قال الفخر الرازي: وكما يحب تنزيه ذاته عن النقائص يحب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب (حم) وكذا البزار وكلاهما (عن علي) أمير المؤمنين رمز لحسنه قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف هكذا جزم به واقتصر عليه وبينه تلميذه الهيثمي قال: فيه ثور بن أبي فاختة وهو متروك انتهى وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه زلل فاحش الحديث: 7003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 7004 - (كان يحتجم) حجمه أبو طيبة وغيره وأمر بالحجامة وأثنى عليها في عدة أخبار وأعطى الحجام أجرته والحجم تفرق اتصال أريد به تتابع استفراغ دم من جهات الجلد (ق عن أنس) الحديث: 7004 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 7005 - (كان يحتجم على هامته) أي رأسه (وبين كتفيه ويقول من أهراق من دماء فلا يضره أن يتداوى بشيء لشيء) المراد بالرأس هنا ما عدا نقرتها بدليل خبر الديلمي عن أنس مرفوعا الحجامة في نقرة الرأس تورث النسيان فتجنبوا ذلك لكن فيه ابن واصل متهم قال أبو داود: وقال معمر: احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن الفاتحة في صلاتي وكان احتجم على هامته (د هـ) في الطب (عن أبي كبشة) عمر بن سعد أو سعد بن عمر وفي الصحابة أبو كبشة وغيره الحديث: 7005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 7006 - (كان يحتجم في رأسه) لفظ رواية الطبراني في مقدم رأسه (ويسميها أم مغيث) وفي رواية لابن جرير ويسميها المغيثة وسماها في رواية المنقذة وفي أخرى النافعة قال ابن جرير: وكان يأمر من شكى إليه وجعا في رأسه بالحجامة وسط رأسه ثم أخرج بسنده عن ابن أبي رافع عن جدته سلمى قالت: ما سمعت أحدا قط يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع رأسه إلا قال احتجم (خط) في ترجمة محمود الوسطى (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز الأموي قال الذهبي: ضعفه أبو مسهر الحديث: 7006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 7007 - (كان يحتجم في الأخدعين) عرقان في محل الحجامة من العنق (والكاهل) بكسر الهاء وهو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرات وقيل ما بين الكتفين وقيل الكتد وقيل موصل العنق ما بين الكتفين (وكان يحتجم لسبع عشرة) من الشهر (وتسع وعشرة وإحدى وعشرين) منه وعلى ذلك درج أصحابه فكانوا يستحبون الحجامة لوتر من الشهر لأفضلية الوتر عندهم ومحنهم له لحب الله له ثم إن ما ذكر من احتجامه في الأخدعين الكامل [ص: 210] لا ينافيه ما قبله من احتجامه في رأسه وهامته لأن القصد بالاحتجام طلب النفع ودفع الضر وأماكن الحاجة من البدن مختلفة باختلاف العلل كما بينه ابن جرير (ت ك) في الطب (عن أنس) بن مالك (طب ك) في الطب (عن ابن عباس) قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في موضع لكنه قال في آخر: لا صحة له الحديث: 7007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 7008 - (كان يحدث حديثا) ليس بمهذرم مسرع ولا متقطع يتخلله السكتات بين أفراد الكلم بل يبالغ في إفصاحه وبيانه (بحيث لو عده العاد لأحصاه) أي لو أراد المستمع عد كلماته أو حروفه لأمكنه ذلك بسهولة ومنه أخذ أن على المدرس أن لا يسرد الكلام سردا بل يرتله ويزينه ويتمهل ليتفكر فيه هو وسامعه وإذا فرغ من مسألة أو فصل سكت قليلا ليتكلم من في نفسه شيء (ق د) من حديث هشام عن أبيه (عن عائشة) قال عروة: كان أبو هريرة يحدث ويقول اسمعي يا ربة الحجرة وعائشة تصلي فلما قضت صلاتها قالت لعروة: ألا تسمع إلى هذا ومقالته آنفا إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا إلخ الحديث: 7008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 7009 - (كان يحفي شاربه) بالحاء المهملة وفي رواية ذكرها ابن الأثير كان يلحف شاربه أي يبالغ في قصه (طب عن أم عياش) بشد المثناه التحتية (مولاته) أي مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وخادمته وقيل مولاة رقية رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الكريم بن روح وهو متروك الحديث: 7009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 7010 - (كان يحلف) فيقول (لا ومقلب القلوب) أي مقلب أعراضها وأحوالها لا ذواتها وفيه أن عمل القلب بخلق الله وتسمية الله بما ثبت من صفاته على الوجه اللائق وانعقاد اليمين بصفة لا يشارك فيها وحل الحلف بأفعاله تقدس إذا وصف بها ولم يذكر اسمه وغير ذلك (حم خ) في التوحيد وغيره (ت ن) في الإيمان وغيره كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا ابن ماجه في الكفارة الحديث: 7010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 7011 - (كان يحمل ماء زمزم) من مكة إلى المدينة ويهديه لأصحابه وكان يستهديه من أهل مكة فيسن فعل ذلك (ت ك عن عائشة) الحديث: 7011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 7012 - (كان يخرج إلى العيدين) أي لصلاتهما (ماشيا ويرجع ماشيا) في طريق آخر كما الخبر المار والآتي لأن طريق القرية يشهد ففيه تكثير الشهود وقد ندب المشي إلى الصلاة تكثيرا للأجر (هـ عن ابن عمر) الحديث: 7012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 7013 - (كان يخرج إلى العيدين) أي لصلاتهما بالصحراء (ماشيا) لا راكبا (ويصلي) صلاة العيد (بغير أذان ولا إقامة) زاد مسلم ولا شيء واحتج جمع به على أنه لا يقال قبلها الصلاة جامعة واحتج الإمام الشافعي على سنه بالأمر به في مرسل اعتضد بالقياس على الكسوف لثبوته فيه وفيه أنه لا يؤذن لها ولا يقام وبعضهم أحدث الأذان فقيل أول من أحدثه معاوية وقيل زياد (ثم يرجع ماشيا) غير راكبا ويجعل رجوعه (في طريق آخر) ليسلم على أهل الطريقين أو ليتبركا به أو ليقضى حاجتهما أو ليظهر الشعر فيهما أو ليغيظ منافقيهما قال ابن القيم: والأصح أنه لذلك كله ولغيره [ص: 211] من الحكم الذي لا يخلو فعله عنها (هـ عن أبي رافع) ورواه أيضا البزاز عن سعد مرفوعا قال الهيثمي: وفيه خالد بن إلياس متروك الحديث: 7013 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 7014 - (كان يخرج في العيدين) إلى المصلى الذي على باب المدينة الشرقي بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قال ابن شيبة قال ابن القيم: وهو الذي يوضع فيه محمل الحاج ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة لمطر بل كان يفعلها في المصلى دائما ومذهب الحنفية: أن صلاتها بالصحراء أفضل من المسجد وقال المالكية والحنابلة: إلا بمكة وقال الشافعية: إلا في المساجد الثلاثة فأفضل لشرفها ويخرج حال كونه (رافعا صوته بالتكبير والتهليل) وبهذا أخذ الشافعي وفيه رد على أبي حنيفة في ذهابه إلى أن رفع الصوت بالتكبير فيه بدعة مخالف للأمر في قوله تعالى {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر} وصيغته مشهورة (هب عن ابن عمر) بن الخطاب مرفوعا وموقوفا وصحح وقفه ورواه الحاكم عنه أيضا ورواه الشافعي موقوفا فما أوهمه اقتصار المصنف على البيهقي من تفرده به غير جيد الحديث: 7014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 7015 - (كان يخطب) يوم الجمعة حال كونه (قائما) عبر بكان إشارة إلى دوام فعله ذلك حال القيام وكذا قيل وهو مبني على إفادة كان التكرار وفيه خلاف معروف وعليه الشافعي وهو حجة للشافعي في اشتراطه القيام للقادر وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يواظب على القيام فيها ورد على الأئمة الثلاثة المجوزين لفعلها من قعود (ويجلس بين الخطبتين) قدر سورة الإخلاص (ويقرأ آيات) من القرآن (ويذكر الناس) بآلاء الله وجنته وناره والمعاد ويعلمهم قواعد الدين ويأمرهم بالتقوى ويبين موارد غضبه ومواقع رضاه وكان يخطب في كل وقت بما يقتضيه الحال ولم يخطب خطبة إلا افتتح بالحمد ولم يلبس لباس الخطباء الآن وفيه أنه يجب القعود بين الخطبتين لخبر صلوا كما رأيتموني أصلي <تنبيه> قال ابن عربي: حكمة كونهما خطبتين أنه يذكر في الأولى ما يليق بالله من الثناء والتحريض على الأمور المقربة من الله بالدلائل من كتاب الله والثانية بما يستطيع من الدعاء والالتجاء من الذلة والافتقار والسؤال والتضرع في التوفيق والهداية لما ذكره وأمر به في الخطبة وقيامه حال خطبته أما في الأولى فبحكم النيابة عن الحق بما أنذر به وأوعد ووعد فهو قيام حق بدعوة صدق وأما في الثانية فهو قيام عبد بين يدي كريم يسأل منه الإعانة بما في الخطبة الأولى من الوصايا وأما القعدة بين الخطبتين ليفصل بين المقام الذي يقتضيه النيابة من الحق تعالى فيما وعظ به عباده على لسان الخطبتين وبين المقام الذي يقتضيه مقام السؤال والرغبة في الهداية إلى الصراط المستقيم (حم م د ن هـ عن جابر بن سمرة) الحديث: 7015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 7016 - (كان يخطب بقاف) أي بسورتها (كل جمعة) لاشتمالها على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة وقوله كل جمعة قد يحمل على الجمع التي حضرها الراوي فلا ينافي أن غيره سمعه يخطب بغيرها (د) في الصلاة (عن) أم هشام (بنت الحارث بن النعمان) الأنصارية صحابية مشهورة وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها ظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد الشيخين وهو ذهول فقد خرجه الإمام مسلم في الصلاة عن بنت الحارث هذه ورواه أيضا الترمذي وابن ماجه الحديث: 7016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 7017 - (كان يخطب النساء ويقول) لمن خطبها (لك كذا وكذا) من مهر ونفقة ومؤونة (وجفنة سعد) بن عبادة (تدور [ص: 212] معي إليك كلما درت) وقد مر شرح قصة جفنة سعد (طب عن سهل بن سعد) الساعدي رمز المصنف لحسنه الحديث: 7017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 7018 - (كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم) من الاشتغال بمهنة الأهل والنفس إرشادا للتواضع وترك التكبر لأنه مشرف بالوحي والنبوة ومكرم بالمعجزات والرسالة وفيه أن الإمام الأعظم يتولى أموره بنفسه وأنه من دأب الصالحين (حم عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال الزين العراقي: رجاله رجال الصحيح ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] بلفظ ويرقع الثوب والبخاري من حديث عائشة كان يكون في مهنة أهله الحديث: 7018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 7019 - (كان يدخل الحمام ويتنور) أي كان يطلي عانته وما قرب منها بالنورة قال ابن القيم: لم يصح في الحمام حديث ولم يدخل حماما قط ولعله ما رآه بعينه (ابن عساكر) في تاريخه (عن واثلة) بن الأسقع بسند ضعيف جدا بل واه بالمرة الحديث: 7019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 7020 - (كان يدركه الفجر وهو) أي والحالة أنه (جنب من) جماع (أهله) زاد في رواية في رمضان من غير حلم (ثم يغتسل ويصوم) بيانا لصحة صوم الجنب وإلا فالأفضل الغسل قبل الفجر وأردت بالتقييد بالجماع من غير احتلام المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا مفطر وأما خبر أبي هريرة من أصبح جنبا فلا يصم فهو منسوخ أو مردود وما كان من خلاف فقد مضى وانقضى وقام الإجماع على الصحة كما بينه النووي وغيره (مالك) في الموطأ (ق 4) كلهم في الصوم (عن عائشة وأم سلمة) الحديث: 7020 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 7021 - (كان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة) بكسر الهمزة دهن اللحم أو كل دهن يؤتدم به أو يختص بدهن الشحم والألية أو هو الدسم (السنخة) بسين مهملة مفتوحة فنون مكسورة فخاء معجمة وبزاي بدل السين أي المتغيرة الريح قال الزمخشري: سنخ وزنخ إذا تغير وفسد والأصل السين والزاي بدل اه. وخفي على بعض الأعاظم حيث زعم أنه بالسين فقط وأن العامة تقول زنخة وظاهره أن الدعوة إلى مجموع ذلك وهو لو دعي إلى خبز الشعير وحده لأجاب وفيه حل أكل اللحم والدهن ولو أنتن حيث لا ضرر قضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته " فيجيب " هكذا هو ثابت عند مخرجه الترمذي في الشمائل (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (عن أنس) بن مالك الحديث: 7021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 7022 - (كان يدعو عند الكرب) أي عند حلوله يقول (لا إله إلا الله العظيم) الذي لا شيء يعظم عليه (الحليم) الذي يؤخر العقوبة مع القدرة (لا إله إلا الله رب العرش العظيم) وفي رواية بدل العظيم والكريم المعطي تفضلا روي برفع العظيم والكريم على أنهما نعتان للرب والثابت في رواية الجمهور الجر نعت للعرش قال الطيبي: صدر الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية (لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم) قالوا هذا دعاء جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند العظائم فيه التهليل المشتمل على التوحيد وهو أصل التنزيهات الجلاليه والعظمة الدالة على تمام القدرة والحلم الدال على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم [ص: 213] وهما أصل الأوصاف الإكرامية قال الإمام ابن جرير: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب وهو وإن كان ذكرا لكنه بمنزلة الدعاء لخبر من شغله ذكري عن مسئلتي اه. وأشار به إلى رد ما قيل هذا ذكر لا دعاء ولما كان في جواب البعض بأن المراد أنه يفتتح دعاءه به ثم يدعو بما شاء تسليما للسؤال عدل عنه إلى ما ذكره (حم ق ت هـ) كلهم في الدعوات (عن ابن عباس) عبد الله (طب) عنه أيضا (وزاد) في آخره (اصرف عني شر فلان) ويعينه باسمه فإن له أثرا بينا في دفع شره <فائدة> قال ابن بطال: عن أبي بكر الرازي كنت بأصبهان عند أبي نعيم وهناك شيخ يسمى أبا بكر عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن فرأيت المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قل لأبي بكر يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج الحديث: 7022 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 7023 - (كان يدور على نسائه) كناية عن جماعه إياهن (في الساعة الواحدة من الليل والنهار) ظاهره أن القسم لم يكن واجبا عليه وعورض بخبر هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك وأجيب بأن طوافه كان قبل وجوب القسم وأقول: يحتاج إلى ثبوت هذه القيلة إذ هي ادعائية وقضية تصرف المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند البخاري وهن إحدى عشرة هذا لفظه ولو ذكره لكان أولى وكأنه فر من الإشكال المشهور وهو أن ما وقع في البخاري فيه تأمل لأنه لم يجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم هذا العدد في آن واحد وقد أجيب بأن مراده الزوجات والسراري واسم النساء يشمل الكل (خ ن عن أنس) بن مالك الحديث: 7023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 7024 - (كان يدير العمامة على رأسه) وكان له عمامة تسمى السحاب كساها عليا (ويغرزها من ورائه ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه) هذا أصل في مشروعية العذبة وكونها بين الكتفين ورد على من كره ذلك ومن أنكره وجاء فيها أحاديث أخرى بعضها حسن وبعضها ضعيف ناصة على فعله لها لنفسه ولجماعة من صحبه وعلى أمره بها ولذا تعين حمل قول الشيخين له فعل العذبة وتركها ولا كراهة فيهما على أن مرادهما الجواز الشامل للندب وتركه لها أحبانا إنما يدل على جواز الترك وعدم تأكد الندب وقد استدل جمع بكون المصطفى صلى الله عليه وسلم أرسلها بين الكتفين تارة وإلى الجانب الأيمن أخرى على أن كلا سنة وهذا مصرح بأن أصلها سنة لأن السنة في إرسالها إذا أخذت من فعله فأصل سنتها أولى ثم إرسالها بين الكتفين أفضل منه على الأيمن لأن حديث الأول أصح وأما إرسال الصوفية لها عن الجانب الأيسر لكونه محل القلب فيتذكر تفريغه مما سوى ربه فاستحسان لا أصل له وقول صاحب القاموس لم يفارقها قط رد بأنه تركها أحبانا قال بعضهم: وأقل ما ورد في طولها أربع أصابع وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبر وقول صاحب القاموس كانت طويلة ممنوع إلا أن يريد طولا نسبيا ويحرم إفحاش طولها بقصد الخيلاء ويكره بدونه ولو خاف إرسالها نحو خيلاء لم يؤمر بتركها خلافا لبعضهم بل يفعل ويجاهد نفسه لإزالته فإن عجز لم يضر لأنه قهري فلا يكلف به غايته أنه لا يسترسل مع نفسه وخوف إيهامه الناس صلاحا أو عملا خلى عنه لا يوجب تركها بل يفعلها ويعالج نفسه نعم إن قصد غير صالح التزين بها ونحوها لتوهم صلاحه فيعطى حرم كما ذكره الزركشي واعلم أنه لم يتحرر كما قاله بعض الحفاظ في طول عمامته وعرضها شيء وما وقع للطبراني في طولها أنه سبعة [ص: 214] أذرع ولغيره نقلا عن عائشة أنه سبعة في عرض ذراع وأنها كانت في السفر بيضاء وفي الحضر سوداء من صوف وقيل عكسه وأن عذبتها كانت في السفر من غيرها وفي الحضر منها فلا أصل له (طب هب عن ابن عمر) قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال الصحيح إلا عبد السلام وهو ثقة الحديث: 7024 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 7025 - (كان يذبح أضحيته بيده) مسميا مكبرا وربما وكل ففيه ندب الذبح بيد المضحي إن قدر واتفقوا على جواز التوكيل للقادر لكن عند المالكية رواية بعدم الإجزاء وعند أكثرهم يكره قال القاضي: والأضحية ما يذبح يوم النحر على وجه القربة وفيها أربع لغات أضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي وضحية وجمعها ضحايا وأضحا وجمعها أضحى سميت بذلك إما لأن الوقت الذي تذبح فيه ضحى يوم العيد بعد صلاته واليوم يوم الأضحى لأنه وقت التضحية أو لأنها تذبح يوم الأضحى واليوم يسمى أضحى لأنه يتضحى فيه بالغداء فإن السنة أن لا يتغدى فيه حتى ترتفع الشمس ويصلي (حم عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته الحديث: 7025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 7026 - (كان يذكر الله تعالى) بقلبه ولسانه بالذكر الثابت عنه من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك (على) قال الولي العراقي: هي ههنا بمعنى في وهو الظرفية كما في قوله تعالى {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} أي في حين غفلة (كل أحيانه) أي أوقاته متطهرا ومحدثا وجنبا وقائما وقاعدا ومضطجعا وماشيا وراكبا وظاعنا ومقيما فكأن ذكر الله يجري مع أنفاسه والحديث عام مخصوص بغير قاضي الحاجة لكراهة الذكر حالتئذ باللسان وبغير الجنب لخبر الترمذي وغيره كان لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة وبغير حالة الجماع وقضاء الحاجة فيكره هذا ما عليه الجمهور وتمسك بعموم الحديث المشروح قوم منهم الطبري وابن المنذر وداود فجوزوا القراءة للجنب قالوا: لكون الذكر أعم من كونه بقراءة أو بغيرها وإنما فرق بالعرف وحملوا حديث الترمذي على الأكمل جمعا بين الأدلة وقال العارف ابن العربي: كان يذكر الله على كل أحيانه لكن يكون الذكر في حال الجنابة مختصا بالباطن الذي هو ذكر السر فهو في سائر حالاته محقق بالمقام وإنما وقع اللبس على من لا معرفة له بأحوال أهل الكمال فتفرقوا واختلفوا قال: قالوا: ولنا منه ميراث وافر فينبغي المحافظة على ذلك انتهى. وأخرج أبو نعيم عن كعب الأحبار قال موسى: يا رب أقريب أنت فأنأجيك أم بعيد فأنأديك قال: أنا جليس من ذكرني قال: يا رب فإنا نكون على حال نجلك ونعظمك أن نذكرك بالجنابة والغائط قال: يا موسى اذكرني على كل حال أي بالقلب كما تقرر قال الأشرفي: الذكر نوعان قلبي ولساني والأول أعلاهما وهو المراد في الحديث وفي قوله تعالى {اذكروا الله ذكرا كثيرا) وهو أن لا ينسى الله على كل حال وكان للمصطفى صلى الله عليه وسلم حظ وافر من هذين النوعين إلا في حالة الجنابة ودخول الخلاء فإنه يقتصر فيهما على النوع الأعلى الذي لا أثر فيه للجنابة ولذلك كان إذا خرج من الخلاء يقول غفرانك انتهى. وقال غيره: لا ينافيه حديث كرهت أن أذكر الله إلا على طهر وتوضأ لرد السلام لكونه ذكر الله لأنه أخذ بالأفضل والأكمل (م د ت هـ) وأبو يعلى كلهم في الطهارة إلا الترمذي ففي الدعوات (عن عائشة) وعلقه البخاري في الصلاة وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري فقال: صحيح الحديث: 7026 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 7027 - (كان يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء) لأنه تعالى لما رزقه الإطلاع الباطن والإحاطة بإدراك مدركات القلب جعل له مثل ذلك في مدركات العيون ومن ثم كان يرى المحسوس من وراء ظهره كما يراه من أمامه [ص: 215] ذكره الحرالي فالحاصل أنه من قبيل الكشف له عن المرئيات وهو في معناه ما سبق أنه كان يبصر من ورائه (البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (عن ابن عباس عد عن عائشة) ضعفه ابن دحية في كتاب الآيات البينات وقال البيهقي: ليس بقوي وقال ابن الجوزي: في حديث عائشة لا يصح. وفيه عبد الله بن محمد بن المغيرة فقال العقبلي: يحدث بما لا أصل له وذكره في الميزان مع جملة أحاديث وقال: هذه موضوعات ومع ذلك كله رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده الحديث: 7027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 7028 - (كان يرى للعباس) من الإجلال والإعظام (ما يرى الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه) ويقول إنما عم الرجل صنو أبيه وأصل هذا أن عمر لما أراد أن يستسقي عام الرمادة خطب فقال: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده فاقتدوا برسول اله صلى الله عليه وسلم واتخذوا العباس وسيلة إلى الله فما برحوا حتى سقاهم الله وفيه ندب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته حقه (ك) في الفضائل وكذا ابن حبان في صحيحه (عن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه داود بن عطاء متروك قال: لكن هو في جزء البانياسي وصح نحوه من حديث أنس فأما داود فمتروك الحديث: 7028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 7029 - (كان يرخي الإزار) أي إزاره (من بين يديه ويرفعه من ورائه) حال المشي لئلا يصيبه نحو قذر أو شوك (ابن سعد) في طبقاته (عن يزيد بن أبي حبيب) البصري بن أبي رجاء واسم أبيه سويد فقيه ثقة يرسل كثيرا (مرسلا) الحديث: 7029 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 7030 - (كان يردف خلفه) من شاء من أهل بيته أو أصحابه تواضعا منه وجبرا لهم وربما أردف خلفه وأركب أمامه فكانوا ثلاثة على دابة وأردف الرجال وأردف بعض نسائه وأردف أسامة من عرفة إلى مزدلفة والفضل بن العباس من مزدلفة إلى منى كما في البخاري وفيه جواز الإرداف لكن إن أطاقته الدابة (ويضع طعامه) عند الأكل (على الأرض) أي فلا يرفعه على خوان كما يفعله الملوك والعظماء (ويجيب دعوة المملوك) يعني المأذون له من سيده في الوليمة أو المراد العتيق باعتبار ما كان واستعمال مثل ذلك في كلامهم وقول المطرزي المراد بالدعوة النداء بالأذان بعيد مناف للسياق إذ هذا معدود في سياق تواضعه وليس في إجابة الأذان إذا كان المؤذن عبدا ما يحسن عده من التواضع بل الحر فيه والعبد سواء (ويركب الحمار) هذا على طريق إرشاد العباد وبيان أن ركوب الحمار ممن له منصب لا يخل بمروءته ولا برفعته بل غايته التواضع وكسر النفس (ك) في الأطعمة من حديث ابن عيينة عن مسلم الملائي (عن أنس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بقوله: قلت مسلم ترك الحديث: 7030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 7031 - (كان يركب الحمار عريا ليس عليه شيء) مما يشد على ظهره من نحو إكاف وبرذعة تواضعا وهضما لنفسه وتعليما وارشادا قال ابن القيم: لكن كان أكثر مراكبه الخيل والإبل (ابن سعد) في طبقاته (عن حمزة بن عبد الله بن عتبة مرسلا) الحديث: 7031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 [ص: 216] 7032 - (كان يركب الحمار ويخصف) بكسر الصاد المهملة (النعل ويرقع القميص) من نوعه ومن غير نوعه (ويلبس الصوف) رداء وإزارا وعمامة (ويقول) منكرا على من ترفع عن ذلك هذه سنتي و (من رغب عن سنتي) أي طريقتي (فليس مني) أي من العاملين بطريقتي السالكين منهجي وهذه سنة الأنبياء قبله أيضا روى الحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود كانت الأنبياء يستحبون أن يلبسوا الصوف ويحلبوا الغنم ويركبوا الحمر وقال عيسى عليه السلام: بحق أقول إنه من طلب الفردوس فغذاء الشعير له والنوم على المزابل مع الكلاب كثير وفيه ندب خدمة الرجل نفسه وأنه لا دناءة في ذلك (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي أيوب) الأنصاري ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في كتاب الأخلاق قال الزين العراقي: وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي ضعفوه وكذا شيخه المختار التميمي ضعيف الحديث: 7032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 7033 - (كان يركع قبل الجمعة أربعا) من الركعات (وبعدها أربعا لا يفصل في شيء منهن) بتسليم وفيه أن الجمعة كالظهر في الراتبة القبلية والبعدية وهو الأصح عند الشافعية (هـ عن ابن عباس) فيه أمور: الأول أن الذي لابن ماجه إنما هو بدون لفظ وبعدها أربعا وإنما هذه الزيادة للطبراني كما ذكره ابن حجر وغيره الثاني سكت عليه فأوهم سلامته من العلل وليس كما أوهم فإن ابن ماجه رواه عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن الحبر قال الزيلعي: ومبشر معدود من الوضاعين وحجاج وعطية ضعيفان اه. وقال النووي في الخلاصة: هذا حديث باطل اجتمع هؤلاء الأربعة فيه وهم ضعفاء وبشر وضاع صاحب أباطيل وقال الحافظ العراقي ثم ابن حجر: سنده ضعيف جدا وقال الهيثمي: رواه الطبراني بلفظ كان يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن ورواه ابن ماجه باقتصار الأربع بعدها وفيه الحجاج بن أرطاة وعطية العوفي وكلاهما ضعيف إلى هنا كلامه الثالث أنه قد أساء التصرف حيث عدل لهذا الطريق المعلول واقتصر عليه مع وروده من طريق مقبول فقد رواه الخلعي في فوائده من حديث علي كرم الله وجهه قال الحافظ الزين العراقي: وإسناده جيد الحديث: 7033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 7034 - (كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم) فيه رد على منع الحسن التسليم على الصبيان (ويمسح رؤوسهم) أي كان له اعتناء بفعل ذلك معهم أكثر منه مع غيرهم وإلا فهو كان يفعل ذلك مع غيرهم أيضا وكان يتعهد أصحابه جميعا ويزورهم قال ابن حجر: هذا مشعر بوقوع ذلك منه غير مرة أي فالاستدلال به على مشروعية السلام على الصبيان أولى من استدلال البعض بحديث مر على صبيان فسلم عليهم فإنها واقعة حال قال ابن بطال: وفي السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وطرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب نعم لا يشرع السلام على الصبي الوضيء سيما إن راهق (ن عن أنس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن النسائي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل خرجه الترمذي أيضا عن أنس قال جدي رحمه الله في أماليه: هذا حديث صحيح ورواه أيضا ابن حبان في صحيحه اه. فرمز المصنف لحسنه غير جيد بل كان الأولى الرمز لصحته الحديث: 7034 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 7035 - (كان يستاك بفضل وضوئه) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به قيل المراد به الغسل وقيل التنقية أي تنقية الفم وفي مصنف ابن أبي شيبة عن جرير البجلي الصحابي أنه كان يستاك ويأمرهم أن يتوضأوا بفضل سواكهم وعن [ص: 217] إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء منفضل السواك كذلك (ع عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الدارقطني قال ابن حجر: وفيه يوسف بن خالد التيمي متروك وروي من طريق آخر عن الأعمش عن أنس وهو منقطع الحديث: 7035 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 7036 - (كان يستاك عرضا) أي في عرض الأسنان ظاهرا وباطنا في طول الفم زاد أبو نعيم في روايته ولا يستاك طولا وعورض بذكر الطول في خبر آخر وجمع مغلطاي وغيره بأنه في اللسان والحلق طولا وفي الأسنان عرضا (و) كان (يشرب مصا) أي من غير عب (ويتنفس) في أثناء الشرب (ثلاثا) من المرات (ويقول) موجها ذلك (هو) أي التنفس ثلاثا (أهنأ وأمرأ) بالهمز أفعل من مرأ الطعام أو الشراب في جسده إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبا بلذة ونفع (وأبرأ) أشد برا لكونه يقمع الصفراء أي يقوي الهضم وأسلم لحرارة المعدة من أن يهجم عليها البارد دفعة فربما أطفأ الحار الغريزي بشدة برده أو أضعفه (البغوي وابن قانع) في معجمها وكذا ابن عدي وابن منده والبيهقي (طب وابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي وفي الصحابة كلهم من حديث ثبيت بن كثير عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب (عن بهز) القشيري ويقال البهزي ذكره البغوي وغيره في الصحابة قال في الإصابة: قال البغوي: لاأعلم روى بهز إلاهذا وهو منكر وقال ابن منده: رواه عباد بن يوسف عن ثبيت فقال عن القشيري بدل بهز ورواه مجنس عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقيل إن ابن المسيب إنما سمعه من بهز بن حكيم فأرسله الراوي عنه فظنه بعضهم صحابيا لكن قضية كلام ابن منده أن ابن المسيب سمعه من معاوية جد بهز بن حكيم فقال مرة عن جد بهز فسقط لفظ جد من الراوي قال أعني ابن حجر: وبالجملة هو كما قال ابن عبد البر إسناده مضطرب ليس بالقائم اه. قال شيخه الزين العراقي: لا يحتج بمثله قال الهيثمي: وفيه ثبيت بن كثير ضعيف وقال ابن العراقي بعد ما عزاه لأبي نعيم: إسناده ضعيف وقال السخاوي: ذكر أبو نعيم ما يدل على أن بهز هذا هو ابن حكيم بن معاوية القشيري وعليه هو منقطع وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر وثبيت هذا قال في الميزان: قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج بخبره ثم ساق له هذا الخبر (هق) وكذا العقيلي من رواية علي بن ربيعة القرشي عن بهز هذا عن ابن المسيب (عن ربيعة بن أكثم) بن أبى الجوزن الخزاعي قال في الإصابة: إسناده إلى ابن المسيب ضعيف وقال ابن السكن: لم يثبت حديثه اه. قال السخاوي: وسنده ضعيف جدا بل قال ابن عبد البر ربيعة قتل بخيبر فلم يدركه سعيد وقال في التمهيد: لا يصحان من جهة الإسناد وقال الحافظ العراقي: الكل ضعيف الحديث: 7036 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 7037 - (كان يستحب إذا أفطر) من صومه (أن يفطر على لبن) هذا محمول على ما إذا فقد الرطب أو التمر أو الحلو أو على أنه جمع مع التمر غيره كاللبن جمعا بين الأخبار (قط عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه الحديث: 7037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 7038 - (كان يستجمر بألوة غبر مطراة) الألوة العود الذي يتبخر به وتفتح همزته وتضم والمطراة التي يعمل عليها ألوان الطيب كعنبر ومسك وكافور (وبكافور يطرحه مع الألوة) ويخلطه به ثم يتبخر به (م عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7038 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 7039 - (كان يستحب الجوامع) لفظ رواية الحاكم كان يعجبه الجوامع (من الدعاء) وهو ما جمع مع الوجازة خير الدنيا والآخرة نحو (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) الآية أو هو ما يجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة أو ما يجمع الثناء على الله وآداب المسألة والفضل للمتقدم (ويدع) أن يترك (ما سوى ذلك) من الأدعية إشارة إلى معنى ما يراد به من [ص: 218] الجوامع فيختلف معنى السوى بحسب اختلاف تفسير الجوامع فعلى الأول ينزل ذلك على غالب الأحوال لا كلها فقد قال المنذري: كان يجمع في الدعاء تارة ويفصل أخرى (د) في الصلاة (ك) في الدعاء (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وسكت عليه أبو داود وقال النووي في الأذكار والرياض: إسناده جيد الحديث: 7039 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 7040 - (كان يستحب أن يسافر يوم الخميس) لما مر تقريره قال ابن حجر: محبته لذلك لا تستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وقد خرج في بعض أسفاره في يوم السبت (طب عن أم سلمة) رمز المصنف لحسنه وهو زلل فقد أعله الهيثمي وغيره: بأن فيه خالد بن إياس وهو متروك الحديث: 7040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 7041 - (كان يستحب أن تكون له فروة مدبوغة يصلي عليها) بين به أن الصلاة على الفروة لا تكره وأن ذلك لا ينافي كمال الزهد وأنه ليس من الورع الصلاة على الأرض قال في المصباح: الفروة التي تلبس قيل بإثبات الهاء وقيل بحذفها (ابن سعد) في طبقاته (عن المغيرة) بن شعبة وفيه يونس بن يونس بن الحارث الطائفي قال في الميزان: له مناكير هذا منها الحديث: 7041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 7042 - (كان يستحب الصلاة في الحيطان) قال أبو داود: بمعنى البساتين وفي النهاية الحائط البستان من النخل إذا كان عليه حائط وهو الجدار قال الحافظ العراقي: واستحبابه الصلاة فيها إما لقصد الخلوة عن الناس فيها أو لحلول البركة في ثمارها ببركة الصلاة فإنها تجلب الرزق بشهادة {وأمر أهلك بالصلاة} الآية أو إكراما للمزور بالصلاة في مكانه أو لأن ذلك تحية كل منزلة نزلها سفرا أو حضرا وفيه الصلاة في البستان وإن كان المصلى فيها ربما اشتغل عن الصلاة بالنظر إلى الثمر والزهر وإن ذلك لا يؤدي إلى كراهة الصلاة فيها قال الحافظ العراقي: والظاهر أن المراد بالصلاة التي يستحبها فيها النفل لا الفرض بدليل الأخبار الواردة في فضل فعله بالمسجد والحث عليه ويحتمل أن المراد الصلاة إذا حضرت ولو فرضا وفيه أن فرض من بعد عن الكعبة إصابة الجهة لا العين لأن الحيطان ليست كالمسجد في نصب المحراب (ت عن معاذ) بن جبل ثم قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن جعفر وقد ضعفه يحيى وغيره اه. قال الزين العراقي: وإنما ضعف من جهة حفظه دون أن يتهم بالكذب وقال الفلاس: صدوق منكر الحديث وكان يحيى لا يحدث عنه وقال ابن حبان: كان من المعتقدين المجابين الدعوة لكن ممن غفل عن صناعة الحديث فلا يحتج به وقال البخاري: منكر الحديث وضعفه أحمد والمديني والنسائي الحديث: 7042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 7043 - (كان يستعذب له الماء) أي يطلب له الماء العذب ويحضر إليه لكون أكثر مياه المدينة مالح وهو كان يحب الماء الحلو البارد (من بيوت السقيا) بضم المهملة وسكون القاف مقصورة عين بينها وبين المدينة يومان وقيل قرية جامعة بين مكة والمدينة قال المصنف تبعا لغيره: (وفي لفظ) أي للحاكم وغيره (يستقى له الماء العذب من بئر السقيا) بضم السين المهملة وسكون القاف فمثناة تحت مقصور لأن الشراب كلما كان أحلى وأبرد كان أنفع للبدن وينعش الروح والقوى والكبد وينفذ الطعام إلى الأعضاء أتم تنقيذ سيما إذا كان بائتا فإن الماء البائت بمنزلة العجين الخمير والذي يشر لوقته كالفطير <تنبيه> جاء في حديث رواه الطبراني وابن منده أن هذا البئر استنبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه عن جريج بن سدرة بن علي السلمي عن أبيه عن جده خرجنا مع رسول الله [ص: 219] صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا القاع فنزل في صدر الوادي فبحث بيده في البطحاء فنديت ففحص فانبعث الماء فسقى وسقى كل من كان معه فقال: هذه سقيا سقاكم الله فسميت السقيا (حم د ك) في الأطعمة (عن عائشة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وبه ختم أبو داود كتاب الأشربة ساكتا عليه الحديث: 7043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 7044 - (كان يستعط بالسمسم) أي بدهنه (ويغسل رأسه بالسدر) بكسر فسكون ورق شجر النبق المطحون قال الحجة في التفسير: والسدر نوعان أحدهما ينبت في الأرياف فينتفع بورقه بالغسل وثمرته طيبة والآخر ينبت في البر ولا ينتفع بورقه في الغسل وثمرته عفصه (ابن سعد) في طبقاته (عن أبي جعفر) الهاشمي (مرسلا) الحديث: 7044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 7045 - (كان يستغفر) الله تعالى (للصف المقدم) أي يطلب من الغفر أي الستر لذنوب أهل الصف الأول في الصلاة وهو الذي يلي الإمام ويكرره (ثلاثا) من المرات اعتناء بشأنهم (وللثاني مرة) أي ويستغفر للصف الثاني مرة واحدة إشارة إلى أنهم دون الأول في الفضل وسكت عما دون ذلك من الصفوف فكأنه كان لا يخصهم بالاستغفار تأديبا لهم على تقصيرهم وتهاونهم في حيازة فضل ذينك الصفين (حم هـ ك) في الصلاة (عن عرباض) بن سارية قال الحاكم: صحيح على الوجوه كلها ولم يخرجها للعرباض الحديث: 7045 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 7046 - (كان يستفتح) أي يفتتح (دعاءه سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب) أي يبتدئه به ويجعله فاتحته قال حجة الإسلام: فيندب أن يفتتح الدعاء بذكر الله ولا يبدأ بالسؤال وبما هو اللائق من ذكر المواهب والمكارم أولى وقال القاضي: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاءه بالثناء على الله وإذا أراد أن يدعو يصلي ثم يدعو فأشار بذلك إلى أن من شرط السائل أن يتقرب إلى المسؤول منه قبل طلب الحاجة بما يوجب له الزلفى لديه ويتوسل بشفيع له بين يديه ليكون أطمع في الإسعاف وأحق بالإجابة فمن عرض السؤال قبل تقديم الوسيلة فقد استعجل (حم) وكذا الطبراني (ك) في كتاب الدعاء والذكر من حديث عمر بن راشد عن إياس بن سلمة (عن) أبيه (سلمة بن الأكوع) المسلمي ولفظ سلمة ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى فغيره المصنف إلى ما ترى قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عمر ضعيف وقال الهيثمي: في رواية أحمد عمر بن راشد اليمامي وثقه غير واحد وضعفه آخرون وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 7046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 7047 - (كان يستفتح) أي يفتتح القتال من قوله تعالى {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} ذكره الزمخشري (ويستنصر) أي بطلب النصرة (بصعاليك المسلمين) أي بدعاء فقرائهم الذين لا مال لهم ولاجاه تيمنا بهم ولأنهم لانكسار خواطرهم يكون دعاؤهم أقرب للإجابة والصعلوك من لا مال له ولا اعتمال وقد صعلكته إذا أذهبت ماله ومنه تصعلكت الإبل إذا ذهبت أوبارها وكما التقى الفتح والنصر في معنى الظفر التقيا في معنى المطر فقالوا: قد فتح الله علينا فتوحا كثيرة إذا تتابعت الأمطار وأرض بني فلان منصورة أي مغشية ذكره كله الزمخشري (ش طب عن أمية بن) خالد بن (عبد الله) بن أسد الأموي يرفعه رمز لحسنه قال المنذري: رواته رواه الصحيح وهو مرسل اه. وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجال الصحيح اه. لكن الحديث مرسل ورواه عنه أيضا البغوي في شرح السنة وقال ابن عبد البر: لا يصح عندي والحديث مرسل اه. وأمية لم يخرج له أحد من الستة وفي تاريخ ابن عساكر أن أمية هذا تابعي ثقة ولاه عبد الملك خراسان قال الذهبي في مختصره: والحديث مرسل وقال ابن حبان: أمية هذا يروي [ص: 220] المراسيل ومن زعم أن له صحبة فقد وهم وقال في الاستيعاب: لا يصح عندي صحبته وفي أسد الغابة: الصحيح لا صحبة له والحديث مرسل وفي الإصابة ليس له صحبة ولا رؤية الحديث: 7047 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 7048 - (كان يستمطر في أول مطرة) يعني أول مطر السنة (ينزع ثيابه كلها) ليصيب المطر جسده الشريف (إلا الإزار) أي الساتر للسرة وتحتها إلى أنصاف الساقين (حل عن أنس) بن مالك الحديث: 7048 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 7049 - (كان يسجد) في صلاته (على مسح) بكسر فسكون قال في المصباح: المسح اليلاس والجمع مسوح كحمل وحمول (طب عن ابن عباس) الحديث: 7049 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 7050 - (كان يسلت المني من ثوبه) أي يميطه منه قال الزمخشري: سلت مسح وأصل السلت القطع والقشر وسلت القصعة لحسها وسلتت المرأة خضابها أزالته اه. (بعرق الإدخر) إزالة لقباحة منظره واستحياء مما يدل عليه من حالته (ثم يصلي فيه) من غير غسل (وينحته من ثوبه) حال كونه (يابسا ثم يصلي فيه) من غير غسل فاستفدنا أن المني طاهر وهو مذهب الشافعية والإذخر بكسر الهمزة حشيشة طيبة الريح يسقف بها فوق الخشب وهمزته زائدة (حم عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 7050 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 7051 - (كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا) لما كان أفصح العرب جرى على تسميتهم الأنثى فرسا بغير هاء ولا يقول فرسة لأنه لم يسمع من كلامهم قال الحرالي: وفيه إشعار بأن من اتخذ شيئا حقه أن يجعل له اسما ولهذا ورد أن السقط إذا لم يسم يطالب بحقه فيقول يا رب أضاعوني (د ك) في الجهاد (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 7051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 7052 - (كان يسمي التمر واللبن الأطيبين) لأنهما أطيب ما يؤكل (ك) في الأطعمة من حديث طلحة بن زيد عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال: صحيح ورده الذهبي بأن طلحة ضعيف الحديث: 7052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 7053 - (كان يشتد عليه أن يوجد) أي يظهر (منه الريح) المراد هنا ريح بغير النكهة لا الريح الخارج من الدبر كما وهم بدليل خبر البخاري وغيره أنه شرب عسلا عند زينب ومكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة فقالتا إنا نجد منك ريح مغافير قال: لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب فلن أعود له فلا تخبرن أحدا قال: وكان يشتد أي يوجد منه الريح هذا لفظه وهي مبينة للمراد (د عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وظاهره أنه صحيح وأن الشيخين لم يخرجاه ولا أحدهما وإلا لما عدل عنه وهو ذهول بل هو في الصحيحين بهذا اللفظ لكنهما ساقا القصة المشار إليها بكمالها الحديث: 7053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 7054 - (كان يشد صلبه بالحجر من الغرث) بغين معجمة وراء مفتوحة فمثلثة: الجوع (ابن سعيد) في الطبقات (عن أبي هريرة) الحديث: 7054 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 [ص: 221] 7055 - (كان يشرب ثلاثة أنفاس يسمي الله في أوله ويحمد الله في آخره) أي يسميه في ابتداء الثلاث ويحمده في انتهائها ويحتمل أن المراد يسمي في أول كل شربة وآخرها ويؤيده في أوسط الطبراني قال ابن حجر: حسن عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله وإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاثا وأصله في ابن ماجه قال ابن القيم: للتسمية في الأول والحمد في الآخر تأثير عجيب في نفع الطعام والشراب ودفع مضرته قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل إذا ذكر الله في أوله وحمده في آخره وكثرة الأيدي عليه وكان من حل وقال الزين العراقي: هذا الخبر لا يعارضه خبر أبي الشيخ عن زيد بن الأرقم بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شربه بنفس واحد في خبر الحاكم عن أبي قتادة وصححه إذا شرب أحدكم فليشرب بنفس واحد لحمل هذين الحدثين على ترك النفس في الإناء (ابن السني عن) أبي معاوية (نوفل بن معاوية) الديلي بكسر الدال وسكون التحتية صحابي شهد الفتح ومات بالمدينة زمن يزيد وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في أحد الكتب المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور عن نوفل المذكور ورواه الطبراني أيضا في الأوسط والكبير بلفظ كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء ألى فيه سمى الله وإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاث مرات قال الهيثمي: فيه عتيق بن يعقوب لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 7055 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 7056 - (كان يشير في الصلاة) أي يومىء باليد أو الرأس يعني يأمر وينهى ويرد السلام وذلك فعل قليل لا يضر ذكره ابن الأثير أو المراد يشير بأصبعه فيها عند الدعاء كما صرحت به رواية أبي داود من حديث ابن الزبير ولفظه كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته قال النووي: سنده صحيح قال المظهري: اختلف في تحريك الأصبع إذا رفعها للإشارة والأصح أنه يضعها بغير تحريك ولا ينظر إلى السماء حين الإشارة إلى التوحيد بل ينظر إلى أصبعه ولا يجاوز بصره عنها لئلا يتوهم أنه تعالى في السماء تعالى عن ذلك (حم د عن أنس) بن مالك ورواه النسائي وابن ماجه أيضا رمز لحسنه واعلم أن هذا الحديث رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر ورواه أبو داود عن أحمد بن محمد بن شبوية ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق ورواه أبو يعلى عن يحيى بن معين عن عبد الرزاق قال أبو حاتم الرازي: اختصر عبد الرزاق هذه الكلمة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضعف فقدم أبو بكر فصلى بالناس وقال: أخطأ عبد الرزاق في اختصاره هذه الكلمة وأدخله في باب من كان يشير بأصبعه في الصلاة فأوهم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما أشار بيده في التشهد وليس كذلك الحديث: 7056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 7057 - (كان يصافح النساء) أي في بيعة الرضوان كما هو مصرح به هكذا في هذا الخبر عند الطبراني وما أدري لأي شيء حذفه المصنف (من تحت الثوب) قيل هذا مخصوص به لعصمته فغيره لا يجوز له مصافحة الأجنبية لعدم أمن الفتنة (طس عن معقل بن يسار) الحديث: 7057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 7058 - (كان يصغي للهرة الإناء فتشرب) أي يميله لها لتشرب منه بسهولة ولفظ رواية الدارقطني وغيره كان يمر به الهرة فبصغي لها الإناء فتشرب منه ويصغي بالغين المعجمة والصغو بالغين الميل يقال صغت الشمس للغروب مالت وصغيت الغناء وأصغيته أملته (ثم يتوضأ بفضلها) أي بما فضل من شربها وفيه طهارة الهرة وسؤرها وبه قال عامة العلماء إلا أن [ص: 222] أبا حنيفة كره الوضوء بفضل سؤرها وخالفه أصحابه وصحة بيعه وحل اقتنائه مع ما يقع منه من تلويث وإفساد وأنه ينبغي للعالم فعل الأمر المباح إذا تقرر عند بعض الناس كراهته ليبين جوازه وندب سقي الماء والإحسان إلى خلق الله وأن في كل كبد حراء أجر (طس) عن عائشة قال الهيثمي: رجاله موثقون (حل عن عائشة) وهو عنده من حديث محمد بن المبارك الصوري عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه عن عائشة اه. ورواه عنها الحاكم وصححه والدارقطني وحسنه لكن قال ابن حجر: ضعيف وقال ابن جماعة: ضعيف لكن له طرق تقويه الحديث: 7058 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 7059 - (كان يصلي في نعليه) أي عليهما أو بهما لتعذر الظرفية إن جعلت في متعلقة بيصلي فإن علقت بمحذوف صحت الظرفية بأن يقال كان يصلي والأرجل في النعال أي مستقرة فيها ومحله لا خبث فيهما غير معفو عنه قال ابن تيمية: وفيه أن الصلاة فيهما سنة وكذا كل ملبوس للرجل كحذاء وزربول فصلاة الفرض والنفل الجنازة حضرا وسفرا قاصدا فيهما سنة وسواء كان يمشي بها في الأزقة أولا فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه كانوا يمشون في طرقات المدينة بها ويصلون فيها بل كانوا يخرجون بها إلى الحش حيث يقضون الحاجة وقال ابن القيم: قيل للإمام أحمد أيصلي الرجل في نعليه قال: أي والله وترى أهل الوسواس إذا صلى أحدهم صلاة الجنازة في نعليه قام على عقبهما كأنه واقف على الجمر اه. وقال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيه نجاسة ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد: لا من المستحبات لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة لكن ملامسة الأرض الذي تكثر فيها النجاسات قد تقصر به عن هذه المرتبة وإذا تعارضت مراعاة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد والأخرى من جلب المصالح إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه (حم ق ت عن أنس) بن مالك الحديث: 7059 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 7060 - (كان يصلي الضحى ست ركعات) فصلاة الضحى سنة مؤكدة قال ابن حجر: لا تعارض بينه وبين خبر عائشة ما صلى الضحى قط وقولها ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه يحمل الإنكار على المشاهدة والإثبات على المعاهدة والإنكار على صنف مخصوص كثمان في الضحى والإثبات على أربع أو ست أو في وقت دون وقت (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (عن أنس) وكذا الحاكم في فضل صلاة الضحى عن جابر قال الحافظ العراقي: ورجاله ثقات الحديث: 7060 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 7061 - (كان يصلي الضحى أربعا) وفي رواية أربع ركعات أي يدوام على أربع ركعات (ويزيد ما شاء الله) أي بلا حصر لكن الزيادة التي ثبتت إلى ثنتي عشرة من غير مجاوزة وقد يكون ستا وثمانيا وبه عرف أن ثبوت اثني عشرة لا يعارض الأربع لأن المحصور في الأربع دوامها ولا الركعتين لأن الاكتفاء بهما كان قليلا فأقلها اثنتان وأفضلها ثمان وأكثرها اثني عشر عند الشافعية وتمسك بالحديث بعضهم على اختياره أنها لا تنحصر في عدد مخصوص. قال الزين العراقي: وليس في الأخبار الواردة في إعدادها ما ينفي الزائد ولا ثبت عن أحد من الصحب وإنما ذكر أن أكثرها اثني عشر الروياني وتبعه الشيخان ولا سلف ولا دليل (حم م) في الصلاة (عن عائشة) ظاهر صنيعه أنه لم يروه من الستة غير مسلم وليس كذلك بل رواه عنها أيضا النسائي وابن ماجه في الصلاة والترمذي في الشمائل الحديث: 7061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 7062 - (كان يصلي على الخمرة) بخاء معجمة مضمومة سجادة صغيرة من سعف النخل أو خوصه بقدر ما يسجد المصلي أو فويقه [ص: 223] من الخمر بمعنى التغطية لأنها تخمر محل السجود ووجه المصلي عن الأرض سميت به لأن خيوطها مستورة بسعفها أو لأنها تخمر الوجه أي تستره وفيه أنه لا بأس بالصلاة على السجادة صغرت أو كبرت ولا خلاف فيه إلا ما روي عن ابن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع عليها فيسجد عليه ولعله كان يفعله مبالغة في التواضع والخشوع فلا يخالف الجماعة وروى ابن أبي شيبة عن عروة وغيره أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض وحمل على كراهة التنزيه قال الحافظ الزين العراقي: وقد صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الخمرة والحصير والبساط والفروة المدبوغة (حم د ن هـ عن ميمونة) أم المؤمنين ورواه أحمد من حديث ابن عباس بسند رجاله ثقات الحديث: 7062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 7063 - (كان يصلي) في السفر هكذا هو ثابت في رواية البخاري والمراد النفل (على راحلته) أي بعيره. قال الرافعي: اسم يقع على الذكر والأنثى والهاء في الذكر للمبالغة ويقال راحلة بمعنى مرحولة كعيشة راضية (حيثما توجهت به) في جهة مقصده إلى القبلة أو غيرها فصوب الطريق بدل من القبلة فلا يجوز الانحراف عنه كما لا يجوز الانحراف في الفرض عنها (فإذا أراد أن يصلي المكتوبة) يعني صلاة واجبة ولو نذرا نزل (فاستقبل القبلة) فيه أنه لا تصح المكتوبة على الراحلة وإن أمكنه القيام والاستقبال وإتمام الأركان لكن محله عند الشافعية إذا كانت سائرة فإن كانت واقفة مقيدة يصح (حم ق عن جابر) ورواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر الحديث: 7063 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 7064 - (كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين) لا يعارضه ما ورد في أخبار أخرى أنه كان يصلي أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها وأربعا قبل العصر وركعتين قبل المغرب وركعتين قبل العشاء لاحتمال أنه كان يصلي هذه العشرة وتلك في بيته وأخبر كل راو بما اطلع عليه وأنه كان يواظب على هذه دون تلك وهذه العشرة هي الرواتب المؤكدة لمواظبة المصطفى صلى الله عليه وسلم عليهن وبقيت رواتب أخرى لكنها لا تتأكد كتلك (وكان لا يصلي بعد الجمعة) صلاة (حتى ينصرف) من المحل الذي جمعت فيه إلى بيته (فيصلي) بالفتح ذكره الكرماني (ركعتين في بيته) إذ لو صلاهما في المسجد ربما توهم أنهما المحذوفتان وأنها واجبة وصلاة النفل في الخلوة أفضل قال الكرماني: وقوله في بيته أفضل متعلق بالظهر على مذهب الشافعية ومختص بالأخير على مذهب الحنفية كما هو مقتضى القاعدة الأصولية وقال المحقق العراقي: لعل قوله في بيته متعلق بجميع المذكورات فقد ذكروا أن التقييد بالظرف يعود للمعطوف عليه أيضا لكن توقف ابن الحاجب وأعاد ذكر الجمعة بعد الظهر لأنه كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر وحكمته ما ذكر من أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك النفل بعدها بالمسجد خوف ظن أنها المحذوفة قال المحقق: وركعتا الجمعة لا يجتمعا مع ركعتي الظهر إلا لعارض كأن يصلي الجمعة وسنتها البعدية ثم يتبين فسادها فيصلي الظهر ثم سنتها ولم يذكر شيئا في الصلاة قبلها فلعله قاسها على الظهر وفيه ندب النفل حتى الراتبة في البيت (مالك) في الموطأ (ق د ن عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 7065 - (كان يصلي من الليل) قال المحقق: الظاهر أن من لابتداء الغاية أي ابتدأ صلاته في الليل ويحتمل أنها تبعيضية أي يصلي في بعض الليل (ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر) حكمة الزيادة على إحدى عشرة أن التهجد والوتر [ص: 224] يختص بصلاة الليل والمغرب وتر النهار فناسب كون صلاة الليل كالنهار في العدد جملة وتفصيلا قال القاضي: بنى الشافعي مذهبه على هذا في الوتر فقال: أكثره إحدى عشرة ركعة والفصل فيه أفضل ووقته ما بين العشاء والفجر ولا يجوز تقديمه على العشاء (ق د عن عائشة) ورواه عنها أيضا النسائي في الصلاة وكان ينبغي ذكره الحديث: 7065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 7066 - (كان يصلي قبل العصر ركعتين) في رواية أحمد والترمذي أربعا وفيه أن سنة العصر ركعتان ومذهب الشافعي أربع (د) في الصلاة من حديث عاصم بن ضمرة (عن علي) أمير المؤمنين. قال المنذري: وعاصم وثقه ابن معين وضعفه غيره. وقال النووي: إسناده صحيح ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 7066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 7067 - (كان يصلي بالليل ركعتين ثم ينصرف فيستاك) قال أبو شامة: يعني وكان يتسوك لكل ركعتين وفي هذا موافقة لما يفعله كثير في صلاة التروايح وغيرها قال العراقي: مقتضاه أنه لو صلى صلاة ذات تسليمات كالضحى والتروايح يستحب أن يستاك لكل ركعتين وبه صرح النووي (حم ن هـ ك عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح على شرطهما قال مغلطاي: وليس كما زعم ثم اندفع في بيانه لكن ابن حجر قال: إسناده صحيح وقال المنذري: رواة ابن ماجه ثقات. قال الولي العراقي: وهو عند أبي نعيم بإسناد جيد من حديث ابن عباس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يستاك بين كل ركعتين من صلاة الليل الحديث: 7067 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 7068 - (كان يصلي على الحصير) أي من غير سجادة تبسط له فرارا عن تزيين الظاهر للخلق وتحسين مواقع نظرهم فإن ذلك هو الرياء المحذور وهو وإن كان مأمونا منه لكن قصده التشريع والمراد بالحصير حصير منسوج من ورق النخل هكذا كانت عادتهم ثم هذا الحديث عورض بما رواه أبو يعلى وابن أبي شيبة وغيرهما من رواية شريح أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله يقول {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} قالت: لم يكن يصلي عليه ورجاله كما قال الحافظ الزين العراقي: ثقات وأجيب تارة بأن النفي في خبرها المداومة وأخرى بأنها إنما نفت علمها ومن علم صلاته على الحصير مقدم على النافي بأن حديثه وإن كان رجاله ثقات لكن فيه شذوذ ونكارة فإن القول بأن المراد في الآية الحصير التي تفرش مرجوج مهجور والجمهور على أنه من الحصر أي ممنوعون عن الخروج منها أفاده الحافظ العراقي قال ابن حجر: ولذلك لما ترجم البخاري باب الصلاة على الحصير حكى فيه فكأنه رآه شاذا مردودا قال العراقى: وفيه ندب الصلاة على الحصير ونحوها مما يقي بدن المصلي عن الأرض وقد حكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم (والفروة المدبوغة) إشارة إلى أن التنزه عنها توهما لتقصير الدباغ عن التطهير ليس من الورع وإيماءا إلى أن الشرط تجنب النجاسة إذا شوهدت وعدم تدقيق النظر في استنباط الاحتمالات البعيدة وقد منع قوم استفرغوا أنظارهم في دقائق الطهارة والنجاسة وأهملوا النظر في دقائق الرياء والظلم فانظر كيف اندرس من الدين رسمه كما اندرس تحقيقه وعلمه (حم د ك) في الصلاة (عن المغيرة) بن شعبة قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في المهذب بعد ما عزاه لأبي داود قال: فيه يونس بن الحارث ضعيف وقال الزين العراقي: خرجه أبو داود من رواية ابن عون عن أبيه عن المغيرة وابن عون اسمه محمد بن عبيد الله الثقفي ثقة وأبوه لم يرو عنه فيما علمت غير ابنه عون قال: فيه أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين وقال: يروي المقاطيع وهذا يدل على الانقطاع بينه وبين المغيرة الحديث: 7068 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 7069 - (كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال) لأنه يخالفنا طبعا ومزاجا وعناية من ربه تعالى [ص: 225] والركعتان بعده من خصائصه فأتاه قبله فقضاها بعده وكان إذا عمل عملا أثبته والوصال من خصائصه (د) من حديث محمد بن إسحاق (عن) محمد بن عمرو عن ذكوان مولى عائشة عن (عائشة) قال ابن حجر: وينظر في عنعنة محمد بن إسحاق انتهى. وبه يعرف أن إقدام المصنف على رمزه لصحته غير جيد الحديث: 7069 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 7070 - (كان يصلي على بساط) أي حصير كما في شرح أبي داود للعراقي وسبقه إليه أبوه في شرح الترمذي حيث قال: في سنن أبي داود ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير قال ابن القيم: كان يسجد على الأرض كثيرا وعلى الماء والطين وعلى الخمرة المتخذة من خوص النخل وعلى الحصير المتخذ منه وعلى الفروة المدبوغة كذا في الهدى ولا ينافيه إنكاره في المصائد على الصوفية ملازمتهم للصلاة على سجادة وقوله لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سجادة قط ولا كانت السجادة تفرش بين يديه فمراده السجادة من صوف على الوجه المعروف فإنه كان يصلي على ما اتفق بسطه (هـ عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: فيه زمعة ضعفه كثيرون ومنهم من قال متماسك انتهى. ورواه الحاكم من حديث زمعة أيضا عن سلمة بن دهام عن عكرمة عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بساط قال الحاكم: صحيح احتج مسلم بزمعة فتعقبه الذهبي وقال: قلت قوته بآخر وسلمة ضعفه أبو داود انتهى الحديث: 7070 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 7071 - (كان يصلي قبل الظهر أربعا) قال البيضاوي: هي سنة الظهر القبلية (إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم ويقول أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس) زاد الترمذي في الشمائل فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح وزاد البزار في روايته وينظر الله تبارك وتعالى بالرحمة إلى خلقه وهي صلاة كان يحافظ عليها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى واستدل به على أن للجمعة سنة قبلها واعترض بأن هذه سنة الزوال وأجاب العراقي بأنه حصل في الجملة استحباب أربع بعد الزوال كل يوم سواء يوم الجمعة وغيرها وهو المقصود وهذا الحديث استدل به الحنفية على أن الأفضل صلاة الأربع قبل الظهر بتسليمة وقالوا هو حجة على الشافعي في صلاتها بتسليمتين (د عن أبي أيوب) الأنصاري ورواه عنه أيضا بمعناه أحمد والترمذي والنسائي قال ابن حجر: وفي إسنادهم جميعا عبيدة بن معيقيب وهو ضعيف وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وضعفه انتهى. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 7071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 7072 - (كان يصلي بين المغرب والعشاء) لم يذكر في هذا الخبر عدد الركعات التي كان يصليها بينهما (1) وقد ذكرها في أحاديث تقدم بعضها (طب عن عبيد) مصغرا (مولاه) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمز المصنف لحسنه وقد قال الذهبي عن ابن عبد البر: رواه عن أبي عبيد سليمان التيمي وسقط بينهما رجل انتهى. وقال الهيثمي: رواه الطبراني وأحمد من طرق مدارها كلها على رجل لم يسم وبقية رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف لأحمد كان أحسن   (1) وقال الفقهاء: ومن النفل صلاة الأوابين وتسمى صلاة الغفلة وأقلها ركعتان وأكثرها عشرون ركعة بين المغرب والعشاء الحديث: 7072 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 [ص: 226] 7073 - (كان يصلي والحسن والحسين يلعبان ويقعدان على ظهره) وهذا من كمال شفقته ورأفته بالذرية فإن قيل الصلاة محل إخلاص وخشوع وهو أشد الناس محافظة عليهما وقد قال سبحانه وتعالى {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ولعبهما حالة مشغلة؟ فالجواب أنه إنما فعله تشريعا وبيانا للجواز (حل عن ابن مسعود) رمز لحسنه الحديث: 7073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 7074 - (كان يصلي على الرجل يراه يخدم أصحابه) يحتمل أن المراد يصلي عليه صلاة الجنازة إذا مات ولم يمنعه علو منصبه على الصلاة على بعض خدم خدمه ويحتمل أن المراد أنه إذا رأى رجلا يخدم أصحابه بجد ونصح يدعو له (هناد عن علي) بضم أوله وفتح ثانيه بضبط المؤلف كغيره (بن أبي رباح) بن قصير ضد الطويل المصري ثقة قال في التقريب: ثقة المشهور فيه علي بن القصير وكان يغضب منها وهو من كبار الطبقة الثانية (مرسلا) وهو اللخمي وقيل غيره الحديث: 7074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 7075 - (كان يصوم يوم عاشوراء) بمكة كما تصومه قريش ولا يأمر به فلما قدم المدينة صار يصومه (ويأمر به) أي بصومه أمر ندب لأنه يوم شريف أظهر الله فيه كليمه على فرعون وجنوده وفيه استوت السفينة على الجودي وفيه تاب على قوم يونس وفيه أخرج يوسف من السجن وفيه أخرج يونس من بطن الحوت وفيه صامت الوحوش ولا بعد أن يكون لها صوم خاص كذا في المطامح (حم عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لحسنه ولا يصفو عن نزاع فقد قال الهيثمي: فيه جابر عن الجعفي وفيه كلام كثير الحديث: 7075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 7076 - (كان يصوم الاثنين والخميس) لأن فيهما تعرض الأعمال فيحب أن يعرض عمله وهو صائم قال الغزالي: ومن صامهما مضافا لرمضان فقد صام ثلث الدهر لأنه صام من السنة أربعة أشهر وأربعة أيام وهو زيادة على الثلث فلا ينبغي للإنسان أن ينقص من هذا العدد فإنه خفيف على النفس كثير الأجر (هـ عن أبي هريرة) ظاهر كلامه أن ابن ماجه تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الأربعة إلا أبا داود واللفظ لفظ النسائي وقال الترمذي: حسن غريب وهو مستند المصنف في رمزه لحسنه الحديث: 7076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 7077 - (كان يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام) قال العراقي: يحتمل أنه يريد بغرته أوله وأن يريد الأيام الغر أي البيض وقال القاضي: غرر الشهر أوائله وقال: ولا منافاة بين هذا الخبر وخبر عائشة أنه لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم لأن هذا الراوي حدث بغالب ما اطلع عليه من أحواله فحدث بما عرف وعائشة اطلعت على ما لم يطلع عليه (وقلما كان يفطر يوم الجمعة) يعني كان يصومه منضما إلى ما قبله أو بعده فلا يخالف حديث النهي عن إفراده بالصوم أو أنه من خصائصه كالوصال ذكره المظهري قال القاضي: ويحتمل أن المراد أنه كان يمسك قبل الصلاة ولا يتغدى إلا بعد أداء الجمعة (ت عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن غريب قال الحافظ العراقي: وقد صححه أبو حاتم وابن حبان وابن عبد البر وابن حزم وكأن الترمذي اقتصر على تحسينه للخلاف في رفعه وقد ضعفه ابن الجوزي فاعترضوه وقضية كلام المصنف أن هذا من تفردات الترمذي من بين الستة وليس كذلك بل رواه عنه الثلاثة لكن ليس في أبي داود فلما إلخ الحديث: 7077 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 [ص: 227] 7078 - (كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى) فينبغي لنا المحافظة على التأسي به في ذلك (حم د ن عن حفصة) أم المؤمنين رمز المصنف لحسنه لكن قال الزيلعي: هو حديث ضعيف وقال المنذري: اختلف فيه على هنيدة راويه فمرة قال خفصة وأخرى عن أمه عن أم سلمة وتارة عن بعض أزواح النبي صلى الله عليه وسلم الحديث: 7078 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 7079 - (كان يصوم من الشهر السبت) سمي به لانقطاع خلق العلم فيه والسبت القطع (والأحد) سمي به لأنه أول أيام الأسبوع على نزاع فيه ابتداء خلق العالم (والاثنين) التسمية به كبقية الأسبوع إلى الجمعة (ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس) قال المظهري: أراد أن يبين سنة صوم جميع أيام الأسبوع فصام من شهر السبت والأحد والاثنين ومن شهر الثلاثاء والأربعاء والخميس قال: وإنما لم يصم الستة المتوالية لئلا يشق على أمته الاقتداء به ولم يذكر في هذا الحديث الجمعة وذكره فيما قبله (ت) من حديث خثيمة (عن عائشة) وقال الترمذي: حسن ورمز لحسنه قال عبد الحق: والعلة المانعة له من تصحيحه أنه روي مرفوعا وموقوفا وذا عنده علة قال ابن القطان: وينبغي البحث عن سماع خثيمة من عائشة فإني لا أعرفه الحديث: 7079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 7080 - (كان يضحي بكبشين) الباء للإلصاق أي ألصق تضحيته بالكبشين والكبش فحل الضأن فى أي سن كان (أقرنين) أي لكل منهما قرنان معتدلان وقيل طويلان وقيل الأقرن الذي لا قرن له وقيل العظيم القرون (أملحين) تثنية أملح بمهملة وهو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر أو الأغبر أو الذي في خلل صوفه طاقات سوداء والأبيض الخالص كالملح أو الذي يعلوه حمرة وإنما اختار هذه الصفة لحسن منظره أو لشحمه وكثرة لحمه وقيه أن المضحي ينبغي أن يختار الأفضل نوعا والأكمل خلقا والأحسن سمنا ولا خلاف في جواز الأجم (وكان يسمي) الله (ويكبر) أى يقول بسم الله والله أكبر وفي رواية سمى وكبر وأفاد ندب التسمية عند الذبح والتكبير معها وأفضل ألوان الأضحية أبيض فأغفر فأبلق فأسود (حم ق ن عن أنس) وزاد الشيخان وفيه يذبحهما بيده الحديث: 7080 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 7081 - (كان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله) أي جميع أهل بيته وفيه صحة تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته وأن ذلك مجزىء عنهم وبه قال كافة علماء الأمصار وعن أبي حنيفة والثوري يكره وقال الطحاوي: لا يجوز أن يضحي بشاة واحدة عن اثنين وادعى نسخ هذا الخبر ونحوه وإلى المنع ذهب ابن المبارك واليه مال القرطبي محتجا بأن كل واحد مخاطب بأضحيته فكيف يسقط عنهم بفعل أحدهم ويجاب بأنه كفرض الكفاية وسنته فيخاطب به الكل ويسقط بفعل البعض وحكى القرطبي الاتفاق على أن أضحية النبي صلى الله عليه وسلم لا تجزىء عن أمته وأول ما يدل على خلافه (ك عن عبد الله بن هشام) بن زهرة له صحبة الحديث: 7081 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 7082 - (كان يضرب في الخمر بالنعال) بكسر النون جمع نعل (والجريد) أجمعوا على إجزاء الجلد بهما واختلفوا فيه [ص: 228] بالسوط والأصح عند الشافعية الإجزاء. [ص: 228] (هـ) في باب حد الخمر (عن أنس) بن مالك وكلام المصنف يقتضي أن هذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وهو عجب منه مع كون الصحيحين نصب عينه وهو في مسلم عن أنس نفسه وزاد في آخره العدد فقال: كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين اه الحديث: 7082 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 7083 - (كان يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة) أي يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ من الساعد كما في حديث واثلة عن أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وذلك لأنه أقرب إلى الخشوع وأبعد عن العبث واستحب الشافعي أن يكون الوضع المذكور فويق السرة والحنفية تحتها (وربما مس لحيته وهو يصلي) قال القسطلاني: فيه أن تحريك اليد في الصلاة لا ينافي الخشوع إذا كانت لغير عبث (هق عن عمرو بن حريث) المخزومي صحابي نزل الكوفة الحديث: 7083 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 7084 - (كان يضمر الخيل) أراد بالإضمار التضمير وهو أن يعلف الفرس حتى يسمن ثم يرده إلى القلة ليشتد لحمه كذا ذكره جمع لكن في شرح الترمذي لجدنا الأعلي للأم الزين العراقي: هو أن يقلل علف الفرس مدة ويدخل بيتا كنا ويجلل ليعرق ويجف عرقه فيخف لحمه فيقوى على الجري قال: وهو جائز اتفاقا للأحاديث الواردة فيه (حم عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته الحديث: 7084 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 7085 - (كان يطوف على جميع نسائه) أى يجامع جميع حلائله فالطواف كناية عن الجماع عند الأكثر وقول الإسماعيلي يحتمل إرادة تجديد العهد بهن ينافره السياق (في ليلة) في رواية واحدة (بغسل واحد) قال معمر: لكنا لا نشك أنه كان يتوضأ بين ذلك وسبق فيه إشكال مع جوابه فلا تغفل وزاد في رواية وله يومئذ تسع أي من الزوجات فلا ينافيه رواية البخاري وهن إحدى عشرة لأنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبا ثم قضية كان المشعرة باللزوم والاستمرار أن ذلك كان يقع غالبا إن لم يكن دائما لكن في الخبر المتفق عليه ما يشعر بأن ذلك إنما كان يقع منه عند إرادته الإحرام ولفطه عن عائشة كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه فيصبح محرما ينضح طيبا وفي أبي داود ما يفيد أن الأغلب أنه كان يغتسل لكل وطء وهو خبره عن أبي رافع يرفعه أنه طاف على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل فقلت: يا رسول الله لو اغتسلت غسلا واحدا فقال: هذا أطهر وأطيب قال ابن سيد الناس: كان يفعل ذا مرة وذا مرة فلا تعارض قال ابن حجر: وفيه أن القسم لم يكن واجبا عليه وهو قول جمع شافعية والمشهور عندهم كالجمهور الوجوب وأجابوا عن الحديث بأنه كان قبل وجوب القسم وبأنه يرضى صاحبة النوبة وبأنه كان عند قدومه من سفر (حم ق 4 عن أنس) بن مالك وهو من رواية حميد عن أنس قال ابن عدي: وأنا أرتاب في لقيه حميدا ودفعه ابن حجر في اللسان الحديث: 7085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 7086 - (كان يعبر على الأسماء) أي كان يعبر الرؤيا على ما يفهم من اللفظ من حسن وغيره (البزار) في مسنده (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه الحديث: 7086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 7087 - (كان يعجبه الرؤيا الحسنة) تمامه عند أحمد وربما قال هل رأى أحد منكم رؤيا فإذا رأى الرجل الرؤيا سأل [ص: 229] عنه فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه فجاءت امرأة فقالت: كأني دخلت الجنة فسمعت بها وجبة ارتجت له الجنة فنظرت فإذا قد جيء بفلان وفلان حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية قبل ذلك فجيء بهم وعليهم ثياب بيض تشخب أوداجهم فقيل: اذهبوا بهم إلى أرض البيدخ أو قال: نهر البيدخ فغمسوا به فخرجوا وجوههم كالقمر ليلة البدر ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها فأتت تلك السرية وقالوا أصيب فلان وفلان حتى عدوا الاثني عشر التي عدتهم المرأة (حم عن أنس) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فقد قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 7087 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 7088 - (كان يعجبه الثفل) بضم الثاء المثلثة وكسرها في الأصل ما يثفل من كل شيء وفسر خبر بالثريد وربما يقتات به وبما يعلق بالقدر وبطعام فيه شيء من حب أو دقيق قيل والمراد هنا الثريد قال: يحلف بالله وإن لم يسأل. . . ما ذاق ثفلا منذ عام أول قال ابن الأثير: سمي ثفلا لأنه من الأقوات التي يكون بها ثفل بخلاف المائعات وحكمة محبته له دفع ما قد بقع لمن ابتلي بالترفه من ازدرائه وأنه أنضج وألذ (حم ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (ك) كلاهما (عن أنس) بن مالك قال الصدر المناوي: سنده جيد وقال الهيثمي: هذا حديث قد خولف في رفعه الحديث: 7088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 7089 - (كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع يا راشدا يا نجيح) لأنه كان يحب الفأل الحسن فيتفاءل بذلك (فائدة قل من تعرض لها) قال في فتح الباري: الفأل الحسن شرطه ألا يقصد فإن قصد لم يكن حسنا بل يكون من أنواع الطيرة (ت) في السير (ك) كلاهما (عن أنس) وقال الترمذي: حسن صحيح غريب الحديث: 7089 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 7090 - (كان يعجبه الفاغية) أي ريحها وهو نور الحناء وتسميها العامة تمر حناء وقيل الفاغية والفغو نور الريحان وقيل نور كل نبت وقيل الفغوة في كل شجرة هي التنوير وقد أفغى الشجر وفي حديث الحسن سئل عن السلف في الزعفران فقال: إذ أفغى فقالوا: نور ويجوز أن يريد إذا انتشرت رائحته من فغت الرائحة فغوا ومنه قولهم هذه الكلمة فاغية فينا وشية بمعنى ذكره الزمخشري (حم عن أنس) قال الهيثمي: رجال ثفات رمز المصنف لحسنه الحديث: 7090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 7091 - (كان يعجبه) من الإعجاب (القرع) بسكون الراء وفتحها لغتان قال ابن السكيت: والسكون هو المشهور قال ابن دريد: وأحسبه مشبها بالرأس الأقرع وهو الدباء وهو ثمر شجر اليقطين وهو بارد رطب يغذو غذاء يسيرا سريع الانحدار وإن لم يفسد قبل الهضم وله خلطا صالحا وسبب محبته له ما فيه من زيادة العقل والرطوبة وما خصه الله به من إنباته على يونس حتى وقاه وتربى في ظله فكان له كالأم الحاضنة لفرخها (حم حب عن أنس) قضية كلامه أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ له الاقتصار على عزوه للغير وهو ذهول بل هو عند مسلم باللفظ المزبور وممن عزاه له الحافظ العراقي الحديث: 7091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 7092 - (كان يعجبه أن يدعى الرجل بأحب أسمائه وأحب كناه) إليه لما فيه من الائتلاف والتحابب والتواصل. [ص: 230] (ع طب وابن قانع) في معجم الصحابة (والماوردي) كلهم من طريق الزبال بن عبيد (عن حنظلة بن حذيم) بكسر المهملة وسكون المعجمة وفتح التحتية بن حشفة التميمي أبو عبيد المالكي وقيل الحنفي وقيل السعدي وفد مع أبيه وجده على المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو صغير فدعا له تفرد بالرواية عنه حفيده الزبال بن عبيد بن حنظلة قال الهيثمي: ورجال الطبراني ثقات الحديث: 7092 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 7093 - (كان يعجبه الطبيخ بالرطب) مقلوب البطيخ كما سبق تقربره: وقيل هو الهندي (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) الحديث: 7093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 7094 - (كان يعجبه أن يفطر على الرطب ما دام الرطب وعلى التمر إذا لم يكن رطب) أي إذا لم يتيسر ذلك الوقت (ويختم بهن) أي يأكلهن عقب الطعام (ويجعلهن وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا) أخذ منه أنه يسن الفطر من الصوم على الرطب فإن لم يتيسر فالتمر فالرطب مع تيسره أفضل وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعجبه الرطب جدا وروى البزار مرفوعا يا عائشة إذا جاء الرطب فهنيني <فائدة> في تاريخ المدينة للسمهودي أن في فضل أهل البيت لابن المؤيد الحموي عن جابر كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حيطان المدينة ويد علي في يده فمررنا بنخل فصاح النجل هذا محمد سيد الأنبياء وهذا علي سيد الأولياء أبو الأئمة الطاهرين ثم مررنا بنخل فصاح هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا علي سيف الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي سمه الصيحاني فسمى به فهذا سبب تسميته اه. أقول: وهذا أقره السمهودي ويشم منه الوضع (ابن عساكر) في تاريخه وكذا أبو بكر في الغيلانيات (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 7094 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 7095 - (كان يعجبه التهجد من الليل) لأن الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة (طب عن جندب) قال الهيثمي: فيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني وغيره اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 7095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 7096 - (كان يعجبه أن يدعو) قيل بفتح الواو دون الألف والألف سبق قلم ممن رقم (وأن يستغفر ثلاثا) فأكثر الأقل ثلاث بدليل ورود الأكثر وذلك بأن يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه (حم د عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7096 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 7097 - (كان يعجبه الذراع) وتمامه عند الترمذي وسم في الذراع أي في فتح خيبر جعل فيه سم قاتل لوقته فأكل منه لقمة فأخبره جبريل أو الذراع الخلاف المعروف بأنه مسموم فتركه ولم يضره السم أى يطيب ويحسن في مذاقه ولم يصب من قال في نظره إلا أن يريد بالنظر الرأي والاعتقاد وذلك لأنها ألين وأعجل نضجا وأبعد عن موضع الأذى (د عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7097 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 7098 - (كان يعجبه الذراعان والكتف) لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن [ص: 231] الأذى زاد في رواية وسم في الذراع وكان يرى أن اليهود سموه فيه (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 7099 - (كان يعجبه الحلو البارد) أي الماء البارد ويحتمل أن المراد الشراب البارد مطلقا ولو لبنا أو نقيع تمر أو زبيب (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) الحديث: 7099 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 7100 - (كان يعجبه الريح الطيبة) لأنها غذاء للروح والروح مطية القوى والقوى تزداد بالطيب وهو ينفع الدماغ والقلب وجميع الأعضاء الباطنة ويفرح القلب ويسر النفس وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة لها وبينه وبين الروح نسب قريب فلهذا كان أحب المحبوبات إليه من الدنيا (د ك عن عائشة) الحديث: 7100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 7101 - (كان يعجبه الفأل الحسن) الكلمة الصالحة يسمعها (ويكره الطيرة) بكسر أو فتح فسكون لأن مصدر الفأل عن نطق وبيان فكأنه خبر جاء عن غيب بخلاف الطيرة لاستنادها إلى حركة الطائر أو نطقه ولا بيان فيه بل هو تكلف من متعاطيه فقد أخرج الطبراني عن عكرمة كنت عند ابن عباس فمر طائر فصاح فقال رجل: خير فقال ابن عباس: لا شر ولا خير وقال النووي: الفأل يستعمل فيما يسر وفيما يسوء وأكثره في السرور والطيرة لا تكون إلا في الشؤم وقد تستعمل مجازا في السرور وشرط الفأل أن لا يقصد إليه وإلا صار طيرة كما مر. قال الحليمي: الفرق بينهما أن الطيرة هي سوء ظن بالله من غير سبب ظاهر يرجع إليه الظن والتيمن بالفأل حسن ظن بالله وتعليق تجديد الأمل به وذلك بالإطلاق محمود. وقال القاضي: أصل التطير التفاؤل بالطير وكانت العرب في الجاهلية يتفاءلون بالطيور والظباء ونحو ذلك فإذا عن له أمر كسفر وتجارة ترصدوا لها فإن بدت لهم سوانح تيمنوا بها وشرعوا فيما قصدوه وإن ظهرت بوارح تشاءموا بذلك وتثبطوا عما قصدوا وأعرضوا عنه فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها خطرات فاسدة لا دليل عليها فلا يلتفت إليها اذ لا يتعلق بها نفع ولا ضر (هـ عن أبي هريرة) قال ابن حجر في الفتح: إسناده حسن ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره الحديث: 7101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 7102 - (كان يعجبه أن يلقى العدو) للقتال (عند زوال الشمس) لأنه وقت هبوب الرياح ونشاط النفوس وخفة الأجسام كذا قيل وأولى منه أن يقال إنه وقت تفتح فيه أبواب السماء كما ثبت في الحديث وهو يفسر بعضه بعضا فقد ثبت أنه كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار فقالت عائشة: أراك تستحب الصلاة في هذه الساعة قال: تفتح فيها أبواب السماء وينظر الله تبارك وتعالى بالرحمة إلى خلقه وهي صلاة كان يحافظ عليها آدم وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى رواه البزار عن ثوبان وهذا بخلاف الإغارة على العدو فإنه يندب أن يكون أول النهار لأنه وقت غفلتهم كما فعل في خيبر (طب عن ابن أبي أوفى) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7102 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 7103 - (كان يعجبه النظر إلى الأترج) المعروف بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وشد الجيم وفي رواية الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان قال المصنف: وهو مذكور في التنزيل ممدوح في الحديث منوه له [ص: 232] فيه بالتفضيل بارد رطب في الأول يصلح غذاء ودواء ومشموما ومأكولا يبرد عن الكبد حرارته ويزيد في شهوة الطعام ويقمع المرة الصفراء ويسكن العطش وينفع للقوة ويقطع القيء والإسهال المزمنين. <فائدة> في كتاب المنن أن الشيخ محمد الحنفي المشهور كان الجن يحضرون مجلسه ثم انقطعوا فسألهم فقالوا: كان عندكم أترج ونحن لا ندخل بيتا فيه أترج أبدا (وكان يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر) ذكر ابن قانع في معجمه عن بعضهم أن الحمام الأحمر المراد به في هذا الحديث التفاح وتبعه ابن الأثير فقال: قال أبو موسى: قال هلال بن العلاء: هو التفاح قال: وهذا التفسير لم أره لغيره (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي من حديث أبي سفيان الأنماري عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة (عن) أبيه عن جده (أبي كبشة) الأوزاعي الأنماري وأبو سفيان قال ابن حبان: يروي الطامات لا يجوز الاحتجاج به إذا تفرد. وقال الذهبي: مجهول وأبو كبشة اسمه عمر أو عمرو أو سعيد صحابي سكن حمص خرج له أبو داود وفي الصحابة أبو كبشة مولى للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم شهد بدرا وقيل اسمه سليم وليس في الصحابة أبو كبشة غيرهما وعنه رواه الطبراني أيضا في الكبير قال الهيثمي: فيه أبو سفيان الأنماري وهو ضعيف (ابن السني وأبو نعيم) في الطب وكذا ابن حبان كلهم (عن علي) أمير المؤمنين أورده في الميزان في ترجمة عيسى بن محمد بن عمر بن علي أمير المؤمنين من حديثه عن آبائه وقال: قال الدارقطني: متروك الحديث وقال ابن حبان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة فمن ذلك هذا الحديث وأورده ابن الجوزي من طريقه في الموضوعات الحديث: 7103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 7104 - (كان يعجبه النظر إلى الخضرة) الظاهر أن المراد الشجر والزرع الأخضر بقرينة قوله (والماء الجاري) أي كان يحب مجرد النظر إليهما ويلتذ به فليس إعجابه بهما ليأكل الخضرة أو يشرب الماء أو ينال فيهما حظا سوى نفس الرؤية قال الغزالي: ففيه أن المحبة قد تكون لذات الشيء لا لأجل قضاء شهوة منه وقضاء الشهوة لذة أخرى والطباع السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار المليحة والألوان الحسنة حتى أن الإنسان ليتفرج عنه الهم والغم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر (ابن السني) عن أحمد بن محمد الآدمي عن إبراهيم بن راشد عن الحسن بن عمرو السدوسي عن القاسم بن مطيب العجلي عن منصور بن صفية عن أبي سعيد عن ابن عباس (وأبو نعيم) في الطب النبوي من وجه آخر عن الحسن السدوسي فمن فوقه (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف اه. والقاسم بن مطيب ضعفوه قال ابن حبان: كان يخطىء علي قلة روايته الحديث: 7104 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 7105 - (كان يعجبه الإناء المنطبق) أي يعجبه الإناء الذي له غطاء لازم له ينطبق عليه من جميع جوانبه وذلك لأنه أصون لما فيه عن الهوام المؤذية وذوات السموم القاتلة (مسدد) في المسند (عن أبي جعفر مرسلا) الحديث: 7105 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 7106 - (كان يعجبه العراجين) جمع عرجون وقد سبق (أن يمسكها بيده) تمامه عند الحاكم عن أبي سعيد فدخل المسجد وفي يده واحد منها فرأى نخامات في قبلة المسجد فحتهن حتى ألقاهن ثم أقبل على الناس مغضبا فقال: أيحب أحدكم أن يستقبله رجل فيبصق في وجهه؟ إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه والملك عن يمينه فلا يبصق بين يديه ولا عن يمينه وليبصق تحت قدمه اليسرى أو عن يساره وإن عجلت به بادرة فليقل هكذا في طرف ثوبه ورد بعضه على بعض اه. <فائدة> ذكر ابن جرير في جامع الآثار أن من خصائص المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان إذا أمسك جمادا بيده وثناه لان له وانقاد بإذن الله تعالى (ك عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: على [ص: 233] شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 7106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 7107 - (كان يعجبه أن يتوضأ من مخضب) بالكسر أي إجانة (من صفر) بضم المهملة صنف من جيد النحاس وفيه رد على من كره التطهير من النحاس قال ابن حجر: والمخضب بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين بعدها موحدة المشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان وقد يطلق على الإناء صغر أو كبر والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فيه (ابن سعد) في طبقاته (عن زينب بنت جحش) أم المؤمنين الحديث: 7107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7108 - (كان يعد الآي) جمع آية (في الصلاة) الظاهر أن المراد يعد الآيات التي يقرؤها بعد الفاتحة بأصابعه ثم يحتمل كون ذلك خوف النسيان فيما إذا كان مقصده قراءة عدد معلوم كثلاث مثلا ويحتمل أنه لتشهد له الأصابع (طب عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 7108 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7109 - (كان يعرف) منه (ريح الطيب إذا أقبل) وكانت رائحة الطيب صفته وإن لم يمس طيبا وكان إذا سلك طريقا عبق طيب عرقه فيه وأما خبر إن الورد من عرقه فقال ابن حجر: كذب موضوع (ابن سعد) في الطبقات (عن إبراهيم مرسلا) الحديث: 7109 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7110 - (كان يعقد التسبيح) على أصابعه على ما تقرر (ت ن ك عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 7110 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7111 - (كان يعلمهم) أي أصحابه (من الحمى والأوجاع كلها أن يقولوا بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق) كاسم (نعار) بنون وعين مهملة أي مصوت مرتفع يخرج منه الدم يفور فورا (ومن شر حر النار) هذا من الطب الروحاني لما سبق ويجيء أن الطب نوعان (هـ) في الطب (عن ابن عباس) ظاهر صنيعه أنه لم يخرجه من الستة غيره والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي وقال: غريب قال الصدر المناوي: وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة قال الدارقطني: متروك الحديث: 7111 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7112 - (كان يعمل عمل أهل البيت) من ترقيع الثوب وخصف النعل وحلب الشاة وغير ذلك (وأكثر ما) كان (يعمل) في بيته (الخياطة) فيه أن الخياطة صنعة لا دناءة فيها وأنها لا تخل بالمروءة ولا بالمنصب (ابن سعد) في طبقاته (عن عائشة) الحديث: 7112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7113 - (كان يعود المريض) الشريف والوضيع والحر والعبد حتى عاد غلاما يهوديا كان يخدمه وعاد عمه وهو مشرك وكان يفعل ذلك (وهو معتكلف) أي عند خروجه لما لا بد منه فإن المعتكف إذا خرج لما لا بد منه وعاد مريضا في طريقه ولم يعرج لم يبطل اعتكافه وهذا مذهب الشافعي قال ابن القيم: ولم يكن يخص يوما ولا وقتا من الأوقات [ص: 234] بالعيادة بل شرع لأمته ليلا ونهارا. قال في المطامح: واتباع الجنائز آكد منها (د) في الاعتكاف (عن عائشة) ظاهر كلام المصنف أن أبا داود لم يرو إلا اللفظ المزبور بغير زيادة وأنه لا علة فيه بل رمز لحسنه وهو في محل المنع أما أولا فإن تمامه عند أبي داود فيمر كما هو فلا يعرج يسأل عنه وأما ثانيا فلأن فيه ليث بن أبي سليم قال الذهبي وغيره: قال أحمد: مضطرب الحديث لكن حدث عنه الناس وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لا يشتغل به وهو مضطرب الحديث الحديث: 7113 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 7114 - (كان يعيد الكلمة) الصادقة بالجملة والجمل على حد {كلا إنها كلمة} ويجزء الجملة (ثلاثا) مفعول مطلق لفعل محذوف أي يتكلم بها ثلاثا لا أن التكلم كان ثلاثا والإعادة ثنتين (لتعقل عنه) أي ليتدبرها السامعون ويرسخ معناها في القوة العاقلة وحكمته أن الأولى للإسماع والثانية للوعي والثالثة للفكرة والأولى إسماع والثانية تنبيه والثالثة أمر وفيه أن الثلاثة غاية وبعده لا مراجعة وحمله على ما إذا عرض للسامعين نحو لغط فاختلط عليهم فيعيده لهم ليفهموه أو على ما إذا كثر المخاطبون فيلتفت مرة يمينا وأخرى شمالا وأخرى أماما ليسمع الكل (ت ك عن أنس) الحديث: 7114 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 7115 - (كان يغتسل بالصاع) أي بملء الصاع زاد البخاري في روايته ونحوه أي ما يقاربه والصاع مكيلا يسع خمسة أرطال وثلثا رطل برطل بغداد عند الحجازيين وثمانية عند العراقيين وربما زاد في غسله على الصاع وربما نقص كما في مسلم ورطل بغداد عند الرافعي مئة وثلاثون درهما والنووي مئة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع قال الموفق: وسبب الخلاف أنه كان في الأصل مئة وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع ثم زادوا فيه مثقالا لإرادة جبر الكسر فصار مئة وثلاثين قال: والعمل على الأول لأنه الذي كان موجودا وقت تقدير العلماء به (و) كان (يتوضأ بالمد) بالضم وهو رطل وثلث وربما توضأ بثلثيه تارة وبأزيد منه أخرى وذلك نحو أربع أواق بالدمشقي وإلى أوقيتين فأخذ الراوي بغالب الأحوال وقد أجمعوا على أن المقدار المجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر فيجزئ ما كثر أو قل حيث وجد جري الماء على جميع الأعضاء والسنة أن لا ينقص ولا يزيد عن الصاع والمد لمن بدنه كبدنه لأنه غالب أحواله ووقوع غيره له لبيان الجواز قال ابن جماعة: ولا يخفى أن الأبدان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كانت أنبل وأعظم من أبدان الناس الآن لأن خلق الناس لم يزل في نقص إلى اليوم كما في خبر ونقل الزين العراقي عن شيخه السبكي أنه توضأ بثمانية عشر درهما - أوقية ونصف - ثم توقف في إمكان جري الماء على الأعضاء بذلك (ق د) في الغسل (عن أنس) الحديث: 7115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 7116 - (كان يغتسل هو والمرأة) بالرفع على العطف والنصب على المعية ولامهما للجنس (من نسائه) زاد في رواية من الجنابة أي بسببها (من إناء واحد) من الثانية لابتداء الغاية أي أن ابتداءهما بالغسل من الإناء وللتبعيض أي أنهما اغتسلا ببعضه وأشار المصنف بإيراد هذا الخبر عقب ما قبله إلى عدم تحديد قدر الماء في الغسل والوضوء لأن الخبر الأول فيه ذكر الصاع والمد وهذا مطلق غير مقيد بإناء يسع صاعين أو أقل أو أكثر فدل على أن قدر الماء يختلف باختلاف الناس ولم يبين في هذه الرواية قدر الإناء وقد تبين برواية البخاري أنه قدح يقال له الفرق بفتح الراء وبرواية مسلم أنه إناء يسع ثلاثة أمداد وقريبا منها وبينهما تناف وجمع عياض بأن يكون كل منهما منفردا باغتساله بثلاثة أمداد وأن المراد بالمد في الرواية الثانية الصاع وزاد في رواية البخاري بعد قوله من إناء واحد من قدح قال ابن حجر: وهو بدل من إناء بتكرير حرف الجر وقال ابن التين: كان هذا الإناء من شبه بالتحريك وفي رواية للطيالسي وذلك القدح يومئذ يدعى الفرق بفتح الراء أفصح إناء يسع ستة عشر رطلا وفيه حل نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه وجواز تطهر المرأة والرجل من إناء واحد في حالة واحدة من جنابة وغيرها وقال النووي: إجماعا ونوزع [ص: 235] وحل تطهر الرجل من فضل المرأة وقد صرح به في رواية الطحاوي بقوله يغترف قبلها وتغترف قبله وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنعه أحمد إن خلت به (حم خ عن أنس) بن مالك وأصله في الصحيحين عن عائشة بلفظ كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه زاد مسلم من الجنابة وانفرد كل منهما بروايته بألفاظ أخرى الحديث: 7116 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 7117 - (كان يغتسل يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة) فيه أنه يندب الاغتسال في هذه الأيام ولهذه الأربعة وعليه الإجماع (هـ عن) عبد الرحمن بن عقبة بن (الفاكه بن سعد) وكانت له صحبة قال ابن حجر: وسنده ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه رواه هكذا لكن ابن حجر إنما ساق عنه بدون ذكر الجمعة ثم قال: وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته والبزار وزاد يوم الجمعة وسنده ضعيف انتهى. وهذا صريح في أن ابن ماجه لم يذكر الجمعة الحديث: 7117 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 7118 - (كان يغسل مقعدته) يعني دبره قال مغلطاي: وله في جامع القزاز وغيره نحو ثلاثين اسما ثم عدها ويفعل ذلك (ثلاثا) من المرات قال ابن عمر: فعلناه فعلناه فوجدناه دواء وطهورا انتهى. وهذا يحتمل أنه كان يغسلها في الاستنجاء ويحتمل أنه كان يفعله لغيره ليتنظف من العرق ونحوه ولم أر ما يعين المراد (هـ عن عائشة) قال مغلطاي: رواه الطبراني في الأوسط بسند أصح من هذا الحديث: 7118 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 7119 - (كان يغير الاسم القبيح) إلى اسم حسن فغير أسماء جماعة فسمى جبار بن الحارث عبد الجبار وغير عبد عمر ويقال عبد الكعبة أحد العشرة عبد الرحمن إلى أسماء كثيرة وقال لمن قال له اسمي ضرار بل أنت مسلم وذلك ليس للتطير كما لا يخفى وفي مسلم عن ابن عمر أن ابنة لعمر كان يقال لها عاصية فسماها جميلة. قال النووي في التهذيب: يستحب تغيير الاسم القبيح إلى حسن لهذه الأخبار (ت عن عائشة) الحديث: 7119 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 7120 - (كان يفطر) إذا كان صائما (على رطبات قبل أن يصلي) المغرب (فإن لم يكن رطبات) أي لم تتيسر (فتمرات) أي فيفطر على تمرات (فإن لم تكن تمرات) أي لم تتيسر (حسا حسوات من ماء) بحاء وسين مهملتين جمع حسوة بالفتح المرة من الشراب. قال ابن القيم: في فطره عليها تدبير لطيف فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا يجد الكبد منها ما يجذبه ويرسله إلى القوى والأعضاء فيضعف والحلو أسرع شيئا وصولا إلى الكبد وأحبه إليها سيما الرطب فيشتد قبولها فتنتفع به هي والقوى فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته فإن لم يكن فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم فتنتبه بعده للطعام وتتلقاه بشهوة اه. وقال غيره في كلامه على هذا الحديث: هذا من كمال شفقته على أمته وتعليمهم ما ينفعهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى لقبوله وانتفاع القوى سيما القوة الباصرة فإنها تقوى به وحلاوة رطب المدينة التمر ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم وفاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإذا رطبت بالماء انتفعت بالغذاء بعده ولهذا كان الأولى بالظامئ الجائع البداءة بشرب قليل ثم يأكل وفيه ندب الفطر على التمر ونحوه وحمله بعض الناس على الوجوب إعطاءا للفظ الأمر حقه [ص: 236] والجمهور على خلافه فلو افطر على خمر أو لحم خنزير صح صومه (ك عن أنس) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا أحمد والنسائي وغيرهما الحديث: 7120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 7121 - (كان يفلي ثوبه) بفتح فسكون من فلى يفلي كرمى يرمي ومن لازم التفلي وجود شيء يؤذي في الجملة كبرغوث وقمل فدعوى أنه لم يكن القمل يؤذيه ولا الذباب يعلوه دفعت بذلك وبعدم الثبوت ومحاولة الجمع بأن ما علق بثبوته من غيره لا منه ردت بأنه نفي أذاه وأذاه غذاؤه من البدن وإذا لم يتغذ لم يعش (ويحلب شاته ويخدم نفسه) عطف عام على خاص فنكتته الإشارة إلى أنه كان يخدم نفسه عموما وخصوصا قال المصري: ويجب حمله على أحيان فقد ثبت أنه كان له خدم فتارة يكون بنفسه وتارة بغيره وتارة بالمشاركة وفيه ندب خدمة الإنسان نفسه وأن ذلك لا يخل بمنصبه وإن جل (حل عن عائشة) الحديث: 7121 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 7122 - (كان يقبل الهدية) إلا لعذر كما رد على العصب بن جثامة الحمار الوحشي وقال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حزم وذلك فرار عن التباغض والتقاطع بالتحابب والتواصل (ويثيب) أي يجازي والأصل في الإثابة أن يكون في الخير والشر لكن العرف خصها بالخير (عليها) بأن يعطي بدلها فيسن التأسي به في ذلك لكن محل ندب القبول حيث لا شبهة قوية فيها وحيث لم يظن المهدى إليه أن المهدي أهداه حياء وفي مقابل وإلا لم يجز القبول مطلقا في الأول وإلا إذا أثابه بقدر ما في ظنه بالقرائن في الثاني وأخذ بعض المالكية بظاهر الخبر فأوجب الثواب عند الإطلاق إذا كان ممن يطلب مثله الثواب وقال: يثيب ولم يقل يكافئ لأن المكافأة تقتضي المماثلة وإنما قبلها دون الصدقة لأن المراد بها ثواب الدنيا وبالإثابة نزول المنة والقصد بالصدقة ثواب الآخرة فهي من الأوساخ وظاهر الإطلاق أنه كان يقبلها من المؤمن والكافر وفي السير أنه قبل هدية المقوقس وغيره من الملوك (حم خ) في الهبة (د) في البيوع (ت) في البر (عن عائشة) زاد في الإحياء ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب قال العراقي: وفي الصحيحين ما هو في معناه الحديث: 7122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 7123 - (كان يقبل بوجهه) على حد: رأيته بعيني (وحديثه) عطف على الوجه لكونه من توابعه فينزل منزلته (على شر) في رواية على شر بالألف وهي لغة قليلة (القوم يتألفه) وفي نسخ يتألفهم (بذلك) أي يؤانسهم بذلك الإقبال ويتعطفهم بتلك المواجهة والجملة استئنافية من أسلوب الحكيم كأنه قيل لم يفعل ذلك قال: يتألفهم لتزيد رغبتهم في الإسلام ولا يخالفه ما ورد من استواء صحبه في الإقبال عليهم لأن ذلك حيث لا ضرورة وهذا لضرورة التألف وتمامه عند الطبراني من حديث عمرو بن العاص وكان يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم فقلت: يا رسول الله أنا خير أم أبو بكر قال: أبو بكر قلت: أنا خير أم عمر قال: عمر قلت: أنا خير أم عثمان قال: عثمان فلما سألت صدعني فوددت أني لم أكن سألته (طب عن عمرو بن العاص) قال الهيثمي: إسناده حسن وفي الصحيح بعضه وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي باللفظ المزبور عن عمرو المذكور الحديث: 7123 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 7124 - (كان يقبل بعض أزواجه) وفي رواية بعض نسائه (ثم يصلي ولا يتوضأ) وبقضيته أخذ أبو حنيفة فقال: [ص: 237] لا وضوء من المس ولا من المباشرة إلا إن فحشت بأن يوجدا متعانقين متماسي الفرج وذهب الشافعي إلى النقض مطلقا وأجاب بعض أتباعه عن الحديث بأنه خصوصية أو منسوخ لأنه قبل نزول {أو لامستم} ولخصمه أن يقول الأصل عدم الخصوصية وعدم النسخ حتى يثبت والحديث صالح للاحتجاج. قال عبد الحق: لا أعلم للحديث علة توجب تركه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: سنده جيد قوي اه (حم د ن) كلهم في الطهارة من طريق الثوري عن أبي زروق عن إبراهيم التميمي (عن عائشة) قال الحافظ ابن حجر: روي عنها من عشرة أوجه اه الحديث: 7124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 7125 - (كان يقبل) النساء (وهو صائم) أخذ بظاهره أهل الظاهر فجعلوا القبلة سنة للصائم وقربة من القرب اقتداء به ووقوفا عند فتياه وكرهها آخرون وردوا على أولئك بأنه كان يملك إربه كما جاء به مصرحا هكذا في رواية البخاري فليس لغيره والجمهور على أنها تكره لمن حركت شهوته وتباح لغيره وكيفما كان لا يفطر إلا بالإنزال (حم ق 4 عن عائشة) لكن لفظ الشيخين كان يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملكهم لإربه الحديث: 7125 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 7126 - (كان يقبل) النساء (وهو محرم) بالحج والعمرة لكن بغير شهوة أما التقبيل بشهوة فكان لا يفعله فإنه حرام ولو بين التحللين لكن لا يفسد النسك وإن أنزل (خط عن عائشة) الحديث: 7126 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 7127 - (كان يقسم بين نسائه فيعدل) أي لا يفضل بعضهن على بعض في مكثه حتى أنه كان يحمل في ثوب فيطاف به عليهن فيقسم بينهن وهو مريض كما أخرجه ابن سعد عن علي بن الحسين مرسلا (ويقول اللهم هذا قسمي) وفي رواية قسمتي (فيما أملك) مبالغة في التحري والإنصاف (فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) مما لا حيلة لي في دفعه من الميل القلبي والدواعي الطبيعية. قال القاضي: يريد به ميل النفس وزيادة المحبة لواحدة منهن فإنه بحكم الطبع ومقتضى الشهوة لا باختياره وقصده إلى الميز بينهن. وقال ابن العربي: قد أخبر تعالى أن أحدا لا يملك العدل بين النساء والمعنى فيه تعلق القلب ببعضهن أكثر من بعض فعذرهم فيما يكنون وأخذهم بالمساواة فيما يظهرون وذلك لأن للمصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك مزية لمنزلته فسأل ربه العفو عنه فيما يجده في نفسه من الميل لبعضهن أكثر من بعض وكان ذلك لعلو مرتبته أما غيره فلا حرج عليه في الميل القلبي إذا عدل في الظاهر بخلاف المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى هم بطلاق سودة لذلك فتركت حقها لعائشة. وقال ابن جرير: وفيه أن من له نسوة لا حرج عليه في إيثاره بعضهن على بعض بالمحبة إذا سوى بينهن في القسم والحقوق الواجبة فكان يقسم لثمان دون التاسعة وهي سودة فإنها لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة قال ابن القيم: ومن زعم أنها صفية بنت حيي فقد غلط وسببه أنه وجد على صفية في شيء فوهبت لعائشة نوبة واحدة فقط لتترضاه ففعل فوقع الاشتباه (حم 4) في القسم (ك عن عائشة) قال النسائي: وروي مرسلا قال الترمذي: وهو أصح قال الدارقطني: أقرب إلى الصواب الحديث: 7127 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 7128 - (كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم) أي يأخذ بالرخصة والعزيمة في الموضعين (قط هق عن عائشة) رمز لحسنه قال الدارقطني: إسناده صحيح وأقره ابن الجوزي وارتضاه الذهبي وقال البيهقي في السنن: له شواهد ثم عد جملة وقال ابن حجر: رجاله ثقات انتهى فقول ابن تيمية هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجازفة [ص: 238] عظيمة وتعصب مفرط الحديث: 7128 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 7129 - (كان يقطع قراءته) بتشديد الطاء من التقطيع وهو جعل الشيء قطعة قطعة أي يقف على فواصل الآي (آية آية) يقول (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف ويقول (الرحمن الرحيم) ثم يقف وهكذا ومن ثم ذهب البيهقي وغيره إلى أن الأفضل الوقوف على رؤوس الآي وإن تعلقت بما بعدها منعه بعض القراء إلا عند الانتهاء قال ابن القيم: وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالاتباع وسبقه البيهقي فقال في الشعب: متابعة السنة أولى مما ذهب إليه بعض القراء من تتبع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها قال الطيبي: وقوله رب العالمين يشير إلى ملكه لذوي العلم من الملائكة والثقلين يدبر أمرهم في الدنيا وقوله مالك يوم الدين يشير إلى أنه يتصرف فيهم في الآخرة بالثواب والعقاب وقوله الرحمن الرحيم متوسط بينهما ولذا قيل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة فلما جاء ذلك الوقف يجوز هذا. فقول بعضهم هذه رواية لا يرتضيها البلغاء وأهل اللسان لأن الوقف الحسن هو ما عند الفصل والتام من أول الفاتحة إلى مالك يوم الدين وكان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الناس غير مرضي والنقل أولى بالاتباع (ت ك) في التفسير (عن أم سلمة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الترمذي: حسن غريب ليس إسناده بمتصل لأن الليث ابن سعد رواه عن أبي مليكة عن يعلى بن مالك عن أم سلمة ورواه عنها أيضا الإمام أحمد وابن خزيمة بلفظ كان يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اه. واحتج به القاضي البيضاوي وغيره على عد البسملة آية من الفاتحة قال الدارقطني: وإسناده صحيح الحديث: 7129 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 7130 - (كان يقلس (1) له) أي يضرب بين يديه بالدف والغناء (يوم الفطر) وفي رواية أنه كان يحول وجهه ويستحيي ويغطي بثوب فأما الدف فيباح لحادث سرور وفي الغناء خلاف فكرهه الشافعي وحرمه أبو حنيفة وأباحه مالك في رواية (حم هـ عن قيس بن سعد) بن عبادة   (1) بضم المثناة التحتية وفتح القاف وشد اللام المفتوحة أي يضرب إلخ وقيل هو استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو والمقلسون الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا وصل البلد الحديث: 7130 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 7131 - (كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة) يعارضه خبر البيهقي عن ابن عباس مرفوعا المؤمن يوم الجمعة كهيئة المحرم لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى تنقضي الصلاة وخبره عن ابن عمر المسلم يوم الجمعة محرم فإذا صلى فقد حل والجواب بأن هذين ضعيفان لا ينجع إذ خبرنا ضعيف أيضا كما يجيء الأثر وروى الديلمي في الفردوس بسند ضعيف من حديث أبي هريرة من أراد أن يأمن الفقر وشكاية العين والبرص والجنون فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر وليبدأ بخنصر يده اليمنى اه بلفظه وقال الحافظ ابن حجر: المعتمد أنه يسن كيفما احتاج إليه ولم يثبت في القص يوم الخميس حديث ولا في كيفيته ولا في تعيين يوم وما عزي لعلي من النظم باطل (هب) من حديث إبراهيم بن قدامة الجمحي عن الأغر وكذا البزار عنه (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل عقبه بما نصه قال الإمام أحمد: في هذا الإسناد من يجهل اه. قال ابن القطان: وإبراهيم لا يعرف البتة وفي الميزان: هذا خبر منكر الحديث: 7131 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 [ص: 239] 7132 - (كان يقول لأحدهم عند المعاتبة) وفي نسخة عند المعتبة بفتح الميم وسكون المهملة وكسر المثناة ويجوز فتحها مصدر عتب قال الخليل: العتاب مخاطبة إدلال ومذاكرة وحل (ما له ترب جبينه) يحتمل كونه خر لوجهه فأصاب التراب جبينه وكونه دعاء له بالعبادة والأول أولى (حم خ عن أنس) بن مالك الحديث: 7132 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 7133 - (كان يقوم إذا سمع الصارخ) أي الديك لأنه يكثر الصياح ليلا. قال ابن ناصر: وأول ما يصيح نصف الليل غالبا وقال ابن بطال: ثلثه فإذا سمعه يقوم فيحمد الله ويهلله ويكبره ويدعوه ثم يستاك ويتوضأ ويقوم للصلاة بين يدي ربه مناجيا له بكلامه راجيا راغبا راهبا وخص هذا الوقت لأنه وقت هدوء الأصوات والسكوت ونزول الرحمة وفيه أن الاقتصاد في التعبد أولى من التعمق لأنه يجر إلى الترك والله يحب أن يوالي فضله ويديم إحسانه قال الطيبي: إذ هنا لمجرد الظرفية (حم ق د ن عن عائشة) الحديث: 7133 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 7134 - (كان يقوم من الليل) أي يصلي (حتى تتفطر) وفي رواية حتى تتورم وفي أخرى تورمت (قدماه) أي تنشق زاد الترمذي في روايته فقيل له: لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أفلا أكون عبدا شكورا وهو استفهام على طريق الإشفاق قيل وهو أولى من جعله للإنكار بلا شقاق أي إذا أكرمني مولاي بغفرانه أفلا أكون شكورا لإحسانه أو أنه عطف على محذوف أي أترك صلاتي لأجل تلك المغفرة فلا أكون عبدا شكورا وكيف لا أشكره وقد أنعم علي وخصني بخير الدارين فإن الشكور من أبنية المبالغة تستدعي نعمة خطيرة وذكر العبد أدعى إلى الشكر لأنه إذا لاحظ كونه عبدا أنعم عليه مالكه بمثل هذه النعمة ظهر وجوب الشكر كمال الظهور (ق ت د هـ عن المغيرة) الحديث: 7134 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 7135 - (كان يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين) قال الحرالي: فيه إشارة إلى ما يحصل للصائم بصفاء باطنه من شهوده يليح له أثر صومه من هلال نوره العلي فكلما كبر في ابتداء الشهر لرؤية الهلال يكثر في انتهائه لرؤية باطنه مرأى من هلال نور ربه فكان عمل ذلك هو صلاة ضحوة يوم العيد وأعلن فيها بالتكبير وكرر لذلك وجعل في براح من متسع الأرض لقصد التكبير لأن تكبير الله إنما هو بما جل من مخلوقاته (ك عن سعد) بن عائذ وقيل ابن عبد الرحمن (القرظي) بفتح القاف والراء المؤذن كان يتجر في القرظ صحابي أذن بقباء ثم للشيخين الحديث: 7135 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 7136 - (كان يكبر يوم عرفة من صلاة الغداة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق) قال بعض الأكابر: من أعظم أسرار التكبير في هذه الأيام أن العيد محل فرح وسرور وكان من طبع النفس تجاوز الحدود لما جبلت عليه من الشره تارة غفلة وتارة بغيا شرع فيه الإكثار من التكبير لتذهب من غفلتها وتكسر من سورتها (هق عن جابر) رمز المصنف لحسنه وليس بمسلم فقد قال الحافظ ابن حجر: فيه اضطراب وضعف وروي موقوفا على علي وهو صحيح اه الحديث: 7136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 7137 - (كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى) قال الحاكم: هذه سنة تداولتها العلماء وصحت الرواية [ص: 240] بها اه. وهو مبين لقوله تعالى {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} وذهب الحنفية إلى عدم ندب الجهر بالتكبير وأجابوا بأن صلاة العيد فيها التكبير والمذكور في الآية بتقدير كونه أمرا أعم منه وبما في الطريق فلا دلالة له على التكبير المتنازع فيه لجواز كونها في الصلاة على أنه ليس في لفظ الخبر أنه كان يجهر وهو محل النزاع (ك هق) كلاهما من رواية موسى بن محمد البلقاوي عن الوليد بن محمد عن الزهري عن سالم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: غريب لم يحتجا بالوليد ولا بموسى وتعقبه في التلخيص فقال: بل هما متروكان اه وقال البيهقي: الوليد ضعيف لا يحتج به وموسى منكر الحديث اه. قال في المهذب: قلت بل موسى كذاب اه. قال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا حديث منكر وقال في محمد منكر الحديث ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عمر فتعقبه الغرياني في مختصره بأن فيه الوليد بن محمد الموقري قال عبد الحق: ضعيف عندهم وعند موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي الدمياطي كذاب وقال أبو حاتم: كان يكذب ويأتي بالأباطيل وقال ابن زرعة: كان يكذب وقال موسى بن سهل الرملي: أشهد بالله أنه كان يكذب وقال ابن حجر: الوليد وموسى كذبهما غير واحد لكن موسى أوهى اه الحديث: 7137 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 7138 - (كان يكتحل بالإثمد) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة (وهو صائم) فلا بأس بالاكتحال للصائم سواء وجد طعم الكحل في حلقه أم لا وبهذا أخذ الشافعي إذ لا منفذ من العين للحلق وما يصل إليه يصل من المسام كما لو شرب الدماغ الدهن فوجد طعمه فإنه لا يفطر اتفاقا وقال ابن العربي: العين غير نافذة إلى الجوف بخلاف الأذن ذكره الأطباء وقال مالك وأحمد: يكره فإن وجد طعمه في الحلق أفطر وفيه أن الاكتحال غير مفطر وهو مذهب الشافعي (طب هق) كلاهما من رواية حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع (عن) أبيه عن جده (أبي رافع) قال البيهقي: محمد غير قوي قال الذهبي: وكذا حبان اه. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: حديث منكر وقال محمد منكر الحديث وكذا قال البخاري وقال الزين العراقي: قال ابن معين: ليس محمد بشيء ولا ابنه وقال الهيثمي: في محمد وأبيه كلام كثير. وأورده في الميزان في ترجمة محمد هذا ونقل تضعيفه عن جمع وقال قال أبو حاتم: منكر الحديث جدا وقال في الفتح: في سنده مقال وفي تخريج الهداية: سنده ضعيف الحديث: 7138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 7139 - (كان يكتحل كل ليلة) بالاثمد ويقول إنه يجلو البصر وينبت الشعر وخص الليل لأن الكحل عند النوم يلتقي عليه الجفنان ويسكن حرارة العين وليتمكن الكحل من السراية في تجاويف العين وطبقاتها ويظهر تأثيره في المقصود من الانتفاع (ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة) فإن عرض له ما يوجب شربه أثناء السنة شربه أيضا فشربه كل سنة مرة كان لغير علة بخلاف ما يعرض في أثنائها ولم أقف على تعيين الشهر الذي كان يشربه فيه في حديث ولا أثر (عد عن عائشة) وقال: إنه منكر وقال الحافظ العراقي: فيه سيف بن محمد كذبه أحمد وابن معين اه الحديث: 7139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 7140 - (كان يكثر القناع) أي اتخاذ القناع وهو بكسر القاف أوسع من المقنعة والمراد هنا تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو بغيره لنحو برد أو حر وسبب إكثاره له أنه كان قد علاه من الحياء من ربه ما لم يحصل لبشر قبله ولا بعده وما ازداد عبد بالله علما إلا ازداد حياء من الله فحياء كل عبد على قدر علمه بربه فألجأه ذلك إلى ستر منبع الحياء ومحله وهو العين والوجه وهما من الرأس والحياء من عمل الروح وسلطان الروح في الرأس ثم هو ينشر في جميع البدن فأهل اليقين قد أبصروا بقلوبهم أن الله يراهم فصارت جميع الأمور لهم معاينة فهم يعبدون ربهم كأنهم يرونه وكلما شاهدوا عظمته ومنته ازدادوا حياء فأطرقوا رؤوسهم وجلا وقنعوها خجلا وأنت بعد إذ سمعت هذا التقرير انكشف [ص: 241] لك أن من زعم أن المراد هنا بالقناع خرقة تلقى على الرأس لتقي العمامة من نحو دهن لم يدر حول الحمى بل في البحر فوه وهو في غاية الظمأ (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (هب) كلاهما (عن أنس) بن مالك الحديث: 7140 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 7141 - (كان يكثر القناع) قال المؤلف: يعني يتطيلس (ويكثر دهن رأسه ويسرح لحيته) ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البيهقي في الشعب بالماء هذا لفظه وكأنه سقط في قلم المصنف وفي رواية بدل قوله ويسرح لحيته وتسريح لحيته وهو عطف على دهن ولا ينافيه ما في أبي داود من النهي عن التسريح كل يوم لأنه لا يلزم من الإكثار التسريح كل يوم بل الإكثار قد يصدق على الشيء الذي يفعل بحسب الحاجة ذكره الولي العراقي ولم يرد أنه كان يقول عند تسريحها شيئا ذكره المؤلف قال ابن القيم: الدهن يسد مسام البدن ويمنع ما تخلل منه والدهن في البلاد الحارة كالحجاز من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم (هب) وكذا الترمذي في الشمائل كلاهما (عن سهل بن سعد) قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف الحديث: 7141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 7142 - (كان يكثر الذكر ويقل اللغو) أي لا يلغو أصلا قال بن الأثير: القلة تستعمل في نفي أصل الشيء ويجوز أن يريد باللغو الهزل والدعابة أي إنه كان منه قليلا اه. (ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة) ويقول إن ذلك من فقه الرجل (وكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته) قرب محلها أو بعد. روى البخاري إن كانت الأمة لتأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت وأحمد فتنطلق به في حاجتها وروى مسلم والترمذي عن أنس أنه جاءت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي إليك حاجة فقال: اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك وفيه بروزه للناس وقربه منهم ليصل ذو الحق حقه ويسترشد بأقواله وأفعاله وصبره على تحمل المشاق لأجل غيره وغير ذلك (ن ك عن) عبد الله (بن أبي أوفى) بفتحات (ك عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه الترمذي في العلل عن ابن أبي أوفى وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: هو حديث تفرد به الحسين بن واقد الحديث: 7142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 7143 - (كان يكره نكاح السر حتى يضرب بالدف) أي حتى يشهر أمره بضرب الدفوف للإعلان به قال في المصباح: السر ما يكتم ومنه قيل للنكاح سر لأنه يلزمه غالبا والسرية فعلية مأخوذة من السر وهو النكاح والدف بضم الدال وفتحها ما يلعب به وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أحمد ويقال أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم (عم عن أبي حسن المازني) الأنصاري قيل اسمه غنمر بن عبد عمر ويقال إنه عقبي بدري قضية كلام المؤلف بل صريحه أن هذا إنما رواه ابن أحمد لا أحمد والأمر بخلافه بل خرجه أحمد نفسه قال الهيثمي: وفيه حسين بن عبد الله بن ضمرة وهو متروك ورواه البيهقي أيضا من حديث ابن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا قال الذهبي في المهذب: حسين ضعيف الحديث: 7143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 7144 - (كان يكره الشكال من) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة في (الخيل) وفسره في بعض طرق الحديث عند مسلم [ص: 242] بأن يكون في رجله اليمين بياض وفي يده اليسرى أو يده اليمنى ورجله اليسرى وقال الزمخشري: هو أن يكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو عكسه شبه ذلك بالعقال فسمى به اه ووراء ذلك أقوال عشرة مذكورة في المطولات وكرهه لكونه كالمشكول لا يستطيع المشي أو جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة فإن كان مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال الإشكال كما حكاه في شرح مسلم عن بعضهم وأقره لكن توقف فيه جدنا الأعلى للأم الزين العراقي وقيل كرهه من جهة لفظه لإشعاره بنقيض ما تراد له الخيل أو لكونه يشبه الصليب بدليل أنه كان يكره الثوب الذي فيه تصليب وليس هذا من الطيرة كما حققه الحليمي (حم م 4) كلهم في الجهاد (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 7144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 7145 - (كان يكره ريح الحناء) لا يعارضه ما سبق من الأمر بالاختضاب فإن كراهته لريحه طبيعية لا شرعية والناس متعبدون باتباعه في الشرعي لا الطبيعي (حم د ن عن عائشة) رمز لحسنه الحديث: 7145 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 7146 - (كان يكره التثاؤب في الصلاة) قال القاضي: تفاعل من الثوباء بالمد وهو فتح الحيوان فمه لما عراه من تمطي وتمدد الكسل وامتلاء وهي جالبة النوم الذي من حبائل الشيطان فإنه به يدخل على المصلي ويخرجه عن صلاته فلذلك كرهه قال مسلم بن عبد الملك: ما تثاءب نبي قط وأنها من علامة النبوة (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ العراقي في شرح الترمذي بأن عبد الكريم بن أبي المخارق أحد رجاله ضعيف وقال الهيثمي: فيه عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف الحديث: 7146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 7147 - (كان يكره أن يرى الرجل جهيرا) أي (رفيع الصوت) عاليه عريضه (وكان يحب أن يراه خفيض الصوت) أخذ منه أن يسن للعالم صون مجلسه عن اللغط ورفع الأصوات وغوغاء الطلبة وأنه لا يرفع صوته بالتقرير فوق الحاجة قال ابن بنت الشافعي: ما سمعت أبي أبدا يناظر أحدا فيرفع صوته قال البيهقي: أراد فوق عادته فالأولى أن لا يجاوز صوته مجلسه (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه موسى بن علي الخشني وهو ضعيف الحديث: 7147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 7148 - (كان يكره رفع الصوت عند القتال) كأن ينادي بعضهم بعضا أو يفعل أحدهما فعلا له أثر فيصبح ويعرف على طريق الفخر والعجب وذكره ابن الأثير وذلك لأن الساكت أهيب والصمت أرعب ولهذا كان علي كرم الله وجهه يحرض أصحابه يوم صفين ويقول استشعروا الخشية وعنوا بالأصوات أي احبسوها وأخفوها من التعنن الحبس عن اللغط ورفع الأصوات (طب ك) في الجهاد (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه بل رواه أبو داود باللفظ المزبور عن أبي موسى المذكور قال ابن حجر: حديث حسن لا يصح الحديث: 7148 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 7149 - (كان يكره أن يرى) بالبناء للمجهول (الخاتم) أي خاتم النبوة وهو أثر كان بين كتفيه نعت به في الكتب المتقدمة وكان علامة على نبوته وإنما كان يكره أن يرى لأنه كان بين كتفيه كما تقرر وهو كان أشد حياء من العذراء في خدرها فكان يكره أن يرى منه ما لا يبدو في المهنة غالبا (طب عن عباد) بتشديد الموحدة (بن عمرو) خادم المصطفى [ص: 243] صلى الله عليه وسلم الحديث: 7149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 7150 - (كان يكره الكي) وورد أنه كوى جابرا في أكحله وكوى سعد بن زرارة وغيره فصار جمع إلى التوفيق بأن أولئك خيف عليهم الهلاك والأكلة ويحمل النهي على من اكتوى طلبا للشفاء مما دون ذلك قال ابن القيم: ولا حاجة لذلك كله فإن كراهته له لا تدل على المنع منه والثناء على تاركيه في خبر السبعين ألفا إنما يدل على أن تركه أفضل فحسب (والطعام الحار) أي كان يكره أكله حارا بل يصبر حتى يبرد (ويقول عليكم بالبارد) أي ألزموه (فإنه ذو بركة) أي خير كثير (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (وإن الحار لا بركة فيه) أي ليس فيه زيادة في الخير ولا نمو ولا يستمرئه الآكل ولا يلتذ به (حل عن أنس) رمز المصنف لحسنه وكأنه لاعتضاده إذ له شواهد منها ما رواه البيهقي عن أبي هريرة قال الحافظ العراقي: بإسناد صحيح قال: أتي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما بطعام سخن فقال: ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا قبل اليوم ولأحمد بسند جيد والطبراني والبيهقي أن خولة بنت قيس قدمت له حريرة فوضع يده فيها فوجد حرها فأحرقت أصابعه فقال: حس اه الحديث: 7150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 7151 - (كان يكره أن يطأ أحد عقبه) أي يمشي عقبه أي خلفه (ولكن يمين وشمال) وكان يكره أن يمشي أمام القوم بل في وسط الجمع أو في آخرهم تواضعا لله واستكانة وليطلع على حركات أصحابه وسكناتهم فيعلمهم آداب الشريعة ويوافق هذا الخبر قوله في خبر آخر كان يسوق أصحابه قدامه (ك) في الأدب (عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رمز لحسنه الحديث: 7151 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 7152 - (كان يكره المسائل) أي السؤال عن المسائل ممن ألبس فتنة أو أشرب محنة (ويعيبها) ممن عرف منه التعنت وعدم الأدب في إيراد الأسئلة وإظهار كراهة السؤال عن المسائل لمن هذا حاله إنما هو شفقة عليه ولطف به لا بخل عليه (فإذا سأله أبو رزين) بضم الراء وأبو رزين في الصحابة متعدد والظاهر أن هذا هو العقيلي واسمه لقيط بن عامر (أجابه وأعجبه) لحسن أدبه وجودة طلبه وحرصه على ضبط الفوائد وإحراز الفوائد ولما سئل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن اللعان سؤال تعنت ابتلي السائل قبل وقوعه في أهله واعلم أن أبا رزين هو راوي الخبر فكان الأصل أن يقول فإذا سألته أجابني فوضع الظاهر محل المضمر ويحتمل أن نكتته الافتخار بذكر اسمه في هذا الشرف العظيم حيث كان المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم يحب منه ما يكون من غيره ويحتمل أنه من تصرف حاكي الحديث عنه وهذا أقرب (طب عن أبي رزين) قال الهيثمي: إسناده حسن وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 7152 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 7153 - (كان يكره سورة الدم) أي حدته قال الزبيدي: السورة بفتح فسكون الحدة وسار الشراب يسور سورا وسورة إذا أخذ الرأس وسورة الجوع والخمر حدته ثلاثا أي مدة ثلاث من الأيام والمراد دم الحيض (ثم يباشر) المرأة (بعد الثلاث) لأخذ الدم في الضعف والانحطاط حينئذ قال سعيد بن بشير أحد رواته: يعني من الحائض والظاهر أن المراد أنه كان يباشرها بعد الثلاث من فوق حائل لأنه ما لم ينقطع الدم فالمباشرة فيما بين السرة والركبة بلا حائل حرام (طب) وكذا الخطيب [ص: 244] في التاريخ كلاهما (عن أم سلمة) وفيه سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن مجهول كما قاله الذهبي رمز لحسنه الحديث: 7153 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 7154 - (كان يكره أن يؤخذ) أي يؤكل وبه وردت رواية (من رأس الطعام) ويقول دعوا وسط القصعة وخذوا من حولها فإن البركة تنزل في وسطها والكراهة للتنزيه لا للتحريم عند الجمهور ونص البويطي والرسالة على ما يقتضي أنها للتخريم مؤول (طب عن سلمى) قال الهيثمي: رجاله ثقات وسبقه شيخه زين الحفاظ في شرح الترمذي فقال: رجال إسناده ثقات رمز المصنف لحسنه الحديث: 7154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7155 - (كان يكره أن يؤكل) الطعام الحار (حتى تذهب فورة دخانه) لأن الحار لا بركة فيه كما جاء مصرحا به في عدة أخبار والفور الغليان يقال فارت القدر فورا وفورانا غلت والدخان بضم الدال والتخفيف معروف (طب عن جويرية) تصغير جارية القصوى واسمه مما يشترك فيه الرجال والنساء وهو أحد وفد عبد القيس قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية إسناده حسن اه. وقد رمز المصنف لحسنه الحديث: 7155 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7156 - (كان يكره العطسة الشديدة في المسجد) وزاد في رواية إنها من الشطيان والعطسة الشديدة مكروهة في المسجد وغيره لكنها في المسجد أشد كراهة (هق) وكذا في الشعب وهو فيهما من حديث إبراهيم الجوهري عن يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه عن داود بن فراهيج (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وهو مجازفة فقد أعله الذهبي في المهذب بأن يحيى ضعيف كأبيه وداود هذا أورده في الضعفاء والمتروكين وقال: مختلف فيه وفي الميزان يحيى بن يزيد النوفلي قال أبو حاتم: منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر الحديث: 7156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7157 - (كان يكره أن يرى المرأة) ببناء يرى للفاعل ويصح للمفعول أيضا (ليس في يدها أثر حناء أو أثر خضاب) بكسر الخاء وفيه أنه يجوز للمرأة خضب يديها ورجليها مطلقا لكن خصه الشافعية بغير السواد كالحناء أما بالسواد فحرام على الرجال والنساء إلا للجهاد ويحرم خضب يدي الرجل ورجليه بحناء على ما قاله العجلي وتبعه النووي لكن قضية كلام الرافعي الحل ويسن فعله للمفترشة تعميما ويكره للخلية لغير إحرام (هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه ورواه عنها الخطيب في التاريخ أيضا باللفظ المزبور وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل قال الذهبي وغيره: ضعفوه الحديث: 7157 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7158 - (كان يكره أن يطلع من نعليه شيء عن قدميه) أي يكره أن يزيد النعل على قدر القدم أو ينقص (حم في) كتاب (الزهد عن زياد بن سعد مرسلا) وهو في التابعين اثنان حجازي وخراساني فكان ينبغي تمييزه الحديث: 7158 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7159 - (كان يكره أن يأكل الضب) لكونه ليس بأرض قومه فلذلك كان يعافه لا لحرمته كما صرح به في خبر بل أكل على مائدته وهو ينظر (خط) في ترجمة علان الواسطي (عن عائشة) وفيه شعيب بن أيوب أورده الذهبي في الذيل ووثقه الدارقطني وقال أبو داود: إني لأخاف الله في الرواية عن شعيب الحديث: 7159 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7160 - (كان يكره من الشاة سبعا) أي أكل سبع مع كونها حلالا (المرارة) وهي ما في جوف الحيوان فيها ماء أخضر [ص: 245] قال الليث: المرارة لكل ذي روح إلا البعير فلا مرارة له وقال القتبي: أراد المحدث أن يقول الأمر وهو المصارين فقال المرارة وأنشد: فلا نهدي الأمر وما يليه. . . ولا نهدين معروق العظام كذا في الفائض قال في النهاية: وليس بشيء (والمثانة والحياء) يعني الفرج قال ابن الأثير: الحياء ممدود الفرج من ذوات الخف والظلف (والذكر والانثيين والغدة والدم) غير المسفوح لأن الطبع السليم يعافها وليس كل حلال تطيب النفس لأكله قال الخطابي: الدم حرام إجماعا وعامة المذكورات معه مكروهة لا محرمة وقد يجوز أن يفرق بين القرائن التي يجمعها نظم واحد بدليل يقوم على بعضها فيحكم له بخلاف حكم صواحباتها اه. ورده أبو شامة بأنه لم يرد بالدم هنا ما فهمه الخطابي فإن الدم المحرم بالإجماع قد انفصل من الشاة وخلت منه عروقها فكيف يقول الراوي كان يكره من الشاة يعني بعد ذبحها سبعا والسبع موجودة فيها وأيضا فمنصب النبي صلى الله عليه وسلم يجل عن أن يوصف بأنه كره شيئا هو منصوص على تحريمه على الناس كافة وكان أكثرهم يكرهه قبل تحريمه ولا يقدم على أكله إلا الجفاة في شظف من العيش وجهد من القلة وإنما وجه هذا الحديث المنقطع الضعيف أنه كره من الشاة ما كان من أجزاءها دما منعقدا مما يحل أكله لكونه دما غير مسفوح كما في خبر أحل لنا ميتتان ودمان فكأنه أشار بالكراهة إلى الطحال والكبد لما ثبت أنه أكله (وكان أحب الشاة إليه مقدمها) لأنه أبعد من الأذى وأخف وأنضج والمراد بمقدمها الذراع والكتف وادعى بعضهم تقديم كل مقدم ففضل الرأس على الكتف وفيه ما فيه والشاة الواحدة من الغنم تقع على الذكر والأنثى فيقال هذا شاة للذكر وهذه شاة للأنثى (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه يحيى الحماني وهو ضعيف (هق) عن سفيان عن الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل (عن مجاهد) بن جبر مرسلا قال ابن القطان: وواصل لم تثبت عدالته (عد هق) عن فهر بن نسر بن عمر بن موسى بن وجيه (عنه) أي عن مجاهد (عن ابن عباس) ثم قال البيهقي: وعمر ضعيف ووصله لا يصح اه. وقال ابن القطان: عمر بن موسى متروك اه. ومن ثم جزم عبد الحق بضعف سنده ثم الحافظ العراقي الحديث: 7160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 7161 - (كان يكره الكليتين) تثنية كلية وهي من الأحشاء معروفة والكلوة بالواو لغة لأهل اليمن وهما بضم الأول قالوا ولا تكسر وقال الأزهري: الكليتين للإنسان ولكل حيوان وهما منبت زرع الولد (لمكانهما من البول) أي لقربهما منه فتعافهما النفس ومع ذلك يحل أكلهما وإنما قال لمكانهما من البول لأنهما كما في التهذيب لحمتان حمراوان لاصقتان بعظم القلب عند الخاصرتين فهما مجاوران لتكون البول وتجمعه (ابن السني في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف الحديث: 7161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 7162 - (كان يكسو بناته خمر) بخاء معجمة مضمومة يخطه (والقز والإبريسم) والخمر بضمتين جمع خمار ككتاب وكتب ما تغطي به المرأة رأسها واختمرت وتخمرت لبست الخمار والقز بفتح القاف وشد الزاي معرب قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم ولهذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق وفيه أن استعمال القز والحرير جائز للنساء (ابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7162 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 [ص: 246] 7163 - (كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة) أي ليبين حل لبس مثل ذلك فيها ففيه رد على من كره لبس الأحمر القاني وزعم أن المراد بالأحمر هنا ما هو ذو خطوط تحكم لا دليل عليه. قال في المطامح: ومن أنكر لباس الأحمر فهو متعمق جاهل وإسناده لمالك باطل ومن مجازفات ابن العربي أنه أفتى بقتل رجل عاب لبس الأحمر لأنه عاب لبسة لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل بفتياه كما ذكره في المطامح وهذا تهور غريب وإقدام على سفك دماء المسلمين عجيب وسيخاصمه هذا القتيل غدا ويبوء بالخزي من اعتدى ولبس ذلك بأول عجرفة لهذا المفتي وجرأته وإقدامه فقد ألف كتابا في شأن مولانا الحسين رضي الله عنه وكرم وجهه وأخزى شائنه زعم فيه أن يزيد قتله بحق بسيف جده نعوذ بالله من الخذلان (هق) من حديث حفص بن غياث بن الحجاج عن أبي جعفر (عن جابر) قال في المهذب: حجاج لين اه. ورواه الطبراني عن ابن عباس بلفظ كان يلبس يوم العيد بردة حمراء قال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 7163 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 7164 - (كان يلبس قميصا قصير الكمين والطول) وذلك أنفع شيء وأسهله على اللابس ولا يمنعه خفة الحركة والبطش ولا يتعثر به ويجعله كالمقيد (هـ عن ابن عباس) جزم المصنف بحسنه ويرده جزم الحافظ العراقي بضعفه الحديث: 7164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 7165 - (كان يلبس قميصا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه) أي بقرب أصابع يديه بدليل ما رواه البزار عن أنس أنه كان يد كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ قال الهيثمي: ورجاله ثقات وقول الزين العراقي لا تعارض بين هذا الحديث وحديث كان كمه إلى الرسغ لإمكان الجمع بأنه كان له قميصان أحدهما كمه إلى الرسغ والآخر مستو بأطراف أصابعه وفيه نظر لما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء أنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميص واحد ويحتمل أنه كان حين اتخذه مستوى الكمين بأطراف أصابعه وأنه بعد قطع بعضه فصار إلى الرسغ (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 7165 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 7166 - (كان يلبس قلنسوة) وفي رواية للطبراني في الأوسط عمة بدل قلنسوة بيضاء والفلنسوة بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو من ملابس الرأس كالبرنس الذي تغطى به العمامة من نحو شمس ومطر (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيثمي: فيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله ثقات ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والبيهقي في الشعب وقال: تفرد به عبد الله بن خراش وهو ضعيف الحديث: 7166 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 7167 - (كان يلبس قلنسوة) فعنلوة بفتح العين وسكون النون وضم اللام (بيضاء) زاد أبو الشيخ [ابن حبان] في روايته شامية (لاطئة) أي لاصقة برأسه غير مقبية أشار به إلى قصرها وخفتها قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: وأجود إسناد في القلانس ما رواه أبو الشيخ [ابن حبان] عن عائشة كان يلبس القلانس في السفر ذوات الآذان وفي الحضر المضمرة يعني الشامية وفيه ندب العمائم فوق القلانس (ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) الحديث: 7167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 7168 - (كان يلبس القلانس) جمع قلنسوة (تحت العمائم وبغير العمائم) الظاهر أنه كان يفعل ذلك في بيته وأما إذا خرج [ص: 247] للناس فيظهر أنه كان لا يخرج إلا بالعمامة (ويلبس العمائم بغير قلانس وكان يلبس القلانس اليمانية وهن البيض المضربة ويلبس القلانس ذوات الآذان) إذا كان (في الحرب) أي حال كونه في الحرب (وكان ربما نزع قلنسوة) أي أخرها من رأسه يعني أخرج رأسه منها (فجعلها سترة بين يديه وهو يصلي) الظاهر أنه كان يفعل ذلك عند عدم تيسر ما يستتر به أو بيانا للجواز. قال بعض الشافعية: فيه وما قبله لبس القلنسوة اللاطئة بالرأس والمرتفعة والمضرية وغيرها تحت العمامة وبلا عمامة كل ذلك ورد. قال بعض الحفاظ: ويسن تحنيك العمامة وهو تحذيق الرقبة وما تحت الحنك واللحية ببعض العمامة والأرجح عند الشافعية عدم ندبه قال ابن العربي: القلنسوة من لباس الأنبياء والصالحين والسالكين تصون الرأس وتمكن العمامة وهي من السنة وحكمها أن تكون لاطئة لا مقبية إلا أن يفتقر الرجل إلى أن يحفظ رأسه عما يخرج منه من الأبخرة فيقيها ويثقب فيها فيكون ذلك تطيبا (وكان من خلقه) بالضم (أن يسمي سلاحه ودوابه ومتاعه) كقميصه وردائه وعمامته كما سبق بيانه بتفصيله فراجعه (الروباني) في مسنده (وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 7168 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 7169 - (كان يلبس النعال) جمع نعل قال في النهاية: وهي التي تسعى الآن تاسومة وقد تطلق على كل ما يقي القدم (السبتية) بكسر فسكون أي المدبوغة أو التي حلق شعرها من السبت القطع سميت به لأنها سبتت بالدماغ أي لانت (ويصفر لحيته بالورس) بفتح فسكون نبت أصفر باليمين (والزعفران) وذلك لأن النساء يكرهن الشيب ومن كره من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كفر وكان طول نعله شبرا وأصبعين وعرضها مما يلي الكعبين سبع أصابع وبطن القدم خمس وفوقها ست ورأسها محدد وعرض ما بين القبالين أصبعان ذكره كله الزين العراقي في ألفية السيرة النبوية (تتمة) قال ابن حرب: سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه فكرهه للرجل والمرأة وقال: إن كان للكنيف والوضوء وأكره الصرار لأنه من زي العجم وسئل عنه سعيد بن عامر فقال: سنة نبينا أحب إلينا من سنة باكهن ملك الهند ورأى على باب المخرج نعلا سنديا فقال: تشبه بأولاد الملوك وسئل ابن المبارك عن النعال الكرمانية فلم يجب وقال: أما في هذه غنى عنها (ق عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 7170 - (كان يلحظ) وفي رواية الدارقطني بدله يلتفت (في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره) حذرا من تحويل صدره عن القبلة لأن الالتفات بالعنق فقط من غير تحويل الصدر مكروه وبالصدر حرام مبطل للصلاة والظاهر أنه إنما كان يفعل ذلك لحاجة لا عبثا لصيانة منصبه الشريف عنه ثم رأيت ابن القيم قال: إنه كان يفعل ذلك لعارض أحيانا ولم يك من فعله الراتب ومنه لما بعث فارسا طليعة ثم قام إلى الصلاة وجعل يلتفت فيها إلى الشعب الذي تجيء منه الطليعة (ت عن ابن عباس) وقال: غريب اه. وقال ابن القطان: وهو صحيح وإن كان غريبا وقال ابن القيم: لا يثبت بل هو باطل سندا ومتنا ولو ثبت لكان حكاية فعل لمصلحة تتعلق بالصلاة وقضية تصرف المصنف أن الترمذي منفرد بإخراجه عن الستة والأمر بخلافه بل خرجه النسائي عن الحبر أيضا باللفظ المزبور من الوجه المذكور. قال ابن حجر: وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم وأقره على تصحيحه الذهبي ونقل الصدر المناوي عن النووي تصحيحه قال ابن حجر: لكن رجح الترمذي إرساله الحديث: 7170 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 [ص: 248] 7171 - (كان يلزق صدره وجهه بالملتزم) تبركا وتيمنا به وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود سمي به لأن الناس يعتنقونه ويضمونه إلى صدورهم وصح ما دعا به ذو عاهة إلا برأ أي بصدق النية وتصديق الشارع والإخلاص وغير ذلك مما يعلمه أهل الاختصاص (هق عن ابن عمرو) بن العاص قال الذهبي: وفيه مثنى بن الصباح لين الحديث: 7171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 7172 - (كان يليه في الصلاة الرجال) لفضلهم وليحفظوا صلاته إن سها فيجبرها أو يجعل أحدهم خليفة إن احتيج إليه (ثم الصبيان) بكسر الصاد وحكى ابن دريد ضمها وذلك لكونهم من الجنس (ثم النساء) لنقصهن والمراد إذا لم يكن خناثي وإلا فهن بعدهم (هق عن أبي مالك الأشعري) الحديث: 7172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 7173 - (كان يمد صوته بالقراءة) أي في الصلاة وغيرها (مدا) بصيغة المصدر يعني كان يمد ما كان من حروف المد واللين لكن من غير إفراط فإنه مذموم وروى البخاري عن أنس مرفوعا أنه كان يمد بسم الله ويمد الرحمن الرحيم (حم ن هـ ك عن أنس) بن مالك الحديث: 7173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 7174 - (كان يمر بالصبيان) بكسر الصاد وقد تضم (فيسلم عليهم) ليتدربوا على آداب الشريعة وفيه طرح رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب (خ عن أنس) قضيته أن البخاري تفرد به عن صاحبه والأمر بخلافه فقد قال الزين العراقي: إنه منفق عليه من حديث أنس اه. ولفظ رواية مسلم من حديث أنس أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم وفي رواية له أيضا مر على غلمان فسلم عليهم الحديث: 7174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 7175 - (كان يمر بنساء فيسلم عليهن) حتى الشواب وذوات الهيئة لأنه كالمحرم لهن ولا يشرع ذلك لغير المعصوم وبكره من أجنبي على شابة ابتداء وردا ويحرمان منها عليه (حم عن جرير) بن عبد الله البجلي رمز المصنف لحسنه الحديث: 7175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 7176 - (كان يمسح على وجهه) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة يمسح وجهه (بطرف ثوبه في الوضوء) أي ينشف به ولضعف هذا الخبر ذهب الشافعية إلى أن الأولى ترك التنشيف بلا عذر بل كرهه بعضهم بطرف ثوبه أو ذيله لما قيل إنه يورث الفقر ومثل الوضوء في ذلك الغسل (طب عن معاذ) بن جبل قال الزين العراقي: سنده ضعيف وفي عزوه للطبراني واقتصاره عليه إيماء إلى أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي وقال: غريب وإسناده ضعيف انتهى. وممن جزم بضعفه الحافظ ابن حجر الحديث: 7176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 7177 - (كان يمشي مشيا يعرف فيه) أي به (أنه ليس بعاجز ولا كسلان) فكان إذا مشى فكأنما الأرض تطوى له كما في حديث الترمذي ومع سرعة مشيه كان على غاية من الهون والتأني وعدم العجلة فكان يمشي على هينته ويقطع ما يقطع بالجهد بغير جهد ولهذا قال أبو هريرة إنا كنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) الحديث: 7177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 [ص: 249] 7178 - (كان يمص اللسان) أي يمص لسان حلائله وكذا ابنته فقد جاء في حديث أنه كان يمص لسان فاطمة ولم يرو مثله في غيرها من بناته وهذا الحديث رواه الحافظ (الترقفي) بمثناة مفتوحة فراء ساكنة فقاف مضمومة ثم فاء نسبة إلى طرقف قال السمعاني: ظني أنها من أعمال واسط وهو أبو محمد العباس بن عبد الله بن أبي عيسى الترقفي الباكساني صدوق حافظ روى عن الغرياني وعنه ابن أبي الدنيا والصفار قال السمعاني: كان ثقة مات سنة بضع وستين ومائتين (في جزئه) الحديثي (عن عائشة) الحديث: 7178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 7179 - (كان ينام وهو جنب) وفي رواية كان يجنب (ولا يمس ماءا) أي للغسل وإلا فهو كان لا ينام وهو جنب حتى يتوضأ كما مر فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب ولا يليق بجناب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يبيت بحال لا يقربه فيها ملك وبهذا التقرير عرف أنه لا ضرورة إلى ارتكاب ابن القيم التكلف ودعواه بالصدر أن هذه الرواية غلط عند أئمة الحديث (حم ت ن هـ عن عائشة) قال الحافظ العراقي: قال يزيد بن هارون هذا وهم ونقل البيهقي عن الحفاظ الطعن فيه وقال تلميذه ابن حجر: قال أحمد: ليس بصحيح وأبو داود وهم يزيد بن هارون خطاء وخرجه مسلم دون قوله ولم يمس ماءا وكأنه حذفها عمدا الحديث: 7179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 7180 - (كان ينام حتى ينفخ) قال الطنافسي: قال وكيع: يعني وهو ساجد (ثم يقوم فيصلي) أي يتم صلاته (ولا يتوضأ) لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه ومن خصائصه أن وضوءه لا ينتقض بالنوم (حم عن عائشة) رمز لصحته وظاهر صنيعه أنه لم يخرج في أحد الستة والأمر بخلافه بل خرجه ابن ماجه بسند صحيح قال مغلطاي في شرحه: على شرط الشيخين الحديث: 7180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 7181 - (كان ينام أول الليل) بعد صلاة العشاء إلى تمام نصفه الأول لأنه كره النوم قبلها (ويحيي آخره) لأن ذلك أعدل النوم وأنفعه للبدن والأعضاء والقوة فإنه ينام أوله ليعطي القوة حظها من الراحة ويستيقظ آخره ليعطيها حظها من الرياضة والعبادة وذلك غاية صلاح القلب والبدن والدين (هـ عن عائشة) رمز لحسنه وظاهر صنيعه أن هذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وهو ذهول عجيب فقد روياه فيهما معا بزيادة في الصلاة من حديث الأسود بن يزيد عن عائشة الحديث: 7181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 7182 - (كان ينحر) أو يذبح هكذا هو على الشك في رواية البخاري (أضحيته بالمصلى) بفتح اللام المشددة أي بمحل صلاة العيد ليترتب عليه ذبح الناس ولأن الأضحية من القرب العامة فإظهارها أولى إذ فيه إحياء لسنتها قال مالك: لا يذبح أحد حتى يذبح الإمام فإن لم يذبح ذبح الناس إجماعا (خ د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 7183 - (كان ينزل من المنبر يوم الجمعة) أي وهو يخطب عليه خطبتها (فيكلمه الرجل في الحاجة فيكلمه ثم يتقدم إلى [ص: 250] مصلاه فيصلي) أفاد جواز الكلام بين الخطبة وبين الصلاة لأنه ليس حال صلاة ولا حال استماع لكن يشترط أن لا يطول الفصل لوجوب الموالاة بين الخطبتين وبينهما وبين الصلاة (حم 4 ك عن أنس) بن مالك الحديث: 7183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 7184 - (كان ينصرف من الصلاة عن يمينه) أي إذا لم يكن له حاجة وإلا فينصرف جهة حاجته كما بين في روايات أخر (ع عن أنس) بن مالك الحديث: 7184 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 7185 - (كان ينفث في الرقية) بأن يجمع كفيه ثم ينفث فيهما ويقرأ فيهما قل هو الله أحد والمعوذتين ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من بدنه يفعل ذلك ثلاثا إذا أوى إلى فراشه وكان في مرضه يأمر عائشة أن تمر بيده على جسده بعد نفثه هو فليس ذلك من الاسترقاء المنهي عنه كما ذكره ابن القيم وفيه دليل على فساد قول بعضهم أن التفل على العليل عند الرقى لا يجوز (هـ عن عائشة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 7186 - (كان يوتر من أول الليل وأوسطه وآخره) بين به أن الليل كله وقت للوتر وأجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء (حم عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات ورواه عنه الطبراني وزاد فأي ذلك فعل كان صوابا الحديث: 7186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 7187 - (كان يوتر على البعير) أفاد أن الوتر لا يجب للإجماع على أن الفرض لا يقام على الراحلة وقيل: هو واجب في حقه وإنما فعله راكبا ليشرع للأمة ما يليق بالسنة في حقهم فصلى على الراحلة لذلك واحتمل الركوب للتشريع (ق) عن سعيد بن يسار (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ثم أدركته فقال لي ابن عمر: أين كنت؟ قال: خشيت الفجر فنزلت فأوترت قال: أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة قلت: بلى قال: إنه كان يوتر إلخ الحديث: 7187 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 7188 - (كان يلاعب زينب بنت أم سلمة) زوجته وهي بنتها من أبي سلمة (ويقول يا زوينب يا زوينب) بالتصغير (مرارا) فإن الله سبحانه قد طهر قلبه من الكبر والفحش بشق الملائكة صدره المرات العديدة عند تقلبه في الأطوار المختلفة وإخراج ما فيه مما جبل عليه النوع الإنساني وغسله وامتلائه من الحكم والعلوم (الضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك الحديث: 7188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 7189 - (كان آخر كلامه الصلاة الصلاة) أي احفظوها بالمواظبة عليها واحذروا تضييعها وخافوا ما يترتب عليه من العذاب فهو منصوب على الإغراء قال ابن مالك في شرح الكافية: معنى الإغراء إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه من مواصلة ذي القربى والمحافظة على عهود المعاهدين ونحو ذلك والثاني من الاسمين بدل من اللفظ بالفعل وقد يجاء باسم المغرى به مع التكرار مرفوعا (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) بحسن الملكة والقيام بما عليكم وإضافة الملك إلى اليمين كإضافته إلى اليد من حيث إنه يحصل بكسب اليد وأن المالك متمكن من التصرف فيه تمكنه مما في يده بل هي أبلغ من حيث إن اليمين أبلغ اليدين وأقدرهما على العمل ذكره القاضي وقرن الوصية بالصلاة الوصية بالمملوك إشارة إلى وجوب رعاية حقه على سيده كوجوب الصلاة قالوا: وذا من جوامع الكلم لشمول [ص: 251] الوصية بالصلاة لكل مأمور ومنهي إذ هي تنهى عن الفحشاء والمنكر وشمول ما ملكت أيمانكم لكل ما يتصرف فيه ملكا وقهرا لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم فلذا جعله آخر كلامه وسبق فيه مزيد (د) في الأدب (هـ) في الوصايا (عن علي) أمير المؤمنين وأخرج ابن سعد عن أنس قال: كانت عامة وصية النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره وما كاد يقبض بها لسانه أي ما يقدر على الإفصاح بها الحديث: 7189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 7190 - (كان آخر ما تكلم به) أي من الذي كان يوصي به أهله وأصحابه وولاة الأمور من بعده فلا يعارضه آخر ما تكلم به جلال ربي الرفيع ونحوه (أن قال قاتل الله اليهود والنصارى) أي قتلهم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال البيضاوي: لما كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لها نهى أمته عن مثل فعلهم أما من اتخذ مسجدا بجوار صالح أو صلى في مقبرته استظهارا بروحه أو وصول أثر من عبادته إليه لا لتعظيمه فلا حرج ألا ترى أن قبر إسماعيل بالحطيم وذلك المحل أفضل للصلاة فيه والنهي عن الصلاة بالمقبرة مختص بالمنبوشة اه. (لا يبقين دينان) بكسر الدال (بأرض العرب) وفي رواية بجزيرة العرب وهي مبينة بالمراد بالأرض هنا إذ لا يستقيم بأرض دينان على التظاهر والتعارف لما بينهما من التضاد والتخالف وقد أخذ الأئمة بهذا الحديث فقالوا: يخرج من جزيرة العرب من دان بغير ديننا ولا يمنع من التردد إليها في السفر فقط قال الشافعي ومالك: لكن الشافعي خص المنع بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن من أرض العرب وقال ابن جرير الطبري: يجب على الإمام إخراج الكفار من كل مصر غلب عليه الإسلام حيث لا ضرورة بالمسلمين وإنما خص أرض العرب لأن الدين يومئذ لم يتعداها قال: ولم أر أحدا من أئمة الهدى خالف في ذلك اه. وهذا كما ترى إيماء إلى نقل الإجماع فلينظر فيه وقال غيره: هذا الحكم لمن بجزيرة العرب يخرج منها بكل حال عذر أم لا وأما غيرها فلا يخرج إلا لعذر كخوف منه (هق عن أبي عبيدة) عامر (ابن الجراح) أحد العشرة المشهود لهم بالجنة الحديث: 7190 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 7191 - (كان آخر ما تكلم به) مطلقا (جلال ربي) أي أختار جلال ربي (الرفيع فقد بلغت ثم قضى) أي مات ولا يناقضه ما سبق كان آخر كلامه الصلاة إلخ لأن ذلك آخر وصاياه وذا آخر ما نطق به قال السهيلي: وجه اختياره هذه الكلمة من الحكمة أنها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره في النطق وأنه لا يشترط الذكر باللسان وأصل هذا الحديث في الصحيحين عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى فعلمت أنه لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح والذي دعاه إلى ذلك رغبته في بقاء محبوبه فلما عين للبقاء محلا خاصا ولا ينال إلا بالخروج من هذه الدار التي تنافي ذلك اللقاء اختار الرفيق الأعلى (تتمة) ذكر السهيلي عن الواقدي أن أول كلمة تكلم بها المصطفى صلى الله عليه وسلم لما ولد جلال ربي الرفيع لكن روى عائذ أن أول ما تكلم به لما ولدته أميه حين خروجه من بطنها الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. [ص: 252] الحديث: 7191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 حرف اللام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 7192 - (لله) اللام للابتداء والجلالة مبتدأ خبره (أشد فرحا) أي رضى (بتوبة عبده) فإطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رضاه وبسط رحمته ومزيد إقباله على عبده وإكرامه له (من أحدكم إذا سقط على بعيره) أي صادفه وعثر عليه بلا قصد فظفر به ومنه قولهم على الخبير سقطت (قد أضله) أي ذهب منه أو نسي محله (بأرض فلاة) أي مفازة والمراد أن التوبة تقع من الله في القبول والرضى موقعا يقع في مثله ما يوجب فرط الفرح ممن يتصور في حقه ذلك فعبر بالرضى عن الفرح تأكيدا للمعنى في ذهن السامع ومبالغة في تقديره وحقيقة الفرح لغة انشراح الصدر بلذة عاجلة وهو محال في حقه تقدس. قال ابن عربي: لما حجب العالم بالأكوان واشتغلوا بغير الله عن الله فصاروا بهذا الفعل في حال غيبة عنه تقدس فلما وردوا عليه بنوع من أنواع الحضور أرسل إليهم في قلوبهم من لذة نعيم محاضرته ومناجاته ومشاهدته ما يتحبب بها قلوبهم فكنى بالفرح عن إظهار هذا الفعل لأنه إظهار سرور بقدومه عليه (ق) في التوبة وغيرها (عن أنس) بن مالك الحديث: 7192 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 7193 - (لله أفرح) أي لله أرضى وأقبل كقوله تعالى {كل حزب بما لديهم فرحون} أي راضون (بتوبة عبده من العقيم الوالد) أي من المرأة التي لا تلد إذا ولدت (ومن الضال الواجد) أي الذي ضل راحلته ثم وجدها ومن (الظمآن الوارد) أي ومن العطشان إلى ورود الماء لأنه سبحانه يحب من عباده أن يطيعوه ويكره أن يعصوه ويفرح بتوبة عبده مع غناه المطلق عن طاعته وأن نفعها إنما يعود إليه لكن هذا من كمال رأفته بهم وحبه لنفعهم فهو يبسط رحمته على عباده ويكرمهم بالإقبال عليهم ويكره ذهابهم عنه وإعراضهم مع غناه. قال الحكيم: ما دام العبد مقبلا على الله فهو مقبل عليه ولا يعلم ما في هذا الإقبال إلا أهله فإذا أعرض العبد معتزا بخدائع نفسه وآمالها وأكاذيبها فأقبل على النفس وقبل منها ما تأتي به فقد أعرض عن الله وأعرض الله عنه وعذب قلبه فإذا تاب إلى الله ونزع أدركه من الله الغوث وفرح بها وفتح باب الرحمة عليه فوجد القلب خالصا وعاد العون والمدد فلم يزل العبد يترقى درجة وانتعش بعد النكس وحيي بعد الموت (ابن عساكر في أماليه) الحديثية (عن أبي هريرة) الحديث: 7193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 7194 - (لله أفرح بتوبة التائب من الظمآن الوارد ومن العقيم الوالد ومن الضال الواجد) المراد أنه تعالى يبسط رحمته على عبده ويكرمه بالإقبال عليه ويشهد لذلك الرحمة التي وضعها في الآباء والأمهات فتراهم على الغاية من الشفقة عليهم والرفق بهم والاحتراق عليهم فيما يخافونه من الوبال عليهم وفرحهم بالتوبة إذا هم تابوا فإذا كانت هذه رحمة الآباء والأمهات فكيف بالخالق الواحد الماجد الذي يدر جميع رأفة الدنيا من جنب رحمة من مئة رحمة عنده ثم ماذا يكون ذلك في جنب الرحمة العظمى (فمن تاب إلى الله توبة نصوحا) أي صادقة ناصحة مخلصة سميت به لأن العبد ينصح نفسه فيها (أنسى الله حافظيه وجوارحه وبقاع الأرض كلها خطاياه [ص: 253] جمع خطيئة وهي الذنب ولغرض التأكيد ومزيد النعميم جمع بينها وبين قوله (وذنوبه) فإن الله يحب التوابين والحبيب يستر الحبيب فإن بدا زين نشره أو شين ستره فإذا أحب عبدا فأذنب ستره حتى عن أبعاضه والذنب يدنس العبد والرجوع إلى الله يطهره وللعبد صفتان معصية وطاعة فالراجع عن المعصية تواب والمكثر من الطاعة أواب ويسمى حبيب الله (أبو العباس) أحمد بن إبراهيم بن أحمد (بن تركان) بمثنات فوقية أوله مضمومة وسكون الراء ونون بعد الكاف الخفاف التميمي (الهمداني) التركاني نسبة إلى جده وبذلك اشتهر من أكابر محدثي همدان قال السمعاني: وتركان أيضا قرية بمرو ويمكن أن ينسب إليها هذا غير أنه اشتهر بهذه النسبة (في كتاب التائبين عن أبي الجون مرسلا) الحديث: 7194 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 7195 - (لله أشد أذنا) بفتح الهمزة والذال بضبط المصنف أي استماعا وإصغاءا وذا عبارة عن الإكرام والإنعام (إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن) حال كونه (يجهر) أي يرفع صوته (به) ووجهه أن الإصغاء إلى الشيء قبول له واعتناء به ويترتب عليه إكرام المصغى إليه فعبر عن الإكرام بالإصغاء وفائدته حث القارئ على إعطاء القراءة حقها من ترتيل وتحسين ما أمكن (من) استماع (صاحب القينة) بفتح القاف (إلى قينته) أي أمته التي تغنيه وفيه حل سماع الغناء من قينته ونحوها لأن سماع الله لا يجوز أن يقاس على محرم وخرج بقينته فينة غيره فلا يحل سماعها بل يحرم إن خاف ترتب فتنة كما جاء في حديث من أشراط الساعة سماع القينات والمعازف وفي آخر إن الأرض تخسف بمن يسمعها (هـ حب ك هب) من حديث الأوزاعي عن إسماعيل بن عبد الله بن فضالة بن عبيد (عن فضالة بن عبيد) قال الحاكم: على شرطهما فرده الذهبي فقال: قلت بل هو منقطع الحديث: 7195 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 7196 - (لله) مبتدأ خبره (أقدر) وقوله (عليك) صفة أقدر وقوله (منك) متعلق أفعل وقوله (عليه) حال من الكاف أي أقدر منك حال كونك قادرا عليه أو هو متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأنه لما قيل أقدر عليك منك قيل على من قيل عليه ذكره الطيبي رادا ما من الأعاريب هنا وهذا قاله لأبي مسعود حين انتهى إليه وهو يضرب مملوكه وفيه حث على الرفق بالمملوك وحسن صحبته ووعظ بليغ في الاقتداء بحكم الله على عباده والتأديب بآدابه في كظم الغيظ والعفو الذي أمر به (حم عن أبي مسعود) البدري رمز المصنف لحسنه الحديث: 7196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 7197 - (لأنا) بفتح اللام وهي المؤكدة للقسم أو هي ابتدائية (أشد عليكم خوفا من النعم مني من الذنوب) لأنها تحمل على الأشر والبطر وبذلك يدخل الفساد على جميع أمورهم وكلما ازداد نعمة زاد حرصا والإنسان خلق فقيرا محتاجا مضطرا ينظر إلى الأسباب ثم تأخذه العجلة والحيرة التي ركبت فيه على تعدي الحدود وعصيان المنعم المعبود (ألا) حرف تنبيه (إن النعم التي لا تشكر) بالبناء للمفعول (هي الحتف القاضي) أي الهلاك المتحتم إذ الحتف الهلاك يقال مات حتف أنفه إذا مات بغير ضرب ولا قتل ولا حرق ولا غرق قال العكبري: ويقال إنها لم تستعمل في الجاهلية بل في الإسلام (ابن عساكر) في تاريخه (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير التميمي المدني ثقة فاضل متأله عابد بكاء روى عن عائشة وجابر وغيرهما وعنه مالك والسفيانان فإنه مات سنة ثلاثين ومئة خرج له جماعة (بلاغا) أي أنه قال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث: 7197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 [ص: 254] 7198 - (لأنا من فتنة السراء أخوف عليكم من فتنة الضراء إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وإن الدنيا حلوة) من حيث الذوق (خضرة) من حيث المنظر وخضرة بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين آخره تاء التأنيث وخص الأخضر لأنه أبهج الألوان وأحسنها (البزار) وكذا أبو يعلى (حب هب) كلهم (عن سعد) بن أبي وقاص قال الهيثمي: فيه رجل لم يسم أي وهو رجل من بني عامر لم يذكروا اسمه وبقية رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: رواه أبو يعلى والبزار وفيه راو لم يسم وبقية رواته رواة الحديث الصحيح الحديث: 7198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 7199 - (لأن) اللام ابتدائية أو جواب قسم محذوف أي والله لأن (أذكر الله تعالى مع قوم بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها ولأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها) وفي رواية للطبراني لأن أشهد الصبح ثم أجلس فأذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله ووجه محبته للذكر في هذين الوقتين أنه وقت رفع الملائكة الأعمال إلى الكبير المتعال أي ملائكة الليل والنهار كما جاء في عدة أخبار (هب عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: سنده حسن اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه ورواه البيهقي في السنن من حديث يزيد الرقاشي عن أنس أيضا وتعقبه الذهبي في المهذب بأن يزيد واه الحديث: 7199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 7200 - (لأن) بفتح اللام قال الزركشي: جواب قسم مقدر قال الدماميني: ويحتمل كونها لام الابتداء ولا تقدير (أطأ على جمرة) أي قطعة نار ملتهبة والجمع جمر كتمرة وتمر أي والله لأن أطأ عليها برجلي فتحرقني (أحب إلي من أن أطأ على قبر) والمراد قبر المسلم وقيده به في رواية الطبراني وظاهر الخبر الحرمة واختاره كثير من الشافعية لكن الأصح عندهم الكراهة ومحل الكراهة حيث لا ضرورة وإلا كأن لم يصل إلى زيارة قبر ميته إلا به فلا (خط) في ترجمة عمر القصباني (عن أبي هريرة) وفيه قطن بن إبراهيم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له حديث منكر ولذلك ترك مسلم الرواية عنه وهو صدوق عن الجارود بن يزيد وهو كما قال الدارقطني وغيره: متروك وهذا الحديث مما تركوه لأجله ثم ظاهر كلام المصنف أن هذا الحديث مما لم يتعرض أحد من الستة التي هي دواوين الإسلام لتخريجه وإلا لما عدل لهذه الطريق المعلول وأبعد النجعة وهي عجب فقد خرجه بمعناه الجماعة كلهم في الجنائز إلا البخاري والترمذي بلفظ لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر الحديث: 7200 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 7201 - (لأن أطعم أخا في الله مسلما لقمة) من نحو خبز (أحب إلي من أن أتصدق بدرهم ولأن أعطي أخا في الله مسلما درهما أحب إلي من [ص: 255] أن أتصدق بعشرة دراهم ولأن أعطيه عشرة أحب إلي من أن أعتق رقبة) مقصود الحديث الحث على الصدقة على الأخ في الله وبره وإطعامه وأن ذلك يضاعف على الصدقة على غيره وبره وإكرامه أضعافا مضاعفة وهذا بالنسبة إلى العتق وارد على التحذير من التقصير في حق الإخوان أو على ما إذا كان زمن مخمصة ومجاعة بحيث يصل إلى حالة الاضطرار (هناد) في الزهد (هب) كلاهما (عن بديل) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون المثناة تحت (مرسلا) وهو ابن ميسرة العقيلي تابعي مشهور له عن أنس وعدة ثقة وفيه الحجاج بن فرافصة قال أبو زرعة: ليس بقوي وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين الحديث: 7201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 7202 - (لأن أعين أخي المؤمن على حاجته) أي على قضائها (أحب إلي من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام) لأن الصيام والاعتكاف نفعه قاصر وهذا نفعه متعد والخلق عيال الله وأحب الناس إليه أنفعهم لعياله كما في حديث وفيه أن الصوم والاعتكاف في المسجد الحرام أفضل منهما في غيره (أبو الغنائم النرسي) بفتح النون وسكون الراء ووهم وحرف من جعلها واوا وكسر السين المهملة نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى ينسب إليها جماعة من مشاهير العلماء والمحدثين منهم هذا الحافظ وهو محمد بن علي بن ميمون النرسي الكوفي سمع الشريف أبا عبد الله الحسني وابن إسحاق وغيرهما وروى عنه السمعاني والد الإمام أبي سعد وجماعة كثيرة قال ابن الأثير: كان متقنا ثقة مات سنة سبع وخمس مئة (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 7203 - (لأن) بفتح الهمزة التي بعد لام القسم (أقعد مع قوم يذكرون الله) هذا لا يختص بذكر لا إله إلا الله بل يلحق به ما في معناه كما تشير إليه رواية أحمد (من صلاة الغداة) أي الصبح (حتى تطلع الشمس) ثم أصلي ركعتين أو أربع كما في رواية (أحب إلي من أن أعتق) بضم الهمزة وكسر التاء (أربعة) أي أربعة أنفس (من ولد إسماعيل) زاد أبو يعلى دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا. قال البيضاوي: خص الأربعة لأن المفضل عليه مجموع أربعة أشياء ذكر الله والقعود له والاجتماع عليه والاستمرار به إلى الطلوع أو الغروب وخص بني إسماعيل لشرفهم وإنافتهم على غيرهم ولقربهم منه ومزيد اهتمامه بخلافهم وقال الطيبي: خصهم لكونهم أفضل أصناف الأمم قدرا ورجاء ووفاء وسماحة وحسبا وشجاعة وفهما وفصاحة وعفة ونزاهة ثم أولاد إسماعيل أفضل العرب لما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم منهم (ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله) ظاهره وإن لم يكن ذاكرا لأن الاستماع قائم مقام الذكر وهم القوم لا يشقى جليسهم (من) بعد (صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبة) من ولد إسماعيل والذي وقفت عليه في أصول صحيحة أربعة بدل رقبة وهكذا هو في المصابيح وغيرها وهو الصواب قال الطيبي: نكر أربعة وأعادها لتدل على أن الثاني غير الأول ولو عرف لاتحدا نحو قوله تعالى {غدوها شهر ورواحها شهر} وهذا يبين أن من أعتق رقبة عتق بكل عضو منها عضو منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير الخطايا مع ما يبقى من زيادة عتق الرقاب للزائد على الواحدة سيما من ولد الأنبياء (د) في العلم من حديث الأعمش (عن أنس) قال الأعمش: اختلف أهل البصرة في القص فأتوا أنسا فقالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص قال: لا إنما بعث بالسيف [ص: 256] ولكن سمعته يقول لأن أقعد إلخ رمز المصنف لحسنه وهو فيه تابع للحافظ العراقي حيث قال: إسناده حسن لكن قال تلميذه الهيثمي: فيه محتسب أبو عائد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات اه الحديث: 7203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 7204 - (لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) لأنها الباقيات الصالحات وفيه أن الذكر أفضل من الصدقة وبه أفتى المؤلف قال: بل وأفضل من جميع العبادات وتقدمه لذلك الغزالي قال: ولذلك لم يرخص في تركه في حال من الأحوال (م ت) في الدعوات وكذا النسائي في يوم وليلة كلهم (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 7204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 7205 - (لأن أمتع بسوط في سبيل الله) أي لأن أتصدق على نحو الغازي بشيء ولو قليلا حقيرا كسوط يستمتع وينتفع به الغازي أو الحاج في مقاتلة أو سوق نحو دابة (أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا) لفظ رواية الحاكم ولد زنية كذا رأيته بخط الحافظ الذهبي في مختصر المستدرك ومقصود الحديث التحذير من حمل الإماء على الزنا ليعتق أولادهن وأن لا يتوهم أحد أن ذلك قربة (ك) في الفتن (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي وشاهده خبر ولد الزنا شر الثلاثة الحديث: 7205 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 7206 - (لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن آمر بالزنا ثم أعتق الولد) أي الحاصل منه قاله لما نزلت {فلا اقتحم العقبة} فقالوا: يا رسول الله ما عندنا ما نعتقه إلا أن أحدنا له الجارية السوداء تخدمه فلو أمرناهن يزنين فيجئن بأولاد فأعتقناهم فذكره وهذا قالته عائشة لما فهم أبو هريرة من الخبر خلاف المراد فقالت: رحمه الله أساء سمعا وأساء إصابة والقصة مشهورة (ك عن عائشة) رضي الله عنها الحديث: 7206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 7207 - (لأن أمشي على جمرة أو سيف) أي أو على حد سيف فيجرح رجلي (أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم وما أبالي أوسط القبر قضيت حاجتي أم وسط السوق) قال النووي في شرح مسلم: أراد بالمشي على القبر الجلوس وهو حرام في مذهب الشافعي اه. لكن الأصح ما ذكره في غيره كغيره أنه مكروه لا حرام وقوله ما أبالي إلخ أراد به أنه يتحرج ويستنكف عن قضائها بحضرة الناس في وسط السوق أي فيحرم ذلك (د عن عتبة بن عامر) قال المنذري: إسناده جيد الحديث: 7207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 7208 - (لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد) لطلب زيادة الستر في حقها ولهذا كره لها أبو حنيفة شهود الجمعة والجماعة مطلقا ووافقه الشافعي في الشابة ونحو ذوات الهيئة كما مر (هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه [ص: 257] وليس كما قال فقد تعقبه الذهبي على الدارقطني في المهذب بأن فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبينة ضعيف الحديث: 7208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 7209 - (لأن يأخذ أحدكم حبله) في رواية أحبله بالجمع وفي رواية حبلا (ثم يغدو) أي يذهب (إلى الجبل) محل الحطب (فيحتطب) بتاء الافتعال وفي مسلم فيحطب بغير تاء أي يجمع الحطب (فيبيع) ما احتطبه (فيأكل) من ثمنه (ويتصدق) بواو العطف ليدل على أنه يجمع بين البيع والصدقة وبالفاء في الأولين لأن الاحتطاب يكون عقب الغدو والبيع يكون عقب الاحتطاب فهو (خير له) ليست خير هنا أفعل تفضيل بل من قبيل {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا} (من أن يسأل الناس) أي من سؤال الناس أمرا دنيويا أعطوه أو منعوه وإن كان الاكتساب بعمل شاق كالاحتطاب لثقل المنة أو ذل الخيبة وفي رواية للبخاري بدل ما ذكر خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه اه. وهذا حث على التعفف وتفضيل الكسب والسبب على البطالة وجمهور المحققين كابن جرير وأتباعه على أن السبب لا ينافي التوكل حيث كان الاعتماد على الله لا على السبب فإن احتاج ولم يقدر على كسب لائق جاز بشرط أن لا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول فإن فقد شرط منها حرم اتفاقا (ق ن عن أبي هريرة) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لأن إلخ هذا لفظ البخاري الحديث: 7209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 7210 - (لأن يؤدب الرجل ولده) عندما يبلغ من السن والعقل مبلغا يحتمل يحتمل ذلك بأن ينشئه على أخلاق صلحاء المؤمنين ويصونه عن مخالطة المفسدين ويعلمه القرآن والأدب ولسان العرب ويسمعه السنن وأقاويل السلف ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه ويهدده ثم يضربه على نحو الصلاة وغير ذلك (خير له من أن يتصدق بصاع) لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية وصدقة الصاع ينقطع ثوابها وهذا يدوم بدوام الولد والأدب غذاء النفوس وتربيتها للآخرة {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} فوقايتك نفسك وولدك منها أن تعظها وتزجرها بورودها النار وتقيم أودهم بأنواع التأديب فمن الأدب الموعظة والوعيد والتهديد والضرب والحبس والعطية والنوال والبر فتأديب النفس الزكية الكريمة غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة وفيه أن تأديب الولد أعظم أجرا من الصدقة واستدل به الصوفية على تأديب النفس لأنها أجل من تأديب الابن (ت) في البر من رواية ناصح عن سماك (عن جابر بن سمرة) وقال: حسن غريب قال المنذري: ناصح هذا هو ابن عبد الله المحملي واه قال: وهذا مما أنكره عليه الحافظ اه. وقال المزي: ضعفه النسائي وغيره وقال الذهبي: هالك الحديث: 7210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 7211 - (لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق بمئة درهم عند موته) أي عند احتضاره وقال الطيبي: أوقع هذه الحياة مقابل لقوله في حياته إشارة إلى أن الحياة الحقيقية التي يعتد فيها بالتصدق هي أن يكون المرء صحيحا شحيحا يخشى الفقر كما مر وقوله بمئة أراد به الكثرة كما أراد بدرهم القلة ويدل له ما جاء في جاء في رواية بدل مئة بماله أي بجميع ماله اه. قال في الفردوس: ويروى بمئة ألف قال بعضهم: وذلك لأنه في حال صحته يصعب عليه إخراج المال يخوفه به الشيطان ويزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال وهجوم الفقر كما قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} الآية (د حب عن أبي سعيد) الخدري ثم قال أعني ابن حبان: حديث صحيح وأقره ابن حجر الحديث: 7211 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 7212 - (لأن يجعل أحدكم في فيه ترابا) فيأكله (خير له من أن يجعل في فيه ما حرم الله) كالخمر وكل مسكر والمغصوب وكل ما اكتسب [ص: 258] من غير حله ومقصود الحديث الأمر بتحري أكل الحلال ولو كان خبزا من شعير بغير إدام وذكر التراب مبالغة فإنه لا يؤكل وأما أكل الحرام فيظلم القلب ويغضب الرب (هب عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن سعيد المدني قال الذهبي: مجهول منكر الحديث ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والديلمي الحديث: 7212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 7213 - (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده) أي فتصل الجمرة إلى الجلد (خير له من أن يجلس على قبر) قال الطيبي: جعل الجلوس على القبر وسريان ضرره إلى قلبه وهو لا يشعر بمنزلة سراية النار من الثوب إلى الجلد ثم إلى داخله اه. وهذا مفسر بالجلوس للبول والغائط كما في رواية أبي هريرة فالجلوس والاستناد والوطء على القبر لغير ذلك مكروه لا حرام بل لا يكره لحاجة (حم م د ن هـ عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه الحديث: 7213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 7214 - (لأن يزني الرجل بعشرة نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره) ويقاس بها نحو أمته وبنته وأخته وذلك لأن من حق الجار على الجار أن لا يخونه في أهله فإن فعل ذلك كان عقاب تلك الزنية يعدل عذاب عشر زنيات قال الذهبي في الكبائر: فيه أن بعض الزنا أكبر إثما من بعض قال: وأعظم الزنا بالأم والأخت وامرأة الأب وبالمحارم وبامرأة الجار روى الحاكم وصححه والعهدة عليه من وقع على ذات محرم فاقتلوه فالزنا كبيرة إجماعا وبعضه أفحش من بعض وأقبحه زنا الشيخ بابنته وأخته مع كونه غنيا له حلائل وزناه بجارية إكراها ونحو ذلك ودونه في القبح زنا الشاب البكر بشابة خلت به وشاكلته بفعل وقام نادما تائبا (ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره) فيه تحذير عظيم من أذى الجار بكل طريق من فعل أو قول وقد أخرج الطبراني من حديث ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: لا يصحبنا اليوم من آذى جاره فقال رجل من القوم: أنا بلت في أصل حائط جاري فقال: لا تصحبنا اليوم (حم خد طب عن المقداد) بكسر الميم وسكون القاف وبالمهملتين (ابن الأسود) اسمه ثعلبة بن مالك حالف أباه كندة وتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسبه إليه رمز المصنف لحسنه وهو كما قال: أو أعلى فقد قال المنذري والهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 7214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 7215 - (لأن يطأ الرجل على جمرة خير له من يطأ على قبر) الذي وقفت عليه في نسخ الحلية قبرا بدون على (حل) من حديث قطن بن إبراهيم عن الجارود بن يزيد عن شعبة بن سعيد المقبري (عن أبي هريرة) ثم قال: تفرد به الجارود عن شعبة الحديث: 7215 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 7216 - (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط) بكسر الميم وفتح الياء وهو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوها (من حديد) خصه لأنه أصلب من غيره وأشد بالطعن وأقوى في الإيلام (خير له من يمس امرأة لا تحل له) أي لا يحل له نكاحها وإذا كان هذا في مجرد المس الصادق بما إذا كان بغير شهوة فما بالك بما فوقه من القبلة [ص: 259] والمباشرة في ظاهر الفرج (طب) وكذا البيهقي (عن معقل بن يسار) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: رجاله ثقات الحديث: 7216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 7217 - (لأن يلبس أحدكم ثوبا من رقاع) جمع رقعة وهي خرقة تجعل مكان القطع من الثوب (شتى) أي متفرقة يقال شت الأمر شتا إذا تفرق وقوم شتى على فعلى متفرقون (خير له من أن يأخذ بأمانته ما ليس عنده) أي خير له من أن يظن الناس فيه الأمانة أي القدرة على الوفاء فيأخذ منهم بسبب أمانته نحو ثوب بالاستدانة مع أنه ليس عنده ما يرجو منه الوفاء فإنه قد يموت ولا يجد ما يوفي به دينه فيصير رهينا به في قبره وفيه تشديد عظيم في الاستدانة سيما لمن لا يرجو وفاء فيكره هذا هو المفتى به عند الشافعية ونقله في المجموع عن الشافعي وجمهور أصحابه لكن خالف في شرح مسلم فقال: إنها كراهة تحريم وعزاء للأصحاب بهذا الحديث وهو الأقوى دليلا (حم عن أنس) قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نصراني وفي رواية يهودي ليبعث إليه أثوابا إلى الميسرة فقال: وما الميسرة والله ما لمحمد تاغية ولا راعية فرجعت فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذب عدو الله والله أنا خير من بايع لأن يلبس إلخ قال الهيثمي: وفيه راو يقال له جابر بن يزيد وليس بالجعفي ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات ورواه عنه البيهقي أيضا ورمز المصنف لحسنه الحديث: 7217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 7218 - (لأن يمتلئ جوف رجل) يحتمل أن المراد الجوف كله وما فيه من القلب وغيره وأن يراد القلب خاصة وهو الظاهر لقول الأطباء إذا وصل للقلب شيء من قيح حصل الموت (قيحا) أي مدة لا يخالطها دم (حتى يريه) بفتح المثناة التحتية من الورى بوزن الرمى غير مهموز أي حتى يغلبه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله أو حتى يفسده كما قاله البيضاوي هكذا في نسخ الكتاب ولفظ البخاري بإسقاط حتى وعليه ضبط يريه بفتح أوله وسكون ثالثه قال ابن الجوزي: ونرى جماعة من المبتدئين ينصبون يريه هنا جريا على العادة في قراءة الحديث الذي فيه حتى وليس هنا ما ينصب وتعقبه في التنقيح بأن الأصيلي رواه بالنصب على بدل الفعل من الفعل قال الزمخشري: القيح المدة وقاحت القرحة تقيح وورى الداء جوفه إذا أفسده وقيل لداء الجوف ورى لأنه داء دخل متوار ومنه قيل للسمين وار كأن عليه ما يواريه من شحمه اه. (خير له من أن يمتلئ شعرا) أنشأه أو أنشده لما يؤول إليه أمره من تشاغله به عن عبادة ربه قال القاضي: والمراد بالشعر ما تضمن تشبيبا أو هجاء أو مفاخرة كما هو الغالب في أشعار الجاهلية وقال بعضهم: قوله شعرا ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يشتمل على الذكر والزهد والمواعظ والرقائق مما لا إفراط فيه وقال النووي: هذا الحديث محمول على التجرد للشعر بحيث يغلب عليه فيشغله عن القرآن والذكر وقال القرطبي: من غلب عليه الشعر لزمه بحكم العادة الأدبية الأوصاف المذمومة وعليه يحمل الحديث وقول بعضهم عنى به الشعر الذي هجا به هو أو غيره رد بأن هجوه كفر كثر أو قل وهجو غيره حرام وإن قل فلا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى (حم ق 4 عن أبي هريرة) ورواه مسلم أيضا عن سعد وأبو سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان ثم ذكره وفي الباب عمر وابنه وسلمان وجابر وغيرهم الحديث: 7218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 7219 - (لأن يهدي الله على يديك رجلا) واحدا كما جاء في رواية (خير لك) عند الله (مما طلعت عليه الشمس وغربت) [ص: 260] فتصدقت به وذلك لأن الهدى على يديه شعبة من الرسالة لأن الرسل إنما بعثت لتؤدي عن الله فإذا ورد القيامة فله حظ من ثواب الرسل فإنه إنما هداه بما جاءت به الرسل عن الله والرسل أقرب الخلق إلى الله في دار الإسلام في الدرجات فمن دون الرسل إذا كان داعيا إلى الله فهدى به عبدا فقد حاز من ثواب الرسل حظا من الكرامة ومن يحصي من ثواب الرسل شيئا فهو خير له مما طلعت عليه الشمس وغربت يعني فأنفقه كله في سبيل الله أوحى الله إلى داود إن استنقذت هالكا من هلكته سميت عبدي جهرا هذا في حياة الدنيا فكيف بمن أحيى قلبه حتى ظفر بحياة الآخرة وإذا هدى الله قلبا على لسان ناطق بالهدى فقد أكرم الناطق بجزيل الكرامة فمن الكرامات أن جعل لكلامه من النور كسوة تلج آذان السامعين مع تلك الكسوة فتخرق حجب الشهوات حتى تصل إلى مستقر الإيمان من قلوبهم فتحيي ما مات منهم وتشفي ما سقم ومنها أن جعل لكلامه من السلطان ما يذهل نفوس المخلطين عن شهوانهم ومنها أن تأخذ نعمه النورانية بنواصي قلوب العباد الأباق فتردهم إلى الله جذبا وسيرا ومنها أن جعله من العملة الخزنة للقلوب ببذر يبذره فيزرعه الله فيها وينميه منها فلا منقبة أعلى منها (طب عن رافع) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن فعقد عليه لواءا فلما مضى قال: يا أبا رافع ألحقه ولا تدعه من خلفه وليقف ولا يلتفت حتى أجيئه فأتاه فأوصاه بأشياء فذكره رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه يزيد بن أبي زياد مولى ابن عباس ذكره المزني في الرواية عن أبي رافع وابن حبان في الثقات الحديث: 7219 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 7220 - (لئن بقيت) في رواية لئن عشت (إلى قابل) أي عشت إلى المحرم الآتي (لأصومن) اليوم (التاسع) مع عاشوراء مخالفة لليهود فلم يأت المحرم القابل حتى مات فيسن صومه وإن لم يصمه لأن ما عزم عليه فهو سنة قال التوربشتي: أراد أن يضم إليه يوما آخر ليكون هديه مخالفا لهدي أهل الكتاب لأنه وقع موقع الجواب لقولهم لأنه يوم يعظمه اليهود (م هـ عن ابن عباس) ورواه عنه البيهقي بلفظ لآمرن بصيام يوم قبله ويوم بعده الحديث: 7220 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 7221 - (لتأخذوا عني مناسككم) وهي مواقف الحج وأعمالها (فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) هذا قاله في حجة الوداع حثا لهم على تعلم أعمال الحج وإحكام أحكامها وإعلاما لهم بدنو أجله (م عن جابر) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر وبقوله ورواه عنه أيضا أبو داود والنسائي وابن خزيمة من عدة طرق الحديث: 7221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 7222 - (لتؤدن) بالبناء للمجهول وقوله (الحقوق) بالرفع أقيم مقام فاعله قال التوربشتي: هذه الرواية المعتد بها وزعم ضم الدال ونصب الحقوق والفعل مسند إلى الجماعة المخاطبين غير صحيح اه. قال الطيبي: إن كان الرد لأجل الرواية فلا مقال وإن كان بحسب الرواية فإنه من باب التغليب (إلى أهلها يوم القيامة) على قسطاس العدل المستقيم (حتى يقاد للشاة الجلحاء) بالمد الجماء التي لا قرن لها (من الشاة القرناء) التي لها قرن (تنطحها) هذا صريح في حشر البهائم يوم القيامة وإعادتها كأهل التكليف وعليه تظاهر الكتاب والسنة ولا يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع قالوا: وليس شرط الحشر الثواب والعقاب وأما القصاص للجلحاء فليس من قصاص التكليف بل قصاص مقابلة (حم م) في الأدب (خد ت) في الزهد (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 7222 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 7223 - (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) [ص: 261] أي والله إن أحد الأمرين كائن إما ليكن منكم الأمر بالمعروف ونهيكم عن المنكر أو إنزال عذاب عظيم من عند الله ثم بعد ذلك الخيبة في الدعاء وصلاح النظام وجريان شرائع الأنبياء إنما يستمر عند استحكام هذه القاعدة في الإسلام فيجب الأمر والنهي حتى على من تلبس بمثله حتى بالغ البعض وقال: يجب على الزاني أمر المزنى بها بستر وجهها كي لا ينظرها فيكون عاصيا بالزنا مطيعا بالكف عن النظر قال القاضي: اللام في لتأمرن اللام التي يتلقى بها القسم ولكونها في معرض قسم مقدر أكده بالنون المشددة وأو للعطف وفيه تهديد بليغ لتارك الإنكار وأن عذابه لا يدفع ودعاءه لا يسمع وفي أدنى من ذلك ما يزجر اللبيب (البزار) في مسنده وكذا الخطيب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله الحافظ الهيثمي بأن فيه حبان بن علي وهو متروك وقال شيخه الزين العراقي: كلا طريقيه ضعيف الحديث: 7223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 7224 - (لتركبن) في رواية للشيخين لتتبعن (سنن) بفتح السين طريق (من كان قبلكم) سبيلهم ومناهجهم قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن؟ هكذا هو ثابت عند الحاكم (شبرا بشبر وذراعا بذراع) بذال معجمة وشبرا نصب بنزع الخافض أي لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا شبرا متلبسا بشبر وذراعا متلبسا بذراع وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا الكفر ثم إن هذا لفظ خبر معناه النهي عن اتباعهم ومنعهم من الالتفات لغير دين الإسلام لأن نوره قد بهر الأنوار وشرعته نسخت الشرائع وذا من معجزاته فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها وأهل الكتابين في زخرفة المساجد وتعظيم القبور حتى كاد أن يعبدها العوام وقبول الرشا وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء وترك العمل يوم الجمعة والتسليم بالأصابع وعدم عيادة المريض يوم السبت والسرور بخميس البيض وأن الحائض لا تمس عجينا إلى غير ذلك مما هو أشنع وأبشع (حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم) ممبالغة في الإتباع فإذا اقتصروا في الذي ابتدعوه فستقتصرون وإن بسطوا فستبسطوا حتى لو بلغوا إلى غاية لبلغتموها حتى كانت تقتل أنبياءها فلما عصم الله رسوله قتلوا خلفاءهم تحقيقا لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بضم الجيم وسكون الحاء المهملة والضب حيوان معروف يشبه الورل قال ابن خالويه: يعيش سبع مئة سنة فأكثر ولا يشرب ماء وخص جحر الضب لشدة ضيقه ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم مناهجهم لو دخلوا في مثل ذلك الضيق الرديء لوافقوهم وفي التنقيح أخذ من المعارضة إنما خص الضب لأن العرب يقولون هو قاضي الطير والبهائم وإنما اجتمعت إليه لما خلق الإنسان فوصفوه له فقال الضب تصفون خلقا ينزل الطائر من السماء ويخرج الحوت من البحر فمن كان ذا جناح فليطر ومن كان ذا مخلب فليختفي (وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه) قال ابن تيمية: هذا خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبر عما يفعل الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمة قال الحرالي: وجمع ذلك أن كفر اليهود أضل من جهة عدم العمل بعلمهم فهم يعملون الحق ولا يتبعونه عملا ولا قولا وكفر النصارى من جهة عملهم بلا علم يجتهدون في أصناف العبادة بلا شريعة من الله ويقولون ما لا يعلمون ففي هذه الأمة من يحذو حذو الفريقين ولهذا كان السلف كسفيان بن عيبنة يقولون من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى قضاء الله نافذ بما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بما سبق في علمه لكن ليس الحديث إخبارا عن جميع الأمة لما تواتر [ص: 262] عنه أنها لا تجتمع على ضلالة ثم إنه فسر هنا باليهود والنصارى وفي خبر البخاري بفارس والروم ولا تعارض لاختلاف الجواب بحسب اختلاف المقام فحيث قيل فارس والروم كان ثم قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية وحيث قيل اليهود والنصارى كان هناك قرينة تتعلق بأمر الديانات أصولها وفروعها (ك) في الإيمان (عن ابن عباس) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار قال الهيثمي: ورجاله ثقات ورواه البخاري ومسلم بدون قوله حتى لو أن أحدهم جامع امرأته إلخ الحديث: 7224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 7225 - (لتزدحمن هذه الأمة) أي أمة الإجابة (على الحوض) الكوثر يوم القيامة (ازدحام إبل وردت لخمس) من الأيام أي فطمت عن الماء أربعة أيام حتى اشتد عطشها ثم أوردت في اليوم الخامس فكما أنها تزدحم عليه لشدة ظمأها فكذلك الأمة المحمدية تزدحم على الحوض يوم القيامة لشدة ما تقاسيه ذلك اليوم من شدة الحر لدنو الشمس من رؤوسهم وكثرة العرق والكرب (طب عن العرباض) بن سارية رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه باسنادين أحدهما حسن الحديث: 7225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 7226 - (لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه) فيقولون هذا نبيذ مع أنه مسكر وكل مسكر خمر لأنه يخامر العقل وهذا وعيد للقائلين بحل النبيذ المسكر (حم والضياء) المقدسي في المختارة (عن عبادة بن الصامت) الحديث: 7226 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 7227 - (لتفتحن القسطنطينية) بضم القاف وسكون السين وفتح الطاء وسكون النون وكسر الطاء الثانية أعظم مدائن الروم بناها قسطنطين الملك وهو أول من تنصر من ملوك الروم (ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) تقدم كون يزيد بن معاوية غير مغفور له وإن كان من ذلك الجيش لأن الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ولا كذلك يزيد (حم ك) في الفتن (عن) أبي عبيد الله (بشر الغنوي) وقيل الخثعمي وأقره عليه الذهبي الحديث: 7227 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 7228 - (لتملأن الأرض جورا وظلما) الجور الظلم يقال جار في حكمه جورا إذا ظلم فجمع بينهما إشارة إلى أنه ظلم بالغ مضاعف (فإذا ملئت جورا وظلما يبعث الله رجلا مني) أي من أهل بيتي (اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملؤها عدلا وقسطا) العدل خلاف الجور وكذلك القسط وجمع بينهما لمثل ما تقدم في ضده (كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها يمكث فيكم سبعا أو ثمانيا فإن أكثر فتسعا) يعني من السنين وهذا هو المهدي المنتظر خروجه آخر الزمان (طب) وكذا في الأوسط (عن قرة بن إياس المزني) بضم الميم وفتح الزاي قال الهيثمي: رواه من طريق داود بن المجر عن أبيه وكلاهما ضعيف الحديث: 7228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 7229 - (لتملأن الأرض ظلما وعدوانا ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا) [ص: 263] العدوان هو الظلم يقال عدا عليه يعدو عدوانا وظلما أي ظلم وتجاوز الحد فجمع لمثل ما تقدم في ضده (الحارث) بن أبي أسامة (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 7229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 7230 - (لتنتقون) بالبناء للمفعول أي لتنظفون (كما ينتقى التمر من الحثالة) أي الرديء يعني لتنظفن كما ينظف التمر الجيد من الرديء (فليذهبن خياركم) أي بالموت (وليبقين شراركم فموتوا إن استطعتم) أي فإذا كان كذلك فإن كان الموت باستطاعتكم فموتوا فإن الموت عند انقراض الأخيار خير من الحياة في هذه الدار (هـ ك) في الرقائق (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي فيه وعند ابن ماجه طلحة بن يحيى قال في الكاشف: وثقه جمع وقال البخاري: منكر الحديث الحديث: 7230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 7231 - (لتنتهكن الأصابع بالطهور) بالبناء للفاعل ويصح للمفعول (أو لتنتهكنها النار) أي لتبالغن في غسلها في الوضوء والغسل أو لتبالغن نار جهنم في إحراقها فأحد الأمرين كائن لا محالة إما المبالغة في إيصال الماء إليها بالتخليل وإما أن يتخللها نار جهنم وهذا وعيد شديد على عدم إيصال الماء لما بين الأصابع (طب عن أبي مسعود) قال الهيثمي: وسنده حسن وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط مرفوعا ووقفه في الكبير على ابن مسعود بإسناد حسن الحديث: 7231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 7232 - (لتنقضن) بالبناء للمجهول أي تنحل نقضت الحبل نقضا حللت برمه وانتقض الأمر بعد التئامه فسد (عرى الإسلام) جمع عروة وهي في الأصل ما يعلق به من طرف الدلو والكوز ونحوهما فاستعير لما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من شعب الإسلام (عروة عروة) قال أبو البقاء: بالنصب على الحال والتقدير ينقض متتابعا فالأول كقولهم ادخلوا الأول فالأول أي شيئا بعد شيء (فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها) أي تعلقوا بها يقال تشبث به أي تعلق (فأولهن نقضا الحكم) أي القضاء وقد كثر ذلك في زمننا حتى في القضية الواحدة تنقض وتبرم مرات بقدر الدراهم (وآخرهن الصلاة) حتى أن أهل البوادي الآن وكثيرا من أهل الحضر لا يصلون رأسا ومنهم من يصلي رياء وتكلفا {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس} (حم حب ك) في الأحكام (عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله عن إسماعيل وتعقبه الذهبي بأن عبد العزيز ضعيف وقال الذهبي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 7232 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 7233 - (لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي) وقاتلهم به وفي رواية على أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال الحكيم: والمراد الخوارج ثم أخرج بسنده عن كعب الأحبار أنه قال للشهيد نوران ولمن قتل الخوارج عشرة أنوار ولجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية وخص السيف لكونه أعظم آلات القتال فذلك الباب لمن قاتلهم ولو بالحراب والنشاب (حم ت عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: غريب الحديث: 7233 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 7234 - (لحجة) واحدة (أفضل من عشرة غزوات) أي لمن لم يحج (ولغزوة) واحدة (أفضل من عشر حجات) لمن لم يغز [ص: 264] وقد حج الفرض (هب عن أبي هريرة) وفيه سعيد بن عبد الجبال أورده الذهبي في الضعفاء وقال النسائي: ليس بثقة الحديث: 7234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 7235 - (لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم) ما لم تصيدوه أو يصاد لكم كذا للأكثر. قال الطيبي: وفيه إشكال إذ قضية العربية أو يصد لكم لعطفه على المجزوم وغاية ما يتكلف به أن يقال إنه عطف على المعنى فإنه لو قيل ما لا تصيدونه أو يصاد لكم لكان ظاهرا فيقدر هذا المعنى قال الشافعي: هذا أحسن حديث في هذا الباب وأقيس والعمل عليه اه. وعليه ابن عباس وطاوس والثوري (ك) من حديث ابن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب (عن جابر) قال ابن حجر: وعمرو مختلف فيه وإن كان من رجال الصحيحين ومولاه قال الترمذي: لا نعرف له سماعا من جابر اه. ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن أبي موسى قال الهيثمي: وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر قال الغرياني في مختصره: والمطلب وثقه أبو زرعة والمؤلف وضعفه ابن سعد وقال أبو حاتم: عامة حديثه مرسل ومولاه ينظر فيه الحديث: 7235 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 7236 - (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) وفي رواية لأبي نعيم مؤمن قال الطيبي: الدنيا هنا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر الدار الأخرى ومزرعة لها وما خلقت السماوات إلا لتكون مسرح أنظار المشمرين ومتعهدات المطيعين كما يشير إليه {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا} أي بغير حكمة بل خلقته لأن جعلته مساكن المكلفين فمن حاول قتل من خلقت الدنيا لأجله فقد حاول زوال الدنيا <فائدة> أخرج ابن الأثير في أسد الغابة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش فيه مئة ناقة لمن يرده عليهم أي ليقتلوه (ت) في الديات (ن) في المحاربين (عن ابن عمرو) بن العاص مرفوعا وموقوفا قال الترمذي عن البخاري: وقفه أصح ورواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ والله للدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق لكن تعقبه الذهبي بأن فيه يزيد بن زياد الشامي تالف وقضية صنيع المصنف أن هذا الحديث الذي خرجه ليس في الصحيحين ولا أحدهما والأمر بخلافه بل هو في مسلم كما حكاه المنذري وغيره عنه الحديث: 7236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 7237 - (لسان القاضي بين جمرتين إما إلى الجنة وإما إلى النار) أي يقوده إلى الجنة إن نطق بالعدل أو يقوده إلى نار جهنم إن جار أو قضى على جهل (فر عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا ثم إن فيه يوسف بن أسباط وقد سبق عن جمع تضعيفه الحديث: 7237 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 7238 - (لست أخاف على أمتي غوغاء تقتلهم) الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ثم استعير للسفلة المتسرعين إلى الشر (ولا عدوا يجتاحهم) أي يهلكهم (ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم) وهذا من أعلام نبوته ومعجزاته فإن ما خافه عليهم وقع (طب عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 7238 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 7239 - (لست أدخل دارا فيها نوح) على ميت (ولا كلب أسود) فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب والنوح حرام (طب [ص: 255] عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه ابن بهنك ضعفه جمع ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ الحديث: 7239 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 7240 - (لست من دد) بفتح الدال الأولى وكسر الثانية بضبط المصنف (ولا الدد مني) أي لست من اللهو واللعب ولا هما مني ومعنى تنكير الدد في الجملة الأولى الشياع وأن لا يبقى طرف منه إلا وهو منزه عنه كأنه قال ما أنا من نوع من أنواع الدد وما أنا في شيء منه وتعريفه في الثانية لأنه صار معهودا بالذكر كأنه قال ولا ذلك النوع مني وليس يحسن أن يكون لتعريف الجنس لأن الكلام يتفكك ويخرج عن التئامه وإنما لم يقل ولا هو مني لأن التصريح آكد وأبلغ والكلام جملتان وفي الموضعين مضاف محذوف تقديره وما أنا من أهل دد ولا الدد من أشغالي أفاده كله الزمخشري (خذ هق عن أنس) بن مالك (طب عن معاوية) قال الهيثمي: رواه الطبراني عن أحمد بن محمد بن نصر الترمذي عن محمد بن عبد الوهاب الأزهري ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات الحديث: 7240 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 7241 - (لست من دد ولا دد مني ولست من الباطل ولا الباطل مني) لا يناقضه هو وما قبله أنه كان يمزح لأنه كان لا يقول في مزاحه إلا حقا واستدل به من ذهب إلى تحريم الغناء كالقرطبي لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ منه وما تبرأ منه حرام وليس بسديد إذ ليس كل لهو ولعب محرما بدليل لعب الحبشة بمسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم بمشهده (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) وفيه يحيى بن محمد بن قيس المدني المؤذن قال في الميزان: ضعفه ابن معين وغيره لكن ليس بمتروك وساق له أخبارا هذا منها وقضية اقتصار المصنف على ابن عساكر أنه لا يعرف مخرجا لأشهر منه ممن وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني وكذا البزار عن أنس باللفظ المذكور قال الهيثمي: وفيه يحيى المذكور وقد وثق لكن ذكر هذا الحديث من منكراته قال الذهبي: لكن تابعه عليه غيره الحديث: 7241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 7242 - (لست من الدنيا وليست) الدنيا (مني إني بعثت) أنا (والساعة تستبق) هذا لا يعارضه تمدحه بما خص به من الغنائم التي لم تحل لغيره لأن إحلالها له وتمدحه بها ليس لنفسه بل للمصالح العامة (الضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك الحديث: 7242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 7243 - (لسفرة في سبيل الله خير من خمسين حجة) لمن حج ولم يقر مع توجه فرض الجهاد عليه (أبو الحسن الصقيل) بفتح المهملة وسكون المثناة وفتح القاف وآخره لام نسبة لمن يصقل السيف والمرآة ونحوهما واشتهر بها جماعة منهم هذا (في) كتاب (الأربعين عن أبي مضاء) لم أر في الصحابة من يكنى بأبي مضاء فليحرر الحديث: 7243 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 7244 - (لسقط) بالتثليث الولد يسقط قبل تمامه (أقدمه بين يدي أحب إلي من) رجل (فارس أخلفه خلفي) لفظ رواية ابن ماجه أخلفه ورائي أي بعد موتي وذلك لأن الوالد إذا مات ولده قبله يكون أجر مصابه بفقده في ميزان الأب وإذا مات الوالد قبله يكون أجر المصيبة في ميزان الابن وهذه تسلية عظيمة في موت الأولاد وفيه رد على ابن عبد السلام في ذهابه إلى أنه لا أجر في المصيبة لأنها ليست من كسب العبد بل في الصبر عليها (هـ عن أبي هريرة) وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي قال في الكاشف: ضعيف قال الديلمي: في الباب عمر الحديث: 7244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 [ص: 266] 7245 - (لشبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها) لأن محل الشبر باق والدنيا فانية والباقي وإن قل خير من الفاني وإن كثر (هـ عن أبي سعيد) الخدري (حل عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 7246 - (لصوت أبي طلحة) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو الأنصاري الخزرجي من أكابر الصحابة (في الجيش خير من فئة) أي أشد على المشركين من صوت جماعة والفئة الجماعة ولا واحد لها من لفظها وجمعها فئات وقد تجمع بالواو والنون جبرا لما نقص كان أبو طلحة يرمي بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم أحد والمصطفى صلى الله عليه وسلم خلفه فكان إذا رمى يشخص المصطفى صلى الله عليه وسلم لينظر أين يقع سهمه فكان أبو طلحة يرفع صدره ويقول: هكذا يا رسول الله لا يصيبك سهم نحري دون نحرك. ومن كراماته ما رواه أبو يعلى عن أنس أنه قرأ سورة براءة فأتى على آية {انفروا خفافا وثقالا} فقال: لأرى ربي يستفزني شابا وشيخا جهزوني فقال بنوه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض ومع أبي بكر وعمر فنحن نغزو عنك قال: جهزوني فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير اه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (حم ك) وكذا أبو يعلى كلهم (عن أنس) وفي رواية لأحمد وأبي لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة اه. قال الهيثمي بعد ما ذكر الروايتين: رجال هذه الرواية رجال الصحيح فأعجب للمصنف كيف أهمل الرواية المشهود لها بالصحة وآثر غيرها مختصرا عليها الحديث: 7246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 7247 - (لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل) قال الواقدي: وكان أبو طلحة راميا صيتا <فائدة> أخرج أبو يعلى عن أنس قال: مطرت السماء فقال أبو طلحة: ناولني من البرد فجعل يأكل وهو صائم ويقول ليس هو بطعام ولا شراب وإنما هو بركة من السماء فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ من عمك اه (ك) في المناقب (عن جابر) قال الحاكم: رواته ثقات وأقره الذهبي الحديث: 7247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 7248 - (لعثرة في كد حلال) أي لسقطة أو كبوة في الجهد في طلب الكسب الحلال لأجل نفقة العيال قال قي الصحاح: الكد الشدة في العمل وفي طلب الكسب (على عيل) وزان جيد بفتح وتشديد (محجوب) أي ممنوع من البروز والتصرف كالنساء والأطفال (أفضل عند الله من ضرب بسيف) في الجهاد (حولا) أي عاما وزاد قوله (كاملا) لأن الحول اسم للعام وإن لم يمض لأنه سيكون حولا تسمية بالمصدر وأصله حال يحول حولا إذا مضى (لا يجف دما مع إمام عادل) مقصود الحديث الحث على القيام بأمر العيال والتحذير من إضاعتهن وأن القيام بذلك أفضل من الجهاد في سبيل الله عاما كاملا والكلام في من له عيال متى أهملهن ضاعوا لكونهن لا منفق لهن إلا هو والجهاد ليس بفرض عين عليه (ابن عساكر) في التاريخ (عن عثمان) بن عفان ورواه عنه أيضا الديلمي باللفظ المذبور الحديث: 7248 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 7249 - (لعلك ترزق به) أصله أنه كان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف أي يكتسب ويتسبب فشكى المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره (ت ك [ص: 267] عن أنس) قال كان أخوان فساقه كما ذكر قال الترمذي: صحيح غريب وفي الرياض: أسانيده صحيحة الحديث: 7249 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 7250 - (لعلكم ستفتحون بعدي مدائن) بالهمز على القول بأصالة الميم ووزنها فعائل وبغير همز على القول بزيادة الميم وأنها من مدن ووزنها مفاعل والمدينة المصر الجامع (عظاما وتتخذون في أسواقها مجالس) لنحو البيع والشراء (فإذا كان ذلك فردوا السلام) على من سلم عليكم (وغضوا أبصاركم) أي اخفضوا منها يقال غض الرجل طرفه ومن طرفه غضا خفض يعني اخفضوها عن نظر ما يكره النظر إليه كتأمل حرم المؤمنين ولو في الأزر المعهودة الآن لأنها تحكي ما وراءها من الأعطاف والأرداف بل والملبوس وفي ذلك من الفتنة ما لا يخفى (واهدوا الأعمى وأعينوا المظلوم) على من ظلمه بالقول والفعل حيث أمكن ذلك (طب عن وحشي) بن حرب قاتل حمزة ومسيلمة رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فقد قال الهيثمي: رجاله كلهم ثقات وفي بعضهم ضعف الحديث: 7250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 7251 - (لعنة الله على الراشي والمرتشي) أي البعد من مظان الرحمة ومواطنها نازل وواقع عليهما وأل فيهما للجنس وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصنافا كثيرة تزيد على عشرين يأتي أكثرها وفي جواز لعن أهل المعاصي من أهل القبلة خلف محصوله أن اللعن إما أن يتعلق بمعين أو بالجنس فلعن الجنس يجوز والمعين موقوف على السماع من الشارع ولا قياس (حم د) في القضاء (ت د) في الأحكام (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن صحيح ورواه عنه أيضا الطبراني في الصغير قال الهيثمي: ورجاله ثقات الحديث: 7251 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 7252 - (لعن الله الخامشة وجهها) أي جارحته بأظفارها وخادشته ببنانها (والشاقة جيبها) أي جنب قميصها عند المصيبة (والداعية) على نفسها (بالويل) أي الحزن والمشقة (والثبور) الهلاك يا حزني يا هلاكي قال الحرالي: واللعن إسقاط الشيء إلى أردى محل حتى يكون في الرتبة بمنزلة النعل من القامة اه (هـ حب عن أبي أمامة) الباهلي الحديث: 7252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 7253 - (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها) قال في الصحاح: اعتصرت عصيرا اتخذته قال الأشرفي: قد يكون عصيره لغيره والمعتصر من يعتصر لنفسه نحو كال واكتال وقصد واقتصد (وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها) أي ولعن الله آكل ثمنها بالمد أي متناوله بأي وجه كان وخص الأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع قال الطيبي: ومن باع العنب من العاصر فأخذ ثمنه فهو أحق باللعن قال: وأطنب فيه ليستوعب مزاولتها مزاولة ما بأي وجه كان قال ابن العربي: وقد لعن المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر في الخمر عشرة ولم ينزله ولم يرتبه أحد من الرواة وتنزيله يفتقر إلى علم وافر وذلك أن يكون بشيئين أحدهما الترتيب من جهة تصوير الوجود الثاني من جهة كثرة الإثم أما بتنزيلها وترتيبها من جهة الوجود فهو المعتصر ثم العاصر ثم البائع ثم الآكل من الثمن ثم المشتري ثم الحامل ثم المحمول إليه ثم المشتراة له ثم الساقي ثم الشارب وأما من جهة كثرة الإثم فالشارب ثم الآكل لثمنها ثم البائع ثم الساقي وجميعهم يتفاوتون في الدركات في الإثم وقد يجتمع الكل منها في شخص واحد وقد يجتمع البعض ونعوذ بالله من الخذلان وتضاعف السيئات وفيه أن يحرم بيع المسكر قال شيخ الإسلام زكريا: وجه الدلالة أنه [ص: 268] يدل على النهي عن التسبب إلى الحرام وهذا منه وأخذ منه الشيخ أنه يحرم بيع الحشيشة ويعزر بائعها وآكلها <فائدة> روى أحمد من طريق نافع بن كيسان عن أبيه أنه كان يتجر في الخمر فأقبل من الشام فقال: يا رسول الله جئتك بشراب جيد فقال: يا كيسان إنها حرمت بعدك قال: فأبيعها قال: إنها حرمت وحرم ثمنها وروى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براوية قال: أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال: أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها فنهاه كذا في الفتح (د) في الأشربة (ك) في الأشربة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح اه. وفيه عبد الرحمن الغافقي قال ابن معين: لا أعرفه ورواه ابن ماجه عن أنس قال المنذري: ورواته ثقات الحديث: 7253 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 7254 - (لعن الله الراشي والمرتشي) أي المعطي والآخذ (في الحكم) سمي منحة الحكام رشوة لكونها وصلة إلى المقصود بنوع من التصنع مأخوذ من الرشاء وهو الحبل الذي يتوصل به إلى البئر والرشوة المحرمة ما توصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل أما ما وقع للتوصل لحق أو دفع ظلم فليس برشوة منهية وقال الزمخشري: الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة وقد رشاه رشوا فارتشا ككساه فاكتسى من رشا الفرخ إذا مد عنقه لأمه لتزقه وإنما يدخل الراشي في اللعن إذا لم يندفع بماله مضرة اه. وقال البيضاوي: إنما سمى منحة الحكام رشوة بالكسر والضم لأنها وصلة إلى المقصود بنوع من التصنع مأخوذ من الرشاء وهو الحبل الذي يتوصل به إلى نزح الماء قال الذهبي: فيه أن الرشوة كبيرة قال: والناس في القضاء على مراتب في الجودة والرداءة والقاضي مكشوف للناس لا يمكنه التستر والناس شهداء الله في أرضه فمن ارتشى منهم وجار وتضرر به الخلق فقد رأيناه جهارا (حم ت ك عن أبي هريرة) ورواه الطبراني في الكبير عن أم سلمة قال الهيثمي: ورجاله ثقات وقال المنذري: إسناده جيد قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر وعائشة. قال ابن حجر: وعبد الرحمن بن عوف وثوبان الحديث: 7254 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 7255 - (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) بالشين المعجمة وهو السفير (الذي يمشي بينهما) يستزيد هذا ويستنقص هذا لأن الرشوة على تبديل أحكام الله إنما هي خصلة نشأت من اليهود المستحقين اللعنة فإذا سرت الخصلتان إلى أهل الإسلام استحقوا من اللعن ما استحقه اليهود كذا في المطامح وقد جاء النهي عن الرشا حتى في التوراة ففي السفر الثاني منها لا تقبلن الرشوة فإن الرشوة تعمي أبصار الحكام في القضاء وقضية صنيع المؤلف أن قوله الذي يمشي بينهما من الحديث وليس كذلك بل هو تفسير من كلام الراوي (حم) وكذا الطبراني والبزار (عن ثوبان) قال المنذري: فيه أبو الخطاب لا يعرف والهيثمي: فيه أبو الخطاب وهو مجهول اه. وبه يعرف أن جزم السخاوي بصحة سنده مجازفة الحديث: 7255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 7256 - (لعن الله) آكل (الربا) قال القاضي: الربا في الأصل الزيادة نقل إلى ما يؤخذ زائدا علي ما بذل في المعاملات وإلى العقد المشتمل عليه والمراد به هنا القدر الزائد (وآكله) متناوله قال الحرالي: عبر بالأكل عن المتناول لأنه أكبر المقاصد وأضرها ويجري من الإنسان مجرى الدم (وموكله) معطيه ومطعمه (وكاتبه وشاهده) واستحقاقهما اللعن من حيث رضاهما به وإعانتهما عليه (وهم) أي والحال أنهم (يعلمون) أنه ربا لأن منهم المباشر للمعصية والمتسبب وكلاهما آثم أحدهما بالمباشرة والآخر بالسببية قال الذهبي: وليس إثم من استدان محتاجا لربا كإثم المرابي الغني بل دونه واشتركا في الوعيد (والواصلة) شعرها بشعر أجنبي ولو أنثى مثلها (والمستوصلة) التي تطلب ذلك [ص: 269] (والواشمة) فاعلة الوشم بأن تجرح جلد الوجه بحديدة حتى إذا جرى الدم حتته بنحو كحل حتى تحسن به نفسها (والمستوشمة) التي تطلب أن يفعل الوشم بها (والنامصة) أي الناتفة لشعر الوجه منها أو غيرها (والمستنمصة) التي تطلب أن يفعل بها ذلك والنمص النتف والمنماص المنقاش وفيه أن هذه المذكورات كبائر قاله الذهبي (طب عن ابن مسعود) الحديث: 7256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 7257 - (لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) فيه كما قال النووي حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه لأنه إذا حرم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن. قال جمع: ليس المراد هنا حقيقة اللعن بل التنفير فقط ليرتدع من سمعه عن مثل فعله ويحتمل كونه دعاء بالإبعاد وقد قيل إن لعن المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي كان تحذيرا لهم عنها قبل وقوعها فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتوبة وأما من أغلظ له ولعنه تأديبا على فعل فعله فقد دخل في عموم شرطه حيث قال: سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة (د ك) في اللباس (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وقال في الكبائر: إسناده صحيح وقال في الرياض: إسناده صحيح الحديث: 7257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 7258 - (لعن الله الرجلة من النساء) أي المترجلة وهو بفتح الراء وضم الجيم التي تتشبه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك أما في العلم والرأي فمحمود ويقال كانت عائشة رجلة الرأي قال الذهبي: فتشبه المرأة بالرجل بالزي والمشية ونحو ذلك من الكبائر ولهذا الوعيد قال: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهارها الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت الثياب وتطيبها بنحو مسك وعنبر ولبسها المصبغات والمداس إلى ما أشبه ذلك من الفضائح (د) في اللباس (عن عائشة) وسكت عليه أبو داود ورمز المصنف لحسنه وأصله قول الذهبي في الكبائر: إسناده حسن الحديث: 7258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 7259 - (لعن الله الزهرة فإنها هي التي فتنت الملكين) بفتح اللام (هاروت وماروت) قيل إنها امرأة سألتهما عن الاسم الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها إياه فتكلمت به فعرجت فمسخت كوكبا وهي الزهرة وكان ابن عمر يكرهها وقيل إن الزهرة نزلت إليهما في صورة امرأة من فارس وجاءت إلى الملكين ففتنتهما فمسخت وبقيا في الأرض لأنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا فهما في سرب الأرض معلقان يصفقان بأجنحتهما (ابن راهويه وابن مردويه عن علي) أمير المؤمنين   (1) [رمز السيوطي لضعفه في الجامع الصغير وهو من الإسرائيليات فليتنبه. دار الحديث] الحديث: 7259 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 7260 - (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) أي يسرق البيضة أو الحبل فيعتاد السرقة حتى يسرق ما تقطع فيه يده أو المراد جنس البيض والحبل فلا تدافع بينه وبين أحاديث اعتبار النصاب وأما تأويله ببيضة الحديد وحبل السفينة فرد بأن السياق وكلام العرب يأباه مع ما فيه من صرف اللفظ عما يتبادر منه من بيضة الدجاجة والحبل المعهود غالبا المؤيد إرادته بالتوبيخ باللعن لقضاء العرف بتوبيخ سارق القليل لا الكثير وحينئذ فترتب القطع على سرقة [ص: 270] ذلك لعله يجر إلى سرقة غيره مما يقطع فيه أقرب قال الطيبي: المراد باللعن هنا الإهانة والخذلان كأنه قيل لما استعمل أعز شيء في أحقر شيء خذله الله حتى قطع والحاصل أن المراد بالخبر أن السارق سرق الجليل والحقير فتقطع يده فكأنه تعجيز له وتضعيف لرأيه وتقبيح لفعله لكونه باع يده بقليل الثمن وبكثيره وصيرها بعدما كانت ثمينة خسيسة مهينة فهب أنه عذر بالجليل فلا عذر له بالحقير ومن تعود السرقة لم يتمالك من غلبة العادة التمييز بين الجليل والحقير قال عياض: فيه جواز اللعن بالصفة كما قال الله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين} لأن الله توعد ذلك الصنف وينفذ الوعيد فيمن شاء ولا بد أن يكون في ذلك الصنف من يستحق ذلك قال الأبي: والإجماع انعقد على أنه لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة لأنه تعالى توعدهم وكلامه صدق فلا بد من وقوعه وهل المراد طائفة من جميع العصاة أو طائفة من كل صنف الظاهر الثاني لأنه توعد كل صنف على حدته (حم ق ن هـ عن أبي هريرة) الحديث: 7260 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 7261 - (لعن الله العقرب) أي طردها من الرحمة وأبعدها ثم علل استحقاق اللعن بقوله (ما تدع) أي تترك (المصلي وغير المصلي) إلا لدغته (اقتلوها في الحل والحرم) لكونها من المؤذيات وهذا قاله لما لدغته وهو يصلي وروى أبو يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة بأسا (هـ عن عائشة) وسنده ضعيف لكن يتقوى بوروده من عدة طرق وقد أخرج ابن منده في معرفة الصحابة من حديث الحارث بن خفاف بن أيمي بن رخصة الغفاري عن أمه عن أبيها قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا يده من عقرب لدغته والحارث روى له مسلم وأبوه خفاف بضم الخاء المعجمة صحابي بايع تحت الشجرة وأبوه أيمي بن رخصة صحابي مشهور وهو سيد غفار ووافدهم لم يخرجوا له شيئا الحديث: 7261 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 7262 - (لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره إلا لدغتهم) قاله لما لدغته عقرب بأصبعه فدعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع الملدوغ فيه ويقرأ {قل هو الله أحد} والمعوذتين حتى سكنت فجمع العلاج بالدواء المركب من الطبيعي والإلهي فإن في سورة الإخلاص كمال التوحيد العلمي والاعتقادي وغير ذلك وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا والملح نافع للسم قال ابن سينا: يضمد به مع بزر الكتان للسع العقرب وفي الملح قوة جاذبة محللة ولما كان في لسعها قوة نارية جمع بين الماء المبرد والملح الجاذب تنبيها على أن علاج السميات بالتبريد والجذب (هب عن علي) أمير المؤمنين قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال ذلك ثم دعا بماء وملح ومسح عليها ثم قرأ {قل يا أيها الكافرون} والمعوذتين ورواه عنه أيضا الطبراني في الصغير قال الهيثمي: واسناده حسن الحديث: 7262 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 7263 - (لعن الله القاشرة) بقاف وشين معجمة تعالج وجهها أو وجه غيرها بالحمرة ليصفو لونها (والمقشورة) التي يفعل بها ذلك كأنها تقشر أعلى الجلد قال الزمخشري: القشر أن يعالج وجهها بالحمرة حتى ينسحق أعلى الجلد ويصفو اللون وفيه أن ذلك حرام لأنه تغيير لخلق الله (حم عن عائشة) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه من النساء الحديث: 7263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 7264 - (لعن الله الذين يشققون الخطب) بضم ففتح جمع خطبة بضم فسكون المواعظ المعروفة (تشقيق الشعر) بكسر الشين وسكون العين أي يلوون ألسنتهم بألفاظ الخطبة يمينا وشمالا ويتكلف فيها الكلام الموزون المسجع حرصا [ص: 271] على التفصح واستعلاء على الغير تيها وكبرا يقال تشقق في الكلام والخصومة إذا أخذ يمينا وشمالا وترك القصد وتصلف وتكلف ليخرج الكلام أحسن مخرج (حم عن معاوية) قال الهيثمي: فيه جابر الجعفي وهو ضعيف الحديث: 7264 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 7265 - (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال) فيما يختص به من نحو لباس وزينة وكلام وغير ذلك (والمتشبهين من الرجال بالنساء) كذلك قال ابن جرير فيحرم على الرجل لبس المقانع والخلاخل والقلائد ونحوها والتخنث في الكلام والتأنث فيه وما أشبهه قال: ويحرم على الرجل لبس النعال الرقاق التي يقال لها الحذو والمشي بها في المحافل والأسواق اه. وما ذكره في النعال الرقيقة لعله كان عرف زمنه من اختصاصها بالنساء أما اليوم فالعرف كما ترى أنه لا اختصاص وقال ابن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء لكن عرف من أدلة أخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في الخير وحكمة لعن من تشبه إخراجه الشيء عن صفته التي وضعها عليه أحكم الحكماء (حم د ت هـ عن ابن عباس) قال: إن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوسا فذكره وظاهر كلامه أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد رواه سلطان هذا الشأن في صحيحه في اللباس عن ابن عباس ولفظه لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال اه. والتقديم والتأخير ليس عذرا في ترك العزو إليه الحديث: 7265 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 7266 - (لعن الله المحلل) بكسر اللام الأولى (والمحلل له) قال القاضي: الذي يتزوج مطلقة غيره ثلاثا بقصد أن يطلقها بعد الوطء ليحل للمطلق نكاحها فكأنه يحلها على الزوج الأول بالنكاح بالوطء والمحلل له الأول وإنما لعنهما لما فيه من هتك المروءة وقلة الحياء والدلالة على خسة النفس أما بالنسبة للمحلل له فظاهر وأما بالنسبة للمحلل فلأنه يعير نفسه بالوطء لغرض الغير فإنه إنما يطؤها ليعرضها الوطء المحلل له ولذلك مثل كما في خبر بالتيس المستعار وليس في الخبر ما يدل لبطلان العقد كما قيل بل لصحته من حيث إنه سمى العاقد محللا وذلك إنما يكون إذا كان العقد صحيحا فإن الفاسد لا يحلل هذا إن أطلق العقد فإن شرط فيه الطلاق بعد الدخول بطل ذكره القاضي (حم عن علي) أمير المؤمنين (ت ن عن ابن مسعود عن جابر) قال الترمذي: حسن صحيح قال ابن القطان: ولم يلتفت لكونه من رواية أبي قيس عبد الرحمن بن مروان وهو مختص به اه. وقال ابن حجر: رواته ثقات وقال الذهبي في الكبائر: صح من حديث ابن مسعود ورواه النسائي والترمذي بإسناد جيد عن علي رواه أهل السنن إلا النسائي هذه عبارته وبه يعرف ما في صنيع المؤلف من عدم تحرير التخريج الحديث: 7266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 7267 - (لعن الله المختفي والمختفية) المختفي النباش عند أهل الحجاز من الاختفاء والاستخراج الاستتار لأنه يسرق في خفية ومنه خبر من اختفى ميتا فكأنما قتله (هق عن عائشة) الحديث: 7267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 7268 - (لعن الله المخنثين) من خنث يخنث كعلم يعلم إذا لان وتكسر (من الرجال) تشبيها بالنساء والمخنث من يتخلق بخلق النساء حركة أو هيئة زيا أو كلاما وإن لم يعرف منه ثم إن كان اختيارا فهو محل الذم وإن كان خلقيا فلا لوم عليه وعليه أن يتكلف إزالته (والمترجلات من النساء) أي المتشبهات بالرجال فلا يجوز لرجل التشبه بإمرأة في نحو [ص: 272] لباس أو هيئة ولا لرجل التشبه بها في ذلك خلافا للأسنوي من الشافعية لما فيه من تغيير خلق الله وإذا كان المتشبه (من الرجال بالنساء) ملعونا فما بالك فيمن تشبه منهم بهن في الفعل به فهو ملعون من جهة تخنثه في نحو كلامه وحركاته ومن جهة الفاحشة العظمى قال ابن تيمية: والمخنث قد يكون قصده عشرة النساء ومباشرته لهن وقد يكون قصده مباشرة الرجال له وقد يجمع الأمرين وقال الطيبي: وقوله من النساء بيان للرجلة لأن التاء فيها لإرادة الوصفية (خد ت عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ثوير بن فاختة وهو متروك وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وهو ذهول إذ هو أصح الصحاح الحديثية في الحدود في باب نفي أهل المعاصي عن ابن عباس الحديث: 7268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 7269 - (لعن الله المسوفات) جمع مسوفة قيل: ومن المسوفة يا رسول الله قال: (التي يدعوها زوجها إلى فراشه) ليجامعها (فتقول سوف) أي سوف آتيك فلا تزال كذلك (حتى تغلبه عيناه) أي تقول له ذلك وتعلله بالمواعيد وتماطله حتى يغلبه النوم فأضافه إلى العينين لكونه محلهما أو تشمه طرفا من المساعدة وتطعمه ثم لا تفعل حتى يغلبه النوم من السوف وهو الشم قال: لوسا وفتنا بسوف من تحيتها. . . سوف العيون لراح الركب قد قنعوا ذكره الزمخشري (طب) وكذا ابن منيع كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق جعفر بن ميسرة الأشجعي عن أبيه وميسرة ضعيف ولم أر لأبيه سماعا من ابن عمر وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: جعفر بن ميسرة عنده مناكير لا تشبه حديث الأثبات منها هذا الحديث الحديث: 7269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 7270 - (لعن الله المفسلة) بميم مضمومة وسين مشددة قيل: من هي يا رسول الله قال: (التي إذا أراد زوجها أن يأتيها) أي يجامعها (قالت أنا حائض) وليست بحائض هكذا هو ثابت في رواية مخرجه أبي يعلى ولعله سقط من قلم المؤلف ذهولا فتفسل الرجل عنها وتغير نشاطه من الفسولة وهي الفتور (ع عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه يحيى بن العلاء وهو ضعيف متروك اه. وأقول: بل قال الذهبي: أحمد كذاب يضع هكذا ذكره في الضعفاء الحديث: 7270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 7271 - (لعن الله النائحة والمستمعة) لنوحها فالنوح واستماعه حرام غليظ التحريم قال ابن القيم: وهذه الأحاديث ونحوها تفيد أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لعن على هذه المعاصي وغيرها أكثر منها فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة فلو لم يكن في فعل ذلك إلا رضا فاعله بكونه ممن يلعنه الله ورسوله لكان فيه رادع إلى تركه (حم د عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد قال الصدر المناوي وغيره: فيه محمد بن الحسن بن عطية الصوفي عن أبيه عن جده عن أبي سعيد وثلاثتهم ضعفاء وقال ابن حجر: استنكره أبو حاتم في العلل ورواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر وابن عدي عن أبي هريرة وكلها ضعيفة اه الحديث: 7271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 7272 - (لعن الله الواشمات) جمع واشمة وهي التي تشم غيرها (والمستوشمات) جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم وهو معروف وحرام قال القرطبي: ووقع في بعض روايات مسلم الواشية والمستوشية بمثناة تحت من الوشي أي تشي [ص: 273] المرأة نفسها بما تفعله من التنميص والتفليج وبالميم أشهر وزاد في رواية لمسلم والنامصات جمع متنمصة المتنمصات (1) بتاء ثم نون قال في التنقيح: وروى بتقدم النون على التاء ومنه قيل للمنقاش منماص لأنه ينتف وهي التي تطلب إزالة شعر الوجه والحواجب بالمنقاش (والمتفلجات) بالجيم (للحسن) أي لأجله جمع متفلجة وهي التي تفعل الفلج في أسنانها أي تعانيه حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة فلجاء صنعة وذلك بترقيق الأسنان (المغيرات خلق الله) هي صفة لازمة لمن تصنع الثلاثة قال الطبراني: لا يجوز للمرأة تغير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص التماسا للتحسن للزوج ولا غيره كمفروتة الحاجبين تزيل ما بينهما توهم البلج وعكسه وأخذ منه عياض أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد لا تحل له إزالته لأنه تغيير لخلق الله إلا إذا ضره ولما روى ابن مسعود هذا الحديث بلغ امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك قلت كذا فذكرته فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله فقالت المرأة: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه قال الله {وما آتاكم الرسول فخذوه} الآية. قالت: إني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن قال: اذهبي فانظري فذهبت فلم تر شيئا فقال: أما لو كان كذلك لم أجامعها (حم ق 3) من حديث علقمة (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا الطيالسي وغيره   (1) وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم عليها إزالة ذلك بل يستحب الحديث: 7272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 7273 - (لعن الله الواصلة) التي تحاول وصل الشعر بيدها (والمستوصلة) التي تطلب ذلك وتطاوعها على فعله بها قال القرطبي: ووصله أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به (والواشمة والمستوشمة) وذلك كله حرام شديد التحريم قال ابن العربي: بإجماع الأمة وذلك لأن الله خلق الصور فأحسنها ثم فاوت في الجمال بينهما مراتب فمن أراد أن يغير خلق الله فيها ويبطل حكمته فيها فهو جدير بالإبعاد والطرد لأنه أتى ممنوعا لكونه أذن في السواك والاكتحال وهو تغيير لكنه مأذون فيه مستثنى من الممنوع ويحتمل أن يكون رخصة مطلقة وقال القرطبي: هذا نص في تحريم وصل الشعر بشعر وبه قال مالك والجمهور وشذ الليث فقال: وصله بغير شعر كصوف جائز وهو محجوج بالحديث وأباح قوم وضع الشعر على الرأس وقالوا: إنما نهى عن الوصل فقط وهذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى ولا يدخل في النهي ما ربط من الشعر بخيوط حرير ملونة وما يشبه الشعر ولا يكثره (حم ق 4 عن ابن عمر) الحديث: 7273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 7274 - (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) (حم د ت هـ عن ابن مسعود - (صح) .) (1)   (1) هذا الحديث لم يثبت في شرح متن الجامع الصغير الحديث: 7274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 7275 - (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه ومانع الصدقة) أي الزكاة أخرج البيهقي عن سمرة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه فقال: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا فقال: رأيت رجلين أتياني فأخذاني فخرجا بي إلى أرض مستوية أو فضاء فانطلقا إلى نهر من دم فيه رجال قيام ورجل قائم على الشط فيقبل أحدهم من النهر فإذا أراد الخروج رماه بحجر فرده فقلت: ما هذا؟ قال: الذين يأكلون الربا (حم ن عن علي) أمير المؤمنين رمز لصحته الحديث: 7275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 [ص: 274] 7276 - (لعن الله زائرات القبور) لأنهن مأمورات بالقرار في بيوتهن فأي امرأة خالفت ذلك منهن وكانت حيث يخشى منها أو عليها الفتنة فقد استحقت اللعن أي الإبعاد عن منازل الأبرار ويحرم زيارتها أيضا إن حملت على تجديد حزن ونوح فإن لم يكن شيء مما ذكر فالزيارة لهن مكروهة تنزيها لا تحريما عند الجمهور بدليل قول عائشة يا رسول الله كيف أقول إذا زرت القبور قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات ويرحم الله المتقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (والمتخذين عليها المساجد) لما فيه من المغالاة في التعظيم قال ابن القيم: وهذا وأمثاله من المصطفى صلى الله عليه وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه وتجريدا وغضبا لربه أن يعدل به سواه قال الشافعي: أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى الناس قيل ومحل الذم أن يتخذ المسجد على القبر بعد الدفن فلو بنى مسجدا وجعل بجانبه قبر ليدفن به واقف المسجد أو غيره فلا منع قال الزين العراقي: والظاهر أنه لا فرق فلو بنى مسجدا بقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدا (والسرج) لأنه تضييع للمال بلا فائدة وظاهره تحريم إيقاده على القبور لأنه تشبيه بالمساجد التي ينور فيها للصلاة ولأن فيه تقريب النار من الميت وقد ورد النهي عنه في أبي داود وغيره بل نهى أبو موسى الأشعري عن البخور عند الميت نعم إن كان الإيقاد للتنوير على الحاضر لنحو قراءة واستغفار للموتى فلا بأس (3 ك عن ابن عباس) حسنه الترمذي ونوزع بأن فيه أبا صالح مولى أم هانئ قال عبد الحق: هو عندهم ضعيف وقال المنذري: تكلم فيه جمع من الأئمة وقيل لم يسمع من ابن عباس وقال ابن عدي: لا أعلم أحدا من المتقدمين رضيه ونقل عن القطان تحسين أمره الحديث: 7276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 7277 - (لعن الله زوارات القبور) بالتشديد قال الجلال المحلي في شرح المنهاج: الدائر على ألسنة الناس ضم زاي زوارات جمع زائرة سماعا لا قياسا (القبور) أي المفتنات أو المفتنات بزيارتها أو زيارتهن بقصد التعديد والنوح كما تقرر وادعى ابن العربي أن هذا منسوخ بخبر كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وتعقبه الزين العراقي بأنه بناه على أن خطاب الذكور يشمل الإناث والأصح في الأصول خلافه وقيل زوارات للمبالغة فلا يقتضي وقوع اللعن على وقوع الزيارة للمبالغة نادرا نوزع بأنه إما قابل المقابلة بجميع القبور ومن ثم جاء في رواية أبو داود زائرات بلا مبالغة (حم د ك عن حسان) بالتشديد (ابن ثابت) بن المنذر البخاري شاعر الإسلام (حم ت هـ عن أبي هريرة) قال ابن حجر: وفي الباب ابن عباس وغيره الحديث: 7277 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 7278 - (لعن الله من سب أصحابي) لما لهم من نصرة الدين فسبهم من أكبر الكبائر وأفجر الفجور بل ذهب بعضهم إلى أن ساب الشيخين يقتل (طب عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته وهو زلل كيف وفيه عبد الله بن سيف أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لا يعرف وحديثه منكر وفي الميزان عن ابن عدي: رأيت له غير حديث منكر وعن العقيلي: حديثه غير محفوظ الحديث: 7278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 7279 - (لعن الله من قعد) وفي رواية بدله جلس (وسط الحلقة) وفي رواية الجماعة أراد الذي يقيم نفسه مقام السخرية ويقعد وسط القوم ليضحكهم أو الكلام في معين علم منه نفاقا وأما تفسيره بمن يتخطى الرقاب ويقعد وسط الحلقة [ص: 275] فيحول بين الوجوه ويحجم بعضهم عن بعض فيضرهم فغير قويم إلا إن قيل بقصد الضرر أو أول اللعن بالذم فافهم (حم د ت ك) في الأدب (عن حذيفة) بن اليمان قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم إنسانا قاعدا وسط الحلقة فذكره قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن اه الحديث: 7279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 7280 - (لعن الله من يسم في الوجه) أي يكوي الحيوان في وجهه بالنار فإنه تغيير لخلق الله والسم الكي للعلامة واللعن يقتضي التحريم فأما وسم الوجه الآدمي فحرام مطلقا لكرامته ولأنه تعذيب بلا فائدة وأما غيره فيحرم في وجهه لا في غيره للحاجة إليه كما يأتي (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وهو كما قال الهيثمي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد الشيخين وهو ذهول ففي صحيح مسلم مر النبي صلى الله عليه وسلم على حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه الحديث: 7280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 7281 - (لعن الله من فرق بين الوالدة) الأمة (وولدها) ببيع ونحوه أي قبل التمييز (وبين الأخ وأخيه) كذلك واحتج به الحنفية والحنابلة على منع التفريق بالبيع بين كل ذي رحم محرم ومذهب الشافعية والمالكية اختصاص ذلك بالأصول فيحرم التفريق بين الأمة وولدها بما يزيل الملك بشرط كونه عند التمييز عند الشافعي وقبل البلوغ عند الحنفي وقبل أن يشعر عند المالكي وفي رواية عنده كالحنفي (هـ عن أبي موسى) الأشعري قال الذهبي: وفيه إبراهيم بن إسماعيل ضعفوه الحديث: 7281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 7282 - (لعن الله من لعن والديه) أباه وأمه وإن عليا قيل هذا من باب التسبب فإن كل من لعن أبوي إنسان فهو يلعن أيضا أبوي اللاعن فكان البادئ بنفسه يلعن أبويه هكذا فسره المصطفى صلى الله عليه وسلم في خبر سب الرجل والديه ولعل وجه تفسيره بذلك استبعاده أن يسب الرجل والديه بالمباشرة فإن وقع سبهما يكون واقعا بالتسبب فإذا استحق من تسبب لسبهما اللعنة فكيف حال المباشر (ولعن الله من ذبح) وفي رواية لمسلم بدله من أهل وهو بمعناه (لغير الله) بأن يذبح باسم غير الله كصنم أو صليب بل أو لموسى أو عيسى أو الكعبة فكله حرام ولا تحل ذبيحته بل إن قصد به تعظيم المذبوح له وعبادته كفر قال ابن العربي: وفيه أن آكد ما في الأضحية إخلاص النية لله العظيم بها (ولعن الله من آوى) أي ضم إليه وحمى (محدثا) بكسر الدال أي جانيا بأن يحول بينه وبين خصمه ويمنعه القود وبفتحها وهو الأمر المبتدع ومعنى الإيواء التقرير عليه والرضى به والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه (ولعن الله من غير) وفي رواية لمسلم أيضا من زحزح (منار الأرض) بفتح الميم علامات حدودها جمع منارة وهي العلامة التي تجعل بين حدين للجارين وتغييرها أن يدخلها في أرضه فيكون في معنى الغاصب وفي منار الحرم وهي أعلامه التي ضربها إبراهيم على أقطاره وقيل لملك من ملوك اليمن ذو المنار لأنه أول من ضرب النار على الطريق ليهتدي به إذا رجع أفاده كله الزمخشري. وقال غيره: أراد به من غير أعلام الطريق ليتعب الناس بإضلالهم ومنعهم عن الجادة والمنار العلم والحد بين الأرضين وأصله من الظهور (حم م ن عن علي) أمير المؤمنين وسببه كما في مسلم أن رجلا قال لعلي: ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يسر إليك فغضب وقال: ما كان يسر إلي شيئا يكتمه عن الناس غير أنه حدثني بكلمات أربع قال: وما هن يا أمير المؤمنين فذكره وفي بعض طرقه عن هانئ مولى علي أن عليا رضي الله تعالى عنه قال: ماذا [ص: 276] يقول الناس قال: يدعون أن عندك علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تظهره فاستخرج صحيفة من سيفه فيها هذا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الذهبي: خرجه الحاكم الحديث: 7282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 7283 - (لعن الله من مثل بالحيوان) أي صيره مثلة بضم فسكون بأن قطع أطرافه أو بعضها وهو حي وفي رواية بالبهائم واللعن دليل التحريم (حم ق عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 7284 - (لعن عبد الدينار ولعن عبد الدرهم) أي طرد وأبعد الحريص في جمع الدنيا وزاد في رواية إن أعطي رضي وإن منع سخط قال الطيبي: الحرية ضربان من لم يجر عليه حكم السبي ومن أخذت الدنيا الدنية للمجامع قلبه وتملكته فصار عبدا لها وهو أقوى الرقيق قال: ورق ذوي الأطماع رق مخلد وقيل عبد الشهوة أولى من عبد الرق فمن ألهاه الدرهم والدينار عن ذكر ربه فهو من الخاسرين وإذا لهى القلب عن الذكر سكنه الشيطان وصرفه حيث أراد ومن فقه الشيطان في الشر أنه يرضيه ببعض أعمال الخير ليريه أنه يفعل فيها الخير وقد تعبد لها قلبه فأين يقع ما يفعله من البر مع تعبده لها (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 7285 - (لعنت القدرية) الذين يضيفون أفعال العباد إلى قدرهم وفي رواية بدله المرجئة (على لسان سبعين نبيا) تمامه كما في العلل للدارقطني آخرهم محمد وأخرج الطبراني عن أبي سعيد مرفوعا في آخر الزمان تأتي المرأة فتجد زوجها قد مسخ قردا لأنه لا يؤمن بالقدر (قط في) كتاب (العلل) له (عن علي) أمير المؤمنين قال ابن الجوزي في العلل: حديث لا يصح فيه الحارث كذاب قال ابن المديني: وكذا فيه محمد بن عثمان اه. ورواه الطبراني عن محمد بن كعب القرظي مرفوعا وفيه محمد بن الفضل متروك وأبو يعلى وفيه بقية مدلس وحبيب مجهول وأورده الذهبي من عدة طرق ثم قال: هذه أحاديث لا تثبت لضعف رواتها الحديث: 7285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 7286 - (لغدوة في سبيل الله) بفتح الغين المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه (أو روحة) بفتح الراء المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج أي وقت من الزوال إلى الغروب قال الأبي: الغدوة والروحة ذكرا للغالب فكذا من خرج في منتصف النهار أو منتصف الليل وليس المراد السير في البر بل البحر كذلك وليس المراد السير من بلد الغازي بل الذهاب إلى الغزو من أي طريق كان حتى من محل القتال (خير) أي ثواب ذلك في الجنة أفضل (من الدنيا وما فيها) من المتاع يعني أن التنعم بثواب ما رتب على ذلك خير من التنعم بجميع نعيم الدنيا لأنه زائل ونعيم الآخرة لا يزول والمراد أن ذلك خير من ثواب جميع ما في الدنيا لو ملكه وتصدق به قال ابن دقيق العيد: هذا ليس من تمثيل الفاني بالباقي بل من تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع وإلا فجميع ما في الدنيا لا يعدل درهما في الجنة (ولقاب) بالجر عطف على غدوة (قوس أحدكم) أي قدره يقال بينهما قاب قوسين وقبب قوس بكسر القاف أي قدر قوس وقيل القاب من مقبض القوس [ص: 277] إلى سيته وقيل لكل قوس قابان قال عياض: ويحتمل أن المراد قدر سيفهما (أو موضع قده) بكسر القاف وتشديد الدال المهملة والمراد به السوط وهو في الأصل سير يقد من جلد غير مدبوغ سمي السوط به لأنه يقد أي يقطع طولا والقد الشق بالطول (في الجنة خير من الدنيا وما فيها) يعني ما صغر في الجنة من المواضع كلها من بساتينها وغيرها خير من مواضع الدنيا وما فيها من بساتين وغيرها فأخبر أن قصير الزمان وصغير المكان في الجنة خير من طويل الزمان كبير المكان في الدنيا تزهيدا وتصغيرا لها وترغيبا في الجهاد فينبغي للمجاهد الاغتباط بغدوته وروحته أكثر مما يغتبط لو حصلت له الدنيا بحذافيرها نعيما محضا غير محاسب عليه لو تصور والحاصل أن المراد تعظيم أمر الجهاد (ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض) أي نظرت إليها وأشرقت عليها (لملأت ما فيها) من نور بهائها (ولنصيفها) بفتح النون وكسر الصاد المهملة فتحتية ساكنة الخمار بكسر الخاء والتخفيف (على رأسها خير من الدنيا وما فيها) لأن الجنة وما فيها باق والدنيا وما فيها فانية ولا يعارض قوله خير من الدنيا وما فيها ونحوه من هذه الروايات قوله في رواية أحمد خير من الدنيا ومثلها معها بل أفادت رواية أحمد أن الخيرية المستفادة من تلك الروايات تزيد على انضمام مثل الدنيا إليها وليس في تلك ما ينفيه (حم ق ت هـ عن أنس) الحديث: 7286 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 7287 - (لغزوة) مبتدأ خصص بالصفة وهي (في سبيل الله) فتقديره لغزوة كائنة في سبيل الله فاللام للتأكيد وقال ابن حجر: للقسم أي والله لغزوة (أحب إلي من أربعين حجة) ليس هذا تفضيل للجهاد على الحج ولا بد فإن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والعمل المعين قد يكون أفضل في حق إنسان وغيره أفضل في حق آخر فالشجاع الباسل المشهور المهاب للعدو وقوفه في الصف ساعة لجهاد العدو أفضل من أربعين حجة تطوعا والضعيف الحال الغير الماهر في القتال الكثير المال حجة واحدة له أفضل من غزوة وولى الأمر المنصوب للحكم جلوسه لإنصاف المظلوم من الظالم أفضل من عبادة ستين ستة وهذا الخبر وما أشبهه إنما يقع للمصطفى صلى الله عليه وسلم جوابا لسؤال شخص معين فيجيبه بما يناسبه كمريض يشكو الطبيب وجع بطنه له دواء يخصه كيلا يرشده إلا إليه ولو قيل له استعملي دواء الصداع لضره هكذا فافهم تدابير المصطفى صلى الله عليه وسلم (عبد الجبار الخولاني في تاريخ) مدينة (داريا) بفتح الدال والراء وشد المثناة التحتية بعدها ألف كما في المعجم وهكذا ضبطه المؤلف بخطه وفي بعض التواريخ داريا بزيادة ألف بين الراء والياء وهي قرية بالغوطة ينسب إليها جماعة من العلماء والزهاد منهم أبو سليمان الداراني العارف المشهور (عن مكحول مرسلا) وهو أبو عبد الله الشلمي الفقيه الثقة الزاهد العابد كان كثير الإرسال مات سنة بضع عشر ومئة الحديث: 7287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 7288 - (لقد) باللام التي هي تأكيد لمضمون الكلام وقد لوقوع مترقب ما كان خبرا وسيكون علما قاله الحرالي (أكل الدجال الطعام ومشى في الأسواق) قيل: قصد به التورية لإلقاء الخوف على المكلفين من فتنته والالتجاء إلى الله من شره لينالوا بذلك الفضل من الله وليتحققوا بالشح على دينهم أو المراد لا تشكوا في خروجه فإنه سيخرج لا محالة فكأنه خرج وأكل ومشى (حم عن عمران بن حصين) قال الهيثمي: فيه علي بن زيد وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 7288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 7289 - (لقد أمرت) أي أمرني الله ربي (أن أتجوز) في القول بفتح الواو المشددة بضبط المؤلف (في القول) أي أوجز [ص: 278] وأخفف المؤونة عن السامع وأسرع فيه (فإن الجواز في القول هو خير) من الإطناب فيه بحيث لم يقتض المقام الإطناب لعارض فهو إنما بعث أصالة بجوامع الكلم والاختصار وإذا أطنب فإنما هو لعروض ما يقتضيه والتجوز في القول والجواز فيه الاقتصار والاختصار لأنه إسراع وانتقال من التكلم إلى السكوت (ك) في الأدب (هب) كلاهما (عن عمرو بن العاص) قال: قام رجل فأكثر القول فقال عمر: لو قصد في قوله لكان خيرا له سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره رمز المصنف لحسنه وليس بحسن إذ فيه سليمان بن عبد الحميد النهراني. قال في الكاشف: ضعيف وفي ذيل الضعفاء كذبه النسائي وإسماعيل بن عياض وليس بقوي وابنه محمد قال أبو داود: ليس بذاك وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه وقد حدث به عنه وضمضم بن زرعة ضعفه أبو حاتم وأبو ظبية مجهول الحديث: 7289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 7290 - (لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن) أي قرأهن فأحسن قراءتهن وأقامها على وجهها أو من عمل بما فيهن (دخل الجنة) أي مع الفائزين الأولين أو من غير سبق عذاب (قد أفلح المؤمنين - الآيات) العشر من أولها وخصها بالذكر لما تضمنته من الحث على ما ذكر فيها من الفضائل الدينية (حم ك) في التفسير عن أحمد بن راهويه عن عبد الرزاق عن يونس بن زيد عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد (عن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح فتعقبه الذهبي بأن عبد الرزاق سئل عن شيخه ذا فقال: أظنه لا شيء الحديث: 7290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 7291 - (لقد أوذيت) ماض مجهول من الإيذاء (في الله) أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته (وما يؤذى) بالبناء للمفعول (أحد) من الناس في ذلك الزمان بل كنت المخصوص بالإيذاء لنهي إياهم عن عبادة الأوثان وأمري لهم بعبادة الرحمن (وأخفت) ماض مجهول من الإخافة (في الله) أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل بسبب إظهار الدعاء إلى الله تعالى وإظهار دين الإسلام وقوله (وما يخاف أحد) حال أي خوفت في الله وحدي وكنت وحيدا في ابتداء إظهاري للدين فآذاني الكفار بالتهديد والوعيد الشديد فكنت المخصوص بينهم بذلك في ذلك الزمان ولم يكن معي أحد يساعدني في تحمل أذيتهم وقال ابن القيم: قوله في كثير من الأحاديث في الله يحتمل معنيين أحدهما أن ذلك في مرضاة الله وطاعته وهذا فيما يصيبه باختياره والثاني أنه بسببه ومن جهته حصل ذلك وهذا فيما يصيبه بغير اختياره وغالب ما مر ويجيء من قوله في الله من هذا القبيل وليست في هنا للظرفية ولا لمجرد السببية وإن كانت السببية أصلها ألا ترى إلى خبر دخلت امرأة النار في هرة كيف تجد فيه معنى زائدا على السببية فقولك فعلت كذا في مرضاتك فيه معنى زائد على فعلته لرضاك وإذا قلت أوذيت في الله لا يقوم مقامه أوذيت لله ولا بسببه وقد نال المصطفى صلى الله عليه وسلم من قريش من الأذى ما لا يحصى فمن ذلك ما في البخاري أنه كان يصلي في الحجر إذا قبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا بالغا وأخذ بعضهم بمجامع ردائه حتى قام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقام إليه مرة عقبة وهو يصلي عند المقام فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبته وتصايح الناس وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبعيه وفي مسند أبي يعلى والبزار بسند قال ابن حجر: صحيح لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله فنهوا عنه وفي البزار أن عليا خطب فقال: من أشجع الناس قالوا: أنت قال: أما إني بارزني أحد إلا انتصفت منه ولكنه أبو بكر لقد رأيت [ص: 279] رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش هذا يجاذبه وهذا يكبكبه ويقولون أنت جعلت الآلهة إلها واحدا فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر ووضعوا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد وغير ذلك مما يطول ذكره فليراجعه من السير من أراد (ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة) تأكيد للشمول أي ثلاثون يوما وليلة متواترات لا ينقص منها من الزمان (وما لي ولبلال يأكله ذو كبد) أي حيوان أي ما معنا طعام سواء كان ما يأكل الدواب أو الإنسان (إلا شيء يواريه إبط بلال) أي يستره يعني كان في وقت الضيق رفيقي وما كان لنا من الطعام إلا شيء قليل بقدر ما يأخذه بلال تحت إبطه ولم يكن لنا ظرف نضع فيه الطعام فيه قال ابن حجر: كان يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا كما في خبر الترمذي أنه عرض عليه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فأبى (حم ت) في الزهد (هـ حب) كلهم (عن أنس) قال الترمذي: حسن صحيح الحديث: 7291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 7292 - (لقد بارك الله لرجل) أي زاده خيرا (في حاجة) أي بسبب حاجة (أكثر الدعاء فيها) أي الطلب من الله تعالى (أعطيها أو منعها) أي حصل له الزيادة في الخير بسبب دعائه إلى ربه سواء أعطي تلك الحاجة أو منعها فإنه تعالى إنما منعه إياها لما هو أصلح له وسيعطيه ما هو أفضل منها في حقه (هب خط) في ترجمة محمد بن مسعد البصري (عن جابر) وفيه داود العطار قال الأزدي: يتكلمون فيه الحديث: 7292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 7293 - (لقد رأيتني) فيه اتحاد الفاعل والمفعول وهو جائز في الفعل القلبي لكن استشكل بمنع حذف أحد مفعوليه وجوابه كما في الكشاف ألا تحسبن أن حذف أحد المفعولين جائز لأنه مبتدأ في الأصل (يوم أحد) أي يوم وقعة أحد المشهورة (وما في الأرض قربي مخلوق غير جبريل عن يميني وطلحة عن يساري) فهما اللذان كانا يحرساني من الكفار يومئذ وأعظم بها منقبة لطلحة لم يقع لأحد مثلها إلا قليلا (ك عن أبي هريرة) الحديث: 7293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 7294 - (لقد رأيت رجلا يتقلب) بشد اللام المفتوحة (في الجنة) أي يتنعم بملاذها أو يمشي ويتبختر والتقلب التردد مع التنعم والترفه قال تعالى {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} (في شجرة) أي لأجل شجرة (قطعها من ظهر الطريق) احتسابا لله تعالى ولفظ الظهر مقحم (كانت تؤذي الناس) فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة وفيه فضل إزالة الأذى من الطريق كشجر وغصن يؤذي وحجر يتعثر به أو قذر أو جيفة وذلك من شعب الإيمان (م عن أبي هريرة) ظاهره أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو في محل المنع فقد خرجه البخاري في الظلم عن أبي هريرة الحديث: 7294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 7295 - (لقد رأيت الملائكة تغسل حمزة) بن عبد المطلب لما قتل يوم أحد إعظاما لشأنه وتخصيص حمزة يوهم أن الملائكة لا تغسل كل شهيد وإنما وقع ذلك لحمزة ولبعض أفراد قليلة إظهارا لتمييزهم على غيرهم وكيفما كان فشهيد المعركة لا نغسله وإن لم تغسله الملائكة (ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 7295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 7296 - (لقد رأيت) بفتح الراء والهمزة وفي رواية أريت بضم الهمزة (الآن) ظرف بمعنى الوقت الحاضر لا اللحظة [ص: 280] الحاضرة التي تنقسم ولا يشكل بأن رأي وصلي الآتي للماضي لأن قد تفرق بينهما (منذ) حرف أو اسم مبتدأ وما بعده خبر والزمن مقدر قبل (صليت) وقيل عكسه (لكم الجنة والنار ممثلتين) مصورتين (في قبلة هذا الجدار) أي في جهته بأن عرض عليه مثالهما وضرب له ذلك في الصلاة كأنه في عرض الجدار وقول المصنف كغيره الرؤيا حقيقة بأن رفعت الحجب بينه وبينهما غير جيد إذ الخبر كما ترى مصرح بأنهما مثلتا له ومثال الشيء غيره ذكره بعضهم (فلم أر كاليوم) الكاف في محل نصب أي لم أرى منظرا مثل منظري اليوم (في الخير والشر) أي في أحوالهما أو ما أبصرت شيئا مثل الطاعة والمعصية في سبب دخولهما وهذا قاله ثلاث مرات وقوله صليت لكم للماضي قطعا واستشكل اجتماعه مع الآن وأجيب بما قال ابن الحاجب كل مخبر أو منشىء فقصده الحاضر لا اللحظة الحاضرة الغير منقسمة (خ عن أنس) بن مالك قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رقى المنبر فأشار بيده قبل قبلة المسجد ثم قال فذكره الحديث: 7296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 7297 - (لقد هممت) أي قصدت (أن لا أقبل هدية) وفي رواية بدله أن لا أتهب (إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) بفتح الدال وسكون الواو وسين مهملة بطن كبير من الأزد لأنهم أعرف بمكارم الأخلاق وأحرى بالبعد عما تطمح إليه نفوس الأرذال والأخلاط ومقصود الحديث أنه ينبغي منع قبول الهدية من الباعث له عليها طلب الاستكثار وخص المذكورين بهذه الفضيلة لما عرف منهم من سخاء النفس وعلو الهمة وقطع النظر عن الأعواض فإن المستكثر رذل الأخلاق خسيس الطباع {ولا تمنن تستكثر} ولما قال المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك قال فيه حسان: إن الهدايا تجارات اللئام وما. . . يبغي الكرام لما يهدون من ثمن ذكره كله الزمخشري (ن) وكذا الحاكم وصححه (عن أبي هريرة) قال: أهدى أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة فعوضه منها ست بكرات فسخطه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فذكره قال الترمذي: روي من غير وجه عن أبي هريرة وقال عبد الحق: وليس إسناده بالقوي اه. لكن قال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار ثم قال: رجال أحمد رجال الصحيح اه. ولعل المؤلف ذهل عنه الحديث: 7297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 7298 - (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة) بكسر الغين المعجمة أي جماع مرضع أو حامل يقال أغالت واغتلت المرأة إذا حبلت وهي مرضعة ويسمى الولد المرضع مغيلا والغيل بالفتح ذلك اللبن وكانت العرب يحترزون عنها ويزعمون أنها تضر الولد وهو من المشهورات الذائعة بينهم (حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك) أي يجامعون المرضع والحامل (فلا يضر أولادهم) يعني لو كان الجماع أو الإرضاع حال الحمل مضرا لضر أولاد الروم وفارس لأنهم يفعلونه مع كثرة الأطباء فيهم فلو كان مضرا لمنعوه منه فحينئذ لا أنهى عنه وقال ابن القيم: والخبر لا ينافيه خبر لا تقتلوا أولادكم سرا فإن هذا كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف الولد ويقتله لأن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن حينئذ على اعتداله وطيب ريحه وربما حملت الموطوءة فكان من أضر الأمور على الرضيع لأن جهة الدم تنصرف في تغذية الجنين الذي في الرحم فينفذ في غذائه فإن الجنين لما كان مما يناله ويجتذبه ملائما له لأنه متصل بأمه اتصال الفرس بالأرض وهو غير مفارق لها ليلا ونهارا [ص: 281] ولذلك ينقص دم الحامل ويصير رديئا فيصير اللبن المجتمع في ثديها رديئا فيضعفه فهذا وجه الإرشاد لهم إلى تركه ولم يحرمه عليهم ولا نهاهم عنه فإن هذا لا يقع دائما لكل مولود (مالك) في الموطأ (حم م 4) كلهم في النكاح إلا أبا داود ففي الطب (عن جدامة بنت وهب) بالجيم ودال مهملة أو معجمة واسم أبيها جندب أو جندل ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن جدامة الحديث: 7298 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 7299 - (لقد هممت) أي والله لقد عزمت (أن آمر) بالمد وضم الميم (رجلا يصلي بالناس ثم) أذهب (أحرق) بالتشديد للتكثير (على رجال) خرج به الصبيان والنساء والخناثى (يتخلفون عن الجمعة) وفي رواية العشاء وفي أخرى العشاء أو الفجر ولا تعارض لإمكان التعدد (بيوتهم) كناية عن تحريقهم بالنار عقوبة لهم قال الرافعي: هذا لا يقتضي كون الإحراق للتخلف لأن لفظ رجال منكر فيحتمل إرادة طائفة مخصوصة من صفتهم أنهم يتخلفون لنحو نفاق ومطلق التخلف لا يقتضي الجزم بالإحراق لا يقال يبعد اعتناء المصطفى صلى الله عليه وسلم بتأديب المنافقين على الترك مع علمه بأنهم لا صلاة لهم وقد كان شأنه الإعراض عن عقوبتهم مع علمه بحالهم لأنا نقول هذا لا يتم إلا إن ادعى أن ترك معاقبة المنافقين يلزمه ولا دليل عليه وإذا كان مخبرا فليس في إعراضه عنهم دلالة على لزوم ترك عقابهم وفيه أن لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم بحضرته وتقديم التهديد والوعيد على العقوبة لأن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون كفى عن الأعلى وحل التعذيب بالإحراق وكان ذلك أولا ثم قام الإجماع على المنع وأن الإمام إذا عرض له شغل أن يستخلف من يصلي بالناس وفيه تنبيه على عظم إثم ترك الجمعة أصالة أو خلافة على الخلاف ونقل ابن وهب عن مالك أنها سنة ونص مالك القرية المتصلة البيوت ينبغي أن تصلي الجمعة إذا أمرهم إمامهم لأن الجمعة سنة اه. وتأوله عياض وجمع من أصحابه على أن القرية ليست على صفة المدن والأمصار (حم م عن ابن مسعود) عبد الله الحديث: 7299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 7300 - (لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا) فإن التطارد لا يزال فيه بين جندي الملائكة والشياطين فكل منهما يقلبه إلى مرامه ويلفته إلى جهته فهو محل المعركة دائما إلى أن يقع الفتح لأحد الحزبين فيسكن سكونا تاما (حم ك) في التفسير (عن المقداد بن الأسود) قال الحاكم: على شرط البخاري ورده الذهبي بأن فبه معاوية بن صالح لم يرو له البخاري اه. وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد أحدها ثقات الحديث: 7300 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 7301 - (لقنوا) من التلقين وهو كالتفهيم وزنا ومعنى وتعديته يقال لقنته الكلام تلقينا إذا فهمته إياه تفهيما ولقنت الكلام إذا فهمته وغلام لقن بالكسر سريع الفهم (موتاكم) أي من قرب من الموت هكذا حكى في شرح مسلم الإجماع عليه سماه باعتبار ما يؤول إليه مجازا فهو من قبيل خبر من قتل قتيلا فله سلبه (لا إله إلا الله) فقط لكن لا يلح الملقن عليه به لئلا يضجر ولا يقول قل لا إله إلا الله بل يذكرها عنده وليكن غير مهتم كوارث وعدو وحاسد وإذا قالها مرة لا تعاد عليه إلا إذا تكلم بعدها وإنما كان تلقينها مندوبا لأنه وقت يشهد المحتضر فيه من العوالم ما لا يعهده فيخاف عليه الغفلة والشيطان وظاهره أنه لا يلقن الشهادة الثانية وذلك لأن القصد ذكر التوحيد والصورة أنه مسلم فلا حاجة إليها ومن ثم وجب تلقينهما معا للكافر فإن قيل من مات مؤمنا يدخل الجنة لا محالة ولا بد من دخول من لم يعف عنه النار ثم يخرج فإذا كان الميت مؤمنا ماذا ينفعه كونها آخر كلامه قلنا لعل كونها آخره قرينة أنه ممن [ص: 282] يعفى عنه فلا يدخل النار أصلا أما التلقين بعد الموت وهو في القبر فقيل يفعل لغير نبي وعليه أصحابنا الشافعية ونسب إلى أهل السنة والجماعة وقيل لا يلقن وعليه أبو حنيفة تمسكا بأن السعيد لا يحتاج إليه والشقي لا ينفعه ولأنه جاز أن يكون مات كافرا ولا يجوز له دعاء واستغفار ورد الأول بأن السعيد يحتاج إلى تذكار والشقي ينفعه في الجملة والنص ورد فوجب القول به كجميع السمعيات وبالنقض بتلقي المحتضر والثاني أنه لا دعاء ولا استغفار إلا لمؤمن وقيل هو بدعة ولا يفعل مطلقا لأنه إذا مات لم يحتج إليه بعد موته وإلا لم يفد لأن القصد منه الندب وقت تعرض الشيطان وذا لا يفيد بعد الموت قال الكمال: وقد يختار الشق الأول والاحتياج إليه ليثبت الجنان للسؤال فنفي الفائدة مطلقا ممنوع نعم الفائدة الأصلية منتفية على أنه قد قيل إن الميت لا يسمع {وما أنت بمسمع من في القبور} <تنبيه> قال ابن عربي: إذا لقنته ولم يقل ذلك أو قال لا فلا تسيء الظن به فإني أعلم بشخص بتونس لقن عند احتضاره وقد شخص بصره فقال: لا وكان صالحا فخيف عليه فاتفق أنه رد إليهم فقال: جاءني الشيطان بصورة من سلف من آبائي فقالوا: إياك والإسلام مت يهوديا أو نصرانيا فهو أنجى فكنت أقول لا فعصمني الله منهم (حم م 4) في الجنائز (عن أبي سعيد) الخدري (م هـ عن أبي هريرة ن عن عائشة) قال المصنف: وهذا متواتر ولم يخرجه البخاري الحديث: 7301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 7302 - (لقيام رجل في الصف في سبيل الله عز وجل ساعة أفضل من عبادة ستين سنة) أراد به التزهيد في الدنيا والترغيب في الجهاد وإعلاء كلمة الدين وقد مر الكلام عليه بما فيه بلاغ (هق خط) في ترجمة عبد الرحمن البخاري (عن عمران بن حصين) وفيه إسماعيل بن عبيد الله المكي قال في الميزان: لا يعرف وسبقه العقيلي فأورده في الضعفاء فقال: لا تحفظ أحاديثه وساق له هذا الحديث فما أوهمه صنيع المؤلف أن مخرجه العقيلي خرجه وسكت عليه غير صواب الحديث: 7302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 7303 - (لقيد سوط أحدكم) بكسر القاف أي قدره يقال بيني وبينك قيد رمح أي قدر رمح وهو بمعنى قوله في الرواية السابقة لقاب قوس أحدكم (من الجنة خير مما بين السماء والأرض) يعني أن اليسير من الجنة خير من الدنيا وما فيها وخير مما في الجو إلى عنان السماء فالمراد بذكر السوط التمثيل لا موضع السوط بعينه بل نصف سوط وربعه وعشره من الجنة الباقية خير من جميع الدنيا الفانية ذكره ابن عبد البر وقال بعضهم: جاء في رواية لقاب قوس وفي رواية لشبر وفي أخرى لقيد وفي أخرى لموضع قدم وبعض هذه المقادير أصغر من بعض فإن الشبر أو القدم أصغر من السوط لكن المراد تعظيم شأن الجنة وأن اليسير منها وإن قل قدره خير من مجموع الدنيا بحذافيرها وقال في هذه الرواية خير مما بين السماء والأرض وفي أخرى خير من الأرض وما عليها وفي أخرى من الدنيا وما فيها وفي أخرى مما طلعت عليه الشمس أو غربت وكلها ترجع إلى معنى واحد فإن كل ما بين السماء والأرض تطلع عليه الشمس وتغرب وهو عبارة عن الدنيا وما فيها (حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 7303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 7304 - (لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر) ومن ثم عد الذهبي وغيره التكذيب بالقدر من الكبائر (إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) (حم) عن أبي ضمرة عن عمر بن عبد الله مولى عفرة (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال الإمام أحمد: ما أرى عمر بن عبد الله لقي عبد الله بن عمر فالحديث مرسل قال: فأكثر حديث عمر [ص: 283] مولى عفرة مراسيل وقال الذهبي بعد ما أورده في الكبائر وغيرها من عدة طرق: هذه الأحاديث لا تثبت لضعف رواتها هذه عبارته وقال ابن الجوزي في العلل: هذا حديث لا يصح فيه عمر مولى عفرة قال ابن حبان: يقلب الأخبار لا يحتج به اه. وأورده أعني ابن الجوزي في الموضوعات أيضا وتعقبه العلائي بأن له شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الحسن وهو وإن كان مرسلا لكنه اعتضد فلا يحكم عليه بوضع ولا نكارة ومن ثم رمز المؤلف لحسنه الحديث: 7304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 7305 - (لكل باب من أبواب البر باب من أبواب الجنة وإن باب الصيام يدعى الريان) وقد سبق لهذا مزيد بيان فراجعه (طب عن سهل بن سعد) الساعدي رمز لحسنه الحديث: 7305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 7306 - (لكل داء) بفتح الدال ممدودة وقد يقصر (دواء) يعني شيء مخلوق مقدر له (فإذا أصيب دواء الداء) بالإضافة من ذلك الداء (برئ بإذن الله) لأن الأشياء تداوى بأضدادها لكن قد يدق ويغمض حقيقة المرض وحقيقة طبع الدواء فقيل الفقه البرؤ بالمضاد ومن ثم خطأ الأطباء فمتى كان ثم مانع لخطأ أو غيره تخلف لذلك فإن تمت المصادفة حصل لا محالة فصحت الكلية واندفع التدافع هذا أحد محمل الحديث قال القرطبي: هذه كلمة صادقة العموم لأنها خبر عن الصادق عن الخالق {ألا يعلم من خلق} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه وكل ذلك بقدر لا معدول عنه اه. وقيل إنه من العام المخصوص ويكون المراد لكل داء يقبل الدواء (حم م) في الطب (عن جابر) ولم يخرجه البخاري واستدركه الحاكم فوهم الحديث: 7306 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 7307 - (لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار) أرشد إلى أن الطب ينقسم إلى جسماني وهو ما سبق وروحاني والأول هو محط أنظار الأطباء والحكماء وأما الثاني فتقصر عنه عقولهم ولا يتصل إليه علومهم وتجاربيهم وأقيستهم وإنما تلقى من الرسل فطب القلب التوكل على الله والالتجاء إليه والانكسار بين يديه والإخلاص في الطاعة وطب الذنب التوبة الصحيحة والاستغفار ودعاء الحق والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف وتفريج الكروب فهذه أدوية أشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم وجربتها الأمم على اختلاف أديانها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يسعه علم الطبيب ولا تجربته وقياسه بل جرب ذلك جمع كثيرون فوجدوا نفعه في الأمراض الحسية أعظم من نفع الأدوية الحقيقية الطبية وتخلفه بالنسبة إلى أمثالنا إنما هو لفقد شرطه وهو الإخلاص نسأل الله العافية ثم إن المصنف لم يذكر لهذا الخبر مخرجا وذكر صحابيه وقد عزاه في الفردوس لعلي أمير المؤمنين وبيض ولده لسنده الحديث: 7307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 7308 - (لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم) هذا محمول على الكلية المقتضية للعموم في كل ساه لا العموم المقتضي للتفصيل فيفيد أن كل من سها في صلاته بأي سهو كان يسجد سجدتين ولا يختصان بالمواضع التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالأنواع التي سها فيها فلا حجة فيه لمن قال بتعدد السجود بتعدد مقتضيه كما أن لا حجة فيه للحنفية على جعلهم السجود بعد السلام هبه لزيادة أو نقص ما ذاك إلا لقول الزهري فعله قبل السلام آخر الأمرين من فعله عليه السلام وبفرض عدم ذلك النسخ فيتعين حمله على من سها عن سجود السهو فسجده بعد السلام جمعا بين الأخبار (حم د هـ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال البيهقي في المعرفة: انفرد به إسماعيل بن عياش وليس بقوي وقال [ص: 284] الذهبي: قال الأشرم: هذا منسوخ وقال الزين العراقي: حديث مضطرب وقال ابن عبد الهادي كابن الجوزي بعدما عزياه لأحمد: إسماعيل بن عياش مقدوح فيه فلا حجة فيه وقال ابن حجر: في سنده اختلاف اه. فرمز المؤلف لحسنه غير حسن الحديث: 7308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 7309 - (لكل سورة حظها من الركوع والسجود) أي فلا يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود وإلى هذا ذهب بعض المجتهدين وذهب الشافعية إلى كراهة القراءة في غير القيام لأدلة أخرى (حم) وكذا البيهقي في الشعب (عن رجل) من الصحابة ولفظ رواية أحمد عن أبي العالية أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكل سورة إلخ قال أبو العالية: ثم لقيته بعد فقلت: إن ابن عمر كان يقرأ في الركعة بالسورة فهل تعرف من حدثك بهذا الحديث قال: إني لأعرفه منذ خمسين سنة قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. وحينئذ فرمز المصنف لحسنه فقط تقصير ولا يقدح جهالة الصحابي لأن الصحب كلهم عدول الحديث: 7309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 7310 - (لكل شيء آفة تفسده وآفة هذا الدين ولاة السوء) قال في الفردوس عقب هذا: ويروى وآفة هذا الدين بنو أمية اه. ولهذا كتب ابن عبد العزيز إلى الحسن البصري أشر علي بأقوام أوليهم وأستعين بهم على أمور المسلمين فكتب يا أمير المؤمنبن إن أهل الخير لا يريدونك وأصحاب الدنيا لا نريدهم فعليك بذوي الأحساب لأنهم لا يدنسون أحسابهم بالخيانات فمن عف لسانه عن الأعراض ويده عن الأموال فهو أولى بالولاية (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن ابن مسعود) وفيه مبارك بن حسان قال الذهبي: قال الأزدي: يرمى بالكذب الحديث: 7310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 7311 - (لكل شيء أس وأس الإيمان الورع ولكل شيء فرع وفرع الإيمان الصبر ولكل شيء سنام وسنام هذه الأمة عمي العباس) بن عبد المطلب (ولكل شيء سبط وسبط هذه الأمة الحسن والحسين ولكل شيء جناح وجناح هذه الأمة أبو بكر وعمر ولكل شيء مجن ومجن هذه الأمة علي بن أبي طالب) الأس بتثليث الهمزة أصله أصل البناء كالأساس واستعماله في غير ذلك مجاز قال الزمخشري: من المجاز فلا أس أمره الكذب ومن لم يؤسس ملكه بالعدل هدمه والفرع من كل شيء أعلاه وهو ما يتفرع من أصله قال الزمخشري: من المجاز فرع فلان قومه علاهم شرفا وسنام الشيء علوه وكل شيء علا شيئا فقد تسنمه ومن المجاز رجل سنيم عالي القدر وهو سنام قومه والسبط أصله انبساط في سهولة ويعبر به عن الجود وعن ولد الولد كأنه امتداد الفروع والجناح بالفتح اليد والعضد والإبط والجانب ونفس الشيء والمجن الترس وهذا كله على الاستعارة والتشبيه (خط وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور الديلمي وفيه من لا يعرف الحديث: 7311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 7312 - (لكل شيء حصاد وحصاد أمتي ما بين الستين إلى السبعين) من السنين وأقلهم من يجاوز ذلك كما صرح به حديث آخر (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) بن مالك الحديث: 7312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 [ص: 285] 7313 - (لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن) لأن الحلية حليتان حلية تدرك بالعين وحلية تدرك بالسمع ومرجع ذلك كله إلى جلاء القلوب وذلك على قدر رتبة القارئ وقد كان داود يقرأ قراءة تضطرب المحموم وتزيل ألم المهموم وكان إذا تلا لم يبق دابة في بر ولا بحر إلا استمعت لصوته قال ابن تيمية: وقضية الخبر أن تحسين الصوت بغير القرآن مذموم لجعله ذلك حلية له بخصوصه فلا حجة فيه لمن استشهد به من الصوفية على مشروعية السماع الحسن بل هو شاهد عليهم (هب والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك وفيه عبد الله بن محرز الجزري قال في الميزان: تركوا حديثه وعن الجوزجاني: هالك وعن ابن حبان: من خيار العباد لكنه يكذب ولا يعلم ويقلب الأخبار ولا يفهم ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور البزار. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن محرز هذا هو متروك ورواه الطبراني عن أبي هريرة وفيه عنده إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف الحديث: 7313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 7314 - (لكل شيء زكاة) أي صدقة (وزكاة الجسد الصوم) لأن الزكاة تنقص المال من حيث العدد وتزيده من حيث البركة فكذا الصوم ينقص به البدن لنقص الغذاء ويزيد فيه من جهة الثواب فلذا كان زكاة البدن لكونه ينقص من فضوله ويزيد في مكارم الأخلاق ونحوها (هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف اه. وذلك لأن فيه موسى بن عبيد ضعفوه (طب) وكذا الخطيب كلاهما (عن سهل بن سعد) قال الهيثمي: وفيه حماد بن الوليد ضعيف اه. وأصله قول ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بحماد بن الوليد كان يسرق الحديث ويلزق ما ليس من حديثهم وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه الحديث: 7314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 7315 - (لكل شيء زكاة) أي صدقة (وزكاة الدار بيت الضيافة) لما أنها تقي صاحبها من النار وتوصله إلى دار الأبرار (الرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (عن ثابت) عن أنس هكذا هو في الميزان قال النقاش في الموضوعات: وضعفه أحمد بن عثمان النهراوي وفي اللسان قال الجوزقاني في كتاب الأباطيل: حديث منكر وفيه عبد الله بن عبد القدوس مجهول الحديث: 7315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 7316 - (لكل شيء سنام) أي علو وسنام الشيء أعلاه (وإن سنام القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة (وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي) وقد مر الكلام على هذا الحديث غير مرة (ت عن أبي هريرة) وقال: ضعيف الحديث: 7316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 7317 - (لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى) صفوة الشيء خياره وخلاصته وإذا حذفت الهاء فتحت الصاد (ع هب عن أي هريرة عن عبد الله بن أبي أوفى) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي وابن حجر وغيرهما ما محصوله: أن فيه من الطريق الأول الحسن بن السكن ضعفه أحمد ولم يرتضه الفلاس ومن الثاني الحسن بن عمارة وقد ذكره العقيلي في الضعفاء اه. وأقول: فيه أيضا من طريق البيهقي سويد بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء [ص: 286] والمتروكين وقال أحمد: متروك وأبو حاتم: صدوق اه الحديث: 7317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 7318 - (لكل شيء طريق وطريق الجنة العلم) أي النافع فإذا كان هو المنهج إلى دار النعيم فيتعين على كل لبيب أن يبادر شبابه وأوقات عمله فيها فيصرفها إلى التحصيل ولا يغتر بخدع التسويف والتأميل فيخطئ الطريق والسبيل ولا يلتفت إلى العلائق الشاغلة والعوائق المانعة ومن ثم كان كثير من السلف يرى التعزب والترهب عن الأهل والبعد عن الوطن في الطلب تقليلا للشواغل لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن درك الحقائق و {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ولهذا قال الخطيب في الجامع: لا ينال العلم إلا من عطل دكانه وخرب بستانه وهجر إخوانه (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيعه أن الديلمي خرجه بسنده على العادة والأمر بخلافه بل بيض له ولم يسنده الحديث: 7318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 7319 - (لكل شيء عروس وعروس القرآن الرحمن) أي سورة الرحمن يقال أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها ويقال للرجل عروس كالمرأة وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر وكل شيء ههنا مثل ما في قوله تعالى حكاية عن سليمان {وأوتينا من كل شيء} أي من كل ما يليق بحالنا من النبوة والعلم والملك فالمعنى أن كل شيء يستقيم أن يضاف إليه العروس والعروس هنا يحتمل الرتبة وشبهها بالعروس إذا زينت بالحلي والحلل وكونها ألذ لقاء إلى المحبوب والوصول إلى المطلوب وذلك أنه كلما كرر قوله {فبأي آلاء ربكما تكذبان} كأنه يجلو نعمة من نعمه السابقة على الثقلين ويزينها ويمن بها عليهم (هب عن علي) أمير المؤمنين وفيه علي بن الحسن دبيس عده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال الدارقطني: ليس بثقة الحديث: 7319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 7320 - (لكل شيء معدن) المعدن المركز من كل شيء (ومعدن التقوى قلوب العارفين) جمع لعارف قال بعضهم: والعارف هو دائم الشغل به عمن سواه عالما بأنه لا حافظ له ولا مالك إلا إياه والمعرفة بالله هي تحقيق العلم بإثبات الوحدانية لأن قلوبهم أشرقت بنور الإيمان واليقين وشاهدوا أحوال الآخرة بأفئدتهم فعظمت هيبة ذي الجلال في صدورهم فغلب الخوف عليهم (طب) عن أبي عقيل أنس بن مالك الخولاني عن محمد بن رجاء السجستاني عن منية بن عثمان بن عمر بن محمد بن يزيد عن سالم (عن) أبيه عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب وعمر بن محمد بن يزيد وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة لينه ابن معين وله غرائب (هب) عن علي بن أحمد عن أحمد بن عبيد عن أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن وثيمة بن موسى عن سلمة بن الفضل عن رجل ذكره الزهري عن الزهري عن سالم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه خرجاه وسكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه البيهقي بما نصه هذا منكر ولعل البلاء وقع من الرجل الذي لم يسم اه بحروفه ووثيمة هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: يحدث عن سلمة بن الفضل بأحاديث موضوعة وسلمة قال أبو حاتم: منكر الحديث لا أعرفه اه. وذكر الهيثمي أن فيه أيضا عند الطبراني محمد بن رجاء وهو ضعيف اه وفي الميزان عن أبي حاتم: حدث وثيمة بأحاديث موضوعة فمنها هذا الخبر ثم أورده بنصه وحكم ابن الجوزي بوضعه الحديث: 7320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 7321 - (لكل شيء مفتاح ومفتاح السماوات قول لا إله إلا لله) والمفتاح لا يفتح إلا إذا كان له أسنان وأسنان هذا المفتاح هي الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام ذكره القرطبي (طب عن معقل بن يسار) قال الهيثمي: فيه أغلب بن تميم وهو ضعيف الحديث: 7321 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 [ص: 287] 7322 - (لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء) وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه ابن لال والفقراء الصبر هم جلساء الله عز وجل يوم القيامة اه بنصه وحذف المصنف له غير جيد (ابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا ابن عدي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمر بن راشد عن مالك وهو المديني إذ هو الذي حدث عن مالك قال الذهبي: قال أبو حاتم: وجدت حديثه كذبا قال الحافظ العراقي: ورواه أيضا الدارقطني في غرائب مالك وابن عدي في الكامل وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر باللفظ المزبور اه. وأورده ابن الجوزي من عدة طرق وحكم عليه بالوضع الحديث: 7322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 7323 - (لكل عبد صيت) أي ذكر وشهرة في خير أو شر عند الملأ الأعلى (فإن كان صالحا وضع في الأرض وإن كان مسيئا وضع في الأرض) فمن دعاه الله فأجابه فصدقه في الإجابة قربه واصطنعه لنفسه وألقى له في القلوب ملاحة وحلاوة ومحبة قال تعالى للكليم {وألقيت عليك محبة مني} فكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه حتى فرعون فما كان على ذلك المنهج فله الحلاوة في العيون والود في القلوب وحكم عكسه عكس حكمه (الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) الحديث: 7323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 7324 - (لكل صائم دعوة مستجابة عند إفطاره) يحتمل من صومه كل يوم ويحتمل في آخر رمضان (أعطيها في الدنيا أو ادخرت له في الآخرة) قال الحكيم: قد أعطى الله هذه الأمة كثيرا مما أعطى الأنبياء قبلهم فمن ذلك حثهم على الدعاء {ادعوني أستجب لكم} وإنما كان ذلك للأنبياء لكن لما دخل التخليط في هذه الأمة لاستيلاء شهواتهم على قلوبهم حجبت فالصوم منع النفس عن الشهوات فإذا ترك شهوته من أجله صفا قلبه وتولته الأنوار واستجيب دعاؤه فإن كان مسؤوله مقدرا عجل وإلا ادخر له في العقبى (الحكيم) في نوادره (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وظاهر صنيع المصنف أن هذا الحديث مرفوع اتفاقا كغيره من الأحاديث التي يوردها ومخرجه الحكيم إنما قال ابن نضر بن دعبل رفعه وأن الباقين وقفوه على ابن عمر فأشار إلى تفرد نضر برفعه فإطلاق المصنف عزو الحديث لمخرجه وسكوته عن ذلك غير مرضي الحديث: 7324 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 7325 - (لكل غادر) وهو الذي يقول قولا ولا يفي به فشمل من لم يف بما نذر وبما حلف عليه وبشرط شرطه (لواء يعرف به يوم القيامة) ليعرف به فيزداد فضيحة واحتقارا وإهانة وهذا تقبيح للغدر وتشديد في الوعيد عليه سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره وقيل أراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا يخرج عليه (حم ق عن أنس) بن مالك (حم) عن ابن مسعود عبد الله (عن عمر) بن الخطاب الحديث: 7325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 7326 - (لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة) بمعنى أنه يلصق به ويدنى منه دنوا لا يكون معه اشتباه لتزداد فضيحته وتتضاعف استهانته ويحتمل أن يكون عند دبره حقيقة وقال ابن العربي: يزيد الشهرة به وهي عظيمة في النفوس [ص: 288] كبيرة على القلوب يخلق الله عند وجودها من الألم في النفوس ما شاء على قدرها وما يخلق من ذلك في الآخرة أعظم ويزيد في عظم اللواء حتى تكون الشهرة أشد وإنما كان عند استه لتكون الصورتان مكشوفتين الظاهرة في الأخلاق والباطنة في الخلق (م عن أبي سعيد) الخدري ظاهره أن مسلما لم يرو إلا اللفظ المذكور وهذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل تمامه ألا ولا عذر أعظم غدرا من أمير عامة هذا لفظ مسلم في المغازي ولا أدري لأي شيء تركه المصنف الحديث: 7326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 7327 - (لكل قرن من أمتي سابقون) قال الحافظ أبو نعيم: فالصوفية سباق الأمم والقرون وبإخلاصهم تمطرون وتنصرون (حل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء كما مر عنه الحديث: 7327 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 7328 - (لكل قرن سابق) يحتمل أن يراد المبعوث ليجدد لهذه الأمة أمر الدين (حل عن أنس) بن مالك الحديث: 7328 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 7329 - (لكل نبي تركة) بفتح التاء وكسر الراء وتخفف وبكسر الأول وسكون الراء مثل كلمة وكلمة والتركة ما يخلفه الميت من بعده (وإن تركتي ضيعتي) أي عيالي ففي القاموس والضيعة العيال (الأنصار فاحفظوني فيهم) لما لهم من السبق في نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم والذب عنه وحمايته من أعدائه حتى أظهر الدين وأحكم قواعد الشريعة وفيه إشارة إلى أن الخلافة ليست فيهم إذ لو كان كذلك لأوصاهم بغيرهم ولم يوص عليهم (طس عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: إسناده جيد الحديث: 7329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 7330 - (لكل نبي حرم وحرمي المدينة) تمامه عند أحمد اللهم إني حرمتها بحرمتك أن لا يأوي فيها محدثا ولا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد اه. هكذا هو في رواية أحمد في المسند وكأن المصنف تركه ذهولا (حم عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: سنده حسن الحديث: 7330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 7331 - (لكل نبي خليل في أمته وإن خليلي عثمان بن عفان) لا ينافي قوله في الحديث الآتي لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر الحديث لأن المراد هنا خلة الإخاء كما يأتي أو أنه نفى الخلة أولا ثم أذن الله له في مخاللة أبي بكر وعثمان (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل: حديث لا يصح وإسحاق بن نجيح أحد رجاله قال أحمد: من أكذب الناس وقال يحيى: هو معروف بالكذب والوضع وقال ابن حبان: كان يضع وفيه يزيد بن مروان قال يحيى: كذاب وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل الاحتجاج به الحديث: 7331 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 7332 - (لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان) الرفيق الذي يرافقك قال الخليل: ولا يذهب اسم الرفيق بالتفرق (ت) في المناقب (عن طلحة) بن عبيد الله وقال: غريب وليس سنده بقوي وهو منقطع (هـ عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل: حديث لا يصح الحديث: 7332 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 [ص: 289] 7333 - (لكل نبي رهبانية) أي تبتل وانقطاع للعبادة (ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله) فليست رهبانيتهم كرهبانية النصارى من الإنجماع في الديور والجبال والانقطاع عن الناس ولزوم التعبد (حم عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى والديلمي الحديث: 7333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 7334 - (للإمام والمؤذن مثل أجر من صلى معهما) الذي يظهر أن المراد الإمام والمؤذن المحتسبان لا من يأخذ على ذلك أجرا ويطلب عليه معلوما كما هو عليه الآن (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان في الثواب (عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن طلحة وهو اليربوعي قال الذهبي: قال النسائي: ليس بشيء عن أبي بكر بن عياش وقد مر غير مرة عن عبد الله بن سعيد المقبري قال الذهبي في الضعفاء: تركوه الحديث: 7334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 7335 - (للبكر) بلام التمليك (سبع) أي يجب للزوجة البكر الجديدة مبيت سبع من الليالي ولاء بلا قضاء (وللثيب ثلاث) كذلك ولو أمة فيهما قال الزمخشري: أي لها ذلك زيادة على النوبة عند البناء لتحصل الألفة وتقع المؤانسة بلزوم الصحبة وفضلت البكر بالزيادة لينتفي نفارها اه. وفي رواية للبخاري تقييد ذلك بما إذا كان في نكاحه غيرها أي ويريد المبيت عندها وإلا فلا لزوم وفضله بين البكر والثيب يدل لما قاله الشافعي من عدم القضاء قال الرافعي: لأنه لو كانت الثلاثة مقضية لم يكن للتخصيص بالبكر معنى وهذا قاله حين تزوج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج فأخذته بثوبه فقال: إن شئت زدتك وحاسبتك به للبكر إلخ (م) في النكاح (عن أم سلمة هـ عن أنس) ورواه عنه أيضا الشافعي وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد قال ابن حجر: رواه البخاري عن أنس فقال: من السنة فذكره الحديث: 7335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 7336 - (للتوبة باب بالمغرب مسيرة سبعين عاما لا يزال كذلك حتى يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس من مغربها) قال القاضي: معناه أن باب التوبة مفتوح على الناس وهم في فسحة منها ما لم تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت انسد عليهم فلم يقبل منهم إيمان ولا توبة لأنهم إذا عاينوا ذلك اضطروا إلى الإيمان والتوبة فلا ينفعهم ذلك كما لا ينفع المحتضر فلما رأى أن سد الباب من قبل المغرب جعل فتح الباب أيضا من ذلك الجانب وقوله مسيرة سبعين سنة مبالغة في التوسعة أو تقدير لعرض الباب بقدر ما يسده من جرم الشمس الطالع من المغرب إلى هنا كلامه (طب عن صفوان بن عسال) بفتح المهملة الأولى وشد الثانية رمز المصنف لحسنه الحديث: 7336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 7337 - (للجار) على جاره (حق) متأكد لا رخصة في تركه (البزار) في مسنده (والخرائطي في كتاب مكارم الأخلاق) كلاهما (عن سعيد بن زيد) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وهو ضعيف الحديث: 7337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 7338 - (للجنة ثمانية أبواب سبعة مغلقة وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه) أي من جهته وقد عرفت معناه [ص: 290] مما قبله (طب ك) وكذا أبو يعلى كلهم (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: سنده جيد الحديث: 7338 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 7339 - (للحرة) أي للزوجة المتمحضة الحرية في القسم (يومان وللأمة) أي من فيها رق بسائر أنواعها ولو مبعضة ومستولدة (يوم) يعني أن للحرة مثلي الأمة وبهذا أخذ الشافعي والحديث وإن كان ضعيفا لكنه اعتضد بقول علي كرم الله وجهه بل لا يعرف له مخالف وإنما سوى بينهما في حق الزفاف لأنه لزوال الحياء وهما فيه سواء (ابن منده) في الصحابة (عن الأسود بن عويم) السدوسي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين الحرة والأمة فذكره قال الذهبي في الصحابة: حديث ضعيف الحديث: 7339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 7340 - (للرجال حواري وللنساء حوارية فحواري الرجال الزبير وحوارية النساء عائشة) (ابن عساكر) في التاريخ (عن يزيد) من الزيادة (ابن أبي حبيب معضلا) هو الأزدي أبو رجاء عالم أهل مصر قال الذهبي: كان حبشيا من العلماء الحكماء الأتقياء مات سنة 138 الحديث: 7340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 7341 - (للرحم لسان عند الميزان تقول يا رب من قطعني فاقطعه ومن وصلني فصله) نبه به أنها تحضر عند ميزان العبد وتدعو على القاطع وتدعو للواصل وفي ذكر ذلك ما يدل على استجابة الدعاء وأوضح أن القطيعة حينئذ تكون بخفة الميزان والصلة حينئذ برحجانه ولو لم يكن في فضل صلتها وذم قطيعتها إلا ما ذكر لكفى به مرهبا ومرغبا وقوله لسان إلخ إشارة إلى أنها تتشكل به وسبق ما له بذلك تعلق (طب عن بريدة) تصغير بردة ابن الحصيب رمز المصنف لحسنه الحديث: 7341 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 7342 - (للسائل حق وإن جاء على فرس) أي أن له حق الإعطاء وعدم الرد وإن كان على هيئة حسنة ومنظر بهي ومراكب فاخرة فقد يكون وراء ذلك عائلة ودين له معها أخذ الصدقة وفيه كما قال الغزالي: جواز السؤال إذ لو كان حراما مطلقا لما أجاز إعانة المعتدي على عدوانه والإعطاء إعانة (حم د والضياء) المقدسي (عن الحسين) بن علي قال الحافظ العراقي: وفيه يعلى ابن أبي يحيى جهله أبو حاتم ووثقه ابن حبان وسكت عليه أبو داود قال العراقي: وقول ابن الصلاح عن أحمد أربعة أحاديث تدور في الأسواق لا أصل لها منها هذا لا يصح عن أحمد بدليل عدم إخراجه لهذا الحديث في مسنده (د عن علي) أمير المؤمنين سكت عليه أبو داود أيضا قال العراقي: وفيه شيخ لم يسم (طب عن) أبي حديد بمهملتين مصغرا (الهرماسي بن زياد) بن مالك الباهلي البصري صحابي سكن اليمامة عند ابن القعقاع وغيره قال الهيثمي: حديث ضعيف لضعف عثمان بن فائد أحد رجاله اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه القزويني لكن رده ابن حجر كالعلائي الحديث: 7342 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 7343 - (للصف الأول) وهو الذي يلي الإمام (فضل على الصفوف) جميعها كما مر وهذا في حق الرجال أما النساء فالصف الأخير لهن أفضل كما مر (طب عن الحكم بن عمير) مصغر قال الهيثمي: فيه يحيى بن بعلى ضعيف الحديث: 7343 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 7344 - (للعبد المملوك الصالح أجران) لأدائه حق الله وآخر لخدمة مولاه قال ابن حجر: اسم الصلاح يشمل شرطين [ص: 291] إحسان العبادة والنصح للسيد ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من نحو خدمته قال ابن عبد البر: وفيه أن العبد المؤدي لحق الحق وحق السيد أفضل من الحر ويؤيده قول عيسى عليه السلام مرة الدنيا حلوة الآخرة وحلوة الآخرة مرة الدنيا وللعبودية غضاضة ومرارة لا تضيع عند الله اه. ونوزع بأن أجر العبد إنما يضاعف فبما فيه القيام بالحقين فقط وقد يكون للسيد جهات أخر يستحق بها أضعاف أجر العبد وبقية الحديث والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله وبر أبي لأحببت أن أموت وأنا مملوك اه (ق عن أبي هريرة) الحديث: 7344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 7345 - (للغازي أجره) الذي جعله الله على غزوه (وللجاعل) أي المجهز للغازي تطوعا لا استئجارا لعدم جوازه (أجره) أي ثواب ما بذل من المال (وأجر الغازي) لتحريضه على القتال حتى شارك الغزاة في مغزاهم قال الفاسي: يريد بالجاعل من شرط للغازي جعلا فله أجر بذل المال الذي جعله وأجر غزو المجعول له فإنه حصل بسببه وفيه ترغيب للجاعل ورخصه للمجعول له وللعلماء في حل أخذ الجعل على الجهاد خلاف فرخص فيه مالك وأصحاب الرأي ومنعه الشافعي استدلالا بأحاديث في الجهاد (د عن ابن عمرو) بن العاص رمز لحسنه الحديث: 7345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 7346 - (للمائد) أي الذي يلحقه دوران رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة من ماد يمتد إذا دار رأسه (أجر شهيد وللغريق أجر شهيدين) قال المظهر: هذا إن ركبه لنحو طاعة كغزو وحج وطلب علم وكذا التجارة ولا طريق له غيره وقصد طلب القوت لا زيادة ماله (طب عن أم حرام) بنت ملحان بن خالد الأنصارية الحديث: 7346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 7347 - (للمرأة ستران) قيل: وما هما قال: (القبر والزوج) تمامه عند الطبراني قيل: فأيهما أستر وفي رواية أفضل قال: القبر (عد) من حديث هشام بن عمار عن خالد بن يزيد عن أبي روق الهمداني عن الضحاك عن ابن عباس وكذا الطبراني في الصغير (عن ابن عباس) ثم تعقبه أعني مخرجه ابن عدي بأن خالد بن يزيد أحاديثه كلها لا يتابع عليها لا متنا ولا إسنادا. وقال ابن الجوزي: موضوع والمتهم به خالد هذا اه. ورواه الطبراني باللفظ المذكور عن ابن عباس أيضا في معاجيمه الثلاثة قال الهيثمي: وفيه خالد بن يزيد القشيري غير قوي. قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف ويتقوى بما رواه أبو بكر الجعايني في تاريخ الطالبين عن علي للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة وإذا ماتت ستر القبر تسعا ابن عدي في الطيوريات بسنده عن علي بن عبد الله نعم الأختان القبور الحديث: 7347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 7348 - (للمسلم على المسلم ست بالمعروف) صفة بعد صفة لموصوف محذوف يعني للمسلم على المسلم ست خصال متلبسة بالمعروف وهو ما عرف في الشرع والعقل حسنه (يسلم عليه إذا لقيه) أي يقول له السلام عليكم (ويجيبه إذا دعاه) يحتمل يجيبه إذا ناداه بأن يقول ما شأنك أو نحوه ويحتمل يجيبه إذا دعاه لوليمة (ويشمته إذا عطس) بأن يقول له يرحمك الله (ويعوده إذا مرض) ولو يسيرة كصداع خفيف وحمى يسيرة وكذا الرمد على الأرجح ولا يتوقف على مضي ثلاثة أيام على الأصح (ويتبع جنازته إذا مات) أي يصحبه للصلاة عليه والأكمل إلى دفنه (ويحب له ما يحب لنفسه) من الخير (حم ت هـ عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: رجاله ثقات ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 7348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 [ص: 292] 7349 - (للمصلي ثلاث خصال يتناثر البر) بالكسر الخير والبركة والفضل (من عنان السماء) بفتح العين بضبط المصنف والعنان بالفتح السحاب وقيل ما عن لك منها أي اعترض وذلك إذا رفعت رأسك (إلى مفرق رأسه) المفرق كمسجد الطريق في شعر وهذا في مصل أتى بالصلاة بإتمام الشروط والأركان والسنن والخشوع الذي هو روح الصلاة وأما غيره فليته ينجو لا له ولا عليه (وتحف به الملائكة من لدن) ظرف مكان بمعنى عند لكنه لا يستعمل إلا في الحاضر (قدميه إلى عنان السماء ويناديه مناد لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل) أي انعطف عن جهة القلة تاركا الصلاة (محمد بن نصر في) كتاب (الصلاة عن الحسن) البصري (مرسلا) الحديث: 7349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 7350 - (للمملوك طعامه وكسوته) اللام للملك أي طعام المملوك وكسوته بقدر ما تندفع ضرورته مستحق له على سيده ونكتة تقديم الخبر أنه في هذا المقام بصدد تمليك المملوك ما ذكر فقدم ما هو عنده أهم وبه إغناء على الأصل (بالمعروف) أي بلا إسراف ولا تقتير على اللائق بأمثاله. قال ابن حجر: هذا الحديث يقتضي الرد في ذلك إلى العرف فمن زاد على ذلك كان متطوعا فالواجب مطلق المواساة لا المواساة من كل جهة ومن أخذ بالأكمل فعل الأفضل من عدم استئثاره على عياله وإن كان جائزا (ولا يكلف) بالبناء للمجهول (من العمل) نفي بمعنى النهي (إلا ما يطيق) الدوام عليه والمراد أنه لا يكلفه إلا جنس ما يقدر عليه وفيه الحث على الإحسان إلى المماليك والرفق بهم وألحق بهم من في معناهم من أجير ونحوه والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (حم م) في الأيمان والنذور (هق عن أبي هريرة) قال ابن حجر: فيه محمد بن عجلان ورواه عنه أيضا مالك والشافعي ولم يخرجه البخاري عنه الحديث: 7350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 7351 - (للمملوك على سيده ثلاث خصال لا يعجله عن صلاته) أي عن الفرض (ولا يقيمه عن طعامه ويشبعه كل الإشباع) يعني الشبع المحمود (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم وعبد الصمد بن علي ضعيف كذا ذكره في موضع وعزاه في آخر للطبراني في الصغير ثم قال: وإسناده ضعيف الحديث: 7351 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 7352 - (للمؤمن أربعة أعداء مؤمن يحسده ومنافق يبغضه وشيطان يضله وكافر يقاتله) هؤلاء أعداؤه على الحقيقة لأنهم يريدون دينه وذلك أعظم من إرادة زوال نعمته الدنيوية إذ ليس في زوالها هلاكه بل إن زالت وعوض الصبر فاز بثواب الصابرين وإن بقيت عندك وصاحبك الشكر فأنت فائز بثواب الشاكرين فالمؤمن وإن كان يحسدك فإنه يواليك ولا يعاديك فعاد في الله من عاداك ووال من والاك ودار من حسدك وقاتل الشيطان والكفار على عبادة الله واكتساب ما تفوز به في الآخرة (فر عن أبي هريرة) وفيه صخر الحاجبي قال الذهبي في الضعفاء: متهم بالوضع وخالد [ص: 293] الواسطي مجهول وحصين بن عبد الرحمن قال الذهبي: نسي وشاخ وقال النسائي: تغير الحديث: 7352 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 7353 - (للمهاجرين منابر من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة قد أمنوا من الفزع) الأكبر الذي يظهر أن هذا لا يختص بمن هاجر قبل الفتح بل يعم كل من هاجر من ديار الكفر إلى ديار الإسلام إلى يوم القيامة (حب ك) في المناقب (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح فتعقبه الذهبي بأن أحمد بن سليمان بن بلال أحد رواته رواه فالصحة من أين الحديث: 7353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 7354 - (للنار) سبعة أبواب منها (باب لا يدخل منه) يوم القيامة (إلا من شفى غيظه بسخط الله) وذلك لأن الإنسان مبني على سبعة الشرك والشك والغفلة والرغبة والرهبة والشهوة والغضب فهذه أخلاقه فأي خلق من هذه الأخلاق غلب على قلبه نسب إليه دون البقية {إن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ظاهر صنيع الصنف أن الحكيم أسنده على عادة المحدثين وليس كذلك بل قال روي عن ابن عباس فكما أن المصنف لم يصب في عزوه إليه مع كونه لم يسنده لم يصب في عدوله عن عزوه لمن أسنده من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو البيهقي فإنه خرجه باللفظ المزبور من حديث ابن عباس المذكور ثم إن فيه قدامة بن محمد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: خرجه ابن حبان وإسماعيل بن شيبة الطائفي عن ابن جريج قال في اللسان كالميزان: واه وأورد هذا الحديث من جملة ما أنكر عليه وقال العقيلي: أحاديثه عن ابن جريج مناكير غير محفوظة وقال ابن عدي: يروي عن ابن جريج ما لا يرويه غيره. وقال النسائي: منكر الحديث الحديث: 7354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 7355 - (لم تؤتوا بعد كلمة الإخلاص) وهي شهادة أن لا إله إلا الله (مثل العافية) لأنها جامعة لأنواع خير الدارين من الصحة في الدنيا والسلامة في العقبى (فسلوا الله العافية) أي السلامة من الشدائد والبلايا والمكاره الدنيوية والأخروية (هب عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه رمز المصنف لحسنه الحديث: 7355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 7356 - (لم تحل الغنائم لأحد سود الرؤوس من قبلكم كانت تجمع وتنزل نار من السماء فتأكلها) أشار به إلى أن تحليل الغنائم خاص بهذه الأمة (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته الحديث: 7356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 7357 - (لم يبعث الله تعالى نبيا إلا بلغة قومه) ومصداقه في القرآن {وما أرسلنا من رسول إال بلسان قومه} (حم عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن مجاهدا لم يسمع من أبي ذر الحديث: 7357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 7358 - (لم يبق) زاد في رواية أحمد بعدي (من النبوة) اللام للعهد والمراد نبوته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي (إلا المبشرات) بكسر الشين جمع مبشرة يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه سيكون غير المبشرات قالوا: وما المبشرات قال: (الرؤيا الصالحة) الحسنة أو الصحيحة المطابقة للواقع يعني لم يبق من أقسام المبشرات من [ص: 294] النبوة في زمني ولا بعدي إلا قسم الرؤيا الصالحة وهذا قاله في مرض موته لما كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر. قال في المطامح: ذكر لهم ما ذكر من أمر المبشرات لأن انحسام السبل الظاهرة إلى الغيب قد آن بموته أن تذهب فأخبرهم ببقاء الرسل الباطنة الغيبية وهي الرؤيا الواردة عن الله إلى غيب الأسرار وسماها جزءا من النبوة لذلك والتعبير بالمبشرات خرج مخرج الغالب وإلا فمن الرؤيا ما تكون منذرة وغير صادقة يريها الله تعالى للمؤمن لطفا منه به ليستعد لما سيقع قبل وقوعه (خ) في الرؤيا (عن أبي هريرة) وكذا مسلم فيها عن ابن عباس فعزوه ذلك للبخاري وحده موهما أن ذلك مما تفرد به عن صاحبه غير سديد وزاد بعضهم فعزى للبخاري زيادة يراها المسلم أو ترى له ولم أقف عليه فيه الحديث: 7358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 7359 - (لم يتكلم في المهد) قال الحرالي: هو موضع الهدوء والسكون وقال القاضي: مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه (إلا) أربعة أي من بني إسرائيل وإلا فقد تكلم في المهد نحو عشرة منهم إبراهيم الخليل ويحيى ومريم وموسى ومبارك اليمامة قال المؤلف في الخصائص: ونبينا أو أن هذه الأربعة محل وفاق وغيرهم قيل كانوا مميزين أو أنه أعلم أولا بالأربعة ثم أوحى إليه غيرهم فأخبر به فالأول (عيسى) ابن مريم (و) الثاني (شاهد يوسف) وشهد شاهد من أهلها قالوا كان في المهد (و) الثالث (صاحب جريج) أي الراهب وكانت امرأة ترضع ابنا في بني إسرائيل فمر بها رجل راكب فقالت: اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وقال: اللهم لا تجعلني مثله ثم مر بأمة تجر وتضرب فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه قال: اللهم اجعلني مثلها فقالت: لم قال: الراكب جبار والأمة يقولون زنت وسرقت ولم تفعل وسيجيء في هذا كلام آخر (و) الرابع (ابن ماشطة فرعون) لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار قال: لها اصبري وكلام الصبي في مهده يحتمل كونه بلا تعقل كما خلق الله التكلم في الجماد وكونه عن معرفة بأن خلق الله فيهما الإدراك وفيه وجود الكرامات ورد على منكريها (ك) في أخبار الأنبياء (عن أبي هريرة) وقال: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 7359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 7360 - (لم يحسدنا اليهود بشيء ما حسدونا بثلاث) من الخصال وهي (التسليم) أي سلام التحية عند التلاقي وهي تحية أهل الجنة وسلام اليهود الإشارة بالأكف والأصابع (والتأمين) أي قول آمين عقب القراءة في الصلاة وغيرها (واللهم) أي اللهم (ربنا لك الحمد) في الرفع من الركوع في الصلاة فهذه الثلاثة من خصائص هذه الأمة ولما رأى اليهود ذلك اشتد حسدهم لهم على ما خصوا به من الفضائل قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} فذم اليهود على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم وقد ابتلي بعض المنتسبين إلى العلم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح وهو خلق مذموم مطلقا وهو من أخلاق المغضوب عليهم (هق عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن ذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور من حديث ابن عباس الحديث: 7360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 7361 - (لم ير للمتحابين) قال الطيبي: هو من الخطاب العام ومفعوله الأول محذوف أي لم تر أيها السامع ما تزيد به المحبة (مثل النكاح) لفظ ابن ماجه والحاكم مثل التزوج أي إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة كذا ذكره الطيبي وأفصح منه قول بعض الأكابر المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح فهو علاجه [ص: 295] الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا (1) وهذا هو المعنى الذي أشار إليه سبحانه عقب إحلال النساء حرائرهن وإمائهن عند الحاجة بقوله {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} فذكر تخفيفه سبحانه في هذا الموضع وإخباره عن ضعف الإنسان يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة وأنه سبحانه خفف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النساء وبهذا التقدير استبان أن حمل الدميري الخبر على ما إذا قصد خطبة امرأة ورآها وأحبها تسن المبادرة بتزويجها هلهل بالمرة (هـ ك) في النكاح (عن ابن عباس) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي وفيه عند ابن ماجه سعيد بن سليمان قال في الكاشف: أحمد كان يصحف   (1) ففي هذا التوجيه النبوي الشريف قطع للضرر وسبب للخير في آن واحد إذ يحصل التحصين ضد وساوس الشيطان المتربص بالمرصاد لمثل ذلك الوضع وتنتج زيادة المحبة في الزواج الحاصل. دار الحديث] الحديث: 7361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 7362 - (لم يزل أمر بني إسرائيل) ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (معتدلا) أي متساويا منتظما لا اعوجاج فيه ولا خلل يعتريه وفي رواية مستقيما بدل معتدلا (حتى نشأ فيهم المولدين) جمع مولد بالفتح وهو الذي ولد ونشأ بينهم وليس منهم (وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا) أي وكذلك يكون أمر هذه الأمة. قال ابن تيمية: وقد دخل في هذه الأمة أيضا من الآثار الرومية قولا وعملا والآثار الفارسية قولا وعملا ما لا خفاء به على من من الله عليهم بدين الإسلام وما حدث فيه قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما أشبه الليلة بالبارحة هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم وقال ابن مسعود: إنهم أشبه الأمم بنا سمتا وهديا يتبعون عملهم حذو القذة بالقدة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا ومقصود الحديث التحذير من العمل بالرأي بالقول المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين وعلى ذلك درج أكابر الصحابة فمن بعدهم فقد خرج أبو داود قال ابن حجر: بسند حسن عن علي لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه وخرج البيهقي في المدخل عن عمر اتقوا الرأي في دينكم والطبراني عنه اتهموا الرأي عن الدين والحاصل أن المصير إلى الرأي إنما يكون عند فقد النص كما يشير إليه قول الشافعي فيما خرجه البيهقي بسند قال ابن حجر: صحيح إلى أحمد سمعت الشافعي يقول: القياس عند الضرورة ومع ذلك فليس العامل برأيه على ثقة من أنه وقع في المراد من الحكم في نفس الأمر وإنما عليه بذل الوسع في الاجتهاد ليؤجر ولو أخطأ وخرج البيهقي وابن عبد البر عن جمع من أكابر التابعين كالحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي بأسانيد قال ابن حجر: جياد ذم القول بالرأي المجرد ويجمع ذلك كله خبر " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " خرجه الحسن بن سفيان وغيره قال ابن حجر: ورجاله ثقات وصححه النووي في الأربعين وأما هذا الخبر ونحوه فظاهر في أنه أراد من قال بالرأي مع وجود النص من الحديث لإغفاله التنقيب عليه فهذا ملوم وأولى منه باللوم من عرف النص وعمل بمعارضه من الرأي يرده بالتأويل قال ابن عبد البر: واختلف قي الرأي المقصود بالذم فقيل القول في الاعتقاد بمخالفة السنن لأنهم استعملوا آراءهم وأقيستهم في رد الأحاديث حتى طعنوا في التواتر منها وقال الأكثر: الرأي المذموم القول في الأحكام بالاستحسان والتشاغل بالأغلوطات ورد بعض الفروع لبعض دون ردها لأصول السنن وأضاف كثير لذلك من يتشاغل بالإكثار من النوادر قبل وقوعها لما في الاستغراق فيه من التعطيل (هـ طب) وكذا البزار (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عند ابن ماجه سويد بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: منكر الحديث لكنه في المنار بعد عزوه للبزار قال: إنه حديث حسن الحديث: 7362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 7363 - (لم يسلط) بالبناء للمفعول والفاعل الله أي لا يسلط الله (على الدجال) أي على قتله كما جاء مصرحا به هكذا في رواية (إلا عيسى ابن مريم) فإنه ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيقتله ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن [ص: 296] به حتى تكون الملة واحدة وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات فلا تؤذيهم (الطيالسي) أبو داود في مسنده (عن أبي هريرة) وفيه موسى بن مطير قال الذهبي في الضعفاء: قال غير واحد متروك الحديث. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه غير مرضي الحديث: 7363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 7364 - (لم يقبر نبي إلا حيث يموت) ولهذا لم يقبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجرته التي مات فيها بعد ما اختلفت آراء الصحابة في ذلك كثيرا ورواه ابن منيع بلفظ لم يدفن نبي قط إلا حيث يقبض (حم عن أبي بكر) الصديق رمز المصنف لحسنه الحديث: 7364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 7365 - (لم يكذب من نما) بالتخفيف أي بلغ حديثا (بين اثنين ليصلح) بينهما وفي رواية ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نما خيرا قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في هذا ونحوه لكن التعريض أولى وقال ابن العربي: الكذب في هذا وأمثاله جائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب عقليا ما انقلب حلالا قال المنذري: يقال نميت الحديث بتخفيف الميم إذا بلغته على وجه الإصلاح وتشديدها إذا كان على وجه إفساد ذات البين ذكره الجوهري وأبو عبيد وابن قتيبة وغيرهم (د م عن أم كلثوم بنت عقبة) بالقاف ابن معيط وسكت عليه أبو داود وأقره عليه المنذري فهو صالح ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 7365 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 7366 - (لم يكن مؤمن ولا يكون إلى يوم القيامة إلا وله جار يؤذيه) وهذا واقع في كل عصر (أبو سعيد النقاش في معجمه وابن النجار) في تاريخه كلاهما (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 7366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 7367 - (لم يلق ابن آدم شيئا قط منذ خلقه الله أشد عليه من الموت) أي هو أشد الدواهي وأعظم مرارة من جميع ما يكابده الإنسان من الشدائد طول عمره فإن مفارقة الروح للبدن لا تحصل إلا بعد ألم عظيم لهما فإن الروح تعلقت بالبدن وألفته واشتد امتزاجها به فلا يفترقان إلا بجهد وشدة ويتزايد ذلك الألم باستحضار المحتضر أن جسده يصير جيفة قذرة يأكلها الهوام ويبليه التراب وأن الروح المفارقة له لا يدرى أين مستقرها فيجتمع له سكرة الموت مع حسرة الفوت {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} (إن الموت لأهون) على الإنسان (مما بعده) كروعة سؤال منكر ونكير وروعة القيام من القبور ليوم النشور وروعة الصعق وروعة الموقف وقد بلغت القلوب الحناجر وروعة تطاير الصحف وروعة الورود إلى النار تحلة القسم: فلو أنا إذا متنا تركنا. . . لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا. . . ونسأل بعد ذا عن كل شي ثم هذا فيمن لم يستعد قبل حلوله ويوفق للعمل الصالح قبل نزوله أما من كان كذلك وختم له بذلك فما بعده أسهل إن شاء الله كما يدل عليه خبر أحمد والطبراني آخر شدة يلقاها المؤمن الموت. فتأمله فإني لم أر من تعرض له (حم عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون وقال في محل آخر: إسناده جيد الحديث: 7367 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 [ص: 297] 7368 - (لم يمت نبي حتى يؤمه رجل من قومه) قاله لما كشف سترا أو فتح بابا في مرضه فنظر إلى الناس يصلون خلف أبي بكر قال الضياء المقدسي وابن ناصر: ثبت وصح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر مقتديا به في مرض موته ولا ينكر ذلك إلا جاهل وفي مسلم أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك الفجر وكان خرج لحاجته فقدم الناس عبد الرحمن فأدرك المصطفى صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين معهم فلما سلم أتم صلاته وهذا رد لما ذهب إليه عياض من أن من خصائصه أنه لا يجوز لأحد أن يؤمه لأنه لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا غيرها لعذر ولا غيره (ك) في الصلاة (عن المغيرة) بن شعبة وقال: على شرطهما وفيه عبد الله بن أبن أمية قال في الميزان: عن الدارقطني ليس بالقوي اه. ورواه الدارقطني هكذا ثم أعله بفليح بن سليمان قال العراقي: وفليح له غرائب وقال النسائي: ليس بقوي الحديث: 7368 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 7369 - (لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يقطروا) أي لم ينزل إليهم المطر عقوبة بشؤم منعهم للزكاة عن مستحقيها فانتفاعهم بالمطر إنما هو واقع تبعا للبهائم فالبهائم حينئذ خير منهم وهذا وعيد شديد على ترك إخراج الزكاة أعظم به من وعيد (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 7370 - (لما صور الله تعالى آدم) أي طينة (في الجنة تركه ما شاء الله) ما هذه بمعنى المدة (أن يتركه) فيها (فجعل إبليس يطيف به) أي يستدير حوله (ينظر إليه) من جميع جهاته (فلما رآه أجوف) أي صاحب جوف والأجوف هو الذي داخله خال (عرف أنه خلق) أي مخلوق (لا يتمالك) أي لا يملك دفع الوسوسة عنه أو لا يتقوى بعضه ببعض ولا يكون له قوة وثبات بل يكون متزلزل الأمر متغير الحال مضطرب القال معرضا للآفات والتمالك التماسك أو لا يتماسك عن ما يسد جوفه ويجعل فيه أنواع الشهوات الداعية إلى العقوبات فكان الأمر كما ظنه قال التوربشتي: هذا الحديث مشكل جدا فقد ثبت بالكتاب والسنة أن آدم من أجزاء الأرض وأدخل الجنة وهو بشر وقال البيضاوي: الأخبار متظاهرة على أن الله تعالى خلق آدم من تراب قبضه من وجه الأرض وخمره حتى صار طينا ثم تركه حتى صار صلصالا وكان ملقى بين مكة والطائف ببطن عمان لكن لا ينافي تصويره في الجنة لجواز أن تكون طينته لما خمرت في الأرض وتركت فيها مضت عليها الأطوار واستعدت لقبول الصورة الإنسانية حملت إلى الجنة فصورت ونفخ فيها الروح وقوله {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} لا دلالة فيه على أنه أدخلها بعد نفخ الروح إذ المراد بالسكون الاستقرار والتمكن والأمر به لا يجب كونه قبل الحصول في الجنة كيف وقد تظافرت الروايات على أن حواء خلقت من آدم وهو أحد المأمورين به ولعل آدم لما كانت مدته التي هي البدء من العالم السفلي وصورته التي تميز بها عن سائر الحيوان وضاهى بها الملائكة من العالم العلوي أضاف تكون مادته إلى الأرض لأنها نشأت منها وأضاف حصول صورته إلى الجنة لأنها منها وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما رأيته في نسخ هذا الكتاب لكن في صحيح مسلم فعرف أنه خلق خلقا لا يتمالك فلعل اللفظة سقطت من قلم المؤلف والمراد جنس الآدميين (حم م) في الأدب (عن أنس) بن مالك واستدركه الحاكم فوهم ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] وزاد [ص: 298] بعد لا يتمالك ظفرت به الحديث: 7370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 7371 - (لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم) أي يخدشونها (وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) قال الطيبي: لما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات جعلها جزاء من يقع إشعارا بأنهما ليسا من صفة الرجال بل هما من صفة النساء في أقبح حالة وأشوه صورة وقال الغزالي: يحشر الممزق لأعراض الناس كلبا ضاريا والشره لأموالهم ذئبا والمتكبر عليهم بصورة نمر وطالب الرياسة بصورة أسد وردت به الأخبار وشهد به الاعتبار وذلك لأن الصور في هذا العالم غالبة على المعاني وهذا وعيد شديد على الغيبة قال في الأذكار: والغيبة والنميمة محرمتان بإجماع المسلمين (حم د والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: وله شاهد عند أحمد عن ابن عباس الحديث: 7371 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 7372 - (لما نفخ في آدم الروح مارت وطارت) أي دارت وترددت (فصار في رأسه فعطس) عند ذلك (فقال الحمد لله رب العالمين فقال الله تعالى يرحمك الله) يا آدم فأعظم بها من كرامة أكرمه بها قال تعالى {ولقد كرمنا بني آدم} فهذا مما أكرمهم به قال بعضهم: فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه وقد شرف الله هذا الإنسان على جميع المخلوقات فهو صفوة العلم وخلاصته وثمرته وهو الذي سخر له ما في السماوات والأرض جميعا وهو الخليفة الأكبر فإذا طهر الإنسان من نجاسته النفسية وكدوراته الجسمية كان أفضل من الملائكة (حب ك) في التوبة (عن أنس) قال الحاكم: صحيح الحديث: 7372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 7373 - (لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت) زاد في رواية ولا أذن سمعت (ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها) خطاب رضا وإكرام (تكلمي) أي أذنت لك في الكلام (فقالت قد أفلح المؤمنون) وفي رواية لمخرجه الآتي خلق الله جنة عدن بيده ودلى فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نظر إليها فقال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون فقال: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) قال المنذري: رواه فيهما بإسنادين أحدهما جيد. وقال الهيثمي بعد ما عزاه للكبير والأوسط: أحد إسنادي الأوسط جيد اه. وقضيته أن سند الكبير غير جيد فعليه فكان ينبغي للمصنف العزو للأوسط الحديث: 7373 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 7374 - (لما ألقي إبراهيم في النار) التي أعدها له نمروذ ليحرقه فيها (قال اللهم أنت في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك) فرأى نفسه واحدا لله في أرضه وهي مرتبة الإنفراد بالله وذلك أعظم المراتب [ص: 299] وأشرف المناقب وصاحبها لم يزل ناظر إلى فرديته فيه ينطق وبه يعقل وبه يعلم قد جاز مقام الهيبة والأنس إلى مقام الأمانة والإمامة فهو أمان لأهل الأرض إمام في كل محفل وعرض أخرج أبو نعيم في الحلية أنه لما ألقي في النار جأرت عامة الخليقة إلى ربها فقالوا: يا رب خليلك يلقى في النار فأذن لنا أن نطفئ عنه قال: هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره وأنا ربه ليس له رب غيري فإن استغاثكم فأغيثوه وإلا فدعوه فجاء ملك القطر فقال: يا رب خليلك يلقى في النار فأذن لي أن أطفئ النار عنه بالقطر فقال: هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره وأنا ربه ليس له رب غيري فإن استغاثك فأغثه وإلا فدعه فلما ألقي فيها دعا ربه فقال الله عز وجل: يا نار كوني بردا وسلاما عليه فبردت يوما على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج فيها كراع اه. وقيل: عارضه جبريل وهو في الهوى ابتلاء من الله عز وجل فقال: هل من حاجة فقال: أما إليك فلا حسبي من سؤالي علمه بحالي فتولى الله نصرته بنفسه ولم يكله إلى أحد من خلقه (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور الديلمي في مسند الفردوس فلو ضمه المصنف لابن النجار في العزو كان أولى الحديث: 7374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 7375 - (لما ألقي إبراهيم الخليل في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل فما احترق منه إلا موضع الكتاف) (ابن النجار عن أبي هريرة) (1)   (1) لم يوجد هذا الحديث في شرح المتن وتخريج هذا الحديث مثبت للحديث الذي قبله إذ أن تخريج الحديث الذي قبله هو (ع حل عن أبي هريرة) الحديث: 7375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 7376 - (لما كذبتني قريش) في رواية بإسقاط التاء والتكذيب الإخبار عن كون خبر المتكلم غير مطابق للواقع (حين أسري بي) بناه للمفعول لتعظيم الفاعل (إلى بيت المقدس) أي وطلبوا منه أن يصفه لهم (قمت في الحجر) أي حطيم الكعبة (فجلى الله) بالجيم وشد اللام كشف (لي بيت المقدس) أي كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته وفي رواية فسألوني عن أشياء لم أثبتها فكربت كربا لم أكرب مثله قط فرفعه الله لي أنظر إليه (فطفقت) أي شرعت (أخبرهم عن آياته) أي علاماته التي سألوا عنها (وأنا أنظر إليه) الواو للحال وفي رواية لا يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به وفي أخرى فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع في دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه فقد أحضر عرش بلقيس لسليمان في طرفة عين (حم ق ت ن عن جابر) بن عند الله ورواه عنه الترمذي أيضا الحديث: 7376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 7377 - (لما أسلم عمر) بن الخطاب (أتاني جبريل فقال قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر فأصبح عمر فأسلم فأتى جبريل فذكره وفي علل الترمذي عن الحبر رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوبا أبيض فقال: البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا (ك) في فضائل الصحب (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن عبد الله بن خراش أحد رجاله ضعفه الدارقطني وقال في الميزان: قال أبو زرعة: ليس بشيء وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث وقال البخاري: منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر الحديث: 7377 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 7378 - (لمعالجة ملك الموت) الإنسان عند قبض روحه (أشد) عليه أي أكثر ألما (من ألف ضربة بالسيف) هذا عبارة عن كونه أشد الآلام الدنيوية على الإطلاق ومن ثم لما كان فيه من شدة المشقة لم يمت نبي من الأنبياء حتى [ص: 300] يخير كان عيسى إذا ذكر الموت يقطر جلده دما ويقول للحواريين ادع الله لي أن يخفف علي الموت وفي الرعاية للمحاسبي إن الله سبحانه قال لإبراهيم: يا خليلي كيف وجدت الموت قال: كسفود محمى جعل في صوف رطب ثم جذب قال: أما إنا قد هونا عليك وروي أن موسى قال له ربه: كيف وجدت الموت قال: وجدت نفسي كالعصفور الحي حين يلقى على المقلى وفي رواية وجدت نفسي كشاة حية تسلخ بيد القصاب ولما احتضر عمرو بن العاص فقال له ابنه: كنت تقول ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت يصفه لي وأنت ذاك قال: كأني أتنفس من سم إبرة وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي وفي التذكرة عن أبي ميسرة لو أن ألم شعرة من الميت وضع على أهل السماء والأرض لماتوا جميعا فإن قيل يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة ولا قلقا ويرى سهولة خروج روحه فيغلب على الظن سهولة أمر الموت؟ قلنا ألم الموت باطني ولا نعرف ما للميت فيه <تنبيه> ذكر الغزالي في الدرة الفاخرة كلاما طويلا في كيفية قبض ملك الموت للأرواح منه أن ملك الموت يطعن الميت بحربة فتفر الروح ويقبض خارج البدن فيأخذها الملك في يده ترعد أشبه شيء بالزئبق على قدر الجرادة شخصا إنسانيا هكذا قال والعهدة عليه وقال القرطبي: قال علماؤنا مشاهدة ملك الموت وما يدخل على القلب منه من الروع والفزع أمر لا يعبر عنه لعظيم هوله وفظاعة رؤيته ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الذي يتبدى له ويطلع عليه وإنما هي أمثال تضرب وحكايات تروى (تتمة) قال النووي في بستانه: مات الفقيه نجم الدين الكردي فرأيته فقلت له: أحييت فقال: أحييت قلت: قال في الإحياء: الموت أمر عظيم ولم يأتنا أحد بعده يخبرنا عن حقيقته ولا يعرف حقيقته إلا من ذاقه فأخبرنا عنه فقال: وإن كان صعبا لكنه لحظة يسيرة ثم تنقضي (خط) في ترجمة محمد بن منصور الهاشمي (عن أنس) وفيه محمد بن قاسم البلخي قال ابن الجوزي: وضاع وأورد الحديث في الموضوعات وتعقبه المصنف بأن فيه مرسلا جيدا يشهد له الحديث: 7378 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 7379 - (لن) قال الطيبي: لن لتأكيد النفي في المستقبل وتقريره (تخلو الأرض من ثلاثين) رجلا (مثل إبراهيم خليل الرحمن بهم تغاثون وبهم ترزقون وبهم تمطرون) وهؤلاء هم الأبدال كما سبق وفيه رد على من أنكر وجودهم كابن تيمية ومما يؤيد ذلك قول الشافعي في بعض أصحابه كنا نعده من الأبدال وقول البخاري في بعضهم كانوا لا يشكون أنه من الأبدال ولن كلا في نفي المستقبل لكنه أبلغ وهو حرف مقتضب عند سيبويه وقيل أصله لا أن (حب في تاريخه) من حديث محمد بن المسيب عن عبد الله بن مرزوق عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) ثم قال أعني ابن حبان: وابن مرزوق هو الطرسوسي لا البرزوني يضع الحديث لا يحل ذكره إلى للقدح فيه اه. وحكاه عنه في الميزان وأورد له هذا الخبر ثم قال: هذا كذب اه. وبه يعرف اتجاه جزم ابن الجوزي بوضعه ومن ثم وافقه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات من بيان وضعه وما صنعه المؤلف هنا من عزوه لمخرجه ابن حبان وسكوته عما عقبه به غير صواب الحديث: 7379 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 7380 - (لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فيهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا بدل الله مكانه آخر) تمامه عند مخرجه الطبراني قال سعيد: سمعت قتادة يقول لسنا نشك أن الحسن منهم وهؤلاء هم الأبدال المشار إليهم في حرف الباء (طس عن أنس) قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 7380 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 [ص: 301] 7381 - (لن تزال أمتي علي سنني ما لم ينتظروا بفطرهم طلوع النجوم) أي ظهورها للناظر واشتباكها (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه الواقدي وهو ضعيف اه. فرمز المصنف لحسنه لعله لاعتضاده الحديث: 7381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 7382 - (لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار) أي دخولها لما ارتكب من فعل الكبيرة (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7382 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 7383 - (لن تقوم الساعة حتى يسود كل أمة منافقوها) نفاقا عمليا أما الحقيقي فهو وإن كان من الأشراط لم توجد الكلية فيه إلى الآن (طب) وكذا الأوسط (عن ابن مسعود) وفيه حسين بن قيس وهو متروك ذكره الهيثمي وفي الحديث قصة الحديث: 7383 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 7384 - (لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها) أراد بالوسط ما قبل الآخر لأن نزول عيسى لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ويصلي عيسى خلفه كما جاءت به الأخبار وجزم به جمع من الأخيار وقال مقاتل في {وإنه لعلم للساعة} إنه المهدي يكون في آخر الزمان (أبو نعيم في) كتاب (أخبار المهدي) أي الذي جمع فيه الأخبار الواردة فيه (عن ابن عباس) ظاهره أنه ليس في أحد الستة التي هي دواوين الإسلام وإلا لما أبعد النجعة والأمر بخلافه فقد رواه منهم النسائي الحديث: 7384 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 7385 - (لن يبتلى عبد بشيء) من البلايا (أشد من الشرك) بالله تعالى والمراد الكفر وخص الشرك لغلبته حينئذ (ولن يبتلى بشيء بعد الشرك أشد من ذهاب بصره ولن يبتلى عبد بذهاب بصره فيصبر إلا غفر الله له) ذنوبه وظاهره الشمول للصغائر والكبائر ويحتمل التقييد بالصغائر على منوال ما تقدم في نظائره (البزار) في مسنده (عن بريدة) ابن الحصيب قال المنذري والهيثمي: فيه جابر الجعفي وفيه كلام سبق الحديث: 7385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 7386 - (لن يبرح هذا الدين قائما) قال الراغب: برح ثبت في البراح وهو المحل المتسع الظاهر ومنه {لا أبرح} وخص بالإثبات لأن برح وزال اقتضتا معنى النفي ولا للنفي والنفيان يحصل منهما الإثبات (يقاتل عليه) جملة مستأنفة بيانا للجملة الأولى وعداه بعلى لتضمنه معنى يظاهر (عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) يعني أن هذا الدين لم يزل قائما بسبب مقاتلة هذه الطائفة وفيه بشارة بظهور أمر هذه الأمة على سائر الأمم إلى قيام الساعة قال ابن جماعة: ولعله بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي دعاها لأمته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم (م) في الجهاد (عن جابر بن سمرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 7386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 [ص: 302] 7387 - (لن يجمع الله على هذه الأمة) أمة الإجابة (سيفين: سيفا) بدل مما قبله (منهما) أي هذه الأمة في قتال بعضهم لبعض أيام الفتن والملاحم (وسيفا من عدوها) من الكفار والذين يقاتلونهم في الجهاد بمعنى أن السيفين لا يجتمعان فيؤديان إلى استئصالهم ولكن إذا جعلوا بأسهم بينهم سلط عليهم العدو وكف بأسهم عن أنفسهم وقيل معناه محاربتهم إما معهم أو مع الكفار (د عن عوف بن مالك) رمز المصنف لحسنه قال الصدر المناوي: فيه إسماعيل بن عياش وفيه مقال معروف الحديث: 7387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 7388 - (لن يدخل النار رجل شهد بدرا) أي وقعة بدر (والحديبية) أي صلح الحديبية قال ابن حجر: وهذه بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم (حم عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه وقال ابن حجر في الفتح: إسناده على شرط مسلم الحديث: 7388 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 7389 - (لن يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يشرب الخمر فإذا شربها خرق الله عنه ستره وكان الشيطان وليه وسمعه وبصره ورجله يسوقه إلى كل شر ويصرفه عن كل خير) فإنه إذا شربها صار عقله مع الشيطان كالأسير في يد كافر يستعمله في رعاية الخنازير وحمل الصليب وغير ذلك فإذا أدمن شربها صار الشيطان من جنده كما قيل: وكنت امرءا من جند إبليس فارتقى. . . بي الحال حتى صار إبليس من جندي فيصير إبليس من جنده ومن أعوانه وأتباعه وهؤلاء هم الذين غلبت شقوتهم واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة (طب عن قتادة بن عياش) الجرشي وقيل الرهاوي روى عنه ابنه هشام أن المصطفى صلى الله عليه وسلم عقد له لواءا ورواه الحاكم عن ابن عمر وصححه الحديث: 7389 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 7390 - (لن يشبع المؤمن من خير) أي علم وقد جاء تسميته خيرا في عدة أخبار (يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة) أي حتى يموت فيدخل الجنة قال الطيبي: شبه استلذاذه بالمسموع بالتذاذه بالمطعوم لأنه أرغب وأشهى وأكثر اتباعا لتحصيله وحتى للتدريج في استماع الخير والترقي في استلذاذه والعمل به إلى أن يوصله الجنة ويبلغه إياها لأن سماع الخير سبب العمل والعمل سبب دخول الجنة ظاهرا ولما كان قوله يشبع فعلا مضارعا يكون فيه دلالة على الاستمرار تعلق به حتى اه. وقال ابن الملقن: فيه أن من شبع فليس بمؤمن وناهيك به منفرا من القناعة في العلم وسره {وقل رب زدني علما} (ت) في العلم (حب) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري وفيه عند الترمذي دراج عن أبي الهيثم قال أبو داود: حديث دراج مستقيم إلا ما كان عن أبي الهيثم الحديث: 7390 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 7391 - (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم) تمامه كما في الطبراني من حديث المقدام يعني خمس مئة سنة (د ك) في الفتن (عن أبي ثعلبة) الخشني قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه بقية مدلس الحديث: 7391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 [ص: 303] 7392 - (لن يغلب عسر يسرين إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال الحكيم: اليسر الأول هو ما أعطي العبد من الآلة والعلم والمعرفة والقوة فلولا النفس التي تحارب صاحبها تدفع ما يريد إفساده عليه لكان الأمر يتم فإنه قد أعطي يسر ما به يقوم الأمر الذي أمر به لكن جاءت النفس بشهواتها والعدو بكيده فاحتاج إلى يسر آخر فإذا جاء العون انهزمت النفس والشهوة وهرب العدو وبطل كيده فهذا ليس يسر فهما يسران لن يغلبهما هذا العسر الذي بينهما وهو مجاهدة النفس حتى يأتيك اليسر الثاني وهو العون من الله بعطفه عليك كرر ذلك اتباعا للفظ الآية إشارة إلى العسرين في المحلين واحد واليسر الأول غير الثاني لأن النكرة إذا كررت فالثاني غير الأول والمعرفة الثانية عينه قال ابن أبي جمرة: كان علي كرم الله وجهه إذا كان في شدة استبشر وفرح أو في رخاء قلق فقيل له فقال: ما من ترحة إلا وتبعتها فرحة وما من فرحة إلا وتبعتها ترحة فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا (ك) في التفسير (عن الحسن) البصري (مرسلا) قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا يضحك ويقول لن يغلب إلخ قال المصنف: صحيح الإسناد لكن في مراسيل الحسن خلاف فبعضهم صححها وبعضهم قال: هي كالريح لأخذه عن كل أحد وأفاد الزيلعي أن ابن مردويه رفعه إلى جابر في تفسيره برفعه الحديث: 7392 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 7393 - (لن يفلح قوم ولوا) وفي رواية ملكوا (أمرهم امرأة) بالنصب على المفعولية وفي رواية ولي أمرهم امرأة بالرفع على الفاعلية وذلك لنقصها وعجز رأيها ولأن الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية والمرأة عورة لا تصلح لذلك فلا يصح أن تولى الإمامة ولا القضاء قال الطيبي: هذا إخبار بنفي الفلاح عن أهل فارس على سبيل التأكيد وفيه إشعار بأن الفلاح للعرب فتكون معجزة (حم خ) في المغازي والفتن (ت) فيه (ن) في القضاء (عن أبي بكرة) قاله لما بلغه أن فارس أملكوا بوران ابنة كسرى فلذلك امتنع أبو بكرة عن القتال مع عائشة في وقعة الجمل واحتج بهذا الخبر الحديث: 7393 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 7394 - (لن يلج النار) أي نار جهنم (أحد) من أهل القبلة (صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما في مسلم قال الطيبي: لن لتأكيد النفي وتقريره في المستقبل وفيه دليل على أن الورود في {وإن منكم إلا واردها} ليس بمعنى الدخول وهذا أبلغ من لو قيل يدخل الجنة وخص الصلاتين لأن وقت الصبح وقت لذة الكرى فالقيام أشق على النفس منه في غيره والعصر وقت قوة الاشتغال بالتجارة فما يتلهى عن ذلك إلا من كمل دينه ولأن الوقتين مشهودان تشهدهما ملائكة الليل والنهار وترفع فيهما الأعمال فإذا حافظ عليهما مع ما فيهما من التثاقل والتشاغل فمحافظته على غيرهما أشد وما عسى أن يقع منه تفريط فبالحرى أن يقع مكفرا فلن يلج النار (حم م د ن) كلهم في الصلاة (عن عمارة) بضم أوله والتخفيف (ابن أويبة) كذا هو في خط المصنف بالهمزة والظاهر أنه سبق قلم وإنما هو رويبة براء مهملة أوله وموحدة مصغرا كذا رأيته بخط الحافظ بن حجر في الإصابة وهو الثقفي الكوفي ولم يخرجه البخاري وما ذكره المصنف أن هؤلاء خرجوه عن عمارة عن النبي صلى الله عليه وسلم غير صواب بل عمارة رواه عن أبيه رويبة يرفعه الحديث: 7394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 7395 - (لن يلج) وفي رواية لن ينال (الدرجات العلى من تكهن) أي تعاطى الكهانة وهي الإخبار عن الكائنات وادعاء معرفة الأسرار وكان في العرب منهم كثير (أو استقسم) أي طلب القسم الذي قسم له وقدر بما لم يقسم وما لم يقدر [ص: 304] كان أحدهم إذا أراد أمرا كسفر ضرب بالأزلام فإذا خرج أمر في مضى مضى وإلا ترك (أو رجع من سفر تطيرا) كان أحدهم إذا أراد سفرا نفر الطير فإذا ذهب ذات اليمين سافر وإلا رجع قال في الفتح: كان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي تبعا للمنذري: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله ثقات وقال في الفتح: رجاله ثقات لكني أظن أن فيه انقطاعا لكن له شاهد عن عمران بن حصين خرجه البزار في أثناء حديث بسند جيد الحديث: 7395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 7396 - (لن ينفع حذر من قدر) أي لا يجدي إذ لا مفر من قضائه تعالى فهو واقع على كل حال والحذر بالتحريك الاستعداد والتأهب للشيء والقدر بالتحريك أيضا القضاء الذي يقدره الله تعالى (ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء عباد الله) أي الزموه يا عباد الله وزاد أحمد في روايته وإنه ليلقى القضاء المبرم فيعتلجان إلى يوم القيامة (حم ع طب) من رواية إسماعيل بن عياش عن شهر بن حوشب (عن معاذ) بن جبير قال الهيثمي: وشهر لم يسمع من معاذ ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 7396 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 7397 - (لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم) أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم ويتركون تلافيها فيظهر عذره تعالى في عقوبتهم فيستوجبون العقوبة قال البيضاوي: يقال أعذر فلان إذا كثرت ذنوبه فكأنه سلب عذره بكثرة اقتراف الذنوب أو من أعذر أي صار ذا عذر والمراد حتى يذنبون فيعذرون أنفسهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا <تنبيه> أورد في المناهج هذا الحديث في الغادر وجعله بغين معجمة ودال مهملة من الغدر والظاهر أنه تصحف عليه وإلا فالذي في كلام الجلة يعذروا بمهملة فمعجمة (حم د) في الملاحم (عن رجل) من الصحابة وسكت عليه أبو داود ورمز المصنف لحسنه وفيه أبو البحتري وقد ضعفوه الحديث: 7397 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 7398 - (لو) أي ثبت أن لأن لولا تدخل إلا على فعل (أن الدنيا كلها بحذافيرها) أي جوانبها أو أعاليها واحدها حذفار وحذفور (بيد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكانت الحمد لله أفضل من ذلك كله) قال الحكيم: معناه أنه لو أعطي الدنيا ثم أعطي على إثرها هذه الكلمة حتى نطق بها لكانت هذه الكلمة أفضل من الدنيا كلها لأن الدنيا فانية والكلمة باقية (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الحكيم وغيره الحديث: 7398 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 7399 - (لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم وهو الغفور الرحيم) لأن ما سبق في علمه كائن لا محالة وقد سبق في علمه أنه يغفر للعصاة فلو فرض عدم وجود عاص خلق من يعصيه فيغفر له وليس هذا تحريضا للناس على الذنوب بل تسلية للصحابة وإزالة الخوف من صدورهم لغلبة الخوف عليهم حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للتعبد [ص: 305] وبعضهم اعتزل الناس ذكره القاضي. وقال التوربشتي: لم يرد بهذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذنوب وقلة احتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهم أهل العزة بل مورده البيان لعفو الله عن المذنبين وحسن التجاوز عنهم ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار والمعنى المراد من الحديث أنه تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب أن يتجاوز عن المسيء وقد دل عليه غير واحد من أسمائه كالغفار الحليم التواب العفو لم يكن ليجعل للعباد بابا واحدا كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل خلق فيهم طينة ميالة إلى الهوى مفتتنا بما يقتضيه ثم كلفه التوقي عنه وحذره عن مداراته وعرفه التوبة بعد الابتلاء فإن وفى فأجره على الله وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه وأراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء بقوم يأتي منهم الذنب فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة فإن الغفار يستدعي مغفورا كما أن الرزاق يستدعي مرزوقا وقال الطيبي: في الحديث رد لمن ينكر صدور الذنب عن العباد ويعده نقصا فيهم مطلقا وأنه تعالى لم يرد من العباد صدوره كالمعتزلة فنظروا إلى ظاهره وأنه مفسدة صرفة ولم يقفوا على سره أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله عز ذكره {إن الله يحب التوابين} وفي الحديث " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار " وفيه " لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن " وسره إظهار صفة الكرم والحلم والغفران ولو لم يوجد لا نثلم طرف من صفات الألوهية والإنسان إنما هو خليفة الله في أرضه يتجلى له بصفات الجلال والإكرام والقهر واللطف قال السبكي: وفيه أن النطق بلولا يكره على الإطلاق بل في شيء مخصوص وعليه ورد خبر " إياك واللو " وذلك أنه من فاته أمر دنيوي فلا يشغل نفسه بالتلهف عليه لما فيه من الاعتراض على المقادير (ك عن ابن عمرو) بن العاص الحديث: 7399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 7400 - (لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته) أي صببته (على صخرة لأخرج الله منها ولدا وليخلقن الله تعالى نفسا هو خالقها) قاله حين سئل عن العزل وأشار بذلك إلى أن الأولى ترك العزل لأنه إن كان خشية حصول الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر به فيحصل العلوق ولا راد لقضاء الله والفرار من حصول الولد يكون لأسباب منها خوف علوق الزوجة الأمة لئلا يرق الولد أو خوف حصول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه أو ضررا من كثرة العيال إذا كان مقلا وكل ذلك لا يغني شيئا وليس في جميع صور العزل ما يكون العزل فيه راجي بل فيه معارضة للقضاء والقدر ذكره ابن حجر (حم والضياء) المقدسي في المختارة وكذا البزار (عن أنس) قال: سأل رجل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن العزل فذكره قال الهيثمي: إسناده حسن ورواه أيضا ابن حبان وصححه الحديث: 7400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 7401 - (لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت) لأن الله تعالى ضمنه له فقال: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ثم لم يكف بالضمان حتى أقسم فقال: {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنتم تنطقون} ثم لم يكتف حتى أمر بالتوكل وأبلغ وأنذر فقال: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} فإن لم يطمئن بضمانه ولم يقنع بقسمه ولم يبال بأمره ووعده ووعيده فهو من الهالكين وقال الحسن: لعن الله أقواما أقسم لهم ربهم فلم يصدقوه وقال هرم بن حيان لابن أدهم: أين تأمرني أن أقيم قال بيده: [ص: 306] إلى الشام قال: وكيف المعيشة فيها قال: أف لهذه القلوب لقد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة (حل) من حديث المسبب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن الثوري عن ابن المنكدر (عن جابر) ثم قال: تفرد به عن الثوري يوسف بن أسباط اه. والمسيب ابن واضح قد سبق أن الدارقطني ضعفه ويوسف بن أسباط وقد مر تضعيفه ورواه البيهقي وأبو الشيخ [ابن حبان] والعسكري الحديث: 7401 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 7402 - (لو أن أحدكم يعمل) لفظ رواية الحاكم لو أن رجلا عمل عملا (في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة يخرج) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (عمله للناس كائنا ما كان) عبر بيعمل المفيد للتجدد والحدوث إشارة إلى أن هتك العاصي لا يكون إلا بعد تكرر ستره ويوضح ذلك ما رواه الترمذي عن جبير بن نصر أن ستور الله على المؤمنين أكثر من أن تحصى وإنه ليعمل الذنوب فيهتك عنه ستوره سترا سترا حتى لا يبقى عليه منها شيء فيقول الله للملائكة: استروا عليه من الناس فتحف يه الملائكة بأجنحتها يسترونه فإن تاب رد الله عليه ستوره وإن تتابع في الذنوب قالت الملائكة: ربنا غلبنا فاعذرنا فيقول الله: خلوا عنه فلو عمل ذنبا في قعر بيت مظلم في ليلة مظلمة في جحر لبدا (حم ع حب ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: إسناد أحمد وأبو يعلى حسن الحديث: 7402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 7403 - (لو أن أحدكم) قال الطيبي: لو هذه يجوز كونها شرطية وجزاؤها قال: وكونها للتمني (إذا نزل منزلا قال أعوذ بكلمات الله) أي كلمات علم الله وحكمته (التامة) السالمة من النقص والعيب وصفت به لنفع المعوذ بها فهي صفة مادحة كقوله {هو الله الخالق) ويحتمل كون المراد بالكلمات التامات الصفات السبع أو الثمان القديمة وهي الحياة والعلم إلخ وهي المعبر عنها بمفاتيح الغيب فعليه تكون الصفة موضحة (من شر ما خلق لم يضره في ذلك المنزل شيء) الشيء عند أهل السنة الموجود ويدخل فيه الموجودات كلها (حتى يرتحل منه) قال بعض الكاملين: تخصيصه بالزمن المعين لأن المراد بالضرر المنفي ما يكون جسمانيا وأعظم ما فيه الموت فلو لم يختص بالزمن دخل فيه الأمور الكلية التي لا دخل للدعاء فيها فلا بد من التخصيص ليبقى على جزئيته فيفيد الدعاء والظاهر حصول ذلك لكل داع بقلب حاضر وتوجه تام فلا يختص بمجاب الدعوة (هـ عن خولة بنت حكيم) الأنصارية السلمية رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا مسلم بلفظ " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " وبلفظ " إذا نزل أحدكم منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه " الحديث: 7403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 7404 - (لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي) يجامع فالإتيان كناية عنه (أهله) حليلته (قال) حين إرادته الجماع لا حين شروعه فيه فإنه لا يشرع حينئذ كما نبه عليه الحافظ ابن حجر (بسم الله اللهم) أي يا الله (جنبنا الشيطان) أي أبعده عنا (وجنب الشيطان ما رزقتنا) من الأولاد أو أعم والحمل عليه أتم لئلا يذهب الوهم في أن الإنس منهم لا يسن له الإتيان به إذ العلة ليست حدوث الولد فحسب بل هو وإبعاد الشيطان حتى لا يشاركه في جماعه فقد ورد أنه يلتف على إحليله إذا لم يسم والأهل والولد من رزق الله ويجوز كون إذا ظرفا لقال وقال خبر لأن وكونها شرطية وجزاؤها قال والجملة خبر إن (فإنه إن قضى) [ص: 307] بالبناء للمفعول أي قدر (بينهما) أي بين الأحد والأهل وفي رواية بينهم بالجمع نظر إلى معناه في الأصل (ولد) ذكرا أو أنثى جواب لو الشرطية ويمكن كونها للتمني (من ذلك) أي من ذلك الإتيان (لم يضره) بضم الراء على الأفصح وتفتح (الشيطان) بإضلاله وإغوائه ببركة التسمية (أبدا) فلا يكون للشيطان سلطان في بدنه ودينه ولا يلزم عليه عصمة الولد من الذنب لأن المراد من نفي الأضرار كونه مصونا من إغوائه بالنسبة للولد الحاصل بلا تسمية أو لمشاركة أبيه في جماع أمه والمراد لم يضره الشيطان في أصل التوحيد وفيه بشارة عظمى أن المولود الذي يسمى عليه عند الجماع الذي قضى بسببه يموت على التوحيد وفيه أن الرزق لا يختص بالغذاء والقوت بل كل فائدة أنعم الله بها على عبد رزق الله فالولد رزق وكذا العلم والعمل به (حم ق 4 عن ابن عباس) الحديث: 7404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 7405 - (لو أن أمرا اطلع) بتشديد الطاء (عليك) أي إلى بيتك الذي أنت أو حرمك فيه (بغير إذن) منك له فيه احترازا عمن اطلع بإذن (فحذفته) بحاء مهملة عند جمع أو بمعجمة عند آخرين قال الرافعي: وهو الأشهر أي رميته (بحصاة) أو نحوها (ففقأت عينه) بقاف فهمزة ساكنة أي شققتها أو أطفأت ضوءها (لم يكن عليك جناح) أي حرج بدليل رواية مسلم " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه " فيه رد على من حمل الجناح على الإثم ورتب عليه وجوب الدية كالحنفية أو القود كالمالكية ووجه الدلالة أن إثبات الحل يمنع ثبوت القود والدية وعند النسائي وأحمد " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فلا دية ولا قصاص " وهذا صريح في ذلك ولهذا قال القرطبي: الإنصاف خلاف ما قاله مالك إذ لم يثبت إجماع وللمسألة شروط وفروع محلها كتب الفقه (حم ق عن أبي هريرة) رضي الله عنه ورواه النسائي في الديات عن سهل الحديث: 7405 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 7406 - (لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك ولأذهبت ضوء الشمس والقمر) قال في الفردوس: أشرف على الشيء وأشاف وأشفى إذا اطلع عليه من فوق وفي رواية ذكرها ابن الأثير بدل لملأت لأفعمت ما بين السماء والأرض من ريح المسك أي ملأت اه. وفيه إشارة إلى وصف بعض نساء الجنة من الضياء والريح الطيب واللباس الفاخر والأحاديث في هذا المعنى كثيرة أفردت بالتأليف (طب والضياء) وكذا البزاز (عن سعيد بن عامر) اللخمي أو الجمحي شهد خيبر وكان زاهدا صالحا ولى حمص لعمر وقال المنذري: إسناده حسن في المتابعات قال الهيثمي: وفيهما الحسن بن عنبسة الوراق لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم ضعف الحديث: 7406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 7407 - (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن) أي في سفكه ظلما (لكبهم الله عز وجل على وجوههم) كما في رواية الطبراني (في النار) نار جهنم وفي رواية للطبراني بدل لكبهم لعذبهم الله بلا عدد ولا حساب. قال الطيبي: لو للمضي وأن أهل السماء فاعل والتقدير لو ثبت اشتراك أهل السماء والأرض إلخ وكبهم بغير همز هو ما في أكثر الروايات قال التوربشتي: وهو الصواب وفي رواية بهمز قال: قال الجوهري وهو من النوادر وقال الزمخشري: لا يكون بناء فعل مطاوعا بفعل بل همزة أكب للصيرورة أو للدخول فمعناه دخل في الكب (ت) في الديات (عن أبي سعيد) [ص: 308] الخدري (وأبي هريرة معا) وقال: غريب اه. وتبعه البغوي فجزم بغرابته وفيه يزيد الرقاشي وقد سبق تضعيفه وسببه كما في المعجم للطبراني عن أبي سعيد أن قتل قتيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فخطب فقال: ألا تعلمون من قتله قالوا: اللهم لا فقال: والذي نفس محمد بيده لو أن أهل السماء إلخ الحديث: 7407 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 7408 - (لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض يعدل بكاء آدم ما عدله) بل ينقص عنه كثيرا وكيف لا يكثر البكاء وقد خرج من جوار الرحمن إلى محاربة الشيطان وهذه مزجرة بليغة وموعظة كافية كأنه قيل انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم حبيب الله زلته نعى على نفسه طول حياته ودهره فلا تتهاونوا بما فرط منكم من السيئات والصغائر فضلا عن أن تجسروا على التورط في الكبائر ذكر نحوه الزمخشري (ابن عساكر) في تاريخه (عن بريدة) الأسلمي ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي قال الهيثمي: ورجال الطبراني ثقات اه. فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير جيد الحديث: 7408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 7409 - (لو أن حجرا مثل سبع خلفات) جمع خلقة بفتح الخاء وبكسر اللام الحامل من الابل زاد أبو يعلى في روايته وأولادهن (ألقى من شفير جهنم) قال الحرالي: من الجهامة وهي كراهة المنظر (هوى فيها سبعين خريفا لا يبلغ قعرها) فيا من الكلمة تقلقه والبعوضة تسهره والبرغوث يؤرقه تقوى على إلقائك فيها (هناد) في الزهد (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور ولعل المصنف لم يرده حيث أبعد النجعة إلى هنا. قال الهيثمي: وفيه يزيد الرقاشي ضعيف وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 7409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 7410 - (لو أن دلوا من غساق) بالتخفيف والتشديد ما يغسق من صديد أهل النار يقال غسقت العين إذا سال دمعها وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده هكذا في الكشاف وفي الأساس هو ما يسيل من جلودهم أسود من غسقت وعين غاسقة إذا أظلمت ودمعت (يهراق في الدنيا) أي يصب فيها (لأنتن أهل الدنيا) أنتن الشيء تغير أو صار ذا نتن فنصب أهل غير صواب إنما الصواب رفعه كذا ذكره التوربشتي قال الغزالي: فهذا ثوابهم إذا استغاثوا من العطش فيسقى أحدهم {من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسبغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} (ت) في صفة جهنم وقال: إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد وفيه ضعف (ك) في الأهوال (حب) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 7410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 7411 - (لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله تعالى لحقره يوم القيامة) لما يرى وينكشف له عيانا من عظيم نواله وباهر عظائه وظاهر هذا أن الرضاء من جملة المقامات التي يتوصل إليها بالاكتساب وهو ما عليه صوفية خراسان لكن جعله العراقيون من الأحوال الوهيبة لا الكسبية وجمع بأن بدايته كسبية ونهايته وهيبة (حم طب تخ عن) أبي الوليد (عتبة بن عبد) السلمي صحابي شهير أول مشاهده قريظة قال المنذري: رواة الطبراني ثقات إلا بقية وقال الهيثمي: إسناد أحمد جيد وفي سند الطبراني بقية مدلس لكنه صرح بالتحديث وبقية رجاله وثقوا اه. ومن ثم اتجه رمز المصنف لحسنه الحديث: 7411 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 [ص: 309] 7412 - (لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله كان الذاكر لله أفضل) هذا صريح في تفضيل الذكر على الصدقة بالمال بأنواعها وعليه جمع كثيرون لكن ذهب آخرون إلى خلافه تمسكا بأدلة أخرى (طس عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: رجاله وثقوا اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن صحح بعضهم وقفه الحديث: 7412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 7413 - (لو أن شررة من شرر جهنم بالمشرق لوجد حرها من بالمغرب) لشدته وحدته وهذا مسوق للتحذير منها والتحرز عما يقرب إليها يعني انظر أيها العبد مع ضعفك وقلة حيلتك وعدم احتمالك لحر الشمس ولطمة شرطي وقرصة نملة كيف تحتمل نار جهنم وضرب مقامع الزبانية ولسع حيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال خلقت من النار في دار الغضب والبوار نفوذ بالله من سخطه وعذابه (ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) ورواه الطبراني في الأوسط باللفظ المزبور عن أنس المذكور ولعل المصنف لم يستحضره حيث عدل لابن مردويه. قال الهيثمي: وفيه تمام بن نجيح ضعيف وبقية رجاله أحسن حالا من تمام الحديث: 7413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 7414 - (لو أن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا) نبت حجازي أفضله المكي دواء شريف مأمون الفائلة قريب من الاعتدال يسهل الأخلاط المحترقة ويقوي القلب وهذه خاصية شريفة ومنافعه كثيرة (حم ت هـ ك) كلهم في الطب (عن أسماء بنت عميس) قال الترمذي: غريب وقال الذهبي: صحيح الحديث: 7414 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 7415 - (لو أن عبدين تحابا في الله واحد في المشرق وآخر في المغرب يجمع الله بينهما يوم القيامة يقول هذا الذي كنت تحبه في) وفيه فضل الأخوة في الله تعالى (هب عن أبي هريرة) وفيه حكيم بن نافع قال الذهبي: قال الأزدي: متروك الحديث: 7415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 7416 - (لو أن قطرة من الزقوم) شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم والريح ويكره أهل النار على تناولها (قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن تكون طعامه) قال: حين قرأ {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} قال أبو الدرداء: يلقى عليهم الجوع حتى يعدل ما بهم من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة وعذاب أليم والقصد بهذا الحديث وما أشبهه التنبيه على أن أدوية القلوب استحضار أحوال الآخرة وأحوال أهل الشقاء وديارهم فإن النفس مشفولة بالتفكر في لذائذ الدنيا وقضاء الشهوات وما من أحد إلا وله في كل حالة ونفس من أنفاسه شهوة سلطت عليه واستزقته فصار عقله مسخرا لشهوته فهو مشغول بتدبير حيلته وصارت لذته في طلب الحيلة أو مباشرة قضاء الشهوة فعلاج ذلك أن تقول لقلبك ما أشد غباوتك في الاحتراز من الفكر في الموت وما بعده من أهوال الموقف ثم عذاب جهنم وطعام أهلها وشرابهم فيها يورد على فكرة مثل هذا الحديث ويقول كيف تصبر على مقاساته إذا وقع وأنت عاجز عن الصبر على أدنى آلام الدنيا (حم ت ن هـ حب ك عن [ص: 310] ابن عباس) قال الترمذي: حسن صحيح وقال جدي في أماليه: هذا حديث صحيح وقع لنا عاليا ورواه عنه أيضا الطيالسي وغيره الحديث: 7416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 7417 - (لو أن مقعما من حديد) أي سوطا رأسه معوج وحقيقته ما يقمع به أي يكف بعنف (وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان) الإنس والجن سميا به لثقلهما على الأرض أو لرزانة قدرهم ورأيهم أو لغير ذلك (ما أقلوه من الأرض) لم يقل ما رفعوه لأنهم استقلوا قواهم لرفعه (ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد كما يضرب أهل النار لتفتت وعاد غبارا) فانظر يا مسكين إلى هذه الأحوال والأهوال واعلم أن الله خلق النار بأهوالها وخلق لها أهلا لا يزيدون ولا ينقصون فكيف يلذ عيش العاقل وهو لا يدري من أي الفريقين هو (حم ع ك) في الأهوال (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى وفيه ضعفاء قد وثقوا الحديث: 7417 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 7418 - (لو أنكم تكونون على كل حال على الحالة التي أنتم عليها عندي) إشارة إلى أن الدوام على الحالة الآتية عزيز وأن عدم دوام العبد على تلك الحالة لا يوجب معتبة لما طبع عليه البشر من الغفلة (لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم) قال في البحر: معناه لو أنكم في معاشكم وأحوالكم كحالتكم عندي لأظلتكم الملائكة لأن حال كونكم عندي حال مواجيد وكان الذي يجدونه معه خلاف المعهود إذا رأوا الأموال والأولاد ومعه ترون سلطان الحق وتشاهدونه وترق أنفسكم. قال أنس: ما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا والذي زال عنهم هو سلطان النبوة القاهر لكل عدو ألا ترى إلى قصة الرجل الذي باع أبا جهل إبلا فمطله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعط هذا حقه فأرعد وأجاب وهو عدوه الأكبر فهذا من سلطان النبوة وقهر الحق للأعداء ولم تصافحهم الملائكة عنده لأنها لم تكن حالتهم لكنها حالة الحق ولو كان ما يجدونه حالهم لكانت حالة ثابتة لهم ولكانت موهبة الله والله لا يرجع في هبته ولا يسلب كرامته إلا بالتقصير في واجباته (ولو لم يذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم) فيتوب عليهم وينيلهم جنته وإنما يخلي الله بين المؤمن والذنب ليبلغه هذه الدرجة ولو لم يخل بينه وبينه وسعى العبد في محاب الله كلها وتجنب مساخطه كلها ربما وجد نفسه قائمة بوظائف الله وساعية في طاعة ويرى لسانه ذاكرا فأعجبته نفسه واستكثر فعله واستحسن عمله فيكون قد انصرف عن الله إلى نفسه العاجزة الحقيرة الضعيفة القوة الدنية الصفة الأمارة بالسوء اللوامة التي هي معدن الآفات ومحل الهلكات (حم ت عن أبي هريرة) قال: قلنا يا رسول الله إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد فذكره الحديث: 7418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 7419 - (لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على الحال الذي تكونون عليها) عندي من الحضور وذكر الجنة والنار (لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة) أي مصافحة معاينة وإلا فالملائكة يصافحون أهل الذكر ساعة فساعة فاتنفت مصافحتكم لانتفاء الحالة الحاصلة عنده وذلك لأن حالتهم عنده فرق وخشية من الله كما تقرر والخوف [ص: 311] سبب لولوج نور اليقين في القلب وذا سبب لموت الشهوة ورفع الحجب وحينئذ يشاهد الأرواح الطاهرة المطهرة عيانا لارتفاع الموانع ذكره بعض الكاملين وقال البوني: سر ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مجمع الأنوار فإذا كان في مجلسه يتلقى كل منهم من أنواره ما في قوته فكأنهم في الغيبة والحضور يشاهدون ذلك على العيان لاجتماع المقامات والأطوار النورانية في وقت واحد فإذا رجعوا إلى مواطن أجسامهم ومراكز حسهم نقص ذلك وهو بالحقيقة لم ينقص بل أخذ كل منهم ما رجع به إلى عالمه لكن لما كان الحسن أغلب في الرجعة إلى الأهل كان الحكم غالبا في الظاهر لا الباطن ألا ترى أنهم إذا حضروا ثانيا تذكروا ما بطن عنهم بزيادة الفهم عن الله (ع) وكذا البزار (عن أنس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير غسان بن مرو وهو ثقة وفي الحديث قصة طويلة وهذا رواه مسلم بلفظ والذي نفسي بيده لو لم تدومون على ما تكونون عندي لمصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم الحديث: 7419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 7420 - (لو أنكم توكلون على الله حق توكله) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله تعالى ثم تسعون في الطلب على الوجه الجميل والتوكل إظهار العجز والاعتماد على المتوكل عليه (لرزقكم كما ترزق) بمثناة فوقية مضمومة أوله بضبط المصنف (الطير) زاد في رواية في جو السماء (تغدو خماصا) أي ضامرة البطون من الجوع جمع خميص أي جائع (وتروح) أي ترجع آخر النهار (بطانا) أي ممتلئة البطون جمع بطين أي شبعان أي تفدو بكرة وهي جياع وتروح عشاءا وهي ممتلئة الأجواف أرشد بها إلى ترك الأسباب الدنيوية والاشتغال بالأعمال الأخروية ثقة بالله وبكفايته فإن احتج من غلب عليه الشغف بالأسباب بأن طيران الطائر سبب في رزقه فجوابه أن الهواء لا حب فيه يلقط ولا جهة تقصد ألا ترى أنه ينزل في مواضع شتى لا شيء فيها فلا عقل له يدرك به فدل على أن طيرانه في الهواء ليس من باب طلب الرزق بل هو من باب حركة يد المرتعش لا حكم لها فيتردد في الهواء حتى يؤتى برزقه أو يؤتى به إلى رزقه هذا الذي يتعين حمل طيران الطائر عليه أعني أنه لا حكم له في الرزق ولا ينسب إليه لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سماه متوكلا مع طيرانه ولذلك مثل به والمكلف العاقل أولى بالتوكل منه سيما من دخل إلى باب الاشتغال بأفضل الأعمال بعد الإيمان وهو طلب العلم كذا قرره ابن الحاج وهو أوجه من قول البعض الحديث مسوق للتنبيه على أن الكسب ليس برازق بل الرازق هو الله تعالى لا للمنع عن الكسب {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} وقال الحرالي: الطير اسم جمع من معنى ما فيه الطيران وهو الخفة من ثقل ما ليس من شأنه أن يعلو في الهواء مثل بالطير لأن الأركان المجتمعة في الأبدان طوائر تطير إلى أوكارها ومراكزها فأخبر بأن الرزق في التوكل على الله لا بالحيل ولا العلاج قال الداراني: كل الأحوال لها وجه وقفا إلا التوكل فإنه وجه بلا قفا يعني هو إقبال على الله من كل الوجوه وثقة به وفيه أن المؤمن ينبغي أن لا يقصد لرزقه جهة معينة إذ ليس للطائر جهة معينة ومراتب الناس فيه مختلفة وما أحسن ما قال شيخ الإسلام الصابوني: توكل على الرحمن في كل حاجة. . . أردت فإن الله يقضي ويقدر متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده. . . يصبه وما للعبد ما يتخير وقد يهلك الإنسان من رجه أمنه. . . وينجو بإذن الله من حيث يحذر (حم ت هـ) في الزهد (ك) في الرقائق (عن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه النسائي عنه أيضا الحديث: 7420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 7421 - (لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود) كلهم وفي رواية لم يبق يهودي إلا أسلم والمراد عشرة مخصوصة [ص: 312] ممن ذكر في سورة المائدة وإلا فقد آمن به أكثر والمعنى لو آمن بي في الزمن الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أو حال قدومه أو المراد من رؤسائهم وأحبارهم وفيه إشارة إلى أن اليهود أتباع ومقلدون قال السهيلي: ولم يسلم من أحبار اليهود إلا اثنان ابن سلام وابن صوريا وتعقبه ابن حجر بأنه لم ير لابن صوريا إسلاما من طرق صحيحة <تنبيه> اليهود أصله اليهوديون حذفت منه ياء النسبة واشتقاقه من اليهود وهو التوبة أو الميل أو الرجوع من شيء إلى ضده يقال هاد إذا تاب أو مال أو رجع من خير إلى شر وعكسه قال تعالى {إنا هدنا إليك} أي تبنا أو ملنا أو رجعنا فسموا به لأنهم تابوا عن عبادة العجل أو مالوا من الحق إلى الباطل ورجعوا من الخير إلى الشر وخلطوا في اعتقادهم (خ عن أبي هريرة) وقضية اقتصار المصنف على البخاري أنه مما تفرد به عن صاحبه والأمر بخلافه فقد خرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ لو تابعني عشرة من اليهود لا يبقى على وجه الأرض يهودي إلا أسلم الحديث: 7421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 7422 - (لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم) لأن نار الندم تحرق جميع الخطايا ونور الخشية يمحق عن القلب ظلمة السيئة ولا طاقة لظلام الخطايا بنور الحسنات كما لا طاقة لكدر الوسخ ببياض الصابون (هـ عن أبي هريرة) قال المنذري: إسناده جيد وقال الحافظ العراقي: إسناده حسن وتبعه المصف فرمز لحسنه ورواه أحمد وأبو يعلى عن أنس يرفعه وزاد في رواية في أوله القسم فقال: والذي نفس محمد بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم لغفر لكم قال الهيثمي: رجاله ثقات اه الحديث: 7422 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 7423 - (لو أذن الله تعالى لأهل الجنة في التجارة لاتجروا في البز) بالفتح وزاي معجمة نوع من الثياب أو الثياب من أمتعة البيت وأمتعة التاجر (والعطر) أي الطيب قال ابن الجوزي: فيه أن ذلك أفضل ما يتجر فيه (طب) كذا في أكثر النسخ الذي رأيته في كلام بعض الحفاظ عازيا للطبراني إنما هو في الصغير لا الكبير فليحرر (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن أيوب السكوني الحمصي قال العقيلي: لا يتابع على هذا الحديث وليس له إسناد يصح وليس بمحفوظ وقال ابن الجوزي: فيه العطاف بن خالد قال ابن حبان: يروي عنه الثقات ما ليس من حديثهم وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن السكوني عن العطاف عن نافع عن ابن عمر وقال: لا يجوز أن يحتج به الحديث: 7423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 7424 - (لو أعلم لك فيه خيرا لعلمتك ولكن ادع بما شئت بجد واجتهاد وأنت موثق بالإجابة لأن أفضل الدعاء ما خرج من القلب بجد واجتهاد فذلك الذي يسمع ويستجاب وإن قل) وخلافه مذموم مردود فكيف بمن يزخرف أسجاعا يدعو بها ويتفاصح على ربه ويتشبه بحال أهل الله ويتصلف ويتكلف من أهل زماننا (الحكيم) الترمذي (عن معاذ) بن جبل الحديث: 7424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 7425 - (اغتسلتم من المذي) بفتح فسكون مخففا أو بفتح فكسر فتشديد ماء أبيض رقيق لزج يخرج من نحو ملاعبة [ص: 313] أو تذكرة وقاع أو إرادته (لكان أشد عليكم من الحيض) لأن أغلب منه وأكثر ففي عدم وجوب الغسل منه تخفيف وأي تخفيف واستفيد منه أن الغسل لا يجب به وهو إجماع الأمر بالوضوء منه في البخاري كالآمر بالوضوء من البول ولم يصب من زعم أن الوضوء يجب بمجرد خروجه والصواب أنه من نواقض الوضوء كالبول وغيره وجاء في البخاري الأمر بغسل الذكر منه والمراد به عند الشافعية المتعدي وما انتشر منه وأخذ بظاهره الحنابلة والمالكية فأوجبوا استيعابه بالغسل (العسكري في) كتاب (الصحابة) من طريق همام عن قتادة (عن حسان بن عبد الرحمن الضبعي) بضم المعجمة وسكون الموحدة وعين مهملة نسبة إلى ضبعة قبيلة من قيس نزلوا البصرة (مرسلا) قال في الإصابة: قال البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان حديث مرسل الحديث: 7425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 7426 - (لو أفلت أحد من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي) قال الحكيم: إنما لم يفلت منها أحد لأن المؤمن أشرق نور الإيمان بصدره لكنه باشر الشهوات وهي من الأرض والأرض مطيعة وخلق الآدمي وأخذ عليه الميثاق في العبودية فيما نقض من وفائها صارت الأرض عليه واجدة فإذا وجدته ببطنها ضمته ضمة فتدركه الرحمة وعلى قدر مجيئها يخلص فإن كان محسنا فإن رحمة الله قريب من المحسنين وقيل هي ضمة اشتياق لا ضمة سخط وظاهر الحديث أن الضمة لا ينجو منها أحد لكن استثنى الحكيم الأنبياء والأولياء فمال إلى أنهم لا يضمون ولا يسألون وأقول استثناؤه الأنبياء ظاهر وأما الأولياء فلا يكاد يصح ألا ترى إلى جلالة مقام سعد بن معاذ وقد ضم (طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال: دفن صبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 7426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 7427 - (لو أقسمت لبررت لا يدخل الجنة) أي لا يدخلها أحد من الأمم (قبل سابق أمتي) أي سابقهم إلى الخيرات فالسابق إلى الخير منهم يدخل الجنة قبل السابق إلى الخيرات من سائر الأمم وقيل أراد سابق أمته الصديق فهو أول من يدخل الجنة بعده والأرجح الأول فبهذه الأمة فتح العبودية يوم الميثاق وبها تختم يوم تصرم الدنيا وبها يفتح باب الرحمة فيدخلون داره السابق فالسابق على قدر رعاية الحقوق ووفاء العهود وظاهر صنيع المصنف إن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي وغيره إلا بضعة عشر رجلا منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط اثنا عشر وموسى وعيسى ابن مريم اه بحروفه (طب عق عن عبد الله بن عبد) بغير إضافة (الثمالي) بضم المثلثة وفتح الميم وكسر اللام نسبة إلى ثمالة بطن من الأزد قال الهيثمي: وفيه بقية وهو ثقة لكن يدلس وقد مر الحديث: 7427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 7428 - (لو أقسمت لبررت أن أحب عباد الله إلى الله) أي من أحبهم إليه (لرعاة الشمس والقمر) يعني المؤذنين وأصل الرعاة حفاظ الماشية وقد قيل للحاكم والأمير راع لقيامهما بتدبير الناس وسياستهم فلما كان المؤذنون يراعون طلوع الفجر والشمس وزوالها عن كبد السماء وبلوغ ظل الشيء مثله والغروب ومغيب الشفق سموا رعاة لذلك (وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم) بفتح الهمزة وقيل بكسرها وقد مر ذلك مبسوطا (خط) في ترجمة أبي بكر المطرز (عن أنس) وفيه الوليد بن مروان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول وجنادة بن مروان ضعفه أبو حاتم واتهمه بحديث والحارث بن النعمان قال البخاري: منكر الحديث وهذا الحديث رواه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ [ص: 314] المزبور عن أنس المذكور وضعفه المنذري الحديث: 7428 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 7429 - (لو أهدى إلي كراع) كغراب ما دون الركبة إلى الساق من نحو شاة أو بقرة (لقبلت) ولم أرده على المهدي وإن كان حقيرا جبرا لخاطره (ولو دعيت إليه) أي لو دعاني إنسان إلى ضيافة كراع غنم (لأجبت) لأن القصد من قبول الهدية وإجابة الدعوى تأليف الداعي وإحكام التحابب وبالرد يحدث النفور والعداوة ولا أحتقر قلته والكراع أيضا موضع بين الحرمين قال الطيبي: فيحتمل أن المراد بالثاني الموضع فيكون مبالغة لإجابة الدعوى اه. وقال غيره: كان عليه السلام ناظرا إلى الله معرضا عما سواه يرى جميع الأشياء به والعطاء والمنع منه والمعنى لو أهدي إلي ذراع لقبلت لأنه من الله إذ هو على بساطه ليس معه غيره وقوله لو دعيت عليه لأجبته معناه أنه يناجيه فلا يسمع غيره داعيا فقبوله منه تعالى وإجابته إياه لأنه معه لا يسمعه غيره قال ابن حجر: وأغرب في الإحياء فذكر الحديث بلفظ كراع الغنم ولا أصل لهذه الزيادة وفيه حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وحسن تواضعه وجبره للقلوب بإجابة الداعي وإن قل الطعام المدعو إليه جدا والحث على المواصلة والتحابب (حم ت حب عن أنس) ورواه البخاري عن أبي هريرة في مواضع النكاح وغيره بلفظ لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت الحديث: 7429 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 7430 - (لو بغى جبل علي جبل) أي تعدى عليه وسلك سبيل العتو والفساد معه (لدك الباغي منهما) أي انهدم واضمحل وقد نظم ذلك بعضهم فقال: يا صاحب البغي إن البغي مصرعة. . . فاعدل فخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يوما على جبل. . . لاندك منه أعاليه وأسفله (ابن لال) في مكارم الأخلاق (عن أبي هريرة) وظاهره أن المصنف لم يره مخرجا لأشهر منه ولا أمثل وهو ذهول عجيب فقد خرجه البخاري في الأدب المفرد باللفظ المذكور عن ابن عباس وكذا البيهقي في الشعب وابن حبان وابن المبارك وابن مردويه وغيرهم فاقتصاره على ابن لال من ضيق العطن الحديث: 7430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 7431 - (لو بنى مسجدي هذا إلى صنعاء) بلدة باليمن مشهورة (كان مسجدي) (الزبير بن بكار في) كتاب (أخبار المدينة) النبوية (عن أبي هريرة) ظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المذكور وكذا الطيالسي الحديث: 7431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 7432 - (لو ترك أحد لأحد لترك ابن المقعدين) لهما (هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال: كان بمكة مقعدان لهما ابن شاب فكان إذا أصبح نقلهما فأتى بهما المسجد فكان يكتسب عليهما يومه فإذا كان المساء احتملهما ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقيل مات فذكره قال الذهبي في المهذب: فيه عبد الله بن جعفر بن نجيح قال المدني: واه اه. ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه قال الهيثمي: وفيه عبد البر بن جعفر بن نجيح وهو متروك وفي الميزان متفق على ضعفه وساق أخبارا هذا منها الحديث: 7432 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 7433 - (لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم بنو آدم) منه (ما أكلتم منها لحما سمينا) لأن بذكره تنقص النعمة وتكدر صفوة اللذة وذلك مهزل لا محالة. في هذه الحكمة الوجيزة أتم تنبيه وأبلغ موعظة للقلوب الغافلة والنفوس اللاهية [ص: 315] بحطام الدنيا والعقول المتحيرة في أودية الشهوات عن هازم اللذات ثم غاب عن ذوي العقول كيف لهوا عن شأن الموت حتى ثملوا بالطعام وعبلت أجسادهم من الشبع من الحرام والبهائم التي لا عقول لها لو قدر شعورها بالموت وسكرته وقطعه عن كل محسوس لمنعها من الهناء من الطعام والشراب بحيث لا تسمن فما بال العقلاء أولي النهى والأحلام مع علمهم بقهر الموت وحسرة الفوت لا يدري بماذا يسر ولا إلى أين ينقلب فالموت طالب لا ينجو منه هارب فهناك تجلى حقيقة من أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه <تنبيه> لهذا الحديث قصة وهي ما خرجه السهيلي والحاكم بإسناد فيه ضعفاء إلى أبي سعيد الخدري مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني فقال صيد قوم وربطه قوم ثم أخذ عليها فحلفت فحلها فلم تمكث إلا قليلا حتى رجعت وقد نفضت ضرعها فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء صاحبها فاستوهبها منه فوهبها له يعني فأطلقها ثم قال: لو يعلم البهائم إلخ (هب) وكذا القضاعي (عن أم صبية) بضم الصاد وفتح الموحدة وتشديد المثناة بضبط المصنف وتقدم لذلك ابن رسلان وابن حجر وهي الجهينة والصحابية واسمها خولة بنت قيس على الأصح وفيه عبد الله بن سلمة بن أسلم ضعفه الدارقطني ورواه الديلمي عن أبي سعيد الحديث: 7433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 7434 - (لو تعلم المرأة حق زوجها) لفظ رواية الطبراني ما حق الزوج (لم تقعد) أي تقف (ما حضر غداؤه وعشاؤه) أي مدة دوام حضوره (حتى يفرغ منه) لما له عليها من الحقوق وإذا كان هذا في حق نعمة الزوج وهي في الحقيقة من الله تعالى فكيف بمن ترك شكر نعمة الله (طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: وفيه عبيدة بن سليمان الأغر لم أعرف لأبيه من معاذ سماعا وبقية رجاله ثقات الحديث: 7434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 7435 - (لو تعلمون قدر رحمة الله لاتكلتم عليها) زاد أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي في روايتيهما وما علمتم إلى قليلا ولو تعلمون قدر غضب الله لظننتم أن لا تنجوا اه. قال حجة الإسلام: حدث عن سعة رحمة الله ولا حرج ومن ذا الذي يعرف غايتها أو يحسن وصفها فإنه الذي يهب كفر سبعين سنة بإيمان ساعة ألا ترى إلى سحرة فرعون الذين جاؤوا لحربه وحلفوا بعزة عدوه كيف قبلهم حين آمنوا ووهب لهم جميع ما سلف ثم جعلهم رؤوس الشهداء في الجنة؟ فهذا مع من وحده ساعة بعد كل ذلك الكفر والضلال والفساد فكيف حال من أفنى في توحيده عمره؟ أما ترى أن أصحاب الكهف وما كانوا عليه من الكفر طول أعمارهم إلى أن قالوا: {ربنا رب السماوات والأرض} كيف قبلهم وكرمهم وأعظم لهم الحرمة وألبسهم المهابة والخشية حيث يقول: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا} بل كيف أكرم كلبا تبعهم حتى ذكره في كتابه مرات ثم جعله معهم في الجنة هذا فضله مع كلب خطا خطوات مع قوم عرفوه ووحدوه أياما من غير عبادة فكيف مع عبده المؤمن الذي خدمه ووحده وعبده سبعين سنة؟ (البزار) في مسنده (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 7435 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 7436 - (لو تعلمون ما أعلم) أي من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وأهوال القيامة وأحوالها ما علمته لما ضحكتم أصلا المعبر عنه بقوله (لضحكتم قليلا) إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق لأن لو حرف امتناع لامتناع وقيل معناه لو تعلمون ما أعلم مما أعد في الجنة من النعيم وما حفت به من الحجب لسهل عليكم ما كلفتم به ثم إذا تأملتم ما وراء ذلك [ص: 316] من الأمور الخطرات وانكشاف المعظمات يوم العرض على فاطر السماوات لاشتد خوفكم (ولبكيتم كثيرا) فالمعنى مع البكاء لامتناع علمكم بالذي أعلم وقدم الضحك لكونه من المسرة وفيه من أنواع البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر قيل الخطاب إن كان للكفار فليس لهم ما يوجب ضحكا أصلا أو للمؤمنين فعاقبتهم الجنة وإن دخلوا النار فما يوجب البكاء فالجواب أن الخطاب المؤمن لكن خرج الخبر في مقام ترجيح الخوف على الرجاء (حم ق ت ن هـ عن أنس) قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سممعت بمثلها قط ثم ذكره وجاء في رواية أن تلك كانت خطبة الكسوف الحديث: 7436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 7437 - (لو تعلمون ما أعلم) أي لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه متواصل بخلاف غيره (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا (ولبكيتم كثيرا) لغلبة الحزن واستيلاء الخوف واستحكام الوجل (ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب) تمامه عند الحاكم ولما نمتم على الفرش ولهجرتم النساء ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون وتبكون ولوددت أن الله خلقني شجرة تعضد اه. وما أدري لأي معنى اقتصر المصنف على بعضه وحكى ابن بطال عن المهلب أن سبب الحديث ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء وأطال في تقريره يلا طائل ومن أين له أن المخاطب به الأنصار دون غيرهم والقصة كانت قبل موت المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث امتلأت المدينة بأهل مكة والوفود وقد أطنب ابن المنير في الرد والتشنيع عليه وفيه ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع بالترخيص لما في ذكر الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة والطبيب الحاذق يقابل العلة بضدها لا بما يزيدها (ك) في الأهوال من حديث يوسف بن خباب عن مجاهد (عن أبي ذر) وقال الحاكم: على شرطهما وتعقبه الذهبي قلت: بل هو منقطع ثم يوسف رافضي اه. ورواه عنه أيضا ابن عساكر بالزيادة المذكورة الحديث: 7437 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 7438 - (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولخرجتم إلى الصعدات) بضمتين جمع صعيد كطريق وزنا ومعنى (تجأرون) ترفعون أصواتكم بالاستغاثة (لا تدرون تنجون أو لا تنجون) بين به أنه ينبغي كون خوف المرء أكثر من رجائه سيما عند غلبة المعاصي واشتهارها ولهذا كان ابن أبي ميسرة إذا أوى إلى فراشه يقول: ليت أمي لم تلدني فتقول له أمه: إن الله أحسن إليك هداك إلى الإسلام فيقول: أجل لكنه بين الله لنا أنا واردوا جهنم ولم يبين أن صادرون وقال فرقد السنجي: دخل بيت المقدس خمس مئة عذراء لابسين الصوف والمسوح فذكرن ثواب الله وعقابه فمتن جميعا في يوم واحد وفيه زجر عن كثرة الضحك وحث على كثرة البكاء والتحقيق بما سيصير المرء إليه من الموت والفناء. <فائدة> أخرج الطبراني عن الفرزدق قال: لقيت أبا هريرة بالشام فقال: أنت الفرزدق قلت: نعم قال: أنت الشاعر قلت: نعم قال: أما إنك إن بقيت لقيت قوما يقولون لا توبة لك فإياك أن تقطع رجاءك من رحمة الله (طب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني عن طريق ابنة أبي الدرداء عن أبيها ولم أعرفها وبقية أصحابه رجال الصحيح الحديث: 7438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 7439 - (لو تعلمون ما أعلم) من الأحوال والأهوال مما يؤول إليه حالكم (لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا) حث [ص: 317] وتحريض على البكاء وترك الضحك فإن البكاء ثمرة حياة القلب (يظهر النفاق وترتفع الأمانة وتقبض الرحمة ويتهم الأمين ويؤتمن غير الأمين أناخ بكم الشرف) بالفاء وقيل بالقاف (الجون الفتن كأمثال الليل المظلم) شبه الفتن في اتصالها وامتداد أوقاتها بالنوق المسنمة السود كذا روي بسكون الواو وهو جمع قليل في جمع فاعل وروي الشرق بالقاف يعني الفتن التي تأتي من جهة المشرق والجود من الألوان يقع على الأسود والأبيض والمراد هنا الأسود بقرينة التشبيه بالليل (ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 7439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 7440 - (لو تعلمون ما ادخر لكم ما حزنتم على ما زوي عنكم) تمامه عند مخرجه أحمد ولتفتحن عليكم فارس والروم اه. وذلك لأنه تعالى خلق الخلق لبقاء لا فناء معه وعز لا ذل معه وأمن لا خوف معه وغناء لا فقر معه ولذة لا ألم معها وكمال لا نقص فيه وامتحنه في هذه الدار ببقاء يسرع إليه الفناء وعز يقارنه ذل وأمن معه خوف وغنى ولذة وفرحة ونعيم مشوب بضده وهو سريع الزوال فغلظ أكثر الناس في هذا المقام إذ طلبوا البقاء وما معه في غير محله ففاتهم في محله وأكثرهم لمن يظفر بما طلبه والظافر إنما ظفر بمتاع قليل زواله قريب فكيف يحزن العاقل على الفائت منه (حم عن العرباض) بن سارية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا في الصفة وعلينا الحوتكية ويقول لنا ذلك. قال الهيثمي: ورجاله وثقوا اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 7440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 7441 - (لو تعلمون ما لكم عند الله من الخير) يا أهل الصفة (لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة) قاله لأهل الصفة لما رأى خصاصتهم وفقرهم قال بعض العارفين: ينبغي للعاقل أن يحمد الله على ما زوى عنه من الدنيا كما يحمده على ما أعطاه وأين يقع ما أعطاه والحساب يأتي عليه إلى ما عافاه ولم يبتله به فيشغل قلبه ويتعب جوارحه ويكثر همه وفي الحديث وما قبله وبعده إشعار بأن إفشاء سر الربوبية قبيح إذ لو جاز إفشاء كل سر لذكر لهم ما ادخر لهم ولذكرهم حتى يبكون ولا يضحكون وفيه تفضيل الفقر على الغنى قالوا: بشر الفقراء الصابرين بما لم يبشر به الأغنياء المؤمنين وكفى به فضلا (ت عن فضالة بن عبيد) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس خر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة أي الجوع وهم أصحاب الصفة حتى يقول الأعراب هؤلاء مجانين فإذا صلى انصرف إليهم فقال: لو تعلمون إلخ. قال الترمذي: حسن صحيح الحديث: 7441 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 7442 - (لو تعلمون من الدنيا ما أعلم لاستراحت أنفسكم منها) فإن الرسل إنما بعثوا بالدعوة إلى النعيم المقيم والملك الكبير والإعلام بحقارة الدنيا وسرعة زوالها فمن أجابهم إلى ما دعوا إليه استراحت نفسه بالزهد فيها فكان عيشه فيها أطيب من عيش الملوك إذ الزهد فيها ملك حاضر والشيطان يحسد المؤمن عليه أعظم حسد فيحرص كل الحرص على أن لا يصل إليه (هب عن عروة) بن الزبير (مرسلا) وفيه موسى بن عبيدة أي الربذي قال الذهبي: ضعفوه وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه وعبد الله بن عبيدة وثقه قوم وضعفه آخرون الحديث: 7442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 7443 - (لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا) لأن الأصل في سؤال الخلق كونه ممنوعا وإنما أبيح [ص: 318] للحاجة فإن السؤال للمخلوق ذل للسائل وهو ظلم من العبد لنفسه وفيه إيذاء المسؤول وهو من جنس ظلم العباد وفيه خضوع العبد لغير الله وهو من جنس الشرك ففيه أجناس الظلم الثلاثة الظلم المتعلق بحق الله وظلم العباد وظلم العبد نفسه ومن له أدنى بصيرة لا يقدم على مجامع الظلم وأصوله بغير الاضطرار (د عن عائذ بن عمرو) المزني بايع تحت الشجرة كان صالحا تأخر موته رمز المصنف لحسنه الحديث: 7443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 7444 - (لو تعلمون ما في الصف الأول) وهو الذي يلي الإمام أي ما ادخر لأهله من الثواب الجزيل (ما كانت إلا قرعة) أي لتنازعتم في التقدم إليه والاستثار به حتى تقترعوا ويتقدم إليه من خرجت له القرعة لما فيه من الفضائل كالسبق لدخول المسجد والقرب من الإمام واستماع قراءته والتعلم منه والفتح عليه والتبليغ عنه والصف المقدم يتناول الصف الثاني بالنسبة للثالث فإنه يتقدم عليه والثالث بالنسبة للرابع وهلم جرا (م هـ عن أبي هريرة) الحديث: 7444 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 7445 - (لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت) من الأهوال والشدائد (ما أكلتم طعاما على شهوة أبدا ولا شربتم شرابا على شهوة أبدا ولا دخلتم بيتا تستظلون به) لأن العبد إما محاسب فهو معاقب وإما معاتب والعتاب أشد من ضرب الرقاب فإذا نظر العاقل إلى تقصيره في حق ربه الذي رادف عليه إنعامه في كل طرفة عين وأنه مع ذلك يستره ويسامحه ذاب كما يذوب الملح وفي بعض الكتب القديمة قال داود: يا رب أخبرني ما أدنى نعمتك علي قال: تنفس فتنفس فقال: هذا أدناها وعبد الله عابد خمسين عاما فأوحى إليه قد غفرت لك قال: يا رب أنا لم أذنب فأمر الله عرقا فضرب عليه فلم يصم ولم يصل فسكن فنام فأوحى الله إليه أعبادتك الخمسين سنة تعدل سكون العرق وفي أبي داود عن الحبر مرفوعا إن الله لو عذب أهل سماواته لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم (ولمررتم على الصعدات) جمع صعدة بضمتين وهو جمع صعيد وهو وجه الأرض وقيل التراب ولا معنى له هنا والمراد لخرجتم من منازلكم إلى الصحراء (تلدمون) تضربون (صدوركم) حيرة وإشفاقا وشأن المحزون أن يضيق به المنزل فيطلب الفضاء الخالي يشكون بثهم ودهشة لبهم (وتبكون على أنفسكم) خوفا من عظيم سطوة الله وشدة انتقامه {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} ولهذا ما طعن عمر وقرب موته كان رأسه على فخذ ابنه فقال: ضعه على الأرض فقال: ما عليك إن كان على فخذي أو على الأرض فقال: ضعه ويلي إن لم يرحمني فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ما هذا الخوف قد فتح الله بك الفتوح ومصر بك الأمصار وفعل وفعل قال: وددت أن أنجو لا علي ولا لي وقال أحمد بن حنبل: منعني الخوف من الطعام والشراب فلا أشتهيه (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) الحديث: 7445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 7446 - (لو جاء العسر فدخل هذا الحجر) بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة والجحر بيت الضب واليربوع والحية (لجاء اليسر فدخل عليه فأخرجه) قال الله تعالى: {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} ولن يغلب عسر يسرين وفي شعب الإيمان أن أبا عبيدة حصر فكتب إليه عمر مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين (ك عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا البيهقي باللفظ المذكور الحديث: 7446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 [ص: 319] 7447 - (لو خشع قلب هذا) الرجل الذي يصلي وهو يعبث في صلاته أي أخبت واطمأن ومنه الخشعة للرملة المتطامنة والخشوع اللين والانقياد ومنه خشعت بقولها إذا لينته ذكره الزمخشري (خشعت جوارحه) لأن الرعية بحكم الراعي وقد جعل الله بين الأجساد والأرواح رابطة ربانية وعلاقة روحانية فلكل منهما ارتباط بصاحبه وتعلق به يتأثر بتأثره فإذا خشع القلب أثر ذلك في الجوارح فخشعت وصفت الروح وزكت النفس وإذا أخلص القلب بالطاعة استعمل الجوارح في مصالحه قال الحرالي: والخشوع سكون القلب وهدوء الجوارح وبه يحصل حسن السمت والتودد في الأمور واستخلاف الله عبده في مال الدنيا وجاهها اه. وقال بعضهم: الخشوع إعلام القلب أن العبد واقف بين يدي الرب فيسكن الباطن وعند ذلك من ملاحظة الأغيار والظاهر عن غير ما أمر به من الأفعال والأذكار <تنبيه> هذا الحديث يفيد عدم اشتراط الخشوع لصحة الصلاة لأنه لم يأمره بالإعادة بل نبه على أن التلبس به من مكملات الصلاة فيكون مندوبا وقد حكى النووي الإجماع على عدم وجوبه لكن في شرح التقريب أن فيه نظرا إذ في كلام غير واحد ما يقتضي وجوبه (الحكيم) الترمذي في النوادر عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمر عن ابن عجلان عن المقبري (عن أبي هريرة) قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فذكره قال الزين العراقي في شرح الترمذي: وسليمان بن عمر وهو أبو داود النخعي متفق على ضعفه وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب وقال في المغني: سنده ضعيف والمعروف أنه من قول سعيد ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه وفيه رجل لم يسم وقال ولده: فيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه وقال الزيلعي: قال ابن عدي: أجمعوا على أنه يضع الحديث الحديث: 7447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 7448 - (لو خفتم الله حق خيفته لعلمتم العلم الذي لا جهل معه) لأن من نظر إلى صفات الجلال تلاشى عنده الخوف من غيره بكل حال وأشرق نور اليقين على فؤاده فتجلت له العلوم وانكشف له السر المكتوم {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} قال الشاذلي: نمت ليلة في سياحتي فأطافت بي السباع إلى الصبح فما وجدت أنسا كتلك الليلة فأصبحت فخطر لي أنه حصل لي من مقام الأنس بالله فهبطت واديا فيه طيور حجل فأحست بي فطارت فخفق قلبي رعبا فنوديت يا من كان البارحة يأنس بالسباع ما لك وجلت من خفقان الحجل لكنك البارحة كنت بنا واليوم بنفسك اه. وفي تاريخ ابن عساكر عن الرقي أنه قصد أبا الخير الأقطع مسلما فصلى المغرب ولم يقرأ الفاتحة مستويا فقال في نفسه ضاع سفري فلما سلم خرج فقصده سبع فخرج الأقطع خلفه وصاح على الأسد ألم أقل لك لا تتعرض لأضيافي فتنحى ثم قال: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد واسشتغلنا بتقوى القلب فخافنا الأسد ومن هذا القبيل ما حكى أن سفينة مرت في البحر فأرسوا على جزيرة فوجدوا فيها أمة سوداء تصلي ولا تحسن قراءة الفاتحة على وجهها وتخلط فيها ولا تحسن الركوع والسجود ولا عدد الركعات فقالوا لها: ما هو كذا افعلي كذا وكذا ثم سارت السفينة عنها بعيدا فإذا هم بها تجري على وجه الماء وتقول: قفوا علموني فإني نسيت فبكوا وقالوا: ارجعي وافعلي ما كنت تفعلين (ولو عرفتم الله حق معرفته) قال الحكيم: حق المعرفة أن يعرفه بصفاته العليا وبأسمائه الحسنى معرفة يستنير قلبه بها فلو عرفتموه كذلك (لزالت لدعائكم) وفي رواية بدعائكم بالموحدة (الجبال) لكنكم وإن عرفتموه لم تعرفوه حق معرفته فلم تنظروا إلى صنعه وحكمه وتدبيره فلم تكونوا من أهل هذه المرتبة ومن عرفه حق معرفته ماتت منه شهوة الدنيا والشبح بها وحب الرئاسة والثناء والحمد من الناس وزالت الحجب عن قلبه فأبصر ربه بعين قلبه ولبه ولم يخدعه غرور ولا خيال فزالت لدعائه الجبال فعلماء الظاهر عرفوا الله لكن لم ينالوا حق [ص: 320] المعرفة فلذلك عجزوا عن هذه المرتبة ومنعوا أن يكون لهم هذا بل ودونه بل ودونه كالمشي على الماء والطيران في الهواء وطئ الأرض لأحد ولو عرفوه حق المعرفة لماتت منهم شهوات الدنيا وحب الرئاسة والجاه والشح على الدنيا والتنافس في أحوالها وطلب العز وحب الثناء والمحمدة ترى أحدهم مصغيا لما يقول الناس له وفيه وعينه شاخصة إلى ما ينظر الناس إليه منه وقد عميت عيناه عن النظر إلى صنع الله وتدبيره فإنه تعالى كل يوم هو في شأن (الحكيم) الترمذي (عن معاذ بن جبل) الحديث: 7448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 7449 - (لو دعا لك إسرافيل وجبريل وميكائيل وحملة العرش وأنا فيهم ما تزوجت إلا المرأة التي كتبت لك) أي قدر في الأزل أن تتزوجها وهذا قاله لمن قال: يا رسول الله ادع الله أن أتزوج فلانة (ابن عساكر) في تاريخه (عن محمد) السعدي الحديث: 7449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 7450 - (لو دعا بهذا الدعاء على شيء بين المشرق والمغرب في ساعة من يوم الجمعة لاستجيب لصاحبه) والدعاء المذكور هو (لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام) ويعقبه بذكر حاجته (خط عن جابر) بن عبد الله الحديث: 7450 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 7451 - (لو رأيت الأجل ومسيره أبغضت الأمل وغروره) زاد ابن لال والديلمي في روايتيهما وما من أهل بيت إلا وملك الموت يتعاهدهم في كل يوم فمن وجده قد انقضى أجله قبض روحه وإذا بكى أهله وجزعوا قال: لم تبكون ولم تجزعون؟ فوالله ما نقصت له عمرا ولا حبست له رزقا ما لي من ذنب وإن لي فيكم لعودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحدا اه بحروفه. وإنما كان الأمل غرارا لأنه يبعث على التكاسل والتواني في الطاعة والتسويف بالتوبة فيقول سوف أعمل سوف أتوب وفي الأيام سعة والتوبة بين يدي وأنا قادر عليها متى رمتها وربما اغتاله الحمام على الإصرار فاختطفه الأجل قبل إصلاح العمل (هب عن أنس) بن مالك ثم قال البيهقي: قال أبو بكر يعني ابن خزيمة: لم أكتب عن هذا الرجل يعني أحمد بن يحيى المعدل غير هذا الحديث الحديث: 7451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 7452 - (لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه) قاله لامرأة رميت بالزنا وظهرت الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها وأبهمها سترا عليها فأفاد أن الحد (1) لا يثبت بالاستفاضة (2) وإن قويت الريبة وشاعت الفاحشة وقامت القرائن (ق عن ابن عباس)   (1) في الأصل: " الحل " ولا يناسب المعنى فلعله من خطأ النساخ وذكرنا الأصل هنا لأمانة النقل (2) [وإنما يثبت بما نص عليه الشرع من الشهود. والأمر كذلك في جميع الأمور فليتنبه من يستبيح لنفسه أعراض المسلمين لا سيما علماءهم وحكامهم فيفسقهم ويكفرهم من غير بينة يقبلها الشرع ويتذرع أن تهمتهم قد استفاضت. دار الحديث] الحديث: 7452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 7453 - (لو عاش إبراهيم) بن المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رزقه من مارية القبطية (لكان صديقا نبيا) قال ابن عبد البر: لا أدري ما هذا ولد نوح غير نبي ولو لم يلد النبي الأنبياء كان كل أحد نبيا لأنهم من ولد نوح اه. واغتر به النووي في [ص: 321] تهذيبه فقال: قول بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم كان نبيا باطل وجسارة على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم اه. وقد تعقبه الحافظ ابن حجر بأنه عجب منه مع وروده عن ثلاثة صحابيين فكأنه لم يظهر له وجه تأويل فأنكره وجوابه أن القضية الشرطية لا يلزم منها الوقوع ولا يظن بالصحابي الهجوم على مثل هذا بالظن (الباوردي عن أنس) بن مالك (ابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله (وعن ابن عباس وعن ابن أبي أوفى) وقضية كلام المصنف أن هذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما عدل إلى هذين وهو عجب فقد رواه ابن ماجه بزيادة ولفظه لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا ولو عاش لأعتقت أخواله القبط وما استرق قبطي اه بحروفه. ورواه أحمد باللفظ الأول قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح الحديث: 7453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 7454 - (لو عاش إبراهيم ما رق له خال) أي لأعتقت أخواله القبطيين جميعا إكراما له (ابن سعد) في طبقاته (عن مكحول مرسلا) الحديث: 7454 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 7455 - (لو عاش إبراهيم لوضعت) ببنائه للفاعل أو المفعول (الجزية عن كل قبطي) بكسر القاف نسبة إلى القبط وهم نصارى مصر (قط ابن سعد) في الطبقات (عن) ابن شهاب (الزهري) بضم الزاي وسكون الهاء نسبة إلى زهرة بن مرة بن كعب بن لؤي (مرسلا) الحديث: 7455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 7456 - (لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم) بنحو ضرب وعسف وتحميل فوق طاقة (لغفر لكم كثيرا) أي شيء عظيم من الإثم وفيه التحذير من إيذاء البهائم وعدم تكليف الدابة ما لا تطيقه على الدوام وتجنب الضرب لاسيما الوجه وعلى المقاتل وتعهدهم بالعلف والسقي والتحذير من الغفلة عن ذلك (حم طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رواه أحمد مرفوعا ورواه ابنه موقوفا وإسناده أصح وهو أشبه الحديث: 7456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 7457 - (لو قضي كان) أي لو قضى الله بكون شيء في الأزل لكان لا محالة إذ لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه (قط في الأفراد حل) وكذا الخطيب (عن أنس) بن مالك قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما بعثني في حاجة قط لم تتهيأ فلامني لائم إلا قال: دعوه لو قضى لكان قال ابن الجوزي في العلل: قال الدارقطني: تفرد به محمد بن مهاجر عن ابن عيينة ولم يتابع عليه واتفقوا على تضعيف ابن مهاجر وقال ابن حبان: كان يضع الحديث   (1) [قال الإمام علي بن أحمد العزيزي الشافعي في السراج المنير: " لو قضي ": بالبناء للمفعول. انتهى أي بالبناء للمجهول واللفظ بالألف المقصورة " لو قضى " في كثير من النسخ الأخرى هو من خطأ النساخ ولاستعمالهم في عدد من الطبعات القديمة الألف المقصورة مكان الياء فليتنبه. دار الحديث] الحديث: 7457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 7458 - (لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون) في الجنة (عدد كل حصاة في الدنيا لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد) نبه به على أن الجنة باقية وكذا النار وقد زلت قدم ابن القيم فذهب إلى فناء النار تمسكا بمثل خبر البزار عن ابن عمرو موقوفا يأتي على النار زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وهذا خلل بين فإن المراد من الموحدين كما بينته رواية ابن عدي عن أنس مرفوعا ليأتين على جهنم يوم تصفق أبوابها ما فيها من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحد قال الزمخشري عقب إيراده: خبر ابن عمرو بلغني عن [ص: 322] بعض أهل الضلال أنه اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار وهذا إن صح عن ابن عمرو فمعناه يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير وأقول: أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما عليا رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث؟ إلى هنا كلام الزمخشري (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه الحكم بن ظهير مجمع على ضعفه الحديث: 7458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 7459 - (لو كان الإيمان عند الثريا) نجم معروف وفي رواية لأبي يعلى والبزار لو كان الإيمان معلقا بالثريا وفي رواية للطبراني لو كان الدين معلقا بالثريا (لتناوله رجال من فارس) وأشار إلى سلمان الفارسي قال ابن عربي: وفي تخصيصه ذكر الثريا دون غيرها من الكواكب إشارة بديعة لمثبتي الصفات السبعة لأنها سبعة كواكب فافهم. وقال في معجم البلدان: العرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس فعنى في الحديث أهل خراسان لأنك إن طلبت مصداق الحديث في فارس لم تجده لا أولا ولا آخرا وتجد هذه الصفات نفسها في أهل خراسان دخلوا في الإسلام رغبة ومنهم العلماء والنبلاء والمحدثون والمتعبدون وإذا حررت المحدثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل رواة الرجال منها وأما أهل فارس فكنار خمدت لم يبق لهم بقية بذكر ولا شرف (ق ت عن أبي هريرة) قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال قائل منهم: يا رسول الله من هم؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على رأسه ثم ذكره. ورواه مسلم بلفظ: لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس الحديث: 7459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 7460 - (لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا) قال الطيبي: فيه مبالغة أي لو قدر أن الحياء رجل لكان صالحا فكيف تتركونه وفيه جواز فرض المحال إذا تعلق به نكتة (طس) وكذا في الصغير (خط) كلاهما (عن عائشة) قال المنذري والهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو لين وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 7460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 7461 - (لو كان الصبر رجلا لكان رجلا كريما) ومنه أخذ الحسن البصري قوله الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده <تنبيه> قال الغزالي: القتال أبدا قائم بين باعث الدين وباعث الهوى والحرب بينهما سجال ومعركة هذا القتال قلب العبد ومدده باعث الدين من الملائكة الناصرين لحزب الله ومدده باعث الشهوة من الشياطين الناصرين لأعداء الله فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصره حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف عن الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأشياع الشياطين (حل) من حديث صبيح بن دينار البلدي عن المعافى بن عمران عن سفيان عن منصور عن مجاهد (عن عائشة) ثم قال: غريب تفرد به المعافى ورواه عنها أيضا الطبراني باللفظ المزبور قال الزين العراقي: وفيه صبيح بن دينار ضعفه العقيلي وغيره الحديث: 7461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 7462 - (لو كان العجب رجلا كان رجل سوء) فيتعين اجتنابه فإنه مهلك لا سيما للعالم ومن أدويته تذكر أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم فضل من الله عليه وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها وأن العجب بها كفران لنعمتها فيعرضها للزوال لأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين كما سلب بلعاما ما علمه في طرفة عين [ص: 323] {أفأمنوا مكر الله} قال الراغب: والعجب ظن الإنسان في نفسه استحقاق منزلة هو غير مستحق لها ولهذا قال أعرابي لرجل رآه معجبا بنفسه: سرني أن أكون عند الناس مثلك في نفسك وأكون في نفسي مثلك عند الناس فتمنى حقيقة ما يقرره المخاطب ورأى أن ذلك إنما يتم حسنه متى هو عرف عيوب نفسه وقيل للحسن: من شر الناس؟ قال: من يرى أنه أفضلهم وقال بعضهم: الكاذب في نهاية البعد من الفضل والمرائي أسوأ حالا منه لأنه يكذب بفعله وفوله والمعجب أسوأ حالا منهما فإنهما يريان نقص أنفسهما ويريدان إخفاء والمعجب عمي عن مساوئ نفسه فيراها محاسن ويبديها والسفيه يقرب من المعجب لكن المعجب يصدق نفسه فيما يظن بها وهما والتائه يصدقها قطعا كأنه متحير في نفسه (طص عن عائشة) وفيه عبد الرحمن بن معاوية أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال مالك: ليس بثقة وابن معين وغيره: لا يحتج به الحديث: 7462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 7463 - (لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه) تمامه عند مخرجه الطبراني ثم قرأ {إن مع العسر يسرا} (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه مالك النخعي وهو ضعيف الحديث: 7463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 7464 - (لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس) فيه كالذي قبله فضيلة لهم وتنبيه على علو هممهم قال ابن تيمية: وقد بين بهذا الحديث ونحوه أن العبرة بالأسماء إلى حمدها الله تعالى وذمها كالعالم والجاهل والمؤمن والكافر والبر والفاجر وقد جاء الكتاب بمدح بعض الأعاجم قال تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا في قوله تعالى {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم} أنهم من أبناء فارس ورويت آثار كثيرة في فضائل رجال فارس كالحسن وابن سيرين وعكرمة إلى أن وجد معهم من المبرزين في الدين والعلم حتى صاروا أفضل في ذلك من كثير من العرب والفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله به محمدا من الإيمان والعلم فكل من كان فيه أمكن كان أفضل (حل عن أبي هريرة الشيرازي في الألقاب عن قيس بن سعد) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من أبي نعيم ولا أحق بالعزو إليه والأمر بخلافه فقد رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة بلفظ لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله ناس من أولاد فارس قال الهيثمي: فيه شهر بن حوشب وثقه جمع وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه الشيخان عن أبي هريرة بلفظ لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء وأشار لفارس الحديث: 7464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 7465 - (لو كان الفحش خلقا لكان شر خلق الله) وقد اتفقت الحكماء على تقبيح الفحش والنطق به ووقع للحكيم نصير الدين الطوسي أن إنسانا كتب إليه ورقة فيها يا كلب يا ابن الكلب فكان جوابه أما قولك كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار وأنا منتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار وناطق ضاحك فهذه فصول وخواص غير تلك الفصول والخواص وأطال في نفض كل ما قاله برطوبة وحشمة وتأن غير منزعج ولم يقل في الجواب كلمة فاحشة (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت (عن عائشة) وفيه عبد الجبار بن الورد قال البخاري: يخالف في بعض حديثه قال في الميزان: وهو أخو وهيب بن الورد وثقة أبو حاتم ورواه عنهما أيضا الطبراني والطيالسي واليشكري وغيرهم فاقتصار المصنف على عزوه لابن أبي الدنيا تقصير الحديث: 7465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 [ص: 324] 7466 - (لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار) وفي رواية ما مسته النار أي لو صور القرآن وجعل في إهاب وألقي في النار ما مسته ولا أحرقته ببركته فكيف بالمؤمن المواظب لقراءته ولتلاوته واللام في النار للجنس والأولى جعلها للعهد والمراد بها نار جهنم أو النار التي تطلع على الأفئدة أو النار التي وقودها الناس والحجارة ذكره القاضي وقيل هذا كان معجزة للقرآن في زمنه كما تكون الآيات في عصر الأنبياء وقيل المعنى من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الآخرة فجعل جسم حافظ القرآن كإهاب له وقال التوربشتي: إنما ضرب المثل بالإهاب وهو جلد لم يدبغ لأن الفساد إليه أسرع ولفح النار فيه أنفذ ليبسه وجفافه بخلاف المدبوغ للينه والمعنى لو قدر أن يكون في إهاب ما مسته النار ببركة مجاورته للقرآن فكيف بمؤمن تولى حفظه والمواظبة عليه والمراد نار الله الموقدة المميزة بين الحق والباطل قال الطيبي: وتحريره أن التمثيل وارد على المبالغة والفرض كما في قوله {قل لو كان البحر مدادا} أي ينبغي ويحق أن القرآن لو كان في مثل هذا الشيء الحقير الذي لا يؤبه به ويلقى في النار ما مسته فكيف بالمؤمن الذي هو أكرم خلق الله وقد وعاه في صدره وتفكر في معانيه وعمل بما فيه كيف تمسه فضلا عن أن تحرقه وقال الحكيم: القرآن كلام الله ليس بجسم ولا عرض فلا يحل بمحل وإنما يحل في الصحف والإهاب المداد الذي تصور به الحروف المحكى بها القرآن فالإهاب المكتوبة فيه إن مسته النار فإنما تمس الإهاب والمداد دون المكتوب الذي هو القرآن لو جاز حلول القرآن في محل ثم حل الإهاب لم تمس الإهاب النار وفائدة الخبر حفظ مواضع الشكوك من الناس عند احتراق مصحف وما كتب فيها قرآن فيستعظمون إحراقه ويدخلهم الشك ويمكن رجوع معناه إلى النار الكبرى لتعريفه إياها بأل كأن يقول لو كان القرآن في إهاب لم تمس نار جهنم ذلك الإهاب يعني الإهاب الذي لا خطر له ولا قيمة إن جعل فيه القرآن بمعنى الكتابة والإهاب موات لا يعرف ما فيه لم تمسه نار جهنم إجلالا له فكيف تمس النار مؤمنا هو أجل قدرا عند الله من الدنيا وما فيها وقد يكون ذكر الإهاب للتمثيل أي أن الإهاب وهو جلد إذا لم تحرقه النار لحرمة القرآن والمؤمن إذا لم تطهره التوبة من الأرجاس لم تدبغه الرياضة ولا أصلحته السياسة فيرد على الله بأخلاق البشرية وأدناس الإنسانية (طب عن عقبة بن عامر) الجهني (وعن عصمة بن مالك) معا قال الهيثمي: فيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك اه. وقضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أشهر ولا أعلى من الطبراني وكأنه ذهول فقد خرجه الإمام أحمد عن عقبة ورواه عن عقبة أيضا الدارمي. قال الحافظ العراقي: وفيه ابن لهيعة وابن عدي والبيهقي في الشعب عن عصمة المذكور وابن عدي عن سهل بن سعد. قال العراقي: وسنده ضعيف وقال ابن القطان: فيه من كان يلقن وقال الصدر المناوي: فيه عند أحمد ابن لهيعة عن مشرح بن ماهان ولا يحتج بحديثهما عن عقبة اه. لكنه يتقوى بتعدد طرقه فقد رواه أيضا عن حبان عن سهل بن سعد ورواه البغوي في شرح السنة وغيره الحديث: 7466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 7467 - (لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له من يؤذيه) وفي رواية منافقا يؤذيه لأن المؤمن محبوب الله وإذا أحبه عرضه للبلاء وذلك يتضمن ألطافا على حسب حاله من مقامات الإيمان إما تكفير الذنوب أو ابتلاه ليظهر صبره أو لرفع درجة لا يبلغها إلا بالبلاء ويبتليه أيضا في الدنيا بتنويع محنها لئلا يحبها ويطمئن إلى رخائها فيشق عليه الخروج منها وخص أذيته في هذا الحديث بالمؤمن لينفره ويوحشه منهم ليؤنسه بحضرته ويقطعه إليه (طس هب عن أنس) قال الهيثمي: فيه أبو قتادة بن يعقوب العذري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 7467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 7468 - (لو كان المؤمن على قصبة في البحر لقيض الله له من يؤذيه) ليضاعف له الأجور ويرفع له الدرجات فينبغي أن [ص: 325] يقابل ذلك بالرضى والتسليم ويعلم أنه إنما سلط ذلك عليه لخير له إما بذنب اقترفه أو لزيادة رفعته في الآخرة. قال في الحكم: إنما أجرى الأذى عليك منهم لئلا تكون ساكنا إليهم أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه شيء (ش عن) لم يذكر المصنف صحابيه الحديث: 7468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 7469 - (لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته) أي اتخذت له حليا وألبسته إياه (حتى أنفقه) بشد الفاء وكسرها بضبط المصنف قال الحكيم: التحلية التزين لأنه إذا زينه فقد حلاه وحسنه فذلك العضو أحلى في أعين الناظرين وقلوبهم وأفاد بالخبر أن أصل الزينة حق وإنما يفسدها الإرادة والقصد فإذا كانت الإرادة لله فقد أقام حقا من حقوق الله وإذا كان لغيره فهو وبال وضلال ثم فيه إيذان بأن التزين إنما يطلب للمرأة لإنفاقها عند زوجها ولو توقعا وإلا فالتخلي عن التحلي أولى كما بينه بعض الممتقدمين ومنه أخذ الولي العراقي أن للولي أن يحلي محجورته بما ينفقها ويصرف على ذلك من مالها (حم هـ عن عائشة) قالت: عثر أسامة فشج في وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أميطي عنه الأذى فتقذرته فجعل يمص الدم ويمسحه عن وجهه ثم ذكره رمز المصنف لحسنه قال الحرالي: هكذا على عادة الكبراء رأوا تقاعس أتباعهم عما يأمرون به من المهمات في تعاطيهم بأنفسهم تنبيها على أن الخطب قد فدح والأمر قد تفاقم فتساقط إليه حينئذ الأتباع كتساقط الذباب على الشراب ثم إن المصنف رمز لحسنه وهو قصور أو تقصير فقد قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه لأحمد: إسناده صحيح هكذا جزم الحديث: 7469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 7470 - (لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب) أخبر عما لم يكن لو كان فكيف يكون كما أخبر تعالى بذلك في الدين قال فيهم {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) ففيه أنهم عائدوا الله ورسوله على بصيرة بمواضع الحق لا لشبهة عرضت فكذا قوله لو كان بعدي إلخ ففيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين وقرب حاله منهم وفيه إشارة إلى أن النبوة ليست باستعداد بل يجتبى إليه من يشاء فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أوصاف جمعت في عمر لو كانت موجبة للرسالة لكان بها نبيا فمن أوصافه قوته في دينه وبذله نفسه وماله في إظهار الحق وإعراضه عن الدنيا مع تمكنه منها وخص عمر مع أن أبا بكر أفضل إيذانا بأن النبوة بالاصطفاء لا بالأسباب ذكره الكلاباذي. وقال ابن حجر: خص عمر بالذكر لثرة ما وقع له في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها ووقع له بعده عدة إصابات (حم ت) واستغربه (ك) في فضائل الصحابة (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي قال الحافظ العراقي: وأما خبر الديلمي عن أبي هريرة لو لم أبعث لبعث عمر فمنكر (طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (ابن مالك) قال الهيثمي: وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف الحديث: 7470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 7471 - (لو كان جريح الراهب فقيها عالما لعلم أن إجابته دعاء أمه أولى من عبادة ربه) وذلك أنه كان يصلي بصومعته فنادته أمه فلم يقطع صلاته لإجابتها فقالت: اللهم إن كان سمع ولم يجب فلا تمته حتى ينظر في عين المومسات فزنا راع بامرأة فولدت فقيل لها: ممن؟ قالت: من جريح فجاؤوا ليقتلوه فضحك وقال للمولود: من أبوك؟ فقال: الراعي وهو أحد الأربعة الذين تكلموا في المهد كما مر. قال ابن حجر: هذا إن حمل على إطلاقه أفاد جواز قطع الصلاة مطلقا لإجابة نداء الأم نفلا أو فرضا وهو وجه عند الشافعية وقال النووي كغيره: هذا محمول على أنه كان مباحا في شرعهم والأصح [ص: 326] أن الصلاة وإن كانت نفلا وعلم تأذي الأصل بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم يجب وإلا وجبت عند إمام الحرمين وخالفه غيره عند المالكية الإجابة في النفل أفضل من التمادي وحكى الباجي اختصاصه بالأم دون الأب وفيه عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما سيما الأم (الحسن بن سفيان) في مسنده (والحكيم) في نوادره (وابن قانع) في معجمه (هب) وكذا الخطيب كلهم من طريق الليث (عن) شهر بن حوشب عن أبيه (حوشب) بفتح المهملة وسكون الواو وفتح المعجمة بن يزيد (الفهري) بكسر الفاء وسكون الهاء وآخره راء نسبة إلى فهر بن مالك بن النضير بن كنانة ثم قال البيهقي: هذا إسناد مجهول اه. وقال الذهبي في الصحابة: هو مجهول اه. وفيه محمد بن يونس القرشي الكريمي قال ابن عدي: متهم بالوضع وقال ابن منده: حديث غريب تفرد به الحكم الريان عن الليث الحديث: 7471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 7472 - (لو كان حسن الخلق رجلا) يعني إنسانا (يمشي في الناس) أي بينهم (لكان رجلا صالحا) أي يقتدى به ويتبرك وفي إفهامه أن سوء الخلق لو كان رجلا يمشي في الناس لكان رجل سوء يتعين تجنبه وعدم مخالطته ما أمكن (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن عائشة) أم المؤمنين الحديث: 7472 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 7473 - (لو كان سوء الخلق رجلا يمشي في الناس لكان رجل سوء وإن الله تعالى لم يخلقني فحاشا) قال النووي: الفحش التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة وإن كانت صحيحة والمتكلم به صادق ويكثر ذلك في نحو ألفاظ الوقاع فينبغي أن يستعمل في ذلك الكنايات ويعبر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض وبذلك جاء القرآن والسنة المكرمة فيكنى عن الجماع بالإفضاء والدخول والوقاع ولا يصرح بالنيك والجماع وعن البول والغائط بقضاء الحاجة والذهاب للخلاء ولا يصرح بالخلاء والبول وكذا ذكر العيوب كالبرص والبخر والصنان يعبر عنها بعبارات جميلة تفهم الغرض وقس عليه (الخرائطي في) كتاب (مساوئ الأخلاق عن عائشة) قال الحافظ العراقي: ورواه ابن أبي الدنيا من رواية ابن لهيعة عن النضر عن أبي سلمة أيضا الحديث: 7473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 7474 - (لو كان شيء سابق القدر) أي غالبه وقاض عليه على وجه الفرض والتقدير والواقع المقدر بكل حال (لسبقته العين) أي لو فرض شيء له قوة وتأثير عظيم يسبق القدر لكان العين والعين لا تسبق <تنبيه> قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد وكان من أحسن الناس وجها فدخل يوما على الوليد في ثياب وشي وله غديرتان وهو يضرب بيده فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش فعانه فخرج متوسنا فوقع في اصطبل الدواب فلم تزل الدواب تطؤه بأرجلها حتى مات ثم وقعت الآكلة في رجل عروة فبعث له الوليد الأطباء فقالوا: إن لم يقطعها سرت إلى جسده فهلك فنشروها بالمنشار فأخذها بيده وهو يهلل ويكبر ويقلبها فقال: أما والذي حملني عليك ما مشيت بك إلى حرام قط ثم قدم المدينة فتلقاه أهله يعزونه فلم يزد على {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ثم قال: لا أدخل المدينة إنما أنا بها بين شامت وحاسد (حم ت هـ عن أسماء بنت عميس) رمز المصنف لصحته الحديث: 7474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 7475 - (لو كان شيء سابق القدر) بالمعنى المار (لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا) أي إذا سئلتم فأجيبوا إليه [ص: 327] بأن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصبه على المصاب ذكره الإمام مالك ومن قال لا يجعل الإناء في الأرض فهو زيادة تحكم فإن قيل: فأي فائدة وأي مناسبة في ذلك لبرء المعيون قلنا: إن قال هذا متشرع قلنا الله ورسوله أعلم أو متفلسف قلنا له انكص القهقري أليس عندكم أن الأدوية قد تفعل بقواها وطباعها وقد تفعل بمعنى لا يعقل في الطبيعة ولا الصناعة (ت عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7475 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 7476 - (لو كان لابن آدم واد من مال) وفي رواية لو أن لابن آدم واديا مالا وفي رواية لو كان لابن آدم واديا من مال وفي آخرى من ذهب وفي أخرى من ذهب وفضة (لابتغى) بغين معجمة افتعل بمعنى طلب (إليه ثانيا) عداه بإلى لتضمن الابتغاء بمعنى لضم يعني لضم إليه واديا ثانيا (ولو كان له واديان لابتغى إليهما) واديا (ثالثا) وهلم جرا إلى ما لا نهاية له (ولا يملأ جوف ابن آدم) وفي رواية نفس بدل جوف وفي أخرى ولا يسد جوف وفي أخرى ولا يملأ عين وفي أخرى ولا يملأ فاه وفي أخرى ولا يملأ بطنه وليس المراد عضوا بعينه والغرض من العبارات كلها واحد وهو من التفنن في العبارة ذكره الكرماني (إلا التراب) أي لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره والمراد بابن آدم الجنس باعتبار طبعه وإلا فكثير منهم يقطع بما أعطى ولا يطلب زيادة لكن ذلك عارض له من الهداية إلى التوبة كما يومئ إليه قوله (ويتوب الله على من تاب) أي يقبل التوبة من الحرص المذموم ومن غيره أو تاب بمعنى وفق يقال تاب الله عليه أي وفقه يعني جبل الآدمي على حب الحرص إلا من وفق الله وعصمه فوقع يتوب موقع إلا من عصمه إشعارا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن إزالتها ممكنة بالتوفيق وفي ذكر ابن آدم دون الإنسان إيماء إلى أنه خلق من تراب طبعه القبض واليبس وإزالته ممكنة بأن يمطر الله عليه من غمام توفيقه <تنبيه> ذهب بعض الصوفية إلى أن معنى الحديث لو كان لأبناء الدنيا ذلك لطلبوا الزيادة منه بخلاف أبناء الآخرة إذ الأدم ظاهر الجلد أي لو كان لبني آدم الذين نظروا إلى ظاهر الدنيا دون باطنها واديان من ذلك لابتغوا ثالثا وهكذا بخلاف أبناء الآخرة الذين خرقوا ببصرهم إلى الدار الآخرة وعرفوا ما يقربهم إلى حضرة الله وما يبعدهم عنها وأطال قال: ولا بد من استثناء الأنبياء والأولياء على كل حال لزهدهم في الدنيا (حم ق) في الرقاق (ت عن أنس) بن مالك (حم ق عن ابن عباس خ عن) عبد الله (بن الزبير) بن العوام (هـ عن أبي هريرة حم عن أبي واقد) بقاف ومهملة الليثي بمثلثة بعد التحتية الحارث بن مالك المدني (ت خ والبزار عن بريدة) وفي الباب غيره الحديث: 7476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 7477 - (لو كان لابن آدم واد من نخل لتمنى مثله ثم تمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية) إشارة إلى أنه سبحانه إنما أنزل المال ليستعان به على إقامة حقوقه لا للتلذة والتمتع كما تأكل الأنعام فإذا خرج المال عن هذا المقصود فات الغرض والحكمة التي أنزل لأجلها وكان التراب أولى به فرجع هو والجوف الذي امتلأ بمحبته وجمعه إلى التراب الذي هو أصله فلم ينتفع به صاحبه ولا انتفع به الجوف الذي امتلأ به لما خلق له من الإيمان والعلم والحكمة فإنه خلق لأن يكون وعاء لمعرفة ربه والإيمان ومحبته وذكره وأنزل له من المال ما يعينه فعطل جوفه عما خلق له [ص: 328] وملأه بحب المال وجمعه ومع ذلك فلم يمتلئ بل ازداد فقرا وحرصا إلى أن امتلأ بالتراب الذي خلق منه فرجع إلى مادته الترابية ولم يتكل بنيله ما خلق لأجله من العلم والإيمان وأصل ذلك طول الأمل وإذا رسخ الأمل في النفس قوي الحرص على بلوغ ذلك وطول الأمل غرور وخداع إذ لا ساعة من ساعات العمر إلا ويمكن فيها انقضاء الأجل فلا معنى لطول الأمل المورث قسوة القلب وتسليط الشيطان وربما جر إلى الطغيان {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى} (حم حب) وكذا أبو يعلى والبزار (عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: رجال أبي يعلى والبزار رجال الصحيح الحديث: 7477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 7478 - (لو كان لي مثل) جبل (أحد) بضم الهمزة (ذهبا) بالنصب على التمييز قال ابن مالك بوقوع التمييز بعد مثل قليل وجواب لو (لسرني) من السرور بمعنى الفرح وفي البخاري في أداء الديون ما يسرني (أن لا يمر علي) بالتشديد (ثلاث) من الليالي ويجوز الأيام بتكلف (وعندي) أي والحال أن عندي (منه) أي الذهب (شيء) أي ليسرني عدم مرور ثلاث والحال أن عندي من الذهب شيء فالنفي في الحقيقة راجع إلى الحال يعني يسرني عدم تلك الحالة في تلك الليالي وفي التقييد بثلاث مبالغة في سرعة الإنفاق (إلا شيء أرصده) بضم الهمزة وكسر الصاد أعده (لدين) أي أحفظه لأداء دين لأنه مقدم على الصدقة واستثنى الشيء من الشيء لكون الثاني مقيدا خاصا ورفعه لكونه جواب لو في حكم النفي وجعل لو هنا للتمني متعقب بالرد وخص الذهب بضرب المثل لكونه أشرف المعادن وأعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها وأعظم شيء عصى الله به وله قطعت الأرحام وأريقت الدماء واستحلت المحارم ووقع التظالم وهو المرغب في الدنيا المزهد في الآخرة وكم أميت به من حق وأحيي به من باطل ونصر به ظالم وقهر به مظلوم فمن سره أن لا يكون عنده منه شيء فقد آثر الآخرة (خ) في الرقاق (عن أبي هريرة) ورواه بمعناه مسلم في الزكاة الحديث: 7478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 7479 - (لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك) أي لو كان الميت مسلما ففعلتم به ذلك وصل إليه ثوابه ونفعه وأما الكافر فلا (د عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه الحديث: 7479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 7480 - (لو كانت الدنيا تعدل) وفي رواية لأبي نعيم لو وزنت الدنيا (عند الله جناح بعوضة) مثل لغاية القلة والحقارة والبعوضة فعولية من البعض وهو القطع كالبضع غلب على هذا النوع (ما سقى منها الكافر شربة ماء) أي لو كان لها أدنى قدر ما متع الكافر منها أدنى تمتع هذا أوضح دليل وأعدل شاهد على حقارة الدنيا. قال بعض العارفين: أدنى علامات الفقر لو كانت الدنيا بأسرها لواحد فأنفقها في يوم واحد ثم خطر له أنه يمسك منها مثقال حبة من خردل لم يصدق في فقره وقيل لحكيم: أي خلق الله أصغر؟ قال: الدنيا إذ كانت لا تعدل عند الله جناح بعوضة فقال السائل: من عظم هذا الجناح فهو أحقر منه. وقال علي كرم الله وجهه: والله لدنياكم عندي أهون من عراق خنزير في يد مجزوم فعلى العبد أن يذكر هذا قولا وفعلا في حالتي العسر واليسر وبه يصل إلى مقام الزهد الموصل إلى الرضوان الأكبر وإذا استحضر أنه سبحانه يبغضها مع إباحة ما أحله فيها من مطعم وملبس ومسكن ومنكح وزهد فيها لبغض الله إياها كان متقربا إليه ببغض ما بغضه وكراهة ما كرهه والإعراض عما أعرض عنه وبه خرج الجواب عن السؤال المشهور ما وجه التقرب إلى الله بالمنع مما أحله؟ ألا ترى أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق؟ (ت) في الزهد (والضياء) المقدسي في المختارة (عن سهل بن سعد) الساعدي قال الترمذي: صحيح غريب وليس [ص: 329] كما قال ففيه عبد الحميد بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو داود: غير ثقة ورواه ابن ماجه أيضا وفيه عنده زكريا بن منظور قال الذهبي في الضعفاء: منكر الحديث ورواه عنه الحاكم أيضا وصححه فرده الذهبي بأن زكريا بن منظور ضعفوه الحديث: 7480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 7481 - (لو كنت آمرا) وفي رواية لو كنت آمر (أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فيه تعليق الشرط بالمحال لأن السجود قسمان سجود عبادة وليس إلا لله وحده ولا يجوز لغيره أبدا وسجود تعظيم وذلك جائز فقد سجد الملائكة لآدم تعظيما وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يكون ولو كان لجعل للمرأة في أداء حق الزوج وقال غيره: إن السجود لمخلوق لا يجوز وسجود الملائكة خضوع وتواضع له من أجل علم الأسماء الذي علمه الله له وأنبأهم بها فسجودهم إنما هو ائتمام به لأنه خليفة الله لا سجود عبادة {إن الله لا يأمر بالفحشاء} وقضية تصرف المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الترمذي ولو أمرها أن تنقل من جبل أبيض إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أبيض لكان ينبغي لها أن تفعله اه بنصه وفيه تأكد حق الزوج وحث على ما يجب من بره ووفاء عهده والقيام بحقه ولهن على الأزواج ما للرجال عليهن (ت) في النكاح (عن أبي هريرة) وقال: غريب وفيه محمد بن عمر قال في الكاشف: ضعفه أبو داود وقواه غيره (حم عن معاذ) بن جبل (ك عن بريدة) الأسلمي ورواه عنه أيضا ابن ماجه عن عائشة وابن حبان عن ابن أبي أوفى الحديث: 7481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 7482 - (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن) وفي رواية لو كنت آمرا أن يسجد أحد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها (لما جعل الله لهم عليهن من حق) وتتمته عند أحمد لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس من القيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه ومقصود الحديث الحث على عدم عصيان العشير والتحذير من مخالفته ووجوب شكر نعمته وإذا كان هذا في حق مخلوق فما بالك بحق الخالق (د ك) في النكاح (عن قيس بن ساعدة) بن عبادة قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبانهم فأتيت فقلت: يا رسول الله أنت أحق أن يسجد لك فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقد رواه أحمد بأتم من هذا وفيه قصة قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه استصعب عليهم فمنعهم ظهره فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه بأن الزرع والنخل عطش فقال لأصحابه: قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحية فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقال الأنصار: يا رسول الله قد صار كالكلب الكلب نخاف عليك صولته قال: ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إليه أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ بناصيته حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه: هذا بهيمة لا يعقل سجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك قال: لا يصح لبشر أن يسجد لبشر ولو صح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها حتى لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه. رواه أحمد عن أنس. قال المنذري: بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون الحديث: 7482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 7483 - (لو كنت متخذا من أمتي) أمة الإجابة (خليلا دون ربي) أرجع إليه في حاجاتي وأعتمد عليه في مهماتي (لاتخذت [ص: 330] أبا بكر) لكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه إنما هو الله والخليل الصاحب الواد الذي يفتقر إليه ويعتمد عليه وأصل التركيب للحاجة والمعنى لو كنت متخذا من الخلق خليلا أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات لاتخذت أبا بكر لكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه في جملة الأمور ومجامع الأحوال هو الله وإنما سمي إبراهيم خليلا من الخلة بالفتح هي الخصلة فإنه تخلل بخلال حسنة اختصت به أو من التخلل فإن الحب تخلل شغاف قلبه فاستولى عليه أو من الخلة من حيث إنه عليه السلام ما كان يفتقر حال الافتقار إلا إليه ولا يتوكل إلا عليه فيكون فعيلا بمعنى فاعل وهو في الحديث بمعنى مفعول ذكره القاضي (ولكن) ليس بيني وبين أبي بكر خلة بل (أخي) في الإسلام (وصاحبي) أي فأخوة الإسلام والصحبة شركة بيننا فهو استثناء من فحوى الشرطية فإذن تنتفي الخلة المنبثة عن الحاجة وإثبات الإخاء المقتضي للمساواة ولا يعكر عليه اشتراك جميع الصحبة فيه لأن مراتب المودة متفاوتة <تنبيه> قال ابن عربي: من أسرار عدم الخلة هنا أن أبا بكر واقف مع صدقه ومحمد واقف مع الحق في الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت فهو الحكيم كفعله يوم بدر في الدعاء والإلحاح وأبو بكر عن ذلك صاح فإن الحكيم يوفي البواطن والظواهر حقها ولما لم يصح اجتماع متضادين معا كذلك لم يقم أبو بكر وثبت مع صدقه فلو فقد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموطن وحضره أبو بكر لقام في ذلك المقام الذي أقيم فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه ليس ثم أعلى منه ليحجبه في ذلك فهو صادق ذلك الوقت وحكيمه وما سواه تحت حكمه (حم خ) في الصلاة (عن الزبير) بن العوام (خ) فيها (عن ابن عباس) ورواه مسلم أيضا في المناقب بلفظ لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا وبلفظ لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل لله وفي لفظ إلا أني أبرأ إلى كل خل من خلته ولو كنت متخذا خليلا إلخ. قال المصنف: والحديث متواتر ثم ساقه عن بضعة عشر صحابيا الحديث: 7483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 7484 - (لو كنت مؤمرا على أمتي أحدا) أي لو كنت جاعلا أحدا أميرا يعني أميرا لجيش بعينه أو طائفة معينة لا الخلافة فإنه غير قرشي والأئمة من قريش (من غير مشورة منهم لأمرت عليهم ابن أم عبد) عبد الله بن مسعود صاحب النعل الشريف (حم ت هـ ك عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 7484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 7485 - (لو كنت) بكسر التاء (امرأة لغيرت أظافرك) أي لونها (بالحناء) قاله لمن مدت يدها له لتبايعه من وراء ستر فقبض يدها وقال: ما أدري أيد رجل أم امرأة قالت: امرأة قال ابن حجر: وإنما أمرها بالخضاب لتستر بشرتها فخضاب اليد مندوب للنساء للفرق بين كفها وكف الرجل بل ظاهر قول بعضهم أن من تركته فقد دخلت في الوعيد الوارد في المتشبهات بالرجال أي تركه حرام لكن لم يقل به أحد فيما أعلم (حم ن) في الزينة (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه ظاهر سكوته عليه أن مخرجه أحمد خرجه وأقره والأمر بخلافه فقد قال في العلل: حديث منكر وفي الميزان وعن ابن عدي أنه غير محفوظ وقال في المعارضة: أحاديث الحناء كلها ضعيفة أو مجهولة الحديث: 7485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 7486 - (لو كنتم تغرفون) بغين معجمة (من بطحان ما زدتم) بضم الباء وسكون الطاء اسم واد في المدينة أن من منازل بني النضير اليهود كما في المشترك الياقوت سمي به لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط وخص بالذكر لأنه أقرب المواضع [ص: 331] التي تقام بها أسواق المدينة كذا ذكره القاضي في شرح المصابيح وما ذكره من ضم أوله غير صواب ففي معجم ما استعجم هو بفتح أوله وكسر ثانيه وهاء مهملة على وزن فعلان قال: ولا يجوز غيره اه بنصه لكن القاضي تبع ابن قرقول حيث قال: هو في رواية المحدثين بضم الباء وحكى أهل اللغة فتحها وكسر الطاء اه (حم ك) في النكاح (عن أبي حدرد) الأسلمي وسببه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر فقال: كم أمهرتها قال: مائتي درهم فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 7486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 7487 - (لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون) أي ثم يستغفرون كما في رواية أحمد الأخرى (ليغفر لهم) لما في إيقاع العباد في الذنوب أحيانا من الفوائد التي منها اعتراف المذنب بذنبه وتنكيس رأسه عن العجب وحصول العفو من الله والله يحب أن يعفو فالقصد من زلل المؤمن ندمه ومن تفريطه أسفه ومن اعوجاجه تقويمه ومن تأخيره تقديمه والخبر مسوق لبيان أن الله خلق ابن أدم وفيه شموخ وعلو وترفع وهو ينظر إلى نفسه أبدا وخلق العبد المؤمن لنفسه وأحب منه نظره له دون غيره ليرجع إلى مراقبة خالقه بالخدمة له وأقام له معقبات وكفاه كل مؤونة وعلم أنه مع ذلك كله ينظر لنفسه إعجابا به فكتب عليه ما بصرفه إليه فقدر له ما يوقظه به إذا شغل عنه وهو الشر والمعاصي ليتوب ويرجع إلى الله {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون} (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه يحيى بن عمرو بن مالك البكري وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات اه. والمصنف رمز لحسنه وظاهر صنيع المصنف أنه مما لم يخرجه من الستة أحد وهو عجيب فقد خرجه الإمام مسلم في التوبة من حديث أبي أيوب بلفظ لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفر لهم وبلفظ لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ومن حديث أبي هريرة بلفظ والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم الحديث: 7487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 7488 - (لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم) وفي رواية لخشيت (ما هو أكبر من ذلك العجب العجب) لأن العاصي يعترف بنقصه فترجى له التوبة والمعجب مغرور بعمله فتوبته بعيدة {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} ولأن دوام الطاعة يوقع فيه ولهذا قيل أنين المذنبين إلى الله من زجل المسبحين لأن زجلهم يشوبه الافتخار وأنين أولئك يشوبه الانكسار والافتقار والمؤمن حبيب الله يصونه ويصرفه عما يفسده إلى ما يصلحه والعجب يصرف وجه العبد عن الله والذنب يصرفه إليه والعجب يقبل به على نفسه والذنب يقبل به على ربه لأن العجب ينتج الاستكبار والذنب ينتج الاضطرار ويؤدي إلى الافتقار وخير أوصاف العبد افتقاره واضطراره إلى ربه فتقدير الذنوب وإن كانت سترا ليست لكونها مقصودة لنفسها بل لغيرها وهو السلامة من العجب التي هو خير عظيم قال بعض المحققين: ولهذا قيل يا من إفساده إصلاح يعني إنما قدره من المفاسد فلتضمنه مصالح عظيمة احتقر ذلك القدر اليسير في جنبه لكونه وسيلة إليها وما أدى إلى الخير فهو خير فكل شر قدره الله لكونه لم يقصد بالذات بل بالعرض لما يستلزمه من الخير الأعظم يصدق عليه بهذا الاعتبار أنه خير وفيه كالذي قبله دلالة على أن العبد لا تبعده الخطيئة عن الله وإنما يبعده الإصرار والإستكبار والإعراض عن مولاه بل قد يكون الذيب سببا للوصلة بينه وبين ربه كما سبق (هب عن أنس) قال الحافظ العراقي: فيه سالم أو سلام بن أبي الصهباء قال البخاري: منكر الحديث وأحمد: حسن الحديث اه. ورواه أيضا باللفظ المذكور ابن حبان في الضعفاء والديلمي في مسند الفردوس وطرقه كله ضعيفة ولهذا قال في الميزان عند إيراده: ما أحسنه من حديث لو صح وكان ينبغي للمصنف تقويتها بتعددها الذي رقاه إلى رتبة الحسن ولهذا قال في المنار: هو حسن بها بل قال المنذري: رواه البزار بإسناد جيد الحديث: 7488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 7489 - (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها) أي الأرض (عدلا كما ملئت جورا) المراد [ص: 332] المهدي كما بينه الحديث الذي بعده ولا ينافي أخبار المهدي لا مهدي إلا عيسى ابن مريم لأن المراد كما مرت الإشارة إليه لا مهدي على الحقيقة إلى عيسى سوده لوضعه الجزية وإهلاكه الأمم المخالفة لملتنا أو لا مهدي معصوما إلا هو (حم د عن علي) أمير المؤمنين رمز لحسنه قال ابن الجوزي: فيه ياسين العجلي قال البخاري: وفيه نظر الحديث: 7489 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 7490 - (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أهل بيتي) لفظ الترمذي لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما) القسط بكسر القاف العدل والجور الظلم فالجمع للمبالغة وفيه رد لقول الرافضة إن المهدي هو الإمام أبو القاسم محمد الحجة ابن الإمام أبي محمد الحسن الخالص وأنه المهدي المنتظر لأنه وإن وافق اسمه اسمه لكن اسم أبيه ليس موافقا لاسم أبيه (حم د عن ابن مسعود) وكذا أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح رمز المصنف لحسنه الحديث: 7490 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 7491 - (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم) بفتح الدال واللام بلاد معروفة (والقسطنطينية) بضم القاف وسكون السين وفتح الطاء وسكون النون وكسر الطاء الثانية أعظم مدائن الروم يقال بناها قسطنطين الملك وهو أول من تنصر من ملوك الروم (هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 7492 - (لو مرت الصدقة على يدي مئة لكان لهم من الأجر مثل أجر المبتدئ من غير أن ينقص من أجره شيئا) لأن هذه الأيدي كلها منتهية إلى يد الله سبحانه وتعالى لأنه الذي يأخذ الصدقة بيمينه وكل واحد منهم تسبب في إنفاد الصدقة فكان له مثل ثواب المتصدق وإن كثرت الوسائط (خط) في ترجمة بشير البلخي (عن أبي هريرة) وفيه عبد الله بن سعيد المقبري قال الذهبي في الضعفاء: تركوه الحديث: 7492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 7493 - (لو نجا أحد من ضمة القبر) وفي رواية من ضغطة القبر بضم الضاد (لنجا) منها (سعد بن معاذ) سيد الأنصار (ولقد ضم ضمة ثم روخي عنه) فالمؤمن أشرق نور الإيمان في صدره فباشر اللذات والشهوات وهي من الأرض والأرض مطيعة وخلق الآدمي من هذه الأرض وقد أخذ عليه العهد والميثاق في العبودية له فما نقص من وفاء العبودية صارت الأرض عليه واجدة فإذا وجدته في بطنها ضمته ضمة ثم تدركه الرحمة فترحب به وعلى قدر سرعة مجيء الرحمة يتخلص من الضمة فإن كان محسنا فإن رحمة الله قريب من المحسنين فإذا كانت الرحمة قريبة من المحسنين لم يكن الضم كثيرا وإذا كان خارجا من حد المحسنين لبث حتى تدركه الرحمة ولا ينافيه اهتزاز العرض لموته لأن دون البعث زلازل وأهوال لا يسلم منها ولي ولا غيره {ثم ننجي الذين اتقوا} ولهذا قال عمر: لو كان لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به [ص: 333] من هول المطلع وفي الحديث إشارة إلى أن جميع ما يحصل للمؤمن من أنواع البلايا حتى في أول منازل الآخرة وهو القبر وعذابه وأهواله لما اقتضته الحكمة الإلهية من التطهيرات ورفع الدرجات ألا ترى أن البلاء يخمد النفس ويذلها ويدهشها عن طلب حظوظها ولو لم يكن في البلاء إلا وجود الذلة لكفى إذ مع الذلة تكون النصرة <تنبيه> قد أفاد الخبر أن ضغطة القبر لا ينجو منها أحد صالح ولا غيره لكن خص منه الأنبياء كما ذكره المؤلف في الخصائص وفي تذكرة القرطبي يستثنى فاطمة بنت أسد ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أيضا ذكر بعضهم أن القبر الذي غرس عليه النبي صلى الله عليه وسلم العسيب قبر سعد قال: وهذا باطل وإنما صح أن القبر ضغطه كما ذكر ثم فرج عنه قال: وكان سببه ما روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعة ما بلغكم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قالوا: ذكر لنا أنه سئل عنه فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول وذكر هناد بن السري حديثا طويلا عنه أنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه إنه كان لا يستبرئ في أسفاره من البول. وقال السلمي: أما الأخبار في عذاب القبر فبالغة مبلغ الاستفاضة منها قوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلفت لها ضلوعه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ننقم من أمره شيئا إلا أنه كان لا يستبرئ في أسفاره من البول هكذا ذكره القرطبي عنه ثم قال: فقوله صلى الله عليه وسلم ثم خرج عنه دليل على أنه جوزي على ذلك التقصير لا أنه يعذب بعد ذلك في قبره هذا لا يقوله إلا شاك في فضيلته وفضلة ونصيحته وصحبته أترى من اهتز له عرش الرحمن كيف يعذب في قبره بعد ما فرج عنه؟ هيهات لا يظن ذلك إلا جاهل بحقه غبي بفضيلته وفضله اه. وأخرج الحكيم عن جابر بن عبد الله قال: لما توفي سعد بن معاذ ووضع في حفرته سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كبر وكبر القوم معه فقالوا: يا رسول الله لم سبحت قال: هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عنه فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول اه بحروفه. قال الحكيم: فإن قيل الذي يهتز العرش لموته كيف يضيق عليه قلنا هذا خبر صحيح وذاك صحيح وإنما سبب ضم القبر أنه كان يقصر في بعض الطهور فكان القوم لا يستنجون بالماء بل بالأحجار فلما نزل فيه {رجال يحبون أن يتطهروا} ففشا فيهم الطهور بالماء فمنهم من استنجى بالماء ومنهم من استمر على الحجر فأهل الاستقامة يردون اللحود وقد يكون فيهم خصلة عليهم فيها تقصير فيردون اللحد مع ذلك التقصير غير نازعين عنه وليس ذلك بذنب ولا خطيئة فيعاتبون في قبورهم عليه فتلك الضمة نالت سعدا مع عظيم قدره لكونه عوتب في القبر بذلك التقصير فضم عليه ثم فرج ليلقى الله وقد حط عنه دنس ذلك التقصير مع كونه غير حرام ولا مكروه (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 7493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 7494 - (لو نزل موسى) بن عمران من السماء إلى الدنيا (فاتبعتموه وتركتموني لضللتم) أي لعدلتم عن الاستقامة لأن شرعي ناسخ لشرعه. قال الراغب: الضلال العدول عن الاستقامة ويضاده الهداية (أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم) قد وجه الله وجوهكم لاتباعي ووجهني إلى دعائكم إليه قال الحرالي: فإذا كان ذلك في موسى كان في المتخذين لملته إلزام بما هم متبعون لمتبعه عندهم وأصل ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما كان المبدأ في الأبد وجب أن يكون النهاية في المعاد بإلزام الله أعلى الخليقة ممن أحب الله أن يتبعوه وأجرى ذلك على لسانه إشعارا بما فيه من الخير والوصول إلى الله من أنه نبي البشرى ويكون ذلك أكظم لمن أبى اتباعه اه. وقال غيره: هذا لا يوجب على تقدير نزول موسى زوال النبي صلى الله عليه وسلم ولا انتقاله عن الرسالة لأنه لو نزل نزل على نبوته ورسالته وتكون [ص: 334] الشريعة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما كانت في عصر إبراهيم لإبراهيم دون لوط وفي زمن عيسى له دون يحيى فالمعنى أنه لو كان في زمني لكان عليكم اتباعي فإن تركتم ما أمرتم به ضللتم وخسرتم (هب عن عبد الله بن الحارث) ابن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة الزبيدي بضم الزاي صحابي سكن مصر قال: دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال: هذه كنت أصبتها مع رجل من أهل الكتاب فقال: فاعرضها علي فعرضها فتغير وجهه تغيرا شديدا ثم ذكره الحديث: 7494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 7495 - (لو يعطى الناس بدعواهم) أتى بمجرد أخبارهم عن لزوم حق لهم على آخرين عند حاكم (لادعى ناس) في رواية بدله رجال وخصوا لأن ذلك من شأنهم غالبا (دماء رجال وأموالهم) ولا يتمكن المدعي عليه من صون دمه وماله ووجه الملازمة في هذا القياس الشرطي أن الدعوى بمجردها إذا قبلت فلا فرق فيها بين الدماء والأموال وغيرهما وبطلان اللازم ظاهر لأنه ظلم وقدم الدماء لأنها أعظم خطرا وفي رواية عكس وعليه فوجهه كثرة الخصومات في المال (ولكن اليمين على المدعى عليه) ذكر اليمين فقط لأنه الحجة في الدعوى آخرا وإلا فعلى المدعي البينة لخبر البيهقي بإسناد جيد البينة على المدعي واليمين على من أنكر فقوله ولكن إلخ بيان لوجه الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه لأنه لو أعطى بمجردها لم يمكن المدعى عليه صون ماله كما تقرر وفيه حجة لمذهب الشافعي من توجه اليمين على كل من ادعى عليه بحق مطلقا ورد لاشتراط مالك المخالطة وحسبك أنه رأي في مقابلة النص (حم ق هـ عن ابن عباس) الحديث: 7495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 7496 - (لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء) أي تكلف القيء قال الزمخشري: والتقيؤ أبلغ من الاستقاءة وذلك لأن الشرب قائما يحرك خلطا رديئا يكون القيء دواءه وإنما فعله هو بيانا للجواز مع أمنه منه قال النووي: قد أشكل أحاديث فعله له على بعضهم حتى قال أقوالا باطلة ولا حاجة لإشاعة الغلطات والصواب أن النهي محمول على التنزيه وفعله لبيان الجواز ومن زعم نسخا أو غيره فقد غلط والأمر بالاستقاءة محمول على الندب وقول عياض لا خلاف أن من شرب قائما ليس عليه أن يتقيأ لا يلتفت إليه إذ كونهم لم يوجبوها عليه لا يمنع الندب (هق) من حديث زهير بن محمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله (عن أبي هريرة) قال الذهبي: قلت هذا منكر وهو من جزو الحفار اه. ثم رواه البيهقي من حديث عبد الرزاق أيضا من طريق الرمادي عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة فقال الذهبي هذا منقطع اه الحديث: 7496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 7497 - (لو يعلم المار) أي علم فوضع المضارع موضع ما تستدعيه لو من الماضي ليفيد استمرار العلم وأنه مما ينبغي أن يكون على بال منه (بين يدي المصلي) أي أمامه بالقرب منه وخص اليدين بالذكر لأن بهما غالبا دفع المار المأمور به فيما يأتي. قال الزين العراقي: ما المراد بقوله بين يديه هل يتقيد بقدر أو بوجود سترة أو يعم الحكم؟ قيده أصحابنا بما إذا مر بينه وبين السترة فإن فقدت السترة فحده بعضهم بقدر السترة وهو ثلاثة أذرع قال: والمراد أن يمر بين يديه معترضا فإن كان قاعدا بين يديه أو قائما أو نائما فمر بين يدي المصلي لجهة القبلة لم يدخل في الوعيد الآني (ماذا عليه) زاد في رواية من الإثم وأنكرها ابن الصلاح وما استفهامية وهي مبتدأ وذا خبره وهو اسم إشارة أو موصول وهو [ص: 335] الأولى لافتقاره إلى ما بعده والجملة سادة مسد مفعولي يعلم وقد علق عمله بالاستفهام وأبهم الأمر تفخيما وتعظيما وجواب لو محذوف أي لو يعلم ذلك لوقف ولو وقف لكان خيرا له فقوله (لكان أن يقف أربعين) زاد البزار خريفا (خيرا له) جواب لو المحذوفة لا المذكورة وفي رواية خير بالرفع اسم كان وخبرها ما قبله وقال الزين العراقي: في رواية البخاري خيرا بالنصب على أنه خبر كان وفي رواية الترمذي بالرفع على أنه اسم كان وأن يقف الخبر (من أن يمر بين يديه) يعني لو علم قدر الإثم الذي يلحقه من مروره لاختار أن يقف المدة المذكورة لئلا يلحقه الإثم ووجه التقييد بأربعين أن الأربعة أصل جميع الأعداد فلما أريد التكثير ضربت في عشرة أو أن كمال أطوار الإنسان في أربعين كأطوار النطفة وكذا كمال عقله وبلوغ أشده لكن في ابن ماجه بدل أربعين مئة وهو يدل على أن المراد بالعدد المبالغة في التكثير لكن ذهب الطحاوي إلى أنه ورد المئة بعد الأربعين زيادة في تعظيم إثم المار وحذف مميز الأربعين هنا وذكر في رواية البزار خريفا وفيه استعمال لو في الوعيد ولا يدخل في النهي لأن محله إن أشعر بما يعاند المقدور وقضية الحديث منع المرور مطلقا وإن فقد طريقا بل يقف حتى يفرغ من صلاته وإن طالت قال الحافظ العراقي: فيه إيهام ما على المار بين يدي المصلي من الإثم زجرا له لأنه إنما يقف أربعين على خطوة يخطوها لخوف ضرر عظيم يلحقه لو فعله. قال النووي: وفيه تحريم المرور أي بين يدي المصلي وسترته فإن لم يكن سترة كره ومحله إذا لم يقصر المصلي وإلا كأن وقف بالطريق فلا تحريم ولا كراهة قال بعضهم: وللمار مع المصلي أربعة أحوال: الأول أن يكون له مندوحة عن المرور ولم يتعرض المصلي لمرور الناس عليه فالإثم خاص بالمار الثاني أن لا يكون له مندوحة عنه ويتعرض له المصلي فالإثم خاص بالمصلي الثالث أن يكون له مندوحة عنه ويتعرض له المصلي فيأثمان الرابع أن لا يكون له مندوحة عنه ولا يتعرض له المصلي فلا إثم على أحد منهما اه وما ذكره من إثم المصلي فيما قاله ممنوع غايته أنه مكروه فلا يأثم (مالك ق 4) في الصلاة (عن أبي جهيم) بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية مصغرا ابن الحارث بن الصمة بكسر المهملة وتشديجد الميم ابن عمرو الأنصاري قيل: اسمه عبد الله وقد ينسب لجده الحديث: 7497 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 7498 - (لو يعلم المار بين يدي المصلي) أي سترته التي بينه وبينها ثلاثة أذرع فأقل (لأحب أن ينكسر فخذه) وفي رواية لأحب أن يكون رمادا يذريه الرياح (ولا يمر بين يديه) يعني أن عقوبة الدنيا وإن عظمت أهون من عقوبة الآخرة وإن صغرت لأنه مناج ربه واختلف في تحديد ذلك فقيل: إذا مر بينه وبين مقدار سجوده وقيل: بينه وبين ثلاثة أذرع وقيل: بينه وبين قدر رمية حجر قال النووي: فيه تحريم المرور أي بشرطه المار فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد على ذلك انتهى وقضيته أنه كبيرة واستنبط من قوله لو يعلم اختصاص الإثم بالعالم العامد وأن الوعيد مختص بالمار لا من قعد أو وقف لكن العلة تفهم خلافه وفيه وفيما قبله استعمال لو في الوعيد والتهديد ولا يدخل في خبر لا يقل أحدكم لو فإن النهي محمول على الخوض في القدر بغير علم (ش) في المصنف (عن) أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن (عبد الحميد عن ابن عبد الرحمن) عامل الكوفة لعمر بن عبد العزيز (مرسلا) قال: وقد مر رجل بين يديه وهو يصلي فجذبه حتى كاد يخرق ثوبه فلما انصرف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الزين العراقي في شرح الترمذي: وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب العدوي روى عن التابعين فالحديث معضل اه الحديث: 7498 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 7499 - (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة) أي من غير التفات إلى الرحمة (ما طمع في الجنة) أي في دخولها (أحد [ص: 336] ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة) أي من غير التفات إلى العقوبة (ما قنط من الجنة أحد) ذكر المضارع بعد لو في الموضعين ليفيد استمرار امتناع الفعل فيما مضى وقتا مؤقتا لأن لو للمضي قال الطيبي: وسياق الحديث في بيان صفة العقوبة والرحمة لله تعالى فكما أن صفاته غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد فكذا عقوبته ورحمته فلو فرض وقوف المؤمن على كنه صفات القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا فلا يطمع في جنته أحد هذا معنى وضع أحد موضع ضمير المؤمن ويمكن أن يراد بالمؤمن الجنس على الاستغراق فتقديره أحد منهم ويمكن كون المعنى المؤمن اختص بأن طمع في الجنة فإذا انتفى المطمع عنه فقد انتفى عن الكل وكذا الكافر مختص بالقنوط فإذا انتفى القنوط عنه انتفى عن الكل (ت عن أبي هريرة) ظاهره أن الترمذي تفرد به عن الستة وأنه لا وجود له في أحد الشيخين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد خرجه الشيخان في التوبة واللفظ لمسلم الحديث: 7499 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 7500 - (لو يعلم المرء ما يأتيه بعد الموت) من الأهوال والشدائد (ما أكل أكلة ولا شرب شربة وهو يبكي ويضرب على صدره) حيرة ودهشا قال الغزالي: فعلى العاقل التفكر في عقاب الآخرة وأهوالها وشدائدها وحسرات العاصين في الحرمان من النعيم المقيم وهذا فكر لذاع مؤلم للقلوب جار إلى السعادة ومن ساعد قلبه على نفرته منه وتلذذه بالفكر في أمور الدنيا على طريق التفرج والاستراحة فهو من الهالكين (طص عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن هراسة قال الذهبي في الضعفاء: تركه الجماعة الحديث: 7500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 7501 - (لو يعلم الناس من الوحدة) بكسر الواو وتفتح وأنكر السفاقسي الكسر (ما أعلم) من الضرر الديني كفقد الجماعة والدنيوي كفقد المعين وهي جملة في محل نصب مفعول يعلم (ما سار راكب) وكذا ماش فالراكب غالبي (بليل وحده) كان القياس ما سار أحد وحده لكن قيد بالراكب لأن مظنة الضرر فيه أقوى كنفور المركوب واستيحاشه من أدنى شيء وبالليل لأنه أكثر خطرا وإذا أظلم كثر فيه الغدر فالسائر راكبا بليل متعرض للشر من وجوه وفيه أنه يكره أن يسافر وحده لا سيما بالليل نعم من أنس بالله حيث صار بأنس بالوحدة كأنس غيره بالرفقة عدم الكراهة كما لو دعت للانفراد ضرورة أو مصلحة لا تنتظم إلا به كإرسال جاسوس وطيعة والكراهة لما عداه وقيل حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن والكراهة بالخوف حيث لا ضرورة (حم خ ت) في الجهاد (هـ) في الأدب (عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه مسلم الحديث: 7501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 7502 - (لو يعلم الناس) أي علموا فوضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم (ما في النداء) أي التأذين في الفضل أو هو الإقامة على حذف مضاف يعني في حضور الإقامة وتحرم الإمام وهو أنسب بقوله ولو يعلم الناس ما في (الصف الأول) الذي يلي الإمام أي ما في الوقوف فيه من خير وبركة كما جاء في رواية هكذا وأبهم فيه الفضيلة ليفيد ضربا [ص: 337] من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف (ثم لم يجدوا) شيئا من وجوه الأولية بأن يقع التساوي أو ثم لم يجدوا طريقا لتحصيله كأن ضاق الوقت عن أذان بعد أذان ولا يؤذن في المسجد إلا واحد وبأن يأتوا إلى الصف دفعة ولا يسمح بعضهم لبعض (إلا أن يستهموا عليه (لاستهموا) أي بالاستهام وهو الاقتراع أو تراموا بالسهام مبالغة لما فيه من الفضائل كالسبق للمسجد وقرب الإمام وسماع قراءته والتعلم منه والفتح عليه وغير ذلك وثم هنا للإشعار بتعظيم الأمر ورغبة الناس عنه قال الطيبي: وعبر بثم المؤذنة بتراخي رتبة الاستباق عن العلم وقدم ذكر التأذين دلالة على تهنئ المقدمة الموصلة إلى المقصود الذي هو المسؤول بين يدي رب العزة فيكون من المقربين وأطلق مفعول يعلم يعني ما ولم يبين أن الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة فإنه مما لا يدخل تحت الحصر والوصف وكذا تصوير حالة الاستباق بالاستهام فيه من المبالغة حدها فإنه لا يقع إلا في أمر يتنافس فيه المتنافسون ويرغب فيه الراغبون سيما إخراجه مخرج الاستثناء والحصر وليت شعري بماذا يتشبث ويتمسك من طرق سمعه هذا البيان ثم يتقاعد عن الجماعة خصوصا عن الصف الأول؟ ثم عقبه بالترغيب في إدراك أول الوقت فقال (ولو يعلمون ما في التهجير) التكبير بأي صلاة ولا يعارضه بالنسبة للظهر الإبراد لأنه تأخير قليل ذكره الهروي ملخصا من قول البيضاوي الأمر بالتهجير لا ينافيه الأمر بالإبراد لأن الأمر به رخصة عند بعضهم ومن حمله على الندب يقول الإبراد تأخير يسير ولا يخرج بذلك عن حد التهجير (لاستبقوا إليه) أي التهجير قال القاضي: التهجير السفر في الهاجرة والمراد به السعي إلى الجمعة والجماعة في أول الوقت. قال ابن أبي جمرة: المراد الاستباق معناه حسا لأن المسابقة على الإقدام حسا تقتقضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه (ولو يعلمون ما في) ثواب أداء صلاة (العتمة) بفتح الفوقية من عتم أظلم وهي من الليل بعد مغيب الشفق والمراد العشاء (و) ثواب أداء صلاة (الصبح) أي لو يعلمون ما في ثواب أدائهما في جماعة (لأتوهما ولو) كان الإتيان إليهما (حبوا) بفتح الحاء وسكون الموحدة مشيا على الركب فهو من باب حذف كان واسمها بعد لو وهو كثير ذكره الطيبي قال: ويجوز أن يكون تقديره لو أتوهما حابين تسمية بالمصدر مبالغة وزعم أن المراد بالحبو هنا الزحف رده المحقق أبو زرعة بتصريح أبي داود وغيره بالركب والشارع أدرى بمراده والحديث يفسر بعضه بعضا وخصهما لما فيهما من المشقة على النفس وتسمية العشاء عتمة إشارة إلى أن النهي الوارد فيه للتنزيه لا للتحريم وأنه هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب تسمي المغرب العشاء فلو قال العشاء ظنوها المغرب وفسد المعنى وفات المطلوب فاستعمل العتمة التي يعرفونها وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف لدفع شرهما (مالك حم ق ن هـ عن أبي هريرة) زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق فقلت لمالك: أما تكره أن تقول العتمة قال: هكذا قال من حدثني الحديث: 7502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 7503 - (لو يعلم الناس ما لهم في التأذين) أي لو يعلمون ما لهم في التأذين من الفضل والثواب (لتضاربوا عليه بالسيوف) مبالغة لما في منصب الأذان من الفضل التام الذي سيناله المؤذن يوم القيامة. ذكر أهل التاريخ أن القادسية افتتحت صدر النهار واتبع الناس العدو فرجعوا وقد حانت صلاة الظهر وأصيب المؤذن فتشاحن الناس في الأذان حتى كادوا يقتتلون بالسيوف فأقرع بينهم سعد بن أبي وقاص فقرع رجل فأذن (حم عن أبي سعيد) الخدري رمز لحسنه وقد قال المنذري: فيه ابن لهيعة وقال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف اه. وأقول: اقتصارهما على ابن لهيعة غير مرضي إذ فيه أيضا دراج عن أبي الهيثم وقد ضعفوه الحديث: 7503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 7504 - (لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه) في الإسلام (معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مئة عام خير له من [ص: 338] الخطوة التي خطاها) ذهب الطحاوي إلى أن التقييد بالمئة في هذا الخبر وقع بعد التقييد بأربعين في الخبر المار زيادة في تعظيم الوزر لأنهما لم يقعا معا والمئة أكثر والمقام مقام زجر وتهويل فلا يناسبه تقدم ذكر المئة (تتمة) قال ابن دقيق العيد: قسم بعض المالكية أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه أربعة أقسام يأثم المار دون المصلي وعكسه ويأثمان معا وعكسه والأولى أن يصلي إلى سترة في غير مشرع وللمار مندوحة فيأثم المار دون المصلي الثاني أن يصلي في مشرع مسلوك بغير سترة أو مباعدا عنها ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلي دون المار الثالثة كالثانية لكن يجد المار مندوحة فيأثمان الرابعة كالأولى لكن لا يجد المار مندوحة فلا يأثمان اه. وقد مر ما فيه (حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 7505 - (لو يعلم صاحب المسألة) أي الذي يسأل الناس شيئا من أموالهم (ما له فيها) أي من الخسران والهوان عند الله (لم يسأل) أحدا من المخلوقين شيئا بل لا يسأل إلا الخالق مع ما في السؤال من بذل الوجه ورشح الجبين ولهذا قيل كل سؤال وإن قل أكثر من نوال وإن جل وكان علي كرم الله وجهه يقول: من له حاجة فليرفعها في كتاب لأصون وجوهكم عن المسألة (طب والضياء) المقدسي في المختارة (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه قابوس بن أبي ظبيان وفيه كلام وأقول: فيه أيضا حرملة بن يحيى أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: لا يحتج به وجرير بن حازم قال الذهبي: تغير قبل موته الحديث: 7505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 7506 - (لولا أن أشق على أمتي) أمة الإجابة وفي رواية لمسلم على المؤمنين بدل أمتي (لأمرتهم) أمر إيجاب (ب) استعمال (السواك) أي دلك الأسنان بما يزيل القلح (عند كل صلاة) فرضا أو نقلا ويندرج في عمومه الجمعة بل هي أولى لما خصت به من طلب تحسين الظاهر من غسل وتنظيف وتطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر بالمناجاة وإزالة ما يضر بالملائكة وبني آدم من تغيير الفم. قال إمامنا الشافعي: فيه أن السواك غير واجب وإلا لأمرهم به وإن شق وقال في اللمع: فيه أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك مندوب وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به اه. وقال غيره: المنفي لوجود المشقة الوجوب لا الندب فإإنه ثابت قال بعضهم: ويحتاج في تمام ذلك إلى أن السواك يكون مندوبا حال قوله لولا أن أشق وندبه معلل إما بأن المتوجه إلى الله ينبغي كونه على أكمل الأحوال أو بأن الملك يتلقى القراءة من فيه كما في الخبر المار فيحول بالسواك بينه وبين ما يؤذيه من الريح الكريه وقال بعضهم: حكمة طلبه عند الصلاة أنها حالة تقرب إلى الله فاقتضى كونه حالة نظافة إظهارا لشرف العبادة (مالك) في الموطأ (حم ق ت هـ عن أبي هريرة حم د ن عن زيد بن خالد الجهني) قال ابن منده: أجمعوا على صحته وقال النووي: غلط بعض الأئمة الكبار فزعم أن البخاري لم يخرجه وأخطأ قال المصنف: وهو متواتر الحديث: 7506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 7507 - (لولا أن أشق) أي لولا مخافة وجود المشقة (على أمتي) وفي رواية لأبي تمام على المؤمنين (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) قال القاضي: لولا تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا النافية ولو تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره فتدل هنا على انتفاء الأمر لانتفاء نفي المشقة وانتفاء نفي الشيء ثبوت فيكون الأمر نفيا لثبوت المشقة [ص: 339] وفيه أن الأمر للوجوب لا للندب لأنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز ذلك انتهى. قال الطيبي: فإذا كانت لولا تستدعي امتناع الشيء لوجود غيره والمشقة نفسها غير ثابتة فلا بد من مقدر أي لولا خوف المشقة أو توقعها لأمرتهم. قال الجوهري: والمشقة ما يشق على النفس احتماله أي فكأن النفس انشقت لما نالها من صعوبة ذلك الشيء وأراد بقوله لأمرتهم القول المخصوص دون الفعل والشأن قال ابن محمود: والظاهر أنه حقيقة فيه لسبقه إلى الفهم من كونه بمعنى الفعل وفيه أن المندوب ليس مأمورا به لثبوت الندب وانتفاء الأمر لكن يطرقه ما مر من اتحاد زمنهما وفيه أن أوامر المصطفى صلى الله عليه وسلم واجبة وجواز تعبده بالاجتهاد فيما لا نص فيه لجعله المشقة سببا لعدم الأمر وشمل لفظ الأمة جميع أصنافها وأخرج غيرهم كالكفار وكونهم مخاطبون بالفروع لا يقدح لأن المندوبات قد تستلزم أن لا تدخل تحت الخطاب وقرينة خشيته على المشقة تؤيده فأل فيه لتعريف الحقيقة فتحصل السنة بكل ما يسمى سواكا أو للعهد والمعهود عندهم كل خشن مزيل فينصرف الندب إليه بتلك الصفات وفيه الاكتفاء بما يسمى سواكا فتحصل السنة عرضا أو طولا لكنه عرضا أولى وسواء بدأ بيمنى فمه أو يساره أو مقدمه وباليمين أولى فإنه يسن حتى لمن بالمسجد خلافا لبعض المالكية وأنه لا يكره بحال ما خرج عن ذلك إلا الصائم بعد الزوال بدلائل أخر وأن المشقة تجلب التيسير وإذا ضاق الأمر اتسع. شفقته على أمته وعبر بكل العمومية ليشمل كل ما يسمى صلاة ولو نفلا وجنازة واللفظ إذا تردد بين الحقيقة اللغوية والشرعية يجب حمله على الشرعية فخرج مجرد الدعاء إذ لا يسمى صلاة شرعا ثم إنه لا يلزم من نفي وجوب السواك لكل صلاة نفي وجوبه إذ المشقة التي نفي الوجوب لأجلها غير حاصلة حصولها عند كل صلاة لكن لا قائل به (ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل) ليقل حظ النوم وتطول مدة انتظار الصلاة والإنسان في صلاة ما انتظرها كما في عدة أخبار فمن وجد به قوة على تأخيرها ولم يشق على أحد من المقتدين فتأخيرها إلى الثلث أفضل على ما نطق به هذا الحديث وهو قول الشافعي الجديد وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحب والتابعين واختاره النووي من جهة الدليل وفي القديم والإملأ أن تعجيلها أفضل وعليه الفتوى عند الشافعية قال في شرح التقريب: وإنما اتفقوا على ندب تأكد السواك ولم يتفقوا على ندب تأخير العشاء بل جعله الأكثر خلاف الاستحباب مع أن كلا منهما علل فيه ترك الأمر بالمشقة لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم واظب على السواك دون تأخيرها (حم ت والضياء) المقدسي في المختارة (عن زيد بن خالد الجهني) ورواه أحمد وأبو يعلى والبزار وزادوا فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله إلى سماء الدنيا فلم يزل هناك حتى يطلع الفجر فيقول ألا سائل فيعطى ألا داع فيجاب ألا مستشفع فيشفع ألا سقيم يستشفى فيشفى ألا مستغفر فيغفر له قال الهيثمي: رجالهم ثقات الحديث: 7507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 7508 - (لولا أن أشق) أن مصدرية في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا أي لولا المشقة موجودة والمشقة ما يصعب احتماله على النفس مشتقة من الشق وهو الوقوع في الشيء (على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) هو بمعنى قوله عند كل وضوء أي لأمرتهم بالسواك مصاحبا للوضوء ويحتمل أن معناه لأمرتهم به كما أمرتهم بالوضوء ذكره أبو شامة وفيه بيان شفقته على أمته ورفقه بهم واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة بل في التكرار ورد بأن التكرار لم يوجد هنا من مجرد الأمر بل من تقييده بكل صلاة (مالك) في الموطأ (والشافعي) في المسند (هق) كلهم (عن أبي هريرة طس عن علي) أمير المؤمنين قال المنذري بعد عزوه للطبراني: إسناده حسن وقال الهيثمي: فيه ابن إسحاق ثقة مدلس وقد صرح بالتحديث وإسناده حسن الحديث: 7508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 [ص: 340] 7509 - (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم) أي لولا مخافة أن أشق عليهم لأمرتهم أمر إيجاب ففيه نفي الفرضية وفي غيره من الأحاديث إثبات الندبية لخبر مسلم عشر من الفطرة وعد منها السواك (عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك) قال أبو شامة: وجهه عند الوضوء أنه وقت تطهير الفم وتنظيفه من المضمضة والسواك يأتي على ما لا تأتي عليه المضمضة فشرع معها مبالغة في النظافة والجمع بينهما بأن يتسوك عند الوضوء وعند الصلاة زيادة في النظافة المقصودة قال ابن دقيق العيد: حكمة ندب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها في حالة تقرب إلى الله فاقتضى كونه حال كمال ونظافة إظهار لشرف العبادة. وقال الزين العراقي في شرح الأحكام: حكمته ما ورد من أنه يقطع البلغم ويزيد في الفصاحة وتقطيع البلغم مناسب للقراءة لأنه لا يطرأ عليه فيمنعه القراءة وكذا الفصاحة (حم ن عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو ثقة حسن الحديث وقال المنذري: إسناد أحمد حسن الحديث: 7509 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 7510 - (لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك) قال العراقي: يطلق على الفعل وعلى الآلة التي يتسوك بها والظاهر أن المراد هنا الفعل ويحتمل إرادة الآلة بتقدير لفرضت عليهم استعماله قال القشيري: وأل فيه لتعريف الحقيقة ولا يجوز كونها للاستغراق ويحتمل كونها للعهد لأن السواك كان معهودا لهم على هيئات وكيفيات فيحتمل العود إليها والأول أقرب (عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء) تمسك بالعموم المذكور في هذا وما قبله وبعده من لم يكره للصائم السواك بعد الزوال فقالوا دخل فيها الصائم وغيره شهر رمضان وغيره واستدل بقوله عند كل صلاة على ندبه للفرض والنفل ويحتمل أن المراد الصلاة المكتوبة وهو اختيار أبي شامة ويؤيده قوله كما فرضت عليهم الوضوء فسوى بينهما فكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفرض إلا إن طال الفصل مثلا فكذا السواك وقد يفرق بأن الوضوء أشق من السواك ويؤيده حديث ابن ماجه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك قال ابن حجر: إسناده صحيح (ك عن ابن العباس بن عبد المطلب) ورواه عنه أيضا البزار والطبراني وأبو يعلى قال الهيثمي: وفيه أبو علي الصقيل قال ابن السكن مجهول الحديث: 7510 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 7511 - (لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك) مع الوضوء (ولأخرت صلاة العشاء الآخرة إلى نصف الليل) لما تقدم فيما قبل وخصت العشاء بندب التأخير لطول وقتها وتفرغ الناس من الأشغال والمعايش وفيه ندب السواك مطلقا فإنه دل على ندبه بقيد الوضوء والدال على المقيد دال على المطلق (ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: لم يخرجا لفظ لفرضت وهو على شرطهما وليس له علة وشاهده ما قبله اه ومن ثم رمز المصنف لصحته وقول النووي كابن الصلاح: هذا الحديث منكر لا يعرف ذهول عجيب قال ابن حجر: ويتعجب من ابن الصلاح أكثر فإنهما وإن اشتركا في قلة النقل من المستدرك لكن ابن الصلاح ينقل من سنن البيهقي كثيرا والحديث فيه الحديث: 7511 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 7512 - (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك والطيب عند كل صلاة) لأن المصلي يناجي ربه وتصافحه الملائكة [ص: 341] فتأكد في حقه الطيب لذلك ومقتضى الحديث أنه لا فرق بين أن يصلي بوضوء أو بتيمم أو بلا طهارة بالكلية كفاقد الطهورين وبه صرح النووي وقد احتج بهذه الأخبار من ذهب إلى وجوب السواك لكل صلاة وهو قول إسحاق ابن راهويه كما نقله عنه الشيخ أبو حامد وغيره وبالغ فقال: من تركه عمدا لم تصح صلاته وقال داود: هو واجب لكن ليس بشرط وبما تقرر عرف ما في دعوى حكاية بعضهم الإجماع على عدم وجوبه قال ابن حجر: وأكثر الأخبار الدالة على وجوبه لا تثبت وبتقدير الصحة فالنفي في مفهومها الأمر به مقيد بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار (ص عن مكحول) الشامي (مرسلا) الحديث: 7512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 7513 - (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار) تمسك بهذا الخبر وما قبله من الأخبار من ذهب إلى أن للمصطفى صلى الله عليه وسلم الحكم باجتهاده لجعله المشقة سببا لعدم أمره ولو كان الحكم موقوفا على النص كان سبب انتفاء أمره عدم ورود النص به لا وجود المشقة والخلاف في المسألة طويل الذيل مبين في الأصول (أبو نعيم في كتاب السواك عن ابن عمرو) بن العاص قال ابن حجر: في إسناده ابن لهيعة الحديث: 7513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 7514 - (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها) لكنها أمة كاملة فلا آمر بقتلها ولا أرتضيه لدلالتها على الصانع وقدرته وحكمته وتسبيحها بلسان الحال والقال وما من خلق إلا وفيه نوع حكمة أو مصلحة وإذا امتنع استئصالها بالقتل (فاقتلوا منها) أخبثها وأشرها (الأسود البهيم) أي الشديد السواد فإنه أضرها وأعقرها وأبقوا ما سواه ليدل على قدرة من سواه ولينتفع بها في نحو حرس أو زرع وفيه أن الأمة تطلق على كل جنس من الحيوان (د ت) في الصيد (عن عبد الله بن مغفل) ورواه الطبراني وأبو يعلى عن عائشة بنحوه قال الهيثمي: وسنده حسن الحديث: 7514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 7515 - (لولا أن المساكين) في رواية بدله السؤال (يكذبون) في دعواهم الفاقة ومزيد الحاجة (ما أفلح من ردهم) يعني يكذبون في صدق ضرورتهم وحاجتهم غالبا لا أن كلهم كذلك بل فيهم من يجعل المسألة حرفة. سمعت عائشة سائلا يقول: من يعشيني أطعمه الله من ثمار الجنة فعشته فخرج فإذا هو ينادي من يعشيني فقالت: هذا تاجر لا مسكين فلما احتمل أمرهم كذبا وصدقا خفف أمر الرد بقوله لولا ولم يجزم وقوع التهديد وإنما رد الراد بفوات التقديس وهو التطهير بالصدقة لأن للسائل حقا وفيه حث على إجابة السائل وتحذير من التغافل عنه والرد خوفا من كونه صادقا (طب) والقضاعي (عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي: فيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف وفي الميزان عن العقبلي: لا يصح في هذا شيء وحكم ابن الجوزي بوضعه ونازعه المصنف الحديث: 7515 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 7516 - (لولا أن لا تدافنوا) بحذف إحدى التاءين أي لولا خوف تر التدافن من خوف أن يصيبكم من العذاب ما أصاب الميت (لدعوت الله أن يسمعكم) هو مفعول دعوت على تضمينه معنى سألت لأن دعوت لا يتعدى إلى مفعولين (عذاب القبر) لفظ [ص: 342] رواية أحمد لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع هكذا هو ثابت في روايته بزيادة من الذي أسمع قال الطيبي: أن يسمعكم مفعول ثان لدعوت على تضمين سألت والذي مفعول أن يسمعكم ومن عذاب القبر بيان له حال منه مقدم عليه ومعنى لولا أن لا تدافنوا أنهم لو سمعوه لتركوا التدافن حذرا من عذاب القبر أو لاشتغل كل بخويصته حتى يفضى بهم إلى ترك التدافن وقيل لا زائدة ومعناه لولا أن تموتوا من سماعه فإن القلوب لا تطيق سماعه فيصعق الإنسان لوقته فكنى عن الموت بالتدافن ويرشد إليه قوله في الحديث الآخر لو سمعه الإنسان لصعق أي مات وفي رواية لأحمد لولا أن تدافنوا بإسقاط لا وهو يدل على زيادتها في تلك الرواية وقيل أراد لأسمعتكم عذاب القبر أي صوته ليزول عنكم استعظامه واستبعاده وهم وإن لم يستبعدوا جميع ما جاء به كنزول الملك وغيره من الأمور المغيبة لكنه أراد أن يتمكن خبره من قلوبهم تمكن عيان وليس معناه أنهم لو سمعوا ذلك تركوا التدافن لئلا يصيب موتاهم العذاب كما قيل لأن المخاطبين وهم الصحب عالمون بأن العذاب أي عذاب الله لا يرد بحيلة فمن شاء تعذيبه عذبه ولو في ببطن حوت بل معناه لو سمعوا عذابه تركوا دفن الميت استهانة به أو لعجزهم عنه لدهشهم وحيرتهم أو لفزعهم وعدم قدرتهم على إقباره أو لئلا يحكموا على كل من اطلعوا على تعذيبه في قبره بأنه من أهل النار فيتركوا الترحم عليه وترجي العفو له وإنما أحب إسماعهم عذاب القبر دون غيره من الأهوال لأنه أول المنازل وفيه أن الكشف بحسب الطاقة ومن كوشف بما لا يطيقه هلك <تنبيه> قال بعض الصوفية: الاطلاع على المعذبين والمنعمين في قبورهم واقع لكثير من الرجال وهو هول عظيم يموت صاحبه في اليوم والليلة موتات ويستغيث ويسأل الله أن يحجبه عنه وهذا المقام لا يحصل للعبد إلا بعد غلبة روحانيته على جسمانيته حتى يكون كالروحانيين فالذين خاطبهم الشارع هنا هم الذين غلبت جسمانيتهم لا من غلبت روحانيتهم والمصطفى صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل قوم بما يليق بهم (حم م ن عن أنس) بن مالك قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين قال ذلك وفي رواية لمسلم من حديث زيد بن ثابت قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر قال رجل: أنا قال: فمتى مات هؤلاء قال: ماتوا في كذا فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ولولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار فقالوا: نعوذ بالله منه فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر فقالوا: نعوذ بالله منه قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وبطن قال: نعوذ بالله منها قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا: نعوذ بالله منه اه الحديث: 7516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 7517 - (لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم) قال الغزالي: جعل العجب أكبر من الذنوب ولو لم يذنب العبد لاستكثر فعله واستحسن عمله فلحظ أفعاله المدخولة وطاعاته التي هي بالمعاصي أشبه وإلى النقص أقرب فيرجع من كنف الله وحفظه إلى استحسان فعله فيهلك قال الطيبي: لم يرد به ونحوه قلة الاحتفال بمواقعة الذنوب كما توهمه أهل الغرة بل إنه كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب التجاوز عن المسيء فمراده لم يكن ليجعل العباد كالملائكة منزهين عن الذنوب بل خلق فيهم من يميل بطبعه إلى الهوى ثم كلفه توقيه وعرفه التوبة بعد الابتلاء فإن وفى فأجره على الله وإن أخطأ فالتوبة بين يديه فأراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أنكم لو تكونون مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنوب فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة فإن الغفار يستدعي مغفورا والسر في هذا إظهار صفة الكرم والحلم والغفران ولو لم يوجد لانثلم طرف من صفات الألوهية والإنسان إنما هو خليفة الله في أرضه يتجلى له بصفات الجلال والإكرام في القهر واللطف وقد تقدم ذلك كله مع زيادة. (تتمة) [ص: 343] قال رجل للقرطبي: أريد أن أعطي الله عهدا أن لا أعصيه أبدا قال: ومن أعظم الآن جرما منك وأنت تتألى على الله أن لا ينفذ فيك قضاؤه وقدره إنما على العبد أن يتوب كلما أذنب (حم م ت عن أبي أيوب) الأنصاري الحديث: 7517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 7518 - (لولا المرأة لدخل الرجل الجنة) أي مع السابقين الأولين لأن المرأة إذا لم يمنعها الصلاح الذي ليس من جبلتها كانت عين المفسدة فلا تأمر زوجها إلا بما يبعده عن الجنة ويقربه إلى النار ولا تحثه إلا على فساد وأل في المرأة والرجل للجنس قال في الفردوس: ويروى لولا النساء لدخل الرجال الجنة قال رجل: ما دخل داري شر قط فقال حكيم: ومن أين دخلت امرأتك (الثقفي في الثقفيات) عن عثمان بن أحمد البرجي عن محمد بن عمرو بن حفص عن الحجاج بن يوسف بن قتيبة عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي (عن أنس) بن مالك أورده المؤلف في مختصر الموضوعات وقال: بشر متروك وظاهره أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز في ديباجته وإلا لما أبعد النجعة مع أن الديلمي خرجه باللفظ المزبور الحديث: 7518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 7519 - (لولا النساء لعبد الله حقا حقا) لأنهن من أعظم الشهوات القاطعة عن العبادات ألا ترى أن الله تعالى قدمهن في آية ذكر الشهوات حيث بين الشهوات بقوله (من النساء) ثم عقبها بغيرها دلالة على أنها أصلها ورأسها وأسها (عد) عن يعقوب بن سفيان بن عاصم عن محمد بن عمر عن عيسى بن زياد الدورقي عن عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن ابن المسيب (عن عمر) بن الخطاب ثم قال مخرجه ابن عدي: هذا حديث منكر لا أعرفه إلا من هذا الطريق انتهى. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: عبد الرحيم وأبوه متروكان ومحمد بن عمر منكر الحديث اه وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا وهو ما ذكره هنا بقوله الحديث: 7519 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 7520 - (لولا النساء لعبد الله حق عبادته) قال الطيبي: أول فتنة في بني إسرائيل كانت من النساء كان رجل منهم اسمه عائيل طلب منه ابن أخيه أو ابن عمه أي يزوجه ابنته فأبى فقتله لينكحها وهو الذي نزلت به سورة البقرة على ما قيل (فر عن أنس) وفيه بشر بن الحسين قال الذهبي: قال الدارقطني: متروك الحديث: 7520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 7521 - (لولا بنو إسرائيل) أولاد يعقوب اسم عبراني معناه عبد الله وقال مغلطاي: معناه أسرى إلى الله (لم يخبث الطعام) بخاء معجمة أي لم يتغير ريحه (ولم يخنز) بالخاء المعجمة وكسر النون بعدها زاي لم يتغير ولم ينتن (اللحم) قال القاضي: خنز اللحم بالكسر تغير وأنتن يعني لولا أنهم سنوا ادخار اللحم حتى خنز لما ادخر لحم يخنز فهو إشارة إلى أن خنز اللحم شيء عوقب به بنو اسرائيل لكفرانهم نعمة ربهم حيث ادخروا السلوى فنتن وقد نهاهم عن الادخار ولم يكن ينتن قبل ذلك وفي بعض الكتب الإلهية لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء (ولولا حواء) بالهمز ممدودا يعني ولولا خلق حواء مما هو أعوج أو لولا خيانة هواء لآدم في إغوائه وتحريضه على مخالفة الأمر بتناول الشجرة قيل سميت حواء لأنها أم كل حي (لم تخن أنثى زوجها) لأنها أم النساء فأشبهنها ولولا أنها سنت هذه السنة لما سلكتها أنثى مع زوجها فإن البادي بالشيء كالسبب الحامل لغيره على الإتيان به فلما خانت سرت في بناتها الخيانة فقلما تسلم امرأة من خيانة زوجها بفعل أو قول وليس المراد بالخيانة الزنا حاشا وكلا لكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وزينت ذلك لآدم مطاوعة لعدوه [ص: 344] إبليس عد ذلك خيانة له وأما من بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها وفيه إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم لما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن والعرق دساس فلا يفرط في لوم من فرط منها شيء بغير قصد أو نادرا (1) وينبغي لهن أن لا يتمسكن بهذا في الاسترسال على هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن قال الحرالي: والأنثى أدنى زوجي الحيوان المتناكح (حم ق عن أبي هريرة) واستدركه الحاكم عليهما فوهم وأعجب منه تقدير الذهبي له ولفظ مسلم لم تخن أنثى زوجها الدهر فلعل المؤلف سقط من قلمه لفظ الدهر أو تركه لكونه لم تتفق عليه الروايات   (1) [أي فلا ينبغي المبالغة في لوم المرأة التي فرط منها شيء من ذلك بغير قصد منها أو كان ذلك نادر صدوره عنها. دار الحديث] الحديث: 7521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 7522 - (لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت صلاة العتمة) بالتحريك أي صلاة العشاء سماها عتمة بيانا للجواز فلا ينافي كراهة تسميتها بذلك والعتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق إلى آخر الثلث الأول ولو حرف امتناع لامتناع ففيه دلالة على أن إيقاع صلاة العشاء أول الوقت أفضل وأنه لا يندب تأخيرها إلى الثلث وهو الذي واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدون فالقول بأن تأخيرها إلى الثلث أفضل محجوج بذلك وقد مر تقريره (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه محمد بن كريب وهو ضعيف اه وبه ينظر في رمز المصنف لحسنه الحديث: 7522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 7523 - (لولا عباد لله ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا ثم رص) بضم الراء وشد الصاد المهملة بضبطه (رصا) أي ضم بعضه إلى بعض وفيه دلالة على ندب إخراج الشيوخ والأطفال والبهائم في الاستسقاء وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم (طب) وكذا في الأوسط (هق) كلاهما من حديث هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن سعد بن عمار (عن) مالك بن عبيدة بن (مسافع) بضم الميم وسين مهملة وفاء (الديلمي) عن أبيه عن جده قال الذهبي في المهذب: ضعيف ومالك وأبوه مجهولان وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار وهو ضعيف اه وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه من التوقف إلا أن يكون اعتضد الحديث: 7523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 7524 - (لولا ما مس الحجر) الأسود (من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة) كأجذم أو أعمى أو أبرص (إلا شفي) من عاهته (وما على الأرض شيء من الجنة غيره) يحتمل أن يراد به ظاهره وأنه يراد به المبالغة في تعظيمه يعني أن الحجر لما له من التعظيم والكرامة والبركة يشارك جواهر الجنة فكأنه منها وأن خطايا البشر تكاد تؤثر في الجماد (هق عن ابن عمرو) رواه الطبراني عن ابن عباس ورمز المصنف لحسنه الحديث: 7524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 7525 - (لولا مخافة) وفي رواية لولا خشية (القود يوم القيامة) من الظالم للمظلوم (لأوجعتك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث وفي رواية لضربتك (بهذا السواك) وفي رواية لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السوط (طب) وكذا أبو يعلى (حل ك عن أم سلمة) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فكان بيده سواك فدعى وصيفة له أو لها فأبطأت حتى استبان الغضب في وجهه فخرجت أم سلمة إليها وهي تلعب ببهيمة فقالت: ألا أراك تلعبين ورسول الله يدعوك فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك فذكره قال المنذري: أسانيده أحدها جيد قال الهيثمي: أسانيده عند أبي بعلى والطبراني جيدة انتهى. ورمز المصنف لحسنه الحديث: 7525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 [ص: 345] 7526 - (ليأتين) قال الطيبي: الإتيان المجيء بسهولة (هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق) كذا في نسخ الكتاب ثم رأيته بخط المصنف هكذا والذي وقفت عليه في أصول صحيحة قديمة يشهد لمن استلمه بحق وعلى من استلمه بغير حق فليحرر قال البيضاوي: شبه خلق الحياة والنطق فيه بعد أن كان جمادا لا نطق فيه بنشر الموتى وبعثها ولا امتناع فيه فإن الأجسام متساوية في الجسمية وقبول الأعراض التي منها الحياة والنطق والله قادر على جميع الممكنات لكن الأغلب على الظن أن المراد منه تحقيق ثواب المسلم وأن سعيه لا يضيع وأجره لا يفوت قال: والمراد بالمسلم بحق من استلم اقتفاء لأثره وامتثالا لأمره انتهى. قال الطيبي: ويشهد للوجه الأول شهادة لا ترد تصدير الكلام بالقسم وتأكيد الجواب بالنون لئلا يظن خلاف الظاهر وعلى في يشهد من استلمه مثلها في قوله تعالى {ويكون الرسول عليكم شهيدا} أي رقيبا حفيظا عليكم فالمعنى يحفظ على من استلم أحواله شاهدا ومزكيا له ويجوز أن يتعلق بحق بقوله يشهد أي يشهد بحق على من استلمه بغير حق كالكافر والمستهزئ ويكون خصمه يوم القيامة ويشهد بحق لمن استلمه بحق كالمؤمن المعظم لحرمته (هـ) في الحج (هب) كلاهما (عن ابن عباس) ظاهر اقتصاره على ابن ماجه من بين الستة أنه لم يخرجه منهم سواه وليس كذلك بل خرجه الترمذي عن الحبر أيضا وقال: حسن وتبعه المصنف فرمز لحسنه لكن فيه عبد الله بن عثمان بن خيثم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال يحيى: أحاديثه ليست بقوية الحديث: 7526 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 7527 - (ليأتين على القاضي العدل) عدى الإتيان بعلى لتضمنه معنى الغلبة (يوم القيامة ساعة يتمنى) من شدة الحساب (أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط) قال الطيبي: قوله يوم القيامة فاعل ليأتين ويتمنى حال من المجرور والوجه كونه حالا من الفاعل والعائد محذوف أي يتمنى فيه أو يوم القيامة نصبه على الظرف أي ليأتين عليه يوم القيامة من البلاء ما يتمنى أنه لم يقض فإذن يتمنى بتقدير أن وعبر عن السبب بالمسبب لأن البلاء سبب التمني والتقييد بالعدل والتمرة تتميم لمعنى المبالغة عما حل به من البلاء (حم) وكذا الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وإنه كذلك فقد قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 7527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 7528 - (ليأتين على الناس زمان يكذب فيه الصادق ويصدق فيه الكاذب ويخون فيه الأمين ويؤتمن فيه الخؤون) ببناء يكذب ويصدق ويخون فيه للمفعول ويجوز للفاعل (ويشهد المرء ولم يستشهد ويحلف وإن لم يستحلف ويكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع) اللكع أصله للعبد ثم استعمل في الحمق والذم وأكثر ما يقع في النداء وهو اللئيم والوسخ (لا يؤمن بالله ورسوله) (طب) وكذا في الأوسط (عن أم سلمة) رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف وقد وثق الحديث: 7528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 [ص: 346] 7529 - (لأتين على الناس زمان) قيل هو زمن عيسى أو وقت ظهور أشراط الساعة أو ظهور الكنوز أو قلة الناس وقصر آمالهم والخطاب لجنس الأمة والمراد بعضهم (يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب) خصه بالذكر مبالغة في فقد من يقبل الصدقة لأن الذهب أعز المال وأشرفه فإذا فقد من يأخذه فغيره أولى والقصد حصول عدم القبول مع اجتماع ثلاثة أمور طواف الرجل بصدقته وعرضها على من يأخذها وكونها ذهبا (ثم لا يجد أحدا يأخذها منه) لكثرة المال وفيضه واستغناء الناس أو لكثرة الهرج والفتن واشتغال كل أحد بنفسه (ويرى الرجل) بمثناة تحتية مضمومة وراء مفتوحة مبنيا للمفعول (الواحد) حال كونه (يتبعه أربعون امرأة يلذن به) أي يلتجئن إليه (من قلة الرجال) بسبب كثرة الحروب والقتال الواقع في آخر الزمان (وكثرة النساء) بغير قوام عليهن (ق عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الحديث: 7529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 7530 - (ليأتين على الناس زمان لا يبالي الرجل بما أخذ من المال) بإثبات ألف ما الاستفهامية الداخل عليها حرف الجر والقياس حذفها لكن وجد في كلام العرب على ندور وأخبر بهذا تحرزا من فتنة المال (أمن حلال) يأخذ (أم من حرام) وجه الذم من جهة هذه التسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال غير مذموم من حيث هو وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن أمر غيبي وقد وقع على وفق ما أخبر (حم خ) في باب قوله تعالى {لا تأكلوا الربا} (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الدارمي ولم يخرجه مسلم الحديث: 7530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 7531 - (ليأتين) اللام جواب قسم محذوف (على الناس زمان لا يبقى منهم) أي من الناس (أحد إلا أكل الربا) الخالص (فإن لم يأكله أصابه من غباره) أي يحيق به ويصل إليه من أثره بأن يكون موكلا أو متوسطا فيه أو كاتبا أو شاهدا أو معامل المرابي أو من عامل معه وخلط ماله بماله ذكره البيضاوي وقال الطيبي: قوله إلا أكل المستثنى صفة لأحد والمستثنى منه أعم عام الأوصاف نفى جميع الأوصاف إلا الأكل ونحن نرى كثيرا من الناس لم يأكل حقيقة فينبغي أن يجري على عموم المجاز فيشمل الحقيقة والمجاز ولذلك أتبعه بالفاء التفصيلية بقوله فإن لم يأكله حقيقة أكله مجازا وفي رواية من بخاره وهو ما ارتفع من الماء من الغليان كالدخان والماء لا يغلي إلا بنار توقد تحته ولما كان المال المأكول من الربا يصير نارا يوم القيامة يغلي منه دماغ آكله ويخرج منه بخار ناسب جعل البخار من أكل الربا والبخار والغبار إذا ارتفع من الأرض أصاب كل من حضر وإن لم يأكل ووجه النسبة بينهما أن الغبار إذا ارتفع من الأرض أصاب كل من حضر وإن لم يكن هو أثاره كما يصيب البخار إذا انتثر من حضر وإن لم يتسبب فيه وهذا من معجزاته فقل من يسلم في هذا الوقت من أكل الربا الحقيقي فضلا عن غباره (د) في الربا (هـ ك) في البيع من حديث الحسن البصري (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد قال الحاكم: صحيح قال الذهبي في التلخيص: إن صح سماع الحسن من أبي هريرة وقال في المهذب: لم يصح للانقطاع الحديث: 7531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 7532 - (ليأتين على أمتي) قال القاضي: إما أمة الدعوة فيندرج فيه جميع أرباب الملل والنحل الذين ليسوا على [ص: 347] قبلتنا أو أمة الإجابة والمراد بالملل الثلاث والسبعين مذاهب أهل القبلة وقال الطيبي: عدى يأتين بعلى لمعنى الغلبة المؤدية للهلاك (ما أتى) لفظ رواية الترمذي كما أتى. قال بعض شراحه: والكاف في قوله كما أتى اسمية كما في قوله: " ويضحكن عن كالبرد المتهم " إذ هي بمعنى مثل ومحله من الإعراب رفع لأنه فاعل ليأتين على أمتي مثل الذي أتى (على بني إسرائيل حذو) بالنصب على المصدر لفعل محذوف يدل عليه كما أتى أي يحذو أمتي حذو بني إسرائيل (النعل بالنعل) الحذو بحاء مهملة وذال معجمة القطع وحذوت النعل بالنعل قدرت كل واحدة على صاحبتها وقطعتها. قال الطيبي: وحذو النعل بالنعل استعارة في التساوي وقال ابن جرير: يعني أن أمته سيتبعون آثار من قبلهم من الأمم مثلا بمثل كما يقدر الحذاء طاقة النعل التي يركب عليها طاقات أخرى حتى يكون بعضها مساويا بعضا متحاذيات غير مخالفات بلا اعوجاج فهكذا هذه الأمة في مشابهتهم من قبلهم من الأمم فيما عملوا به في أديانهم وأحدثوا فيها من البدع والضلالات يسلكون سبيلهم (حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية) أي جهارا (لكان) قال الطيبي: اللام فيه جواب إن على تأويل لو كما أن لو تأتي بمعنى إن وحتى هي الداخلة على الجملة الشرطية (في أمتي من يصنع ذلك) ولا بد (وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين) قال ابن تيمية: وهذا الافتراق مشهور عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من حديث جمع جم من الصحابة قال الطيبي: الملة في الأصل ما شرعه الله لعباده ليتوصلوا به إلى جوار الله ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها ثم اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة فقيل الكفر كله ملة واحدة والمعنى أنهم يفترقون فرقا تتدين كل واحدة منها بخلاف ما تتدين بها الأخرى فتسمى طريقتهم ملة مجازا وقال بعضهم: هذا الاختلاف في الأصول وأما اختلاف الرحمة فهو في الفروع واختلف العلماء فقال بعضهم: لم تتكامل هذه الفرق إلى الآن وإنما وجد بعضها وقال بعضهم: وهو من يتبع التواريخ وجدت بتمامها فعشرون منهم الروافض وعشرون الخوارج وعشرون القدرية أي المعتزلة وسبع المرجئة وفرقة البخارية وفرقة الصرارية وفرقة الجهمية وفرقة كرامية خراسان وفرقة الفكرية وفرقة المشبهة فهؤلاء اثنان وسبعون والثالثة والسبعون الناجية (كلهم في النار) أي متعرضون لما يدخلهم النار من الأفعال القبيحة (إلا ملة واحدة) أي أهل ملة واحدة فقيل له من هي قال (ما أنا عليه) من العقائد الحقة والطرائق القويمة (وأصحابي) فالناجي من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واقتدى بسيرهم في الأصول والفروع قال ابن تيمية: أخبر عليه الصلاة والسلام بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة واثنتان وسبعون لا ريب أنهم الذين منهم في آية {وخضتم كالذي خاضوا} ثم هذا الاختلاف المخبر عنه إما في الدين فقط أو في الدين والدنيا ثم قد يؤول إلى الدنيا وقد يكون في الدنيا فقط (ت) في الإيمان (عن ابن عمرو) بن العاص وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه اه. قال الصدر المناوي: وفيه عبد الرحمن بن زياد الافريقي قال الذهبي: ضعفوه الحديث: 7532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 7533 - (ليؤذن لكم خياركم) أي أمناؤكم ليؤمن نظرهم للعورات وليثق بهم الصائم في الفطر والمصلي في حفظ الوقت قال الكمال: ويدخل كونه خيارا لا يأخذ عليه أجرا ويدخل فيه أيضا أن لا يلحن الأذان فإنه لا يحل وتحسين الصوت مطلوب ولا تلازم بينهما والتلحين إخراج الحرف عما يجوز له في الأداء اه. (وليؤمكم أقرأكم) وكان الأقرأ في زمنه هو الأفقه فلو تعارض أفقه وأقرأ قدم الأفقه عند أكثر العلماء (د هـ) كلاهما في الصلاة من حديث حسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) وتعقبه الذهبي في المهذب فقال: حسين هو أخو سليم القارئ له مناكير اه. وفي فتح العزيز فيه الحسين بن عيسى نسب إليه أبو أوزعة وأبو حاتم النكارة في حديثه وبذلك يعرف [ص: 348] ما في رمز المصنف لصحته الحديث: 7533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 7534 - (ليأكل كل رجل) يعني إنسان ولو أنثى (من أضحيته) ندبا والأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث (طب حل عن ابن عباس) رمز لحسنه قال الهيثمي وغيره: فيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ وضعفه الجمهور الحديث: 7534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 7535 - (ليأكل أحدكم بيمينه ويشرب بيمينه) ندبا مؤكدا (وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه) لأن اليمنى هي المناسبة للأعمال الشريفة والأحوال النظيفة وهي مشتقة من اليمن وقد شرف الله أصحاب الجنة إذ نسبهم إلى اليمين وعكسه في أصحاب الشمال (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله) حقيقة في الكل لأن العقل لا يحيل ذلك فلا ملجئ لتأويل الطيبي على أن المراد يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليضاد به عباد الله الصالحين قال النووي: وفيه ندب الأكل والشرب والأخذ والإعطاء باليمين وكراهة ذلك بالشمال أي حيث لا عذر كشلل أو مرض وإلا فلا كراهة وأفاد ندب تجنب ما يشبه فعل الشيطان وأن للشيطان يدين (هـ عن أبي هريرة) قال المنذري: وإسناده صحيح فرمز المؤلف لحسنه تقصير الحديث: 7535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 7536 - (ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن) أخذ بظاهره أحمد فقال: يقدم الأقرأ على الأفقه وقال الشافعية: الأفقه مقدم والمراد بالحديث أفقهكم إذ أقرؤهم كان أفقههم ولأن الصلاة تحتاج إلى فقه لأحكام متعلقة بالصلاة (ن عن) أبي بريد بموحدة وراء وقيل بتحتية وزاي (عمرو بن سلمة) بن قيس الجرمي صحابي صغير نزل البصرة قال: جاء أبي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال كذا فنظروا فكنت أكثرهم قرآنا فكنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين رمز المصنف لحسنه الحديث: 7536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 7537 - (ليؤمكم أحسنكم وجها فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقا) بالضم والأحسن خلقا أولى بالإمامة (عد) من حديث الحسين بن مبارك عن عمرو بن سنان عن إسماعيل بن عياش عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال أعني ابن عدي: والحسين متهم بالوضع والبلاء في هذا الحديث منه وقد حدث بأسانيد ومتون منكرة اه. فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه ابن عدي خرجه وسكت عليه غير صواب ورأيت الذهبي في مختصر تاريخ الشام لابن عساكر كتب على الحاشية بخطه موضوع وحكم ابن الجوزي بوضعه الحديث: 7537 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 7538 - (ليؤمن هذا البيت) أي الحرام (جيش) أي يقصدونه (يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض) وفي رواية ببيداء المدينة والبيداء كل أرض ملساء لا شيء فيها وبيداء المدينة الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى حهة مكة (يخسف بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم ثم يخسف بهم الأرض فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم) وهذا لم يقع الآن (حم م ن هـ عن حفصة) [ص: 349] بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين الحديث: 7538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 7539 - (ليبشر فقراء أمتي) أمة الإجابة (بالفوز) أي الظفر والنجاح والفلاح (يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمس مئة عام) من أعوام الدنيا (هؤلاء) يعني الفقراء (في الجنة ينعمون وهؤلاء) أي الأغنياء في المحشر (يحاسبون) على ما عملته أيديهم فيما أعطاهم الله من الأموال (حل عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه الحديث: 7539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 7540 - (ليبعثن الله تعالى من مدينة بالشام يقال لها حمص) بكسر الحاء وسكون الميم وصاد مهملة بلدة مشهورة افتتحها أبو عبيدة قيل سميت باسم رجل من العمالقة اختطها (سبعين ألفا يوم القيامة لا حساب عليهم ولا عذاب مبعثهم فيما بين الزيتون والحائط في البرث الأحمر منها) والبرث كما في القاموس وغيره الأرض السهلة أو الجبلة من الرمل أو أسهل الأرض وأحسنها وجمعه براث وأبراث وبروث وبواريث أو هي خطأ. قال ابن الأثير: أراد بها أرضا قريبة من حمص قتل فيها جماعة من الشهداء والصالحين (حم طب ك عن عمر) بن الخطاب قال المؤلف في جامعه الكبير: قال الذهبي: منكر جدا وعزاه الهيثمي للبزار ثم قال: فيه أبو بكر عبد الله بن أبي مريم وهو ضعيف الحديث: 7540 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 7541 - (ليبلغ شاهد غائبكم) أي ليبلغ الحاضر بالمجلس الغائب عنه وهو أمر بالتبليغ فيجب لكنه يختص بما كان من قبيل التشريع وهل يشترط البلاغ باللفظ أي ينقل الشارع أو يكنى بالمعنى خلاف معروف والمراد هنا إما تبليغ حكم هذه الصلاة أو تبليغ حكم من الأحكام الشرعية التي فيها هذا وإلى فيه مقدرة أي ليبلغ شاهدكم إلى غائبكم (لا تصلوا بعد) طلوع (الفجر إلا سجدتين) أي ركعتين بدليل رواية الترمذي لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا بركعتي الفجر وأخذ به أحمد فكره الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس إلا ركعتي الفجر وفرض الصبح وهو وجه عند الشافعية والأصح عندهم أن أول وقت الكراهة من صلاة الفجر إلى الارتفاع وفيه أنه يجب على الإمام تعليم العلم بلسانه أو بكتابته لمن لم يبلغه وتفهيمه لمن لم يفهمه وحفظ الكتاب والسنة من التصحيف والتحريف وأن الشاهد له سماعا ورؤية يبلغه الغائب إفادة ورواية لينتشر العلم ويكثر العمل وكان التبليغ في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرض عين على من سمعه والآن فرض كفاية لظهوره وعمومه (د هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رجاله موثوقون ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 7541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 7542 - (ليبيتن) اللام في جواب القسم أي والله ليبيتن (أقوام من أمتي) لا مانع هنا من إرادة أمة الدعوة (على أكل ولهو ولعب ثم ليصبحن قردة وخنازير) وفيه وقوع المسخ في هذه الأمة قال الحافظ الزين العراقي: ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بلفظ ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي: فيه فرقد السنجي وهو ضعيف الحديث: 7542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 [ص: 350] 7543 - (ليت شعري) أي ليت شعوري (كيف أمتي بعدي) أي كيف حالهم بعد وفاتي (حين يتبختر رجالهم وتمرح نساؤهم) أي تفرح فرحا شديدا (وليت شعري) كيف يكون حالهم (حين يصيرون صنفين صنفا ناصبي نحورهم في سبيل الله وصنفا عمالا لغير الله) أي للرياء والسمعة أو بقصد حصول الغنيمة (ابن عساكر) في تاريخه (عن رجل) من الصحابة الحديث: 7543 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 7544 - (ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة) قاله لما نزل في الذهب والفضة ما نزل فقالوا: فأي مال نتخذ فذكره قال حجة الإسلام: فأمر باقتناء القلب الشاكر وما معه بدلا من المال (حم ت) وحسنه كلهم (عن ثوبان) رمز المصنف لحسنه. قال الحافظ العراقي: هذا حديث منقطع الحديث: 7544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 7545 - (ليتصدق الرجل من صاع بره وليتصدق من صاع تمره) أي ليتصدق ندبا مؤكدا بما عنده وإن قل كصاع بر وصاع تمر وخص البر والتمر لأنه غالب طعامهم وغالب المقتاتات في غالب الأرض وقرنه بلام الأمر إيذانا بمزيد التأكيد (طس عن أبي جحيفة) بالتصغير قال: دهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من قيس متقلدي السيوف فساءه ما رأى من حالهم فصلى ثم دخل بيته ثم خرج فصلى ثم جلس في مجلسه فأمر بالصدقة وحض عليها فقال ليتصدق إلخ فجاء رجل من الأنصار بصرة من ذهب فوضعها في يده ثم تتابع الناس حتى رأى كومين من ثياب وطعام فرأيت وجهه يتهلهل كأنه مذهبة اه. ورواه عنه أيضا البزار رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه أبو إسرائيل وفيه كلام وقد وثق الحديث: 7545 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 7546 - (ليتق أحدكم وجهه) أي ذاته ونفسه والعرب تكني عن النفس بالوجه (من النار) نار جهنم (ولو بشق تمرة) أي شيء قليل جدا فإنه يفيد سد الرمق سيما للطفل فلا يحتقر المتصدق ذلك والاتقاء من النار كناية عن محو الذنوب وقد مر غير مرة (حم عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 7546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 7547 - (ليتكلف أحدكم من العمل ما يطيق) أي ما يطيق الدوام عليه بلا ضرورة ولا تحملوا أنفسكم أوزارا كثيرة لا تقدرون على إدامتها (فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا وقاربوا وسددوا) أي اقصدوا بأعمالكم السداد ولا تتعمقوا فإنه لن يشاد أحدكم هذا الدين إلا غلبه (حل عن عائشة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 7548 - (ليتمنين أقوام ولوا) بضم الواو وشد اللام (هذا الأمر) يعني الخلافة أو الإمارة (أنهم خروا) سقطوا على [ص: 351] وجوههم (من الثريا) النجم المعروف مبالغة (وأنهم لم يلوا شيئا) لما يحل بهم من الخزي والندامة يوم القيامة إذ الإمارة أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة (حم عن أبي هريرة) رمز لحسنه الحديث: 7548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 7549 - (ليتمنين أقوام لو أكثروا من السيئات) أي من فعلها قيل: من هم يا رسول الله قال: (الذين بدل الله سيئاتهم حسنات) فيه وما قبله جواز تمني المحال إذا كان في فعل خير ويحتمل أن التمني ليس على بابه بل المراد منه التنبيه على سعة رحمة الله (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيرة باللفظ المذكور الحديث: 7549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 7550 - (ليجيئن أقوام يوم القيامة ليست في وجهوهم مزعة) بضم فسكون قطعة (من لحم قد أخلقوها) يعني يعذبون في وجوههم حتى يسقط لحومها لمشاكلة العقوبة في موضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أي والحال أنهم أغنياء وأنهم يبعثون ووجوههم كلها عظم لا لحم عليها أو ليس فيهم من الحسن شيء لأن حسن الوجه بلحمه أو تدنو الشمس منهم فتذيب لحم وجوههم (طب عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه الحديث: 7550 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 7551 - (ليحجن) بضم الياء التحتية وفتح الحاء والجيم مبنيا للمفعول مؤكدا ثقيلة (هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج) اسمان أعجميان ولا يلزم من حج الناس بعد خروجهم امتناع الحج في وقت ما عند قرب الساعة فلا تدافع بينه وبين خبر لا تقوم الساعة حتى لا يححج البيت ويظهر أن المراد بقوله ليحجن البيت مكان البيت لخبر إن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد كذا ذكره بعضهم لكن قال ابن بطال في شرح البخاري: إن تخريب الحبشة يحصل ثم يعود جزء منها ويعود الحج إليها (حم عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 7551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 7552 - (ليخرجن قوم من أمتي من النار بشفاعتي يسمون) عند أهل الجنة (الجهنميين) فيه إشارة إلى طول تعذيبهم في جهنم حتى أطلق عليهم هذا الاسم وأيس من خروجهم فيخرجون بشفاعته (ت هـ عن عمران بن حصين) رمز لحسنه الحديث: 7552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 7553 - (ليخشين أحدكم أن يؤخذ عند أدنى ذنوبه في نفسه) فإن محقرات الذنوب قد تكون مهلكة وصاحبها لا يشعر قال الغزالي: صغائر المعاصي تجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أصل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اه (حل عن محمد بن النضر الحارثي) الحديث: 7553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 7554 - (ليدخلن من أمتي الجنة سبعون ألفا أو سبع مئة ألف) شك الراوي في أحدهما (متماسكين) بالنصب على الحال وروي رفعه على الصفة قال النووي: وبالواو وهو ما في معظم الأصول اه. وهو الياء في خط المؤلف (آخذ بعضهم ببعض) في رواية مسلم بعضهم بعضا (لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم) غاية للتماسك المذكور والمراد أنهم يدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض فيدخل الكل دفعة ووصفهم بالأولية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها الصراط (وجوههم على صورة القمر) أي على صفته في الإشراق والضياء (ليلة البدر) ليلة أربعة عشر وعلم منه أن أنوار أهل الجنة وصفاتهم في الجمال تتفاوت بتفاوت الدرجات ثم إن هذا ليس فيه نفي دخول أحد من هذه الأمة [ص: 352] على الصفة المذكورة من التشبه بالقمر غير هؤلاء والجملة حالية بدون الواو (ق عن سهل بن سعد) الساعدي الحديث: 7554 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 7555 - (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا) أراد بالمعية مجرد دخولهم الجنة بغير حساب وأن دخلوها في الزمرة الثانية أو ما بعدها وفي حديث جابر عند الحاكم مرفوعا من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب وفي التقييد بأمته إخراج غيرها من الأمم من العدد المذكور ثم إن هذا لا يعارضه خبر لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه لأنه وإن كان عاما لكونه نكرة في سياق النفي لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب وبمن يدخل النار من أول وهلة <تنبيه> هذا الحديث خص به خبر لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع الحديث (حم) وكذا الطبراني من حديث سريع بن عبد الله (عن ثوبان) الحديث: 7555 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 7556 - (ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي) أمة الإجابة (أكثر من تميم) أي القبيلة المشهورة قيل: هو أويس القرني وقيل: عثمان وتمام الحديث قالوا: سواك يا رسول الله قال: سواي (حم هـ حب ك) في الإيمان (عن عبد الله ابن أبي الجدعاء) بضم الجيم وسكون المعجمة الكناني صحابي له حديثان كذا في التقريب كأصله وقيل: ابن أبي الحمساء تميمي وقيل: كناني وقيل: هو ميسرة الفجر قال الحاكم: صحيح رواه بشر بن الفضل عن خالد الحديث: 7556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 7557 - (ليدخلن الجنة بشفاعة رجل) قيل: إنه أويس القرني (ليس بنبي مثل الحيين ربيعة) أبو قبيلة مشهورة وهو ابن نزار بن معد بن عدنان (ومضر) كزفر بن نزار قبيلة وهو مضر الحمراء فقال رجل: يا رسول الله وما ربيعة من مضر أي ما نسبة ربيعة إلى مضر وبينهما في الشرف بون بعيد فقال: (إنما أقول ما أقول) بضم الهمزة وفتح القاف وواو مشددة أي لقنته وعلمته أو ألقي على لساني من الإلهام أو هو وحي حقيقة (حم طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه قال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجال أحمد رجال الصحيح وأحد أسانيد الطبراني رجالهم رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة الحديث: 7557 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 7558 - (ليدخلن بشفاعة عثمان) بن عفان (سبعون ألفا كلهم قد استوجبوا النار) أي دخولها (الجنة بغير حساب) ولا عقاب وفيه فخر عظيم لعثمان (ابن عساكر) في ترجمة عثمان (عن ابن عباس) قضية تصرف المصنف أن ابن [ص: 353] عساكر خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال: روي بإسناد غريب عن ابن عباس رفعه وهو منكر اه. وأقره عليه الذهبي في اختصار لتاريخه الحديث: 7558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 7559 - (ليدركن الدجال قوما مثلكم أو خيرا منكم ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها) وفي رواية ابن أبي شيبة ليدركن أقواما إنهم لمثلكم أو خيرا منكم ثلاثا ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها وقد احتج بهذا الخبر ابن عبد البر على ما ذهب إليه من أن الأفضلية المذكورة في خبر خير الناس قرني بالنسبة للمجموع لا للأفراد واحتج أيضا بحديث عمر رفعه أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني. الحديث. خرجه الطيالسي وغيره. قال ابن حجر: وإسناده ضعيف فلا حجة فيه ولخبر أحمد والطبراني. قال أبو عبيدة: يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا وجاهدنا معك قال: قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني. قال ابن حجر: إسناده حسن وصححه الحاكم وبحديث أبي داود والترمذي يأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل: منهم أو منا يا رسول الله قال: بل منكم واحتج أيضا بأن السبب في كون القرن الأول أفضل بأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم فكذا أواخرهم إذ أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة (الحكيم) في نوادره (ك) كلاهما (عن جبير بن نفير) بنون وفاء مصغرا وهو الحضرمي الحمصي ثقة جليل قال في التقريب: من الثانية مخضرم ولأبيه صحبه فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر اه. فالحديث مرسل ورواه ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين قال ابن حجر: وإسناده حسن الحديث: 7559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 7560 - (ليذكرن الله عز وجل قوم في الدنيا على الفرش الممهدة يدخلهم الدرجات العلى) لما نالوه بسبب مداومتهم للذكر وموتهم وألسنتهم رطبة به وفيه إشارة إلى تفضيلهم على المجاهدين ومن ذلك حديث في آخر حرف الهمزة (ع حب عن أي سعيد) الخدري قال الهيثمي: إسناده حسن الحديث: 7560 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 7561 - (ليردن) بتشديد النون (علي ناس) وفي رواية أقوام (من أصحابي) وفي رواية أصيحابي مصغرا (الحوض) حوض الكوثر للشرب منه في الموقف (حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا) بالبناء للمفعول أي نزعوا أو جذبوا قهرا عليهم (دوني) أي بالقرب مني (فأقول يا رب أصيحابي) أي هؤلاء أصيحابي فهو خبر مبدأ محذوف (أصيحابي) بالتصغير والتكبير تأكيد وفي رواية بدونه (فيقال لي) من قبل الله تعالى (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) أي بعد وفاتك قيل وهو أهل الردة بدليل رواية فأقول سحقا سحقا وقيل أهل الكبائر والبدع والظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق وقيل المنافقون قال القاضي: هم صنفان المرتدون عن الاستقامة والعمل الصالح والمرتدون عن الدين وبما أشكل هذا الحديث بحديث عرض الأعمال عليه كل أسبوع أو أكثر أو أقل (حم ق عن أنس) بن مالك (وعن حذيفة) بن اليماني وفي الباب سمرة وأبو بكر وأبو داود الحديث: 7561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 7562 - (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها) لأنه المتكفل لكل متوكل بما يحتاجه ويرومه جل أو قل (حتى يسأله شسع نعله [ص: 354] إذا انقطع) لأن طلب أحقر الأشياء من أعظم العظماء أبلغ من طلب الشيء العظيم منه ومن ثم عبر بقوله ليسأل وكرره ليدل على أنه لا مانع ثم ولا راد لسائل ولأن في السؤال من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وإعطائه المسؤول ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالحق سبحانه وتعالى جواد له الجود كله يحب أن يسأل ويطلب أن يرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق ما يسأله فهو خالق السائل وسؤاله ومسؤوله (ت هب عن أنس) بن مالك وفيه قطن بن بشير قال في الميزان: كان أبو حاتم يحمل عليه وقال ابن عدي: يسرق الحديث الحديث: 7562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 7563 - (ليسأل أحدكم ربه حاجته) فإن خزائن الجود بيده وأزمتها إليه ولا معطي ولا متفضل إلا هو (حتى يسأله الملح) ونحوه من الأشياء القليلة فإنه تعالى يحب السؤال من عباده ورغبتهم إليه وطلبهم منه ولو لم يسألوا لغضب عليهم فإنه ييسر الكثير والقليل وأفاد النهي عن سؤال غيره ألبتة (وحتى يسأله شسع) أي شسعه نعله عند انقطاعها فدفع به وبما قبله ما عساه يختلج في بعض الأذهان القاصرة من أن الدقائق لا يجوز أن تنسب إليه ولا تطلب منه لحقارتها فإن هذا وهم فاسد ومن ثم أعقب الرحمن بالرحيم إيثارا لمسلك التعميم كما سبق وقد أثنى الله سبحانه على من دعاه بالذلة والخضوع والافتقار والخشوع بقوله {ويدعوننا رغبا ورهبا} أوحى الله إلى موسى يا موسى سلني في دعائك وخافي صلاتك حتى عن الملح أجبيك (ت عن) أبي محمد (ثابت) بمثلثة أوله ابن أسلم (البناني) بضم الموحدة وخفة النون الأولى مولاهم البصري أحد الأعلام وبنانة بضم الموحدة ونونين بينهما ألف بطن من قريش (مرسلا) قضية كلام المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله واقتصر عليها وهو عجب من هذا المطلع السائر فقد رواه البزار عن أنس مرفوعا بلفظ ليسأل أحدكم ربه حاجته أو حوائجه كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع وحتى يسأله الملح قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة اه الحديث: 7563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 7564 - (ليستتر أحدكم في الصلاة بالخط بين يديه وبالحجر وبما وجد من شيء) أي مما هو قدر مؤخرة الرحل كما بينه في حديث آخر فيه أن الخط يكفي سترة للمصلي وبه قال أحمد وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث قال النووي: وليس في حديث مؤخرة الرحل دليل على بطلان الخط ولم ير مالك الخط مطلقا (مع أن المؤمن لا يقطع صلاته شيء) من امرأة أو حمار أو كلب مر بين يديه (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) وفيه حيون بن المبارك قال في الميزان: نكرة حدث بمصر عن الأنصاري عن أبيه عن جده عن أنس بهذا الحديث وساقه ثم قال: رواته ثقات غير حيون والخبر منكر اه. قال في اللسان: ذكره السهمي في تاريخ جرجان من رواية أحمد الغطريفي عن إسحاق الاسترأباذي الحديث: 7564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 7565 - (ليستحي أحدكم من ملكيه) بفتح اللام أي الحافظين (اللذين معه كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنهار) لا يفارقانه طرفة عين فمن استحيا منهما لا يفعل شيئا من المعاصي ولا يؤذيهما بارتكاب المحرمات والقبائح وإذا كان العبد إذا كذب تباعد عنه الملك مسيرة ميل من نتن ريح فمه فما بالك بما هو فوق ذلك (هب عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي سكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه إسناده [ص: 355] ضعيف وله شاهد ضعيف اه بلفظه وذلك لأن فيه ضعفاء منهم معارك بن عباد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وغيره الحديث: 7565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 7566 - (ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في) انقطاع (شسع نعله فإنها) الحادثة التي هي انقطاعه (من المصائب) التي جعلها الله سببا لغفران الذنوب ولما نزل {من يعمل سوءا يجز به} قال الصديق: هذه قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوءا؟ فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: ألست تحزن ألست ألست؟ وهذا الحديث قد بوب عليه النووي في الأذكار: " باب ما يقول إذا أصابته نكبة قليلة أو كثيرة " (ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن عبد الله وهو التيمي قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد: ليس بثقة الحديث: 7566 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 7567 - (ليستغن أحدكم) عن الناس (بغنى الله غداء يومه وعشاء ليلته) فمن أصبح مالكهما فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وطلب فوق ذلك وبال وتركه كمال ومن ثم قال داود: لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وارض من الدنيا باليسير مع سلامة دينك كما رضى أقوام بالكثير مع سلامة دنياهم (ابن المبارك عن واصل مرسلا) واصل في التابعين أسدي ورقاشي وبصري ومهلبي وغيرهم فتمييزه كان أولى الحديث: 7567 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 7568 - (ليسلم الراكب على الراجل وليسلم الراجل على القاعد وليسلم الأقل على الأكثر فمن أجاب السلام فهو له ومن لم يجب فلا شيء له) من الأجر بل عليه الوزر إن تركه بلا عذر (حم خد عن عبد الرحمن بن سهل) الأنصاري الأوسي الحديث: 7568 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 7569 - (ليس الأعمى من يعمى بصره إنما الأعمى من تعمى بصيرته) {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فمن أشرق نور اليقين على قلبه أبصرت نفسه حسن العواقب وماتت شهواته بما أبصر قلبه بنور اليقين من جلال الله وعظمته فهو البصير وإن كان أعمى البصر ومن تزاحمت على قلبه ظلمات الغفلة وأحاطت به من كل جانب بحيث انطمست عين نفسه فهو الأعمى وإن كان بصيرا قال في الكشاف: العمى على الحقيقة أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها واستعماله في القلب استعارة وتمثيل وفيه في محل آخر البصيرة نور القلب الذي يستبصر به كما أن البصر نور العين الذي يبصر به وقال العسكري: والبصيرة الاستبصار في الدين ولما قال معاوية لعقيل بن أبي طالب: ما لكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم فقال: كما تصابون يا بني أمية ببصائركم (الحكيم هب عن عبد الله بن جراد) وفيه يعلى بن الأشدق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال البخاري: لا يكتب حديثه ورواه عنه أيضا العسكري والديلمي الحديث: 7569 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 7570 - (ليس الإيمان بالتمني) أي التشهي (ولا بالتحلي) أي التزين بالقول ولا بالصفة (ولكن هو ما وقر في القلب [ص: 356] وصدقه العمل) أي ليس هو بالقول الذي تظهره بلسانك فقط ولكن يجب أن تتبعه معرفة القلب ذكره الزمخشري وبالمعرفة لا بالعمل تتفاوت الرتب فإنما تفاضلت الأنبياء بالعلم بالله لا بالأعمال وإلا لكان المعروف من الأنبياء وأممهم أفضل من نبينا وأمته وإنما تقدمهم بفضل معرفته بالله وعلمه به وقوة اليقين. قال ابن عطاء: على قدر قرب الأولين والآخرين من التقوى أدركوا من اليقين وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أعلى العالمين قال الغزالي: وفيه إيماء إلى أن أشرف العلوم معرفة الله تعالى وأنه ليس المراد بها الاعتقاد الذي يتلقنه العامي رواية وتلقنا ولا تحرير الكلام ومراوغة الأخصام التي هو غاية المتكلم بل نوع يقين هو ثمر نور يقذفه الله في قلب من طهر بالمجاهدة باطنه والعجب ممن يسمع مثل هذا الحديث من صاحب الشرع ثم يزدري ما يسمعه على وفقه ويزعم أنه من ترهات الصوفية وأنه غير معقول والناس أعداء ما جهلوا {وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} (ابن النجار فر عن أنس) قال العلائي: حديث منكر تفرد به عبد السلام بن صالح العابد قال النسائي: متروك وابن عدي: مجمع على ضعفه وقد روى معناه بسند جيد عن الحسن من قوله وهو الصحيح إلى هنا كلامه وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه لا يرتضى الحديث: 7570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 7571 - (ليس البر) بالكسر: الخير والبركة (في حسن اللباس والزي) الهيئة (ولكن البر السكينة) بالتخفيف المهابة والرزانة (والوقار) الحلم والتأني وهو مصدر وقر بالضم مثل جمل جمالا ويقال أيضا وقر يقر من باب وعد يعد فهو وقور مثل رسول (فر عن أبي سعيد) الحديث: 7571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 7572 - (ليس البيان) أي الوضوح والانكشاف وظهور المراد (كثرة الكلام ولكن فصل فيما يحب الله ورسوله) أي قول قاطع يفصل بين الحق والباطل (وليس العي عي اللسان) أي ليس التعب والعجز عجز اللسان وتعبه وعدم اهتدائه لوجه الكلام (ولكن قلة المعرفة بالله) فإنها هي العي على التحقيق: وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى. . . وما ضر ذا تقوى لسان معجم (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه وعن طريقه أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليه أولى ثم إن فيه رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وقد مر غير مرة أنهما ضعيفان الحديث: 7572 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 7573 - (ليس الجهاد أن يضرب الرجل بسيفه في سبيل الله) أي ليس ذلك هو الجهاد الأكبر (إنما الجهاد) الأكبر الذي يستحق أن يسمى (من عال والديه وعال ولده) أي عال أصوله وفروعه المحتاجين الذين يلزمه نفقتهم (فهو في جهاد) لأن جهادهم أي الكفار وهم في ديارهم فرض كفاية إذا قام به غيره سقط عنه وأما القيام بنفقة من تلزمه نفقته فهو فرض عين (ومن عال نفسه فكفها عن الناس فهو في جهاد) أفضل من جهاد الكفار (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) قضية تصرف المصنف أن هذا لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور عن أنس المذكور فكان ينبغي عزوه إليهما معا الحديث: 7573 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 [ص: 357] 7574 - (ليس الخبر كالمعاينة) أي المشاهدة إذ هي تحصيل العلم القطعي وقد جعل الله لعباده أذانا واعية وأبصارا ناظرة ولم يجعل الخبر في القوة كالنظر بالعيان وكما جعل في الرأس سمعا وبصرا جعل في القلب ذلك فما رآه الإنسان ببصره قوي علمه به وما أدركه ببصر قلبه كان أقوى عنده وقال الكلاباذي: الخبر خبران صادق لا يجوز عليه الخطأ وهو خبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحتمل وهو ما عداه فإن حمل الخبر على الأول فمعناه ليس المعاينة كالخبر في القوة أي الخبر أقوى وأكد وأبعد عن الشكوك إذا كان خبرا لصادق والمعاينة قد تخطئ فقد يرى الإنسان الشيء على خلاف ما هو عليه كما في قصة موسى والسحرة وإن حمل على الثاني فمعناه ليس المعاينة كالخبر بل هي أقوى وأكد لأن المخبر لا يطمئن قلبه وتزول عنه الشكوك في خبر من يجوز السهو عليه والغلط والحاصل أن الخبر إن كان خبرا لصادق فهو أقوى من المعاينة أو غيره فعكسه إلا أن ما ذكر في الخبر الآتي عقبه على الأثر يشير إلى أن المراد هنا الثاني (طس عن أنس) بن مالك (خط عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات ورواه أيضا ابن منيع والعسكري وعد من جوامع الكلم والحكم. وقال الزركشي: ظن أكثر الشراح أنه ليس بحديث وهو حديث حسن خرجه أحمد وابن حبان والحاكم من طرق ورواه الطبراني وهو عنده بلفظ الكتاب وبلفظ ليس المعاينة كالخبر وقال في موضع آخر: رواه أحمد والحاكم وابن حبان وإسناده صحيح فإن قيل: هو معلول بقول الكامل إن هشيما لم يسمعه من أبي بشر قلت: قال ابن حبان في صحيحه: لم يتفرد به هشيم وله طرق ذكرتها في المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر الحديث: 7574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 7575 - (ليس الخبر كالمعاينة) وشاهد ذلك (أن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا) من عبادته (ألقى الألواح فانكسرت) فأفاد هذا أنه لس حال الإنسان عند معاينة الشيء كحاله عند الخبر عنه في السكون والحركة لأن الإنسان لعله يسكن إلى ما يرى أكثر من الخبر عنه وإن كان صادقا عنده وكان خبر الله عند موسى ثابتا وخبره كلامه وكلامه صفته فعرف فتنة قومه بصفة الله تعالى وصفة البشرية ما تظهر عند صفة الله تعالى فلما لم تظهر لعجز البشرية وضعف الإنسانية تمسك موسى بما بيده ولم يلقه فلما عاين قومه عاكفين على العجل عابدين له عاتبهم بصفة نفسه التي هي نظره ببصره ورؤيته بعينه وصفته عجز البشرية وضعف الإنسانية وتقص الخلقة فلم يطق بصفته أن يمسك ما في يده مع اضطرابها وتلفها فلما وقف على عبادتهم العجل لم يتمالك أن طرح الألواح وأخذ برأس أخيه ألا تراه لما سكن رجع إلى الله مستغفرا له ولأخيه والمصطفى صلى الله عليه وسلم ثبت ليلة الإسراء عند قاب قوسين أو أدنى وأخبر بتجلي أوصاف الحق سبحانه له بقوله وضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها ولم يثبت موسى عند تجلي ربه للجبل حتى خر صعقا لأن نبينا صلى الله عليه وسلم كان قائما بأوصاف الحق وأوصافه التي هي عجز البشرية فانية منه خافية ساقطة عنه ليس لها أثر في وقته وموسى كان ناظرا بصفة الإنسانية إلى الجبل ألا تراه قيل له: {انظر إلى الجبل} فنظر بصفته لكونه مكلفا والمصطفى صلى الله عليه وسلم كان مفعولا به بدليل {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} . <فائدة> قال ابن دريد عن أبي حاتم: إن أبا مليك أحد فرسان بني يربوع لما قتل بنو بكر بنيه وأخبر بذلك فلم يشك ولم يظهر عليه جزع بالكلية فلما رآهما بعينه ألقى نفسه عليهما وقد أيقن قبل ذلك أنهما قتلا فلم يشك عند الخبر بل غلبه الجزع عند المعاينة (حم طس ك عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وصححه ابن حبان الحديث: 7575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 [ص: 358] 7576 - (ليس الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن يفي) بما وعد به (ولكن الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن لا يفي) بما وعد به قال في الإحياء: الخلف من أمارات النفاق أي حيث كان بلا عذر قال: ومن منعه العذر عن الوفاء جرى على صورة النفاق فينبغي أن يتحرز عن صورته أيضا ولا ينبغي أن يجعل نفسه معذورا من غير ضرورة اه. وفي شرح مسلم للنووي أوجب الوفاء به وإنجازه الحسن وبعض المالكية ثم إن عاد عند الوعد عازما على عدم الوفاء به أي لغير عذر فهذا هو النفاق اه (ع عن زيد بن أرقم) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي ورمز المصنف لحسنه الحديث: 7576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 7577 - (ليس الشديد) أي القوي (بالصرعة) أي كثير الصرع بمهملات يعني ليس القوي من يقدر على صرع خصمه أي إلقائه إلى الأرض بقوة. قال المنذري: الصرعة بضم ففتح من يصرع الناس كثيرا بقوته وأما بسكون الراء فالضعيف الذي يصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت مع أحد للمبالغة أي ليس القوي من يقدر على صرع الأبطال من الرجال ويلقيهم إلى الأرض بقوة (إنما الشديد) على الحقيقة (الذي يملك نفسه عند الغضب) أي إنما القوي من كظم غيظه عند ثوران الغضب وقاوم نفسه وغلب عليها فحول المعنى فيه من القوة الظاهرة إلى القوة الباطنة ومن ملك نفسه عنده فقد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه لخبر أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك وهذا من قبيل المجاز وفصيح الكلام لأن الغضبان لما كان بحال شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه سورة الغضب وقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كمن يصرع الرجال ولا يصرعونه <تنبيه> أخذ الصوفية من هذا أنه ينبغي للعارف تحمل من آذاه من جار وغيره (حم ق) كلاهما في الأدب (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره الحديث: 7577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 7578 - (ليس الصيام) في الحقيقة (من الأكل والشرب) وجميع المفطرات (إنما الصيام) المعتبر الكامل الفاضل (من اللغو) قول الباطل واختلاط الكلام (والرفث) الفحش في المنطق والتصريح بما يكنى عنه من ذكر النكاح حول المعنى فيه من الظاهر إلى الباطن على وزان ما سبق (فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل) بلسانك أو بقلبك وبهما أولى على ما مر (إني صائم إني صائم) أي يكرر ذلك كذلك (ك هق عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره الحديث: 7578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 7579 - (ليس الغنى) بكسر أوله مقصورا أي الحقيقي النافع المعتبر (عن كثرة العرض) بفتح الراء كما في المشارق وبسكونها على ما في المقاييس لابن فارس متاع الدنيا قيل وكأنه أراد بالعرض مقابل الجوهر وهو عند أهل السنة لا يبقى زمانين شبه متاع الدنيا في سرعة زواله وعدم بقائه زمانين يعني ليس الغنى المحمود ما حصل عن كثرة العرض والمتاع لأن كثيرا ممن وسع الله عليه لا ينتفع بما أوتي بل هو متجرد في الإزدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه فالحريص فقير دائما (ولكن الغنى) المحمود المعتبر عند أهل الكمال (غنى) القلب وفي رواية (النفس) أي استغناؤها بما قسم لها وقناعتها ورضاها به بغير إلحاح في طلب ولا إلحاف في سؤال ومن كفت نفسه عن المطامع قرت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من كان فقير النفس فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته فيصغر في العيون ويحتقر في النفوس ويصير أذل من كل ذليل والحاصل أن من رضي [ص: 359] بالمقسوم فكأنه واجد أبدا ومن اتصف بفقر النفس فكأنه فاقد أبدا يأسف على ما فات ويهتم بما هو آت فمن أراد غنى النفس فليحقق في نفسه أنه تعالى المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكر على نعمائه ويفزع إليه في كشف ضرائه وأنشد بعضهم من قصيدة: وعند مليكك فابغ العل. . . ووبالوحدة اليوم فاستأنس فإن الغنى في قلوب الرجا. . . ل وإن التعزز في الأنفس وكم قد ترى من أخي عسرة. . . غني وذي ثروة مفلس ومن قائم شخصه ميت. . . على أنه بعد لم يرمس وقيل: أراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية وهو بعيد (حم ق ت هـ عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح الحديث: 7579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 7580 - (ليس الفجر بالأبيض المستطيل في الأفق) أي الذي يصعد إلى السماء وتسميه العرب ذنب السرحان وبطلوعه لا يدخل وقت الصبح (ولكن) الفجر الحقيقي الذي يدخل به وقته وتدور عليه الأحكام هو (الأحمر المعترض) أي المنتشر في أطراف السماء (حم عن) أبي علي (طلق بن علي) بن مدرك الحنفي السحيمي بمهملتين مصغرا الثماني صحابي له وفادة رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الحافظ العراقي: إسناده حسن الحديث: 7580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 7581 - (ليس الكذاب) أي ليس يأثم في كذبه من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم (بالذي) وفي رواية الذي (يصلح) بضم الياء (بين الناس) أي من يكذب لإصلاح المتشاجرين أو المتباغضين فإن قيل: هذا الحديث يعارضه خبر إنه عليه السلام رأى الكذاب يعذب بالكلوب من حديد قلنا: العذاب على الكذب عام فيه كله وما جاء في غيره فهو تخصيص للعام وهذا هو الذي تناوله الحديث وكذا كل كذب يؤدي إلى خير كما أشار إليه بقوله (فينمي) بفتح أوله وكسر الميم مخففا أي يبلغ (خيرا) على وجه الإصلاح (ويقول خيرا) أي يخبر بما عمله المخبر عنه من الخير ويسكت عما عمله من الشر فإن ذلك جائز بل محمود بل قد يندب بل قد يجب لكن في اشتراط قصد التورية خلف وليس المراد نفي ذات الكذب بل نفي إنمه فالكذب كذب وإن قيل لإصلاح أو غيره كذا قرره جمع وقال البيضاوي: قوله ينمي خيرا أي يبلغ خير ما يسمعه وبدع شره يقال نميته الحديث مخففا في الإصلاح ونميته مثقلا في الإفساد والأول من النماء لأنه رفع لما يبلغه والثاني من النميمة وإنما نفى عن المصلح كونه كذابا باعتبار قصده وهذه أمور قد يضطر الإنسان فيها إلى زيادة القول ومجاوزة الصدق طلبا للسلامة ودفعا للضرر ورخص في اليسير من الفساد لما يؤمل فيه من الصلاح والكذب في الإصلاح بين اثنين أن ينمي من أحدهما إلى صاحبه خيرا ويبلغه جميلا وإن لم يكن سمعه منه بقصد الإصلاح والكذب في الحرب أن يظهر في نفسه قوة ويتحدث بما يقوى به أصحابه ويكيد عدوه والكذب للزوجة أن يعدها ويمنيها ويظهر لها أكثر مما في نفسه ليستديم صحبتها ويصلح به خلقها قال النووي: وقد ضبط العلماء ما يباح من الكذب وأحسن ما رأيته في ضبطه قول الغزالي: الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذاب فيه حرام لعدم الحاجة وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق فالكذب فيه مباح لمباح وواجب لواجب وفي الحديث دليل الصوفية على ما يفعلونه من المكر بنفوسهم فيعدونها بشهوتها كي تبلغهم ما يريدون من الطاعة فإذا فعلت وعدوها بمواعد آخر ثم هكذا فالوعد للنفس بمرغوبها كالوعد للزوجة بذلك. [ص: 360] (حم ق د ت عن أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط (طب عن شداد بن أوس) الخزرجي الحديث: 7581 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 7582 - (ليس المؤمن) الكامل الإيمان (الذي لا يأمن جاره بوائقه) أي دواهيه جمع بائقة وهي الداهية أو الأمر المهلك وفي حديث الطبراني أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جاره فقال له: أخرج متاعك في الطريق ففعل فصار كل من يمر عليه يقول: ما لك فيقول: جاري يؤذيني فيلعنه فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا لقيت من فلان أخرج متاعه فجعل الناس يلعنوني ويسبوني فقال: إن الله لعنك قبل أن يلعنك الناس (طب) وكذا في الأوسط (عن طلق بن علي) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه أيوب بن عتبة ضعفه الجمهور وهو صدوق كثير الخطأ الحديث: 7582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 7583 - (ليس المؤمن) التعريف للجنس أي ليس المؤمن الذي عرفته أنه مؤمن كامل الإيمان (بالذي يشبع) لفظ رواية الحاكم بالذي يبيت شبعانا (وجاره) أي والحال أن جاره (جائع إلى جنبه) لإخلاله بما توجه عليه في الشريعة من حق الجوار وتهاونه في فضيلة الإطعام التي هي من شرائع الإسلام سيما عند حاجته وخصاصته وألصق الجوار جوار الزوجة والخادم والقريب وقد كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم كما في مسلم جار فارسي طيب المرق فصنع طعاما ودعاه فقال: أنا وهذه يعني عائشة فلم يأذن لها فامتنع المصطفى صلى الله عليه وسلم من إجابته لما كان بها من الجوع فلم يستأثر عليها بالأكل وهذا قضية مكارم الأخلاق سيما مع أهل بيت الرجل ولذلك قيل: وشبع الفتى لؤم إذا جاع جاره (خد طب ك) في البيع وغيره (هق) كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح فتعقبه الذهبي في التلخيص بأنه من حديث عبد العزيز بن يحيى وليس ثقة وفي المهذب بأن فيه ابن المجاور مجهول وقال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات وقال المنذري: رواه الطبراني وأبي يعلى ثقات الحديث: 7583 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 7584 - (ليس المؤمن بالطعان) أي الوقاع في أعراض الناس بنحو ذم أو غيبة قال في الأساس: ومن المجاز طعن فيه وعليه وهو طعان في أعراض الناس قال ابن العربي: وإنما سماه طعنا لأن سهام الكلام كسهام النصال حسا وجرح اللسان كجرح اليد (ولا اللعان) أي الذي يكثر لعن الناس بما يبعدهم من رحمة ربهم إما صريحا كأن يقول لعنة الله على فلان أو كناية كغضبه عليه أو أدخله النار ذكره الطيبي (ولا الفاحش) أي ذي الفحش في كلامه وفعاله قال ابن العربي: والفحش الكلام بما يكره سماعه مما يتعلق بالدين (ولا البذي) أي الفاحش في منطقه وإن كان الكلام صدقا (حم خد ت) في البر (حب ك) كلهم (عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين المانع من صحته قال ابن القطان: ولا ينبغي أن يصح لأن فيه محمد بن سابق البغدادي وهو ضعيف وإن كان مشهورا وربما وثقه بعضهم وقال الدارقطني: روي مرفوعا وموقوفا والوقف أصح الحديث: 7584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 7585 - (ليس المسكين) بكسر الميم وقد تفتح أي الكامل في المسكنة قال في الكشاف: والمسكين الدائم السكون إلى الناس لأنه لا شيء له كالسكير الدائم السكر (الذي يطوف على الناس) يسألهم التصدق عليه (فترده اللقمة واللقمتان) وفي رواية الأكلة والأكلتان [ص: 361] بالضم (والتمرة والتمرتان) بمثناة فوقية فيهما لأن المتردد على الأبواب قادر على تحصيل قوته وربما يقع له زيادة عليه فليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل نفي كمالها لإجماعهم على أن السائل الطواف المحتاج مسكين (ولكن المسكين) الكامل بتخفيف نون لكن فالمسكين مرفوع وبشدها فهو منصوب (الذي لا يجد غنى) بكسر الغين مقصورا أي يسارا (يغنيه) صفة له وهو قدر زائد على اليسار إذ لا يلزم من حصول اليسار الغنية به بحيث لا يحتاج لغيره (ولا يفطن له) بضم الياء وفتح الطاء أي لا يعلم بحاله (فيتصدق عليه) بضم الياء مبنيا للمجهول (ولا يقوم فيسأل الناس) برفع المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين عطفا على المنفي المرفوع فينسحب النفي عليه أي لا يفطن له فلا يتصدق عليه ولا يقوم فلا يسأل الناس وبالنصب فيهما بأن مضمرة ثم إن النفي في قوله لا يجد إلخ محتمل لأن يراد نفي أصل اليسار أو نفي اليسار المقيد بأن يغنيه مع وجود أصل اليسار وعلى الثاني ففيه أن المسكين من يقدر على مال أو كسب يقع موقعا من حاجته ولا يكفيه فهو أحسن حالا من الفقير وبه أخذ الجمهور وعكس قوم وسوى آخرون (مالك) في الموطأ (حم ق د ن عن أبي هريرة) ظاهر عزوه إلى من ذكر أن بقية الستة لم يخرجوه لكن حكى بعضهم الاتفاق عليه من حديث عائشة الحديث: 7585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 7586 - (ليس الواصل) اللام لتعريف الجنس أي ليس حقيقة الواصل ومن يعتد بوصله (بالمكافئ) أي المجازي غيره بمثل فعله إن صلة فصلة وإن قطعا فقطع (ولكن) الرواية بالتشديد ويجوز التخفيف (الواصل) الذي يعتد بوصله هو (الذي إذا قطعت) قال في الرياض: بفتح القاف والطاء وقوله (رحمه) مرفوع (وصلها) يعني وصل قريبه الذي قاطعه نبه به على أن من كافأ من أحسن إليه لا يعد واصلا للرحم وإنما الواصل الذي يقطعه قريبه فيواصل هو وهذا إشارة إلى الرتبة العليا في ذلك وإلا فلو لم يقطعه أحد من قرابته واستمر هو على مواصلاتهم عد واصلا لكن رتبته دون من وصل من قطعه وللعراقي هنا تقرير تعقبه تلميذه ابن حجر بالرد (حم خ د) في الزكاة (ت) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره الحديث: 7586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 7587 - (ليس) وفي رواية ما (أحد أحب إليه المدح) أي الثناء بالجميل (من الله) أي أنه يحب المدح من عباده ليثيبهم على مدحهم الذي هو بمعنى الشكر والاعتراف بالعبودية للواحد الخالق المنعم القهار فإذا كان الأشخاص المعلولون المربوبون المذنبون المقصرون يحبون المدح فالذي يستحقه أولى وأحق تبارك الممدوح في أوصافه المحمود على أفعاله المنعم على عباده البر الرؤوف الرحيم قال في التنقيح: فهم النووي منه أن يقال مدحت الله وليس صريحا لاحتمال كون المراد أنه تعالى يجب أن يمدح غيره لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره (ولا أحد أكثر معاذير من الله) جمع بين محبة المدح والعذر الموجبين لكمال الإحسان وبين أنه لا يؤاخذ عبيده بما ارتكبوه حتى يعذر إليهم المرة بعد الأخرى ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذارا وإنذارا وهذا غاية المجد والإحسان ونهاية الكمال والامتنان فهو لا يسرع بإيقاع العقوبة من غير إعذار منه ومن غير قبول للعذر ممن اعتذر إليه وفيه دلالة على كرم الله وقبوله عذر عباده فقد بسط عذرهم ودلهم على موضع التملق له وعرفهم أنه يقيل عثراتهم ويعفو عن زلاتهم ويتجاوز عن سقطاتهم (طب عن الأسود بن سريع) ظاهر اقتصاره على عزوه للطبراني أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة فإن أراد باللفظ فمسلم وإلا فممنوع فقد رواه البخاري في التوحيد ومسلم في اللعان بلفظ لا أحد أحب إليه المدحة من الله عز وجل ومن أجل ذلك وعد الله الجنة ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين اه. وفي مسلم في التوبة من حديث ابن [ص: 362] مسعود ليس أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه وليس أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش وليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل اه بنصه الحديث: 7587 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 7588 - (ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام لتكبيره وتحميده وتسبيحه وتهليله) أي لأجل صدور ذلك منه ومن شأنه هذا فهو خير الناس لقوله في الخبر المار خيركم من طال عمره وحسن عمله لفظ رواية أحمد تسبيحه وتكبيره وتهليله قال في الكشاف: وأحد في الأصل بمعنى واحد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه (حم عن طلحة) بن عبيد الله رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه من الستة النسائي أيضا فما أوهمه اقتصار المصنف على أحمد من أنه لم يخرج في أحدها غير جيد وسببه كما رواه أحمد وغيره أن ثلاثة من بني عذرة أسلموا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يكفيهم قال أبو طلحة: أنا فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فخرج أحدهم فيه فقتل ثم آخر فقتل ثم مات الثالث فرآهم أبو طلحة في الجنة والميت على فراشه أمامهم وأولهم فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره الحديث: 7588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 7589 - (ليس أحد أحق بالحدة من حامل القرآن) لعزة القرآن (في جوفه) يعني بحيث لا يؤدي إلى ارتكاب محذور أو أراد بالحدة الصلابة في الدين (أبو نصر السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (فر) من حديث بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي (عن أنس) قال في الميزان: بشر هذا قال الدارقطني: متروك وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظ وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير ثم ساق له مما أنكروه عليه أخبارا هذا منها وقال: لا يصح شيء منها وفي اللسان عن ابن حبان: لا ينظر في شيء رواه عن الزبير إلا على جهة التعجب وكذبه الطيالسي الحديث: 7589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 7590 - (ليس أحد من أمتي) أي أمة الإجابة (يعول ثلاث بنات) أي يقوم بما يحتجنه من نحو قوت وكسوة (أو ثلاث أخوات) له (فيحسن إليهن) أي يعولهن ومع ذلك يحسن إليهن في الإقامة عليهن بأن لا يمن عليهن ولا يظهر لهن الضجر والملل ولا يحملهن ما لا يطقنه (إلا كن له سترا من النار) أي وقاية من دخول نار جهنم لأنه كما سترهن في الدنيا عن ذل السؤال وهتك الأعراض باحتياجهن إلى الغير الذي ربما جر إلى الخنا والزنا جوزي بالستر من النار جزاء وفاقا (هب عن عائشة) رمز لحسنه الحديث: 7590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 7591 - (ليس أحد منكم بأكسب من أحد قد كتب الله المصيبة والأجل وقسم المعيشة والعمل فالناس يجرون فيها إلى منتهى) أي يستديمون السعي المتواصل في ذلك إلى نهاية أعمارهم فاعتمد أيها العاقل على التقدير السابق واشهد مجرى الأحكام في العقل اللاحق وانظر بعين البصيرة ترى حكم العالم بأسره في يد الواحد من غير زائد قسم الآجال والأرزاق [ص: 363] بحكمته وقدرها بمشيئته سمع بعضهم هاتفا يقول: نحن قسمنا الأرزاق بين. . . الورى فأدب النفس ولا تعترض وسلم الأمر لأحكامنا. . . فكل عبد رزقه قد فرض فانشق عبير نسمات اللفظ أنسا وطب به سبحانه حياة ويقينا ونفسا واعلم بأن الرزق لا يأتي بحيلة وتدبير وإنما يأتي بقسمة الواحد القدير: ولو كانت الأرزاق تأتي بحيلة. . . هلكن إذا من جهلهن البهائم (حل عن ابن مسعود) الحديث: 7591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 7592 - (ليس) وفي رواية ما (أحد أصبر) من الصبر وأصله حبس النفس على ما تكرهه وهو في صفة الباري تأخير العذاب عن مستحقه فالمراد من أفعل نفي ذات المفضل عليه وإذا انتفت ذاته انتفت المساواة والنقص بالأولى (على أذى) مصدر أذى يؤذي يعني المؤذي أي كلام مؤذ (يسمعه من الله) أي ليس أحد أشد صبرا من الله بإرسال العذاب إلى مستحقه وهم الكفار على القول القبيح الآتي وفيه إيماء إلى أن الصبر على تحمل الأذى محمود وترك الانتقام ممدوح ولهذا كان جزاء الصبر غير محصور إذ الصبر والحلم في الأمور هو التخلق بأخلاق مالك أزمة الأمور وبالصبر يفتح كل باب مغلوق ويسهل كل صعب مرتج وهنا سر بديع وهو أن من تعلق بصفة من صفاته تعالى أدخلته تلك الصفة عليه وأوصلته إليه فهو الصبور أوحى الله إلى داود تخلق بأخلاقي ومن أخلاقي أنى أنا الصبور ثم بين الأذى المسموع بقوله (إنهم ليدعون له ولدا ويجعلون له أندادا) ولو نسب ذلك إلى ملك من أحقر ملوك الدنيا لاستنكف وامتلأ غضبا وأهلك قائله فسبحانه ما أحلمه وما أرحمه {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} (وهو مع ذلك) يحبس عقوبته عنهم ولا يعاجلهم بل (يعافيهم) أي يدفع عنهم المكاره والمعافاة دفع المكروه (ويرزقهم) فهو أصبر على الأذى من الخلق فإنهم يؤذون بما هو فيهم وهو يؤذى بما ليس فيه وهم إن صبروا صبروا تكلفا وضعفا وصبره حلم ولطف وفيه إبانة عن كرم الله وصفحه وفضله في تأخير معاجلة العذاب وإدرار الرزق على مؤذيه فهذا كرمه في معاملة أعدائه فما ظنك بمعاملة أصفيائه وفيه حث على تحمل الأذى فيما يؤلم العبد ليجازى غدا جزاء الصابرين {إن رحمة الله قريب من المحسنين} (ق عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس رواه عنه النسائي في التفسير الحديث: 7592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 7593 - (ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته) من نحو زوجة وأمة وأهل وفرع وخادم وصديق ورفيق وجار وأجير ومعامل وخليط وشريك وصهر وقريب ونحو ذلك (حتى) أي إلى أن (يجعل الله له من ذلك مخرجا) يشير إلى أن التباين في الناس غالب واختلافهم في الشيم ظاهر ومن رام عيالا أو إخوانا تتفق أحوالهم جميعهم فقد رام أمرا متعذرا بل لو اتفقوا لربما وقع بينهم خلل في نظامه إذ ليس واحد من هؤلاء يمكن الاستعانة به في كل الأحوال ولا المجبولون على الخلق الواحد يمكن أن يتصرفوا في جميع الأعمال وإنما بالاختلاف يكون الائتلاف والإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه وطبقة كالدواء يحتاج إليه أحيانا وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا وفي الحديث أعظم حث على المداراة وحسن الصحبة وقد تطابقت على ذلك الملل والنحل وتواصوا به حتى من أنكروا [ص: 364] المعاد وحشر الأجساد قال الأصمعي: لما حضرت جدي الوفاة جمع بنيه فقال: عاشروا معاشرة إن عشتم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم أوحى الله إلى داود ما لي أراك خاليا قال: هجرت الناس فيك يا رب قال: ألا أدلك على ما تستثني به وجوه الناس إليك وتبلغ به رضاي؟ خالق الناس بأخلاقهم واحتجر الإيمان بيني وبينك وفي العوارف لا يستدل على قوة العقل والحلم بمثل حسن المداراة (هب) وكذا الحاكم وعنه ومن طريقه خرجه البيهقي مصرحا فلو عزاه للأصل كان أحق (عن أبي فاطمة الإيادي) بكسر الهمزة وفتح المثناة تحت ودال مهملة نسبة إلى إياد نزار بن معد بن عدنان ثم قال الحاكم: لم نكتبه عنه إلا بهذا الإسناد وإنما نعرفه عن محمد بن الحنفية من قول الحاتم اه. وقال ابن حجر: المعروف موقوف وقال العلائي: هذا إنما هو من كلام ابن الحنفية الحديث: 7593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 7594 - (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة ولا تكونوا كلا) أي عيالا وثقلا (على الناس) لأنه سبحانه أنزل المال ليستعان به على إقامة حقوقه الموصلة إلى الدار الآخرة لا للتلذذ والتمتع فهو وسيلة إلى الخير والشر فأربح الناس من جعله وسيلة إلى الدار الآخرة وأخسرهم من توسل به إلى هواه ونيل مناه والدنيا على الحقيقة لا تذم وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها وهي قنطرة ومعبرة إلى الجنة أو النار ولكن لما غلبت عليها الحظوظ والغفلة والإعراض عن الله والذم للآخرة وصار ذلك هو الغالب على أهلها ذمت عند الإطلاق وإلا فهي مزرعة الآخرة ومنها زاد الجنة ولهذا قال بعض السلف: المال سلاح المؤمن وقال سفيان: وكانت له بضاعة يقلبها لولاها لتمندل بي بنو العباس وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا قال: لئن أدنتني منها لقد صانتني عنها وكانوا يقولون: أنجروا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل بدينه (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الديلمي باللفظ المزبور فلو ضمه إليه في العزو كان أولى الحديث: 7594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 7595 - (ليس بمؤمن من لا يأمن جاره غوائله) أي ليس المؤمن الكامل الإيمان من يفعل ذلك وقد ورد الحث على إكرام الجار في الكتب السماوية قال في التوراة: إذا سكن بينكم الذي يقبل إلي فلا تظلموه بل أنزلوه منزلة أحدكم وصيروه منكم الذين يقبلون إلي ويسكنون معكم أحبوهم كما تحبون أنفسكم (ك عن أنس) الحديث: 7595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 7596 - (ليس بمؤمن مستكمل الإيمان من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة) قالوا: كيف يا رسول الله قال: إن البلاء لا يتبعه إلا الرخاء وكذلك الرخاء لا يتبعه إلا البلاء والمصيبة هذا بقية الحديث فما أوهمه صنيع المصنف من أن ما ذكره هو الحديث بتمامه غير جيد (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عبد العزيز بن يحيى المدني قال البخاري: كان يضع الحديث اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من كتابه الحديث: 7596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 7597 - (ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك) أي فعل فعل أهل الشرك ولا يكفر حقيقة إلا إن جحد وجوبها (هـ عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته ورواه مسلم بدون فإذا إلخ الحديث: 7597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 [ص: 365] 7598 - (ليس بي رغبة عن أخي موسى) بن عمران (عريش كعريش موسى) أي ليس أريد مسكنا في الدنيا غير عريش كعريش موسى خشيبات وعويدات رئاث فلا أتبوأ القصور ولا أزخرف الدور قال في الكشاف: كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو كرم أو ظلة فهو عريش (طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه عيسى بن سنان ضعفه أحمد وغيره ووثقه العجلي وابن حبان الحديث: 7598 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 7599 - (ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق) بالضم (الحسن) لأن صاحبه في درجة الصائم القائم بل فوق درجتهما لأن الحسن الخلق لا يحمل غيره أثقاله ويتحمل أثقال غيره وخلقهم كما سبق فهو في الميزان أثقل لما تقرر من أن جهاد النفس على تحمل ثقلها وثقل غيرها أمر مهول لا يثبت له إلا الفحول (حم) وكذا أبو نعيم في الحلية (عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته وقال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري عن إبراهيم بن نافع الحديث: 7599 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 7600 - (ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع) أي قطراتها فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع نحو كلوا في بطنكم (من خشية الله) أي من شدة خوف عقابه أو عتابه (وقطرة دم تهراق في سبيل الله) أفرد الدم وجمع الدمع تنبيها على تفضيل إهراق الدم في سبيل الله على تقاطر الدموع (وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله) قال ابن العربي: الأثر ما يبقى بعده من عمل يجري عليه أجره من بعده ومنه قوله {ونكتب ما قدموا وآثارهم} وقال غيره: الأثر ما يبقى من رسوم الشيء وحقيقته ما يدل على وجود الشيء والمراد خطوة الماشي وخطوة الساعي في فريضة من فرائض الله أو ما بقي على المجاهد من أثر الجراحات وعلى الساعي المتعب نفسه في أداء الفرائض والقيام بها والكد فيها كاحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها وانفطار الأقدام من برد ماء الوضوء ونحو ذلك (ت) في الجهاد (والضياء) المقدسي في المختارة (عن أبي أمامة) الباهلي وفي سند الترمذي الوليد بن جميل قال في الكاشف: لينه أبو زرعة الحديث: 7600 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 7601 - (ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم) أي الإحسان إلى الأقارب بقول أو فعل (وليس شيء أعجل عقابا من البغي) أي التعدي على الناس (وقطيعة الرحم) بنحو إساءة وهجر (واليمين الفاجرة) أي الكاذبة (تدع) أي تترك (الديار بلاقع) بفتح الباء واللام وكسر القاف جمع بلقع وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها يريد أن الحالف يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق وقيل: هو أن يفرق الله شمله وبغير عليه ما أولاه من نعمه (هق عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 7602 - (ليس شيء أكرم) قال الطيبي: بالنصب خبر ليس (على الله تعالى من الدعاء) لدلالته على قدرة الله وعجز [ص: 366] الداعي قال الطيبي: ولا منافاة بين هذا الحديث وآية {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} لأن كل شيء يشرق في بابه فإنه يوصف بالكرم قال تعالى {وأنبتنا فيها من كل زوج كريم} وإنما كان أكرم الناس أتقاهم لأن الكرم من الأفعال المحمودة وأكرمها ما يقصد به أشرف الوجوه وأشرفها ما يقصد به وجه الله فمن قصد ذلك بمحاسن أفعاله فهو التقي فإذن أكرمهم أتقاهم وعلى هذا حكم الدعاء فإنه مخ العبادة (حم خد ت) وكذا ابن ماجه وكأنه أغفله ذهولا (ك) وقال: صحيح وأقره الذهبي (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه عمران القطان قال في الميزان وغيره: ضعفه النسائي وأبو داود ومشاه أحمد وقال ابن القطان: رواته كلهم ثقات وما موضع في إسناده ينظر فيه إلا عمران وفيه خلاف وقال ابن حبان: حديث صحيح الحديث: 7602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 7603 - (ليس شيء أكرم على الله تعالى من المؤمن) هذا تعظيم للمؤمن ورفع لشأنه وتأهيل لكرامة سنية وإظهار لفضيلة سابقة ومزية كيف وقد فضله الله على سائر المخلوقات وما يرى فيه من النقائص كالشهوة والحرص والبخل فهي مواد الكمال ومبادئه فإن العفة نتيجة الشهوة والسخاء نتيجة البخل لأنهما طرفا الإفراط والتفريط والتبذير والإمساك والحرص نتيجة الترقي إلى منتهى بغيته وروى النجم الكبرى في فواتح الجمال عن الجزقاني قال: صعدت إلى العرش فطفته ألف طوفة فرأيت الملائكة يطوفون مطمئنين فعجبوا من سرعة طوافي فقلت: ما هذه البرودة في الطواف قالوا: نحن أنوار لا نقدر أن نجاوزه فما هذه السرعة فيك قلت: أنا آدمي وفي نور ونار وهذه السرعة من نتائج نار الأشواق <تنبيه> قال التونسي: اللطيفة الإنسانية في غابة الشرف والعظم ألا ترى إلى قوله سبحانه {ولقد كرمنا بني آدم} فأكد التكرمة بالقسم وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى: " ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي الأكوان لك عبيد سخرت وأنت عبد الحضرة ". وقال بعض العارفين: نهاية الأكوان الإنسان ولهذا لم يرض سبحانه لأهل الجنة بمنازل الجنان حتى زادهم فيها النظر إلى وجهه في حضرة الإحسان فالإنسان بيت القصيد من المقصود وإليه كل معنى بالحقيقة يعود لأنه النسخة الكاملة والصحيفة التي هي لكل الحقائق شاملة كما قيل وتحسب أنك جرم صغير. . . وفيك انطوى العالم الأكبر فهو العين المقصودة في العالم لكونه مجمعا لما تفرق فيه فهو كلي صغير وفيه كل ما في العالم (طس عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه عبيد الله بن تمام وهو ضعيف جدا اه. لكن يشهد له ما في أوسط الطبراني عن ابن عمرو أيضا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نظر للكعبة فقال: لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وما فيه أيضا عن جابر لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه وقال: أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك وأعظم حرمة عند الله منك المؤمن وفيه محمد بن محيصن كذاب لكن تعدد الطرق دل على أن للحديث أصلا الحديث: 7603 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 7604 - (ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان) يشير إلى أنه قد يبلغ بقوة إيمانه وإيقانه وتكامل أخلاق إسلامه إلى ثبوت في الدين وقيام بمصالح الإسلام والمسلمين بعلم يكسبه وينشره أو مال يبذله أو شجاعة يسد بها مسد ألف وقد نظمها بعضهم فقال: والناس ألف منهم كواحدا. . . وواحد كألف إن امرء عدا وقال العارف التونسي: الأسرار الإلهية والأنوار الرحمنية المفاضة من حضرة الذات بتجلى تعرفات الصفات لا يتم فيها الظهور ويرتفع عنها برقع الستور إلا في المجلى الإنساني إذ هو العرش الرحمني والمستوى العرفاني والرفرف المتداني وذلك ما خص به من النشأة الكاملة والخلافة الشاملة بخلاف ما سواه من المظاهر الملكية العلوية والملوك الروحانية [ص: 367] الأرضية والنفوس الشيطانية والأفلاك الحسية والأجسام الحيوانية والخصائص النباتية والطبائع المعدنية لأن كل مظهر من هذه المظاهر العلوية والسفلية جعل جزءا من الدائرة المحيطة الإنسانية فهو علوي سفلي جزئي كلي سمائي أرضي ملكي شيطاني إنساني حيواني وهو المقصود من الوجود إن كان حضرة المعارف الالهية وشمس المعاني الربانية وتاج ملكة الوجود وواسطة عقد الجود وإنسان عين العالم وروح جسد العوالم (طب والضياء) المقدسي (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: مداره على أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف جدا كذا في موضع وأعاده في آخر وقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن محمد بن يوسف وهو ثقة اه. وقال شيخه العراقي: الحديث حسن الحديث: 7604 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 7605 - (ليس شيء من الجسد) أي جسد المكلف (إلا وهو يشكو ذرب اللسان) أي فحشه وبقية الحديث عند مخرجه على حدثه فكأنه سقط من قلم المصنف أخرج ابن عساكر في تاريخه قال رجل للأحنف: أوصني قال: عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح واعلم أن الداء الذي أعيا الأطباء اللسان البذي والفعل الردي (ع هب) من حديث أسلم (عن أبي بكر) الصديق قال أسلم: اطلع عمر على أبي بكر وهو يمد لسانه قال: ما تصنع قال: إن هذا أوردني الموارد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن محمد بن حبان وقد وثقه ابن حبان اه وأقول: ليس توثيقه بمتفق عليه فقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة الحديث: 7605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 7606 - (ليس شيء إلا وهو أطوع لله تعالى من ابن آدم) حتى الجماد كالأرض التي خلق منها فإنها مجبورة ونفس الآدمي مفتونة بالشهوات فليست طاعة الأرض ولا طاعة السماء ولا طاعة سائر الخلق تشبه طاعة الآدمي لأن طاعته يخرجها من بين الشهوات والوسواس وعجائب القلب فأما أولئك فلم يسلط عليهم ذلك فهم أسهل انقيادا (البزار) في مسنده (عن بريدة) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا الطبراني في الصغير باسنادين قال الهيثمي: وفيه أبو عبيد الأشجعي ولم أر من سماه ولا ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح الحديث: 7606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 7607 - (ليس عدوك أعظم أجرا من ماء) أي من سقي الماء للظمآن وقد مر غير مرة (هب عن أبي هريرة) رمز لحسنه وفيه داود بن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال البخاري: متروك ويزيد بن عبد الملك النوفلي ضعفوه وسعيد بن أبي سعيد قال ابن عدي: مجهول الحديث: 7607 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 7608 - (ليس عدوك الذي إن قتلته كان) أي قتله (لك نورا) يسعى بين يديك في القيامة (وإن قتلك دخلت الجنة) لكونك شهيدا (ولكن أعدى عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك) فمن الأولاد أولاد يعادون آباءهم ويعقونهم يجرعونهم الغصص ومنهم من يحمل أباه على اكتساب المال من غير حله ليبلغ به شهوته ولذته (ثم) بعد ولدك في العداوة (أعدى عدو لك مالك الذي ملكت يمينك) فإن النفس والشيطان قد يحملانك على صرفه في العصيان قال في الكشاف: العدو الصديق يجيئان في معنى الواحد والجماعة قال: وقوم علي ذي شدة. . . أراهم عدوا وكانوا صديقا [ص: 368] ومنه قوله تعالى {وهم لكم عدو} شبها بالمصادر للموازنة كالقبول والولوغ قال الراغب: جعل هؤلاء أعداءا للإنسان لما كانوا سببا لهلاكه الأخروي لما يرتكبه من المعاصي لأجلهم فيؤدي به إلى هلاك الأبد الذي هو شر من إهلاك المعادي المناصب أباه (طب عن أبي مالك الأشعري) وضعفه المنذري قال الهيثمي: فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف الحديث: 7608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 7609 - (ليس على الرجل جناح) أي إثم (أن يتزوج بقليل أو كثير من ماله إذا تراضوا) يعني الزوج والزوجة والولي (وأشهدوا) على عقد النكاح فيه أن النكاح ينعقد بأدنى متمول ولو درهما واحدا وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: أقله عشرة دراهم وفيه أنه يشترط في النكاح الإشهاد وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ولم يشترطه مالك (هق) من حديث حسن بن صالح وشريك (عن أبي سعيد) شك شريك في رفعه قال في المهذب: وفيه أبو هارون وهو واه جدا الحديث: 7609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 7610 - (ليس على الماء جنابة) احتج به من ذهب إلى طهورية المستعمل قالوا: لأنه غسل به محل طاهر فلم تزل طهوريته كما لو غسل به الثوب ولأنه لاقى محلا طاهرا فلا يخرج عن حكمه بتأدية الغرض به كالثوب يصلى فيه مرارا اه. قال ابن الجوزي: وفي استدلالهم بالحديث نظر (طب عن ميمونة) قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت منها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل فقلت: إني قد اغتسلت منه فذكره ورواه عنها أحمد ولعل المؤلف أغفله سهوا رمز المصنف لحسنه الحديث: 7610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 7611 - (ليس على الماء جنابة ولا على الأرض جنابة ولا على الثوب جنابة) قال ابن الأثير: أراد أنه لا يصير شيء منها جنبا يحتاج إلى الغسل لملامسة الجنب إياها اه. أخذ بظاهره بعض المجتهدين كالحسن فذهب إلى أن النجاسة الحكمية إذا جف محلها من نحو أرض فالصلاة عليه أو فيه مجزئة (قط) من حديث حفص بن عمر المازني عن سليم بن حبان عن سعيد بن مينا (عن جابر) بن عبد الله قال الغرياني في حاشية مختصر الدارقطني: فيه أبو عمر حفص بن عمر المازني لم أجده روى عن سليمان بن حبان وقال في لسان الميزان: وحفص لا يعرف وذكر له هذا الخبر ورواه ابن جرير في التهذيب والدارقطني عن ابن عباس بلفظ أربع لا يجنبن الإنسان والماء والأرض والثوب الحديث: 7611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 7612 - (ليس على المختلس) وهو من يأخذ معاينة ويهرب (قطع) لأن من شرط القطع الإخراج من الحرز (هـ عن عبد الرحمن بن عوف) جزم الحافظ ابن حجر بصحته فقال: رواه ابن ماجه عن ابن عوف بإسناد صحيح وأعاده مرة أخرى فقال: رجاله ثقات فاقتصار المصنف على رمزه لحسنه غير حسن الحديث: 7612 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 7613 - (ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها) وفي رواية إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه اه. فللمرأة ولو أمة ستر جميع بدنها بقميص أو غيره إلا الوجه فيحرم ستره اتفاقا إلا ما لا يمكن ستر رأسها إلا به ولها سدل ثوب متجاف عنه (طب عن ابن عمر) قال الهيثمي: وفيه أيوب بن محمد اليمامي وهو ضعيف [ص: 369] (هق عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه قال الذهبي في المهذب: وفيه أيوب بن محمد أبو الجمل ضعفه ابن معين وغيره وعن الدارقطني: تفرد برفعه أيوب هذا والصواب وقفه وفي اللسان عن العقيلي: لا يتابع على رفعه وإنما يروى موقوفا ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور وتعقبه الغرياني في مختصره بأن فيه أيوب بن محمد أبو الجمل قاضي اليمامة قال أبو حاتم: لا بأس به ورواه البخاري في تاريخه ولم يضعفه وأما أبو زرعة فقال: منكر الحديث وقال ابن معين: لا شيء الحديث: 7613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 7614 - (ليس على المسلم في) عين (عبده ولا في) عين (فرسه صدقة) أي زكاة والمراد بالفرس والعبد الجنس واحترز بالعين عن وجوبها في قيمتهما إذا كانا للتجارة وخص المسلم وإن كان الأصح تكليف الكافر بالفروع لأنه ما دام كافرا لا يخاطب بالإخراج في الدنيا وأوجبها الحنفية في الفرس السائمة وحملوا الخبر على فرس الغزو (حم ق 4) في الزكاة (عن أبي هريرة) زاد مسلم في رواتيه إلا صدقة الفطر أو العيد الحديث: 7614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 7615 - (ليس على المسلم زكاة في كرمه ولا في زرعه) ولا في غيرهما من كل ما تجب فيه الزكاة من الثمار والحبوب فنبه بالكرم على بقية أنواع الثمار (إذا كان أقل من خمسة أوسق) فشرط وجوب الزكاة النصاب وهو خمسة أوسق ستون صاعا كيلا ووزنا (ك هق) في الزكاة (عن جابر) وقال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي الحديث: 7615 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 7616 - (ليس على المعتكف صيام) أي واجب (إلا أن يجعله على نفسه) بالالتزام بنحو نذر وهذا حجة للشافعي وأحمد في ذهابهما إلى صحة الاعتكاف بدون صوم وبالليل وحده ورد على أبي حنيفة ومالك حيث منعاه (ك) في الصوم (هق) كلاهما (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرط مسلم وعارضه بما لم يصح اه. وأقره الذهبي ورواه الدارقطني هكذا من هذا الوجه ثم قال: رفعه هذا الشيخ يعني محمد بن إسحاق السوسي وغيره لا يرفعه. وقال ابن حجر: رواه الحاكم مرفوعا والصواب موقوفا الحديث: 7616 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 7617 - (ليس على المنتهب) الذي يعتمد القوة والغلبة ويأخذ عيانا (ولا على المختلس ولا على الخائن) في نحو وديعة (قطع) لأنهم غير سراق والله سبحانه أناط القطع بالسرقة قال ابن العربي: أما المنتهب فلأنه قد جاهر والسرقة معناها الخفاء والتستر عن الأبصار والأسماع وأما المختلس فإنه وإن كان سارقا لغة فليس بسارق عرفا فإنه مجاهر لا يقصد الخلوات ولا يترصد الغفلات إلا عن صاحب المال فقط وإنما يراعى فعل السرقة على العموم وأما الخائن فلأنه ائتمن على المال ومكن منه فلم يكن محترزا عنه كالمودع والمأذون في دخول الدار وقال القرطبي: فيه أنه لا قطع على جاحد متاع لأنه خائن ولا قطع على خائن قال: خلافا لأحمد وابن راهويه (حم 4 حب) كلهم في السرقة (عن جابر) قال الترمذي: حسن صحيح وقال ابن حجر: رواته ثقات إلا أنه معلول بين ذلك أبو حاتم والنسائي الحديث: 7617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 7618 - (ليس على النساء) في النسك (حلق) وعليه الإجماع (إنما على النساء التقصير) فيكره لهن الحلق فإن حلقن أجزأ قال جمع شافعيون: والخنثى مثلها (د) في الحج (عن ابن عباس) سكت عليه أبو داود رمز المصنف لحسنه وهو كما ذكر [ص: 370] فقد قال ابن حجر: سنده حسن وذكره أبو حاتم في العلل والبخاري في التاريخ اه. لكن قال ابن القطان: حديث ضعيف منقطع أما ضعفه فلأن أم عثمان بنت أبي سفيان لا يعرف حالها وأما انقطاعه فبين لقول ابن جريج فيه بلغني عن صفية الحديث: 7618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 7619 - (ليس على أبيك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (كرب بعد اليوم) قاله لفاطمة حين قالت في مرضه واكرب أبتاه والكرب ما يجده من شدة الموت لتضاعف أجوره وزعم أن كربه شفقة على أمته من حلول الفتن قال الخطابي: خطأ (خ عن أنس) بن مالك قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة: واكرب أبتاه قال: ليس على أبيك إلخ وفي رواية لا كرب على أبيك إلخ فلما مات قالت: واأبتاه أجاب ربا دعاه واأبتاه جنة الفردوس مأواه واأبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب. رواه كله البخاري الحديث: 7619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 7620 - (ليس على أهل لا إله إلا الله) يعني على من نطق بها عن صدق وإخلاص فأهلها من انفتح لهم عيون أفئدتهم بالتوبة إلى الله والإصلاح لما خربوا والاعتصام بالله والإخلاص لله فمن قدم على ربه مع الإصرار على الذنوب فليس من أهل لا إله إلا الله بل من أهل قول لا إله إلا الله في الاختيار ولذلك قال تعالى {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} أي عن صدق لا إله إلا الله ولم يقل عما كانوا يقولون ومن أهل قول لا إله إلا الله الذين يدلون على الله بأعمالهم في الشريعة ويعجبون بأنفسهم يتكبرون بها ويتغالون ويتعالون على الخلق ويعاملون الله في السر بخلاف العلن ويراؤون بأعمالهم في طلب الدنيا وجاهها وفخرها ساخطين لأقدار الله في الخلق وفي أنفسهم حاسدين لعباده في نعمهم مضادين لأقضيته فهؤلاء أهل الأثقال الذين تحت المشيئة وهم أهل قول لا إله إلا الله لا أهلها الذين الكلام هنا فيهم (وحشة في الموت) أي في حال نزول الموت بهم (ولا في القبور ولا في النشور) أي يوم النشور (كأني أنظر إليهم عند الصيحة) أي نفخة إسرافيل النفخة الثانية للقيام من القبور للحشر (ينفضون رؤوسهم من التراب يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) أي الهم من خوف العاقبة أو همهم من أجل المعاش وآفاته أو من وسوسة الشيطان أو حزن الموت أو حزن زوال النعم أو هو عام في جميع الأحزان الدنيوية والأخروية قال الحكيم: وإنما ذهبت عنهم الوحشة في القبور والنشور لأنهم بشروا بالنجاة من العذاب والحساب والفوز يوم القيامة ولقوا روحا وريحانا عند الموت وفي الآخرة نضرة وسرورا (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين في إحداهما أي وهي المذكورة هنا يحيى الحماني وفي الأخرى مشاجع بن عمرو وكلاهما ضعيف اه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأعله قال الحافظ العراقي: ورواه عنه أيضا أبو يعلى والبيهقي بسند ضعيف الحديث: 7620 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 7621 - (ليس على رجل) في رواية ليس على ابن آدم (نذر فيما لا يملك) يعني لو نذر عتق من لا يملكه أو التضحي بشاة غيره أو نحو ذلك لم يلزمه الوفاء به وإن دخل في ملكه (ولعن المؤمن كقتله) في التحريم أو العقاب أو الإبعاد إذ اللعنة [ص: 371] تبعيد من الرحمة والقتل يبعد من الحياة الحسية والضمير للمصدر الذي دخل عليه الفعل أي فلعنه كقتله (ومن قتل) في رواية لمسلم من ذبح (نفسه بشيء) زاد مسلم في الدنيا (عذب به يوم القيامة) زاد مسلم في رواية له في نار جهنم وهذا من قبيل مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية وفيه أن جنايته على نفسه كجنايته على غيره في الإثم (ومن حلف بملة سوى الإسلام كاذبا) بأن قال إن كنت فعلت كذا فهو يهودي أو بريء من الإسلام وكان فعله (فهو كما قال) ظاهره أنه يختل إسلامه بذلك ويكون كما قال ولعل القصد به التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم بصيره كافرا فكأنه قال هو مستحق لمثل عذاب ما قال ذكره القاضي والطيبي. قال القاضي: وهل يسمى هذا في عرف الشرع يمينا وهل تتعلق الكفارة بالحنث فيه؟ فيه خلاف قال مالك والشافعي: لا يمين ولا كفارة لكن القائل آثم صدق أم كذب وقال أصحاب الرأي وأحمد: فيه كفارة (ومن قذف مؤمنا بكفر) كأن قال يا كافر (فهو كقتله) أي الفذف كقتله في الحرمة أو في التألم ووجه الشبه أن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل فإن المنتسب إلى الشيء كفاعله والقذف أصالة الرمي ثم شاع واستعماله عرفا في الرمي بالزنا ثم استعير لكل ما يعاب به (ق 4 عن ثابت بن الضحاك) الأشهلي قيل: ممن بايع تحت الشجرة مات في فتنة ابن الزبير أو غير ذلك الحديث: 7621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 7622 - (ليس على الرجل طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك) فيه حجة لمذهب الشافعي أنه لو علق طلاق أجنبية بنكاحها لم يؤثر لو تزوجها ووافقه أبو حنيفة وقال مالك: إن عمم ككل امرأة أتزوجها طالق لم يقع وإلا وقع وعن أحمد روايتان (حم ن عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال البيهقي في الخلافيات: قال البخاري: وهذا أصح شيء في هذا الباب وأشهر الحديث: 7622 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 7623 - (ليس على مسلم جزية) يعني إذا أسلم ذمي أثناء الحول لم يطالب بحصة الماضي منه وقيل: أراد إذا أسلم وكان بيده أرض صولح عليها بخراج الوضع تسقط عن رقبته الجزية هذا أقرب ما قيل في توجيهه ووراء ذلك أقوال ركيكة (حم د عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس بصاف عن النزاع ففيه من طريق أبي داود قابوس قال ابن القطان: ضعفوه وبما ترك حذيفة ولا يدفع عن صدق وإنما كان افترى على رجل فحد فكسد لذلك الحديث: 7623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 7624 - (ليس على مقهور) أي مغلوب (يمين) فالمكره عل الحلف لا تنعقد يمينه ولا يلزمه كفارة ولا يقع طلاقه (قط) عن أبي أمامة قال القرياني في اختصار الدارقطني: فيه الحسين بن إدريس عن خالد بن الهياج عن أبيه قال ابن أبي حاتم: له أحاديث باطلة فلا أدري البلاء منه أو من شيخه؟ وقال البيلماني: خالد ليس بشيء وقال الذهني: متماسك وأما هياج بن سلام قال أبو داود: تركوا حديثه اه. فرمز المصنف لحسنه يكاد يكون غير صحيح بل خطأ فاحش قال في المنار: فيه جماعة ضعفاء منهم عنبسة يضع الحديث وأبو بكر النقاش كذاب اه وقال الذهبي في التنقيح: أظنه موضوعا وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: فيه هياج بن بسطام متروك وشيخه عنبسة مكذب والنقاش المقرئ المفسر ضعيف وقد كذب أيضا اه. واختصر ذلك في تخريج الهداية فقال: الحديث واه جدا اه الحديث: 7624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 7625 - (ليس على من استفاد مالا زكاة حتى يحول عليه الحول) قال الحرالي: هو من تمام القوة في الشيء الذي ينتهي [ص: 372] لدورة الشمس وهو العام الذي يجمع كمال النبات التي تثمر فيه قواه انتهى. وقال بعضهم: كأنه مأخوذ مما له قوة التحويل (طب عن أم سعد) بنت سعد بن الربيع الأنصاري صحابية صغيرة أوصى بها أبوها إلى الصديق فكانت في حجره ويقال اسمها جميلة وفيه عنبسة بن عبد الرحمن وهو ضعيف اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه اللهم إلا أن يكون اعتضد الحديث: 7625 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 7626 - (ليس على من نام ساجدا) أي أو راكعا أو قائما في الصلاة أو غيرها (وضوء) أي واجب (حتى يضطجع فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) وذلك لأن مناط النقض الحدث لا عين النوم فلما خفى بالنوم أدير الحكم على ما ينتقض مظنة له فلم ينقض في الثلاثة ونقض في المضطجع لأن المظنة منه ما يتحقق معه الاسترخاء على الكمال وهو في المضطجع لا فيما ذكر هذا مذهب الحنفية ومذهب الشافعي النقض بالنوم كيف كان إلا في قاعد ممكن مقعدته (حم عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ ابن حجر: قال الدارقطني: تفرد به أبو خالد الدالاني ولا يصح وقال الذهبي: فيه يزيد بن عبد الرحمن ضعفوه. وقال ابن حبان في الدالاني كثير الخطأ لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد الحديث: 7626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 7627 - (ليس على ولد الزنا من وزر أبويه شيء) ظاهره أن هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما في المستدرك " لا تزر وازرة وزر أخرى " وأما خبر ولد الزنا شر الثلاثة فمحمول على ما إذا عمل بعمل أبويه جمعا بين الأدلة (ك) في الأحكام (عن عائشة) وقال: صحيح قال الذهبي في التلخيص: وصح ضده وكذا قال في التنقيح: وقال البيهقي: رفعه لا يصح وأقره عليه في المهذب الحديث: 7627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 7628 - (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل) تمامه إذا غسلتموه وإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم اه. قال الحاكم: فيه رد لحديث من غسل ميتا فليغتسل ورده الذهبي فقال: بل يعمل بها فيندب الغسل ويدل له خبر الدارقطني عن ابن عمر بإسناد صحيح كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل اه (ك) في الجنائز وكذا الدارقطني (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي في التلخيص لكن البيهقي رواه من طريق الحاكم ثم قال: هذا ضعيف والحمل فيه على أبي شيبة ورده في المهذب فقال: قلت بل هو ثقة لكن هذا من مناكير خالد فإنه يأتي بأشياء منكرة مع أنه شيخ محتج به في الصحيح وفيه ابن عقدة الحافظ مجروح الحديث: 7628 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 7629 - (ليس عند الله يوم ولا) عند الله (ليلة تعدل الليلة الغراء) بالمد البيضاء المستنيرة (واليوم الأزهر) أي الصافي المشرق بالأنوار ليلة الجمعة ويومها وقضيته أنهما من ليلة النحر ويومه وقد مر ما فيه (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي بكر الصديق) الحديث: 7629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 7630 - (ليس في الابل العوامل صدقة) أي زكاة وهو جمع عاملة وهي يسقى عليها ويحرث وتستعمل في الأثقال لأنها لا تفتنى للنماء بل للاستعمال كثياب البدن ومتاع الدار ومثل الابل غيرها من المواشي التي تجب زكاتها (عد هق عن ابن عمرو) بن العاص وخرجه عنه الدارقطني من هذا الوجه بهذا اللفظ اه. قال ابن حجر: وسنده ضعيف قال البيهقي: [ص: 373] وأشهر منه خبر على ليس في البقر العوامل شيء اه. وصححه ابن القطان الحديث: 7630 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 7631 - (ليس في الأوقاص شيء) جمع وقص بفتح القاف وسكونها قال في الروضة: والفصيح فتحها وهو المشهور في كتب اللغة والمشهور في الفقه إسكانها وهو ما بين النصابين أي ليس فيه شيء من الزكاة بل هو عفو (طب عن معاذ) بن جبل وفيه عثمان بن عمر قال في ذيل الميزان: سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فقال: لا أعرفه وفيه ابن أبي ليلى رجل مجهول الحديث: 7631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 7632 - (ليس في البقر العوامل) في نحو حرث ولو محرما (صدقة ولكن في كل ثلاثين تبيع) وهو ما له سنة كاملة سمي تبيعا لأنه يتبع أمه في المرعى ولأن قرنه يتبع أذنه ويجزئ عنه تبيعة بالأولى للأنوثة (وفي كل أربعين مسن أو مسنة) وتسمى ثنية وهي ما لها سنتان كاملتان ثم في كل ستين بقرة تبيعان وهكذا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة وما ذكر من إجزاء التبيع حتى عن الإناث لا كلام فيه وأما إجزاء المسن الذكر عن أربعين من الأناث فلم يقل به الشافعي لدليل آخر (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه وقال الذهبي: فيه سوار متروك عن ليث لين فقال الهيثمي: فيه ليث بن سليم ثقة لكنه مدلس وقال ابن حجر: فيه سوار بن مصعب ثم ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما عدل عنه وكأنه ذهول فقد عزاه في مسند الفردوس إلى ابن ماجه من حديث ابن مسعود الحديث: 7632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 7633 - (ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء) وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر فمطاعم الجنة ومناكحها وسائر أحوالها إنما يشارك نظائرها الدنيوية في بعض الصفات والاعتبارات وتسمى بأسمائها على منهج الاستعارة والتمثيل ولا يشاركها في تمام حقيقتها لا يقال هذا يناقضه قوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها} لأن التماثل هو التشابه في الصفة لأنا نقول التشابه بينهما حاصل في الصورة التي هي مناط الاسم دون القدر والطعم وهو كاف في إطلاق التشابه والمراد التشابه في الشرف والمزية وعلو الطبقة (الضياء) المقدسي (عن ابن عباس) قال المنذري: ورواه عنه البيهقي موقوفا بإسناد جيد الحديث: 7633 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 7634 - (ليس في الحلي زكاة) أي الحلي المباح المتخذ للاستعمال فلا تجب الزكاة فيه عند الشافعي كأحمد وأوجبها الآخران (قط عن جابر) قال مخرجه الدارقطني: أبو حمزة ميمون أحد رجاله ضعيف الحديث اه. وقال ابن الجوزي: ما عرفت أحدا طعن فيه ورده الذهبي في التنقيح فقال: هذا كلام غير صحيح والمعروف موقوف وقال ابن حجر: فيه أبو حمزة وهو ضعيف ثم قال: وقال البيهقي في المعرفة: ما يروى عن جابر مرفوعا ليس في الحلي زكاة باطل لا أصل له وإنما يروى من قوله الحديث: 7634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 7635 - (ليس في الخضراوات زكاة) قال الزمخشري: هي الفواكه كتفاح وكمثرى وقيل: البقول وإنما جاز جمع فعلى هذه بالألف والتاء ولا يقال نساء حمراوات لاختلاطها بالأسماء اه قال الرضي: أجاز ابن كيسان جمع فعلى أفعل وأفعل فعلان بالألف والتاء ومنعه الجمهور فإن غلبت الاسمية على أحدهما جاز اتفاقا كقوله ليس في الخضراوات صدقة اه. [ص: 374] وفيه أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما يدخر للإقتيات حال الاختبار وهو قول الشافعي ومالك وقال أبو حنيفة: تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء في الأرض إلا القصب والحطب (قط عن أنس) بن مالك (وعن طلحة) بن معاذ ولفظ الدارقطني عن موسى بن طلحة عن أبيه قال الغرياني في مختصر الدارقطني: وفيه الحارث بن نبهان ضعفوه (ت عن معاذ) بن جبل أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول فذكره وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي خرجه هكذا وسكت عليه وهو إيهام فاحش بل تعقبه بقوله: إسناده غير صحيح ولا يصح في هذا الباب شيء والصحيح عن موسى بن طلحة مرسل وقال الذهبي في المهذب: هو منقطع وقال ابن حجر: وطريق موسى خرجها الحاكم والطبراني والدارقطني لكن قالوا: عن موسى بن طلحة عن معاذ مرسل وقال الذهبي في المهذب: هو منقطع وأخرجه الدارقطني والبزار عن موسى بن طلحة عن معاذ ومن طريق موسى بن طلحة عن أنس بإسناد ضعيف قال: وفي الباب علي وعائشة وابن جحش ورواها الدارقطني وأسانيده كلها ضعيفة اه. وسبقه الذهبي فقال: طرقه واهية بمرة الحديث: 7635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 7636 - (ليس في الخيل) اسم يقع على جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه يتناول الذكر والأنثى ويجمع على خيول وقد يقع الخيل على الخيالة (والرقيق) اسم جامع للعبيد والإماء ويقع على الواحد فعيل من الرق الملك والعبودية (زكاة) أي زكاة عين قالوا: ولم يخالف فيه غير أبي حنيفة وشيخه حماد وخبر في الخيل السائمة في كل فرس دينار ضعفه الدارقطني وغيره (إلا زكاة الفطر في الرقيق) فإنها تجب على سيده وخرج بالعين التجارة فتجب فيما أمسكه بنيتها كسائر أموال التجارة قال الحافظ العراقي: وهذا الحديث وما بعده يبطل قول داود بوجوب زكاة الفطر على العبد نفسه لاقتضائهما أنها ليست على نفس العبد بل على سيده (د عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد قال الذهبي في المهذب: فيه انقطاع الحديث: 7636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 7637 - (ليس في الصوم رياء) لأنه سر بين الله والعبد لا يطلع عليه إلا هو ولهذا كان هو الذي يتولى جزاءه بنفسه كما مر (هناد) في الزهد (هب) كلاهما (عن ابن شهاب) الزهري (مرسلا ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك يرفعه الحديث: 7637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 7638 - (ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر) استدل به وبما قبله الظاهرية على عدم وجوب زكاة التجارة ورد بأن متعلقها القيمة والكلام في العين فلا حجة فيه لهم (م) في الزكاة (عن أبي موسى) الأشعري وخرجه البخاري ولم يقل إلا صدقة الفطر قال عبد الحق: هذا من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه عن عراك بن مالك عن أبي هريرة ومخرمة لم يسمع من أبيه لكن الحديث إسناده حسن متصل ذكره ابن أصبغ الحديث: 7638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 7639 - (ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدم) الخارج من أي محل كان من البدن (وضوء) واجب (حتى يكون) في رواية إلا أن يكون (دما سائلا) فإذا كان سائلا بأن كان يعلو وينحدر كما في المحيط وجب منه الوضوء وبهذا أخذ الحنفية والحنابلة قالوا: ولفظ القطرة كناية عن القلة ولفظ سائلا كناية عن الكثرة فإن لفظ القطرة في العرف يراد به القلة وضده ما سال اه. ومذهب الشافعي أنه لا وضوء إلا بالخارج من السبيلين أو ما يقوم مقامهما وحمل الخبر بفرض صحته على غسل الدم لا وضوء الصلاة (قط) عن أبي هريرة من حديث سعيد بن المسيب قال مخرجه الدارقطني: [ص: 375] فيه محمد بن الفضل بن عطية ضعيف وخالفه حجاج بن نصير وعنه سفيان بن زياد وهما ضعيفان اه. وقال غيره: هو شديد الضعف قال الحافظ ابن حجر في تخريج الهداية: ضعيف جدا فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك هذه عبارته وقال في تخريج المختصر: إسناده واه جدا وقال الكمال ابن الهمام الحنفي: رواه الدارقطني من طريقين في أحدهما محمد بن الفضل وفي الآخر حجاج بن نصير وقد ضعفا الحديث: 7639 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 7640 - (ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول) (قط عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله مخرجه الدارقطني بأن حسان بن سنان أحد رواته ضعيف ورواه أعني الدارقطني أيضا عن ابن عباس وتعقبه الغرياني بأن فيه حارثة بن محمد بن أبي الرحال مجمع على ضعفه وقال الذهبي: فيه إسماعيل بن عياش واه في غير الشاميين وقال ابن حجر: هو من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين واختلف في رفعه ووقفه قال الدارقطني: والصحيح وقفه وهو كذلك في الموطأ ووصله الدارقطني في الغرائب مرفوعا وضعفه اه. وبه يعرف رمز المصنف لحسن المرفوع غير حسن الحديث: 7640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 7641 - (ليس في المال حق سوى الزكاة) يعني ليس فيه حق سواها بطريق الأصالة وقد يعرض ما يوجب فيه حقا كوجود مضطر فلا تناقض بينه وبين الخبر المار إن في المال حقا سوى الزكاة لما تقرر أن ذلك ناظر إلى الأصل وذا ناظر إلى العوارض وقد مر غير مرة أن جواب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد يختلف ظاهرا باختلاف السؤال والأحوال فزعم التناقض قصور وكون علة الخبرين واحدة وسندهما واحد غير قادح عند التأمل وأما حديث أبي داود والنسائي في كل أربعين من الإبل سائمة بنت لبون من أعطاها فله أجره ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله فأجيب عنه بأنه منسوخ (هـ عن فاطمة بنت قيس) بنت خالد الفهرية أخت الضحاك صحابية مشهورة قال النووي: ضعيف جدا وقال ابن القطان: فيه أبو حمزة ميمون الأعور ضعيف اه وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث مضطرب المتن والاضطراب موجب للضعف وذلك لأن فاطمة روته عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بلفظ إن في المال حقا سوى الزكاة فرواه عنها الترمذي هكذا وروته بلغظ ليس في المال حق سوى الزكاة فرواه عنها ابن ماجه كذلك وتعقبه الشيخ زكريا بأن شرط الاضطراب عدم إمكان الجمع وهو ممكن بحمل الأول على المستحب والثاني على الواجب اه. ومن العجب قول البيهقي: هذا خرجه أصحابنا في تعاليقهم ولا أحفظ له إسنادا الحديث: 7641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 7642 - (ليس في المأمومة) وهي الشجة التي تبلغ أم الرأس وهي خريطة الدماغ المحيطة به (قود) لعدم ضبطها واستيفاء مثلها إذ لا يمكن المساواة لأنه ليس له حد ينتهي إليه السكين (هق عن طلحة) بن عبيد الله ورواه أبو يعلى بأبسط من هذا ولفظه ليس في الجائفة ولا في المنقلة ولا في المأمومة قود الحديث: 7642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 7643 - (ليس في النوم تفريط) أي تقصير ولا إثم لانعدام الاختيار من النائم (إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) أي على من ترك الصلاة عامدا فلا تفريط في نسيانها بلا تقصير وهذا في غير الصبح أما فيها فوقتها إلى طلوع الشمس لمفهوم خبر من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح <تنبيه> قال بعض الصوفية: إذا نمت عن وردك بالليل فبادر إلى التوبة والاستغفار لتفريطك باستجلاب النوم وغيبتك [ص: 376] عن حضور تلك المواهب الإلهية وحرمانك مما فرق فيها من الغنائم التي لا نظير لها في نعيم الدنيا بأسرها فما أمرت بالإستغفار من الندم إلا لكونك نمت غلبة وعلى ذلك يحمل ظاهر الخبر (حم حب عن قتادة) قضية تصرف المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد خرجه أبو داود باللفظ المزبور قال ابن حجر: وإسناده على شرط مسلم ورواه الترمذي ولفظه مثله إلى قوله في اليقظة ثم قال بعده: إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فيلصلها إذا ذكرها بل رواه مسلم بلفظ ليس في النوم تفريط إنما التفريط فيمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى الحديث: 7643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 7644 - (ليس في صلاة الخوف سهو) (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه الوليد بن الفضل ضعفه ابن حبان والدارقطني (خيثمة في جزئه عن ابن عمر) بن الخطاب وأورده في الميزان في ترجمة عبد الحميد بن السري من حديثه وقال: هو من المجاهيل والخبر منكر وقال أبو حاتم: عبد الحميد مجهول روى عن ابن عمر حديثا موضوعا يشير إلى هذا ورواه الدارقطني عن عمر أيضا باللفظ المذكور وقال: تفرد به عبد المجيد بن سري الغنوي شيخ بقية وهو ضعيف الحديث: 7644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 7645 - (ليس فيما دون) بزيادة ما أي ليس في دون (خمسة أوسق) بفتح الهمزة وضم السين جمع وسق بفتح الواو وتكسر ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بغدادي فالأوسق الخمس ألف وست مئة رطل بغدادي (من التمر) ونحوه كالحب (صدقة) أي زكاة ومعنى دون أقل وخطأوا من زعم أنها بمعنى غير لاستلزامه أنه لا يجب فيما زاد عن خمسة أوسق ولا قائل به (وليس فيما دون خمس) بالإضافة وروي منونا فيكون (ذود) بدلا. قال البرماوي وغيره: والمشهور الإضافة وهو بفتح المعجمة وسكون الواو وآخره مهملة (من الابل) من ثلاثة إلى عشرة وقيل: ما بين ثنتين إلى تسع قال الزركشي: والصحيح في الرواية إسقاط الهاء من خمس لأن الذود مؤنث لا واحد له من لفظه فالمراد خمس من الذود لا خمس أذواد كما قد يتوهم (صدقة) أي زكاة (وليس فيما دون خمس أواق) وفي رواية أواقي بإثبات الياء قال القاضي: جمع أوقية بالضم فأضاح جمع أضحية ويقال أواق بالتنوين كقاض رفعا بالاتفاق وجرا عند الأكثر وقال الزركشي وغيره: الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء والجمع يشدد ويخفف واشتقاقها من الوقاية لأن المال مضمون مخزون أو لأنه يقي الشخص من الضرر والمراد بها في غير الحديث نصف سدس رطل وأما في الحديث فقال في الصحاح: أربعون درهما كذا كان وأما الآن فيما يتعارف ويقدر عليه الأطباء وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم كذا حكاه الكرماني وغيره وقال البيضاوي: كانت حينئذ بالحجاء أربعين درهما وما نقل عن الخليل أنها سبع مثاقيل فعرف جديد والمراد هنا الأوقية الحجازية الشرعية وهي أربعون (من الورق) بكسر الراء وسكونها الفضة (صدقة) أي زكاة والجملة مائتا درهم ولم يذكر الذهب لأن غالب تصرفهم كان بالفضة وقد ذكره في خبر آخر ومن الحديث أخذ أبو حنيفة أنه لا زكاة فيما زاد على المائتين لا يؤخذ بحسابه إلا إن بلغ نصابا آخر تمسكا بهذا الحديث وقياسا على وقص الماشية ورد الشافعية الأول بأن الخبر غير صحيح أو منسوخ بقوله في خبر آخر وما زاد فبحاسبه لتأخر التشديدات وعدم الوقص في الذهب يستلزمه والوقص دارئ لعله أي رافع وعدمه موجب والموجب أرجح والقياس بأن تبعيضها ضرر بخلاف النقد وعورض بالمعشر وهو أولى ثم دليلنا خبر قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة في كل أربعين درهما درهم <تنبيه> لو تطوع بالإخراج لما دونها جاز ففي رواية للبخاري من لم يكن معه إلا أربعة من الإبل فليس فيها صدقة إلى أن يشاء ربها وفي الرقة ربع العشر فإن لم يكن معه إلا تسعين ومئة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها (مالك) في موطئه (والشافعي) في مسنده (حم ق 4) كلهم في الزكاة [ص: 377] (عن أبي سعيد) الخدري الحديث: 7645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 7646 - (ليس في مال المكاتب زكاة) على سيده ولا عليه (حتى يعتق) لأنه ليس ملكا للسيد والمكاتب ليس بحر وملكه ضعيف (قط عن جابر) قال أعني مخرجه الدارقطني: عبد الله بن بزيغ أحد رواته تقدم تليينه وقال عبد الحق: إسناده ضعيف وذلك لأن فيه عبد الله بن يزيغ الأنصاري قاضي تستر قال في الميزان: عامة أحاديثه غير محفوظة وليس ممن يحتج به ثم أورد من مناكيره هذا الخبر وقال ابن حجر: في سنده ضعيف ومدلس الحديث: 7646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 7647 - (ليس في مال المستفيد) أي طالب الفائدة أي المتجر (زكاة) تجب (حتى يحول عليه الحول) أي يتم عام كامل فإذا تم وكان نصابا آخر الحول ففيه ربع عشر القيمة فالحول شرط لوجوب زكاة التجار ونحوها وإنما حمل المستفيد على المتجر لأن واجب المعدن والركاز يلزمه إخراج زكاتها حالا وإن كان مستفيدا (هق) من حديث عبد الله بن شبيب عن يحيى بن محمد الحارثي عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وهو زلل فقد تعقبه الذهبي في المهذب على البيهقي بأن عبد الله بن شبيب واه وعبد الرحمن ضعيف اه. وقال غيره: فيه يحيى الحارثي. قال البخاري: متروك ورواه الدارقطني أيضا عن ابن عمر من هذا الوجه وتعقبه بأن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد رجاله ضعيف وقال البيهقي في المعرفة: إن رفعه غير محفوظ الحديث: 7647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 7648 - (ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة) وبه قال الشافعي (قط عن جابر) بن عبد الله الحديث: 7648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 7649 - (ليس للدين) بفتح الدال (دواء إلا القضاء) أي أداؤه لصاحبه (والوفاء) أي من غير نقص لشيء ولو تافها (والحمد) أي الثناء على رب الدين ويحتمل أنه أراد الثناء على الله تعالى حيث أقدره على الوفاء ووفقه له فإنها نعمة يجب عليه شكرها والحمد رأس الشكر كما مر في حديث (خط عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية تصرف المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل أخرجه وأعله فإنه أورده في ترجمة جعفر بن عامر البغدادي من روايته عنه وقال: إنه شيخ مجهول فإن الحسن بن عرفة ذكر أن أحاديثه منكرة اه. ومن ثم قال ابن الجوزي: حديث لا يصح والمتهم به جعفر المذكور وقال في الميزان: هذا حديث منكر وقال مرة أخرى في ترجمة جعفر: هذا حدث بحديث باطل ثم ساق هذا الخبر الحديث: 7649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 7650 - (ليس للفاسق غيبة) قال البيهقي: إن صح أراد به فاسقا معلنا بفجوره أو هو فيمن يشهد في أمور الناس أو يتعلق به شيء من الديانات فيحتاج لبيان لئلا يعتمد عليه (طب عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي: فيه العلاء بن بشر ضعفه الأزدي اه. وقال الحاكم: هذا حديث غير صحيح ولا يعتمد عليه وقال ابن عدي عن أحمد بن حنبل: حديث منكر وفي الميزان: ضعفه الأزدي الحديث: 7650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 7651 - (ليس للقاتل من الميراث شيء) لأنا لو ورثناه لم نأمن ذا غرة يتعجل الإرث أن يقتل مورثه فاقتضت المصلحة حرمانه وقد جعل أهل الأصول الحديث من التواتر المعنوي لاشتهاره بين الصحب حتى خصوا به عموم {يوصيكم الله [ص: 378] في أولادكم} وهذا سواء كان القتل مضمونا بالقصاص أو الدية أو الكفارة المجردة ولا فرق بين كونه عمدا أو خطا خلافا للحناطي ولا في الخطأ بين المباشرة أو الشرط أو السبب خلافا لأبي حنيفة في الأخير ولا بين أن يقصد بالسبب مصلحة كضرب الأب والمعلم والزوج للتأديب إذا أفضى إلى الموت أو لا وسواء صدر القتل من مكلف أو غيره خلافا للحنفية أو غير مضمون مطلقا (هق عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ابن عبد البر: في الإشراف على ما في الفرائض من الاختلاف إسناده صحيح بالاتفاق وله شواهد كثيرة اه. وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: وكذا خرجه النسائي من وجه آخر عن ابن عمرو وقال: إنه خطأ وقال في تخريج المختصر: رواه الدارقطني بلفظ ليس للقاتل من الميراث شيء وهو معلول ورواه الدارمي موقوفا على ابن عباس بلفظ لا يرث القاتل بإسناد حسن الحديث: 7651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 7652 - (ليس للقاتل شيء وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل) من المقتول ولو بحق (شيئا) لما تقرر بخلاف المقتول فإنه يرث القاتل مطلقا كأن جرحه ومات الجارح قبل المجروح ثم مات المجروح من تلك الجراحة وهذا لا خلاف فيه للشافعية (د عن ابن عمرو) بن العاص وهو أيضا من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث: 7652 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 7653 - (ليس للمرأة أن تنتهك) أي تضيع يقال انتهك الرجل الحرمة تناولها بما لا يحل (شيئا من مالها إلا بإذن زوجها) الذي وقفت عليه في الطبراني بعد ما ذكر إذا ملك رضي الله عنه عصمتها وبهذا قال مالك حيث ذهب إلى أن المرأة ليس لها التصرف في مالها إلا بإذن زوجها وخالفه الشافعي ولا حجة لمالك في الحديث عند التأمل. (1) (طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: وفيه جماعة لم أعرفهم   (1) [لعل المناوي يقصد أن الحديث لا يعم جميع تصرفها بل أن تتجاوز الضرورة وتقرب من تضييع المال وهو معنى الانتهاك. دار الحديث] الحديث: 7653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 7654 - (ليس للمرأة أن تنطلق للحج إلا بإذن زوجها) وإن كانت حجة الفرض عند الشافعي (ولا يحل للمرأة أن تسافر ثلاث ليال إلا ومعها ذو رحم تحرم عليه) أي يحرم عليه نكاحها ويقوم مقام المحرم نسوة ثقات (هق عن ابن عمر) ابن الخطاب وإسناده حسن الحديث: 7654 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 7655 - (ليس للنساء في اتباع الجنائز أجر) بل ربما كان عليهن وزر (هق) وكذا الطبراني (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي في المهذب: فيه عفير بن معدان وقد مر بيان حاله الحديث: 7655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 7656 - (ليس للنساء في الجنازة نصيب) أي في شهودها واتباعها أو في الصلاة عليها مع وجود ذكر فهذا كله من وظائف الرجال (طب) وكذا البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه الصباح أبو عبد الله ولم أجد من ذكره الحديث: 7656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 7657 - (ليس للنساء نصيب في الخروج) من بيوتهن (إلا مضطرة) أي للخروج كشراء قوت إن يكن لها خادم وخوف [ص: 379] انهدام الدار ونحو ذلك فيحرم إن خيف عليها أو منها فتنة وإلا كره (إلا في العيدين الأضحى والفطر وليس لهن نصيب في الطرق إلا الحواشي) أي جوانب الطريق دون وسطه فيكره لهن المشي في الوسط لما فيه من الاختلاط بالرجال (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه سوار بن مصعب وهو متروك الحديث الحديث: 7657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 7658 - (ليس للنساء وسط الطريق) بل يمشين في الجنبات ويجتنبن الزحمات والطريق فعيل من الطرق لأن نحو الأرجل تطرق وتسعى فيه (هب عن أبي عمرو بن حماس) بكسر المهملة والتخفيف الليثي قال في التقريب كأصله: مقبول من الطبقة السادسة مات سنة تسع وثلاثين ومئة انتهى ومقتضاه أنه تابعي وبه صرح الذهبي حيث قال: روي عن حمزة بن أسد ومالك بن أوس وعنه ابنه شداد ومحمد بن عمرو وعائذ بمشالة كذا في الكاشف ثم إن فيه هاشم بن القاسم أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال أبو عروبة: كبر وتغير (وعن أبي هريرة) وفيه مسلم بن خالد الزنجي أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال البخاري: وأبو زرعة منكر الحديث الحديث: 7658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 7659 - (ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام) تعقبه مخرجه أبو نعيم بقوله قال الزبيدي: أخذ على النساء ما أخذ على الجبات أن يحتجبن في بيوتهن وحاصل المذهب أنه يسن للنساء إلا مع الرجال الأجانب فيحرم من الشابة ابتداءا وردا ويكرهان عليها لا على جمع نسوة أو عجوز (حل) من حديث هشام بن إسماعيل العطار عن سهل بن هاشم هو ابن أدهم عن الزبيدي (عن عطاء) بن مسلم (الخراساني) صدوق بهم كثيرا ويرسل ويدلس (مرسلا) لفظ عبارة مخرجه أبي نعيم بدل مرسلا يرفع الحديث الحديث: 7659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 7660 - (ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة) يعني البكر كما يفسره خبر الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر إلخ (تستأمر وصمتها إقرارها) (د ن) من حديث معمر عن صالح بن كيسان عن نافع (عن ابن عباس) وصححه ابن حبان وقال ابن حجر: عن ابن دقيق العيد رجاله ثقات وقال الذهبي في المهذب وغيره: أخطأ فيه معمر واستدل على خطئه بما رد عليه انتهى الحديث: 7660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 7661 - (ليس لابن آدم حق فيما سوى هذه الخصال) قال القاضي: والمراد بالخصال هنا ما يحصل للرجل ويسعى في تحصيله من المال شبهه بما يخاطر عليه في السبق والرمي ونحوهما (بيت سكنه) من السكنى لأنها استقرار ولبث (وثوب يواري عورته) أي يسترها من العيون (وجلف الخبز والماء) بكسر الجيم وسكون اللام ظرفهما من جراب وركوة فذكر الظرف وأراد المظروف أي كسره خبز وشربة ماء وقيل: الجلف الخبز بلا أدم وقبل: الخشن اليابس وروي بفتح اللام جمع جلفة وهي كسرة الخبز وذلك لأن كل متزيد تمولا من الدنيا زائدا على كفاف منه من مسكن وملبس ومركب فهو محجر على من سواه من عباد الله ذلك الفضل الذي هم أحق به منه ذكره الحرالي. قال القاضي: وأراد بالحق ما وجب له من الله من غير تبعة في الآخرة ولا سؤال عنه لأن هذه الخصال من الحقوق التي لا بد للنفس منها وما سواها فمن الحظوظ المسؤول عنها وقيل: أراد ما يستحقه الإنسان لافتقاره إليه وتوقف معيشته عليه وما هو [ص: 380] المقصود الحقيقي من المال وقال الزمخشري: الكن والكسوة والشبع والري هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان فمن توفرت له فهو مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف (ت) في الزهد (ك) في الرقائق (عن عثمان) بن عفان. قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 7661 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 7662 - (ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين) ومن ذلك ظهر من الصديق التسوية بين الصحابة والأعراب والاتباع في العطاء بنظره إليهم بعين السواء في أمر الدنيا وبلغتها (أو عمل صالح) {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} فينبغي للإنسان أن لا يحتقر أحدا فربما كان المحتقر أطهر قلبا وأزكى عملا وأخلص نية فإن احتقار عباد الله يورث الخسران ويورث الذل والهوان (حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا) أي يكفيه من الشر والحرمان من الخير والبعد من منازل الأخيار ومقامات الأرار كونه متصفا بذلك أو ببعضه (هب عن عقبة بن عامر) رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد أعل بأن فيه ابن لهيعة ومن لا يعرف الحديث: 7662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 7663 - (ليس لقاتل ميراث) وفي رواية للدارقطني ليس لقاتل شيء والمعنى فيه أنا لو ورثناه ربما استعجل الإرث فقتل مورثه فاقتضت المصلحة حرمانه والمراد القاتل بأي وجه كان وإن كان القتل بحق كونه حاكما أو شاهدا أو مزكيا أو جلادا أو خطأ كأن نام فانقلب عليه فقتله عند الشافعية (هـ عن رجل) من الصحابة رمز لحسنه ورواه النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ليس للقاتل من الميراث شيء. قال الزركشي: قال ابن عبد البر في كتاب الفرائض: وإسناده صحيح بالاتفاق وله شواهد كثيرة انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: رواه الدارقطني والبيهقي من حديث علي وسنده ضعيف جدا قاله عبد الحق وابن الجوزي وقول إمام الحرمين: ليس هذا الحديث في الرتبة العالية من الصحة عجب فإنه ليس له في أصل الصحة مدخل انتهى الحديث: 7663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 7664 - (ليس لقاتل وصية) بأن أوصى لمن يقتله فلا يصح لأنها معصية أما لو أوصى لإنسان فقتله أو لجارحه ثم مات بالجرح فيصح لأنها تمليك بصيغة كالبيع والهبة بخلاف الإرث هذا ما عليه الشافعية (هق عن علي) أمير المؤمنين قال في المهذب: فيه مبشر بن عبيد منسوب إلى الوضع وقال أحمد: أحاديثه منكرة وقال البخاري: منكر الحديث انتهى الحديث: 7664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 7665 - (ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء) فإن صوم رمضان فرض عين فهو الأفضل على الإطلاق ويوم عاشوراء متأكد الندب فله فضل على غيره من النوافل إلا ما خص بدليل آخر (طب هب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات انتهى الحديث: 7665 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 7666 - (ليس لي أن أدخل) لفظ رواية الحاكم ليس لنبي أن يدخل (بيتا مزوقا) أي مزينا منقوشا قال الزمخشري: التزويق التزيين والنقش لأن النقش لا يكون إلا بالزواق وهو الزئبق عند أهل المدينة وعد البعض من خصائص الأنبياء منع الدخول إلى بيت مزوق وأصل هذا كما هو مبين عند أبي داود وغيره أن رجلا ضاف عليا فصنع له طعاما فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فجاء فرفع يده على عضادتي الباب فرأى القرام قد [ص: 381] ضرب في ناحية البيت فرجع فقال: ليس لي أو ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا (حم طب عن سفينة) مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه مهران أو غيره فلقب به لأنه حمل شيئا كثيرا في السفر مشهور له أحاديث ورواه عنه أيضا أبو داود وابن ماجه في الأطعمة فما أوهمه صنيع المصنف من الاقتصار على ذينك أنه لم يخرج في أحد دواوين الإسلام غير جيد ورمز المصنف لحسنه قال الصدر المناوي: وفيه سعيد بن جهمان قال أبو حاتم: لا يحتج به اه لكن رجحه الحاكم وصححه وأقره الذهبي الحديث: 7666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 7667 - (ليس من البر) بالكسر أي ليس من الطاعة والعبادة (الصيام) في رواية الصوم (في السفر) أي الصيام الذي يؤدي إلى جهاد النفس وإضرارها بقرينة الحال ودلالة السياق فإنه رأى رجلا قد ظلل عليه فقال: ما به قالوا: صائم فذكره. فلا حجة لمانع انعقاد الصوم في السفر كالظاهرية وقولهم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب منع بأن بين السياق والسبب فرقا فإن السياق والقرائن تدل على مراد المتكلم بخلاف السبب وما هنا من الأول قال المنذري: وقوله من البر كقوله {ليس البر} ومن زائدة كقولهم ما جاء من أحد توكيد للاستغراق وعموم النفي وقال القرطبي: من زائدة لتأكيد النفي وقيل: للتبعيض وليس بشيء وقال عياض: روي ليس من البر وكلاهما بمعنى واحد كما تقول ما جاءني من أحد وما جاءني أحد ومن عند بعضهم زائدة وأباه سيبويه (حم ق د ت) كلهم في الصوم (عن جابر) بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فرأى زحاما ورجل قد ظلل عليه فقال: ما هذا قالوا: صائم فذكره. (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال المصنف: وهو متواتر الحديث: 7667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 7668 - (ليس من الجنة في الأرض شيء إلا ثلاثة أشياء غرس العجوة) أي النخل وهل مراده عجوة المدينة أو مطلقا؟ فيه احتمال (والحجر) أي الأسود (وأواق) جمع أوقية) (تنزل في الفرات) أي بحر الفرات وهو نهر عظيم مشهور يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بالكوفة ثم بالحلة ثم يلتقي مع دجلة في البطائح ويصيران نهرا واحدا ثم يصبان عند عبادان في بحر فارس وفي الحديث دلالة على أنه أفضل الأنهار الأربعة التي ورد أنها من الجنة ورد على من قال: إن أفضلها النيل (كل يوم بركة من الجنة) (خط عن أبي هريرة) الحديث: 7668 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 7669 - (ليس من الصلوات صلاة أفضل من صلاة الفجر يوم الجمعة في الجماعة وما أحسب من شهدها منكم إلا مغفورا له) أما يوم الجمعة فهو يومه الذي اصطفاه واستأثر به على الأيام فختم به آخر الخلق وهو آدم وأما صلاة الغداة فإن من شهد الصبح في جماعة فهو في ذمة الله لأنه وقع في شهوده وقربه فإذا وقف عبدا لشهوده في يومه كان في ستره وذمته والستر المغفرة والذمة الجوار فرغب المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة بما كشف له من الغطاء وأجمل الكشف فاحتيج للشرح (الحكيم) في نوادره (طب عن أبي عبيدة) بن الجراح رمز لحسنه الحديث: 7669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 7670 - (ليس من المروءة الربح على الإخوان) المروءة صفة تحمل على التعاون والتعاضد مما يورث تألفا وتحببا لكنها قد تنفع وقد تضر لعدم العلم بسلامة العاقبة وقيل: المروءة حفظ الدين وصيانة النفس والجود بالموجود ورعاية الحقوق (ابن عساكر) [ص: 382] في تاريخه في ترجمة ميمون الدمشقي (عن ابن عمرو) بن العاص قال الذهبي في مختصر التاريخ: وهو منكر الحديث: 7670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 7671 - (ليس من أخلاق المؤمن) لفظ رواية البيهقي خلق بالإفراد (التملق) أي الزيادة في التودد والتضرع فوق ما ينبغي ليستخرج من الإنسان مراده وفي بعض الروايات الملق بلا تاء (ولا الحسد إلا في طلب العلم) فإن المتعلم ينبغي له التملق لمعلمه وإظهار الشرف لخدمته وأن يلقى إليه زمام أمره ويذعن لنصحه إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق. صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا قال الحليمي: الملق لغير المعلم من أفعال أهل الذلة والضعة وما يزري بفاعله ويدل على سقاطته وقلة مقدار نفسه وليس لأحد أن يهين نفسه كما ليس لغيره أن يهينه (هب) من حديث الحسن بن دينار عن خصيب بن جحدر عن النعمان عن عبد الرحمن بن غنم (عن معاذ) بن جبل وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل عقبه ببيان علته فقال: هذا الحديث إنما يروى بإسناد ضعيف والحسن بن دينار ضعيف بمرة وكذا خصيب هذا لفظه بحروفه فحذف المصنف له من كلامه غير صواب ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: مداره على الحصيب وقد كذبه شعبة والقطان وابن معين وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات اه وتعقبه المؤلف فقعقع عليه وأبرق كعاداته ولم يأت بطائل الحديث: 7671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 7672 - (ليس من رجل) بزيادة من (ادعى) بالتشديد أي انتسب لغير أبيه واتخذه أبا (وهو) أي والحال أنه (يعلمه) غير أبيه (إلا كفر) زاد في رواية للبخاري بالله أي إن استحل ولا يحسن حمله على كفر النعمة لأن رواية بالله تأباه أو خرج مخرج الزجر والتنفير وقيد بالعلم لأن الإثم إنما هو على العالم بالشيء المعتمد له فلا بد منه في الإثبات والنفي (ومن ادعى ما ليس له فليس منا) أي ليس على هدينا وجميل طريقتنا (وليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ منزلا من النار دعاء أو خبر بمعنى الأمر معناه هذا جزاؤه إن جوزي وقد يعفى عنه وقد يتوب فيسقط عنه (ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه) بحاء وراء مهملتين أي رجع ذلك القول على القاتل قال بعض الشارحين: وهذا النص في أن نسبة الرجل غيره إلى عداوة الله تكفير له وكذا نسبة نفسه إلى ذلك ويوافقه قوله تعالى {من كان عدوا لله} الآية. والاستثناء قيل معنوي أي لا يدعوه أحد بذلك إلا حار عليه أي رجع لأن القصد الإثبات ولو لم يقدر النفي لم يثبت ذلك قيل: ويحتمل عطفه على ليس من رجل فيكون جاريا على اللفظ وقال في الإحياء: معنى الحديث أن يكفره وهو يعلم أنه مسلم أي فيكفر بدليل قوله بعده وإن ظن أنه كافر ببدعة أو غيرها كان مخطئا لا كافرا وفي الروضة كأصلها عن التتمة أن من قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنه يسمى الإسلام كفرا فإن أراد كفر النعمة والإحسان لا يكفر (ولا يرمى رجل رجلا بالفسق) أي الخروج عن الطاعة (ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه) أي رجعت عليه (إن لم يكن صاحبه كذلك) على ما مر تقديره واعترض التقي ما مر عن الروضة فقال: لا تسلم أنه سمى الإسلام كفرا وإنما معنى كلامه أنك لست على دين الإسلام الذي هو حق وإنما أنت كافر دينك غير الإسلام وأنا على دين الإسلام فلا يكفر بذلك بل يعزر قال: ويلزم على ما قال أن من قال لعابد يا فاسق كفر لأنه [ص: 383] سمى العبادة فسقا ولا أحسب أحدا يقوله وإنما يريد أنك تفسق وتفعل مع عبادتك ما هو فسق وكيف الحكم عليه بالكفر بإطلاق كلام محتمل اه ولهذا ذهب البعض إلى حمل الحديث على الزجر والتنفير وفيه تحريم الانتفاء من النسب (حم ق عن أبي ذر) الحديث: 7672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 7673 - (ليس من عبد يقول لا إله إلا الله مئة مرة إلا بعثه الله يوم القيامة ووجهه) أي والحال أن وجهه في النور والإضاءة (كالقمر ليلة البدر) وهي ليلة أربعة عشر (ولم يرفع) يومئذ لأحد (عمل) من الأعمال الصالحة (أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد) عليه وفوائد لا إله إلا الله لا تحصى منها حصول الهيبة للمداوم عليها قال الإمام الرازي: القلب إذا تجلى فيه نور هذه الكلمة كان ذلك التجلي نور الربوبية ونور الربوبية إذا تجلى في القلب استعقب حصول قوة الهيبة بالله ولهذا صار العارفون المستغرقون في أنوار جلال الله يحتقرون الأحوال الدنيوية ويحتقرون عظماء الملوك ولا يبالون بالقتل ولا يقيمون لشيء من طيبات الدنيا وزنا وكل ذلك يدل على استعلاء قوة هذه الكلمة على جميع الأشياء فإن سلطان كل شيء يضمحل في سلطان جلالها كان إبراهيم الخواص بالبادية فظهر عليه شيء من هذه الأحوال فاضطجع فجاء السباع فأحاطوا به فلم يبال به فخاف صاحبه فصعد شجرة وبقي هناك خائفا وفي الليلة الثانية زال ذلك الوجد فوقعت بعوضة على يده فتألم فقال صاحبه: ما جزعت في البارحة من السباع وجزعت الليلة من بعوضة قال: البارحة نزل في القلب سلطان الجلال فبقوته لم أبال بجميع الملوك والآن غاب فظهر العجز كما ترى (طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك الحديث: 7673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 7674 - (ليس من عمل يوم) وكذا ليس من عمل ليلة من الأعمال الصالحة (إلا وهو يختم عليه) أي يطبع عليه بطابع معنوي ويستوثق به (فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته) أي منعته من قدرة مباشرة الطاعة بالمرض (فيقول الرب اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ) من مرضه (أو يموت) وهذا في مرض ليس سببه معصية كأن مرض لكثرة شربه الخمر (حم طب ك) في الرقائق (عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه رشدين واه وتعقب الهيثمي سند أحمد والطبراني بأن فيه ابن لهيعة الحديث: 7674 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 7675 - (ليس من غريم يرجع من عند غريمه راضيا) عنه (إلا صلت دواب الأرض) أي دعت له بالمغفرة (ونون البحار) أي حيتانها (ولا غريم يلوى غريمه وهو يقدر) أي والحال أنه يقدر على إيفائه حقه (إلا كتب الله عليه) أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب (في كل يوم وليلة إثما) ويتعدد ذلك بتعدد الأيام والليالي حتى يوفي له حقه [ص: 384] وفيه أن المطل كبيرة (هب عن خولة) بنت قيس بن فهد النجارية ويقال خويلة (امرأة حمزة) بن عبد المطلب الحديث: 7675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 7676 - (ليس من ليلة إلا والبحر) أي الملح (يشرف فيها) أي يطلع (ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليكم) أيها الآدميون (فيكفه الله) عنكم فاشكروا هذه النعمة قال ابن القيم: هذا مقتضى الطبيعة لأن كرة الماء تعلو كرة التراب بالطبع لكنه سبحانه يمسكه بقدرته وحلمه وصبره وكذا خرور الجبال وتقطير السماوات فإن ما يفعله الفجار في مقابلة العظمة والجلال يقتضي ذلك فجعل سبحانه في مقابلة هذه الأسباب أسبابا يرضا تقابل تلك الأسباب التي هي سبب زوال العالم فدافعت تلك الأسباب وقاومتها فكان ذا من آثار مدافعة رحمته لغضبه وغلبتها له وسبقها إياه (حم عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: فيه العوام عن شيخ كان مرابطا بالساحل والعوام ضعيف والشيخ مجهول الحديث: 7676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 7677 - (ليس منا) أي من أهل سنتنا أو طريقتنا الإسلامية (من انتهب) أي أخذ مال الغير قهرا جهرا (أو سلب أو أشار بالسلب) والمراد الزجر لا الإخراج من الدين. قال الثوري: ولا ينبغي إيراد هذا التأويل للعامة بل يمسك عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أورده بقصد التنفير ومزيد الزجر وبالتصريح بتأويله يفوت المعنى المقصود قال المصنف: ويقاس به قول المفتي في كثير من الأمور التي لا تخرج عن الإسلام وهذا كفر لقصد التنفير ولا ينبغي إنكاره عليهم (طب ك) في الجهاد من حديث قابوس بن بلسان عن أبيه (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: قابوس لين وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني قابوس وهو ضعيف وقال في موضع آخر: فيه أبو الصباح عبد الغفور متروك اه. وكأنهما روايتان الحديث: 7677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 7678 - (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء) في اللباس والزي والكلام ونحوها (ولا من تشبه بالنساء من الرجال) أي ليس يفعل ذلك من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا المقتفين لشرعنا فتشبه أحد النوعين بالآخر فيما ذكر حرام وفي كونه من الكبائر احتمال (حم) من حديث رجل من هذيل (عن ابن عمرو) بن العاص قال: رأيت ابن عمر ومنزله في الحل ومسجده في الحرم فبينما أنا عنده رأى أم سعيد بنت أبي جهل متقلدة قوسا وهي تمشي مشية الرجل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: الهذلي لا أعرفه وبقية رجاله ثقات ورواه الطبراني وأسقط الهذلي المبهم فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات الحديث: 7678 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 7679 - (ليس منا) أي من العاملين بهدينا والجارين على منهاج سنتنا (من تشبه بغيرنا) من أهل الكتاب في نحو ملبس وهيئة ومأكل ومشرب وكلام وسلام أو ترهب وتبتل ونحو ذلك فلا منافاة بينه وبين خبر لتتبعن سنن من كان قبلكم وخبر ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة إذ المراد هنا أن جنس مخالفتهم وتجنب مشابهتهم أمر مشروع وأن الإنسان كلما بعد عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها (لا تشبهوا) بحذف [ص: 385] إحدى التاءين للتخفيف (باليهود) الذين هم المغضوب عليهم (ولا بالنصارى) الذين هم الضالون (فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف) أي بالإشارة بها فيكره تنزيها الإشارة بالسلام كما صرح به النووي لهذا الخبر وبوب عليه باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ قال: وأما خبر الترمذي أيضا عن أسماء مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فأومأ بيده بالتسليم فمحمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة قال السمهودي: ربما دل هذا الخبر على أن السلام يشرع لهذه الأمة دون غيرهم واستدل به على كراهة لبس الطيلسان لأنه من ملابس النصارى واليهود وفي مسلم أن الدجال تتبعه اليهود وعليهم الطيالسة وعورض بما خرجه ابن سعد أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الطيلسان فقال: هذا ثوب لا يؤدى شكره وبأن الطيالسة الآن ليست من شعارهم وقد ذكره ابن عبد السلام في البدع المباحة قال ابن حجر: وقد تصير من شعار قوم فيصير تكه مخلا بالمروءة (ت) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الترمذي: إسناده ضعيف وأقره النووي على ضعفه وجزم المنذري أيضا بضعفه الحديث: 7679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 7680 - (ليس منا من تطير ولا من تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له) لأن ذلك فعل الجاهلية زاد البزار ومن أتى كاهنا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (طب) وكذا البزار (عن عمران بن حصين) قال المنذري: إسناد الطبراني حسن وإسناد البزار جيد وقال الهيثمي: فيه إسحاق بن الربيع العطار وثقة أبو حاتم وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ورواه في الأوسط عن ابن عباس ورمز المصنف لحسنه الحديث: 7680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 7681 - (ليس منا من حلف بالأمانة) أي ليس هو من ذوي أسوتنا بل من المتشبهين بغيرنا فإنه من ديدن أهل الكتاب قال القاضي: ولعله أراد به الوعيد عليه فإنه حلف بغير الله ولا تتعلق به كفارة (ومن خبب) بمعجمة وموحدتين قال المصنف: ورأيته في النسخة التي هي عندي بمثلثة آخره أي خادع وأفسد (على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا) قال ابن القيم: وهذا من أكبر الكبائر فإنه إذا كان الشارع نهى أن يخطب على خطبة أخيه فكيف بمن يفسد امرأته أو أمته أو عبده ويسعى في التفريق بينه وبينها حتى يتصل بها وفي ذلك من الإثم ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يزد عليها ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق فإن ظلم الزوج بإفساد حليلته والجناية على فراشه أعظم من ظلم أخذ ماله بل لا يعدل عنده إلا سفك دمه (حم حب ك) في الإيمان عن بريدة قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح خلا الوليد بن ثعلبة وهو ثقة وقال المنذري: إسناد أحمد صحيح الحديث: 7681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 7682 - (ليس منا من خبب امرأة على زوجها) أي خدعها وأفسدها عليه (أو عبدا على سيده) لما تقرر فإن إنضاف إلى ذلك أن يكون الزوج جارا أو ذا رحم تعدد الظلم وفحش بقطيعة الرحم وأذى الجار ولا يدخل الجنة قاطع رحم ولا من لا يأمن جاره بوائقه قال النووي في الأذكار: فيحرم أن يحدث قن رجل أو روجته أو ابنه أو غلامه أو نحوهم بما يفسدهم به عليه إذا لم يكن أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (د) في الطلاق والأدب (ك) في الطلاق وقال: على شرط البخاري (عن أبي هريرة) ورواه عنه [ص: 386] أيضا باللفظ المزبور النسائي في عشرة النساء الحديث: 7682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 7683 - (ليس منا من خصى) أي سل خصية غيره (أو اختصى) سل خصية نفسه أي ليس من فعل ذلك ممن يهتدون بهدينا فالخصي حرام شديد التحريم لما فيه من المفاسد الكثيرة كتعذيب النفس والتسوية مع إدخال الضرر الذي ربما أفضى إلى الهلاك وإبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة فإن خلق الإنسان رجلا من النعم الجسيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال وهذا قاله لعثمان بن مظعون حين قال له: يا رسول الله إني رجل تشق علي العزوبة فأذن لي في الاختصاء فذكره ثم أرشده إلى ما يحصل المقصود من كسر الشهوة بقوله (ولكن) إذا أردت تسكين شهوة الجماع (صم) أي أكثر الصوم (ووفر شعر جسدك) فإن ذلك يضعف الميل إلى النساء قال الطيبي: ولا بد من تقدير من أي ليس منا من خصى ولا من اختصى لئلا يتوهم أن التهديد وارد على من جمع بينهما لا من تفرد بأحدهما (طب عن ابن عباس) ورواه البغوي في شرح السنة بسند فيه مقال ورمز المصنف لحسنه الحديث: 7683 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 7684 - (ليس منا من دعا إلى عصبية) أي من يدعو الناس إلى الاجتماع على عصبية وهي معاونة الظالم (وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية) قال ابن الأثير: العصبي الذي يغضب لعصبيته ويحامي عليهم والتعصيب المدافعة والمحاماة وقال ابن تيمية: بين بهذا الحديث أن تعصب الرجل لطائفة مطلقا فعل أهل الجاهلية محذور مذموم بخلاف منع الظالم وإعانة المظلوم من غير عدوان فإنه حسن بل واجب فلا منافاة بين هذا وبين خبر انصر أخاك إلخ (د) في الأدب من حديث عبد الله بن أبي سليمان (عن جبير بن مطعم) قال المنذري: ولم يسمع عبد الله من جبير قال المناوي: مراده أن الحديث منقطع وفيه محمد بن عبد الرحمن المكي أو البكي قطرب أبو حاتم مجهول وعجب من المصنف كيف اقتصر على رواية أبي داود هذه مع قول المنذري وغيره: هو في صحيح مسلم بأتم منه وأفيد وكذا في سنن النسائي الحديث: 7684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 7685 - (ليس منا) أي من أهل سنتنا أي ليس على ديننا يريد أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان أصله معه (من سلق) بقاف أي رفع صوته في المصيبة بالبكاء (و) لا (من حلق) أي شعره حقيقة أو قطعه (و) لا (من خرق) ثوبه جزعا على الميت قال: قال أبو حاتم: سلقت المرأة وصلقت أي صاحت وأصله رفع الصوت قال ابن العربي: كان مما تفعله الجاهلية وقوف النساء متقابلات وضربهن خدودهن وخمشهن وجوههن ورمي التراب على رؤوسهن وصياحهن وحلق شعورهن كل ذلك للحزن على الميت فلما جاء الله بالحق على يد محمد قال: ليس منا إلخ ولذلك سمي نوحا لأجل التقابل الذي فيه على المعصية وكل متناوحين متقابلين لكنهما خصا وعرفا بذلك (د ن عن أبي موسى) الأشعري ورواه البزار وأبو يعلى قال الهيثمي: ورجاله ثقات ومن ثم رمز المصنف لصحته وقضية كلامه أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه ولعله ذهول فقد عزاه في مسند الفردوس وغيره لمسلم من حديث أبي موسى بلفظ ليس منا من حلق ولا من خرق وسلق الحديث: 7685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 7686 - (ليس منا من عمل بسنة غيرنا) المنسوخة بشرعنا كمن عدل عن السنة المحمدية إلى ترهب الديور والصوامع ومن قفى أثرهم وترك الطيب والنساء واللحم ونحوها من الحلو أو العسل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه [ص: 387] وبطل وتعطل وترفه وتصنع في المأكل والمشرب وتزين في الملبس والمركب وبطر وأشر فلا الإمعان في الطيبات والتكالب عليه بمحمود ولا هجرها رأسا بمشكور اللهم اهدنا الصراط المستقيم قال ابن العربي: لا تعلق في هذا الخبر ونحوه للوعيدية الذي يخرجون في الذنوب من الإيمان وإنما هو على قالب نحو المسلم من سلم الناس أو المسلمون من لسانه ويده ويريد بذلك نفي كمال خصاله واستيفاء شرائطه وخلوص نيته (فر عن ابن عباس) ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فهو بالعزو إليه أحق ثم إن فيه يحيى الحماني وسبق تضعيفه عن جمع ويوسف بن ميمون أورده الذهبي في الضعفاء ونقل تضعيفه عن أحمد وغيره الحديث: 7686 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 7687 - (ليس منا من غش) وفي رواية من غشنا أي لم ينصح من استنصحه وزين له غير المصلحة فمن ترك النصح للأمة ولم يشفق عليهم ولم يعنهم بنفسه وما بيده فكأنه ليس منهم إلى تسمية وصورة وأخرج البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا أن رجلا كان يبيع الخمر في سفينة ومعه قرد فكان يشرب الخمر بالماء فأخذ القرد الكيس فصعد الذروة فجعل يأخذ دينارا فيلقيه في السفينة ودينارا في البحر حتى جعله نصفين (حم د هـ ك عن أبي هريرة) ظاهر صنيعه أن الشيخين لم يخرجاه ولا أحدهما وقد اغتر في ذلك بالحاكم مع أن مسلما خرجه. قال ابن حجر: رواه مسلم وأبو داود وفيه قصة وخرجه العسكري بزيادة فقال: من غشنا ليس منا قيل: يا رسول الله ما معنى قولك ليس منا؟ فقال: ليس مثلنا اه. وإنكار أبي عبيد هذه الرواية: وقوله ليس مثل رسول الله أحد غش أو لم يغش رد بأن معناه من غش فليس أخلاقه مثل أخلاقنا فلا يلزم ما ذكر الحديث: 7687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 7688 - (ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره) أي خادعه أي من فعل به ذلك لكونه مسلما فليس بمسلم قال ابن العربي: وهذه الخصال حرام بإجماع الأمة والنصيحة عامة في كل شيء ومتعبد بها الأنبياء وكذا الملائكة قال تعالى في جبريل {وما هو على الغيب بضنين} أي بمتهم بالغش والتدليس في التبليغ (الرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 7688 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 7689 - (ليس منا) أي من أهل سنتنا والنهي للتغليظ أو مختص بمعتقد حل مايجيء (من لطم الخدود) عند المصيبة كبقية البدن وإنما خصها لأنها التي تلطم غالبا وجمعها كالجيوب وإن لم يكن للإنسان إلا خدان وجيب واحد باعتبار إرادة الجمع للتغليظ فيكون مقابلة الجمع بالجمع أو على حد قوله: {وأطراف النهار} (وشق الجيوب) جمع جيب من جابه قطعه قال سبحانه: {الذين جابوا الصخر بالواد} وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس للبسه والمرادبشقه إكمال فتحه وهو علامة على التسخط (ودعى بدعوى الجاهلية) وهي زمن الفترة قبل الإسلام أي نادى بمثل ندائهم الغير الجائز شرعا كأن يقول واكهفاه واجبلاه وتفسيره بأن عادتهم أن الرجل إذا غلب في الخصام نادى بأعلى صوته يا آل فلان لقومه فيبادرون لنصره ظالما أو مظلوما لا يليق بالسياق والنفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من الثلاثة ولا يشترط وقوعها كلها معا وأصل البراءة الانفصال من الشيء فكأنه توعده بأنه لا يدخله في شفاعته مثلا وهو يدل على عدم الرضى وسببه ما تضمنه من عدم الرضى بالقضاء (حم ق ت ن هـ عن ابن مسعود) وفي رواية لمسلم أو دعى أو شق ثوبه الحديث: 7689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 7690 - (ليس منا) أي من العاملين بسنتنا الجارين على طريقتنا (من لم يتغن بالقرآن) يعني لم يحسن صوته به لأن التطريب [ص: 388] به أوقع في النفوس وأدعى للاستماع والإصغاء وهي كالحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفيذه إلى أمكنة الداء وكالأفاوية التي يطيب بها الطعام ليكون الطبع أدعى قبولا له لكن شرطه أن لا يغير اللفظ ولا يخل بالنظم ولا يخفي حرفا ولا يزيد حرفا وإلا حرم إجماعا كما مر قال ابن أبي مليكة: فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع والقول بأن المراد يستغني رده الشافعي بأنه لو أراد الاستغناء لقال من لم يستغن نعم اعترض التوربشتي الأول بعد ما رجح جانب معنى الاستغناء فقال: المعنى ليس من أهل سنتنا أو ممن تبعنا في أمرنا وهو وعيد ولا خلاف بين الأمة أن قارئ القرآن مثاب في غير تحسين صوته فكيف يجعل مستحقا للوعيد وهو مأجور. قال الطيبي: ويمكن حمله على معنى التغني أي ليس منا معشر الأنبياء من يحسن صوته بالقرآن ويستمع الله منه بل يكون من جملة من هو نازل عن مرتبتهم فيثاب على قراءته كسائر المسلمين لا على تحسين صوته كالأنبياء ومن تبعهم فيه (خ) في التوحيد (عن أبي هريرة حم د حب ك) في الفضائل (عن سعد) بن أبي وقاص (وعن أبي لبابة) بضم اللام وموحدتين خفيفتين الأنصاري المدني واسمه بشير وقيل رفاعة (ابن عبد المنذر) صحابي بدري جليل مشهور. قال في التقريب: ووهم من سماه مروان (ك عن ابن عباس عن عائشة) الحديث: 7690 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 7691 - (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) الواو بمعنى أو فالتحذير من كل منهما وحده فيتعين أن يعامل كلا منهما بما يليق به فيعطى الصغير حقه من الرفق به والرحمة والشفقة عليه ويعطى الكبير حقه من الشرف والتوقير قال الحافظ العراقي: فيه التوسعة للقادم على أهل المجلس إذا أمكن توسعهم له سيما إن كان ممن أمر بإكرامه من الشيوخ شيبا أو علما أو كونه كبير قوم كما في حديث جرير المار إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (ت) من رواية محمد بن مرزوق عن عبيد بن واقد عن زربي (عن أنس) بن مالك قال: جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له فذكره ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب وزربي له مناكير عن أنس الحديث: 7691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 7692 - (ليس منا) يعني من أهل الكمال منا (من لم يرحم صغيرنا) يعني الصغير من المسلمين بالشفقة عليه والإحسان إليه (ويعرف شرف كبيرنا) بما يستحقه من التعظيم والتبجيل وعليك برحمة الخلق أجمعين ومراعاتهم كيفما كانوا فإنهم عبيد الله وإن عصوا وخلق الله وإن فضل بعضهم على بعض فإنك إذا فعلت نجح سعيك وسما جدك قال الحافظ العراقي: ويؤخذ من قوله شرف كبيرنا أنه إنما يستحق الكبير الإكرام إذا كان له شرف بعلم أو صلاح ونسب زكي كالشرف ويحتمل أن التعمير في الإسلام شرف لقوله في الحديث المار خير الناس من طال عمره وحسن عمله نعم إن كان شيخا سيء العمل فلا يستحق الإكرام لقوله في بقية الحديث وشر الناس من طال عمره وساء عمله لكن يجيء في حديث ما من شاب أكرم شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه فظاهر الإكرام أنه للسن بغير قيد (حم ت ك عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أبو داود قال في الرياض: حديث صحيح وقال الحاكم: على شرط مالك وأقره الذهبي وقال العراقي: سنده حسن وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأعلى ممن ذكر وليس كذلك فقد خرجه سلطان الفن في الأدب فكان ينبغي ذكره معهم الحديث: 7692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 [ص: 389] 7693 - (ليس منا) أي ليس مثلنا (من لم يرحم صغيرنا) لعجزه وبراءته عن قبائح الأعمال وقد يكون صغيرا في المعنى مع تقدم سنه لجهله وغباوته وخرقه وغفلته فيرحم بالتعليم والإرشاد والشفقة (ويوقر كبيرنا) لما خص به من السبق في الوجود وتجربة الأمور (ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر) بحسب وسعه بيده أو بلسانه أو بقلبه بشروطه المعروفة قال تعالى {أنجينا الذين ينهون عن السوء} فجعل النجاة للناهين والهلكة للتاركين (حم ت) في البر وقال الترمذي: حسن غريب عن ابن عباس رمز لحسنه قال ابن القطان: ضعيف فيه ليث بن أبي سليم ضعفوه وقال الهيثمي: فيه ليث وهو مدلس الحديث: 7693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 7694 - (ليس منا) وفي رواية ليس من أمتي (من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) بأن لم يحترمه ولم يطع أمره في غير معصية قال الحكيم: إجلال الكبير هو حق سنه لكونه تقلب في العبودية لله في أمد طويل ورحمة الصغير موافقة لله فإنه رحم ورفع عنه العبودية ومعرفة حق العالم هو حق العلم بأن يعرف قدره بما رفع الله من قدره فإنه قال: {يرفع الله الذين آمنوا منكم} ثم قال: {والذين أوتوا العلم درجات} فيعرف له درجته التي رفع الله له بما آتاه من العلم (حم ك) وكذا الطبراني كلهم (عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: وسنده حسن الحديث: 7694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 7695 - (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يعرف حق كبيرنا وليس منا من غشنا ولا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب للمؤمن ما يحب لنفسه) أي لا يكون مؤمنا كامل الإيمان حتى يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير (طب عن ضميرة) بالتصغير بخطه رمز لحسنه قال الهيثمي: وفيه حسين بن عبد الله بن ضمرة كذاب اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 7695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 7696 - (ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر) أي ضيق (على عياله) أي ليس من خيارنا ولا من متوكلينا والمتخلقين بأخلاقنا لقنوطه من خلف الله واعتماده على ما بيده وشحه على من جعلهم الله في قبضته وتحت أمره فالتقتير عليهم مذموم وإن رضوا به لأن هذا الدين لا يصلح إلا للسخاء كما في خبر فالعاقل من تفكر واعتبر بغيره وقدم لنفسه <تنبيه> قال الراغب: البخل ثلاثة بخل الإنسان بماله وبخله بمال غيره على غيره وبخله على نفسه بمال غيره وهو أقبح الثلاثة والباخل بما بيده باخل بمال الله على نفسه وعياله إذ المال عارية بيد الإنسان مستردة ولا أحد أجهل ممن لا ينتقذ نفسه وعياله من العذاب الأليم بمال غيره سيما إذا لم يخف من صاحبه تبعة ولا ملامة والكفالة الإلهية متكفلة بتعويض المنفق ففي خبر اللهم اجعل لمنفق خلفا ولممسك تلفا ومن وسع وسع الله عليه (فر عن جبير بن مطعم) وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير مجمع على ضعفه كما مر غير مرة الحديث: 7696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 7697 - (ليس منا من وطئ حبلى) أي من السبايا بدليل قوله في سبايا أوطاس ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا ذات حيض حتى تحيض فليس المراد هنا النهي عن وطء حليلته الحبلى كما قد يتوهم لما مر أنه هم أن ينهى عنه ثم رجع (طب عن ابن عباس) ورواه عنه أحمد أيضا في حديث طويل قال الهيثمي: وفيه الحجاج بن أرطاة مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح ومن ثم رمز المصنف لحسنه الحديث: 7697 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 [ص: 390] 7698 - (ليس منكم) الخطاب للصحابة لكن المراد عموم أمة الإجابة (رجل إلا أنا ممسك بحجزته) بضم الحاء المهملة أي بمعقد إزاره وكل ما يشد به الوسط فهو حجاز (أن يقع في النار) وهو غالبي لقيام الدليل القاطع على أن بعض أمته يدخل النار للتطهير (طب عن سمرة) بن جندب رمز المصنف لحسنه الحديث: 7698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 7699 - (ليس مني) أي ليس بمتصل بي (إلا عالم) العلم الشرعي النافع (أو متعلم) لذلك وما سواهما فغير متصل بي <تنبيه> قال الغزالي: آداب العلم تسعة عشر الاحتمال ولزوم الحلم والجلوس بوقار وإطراق رأس وترك التكبر إلا على الظلمة زجرا لهم وإيثار التواضع في المحافل وترك الهزل والدعاية والرفق بالمتعلم والتأني بالمتعجرف وإصلاح البليد بحسن الإرشاد وترك الأنفة من قول لا أدري وصرف الهمة للسائل وقبول الحجة والانقياد للحق عند الهفوة ومنع المتعلم من كل علم يضره وزجره عن أن يريد بالعلم غير وجه الله وصده عن الاشتغال بفرض الكفاية قبل العين وآداب المتعلم مع العالم أن يبدأ بالتحية ويقل بين يديه الكلام ولا يقول في معارضة قوله قال فلان خلافه ولا يشير عليه بخلاف رأيه ولا يسأل جليسه بمجلسه ولا يلتفت بل يقعد مطرقا ساكتا متأدبا كأنه في الصلاة لا يكثر عليه عند ملله وإذا قام قام له ولا يسأله في الطريق ولا يسيء الظن به في أفعال ظاهرها منكر عنده (ابن النجار) في تاريخه (فر) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مخارق بن ميسرة قال الذهبي في الضعفاء: لا يعرف الحديث: 7699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 7700 - (ليس مني ذو حسد ولا نميمة ولا كهانة ولا أنا منه) تمامه عند مخرجه ثم تلى رسول اله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} والحسد معروف والنميمة السعي بين الناس بالحديث لإيقاع فتنة أو وحشة والكهانة القضاء بالغيب كما في القاموس (طب عن عبد الله ابن بسر) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه سليمان بن سلمة الخبائري وهو متروك وبه يعرف أن المؤلف لم يصب في رمزه لحسنه الحديث: 7700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 7701 - (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء) مما فاتهم في الدنيا (إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها) أي احتسابا وتقربا إليه وذلك لأنهم لما عرضت عليهم أيام الدنيا وماذا خرج لهم من ذكر الله تعالى ثم نظروا إلى الساعة الأخرى التي حرموا فيه الذكر مما تركوه من ذكره فأخذتهم الحسرات لكن هذه الحسرات إنما هي في الموقف لا في الجنة كما بينه الحكيم وغيره والغرض من السياق أن تعلم أن كل حركة ظهرت منك بغير ذكر الله فهي عليك لا لك وإن أدوم الناس على الذكر أوفرهم حظا وأرفعهم درجة وأشرفهم منزلة والجوارح الكواسب للخير والشر سبعة في العبد السمع والبصر واللسان واليد والرجل والبطن والفرج فمن حرك هذه الجوارح بالذكر ترقى إلى منازل المفردين الذين قال فيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث المار سبق المفردون ومن حرك جوارحه بما دعاه الهوى في الشهوة فقد حاد عن الله عز وجل وجار على جوارحه وظلم نفسه حيث أرداها فأوجب له التحسر والإبعاد فهذه حركات تظهر منك فإن كان قلبك غافلا عن الله عز وجل فقد ضيعت ذلك الوقت وعرضت نفسك لسخط الله لأنه في ذكرك وأنت عنه في غفلة لأن الغطاء قد انكشف بمعاينة قصور الجنة وأنهارها ونعيمها وثواب الذكر من فرح الله [ص: 391] بالعبد وحبه له فإذا غفل عن ذكر الله ولو طرفة عين حرم ذلك الفضل فيتحسر عليه والملائكة يطالعون بعيون أجسادهم ما تحت العرش وقلوب الآدميين تطالع من وراء الحجاب من عظائم الأمور التي لا تدور الألسن بذكرها فيعطى في تلك المشاهدة من الفضل والكرم ما يعدل به فرائد خدمتهم ليقدموا به يوم العرض عليه بأعمال وأنوار تتعجب الملائكة منها والقلب مطلوب برعاية هذه الجوارح بدوام الذكر بها فإذا أهمل القلب ذلك وكشف له الغطاء في وقفته يوم القيامة بين يدي الله تعالى يتقطع قلبه حسرات قطعا قطعا ويتفلذ كبده فلذا فلذا ويضطرب كل عرق منه خوفا أي حياء من الله وتصرخ كل شعرة ومفصل منه عويلا وندامة وحرقة فأعظم بها من حسرة (طب هب عن معاذ) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات وفي شيخ الطبراني محمد بن إبراهيم الصوري خلاف الحديث: 7701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 7702 - (ليست السنة) أي الجدب ومنه {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} (بأن لا تمطروا) بالبناء للمجهول (ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا) كرره للتأكيد (ولا تنبت الأرض شيئا) يعني ليس عام القحط الذي لا تمطر السماء فيه مع وجود البركة بل أن تمطروا ولا تنبت وذلك لأن اليأس بعد وقوع الرجاء بظهور مخايله أفظع مما كان حاصلا من أول الأمر والنفس مترقبة حدوثها قال: أظلت علينا من نداك غمامة. . . أضاءت لنا برق وأبطأ رشاشها فلا غيمها يجلو فييأس طامع. . . ولا غيثها يهمى فيروى عطاشها (الشافعي) في مسنده (حم م عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الطيالسي وغيره الحديث: 7702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 7703 - (ليسوقن رجل من قحطان الناس بعصا) يعني أن ذلك من أشراط الساعة وقحطان عامر بن شالخ أيوحى (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه ابن إسحاق وهو مدلس والحسين بن عيسى بن ميسرة لم أعرفه فرمز المصنف لصحته مردود الحديث: 7703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 7704 - (ليشترك النفر في الهدي) (ك عن جابر) الحديث: 7704 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 7705 - (ليشربن أناس) في رواية ناس (من أمتي الخمر) قال الطيبي: إخبار فيه شائبة إنكار (يسمونها بغير اسمها) يتسترون في شربها بأسماء الأنبذة المباحة أي يشربون النبيذ المطبوخ بالسكر ويسمونه طلا تحرجا أن يسموه خمرا وذلك لا يغني عنهم من الحق شيئا وقيل: أراد يغيرون صفتها ويبدلون اسمها ويبقى معناها قال ابن العربي في العارضة: والذين أنذر عليه السلام بهم هم الحنفية فإنها طبخت لتزبل عنه بزعمها اسم الخمرية وتشربه باسم آخر (حم د) في الأشربة (عن أبي مالك الأشعري) ورواه عنه أيضا ابن ماجه قال الصدر المناوي: وفيه حاتم بن حريث الطائي الحمصي قال ابن معين: لا أعرفه وقال ابن حجر: صححه ابن حبان وله شواهد كثيرة الحديث: 7705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 7706 - (ليشرين أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ويضرب على رؤوسهم بالمعازف) أي الدفوف ونحوها (والقينات) أي الإماء المغنيات (يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) وفيه وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة في تحريم الخمر وهي الإسكار فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ولو [ص: 392] لم يستمر الاسم قال ابن العربي: هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بإلقائها ردا على من جمد على اللفظ قال ابن القيم: فيه تحريم آلة اللهو فإنه قد توعد مستحل المعازف بأنه يخسف به الأرض ويمسخهم قردة وخنازير وإن كان الوعيد على جميع الأفعال ولكل واحد قسط من الذم والوعيد (هـ حب طب هب عنه) أي عن أبي مالك الأشعري قال ابن القيم: إسناده صحيح الحديث: 7706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 7707 - (ليصل الرجل في المسجد الذي يليه) أي بقرب مسكنه (ولا يتتبع المساجد) أي لا يصلي في هذه مرة وفي هذه مرة على وجه التنقل فيها فإنه خلاف الأولى (طب عن ابن عمر) قال الهيثمي: رجاله موثوقون إلا شيخ الطبراني محمد بن أحمد بن النضر الترمذي ولم أجد من ترجمه وذكر ابن حبان محمد بن أحمد بن النضر بن معاوية عن عمرو ولا أدري هو أم لا الحديث: 7707 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 7708 - (ليصل) بكسر اللام (أحدكم نشاطه) أي مدة نشاطه أو وقت نشاطه والصلاة التي نشط لها والمراد ليصل الرجل عن كمال الإرادة والذوق فإنه في مناجاة ربه ولا يناجيه عند الملالة (فإذا كسل أو فتر) في أثناء القيام (فليقعد) ويتم صلاته قاعدا أو إذا فتر بعد فراغ بعض تسليماته فليأت بما بقي من نفله قاعدا وإذا فتر بعد دخوله فيها فليقطعها يعني النافلة حتى يحدث له نشاط (حم ق د ن هـ) كلهم في الصلاة (عن أنس) بن مالك قال: دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال: حلوه ثم ذكره الحديث: 7708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 7709 - (ليضع أحدكم) إذا أراد أن يصلي (بين يديه مثل مؤخرة الرحل) هي بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء أو بفتح الهمزة وخاء مشددة العود الذي يستند إليه راكب الرحل (ولا يضره) في صلاته (ما مر بين يديه) أي أمامه بينه وبين سترته فلا تقطع الصلاة بشيء مما مر بين يدي المصلي مطلقا من امرأة أو حمار أو كلب أو شاة أو غير ذلك وبذلك أخذ الجمهور من الصحابة فمن بعدهم ومنهم الشافعي وأبو حنيفة ومالك وقال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود لما ورد في حديث أنه شيطان وفيه أن أقل ما يكون سترة للمصلي بقدر مؤخرة الرحل وهي قدر ثلثي ذراع (الطيالسي) أبو داود (حب) كلاهما (عن طلحة) بن عبيد الله الحديث: 7709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 7710 - (ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي) فإنها أعظم المصائب اصبر لكل مصيبة وتجلد. . . واعلم بأن المرء غير مخلد فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها. . . فاذكر مصابك بالنبي محمد (ابن المبارك) في الزهد (عن القاسم) بن محمد (مرسلا) هو أحد الفقهاء السبعة وعزاه في الفردوس لمالك قال في مسنده: رواه [ص: 393] مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه هكذا مقطوعا اه الحديث: 7710 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 7711 - (ليغسل موتاكم المأمونون) فيه أنه يسن كون الغاسل أمينا إن رأى خيرا ذكره أو غيره ستره إلا لمصلحة (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه بقية وقد مر غير مرة ومبشر بن عبيد الحمصي قال في الكاشف: تركوه الحديث: 7711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 7712 - (ليغشين أمتي من بعدي) أي بعد وفاتي (فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل) وصف طردي والمراد الإنسان ولو أنثى (مؤمنا ويمسي كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل) أولئك لا خلاق لهم وذلك من الأشراط والغشيان بالكسر الإتيان والفتنة بالكسر الحيرة والضلال والإثم والكفر والفضيحة والعذاب ويظهر أن ذلك هو زمن الدجال ويحتمل خلافه (ك) في الفتن (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 7712 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 7713 - (ليفرن الناس من الدجال) عند خروجه في آخر الزمان (في الجبال) تمامه قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال: هم قليل (حم م ت عن أم شريك) العامرية ويقال الأنصارية والدوسية قال الزين العراقي: هذا حديث صحيح الحديث: 7713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 7714 - (ليقتلن) عيسى (ابن مريم الدجال بباب لد) أي أنه ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيجده بباب لد فيقتله لا أنه ينزل لقتله (حم عن مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة (بن حارثة) بن عامر الأنصاري المدني أحد من جمع القرآن قال الشعبي: كان بقي عليه سورتان حين قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحديث: 7714 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 7715 - (ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام) أي يحوزونه ويخرقونه ويتعدونه (كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وشد الياء فعلية من الرمي والمراد الصيد الوحشي كالغزالة المرمية مثلا يعني يخرجون من الدين بفتنة كخروج السهم إذا رماه رام قوي الساعد فأصاب ما رماه فنفذ منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من الرمي شيء فإذا التمس الرامي سهمه وجده ولم يجد الذي رماه وهؤلاء الفرقة هم الحرورية الذين خرجوا على علي فقاتلهم حتى قتل أكثرهم (حم هـ عن ابن عباس) ورواه عنه أبو يعلى أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 7715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 7716 - (ليقل أحدكم) ندبا مؤكدا (حين يريد أن ينام) بالليل ويحتمل أن المراد النهار أيضا وإنما خص الليل في بعض [ص: 394] الروايات لأن غالب النوم فيه ويظهر أن محل قوله ذلك بعد اضطجاعه في الفراش (آمنت بالله وكفرت بالطاغوت وعد الله حق وصدق المرسلون اللهم إني أعوذ بك من طوارق هذا الليل إلا طارقا يطرق بخير) (طب عن أبي مالك الأشعري) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف الحديث: 7716 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 7717 - (ليقم الأعراب) في الصلاة (خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة) لأن المهاجرين والأنصار أوثق وأعرف وأضبط بما يشاهدونه من أقواله وأفعاله والأعراب لا يدركون ذلك ولا يتفطنون له (طب عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي: فيه سعد بن بشير وقد اختلف في الاحتجاج به اه. والمصنف رمز لحسنه الحديث: 7717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 7718 - (ليكف الرجل منكم) من الدنيا (كزاد الراكب) يعني ليكفك من الدنيا ما يبلغك إلى الآخرة فالمؤمن يتزود منها والفاجر يستمتع فيها والأصل أن من امتلأ قلبه بالإيمان استغنى عن كثير من مؤن دنياه واحتمل المشاق في تكثير مؤن أخراه وفيه تنبيه على أن الإنسان مسافر لا قرار له فيحمل ما يبلغه المنزلة بين يديه مرحلة مرحلة ويقتصر عليه وفي بعض الكتب المنزلة ابن آدم خذ من الددنيا ما شئت وخذ من الهم أضعافه <تنبيه> كان بعض العارفين إذا انقضى فصل الشتاء أو الصيف يتصرف في الثياب الذي يلبسها في ذلك الفصل ولا يدخرها إلى الفصل الآخر وهو مقام عيسوي فإن المسيح عليه السلام لم تكن له ثياب تطوى زيادة على ما عليه من جبة صوف أو قطن وكانت مخدته ذراعيه وقصعته بطنه ووضع لبنة على لبنة من طين تحت رأسه فقال له ابليس قد رغبت يا عيسى في الدنيا بعد ذلك الزهد فرمى بهما واستغفر وتاب وكان أبو حذيفة يقول: أحب الأيام إلي يوم يأتيني الخادم فيقول: ما في بيتنا اليوم شيء نأكله هذا تأكيد شديد في الترغيب في الزهد قال العلائي: والباعث عليه قصر الأمل ولهذا أشار إليه بقوله كزاد الراكب تشبيها للإنسان في الدنيا بحال المسافر (هـ حب عن سلمان) الفارسي ورواه عنه الحاكم بنحوه وذكر بيان السبب وهو أن سعدا قدم على سلمان يعوده فبكى فقال سعد: ما يبكيك توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك فقال: ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا لتكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب وحولى هذه الأساود أي الشخوص. قال: وإنما حوله إجانة وجفنة ومطهرة فقال سعد: أعهد إلينا فقال: يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند يدك إذا قسمت وعند حكمك إذا حكمت رواه الحاكم بطوله وقال: صحيح قال المنذري: كذا قال الحديث: 7718 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 7719 - (ليكف أحدكم من الدنيا خادم ومركب) لأن التوسع في نعيمها يوجب الركون إليها والانهماك في لذاتها وحق على كل مسافر أن لا يحمل إلا بقدر زاده في السفر نعم إن سمحت نفسه بإطعام الطعام وتوسيع الزاد على الرفقاء فلا بأس بالاستكثار فقوله كزاد الراكب معناه لأنفسكم خاصة وإلا فقد كان ممن يروي هذا الحديث ويأخذ به يأخذ مئة ألف في موضع واحد فلا يقوم حتى يفرقها ولا يمسك منها حبة <فائدة> قال شيخنا العارف الشعراني: من أخلاقهم شدة توجههم إلى الله في تحويل نعم الدنيا عنهم وعن إخوانهم من مال وولد وزوجة إلا ما لا بد منه قال: وقد قال لي سيدي علي الخواص: ينبغي للفقير أن لا يغفل عن سؤال تحويل الدنيا عنه وعن أصحابه ما عدا اللقمة وساتر العورة وما لا بد منه كما أشار إليه هذا الخبر وقال المرصفي: من علامة محبة الشيخ لأصحابه أن يحول بينهم وبين وظائف الدنيا ولذاتها فإذا ماتت أولادهم أو عزلوا من وظائفهم أو ذهب ما لهم وجد له لذة في قلبه شفقة عليهم (حم ن والضياء) المقدسي (عن بريدة) بن الحصيب الحديث: 7719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 [ص: 395] 7720 - (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف) فيه إثبات الخسف والمسخ في هذه الأمة ومن زعم عدم وقوعه فيها قال: المراد خسف المنزلة ومسخ القلوب وفيه أن آلة اللهو حرام ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها ذكره ابن القيم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الملاهي عن أنس) بن مالك وفي الباب ابن عباس وأبو أمامة وغيرهما عند أحمد والطبراني وغيرهما الحديث: 7720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7721 - (ليكونن من ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي) يعني الخلافة (يعز الله تعالى بهم الدين) أي دين الإسلام وهذا علم من أعلام نبوته ومعجزاته التي ينبو عنها نطاق الحصر فإنه إخبار عن غيب وقع (قط في الأفراد عن جابر) وفيه عمر بن راشد المدني قال في الميزان عن أبي حاتم: وجدت حديثه كذبا وزورا وقال العقيلي: منكر الحديث وابن عدي: كل أحاديثه لا يتابع عليها ومن أحاديثه هذا الخبر الحديث: 7721 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7722 - (ليلة الجمعة ويوم الجمعة أربع وعشرون ساعة لله في كل ساعة منها ست مئة ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار) أي نار التطهير ويحتمل إجراؤه على إطلاقه بأن يوفق من شاء من الكفار لأن يسلم (الخليل) في مشيخته (عن أنس) بن مالك الحديث: 7722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7723 - (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وبه قال الأكثر من الصحب وتابعيهم وكان أبي بن كعب يحلف عليه قال القاضي: سميت ليلة القدر لأنها ليلة تقدير الأمور فإنه تعالى بين فيها لملائكته ما يحدث إلى مثلها من العام القابل فإما لخطرها وشرفها على جميع الليالي وإما لغير ذلك (د عن معاوية) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيعه أن ذا لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي إلى مسلم باللفظ المزبور عن أبي بن كعب الحديث: 7723 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7724 - (ليلة القدر ليلة أربع وعشرين) أخذ به راويه بلال وحكى عن ابن عباس والحسن وقتادة (حم عن بلال) المؤذن (الطيالسي) أبو داود (عن أبي سعيد) قال الهيثمي: سند أحمد حسن اه. والمصنف رمز لصحته فليحرر الحديث: 7724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7725 - (ليلة القدر في العشر الأواخر) أي الذي تلي آخر الشهر (في الخامسة أو الثالثة) (حم عن معاذ) بن جبل رمز المصنف لصحته الحديث: 7725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7726 - (ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين) وعليه جمع (إن الملائكة تلك الليلة) أي ليلة القدر (في الأرض أكثر من عدد الحصى) وفي رواية الطبراني في الأوسط أكثر من عدد النجوم وهي أفضل ليالي العام مطلقا [ص: 396] وذهب بعضهم إلى تفضيل ليلة الإسراء عليها واعترض وتوسط البعض فقال: ليلة الإسراء أفضل في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم وليلة القدر أفضل لأمته وصوب ابن تيمية تفضيل ليلة القدر مطلقا لأن ليلة الإسراء وإن حصل للمصطفى صلى الله عليه وسلم فيها ما لم يحصل له في غيرها لكن لا يلزم إذا أعطى الله نبيه فضيلة في زمان أو مكان أن يكون أفضل من غيره هذا إن فرض أن إنعامه عليه ليلة الإسراء أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر وللتوقف فيه مجال (حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته الحديث: 7726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 7727 - (ليلة القدر ليلة بلجة) أي مشرقة (لا حارة ولا باردة) بل معتدلة (ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح) أي شديدة (ولا يرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها) وكان أبي بن كعب يحلف على ذلك قال النووي: والشعاع ما يرى من ضوء الشمس عند بدوها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك إذا نظرت إليها وقيل: معنى لا شعاع لها أن الملائكة لكثرة اختلافها في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها تستر بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس (طب عن وائلة) بن الأسقع رمز لحسنه قال الهيثمي: وفيه بشر بن عوف عن بكار بن تميم كلاهما ضعيف الحديث: 7727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 7728 - (ليلة القدر ليلة سمحة طلقة) أي سهلة طيبة (لا حارة ولا باردة) أي معتدلة يقال يوم طلق وليلة طلق وطلقة إذا لم يكن فيها حر ولا برد يؤذيان ذكره ابن الأثير (تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة) أي ضعيفة الضوء (حمراء) أي شديدة الحمرة ومن علاماتها أيضا أن يرى كل شيء ساجدا وأن ترى الأنوار في كل مكان ساطعة حتى في المواضع المظلمة وأن يسمع كلام الملائكة وأن يستجاب فيها الدعاء قالوا: ولا يلزم من تخلف العلامة عدمها ورب قائم فيها لم يحصل منها إلا على العبادة ولم ير شيئا من علاماتها وهو أفضل عند الله ممن رآها وأكرم (الطيالسي) أبو داود (هب) كلاهما (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وفيه زمعة بن صالح المكي قال الذهبي: ضعفه أبو أحمد وأبو حاتم وغيرهما وفيه سلمة بن زهرام ضعفه أبو داود قال أحمد: له مناكير وسرد له ابن عدي عدة أحاديث هذا منها ثم قال: أرجو أنه لا بأس به الحديث: 7728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 7729 - (ليلة أسري بي) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (ما مررت على ملأ من الملائكة إلا أمروني بالحجامة) (طب عن ابن عباس) الحديث: 7729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 7730 - (ليلني) بكسر اللامين وخفة النون من غير ياء قبل النون وبإثباتها مع شدة النون على التأكيد وقال النووي: بكسر اللام وتخفيف النون من غير ياء قبلها ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد وقال الطيبي: حق هذا [ص: 397] اللفظ أن يحذف منه الياء لأنه على صيغة الأمر وقد وجد بإثبات الياء وسكونها في سائر كتب الحديث والظاهر أنه غلط (منكم) أي ليدنو مني منكم (أولو الأحلام والنهى) بضم النون جمع نهية وهي العقل الناهي عن القبائح والأحلام جمع حلم بالضم وهو ما يراه النائم تقول منه حلم بالفتح واحتلم غلب استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ لدلالته على البلوغ التزامية فلا يلزم كون المراد هنا ليلني البالغون ليكون مجازا لاستعماله في لازم معناه لجواز إرادة حقيقته ويعلم منه المقصود لأنه إذا أمر أن يليه من اتصف بملزوم البلوغ علم أن المراد أن يليه البالغون ولو قيل: إن البلوغ نفس الاحتلام أو بلوغ سن مخصوص كان إرادتهم باللفظين حقيقيا لا مجازيا وفي تفسير الأحلام بالعقول لزوم التكرار في الحديث بلا ضرورة فليجتنب ذكره العلامة ابن الهمام (ثم الذي يلونهم) أي يقربون منهم في هذا الوصف كالمراهقين (ثم الذين يلونهم) كالصبيان المميزين ثم الذين يلونهم كالنساء لأن نوع الذكر أشرف (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) بالنصب (وإياكم وهيشات) بفتح الهاء وسكون التحتية وإعجام الشين (الأسواق) أي مختلطاتها وجماعاتها والمنازعات واللغط فيها فاحذروها جمع هيشة وهي الفتنة والاضطراب والمعنى لا تكونوا مختلطين اختلاط أهل الأسواق فلا يتميز الذكور عن الإناث ولا الصبيان عن البالغين (م 4) في الصلاة (عن ابن مسعود) ولم يخرجه البخاري لكن قال الترمذي في العلل: أنه سأل عنه البخاري فقال: أرجو أن يكون محفوظا قال الحاكم: وهو على شرطه الحديث: 7730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 7731 - (ليلني منكم الذين يأخذون عني) يعني الصلاة لشرفهم ومزيد فضلهم وليضبطوا أفعالي وأقوالي فيبلغونها عني الأمة (ك) في الصلاة (عن ابن مسعود) وقال: على شرطهما وأقره عليه الذهبي الحديث: 7731 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 7732 - (ليمسخن قوم وهم على أريكتهم قردة وخنازير بشربهم الخمر وضربهم بالبرابط) هي ملهاة تشبه العودة فارسي معرب وأصله بربت لأن الضارب به يضعه على صدره واسم الصدر بر (والقيان) قال ابن القيم: إنما مسخوا قردة وخنازير لمشابهتهم لهم في الباطن والظاهر مرتبط به أتم ارتباط وعقوبات الرب جارية على وفق حكمته وعدله وقال ابن تيمية: المسخ واقع في هذه الأمة ولا بد وهو واقع في طائفتين علماء السوء الكاذبين على الله ورسوله الذين قلبوا دينه وشرعه فقلب الله صدورهم كما قلبوا دينه والمجاهرين المنهمكين في شرب الخمر والمحارم ومن لم يمسخ منهم في الدنيا مسخ في قبره أو يوم القيامة اه (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الملاهي عن الغاز بن ربيعة مرسلا) الحديث: 7732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 7733 - (لينتهين) بفتح أوله وفتح المثناة وضم الهاء لتدل على واو الضمير المحذوفة لأن أصله ينتهونن (أقوام عن ودعهم) أي تركهم قال الزمخشري: مصدر يدع (الجمعات) أي التخلف عنها قال الطيبي: هذا يرد قول النحاة أنهم أماتوا ماضيه ومصدره استغناء بترك فليحمل كلامهم على قلة استعماله مع صحته قياسا (أو ليختمن الله على قلوبهم) أي يطبع عليها ويغطيه بالرين كناية عن إعدام اللطف وأسباب الخير فإن اعتياد ترك الجمعة يغلب الرين على القلب ويزهد النفوس في الطاعات وذلك يؤديهم إلى الغفلة كما قال (ثم ليكونن) بضم النون الأولى (من الغافلين) قال القاضي: معنى هذا الترديد أن أحد الأمرين كائن لا محالة إما الانتهاء عن تركها وإما الختم فإن اعتياد تركها يزهد في الطاعة ويجر إلى الغفلة قال الطيبي: وثم للتراخي في الرتبة فإن كونهم من جملة الغافلين والمشهود فيه بالغفلة أدعى لشقاوتهم وأنطق لخسرانهم من [ص: 398] مطلق كونهم مختوما عليهم وفيه أن الجمعة فرض عين (حم م ن هـ عن ابن عباس وابن عمر) بن الخطاب وكذا أبو هريرة ولم يخرجه البخاري الحديث: 7733 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 7734 - (لينتهين) اللام جواب قسم محذوف (أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم) وكلمة أو للتخيير تهديدا وهو خبر بمعنى الأمر أي ليكونن منكم الانتهاء عن رفع البصر أو تخطف الأبصار عند الرفع على حد قوله سبحانه {تقاتلونهم أو يسلمون} أي يكون أحد الأمرين وذلك لما فيه من فوت كمال الخشوع وقد مر في خبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرفع بصره إلى السماء في الصلاة حتى نزلت {والذين هم في صلاتهم خاشعون} فتركه قال الحرالي: وذلك لأن غيب القلوب اختص بوجهة المصلي والسماء خصت بوجه الداعي فالمصلي يرجع إلى غيب قلبه ولا يرفع طرفه إلى السماء والداعي يتوجه إلى السماء ويمد يديه حتى يرى بياض إبطيه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل وقال ابن حجر: اختلف في المراد بذلك فقيل هو وعيد وعليه فالفعل المذكور حرام وأفرط ابن حزم فأبطل الصلاة به وقيل معناه أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلي (حم م د هـ عن جابر بن سمرة) الحديث: 7734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 7735 - (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن) بفتح الفاء بلفظ المجهول أي لا يخلو الحال عن أحد أمرين إما الإنتهاء عنه أو العمى وقال البيضاوي: أو لتخطفن عطف على لينتهين ردد بين الانتهاء عن الرفع وما هو كاللازم لنقيضه والمعنى والله لتنتهين عن الرفع أو لتسلبن (أبصارهم) لأن ذلك يوهم نسبة العلو المكاني إلى الله سبحانه وتعالى ثم يحتمل كونها خطفه حسية وكونها معنوية ولا مانع من إرادتهما معا ثم يحتمل كونه إشارة إلى ذهاب فائدتها بالعمى أو إلى قلعها من أصلها قال في المطامح: والخطف بالمعنى الثاني أولى وفي الحديث وما قبله النهي الأكيد والوعيد الشديد وحملوه على الكراهة دون الحرمة للإجماع على عدمها وأما الرفع إلى السماء في غير الصلاة في نحو الدعاء فجوزه الأكثر لأن السماء قبلة الدعاء للداعين والكعبة قبلة المصلين (م ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري الحديث: 7735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 7736 - (لينتهين رجال عن ترك) الصلاة في (الجماعة أو لأحرقن) بضم الهمزة وفتح الحاء وشد الراء المكسورة ونون التوكيد (بيوتهم) بالنار عقوبة لهم أي أحد الأمرين كائن إما الانتهاء أو التحريق وقيد الرجال ليخرج الصبيان والنساء ومفهومه أن العقوبة غير قاصرة على المال بل المراد تحريق المتخلفين وبيوتهم وأحرقن بتشديد الراء ونون التوكيد مشعر بالتكثير والمبالغة في التحريق وبه أخذ بعضهم فقال: الجماعة فرض عين إذ لو كانت سنة لما هدد تاركها بالتحريق أو فرض كفاية كان قيامه ومن معه بها كافيا وقال أبو حنيفة ومالك: سنة والأصح عند الشافعية فرض كفاية وأجابوا عن الحديث بأنه هم ولم يفعل أو أنه ورد فيمن تخلف لنفاق (هـ) عن أسامة بن زيد رمز المصنف لحسنه الحديث: 7736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 7737 - (لينصرن الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإن له نصرة وإن كان مظلوما فلينصره) قال العلائي: هذا [ص: 399] من بليغ الكلام الذي لم ينسج على منواله وأو للتنويع والتقسيم وسمي رد المظالم نصرا لأن النصر هو العون ومنع الظالم عون له على مصلحته والظالم مقهور مع نفسه الأمارة وهي في تلك الحالة عاتية عليه فرده عون له على قهرها ونصرة له عليها (حم ق عن جابر) بن عبد الله الحديث: 7737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 7738 - (لينظرن أحدكم ما الذي يتمنى فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته) (ت عن أبي سلمة) أبو سلمة في الصحب كثير فكان ينبغي تمييزه رمز المصنف لصحته الحديث: 7738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 7739 - (لينتقضن الإسلام عروة عروة) ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أحمد عن فيروز الآتي كما ينقض الحبل قوي قوي اه بحروفه ورواه أحمد أيضا عن أبي أمامة بلفظ لينتقضن الإسلام عروة عروة كلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة (حم عن فيروز الديلمي) اليماني قاتل الأسود الكذاب قال الذهبي: له وفادة وصحبة الحديث: 7739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 7740 - (ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض) أي يتمنى أهل العافية في الدنيا يوم القيامة قائلين ليت جلودنا كانت قرضت بالمقاريض فلنا الثواب المعطى على البلاء فاختير في الحديث الغيبة على التكلم لأنه أقل إحواجا إلى التقدير فعلى هذا مفعول يود محذوف وذلك (مما يرون من ثواب أهل البلاء) لأن الله سبحانه طهرهم في الدنيا من موادهم الخبيثة بأنواع البلايا والرزايا فلقوه وقد خلصت سبيكة إيمانهم من الخبث في دار الخبث فصلحوا حينئذ لجواره ومساكنته في دار كرامته فيصب عليهم فيها الإنعام صبا وأما من لم يتطهر من مواده الخبيثة في دار الخبث فتطهره النار إذ حكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في دار كرامته وهو متلطخ بخبائثه ومن تحقق بعلم ذلك انفتح له باب الرضى والتسليم ومن ثم قال بعض العارفين: لو كشف للمبتلى عن سر سريان الحكمة في البلاء لم يرض إلا به (ت) في الزهد (والضياء) في المختارة (عن جابر) قال الترمذي: غريب اه وفيه عبد الرحمن بن معزاء قال في الكاشف: وثقه أبو زرعة ولينه ابن عدي وقال المناوي: إسناده حسن الحديث: 7740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 7741 - (ليودن رجل) يوم القيامة (أنه خر من عند الثريا) النجم العالي المعروف (وأنه لم يل من أمر الناس شيئا) يعني الخلافة أو الإمارة (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا الحديث: 7741 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 7742 - (ليهبطن) وفي رواية ليوشكن أن ينزل فيكم (عيسى ابن مريم حكما) أي حاكما (وإماما مقسطا) أي عادلا يحكم بهذه الشريعة المحمدية ولا يحكم بشرعه الذي أنزل عليه في أوان رسالته لأنه نسخ وحكمة نزوله دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود حيث زعموا أنهم قتلوه فيكذبهم الله (وليسلكن فجا فجا حاجا أو معتمرا وليأتين قبري [ص: 400] حتى يسلم علي ولأردن عليه) السلام ويتزوجن ويولد له كما قاله القرطبي تحقيقا للبيعة ثم يموت بعد ذلك ويدفن في الروضة الشريفة وقد حكى في المطامح إجماع الأمة على نزوله وأنكر على ابن حزم ما حكاه في مراتب الإجماع من الخلاف في نزوله قبل يوم القيامة وقال: هذا نقل مضطرب ولم يخالف أحد من أهل الشريعة في ذلك وإنما أنكره الفلاسفة والملاحدة وأما وقت نزوله فمجهول لكنه ينزل عند خروج الدجال فيقتله كما في عدة أخبار وما في الخبر المغربي للباجي من تعيين ذلك فشديد الضعف كما بينه القرطبي (ك) في أخبار الأنبياء (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح سمعه يعلى بن عبيد منه وقال الذهبي: إسناده صالح وهو غريب الحديث: 7742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 7743 - (لي الواجد) أي مطلق الغنى واللي بالفتح المطل وأصله لوي فأدغمت الواو في الياء والواجد الغنى من الوجد بالضم بمعنى السعة والقدرة ويقال وجد في المال وجدا أي استغنى (يحل) بضم الياء من الإحلال (عرضه) بأن يقول له المدين أنت ظالم أنت مماطل ونحوه مما ليس بقذف ولا فحش (وعقوبته) بأن يعزره القاضي على الأداء بنحو ضرب أو حبس حتى يؤدي قال الزمخشري: يقال لويت دينه ليا وليانا وهو من اللي لأنه يمنعه حقه ويثنيه عنه قال: تلوينني ديني النهار وأقتضي. . . ديني إذا رقد النعاس الرقد والواجد من الوجد والجدة العقوبة قال ابن حجر <فائدة> في مشروعية الحبس خبر أبي داود أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى سبيله (حم د ن) في البيع (هـ) في الأحكام (ك عن) عمرو بن الشريد عن أبيه (الشريد) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ولم يضعفه أبو داود وعلقه البخاري الحديث: 7743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 7744 - (لية لا ليتين) بفتح اللام والتشديد أي مرة من اللي لا مرتين منه والخطاب لأم سلمة أمرها أن يكون الخمار على رأسها وتحت حنكها عطفة واحدة لا عطفتين حذرا من الإسراف والتشبه بالمتعممين ونصبه بفعل مقدر أي اختمري قال الراغب: اللي فتل الحبل لويته ألويه ليا ولوى رأسه وبرأسه أماله (حم د ك) كلهم في اللباس (عن أم سلمة) دخل النبي صلى الله عليه وسلم وهي تختمر فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 7744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف اللام] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 7745 - (اللباس) أي لبس الثياب الحسنة (يظهر الغنى) بين الناس (والدهن) أي دهن شعر الرأس واللحية (يذهب البؤس) بالضم وسكون الهمزة الضر (والإحسان إلى المملوك) بالقول أو الفعل سواء مملوكه أو مملوك غيره لأنه تحت قهر السيد فهو بالإحسان إليه أجدر (يكبت الله به العدو) أي يهينه ويذله ويحزنه (طس عن عائشة) الحديث: 7745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 7746 - (اللبن في المنام فطرة) لأن العالم القدسي يصاغ فيه الصور من العالم الحسي لتدرك منه المعاني فلما كان اللبن في العالم الحسي من أول ما يحصل به التربية ويرسخ به المولود صيغ منه مثالا للفطرة التي بها تتم القوة الروحانية وتنشأ عنها الخاصة الإنسانية ذكره بعض الأعاظم وقال العارف ابن عربي: أراد بالفطرة هنا علم التوحيد لاغير فهو الفطرة التي فطر الحق عليها عباده حتى أشهدهم حين قبضهم من ظهورهم {ألست بربكم قالوا بلى} فشهدوا الربوبية قبل كل شيء ولولا حقيقة مناسبة [ص: 401] جامعة بين العلم واللبن لما ظهر بصورته في عالم الخيال عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله فالعارف من يأخذ عن الله لا عن نفسه وشتان بين مؤلف يقول حدثني فلان رحمه الله عن فلان رحمه الله تعالى وبين من يقول حدثني قلبي عن ربي وإن كان هذا رفيع القدر فشتان بينه وبين من يقول حدثني ربي عن ربي أي حدثني ربي عن نفسه وهذا هو العلم الحاصل للقلب عن المشاهدة الذاتية التي منها يفيض عن السر والروح والنفس فمن كان هذا مشربه كيف يعرف مذهبه (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه محمد بن مروان ثقة وفيه لين وبقية رجاله ثقات الحديث: 7746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 7747 - (اللحد) بفتح اللام وضمها جانب القبر وهو ما يحفر فيه مائلا عن استوائه وأصله الميل لأحد الجانبين (لنا) أي هو الذي نؤثره ونختاره أيها المسلمون (والشق لغيرنا) أي هو اختيار من كان قبلنا من الأمم السابقة واللحد من خصوصيات هذه الأمة وفيه دليل على أفضلية اللحد وليس فيه نهي عن الشق وهو بفتح الشين أن يحفر وسط أرض القبر وبيني حافتاه بلبن أو غيره ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه وأما قول بعضهم أراد بلنا قريش وبغيرنا غيرهم فترده الزيادة الآتية في الحديث بعده (4) في الجنائز (عن ابن عباس) فيه عبد الأعلى بن عامر الثعلبي قال ابن حجر: ضعيف قال جمع: لا يحتج بحديثه وقال أحمد: منكر الحديث وابن معين: ليس بالقوي وابن عدي: حدث بأشياء لا يتابع عليها قال ابن القطان: فأرى هذا الحديث لا يصح من أجله وقال ابن حجر في موضع آخر: الحديث ضعيف من وجهين الحديث: 7747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 7748 - (اللحد لنا) وهو أن يحفر في أسفل جانب القبر القبلي قدر ما يسع الميت ويوضع فيه وينصب عليه اللبن (والشق لغيرنا من أهل الكتاب) قال القاضي: معناه أن اللحد أثر لنا والشق لهم وهذا يدل على اختيار اللحد وأنه أولى من الشق لا المنع منه اه. لكن محل أفضلية اللحد في الأرض الصلبة وإلا فالشق أفضل. <تنبيه> قال ابن تيمية: فيه تنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب في كل ما هو شعارهم حتى وضع الميت في أسفل القبر (حم عن جرير) وفيه أبو اليقظان الأعمى عثمان بن عمير البجلي قال الصدر المناوي كغيره: ضعيف الحديث: 7748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 7749 - (اللحم) أي المطبوخ (بالبر) بالضم: الحنطة (مرقة الأنبياء) أي أنهم كانوا يكثرون عمل ذلك وأكله وفيه أن أكل اللحم ومرقه من سنن الأنبياء والمرسلين وفيه رد على البراهمة المانعين لأكله قالوا: لأنه ظلم للحيوان وبعض الصوفية المانعين له لكونه يورث ضراوة وقسوة ويبعد الروحانيات (ابن النجار) في تاريخه (عن الحسين) بن علي وهو مما بيض له الديلمي بعدم وقوفه على سنده الحديث: 7749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 7750 - (الذي تفوته صلاة العصر) بأن تعمد إخراجها عن وقت جوازها وقيل اختيارها (كأنما) في رواية فكأنما (وتر) بالبناء للمفعول وفيه ضمير يعود للرجل (أهله وماله) بنصبها قال النووي: وهو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان أي نفعهما وسلبهما فصار بلا أهل ولا مال وبرفعهما على أنهما نائبا الفاعل أي انتزع منه الأهل والمال شبه خسران من فاتته بخسران من ضاع أهله وماله للتفهيم وإلا ففائت الثواب في المال أعظم من فوات الأهل والمال والقصد الحث عليها والتحذير من فوتها كحذره من ذهابهما وخص العصر لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيها أو لأن العصر لا عذر لأحد في تفويتها لكونه وقت يقظة وقول ابن عبد البر يلحق بالعصر جميع الصلوات رده النووي بأن الشرع نص على العصر ولم تتحقق العلة فامتنع الإلحاق قال ابن المنير: والحق أنه تعالى يخص ما شاء بما شاء من الفضيلة (ق 4 عن ابن عمر) ابن الخطاب الحديث: 7750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 [ص: 402] 7751 - (الذي لا ينام حتى يوتر حازم) قال ابن القيم: الحازم من جمع عليه همه وإرادته وعقله ووزن الأمور بعضها ببعض وأعد لكل منها عدة ولفظ الحزم يدل على القوة والاجتماع ومنه حزمة الحطب فحازم الرأي هو الذي اجتمعت له شؤون رأيه وعرف منها خير الخيرين وشر الشرين فأحجم في موضع الإحجام وأقدم في محل الإقدام (حم عن سعد) ابن أبي وقاص قال الهيثمي: رواه أحمد من رواية محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين عنه ولم أجد من ترجمه الحديث: 7751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 7752 - (الذي يمر بين يدي الرجل) يعني الإنسان (وهو يصلي عمدا يتمنى يوم القيامة أنه) يكون (شجرة يابسة) لما يراه من شدة العقاب والعتاب والمراد الذي يصلي إلى سترة معتبرة (طب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه في الأوسط أيضا قال الهيثمي: وفيه من لم أجد ترجمته الحديث: 7752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 7753 - (اللهو) المطلوب المحبوب إنما هو (في ثلاثة) من الخصال أحدها (تأديبك فرسك) الذي اقتنيت للجهاد ليتدرب ويتهذب فيصلح لقتال أعداء الله عليه (و) الثانية (رميك بقوسك) فإنه لا شيء أنفع من الرمي ولا أنكى في العدو ولا أسرع ظفرا منه ولو لم يكن إلا كفايته لمباشرته العدو وقتله ودفعه من بعد لكفى (و) الثالثة (ملاعبتك أهلك) أي حليلتك إذا قصدت بذلك عفتها وعفتك وطلب ولد صالح يدعو له أو يقاتل أعداء الله أو يتعلم علما نافعا ويعلمه وكلما يلهو بها الرجل مما عدا هذه الثلاث فهو باطل كما جاء هكذا في خبر آخر قال ابن العربي: ولا يريد به أنه حرام بل أنه عار من الثواب وأنه للدنيا محضا لا تعلق له بالآخرة (القراب في) كتاب (فضل الرمي عن أبي الدرداء) الحديث: 7753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 7754 - (الليل خلق من خلق الله عظيم) فيه إشعار بأن الليل أفضل من النهار وعليه جرى بعضهم لكن في فتاوي جدي الشرف المناوي رحمه الله تعالى هل اليل أفضل من النهار أو النهار أفضل؟ أجاب بما نصه: النهار أفضل من الليل لأن غالب الفرائض كالصوم والجهاد والصبح والظهر والعصر والابتغاء من فضل الله تعالى إنما يفعل في النهار وإن وقع جهاد في الليل لنحو غارة فنادر بالنسبة إلى ما يقع من الجهاد في النهار والترجيح بالفرائض أولى من الترجيح بفضيلة نافلة الليل من الصلاة على نافلة النهار لأنه قد يكون لأمر آخر والله أعلم (د في مراسيله عق) كلاهما (عن أبي رزين) العقيلي (مرسلا) وروي أيضا عن علي أمير المؤمنين الحديث: 7754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 7755 - (اليل والنهار مطيتان فاركبوهما بلاغا) البلاغ ما يتبلغ به ويتوصل به إلى المطلوب (إلى الآخرة) أي اركبوهما توصلا إلى مطلوبكم الذي يبلغكم إياها (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه أورده في ترجمة عبد الله بن محمد بن المغيرة وقال: عامة ما يرويه لا يتابع عليه وفي الميزان: قال أبو حاتم: غير قوي وقال ابن يونس منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر والله أعلم الحديث: 7755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 [ص: 403] حرف الميم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 7756 - (ماء البحر طهور) (ك) في الطهارة (عن ابن عباس) قال: على شرط مسلم وله شواهد سبق عدة منها الحديث: 7756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 7757 - (ماء الرجل) أي منيه (غليظ أبيض) غالبا (وماء المرأة رقيق أصفر) غالبا (فأيهما سبق أشبهه الولد) بحكم السبق قال في المطامح: فإن استويا في السبق كان الولد خنثى وقد يرق ويصفر ماء الرجل لعلة وبغلظ ويبيض ماؤها لفضل قوة وقد يخرج ماء الرجل بلون الدم لكثرة جماع ويتلذذ بخروجه وقد أفاد هذا الخبر أن للمرأة منيا كما أن للرجل منيا والولد مخلوق منهما إذ لو لم يكن لها ماء وكان الولد من مائه المجرد لم يكن شبهها لأن الشبه يسبب ما بينهما من المشاركة في المزاج الأصلي المعين المعد لقبول التشكلات والكيفيات المعينة من مبدعه تبارك وتعالى فإن غلب ماء الذكر ماء الأنثى وسبق نزع الولد إلى جانبه وإن كان بالعكس فبالعكس قاله القاضي ووقع في مسلم من حديث عائشة إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله قال ابن حجر: هو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكرا لا أنثى وعكسه والمشاهدة خلاف ذلك لأنه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب التشبه بسبب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه وينقسم ذلك ستة أقسام: الأول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه. الثاني عكسه. الثالث أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فيحصل الذكورة والشبه للمرأة. الرابع عكسه. الخامس أن يسبق ماء الرجل فيستويان فيذكر ولا يختص بشبه. السادس عكسه (حم م ن هـ عن أنس) قال: سألت أم سليم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المرأة ترى في منامها فقال: إذا رأت ذلك فأنزلت فعليها الغسل فقالت: أيكون هذا قال: نعم ماء الرجل إلخ الحديث: 7757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 7758 - (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر) غالبا (فإذا اجتمعا) في الرحم (فعلا) في رواية فغلب (مني الرجل مني المرأة) أي قوي لنحو كثرة شهوة وصحة مزاج ذكره بعضهم قال ابن حجر: المراد بالعلو هنا السبق لأن كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي كما ذكره القرطبي قال أعني ابن حجر: فالعلو على ظاهره بخلافه في حديث عائشة المتقدم فإنه مؤول بما مر (أذكرا بإذن الله) أي ولدته ذكرا بحكم الغلبة يقال أذكرت المرأة فهي مذكرة إذا ولدت ذكرا فإن صار ذلك عادتها قيل مذكار (وإذا علا مني المرأة مني الرجل) كذلك (أنثا) بفتح الهمزة (بإذن الله) أي انعقد الولد منهما أنثى بحكم الغلبة فإن استويا في الغلبة كان الولد خنثى كما مر عن المطامح ثم هذا تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم على التعريف الإلهي الحكمي المدبر بالحكمة البالغة والقدرة النافذة وأشار بقوله بإذن الله إلى أن الطبيعة ليس لها فيما ذكر دخل وإنما ذلك فعله تقدس يفعل ما يشاء {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} وقد تمسك بهذا الخبر بعض الطبائعيين فزعم أنه إشارة إلى تأثير الطبائع وذلك جهل بالإشارات النبوية والمقاصد البرهانية <فائدة> قال بقراط: أحدثك كيف رأيت المني ينشأ: كان لبعض أهلي جارية نفيسة تحذر أن تحمل فقيل لها إن المرأة إذا علقت [ص: 404] لم يخرج مني الرجل منها فأحست باحتباسه في وقت فأمرتها أن تظفر إلى خلفها سبع ظفرات فسقط منها المني يشبه بيضة مطبوخة وقد قشر عنها القشر الخارج وبقيت رطوبتها بجوف الغشاء (م ن عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت عنده فجاء حبر من اليهود فقال: جئت أسألك عن الولد ولا يعلمه إلا نبي أو رجل أو رجلان فذكره والقصة مطولة الحديث: 7758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 7759 - (ماء زمزم) الذي هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا وأحبها إلى النفوس وهمزة جبرائيل وسقيا إسماعيل (لما شرب له) لأنه سقيا الله وغياثه لولد خليله فبقي غياثا لمن بعده فمن شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها قال الحكيم: هذا جار للعباد على مقاصدهم وصدقهم في تلك المقاصد والنيات لأن الموحد إذا رابه أمر فشأنه الفزع إلى ربه فإذا فزع إليه استغاث به وجد غياثا وإنما يناله العبد على قدر نيته قال سفيان الثوري: إنما كانت الرقى والدعاء بالنية لأن النية تبلغ بالعبد عناصر الأشياء والنيات على قدر طهارة القلوب وسعيها إلى ربها وعلى قدر العقل والمعرفة يقدر القلب على الطيران إلى الله فالشارب لزمزم على ذلك (ش حم هـ هق عن جابر) بن عبد الله (هب عن ابن عمرو) بن العاص هذا الحديث فيه خلاف طويل وتأليفات مفردة قال ابن القيم: والحق أنه حسن وجزم البعض بصحته والبعض بوضعه مجازفة اه. وقال ابن حجر: غريب حسن بشواهده وقال الزركشي: أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد وقال الدمياطي: إنه على رسم الصحيح الحديث: 7759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 7760 - (ماء زمزم) قال المسعودي: سميت به لأن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول فزمزت عليها والزمزمة صوت تخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء وحكى في اسمها زمازم وزمزم بضم الزاي حكاه المطرزي ونقل البرقي عن ابن عباس أنها سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا ولو تركت ساح على الأرض حتى ملأ كل شيء والزمزمة الكثرة والاجتماع (لما شرب له فإن شربته تستشفي به شفاك الله وإن شربته مستعيذا أعاذك الله وإن شربته لتقطع ظمأك قطعه الله وإن شربته لشبعك أشبعك الله) لأن أصله من الرحمة بدأ غياثا فدام غياثا (وهي) أي بئر زمزم (هزمة جبريل) بفتح الهاء وسكون الزاي أي غمزته بعقب رجله قال الزمخشري: من هزم في الأرض هزمة إذا شق شقة والهزم بلغة اليمن بطنان الأرض اه. قال السهيلي: وحكمة فجرها له بعقبه دون يده أو غيرها الإشارة إلى أنها لعقبه ووارثه وهو محمد وأمته كما قال تعالى {وجعلها كلمة باقية في عقبه} أي في أمة محمد (وسقيا إسماعيل) حين تركه إبراهيم مع أمه وهو طفل صغير والقصة مشهورة قال في المطامح: ووهم يعقوب وابن السكيت فقالا: إن أبا طالب أحياها وهو خطأ وإنما هو عبد المطلب (قط ك) كلاهما من حديث عمر بن الحسين الأشناني عن محمد بن هشام عن الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح إن سلم من الجارودي قال ابن القطان: سلم منه وأطال في البيان وقال في الفتح: رجاله موثقون لكن اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح فقال في التخريج: الجارودي صدوق إلا أن روايته شاذة وقال: وعمر هذا قال في الميزان: ضعفه الدارقطني ويروى عنه أنه كذاب وصاحب بلايا منها هذا الخبر قال أعني الذهبي: آفته عمر فلقد أثم الدارقطني بسكوته عليه فإنه بهذا الإسناد باطل ما رواه ابن عيينة ورده في اللسان بأنه هو الذي أثم بتأثيم الدارقطني وأطال في بيانه الحديث: 7760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 [ص: 405] 7761 - (ماء زمزم لما شرب له: من شربه لمرض شفاه الله أو لجوع أشبعه الله أو لحاجة قضاها الله) قال المصنف في الساجعة: صح أنها للجائع طعام وللمريض شفاء من السقام وقد فضل ماؤها على ماء الكوثر حيث غسل منها القلب الشريف الأطهر (المستغفري) بضم الميم وسكون السين وفتح المثناة فوق وسطون المعجمة وكسر الفاء والراء نسبة إلى المستغفرة وهو جد المنتسب إليه وهو أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي خطيب نسف فقيه فاضل ومحدث مكثر صدوق حافظ له تصانيف حسان (في) كتاب (الطب) النبوي (عن جابر) بن عبد الله الحديث: 7761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 7762 - (ماء زمزم شفاء من كل داء) أي شربه بنية صادقة وعزيمة صالحة وتصديق لما جاء به الشارع (غريبة) في تاريخ المدينة للشريف السمهودي أن بالمدينة بئرا تعرف بزمزم لم يزل أهلها يتبركون بها قديما وحديثا وينقل ماؤها للآفاق كزمزم (فر عن صفية) قال ابن حجر: هي غير منسوبة وسنده ضعيف جدا اه الحديث: 7762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 7763 - (ما الدنيا في الآخرة) قال التفتازاني: أي في جنبها وبالإضافة إليها وهو حال عاملها بمعنى النفي وقد يقدر مضاف أي يسير الدنيا واعتبارها فهو العامل (إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم) أي البحر (فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهو الدنيا) فإذن لا يجدي وجوده لواجديه ولا يضر فقدانه لفاقديه وذلك أن المرء إذا نظر لحالاته وجدها ثلاثا: الأولى قبل أن يوجد الثانية حاله من موته إلى خلوده الدائم في الجنة أو النار الثالثة ما بين هاتين الحالتين فإذا أمعن النظر في قدر مدة حياته ونسبة إلى تلك الحالتين علم أنه أقل من طرفة عين في قدر عمر الدنيا وفي الحديث نص على تفضيل الآخرة على الدنيا وما فيها مطلقا ورد على من قال إن ما فيها من العبادة أفضل مما في الآخرة من النعيم لأنه حظ العبد بما لا نسبة في الدنيا إليه لانكشاف الغطاء هناك ومصير معرفة الله التي هي أصل كل علم عيانا واعلم أن المثل إنما يضرب عن غائب بحاضر يشبه من بعض وجوهه أو معظمها وما لا مشابه له منع فيه من ضرب المثل ومثل الدنيا بالذي يعلق بالأصبع من البحر تقريبا للعوام في احتقار الدنيا وإلا فالدنيا كلها في جنب الجنة ودوامها أقل لأن البحر يفنى بالقطراث والجنة لا تتبيد ولا يفنى نعيمها بل يزيد للواحد من العبيد فكيف بجميع أهل التوحيد (ك) في الرقاق (عن المستورد) قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا الدنيا والآخرة فقال بعضهم: إنما الدنيا بلاغ الآخرة فيها العمل وقالت طائفة: الآخرة فيها الجنة وقالوا ما شاء الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا إلخ قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي الحديث: 7763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 7764 - (ما الذي يعطى من سعة بأعظم أجرا من الذي يقبل إذا كان محتاجا) أي بأجزل أجرا من الذي يقبل من حاجة بأن كان عاجزا غير مكتسب وخاف هلاكه أو ضياع من يعوله فإنه حينئذ مأجور على القبول بل والسؤال ولا يربو أجر المعطي على أجره بل قد يكون السؤال واجبا لشدة الضرورة فيزيد أجره على أجر المعطي والسؤال ينقسم إلى الأحكام الخمسة قاله الزين العراقي (طس حل عن أنس) بن مالك قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: وفيه عائذ بن شريح صاحب أنس وهو ضعيف اه. وقال في الفتح [ص: 406] بعد عزوه للطبراني: في إسناده مقال أورده ابن حبان في الضعفاء وقال في الميزان: قال أبو حاتم: في حديثه ضعف وقال ابن طاهر: ليس بشيء وفيه أيضا يوسف بن أسباط تركوه اه. وهذان في مسند أبي نعيم أيضا وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير صحيح الحديث: 7764 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 7765 - (ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا) لأن المتصدق أعطى الحق والأخذ قبله لفقره وأوصله إلى مستحقه عليه وهو نفسه وعياله وقال حجة الإسلام: لعل المراد به الذي يقصد من دفع حاجته التفرغ للدين فيكون مساويا للمعطي الذي يقصد بإعطائه عمارة دينه وفيه كالذي قبله فضيلة الفقر والصبر عليه وعدم تفضيل الغني عليه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب جزم الحافظ العراقي بضعفه وبينه تلميذه الهيثمي فقال: فيه مصعب بن سعيد وهو ضعيف الحديث: 7765 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 7766 - (ما الموت فيما بعده إلا كنطحة عنز) يعني هو مع شدته شيء هين بالنسبة لما بعده من مقاساة ظلمة القبر وديدانه ثم لمنكر ونكير ثم لعذاب القبر إن كان ثم النفخ في الصور والبعث يوم النشور والوله والمضايق والعرض على الجبار والسؤال عن القليل والكثير ونصب الميزان لمعرفة المقادير ثم جواز الصراط مع دقته وحدته ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالإسعاد أو بالإشقاء فهذه أهوال تزيد على سكرة الموت بأضعاف ولهذا قال بعضهم: الموت أمر حقير بالنسبة لما بعده من الأهوال فإن الميت ينكشف له عقب الموت من العجائب ما لم يخطر قط بباله ولا اختلج به ضميره فلو لم يكن للعاقل هم ولا غم إلا الفكر في خطر تلك الحال وأن الحجاب عماذا يرفع؟ وما الذي ينكشف عنه الغطاء من شقاوة لازمة وسعادة دائمة لكان كافيا استغراق جميع العمر والعجب من غفلتنا وهذه العجائب بين أيدينا وأعجب من ذلك فرحنا بأموالنا وأهلينا (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم الحديث: 7766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 7767 - (ما آتى الله عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه) فعلى العلماء أن لا يبخلوا بتعليم ما يحسنون وأن لا يمتنعوا من إفادة ما يعلمون فإن البخل لؤم وظلم والمنع حسد وإثم وكيف يسوغ لهم المنع بما منحوه جوادا من غير بخل وأوتوه عفوا من غير بذل أم كيف يجوز لهم الشح بما إن بذلوه زادوا نماءا وإن كتموه تناقص ووهي ولو استن بذلك من تقدم لما وصل العلم إليهم وانقرض بانقراضهم وصاروا على مر الأيام جهالا وتقلب الأحوال وتناقصها أرذالا {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} وما أحسن ما قال بعضهم: أفد العلم ولا تبخل به. . . وإلى علمك علما فاستزد من يفده يجزه الله به. . . وسيغني الله عمن لم يفد (تنبيه حسن) قال الراغب: إفادة العلم من وجه صناعة ومن وجه عبادة ومن وجه خلافة الله فإن الله تعالى مع استخلافه قد فتح على قلبه العلم الذي هو أخص صفاته تعالى فهو خازن لأجل خزائنه وقد أذن الله له في الإنفاق على كل أحد ممن لا يفوته الإنفاق عليه وكلما كان إنفاقه على ما يحب وكما يحب أكثر كان جاهه عند مستخلفه أوفر (ابن نظيف في جزئه وابن الجوزي في) كتاب (العلل) المتناهية في الأحاديث الواهية (عن أبي هريرة) قضية تصرف المصنف أن ابن الجوزي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل بين فيه أن موسى البلقاوي قال أبو زرعة: كان يكذب وابن حبان: كان يضع الأحاديث على الثقات هكذا قال ثم ظاهر عدول المصنف لذينك أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور ثم قال الديلمي: [ص: 407] وفي الباب ابن عباس أيضا وخرج نحوه في الخلفيات الحديث: 7767 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 7768 - (ما آتاك الله من هذا المال) أشار إلى جنس المال أو إلى مال الصدقة قال الطيبي: والظاهر أنه أجرة عمل عمله في سعي الصدقة كما ينبئ عنه سياق حديث ابن الساعدي (من غير مسألة ولا إشراف) أي تطلع إليه وتعرض له ولا طمع فيه (فخذه) أي اقبله (فتموله) اتخذه مالا يعني اقبله وأدخله في ملكك ومالك (أو تصدق به وما لا) أي وما لا يأتيك بلا طلب منك (فلا تتبعه) أي لا تجعل (نفسك) تابعة له أي لا توصل المشقة إلى نفسك في طلبه بل اتركه ولا تعلق أملك به وهذا قاله لعمر لما أعطاه عطاء فقال له: أعطه لمن هو أحوج مني فأمره أن لا يعترض على الحال فيريد خلاف ما يراد به ويختار على ما يختار له وإن كان ذلك في طلب الخير فالواجب على المتأدب بآداب الله أن يأتمر بأمر الله ولا يتخير على الله ورسوله ما لم يؤمر به قال ابن جرير: وعمم ما آتاه الله من المال من جميع وجوهه فشمل عطاء السلطان وغيره ما لم يتحقق كونه حراما وفيه منقبة عظيمة لعمر وبيان زهده وأن للإمام إعطاء غير الأحوج وأن أخذ المال بلا سؤال خير من تركه وأن رد عطاء الصالحين ليس من آداب الدين (ن عن ابن عمر) الحديث: 7768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 7769 - (ما أتاك الله من أموال السلطان من غير مسألة ولا إشراف) أي تطلع وتطلب يقال أشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه اطلعت عليه من فوق (فكله وتموله) {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} قال ابن الأثير: أراد ما جاءك منه وأنت غير مطلع إليه ولا طامع فيه فاقبله قال النووي: اختلف في عطية السلطان فحرمها قوم وأباحها آخرون والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما بيده حرمت وإلا حلت إن لم يكن في القابض مانع من استحقاق الأخذ (حم عن أبي الدرداء) قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أموال السلطان فذكره قال الهيثمي: وفيه رجل لم يسم اه. فرمز المصنف لصحته غير صحيح الحديث: 7769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 7770 - (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) قال الطيبي: من استحل ما حرمه الله فقد كفر مطلقا فخص القرآن لعظمته وجلالته (ت عن صهيب) وقال: ليس إسناده قوي وقال البغوي: حديث ضعيف الحديث: 7770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 7771 - (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) المراد نفي الإيمان الكامل وذلك لأنه يدل على قسوة قلبه وكثرة شحه وسقوط مروءته وعظيم لؤمه وخبث طوبته قال: وكلكم قد نال شبعا لبطنه. . . وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه قال الزمخشري: الشبع ما أشبعك من طعام (البزار) في مسنده (طب) كلاهما عن أنس بن مالك قال المنذري بعد عزوه لهما: إسناده حسن وقال الهيثمي: إسناد البزار حسن الحديث: 7771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 7772 - (ما أبالي ما رددت به عني الجوع) من كثير أو قليل أو جليل أو حقير حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه (ابن المبارك) في الزهد (عن الأوزاعي معضلا) ورواه عنه أيضا كذلك أبو الحسن بن الضحاك بن المقري في كتاب الشمائل له الحديث: 7772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 [ص: 408] 7773 - (ما أبالي ما أتيت) ما الأولى نافية والثانية موصولة والراجع محذوف والموصول مع الصلة مفعول أبالي وقوله (إن أنا شربت ترياقا) شرط حذف جوابه لدلالة الحال عليه أي إن فعلت هذا فما أبالي كل شيء أتيت به لكني أبالي من إتيان بعض الأشياء والترياق بالكسر دواء السموم يعني حرام عليه شرب الترياق لنجاسته فإن اضطر إليه ولم يقم غيره مقامه جاز قال بعض المحدثين: النفع به محسوس والبرء به موجود وذلك مما يبعد صحة الحديث والكلام في الترياق المعمول بلحم الحيات لا غيره كترياق الأربع والسوطير المسماة عندهم بالمخلص الأكبر ونحوه فإن هذا استعماله جائز مطلقا وقول البعض الحديث مطلق فيجتنب جمود (أو تعلقت تميمة) أي لا أبالي من تعليق التميمة المعروفة لكني أبالي على ما تقرر فيما قبله (أو قلت شعرا من قبل) أي جهة (نفسي) بخلاف قوله على الحكاية وهذا وإن أضافه إلى نفسه فمراده إعلام غيره بالحكم وتحذيره من ذلك الفعل وأما ما مر من أن الأمر بالتداوي والاسترقاء فمحله فيما لا محذور فيه من نجاسة أو غيرها (حم د) من حديث سعيد بن أبي أيوب عن شرحبيل عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وكأنه ذهل عن قول الذهبي في المهذب: هذا حديث منكر تكلم في ابن رافع لأجله ولعله من خصائصه عليه الصلاة والسلام فإنه رخص في الشعر لغيره اه الحديث: 7773 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7774 - (ما أتقاه ما أتقاه ما أتقاه) أي ما أكثر تقوى عبد مؤمن وكرره لمزيد التأكيد والحث على الاقتداء بهديه واتباع سيرته (راعي غنم على رأس جبل يقيم فيها الصلاة) يشير به إلى فضل العزلة والوحدة وقد درج على ذلك جمع من السلف قيل لرجل: ما بقي مما يتلذذ به قال: سرداب أخلو فيه ولا أرى أحدا وقال قاسم الجرعي: السلامة كلها في العزلة والفرح كله بالله في الخلوة وقال ابن العربي: العزلة قسمان عزلة المريدين وهي بالأجساد عن مخالطة الأغيار وعزلة المحققين وهي بالقلوب عن الأكوان فليست قلوبهم محالا لشيء سوى العلم بالله الذي هو شاهد الحق فيها وللمعتزلين نيات ثلاثة نية اتقاء شر الناس ونية اتقاء شره المتعدي إلى الغير وهو أرفع من الأول فإن في الأول سوء الظن بالناس وفي الثاني سوء الظن بنفسه ونية إيثار صحبة المولى من جانب الملأ الأعلى وأعلى الناس من اعتزل عن نفسه إيثارا لصحبة ربه على غيره فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ومن آثر ربه لم يعرف أحد ما يعطيه الله من المواهب ولا تقع العزلة في القلب إلا من وحشة تطرأ عليه من المعتزل عنه وأنس بالمعتزل إليه وهو الذي يسوقه إلى العزلة وأرفع أحوال العزلة الخلوة فإن الخلوة عزلة في العزلة (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو مجمع على ضعفه اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه الحديث: 7774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7775 - (ما اجتمع الرجاء والخوف في قلب مؤمن إلا أعطاه الله عز وجل الرجاء وآمنه الخوف) قال الغزالي: فالعمل على الرجاء أعلى منه على الخوف لأنه أقرب إلى الله وأحبهم إليه والحب يغلب بالرجاء واعتبر ذلك بملكين يخدم أحدهما خوفا من عتابه والآخر رجاء لثوابه. قال الغزالي: الرجاء ارتياح القلب لانتظار محبوب متوقع ولا بد أن يكون له سبب (هب عن سعيد بن المسيب مرسلا) الحديث: 7775 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7776 - (ما اجتمع قوم) هم الرجال فقط أو مع النساء على الخلاف والمراد هنا العموم فيحصل لهن الجزاء الآتي باجتماعهن على ما قيل لكن الأقرب خلافه ونكره ليفيد حصول الثواب لكل من اجتمع لذلك بغير وصف خاص فيهم كزهد أو علم (في بيت من بيوت الله تعالى) أي مسجد وألحق به نحو مدرسة ورباط فالتقييد بالمسجد غالبي فلا يعمل بمفهومه (يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم) أي يشتركون في قراءة بعضهم على بعض وكثرة درسه ويتعهدونه خوف النسيان وأصل الدراسة التعهد وتدارس تفاعل للمشاركة (إلا نزلت عليهم السكينة) فعيلة من السكون للمبالغة والمراد هنا الوقار أو الرحمة (وغشيتهم الرحمة) أي الطمأنينة {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} أي تسكن وترجع لجميع أقضية الحق أو المراد صفاء القلب بنوره وذهاب الظلمة النفسانية وحصول الذوق والشوق وأقول الأحسن إرادة الكل معا والحمل على الأعم أتم (وحفتهم الملائكة) أي أحاطت بهم ملائكة الرحمة والبركة إلى سماء الدنيا ورفرفت عليهم الملائكة بأجنحتهم يستمعون الذكر قيل: ويكونون بعدد القراء (وذكرهم الله) أثنى عليهم أو أثابهم (فيمن عنده) من الأنبياء وكرام الملائكة والعندية عندية شرف ومكانة لا عندية مكان لاستحالتها قال النووي: وفيه فضل الاجتماع على تلاوة القرآن حتى بالمسجد (هـ عن أبي هريرة) صنيعه مؤذن بأن هذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وهو ذهول فقد رواه مسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة الحديث: 7776 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7777 - (ما اجتمع قوم على ذكر الله) تعالى وهو يشمل كل ذكر ففيه رد على من زعم انصرافه هنا للحمد والثناء (فتفرقوا عنه إلا قيل لهم قوموا) حال كونكم (مغفورا لكم) من أجل الذكر وفيه رد على مالك حيث كره الاجتماع لنحو قراءة أو ذكر وحمل الخبر على أن كلا منهم كان مع الاجتماع يقرأ لنفسه منفردا وفيه استنباط معنى من النص يعود عليه بالإبطال إذ لا اجتماع حينئذ (الحسن بن سفيان) في جزئه (عن سهل بن الحنظلية) الأوسي المتوحد المتعبد شهد أحدا رمز لحسنه الحديث: 7777 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7778 - (ما اجتمع قوم تفرقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا قاموا عن أنتن من جيفة) هذا على طريق استقذار مجلسهم العاري عن الذكر والصلاة عليه استقذارا يبلغ إلى هذه الحالة وما بلغ هذا المبلغ في كراهة الرائحة وجب التفرق عنه والهرب منه (الطيالسي) أبو داود (هب والضياء) المقدسي (عن جابر) ورواه عنه النسائي في يوم وليلة وتمام في فوائده قال القسطلاني: رجاله رجال الصحيح على شرط مسلم انتهى. ورمز المصنف لصحته الحديث: 7778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7779 - (ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار) لأن ما يجري في ذلك المجلس من السقطات [ص: 410] والهفوات إذا لم يجبر بذكر الله يكون كجيفة تعافها النفس وتخصيص الحمار بالذكر يشعر ببلادة أهل ذلك المجلس (وكان ذلك المجلس عليهم حسرة) يوم القيامة زاد البيهقي وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب الفائت أي بترك الذكر والصلاة عليه فيؤديهم ذلك إلى الندامة وقول القسطلاني عقبه لو فرض أن يدخلوا الجنة فضلا عن حرمانها بترك الصلاة عليه إن قدر ذلك غير جيد إذ قصارى تارك الصلاة عليه أنه ترك واجبا وارتكب حراما فهو تحت المشيئة ثم معنى قوله وإن دخلوا الجنة أي وإن كان مآلهم إلى دخولها فالحسرة قبل الدخول فلا وجه للاستشعاب بأن الجنة لا حسرة فيها ولا تنغيص عيش (حم عن أبي هريرة) الحديث: 7779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 7780 - (ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا منه ولم يذكروا الله) عقب تفرقهم (و) لم (يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة) أي حسرة وندامة لأنهم قد ضيعوا رأس مالهم وفرقوا ربحهم وفي هذا الخبر وما قبله أن ذكر الله والصلاة على نبيه سبب لطيب المجلس وأن لا يعود على أهله حسرة يوم القيامة (حم حب عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته الحديث: 7780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 7781 - (ما أحببت من عيش الدنيا إلا الطيب والنساء) ومحبته لهما لا تنافي الزهد فإن الزهد ليس بتحريم الحلال كما سلف ومحبته للطيب لكونه للملائكة بمنزلة القرى والنساء لنقل ما بطن من الشريعة مما لم يطلع عليه الرجال <تنبيه> قال ابن عربي: ما ورد قط عن نبي من الأنبياء أنه حبب إليه النساء إلا محمد وإن كانوا رزقوا منهن كثيرا كسليمان وغيره لكن كلامنا في كونه حبب إليه النساء وذلك أنه كان منقطعا إلى ربه لا ينظر معه إلى كون يشغله عنه به فإن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بالتلقي من الله ورعاية الأدب فلا يتفرغ إلى شيء دونه فحبب إليه النساء عناية من الله بهن فكان يحبهن لكون الله حببهن إليه والله جميل يحب الجمال (ابن سعد) في الطبقات (عن ميمونة) بنت الوليد بن الحارث الأنصارية أم عبد الله بن أبي مليكة ثقة من الطبقة الثالثة (مرسلا) الحديث: 7781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 7782 - (ما أحب عبد عبدا لله إلا أكرمه ربه) عز وجل وفي رواية إلا أكرمه الله وزاد البيهقي في روايته لهذا الحديث بعد ما ذكروا أن من إكرام الله إكرام ذي الشيبة المسلم والإمام المقسط وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي ولا المستكثر (حم عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فقد قال الهيثمي وغيره: رجاله وثقوا الحديث: 7782 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 7783 - (ما أحب أن أسلم على رجل وهو يصلي ولو سلم علي لرددت عليه) (الطحاوي عن جابر) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 7784 - (ما أحب أن أحدا) بضم الهمزة الجبل المعروف (تحول) بمثناة فوقية مفتوحة كتفعل وفي رواية بتحتية مضمومة مبنيا للمفعول من باب التفعيل بمعنى صير قال ابن مالك: وهو استعمال صحيح خفي على أكثر النحاة (لي ذهبا يمكث عندي منه) أي من الذهب (دينار) بالرفع فاعل يمكث والجملة في محل نصب صفة لذهبا (فوق ثلاث من الليالي إلا دينارا) نصب على الاستثناء من سابقه وفي رواية إلا دينار بالرفع على البدل من دينار السابق (أرصده) بضم الهمزة وكسر [ص: 411] الصاد من أرصدته رقبته (لدين) قال الكرماني وغيره: وهذا محمول على الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحا لكن الجامع مسؤول عنه وفي المحاسبة خطر فالترك أسلم وما ورد في الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه حمل على من وثق من نفسه بأنه يجمعه من حلال صرف يأمن معه من خطر المحاسبة (خ عن أبي ذر) جندب بن جنادة وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البخاري ثم قال أي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا الحديث: 7784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 7785 - (ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية) أي بدلها وهو قوله تعالى (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم - إلى آخر الآية) تمامه فقال رجل: ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال: ومن أشرك ثلاث مرات. قال ابن حجر: واستدل بالآية على غفران جميع الذنوب ولو كبائر هبه تعلق بحق الحق أو آدمي والمشهور عند أهل السنة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة وبدونها لمن شاء الله لكن حق الآدمي لا بد رده لصاحبه أو محاللته وهي أرجى آية في القرآن على الأصح من أقاويل كثيرة وذلك لأنه عرض على قاتل حمزة آيات كثيرة فما اطمأن ولا آمن إلا بها <فائدة> رؤى الشلبي في النوم فقيل له: ما فعل الله بك قال: حاسبونا فدققوا. . . ثم منوا فأعتقوا (حم عن ثوبان) مولى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعيف وقال في موضع آخر: الحديث حسن الحديث: 7785 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 7786 - (ما أحب أني حكيت إنسانا) أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصا له يقال حكاه وحاكاه قال الطيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح (وأن لي كذا وكذا) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا منها بسبب ذلك فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجا أو مطاطيا رأسه أو غير ذلك من الهيئات (د ت عن عائشة) قال الذهبي: فيه من لا يعرف اه وبه يتوقف في رمز المصنف لحسنه وسببه أن عائشة قالت: حسبك من صفية إنها كذا وكذا تعني قصيرة فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه لشدة نتنها وقبحها كذا قرره النووي وقال غيره: معناه هذه غيبة منتنة لو كانت مما يمزج بالبحر مع عظمه لغيرته فكيف بغيره قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها وما أعلم شيئا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ {وما ينطق عن الهوى} الحديث: 7786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 7787 - (ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر) أي ما أحد أكثر عطاء وإنعاما علينا منه قال الزمخشري: سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد (واساني بنفسه) أي جعل نفسه وقاية لي فقد سد المنفذ في الغار بقدمه خوفا على النبي صلى الله عليه وسلم من لدغ الحيات فجعلت الحيات تلدغه في قدمه ودموعه تسيل على خده فلا يرفعها خوفا عليه وفارق أهله لأجله والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمز فقلبت واوا تخفيفا كذا في النهاية (وماله وأنكحني ابنته) عائشة فقد بذل المال والنفس والأهل والولد ولم يتفق ذلك لغيره قال ابن حجر: وجاء عن عائشة مقدار المال الذي أنفقه [ص: 412] أبو بكر: فروى ابن حبان أنه أربعين ألف درهم وروى الزبير بن بكار أنه لما مات ما ترك دينارا ولا درهما (طب عن ابن عباس) رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه أرطأة أبو حاتم وهو ضعيف اه. وأورده في الميزان ولسانه في ترجمة أرطأة هذا وقال عن ابن عدي: إنه خطأ أو غلط الحديث: 7787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 7788 - (ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة) {يمحق الله الربا} أي ينقص مال المرابي ويذهب ببركته وإن كثر {ويربى الصدقات} يبارك فيها (هـ عن ابن مسعود) رواه الحاكم عنه أيضا وقال: صحيح وأقره الذهبي فكان ينبغي للمصنف عزوه إليهما فإن اقتصر فعلى الحاكم لأن ابن ماجه وإن كان مقدما لكونه أحد الستة لكن سنده حسن وهذا صحيح الحديث: 7788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 7789 - (ما أحدث رجل) في رواية بدله عبد (إخاء) بالمد (في الله إلا أحدث الله له درجة في الجنة) أي أعد له منزلة عالية فيها بسبب إحداثه ذلك الإخاء فيه وهذا تأكيد لندب المؤاخاة في الله والتكثير من الإخوان معدود من الأخلاق الحسان قال علي كرم الله وجهه: عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة وفي العوارف أن عون العارف كان له ثلثمئة وستون صديقا فكان يكون عند كل واحد يوما وكان لآخر ثلاثون صديقا فكان يكون عند كل واحد يوما (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان عن أنس) بن مالك قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف ويعضده خبر ابن أبي الدنيا أيضا من آخى أخا في الله عز وجل رفعه الله درجة في الجنة لا ينالها بشيء من عمله ثم إن ظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن أبي الدنيا مع أن الديلمي خرجه في مسنده للفردوس باللفظ المزبور عن أنس الحديث: 7789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 7790 - (ما أحدث قوم بدعة إلا رفع الله مثلها من السنة) لأنهما متناوبان في الأديان تناوب المتقابلات في الأجسام ذكره الحرالي ولأنهم لما تركوا السنة في تهذيب أنفسهم بالإقتداء في الاهتداء بهدي نبيهم تولاهم الشيطان وسلك بهم سبل البهتان وذلك أنهم إذا أنسوا ببدعتهم واطمأنوا إليها جرهم ذلك إلى الاستهانة بالنسبة وإضاعتها وما كذب أحد بحق إلا عوقب بتصديقه بباطل وما ترك سنة إلا أحب بدعة قال الحرالي: وقد جرت سنة الله بأنه ما أمات أحد سنة إلا زاد في خذلانه بأن تحيا على يده بدعة وقال الطيبي: قوله مثلها جعل أحد الضدين مثل الآخر لشبهة التناسب بين الضدين وإخطار كل منهما بالبال مع ذكر الآخر وحدوثه عند ارتفاع الآخر وعليه قوله تعالى {جاء الحق وزهق الباطل} فكما أن إحداث السنة يقتضي رفع البدعة فكذا عكسه ولذلك قال عقبه فتمسك بسنتي إلى آخر ما يأتي كما إذا أحيا آداب الخلاء مثلا على ما ورد في السنة فهو خير من بناء رباط ومدرسة وسره أن من راعى هذا الأدب يوفقه الله ويلطف به حتى يترقى منه إلى ما هو أعلى فلا يزال في ترق وصعود إلى أن يبلغ إلى مقام القرب ومخدع الوصل كما قال " ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث ومن تركه يؤديه إلى ترك الأفضل فالأفضل حتى يستقل إلى مقام الرين والطبع (حم) وكذا البزار (عن غضيف) بغين وضاد معجمتين مصغرا (ابن الحارث) الثمالي أو الكندي أو السكوني أو الحمصي مختلف في صحبته قال المنذري: سنده ضعيف وبين ذلك الهيثمي فقال: فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو منكر الحديث اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وللحديث قصة وذلك أن عبد الملك بن مروان بعث إلى غضيف فقال: يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على أمرين رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح والعصر فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منها لأن المصطفى صلى الله [ص: 413] عليه وعلى آله وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة " فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة هكذا هو عند مخرجه أحمد فإسقاط المؤلف منه قوله فتمسك إلخ غير جيد الحديث: 7790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 7791 - (ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان) قال الدميري: فيه أن عصبة المعتق يرثون (حم د هـ عن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وسببه أن وثابا تزوج بنتا ليعمر فولدت له فماتت فورثها بنوها فماتوا فورثهم عمرو بن العاص وكان عصبتهم فخاسمه بنو يعمر في ولاء أختهم إلى عمر فقال: أقضي بينكم بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قضى به وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث: 7791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 7792 - (ما أحسن القصد) أي التوسط بين التفريط والإفراط (في الغنى ما أحسن القصد في الفقر ما أحسن القصد في العبادة) والقصد في الأصل الاستقامة في الطريق ثم استعير للتوسط في الأمور (البزار) في مسنده (عن حذيفة) ابن اليمان قال الهيثمي: رواه البزار من رواية سعيد بن حكيم عن مسلم بن حبيب ومسلم لم أجد من ذكره إلا ابن حبان في ترجمة سعيد الراوي عنه وبقية رجاله ثقات الحديث: 7792 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 7793 - (ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على تركته) فإن إحسان الصدقة وصف لكمالها {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له} فالإضعاف لحسن الصدقة وتحسينها بأن يخرجها بانشراح صدر ومن أحل ماله وأصفاه وأطيبه ويخرجها في أول وجوبها خوف الحوادث وشح النفس وألا يعذب قلوب الفقراء بالانتظار وينظر في ذلك إلى نعمة الله عليه بتوفيقه لئلا يتكبر ويعجب فيورثه المن والأذى فيحبط أجره وأن يرى فضل المستحق عليه لأنه سبب طهرته ورفع درجته في الآخرة وأن تكون صدقته سرا اكتفاء بنظر الله وعلمه وصيانة الفقير عن اشتهار أمره وأن يكون عند الإخراج مستصغرا لما يعطي متواضعا لمن يعطي إلى غير ذلك ومعنى إحسان الخلافة في تركته تزكية أولاده والمعنى أنه تعالى يخلفه في أولاده وعياله بحسن الخلافة من الحفظ لهم وحراسة ما لهم وعليهم وإن أريد بالتركة المال فإحسان الخلافة دوام ثواب ما أوجده له من وجوه البر وانصراف ذلك المال في طاعة لا معصية أو يبارك فيه لورثته (ابن المبارك) في الزهد (عن ابن شهاب) وهو الزهري (مرسلا) قال الحافظ العراقي: بإسناد صحيح وأسنده الخطيب في أسماء من روى عن مالك من حديث ابن عمر وضعفه اه. وأقول: أسنده أيضا الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس وذكر أن في الباب ابن عمر أيضا الحديث: 7793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 7794 - (ما أحل الله شيئا أبغض) بالنصب (إليه من الطلاق) لما فيه من قطع حبل الصلة المأمور بالمحافظة على توثيقه ولهذا قال المفسرون في قوله {وللمطلقات متاع} فيه إشارة إلى أن الطلاق كالموت لانقطاع حبل الوصلة الذي هو كالحياة وأن المتاع كالإرث وقد سبق تقرير الخبر في صدر الجامع بما فيه بلاغ (د عن محارب) بضم الميم وكسر الراء (ابن دثار) بكسر المهملة وخفة المثلثة (مرسلا) هو السدوسي الكوفي القاضي ثقة من كبار العلماء الزهاد (ك) في الطلاق (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح قال الذهبي: على شرط مسلم وقضية صنيع المصنف أن أبا داود لم يخرجه إلا مرسلا وليس كذلك بل خرجه مرسلا ومسندا لكنه قدم المرسل فذهل المصنف عن بقية كلامه فاعقله نعم المرسل [ص: 414] أصح فقد قال الدارقطني: المرسل أشبه وقال البيهقي: المتصل غير محفوظ الحديث: 7794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 7795 - (ما أخاف على أمتي) أمة الإجابة (إلا ضعف اليقين) لأن سبب ضعفه ميل القلب إلى المخلوق وبقدر ميله له يبعد عن مولاه وبقدر بعده عنه يضعف يقينه واليقين استقرار العلم الذي لا يتغير في القلب والسكون إلى الله ثقة به ورضى بقضائه وذلك صعب عسير على من شاء الله. قال القشيري: حرام على قلب شم رائحة اليقين وفيه سكون لغير الله. واليقين استقرار الفؤاد وقد وصف الله المؤمنين بالإيمان بالغيب والإيمان التصديق ولا يصدق الإنسان بالخبر حتى يتقرر عنده فيصير كالمشاهدة والمشاهدة بالقلب هو اليقين فإذا ضعف البصر لم يعاين الشيء كما هو ولم يبصر الغيب الذي يجب الإيمان به من توحيد الله وإجلاله وهيبته فلا تكون عبادته لربه كأنه يراه ولم يبصر الدار الآخرة التي هي المنقلب ولم يبصر الثواب والعقاب الباعثين على الطاعة والمعصية فمن لم يبصر هذا بقلبه لم يتيقنه وإن أقر بلسانه وصدق من جهة الخبر فهو في حيرة وعمى فاستبان أنه إذا ضعف اليقين ضعف الإيمان (طس هب عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 7795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 7796 - (ما أخاف على أمتي فتنة أخوف عليها من النساء والخمر) لأنهما أعظم مصايد الشيطان لنوع الإنسان والنساء أعظم فتنة وخوفا لأن الحق تعالى حببهن إلينا بحكم الطبع والجبلة ثم أمرنا بمجاهدة النفس حتى تخرج عن محبتها الطبيعية إلى المحبة الشرعية وذلك صعب عسير وذلك لأن المحبة الطبيعية تورث العطب لأنها شهوة نفس والحق تعالى غيور لا يحب أن يرى في قلب عبده محبة لغيره إلا من أجله فإذا أخرج العبد فضاء المحبة الشرعية من ضيق المحبة النفسية أمن الفتنة وما دام في محبة الطبع فهو في حجاب عن الله ومشغول عن كمال طاعته ومن ثم قال بعضهم: إياك والمرأة الحسناء فإن ضررها أعظم من ضرر الشوهاء فإنه لا يدخل حبها قلبك والحسناء تسكن محبتها بالقلب فلا تدخل محبة الحق فيبيض فيه الشيطان ويفرخ وقال بعضهم: سأل آدم حواء لم سميت حواء قالت: لأني أحتوي على قلبك وأنسيك ذكر ربك فقال: غيري هذا الاسم فسمت نفسها امرأة فقال لها: ما معناه قالت: أذيقك طعم المرارة فقال لها: غيريه فأبت والنساء فخ منصوب من فخوخ إبليس لا يقع فيه إلا من اغتر به وقال لقمان لابنه: إياك والنساء فإنهن كشجر الدفلي لها ورق وزهر وإذا أكل منها الغر قتلته أو أسقمته (يوسف الخفاف) بفتح المعجمة وشد الفاء نسبة إلى عمل الخفاف التي تلبس (في مشيخته عن علي) الحديث: 7796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 7797 - (ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب وما يدفع الله عنه) أي عن ذلك العرق أو عن تلك العين ويحتمل على بعد لذلك الإنسان المذنب على حد {حتى توارت بالحجاب} (أكثر) {وما أصابكم من مصيبة} كأنه تعالى يقول قاصصتك بشيء من ذنوبك لتنتبه من رقدتك وأعفوا عن الكثير الباقي فوعد العفو عن ذلك الجم الكثير {إن الله لا يخلف الميعاد} وقال الحرالي: فيه إشعار بأنه لا يصل إلى حالة الاضطرار إلى ما حرم الله عليه أحد إلا عن ذنب أصابه فلولا المغفرة لتممت عليه عقوبته لأن المؤمن لا يلحقه ضرورة لأن الله لا يعجزه شيء وعبد الله لا يعجزه ما لا يعجز ربه {وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} فالبأس الذي يخرج إلى ضرورة إنما يقع لمن هو دون رتبة المتقدمين إلى هنا كلامه (طس والضياء) المقدسي (عن البراء) بن عازب قال الهيثمي: في سند الطبراني الصلت بن بهرام ثقة لكنه كان مرجئا الحديث: 7797 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 7798 - (ما اختلط حبي بقلب عبد إلا حرم الله جسده على النار) أي منعه عن النار كما في قوله {وحرام على قرية} وأصله [ص: 415] حرم الله النار على جسده والاستثناء من أعم عام الصفات أي ما عبد اختلط حبي بقلبه كائنا بصفة إلا بصفة التحريم ثم التحريم مقيد بمن أتى بالشهادتين ثم مات عليهما ولم يعص بعد إتيانه بهما أو المراد تحريم نار الخلود لا أصل الدخول (حل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن حميد قال ابن الجوزي: ضعيف وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ قال الذهبي: ضعفوه وإسماعيل بن يحيى فإن كان التيمي أو الشيباني فكذاب كما بينه الذهبي أو ابن كعيل فمتروك كما قاله الدارقطني الحديث: 7798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 7799 - (ما اختلفت أمة) من الأمم (بعد نبيها) أي بعد مفارقته لهم (إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها) أي غلبوا عليهم وظفروا بهم لكن ريح الباطل تخفق ثم تسكن ودولته تظهر ثم تضمحل وفيه شمول لهذه الأمة فإن صح الخبر فهو صحيح في رد ما ذهب إليه المصنف كغيره من عده من خصائص هذه الأمة أن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق منهم (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف الحديث: 7799 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 7800 - (ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مئة) هذا من أحسن الأمثال فإن الدنيا منقطعة فانية ولو كانت مدتها أكثر مما هي والآخرة أبدية لا انقطاع لها ولا نسبة للمحصور إلى غير المحصور بل لو فرض أن السماوات والأرض مملوءات خردلا وبعد كل ألف سنة طائر ينقل خردلة فني الخردل والآخرة لا تفنى فنسبة الدنيا والآخرة في التمثيل كنسبة خردلة واحدة إلى ذلك الخردل ولهذا لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر والأشجار أقلام تكتب كلام الله لنفدت الأبحر ولم تنفد الكلمات (طب عن المستورد) رمز المصنف لحسنه الحديث: 7800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 7801 - (ما أخشى عليكم الفقر) الذي بخوفه تقاطع أهل الدنيا وتدابروا وحرصوا وادخروا (ولكن أخشى عليكم التكاثر) يعني ليس خوفي عليكم من الفقر ولكن خوفي من الغنى الذي هو مطلوبكم قال بعضهم: سبب خشيته علمه أن الدنيا ستفتح عليهم ويحصل لهم الغنى بالمال وذلك من أعلام نبوته لأنه إخبار عن غيب وقع وقال الطيبي: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في الشفقة على أصحابه كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخافه الوالد بل يخشى عليهم الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده وقال بعضهم: أشار بهذا إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لأن ضرر الفقر دنيوي وضرر الغنى ديني غالبا والتعريف في الفقر إما للعهد وهو الفقر الذي كان الصحب عليه من الإعدام والقلة قبل الفتوحات وإما للجنس وهو الفقر الذي يعرفه كل أحد (وما أخشى عليكم الخطأ ولكن أخشى عليكم التعمد) فيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى قالوا: قال ذلك لأصحابه وهو آية الشاكرين فما بالك بغيرهم من المساكين (ك) في التفسير (هب) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وظاهر كلامه أنه لا يوجد مخرجا لأعلى ممن ذكر ولا أحق بالعزو إليه وليس كذلك فقد خرجه الإمام أحمد باللفظ المذكور عن أبي هريرة المزبور قال المنذري والهيثمي: ورجاله رجال الصحيح ورواه أحمد أيضا عن المسور بن مخرمة وزاد بيان سببه الحديث: 7801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 7802 - (ما أذن الله) بكسر الذال مصدره أذن بفتح أوليه بمعنى استمع ولا يجوز حمله هنا على الإصغاء لأنه محال عليه [ص: 416] تعالى ولأن سماعه تعالى لا يختلف فيجب تأويله على أنه مجاز عن تقريب القارئ وإجزال ثوابه أو قبول قراءته (لشيء ما أذن) بكسر المعجمة المخففة (لنبي حسن الصوت) يعني ما رضى الله من المسموعات شيئا هو أرضى عنده ولا أحب إليه من قول نبي (يتغنى بالقرآن) أي يجهر ويحسن صوته بالقراءة بخضوع وخشوع وتحسين وترقيق قال الدماميني: قال ابن نباتة في مطلع الفوائد ومجمع الفرائد: وجدت في كتاب الزاهر يقال تغنى الرجل إذا تجهور صوته فقط قال: وهذا نقل غريب لم أجده في كتب اللغة اه وليس المراد تكثير الألحان كما يفعله أبناء الزمان ذو القلوب اللاهية والأفئدة الساهية يتزين به للناس ولا يطرد به الخناس بل يزيد في الوسوسة وقول سفيان معناه يستغني بالقرآن عن الناس زيفوه وبما تقرر عرف أن الاستماع كناية عن الرضى والقبول قال القاضي البيضاوي: وأراد بالقرآن ما يقرأ من الكتب المنزلة من كلامه (حم ق د ن هـ عن أبي هريرة) الحديث: 7802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 7803 - (ما أذن الله لعبد في شيء) قال الطيبي: هو من أذنت للشيء أذنا إذا أصغيت إليه وأنشد: إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا. . . مني وما سمعوا من صالح دفنوا وههنا الإذن عبارة عن الإقبال من الله بالرأفة على العبد (أفضل من ركعتين) أي من صلاة ركعتين (أو أكثر من ركعتين) قال أبو البقاء: أفضل لا ينصرف وهو في موضع جر صفة لشيء وفتحته نائبة عن الكسر (وإن البر ليذر) بضم المثناة تحت أوله وفتح الذال المعجمة وشد الراء أي ينشر ويفرق من قولهم ذريت الحب والملح والدواء أذره ذرا أي فرقته وقيل بدال مهملة قال التوربشتي: وهو مشاكل للصواب من حيث المعنى لكن الرواية لم تساعده والحديث يؤخذ من أفواه الرجال وليس لأحد مخالفتهم (فوق رأس العبد ما كان في الصلاة) أي مدة دوام كونه مصليا وذلك لأن العبد إذا كان في الصلاة وقد فرغ من الشواغل متوجها إلى مولاه مناجيا له بقلبه ولسانه فإنه تعالى مقبل عليه بلطفه وإحسانه إقبالا لا يقبله في غيره من العبادات فكنى عنه بالإذن ثم إذا أرضى الله عن العبد وأقبل عليه هل يبقى من البر والإحسان شيء لا ينثره على رأسه؟ كلا قال الطيبي: وليذر بذال معجمة هو الرواية وهو أنسب من الدر بمهملة لأنه أشمل منه لاختصاص الدر أي الصب بالمائع وعموم الذر ولأن المقام أدعى له ألا ترى أن الملك إذا أراد الإحسان إلى عبد أحسن الخدمة ورضي عنه ينثر على رأسه نثارا من الجواهر؟ وكأن اختصاص الرأس بالذكر إشارة إلى هذا السر (وما تقرب عبد إلى الله عز وجل بأفضل مما خرج منه) يعني بأفضل من القرآن قال ابن فورك: الخروج يقال على وجهين خروج الجسم من الجسم وذلك بمفارقة مكانه واستبدال غيره وذلك محال على الله وظهور الشيء من الشيء نحو خرج لنا من كلامك نفع وخير أي ظهر لنا وهذا هو المراد فالمعنى ما أنزل الله على رسوله وأفهم عباده وقيل: الضمير في منه عائد إلى العبد وخروجه منه وجوده على لسانه محفوظا في صدره مكتوبا بيده وقال الأشرفي: أي ظهر الحق من شرائعه بكلامه أو خرج من كتابه المبين وهو اللوح ومعنى خبر إن كلام الله منه بدأ وإليه يعود أنه تعالى به أمر ونهى وإليه يعود يعني هو الذي يسألك عما أمرك ونهاك وقال الطيبي: معنى قوله منه بدأ أنه أنزل على الخلق ليكون حجة لهم وعليهم ومعنى إليه يعود أن مآل أمره وعاقبته من حقيقته في ظهور صدق ما نطق به من الوعد والوعيد إليه تعالى وإذا تقرر هذا فليس شيء من العبادات يتقرب العبد به إلى الله ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن (حم ت) في فضائل القرآن (عن أبي أمامة) وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفيه [ص: 417] بكر بن خنيس تكلم فيه ابن المبارك وتركه آخر اه. وقال الذهبي: واه الحديث: 7803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 7804 - (ما أذن الله لعبد في الدعاء) أي النافع المقبول الصادر عن حاجته لا عن أغراضه وشهواته (حتى أذن له في الإجابة) لأن الدعاء هو غدو القلب إليه حتى يجول بين يديه والنفس حجاب للقلب فهو لا يقدر على الغدو إليه حتى يزال الحجاب وترتفع الموانع والأسباب وإذا زالت الحجب والموانع وانحسر القلب ولج فيه نور اليقين فطار القلب فرحا إلى رب العالمين فتمثل بحضرة عزته وعرض قصة مسألته فعاد بالإجابة من الفائزين وإن ذلك ليسير على أكرم الأكرمين وفيه تعظيم قدر الدعاء والتنبيه لعظيم المنة وشرف المنزلة لأن من أذن له في الدعاء فقد جذبه الحق إليه فصرفه عن غيره وشغله به عما سواه فلو أعطى الملك كله كان ما أعطى من الدعاء أكثر قال بعضهم: والإجابة قد تكون بالمراد وقد لا والاستجابة ليست إلا إجابة عن المراد فقد قال البيانيون إن هذه السيرة تقوم مقام القسم وكفى بك شرفا أن تدعوه فيجيبك ويختار لك الأولى والأصلح في العاجل والآجل (تتمة) قال الحرالي: الإجابة اللقاء بالقول ابتداء شروع لتمام اللقاء بالمراجعة (حل عن أنس) بن مالك وفيه عبد الرحمن بن خالد بن نجيح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن يونس: منكر الحديث ومحمد بن عمران قال البخاري: منكر الحديث الحديث: 7804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 7805 - (ما أرى الأمر) يعني الموت (إلا أعجل من ذلك) أي من أن يبني الإنسان لنفسه بناء ويشيده فوق ما لا بد منه فقد اتخذ نوح بيتا من قصب فقيل له: لو بنيت فقال: هذا كثير لمن يموت وقيل لسليمان: ما لك لا تبني قال: ما للعبد وللبناء فإذا أعتق فله والله قصور لا تبلى أبدا (ت هـ) وكذا أبو داود ولعله ذهل عنه (عن ابن عمرو) بن العاص قال: مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصا قال: ما هذا قلنا: قد وهي فنحن نصلحه فذكره قال النووي في رياضه: رواه أبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم الحديث: 7805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 7806 - (ما أرسل على) قوم (عاد) هم قوم هود الذين عصوا ربهم (من الريح إلا قدر خاتمي هذا) يعني هو شيء قليل جدا فهلكوا بها حتى أنها كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها في الجو حتى ترى كأنها جرادة وهذا يوضحه ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن كعب لما أراد الله أن يهلك قوم عاد أوحى إلى خزنتها أن افتحوا منها بابا قالوا يا ربنا مثل منخر الثور قال إذن تكفأ الأرض بمن عليها ففتحوا مثل حلقة الخاتم اه وفيه دلالة على أن الريح وتصريف أعنتها مما يشهد لعظمة قدرة خالقها وأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده (حل) من حديث أحمد بن عثمان الأزدي عن محمود بن ميمون البنا عن سفيان الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد (عن ابن عباس) ثم قال: غريب من حديث الثوري تفرد به محمود الحديث: 7806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 7807 - (ما ازداد رجل من السلطان قربا إلا ازداد عن الله بعدا) فإن القرب إلى السلطان الظالم من غير ضرورة وإرهاق معصية فإنه تواضع وإكرام له وقد أمر الله بالإعراض عنهم وهو تكثير سوادهم وإعانة لهم على ظلمهم. وإن كان ذلك بسبب طلب مالهم فهو سعى إلى طلب حرام ذكره حجة الإسلام (ولا كثرت أتباعه إلا كثرت شياطينه [ص: 418] ولا كثر ماله إلا اشتد حسابه) ولذلك يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مئة عام (هناد) في الزهد (عن عبيد بن عمير) بتصغيرهما (مرسلا) هو الليثي قاضي مكة الحديث: 7807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 7808 - (ما أزين الحلم) الذي هو كف النفس عن هيجان الغضب لإرادة الانتقام والحليم من اتسع صدره لمساوئ الخلق ومداني أخلاقهم قال الحسن: ما نحل الله عباده شيئا أجل من الحلم ومن ثم أثنى الله تعالى على خليله وابنه به لما انشرحت صدورهم لما ابتلاهم الله به من الذبح فقال: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} {وبشرناه بغلام حليم} قال الشعبي: زين العلم حلم أهله وقال طاوس: ما حمل العلم في مثل جراب حلم (تتمة) أخرج ابن الأخضر في معالم العترة الطاهرة أن علي بن الحسين خرج من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت عليه العبيد والموالي فقال علي: مهلا على الرجل ثم أقبل عليه فقال: ما ستر عليك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحى الرجل ورجع إلى نفسه قال: فألقى عليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فقال الرجل: أشهد أنك من أولاد الرسل ونقل ابن سعد أن هشام المخزومي لما ولي المدينة آذى عليا بن الحسين وكان يشتم عليا كرم الله وجهه على المنبر فلما ولي الوليد عزله وأمر بأن يوقف للناس فقال هشام: ما أخاف إلا من علي فأوصى خاصته ومواليه أن لا يتعرضوا له البتة ثم مر به فقال: يا ابن عمي عافاك الله لقد ساءنا ما صنع بك فادعنا لما أحببت (حل) عن محمد بن الحسن اليقطيني عن الحسن بن أحمد الأنطاكي عن صالح بن زياد السوسي عن أحمد بن يعقوب عن خالد بن إسماعيل الأنصاري عن مالك عن حميد (عن أنس) بن مالك قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أملاك رجل وامرأة من الأنصار فقال: أين شاهدكم قالوا: ما شاهدنا؟ قال: الدف فأتوا به فقال: اضربوا على رأس صاحبكم ثم جاؤوا بأطباق فنثروها فتأبى القوم أن يتناولوا فقال: ما أزين الحلم ما لكم لا تتناولون قالوا: ألم تنه عن النهبة؟ قال: نهيتكم عنها في العساكر أما هنا فلا أنهى قال ابن الجوزي: موضوع خالد يضع اه وقال الذهبي في الميزان بعد إيراد هذا الحديث: هكذا فليكن الكذب (ابن عساكر) في تاريخه وكذا ابن منده في المعرفة من طريق عصمة بن سليمان عن حازم بن مروان مولى بني هاشم عن لمادة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان (عن معاذ) بن جبل قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بنحو ما تقدم وحازم ولمادة مجهولان الحديث: 7808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 7809 - (ما استرذل الله عبدا إلا حرم) بضم الحاء بضبطه (العلم) أي النافع وفي إفهامه أنه ما أجل الله عبدا إلا منحه العلم فالعلم سعادة وإقبال وإن قل معه المال وضاقت فيه الحال والرذالة بالجهل حرمان وإدبار وإن كثر معه المال واتسع فيه الحال فالسعادة بالعلم لا بكثرة المال وكم من مكثر شقي ومقل سعيد وكيف يكون الجاهل الغني سعيدا ورذالة الجهل تضعه وكيف يكون العالم الفقير شقيا والعلم يرفعه (عبدان في الصحابة وأبو موسى في الذيل عن بشير بن النهاس) العبدي قال الذهبي: يروى عنه حديث منكر اه ورواه الديلمي باللفظ المزبور موقوفا على ابن عباس الحديث: 7809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 7810 - (ما استرذل الله عبدا) يقال استرذله أي علم أن عنده رذالة طبع وخسة نفس (إلا حظر) بالتشديد (عليه) أي منعه وحرمه حكمة منه وعدلا (العلم والأدب) أي منعهما عنه لكونه لم يره لذلك أهلا ولا يكون لخسة همته للنعمة شاكرا وهذه سنته سبحانه وتعالى في حكمته يجعل النعم الدينية لأهلها وهم الشاكرون المعظمون لها {وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها} والعلم الذي يمنعه الأراذل علم الإيمان والمعرفة صيانة له عنهم وأما الأدب فهو أدب الإسلام [ص: 419] والتخلق بأخلاق الإيمان فأدب العبودية مع الحق وأدب الصحبة مع الخلق وهذا وما قبله تنبيه على أنه ينبغي لمن زهد في العلم أن يكون فيه راغبا ولمن رغب فيه أن يكون له طالبا ولمن طلبه أن يكون منه مستكثرا ولمن استكثر منه أن يكون به عاملا ولا يطلب لتركه احتجاجا ولا لتقصيره فيه عذرا ولا يسوف نفسه بالمواعيد الكاذبة ويمنيها بانقطاع الأشغال المتصلة فإن لكل وقت شغلا وفي كل زمن عذرا (ابن النجار) في تاريخه وكذا القضاعي في الشهاب (عن أبي هريرة) وذكر في الميزان أنه خبر باطل وأعاده في ترجمة أحمد بن محمد الدمشقي وقال: له مناكير وبواطيل ثم ساق منها هذا وقال بعض شراح الشهاب: غريب جدا الحديث: 7810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 7811 - (ما استفاد المؤمن) أي ما ربح (بعد تقوى الله عز وجل خيرا من زوجة صالحة) قال الطيبي: جعل التقوى نصفين نصفا تزوجا ونصفا غيره وذلك لأن في التزويج التحصين عن الشيطان وكسر التوقان ودفع غوائل الشهوة وغض البصر وحفظ الفرج وقوله (إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها) لصونها من الزنا ومقدماته بيان لصلاحها على سبيل التقسيم لأنه لا يخلو من أن يكون الزوج حاضرا فافتقاره إليها إما أن يكون في الخدمة بمهنة البيت والمداعبة والمباشرة فتكون مطيعة فيما أمرها وذات جمال ودلال فيداعبها وتنقاد إذا أراد مباشرتها. أو غائبا فتحفظ ما يملك الزوج من نفسها بأن لا تخونه في نفسها وماله وإذا كان حالها في الغيبة على هذا ففي الحضور أولى وهذه ثمرة صلاحها وإن كانت ضعيفة الدين قصرت في صيانة نفسها وفرجها وأزرت بزوجها وسودت وجهه بين الناس وشوشت قلبه ونغص بذلك عيشه فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة أو سبيل التساهل كان متهاونا في دينه وعرضه وإن كانت مع الفساد جميلة كان البلاء أشد لمشقة مفارقتها عليه (وماله) قال ابن حجر: هذا الحديث ونحوه من الأحاديث المرغبة في التزوج وإن كان في كثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزوج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل كما تقدم (هـ عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه المنذري بعلي بن يزيد وقال ابن حجر في فتاويه: سنده ضعيف لكن له شاهد يدل على أن له أصلا اه ووجه ضعفه أن فيه ابن هشام بن عمار وفينه كلام وعثمان بن أبي عاتكة قال في الكاشف: ضعفه النسائي ووثق وعلي بن زيد ضعفه أحمد وغيره الحديث: 7811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 7812 - (ما استكبر من أكل مع خادمه وركب الحمار بالأسواق واعتقل الشاة فحلبها) (خد هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وفيه عبد العزيز بن عبد الله الأوسي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: ضعيف عن عبد العزيز بن محمد قال ابن حبان: بطل الاحتجاج به الحديث: 7812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 7813 - (ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر) يعني أن ما أضمره يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه وقد أخبر الله في التنزيل بأن ذلك قد يظهر في الوجه فقال {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول} وظهور ما في الباطن على اللسان أعظم من ظهوره في الوجه لكنه يبدو في الوجه بدوا خفيا فإذا صار [ص: 420] خلقا ظهر لأهل الفراسة والنهى <تنبيه> قال التوربشتي: من صحب أحدا من أكابر الصوفية وفي قلبه حب شيء من الدنيا ظهر على وجهه وثقل على قلبه قال الشاذلي: خدمني رجل فثقل علي فباسطته يوما فانبسط فقلت: لم صحبتني قال: لتعلمني الكيمياء قال: والله أعلمكها إن كنت قابلا ولا أراك قابلا قال: بل أقبل قلت: أسقط الخلق من قلبك واقطع الطمع من ربك أن يعطيك غير ما قسم لك قال: ما أضيق هذا قال: ألم أقل لك أنك لا تقبل؟ فانصرف (تنبيه آخر) قال أبو حيان في شرح التسهيل: قولهم الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر والمرء مقتول بما قتل به إن سيفا فسيف وانتصاب خيرا وشرا وسيفا على تقدير إن كان العمل خيرا أو شرا وإن كان المقتول به سيفا أو خنجرا ويجوز رفعهما على أنهما اسم كان أي إن كان في أعمالهم خير وإن كان في أعمالهم شر وإن كان معه سيف أو كان معه خنجر ويجوز الرفع على أنه فاعل لكان التامة (طب) وكذا في الأوسط (عن جندب) بن سفيان (البجلي) العلقمي نزيل البصرة والكوفة جليل مشهور رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بصواب فقد قال الهيثمي وغيره: فيه حامد بن آدم وهو كذاب الحديث: 7813 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 7814 - (ما أسفل) بالنصب خبر كان المقدرة وما موصولة ويصح رفعه أي ما هو أسفل (من الكعبين) العظمين الناتئين عند مفصل الساق والقدم (من الإزار) أي محل الإزار (ففي النار) حيث أسبله تكبرا كما أفهمه خبر لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء فكنى بالثوب عن بدن لابسه ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة له فهو من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه ومن بيانية ويحتمل أنها سببية والمراد الشخص نفسه أو المعنى ما أسفل من الكعبين من الذي سامت الإزار في النار أو تقديره لابس ما أسفل الكعبين إلخ أو معناه أن فعله ذلك في النار فذكر الفعل وأراد فاعله فعليه ما مصدرية ومن الإزار بيان لمحذوف يعني إسباله من الكعبين شيئا من الإزار في النار أو فيه تقديم وتأخير وأصله ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار واعلم أن لفظ رواية البخاري في النار ولفظ رواية النسائي ففي النار بزيادة الفاء قال ابن حجر: فكأنها دخلت لتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار عقوبة له (خ ن) في اللباس (عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم الحديث: 7814 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 7815 - (ما أسكر كثيره فقليله حرام) فيه شمول للمسكر من غير العنب وعليه الأئمة الثلاثة وقال أبو حنيفة: ما أسكر كثيره من غير العنب يحل ما لا يسكر منه قال ابن عطية: وهو قول أبي بكر وعمر والصحابة على خلافه وقال ابن العربي: اختلف في الخمر هل حرمت لذاتها أم لعلة هي سكرها؟ ومعنى قولهم لذاتها أي لغير علة فمالت الحنفية ومن دان بدينها إلى أنها محرمة لعينها وقال جميع العلماء: محرمة لعلة سكرها وهو الصحيح فإنها علة نبه الله عليها في كتابه وصرح بذكرها في قرآنه فقال: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} الآية وقد جرى لسعد فيها ما جرى وفعل حمزة بعلي وبالمصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما فعل وقابل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمكروه فقال: هل أنتم إلا عبيد أبي أو آبائي (حم د ت) في الأشربة (حب) كلهم (عن جابر) وقال الترمذي: حسن غريب وصححه ابن حبان قال الحافظ ابن حجر: ورواته ثقات (حم ن هـ عن ابن عمرو) بن العاص قال ابن حجر: سنده ضعيف قال الذهبي في المهذب: والحديث في جزء ابن عرفة بإسناد صالح الحديث: 7815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 7816 - (ما أسكر منه الفرق) بفتح الراء مكيلة تسع ستة عشر رطلا (فملء الكف منه حرام) أي شربه أي إذا كان فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه لقلته جدا وفيه تحريم كل مسكر سواء [ص: 421] اتخذ من عصير العنب أم من غيره قال المازري: أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا اشتد وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره ثم لو تخلل بنفسه حل إجماعا فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المتجددات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض ودل على أن علة التحريم الإسكار فاقتضى أن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره (حم عن عائشة) ظاهره أنه لم يخرجه أحد من الستة وليس كذلك بل رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه قال ابن حجر: وأعله الدارقطني بالوقف الحديث: 7816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 7817 - (ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة) يكفر الله بها عنه خطاياه التي كان زلفها فجميع المصائب الواقعة في الدنيا على أيدي الخلق إنما هو جزاء من الله وكذا ما يصيب المؤمن من عذاب النفس بنحو هم وغم وقلق وحرص وغير ذلك (طب عن أبي أمامة) قال: انقطع قبال نعل النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع فقالوا: أمصيبة يا رسول الله؟ فذكره قال الهيثمي: سنده ضعيف الحديث: 7817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 7818 - (ما أصاب الحجام) بالرفع أي ما اكتسبه بالحجامة (فاعلفوه) وفي رواية فاعلفه (الناضح) الجمل الذي يستقي به الماء وهذا أمر إرشاد للترفع عن دنىء الأكساب والحث على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور فليس كسب الحجام بحرام وإلا لما فرق فيه من بين حر وعبد إذ يحرم على السيد إطعام قنه ما لا يحل (حم) وكذا الطبراني (عن رافع بن خديج) قال: مات أبي وترك ناضحا وعبدا حجاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك رمز لحسنه وفي سنده اضطراب بينه في الإصابة وغيرها الحديث: 7818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 7819 - (ما أصابني شيء منها) أي من الشاة المسمومة التي أكل منها بخيبر (إلا وهو مكتوب علي وآدم في طينته) مثل للتقدير السابق لا تعيين فإن كون آدم في طينته مقدر أيضا قبله ونحوه قوله تعالى {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} قال الكشاف: هو قول لأبعد غاية يضربها الناس في كلامهم ولما نظر إلى التقدير السابق في الأزل عفا عن اليهودية بعد إقرارها لكن لما مات بشر الذي أكل منها قتلها به (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وفيه بقية بن الوليد الحديث: 7819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 7820 - (ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله) أي طلبت منه المغفرة (فيها مئة مرة) لاشتغاله بدعوة أمته ومحاربة عدوه وتألف المؤلفة مع معاشرة الأزواج والأكل والشرب والنوم بما يحجزه عن عظيم مقامه ويراه ذنبا بالنسبة لعلي أمره أو كان ذلك تعليما لأمته <تنبيه> قال بعضهم: ليس للمظلوم دواء أنفع له من الاستغفار لأن غالب عقوبات غير الأنبياء وكل ورثتهم إنما هي من أثر غضب الحق وإن لم يشعر بسببه وليس لمن أغضب ربه دواء كالاستغفار فإذا أكثر منه إلى الحد الذي يطغى الغضب الإلهي العارض له ذهبت العقوبة لوقتها قال بعض الأكابر: وقد علمت هذا لكثير من أهل الحبوس وقلت اجعلوا وردكم الاستغفار ليلا ونهارا فأسرع خروجهم وعدم رؤية العبد لذنبه بنحو قوله حبست ظلما تطيل حبسه ولا يخفى أن عقوبة أهل الله أشد من عقوبة غيرهم بل ربما كان غير أهل الله لا يعدون ما يقع به أهل الله ذنبا بالكلية والقاعدة أن كل من عظمت مرتبته عظمت صغيرته فربما يتناول أحدهم شهوة مباحة مرة واحدة فتقطع يده وربما يسرق غيره نصابا أو أكثر فلا تقطع يده وحسنات الأبرار سيئات المقربين (طب عن أبي موسى) الأشعري رمز لحسنه وفيه أبو داود مغيرة الكندي قال في الميزان: قال البخاري: يخالف في حديثه أورد له هذا الخبر الحديث: 7820 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 [ص: 422] 7821 - (ما أصبنا من دنياكم إلا نساءكم) أي والطيب كما يفيده قول عائشة كان يعجبه ثلاث الطيب والنساء والطعام فأصاب اثنين ولم يصب واحد: أصاب النساء والطيب ولم يصب الطعام رواه الدمياطي في سيرته وأضاف النساء إليهم إشارة لحقارتها وعدم مبالاته بها والتفاته إليه وأنه كمجبور على حبها لما يترتب على النكاح من الفوائد فعلم أن ترك النكاح ليس من الزهد لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد الزاهدين ولم يتركه وقال الغزالي: قال ابن عيينة: كان علي كرم الله وجهه أزهد الصحابة وكان له أربع نسوة وبضع عشرة سرية واللذة اللاحقة للإنسان فيما هو من ضرورة الوجود لا تضر في الزهد إذا لم تكن في المطلب والمقصد (طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه قال الهيثمي: رواه من حديث زكريا بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمر ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات الحديث: 7821 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 7822 - (ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) أي تاب توبة صحيحة لأن التوبة شروطها ترفع الذنوب كلها حتى الشرك وإن عاد في اليوم سبعين مرة فإن رحمته لا نهاية لها ولا غاية فذنوب العالم كلها متلاشية عند حلمه وعفوه إذ لو بلغت ذنوب العبد ما عسى أن تبلغ ثم استقال منها بالاستغفار غفرت له لأنه طلب الإقالة من كريم والكريم محل لإفالة العثرات وغفر الزلات لكن الاستغفار التام المتسبب عنه المغفرة هو ما قارنه عدم الإصرار لأنه حينئذ توبة نصوح وأما مع الإصرار فهو مجرد دعاء قال الغزالي: فإن قلت كيف يكون الاستغفار نافعا من غير حل عقدة الإصرار وفي خبر المستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ وكان بعضهم يقول استغفر الله من قولي أستغفر الله وقيل الاستغفار باللسان توبة الكذابين قلنا الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان بدون شركة للقلب فيه كما يقول بحكم العادة وعند رأس الغفلة استغفر الله من غير تأثير لقلبه فإنه يرجع بمجرد حركة اللسان ولا جدوى له فإن انضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤاله المغفرة عن خلوص رغبته فهذه حسنة في نفسها تصلح لدفع السيئة بها وعليه يحمل قوله في هذا الخبر ما أصر إلخ فهذا عبارة عن الاستغفار بالقلب. وللتوبة والاستغفار درجات وأوائلها لا يخلو عن فائدة وإن لم ينته إلى آخرها ولذلك قال سهل: لا بد للعبد في كل حال من مولاه فأحسن الرجوع إليه في كل شيء فإن قال يا رب استر علي فإذا فرغ من المعصية قال يا رب تب علي فإذا تاب قال يا رب اعصمني فإذا عمل قال تقبل مني وسئل عن الاستغفار الذي يكفر الذنب فقال: أول الاستغفار الإجابة ثم الإنابة ثم التوبة فالاستجابة إعمال الجوارح والإنابة إعمال القلب والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ويستغفر من تقصيره ومن الجهل بالنعمة وترك الشكر فعند ذلك يغفر له ثم انتقل إلى الانفراد ثم الثبات ثم البيان ثم القرب ثم المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم الموالاة ثم المحادثة وهو الخلة ولا يستقيم هذا في قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه والذكر قوامه والرضا زاده والتوكل صاحبه ثم ينظر الله إليه فيرفعه إلى العرش فيكون مقامه مقام حملة العرش والحاصل أن للتكفير درجات فبعضها محو للذنب بالكلية وبعضها مخفف ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات وإن خلا عن حل عقدة الإصرار من أوائل الدرجات ولا يخلو عن فائدة فلا ينبغي أن يظن أن وجودها كعدمها قال: بل أقول الاستغفار باللسان فقط حسنة أيضا إذ حركة اللسان به عن غفلة خير من حركته في تلك الساعة بغيبة أو فضول بل خير من السكوت فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه وإنما يكون نقصا بالإضافة إلى عمل القلب ولهذا قال بعضهم لأبي عثمان المغربي: لساني يجري بالذكر والقرآن وقلبي غافل فقال اشكر الله الذي استعمل جارحة من جوارحك في خير وعوده الذكر لا الفضول <تنبيه> قال الراغب: قد يستحسن في بعض الأحوال التغابي عن المصر سمع رجل حكيما يقول ذنب الإصرار أولى بالاغتفار فقال صدقت ليس فضل من عفا عن السهو القليل كمن عفا عن العمد الجليل (د ت عن أبي بكر) الصديق قال الترمذي: غريب [ص: 423] وليس إسناده بقوي قال الزيلعي: إنما لم يكن قويا لجهالة مولى أبي بكر الراوي عنه لكن جهالته لا تضر إذ يكفيه نسبته إلى الصديق اه. وأقول: فيه أيضا عثمان بن واقد ضعفه أبو داود نفسه الحديث: 7822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 7823 - (ما أصيب عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره) لأن الأعمى كما قيل ميت يمشي على وجه الأرض (وما ذهب بصر عبد فصبر إلا دخل الجنة) أي مع السابقين أو من غير حساب أو من غير سبق عذاب كما لا يخفى (خط عن بريدة) بن الحصيب وفيه محمد بن إبراهيم الطرسوسي قال الحاكم: كثير الوهم اه. ورواه الديلمي أيضا وفيه إبراهيم المذكور الحديث: 7823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 7824 - (ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة) إن نواها في الكل كما دل عليه تقييده في الخبر الصحيح بقوله وهو يحتسبها فيحمل المطلق على المقيد قال القرطبي: أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لا يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى وأطلق الصدقة على النفقة مجازا والمراد بها الأجر والقرينة الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها الصدقة (حم طب عن المقدام بن معد يكرب) قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري بعد ما عزاه لأحمد: إسناده جيد وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وأنه كان الأولى الرمز لصحته الحديث: 7824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 7825 - (ما أظلت الخضراء) أي السماء قال الزمخشري: وتسمى الجرباء والرقيع والبلقع (ولا أقلت الغبراء) أي حملت الأرض (من ذي لهجة) بفتح الهاء أفصح من سكونها ذكره الزمخشري (أصدق من أبي ذر) مفعول أقلت يريد به التأكيد والمبالغة في صدقه يعني هو متناه في الصدق لا أنه أصدق من غيره مطلقا إذ لا يصح أن يقال إنه أصدق من الصديق قال الطيبي: من في من ذي لهجة زائدة وذي لهجة معمول أقلت وقد تنازع فيه العاملان فأعمل الثاني وهو مذهب البصريين وهذا دليل ظاهر لهم اه. واسم أبي ذر جندب بن جنادة غفاري يجتمع مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في كنانة قيل: قال: أنا رابع الإسلام أسلم قديما قال علي: وعاء مليء علما ثم أوكيء عليه مات بالربذة سنة إحدى أو ثنتين وثلاثين وفيه جواز الكناية بإضافة الرجل لولده قال ابن أبي جمرة: وأما الكناية التي لا تجوز هي ما أحدث اليوم من التسمية بالدين فذلك لا يسوغ لأنه قد يكون كذبا والكاذب متعمدا عليه من الوعيد ما قد علم من قواعد الشرع وما جاء فيه بالنص وإن كان ما قيل حقا فأقل ما يكون مكروها لمخالفة السنة في ذلك لخبر مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية فوجد اسمها برة فكرهه وقال: لا تزكوا أنفسكم ثم سماها جويرية (حم ت هـ ك في المناقب عن ابن عمرو) بن العاص قال الذهبي: سنده جيد وقال الهيثمي: رجال أحمد وثقوا وفي بعضهم خلاف اه. ورواه ابن عساكر عن علي قال: قالوا لعلي: حدثنا عن أبي ذر قال: ذاك أمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر طلب شيئا من الزهد عجز عنه الناس اه الحديث: 7825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 [ص: 424] 7826 - (ما أعطي) بضم الهمزة مبني للمفعول ونائب الفاعل (أهل بيت الرفق إلا نفعهم) بقيته عند أبي نعيم ولا منعوه إلا ضرهم اه بحروفه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: إسناده جيد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة الحديث: 7826 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 7827 - (ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة) أي إن قصد التقرب إلى الله تعالى كما تقرر فيما قبله (حم عن عمرو بن أمية) بن خويلد (الضمري) بفتح المعجمة وسكون الميم وبالراء الكناني شهد أحدا مع المشركين ثم أسلم وأول مشاهده بئر معونة رمز لحسنه قال الحافظ الهيثمي: فيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف الحديث: 7827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 7828 - (ما أعطيت أمة من اليقين) أي ما ملأ الله قلوب أمة نورا شرح به صدورها لمعرفته تعالى ومجاهدة أنفسهم على سبيل الاستقامة عليها بحيث تصير الآخرة لهم كالمعاينة (أفضل مما أعطيت أمتي ولا مساويا لها فإن الأولين لم ينالوا ذلك إلا الواحد بعد الواحد وقد حبا الله سبحانه هذه الأمة بمزيد التأدب وقرب منازلهم غاية التقرب وسماهم في التوراة صفوة الرحمن وفي الإنجيل حلماء علماء أبرارا أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء فالفضل الذي أعطيته هذه الأمة النور الذي به انكشف الغطاء عن قلوبهم حتى صارت الأمور لهم معاينة {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} قالوا: واليقين يتفاوت على ثلاث مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فعلم اليقين ما كان من طريق النظر والاستدلال وعين اليقين ما كان من طريق الكشف والنوال وحق اليقين أن يشاهد الغيوب كما يشاهد المرئيات مشاهدة عيان قال السري السقطي: واليقين سكونك عند جولان الموارد في صدرك لتيقنك أن حزنك منها لا ينفعك ولا يرد عنك مقضيا <فائدة> قال بعضهم: كان شجاع الكرماني يذهب إلى الغيطة فينام بين السباع الليل كله ليمتحن نفسه في اليقين فكانت تطوف حوله فلا تضره (الحكيم) الترمذي (عن سعيد بن منصور الكندي) الحديث: 7828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 7829 - (ما أقفر من أدم) بسكون القاف وفتح الفاء أي ما صار ذا قفار وهو الخبز بلا أدم ذكره الزمخشري (بيت فيه خل) ومنه أرض قفراء أي خالية من المارة أو لا ماء بها قال ابن الأثير: أي ما خلا من الإدام ولا عدم أهله الأدم والخل من الأدم العامة المنافع وهو كثير المنافع دينا ودنيا فإنه بارد يقمع حرارة الشهوة ويطفئها وأخرج الحكيم أن عامة أدم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده الخل يقطع عنهن ذكر الرجال (طب حل عن أم هانئ) قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعندك شيء قلت: لا إلا خبز يابس وخل فذكره وكان حق الجواب أن تقول بلى عندي خبز فعدلت عنه استعظاما لشأنه رأت أن مثل ذلك لا يقدم إلى مثله فلم تعدها بشيء ومن ثم حسنت المطابقة بقوله ما أقفر إلخ ثم قال أبو نعيم غريب من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي جمرة الثمالي واسمه ثابت بن أبي ضعنة (الحكيم) الترمذي عن (عائشة) رمز لحسنه وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي في الأطعمة عن أم هانئ أيضا الحديث: 7829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 7830 - (ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى) كتقوى وصبر وشكر ورجاء وخوف وزهد وقناعة [ص: 425] وسخاء وحسن خلق وصدق إخلاص وغير ذلك (ويرده عن ردى) كغل وحقد وحسد وغش وخيانة وكبر وبخل ومداهنة وطول أمل وقسوة قلب وقلة حياء ورحمة إلى غير ذلك (ولا استقام دينه حتى يستقيم عقله) هذا لفظ رواية الكبير ولفظ رواية الصغير الذي عزى إليها المؤلف علمه بدل عقله كما قال المنذري انتهى. وذلك بأن يعقل عن الله أمره ونهيه لأن العقل منبع العلم وأسه والعلم يجري منه مجرى الثمر من الشجر والنور من الشمس والرؤية من العين وكيف لا يشرف ما هو وسيلة للسعادة في الدارين؟ ولهذا ورد في خبر إن لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته أما سمعت قول الفجار {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} قال الماوردي: إن لكل فضيلة أسا ولكل أدب ينبوعا وأس الفضائل وينبوع الأدب هو العقل جعله الله للدين أصلا وللدنيا عمادا فأوجب التكليف بكماله وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه وألف بين خلقه مع اختلاف زمانهم وتباين أغراضهم وجعل ما تعبدهم قسمين قسم وجب بالعقل فأكد بالشرع وقسم جاز في العقل فأوجبه الشرع فكان العقل عليهما معيارا (طص عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال الهيثمي والعلائي: فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف اه. وقال المنذري: رواه في الصغير والكبير وإسنادهما متقارب وخرجه البيهقي من هذا الوجه وقال: هو إسناد ضعيف الحديث: 7830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 7831 - (ما أكرم شاب شيخا لسنه) أي لأجل سنه لا لأجل أمر آخر (إلا قيض الله له) أي سبب وقدر يقال هذا قيض لهذا وقياض له أي سياق له (من يكرمه عند سنه) مجازاة له على فعله بأن يقدر له عمرا يبلغ به إلى الشيخوخة ويقدر له من يكرمه ذكره الطيبي وأصله قول ابن العربي: قال العلماء: فيه دليل على طول العمر لمن أكرم المشيخة وقد دخل السرقسطي العربي مجلسا وقد أكل منه الكبر وشرب وله هرولة في مشيه فتغامز عليه الأحداث فأنشأ يقول: يا عائبا للشيوخ من أشر. . . داخله الصبا ومن بذخ اذكر إذا شئت أن تغشيهم. . . جدك واذكر أباك يا ابن أخ واعلم بأن الشباب منسلخ. . . عنك وما وزره بمنسلخ من لا يعز الشيوخ لا بلغت. . . يوما به سنه إلى الشيخ (ت) في البر (عن أنس) بن مالك وقال: حسن فتبعه المصنف فرمز لحسنه ولا يوافق عليه فقد قال ابن عدي: هذا حديث منكر وقال الصدر المناوي: وفيه يزيد بن بنان العقيلي عن أبي الرجال خالد بن محمد الأنصاري ويزيد ضعفه الدارقطني وغيره وأبو الرحال واه قال البخاري: عنده عجائب وعلق له وقال الحافظ العراقي: حديث ضعيف فيه أبو الرحال ضعيف وقال السخاوي: ضعيف لضعف يزيد وشيخه الحديث: 7831 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 7832 - (ما أكفر رجل رجلا قط إلا باء بها) أي رجع بإثم تلك المقالة (أحدهما) إما القائل إن اعتقد بكفر مسلم باطلا أو الآخر إن صدق القائل (حب عن أبي سعيد) الحديث: 7832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 7833 - (ما أكل أحد) زاد الإسماعيلي من بني آدم (طعاما قط خيرا) بالنصب صفة لمصدر محذوف أي أكلا خيرا كذا في المصابيح وفي رواية خير بالرفع أي هو خير (من أن يأكل من عمل يده) فيكون أكله من طعام ليس من كسب يده منفي التفضيل على أكله من كسب يده ويحتمل كونه صفة لطعاما فيحتاج لتأويل أيضا إذ الطعام في هذا التركيب مفضل على نفس أكل الإنسان من عمل يده بحسب الظاهر وليس مرادا فيقال في تأويله الحرف المصدري وصلته [ص: 426] بمعنى مصدر من أراد المفعول أي من مأكوله من عمل يده وقوله يده بالإفراد وفي رواية بالتثنية ووجه الخير ما فيه من إيصال النفع إلى الكاسب وغيره والسلامة عن البطالة المؤدية إلى الفضول وكسر النفس به والتعفف عن ذل السؤال وفيه تحريض على الكسب الحلال وهو متضمن لفوائد كثيرة منها إيصال النفع لآخذ الأجرة إن كان العمل لغيره وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم من نحو زرع وغرس وخياطة وغير ذلك ومنها أن يشتغل الكاسب به فيسلم عن البطالة واللهو ومنها كسر النفس به فيقل طغيانها ومرحها ومنها التعفف عن ذل السؤال والاحتياج إلى الغير وشرط المكتسب أن لا يعتقد الرزق من الكسب بل من الرزاق ذي القوة ثم أكد ذلك وحرض عليه وزاده تقريرا بقوله (وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) في الدروع من الحديد ويبيعه لقوته وخص داود لكون اقتصاره في أكله على عمل يده لم يكن لحاجة لأنه كان خليفة في الأرض بل أراد الأفضل وفيه أن الكسب لا ينافي التوكل وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في النفس وجواز الإجارة إذ عمل اليد أعم من كونه لغيره أو نفسه (حم خ) في البيع (عن المقدام) بن معد يكرب ولم يخرجه مسلم الحديث: 7833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 7834 - (ما التفت عبد قط في صلاته إلا قال له ربه أين تلتفت يا ابن آدم أنا خير لك مما تلتفت إليه) فالالتفات في الصلاة بالوجه مكروه وبالصدر حرام مبطل لها. قال ابن عطاء الله: إقبالك على غير الله إفراد له بالعبادة وكيف يرضى أن تعبد غيره ولكن ثم آذان عن استماع الحق مسدودة وأذهان عن تدبره مصدودة (هب عن أبي هريرة) وكذا الحاكم في التاريخ وعنه أورده البيهقي فلو عزاه المصنف له كان أولى الحديث: 7834 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 7835 - (ما أمرت بتشييد المساجد) أي ما أمرت برفع بنائها ليجعل ذريعة إلى الزخرفة والتزيين الذي هو من فعل أهل الكتاب وفيه نوع توبيخ وتأنيب قال البغوي: التشييد رفع البناء وتطويله وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها قال ابن بطال وغيره: فيه دلالة على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينه وقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك وسكت كثير من السلف عنه خوف الفتنة لكن رخص فيه أبو حنيفة إذا قصد فيه تعظيم المسجد إذا وقع الصرف فيه من غير بيت المال (د عن ابن عباس) وسكت عليه هو والمنذري الحديث: 7835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 7836 - (ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ) أي أستنجي بالماء وفي لفظ في بعض طرق الحديث إني لم أومر أن أتوضأ كلما بلت (ولو فعلت) ذلك (لكان سنة) أي طريقة واجبة لازمة لأمتي فيمتنع عليهم الترخص باستعمال الحجر ويلزم الحرج {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وهذا قاله لما بال فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: ما هذا قال: ماء تتوضأ به وما ذكر من حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي هو ما فهمه أبو داود وغيره فبوبوا عليه وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة والظاهر كما قاله الولي العراقي حمله على الشرعي المعهود فأراد عمر أن يتوضأ عقب الحدث فتركه المصطفى صلى الله عليه وسلم تخفيفا وبيانا للجواز لا يقال قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لو فعلت إلخ يقتضي كونه غير سنة لكونه لم يفعله مع أنه سنة بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لبلال لما قال ما أحدثت قط إلى توضأت بهذا بلغت الحديث لأنا نقول المراد بالسنة هنا الشرع المتلقى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ليس في القرآن أعم من كونه واجبا أو مندوبا فنحمله على الوضوء لأن الندب حاصل فمعناه لو واظبت على الوضوء عقب الحدث لزم الأمة اتباعي أو معناه لو فعلت ذلك [ص: 427] لواظبت عليه وربما تعذرت المواظبة وفيه جواز القرب من قاضي الحاجة لنحو ذلك وخدمة الأكمل بإحضار ماء للطهر ونحوه وإن كان الخادم كاملا وأنه لا يعد خللا في منصبه بل شرفا وأنه لا يجب الوضوء بنفس الحدث فورا بل بإرادة القيام إلى نحو الصلاة ووجوب الاقتداء بأفعاله كأقواله وأن حكم الفعل في حقنا كهو في حقه إن واجبا فواجب وإن مندوبا فمندوب وإن مباحا فمباح ووجوب اتباع فعله حتى يدل دليل الوجوب وأن له الاجتهاد فيما لم ينزل عليه وحي فإنه قال ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت كانت سنة أي مع كوني ما أمرت بذلك ولو فعلته صار شرعا وأن الأمر للوجوب فإنه علل عدم استعمال الماء بكونه لم يؤمر به فدل على أنه لو أمر به لفعله وأصل حل طهارة الآنية وحل استعمالها والعمل بالعادة الغالبة لأن عمر نظر إلى أن عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم إدامة الطهارة فقام على رأسه بالماء قيل: وتعين الماء للطهارة وهو في حيز المنع قيل: وأنه لا بأس بالاستعانة في إحضار الماء للطهارة وهو زلل إذ المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يطلب من عمر إحضار الماء بل رده (حم د هـ) من حديث أبي يعقوب التوءم عن ابن أبي مليكة عن أبيه (عن عائشة) قالت: بال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه عمر بكوز ماء فذكره وذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف وقال في شرح أبي داود: ضعيف لضعف عبد الله بن يحيى التوءم لكن قال الولي العراقي في المختار: إنه حديث حسن الحديث: 7836 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 7837 - (ما أمعر حاج قط) أي ما افتقر من معر الرأس قل شعره وأرض معرة مجدبة ذكره الزمخشري (هب) من حديث محمد بن أبي حميد عن ابن المنكدر (عن جابر) وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه وليس كذلك بل عقبه ببيان حاله فقال: ومحمد بن أبي حميد ضعيف هذا لفظه وكما أن المصنف لم يصب في إسقاط ذلك من كلامه لم يصب حيث اقتصر على عزوه للبيهقي مع أن الطبراني في الأوسط والبزار خرجاه بسند رجاله رجال الصحيح كما بينه الهيثمي الحديث: 7837 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 7838 - (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة) لأن العقول لا تحتمل إلا على قدر طاقتها فإن أزيد على العقل فوق ما يحتمله استحال الحال من الصلاح إلى الفساد ومن ثم ورد في خبر عند الحكيم إن لله سرا لو أفشاه لفسد التدبير وللملوك سرا لو أفشوه لفسد ملكهم وللأنبياء سرا لو أفشوه لفسدت نبوتهم وللعلماء سرا لو أفشوه فسد علمهم فواجب على الحكيم والعالم النحرير الاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله أنزلوا الناس منازلهم وقد قال عيسى: لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وكن كالطبيب الحاذق يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع ومن ثم قيل: تصفح طلاب حكمك كما تتصفح خطاب حرمك وبهذا ألم أبو تمام حيث قال: وما أنا بالغيران ممن دون جارتي. . . إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم وقيل لحكيم: ما بالك لا تطلع كل أحد على حكمة يطلبها منك فقال: اقتداء بالباري تعالى حيث قال: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} فتبين أنه منعهم لما لم يكن فيهم خير وبين أن في إسماعهم ذلك مفسدة لهم قال حجة الإسلام: ومن ذلك ما أحدثه بعض المتصوفة ممن تركوا فلاحتهم وأتوا بكلمات غير مفهومة يسمونها الشطح فيها عبارات هائلة وليس وراءها طائلة أو تكون مفهومة لكن لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة ممارسته للعلم وجهله بطرق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة فلا فائدة لذلك إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) الحديث: 7838 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 [ص: 428] 7839 - (ما أنزل الله) يعني ما أحدث (داء إلا أنزل له شفاء) أي ما أصاب أحدا بداء إلا قدر له دواء وقد مر معنى هذا الخبر غير مرة غير أنه ينبغي التنبيه لشيء وهو أنه اختلف في معنى الإنزال فقيل: إنزاله إعلامه عباده ومنع بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بعموم الإنزال لكل داء ودوائه وأكثر الخلق لا يعلمون ذلك كما يصرح به خبر علمه من علمه وجهله من جهله ومثل إنزالهما إنزال أسبابهما من كل مأكل ومشرب وقيل: إنزالهما خلقهما ووضعهما بالأرض كما يشير إليه خبر إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء وتعقب بأن لفظ الإنزال أخص من لفظ الخلق والوضع وإسقاط خصوصية الألفاظ بلا موجب غير لائق وقيل: إنزالهما بواسطة الملائكة الموكلين بتدبير النوع الإنساني فإنزال الداء والدواء مع الملائكة وقيل: عامة الأدواء والأدوية هي بواسطة إنزال الغيث الذي تتولد به الأغذية والأدوية وغيرهما وهذا من تمام لطف الرب بخلقه فلما ابتلى عباده بالأدواء أعانهم عليها بالأدوية وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة والحسنات الماحية <تنبيه> قال بعضهم: الداء علة تحصل بغلبة بعض الأخلاط والشفاء رجوعها إلى الاعتدال وذلك بالتداوي وقد يحصل بمحض لطف الله بلا سبب ثم الموت إن كان داء فالخبر غير عام إذ لا دواء له وزعم أن المراد دواؤه الطاعة غير سديد لأنها دواء للأمراض المعنوية كالعجب والكبر لا الموت (هـ عن أبي هريرة) رمز لحسنه وصنيع المصنف كالناطق بأن ذا لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وهو ذهول عجيب فقد خرجه البخاري في الطب باللفظ المزبور لكن زاد لفظة من قبل داء ورواه مسلم بلفظ ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله الحديث: 7839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 7840 - (ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ) لأن قول الحمد لله نعمة من الله والمحمود عليه نعمته أيضا وبعض النعم أجل من بعض فنعمة الشكر أجل من نعمة مال أو جاه أو ولد ولا يستلزم ذلك كون فعل العبد أفضل من فعل الله وإن دل على أن فعل العبد للشكر قد يكون أفضل من بعض مفعول الله وفعل العبد هو مفعول الله ولا ريب أن بعض مفعولاته أفضل من بعض كما بينه البيهقي وغيره كابن القيم فما نقل عن الإمام الورع ابن عيينة أنه عزى المتن إلى الحسن ثم قال هو خطأ لأن فعل العبد ليس بأفضل من فعل الرب كما أنه ذهل عن كونه حديثا مرفوعا فقد غفل عن معناه المقرر فتدبر (هـ عن أنس) الحديث: 7840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 7841 - (ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة وإن عظمت) أخذ منه بعضهم أن الحمد أفضل من النعم وخطأه آخرون منهم ابن عيينة محتجين بأن فعل العبد لا يفضل فعل الرب وأجيب بأن المراد بالنعم الدنيوية كعافية ورزق والحمد من النعم الدينية وكلاهما نعمة من الله على عبده بهدايته لشكر نعمته بالحمد عليها أفضل من نعمه الدنيوية على عبده فإن هذه إن لم يقترن بها شكر كانت بلية <فائدة> فقد جعفر الصادق بغلة له فقال: إن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن جيء بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله ولم يزد فقيل له ذلك فقال: هل تركت أو أبقيت شيئا جعلت الحمد كله لله (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث: 7841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 [ص: 429] 7842 - (ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل ومال وولد فيقول " ما شاء الله لا قوة إلا بالله " فيرى فيه آفة دون الموت) وقد قال الله تعالى {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} وهذا الحديث قد بوب عليه النووي في الأذكار باب ما يقول لدفع الآفات ثم أورده بمفرده (ع هب) وكذا ابن السني (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: فيه عبد الملك ابن زرارة وهو ضعيف وفيه أيضا عيسى بن عون مجهول الحديث: 7842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 7843 - (ما أنعم الله على عبد من نعمة فقال الحمد لله إلا أدى شكرها فإن قالها الثانية جدد الله له ثوابها فإن قالها الثالثة غفر الله له ذنوبه) قال الحكيم: إنما كان كذلك لأنه إذا حمد الله عليها كان في كلمة الحمد قول لا إله إلا الله متضمنة مشتملا عليها الحمد لكن هذا فيمن حمد مع التأدب وطيب العمل في كل شيء خالصا من قلبه غير ملتفت إلى رشوة من ربه مطيعا لله طالبا حسن العمل أما من حمد مع ترك الأدب واستيلاء الغفلة فأجنبي من هذا المقام فإن حمده حمد السكارى (ك) في الدعاء (هب) عن عبد الرحمن بن قيس الرازي عن محمد بن أبي حميد عن ابن المنكدر (عن جابر) بن عبد الله قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: ليس بصحيح قال أبو زرعة: عبد الرحمن بن قيس كذاب اه. وفي الميزان عبد الرحمن بن قيس كذبه ابن مهدي وأبو زرعة وقال البخاري: ذهب حديثه وقال أحمد: لم يكن بشيء وخرج له في المستدرك حديثا منكرا وصححه ثم ساق هذا الحديث: 7843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 7844 - (ما أنفق الرجل في بيته وأهله وولده وخدمه فهو له صدقة) قال الحرالي: والمنفق أعلى حالا من المزكي لأن المزكي يخرج ما وجب عليه فرضا والمنفق يجود بما في يده فضلا (طب عن أبي أمامة) وعزاه المنذري للطبراني في الأوسط عن أبي أمامة بلفظ ما أنفق المرء على نفسه وولده وأهله وذوي رحمه وقرابته فهو له صدقة وضعفه قال: لكن له شواهد كثيرة ولعل رمز المؤلف لحسنه لكثرة شواهده الحديث: 7844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 7845 - (ما أنفقت) بالبناء للمجهول (الورق) بكسر الراء الفضة (في شيء أحب إلى الله من نحير) كذا بخط المصنف (ينحر في يوم عيد) أي يضحى به فيه وهذا فضل عظيم للأضحية (طب هق) وكذا ابن عدي وعنه من طريقه رواه البيهقي فلو عزاه إلى الأصل كان أولى (عن ابن عباس) وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال الذهبي في الضعفاء: متفق على ضعفه وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه إبراهيم بن يزيد الجوري قال أحمد والنسائي: متروك ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عباس وفيه إبراهيم بن يزيد ضعيف وقال الهيثمي: فيه إبراهيم بن يزيد الجوري ضعيف الحديث: 7845 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 7846 - (ما أنكر قلبك فدعه) أي اتركه قال حجة الإسلام: هذا في قلب طهر عن أوضار الدنيا أولا ثم صقل بالرياضة البالغة ثانيا ثم نور بالذكر الصافي ثالثا ثم غذي بالفكر الصائب رابعا ثم رق بملازمة حدود الشرع خامسا حتى [ص: 430] فاض عليه النور من مشكاة النبوة وصار كأنه مرآة مجاوة فهذا وأمثاله هم الذين يرجعون إلى قلوبهم وهم الذين يميزون بين ظلمة الكفر وضياء الإيمان بخلاف من بضاعته في العلم مسألة إزالة النجاسة وماء الزعفران والفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وأمثالهم هيهات هيهات هذا المطلب أنفس وأعز من أن يدرك بالمنى أو ينال بالهوينا فاشتغل أنت بشأنك ولا تضيع فيهم بقية زمانك {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم} (ابن عساكر) في تاريخه (عن) أبي معاوية (عبد الرحمن بن معاوية بن خديج) بمهملة وجيم مصغرا البصري قاضي مصر قال الذهبي: لا تصح له صحبة فهو مرسل اه. وفي التقريب كأصله إنه من الطبقة الثالثة فعلى المصنف ملام في إيهامه إسناده الحديث: 7846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 7847 - (ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده بها عن ردى) وفي معناه قال بعضهم: كلمة لك من أخيك خير لك من مال يعطيك لأن الحكمة تنجيك والمال يطغيك (هب) وأبو نعيم والديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله في إسناد إرساله بين عبيد الله وعبد الله اه. وفيه مع ذلك إسماعيل بن عياش قالوا: ليس بالقوي وعمارة بن غزية ضعفه ابن حزم لكن خولف وعبيد الله بن أبي جعفر قال أحمد: ليس بالقوي الحديث: 7847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 7848 - (ما أهل مهل قط) بحج أو عمرة (إلا آبت) أي رجعت (الشمس بذنوبه) ومر أن الحج يكفر الصغائر والكبائر بل قيل: حتى التبعات (هب عن أبي هريرة) فيه جماعة لم أعرفهم الحديث: 7848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 7849 - (ما أهل مهل قط) أي ما رفع ملب صوته بالتلبية في حج أو عمرة (ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة) أي بشرته الملائكة أو الكاتبان بها (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رواه بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح الحديث: 7849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 7850 - (ما أوتي عبد في هذه الدنيا خيرا له من أن يؤذن له في ركعتين يصليهما) لأن المصلي مناج لربه مسارر له مأذون منه في الدخول عليه والمثول بين يديه ولولا أن الله أعطى أولياءه في الجنة أفضل مما أعطاهم في الصلاة في الدنيا إلا كانت صلاة ركعتين في الدنيا أفضل من نعيم الجنة لأن نعيمها حظ النفوس والصلاة قرة العين غير أن الذي في الصلاة على التقريب مما في العقبى وليس بعينه وهو رؤية الله فإن المصلي كأنه يراه والزائر له في الآخرة يراه حقيقة نظر عيان رزقنا الله النظر لوجهه الكريم (طب عن أبي أمامة) الحديث: 7850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 7851 - (ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه) من الفيء والغنيمة (إن) أي ما (أنا إلا خازن أضع) العطاء (حيث أمرت) أي حيث أمرني الله سبحانه فلا أعطى رجما بالغيب كما يفعله الملوك وعظماء الدنيا (حم عن أبي هريرة) رمز لحسنه الحديث: 7851 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 7852 - (ما أوذي أحد ما أوذيت) فقد آذاه قومه أذى لا يحتمل ولا يطاق حتى رموه بالحجارة إلى أن أدموا رجليه [ص: 431] فسال منهما الدم على نعليه ونسبوه إلى السحر والكهانة والجنون إلى غير ذلك مما هو مشهور مسطور وكفى بما وقع له في قصة الطائف من الإيذاء وأخذ الصوفية من هذا أنه يتعين تحمل الأذى من جار أو غيره قالوا: وأما أرباب الأحوال فمعدودون من الضعفاء ملامون على تأثيرهم بالحال في الجار وغيره إذا أذاهم فالأقوياء الكاملون لا يفعلون ذلك ولا يلتفتون لقول العامة ليس عندنا شيخ إلا من يؤثر في الناس بحاله ويصعد من سرق متاعه أو ستر ضريحه بعد موته وغاب عنهم أن القوي بشهادة حال الشارع وقاله هو من يتحمل الأذى ولا يقابل عليه وإن فحش فالكامل عند القوم هو الذي يحمل الأذى ويضربونه ويحتقرونه ولا يتأثر قال شيخنا الشعراوي: ووقع لصاحبنا أحمد الكعكي أن جيرانه آذوه فتوجه فيهم فصار بيتهم كله دودا وما فيه من ماء وطعام يغلي دودا فرحلوا فقلت له: الفقراء تحتمل فقال: ذلك خاص بالأبدال منكم وأما نحن فمذهبنا عدم الاحتمال لئلا يتمادى الناس في إيذاء بعضهم بعضا (عبد بن حميد وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله قال ابن حجر: هذا الحديث رواه ابن عدي في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر ويوسف ضعيف فالحديث ضعيف الحديث: 7852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 7853 - (ما أوذي أحد ما أوذيت في الله) أي في مرضاته أو من جهته وبسببه حيث دعوت الناس إلى إفراده بالعبادة ونهيت عن إثباتهم الشريك وذلك من أعظم اللطف به وكمال العناية الربانية به ليتضاعف له الترقي في نهايات المقامات. قال ابن عطاء الله: إنما جرى الأذى على أصفيائه لئلا يكون لأحد منهم ركونا إلى الخلق غيرة منه عليهم وليزعجهم عن كل شيء حتى لا يشغلهم عنه شيء وقال ابن حجر: هذا الحديث قد استشكل بما جاء من صفات ما أوذي به الصحابة من التعذيب الشديد وهو محمول لو ثبت على معنى حديث أنس المار لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد وقيل معناه أنه أوحى إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به وروى ابن إسحاق عن ابن عباس والله إن كانوا يضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول أحد أحد وروى ابن ماجه وابن حبان عن ابن مسعود أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعمار وأمه وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه وأما أبو بكر بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وأوثقوهم في الشمس اه وأجيب بأن جميع ما أوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه واستشكل أيضا بما أوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى وأجيب بأن المراد هنا غير إزهاق الروح وقال بعضهم: البلاء تابع لكثرة الأتباع وهو أكثر الأنبياء اتباعا وغيره من الأنبياء وإن ابتلي بأنواع من البلاء لكن ما أوذي به أكثر لأنه كما أكمل له الدين أكمل له الابتلاء لإرساله إلى الكافة لكن لما كان مقامه في العلو يسمو على مقام غيره لم يظهر على ذاته كبير أمر فمعنى قوله ما أوذي إلخ أن دعوته عامة فاجتمع عليه الاهتمام ببلاء جميع أمته فكمل له مقام الابتلاء كما كمل له الدين فبكل بلاء تفرق في الأمم اجتمع له وابتلي به وقال الخواص: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم كلما سمع ما جرى لنبي من الأنبياء من الأذى والبلاء يتصف به ويجده في نفسه كلما وجده ذلك النبي صلى الله عليه وسلم غيرة على الدين (حل عن أنس) بن مالك قال السخاوي: وأصله في البخاري الحديث: 7853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 7854 - (ما بر أباه من شد إليه الطرف بالغضب) وما بعد البر إلا العقوق فهو إشارة إلى أن العقوق كما يكون بالقول والفعل يكون بمجرد اللحظ المشعر بالغضب وقد ذم الله العقوق في كتابه وجاء من السنة فيه ما لا يكاد يحصى وأقبح بخصلة هي علامة على سوء الخاتمة إن لم يتدارك الله العبد بلطفه وعفوه ومن ثم كان من أعظم الكبائر وإذا كانت [ص: 432] نظرة الغضب عقوقا للأب فللأم أولى لأنها مقدمة عليه في البر والملاطفة (طس وابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه صالح بن موسى وهو متروك الحديث: 7854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 7855 - (ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش النبي) صلى الله عليه وسلم (الذي كان قبله) زاد الطبراني في روايته وأخبرني جبريل أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومئة سنة ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين قال الذهبي كابن عساكر في تاريخه: والصحيح أن عيسى لم يبلغ هذا العمر وإنما أراد مدة مقامه في أمته فإن سفيان بن عيينة روى عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة في مرضه فسارها فقال: إن الله لم يبعث نبيا إلا وقد عمر نصف عمر الذي قبله وعيسى لبث في بني إسرائيل أربعين سنة وهذه توفي لي عشرين اه وقال ابن حجر في المطالب: ما رواه ابن سعد من أن عيسى عمر أربعين أراد به مدة النبوة (حل عن زيد بن أرقم) وفيه عبيد بن إسحاق قال الذهبي: ضعفوه ورضيه أبو حاتم وفيه كامل فإن كان الجحدري فقد قال أبو داود: رميت بحديثه أو السعدي فخرجه ابن حبان الحديث: 7855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 7856 - (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز) أي وما بلغ أن تؤدى زكاته فلم يزك فهو كنز فيدخل صاحبه في ذلك الوعيد العظيم {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} (د عن أم سلمة) قالت: كنت ألبس أوضاحا وهي نوع من الحلي من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فذكره رمز لحسنه قال ابن عبد البر: في سنده مقال قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده جيد رجاله رجال البخاري اه. وفيه ثابت بن عجلان خرج له البخاري وقال عبد الحق: لا يحتج به واعترضه ابن القطان بما رده عليه الذهبي وقال ابن عدي والعقيلي: لا يتابع في حديثه فمما أنكر عليه هذا الحديث وساقه بتمامه. وقد أحسن المصنف حيث اقتصر على تحسينه قال ابن القطان: وللحديث إسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح الحديث: 7856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 7857 - (ما بين السرة والركبة عورة) فيشترط لصحة الصلاة ستره ولو في خلوة وفيه أن حد عورة الرجل ولو قنا من السرة إلى الركبة وكذا الأمة والمبعضة أما عورة الحرة فما سوى الوجه والكفين لخبر أبي داود وغيره الآتي لا يقبل الله صلاة حائض أي من بلغت سن الحيض إلا بخمار هذا مذهب الشافعي والجمهور وقال داود: العورة القبل والدبر فقط (ك عن عبد الله بن جعفر) ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي: وفيه أصرم بن حوشب وهو ضعيف الحديث: 7857 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 7858 - (ما بين المشرق والمغرب قبلة) أي ما بين مشرق الشمس في الشتاء وهو مطلع قلب العقرب ومغرب الشمس في الصيف وهو مغرب السماك الرامح قبله ذكره القاضي وقال المظهر: أراد قبلة المدينة فإنها واقعة بين المشرق والمغرب وهي إلى الطرف الغربي أميل فيجعلون المغرب عن يمينهم والمشرق عن يسارهم ولأهل اليمن من السعة في قبلتهم كما لأهل المدينة لكنهم يجعلون المشرق عن يمينهم والمغرب عن يسارهم وقيل أراد من اشتبه عليه القبلة فإلى أي جهة صلى أجزأ وقيل أراد التنقل على الدابة في السفر (ت هـ ك) في الصلاة (عن أبي هريرة) ثم قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال النسائي: منكر وأقره عليه الحافظ العراقي ثم إن ما تقرر من أن سياق الحديث هكذا هو ما ذكره المصنف هو ما في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه في الفردوس معزوا للترمذي بزيادة لأهل المشرق فليحرر الحديث: 7858 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 7859 - (ما بين النفختين) نفخة الصور ونفخة الصعق (أربعون) لم يبين راويه أهي أربعون يوما أو شهرا أو سنة؟ وقال حين [ص: 433] سئل: لا أعلمه ووقع لولي الله النووي في مسلم أربعين سنة قال ابن حجر: وليس كذلك (ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل) من الأرض (وليس من الإنسان) غير النبي والشهيد (شيء إلا يبلى) بفتح أوله أي يفنى بمعنى تعدم أجزاؤه بالكلية أو المراد يستحيل فتزول صورته المعهودة ويصير بصفة التراب ثم يعاد إذا ركب إلى ما عهد (إلا عظم واحد وهو عجب) بفتح فسكون ويقال عجم بالميم (الذنب) بالتحريك عظم لطيف كحبة خردل عند رأس العصعص مكان رأس الذنب من ذوات الأربع وزعم المزني أنه يبلى يرده قوله (ومنه يركب الخلق يوم القيامة) قال ابن عقيل: فيه سر لا يعلمه إلا هو إذ من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج لشيء يبني عليه ويحتمل أنه جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره (ق عن أبي هريرة) ورواه عنه النسائي أيضا الحديث: 7859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 7860 - (ما بين بيتي) يعني قبري لأن قبره في بيته (ومنبري روضة) أي كروضة (من رياض الجنة) في تنزل الرحمة أو إيصال التعبد فيها إليها أو منقول منها كالحجر الأسود أو ينقل إليها كالجذع الذي حن إليه فهو تشبيه بليغ أو مجازا أو حقيقة وأصل الروضة أرض ذات مياه وأشجار وأزهار وقيل بستان في غاية النضارة وما بين منبره وبيته الذي هو قبره الآن ثلاثة وخمسون ذراعا وتمسك به من فضل المدينة على مكة لكون بلك البقعة من الجنة وفي الخبر لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها وتعقب بأن الفضل لتلك البقعة خاصة وادعاء أن ما يقربها أفضل يلزمه أن الجحفة أفضل من مكة والملازم باطل وللحديث تتمة لم يذكرها المصنف وهي قوله ومنبري على حوضي كذا هو ثابت في رواية مسلم وغيره وقال المؤلف: الأصح أن المراد منبره الذي كان في الدنيا بعينه وقيل له هناك منبر وقيل معناه أن قصد منبره والحضور عنده لعمل صالح يورد صاحبه الحوض ويقتضي شربه منه وقال الطيبي: لما شبه المسافة التي بين البيت والمنبر بروضة الجنة لكونها محل الطاعة والذكر ومواضع السجود والفكر أتى بقوله ومنبري على حوضي إيذانا بأن استمداده من البحر الزاخر النبوي ومكانه المنبر الموضوع على الكوثر يفيض منه العلم الإلهي فجعل فيضان العلم اللدني من المنبر إلى الروضة (حم ق ن عن عبد الله بن زيد المازني) قال الذهبي: له صحبة (ت عن علي) أمير المؤمنين (وأبي هريرة) قال المصنف: هذا حديث متواتر الحديث: 7860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 7861 - (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة) أي لا يوجد في هذه المدة المديدة (أمر أكبر) أي مخلوق أعظم شوكة (من الدجال) لأن تلبيسه عظيم وتمويهه وفتنته كقطع الليل البهيم تدع اللبيب حيرانا والصاحي الفطن سكرانا لكن ما يظهر من فتنته ليس له حقيقة بل تخييل منه وشعبذة كما يفعله السحرة والمتشعبذون <تنبيه> قال ابن عربي: الدجال يظهر في دعواه الألوهية وما يخيله من الأمور الخارقة للعادة من إحياء الموتى وغيره جعل ذلك آيات له على صدق دعواه وذلك في غاية الإشكال لأنه يقدح فيما قرره أهل الكلام في العلم بالنبوات فبطل بهذه الفتنة كل دليل قرروه وأي فتنة أعظم من فتنة تقدح ظاهرا في الدليل الذي أوجب السعادة للعباد؟ فالله يجعلنا من أهل الكشف والوجود ويجمع لنا بين طرفي المعقول والمشهود اه (حم م) في الفتن من حديث أبي قتادة (عن هشام بن عامر) بن أمية الأنصاري البخاري نزل البصرة واستشهد أبوه بأحد ولم يخرجه البخاري قال أبو قتادة: كنا نمر على هشام بن عامر نأتي عمران بن حصين [ص: 434] فقال ذات يوم: إنكم لتجاوزوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أعلم بحديثه مني سمعته يقول فذكره الحديث: 7861 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 7862 - (ما بين لابتي المدينة) النبوية (حرام) أي لا ينفر صيدها ولا يقطع شجرها أي الذي لا يستنبته الآدمي واللوبة واللابة الحرة وهي أرض ذات أحجار سود كأنها محرقة بنار وجمعها لاب ولوب والإبل إذا اجتمعت فكانت سوداء سميت لابة من اللوبان وهي شدة الحر كما أن الحرة من الحر ذكره الزمخشري وأراد بهما هنا حرتان يكتنفان عضاهها (ق ت عن أبي هريرة) قال الديلمي: وفي الباب أنس الحديث: 7862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 7863 - (ما بين مصراعين من مصاريع الجنة) أي شطر باب من أبوابها ففي المصباح المصراع من الباب الشطر (مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ) أي امتلاء وزحام وفي النهاية الكظيظ الزحام ثم إن ما تقرر في هذا الخبر يعارضه خبر أبي هريرة المتفق عليه أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر وفي لفظ كما بين مكة وبصري وبين الخبر كما ترى بون عظيم إلا أن البعض حاول التوفيق بأن المذكور في هذا الخبر أوسع الأبواب وهو الباب الأعظم وما عداه هو المراد في خبر أبي هريرة وبأن الجنان درجات بعضها فوق بعض فأبوابها كذلك فباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت فعاليها أوسع مما دونه وسعة الباب بحسب وسع الجنة فاختلاف الأخبار لاختلاف الأبواب (حم) من حديث حكيم بن معاوية (عن) أبيه (معاوية بن حيدة) رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه فقد حكم جمع من الحفاظ بضعفه قال ابن القيم وغيره: اضطربت رواته فحماد بن سلمة ذكر عن الجريري التقدير بأربعين يوما وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين وخبر أبي سعيد المرفوع في التقدير بأربعين عاما على طريقة دراج عن أبي الهيثم وقد سبق ضعفه فالصحيح المرفوع السالم عن الاضطراب والعلة حديث أبي هريرة المتفق عليه على أن حديث معاوية ليس التقدير فيه بظاهر الرفع ويحتمل أنه مدرج في الحديث أو موقوف إلى هنا كلامه. وبه يعرف أنه لا تعارض بينه وبين خبر أبي هريرة لما ذكروه من أن التعارض إنما يكون بين خبرين اتفقا صحة وغيرها الحديث: 7863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 7864 - (ما بين منكبي الكافر) بكسر الكاف تثنية منكب وهو مجتمع العضد والكتف (في النار) نار جهنم (مسيرة ثلاثة أيام) في رواية خمسة (للراكب المسرع) في السير عظم خلقه فيها ليعظم عذابه ويضاعف ألمه فتمتلئ النار منهم وفي رواية لأحمد يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبع مئة عام وللبيهقي مسيرة سبعين خريفا ولابن المبارك ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد ولمسلم غلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام وللبزار كثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار قال البيهقي: أراد التهويل أي بلفظ الجبار ويحتمل إرادة جبار من الجبابرة (ق) في صفة النار (عن أبي هريرة) الحديث: 7864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 7865 - (ما تجالس قوم مجلسا فلم ينصت بعضهم لبعض إلا نزع الله من ذلك المجلس البركة) قال الغزالي: فيندب للجليس أن يصمت عند كلام صاحبه حتى يفرغ من خطابه ويترك المداخلة في كلامه وفيه ذم ما يفعله غوغاء الطلبة في الدروس [ص: 435] الآن (ابن عساكر) في تاريخه (عن) أبي حمزة (محمد بن كعب) بن سليم (القرظي) المدني (مرسلا) هو تابعي كبير قال قتيبة: بلغني أنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث: 7865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 7866 - (ما تجرع عبد جرعة) التجرع شرب في عجلة (أفضل عند الله من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله) في الأساس: كظم القربة ملأها وسد رأسها والباب سده ومن المجاز كظم الغيظ وعلى الغيظ قال الطيبي: يريد أنه استعارة من كظم القربة وقوله من جرعة غيظ استعارة أخرى كالترشيح لها (طب عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وفيه عاصم بن علي شيخ البخاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال يحيى: لا شيء عن أبيه علي بن عاصم قال النسائي: متروك وضعفه جمع ويونس بن عبيد مجهول الحديث: 7866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 7867 - (ما تحاب اثنان) لفظ رواية الحاكم رجلان (في الله تعالى إلا كان أفضلهما) أي أعظمهما قدرا وأرفعهما منزلة عند الله تعالى (أشدهما حبا لصاحبه) أي في الله تعالى لا لغرض دنيوي وتأكد المحبة من الحقوق التي يوجبها عقد الصحبة والضابط فيه أن يعامله بما يحب أن يعامل به فمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه فأخوته نفاق وهو عليه في الدنيا والآخرة وبال ذكره الغزالي (خد حب ك) في البر والصلة (عن أنس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البيهقي والطبراني وأبو يعلى والبزار قال الهيثمي كالمنذري: ورجال الأخيرين رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة ووثقه جمع على ضعف فيه الحديث: 7867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 7868 - (ما تحاب رجلان في الله تعالى إلا وضع الله لهما كرسيا) يوم القيامة في الموقف (فأجلسا عليه حتى يفرغ الله من الحساب) مكافأة لهما على تحاببهما في الله (طب عن أبي عبيدة) بن الجراح (ومعاذ) بن جبل قال الهيثمي: فيه داود الأعمى وهو كذاب اه فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب الحديث: 7868 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 7869 - (ما ترفع إبل الحاج رجلا ولا تضع يدا) حال سيرها بالناس إلى الحج (إلا كتب الله تعالى) أي أمر أو قدر (له بها حسنة ومحا عنه سيئة أو رفعه بها درجة) أي إن لم يكن عليه سيئة (هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه من لم أعرفه الحديث: 7869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 7870 - (ما ترك عبد الله أمرا) أي امتثالا لأمره وابتغاء لرضاه (لا يتركه إلا لله) أي لمحض الامتثال بغير مشاركة غرض من الأغراض معه (إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه) (ابن عساكر) في تاريخه من حديث الزهري عن سالم (عن) أبيه عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور أبو نعيم في الحلية وقال: غريب [ص: 436] لم نكتبه إلا من هذا الوجه قال السخاوي: لكن له شواهد لكن ذكر المصنف في الدرر أن ابن عساكر إنما خرجه عنه موقوفا عليه فإطلاقه العزو إليه المصرح بأنه مرفوع غير جيد الحديث: 7870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 7871 - (ما تركت) في رواية ما أدع (بعدي فتنة أضر) وفي رواية لمسلم هي أضر (على الرجال من النساء) لأن المرأة لا تأمر زوجها إلا بشر ولا تحثه إلا على شر وأقل فسادها أن ترغبه في الدنيا ليتهالك فيها وأي فساد أضر من هذا مع ما هنالك من مظنة الميل بالعشق وغير ذلك من فتن وبلايا ومحن يضيق عنها نطاق الحصر قال الحبر رضي الله عنه: لم يكفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء وكفر من بقي من قبل النساء وأرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها وردها الفضيل فقالت له امرأته: ترد عشرة آلاف وما عندنا قوت يومنا؟ فقال: مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها فلما هرمت ذبحوها وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني موتوا جوعا قبل أن تذبحوا فضيلا وكان سعيد بن المسيب يقول وقد أتت عليه ثمانون سنة منها خمسون يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء وهو قائم على قدميه يصلي: ما شيء أخوف عندي علي من النساء وقيل: إن إبليس لما خلقت المرأة قال: أنت نصف جندي وأنت موضع سري وأنت سهمي الذي أرمي بك فلا أخطئ أبدا وقال في الحديث بعدي لأن كونهن فتنة صار بعده أظهر وأشهر وأضر قال في المطامح: فيه أنه يحدث بعده فتن كثيرة فهو من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع (حم ق ت ن هـ عن أسامة) الحديث: 7871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 7872 - (ما ترون مما تكرهون فذلك ما تجزون يؤخر الخير لأهله في الآخرة) لأن من حوسب بعمله عاجلا في الدنيا خف جزاؤه عليه حتى يكفر عنه بالشوكة يشاكها حتى بالقلم يسقط من يد الكاتب فيكفر عن المؤمن بكل ما يلحقه في دنياه حتى يموت على طهارة من ذنوبه وفراغ من حسابه (ك عن أبي أسماء الرحبي) بفتح الراء وسكون المهملة وآخره موحدة تحتية نسبة إلى الرحبة بليدة على الفرات يقال لها رحبة مالك بن طوق (مرسلا) واسمه عمرو بن مرثد الدمشقي وقيل: عبد الله ثقة من الطبقة الثالثة الحديث: 7872 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 7873 - (ما تستقل الشمس) أي ترتفع وتتعالى يقال أقل الشيء يقل واستقله يستقله إذا رفعه وحمله (فيبقى شيء من خلق الله إلا سبح الله بحمده) أي يقول سبحان الله وبحمده (إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم) أي قليلي الفطنة منهم جمع غبي وأغبياء والغبي القليل الفطنة (ابن السني حل عن عمرو بن عبسة) وبقية بن الوليد وقد سبق وصفوان ابن عمران قال أبو حاتم: ليس بقوي الحديث: 7873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 7874 - (ما تشهد الملائكة) أي تحضر ملائكة الرحمة والبركة (من لهوكم) أي لعبكم (إلا الرهان والنضال) والرهان بالكسر كسهام تراهن القوم بأن يخرج كل واحد شيئا ويجعله رهنا ليفوز بالكل إذا غلب وذلك في المسابقة والنضال كسهام أيضا الرمي وتناضل القوم تراموا بالسهام (طب عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 [ص: 437] 7875 - (ما تصدق الناس بصدقة أفضل من علم ينشر) وفي رواية بدل أفضل: مثل علم (طب عن سمرة) بن جندب قال المنذري: ضعيف وقال الهيثمي: فيه عون بن عمارة وهو ضعيف وأقول: فيه إبراهيم بن مسلم قال الذهبي: قال ابن عدي: منكر الحديث الحديث: 7875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 7876 - (ما تغبرت) بغين فموحدة مشددة (الأقدام في شيء) أي ما علاها الغبار (أحب إلى الله من رقع) بفتح الراء المهملة وسكون القاف (صف) أي ما اغبرت القدم في سعي أحب إلى الله من اغبرارها في السعي إلى سد الفرج الواقعة في الصف فكأنه رقعه كما يرقع الثوب المقطوع (ص عن ابن سابط) واسمه عبد الرحمن (مرسلا) الحديث: 7876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 7877 - (ما تقرب العبد) وفي رواية العباد (إلى الله بشيء أفضل من سجود خفي) أي من صلاة نفل في بيته حيث لا يراه الناس وفي الطبراني عن جابر كان شاب يخدم الصطفى صلى الله عليه وسلم ويخف في حوائجه فقال: سلني حاجتك فقال: ادع لي بالجنة فرفع رأسه فتنفس فقال: نعم ولكن أعني على نفسك بكثرة السجود قال العراقي: وليس المراد هنا السجود المنفصل عن الصلاة كالتلاوة والشكر فإنه إنما يشرع لعارض وإنما المراد سجود الصلاة وهذا يفيد أن عمل السر أفضل من عمل العلانية ومن ثم فضل قوم طريق الملامتية على غيرها من طرق التصوف وهو تعمير الباطن فيما بين العبد وبين الله قال في العوارف: الملامتية قوم صالحون يعمرون الباطن ولا يظهرون في الظاهر خيرا ولا شرا ويقال لهم النخشبندية ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته قال الفاكهي: ومن تعمير الباطن اشتغاله بالذكر سرا سيما في المجامع وبه يرقى إلى مقام الجمع وفي لزوم كلمة الشهادة تأثير في نفي الأغيار وتزكية الأسرار وفي كلمة الجلالة عروج إلى مراتب الجلالة ومن لازم ذلك صار من أهل الغيب والشهادة وآل أمره إلى أن تصير كل جارحة منه تذكر الله يقظة ومناما قال العارف المرسي: من أراد الظهور فهو عبد الظهور ومن أراد الخفاء فهو عبد الخفاء وعبد الله سواء عليه أظهره أم أخفاه وقيل: لا يكون العبد مخلصا حتى يحذر من اطلاع الخلق على طاعته كما يخاف أن يطلعوا على معصيته إلى أن يتحقق بحقيقة الإخلاص لمولاه ويقهر نفسه بمجاهدة هواه (ابن المبارك) في الزهد من رواية أبي بكر بن أبي مريم (عن ضمرة بن حبيب) بن صهيب (مرسلا) قال الحافظ الزين العراقي: وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف وقد وهم الديلمي في مسند الفردوس في جعل هذا من حديث صهيب وإنما هو ضمرة بن حبيب بن صهيب وهو وهم فاحش قال: وقد رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق عن ابن أبي مريم عن ضمرة مرسلا وهو الصواب اه وقال في موضع آخر: هذا حديث لا يصح الحديث: 7877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 7878 - (ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة) زاد الطبراني في الدعاء من حديث عبادة فحوزوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا طوارق البلايا بالدعاء فإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ما نزل يكشفه وما لم ينزل يحبسه (طس عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عمرو بن هارون وهو ضعيف الحديث: 7878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 7879 - (ما تواد) بالتشديد (اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدث أحدهما) فيكون التفريق عقوبة لذلك الذنب ولهذا [ص: 438] قال موسى الكاظم: إذا تغير صاحبك عليك فاعلم أن ذلك من ذنب أحدثته فتب إلى الله من كل ذنب يستقيم لك وده وقال المزني: إذا وجدت من إخوانك جفاء فتب إلى الله فإنك أحدثت ذنبا وإذا وجدت منهم زيادة ود فذلك لطاعة أحدثتها فاشكر الله تعالى (خد عن أنس) رمز لحسنه ورواه أحمد أيضا باللفظ المذكور قال الهيثمي: وسنده جيد ورواه من طريق آخر بزيادة فقال: ما تواد رجلان في الله تبارك وتعالى فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما والمحدث شر قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن يزيد وقد وثق وفيه ضعف الحديث: 7879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 7880 - (ما توطن) بمثناة فوقية أوله قال مغلطاي: وفي رواية ابن أبي شيبة ما يوطي بمثناة تحتية أوله وبآخره (رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له) أي فرح به وأقبل عليه بمعنى أنه يتلقاه ببره وإكرامه وإنعامه (من حين يخرج من بيته) يعني من محله كمبيت أو خلوة أو نحوهما (كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم) قال الزمخشري: التتبشبش بالإنسان المسرة به والإقبال عليه وهو من معنى البشاشة لا من لفظها عند صحبنا البصريين وهذا مثل لارتضاء الله فعله ووقوعه الموقع الجميل عنده ويخرج في محل جر بإضافة حين إليه والأوقات تضاف للجمل ومن لابتداء الغاية والمعنى أن التبشبش يبتدئ من وقت خروجه من بيته إلى أن يدخل المسجد فترك ذكر الانتهاء لأنه مفهوم ونظيره شمت البرق من خلل السحاب ولا يجوز فتح حين كما في قوله: " على حين عاتبت المشيب على الصبا " لأنه مضاف لمعرب وذاك إلى مبني اه (هـ ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وصححه الأشبيلي وغيره أيضا الحديث: 7880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 7881 - (ما ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله) أي تموت (أو يحمل عليها في سبيل الله) قال الحليمي: هذا على إلحاق الشيء المفضل بالأعمال الفاضلة وعلى أنه أفضل من ذا لا من كل شيء ومعلوم أن الصلاة أعلى منه (طب عن معاذ) ابن جبل وفيه سعيد بن سليمان وفيه ضعف وعبد الحميد بن بهرام قال الذهبي: وثقه ابن معين وقال أبو حاتم: لا يحتج به وشهر بن حوشب قال ابن عدي: لا يحتج به الحديث: 7881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 7882 - (ما جاءني جبريل إلا أمرني بهاتين الدعوتين) أي أن أدعو الله بهما وهما (اللهم ارزقني طيبا واستعملني صالحا) لأن ذلك عيش أهل الجنان رزقهم طيب وأعمالهم صالحة لا فساد فيها فالرزق الطيب هو الحلال مع القبول منه فإذا استعمله فقد فاز فإن العباد منهم من وضع العمل بين يديه فقيل له اعمل هذا ودع هذا ومنهم من جاوز هذه الخطة فطهر قلبه وأركانه فاستعمله ربه في الشريعة مصلحا لها قائما عليها لما علم أن صلاحه في ذلك والأول بين له الشريعة ثم قال له: سر فيها مستقيما وخذ الحق وتجنب الباطل فكثيرا ما يقع في التخليط بخلاف الثاني (الحكيم) الترمذي (عن حنظلة) حنظلة في الصحب والتابعين كثير فكان ينبغي تمييزه الحديث: 7882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 7883 - (ما جاءني جبريل قط إلا أمرني بالسواك) أمر ندب (حتى لقد خشيت أن أحفى مقدم فمي) هذا خرج مخرج الزجر عن تركه والتهاون به قال ابن القيم: ينبغي القصد في استعماله فإن المبالغة ربما تذهب طلاوة الأسنان وصفاءها وتركه [ص: 439] يعدها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ (حم طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته الحديث: 7883 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 7884 - (ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم) أي إذا انتهى المجلس وقمتم قمتم والحال أنكم مغفورا لكم أي الصغائر وليس المراد الأمر بترك الذكر والقيام (حم والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك الحديث: 7884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 7885 - (ما جلس قوم يذكرون الله تعلى فيقومون حتى يقال لهم قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم وبدلت سيئاتكم حسنات) أي إذا كان مع ذلك توبة صحيحة (طب والضياء) المقدسي (عن سهل بن حنظلة) قال الهيثمي: فيه المتوكل بن عبد الرحمن والد محمد السري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات الحديث: 7885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 7886 - (ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا) فيه (على نبيهم إلا كان عليهم ترة) بمثناة فوقية وراء مهملة مفتوحتين أي تبعة كذا ضبطه بعضهم وقال في الرياض: بكسر المثناة فوق وهي النقص وقيل التبعة (فإن شاء عذبهم) بذنوبهم (وإن شاء غفر لهم) فيتأكد ذكر الله والصلاة على رسوله عند إرادة القيام من المجلس وتحصل السنة في الذكر والصلاة بأي لفظ كان لكن الأكمل في الذكر سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما في آخر التشهد (ت عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن اه. وفيه صالح مولى التوءمة وسبق الكلام فيه الحديث: 7886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 7887 - (ما جمع شيء إلى شيء أفضل) في رواية أحسن (من علم إلى حلم) قالوا: وذا من جوامع الكلم (طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: هو من رواية حفص بن بشر عن حسن بن الحسين بن يزيد العلوي عن أبيه ولم أر أحدا ذكر أحدا منهم ورواه العسكري في الأمثال وزاد وأفضل الإيمان التحبب إلى الناس الحديث: 7887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 7888 - (ما حاك) أي ما تردد من حاك يحيك إذا تردد (في صدرك) يعني قلبك الذي في صدرك (فدعه) أي اتركه لأن نفس المؤمن يعني الكامل ترتاب من الإثم والكذب فتردده في شيء أمارة كونه حراما قال جمع: وذا من جوامع الكلم (طب عن أبي أمامة) قال: قال رجل: ما الإثم؟ فذكره رمز المصنف لحسنه وهو قصور أو تقصير فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح الحديث: 7888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 7889 - (ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع) يقال بالشين وبالسين (ابن نون) مجرور بالإضافة منصرف على [ص: 440] الأفصح وإن كان أعجميا لسكون وسطه كنوح ولوط (ليالي سار إلى بيت المقدس) قيل: في هذا الحبس إنها رجعت على أبراجها وقيل: وقفت فلم ترد وقيل: هو بطوء حركتها قال بعض شراح مسلم: والشمس أحد الكواكب السيارة وحركتها مترتبة على حركة الفلك بها فحبسها المذكور على التفاسير المذكورة إنما هو لحبس الفلك لا لحبسها في نفسها ثم إن هذا لا يعارضه خبر رد الشمس على علي لأن هذا في خبر صحيح وخبر علي قال ابن الجوزي: موضوع لاضطراب رواته لكن انتصر المصنف لتصحيحه وعمدته نقله عن عياض في الشفاء وقد أقاموا عليه القيامة وذكر عظماء شراحه أنه غير صحيح نقلا ومعنى وتعجبوا منه مع جلالة قدره في سكوته عليه وابن تيمية له تآليف في الرد على الرافضة ذكر فيه الخبر بطرقه ورجاله وحكم بوضعه وعلى التنزل وفرض صحة الخبرين فلا معارضة لأن خبر يوشع في حبسها قبل الغروب وخبر علي في ردها بعده أو أن إخباره بأنها لم تحبس إلا ليوشع قبل ردها على علي ثم رأيت الحافظ قد أوضح تقرير هذه القصة فقال: أخرج الخطيب في كتاب ذم النجوم عن علي كرم الله وجه قال: سأل قوم يوشع أن يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فأراهم ذلك في ماء من غمامة أمطرها الله عليهم فكان أحدهم يعلم متى يموت فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر فأخرجوا إلى داود من لم يحضر أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم اه. قال ابن حجر: إسناده ضعيف جدا وحديث أحمد الآتي رجاله محتج بهم في الصحيح فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام: فوالله لا أدري أأحلام نائم. . . ألمت بنا أم كان في الركب يوشع ولا يعارضه ما في السير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشا بالإسراء أنه رأى عيرهم تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست حتى قدمت وهذا منقطع لكن في الأوسط للطبراني عن جابر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار وسنده حسن ويجمع بأن الحصر على الماضي للأنبياء قبل نبينا وليس فيه أنها لا تحبس بعده وفي الكبير للطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم دعى لما نام على ركبة علي ففاتته العصر فردت حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وأخطأ ابن الجوزي في إيراده في الموضوع وجاء أيضا أنها حبست لموسى لما حبس تابوت يوسف ففي المبتدأ عن عروة أنه تعالى أمر موسى أن يأمر بني إسرائيل أن تحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر يطلع وكان وعدهم بالسير عند طلوع الفجر فدعا ربه أن يؤخر الفجر حتى يفرغ ففعل وتأخير طلوع الفجر يستلزم تأخير طلوع الشمس لأنه ناشئ عنها فلا يقال الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا يمنع حبس الفجر لغيره وجاء أيضا في خبر أنها حبست لسليمان بن داود لكنه غير ثابت اه. ملخصا (خط عن أبي هريرة) وظاهر اقتصار المؤلف على عزوه للخطيب أنه لا يعرف لأشهر منه ولا أحق بالعزو أنه ليس ثم ما هو أمثل سندا منه وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه وهو عجب فقد قال الحافظ ابن حجر: ورد من طرق صحيحة خرجها أحمد من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لا تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس اه الحديث: 7889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 7890 - (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام) الذي هو تحية أهل الجنة (والتأمين) قالوا لم تكن آمين قبلنا إلا لموسى وهارون ذكره الحكيم في نوادره <تنبيه> دل هذا الخبر على أن السلام من خصوصيات هذه الأمة لكن تقدم في خلق آدم أن الله جعله تحية لآدم ولذريته ذكره الحافظ ابن حجر (خد هـ عن عائشة) اقتصر المصنف على رمزه لحسنه وهو تقصير بل هو صحيح فقد صححه جمع منهم مغلطاي فقال في شرح ابن ماجه: إسناده صحيح على رسم مسلم ولما عزاه ابن حجر إلى الأدب المفرد قال ابن خزيمة: صححه وأقره فعلم أنه صحيح من طريقه الحديث: 7890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 [ص: 441] 7891 - (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين) أي قولكم في الصلاة وعقب الدعاء آمين (فأكثروا من قول آمين) (هـ عن ابن عباس) قال مغلطاي في شرحه: إسناده ضعيف لضعف رواية طلحة بن عمر الحضرمي المكي قال البخاري: ليس بشيء وقال أبو داود: ضعيف والنسائي: ليس بثقة متروك الحديث وابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه والجوزجاني: غير مرضي وأحمد وابن معين: لا شيء وابن حبان: لا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه إلا للتعجب اه. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث ضعيف جدا لكن صح ذلك بزيادة من حديث عائشة بلفظ أنهم لا يحسدوننا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين قال أعني العراقي: هذا حديث صحيح قال: وأخرجه ابن ماجه مختصرا عن عائشة بلفظ ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين قال العراقي: ورجاله رجال الصحيح اه. وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إيثاره الطرق الواهية وضربه صفحا عن الصحيحة مع اتحاد المخرج الحديث: 7891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 7892 - (ما حسن الله خلق رجل) بفتح الخاء وسكون اللام وفي رواية ما حسن الله خلق عبد (ولا خلقه) بضمهما (فتطعمه) وفي رواية فأطعم لحمه (النار) قال الطيبي: استعار الطعم للإحراق مبالغة كأن الإنسان طعامها تتغذى به وتتقوى به نحو قوله تعالى {وقودها الناس والحجارة} أي الناس كالوقود والحطب الذي سيشتعل به النار (أبدا) ظرف وضعه للمستقبل ويستعمل للماضي مجازا وفيه مبالغة وهذا الحديث ورد من عدة طرق ففي بعضها ما حسن الله خلق عبد وخلقه وأطعم لحمه النار رواه ابن عدي عن ابن عمر وفي بعضها ما حسن الله وجه امرء مسلم فيريد عذابه رواه الشيرازي في الألقاب عن عائشة وفي بعضها ما حسن الله خلق عبد وخلقه إلا استحيا أن تطعم النار لحمه ورواه الخطيب عن الحسن بن علي وطرقه كلها مضعفة لكن تقوى بتعددها وتكثرها (طس) وكذا ابن عدي والطبراني في مكارم الأخلاق (هب) كلهم من طريق هشام بن عمار عن عبد الله بن يزيد البكري عن أبي غسان محمد بن مطرف المسمعي عن داود بن فراهيج عن أبي هريرة وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه يزيد البكري وهو ضعيف وداود بن فراهيج نقل الذهبي في الميزان عن قوم تضعيفه وقال ابن عدي: لا أرى بمقدار ما يرويه بأسا وله حديث فيه نكرة ثم ساق له هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المؤلف بأن له طريقا آخر قال السلفي: قرأت على أبي الفتح الفزنوي وهو متكئ قال: قرأت على علي بن محمد وهو متكئ قرأت على حمزة بن يوسف وهو متكئ قرأت على أبي الحسن ابن الحجاج الطبراني وهو متكئ قرأت على أبي العلاء الكوفي وهو متكئ قرأت على عاصم بن علي وهو متكئ قرأت على الليث بن سعد وهو متكئ قرأت على بكر بن الفرات وهو متكئ قرأت على أنس بن مالك وهو متكئ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حسن الله خلق رجل ولا خلقه فنطعمه النار حديث غريب التسلسل ورجاله ثقات الحديث: 7892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 7893 - (ما) أي ليس (حق امرء) رجل (مسلم) أي ليس الحزم والاحتياط لشخص أو ما المعروف في الأخلاق الحسنة إلا ما يأتي والمسلم غالبي فلذمي كذلك (له شيء) أي من مال أو دين أو حق أو أمانة وعند البيهقي له مال بدل شيء حال كونه (يريد أن يوصى فيه يبيت) أي أن يبيت على حد {ومن آياته يريكم البرق} وما نافية بمعنى ليس [ص: 442] وحق اسمها ويوصي فيه صفة لشيء والجملة صفة ثانية لامرئ ويبت ليلتين صفة ثالثة والمستثنى خبر ومفعول ببيت محذوف تقديره يبيت ذاكرا أو نحوه (ليلتين) يعني لا ينبغي أن يمضي عليه زمن وإن قل قال الطيبي: فذكر الليلتين تسامح الأصل يمضي عليه ليلة يعني سامحناه في هذا القدر فلا يتجاوزه للأكثر وهل الليلة من لدن وجب الحق أو من إرادة الوصية؟ احتمالان (إلا ووصيته) الواو للحال (مكتوبة عنده) مشهود بها إذ الغالب في كتابتها الشهود ولأن أكثر الناس لا يحسن الكتابة فلا دلالة فيه على اعتماد الخط وعلتها على الإرادة إشارة إلى أن الأمر للندب نعم تجب على من عليه حق لله أو لآدمي بلا شهود إذ قد يفجأه الموت وهو على غير وصية <تنبيه> ما تقرر من أن يبيت على حذف أن كقوله {ومن آياته يريكم البرق} هو ما جرى عليه في المصابيح وتبعه في الفتح حيث قال: أن يبيت ارتفع بعد حذف أن كقوله {ومن آياته يريكم البرق} لكن تعقبه العيني بأنه قياس فاسد يغير المعنى لأنه إنما قدر في أن {يريكم البرق} لأنه في محل الإبتداء لأن قوله من آياته في موضع الخبر والفعل لا يقع مبتدأ فتقدر أن فيه ليكون معنى المصدر (مالك حم ق 4) في الوصية (عن ابن عمر) بن الخطاب الحديث: 7893 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 7894 - (ما حلف بالطلاق مؤمن) أي كامل الإيمان (ولا استحلف به إلا منافق) أي مظهر خلاف ما يكتم (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك قال ابن عدي: منكر جدا وأقره عليه في الأصل وأما خبر الطلاق يمين الفساق فوقع في كتب بعض المالكية وغيرهم قال السخاوي: ولم أجده الحديث: 7894 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 7895 - (ما خاب من استخار) الله تعالى والاستخارة طلب الخيرة في الأمور منه تعالى وحقيقتها تفويض الاختيار إليه سبحانه فإنه الأعلم بخيرها للعبد والقادر على ما هو خير لمستخيره إذا دعاه أن يخير له فلا يخيب أمله والخائب من لم يظفر بمطلوبه وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول خر لي واختر لي. قال ابن أبي جمرة: وهذا الحديث عام أريد به الخصوص فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح أو في المستحب إذا تعارض فيه أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه اه. قال ابن حجر: وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان منه موسعا وشمل العموم العظيم والحقير فرب حقير يترتب عليه أمر عظيم (ولا ندم من استشار) أي أدار الكلام مع من له تبصرة ونصيحة قال الحرالي: والمشورة أن يستخلص من حلاوة الرأي وخالصه من خبايا الصدور كما يشور العسل جانيه وفي بعض الآثار نقحوا عقولكم بالمذاكرة واستعينوا على أموركم بالمشاورة وقال الحكماء: من كمال عقلك استظهارك على عقلك وقالوا: إذا أشكلت عليك الأمور وتغير لك الجمهور فارجع إلى رأي العقلاء وافزع إلى استشارة الفضلاء ولا تأنف من الاسترشاد ولا تستنكف من الاستمداد وقال بعض العارفين: الاستشارة بمنزلة تنبيه النائم أو الغافل فإنه يكون جازما بشيء يعتقد أنه صواب وهو بخلافه وقال بعضهم: إذا عز أمر فاستشر فيه صاحبا. . . وإن كنت ذا رأي تشير على الصحب فإني رأيت العين تجهل نفسها. . . وتدرك ما قد حل في موضع الشهب وقال الأرجاني: شاور سواك إذا نابتك نائبة. . . يوما وإن كنت من أهل المشورات فالعين تلقى كفاحا من نأى ودنى. . . ولا ترى نفسها إلا بمرآة <تنبيه> قال بعضهم: لا يستشار المحب لغلبة هوى محبوبه عليه ولا المرأة ولا المتجرد عن الدنيا في شيء من أمورها لعدم [ص: 443] معرفته بذلك ولا المنهمك على حب الدنيا لأن استيلائها عليه يظلم قلبه فيفسد رأيه ولا البخيل ولا المعجب برأيه <فائدة> أخرج الشافعي عن أبي هريرة ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس وابن عباس لما نزل {وشاورهم في الأمر} قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: أما أن الله ورسوله يغنيان عنها لكن جعلها الله رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا قال ابن حجر: غريب (ولا عال من اقتصد) أي استعمل القصد في النفقة على عياله وذا معدود من جوامع الكلم (طس) من حديث الحسن (عن أنس) بن مالك قال الطبراني: لم يروه عن الحسن إلا عبد القدوس بن حبيب تفرد به ولده قال ابن حجر في التخريج: وعبد القدوس ضعيف جدا اه. وقال في الفتح: أخرجه الطبراني في الصغير بسند واه جدا هذه عبارته وقال الهيثمي: رواه في الأوسط والصغير من طريق عبد السلام بن عبد القدوس وكلاهما ضعيف جدا الحديث: 7895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 7896 - (ما خالط قلب امرئ رهج) أي غبار قتال (في سبيل إلا حرم الله عليه النار) أي نار الخلود في جهنم وفي خبر آخر من دخل جوفه الرهج لم يدخل النار (حم عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات الحديث: 7896 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 7897 - (ما خالطت الصدقة) أي الزكاة (مالا إلا أهلكته) أي محقته واستأصلته لأن الزكاة حصن له أو أخرجته عن كونه منتفعا به لأن الحرام غير منتفع به شرعا وإليه أشار بقوله في خبر فيهلك الحرام الحلال ذكره الطيبي. ثم رأيت ابن الأثير قال: قال الشافعي: يريد أن خيانة الصدقة تتلف المال المخلوط بها وقيل: هو تحذير للعمال عن الخيانة في شيء منها وقيل: هو حث على تعجيل أداء الزكاة قبل أن تختلط بماله اه (عد هق) من حديث محمد بن عثمان بن صفوان عن هشام عن أبيه (عن عائشة) قال البيهقي: تفرد به محمد قال الذهبي في المهذب: ضعيف وفي الميزان: عن أبي حاتم منكر الحديث ثم عد من مناكيره هذا الخبر الحديث: 7897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 7898 - (ما خرج رجل من بيته يطلب علما إلا سهل الله له طريقا إلى الجنة) أي يفتح عليه عملا صالحا يوصله إليها والمراد العلم الشرعي النافع (طس عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه الهيثمي بأن فيه هشام بن عيسى وهو مجهول وحديثه منكر الحديث: 7898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 7899 - (ما خففت عن خادمك من عمله فهو أجر لك في موازينك يوم القيامة) ولهذا كان عمر بن الخطاب يذهب إلى العوالي كل سبت فإذا وجد عبدا في عمل لا يطيقه وضع عنه منه (ع حب هب عن عمرو بن حويرث) قال الهيثمي: وعمرو هذا قال ابن معين: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان كذلك فالحديث مرسل ورجاله رجال الصحيح إلا عمرو الحديث: 7899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 7900 - (ما خلف عبد) أي إنسان (على أهله) أي عياله وأولاده عند سفره لغزو أو حج أو غيرهما (أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا) أي حين يتأهب للخروج فيسن له عند إرادته الخروج للسفر أن يصلي ركعتين قال [ص: 444] في الأذكار: قال بعض أصحابنا: ويستحب أن يقرأ في الأولى الفاتحة الكافرون وفي الثانية الإخلاص وقال بعضهم: يقرأ في الأولى الفلق وفي الثانية الناس ثم إذا سلم قرأ سورة الكرسي ولإيلاف قريش (ش عن المطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين (ابن المقداد) الكلاعي الصغاني تابعي كبير قال ابن معين: ثقة وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة أورده الذهبي في الضعفاء الحديث: 7900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 7901 - (ما خلق الله في الأرض شيئا أقل من العقل وإن العقل في الأرض أقل) وفي رواية أعز (من الكبريت الأحمر) والعقل أشرف صفات الإنسان إذ به قبل أمانة الله وبه يصل إلى جواره قال القاضي: والعقل في الأصل الحبس سمي به الإدراك الإنساني لأنه يحبسه عما يقبح ويعقله على ما يحسن ثم القوة التي بها النفس تدرك هذا الإدراك وقال بعض العارفين: العقل عقال عقل الله به الخلق لتقام أوامره على نحو ما أراد فلو حلهم منه لانخرم نظام العالم وتعطلت الأسباب (الروياني وابن عساكر عن معاذ) بن جبل الحديث: 7901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 7902 - (ما خلق الله من شيء إلا وقد خلق له ما يغلبه وخلق رحمته تغلب غضبه) أي غلبت آثار رحمته على آثار غضبه والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب (البزار) في مسنده (ك) في التوبة وكذا ابن عساكر (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح فشنع عليه الذهبي وقال: بل هو منكر وقال الهيثمي في سند البزار: فيه من لا أعرفه وعزاه الحافظ العراقي لأبي الشيخ في الثواب ثم قال: وفيه عبد الرحيم بن كردم جهله أبو حاتم وقال في الميزان: ليس بواه ولا مجهول الحديث: 7902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 7903 - (ما خلا يهودي قط بمسلم إلا حدث نفسه بقتله) يحتمل إرادة يهود زمنه ويحتمل العموم قال الحرالي: فيه إعلام بتمادي تسلطهم على أهل الخير من الملوك والرؤساء فكان في طيه الأخذ لما استعملوا فيه من علم الطب ومخالطتهم رؤساء الناس بالطب الذي توسل كثير منهم إلى قتله به عمدا أو خطأ ليجري ذلك على أيديهم خفية في هذه الأمة نظير ما جرى على أيدي أسلافهم في قتل الأنبياء جهرة {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} (خط) في ترجمة خالد بن يزيد الأزدي (عن أبي هريرة) ثم قال أعني الخطيب: هذا غريب جدا فحذف المصنف له من كلامه غير صواب وعدل المصنف عن عزوه لابن حبان مع كونه رواه لأنه من طريق الخطيب أجود إذ فيه عند ابن حبان يحيى بن عبيد الله بن موهب التيمي قال ابن حبان: يروي عن أبيه ما لا أصل له فسقط الاحتجاج به الحديث: 7903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 7904 - (ما خيب الله عبدا قام في جوف الليل فافتتح سورة البقرة وآل عمران) أي قرأهما من أولهما إلى آخرهما في تهجده أو خارجه (ونعم كنز المرء البقرة وآل عمران) (طس) عن ابن مسعود قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم وفيه كلام كثير وهو ثقة مدلس (حل عن ابن مسعود) ثم قال: غريب من حديث الفضيل وليث بن أبي سليم تفرد به بشر بن يحيى المروزي الحديث: 7904 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 [ص: 445] 7905 - (ما خير عمار) بن ياسر أحد السابقين الأولين (بين أمرين إلا اختار أرشدهما) وفي رواية أسدهما لأنه من القوم الذي يستمعون الحديث فيتبعون أحسنه والمراد أنه كان نقادا في الدين يميز بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا عرض عليه مباح ومندوب اختار المندوب فهو حريص على ما هو الأقرب عند الله وأكثر ثوابا ويؤخذ منه أن على الإنسان تحري أعدل المذاهب واختيار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر وأبينها دليلا وأمارة وأن لا يكون في مذهبه كما قيل: ولا تكن مثل عير قيد فانقادا يريد المقلد ذكره الزمخشري <تنبيه> قال ابن حجر: كونه يختار أسد الأمرين دائما يقتضي أنه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالبغي وبذلك ورد حديث البخاري (ت ك عن عائشة) ورواه عنها أيضا ابن منيع والديلمي ورواه أحمد عن ابن مسعود وكان ينبغي للمؤلف عزوه إليه أيضا الحديث: 7905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 7906 - (ماذا في الأمرين) بالتشديد بضبط المصنف (الصبر) هو الدواء المعروف (والثغاء) قال الزمخشري: هو الحرف سمي به لما يتبع مذاقه من لذع اللسان لحدته من قولهم ثغاه يثغوه ويثغيه إذا اتبعه وتسميته حرفا لحرافته ومنه بصل حريف وهمزة الثغاء منقلبة عن واو أو ياء على مقتضى اللغتين إلى هنا كلامه قال أبو حنيفة: الحرف تسميه العامة حب الرشاد وفي النهاية الثغاء الخردل وإنما قال الأمرين والمراد أحدهما لأنه جعل الحرافة والحدة التي في الخردل بمنزلة المرارة وقد يغلبون أحد القرينتين على الأخرى فيذكرونهما بلفظ واحد (د في مراسيله هق عن قيس بن رافع الأشجعي) قال الذهبي في الصحابة: له حديث لكنه مرسل وفي التقريب: مجهول من الثالثة ووهم من ذكره في الصحابة الحديث: 7906 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 7907 - (ما ذكر لي رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا ما كان من زيد فإنه لم يبلغ) بضم التحتية أوله بضبط المصنف (كل ما فيه) هو زيد بن مهلهل الطائي ثم البنهاني المعروف بزيد الخيل وفد على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسماه زيد الخير وكان من فرسان العرب. أخرج ابن عساكر أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد طيء فأسلم ثم تكلم فقال له عمر: ما أظن أن في طيء أفضل منك قال: بلى والله إن فينا لحاتم القاري الأضياف الطويل العفاف قال: فما تركت لمن بقي خيرا قال: إن منا لمقروم بن حومة الشجاع صبرا النافذ فينا أمرا وذكر الحديث (ابن سعد) في طبقاته (عن عمير الطائي) لم أره في الصحابة الحديث: 7907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 7908 - (ما) بمعنى ليس (ذئبان) اسمها (جائعان) صفة له وفي رواية عاديان والعادي الظالم المتجاوز للحد (أرسلا في غنم) الجملة في محل رفع صفة (بأفسد) خبر ما والباء زائدة أي أشد فسادا والضمير في (لها) للغنم واعتبر فيه الجنسية فلذا أنث وقوله (من حرص المرء) هو المفضل عليه لا اسم التفضيل (على المال) متعلق بحرص (الشرف) عطف على المال والمراد به الجاه والمنصب (لدينه) اللام فيه للبيان نحوها في قوله {لمن أراد أن يتم الرضاعة} فكأنه قيل هنا بأفسد لأي شيء؟ قيل لدينه ذكره الطيبي فمقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفسادا [ص: 446] للدين من إفساد الذئبين للغنم لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعا قال الحكيم: وضع الله الحرص في هذه الأمة ثم زمه في المؤمنين بزمام التوحيد واليقين وقطع علائق الحرص بنور السبحات فمن كان حظه من نور اليقين ونور السبحات أوفر كان وثاق حرصه أوثق والحرص يحتاجه الآدمي لكن بقدر معلوم وإذا لم يكن لحرصه وثاق وهبت رياحه استفزت النفس فتعدى القدر المحتاج إليه فأفسد وعرف بعضهم الحرص بأنه مدد القوة الموضوعة في الآدمي ومثيرها وعمادها (حم ت) في الزهد وكذا أبو يعلى (عن كعب بن مالك) قال الترمذي: صحيح قال المنذري: إسناده جيد وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن زنجويه وعبد الله بن محمد بن عقيل وقد وثقا ورواه الطبراني والضياء في المختارة من حديث عاصمم بن عدي عن أبيه عن جده قال: اشتريت أنا وأخي مئة سهم من خبير فبلغ ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: ما ذئبان عاديان أصابا غنما أضاعها ربها بأفسد لها من حب المرء المال والشرف لدينه وفي الباب أبو سعيد الخدري وفيه كذاب فليحرر الحديث: 7908 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 7909 - (ما رأيت مثل النار) قال الطيبي: مثل هنا كما في قولك مثلك لا يبخل (نام هاربها) حال إن لم يكن رأيت من أفعال القلوب وإلا فنام هاربها مفعول ثان له (ولا مثل الجنة نام طالبها) يعني النار شديدة والخائفون منها نائمون غافلون وليس هذا طريق الهارب بل طريقه أن يهرول من المعاصي إلى الطاعات وفيه معنى التعجب أي ما أعجب حال النار الموصوفة بشدة الأهوال وحال الهارب منها مع نومه وشدة غفلته والاسترسال في سكرته وما أعجب حال الجنة الموصوفة بهذه الصفات وحال طالبها الغافل عنها (ت) في صفة جهنم (عن أبي هريرة) وضعفه المنذري وذلك لأن فيه يحيى بن عبيد الله عن أبيه يحيى بن موهب قال في المنار: والأب مجهول منكر الحديث تركوه لأجل ذلك وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح ويحيى قال ابن معين: لا يكتب حديثه وقال أحمد: أحاديثه منكرة (طس عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: إسناد الطبراني هذا حسن الحديث: 7909 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 7910 - (ما رأيت منظرا) أي منظورا (قط) بشد الطاء وتخفيفها ظرف للماضي المنفي ويقال فيه قط بضمتين وأما قط بمعنى حسب فبفتح فسكون (إلا والقبر أفظع) أي أقبح وأشنع (منه) بالنصب صفة لمنظر وقال الطيبي: الواو للحال والاستثناء مفرغ أي ما رأيت منظرا وهو ذو هول وفظاعة إلا والقبر أفظع منه وعبر بالمنظر عن الموضع مبالغة فإنه إذا نفى الشيء مع لازمه ينتفي الشيء بالطريق البرهاني وإنما كان فظيعا لأنه بيت الدود والوحدة والغربة ولهذا كان يزيد الرقاشي إذا مر بقبر صرخ صراخ الثور وعن ابن السماك أن الميت إذا عذب في قبره نادته الموتى أيها المتخلف بعد إخوانه وجيرانه أما كان لك فينا معتبر أما كان لك في تقدمنا إياك فكرة أما رأيت انقطاع أعمالنا وأنت في مهلة أما أما؟ وفي العاقبة لعبد الحق عن أبي الحجاج مرفوعا يقول القبر للميت إذا وضع: ويحك ابن آدم ما غرك بي ألم تعلم أني بيت الفتنة وبيت الدود؟ ثم فظاعته إنما هي بالنسبة للعصاة والمخلطين لا للسعداء كما يشير إليه خبر البيهقي وابن أبي الدنيا عن ابن عمر مرفوعا القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة وأخرج أحمد في الزهد وابن المبارك في كتاب القبور عن وهب كان عيسى عليه السلام واقفا على قبر ومعه الحواريون فذكروا القبر ووحشته وظلمته وضيقه فقال عيسى: كنتم في أضيق منه في أرحام أمهاتكم فإذا أحب الله أن يوسع وسع وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن المعيطي قال: حضرت جنازة الأحنف فكنت فيمن نزل قبره فلما سويته رأيته فسح له مد بصري فأخبرت به أصحابي فلم يروا ما رأيت (ت هـ) في الزهد (ك) في الجنائز من حديث عبد الله بن بجير عن هانئ مولى عثمان (عن [ص: 447] عثمان) بن عفان وصححه وتعقبه الذهبي بأن بجيرا ليس بعمدة لكن منهم من يقويه وهانئ روى عنه جمع ولا ذكر له في الكتب الستة الحديث: 7910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 7911 - (ما رزق عبد خيرا له ولا أوسع من الصبر) لأنه إكليل للإيمان وأوفر المؤمنين حظا من الصبر أوفرهم حظا من القرب من الرب والصبر رزق من الله لا يستبد العبد بكسبه وما يضاف إلى كسب العبد هو التصبر فإذا حمل على نفسه التصبر أمده الله بكمال الصبر وفي الخبر من يتصبر يصبره الله فإذا رزقه الصبر كان أوسع من كل نعمة واسعة لأنه يسهل بالصبر جميع الخيرات وترك المنكرات وتحمل المكروهات المقدرات والرزق المشار إليه رزق الدين والإيمان (ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي الحديث: 7911 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 7912 - (ما رفع قوم أكفهم إلى الله تعالى يسألونه شيئا إلا كان حقا على الله أن يضع في أيديهم الذي سألوا) لأنه تعالى كريم متفضل فإذا رفع عبده إليه يده سائلا مفتقرا متعرضا لفضله الذي لا يرجى إلا منه يستحي أن يرده وإن كان يأتي من العصيان بما يستحق به النيران ومن فعل الخسران ما يستوجب الحرمان وعبر عن إعطاء المسؤول بلفظ الحق إشارة إلى أن إعطاءهم مسألتهم كالواجب عليه نظرا إلى صدقه في وعده فليس الحق هنا بمعنى الواجب إذ لا يجب على شيء عند أهل الحق خلافا للمعتزلة (تتمة) قال ابن عطاء الله: التضرع إلى الله فيه نزول الزوائد ودفع الشدائد والانطواء في أودية المنن والسلامة من المحن فجزاء ذلك أن يتولى مولاك الدفع عن نفسك في المضار والجلب لك في المسار وهو الباب الأعظم والسبيل الأقوم يؤثر حتى مع الكفران فكيف لا يؤثر مع الإيمان (طب عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه. وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رمزه لحسنه تقصير أو قصور الحديث: 7912 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 7913 - (ما زال جبريل يوصيني بالجار) قال العلائي: الظاهر أن المراد جار الدار لا جار الجوار لأن التوارث كان في صدر الإسلام بجوار العهد ثم نسخ (حتى) أنه لما أكثر على في المحافظة على رعاية حقه (ظننت أنه سيورثه) أي سيحكم بتوريث الجار من جاره بأن يأمرني عن الله به قيل: بأن يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب أو بأن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة قال ابن حجر: والأول أولى لأن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع فمن التزم شرائع الإسلام تأكد عليه إكرام جاره لعظيم حقه وفيه إشارة إلى ما بالغ به بعض الأئمة من إثبات الشفعة له واسم الجوار يعم المسلم والعدل والقريب والبلدي والنافع وأضدادهم وله مراتب بعضها أعلا من بعض فأعلاها من جمع صفات الكمال ثم أكثرها وهلم جرا وعكسه من جمع ضدها كذلك فيعطى كلا حقه بحسب حاله ويرجح عند تعارض الصفات والميراث قسمان حسي ومعنوي فالحسي هو المراد هنا والمعنوي ميراث العلم وقد يلحظ هنا أيضا فإن حق الجار على جاره تعليمه ما يحتاجه (حم ق) في الأدب (د ت) في البر من حديث مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: كنا عند ابن عمر عند العتمة وغلامه يسلخ شاة فقال: ابدأ بجارنا اليهودي ثم قالها مرة فمرة فقيل له: كم تذكر اليهودي قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول فذكره (حم ق 4 عن عائشة) وفي الباب أنس وجابر وغيرهما الحديث: 7913 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 [ص: 448] 7914 - (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يورثه) وفي رواية لمسلم ليورثه باللام وفي أخرى له سيورثه قال في العارضة: نبه بذلك على أن الحقوق إذا تأكدت بالأسباب فأعظمها حرمة الجوار وهو قرب الدار فقد أنزل بذلك منزلة الرحم وكاد يوجب له حقا في المال وللجوار مراتب منها الملاصقة ومنها المخالطة بأن يجمعهما مسجد أو مدرسة أو سوق أو غير ذلك ويتأكد الحق مع المسلم ويبقى أصله مع الكافر (وما زال يوصيني بالمملوك حتى ظننت أنه يضرب له أجلا أو وقتا إذا بلغه عتق) أخذ من تعميم الجار في هذا الخبر وما قبله حيث لم يخص جارا دون جار أنه يجب ود أهل المدينة ومحبتهم عوامهم وخواصهم قال المجد النووي: وكل ما احتج به من رمى عوامهم بالابتداع وترك الاتباع لا يصلح حجة فإن ذلك إذا ثبت في شخص معين لا يخرج عن حكم الجار ولو جار ولا يزول عنه شرف مساكنة الدار كيف دار (هق) من حديث الليث عن يحيى بن سعيد (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو فوق ما قال فقد قال البيهقي في الشعب: إنه صحيح على شرط مسلم والبخاري الحديث: 7914 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 7915 - (ما زالت أكلة خيبر) أي اللقمة التي أكلها من الشاة التي سمتها اليهودية وقدمتها إليه في غزوة خيبر فأكل منها لقمة وقال إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة وأكل معه منها بشر فمات (تعادني) أي تراجعني قال الزمخشري: المعادة معاودة الرجع لوقت معلوم (في كل عام) أي يراجعني الألم فأجده في جوفي كل عام بسبب أكلي من الطعام المسموم الذي قدم إلي بخيبر (حتى كان هذا أوان) بالضم قال الزمخشري: ويجوز بناؤه على الفتح (قطع أبهري) بفتح الهاء ولفظ رواية البخاري فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري وهو عرق في الصلب أو في الذراع أو بباطن القلب تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات صاحبه يعني أنه نقض عليه سم الشاة المذكورة ليجمع إلى منصب النبوة مقام الشهادة ولا يفوته مكرمة ولهذا كان ابن مسعود وغيره يقول مات شهيدا من ذلك السم وكان في حال حياته يثور عليه أحيانا ويكمن أحيانا <تنبيه> ما ذكر من أن أبهري بلفظ الإفراد هو ما وقفت عليه في أصول صحيحة لكن رأيت في تذكرة المقريزي مضبوطا بخطه أبهراي بالتثنية ثم قال: والأبهران عرقان يخرجان من القلب تتشعب منهما الشرايين (ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) رمز لحسنه وفيه سعيد بن محمد الوراق قال في الميزان: قال النسائي: غير ثقة والدارقطني: متروك وابن سعد: ضعيف وابن عدي: يتبين الضعف على رواياته ومنها هذا الخبر ثم إن ظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه والأمر بخلافه بل هو في البخاري بلفظ ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم اه. وليس في رواية ابن السني وأبي نعيم إلا زيادة في كل عام قال المقريزي: وهذا قاله في مرض موته الحديث: 7915 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 7916 - (ما زان الله العبد بزينة أفضل من زهادة في الدنيا وعفاف في بطنه) وهو الكف عن الحرام وسؤال الناس (وفرجه) لأنه بذلك يصير ملكا في الدنيا والآخرة ومعنى الزهد أن يملك العبد شهوته وغضبه فينقادان لباعث الدين وإشارة الإيمان وهذا ملك باستحقاق إذ به يصير صاحبه حرا وباستيلاء الطمع والشهوات عليه يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه فيصير مسخرا كالبهيمة مملوكا يجره زمام الشهوة إلى حيث يريد وفي تذكرة المقريزي عن بعض الأولياء أنه سأل العارف [ص: 449] ابن حمويه عن أنفع قضية يوصي بها الفقير مما ينفعه استحضاره والعلم به مدة حياته وبعد الموت يكون سببا لكمال ترقيه فقال: يوصي بالحرية والعفة في الحرية فسألته عن معنى ذلك فقال: الحرية عدم التعبد في الباطن لشيء سوى الحق مطلقا والعفة في الحرية أن لا يصدر من الإنسان في حقه ولا في حق غيره فعل لأجل نفسه أو لغيره بل لله تعالى (حل) من حديث أحمد بن إبراهيم الكراييسي عن أحمد بن حفص بن مروان عن ابن المبارك عن الحجاج بن أرطأة عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه ورواه عنه الديلمي أيضا في مسند الفردوس وسنده ضعيف الحديث: 7916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 7917 - (ما زويت الدنيا عن أحد إلا كانت خيرة له) في المصباح زويته زيا جمعته وزويت المال قبضته لأن الغنى مأشرة مبطرة وكفى بقارون عبرة والغنى قد يكون سببا لهلاك الإنسان وقد يقصد بسبب ماله فيقتل وما من نعمة من النعم الدنيوية إلا ويجوز أن تصير بلاء {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} (فر) من حديث أحمد بن عمار عن مالك بن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وأحمد بن عمار هذا أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: لا يعرف وله عن مالك خبر موضوع إلى هنا كلامه فعلم أن هذا الخبر موضوع الحديث: 7917 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 7918 - (ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم) أي نقشوها وموهوها بالذهب فإن ذلك إنما ينشأ عن غلبة الرياء والكبرياء والاشتغال عن المشروع بما يفسد حال صاحبه ففاعل ذلك بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه إلا قليلا ولا يتبعه بمنزلة من يتخذ المصابيح والسجادات المزخرفة تيها وفخرا لكن مما ينبغي التنبيه له أنا إذا رأينا من الأمراء مثلا من زخرف المساجد لا ننهاه عنه كما قاله بعض أئمة الحنابلة فإن النفوس لا تترك شيئا إلا لشيء ولا ينبغي ترك خير إلا لمثله أو خير منه والدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه فلا ينهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف فزخرفة المساجد إنما نهى عنها بقصد العمل الصالح وقد يفعلها بعض الناس ويكون له فيها أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لبيوت الله فلا ننهاه عنها إلا إن علمنا أنه يتركها إلى خير منها وقد يحسن من بعض الناس ما يقبح من المؤمن المسدد ولهذا قيل للإمام أحمد: إن بعض الأمراء أنفق على مصحف نحو ألف دينار فقال: دعهم فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب مع أن مذهبه أن تحلية المصحف مكروهة فهؤلاء إن لم يفعلوا ذلك وإلا اعتاضوا بفساد لا صلاح فيه (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر في المختصر: رجاله ثقات إلا جبارة بن المفلس ففيه مقال وقال غيره: فيه جبارة بن المفلس قال في الكاشف: ضعيف وفي الضعفاء قال ابن نمير: كان يوضع له الحديث الحديث: 7918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 7919 - (ما ستر الله على عبد ذنبا في الدنيا فيعيره به يوم القيامة) يحتمل أن المراد عبد مؤمن متقى متحفظ وقع في الذنب لعدم العصمة ولم يصر بعد فعله وخاف من ربه ورأى فضيحته حيث نظره مولاه وملائكته وخواص المؤمنين وندم فطلب المغفرة وهي الستر فستره بين خلقه عطفا منه عليه فإذا عرضت أعماله يوم القيامة حقق له ما أمله من ستره ولم يعيره أي هو أكرم من أن يفعل ذلك فإنه ستار يحب من عباده الساترين (البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: فيه عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف الحديث: 7919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 7920 - (ما سلط الله القحط) أي الجدب (على قوم إلا بتمردهم على الله) أي بعتوهم واستكبارهم والمارد العاتي الشديد. [ص: 450] (خط في رواية مالك) بن أنس (عن جابر) وفيه عبد الملك بن بديل قال الدارقطني: تفرد به وكان ضعيفا وفي اللسان عن ابن عدي: روى عن مالك غير حديث منكر وقال الأزدي: متروك الحديث: 7920 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 7921 - (ما شئت أن أرى) أي رؤية عين يقظة ويحتمل أنها رؤيا منام والأول أقرب وأنسب بمقامه الشريف بل خواص أمته منهم من يرى الملائكة عيانا كما مر عن الغزالي ثم رأيت ابن عساكر صرح بأن ذلك يقظة وهو الذي ينبغي الجزم به (جبريل متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول يا واحد يا ماجد لا تزل عني نعمة أنعمت بها علي إلا رأيته) لما يرى من شدة عقاب الله لمن غضب عليه {إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} قال الغزالي: روي أن إبليس عبد الله ثمانين ألف سنة فلم يترك موضع قدم إلا وسجد فيه سجدة لله تعالى ثم ترك له أمرا واحدا فطرده عن بابه ولعنه إلى يوم الدين ثم آدم صفيه ونبيه الذي خلقه بيده وأسجد له ملائكته أكل أكلة واحدة لم يؤذن له فيها فنودي لا يجاورني من عصاني وأهبطه إلى الأرض ولحقه من الهوان والبلاء ما لحقه وبقيت ذريته في تبعات ذلك إلى الأبد ثم نوح شيخ المرسلين احتمل في أمر دينه ما احتمل ولم يقل إلا كلمة واحدة على غير وجهها فنودي {فلا تسألني ما ليس لك به علم} نعوذ به من غضبه وأليم عقابه {فاعتبروا يا أولي الأبصار} بنداء خواص الله الدين توجوا بتاج هدايته وذاقوا حلاوة معرفته فخافوا على أنفسهم حرقة الطرد والإهانة ووحشة البعد والضلال ومرارة العزل والإزالة فتضرعوا بالباب مستغيثين ومدوا إليه الأكف مبتهلين ونادوا في الخلوات مستصرخين {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} اللهم ربنا كما وهبت لنا مزية الإنعام في الإبتداء فهب لنا رحمة الإتمام في الإنتهاء (ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين الحديث: 7921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 7922 - (ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا إلا مثل خروج الصبي من بطن أمه من ذلك الغم والظلمة إلى روح الدنيا) بفتح الراء سعتها قال الحكيم: المراد المؤمن الكامل البالغ في الإيمان فإن الدنيا سجنه وهي مظلمة عليه ضيقة حتى يخرج منها إلى روح الآخرة وسعة الملكوت وهذا غير موجود في العامة وقال بعضهم: إن كان في قلة الحاجة الدنيوية غنى ففي انقطاع الحاجة عنها الغنى الأكبر والانقطاع لها إلا بمفارقة الدنيا والدنيا سبب فإقتناء العبودية لغير الله شرك وقبيح بالعاقل صحبة الناقة والتخصيص بعبودية غير رب العزة والموت سبب كمال الإنسان ومن رغب عن كماله فهو من الذين خسروا أنفسهم (الحكيم) في نوادره (عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن مخلد الرعيني قال في اللسان: قال ابن عدي: حدث بالأباطيل عن كل من روى عنه وقال الدارقطني: متروك الحديث الحديث: 7922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 7923 - (ما شد سليمان) بن داود عليهما السلام (طرفه إلى السماء تخشعا حيث أعطاه الله ما أعطاه) من الحكم والعلم والنبوة والملك وجعله الوارث لأبيه دون سائر بينه وكانوا تسعة عشر قال الكشاف: كان داود أكثر تعبدا وسليمان أقضى وأشكر للنعمة (ابن عساكر) في ترجمة سليمان عليه السلام (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الذهبي في الضعفاء: ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما الحديث: 7923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 [ص: 451] 7924 - (ما صبر أهل بيت على جهد) شدة جوع (ثلاثا) من الأيام (إلا أتاهم الله برزق) من حيث لا يحتسبون لأن ذلك ابتلاء من الله فإذا انقضت الثلاثة أيام المحنة أناهم ما وعدوا وإنما كانت أيام المحنة ثلاثا لأن العبد على أجزاء ثلاثة جزء للإيمان وجزء للروح وجزء للنفس فالطمأنينة للإيمان والطاعة للروح والشهوة للنفس فالقلب للإيمان والأركان للروح والجنة للنفس لأن الشهوات في النفس والشهوات تغذو الجثة فإذا منع أول يوم فجاع فصبر فذلك صبر الإيمان لأنه أقوى الثلاثة فإذا جاع الثاني فصبر فذلك صبر الروح يطيع ربه ولا يتناول ما لا يحل فإذا صبر الثالثة فهو صبر النفس فقد تمت المحنة فرزق وأكرم وإنما تقع المحنة في كل وقت على أهل التهمة فالإيمان غير متهم وكذلك الروح وإنما التهمة للنفس فامتحانها بيوم لا يظهر صبرها لأن الإيمان والروح يعينانها وفي الثاني يعينها الروح فإذا صبرت الثلاث فقد أبرزت صبرها وانقادت مستسلمة فرزقت (الحكيم) الترمذي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه أبو رجاء الجريري قال في الميزان عن ابن حبان: روى عن قراب وأهل الجزيرة مناكير كثيرة لا يتابع عليها منها هذا الخبر وقراب بن السائب أبو سليمان قال الذهبي في الضعفاء: قال البخاري: منكر الحديث تركوه وفي اللسان كأصله: متهم ذاهب الحديث وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من الحكيم ممن وضع لهم الرموز مع أن أبا يعلى والبيهقي خرجاه باللفظ المذكور عن ابن عمر قال الهيثمي: ورجاله وثقوا فعدول المصنف للحكيم واقتصاره عليه مع وجوده لذينك وصحة سندهما من ضيق العطن الحديث: 7924 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 7925 - (ما صدقة أفضل من ذكر الله) أي مع رعاية تطهير القلوب عن مرعى الشيطان وقوته وهو الشهوات فمتى طمعت في نيل الدرجات العلى وأملت اندفاع الشيطان عنك بمجرد الذكر كنت كمن طمع أن يشرب دواء قبل الاحتماء والمعدة مشحونة بغليظ الأطعمة ويطمع أن ينفعه كما يطمع الذي شربه بعد الاحتماء وتخلية المعدة فالذكر دواء والتقوى احتماء بتخلي القلب من الشهوات فإذا نزل الذكر قلبا فارغا عن غير الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في معدة خالية عن الأطعمة {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} ومن ساعد الشيطان بعلمه فقد تولاه وإن ذكر الله بلسانه وقد قال تعالى {كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال بل أعلى فقد قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 7925 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 7926 - (ما صف صفوف ثلاثة من المسلمين) الثلاثة مثال لكن جعلهم ثلاثة أفضل (على ميت) أي في الصلاة عليه (إلا أوجب) أي غفر له كما صرحت به رواية الحاكم (هـ ك عن) أبي سعيد (مالك بن هبيرة) بن خالد السكوني صحابي نزل مصر الحديث: 7926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 7927 - (ما صلت امرأة صلاة أحب إلى الله من صلاتها في أشد بيتها ظلمة) لتكامل سترها من نظر غير المحارم مع حصول الإخلاص فاعلم أن ما يفوتهن من سعى الرجال إلى المساجد وعمارتها بالعبادة يدركنه بلزوم بيوتهن وهذا للصلاة فما ظنك بالخروج لغيرها؟ وفي رواية للبيهقي نفسه عن ابن مسعود أيضا والله الذي لا إله غيره ما صلت امرأة صلاة خيرا لها من صلاة تصليها في بيتها إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد الرسول إلا عجوز (هق عن ابن مسعود) مرفوعا وموقوفا ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي: رجاله موثقون الحديث: 7927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 [ص: 452] 7928 - (ما صيد صيد ولا قطعت شجرة إلا بتضييع من التسبيح) زاد الديلمي في رواية وكل شيء يسبح حتى يتغير عن الخلقة التي خلقها الله عز وجل وإن كنتم تسمعون نقض جدركم وسقفكم فإنما هو تسبيح اه قال الكشاف: ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمنا سائر العلوم الدقيقة التي لا تكاد العقلاء يهتدون إليها وهل تسبيح الحيوان أو الجماد بلسان الحال أو القال؟ خلاف وكلام الغزالي مصرح في عدة مواضع بأن تسبيحها بلسان القال قال: في بعضها أرباب القلوب والمشاهدة أنطق الله في حقهم كل ذرة في الأرض والسماوات بقدرته التي أنطق بها كل شيء حتى سمعوا تقديسها وتسبيحها للله وشهادتها على أنفسها بالعجز بلسان ذلق تتكلم بلا حرف ولا صوت لا يسمعه الذين هم عن السمع لمعزولون ولست أعني به السمع الظاهر الذي لا يتجاوز الأصوات فإن الحمار شريك فيه ولا قدر لما يشارك فيه البهائم وإنما أريد به سمعا يدرك به كلاما ليس بحرف ولا صوت ولا هو عربي ولا عجمي (حل عن أبي هريرة) وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لا يعرف ثم قال: بل هو كذاب مشهور اه. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه غير صواب الحديث: 7928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 7929 - (ما ضاق مجلس بمتحابين) ومن ثم قيل سم الخياط مع المحبوب ميدان قال الأصمعي: دخلت على الخليل وهو قاعد على حصير صغير فأومأ لي بالقعود فقلت: أضيق عليك قال: مه إن الدنيا بأسرها لا تسع متاغضين وإن شبرا في شبر يسع متحابين اه. ولكن من آداب الجلوس ما قال سفيان الثوري: ينبغي أن يكون بين الرجلين في الصف قدر ثلثي ذراع أي في غير الصلاة (خط عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي بلا سند الحديث: 7929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 7930 - (ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار) مخافة أن يغضب الله عليه فيعذبه بالنار وهذا إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حكاية عن جبريل كما بينه في رواية ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين من حديث ثابت عن أنس بإسناد كما قال الزين العراقي جيد أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: ما لي لا أرى ميكائيل يضحك فقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار ثم إن هذا الخبر يعارضه خبر الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم تبسم في الصلاة فلما انصرف سئل عنه فقال: رأيت ميكائيل راجعا من طلب القوم وعلى جناحه الغبار يضحك إلي فتبسمت إليه وأجاب السهيلي بأن المراد لم يضحك منذ خلقت النار إلا تلك المرة فالحديث عام أريد به الخصوص أو أنه حدث بالحديث الأول ثم حدث بعده بما حدث من ضحكه إليه <تنبيه> أخذ الإمام الرازي من قوله تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} أنهما أشرف من جميع الملائكة لقولهم إنه إنما أفردهما بالذكر لفضلهما لأنها لكمال فضلهما صارا جنسا واحدا سوى جنس الملائكة قال: فهذا يقتضي كونهما أشرف من جميعهم وإلا لم يصح هذا التأويل قالوا: وإذا ثبت هذا فنقول يجب أن يكون جبريل أفضل من ميكائيل لأنه تعالى قدم جبريل في الذكر وتقديم المفضول على الفاضل في الذكر مستقبح لفظا فواجب أن يكون مستقبح وضعا كقوله ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ولأن جبريل ينزل بالوحي والعلم وهو مادة بقاء الأرواح وميكائيل بالخصب والمطر وهو مادة بقاء الأبدان والعلم أشرف من الأغذية فيجب أن يكون جبريل أفضل ولأنه قال تعالى في صفة جبريل {مطاع ثم أمين} فذكره بوصف المطاع على الإطلاق وهو يقتضي كونه مطاعا بالنسبة إلى ميكائيل فوجب كونه أفضل منه (حم عن أنس) بن مالك قال المنذري: رواه أحمد من حديث إسماعيل بن عياض وبقية رواته ثقات قال الهيثمي: رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين [ص: 453] وهي ضعيفة وبقية رجاله ثقات اه. وبه يعرف ما في رمزه لحسنه قال الحافظ العراقي: ورواه أيضا ابن شاهين في السنة مرسلا وورد ذلك في حق إسرافيل أيضا ورواه البيهقي في الشعب الحديث: 7930 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 7931 - (ما ضحى) بفتح فكسر بضبط المصنف (مؤمن ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فيعود كما ولدته أمه) قال البيهقي: قال أبو القاسم يعني المحرم يكشف للشمس ولا يستظل (طب هب عن عامر بن ربيعة) رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف وأورده الذهبي في الضعفاء فقال: ضعفه مالك وابن معين الحديث: 7931 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 7932 - (ما ضر أحدكم لو كان في بيته محمد ومحمدان وثلاثة) فيه ندب التسمي به قال مالك: ما كان في أهل بيت اسم محمد إلا كثرت بركته وروى الحافظ ابن طاهر السلفي من حديث حميد الطويل عن أنس مرفوعا يوقف عبدان بين يدي الله عز وجل فيقول الله لهما ادخلا الجنة فإني آليت على نفسي أن لا يدخل النار من اسمه محمد ولا أحمد (ابن سعد) في الطبقات (عن عثمان العمري مرسلا) هو عثمان بن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني نزيل البصرة قال في التقريب: صدوق ربما وهم الحديث: 7932 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 7933 - (ما ضرب من) في رواية على (مؤمن عرق إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له به حسنة ورفع له درجة) قال ابن القيم: لا يناقض ما سبق أن المصائب مكفرات لا غير لأن حصول الحسنة إنما هو بصبره الاختياري عليها وهو عمل منه وقال ابن حجر: فيه تعقب على ابن عبد السلام في قوله ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب وليس منه المصائب بل الأجر على الصبر والرضى ووجه الرد أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حلول المصيبة والصبر والرضى قدر زائد يثاب عليهما زيادة على المصيبة وقال القرافي: المصائب كفارات جزما وإن لم يقترن بها الرضى لكن في المقارنة يعظم التكفير كذا قاله: قال ابن حجر: والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازنها وبالرضى يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض من الثواب بما يوازنه (ك) في الجنائز من حديث عمران بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن سالم (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وعمران كوفي وأقره الذهبي ورواه أيضا الطبراني عنها قال المنذري: بإسناد حسن وقال الهيثمي: سنده حسن وقال ابن حجر: سنده جيد الحديث: 7933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 7934 - (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) أي ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل يعني من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة بالباطل وقال القاضي: المراد التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوما عنده أو تعليم غيره ما عنده لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث اه. وقال الغزالي: الإشارة إلى الخلافيات التي أحدثت في هذه الأعصار وأبدع فيها من التحريرات والتصنيفات والمجادلات فإياك أن تحوم حولها واجتنبها اجتناب السم القاتل والداء العضال وهو الذي رد كل الفقهاء إلى طلب المنافسة والمباهاة [ص: 454] ولا تسمع لقولهم الناس أعداء ما جهلوا فعلى الخبير سقطت فاقبل النصح ممن ضيع العمر في ذلك زمانا وزاد فيه على الأولين تصنيفا وتحقيقا وجدلا وثباتا ثم ألهمه الله رشده وأطلعه على غيبه فهجره اه (حم ت هـ ك) في التفسير (عن أبي أمامة) وتمامه ثم تلى هذه الآية {بل هم قوم خصمون} قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص الحديث: 7934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 7935 - (ما طلب الدواء) أي التداوي (بشيء أفضل من شربة عسل) وفيه شفاء للناس وهذا وقع جوابا لسائل اقتضى حاله ذلك (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن عائشة) الحديث: 7935 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 7936 - (ما طلع النجم) يعني الثريا فإنه اسمها بالغلبة لعدم خفائها لكثرتها (صباحا قط) أي عند الصبح (وبقوم) في رواية وبالناس (عاهة) في أنفسهم من نحو مرض ووباء أو ما في مالهم من نحو إبل وثمر (إلا ورفعت عنهم) بالكلية (أو خفت) أي أخذت في النقص والانحطاط ومدة مغيبها نيف وخمسون ليلة لأنها تخفى لقربها من الشمس قبلها وبعدها فإذا بعدت عنها ظهرت في الشرق وقت الصبح قيل: أراد بهذا الخبر أرض الحجاز لأن الحصاد يقع بها في أيار وتدرك الثمار وتأمن من العاهة فالمراد عاهة الثمار خاصة (حم عن أبي هريرة) الحديث: 7936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 7937 - (ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر) بن الخطاب يعني أن ذلك سيكون له في بعض الأزمنة المستقبلة وهو من إفضاء الخلافة إليه إلى موته فإنه حينئذ خير أهل الأرض (ت) في المناقب (ك) في فضائل الصحابة (عن أبي بكر) الصديق قال الترمذي: غريب وليس إسناده بذلك اه. وقال الذهبي: فيه عبد الله بن داود الواسطي ضعفوه وعبد الرحمن بن أبي المنكدر لا يكاد يعرف وفيه كلام والحديث شبه الموضوع اه. وقال في الميزان في ترجمة عبد الله بن داود: في حديثه مناكير وساق هذا منها ثم قال: هذا كذاب اه. وأقره في اللسان عليه الحديث: 7937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 7938 - (ما طهر الله كفا) لفظ رواية الطبراني يدا (فيها خاتم من حديد) أي ما نزهها فالمراد من الطهارة المعنوية (تخ طب) وكذا البزار (عن مسلم بن عبد الرحمن) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءته امرأة يدها كيد الرجل فلم يبايعها حتى تذهب فتغير يديها بصفرة أو بحمرة وجاءه رجل عليه خاتم حديد فقال له: ما طهر الله إلخ. قال الهيثمي: فيه شميسة بنت نبهان لم أعرفها وبقية رجاله ثقات. وقال الذهبي: مسلم هذا له صحبة روت عنه مولاته شميسة ثم إن فيه عياد بن كثير الرملي قال الذهبي: ضعفوه ومنهم تركه الحديث: 7938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 7939 - (ما عال من اقتصد) في المعيشة أي ما افتقر من أنفق فيها قصدا ولم يتجاوز إلى الإسراف أو ما جار ولا جاوز الحد والمعنى إذا لم يبذر بالصرف في معصية الله ولم يقتر فيضيق على عياله ويمنع حقا وجب عليه شحا وقنوطا من خلف الله الذي كفاه المؤمن قال في الإحياء: نعني بالاقتصاد الرفق بالإنفاق وترك الخرق فمن اقتصد فيها أمكنه الإجمال في الطلب ومن ثم قيل: صديق الرجل قصده وعدوه سرفه وقيل: لا خير في السرف ولا سرف في الخير وقيل: لا كثير مع إسراف قال في البحر: ويجوز أن يكون معنى الحديث من قصد الله بالتقى والتوكل عليه لم يحوجه لغيره بل يكفله ويكفيه ويرزقه من حيث لا يحستب {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} فمعناه من يتق الله في الإقبال عليه والإعراض عما سواه يجعل له متسعا [ص: 455] ومن قصد الله سبحانه لم تصبه عيلة وهي اختلال الحال أو الحاجة إلى الناس اه (حم عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال عبد الحق: فيه إبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف وتبعه الهيثمي فجزم بضعفه الحديث: 7939 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 7940 - (ما عبد الله) بضم العين (بشيء أفضل من فقه في دين) لأن أداء العبادة يتوقف على معرفة الفقه إذ الجاهل لا يعرف كيف يتقي لا في جانب الأمر ولا في جانب النهي وبذلك يظهر فضل الفقه وتميزه على سائر العلوم بكونه أهمها وإن كان غيره أشرف والمراد بالفقه المتوقف عليه ذلك ما لا رخصة للمكلف في تركه دون ما يقع إلا نادرا أو نحو ذلك قال الماوردي: ربما مال بعض المتهاونين بالدين إلى العلوم العقلية ورأى أنها أحق بالفضيلة وأولى بالتقدمة اشتغالا لما تضمنه الدين من التكليف واسترذالا لما جاء به الشرع من التعبد ولن يرى ذلك فيمن سلمت فطرته وصحت رويته لأن العقل يمنع أن يكون الناس هملا أو سدى يعتمدون على آرائهم المختلفة وينقادون لأهوائهم المتشعبة لما يؤول إليه أمرهم من الاختلاف والتنازع وتفضي إليه أحوالهم من التباين والتقاطع ولو تصور هذا المختل التصور أن الدين ضرورة في العقل لقصر عن التقصير وأذعن للحق ولكن أهمل نفسه فضل وأضل <تنبيه> هذا التقرير كله بناء على أن المراد بالفقه في الحديث العلم بالأحكام الشرعية الاجتهادية وذهب بعض الصوفية إلى أن المراد به هنا معناه اللغوي فقال: الفقه انكشاف الأمور والفهم هو العارض الذي يعترض في القلب من النور فإذا عرض انفتح بصر القلب فرأى صورة الشيء في صدره حسنا كان أو قبيحا فالانفتاح هو الفقه والعارض هو الفهم وقد أعلم الله أن الفقه من فعل القلب بقوله {لهم قلوب لا يفقهون بها} وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قرأ عليه {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} الآية فقال: حسبي فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: فقه الرجل أي فهم الأمور وقد كلف الله عباده أن يعرفوه ثم بعد المعرفة أن يخضعوا ويدينوا له فشرع لهم الحلال والحرام ليدينوا له بمباشرته فذلك الدين هو الخضوع والدون مشتق من ذلك وكل شيء اتضع فهو دون فأمر المكلف بأمور ليضع نفسه لمن اعترف به ربا فسمى ذلك دينا فمن فقه أسباب هذه الأمور التي أمر بها لماذا أمر تعاظم ذلك عنده وكبر في صدره شأنه فكان أشد شارعا فيما أمر وهربا مما نهى فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها وأقدار الأشياء وحسن تدبير الله في ذلك لهم بنور يقيهم ليعبدوه على بصيرة ويسر ومن حرم ذلك عبده على مكابدة وعسر لأن القلب وإن طاع وانقاد لأمر الله فانلفس إنما تخاف وتنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره والنفس جندها الشهوات ويحتاج صاحبها إلى أضدادها من الجنود لقهرها وهي الفقه لأنه تعالى أحل النكاح وحرم الزنا وإنما هو إتيان واحد لامرأة واحدة لكن ذا بنكاح فشأنه العفة وتحصين الفرج فإذا أتت بولد ثبت نسبه وجاء العطف من الوالد بالنفقة والتربية وإذا كان من زنا فإن كلا من الواطئين محيله على الآخر وحرم الله الدماء وأمر بالقصاص ليتحاجزوا ويحيوا وحرز المال وأمر بقطع السارق ليتمانعوا إلى غير ذلك من أسرار الشريعة التي إذا فهمها المكلف هانت عليه الكلف وعبد الله بانشراح ونشاط وانبساط وذلك فضل العبادة بلا ريب (هب عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه بالقدح في سنده فقال: تفرد به عيسى بن زياد وروي من وجه آخر ضعيف والمحفوظ هذا اللفظ من قول الزهري اه بحروفه فاقتطاع المصنف ذلك من كلامه وحذفه من سوء التصرف ولهذا جزم جمع بضعف الحديث منهم الحافظ العراقي وكان ينبغي للمصنف استيعاب مخرجيه إشارة إلى تقويه فمنهم الطبراني في الأوسط والآجري في فضل العلم وأبو نعيم في رياض المتعلمين من حديث أبي هريرة ورواه الدارقطني عن أبي هريرة وفيه يزيد بن عياض قال النسائي: متروك وقال ابن معين: لا يكتب حديثه وقال الشيخان: منكر الحديث وقال مالك: هو أكذب من ابن سمعان الحديث: 7940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455